السابق

التالي

[16 : 154 ]

و تتيه في ضلالة و تعتصم بغير حجة و تلوذ بأضعف شبهة فأما سؤالك المتاركة و الإقرار لك على الشام فلو كنت فاعلا ذلك اليوم

لفعلته أمس و أما قولك إن عمر ولاكه فقد عزل من كان ولاه صاحبه و عزل عثمان من كان عمر ولاه و لم ينصب للناس إمام إلا ليرى من

صلاح الأمة إماما قد كان ظهر لمن قبله أو أخفى عنهم عيبه و الأمر يحدث بعده الأمر و لكل وال رأي و اجتهاد فسبحان الله ما أشد

لزومك للأهواء المبتدعة و الحيرة المتبعة

إلى آخر الفصل. و أما قوله ع إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك إلى آخره فقد روى البلاذري قال لما أرسل عثمان إلى معاوية

يستمده بعث يزيد بن أسد القسري جد خالد بن عبد الله بن يزيد أمير العراق و قال له إذا أتيت ذا خشب فأقم بها و لا تتجاوزها و لا

تقل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فإنني أنا الشاهد و أنت الغائب. قال فأقام بذي خشب حتى قتل عثمان فاستقدمه حينئذ معاوية فعاد

إلى الشام بالجيش الذي كان أرسل معه و إنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان فيدعو إلى نفسه. و كتب معاوية إلى ابن عباس عند

صلح الحسن ع له كتابا يدعوه فيه إلى بيعته و يقول له فيه و لعمري لو قتلتك بعثمان رجوت أن يكون ذلك لله رضا و أن يكون رأيا

صوابا فإنك من الساعين عليه و الخاذلين له و السافكين دمه و ما جرى بيني و بينك صلح فيمنعك مني و لا بيدك أمان. فكتب إليه ابن

عباس جوابا طويلا يقول فيه و أما قولك إني من الساعين على عثمان و الخاذلين له و السافكين دمه و ما جرى بيني و بينك صلح

فيمنعك مني

[16 : 155 ]

فأقسم بالله لأنت المتربص بقتله و المحب لهلاكه و الحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره و لقد أتاك كتابه و صريخه يستغيث

بك و يستصرخ فما حفلت به حتى بعثت إليه معذرا بأجرة أنت تعلم إنهم لن يتركوه حتى يقتل فقتل كما كنت أردت ثم علمت عند ذلك

أن الناس لن يعدلوا بيننا و بينك فطفقت تنعى عثمان و تلزمنا دمه و تقول قتل مظلوما فإن يك قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين ثم

لم تزل مصوبا و مصعدا و جاثما و رابضا تستغوي الجهال و تنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ

مَتاعٌ إِلى حِين

[16 : 156 ]

38- و من كتاب له ع إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ غَضِبُوا لِلَّهِ حِينَ عُصِيَ فِي أَرْضِهِ وَ ذُهِبَ بِحَقِّهِ فَضَرَبَ الْجَوْرُ سُرَادِقَهُ عَلَى الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ

وَ الْمُقِيمِ وَ الظَّاعِنِ فَلَا مَعْرُوفٌ يُسْتَرَاحُ إِلَيْهِ وَ لَا مُنْكَرٌ يُتَنَاهَى عَنْهُ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَا يَنَامُ أَيَّامَ الْخَوْفِ وَ لَا

يَنْكُلُ عَنِ الْأَعْدَاءِ سَاعَاتِ الرَّوْعِ أَشَدَّ عَلَى الْفُجَّارِ مِنْ حَرِيقِ النَّارِ وَ هُوَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو مَذْحِج فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا أَمْرَهُ فِيمَا

طَابَقَ الْحَقَّ فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ لَا كَلِيلُ الظُّبَةِ وَ لَا نَابِي الضَّرِيبَةَ فَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فَانْفِرُوا وَ إِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تُقِيمُوا فَأَقِيمُوا

فَإِنَّهُ لَا يُقْدِمُ وَ لَا يُحْجِمُ وَ لَا يُؤَخِّرُ وَ لَا يُقَدِّمُ إِلَّا عَنْ أَمْرِي وَ قَدْ آثَرْتُكُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِي لِنَصِيحَتِهِ لَكُمْ وَ شِدَّةِ شَكِيمَتِهِ عَلَى عَدُوِّكُمْ

هذا الفصل يشكل علي تأويله لأن أهل مصر هم الذين قتلوا عثمان و إذا شهد أمير المؤمنين ع أنهم غضبوا لله حين عصي في الأرض

فهذه شهادة قاطعة على عثمان بالعصيان و إتيان المنكر و يمكن أن يقال و إن كان متعسفا إن الله تعالى

[16 : 157 ]

عصي في الأرض لا من عثمان بل من ولاته و أمرائه و أهله و ذهب بينهم بحق الله و ضرب الجور سرادقه بولايتهم و أمرهم على البر و

الفاجر و المقيم و الظاعن فشاع المنكر و فقد المعروف يبقى أن يقال هب أن الأمر كما تأولت فهؤلاء الذين غضبوا لله إلى ما ذا آل

أمرهم أ ليس الأمر آل إلى أنهم قطعوا المسافة من مصر إلى المدينة فقتلوا عثمان فلا تعدو حالهم أمرين إلا أن يكونوا أطاعوا الله

بقتله فيكون عثمان عاصيا مستحقا للقتل أو يكونوا أسخطوا الله تعالى بقتله فعثمان إذا على حق و هم الفساق العصاة فكيف يجوز

أن يبجلهم أو يخاطبهم خطاب الصالحين و يمكن أن يجاب عن ذلك بأنهم غضبوا لله و جاءوا من مصر و أنكروا على عثمان تأميره

الأمراء الفساق و حصروه في داره طلبا أن يدفع إليهم مروان ليحبسوه أو يؤدبوه على ما كتبه في أمرهم فلما حصر طمع فيه مبغضوه

و أعداؤه من أهل المدينة و غيرها و صار معظم الناس إلبا عليه و قل عدد المصريين بالنسبة إلى ما اجتمع من الناس على حصره و

مطالبته بخلع نفسه و تسليم مروان و غيره من بني أمية إليهم و عزل عماله و الاستبدال بهم و لم يكونوا حينئذ يطلبون نفسه و

لكن قوما منهم و من غيرهم تسوروا داره فرماهم بعض عبيده بالسهام فجرح بعضهم فقادت الضرورة إلى النزول و الإحاطة به و تسرع

إليه واحد منهم فقتله ثم إن ذلك القاتل قتل في الوقت و قد ذكرنا ذلك فيما تقدم و شرحناه فلا يلزم من فسق ذلك القاتل و عصيانه

أن يفسق الباقون لأنهم ما أنكروا إلا المنكر و أما القتل فلم يقع منهم و لا راموه و لا أرادوه فجاز أن يقال إنهم غضبوا لله و أن يثنى

عليهم و يمدحهم. ثم وصف الأشتر بما وصفه به و مثل قوله لا ينام أيام الخوف قولهم لا ينام ليلة يخاف و لا يشبع ليلة يضاف و قال

[16 : 158 ]

فأتت به حوش الفؤاد مبطنا سهدا إذا ما نام ليل الهوجل

ثم أمرهم أن يطيعوه فيما يأمرهم به مما يطابق الحق و هذا من شدة دينه و صلابته ع لم يسامح نفسه في حق أحب الخلق إليه أن

يهمل هذا القيد

قال رسول الله ص لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

و قال أبو حنيفة قال لي الربيع في دهليز المنصور إن أمير المؤمنين يأمرني بالشيء بعد الشيء من أمور ملكه فأنفذه و أنا خائف على

ديني فما تقول في ذلك قال و لم يقل لي ذلك إلا في ملإ الناس فقلت له أ فيأمر أمير المؤمنين بغير الحق قال لا قلت فلا بأس عليك أن

تفعل بالحق قال أبو حنيفة فأراد أن يصطادني فاصطدته. و الذي صدع بالحق في هذا المقام الحسن البصري قال له عمر بن هبيرة

أمير العراق في خلافة يزيد بن عبد الملك في ملإ من الناس منهم الشعبي و ابن سيرين يا أبا سعيد إن أمير المؤمنين يأمرني بالشيء

اعلم أن في تنفيذه الهلكة في الدين فما تقول في ذلك قال الحسن ما ذا أقول إن الله مانعك من يزيد و لن يمنعك يزيد من الله يا عمر

خف الله و اذكر يوما يأتيك تتمخض ليلته عن القيامة أنه سينزل عليك ملك من السماء فيحطك عن سريرك إلى قصرك و يضطرك من

قصرك إلى لزوم فراشك ثم ينقلك عن فراشك إلى قبرك ثم لا يغني عنك إلا عملك فقام عمر بن هبيرة باكيا يصطك لسانه. قوله فإنه

سيف من سيوف الله هذا لقب خالد بن الوليد و اختلف فيمن

[16 : 159 ]

لقبه به فقيل لقبه به رسول الله ص و الصحيح أنه لقبه به أبو بكر لقتاله أهل الردة و قتله مسيلمة. و الظبة بالتخفيف حد السيف و

النابي من السيوف الذي لا يقطع و أصله نبا أي ارتفع فلما لم يقطع كان مرتفعا فسمي نابيا و في الكلام حذف تقديره و لا ناب ضارب

الضريبة و ضارب الضريبة هو حد السيف فأما الضريبة نفسها فهو الشيء المضروب بالسيف و إنما دخلته الهاء و إن كان بمعنى

مفعول لأنه صار في عداد الأسماء كالنطيحة و الأكيلة. ثم أمرهم بأن يطيعوه في جميع ما يأمرهم به من الإقدام و الإحجام و قال إنه

لا يقدم و لا يؤخر إلا عن أمري و هذا إن كان قاله مع أنه قد سنح له أن يعمل برأيه في أمور الحرب من غير مراجعته فهو عظيم جدا

لأنه يكون قد أقامه مقام نفسه و جاز أن يقول إنه لا يفعل شيئا إلا عن أمري و إن كان لا يراجعه في الجزئيات على عادة العرب في

مثل ذلك لأنهم يقولون فيمن يثقون به نحو ذلك و قد ذهب كثير من الأصوليين إلى أن الله تعالى قال لمحمد ص احكم بما شئت في

الشريعة فإنك لا تحكم إلا بالحق و إنه كان يحكم من غير مراجعته لجبرائيل و إن الله تعالى قد قال في حقه وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى

إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحى و إن كان ع قال هذا القول عن الأشتر لأنه قد قرر معه بينه و بينه ألا يعمل شيئا قليلا و لا كثيرا إلا بعد مراجعته

فيجوز و لكن هذا بعيد لأن المسافة طويلة بين العراق و مصر و كانت الأمور هناك تقف و تفسد. ثم ذكر أنه آثرهم به على نفسه و

هكذا قال عمر لما أنفذ عبد الله بن مسعود إلى الكوفة في كتابه إليهم قد آثرتكم به على نفسي و ذلك أن عمر كان يستفتيه في

الأحكام و علي ع كان يصول على الأعداء بالأشتر و يقوي أنفس جيوشه بمقامه بينهم فلما بعثه إلى مصر كان مؤثرا لأهل مصر به على

نفسه

[16 : 160 ]

39- و من كتاب له ع إلى عمرو بن العاص

فَإِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبَعاً لِدُنْيَا امْرِئ ظَاهِر غَيُّهُ مَهْتُوك سِتْرُهُ يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ وَ يُسَفِّهُ الْحَلِيمَ بِخِلْطَتِهِ فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ وَ طَلَبْتَ

فَضْلَهُ اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ يَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ وَ يَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتِهِ فَأَذْهَبْتَ دُنْيَاكَ وَ آخِرَتَكَ وَ لَوْ بِالْحَقِّ أَخَذْتَ أَدْرَكْتَ مَا

طَلَبْتَ فَإِنْ يُمَكِّنِ اللَّهُ مِنْكَ وَ مِنِ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْزِكُمَا بِمَا قَدَّمْتُمَا وَ إِنْ تُعْجِزَا وَ تَبْقَيَا فَمَا أَمَامَكُمَا شَرٌّ لَكُمَا وَ السَّلَامُ

كل ما قاله فيهما هو الحق الصريح بعينه لم يحمله بغضه لهما و غيظه منهما إلى أن بالغ في ذمهما به كما يبالغ الفصحاء عند سورة

الغضب و تدفق الألفاظ على الألسنة و لا ريب عند أحد من العقلاء ذوي الإنصاف أن عمرا جعل دينه تبعا لدنيا معاوية و أنه ما بايعه و

تابعه إلا على جعالة جعلها له و ضمان تكفل له بإيصاله و هي ولاية مصر مؤجلة و قطعة وافرة من المال معجلة و لولديه و غلمانه ما

ملأ أعينهم. فأما قوله ع في معاوية ظاهر غيه فلا ريب في ظهور ضلاله و بغيه و كل باغ غاو.

[16 : 161 ]

أما مهتوك ستره فإنه كان كثير الهزل و الخلاعة صاحب جلساء و سمار و معاوية لم يتوقر و لم يلزم قانون الرئاسة إلا منذ خرج على

أمير المؤمنين و احتاج إلى الناموس و السكينة و إلا فقد كان في أيام عثمان شديد التهتك موسوما بكل قبيح و كان في أيام عمر

يستر نفسه قليلا خوفا منه إلا أنه كان يلبس الحرير و الديباج و يشرب في آنية الذهب و الفضة و يركب البغلات ذوات السروج

المحلاة بها و عليها جلال الديباج و الوشي و كان حينئذ شابا و عنده نزق الصبا و أثر الشبيبة و سكر السلطان و الإمرة و نقل الناس

عنه في كتب السيرة أنه كان يشرب الخمر في أيام عثمان في الشام و أما بعد وفاة أمير المؤمنين و استقرار الأمر له فقد اختلف فيه

فقيل إنه شرب الخمر في ستر و قيل إنه لم يشربه و لا خلاف في أنه سمع الغناء و طرب عليه و أعطى و وصل عليه أيضا. و روى أبو

الفرج الأصفهاني قال قال عمرو بن العاص لمعاوية في قدمة قدمها إلى المدينة أيام خلافته قم بنا إلى هذا الذي قد هدم شرفه و هتك

ستره عبد الله بن جعفر نقف على بابه فنسمع غناء جواريه فقاما ليلا و معهما وردان غلام عمرو و وقفا بباب عبد الله بن جعفر فاستمعا

الغناء و أحس عبد الله بوقوفهما ففتح الباب و عزم على معاوية أن يدخل فدخل فجلس على سرير عبد الله فدعا عبد الله له و قدم

إليه يسيرا من طعام فأكل فلما أنس قال يا أمير المؤمنين أ لا تأذن لجواريك أن يتممن أصواتهن فإنك قطعتها عليهن قال فليقلن

فرفعن أصواتهن و جعل معاوية يتحرك قليلا قليلا حتى ضرب برجله السرير ضربا شديدا فقال عمرو قم أيها الرجل فإن الرجل الذي

جئت لتلحاه أو لتعجب من امرئ أحسن حالا منك فقال مهلا فإن الكريم طروب.

[16 : 162 ]

أما قوله يشين الكريم بمجلسه و يسفه الحليم بخلطته فالأمر كذلك فإنه لم يكن في مجلسه إلا شتم بني هاشم و قذفهم و التعرض

بذكر الإسلام و الطعن عليه و إن أظهر الانتماء إليه و أما طلب عمرو فضله و اتباعه أثره اتباع الكلب للأسد فظاهر و لم يقل الثعلب

غضا من قدر عمرو و تشبيها له بما هو أبلغ في الإهانة و الاستخفاف. ثم قال و لو بالحق أخذت أدركت ما طلبت أي لو قعدت عن نصره

و لم تشخص إليه ممالئا به على الحق لوصل إليك من بيت المال قدر كفايتك. و لقائل أن يقول إن عمرا ما كان يطلب قدر الكفاية و

علي ع ما كان يعطيه إلا حقه فقط و لا يعطيه بلدا و لا طرفا من الأطراف و الذي كان يطلب ملك مصر لأنه فتحها أيام عمر و وليها برهة

و كانت حسرة في قلبه و حزازة في صدره فباع آخرته بها فالأولى أن يقال معناه لو أخذت بالحق أدركت ما طلبت من الآخرة. فإن قلت

إن عمرا لم يكن علي ع يعتقد أنه من أهل الآخرة فكيف يقول له هذا الكلام قلت لا خلل و لا زلل في كلامه ع لأنه لو أخذ بالحق لكان

معتقدا كون علي ع على الحق باعتقاده صحة نبوة رسول الله ص و صحة التوحيد فيصير تقدير الكلام لو بايعتني معتقدا للزوم بيعتي

لك لكنت في ضمن ذلك طالبا الثواب فكنت تدركه في الآخرة. ثم قال مهددا لهما و متوعدا إياهما فإن يمكن الله منك و من ابن أبي

سفيان و أقول لو ظفر بهما لما كان في غالب ظني يقتلهما فإنه كان حليما كريما و لكن كان يحبسهما ليحسم بحبسهما مادة فسادهما.

[16 : 163 ]

ثم قال و إن تعجزا و تبقيا أي و إن لم أستطع أخذكما أو أمت قبل ذلك و بقيتما بعدي فما أمامكما شر لكما من عقوبة الدنيا لأن عذاب

الدنيا منقطع و عذاب الآخرة غير منقطع. و ذكر نصر بن مزاحم في كتاب صفين هذا الكتاب بزيادة لم يذكرها الرضي

قال نصر و كتب علي ع إلى عمرو بن العاص من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأبتر ابن الأبتر عمرو بن العاص بن وائل شانئ محمد

و آل محمد في الجاهلية و الإسلام سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإنك تركت مروءتك لامرئ فاسق مهتوك ستره يشين الكريم

بمجلسه و يسفه الحليم بخلطته فصار قلبك لقلبه تبعا كما قيل وافق شن طبقة فسلبك دينك و أمانتك و دنياك و آخرتك و كان علم

الله بالغا فيك فصرت كالذئب يتبع الضرغام إذا ما الليل دجى أو أتى الصبح يلتمس فاضل سؤره و حوايا فريسته و لكن لا نجاة من

القدر و لو بالحق أخذت لأدركت ما رجوت و قد رشد من كان الحق قائده فإن يمكن الله منك و من ابن آكلة الأكباد ألحقتكما بمن قتله

الله من ظلمة قريش على عهد رسول الله ص و إن تعجزا و تبقيا بعد فالله حسبكما و كفى بانتقامه انتقاما و بعقابه عقابا و السلام

[16 : 164 ]

40- و من كتاب له ع إلى بعض عماله

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ وَ أَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ

قَدَمَيْكَ وَ أَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ وَ السَّلَامُ

أخزيت أمانتك أذللتها و أهنتها و جردت الأرض قشرتها و المعنى أنه نسبه إلى الخيانة في المال و إلى إخراب الضياع و في حكمة

أبرويز أنه قال لخازن بيت المال إني لا أحتملك على خيانة درهم و لا أحمدك على حفظ عشرة آلاف ألف درهم لأنك إنما تحقن بذلك

دمك و تعمر به أمانتك و إنك إن خنت قليلا خنت كثيرا فاحترس من خصلتين من النقصان فيما تأخذ و من الزيادة فيما تعطي و اعلم أني

لم أجعلك على ذخائر الملك و عمارة المملكة و العدة على العدو إلا و أنت أمين عندي من الموضع الذي هي فيه و من خواتمها التي هي

عليها فحقق ظني في اختياري إياك أحقق ظنك في رجائك لي و لا تتعوض بخير شرا و لا برفعة ضعة و لا بسلامة ندامة و لا بأمانة

خيانة.

