السابق

التالي

[16 : 203 ]

و لا حابسا عطاء و لا مجمرا بعثا فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم فإنهم ساستكم المؤدبون و كهفكم الذي إليه تأوون و متى يصلحوا

تصلحوا فلا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم و يطول لذلك حزنكم و لا تدركوا حاجتكم مع أنه لو استجيب لأحد منكم

لكان شرا لكم أسأل الله أن يعين كلا على كل و إذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فانفذوه على أذلاله و ايم الله إن لي فيكم لصرعى

كثيرة فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي. فقام عبد الله بن الأهتم فقال أشهد أيها الأمير لقد أوتيت الحكمة و فصل

الخطاب. فقال كذبت ذاك نبي الله داود. فقام الأحنف فقال إنما الثناء بعد البلاء و الحمد بعد العطاء و إنا لا نثني حتى نبتلى و لا

نحمد حتى نعطى فقال زياد صدقت فقام أبو بلال مرداس بن أدية يهمس و يقول أنبأنا الله بغير ما قلت فقال وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى أَلّا

تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فسمعها زياد فقال يا أبا بلال إنا لا نبلغ ما نريد بأصحابك حتى نخوض إليهم الباطل خوضا. و روى الشعبي قال

قدم زياد الكوفة لما جمعت له مع البصرة فدنوت من المنبر لأسمع كلامه فلم أر أحدا يتكلم فيحسن إلا تمنيت أن يسكت مخافة أن

يسيء إلا زيادا فإنه كان لا يزداد إكثارا إلا ازداد إحسانا فكنت أتمنى ألا يسكت.

[16 : 204 ]

و روى الشعبي أيضا قال لما خطب زياد خطبته البتراء بالبصرة و نزل سمع تلك الليلة أصوات الناس يتحارسون فقال ما هذا قالوا إن

البلد مفتونة و إن المرأة من أهل المصر لتأخذها الفتيان الفساق فيقال لها نادي ثلاث أصوات فإن أجابك أحد و إلا فلا لوم علينا فيما

نصنع فغضب فقال ففيم أنا و فيم قدمت فلما أصبح أمر فنودي في الناس فاجتمعوا فقال أيها الناس إني قد نبئت بما أنتم فيه و سمعت

ذروا منه و قد أنذرتكم و أجلتكم شهرا مسير الرجل إلى الشام و مسيره إلى خراسان و مسيره إلى الحجاز فمن وجدناه بعد شهر

خارجا من منزله بعد العشاء الآخرة فدمه هدر فانصرف الناس يقولون هذا القول كقول من تقدمه من الأمراء فلما كمل الشهر دعا صاحب

شرطته عبد الله بن حصين اليريوعي و كانت رجال الشرطة معه أربعة آلاف فقال له هيئ خيلك و رجلك فإذا صليت العشاء الآخرة و

قرأ القارئ مقدار سبع من القرآن و رفع الطن القصب من القصر فسر و لا تلقين أحدا عبيد الله بن زياد فمن دونه إلا جئتني برأسه و إن

راجعتني في أحد ضربت عنقك. قال فصبح على باب القصر تلك الليلة سبعمائة رأس ثم خرج الليلة الثانية فجاء بخمسين رأسا ثم

خرج الليلة الثالثة فجاء برأس واحد ثم لم يجيء بعدها بشيء و كان الناس إذا صلوا العشاء الآخرة أحضروا إلى منازلهم شدا حثيثا و

قد يترك بعضهم نعاله. كتبت عائشة إلى زياد كتابا فلم تدر ما تكتب عنوانه إن كتبت زياد بن عبيد أو ابن أبيه أغضبته و إن كتبت زياد

بن أبي سفيان أثمت فكتبت من أم المؤمنين إلى ابنها زياد فلما قرأه ضحك و قال لقد لقيت أم المؤمنين من هذا العنوان نصبا

[16 : 205 ]

45- و من كتاب له ع إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و كان عامله على البصرة

و قد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها قوله

أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْف فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَة فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ

وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْم عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ وَ

مَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وَجْهِهِ فَنَلْ مِنْهُ أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُوم إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَ يَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَ

مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَع وَ اجْتِهَاد وَ عِفَّة وَ سَدَاد فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَ لَا

ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً وَ لَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَ لَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا كَقُوتِ أَتَان دَبِرَة وَ لَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى

مِنْ عَفْصَة مَقِرَة

عثمان بن حنيف و نسبه

هو عثمان بن حنيف بضم الحاء بن واهب بن العكم بن ثعلبة بن الحارث الأنصاري

[16 : 206 ]

ثم الأوسي أخو سهل بن حنيف يكنى أبا عمرو و قيل أبا عبد الله عمل لعمر ثم لعلي ع و ولاه عمر مساحة الأرض و جبايتها بالعراق و

ضرب الخراج و الجزية على أهلها و ولاه علي ع على البصرة فأخرجه طلحة و الزبير منها حين قدماها و سكن عثمان الكوفة بعد وفاة

علي ع و مات بها في زمن معاوية.

قوله من فتية البصرة أي من فتيانها أي من شبابها أو من أسخيائها يقال للسخي هذا فتى و الجمع فتية و فتيان و فتو و يروى أن رجلا

من قطان البصرة أي سكانها. و المأدبة بضم الدال الطعام يدعى إليه القوم و قد جاءت بفتح الدال أيضا و يقال أدب فلان القوم

يأدبهم بالكسر أي دعاهم إلى طعامه و الآدب الداعي إليه قال طرفة

نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر

و يقال أيضا آدبهم إلى طعامه يؤدبهم إيدابا و يروى و كثرت عليك الجفان فكرعت و أكلت أكل ذئب نهم أو ضبع قرم. و روي و ما

حسبتك تأكل طعام قوم. ثم ذم أهل البصرة فقال عائلهم مجفو و غنيهم مدعو و العائل الفقير و هذا كقول الشاعر

فإن تملق فأنت لنا عدو فإن تثر فأنت لنا صديق

[16 : 207 ]

ثم أمره بأن يترك ما فيه شبهة إلى ما لا شبهة فيه و سمي ذلك قضما و مقضما و إن كان مما لا يقضم لاحتقاره له و ازدرائه إياه و أنه

عنده ليس مما يستحق أن يسمى بأسماء المرغوب فيه المتنافس عليه و ذلك لأن القضم يطلق على معنيين أحدهما على أكل الشيء

اليابس و الثاني على ما يؤكل ببعض الفم و كلاهما يدلان على أن ذلك المقضم المرغوب عنه لا فيه. ثم ذكر ع حال نفسه فقال إن

إمامكم قد قنع من الدنيا بطمريه و الطمر الثوب الخلق البالي و إنما جعلهما اثنين لأنهما إزار و رداء لا بد منهما أي للجسد و الرأس.

قال و من طعمه بقرصيه أي قرصان يفطر عليهما لا ثالث لهما و روي قد اكتفى من الدنيا بطمريه و سد فورة جوعه بقرصيه لا يطعم

الفلذة في حوليه إلا في يوم أضحية. ثم قال إنكم لن تقدروا على ما أقدر عليه و لكني أسألكم أن تعينوني بالورع و الاجتهاد. ثم

أقسم أنه ما كنز ذهبا و لا ادخر مالا و لا أعد ثوبا باليا سملا لبالي ثوبيه فضلا عن أن يعد ثوبا قشيبا كما يفعله الناس في إعداد ثوب

جديد ليلبسوه عوض الأسمال التي ينزعونها و لا حاز من أرضها شبرا و الضمير في أرضها يرجع إلى دنياكم و لا أخذ منها إلا كقوت

أتان دبرة و هي التي عقر ظهرها فقل أكلها. ثم قال و لهي في عيني أهون من عفصة مقرة أي مرة مقر الشيء بالكسر أي صار مرا و أمقره

بالهمز أيضا قال لبيد

ممقر مر على أعدائه و على الأدنين حلو كالعسل

[16 : 208 ]

بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْم وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ وَ مَا أَصْنَعُ

بِفَدَك وَ غَيْرِ فَدَك وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَد جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا

لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى

جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ

الجدث القبر و أضغطها الحجر جعلها ضاغطة و الهمزة للتعدية و يروى و ضغطها. و قوله مظانها في غد جدث المظان جمع مظنة و هو

موضع الشيء و مألفه الذي يكون فيه قال

فإن يك عامر قد قال جهلا فإن مظنة الجهل الشباب

يقول لا مال لي و لا اقتنيت فيما مضى مالا و إنما كانت في أيدينا فدك فشحت عليها نفوس قوم أي بخلت و سخت عنها نفوس آخرين

سامحت و أغضت و ليس يعني هاهنا بالسخاء إلا هذا لا السخاء الحقيقي لأنه ع و أهله لم يسمحوا بفدك إلا غصبا و قسرا و قد قال

هذه الألفاظ في موضع آخر فيما تقدم و هو يعني الخلافة بعد وفاة رسول الله ص.