[16 : 165 ]

و

في الحديث المرفوع من ولي لنا عملا فليتزوج و ليتخذ مسكنا و مركبا و خادما فمن اتخذ سوى ذلك جاء يوم القيامة عادلا غالا سارقا

و قال عمر في وصيته لابن مسعود إياك و الهدية و ليست بحرام و لكني أخاف عليك الدالة. و أهدى رجل لعمر فخذ جزور فقبله ثم

ارتفع إليه بعد أيام مع خصم له فجعل في أثناء الكلام يقول يا أمير المؤمنين افصل القضاء بيني و بينه كما يفصل فخذ الجزور

فقضى عمر عليه ثم قام فخطب الناس و حرم الهدايا على الولاة و القضاة. و أهدى إنسان إلى المغيرة سراجا من شبه و أهدى آخر إليه

بغلا ثم اتفقت لهما خصومة في أمر فترافعا إليه فجعل صاحب السراج يقول إن أمري أضوأ من السراج فلما أكثر قال المغيرة ويحك

إن البغل يرمح السراج فيكسره. و مر عمر ببناء يبنى ب آجر و جص لبعض عماله فقال أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها و روي هذا

الكلام عن علي ع و كان عمر يقول على كل عامل أمينان الماء و الطين. و لما قدم أبو هريرة من البحرين قال له عمر يا عدو الله و

عدو كتابه أ سرقت مال الله تعالى قال أبو هريرة لست بعدو الله و لا عدو كتابه و لكني عدو من عاداهما و لم أسرق مال الله فضربه

بجريدة على رأسه ثم ثناه بالدرة و أغرمه عشرة آلاف درهم ثم أحضره فقال يا أبا هريرة من أين لك عشرة آلاف درهم قال خيلي تناسلت

و عطائي تلاحق و سهامي تتابعت قال عمر كلا و الله ثم تركه أياما ثم قال له أ لا تعمل قال لا قال قد عمل من هو خير منك يا أبا هريرة

قال من هو قال يوسف الصديق فقال أبو هريرة إن يوسف عمل لمن لم يضرب رأسه

[16 : 166 ]

و ظهره و لا شتم عرضه و لا نزع ماله لا و الله لا أعمل لك أبدا. و كان زياد إذا ولى رجلا قال له خذ عهدك و سر إلى عملك و اعلم أنك

محاسب رأس سنتك و أنك ستصير إلى أربع خصال فاختر لنفسك إنا إن وجدناك أمينا ضعيفا استبدلنا بك لضعفك و سلمتك من معرتنا

أمانتك و إن وجدناك خائنا قويا استعنا بقوتك و أحسنا أدبك على خيانتك و أوجعنا ظهرك و أثقلنا غرمك و إن جمعت علينا الجرمين

جمعنا عليك المضرتين و إن وجدناك أمينا قويا زدنا رزقك و رفعنا ذكرك و كثرنا مالك و أوطأنا الرجال عقبك. و وصف أعرابي عاملا

خائنا فقال الناس يأكلون أماناتهم لقما و هو يحسوها حسوا. قال أنس بن أبي إياس الدؤلي لحارثة بن بدر الغداني و قد ولي سرق و

يقال إنها لأبي الأسود

أ حار بن بدر قد وليت ولاية فكن جرذا فيها تخون و تسرق

و لا تحقرن يا حار شيئا أصبته فحظك من ملك العراقين سرق

و باه تميما بالغنى إن للغني لسانا به المرء الهيوبة ينطق

فإن جميع الناس إما مكذب يقول بما تهوى و إما مصدق

يقولون أقوالا و لا يتبعونها و إن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا

فيقال إنها بلغت حارثة بن بدر فقال أصاب الله به الرشاد فلم يعد بإشارته ما في نفسي

[16 : 167 ]

41- و من كتاب له ع إلى بعض عماله

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي وَ جَعَلْتُكَ شِعَارِي وَ بِطَانَتِي وَ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِي رَجُلٌ أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِي لِمُوَاسَاتِي وَ مُوَازَرَتِي وَ

أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَيَّ فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ وَ الْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وَ أَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ وَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَدْ فَتَكَتْ وَ شَغَرَتْ قَلَبْتَ

لِابْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ وَ خَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ وَ خُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ فَلَا ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ وَ لَا الْأَمَانَةَ أَدَّيْتَ وَ كَأَنَّكَ

لَمْ تَكُنِ اللَّهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّكَ وَ كَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ وَ تَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ فَلَمَّا

أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الْأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ وَ عَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ وَ اخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَ أَيْتَامِهِمُ

اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ غَيْرَ مُتَأَثِّم مِنْ أَخْذِهِ كَأَنَّكَ لَا أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ

إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وَ أُمِّكَ فَسُبْحَانَ اللَّهِ أَ مَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ أَ وَ مَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ

كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَ طَعَاماً وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وَ تَشْرَبُ حَرَاماً وَ تَبْتَاعُ الْإِمَاءَ وَ تَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاكِينِ

[16 : 168 ]

وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ وَ أَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلَادَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَ ارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ

إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّهِ فِيكَ وَ لَأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ وَ وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ

وَ الْحُسَيْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَ لَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَة حَتَّى آخُذُ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَ أُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا وَ

أُقْسِمُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلَالٌ لِي أَتْرُكُهُ مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي فَضَحِّ رُوَيْداً فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى وَ

دُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى وَ عُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ وَ يَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَ لَاتَ حِينَ مَنَاص

أشركتك في أمانتي جعلتك شريكا فيما قمت فيه من الأمر و ائتمنني الله عليه من سياسة الأمة و سمى الخلافة أمانة كما سمى الله

تعالى التكليف أمانة في قوله إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ فأما قوله و أداء الأمانة إلي فأمر آخر و مراده بالأمانة الثانية ما يتعارفه الناس من

قولهم فلان ذو أمانة أي لا يخون فيما أسند إليه. و كلب الزمان اشتد و كذلك كلب البرد.

[16 : 169 ]

و حرب العدو استأسد و خزيت أمانة الناس ذلت و هانت. و شغرت الأمة خلت من الخير و شغر البلد خلا من الناس. و قلبت له ظهر

المجن إذا كنت معه فصرت عليه و أصل ذلك أن الجيش إذا لقوا العدو و كانت ظهور مجانهم إلى وجه العدو و بطون مجانهم إلى

وجه عسكرهم فإذا فارقوا رئيسهم و صاروا مع العدو كان وضع مجانهم بدلا من الوضع الذي كان من قبل و ذلك أن ظهور الترسة لا

يمكن أن تكون إلا في وجوه الأعداء لأنها مرمى سهامهم. و أمكنتك الشدة أي الحملة. قوله أسرعت الكرة لا يجوز أن يقال الكرة إلا

بعد فرة فكأنه لما كان مقلعا في ابتداء الحال عن التعرض لأموالهم كان كالفار عنها فلذلك قال أسرعت الكرة. و الذئب الأزل الخفيف

الوركين و ذلك أشد لعدوه و أسرع لوثبته و إن اتفق أن تكون شاة من المعزى كثيرة و دامية أيضا كان الذئب على اختطافها أقدر. و

نقاش الحساب مناقشته. قوله فضح رويدا كلمة تقال لمن يؤمر بالتؤدة و الأناة و السكون و أصلها الرجل يطعم إبله ضحى و يسيرها

مسرعا ليسير فلا يشبعها فيقال له ضح رويدا

اختلاف الرأي فيمن كتب له هذا الكتاب

و قد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب فقال الأكثرون إنه عبد الله بن العباس رحمه الله و رووا في ذلك روايات و استدلوا

عليه بألفاظ من ألفاظ الكتاب

[16 : 170 ]

كقوله أشركتك في أمانتي و جعلتك بطانتي و شعاري و أنه لم يكن في أهلي رجل أوثق منك و قوله على ابن عمك قد كلب ثم قال ثانيا

قلبت لابن عمك ظهر المجن ثم قال ثالثا و لابن عمك آسيت و قوله لا أبا لغيرك و هذه كلمة لا تقال إلا لمثله فأما غيره من أفناء الناس

فإن عليا ع كان يقول لا أبا لك. و قوله أيها المعدود كان عندنا من أولي الألباب و قوله لو أن الحسن و الحسين ع و هذا يدل على أن

المكتوب إليه هذا الكتاب قريب من أن يجري مجراهما عنده. و قد روى أرباب هذا القول أن عبد الله بن عباس كتب إلى علي ع جوابا

من هذا الكتاب قالوا و كان جوابه أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة و لعمري أن حقي في بيت المال

أكثر مما أخذت و السلام. قالوا

فكتب إليه علي ع أما بعد فإن من العجب أن تزين لك نفسك أن لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل واحد من

المسلمين فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل و ادعاؤك ما لا يكون ينجيك من المأثم و يحل لك المحرم إنك لأنت المهتدي السعيد

إذا و قد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا تشتري بها مولدات مكة و المدينة و الطائف تختارهن على عينك و تعطي فيهن

مال غيرك فارجع هداك الله إلى رشدك و تب إلى الله ربك و أخرج إلى المسلمين من أموالهم فعما قليل تفارق من ألفت و تترك ما

جمعت و تغيب في صدع من الأرض غير موسد و لا ممهد قد فارقت الأحباب و سكنت التراب و واجهت الحساب غنيا عما خلفت فقيرا

إلى ما قدمت و السلام

[16 : 171 ]

قالوا فكتب إليه ابن عباس أما بعد فإنك قد أكثرت علي و و الله لأن ألقى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها و ذهبها و عقيانها و

لجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرئ مسلم و السلام. و قال آخرون و هم الأقلون هذا لم يكن و لا فارق عبد الله بن عباس عليا ع و

لا باينه و لا خالفه و لم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل علي ع. قالوا و يدل على ذلك ما رواه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني

من كتابه الذي كتبه إلى معاوية من البصرة لما قتل علي ع و قد ذكرناه من قبل قالوا و كيف يكون ذلك و لم يخدعه معاوية و يجره

إلى جهته فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمال أمير المؤمنين ع و استمالهم إليه بالأموال فمالوا و تركوا أمير المؤمنين ع فما باله

و قد علم النبوة التي حدثت بينهما لم يستمل ابن عباس و لا اجتذبه إلى نفسه و كل من قرأ السير و عرف التواريخ يعرف مشاقة ابن

عباس لمعاوية بعد وفاة علي ع و ما كان يلقاه به من قوارع الكلام و شديد الخصام و ما كان يثني به على أمير المؤمنين ع و يذكر

خصائصه و فضائله و يصدع به من مناقبه و م آثره فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك بل كانت الحال تكون بالضد لما

اشتهر من أمرهما. و هذا عندي هو الأمثل و الأصوب. و قد قال الراوندي المكتوب إليه هذا الكتاب هو عبيد الله بن العباس لا عبد الله

[16 : 172 ]

و ليس ذلك بصحيح فإن عبيد الله كان عامل علي ع على اليمن و قد ذكرت قصته مع بسر بن أرطاة فيما تقدم و لم ينقل عنه أنه أخذ

مالا و لا فارق طاعة. و قد أشكل علي أمر هذا الكتاب فإن أنا كذبت النقل و قلت هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين ع خالفت الرواة

فإنهم قد أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه و قد ذكر في أكثر كتب السير و إن صرفته إلى عبد الله بن عباس صدني عنه ما أعلمه من

ملازمته لطاعة أمير المؤمنين ع في حياته و بعد وفاته و إن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه من أهل أمير المؤمنين ع و الكلام

يشعر بأن الرجل المخاطب من أهله و بني عمه فأنا في هذا الموضع من المتوقفين

[16 : 173 ]

42- و من كتاب له ع إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي

و كان عامله على البحرين فعزله و استعمل النعمان بن عجلان الزرقي مكانه

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُ النُّعْمَانَ بْنِ عَجْلَانَ الزُّرَقِيَّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَ نَزَعْتُ يَدَكَ بِلَا ذَمّ لَكَ وَ لَا تَثْرِيب عَلَيْكَ فَلَقَدْ أَحْسَنْتَ الْوِلَايَةَ وَ أَدَّيْتَ

الْأَمَانَةَ فَأَقْبِلْ غَيْرَ ظَنِين وَ لَا مَلُوم وَ لَا مُتَّهَم وَ لَا مَأْثُوم فَقَدْ أَرَدْتُ الْمَسِيرَ إِلَى ظَلَمَةِ أَهْلِ الشَّامِ وَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَشْهَدَ مَعِي فَإِنَّكَ مِمَّنْ

أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ وَ إِقَامَةِ عَمُودِ الدِّينِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

عمر بن أبي سلمة و نسبه و بعض أخباره

أما عمر بن أبي سلمة فهو ربيب رسول الله ص و أبوه أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة يكنى أبا

حفص ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة و قيل إنه كان يوم قبض رسول الله ص ابن تسع سنين و توفي في المدينة في

خلافة عبد الملك سنة ثلاث و ثمانين و قد حفظ عن رسول الله ص الحديث و روى عنه سعيد بن المسيب و غيره ذكر

[16 : 174 ]

ذلك كله ابن عبد البر في كتاب الإستيعاب

النعمان بن عجلان و نسبه و بعض أخباره

و أما النعمان بن عجلان الزرقي فمن الأنصار ثم من بني زريق و هو الذي خلف على خولة زوجة حمزة بن عبد المطلب رحمه الله بعد

قتله قال ابن عبد البر في كتاب الإستيعاب كان النعمان هذا لسان الأنصار و شاعرهم و يقال إنه كان رجلا أحمر قصيرا تزدريه العين

إلا أنه كان سيدا و هو القائل يوم السقيفة

و قلتم حرام نصب سعد و نصبكم عتيق بن عثمان حلال أبا بكر

و أهل أبو بكر لها خير قائم و إن عليا كان أخلق بالأمر

و إن هوانا في علي و إنه لأهل لها من حيث يدرى و لا يدرى

قوله و لا تثريب عليك فالتثريب الاستقصاء في اللوم و يقال ثربت عليه و عربت عليه إذا قبحت عليه فعله. و الظنين المتهم و الظنة

التهمة و الجمع الظنن يقول قد أظن زيد عمرا و الألف ألف وصل و الظاء مشددة و النون مشددة أيضا و جاء بالطاء المهملة أيضا أي

اتهمه و في حديث ابن سيرين لم يكن علي ع يظن في قتل عثمان الحرفان مشددان و هو يفتعل من يظنن و أدغم قال الشاعر

و ما كل من يظنني أنا معتب و ما كل ما يروى علي أقول

[16 : 175 ]

43- و من كتاب له ع إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني و كان عامله على أردشيرخرة

بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَ خُيُولُهُمْ وَ أُرِيقَتْ

عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ لَكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَ لَتَخِفَّنَّ عِنْدِي

مِيزَاناً فَلَا تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ وَ لَا تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا أَلَا وَ إِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَ قِبَلَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي

قِسْمَةِ هَذَا الْفَيْءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ وَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ

قد تقدم ذكر نسب مصقلة بن هبيرة و أردشيرخرة كورة من كور فارس. و اعتامك اختارك من بين الناس أصله من العيمة بالكسر و هي

خيار المال اعتام المصدق إذا أخذ العيمة و قد روي فيمن اعتماك بالقلب و الصحيح

[16 : 176 ]

المشهور الأول و روي و لتجدن بك عندي هوانا بالباء و معناها اللام و لتجدن بسبب فعلك هوانك عندي و الباء ترد للسببية كقوله

تعالى فَبِظُلْم مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّبات أُحِلَّتْ لَهُمْ. و المحق الإهلاك. و المعنى أنه نهى مصقلة عن أن يقسم الفيء على

أعراب قومه الذين اتخذوه سيدا و رئيسا و يحرم المسلمين الذين حازوه بأنفسهم و سلاحهم و هذا هو الأمر الذي كان ينكره على

عثمان و هو إيثار أهله و أقاربه بمال الفيء و قد سبق شرح مثل ذلك مستوفى

[16 : 177 ]

44- و من كتاب له ع إلى زياد ابن أبيه

و قد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه

وَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ وَ يَسْتَفِلُّ غَرْبَكَ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ

يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ وَ يَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ وَ قَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَ نَزْغَةٌ مِنْ

نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ وَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ وَ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ وَ النَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ فَلَمَّا قَرَأَ زِيَادٌ الْكِتَابَ قَالَ

شَهِدَ بِهَا وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ وَ لَمْ تَزَلْ فِي نَفْسِهِ حَتَّى ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ

قال الرضي رحمه الله تعالى قوله ع الواغل هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم و ليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا و النوط

المذبذب هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره و استعجل سيره

[16 : 178 ]

يستزل لبك يطلب زلله و خطأه أي يحاول أن تزل و اللب العقل و يستفل غربك يحاول أن يفل حدك أي عزمك و هذا من باب المجاز

ثم أمره أن يحذره و قال إنه يعني معاوية كالشيطان يأتي المرء من كذا و من كذا و هو مأخوذ من قول الله تعالى ثُمَّ لَ آتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ

أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قالوا في تفسيره من بين أيديهم يطمعهم في العفو

و يغريهم بالعصيان و من خلفهم يذكرهم مخلفيهم و يحسن لهم جمع المال و تركه لهم و عن أيمانهم يحبب إليهم الرئاسة و الثناء و

عن شمائلهم يحبب إليهم اللهو و اللذات. و قال شقيق البلخي ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربعة مراصد من بين يدي و من

خلفي و عن يميني و عن شمالي أما من بين يدي فيقول لا تخف فإن الله غفور رحيم فأقرأ وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً

ثُمَّ اهْتَدى و أما من خلفي فيخوفني الضيعة على مخلفي فأقرأ وَ ما مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْضِ إِلّا عَلَى اللّهِ رِزْقُها و أما من قبل يميني

فيأتيني من جهة الثناء فأقرأ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ و أما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات فأقرأ وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما

يَشْتَهُونَ. فإن قلت لم لم يقل و من فوقهم و من تحتهم

[16 : 179 ]

قلت لأن جهة فوق جهة نزول الرحمة و مستقر الملائكة و مكان العرش و الأنوار الشريفة و لا سبيل له إليها و أما من جهة تحت فلأن

الإتيان منها يوحش و ينفر عنه لأنها الجهة المعروفة بالشياطين فعدل عنها إلى ما هو أدعى إلى قبول وساوسه و أضاليله. و قد فسر

قوم المعنى الأول فقالوا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من جهة الدنيا و مِنْ خَلْفِهِمْ من جهة الآخرة و عَنْ أَيْمانِهِمْ الحسنات و عَنْ شَمائِلِهِمْ أي

يحثهم على طلب الدنيا و يؤيسهم من الآخرة و يثبطهم عن الحسنات و يغريهم بالسيئات. قوله ليقتحم غفلته أي ليلج و يهجم عليه

و هو غافل جعل اقتحامه إياه اقتحاما للغرة نفسها لما كانت غالبة عليه. و يستلب غرته ليس المعنى باستلابه الغرة أن يرفعها و

يأخذها لأنه لو كان كذلك لصار ذلك الغافل المغتر فاقدا للغفلة و الغرة و كان لبيبا فطنا فلا يبقى له سبيل عليه و إنما المعنى بقوله

و يستلب غرته ما يعنيه الناس بقولهم أخذ فلان غفلتي و فعل كذا. و معنى أخذها هنا أخذ ما يستدل به على غفلتي. و فلتة أمر وقع من

غير تثبت و لا روية. و نزغة كلمة فاسدة من نزغات الشيطان أي من حركاته القبيحة التي يستفسد بها مكلفين و لا يثبت بها نسب و لا

يستحق بها إرث لأن المقر بالزناء لا يلحقه النسب و لا يرثه المولود

لقوله ص الولد للفراش و للعاهر الحجر

نسب زياد ابن أبيه و ذكر بعض أخباره و كتبه و خطبه

فأما زياد فهو زياد بن عبيد و من الناس من يقول عبيد بن فلان و ينسبه إلى

[16 : 180 ]

ثقيف و الأكثرون يقولون إن عبيدا كان عبدا و إنه بقي إلى أيام زياد فابتاعه و أعتقه و سنذكر ما ورد في ذلك و نسبة زياد لغير أبيه

لخمول أبيه و الدعوة التي استلحق بها فقيل تارة زياد ابن سمية و هي أمه و كانت أمة للحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج الثقفي

طبيب العرب و كانت تحت عبيد. و قيل تارة زياد ابن أبيه و قيل تارة زياد ابن أمه و لما استلحق قال له أكثر الناس زياد بن أبي سفيان

لأن الناس مع الملوك الذين هم مظنة الرهبة و الرغبة و ليس أتباع الدين بالنسبة إلى أتباع الملوك إلا كالقطرة في البحر المحيط

فأما ما كان يدعى به قبل الاستلحاق فزياد بن عبيد و لا يشك في ذلك أحد. و روى أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب عن هشام

بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس أن عمر بعث زيادا في إصلاح فساد واقع باليمن فلما رجع من وجهه

خطب عند عمر خطبة لم يسمع مثلها و أبو سفيان حاضر و علي ع و عمرو بن العاص فقال عمرو بن العاص لله أبو هذا الغلام لو كان

قرشيا لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان إنه لقرشي و إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه فقال علي ع و من هو قال أنا فقال مهلا يا