[16 : 209 ]

ثم قال و نعم الحكم الله الحكم الحاكم و هذا الكلام كلام شاك متظلم ثم ذكر مال الإنسان و أنه لا ينبغي أن يكترث بالقينات و

الأموال فإنه يصير عن قريب إلى دار البلى و منازل الموتى. ثم ذكر أن الحفرة ضيقة و أنه لو وسعها الحافر لألجأها الحجر المتداعي

و المدر المتهافت إلى أن تضغط الميت و تزحمه و هذا كلام محمول على ظاهره لأنه خطاب للعامة و إلا فأي فرق بين سعة الحفرة و

ضيقها على الميت اللهم إلا أن يقول قائل إن الميت يحس في قبره فإذا قيل ذلك فالجاعل له حساسا بعد عدم الحس هو الذي يوسع

الحفرة و إن كان الحافر قد جعلها ضيقة فإذن هذا الكلام جيد لخطاب العرب خاصة و من يحمل الأمور على ظواهرها. ثم قال و إنما

هي نفسي أروضها بالتقوى يقول تقللي و اقتصاري من المطعم و الملبس على الجشب و الخشن رياضة لنفسي لأن ذلك إنما أعمله

خوفا من الله أن أنغمس في الدنيا فالرياضة بذلك هي رياضة في الحقيقة بالتقوى لا بنفس التقلل و التقشف لتأتي نفسي آمنة يوم

الفزع الأكبر و تثبت في مداحض الزلق

ذكر ما ورد من السير و الأخبار في أمر فدك

و اعلم أنا نتكلم في شرح هذه الكلمات بثلاثة فصول الفصل الأول فيما ورد في الحديث و السير من أمر فدك و الفصل الثاني في هل

النبي ص يورث أم لا و الفصل الثالث في أن فدك هل صح كونها نحلة من رسول الله ص لفاطمة أم لا.

[16 : 210 ]

الفصل الأول فيما ورد من الأخبار و السير المنقولة من أفواه أهل الحديث و كتبهم لا من كتب الشيعة و رجالهم

لأنا مشترطون على أنفسنا ألا نحفل بذلك جميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة

و فدك و ما وقع من الاختلاف و الاضطراب عقب وفاة النبي ص و أبو بكر الجوهري هذا عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه

المحدثون و رووا عنه مصنفاته. قال أبو بكر حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا حيان بن بشر قال حدثنا يحيى بن آدم قال أخبرنا

ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا فسألوا رسول الله ص أن يحقن دماءهم و

يسيرهم ففعل فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك و كانت للنبي ص خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. قال أبو بكر و

روى محمد بن إسحاق أيضا أن رسول الله ص لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فبعثوا إلى رسول الله ص

فصالحوه على النصف من فدك فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق أو بعد ما أقام بالمدينة فقبل ذلك منهم و كانت فدك لرسول

الله ص خالصة له لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. قال و قد روى أنه صالحهم عليها كلها الله أعلم أي الأمرين كان. قال و كان

مالك بن أنس يحدث عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه صالحهم على النصف فلم يزل الأمر كذلك حتى أخرجهم عمر بن

الخطاب و أجلاهم بعد أن عوضهم عن النصف الذي كان لهم عوضا من إبل و غيرها.

[16 : 211 ]

و قال غير مالك بن أنس لما أجلاهم عمر بعث إليهم من يقوم الأموال بعث أبا الهيثم بن التيهان و فروة بن عمرو و حباب بن صخر و

زيد بن ثابت فقوموا أرض فدك و نخلها فأخذها عمر و دفع إليهم قيمة النصف الذي لهم و كان مبلغ ذلك خمسين ألف درهم أعطاهم

إياها من مال أتاه من العراق و أجلاهم إلى الشام.

قال أبو بكر فحدثني محمد بن زكريا قال حدثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي قال حدثني أبي عن الحسين بن صالح بن حي قال

حدثني رجلان من بني هاشم عن زينب بنت علي بن أبي طالب ع قال و قال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه قال أبو بكر و

حدثني عثمان بن عمران العجيفي عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال أبو بكر و

حدثني أحمد بن محمد بن يزيد عن عبد الله بن محمد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن الحسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة

ع إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ في ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول

الله ص حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء و قال بعضهم قبطية و

قالوا قبطية بالكسر و الضم ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم ثم قالت أبتدئ بحمد من

هو أولى بالحمد و الطول و المجد الحمد لله على ما أنعم و له الشكر بما ألهم و ذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها فاتقوا الله

حق تقاته و أطيعوه فيما أمركم به فإنما يخشى الله من عباده العلماء و احمدوا الله الذي لعظمته و نوره يبتغي من في السموات و

الأرض إليه الوسيلة و نحن وسيلته في خلقه و نحن خاصته و محل قدسه و نحن حجته في غيبه و نحن ورثة

[16 : 212 ]

أنبيائه ثم قالت أنا فاطمة ابنة محمد أقول عودا على بدء و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا فاسمعوا بأسماع واعية و قلوب راعية ثم

قالت لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم و أخا

ابن عمي دون رجالكم

ثم ذكرت كلاما طويلا سنذكره فيما بعد في الفصل الثاني

تقول في آخره ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْم يُوقِنُونَ إيها معاشر

المسلمين ابتز إرث أبي أبى الله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك و لا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم

حشرك فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون و لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون من يأتيه

عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم ثم التفتت إلى قبر أبيها فتمثلت بقول هند بنت أثاثة

قد كان بعدك أنباء و هينمة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لما قضيت و حالت دونك الكتب

تجهمتنا رجال و استخف بنا إذا غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

قال و لم ير الناس أكثر باك و لا باكية منهم يومئذ ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت يا معشر البقية و أعضاد الملة و حضنة الإسلام

ما هذه الفترة عن نصرتي و الونية عن معونتي و الغمزة في حقي و السنة عن ظلامتي أ ما كان رسول الله ص يقول المرء يحفظ في ولده

سرعان ما أحدثتم و عجلان ما أتيتم أ لأن مات رسول الله ص أمتم دينه ها إن موته لعمري خطب جليل استوسع وهنه

[16 : 213 ]

و استبهم فتقه و فقد راتقه و أظلمت الأرض له و خشعت الجبال و أكدت الآمال أضيع بعده الحريم و هتكت الحرمة و أذيلت المصونة

و تلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته و أنبأكم بها قبل وفاته فقال وَ ما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ

قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ إيها بني قيلة اهتضم تراث أبي و

أنتم بمرأى و مسمع تبلغكم الدعوة و يشملكم الصوت و فيكم العدة و العدد و لكم الدار و الجنن و أنتم نخبة الله التي انتخب و

خيرته التي اختار باديتم العرب و بادهتم الأمور و كافحتم البهم حتى دارت بكم رحى الإسلام و در حلبه و خبت نيران الحرب و سكنت

فورة الشرك و هدأت دعوة الهرج و استوثق نظام الدين أ فتأخرتم بعد الإقدام و نكصتم بعد الشدة و جبنتم بعد الشجاعة عن قوم

نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى

الخفض و ركنتم إلى الدعة فجحدتم الذي وعيتم و سغتم الذي سوغتم و إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ألا

و قد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم و خور القناة و ضعف اليقين فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ناقبة

الخف باقية العار موسومة الشعار موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فبعين الله ما تعملون وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا

أَيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ

قال و حدثني محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن الضحاك قال حدثنا هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم قال لما كلمت فاطمة ع أبا

بكر بما كلمته به حمد أبو بكر الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال يا خيرة النساء و ابنة خير الآباء و الله ما عدوت رأي رسول

الله ص و ما عملت إلا بأمره و إن الرائد

[16 : 214 ]

لا يكذب أهله و قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت فغفر الله لنا و لك أما بعد فقد دفعت آلة رسول الله و دابته و حذاءه إلى علي ع و

أما ما سوى ذلك فإني سمعت رسول الله ص يقول إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا و لكنا نورث

الإيمان و الحكمة و العلم و السنة فقد عملت بما أمرني و نصحت له و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب

قال أبو بكر و روى هشام بن محمد عن أبيه قال قالت فاطمة لأبي بكر إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله ص أعطاني فدك فقال لها يا

ابنة رسول الله و الله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله ص أبيك و لوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك و الله

لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري أ تراني أعطي الأحمر و الأبيض حقه و أظلمك حقك و أنت بنت رسول الله ص إن هذا المال لم

يكن للنبي ص و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلما توفي رسول الله ص وليته كما

كان يليه قالت و الله لا كلمتك أبدا قال و الله لا هجرتك أبدا قالت و الله لأدعون الله عليك قال و الله لأدعون الله لك فلما حضرتها

الوفاة أوصت ألا يصلي عليها فدفنت ليلا و صلى عليها عباس بن عبد المطلب و كان بين وفاتها و وفاة أبيها اثنتان و سبعون ليلة.