أبا سفيان فقال أبو سفيان

أما و الله لو لا خوف شخص يراني يا علي من الأعادي

لأظهر أمره صخر بن حرب و لم يخف المقالة في زياد

و قد طالت مجاملتي ثقيفا و تركي فيهم ثمر الفؤاد

عنى بقوله لو لا خوف شخص عمر بن الخطاب

[16 : 181 ]

و روى أحمد بن يحيى البلاذري قال تكلم زياد و هو غلام حدث بحضرة عمر كلاما أعجب الحاضرين فقال عمرو بن العاص لله أبوه لو

كان قرشيا لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان أما و الله إنه لقرشي و لو عرفته لعرفت أنه خير من أهلك فقال و من أبوه قال أنا و الله

وضعته في رحم أمه فقال فهلا تستلحقه قال أخاف هذا العير الجالس أن يخرق علي إهابي. و روى محمد بن عمر الواقدي قال قال أبو

سفيان و هو جالس عند عمر و علي هناك و قد تكلم زياد فأحسن أبت المناقب إلا أن تظهر في شمائل زياد فقال علي ع من أي بني عبد

مناف هو قال ابني قال كيف قال أتيت أمه في الجاهلية سفاحا فقال علي ع مه يا أبا سفيان فإن عمر إلى المساءة سريع قال فعرف زياد

ما دار بينهما فكانت في نفسه. و روى علي بن محمد المدائني قال لما كان زمن علي ع ولى زيادا فارس أو بعض أعمال فارس فضبطها

ضبطا صالحا و جبى خراجها و حماها و عرف ذلك معاوية فكتب إليه أما بعد فإنه غرتك قلاع تأوي إليها ليلا كما تأوي الطير إلى وكرها

و ايم الله لو لا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك مني ما قاله العبد الصالح فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُود لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها

أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ و كتب في أسفل الكتاب شعرا من جملته

تنسى أباك و قد شالت نعامته إذ يخطب الناس و الوالي لهم عمر

فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس و قال العجب من ابن آكلة الأكباد و رأس النفاق يهددني و بيني و بينه ابن عم رسول الله

ص و زوج سيدة نساء العالمين و أبو السبطين و صاحب الولاية و المنزلة و الإخاء في مائة ألف

[16 : 182 ]

من المهاجرين و الأنصار و التابعين لهم بإحسان أما و الله لو تخطى هؤلاء أجمعين إلي لوجدني أحمر مخشا ضرابا بالسيف ثم كتب

إلى علي ع و بعث بكتاب معاوية في كتابه.

فكتب إليه علي ع و بعث بكتابه أما بعد فإني قد وليتك ما وليتك و أنا أراك لذلك أهلا و إنه قد كانت من أبي سفيان فلتة في أيام عمر

من أماني التيه و كذب النفس لم تستوجب بها ميراثا و لم تستحق بها نسبا و إن معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه و

من خلفه و عن يمينه و عن شماله فاحذره ثم احذره ثم احذره و السلام

و روى أبو جعفر محمد بن حبيب قال كان علي ع قد ولى زيادا قطعة من أعمال فارس و اصطنعه لنفسه فلما قتل علي ع بقي زياد في

عمله و خاف معاوية جانبه و علم صعوبة ناحيته و أشفق من ممالأته الحسن بن علي ع فكتب إليه من أمير المؤمنين معاوية بن أبي

سفيان إلى زياد بن عبيد أما بعد فإنك عبد قد كفرت النعمة و استدعيت النقمة و لقد كان الشكر أولى بك من الكفر و إن الشجرة

لتضرب بعرقها و تتفرع من أصلها إنك لا أم لك بل لا أب لك قد هلكت و أهلكت و ظننت أنك تخرج من قبضتي و لا ينالك سلطاني

هيهات ما كل ذي لب يصيب رأيه و لا كل ذي رأي ينصح في مشورته أمس عبد و اليوم أمير خطة ما ارتقاها مثلك يا ابن سمية و إذا

أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة و البيعة و أسرع الإجابة فإنك أن تفعل فدمك حقنت و نفسك تداركت و إلا اختطفتك

[16 : 183 ]

بأضعف ريش و نلتك بأهون سعي و أقسم قسما مبرورا إلا أوتى بك إلا في زمارة تمشي حافيا من أرض فارس إلى الشام حتى أقيمك في

السوق و أبيعك عبدا و أردك إلى حيث كنت فيه و خرجت منه و السلام. فلما ورد الكتاب على زياد غضب غضبا شديدا و جمع الناس و

صعد المنبر فحمد الله ثم قال ابن آكلة الأكباد و قاتلة أسد الله و مظهر الخلاف و مسر النفاق و رئيس الأحزاب و من أنفق ماله في

إطفاء نور الله كتب إلي يرعد و يبرق عن سحابة جفل لا ماء فيها و عما قليل تصيرها الرياح قزعا و الذي يدلني على ضعفه تهدده قبل

القدرة أ فمن إشفاق علي تنذر و تعذر كلا و لكن ذهب إلى غير مذهب و قعقع لمن ربي بين صواعق تهامة كيف أرهبه و بيني و بينه ابن

بنت رسول الله ص و ابن ابن عمه في مائة ألف من المهاجرين و الأنصار و الله لو أذن لي فيه أو ندبني إليه لأريته الكواكب نهارا و

لأسعطته ماء الخردل دونه الكلام اليوم و الجمع غدا و المشورة بعد ذلك إن شاء الله ثم نزل. و كتب إلى معاوية أما بعد فقد وصل

إلي كتابك يا معاوية و فهمت ما فيه فوجدتك كالغريق يغطيه الموج فيتشبث بالطحلب و يتعلق بأرجل الضفادع طمعا في الحياة إنما

يكفر النعم و يستدعي النقم من حاد الله و رسوله و سعى في الأرض فسادا فأما سبك لي فلو لا حلم ينهاني عنك و خوفي أن أدعى

سفيها لأثرت لك مخازي لا يغسلها الماء و أما تعييرك لي بسمية فإن كنت ابن سمية فأنت ابن جماعة و أما زعمك أنك تختطفني

بأضعف ريش و تتناولني بأهون سعي فهل رأيت بازيا يفزعه صغير

[16 : 184 ]

القنابر أم هل سمعت بذئب أكله خروف فامض الآن لطيتك و اجتهد جهدك فلست أنزل إلا بحيث تكره و لا أجتهد إلا فيما يسوؤك و

ستعلم أينا الخاضع لصاحبه الطالع إليه و السلام. فلما ورد كتاب زياد على معاوية غمه و أحزنه و بعث إلى المغيرة بن شعبة فخلا به

و قال يا مغيرة إني أريد مشاورتك في أمر أهمني فانصحني فيه و أشر علي برأي المجتهد و كن لي أكن لك فقد خصصتك بسري و آثرتك

على ولدي قال المغيرة فما ذاك و الله لتجدني في طاعتك أمضى من الماء إلى الحدور و من ذي الرونق في كف البطل الشجاع قال يا

مغيرة إن زيادا قد أقام بفارس يكش لنا كشيش الأفاعي و هو رجل ثاقب الرأي ماضي العزيمة جوال الفكر مصيب إذا رمى و قد خفت منه

الآن ما كنت آمنه إذ كان صاحبه حيا و أخشى ممالأته حسنا فكيف السبيل إليه و ما الحيلة في إصلاح رأيه قال المغيرة أنا له إن لم

أمت إن زيادا رجل يحب الشرف و الذكر و صعود المنابر فلو لاطفته المسألة و ألنت له الكتاب لكان لك أميل و بك أوثق فاكتب إليه

و أنا الرسول فكتب معاوية إليه من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان أما بعد فإن المرء ربما طرحه الهوى

في مطارح العطب و إنك للمرء المضروب به المثل قاطع الرحم و واصل العدو و حملك سوء ظنك بي و بغضك لي على أن عققت

قرابتي و قطعت رحمي و بتت نسبي و حرمتي حتى كأنك لست أخي و ليس صخر بن حرب أباك و أبي و شتان ما بيني و بينك أطلب بدم

ابن أبي العاص و أنت تقاتلني و لكن أدركك عرق الرخاوة من قبل النساء فكنت

[16 : 185 ]

كتاركة بيضها بالعراء و ملحفة بيض أخرى جناحا

و قد رأيت أن أعطف عليك و لا أؤاخذك بسوء سعيك و أن أصل رحمك و أبتغي الثواب في أمرك فاعلم أبا المغيرة إنك لو خضت

البحر في طاعة القوم فتضرب بالسيف حتى انقطع متنه لما ازددت منهم إلا بعدا فإن بني عبد شمس أبغض إلى بني هاشم من الشفرة

إلى الثور الصريع و قد أوثق للذبح فارجع رحمك الله إلى أصلك و اتصل بقومك و لا تكن كالموصول بريش غيره فقد أصبحت ضال

النسب و لعمري ما فعل بك ذلك إلا اللجاج فدعه عنك فقد أصبحت على بينة من أمرك و وضوح من حجتك فإن أحببت جانبي و وثقت

بي فأمره بأمره و إن كرهت جانبي و لم تثق بقولي ففعل جميل لا علي و لا لي و السلام. فرحل المغيرة بالكتاب حتى قدم فارس فلما

رآه زياد قربه و أدناه و لطف به فدفع إليه الكتاب فجعل يتأمله و يضحك فلما فرغ من قراءته وضعه تحت قدمه ثم قال حسبك يا

مغيرة فإني أطلع على ما في ضميرك و قد قدمت من سفرة بعيدة فقم و أرح ركابك قال أجل فدع عنك اللجاج يرحمك الله و ارجع إلى

قومك و صل أخاك و انظر لنفسك و لا تقطع رحمك قال زياد إني رجل صاحب أناة و لي في أمري روية فلا تعجل علي و لا تبدأني

بشيء حتى أبدأك ثم جمع الناس بعد يومين أو ثلاثة فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس ادفعوا البلاء ما اندفع

عنكم و ارغبوا إلى الله في دوام العافية لكم فقد نظرت في أمور الناس منذ قتل عثمان و فكرت فيهم فوجدتهم كالأضاحي في كل عيد

يذبحون و لقد أفنى هذان اليومان يوم الجمل و صفين ما ينيف على مائة ألف كلهم يزعم أنه طالب حق و تابع إمام و على بصيرة من

أمره فإن كان الأمر هكذا فالقاتل و المقتول في الجنة كلا

[16 : 186 ]

ليس كذلك و لكن أشكل الأمر و التبس على القوم و إني لخائف أن يرجع الأمر كما بدأ فكيف لامرئ بسلامة دينه و قد نظرت في أمر

الناس فوجدت أحد العاقبتين العافية و سأعمل في أموركم ما تحمدون عاقبته و مغبته فقد حمدت طاعتكم إن شاء الله ثم نزل و كتب

جواب الكتاب أما بعد فقد وصل كتابك يا معاوية مع المغيرة بن شعبة و فهمت ما فيه فالحمد لله الذي عرفك الحق و ردك إلى الصلة

و لست ممن يجهل معروفا و لا يغفل حسبا و لو أردت أن أجيبك بما أوجبته الحجة و احتمله الجواب لطال الكتاب و كثر الخطاب و

لكنك إن كنت كتبت كتابك هذا عن عقد صحيح و نية حسنة و أردت بذلك برا فستزرع في قلبي مودة و قبولا و إن كنت إنما أردت

مكيدة و مكرا و فساد نية فإن النفس تأبى ما فيه العطب و لقد قمت يوم قرأت كتابك مقاما يعبأ به الخطيب المدره فتركت من حضر لا

أهل ورد و لا صدر كالمتحيرين بمهمة ضل بهم الدليل و أنا على أمثال ذلك قدير و كتب في أسفل الكتاب

إذا معشري لم ينصفوني وجدتني أدافع عني الضيم ما دمت باقيا

و كم معشر أعيت قناتي عليهم فلاموا و ألفوني لدى العزم ماضيا

و هم به ضاقت صدور فرجته و كنت بطبي للرجال مداويا

أدافع بالحلم الجهول مكيدة و أخفى له تحت العضاه الدواهيا

فإن تدن مني أدن منك و إن تبن تجدني إذا لم تدن مني نائيا

فأعطاه معاوية جميع ما سأله و كتب إليه بخط يده ما وثق به فدخل إليه الشام فقربه و أدناه و أقره على ولايته ثم استعمله على

العراق.

[16 : 187 ]

و روى علي بن محمد المدائني قال لما أراد معاوية استلحاق زياد و قد قدم عليه الشام جمع الناس و صعد المنبر و أصعد زيادا معه

فأجلسه بين يديه على المرقاة التي تحت مرقاته و حمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إني قد عرفت نسبنا أهل البيت في زياد

فمن كان عنده شهادة فليقم بها فقام ناس فشهدوا أنه ابن أبي سفيان و أنهم سمعوا ما أقر به قبل موته فقام أبو مريم السلولي و كان

خمارا في الجاهلية فقال أشهد يا أمير المؤمنين أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف فأتاني فاشتريت له لحما و خمرا و طعاما فلما أكل

قال يا أبا مريم أصب لي بغيا فخرجت فأتيت بسمية فقلت لها إن أبا سفيان ممن قد عرفت شرفه و جوده و قد أمرني أن أصيب له بغيا

فهل لك فقالت نعم يجيء الآن عبيد بغنمه و كان راعيا فإذا تعشى و وضع رأسه أتيته فرجعت إلى أبي سفيان فأعلمته فلم نلبث أن

جاءت تجر ذيلها فدخلت معه فلم تزل عنده حتى أصبحت فقلت له لما انصرفت كيف رأيت صاحبتك قال خير صاحبة لو لا ذفر في

إبطيها. فقال زياد من فوق المنبر يا أبا مريم لا تشتم أمهات الرجال فتشتم أمك. فلما انقضى كلام معاوية و مناشدته قام زياد و أنصت

الناس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إن معاوية و الشهود قد قالوا ما سمعتم و لست أدري حق هذا من باطله و هو و

الشهود أعلم بما قالوا و إنما عبيد أب مبرور و وال مشكور ثم نزل. و روى شيخنا أبو عثمان أن زيادا مر و هو والي البصرة بأبي

العريان العدوي و كان شيخا مكفوفا ذا لسن و عارضة شديدة فقال أبو العريان ما هذه الجلبة قالوا زياد بن أبي سفيان قال و الله ما

ترك أبو سفيان إلا يزيد و معاوية و عتبة و عنبسة و حنظلة و محمدا فمن أين جاء زياد فبلغ الكلام زيادا و قال له قائل لو سددت

[16 : 188 ]

عنك فم هذا الكلب فأرسل إليه بمائتي دينار فقال له رسول زياد إن ابن عمك زيادا الأمير قد أرسل إليك مائتي دينار لتنفقها فقال

وصلته رحم إي و الله ابن عمي حقا ثم مر به زياد من الغد في موكبه فوقف عليه فسلم و بكى أبو العريان فقيل له ما يبكيك قال عرفت

صوت أبي سفيان في صوت زياد فبلغ ذلك معاوية فكتب إلى أبي العريان

ما ألبثتك الدنانير التي بعثت أن لونتك أبا العريان ألوانا

أمسى إليك زياد في أرومته نكرا فأصبح ما أنكرت عرفانا

لله در زياد لو تعجلها كانت له دون ما يخشاه قربانا

فلما قرئ كتاب معاوية على أبي العريان قال اكتب جوابه يا غلام

أحدث لنا صلة تحيا النفوس بها قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا

أما زياد فقد صحت مناسبه عندي فلا أبتغي في الحق بهتانا

من يسد خيرا يصبه حين يفعله أو يسد شرا يصبه حيثما كانا

و روى أبو عثمان أيضا قال كتب زياد إلى معاوية ليستأذنه في الحج فكتب إليه إني قد أذنت لك و استعملتك على الموسم و أجزتك

بألف ألف درهم فبينا هو يتجهز إذ بلغ ذلك أبا بكرة أخاه و كان مصارما له منذ لجلج في الشهادة على المغيرة بن شعبة أيام عمر لا

يكلمه قد لزمته أيمان عظيمة ألا يكلمه أبدا فأقبل أبو بكرة يدخل القصر يريد زيادا فبصر به الحاجب فأسرع إلى زياد قائلا أيها

الأمير هذا أخوك أبو بكرة قد دخل القصر قال ويحك أنت رأيته قال ها هو ذا قد طلع و في حجر زياد بني يلاعبه و جاء أبو بكرة حتى

وقف عليه فقال للغلام كيف أنت يا غلام إن أباك ركب في الإسلام عظيما زنى أمه و انتفى من أبيه و لا و الله ما علمت سمية رأت

[16 : 189 ]

أبا سفيان قط ثم أبوك يريد أن يركب ما هو أعظم من ذلك يوافي الموسم غدا و يوافي أم حبيبة بنت أبي سفيان و هي من أمهات

المؤمنين فإن جاء يستأذن عليها فأذنت له فأعظم بها فرية على رسول الله ص و مصيبة و إن هي منعته فأعظم بها على أبيك فضيحة ثم

انصرف فقال جزاك الله يا أخي عن النصيحة خيرا ساخطا كنت أو راضيا ثم كتب إلى معاوية إني قد اعتللت عن الموسم فليوجه إليه

أمير المؤمنين من أحب فوجه عتبة بن أبي سفيان. فأما أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب فإنه قال لما ادعى معاوية زيادا في

سنة أربع و أربعين و ألحقه به أخا زوج ابنته من ابنه محمد بن زياد ليؤكد بذلك صحة الاستلحاق و كان أبو بكرة أخا زياد لأمه أمهما

جميعا سمية فحلف ألا يكلم زيادا أبدا و قال هذا زنى أمه و انتفى من أبيه و لا و الله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قبل ويله ما يصنع

بأم حبيبة أ يريد أن يراها فإن حجبته فضحته و إن رآها فيا لها مصيبة يهتك من رسول الله ص حرمة عظيمة. و حج زياد مع معاوية و

دخل المدينة فأراد الدخول على أم حبيبة ثم ذكر قول أبي بكرة فانصرف عن ذلك و قيل إن أم حبيبة حجبته و لم تأذن له في الدخول

عليها و قيل إنه حج و لم يرد المدينة من أجل قول أبي بكرة و إنه قال جزى الله أبا بكرة خيرا فما يدع النصيحة في حال و روى أبو

عمر بن عبد البر في هذا الكتاب قال دخل بنو أمية و فيهم عبد الرحمن بن الحكم على معاوية أيام ما استلحق زيادا فقال له عبد

الرحمن يا معاوية لو لم تجد إلا الزنج لاستكثرت بهم علينا قلة و ذلة يعني على بني أبي العاص فأقبل معاوية

[16 : 190 ]

على مروان و قال أخرج عنا هذا الخليع فقال مروان إي و الله إنه لخليع ما يطاق فقال معاوية و الله لو لا حلمي و تجاوزي لعلمت أنه

يطاق أ لم يبلغني شعره في و في زياد ثم قال مروان أسمعنيه فأنشد

ألا أبلغ معاوية بن حرب لقد ضاقت بما يأتي اليدان

أ تغضب أن يقال أبوك عف و ترضى أن يقال أبوك زان

فأشهد أن رحمك من زياد كرحم الفيل من ولد الأتان

و أشهد أنها حملت زيادا و صخر من سمية غير دان

ثم قال و الله لا أرضى عنه حتى يأتي زيادا فيترضاه و يعتذر إليه فجاء عبد الرحمن إلى زياد معتذرا يستأذن عليه فلم يأذن له فأقبلت

قريش إلى زياد تكلمه في أمر عبد الرحمن فلما دخل سلم فتشاوس له زياد بعينه و كان يكسر عينه فقال له زياد أنت القائل ما قلت قال

عبد الرحمن ما الذي قلت قال قلت ما لا يقال قال أصلح الله الأمير إنه لا ذنب لمن أعتب و إنما الصفح عمن أذنب فاسمع مني ما أقول

قال هات فأنشده

إليك أبا المغيرة تبت مما جرى بالشام من خطل اللسان

و أغضبت الخليفة فيك حتى دعاه فرط غيظ إن هجاني

و قلت لمن لحاني في اعتذاري إليك اذهب فشأنك غير شأني

[16 : 191 ]

عرفت الحق بعد ضلال رأيي و بعد الغي من زيغ الجنان

زياد من أبي سفيان غصن تهادى ناضرا بين الجنان

أراك أخا و عما و ابن عم فما أدري بعيب ما تراني

و إن زيادة في آل حرب أحب إلي من وسطي بناني

ألا أبلغ معاوية بن حرب فقد ظفرت بما تأتي اليدان

فقال زياد أراك أحمق صرفا شاعرا ضيع اللسان يسوغ لك ريقك ساخطا و مسخوطا و لكنا قد سمعنا شعرك و قبلنا عذرك فهات حاجتك