قال أبو بكر و حدثني محمد بن زكريا قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول قال فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه

مقالتها فصعد المنبر و قال أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله ص

[16 : 215 ]

ألا من سمع فليقل و من شهد فليتكلم إنما هو ثعالة شهيده ذنبه مرب لكل فتنة هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت يستعينون

بالضعفة و يستنصرون بالنساء كأم طحال أحب أهلها إليها البغي ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت و لو قلت لبحت إني ساكت ما تركت

ثم التفت إلى الأنصار فقال قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم و أحق من لزم عهد رسول الله ص أنتم فقد جاءكم ف آويتم و

نصرتم ألا إني لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم يستحق ذلك منا

ثم نزل فانصرفت فاطمة ع إلى منزلها. قلت قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري و قلت له بمن

يعرض فقال بل يصرح قلت لو صرح لم أسألك فضحك و قال بعلي بن أبي طالب ع قلت هذا الكلام كله لعلي يقوله قال نعم إنه الملك

يا بني قلت فما مقالة الأنصار قال هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم فسألته عن غريبه فقال أما الرعة بالتخفيف

أي الاستماع و الإصغاء و القالة القول و ثعالة اسم الثعلب علم غير مصروف و مثل ذؤالة للذئب و شهيده ذنبه أي لا شاهد له على ما

يدعي إلا بعضه و جزء منه و أصله مثل قالوا إن الثعلب أراد أن يغرى الأسد بالذئب فقال إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها

لنفسك و كنت حاضرا قال فمن يشهد لك بذلك فرفع ذنبه و عليه دم و كان الأسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته و قتل الذئب و مرب

ملازم أرب بالمكان و كروها جذعة أعيدوها إلى الحال الأولى يعني الفتنة و الهرج و أم طحال امرأة بغي في الجاهلية و يضرب بها

المثل فيقال أزنى من أم طحال.

[16 : 216 ]

قال أبو بكر و حدثني محمد بن زكريا قال حدثني ابن عائشة قال حدثني أبي عن عمه قال لما كلمت فاطمة أبا بكر بكى ثم قال يا ابنة

رسول الله و الله ما ورث أبوك دينارا و لا درهما و إنه قال إن الأنبياء لا يورثون فقالت إن فدك وهبها لي رسول الله ص قال فمن

يشهد بذلك فجاء علي بن أبي طالب ع فشهد و جاءت أم أيمن فشهدت أيضا فجاء عمر بن الخطاب و عبد الرحمن بن عوف فشهد أن

رسول الله ص كان يقسمها قال أبو بكر صدقت يا ابنة رسول الله ص و صدق علي و صدقت أم أيمن و صدق عمر و صدق عبد الرحمن بن

عوف و ذلك أن مالك لأبيك كان رسول الله ص يأخذ من فدك قوتكم و يقسم الباقي و يحمل منه في سبيل الله فما تصنعين بها قالت

أصنع بها كما يصنع بها أبي قال فلك على الله أن أصنع فيها كما يصنع فيها أبوك قالت الله لتفعلن قال الله لأفعلن قالت اللهم اشهد

و كان أبو بكر يأخذ غلتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم و يقسم الباقي و كان عمر كذلك ثم كان عثمان كذلك ثم كان علي كذلك فلما

ولي الأمر معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثها و أقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها و أقطع يزيد بن معاوية ثلثها و

ذلك بعد موت الحسن بن علي ع فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان بن الحكم أيام خلافته فوهبها لعبد العزيز ابنه

فوهبها عبد العزيز لابنه عمر بن عبد العزيز فلما ولي عمر بن العزيز الخلافة كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي

طالب ع و قيل بل دعا علي بن الحسين ع فردها عليه و كانت بيد أولاد فاطمة ع مدة ولاية عمر بن عبد العزيز فلما ولي يزيد بن عاتكة

قبضها منهم فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها حتى انتقلت الخلافة عنهم فلما ولي أبو العباس السفاح ردها على عبد

الله

[16 : 217 ]

بن الحسن بن الحسن ثم قبضها أبو جعفر لما حدث من بني حسن ما حدث ثم ردها المهدي ابنه على ولد فاطمة ع ثم قبضها موسى بن

المهدي و هارون أخوه فلم تزل أيديهم حتى ولي المأمون فردها على الفاطميين قال أبو بكر حدثني محمد بن زكريا قال حدثني مهدي

بن سابق قال جلس المأمون للمظالم فأول رقعة وقعت في يده نظر فيها و بكى و قال للذي على رأسه ناد أين وكيل فاطمة فقام شيخ

عليه دراعة و عمامة و خف تعزى فتقدم فجعل يناظره في فدك و المأمون يحتج عليه و هو يحتج على المأمون ثم أمر أن يسجل لهم

بها فكتب السجل و قرئ عليه فأنفذه فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها

أصبح وجه الزمان قد ضحكا برد مأمون هاشم فدكا

فلم تزل في أيديهم حتى كان في أيام المتوكل فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار و كان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله ص

بيده فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها فإذا قدم الحجاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل

فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر و وجه رجلا يقال له بشران بن أبي أمية الثقفي إلى المدينة فصرمه ثم عاد إلى البصرة ففلج.

قال أبو بكر أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا سويد بن سعيد و الحسن بن عثمان قالا حدثنا الوليد بن محمد عن الزهري عن عروة

عن عائشة أن فاطمة ع أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ص و هي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله ص بالمدينة و فدك

و ما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر

[16 : 218 ]

إن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال و إني و الله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله ص

عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ص و لأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله ص فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها

شيئا فوجدت من ذلك على أبي بكر و هجرته فلم تكلمه حتى توفيت و عاشت بعد أبيها ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي ع ليلا و لم

يؤذن بها أبا بكر. قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا إسحاق بن إدريس قال حدثنا محمد بن أحمد عن معمر عن الزهري عن عروة

عن عائشة أن فاطمة و العباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ص و هما حينئذ يطلبان أرضه بفدك و سهمه بخيبر فقال

لهما أبو بكر إني سمعت رسول الله ص يقول لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد ص من هذا المال و إني و الله لا أغير أمرا

رأيت رسول الله ص يصنعه إلا صنعته قال فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عمر بن عاصم و موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمه عن الكلبي عن أبي صالح عن أم

هانئ أن فاطمة قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت قال ولدي و أهلي قالت فما لك ترث رسول الله ص دوننا قال يا ابنة رسول الله ما ورث

أبوك دارا و لا مالا و لا ذهبا و لا فضة قالت بلى سهم الله الذي جعله لنا و صار فيئنا الذي بيدك فقال لها سمعت رسول الله ص يقول

إنما هي طعمة أطعمناها الله فإذا مت كانت بين المسلمين

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن الفضل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال

أرسلت فاطمة إلى أبي بكر

[16 : 219 ]

أنت ورثت رسول الله ص أم أهله قال بل أهله قالت فما بال سهم رسول الله ص قال إني سمعت رسول الله ص يقول إن الله أطعم

نبيه طعمة ثم قبضه و جعله للذي يقوم بعده فوليت أنا بعده على أن أرده على المسلمين قالت أنت و ما سمعت من رسول الله ص أعلم

قلت في هذا الحديث عجب لأنها قالت له أنت ورثت رسول الله ص أم أهله قال بل أهله و هذا تصريح بأنه ص موروث يرثه أهله و هو

خلاف قوله لا نورث و أيضا فإنه يدل على أن أبا بكر استنبط من قول رسول الله ص أن الله أطعم نبيا طعمة أن يجري رسول الله ص

عند وفاته مجرى ذلك النبي ص أو يكون قد فهم أنه عنى بذلك النبي المنكر لفظا نفسه كما فهم من قوله في خطبته إن عبدا خيره الله

بين الدنيا و ما عند ربه فاختار ما عند ربه فقال أبو بكر بل نفديك بأنفسنا.

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال أخبرنا القعنبي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمر عن أبي سلمة أن فاطمة طلبت فدك

من أبي بكر فقال إني سمعت رسول الله ص يقول إن النبي لا يورث من كان النبي يعوله فأنا أعوله و من كان النبي ص ينفق عليه فأنا

أنفق عليه فقالت يا أبا بكر أ يرثك بناتك و لا يرث رسول الله ص بناته فقال هو ذاك

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير قال حدثنا فضيل بن مرزوق قال حدثنا البحتري بن حسان قال

قلت لزيد بن علي ع و أنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر إن أبا بكر انتزع فدك من فاطمة ع فقال إن أبا بكر كان رجلا

[16 : 220 ]

رحيما و كان يكره أن يغير شيئا فعله رسول الله ص فأتته فاطمة فقالت إن رسول الله ص أعطاني فدك فقال لها هل لك على هذا بينة

فجاءت بعلي ع فشهد لها ثم جاءت أم أيمن فقالت أ لستما تشهدان أني من أهل الجنة قالا بلى قال أبو زيد يعني أنها قالت لأبي بكر و

عمر قالت فأنا أشهد أن رسول الله ص أعطاها فدك فقال أبو بكر فرجل آخر أو امرأة أخرى لتستحقي بها القضية ثم قال أبو زيد و ايم

الله لو رجع الأمر إلي لقضيت فيها بقضاء أبي بكر

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا يحيى بن المتوكل أبو عقيل عن كثير النوال قال قلت لأبي جعفر

محمد بن علي ع جعلني الله فداك أ رأيت أبا بكر و عمر هل ظلماكم من حقكم شيئا أو قال ذهبا من حقكم بشيء فقال لا و الذي أنزل

القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا ما ظلمنا من حقنا مثقال حبة من خردل قلت جعلت فداك أ فأتولاهما قال نعم ويحك تولهما في

الدنيا و الآخرة و ما أصابك ففي عنقي ثم قال فعل الله بالمغيرة و بنان فإنهما كذبا علينا أهل البيت

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عبد الله بن نافع و القعنبي عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أزواج النبي ص أردن

لما توفي أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن أو قال ثمنهن قالت فقلت لهن أ ليس قد قال النبي ص لا نورث ما تركنا

صدقة

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عبد الله بن نافع و القعنبي و بشر بن عمر عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة

عن النبي ص قال لا يقسم ورثتي دينارا و لا درهما ما تركت بعد نفقة نسائي و مئونة عيالي فهو صدقة

[16 : 221 ]

قلت هذا حديث غريب لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده. و

قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد عن الحزامي عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول

سمعت رسول الله ص يقول و الذي نفسي بيده لا يقسم ورثتي شيئا ما تركت صدقة

قال و كانت هذه الصدقة بيد علي ع غلب عليها العباس و كانت فيها خصومتهما فأبى عمر أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها العباس و

غلب عليها ع ثم كانت بيد حسن و حسين ابني علي ع ثم كانت بيد علي بن الحسين ع و الحسن بن الحسن كلاهما يتداولانها ثم بيد

زيد بن علي ع قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عثمان بن عمر بن فارس قال حدثنا يونس عن الزهري عن مالك بن أوس بن

الحدثان أن عمر بن الخطاب دعاه يوما بعد ما ارتفع النهار قال فدخلت عليه و هو جالس على سرير رمال ليس بينه و بين الرمال فراش

على وسادة أدم فقال يا مالك إنه قد قدم من قومك أهل أبيات حضروا المدينة و قد أمرت لهم برضخ فاقسمه بينهم فقلت يا أمير

المؤمنين مر بذلك غيري قال اقسم أيها المرء قال فبينا نحن على ذلك إذ دخل يرفأ فقال هل لك في عثمان و سعد و عبد الرحمن و

الزبير يستأذنون عليك قال نعم فأذن لهم قال ثم لبث قليلا ثم جاء فقال هل لك في علي و العباس يستأذنان عليك قال ائذن لهما فلما

دخلا قال عباس يا أمير المؤمنين اقض بيني و بين هذا يعني عليا و هما يختصمان في الصوافي التي أفاء الله على رسوله

[16 : 222 ]

من أموال بني النضير قال فاستب علي و العباس عند عمر فقال عبد الرحمن يا أمير المؤمنين اقض بينهما و أرح أحدهما من الآخر فقال

عمر أنشدكم الله الذي تقوم بإذنه السماوات و الأرض هل تعلمون أن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة يعني نفسه قالوا

قد قال ذلك فأقبل على العباس و علي فقال أنشدكما الله هل تعلمان ذلك قالا نعم قال عمر فإني أحدثكم عن هذا الأمر أن الله تبارك و

تعالى خص رسوله ص في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره قال تعالى وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَ لا

رِكاب وَ لكِنَّ اللّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ و كانت هذه خاصة لرسول الله ص فما اختارها دونكم و لا

استأثر بها عليكم لقد أعطاكموها و ثبتها فيكم حتى بقي منها هذا المال و كان ينفق منه على أهله سنتهم ثم يأخذ ما بقي فيجعله فيما

يجعل مال الله عز و جل فعل ذلك في حياته ثم توفي فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله ص فقبضه الله و قد عمل فيها بما عمل به

رسول الله ص و أنتما حينئذ و التفت إلى علي و العباس تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم فاجر و الله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع

للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا أولى الناس بأبي بكر و برسول الله ص فقبضتها سنتين أو قال سنين من إمارتي أعمل فيها مثل ما

عمل به رسول الله ص و أبو بكر ثم قال و أنتما و أقبل على العباس و علي تزعمان أني فيها ظالم فاجر و الله يعلم أني فيها بار راشد

تابع للحق ثم جئتماني و كلمتكما واحدة و أمركما جميع فجئتني يعني العباس تسألني نصيبك من ابن أخيك و جاءني هذا يعني عليا

يسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما أن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة فلما بدا لي أن

[16 : 223 ]

أدفعها إليكما قلت أدفعها على أن عليكما عهد الله و ميثاقه لتعملان فيها بما عمل رسول الله ص و أبو بكر و بما عملت به فيها و إلا

فلا تكلماني فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك أ فتلتمسان مني قضاء غير ذلك و الله الذي تقوم بإذنه السماوات و الأرض

لا أقضي بينكما بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها.

قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا إسحاق بن إدريس قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثني يونس عن الزهري قال حدثني

مالك بن أوس بن الحدثان بنحوه قال فذكرت ذلك لعروة فقال صدق مالك بن أوس أنا سمعت عائشة تقول أرسل أزواج النبي ص

عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسأل لهن ميراثهن من رسول الله ص مما أفاء الله عليه حتى كنت أردهن عن ذلك فقلت أ لا تتقين الله أ لم

تعلمن أن رسول الله ص كان يقول لا نورث ما تركناه صدقة يريد بذلك نفسه إنما يأكل آل محمد من هذا المال فانتهى أزواج النبي

ص إلى ما أمرتهن به

قلت هذا مشكل لأن الحديث الأول يتضمن أن عمر أقسم على جماعة فيهم عثمان فقال نشدتكم الله أ لستم تعلمون أن رسول الله ص

قال لا نورث ما تركناه صدقة يعني نفسه فقالوا نعم و من جملتهم عثمان فكيف يعلم بذلك فيكون مترسلا لأزواج النبي ص يسأله أن

يعطيهن الميراث اللهم إلا أن يكون عثمان و سعد و عبد الرحمن و الزبير صدقوا عمر على سبيل التقليد لأبي بكر فيما رواه و حسن

الظن و سموا ذلك علما لأنه قد يطلق على الظن اسم العلم.

[16 : 224 ]

فإن قال قائل فهلا حسن ظن عثمان برواية أبي بكر في مبدإ الأمر فلم يكن رسولا لزوجات النبي ص في طلب الميراث قيل له يجوز أن

يكون في مبدإ الأمر شاكا ثم يغلب على ظنه صدقه لأمارات اقتضت تصديقه و كل الناس يقع لهم مثل ذلك. و هاهنا إشكال آخر و هو

أن عمر ناشد عليا و العباس هل تعلمان ذلك فقالا نعم فإذا كانا يعلمانه فكيف جاء العباس و فاطمة إلى أبي بكر يطلبان الميراث على

ما ذكره في خبر سابق على هذا الخبر و قد أوردناه نحن و هل يجوز أن يقال كان العباس يعلم ذلك ثم يطلب الإرث الذي لا يستحقه و

هل يجوز أن يقال أن عليا كان يعلم ذلك و يمكن زوجته أن تطلب ما لا تستحقه خرجت من دارها إلى المسجد و نازعت أبا بكر و كلمته

بما كلمته إلا بقوله و إذنه و رأيه و أيضا فإنه إذا كان ص لا يورث فقد أشكل دفع آلته و دابته و حذائه إلى علي ع لأنه غير وارث في

الأصل و إن كان أعطاه ذلك لأن زوجته بعرضه أن ترث لو لا الخبر فهو أيضا غير جائز لأن الخبر قد منع أن يرث منه شيئا قليلا كان أو

كثيرا. فإن قال قائل نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا قيل هذا الكلام يفهم من مضمونه أنهم لا

يورثون شيئا أصلا لأن عادة العرب جارية بمثل ذلك و ليس يقصدون نفي ميراث هذه الأجناس المعدودة دون غيرها بل يجعلون ذلك

كالتصريح بنفي أن يورثوا شيئا ما على الإطلاق. و أيضا فإنه جاء في خبر الدابة و الآلة و الحذاء أنه روي عن النبي ص لا نورث ما

تركناه صدقة و لم يقل لا نورث كذا و لا كذا و ذلك يقتضي عموم انتفاء الإرث عن كل شيء

[16 : 225 ]

و أما الخبر الثاني و هو الذي رواه هشام بن محمد الكلبي عن أبيه ففيه إشكال أيضا لأنه قال إنها طلبت فدك و قالت إن أبي أعطانيها

و إن أم أيمن تشهد لي بذلك فقال لها أبو بكر في الجواب إن هذا المال لم يكن لرسول الله ص و إنما كان مالا من أموال المسلمين

يحمل به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلقائل أن يقول له أ يجوز للنبي ص أن يملك ابنته أو غير ابنته من أفناء الناس ضيعة

مخصوصة أو عقارا مخصوصا من مال المسلمين لوحي أوحى الله تعالى إليه أو لاجتهاد رأيه على قول من أجاز له أن يحكم بالاجتهاد

أو لا يجوز للنبي ص ذلك فإن قال لا يجوز قال ما لا يوافقه العقل و لا المسلمون عليه و إن قال يجوز ذلك قيل فإن المرأة ما اقتصرت

على الدعوى بل قالت أم أيمن تشهد لي فكان ينبغي أن يقول لها في الجواب شهادة أم أيمن وحدها غير مقبولة و لم يتضمن هذا

الخبر ذلك بل قال لها لما ادعت و ذكرت من يشهد لها هذا مال من مال الله لم يكن لرسول الله ص و هذا ليس بجواب صحيح. و أما

الخبر الذي رواه محمد بن زكريا عن عائشة ففيه من الإشكال مثل ما في هذا الخبر لأنه إذا شهد لها علي ع و أم أيمن أن رسول الله ص

وهب لها فدك لم يصح اجتماع صدقها و صدق عبد الرحمن و عمر و لا ما تكلفه أبو بكر من تأويل ذلك بمستقيم لأن كونها هبة من

رسول الله ص لها يمنع من قوله كان يأخذ منها قوتكم و يقسم الباقي و يحمل منه في سبيل الله لأن هذا ينافي كونها هبة لها لأن

معنى كونها لها انتقالها إلى ملكيتها و أن تتصرف فيها خاصة دون كل أحد من الناس و ما هذه صفته كيف يقسم و يحمل منه في سبيل

الله.