قال تكتب إلى أمير المؤمنين بالرضا عني قال نعم ثم دعا كاتبه فكتب له بالرضا عنه فأخذ كتابه و مضى حتى دخل على معاوية فلما قرأه

قال لحا الله زيادا لم يتنبه لقوله

و إن زيادة في آل حرب

ثم رضي عن عبد الرحمن و رده إلى حالته. و أما أشعار يزيد بن مفرغ الحميري و هجاؤه عبيد الله و عبادا ابني زياد بالدعوة فكثيرة

مشهورة نحو قوله

أ عباد ما للؤم عنك تحول و لا لك أم من قريش و لا أب

و قل لعبيد الله ما لك والد بحق و لا يدري امرؤ كيف تنسب

و نحو قوله

شهدت بأن أمك لم تباشر أبا سفيان واضعة القناع

[16 : 192 ]

و لكن كان أمر فيه لبس على حذر شديد و ارتياع

إذا أودى معاوية بن حرب فبشر شعب قعبك بانصداع

و نحو قوله

إن زيادا و نافعا و أبا بكرة عندي من أعجب العجب

هم رجال ثلاثة خلقوا في رحم أنثى و كلهم لأب

ذا قرشي كما تقول و ذا مولى و هذا بزعمه عربي

كان عبيد الله بن زياد يقول ما شجيت بشيء أشد علي من قول ابن مفرغ

فكر ففي ذاك إن فكرت معتبر هل نلت مكرمة إلا بتأمير

عاشت سمية ما عاشت و ما علمت أن ابنها من قريش في الجماهير

و يقال إن الأبيات النونية المنسوبة إلى عبد الرحمن ابن أم الحكم ليزيد بن مفرغ و إن أولها

أ لا أبلغ معاوية بن حرب مغلغلة من الرجل اليماني

و نحو قوله و قد باع برد غلامه لما حبسه عباد بن زياد بسجستان

يا برد ما مسنا دهر أضر بنا من قبل هذا و لا بعنا له ولدا

لامتني النفس في برد فقلت لها لا تهلكي إثر برد هكذا كمدا

لو لا الدعي و لو لا ما تعرض بي من الحوادث ما فارقته أبدا

و نحو قوله

أبلغ لديك بني قحطان مألكة عضت بأير أبيها سادة اليمن

أضحى دعي زياد فقع قرقرة يا للعجائب يلهو بابن ذي يزن

[16 : 193 ]

و روى ابن الكلبي أن عبادا استلحقه زياد كما استلحق معاوية زيادا كلاهما لدعوة قال لما أذن لزياد في الحج تجهز فبينا هو يتجهز و

أصحاب القرب يعرضون عليه قربهم إذ تقدم عباد و كان خرازا فصار يعرض عليه و يحاوره و يجيبه فقال زياد ويحك من أنت قال أنا

ابنك قال ويحك و أي بني قال قد وقعت على أمي فلانة و كانت من بني كذا فولدتني و كنت في بني قيس بن ثعلبة و أنا مملوك لهم

فقال صدقت و الله إني لأعرف ما تقول فبعث فاشتراه و ادعاه و ألحقه و كان يتعهد بني قيس بن ثعلبة بسببه و يصلهم و عظم أمر عباد

حتى ولاه معاوية سجستان بعد موت زياد و ولى أخاه عبيد الله البصرة فتزوج عباد الستيرة ابنة أنيف بن زياد الكلبي فقال الشاعر

يخاطب أنيفا و كان سيد كلب في زمانه

أبلغ لديك أبا تركان مألكة أ نائما كنت أم بالسمع من صمم

أنكحت عبد بني قيس مهذبة آباؤها من عليم معدن الكرم

أ كنت تجهل عبادا و محتده لا در درك أم أنكحت من عدم

أ بعد آل أبي سفيان تجعله صهرا و بعد بني مروان و الحكم

أعظم عليك بذا عارا و منقصة ما دمت حيا و بعد الموت في الرحم

و قال الحسن البصري ثلاث كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة منهن لكانت موبقة انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها

أمرها و استلحاقه زيادا مراغمة

لقول رسول الله الولد للفراش و للعاهر الحجر

و قتله حجر بن عدي فيا ويله من حجر و أصحاب حجر.

[16 : 194 ]

و روى الشرقي بن القطامي قال كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب ع فلما قدم زياد الكوفة طلبه

و أخافه فأتى الحسن بن علي ع مستجيرا به فوثب زياد على أخيه و ولده و امرأته فحبسهم و أخذ ماله و نقض داره

فكتب الحسن بن علي ع إلى زياد أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم فهدمت داره و أخذت ماله و

حبست أهله و عياله فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره و اردد عليه عياله و ماله و شفعني فيه فقد أجرته و السلام

فكتب إليه زياد من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي و أنت طالب حاجة و أنا

سلطان و أنت سوقة و تأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته كتبت إلي في فاسق آويته إقامة منك على سوء الرأي و رضا منك

بذلك و ايم الله لا تسبقني به و لو كان بين جلدك و لحمك و إن نلت بعضك غير رفيق بك و لا مرع عليك فإن أحب لحم علي أن آكله

للحم الذي أنت منه فسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه و إن قتلته لم أقتله إلا لحبه أباك

الفاسق و السلام. فلما ورد الكتاب على الحسن ع قرأه و تبسم و كتب بذلك إلى معاوية و جعل كتاب زياد عطفه و بعث به إلى الشام

و كتب جواب كتابه كلمتين لا ثالثة لهما

من الحسن بن فاطمة إلى زياد ابن سمية أما بعد فإن رسول الله ص قال الولد للفراش و للعاهر الحجر و السلام

فلما قرأ معاوية كتاب زياد إلى الحسن ضاقت به الشام و كتب إلى زياد أما بعد فإن الحسن بن علي بعث إلي بكتابك إليه جوابا عن

كتاب كتبه

[16 : 195 ]

إليك في ابن سرح فأكثرت العجب منك و علمت أن لك رأيين أحدهما من أبي سفيان و الآخر من سمية فأما الذي من أبي سفيان فحلم و

حزم و أما الذي من سمية فما يكون من رأي مثلها من ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه و تعرض له بالفسق و لعمري إنك الأولى

بالفسق من أبيه فأما أن الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عليك فإن ذلك لا يضعك لو عقلت و أما تسلطه عليك بالأمر فحق لمثل الحسن أن

يتسلط و أما تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك فإذا ورد عليك كتابي فخل ما في يديك

لسعيد بن أبي سرح و ابن له داره و اردد عليه ماله و لا تعرض له فقد كتبت إلى الحسن أن يخيره إن شاء أقام عنده و إن شاء رجع إلى

بلده و لا سلطان لك عليه لا بيد و لا لسان و أما كتابك إلى الحسن باسمه و اسم أمه و لا تنسبه إلى أبيه فإن الحسن ويحك من لا

يرمى به الرجوان و إلى أي أم وكلته لا أم لك أ ما علمت أنها فاطمة بنت رسول الله ص فذاك أفخر له لو كنت تعلمه و تعقله و كتب في

أسفل الكتاب شعرا من جملته

أما حسن فابن الذي كان قبله إذا سار سار الموت حيث يسير

و هل يلد الرئبال إلا نظيره و ذا حسن شبه له و نظير

و لكنه لو يوزن الحلم و الحجا بأمر لقالوا يذبل و ثبير

[16 : 196 ]

و روى الزبير بن بكار في الموفقيات أن عبد الملك أجرى خيلا فسبقه عباد بن زياد فأنشد عبد الملك

سبق عباد و صلت لحيته و كان خرازا تجود قربته

فشكا عباد قول عبد الملك إلى خالد بن يزيد بن معاوية فقال له أما و الله لأنصفنك منه بحيث يكره فزوجه أخته فكتب الحجاج إلى

عبد الملك يا أمير المؤمنين إن مناكح آل أبي سفيان قد ضاعت فأخبر عبد الملك خالدا بما كتب به الحجاج فقال خالد يا أمير

المؤمنين ما أعلم امرأة منا ضاعت و نزلت إلا عاتكة بنت يزيد بن معاوية فإنها عندك و لم يعن الحجاج غيرك قال عبد الملك بل عنى

الدعي ابن الدعي عبادا قال خالد يا أمير المؤمنين ما أنصفتني أدعي رجلا ثم لا أزوجه إنما كنت ملوما لو زوجت دعيك فأما دعيي فلم لا

أزوجه. فأما أول ما ارتفع به زياد فهو استخلاف ابن عباس له على البصرة في خلافة علي ع و بلغت عليا عنه هنات فكتب إليه يلومه و

يؤنبه فمنها الكتاب الذي ذكر الرضي رحمه الله بعضه و قد شرحنا فيما تقدم ما ذكر الرضي منه و كان علي ع أخرج إليه سعدا مولاه

يحثه على حمل مال البصرة إلى الكوفة و كان بين سعد و زياد ملاحاة و منازعة و عاد سعد و شكاه إلى علي ع و عابه

فكتب علي ع إليه أما بعد فإن سعدا ذكر أنك شتمته ظلما و هددته و جبهته تجبرا و تكبرا فما دعاك إلى التكبر و قد قال رسول الله ص

الكبر رداء الله فمن نازع الله رداءه قصمه و قد أخبرني أنك تكثر من الألوان المختلفة في الطعام في اليوم الواحد

[16 : 197 ]

و تدهن كل يوم فما عليك لو صمت لله أياما و تصدقت ببعض ما عندك محتسبا و أكلت طعامك مرارا قفارا فإن ذلك شعار الصالحين أ

فتطمع و أنت متمرغ في النعيم تستأثر به على الجار و المسكين و الضعيف و الفقير و الأرملة و اليتيم أن يحسب لك أجر

المتصدقين و أخبرني أنك تتكلم بكلام الأبرار و تعمل عمل الخاطئين فإن كنت تفعل ذلك فنفسك ظلمت و عملك أحبطت فتب إلى

ربك يصلح لك عملك و اقتصد في أمرك و قدم إلى ربك الفضل ليوم حاجتك و ادهن غبا فإني سمعت رسول الله ص يقول ادهنوا غبا و

لا تدهنوا رفها

فكتب إليه زياد أما بعد يا أمير المؤمنين فإن سعدا قدم علي فأساء القول و العمل فانتهرته و زجرته و كان أهلا لأكثر من ذلك و أما ما

ذكرت من الإسراف و اتخاذ الألوان من الطعام و النعم فإن كان صادقا فأثابه الله ثواب الصالحين و إن كان كاذبا فوقاه الله أشد

عقوبة الكاذبين و أما قوله إني أصف العدل و أخالفه إلى غيره فإني إذن من الأخسرين فخذ يا أمير المؤمنين بمقال قلته في مقام قمته

الدعوى بلا بينة كالسهم بلا نصل فإن أتاك بشاهدي عدل و إلا تبين لك كذبه و ظلمه. و من كلام زياد تأخير جزاء المحسن لؤم و

تعجيل عقوبة المسيء طيش. و كتب إليه معاوية أما بعد فاعزل حريث بن جابر عن العمل فإني لا أذكر مقاماته بصفين إلا كانت حزازة

في صدري فكتب إليه زياد أما بعد فخفض عليك يا أمير المؤمنين فإن حريثا قد سبق شرفا لا يرفعه معه عمل و لا يضعه معه عزل.

[16 : 198 ]

و قال لابنه عبيد الله عليك بالحجاب و إنما اجترأت الرعاة على السباع بكثرة نظرها إليها. و من كلامه أحسنوا إلى أهل الخراج

فإنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا. قدم رجل خصما له إلى زياد في حق له عليه و قال أيها الأمير إن هذا يدل بخاصة ذكر أنها له منك

قال زياد صدق و سأخبرك بما ينفعه عندي من خاصته و مودته إن يكن له الحق عليك آخذك به أخذا عنيفا و إن يكن الحق لك قضيت

عليه ثم قضيت عنه. و قال ليس العاقل من يحتال للأمر إذا وقع فيه لكن العاقل من يحتال للأمر ألا يقع فيه. و قال في خطبة له إلا

رب مسرور بقدومنا لا نسره و خائف ضرنا لا نضره. كان مكتوبا في الحيطان الأربعة في قصر زياد كتابة بالجص أربعة أسطر أولها

الشدة في غير عنف و اللين في غير ضعف و الثاني المحسن مجازى بإحسانه و المسيء يكافأ بإساءته و الثالث العطيات و الأرزاق في

إبانها و أوقاتها و الرابع لا احتجاب عن صاحب ثغر و لا عن طارق ليل. و قال يوما على المنبر إن الرجل ليتكلم بالكلمة يشفي بها

غيظه لا يقطع بها ذنب عنز فتضره لو بلغتنا عنه لسفكنا دمه. و قال ما قرأت كتاب رجل قط إلا عرفت عقله منه. و قال في خطبة

استوصوا بثلاثة منكم خيرا الشريف و العالم و الشيخ فو الله لا يأتيني وضيع بشريف يستخف به إلا انتقمت منه أو شاب بشيخ

يستخف به إلا أوجعته ضربا و لا جاهل بعالم يستخف به إلا نكلت به.

[16 : 199 ]

و قيل لزياد ما الحظ قال أن يطول عمرك و ترى في عدوك ما يسرك. قيل كان زياد يقول هما طريقان للعامة الطاعة و السيف. و كان

المغيرة يقول لا و الله حتى يحملوا على سبعين طريقا غير السيف. و قال الحسن البصري لرجل أ لا تحدثني بخطبتي زياد و الحجاج

حين دخلا العراق قال بلى أما زياد فلما قدم البصرة حمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن معاوية غير مخوف على قومه و لم يكن

ليلحق بنسبة من ليس منه و قد شهدت الشهود بما قد بلغكم و الحق أحق أن يتبع و الله حيث وضع البينات كان أعلم و قد رحلت

عنكم و أنا أعرف صديقي من عدوي ثم قدمت عليكم و قد صار العدو صديقا مناصحا و الصديق عدوا مكاشحا فليشتمل كل امرئ على ما

في صدره و لا يكونن لسانه شفرة تجري على أوداجه و ليعلم أحدكم إذا خلا بنفسه أني قد حملت سيفي بيدي فإن أشهره لم أغمده و

إن أغمده لم أشهره ثم نزل و أما الحجاج فإنه قال من أعياه داؤه فعلي دواؤه و من استبطأ أجله فعلي أن أعجله ألا إن الحزم و العزم

استلبا مني سوطي و جعلا سوطي سيفي فنجاده في عنقي و قائمه بيدي و ذبابه قلادة لمن اغتر بي. فقال الحسن البؤس لهما ما أغرهما

بربهما اللهم اجعلنا ممن يعتبر بهما. و قال بعضهم ما رأيت زيادا كاسرا إحدى عينيه واضعا إحدى رجليه على الأخرى يخاطب رجلا إلا

رحمت المخاطب. و من كلامه نعم الشيء الإمارة لو لا قعقعة لجام البريد و تسنم ذروة المنبر. قال لحاجبه يا عجلان إني قد وليتك

هذا الباب و عزلتك عن أربعة المنادي إذا جاء يؤذن بالصلاة فإنها كانت كتابا موقوتا و رسول صاحب الثغر فإنه إن أبطأ

[16 : 200 ]

ساعة فسد تدبير سنة و طارق الليل فشر ما جاء به و الطباخ إذا فرغ من الطعام فإنه متى أعيد عليه التسخين فسد. و كان حارثة بن

بدر الغداني قد غلب على زياد و كان حارثة مشتهرا بالشراب فقيل لزياد في ذلك فقال كيف بإطراح رجل هو يسايرني منذ قدمت

العراق فلا يصل ركابه ركابي و لا تقدمني قط فنظرت إلى قفاه و لا تأخر عني فلويت عنقي إليه و لا أخذ علي الشمس في شتاء قط و لا

الروح في صيف قط و لا سألته عن علم إلا ظننته لا يحسن غيره. و من كلامه كفى بالبخل عارا أن اسمه لم يقع في حمد قط و كفى

بالجود فخرا أن اسمه لم يقع في ذم قط. و قال ملاك السلطان الشدة على المريب و اللين للمحسن و صدق الحديث و الوفاء بالعهد.

و قال ما أتيت مجلسا قط إلا تركت منه ما لو أخذته لكان لي و ترك ما لي أحب إلي من أخذ ما ليس لي. و قال ما قرأت مثل كتب الربيع

بن زياد الحارثي ما كتب إلي كتابا قط إلا في اجترار منفعة أو دفع مضرة و لا شاورته يوما قط في أمر مبهم إلا و سبق إلى الرأي. و قال

يعجبني من الرجل إذا أتى مجلسا أن يعلم أين مكانه منه فلا يتعداه إلى غيره و إذا سيم خطة خسف أن يقول لا بملء فيه. فأما خطبة

زياد المعروفة بالبتراء و إنما سميت بذلك لأنه لم يحمد الله فيها و لا صلى على رسوله فقد ذكرها علي بن محمد المدائني قال قدم

زياد البصرة أميرا عليها أيام معاوية و الفسق فيها فاش جدا و أموال الناس منتهبة و السياسة ضعيفة فصعد المنبر فقال

[16 : 201 ]

أما بعد فإن الجاهلية الجهلاء و الضلالة العمياء و الغي الموفد لأهله على النار ما فيه سفهاؤكم و يشتمل عليه حلماؤكم من الأمور

العظام ينبت فيها الصغير و لا يتحاشى منها الكبير كأنكم لم تقرءوا كتاب الله و لم تستمعوا ما أعد من الثواب الكثير لأهل طاعته و

العذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمد الذي لا يزول. أ تكونون كمن طرفت عينه الدنيا و سدت مسامعه الشهوات و اختار

الفانية على الباقية لا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا به من ترككم الضعيف يقهر و يؤخذ ماله و الضعيفة

المسلوبة في النهار المبصر هذا و العدد غير قليل. أ لم يكن منكم نهاه تمنع الغواة عن دلج الليل و غارة النهار قربتم القرابة و

باعدتم الذين يعتذرون بغير العذر و يعطون على المختلس كل امرئ منكم يذب عن سيفه صنيع من لا يخاف عاقبة و لا يرجو معادا ما

أنتم بالحلماء و قد اتبعتم السفهاء فلم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرمة الإسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في

مكانس الريب حرم علي الطعام و الشراب حتى أسويها بالأرض هدما و إحراقا إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله

لين في غير ضعف و شدة في غير عنف و أنا أقسم بالله لآخذن الولي بالولي و الظاعن بالظاعن و المقبل بالمدبر و الصحيح منكم في

نفسه بالسقيم حتى يلقى الرجل أخاه

[16 : 202 ]

فيقول انج سعد فقد هلك سعيد أو تستقيم لي قناتكم. إن كذبة المنبر تلفى مشهورة فإذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي من

نقب عليه منكم فأنا ضامن لما ذهب منه فإياكم و دلج الليل فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه و قد أجلتكم بقدر ما يأتي الخبر

الكوفة و يرجع إليكم. إياكم و دعوى الجاهلية فإني لا أجد أحدا دعا بها إلا قطعت لسانه و قد أحدثتم أحداثا و قد أحدثنا لكل ذنب

عقوبة فمن غرق بيوت قوم غرقناه و من حرق على قوم حرقناه و من نقب على أحد بيتا نقبنا على قلبه و من نبش قبرا دفناه فيه حيا.

كفوا عني أيديكم و ألسنتكم أكف عنكم يدي و لساني و لا يظهرن من أحدكم خلاف ما عليه عامتكم فأضرب عنقه و قد كانت بيني و

بين أقوام إحن فقد جعلت ذلك وراء أذني و تحت قدمي فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا و من كان مسيئا فلينزع عن إساءته إني

لو علمت أن أحدكم قد قتله السلال من بغضي لم أكشف عنه قناعا و لم أهتك له سترا حتى يبدي لي صفحته فإذا فعل لم أناظره

فاستأنفوا أموركم و أعينوا على أنفسكم فرب مبتئس بقدومنا سيسر و مسرور بقدومنا سيبأس أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة و

عنكم ذادة نسوسكم بسلطان الله الذي أعطاناه و نذود عنكم بفيء الله الذي خولناه فلنا عليكم السمع و الطاعة فيما أحببنا و لكم

علينا العدل و الإنصاف فيما ولينا فاستوجبوا عدلنا و فيئنا بمناصحتكم لنا و اعلموا أني مهما قصرت عنه فلن أقصر عن ثلاث لست محتجبا عن طالب حاجة منكم

السابق

التالي