[16 : 226 ]

فإن قال قائل هو ص أبوها و حكمه في مالها كحكمه في ماله و في بيت مال المسلمين فلعله كان بحكم الأبوة يفعل ذلك قيل فإذا كان

يتصرف فيها تصرف الأب في مال ولده لا يخرجه ذلك عن كونه مال ولده فإذا مات الأب لم يجز لأحد أن يتصرف في مال ذلك الولد لأنه

ليس باب له فيتصرف في ماله تصرف الآباء في أموال أولادهم على أن الفقهاء أو معظمهم لا يجيزون للأب أن يتصرف في مال الابن. و

هاهنا إشكال آخر و هو قول عمر لعلي ع و العباس و أنتما حينئذ تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم فاجر ثم قال لما ذكر نفسه و أنتما

تزعمان أني فيها ظالم فاجر فإذا كانا يزعمان ذلك فكيف يزعم هذا الزعم مع كونهما يعلمان أن رسول الله ص قال لا أورث إن هذا

لمن أعجب العجائب و لو لا أن هذا الحديث أعني حديث خصومة العباس و علي عند عمر مذكور في الصحاح المجمع عليها لما أطلت

العجب من مضمونه إذ لو كان غير مذكور في الصحاح لكان بعض ما ذكرناه يطعن في صحته و إنما الحديث في الصحاح لا ريب في

ذلك. قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا ابن أبي شيبة قال حدثنا ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن مالك بن أوس بن الحدثان قال

جاء العباس و علي إلى عمر فقال العباس اقض بيني و بين هذا الكذا و كذا أي يشتمه فقال الناس افصل بينهما فقال لا أفصل بينهما قد

علما أن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة. قلت و هذا أيضا مشكل لأنهما حضرا يتنازعان لا في الميراث بل في ولاية صدقة

رسول الله ص أيهما يتولاها ولاية لا إرثا و على هذا كانت الخصومة

[16 : 227 ]

فهل يكون جواب ذلك قد علما أن رسول الله ص قال لا نورث. قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثني يحيى بن كثير أبو غسان قال

حدثنا شعبة عن عمر بن مرة عن أبي البختري قال جاء العباس و علي إلى عمر و هما يختصمان فقال عمر لطلحة و الزبير و عبد الرحمن

و سعد أنشدكم الله أ سمعتم رسول الله ص يقول كل مال نبي فهو صدقة إلا ما أطعمه أهله إنا لا نورث فقالوا نعم قال و كان رسول

الله يتصدق به و يقسم فضله ثم توفي فوليه أبو بكر سنتين يصنع فيه ما كان يصنع رسول الله ص و أنتما تقولان أنه كان بذلك

خاطئا و كان بذلك ظالما و ما كان بذلك إلا راشدا ثم وليته بعد أبي بكر فقلت لكما إن شئتما قبلتماه على عمل رسول الله ص و عهده

الذي عهد فيه فقلتما نعم و جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي و يقول هذا أريد نصيبي من امرأتي و الله لا

أقضي بينكما إلا بذلك. قلت و هذا أيضا مشكل لأن أكثر الروايات أنه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده ذكر ذلك أعظم المحدثين

حتى إن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد و قال شيخنا أبو علي لا تقبل في

الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة فخالفه المتكلمون و الفقهاء كلهم و احتجوا عليه بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده نحن معاشر

الأنبياء لا نورث حتى إن بعض أصحاب أبي علي تكلف لذلك جوابا فقال قد روي أن أبا بكر يوم حاج فاطمة ع قال أنشد الله امرأ

سمع من رسول الله ص في هذا شيئا فروى مالك بن أوس بن الحدثان أنه سمعه من رسول الله ص و هذا الحديث ينطق

[16 : 228 ]

بأنه استشهد عمر و طلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعدا فقالوا سمعناه من رسول الله ص فأين كانت هذه الروايات أيام أبي بكر ما

نقل أن أحدا من هؤلاء يوم خصومة فاطمة ع و أبي بكر روى من هذا شيئا. قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا محمد

بن يحيى عن إبراهيم بن أبي يحيى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أزواج النبي ص أرسلن عثمان إلى أبي بكر فذكر الحديث قال

عروة و كانت فاطمة قد سألت ميراثها من أبي بكر مما تركه النبي ص فقال لها بأبي أنت و أمي و بأبي أبوك و أمي و نفسي إن كنت

سمعت من رسول الله ص شيئا أو أمرك بشيء لم أتبع غير ما تقولين و أعطيتك ما تبتغين و إلا فإني أتبع ما أمرت به.

قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا عمرو بن مرزوق عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال قال لها أبو بكر لما طلبت فدك

بأبي أنت و أمي أنت عندي الصادقة الأمينة إن كان رسول الله ص عهد إليك في ذلك عهدا أو وعدك به وعدا صدقتك و سلمت إليك

فقالت لم يعهد إلي في ذلك بشيء و لكن الله تعالى يقول يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ فقال أشهد لقد سمعت رسول الله ص يقول إنا

معاشر الأنبياء لا نورث

قلت و في هذا من الإشكال ما هو ظاهر لأنها قد ادعت أنه عهد إليها رسول الله ص في ذلك أعظم العهد و هو النحلة فكيف سكتت عن

ذكر هذا لما سألها أبو بكر و هذا أعجب من العجب.

[16 : 229 ]

قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عبد الله الأنصاري عن ابن

شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال سمعت عمر و هو يقول للعباس و علي و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و طلحة أنشدكم الله

هل تعلمون أن رسول الله ص قال إنا لا نورث معاشر الأنبياء ما تركنا صدقة قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول

الله ص يدخل في فيئه أهله السنة من صدقاته ثم يجعل ما بقي في بيت المال قالوا اللهم نعم فلما توفي رسول الله ص قبضها أبو بكر

فجئت يا عباس تطلب ميراثك من ابن أخيك و جئت يا علي تطلب ميراث زوجتك من أبيها و زعمتما أن أبا بكر كان فيها خائنا فاجرا و

الله لقد كان امرأ مطيعا تابعا للحق ثم توفي أبو بكر فقبضتها فجئتماني تطلبان ميراثكما أما أنت يا عباس فتطلب ميراثك من ابن

أخيك و أما علي فيطلب ميراث زوجته من أبيها و زعمتما أني فيها خائن و فاجر و الله يعلم أني فيها مطيع تابع للحق فأصلحا أمركما و

إلا و الله لم ترجع إليكما فقاما و تركا الخصومة و أمضيت صدقة. قال أبو زيد قال أبو غسان فحدثنا عبد الرزاق الصنعاني عن معمر بن

شهاب عن مالك بنحوه و قال في آخره فغلب علي عباسا عليها فكانت بيد علي ثم كانت بيد الحسن ثم كانت بيد الحسين ثم علي بن

الحسين ثم الحسن بن الحسن ثم زيد بن الحسن. قلت و هذا الحديث يدل صريحا على أنهما جاءا يطلبان الميراث لا الولاية و هذا

من المشكلات لأن أبا بكر حسم المادة أولا و قرر عند العباس و علي و غيرهما أن النبي ص لا يورث و كان عمر من المساعدين له على

ذلك فكيف يعود

[16 : 230 ]

العباس و علي بعد وفاة أبي بكر يحاولان امرأ قد كان فرغ منه و يئس من حصوله اللهم إلا أن يكونا ظنا أن عمر ينقض قضاء أبي بكر

في هذه المسألة و هذا بعيد لأن عليا و العباس كانا في هذه المسألة يتهمان عمر بممالأة أبي بكر على ذلك أ لا تراه يقول نسبتماني و

نسبتما أبا بكر إلى الظلم و الخيانة فكيف يظنان أنه ينقض قضاء أبي بكر و يورثهما و اعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة أبا بكر

كان في أمرين في الميراث و النحلة و قد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث و منعها أبو بكر إياه أيضا و هو سهم ذوي القربى

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري أخبرني أبو زيد عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عمير قال حدثنا الوليد بن مسلم قال

حدثني صدقة أبو معاوية عن محمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك أن فاطمة ع

أتت أبا بكر فقالت لقد علمت الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات و ما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى

ثم قرأت عليه قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى الآية فقال لها أبو بكر بأبي أنت و

أمي و والد ولدك السمع و الطاعة لكتاب الله و لحق رسول الله ص و حق قرابته و أنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرءين منه و لم يبلغ

علمي منه أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملا قالت أ فلك هو و لأقربائك قال لا بل أنفق عليكم منه و أصرف الباقي في

مصالح المسلمين قالت ليس هذا حكم الله تعالى قال هذا حكم الله فإن كان رسول الله عهد إليك

[16 : 231 ]

في هذا عهدا أو أوجبه لكم حقا صدقتك و سلمته كله إليك و إلى أهلك قالت إن رسول الله ص لم يعهد إلي في ذلك بشيء إلا أني

سمعته يقول لما أنزلت هذه الآية أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى قال أبو بكر لم يبلغ علمي من هذه الآية أن أسلم إليكم هذا

السهم كله كاملا و لكن لكم الغنى الذي يغنيكم و يفضل عنكم و هذا عمر بن الخطاب و أبو عبيدة بن الجراح فاسأليهم عن ذلك و

انظري هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم فانصرفت إلى عمر فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر فقال لها مثل ما قاله لها أبو بكر فعجبت

فاطمة ع من ذلك و تظنت أنهما كانا قد تذاكرا ذلك و اجتمعا عليه

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا هارون بن عمير قال حدثنا الوليد عن ابن أبي لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال أرادت فاطمة

أبا بكر على فدك و سهم ذوي القربى فأبى عليها و جعلهما في مال الله تعالى. قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا أحمد بن معاوية

عن هيثم عن جويبر عن أبي الضحاك عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ع أن أبا بكر منع فاطمة و بني هاشم سهم ذوي القربى

و جعله في سبيل الله في السلاح و الكراع.

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا حيان بن هلال عن محمد بن يزيد بن ذريع عن محمد بن إسحاق قال سألت أبا جعفر محمد بن

علي ع قلت أ رأيت عليا حين ولي العراق و ما ولي من أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى قال سلك بهم طريق أبي بكر و عمر

قلت و كيف و لم و أنتم تقولون ما تقولون قال أما و الله ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه فقلت فما منعه قال كان يكره

[16 : 232 ]

أن يدعى عليه مخالفة أبي بكر و عمر

قال أبو بكر و حدثني المؤمل بن جعفر قال حدثني محمد بن ميمون عن داود بن المبارك قال أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن

حسن بن الحسن و نحن راجعون من الحج في جماعة فسألناه عن مسائل و كنت أحد من سأله فسألته عن أبي بكر و عمر فقال سئل

جدي عبد الله بن الحسن بن الحسن عن هذه المسألة فقال كانت أمي صديقة بنت نبي مرسل فماتت و هي غضبى على إنسان فنحن

غضاب لغضبها و إذا رضيت رضينا. قال أبو بكر و حدثني أبو جعفر محمد بن القاسم قال حدثني علي بن الصباح قال أنشدنا أبو الحسن

رواية المفضل للكميت

أهوى عليا أمير المؤمنين و لا أرضى بشتم أبي بكر و لا عمرا

و لا أقول و إن لم يعطيا فدكا بنت النبي و لا ميراثها كفرا

الله يعلم ما ذا يحضران به يوم القيامة من عذر إذا اعتذرا

قال ابن الصباح فقال لي أبو الحسن أ تقول إنه قد أكفرهما في هذا الشعر قلت نعم قال كذاك هو.

قال أبو بكر حدثنا أبو زيد عن هارون بن عمير عن الوليد بن مسلم عن إسماعيل بن عباس عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن مولى

أم هانئ قال دخلت فاطمة على أبي بكر بعد ما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها فقالت له لئن مت اليوم من كان يرثك قال

ولدي و أهلي قالت فلم ورثت أنت رسول الله ص دون ولده و أهله قال فما فعلت يا بنت رسول الله ص قالت بلى إنك عمدت إلى فدك

و كانت صافية لرسول الله ص فأخذتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال يا بنت رسول الله

[16 : 233 ]

ص لم أفعل حدثني رسول الله ص أن الله تعالى يطعم النبي ص الطعمة ما كان حيا فإذا قبضه الله إليه رفعت فقالت أنت و رسول الله

أعلم ما أنا بسائلتك بعد مجلسي ثم انصرفت

قال أبو بكر و حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي عن عبد الله بن حماد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن

حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين ع قالت لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله ص الوجع و ثقلت في علتها اجتمع عندها نساء

من نساء المهاجرين و الأنصار فقلن لها كيف أصبحت يا ابنة رسول الله ص قالت و الله أصبحت عائفة لدنياكم قالية لرجالكم

لفظتهم بعد أن عجمتهم و شنئتهم بعد أن سبرتهم فقبحا لفلول الحد و خور القناة و خطل الرأي و بئسما قدمت لهم أنفسهم أن سخط

الله عليهم و في العذاب هم خالدون لا جرم قد قلدتهم ربقتها و شنت عليهم غارتها فجدعا و عقرا و سحقا للقوم الظالمين ويحهم أين

زحزحوها عن رواسي الرسالة و قواعد النبوة و مهبط الروح الأمين و الطيبين بأمر الدنيا و الدين ألا ذلك هو الخسران المبين و ما

الذي نقموا من أبي حسن نقموا و الله نكير سيفه و شدة وطأته و نكال وقعته و تنمره في ذات الله و تالله لو تكافوا عن زمام نبذه

إليه رسول الله ص لاعتلقه و لسار إليهم سيرا سجحا لا تكلم حشاشته و لا يتعتع راكبه و لأوردهم منهلا نميرا فضفاضا يطفح ضفتاه و

لأصدرهم بطانا قد تحير بهم الرأي غير متحل بطائل إلا بغمر الناهل و ردعه سورة الساغب و لفتحت عليهم بركات من السماء و

الأرض و سيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ألا هلم فاستمع و ما عشت

[16 : 234 ]

أراك الدهر عجبه و إن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى أي لجإ استندوا و بأي عروة تمسكوا لبئس المولى و لبئس العشير و لبئس

للظالمين بدلا استبدلوا و الله الذنابى بالقوادم و العجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم

المفسدون و لكن لا يشعرون ويحهم أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون أما لعمر

الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوها طلاع العقب دما عبيطا و ذعاقا ممقرا هنالك يخسر المبطلون و يعرف التالون غب ما

أسس الأولون ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا و اطمئنوا للفتنة جأشا و أبشروا بسيف صارم و هرج شامل و استبداد من الظالمين يدع

فيئكم زهيدا و جمعكم حصيدا فيا حسرة عليكم و أنى لكم و قد عميت عليكم أ نلزمكموها و أنتم لها كارهون و الحمد لله رب

العالمين و صلاته على محمد خاتم النبيين و سيد المرسلين

قلت هذا الكلام و إن لم يكن فيه ذكر فدك و الميراث إلا أنه من تتمة ذلك و فيه إيضاح لما كان عندها و بيان لشدة غيظها و غضبها

فإنه سيأتي فيما بعد ذكر ما يناقض به قاضي القضاة و المرتضى في أنها هل كانت غضبى أم لا و نحن لا ننصر مذهبا بعينه و إنما نذكر

ما قيل و إذا جرى بحث نظري قلنا ما يقوى في أنفسنا منه. و اعلم أنا إنما نذكر في هذا الفصل ما رواه رجال الحديث و ثقاتهم و ما

أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه و هو من الثقات الأمناء عند أصحاب الحديث و أما ما يرويه رجال الشيعة و الأخباريون

منهم في كتبهم من قولهم إنهما أهاناها و أسمعاها كلاما غليظا و إن أبا بكر رق لها حيث لم يكن عمر حاضرا فكتب لها بفدك كتابا فلما

خرجت به وجدها عمر فمد يده إليه ليأخذه مغالبة فمنعته فدفع بيده في صدرها

[16 : 235 ]

و أخذ الصحيفة فخرقها بعد أن تفل فيها فمحاها و إنها دعت عليه فقالت بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي فشيء لا يرويه أصحاب

الحديث و لا ينقلونه و قدر الصحابة يجل عنه و كان عمر أتقى لله و أعرف لحقوق الله من ذلك و قد نظمت الشيعة بعض هذه الواقعة

التي يذكرونها شعرا أوله أبيات لمهيار بن مرزويه الشاعر من قصيدته التي أولها

يا ابنة القوم تراك بالغ قتلي رضاك

و قد ذيل عليها بعض الشيعة و أتمها و الأبيات

يا ابنة الطاهر كم تقرع بالظلم عصاك

غضب الله لخطب ليلة الطف عراك

و رعى النار غدا قط رعى أمس حماك

مر لم يعطفه شكوى و لا استحيا بكاك

و اقتدى الناس به بعد فأردى ولداك

يا ابنة الراقي إلى السدرة في لوح السكاك

لهف نفسي و على مثلك فلتبك البواكي

كيف لم تقطع يد مد إليك ابن صحاك

فرحوا يوم أهانوك بما ساء أباك

و لقد أخبرهم أن رضاه في رضاك

دفعا النص على إرثك لما دفعاك

و تعرضت لقدر تافه و انتهراك

[16 : 236 ]

و ادعيت النحلة المشهود فيها بالصكاك

فاستشاطا ثم ما إن كذبا إن كذباك

فزوى الله عن الرحمة زنديقا ذواك

و نفى عن بابه الواسع شيطانا نفاك

فانظر إلى هذه البلية التي صبت من هؤلاء على سادات المسلمين و أعلام المهاجرين و ليس ذلك بقادح في علو شأنهم و جلالة

مكانهم كما أن مبغضي الأنبياء و حسدتهم و مصنفي الكتب في إلحاق العيب و التهجين لشرائعهم لم تزدد لأنبيائهم إلا رفعة و لا

زادت شرائعهم إلا انتشارا في الأرض و قبولا في النفس و بهجة و نورا عند ذوي الألباب و العقول. و قال لي علوي في الحلة يعرف

بعلي بن مهنإ ذكي ذو فضائل ما تظن قصد أبي بكر و عمر بمنع فاطمة فدك قلت ما قصدا قال أرادا ألا يظهرا لعلي و قد اغتصباه الخلافة

رقة ولينا و خذلانا و لا يرى عندهما خورا فأتبعا القرح بالقرح. و قلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل و

هل كانت فدك إلا نخلا يسيرا و عقارا ليس بذلك الخطير فقال لي ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جدا و كان فيها من النخل نحو ما

بالكوفة الآن من النخل و ما قصد أبو بكر و عمر بمنع فاطمة عنها إلا ألا يتقوى علي بحاصلها و غلتها على المنازعة في الخلافة و لهذا

أتبعا ذلك بمنع فاطمة و علي و سائر بني هاشم و بني المطلب حقهم في الخمس فإن

[16 : 237 ]

الفقير الذي لا مال له تضعف همته و يتصاغر عند نفسه و يكون مشغولا بالاحتراف و الاكتساب عن طلب الملك و الرئاسة فانظر إلى ما

قد وقر في صدور هؤلاء و هو داء لا دواء له و ما أكثر ما تزول الأخلاق و الشيم فأما العقائد الراسخة فلا سبيل إلى زوالها

الفصل الثاني في النظر في أن النبي ص هل يورث أم لا

نذكر في هذا الموضع ما حكاه المرتضى رحمه الله في الشافي عن قاضي القضاة في هذا المعنى و ما اعترضه به و إن استضعفنا شيئا من

ذلك قلنا ما عندنا و إلا تركناه على حاله. قال المرتضى أول ما ابتدأ به قاضي القضاة حكايته عنا استدلالنا على أنه ص مورث بقوله

تعالى يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و هذا الخطاب عام يدخل فيه النبي و غيره. ثم أجاب يعني قاضي القضاة

عن ذلك فقال إن الخبر الذي احتج به أبو بكر يعني

قوله نحن معاشر الأنبياء لا نورث

لم يقتصر على روايته هو وحده حتى استشهد عليه عمر و عثمان و طلحة و الزبير و سعدا و عبد الرحمن فشهدوا به فكان لا يحل لأبي

بكر و قد صار الأمر إليه أن يقسم التركة ميراثا و قد خبر رسول الله ص بأنها صدقة و ليست بميراث و أقل ما في هذا الباب أن يكون

الخبر من أخبار الآحاد

[16 : 238 ]

فلو أن شاهدين شهدا في التركة أن فيها حقا أ ليس كان يجب أن يصرف ذلك عن الإرث فعلمه بما قال رسول الله ص مع شهادة غيره

أقوى و لسنا نجعله مدعيا لأنه لم يدع ذلك لنفسه و إنما بين أنه ليس بميراث و أنه صدقة و لا يمتنع تخصيص القرآن بذلك كما

يخص في العبد و القاتل و غيرهما و ليس ذلك بنقص في الأنبياء بل هو إجلال لهم يرفع الله به قدرهم عن أن يورثوا المال و صار

ذلك من أوكد الدواعي ألا يتشاغلوا بجمعه لأن أحد الدواعي القوية إلى ذلك تركه على الأولاد و الأهلين و لما سمعت فاطمة ع ذلك

من أبي بكر كفت عن الطلب فيما ثبت من الأخبار الصحيحة فلا يمتنع أن تكون غير عارفة بذلك فطلبت الإرث فلما روى لها ما روى

كفت فأصابت أولا و أصابت ثانيا. و ليس لأحد أن يقول كيف يجوز أن يبين النبي ص ذلك للقوم و لا حق لهم في الإرث و يدع أن يبين

ذلك لمن له حق في الإرث مع أن التكليف يتصل به و ذلك لأن التكليف في ذلك يتعلق بالإمام فإذا بين له جاز ألا يبين لغيره و يصير

البيان له بيانا لغيره و إن لم يسمعه من الرسول لأن هذا الجنس من البيان يجب أن يكون بحسب المصلحة. قال ثم حكى عن أبي

علي أنه قال أ تعلمون كذب أبي بكر في هذه الرواية أم تجوزون أن يكون صادقا قال و قد علم أنه لا شيء يقطع به على كذبه فلا بد

من تجويز كونه صادقا و إذا صح ذلك قيل لهم فهل كان يحل له مخالفة الرسول فإن قالوا لو كان صدقا لظهر و اشتهر قيل لهم إن

ذلك من باب العمل و لا يمتنع أن ينفرد بروايته جماعة يسيرة بل الواحد و الاثنان مثل سائر الأحكام و مثل الشهادات فإن قالوا

نعلم أنه لا يصح لقوله تعالى في كتابه وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ قيل لهم

[16 : 239 ]

و من أين أنه ورثه الأموال مع تجويز أن يكون ورثه العلم و الحكمة فإن قالوا إطلاق الميراث لا يكون إلا في الأموال قيل لهم إن

كتاب الله يبطل قولكم لأنه قال ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا و الكتاب ليس بمال و يقال في اللغة ما ورثت الأبناء

عن الآباء شيئا أفضل من أدب حسن و قالوا العلماء ورثة الأنبياء و إنما ورثوا منهم العلم دون المال على أن في آخر الآية ما يدل على

ما قلناه و هو قوله تعالى حاكيا عنه وَ قالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْء إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ فنبه

على أن الذي ورث هو هذا العلم و هذا الفضل و إلا لم يكن لهذا القول تعلق بالأول فإن قالوا فقد قال تعالى فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا

يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ و ذلك يبطل الخبر قيل لهم ليس في ذلك بيان المال أيضا و في الآية ما يدل على أن المراد النبوة و

العلم لأن زكريا خاف على العلم أن يندرس و قوله وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي يدل على ذلك لأن الأنبياء لا تحرص على الأموال

حرصا يتعلق خوفها بها و إنما أراد خوفه على العلم أن يضيع فسأل الله تعالى وليا يقوم بالدين مقامه و قوله وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ

يدل على أن المراد العلم و الحكمة لأنه لا يرث أموال يعقوب في الحقيقة و إنما يرث ذلك غيره قال فأما من يقول إن المراد أنا

معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة أي ما جعلناه صدقة في حال حياتنا لا نورثه فركيك من القول لأن إجماع الصحابة يخالفه لأن

أحدا لم يتأوله على هذا الوجه لأنه لا يكون في ذلك تخصيص الأنبياء و لا مزية لهم و لأن قوله ما تركناه صدقة جملة من الكلام

مستقلة بنفسها كأنه

[16 : 240 ]

ع مع بيانه أنهم لا يورثون المال يبين أنه صدقة لأنه كان يجوز ألا يكون ميراثا و يصرف إلى وجه آخر غير الصدقة. قال فأما خبر

السيف و البغلة و العمامة و غير ذلك فقد قال أبو علي إنه لم يثبت أن أبا بكر دفع ذلك إلى أمير المؤمنين ع على جهة الإرث كيف

يجوز ذلك مع الخبر الذي رواه و كيف يجوز لو كان وارثا أن يخصه بذلك و لا إرث له مع العم لأنه عصبة فإن كان وصل إلى فاطمة

ع فقد كان ينبغي أن يكون العباس شريكا في ذلك و أزواج رسول الله ص و لوجب أن يكون ذلك ظاهرا مشهورا ليعرف أنهم أخذوا

نصيبهم من ذلك أو بدله و لا يجب إذا لم يدفع أبو بكر ذلك إليه على جهة الإرث ألا يحصل ذلك في يده لأنه قد يجوز أن يكون النبي

ص نحله ذلك و يجوز أيضا أن يكون أبو بكر رأى الصلاح في ذلك أن يكون بيده لما فيه من تقوية الدين و تصدق ببدله بعد التقويم

لأن الإمام له أن يفعل ذلك. قال و حكى عن أبي علي في البرد و القضيب أنه لم يمتنع أن يكون جعله عدة في سبيل الله و تقوية على

المشركين فتداولته الأئمة لما فيه من التقوية و رأى أن ذلك أولى من أن يتصدق به إن ثبت أنه ع لم يكن قد نحله غيره في حياته ثم

عارض نفسه بطلب أزواج النبي ص الميراث و تنازع أمير المؤمنين ع و العباس بعد موت فاطمة ع و أجاب عن ذلك بأن قال يجوز أن

يكونوا لم يعرفوا رواية أبي بكر و غيره للخبر. و قد روي أن عائشة لما عرفتهن الخبر أمسكن و قد بينا أنه لا يمتنع في مثل ذلك أن

يخفى على من يستحق الإرث و يعرفه من يتقلد الأمر كما يعرف العلماء و الحكام من أحكام المواريث ما لا يعلمه أرباب الإرث و قد

بينا أن رواية أبي بكر مع الجماعة

[16 : 241 ]

أقوى من شاهدين لو شهد أن بعض تركته ع دين و هو أقوى من رواية سلمان و ابن مسعود لو رويا ذلك. قال و متى تعلقوا بعموم

القرآن أريناهم جواز التخصيص بهذا الخبر كما أن عموم القرآن يقتضي كون الصدقات للفقراء و قد ثبت أن آل محمد لا تحل لهم

الصدقة. هذا آخر ما حكاه المرتضى من كلام قاضي القضاة. ثم قال نحن نبين أولا ما يدل على أنه ص يورث المال و نرتب الكلام في

ذلك الترتيب الصحيح ثم نعطف على ما أورده و نتكلم عليه. قال رضي الله عنه و الذي يدل على ما ذكرنا قوله تعالى مخبرا عن زكريا

ع وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا

فخبر أنه خاف من بني عمه لأن الموالي هاهنا هم بنو العم بلا شبهة و إنما خافهم أن يرثوا ماله فينفقوه في الفساد لأنه كان يعرف

ذلك من خلائقهم و طرائقهم فسأل ربه ولدا يكون أحق بميراثه منهم و الذي يدل على أن المراد بالميراث المذكور ميراث المال دون

العلم و النبوة على ما يقولون إن لفظة الميراث في اللغة و الشريعة لا يفيد إطلاقها إلا على ما يجوز أن ينتقل على الحقيقة من

الموروث إلى الوارث كالأموال و ما في معناها و لا يستعمل في غير المال إلا تجوزا و اتساعا و لهذا لا يفهم من قول القائل لا وارث

لفلان إلا فلان و فلان يرث مع فلان بالظاهر و الإطلاق إلا ميراث الأموال و الأعراض دون العلوم و غيرها و ليس لنا أن نعدل عن ظاهر

الكلام و حقيقته إلى مجازه بغير دلالة و أيضا فإنه تعالى خبر عن نبيه أنه اشترط في وارثه أن يكون رضيا و متى لم يحمل الميراث

في الآية على المال دون العلم

[16 : 242 ]

و النبوة لم يكن للاشتراط معنى و كان لغوا و عبثا لأنه إذا كان إنما سأل من يقوم مقامه و يرث مكانه فقد دخل الرضا و ما هو أعظم

من الرضا في جملة كلامه و سؤاله فلا مقتضي لاشتراطه أ لا ترى أنه لا يحسن أن يقول اللهم ابعث إلينا نبيا و اجعله عاقلا و مكلفا

فإذا ثبتت هذه الجملة صح أن زكريا موروث ماله و صح أيضا لصحتها أن نبينا ص ممن يورث المال لأن الإجماع واقع على أن حال

نبينا ع لا يخالف حال الأنبياء المتقدمين في ميراث المال فمن مثبت للأمرين و ناف للأمرين. قلت إن شيخنا أبا الحسين قال في

كتاب الغرر صورة الخبر الوارد في هذا الباب و هو الذي رواه أبو بكر لا نورث و لم يقل نحن معاشر الأنبياء لا نورث فلا يلزم من

كون زكريا يورث الطعن في الخبر و تصفحت أنا كتب الصحاح في الحديث فوجدت صيغة الخبر كما قاله أبو الحسين و إن كان

رسول الله ص عنى نفسه خاصة بذلك فقد سقط احتجاج الشيعة بقصة زكريا و غيره من الأنبياء إلا أنه يبعد عندي أن يكون أراد نفسه

خاصة لأنه لم تجر عادته أن يخبر عن نفسه في شيء بالنون. فإن قلت أ يصح من المرتضى أن يوافق على أن صورة الخبر هكذا ثم

يحتج بقصة زكريا بأن يقول إذا ثبت أن زكريا موروث ثبت أن رسول الله ص يجوز أن يكون موروثا لإجماع الأمة على أن لا فرق بين

الأنبياء كلهم في هذا الحكم. قلت و إن ثبت له هذا الإجماع صح احتجاجه و لكن ثبوته يبعد لأن من نفى كون زكريا ع موروثا من

الأمة إنما نفاه لاعتقاده أن رسول الله ص قال نحن معاشر الأنبياء فإذا كان لم يقل هكذا لم يقل إن زكريا ع غير موروث

[16 : 243 ]

قال المرتضى و مما يقوي ما قدمناه أن زكريا ع خاف بني عمه فطلب وارثا لأجل خوفه و لا يليق خوفه منهم إلا بالمال دون العلم و

النبوة لأنه ع كان أعلم بالله تعالى من أن يخاف أن يبعث نبيا ليس بأهل للنبوة و أن يورث علمه و حكمه من ليس أهلا لهما و لأنه

إنما بعث لإذاعة العلم و نشره في الناس فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في البعثة فإن قيل هذا يرجع عليكم في الخوف

عن إرث المال لأن ذلك غاية الضن و البخل قلنا معاذ الله أن يستوي الحال لأن المال قد يصح أن يرزقه الله تعالى المؤمن و الكافر

و العدو و الولي و لا يصح ذلك في النبوة و علومها و ليس من الضن أن يأسى على بني عمه و هم من أهل الفساد أن يظفروا بماله

فينفقوه على المعاصي و يصرفوه في غير وجوهه المحبوبة بل ذلك غاية الحكمة و حسن التدبير في الدين لأن الدين يحظر تقوية

الفساق و إمدادهم بما يعينهم على طرائقهم المذمومة و ما يعد ذلك شحا و لا بخلا إلا من لا تأمل له. فإن قيل أ فلا جاز أن يكون خاف

من بني عمه أن يرثوا علمه و هم من أهل الفساد على ما ادعيتم فيستفسدوا به الناس و يموهوا به عليهم قلنا لا يخلو هذا العلم الذي

أشرتم إليه من أن يكون هو كتب علمه و صحف حكمته لأن ذلك قد يسمى علما على طريق المجاز أو يكون هو العلم الذي يحل القلب

فإن كان الأول فهو يرجع إلى معنى المال و يصحح أن الأنبياء يورثون أموالهم و ما في معناها و إن كان الثاني لم يخل هذا من أن

يكون هو العلم الذي بعث النبي لنشره و أدائه أو أن يكون علما مخصوصا لا يتعلق بالشريعة و لا يجب إطلاع جميع الأمة عليه كعلم

العواقب و ما يجري في مستقبل الأوقات و ما جرى مجرى ذلك و القسم الأول لا يجوز على النبي أن يخاف من وصوله إلى بني عمه و

هم من جملة أمته الذين بعث لإطلاعهم على ذلك و تأديته إليهم و كأنه على هذا الوجه يخاف مما هو الغرض من بعثته و القسم الثاني

فاسد أيضا لأن

[16 : 244 ]

هذا العلم المخصوص إنما يستفاد من جهته و يوقف عليه بإطلاعه و إعلامه و ليس هو مما يجب نشره في جميع الناس فقد كان يجب

إذا خاف من إلقائه إلى بعض الناس فسادا ألا يلقيه إليه فإن ذلك في يده و لا يحتاج إلى أكثر من ذلك. قلت لعاكس أن يعكس هذا على

المرتضى رحمه الله حينئذ و يقول له و قد كان يجب إذا خاف من أن يرث بنو عمه أمواله فينفقوها في الفساد أن يتصدق بها على

الفقراء و المساكين فإن ذلك في يده فيحصل له ثواب الصدقة و يحصل له غرضه من حرمان أولئك المفسدين ميراثه. قال المرتضى

رضي الله عنه و مما يدل على أن الأنبياء يورثون قوله تعالى وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ و الظاهر من إطلاق لفظة الميراث يقتضي الأموال

و ما في معناها على ما دللنا به من قبل. قال و يدل على ذلك أيضا قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ

الآية و قد أجمعت الأمة على عموم هذه اللفظة إلا من أخرجه الدليل فيجب أن يتمسك بعمومها لمكان هذه الدلالة و لا يخرج عن

حكمها إلا من أخرجه دليل قاطع. قلت أما قوله تعالى وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ فظاهرها يقتضي وراثة النبوة أو الملك أو العلم الذي قال

في أول الآية وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ عِلْماً لأنه لا معنى لذكر ميراث سليمان المال فإن غيره من أولاد داود قد ورث أيضا أباه داود

و في كتب اليهود و النصارى أن بني داود كانوا تسعة عشر و قد قال بعض المسلمين أيضا ذلك فأي معنى في تخصيص سليمان بالذكر

إذا كان إرث المال و أما يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ فالبحث في تخصيص ذلك بالخبر فرع من فروع مسألة خبر الواحد هل هو حجة

في

[16 : 245 ]

الشرعيات أم لا فإن ثبت مذهب المرتضى في كونه ليس بحجة فكلامه هنا جيد و إن لم يثبت فلا مانع من تخصيص العموم بالخبر

فإن الصحابة قد خصصت عمومات الكتاب بالأخبار في مواضع كثيرة. قال المرتضى و أما تعلق صاحب الكتاب بالخبر الذي رواه أبو

بكر و ادعاؤه أنه استشهد عمر و عثمان و فلانا و فلانا فأول ما فيه أن الذي ادعاه من الاستشهاد غير معروف و الذي روي أن عمر

استشهد هؤلاء النفر لما تنازع أمير المؤمنين ع و العباس رضي الله عنه في الميراث فشهدوا بالخبر المتضمن لنفي الميراث و إنما

مقول مخالفينا في صحة الخبر الذي رواه أبو بكر عند مطالبة فاطمة ع بالإرث على إمساك الأمة عن النكير عليه و الرد لقضيته. قلت

صدق المرتضى رحمه الله فيما قال أما عقيب وفاة النبي ص و مطالبة فاطمة ع بالإرث فلم يرو الخبر إلا أبو بكر وحده و قيل إنه رواه

معه مالك بن أوس بن الحدثان و أما المهاجرون الذين ذكرهم قاضي القضاة فإنما شهدوا بالخبر في خلافة عمر و قد تقدم ذكر ذلك. قال

المرتضى ثم لو سلمنا استشهاد من ذكر على الخبر لم يكن فيه حجة لأن الخبر على كل حال لا يخرج من أن يكون غير موجب للعلم و

هو في حكم أخبار الآحاد و ليس يجوز أن يرجع عن ظاهر القرآن بما يجرى هذا المجرى لأن المعلوم لا يخص إلا بمعلوم و إذا كانت

دلالة الظاهر معلومة لم يجز أن يخرج عنها بأمر مظنون. قال و هذا الكلام مبني على أن التخصيص للكتاب و السنة المقطوع بها لا يقع

السابق

التالي