السابق

التالي

[16 : 103 ]

و استقر فلما جلس جعل مسلم يؤامر نفسه و يريدها على الوثوب به فلم تطعه و جعل هانئ ينشد كأنه يترنم بالشعر

ما الانتظار بسلمى لا تحييها

و يكرر ذلك فأوجس عبيد الله خيفة و نهض فعاد إلى قصر الإمارة و فات مسلما منه ما كان يؤمله بإضاعة الفرصة حتى صار أمره إلى ما

صار و تاسع عشرها قوله ليس كل طالب يصيب و لا كل غائب يثوب الأولى كقول القائل

ما كل وقت ينال المرء ما طلبا و لا يسوغه المقدار ما وهبا و الثانية كقول عبيد

و كل ذي غيبة يئوب و غائب الموت لا يئوب

العشرون قوله من الفساد إضاعة الزاد و مفسدة المعاد و لا ريب أن من كان في سفر و أضاع زاده و أفسد الحال التي يعود إليها فإنه

أحمق و هذا مثل ضربه للإنسان في حالتي دنياه و آخرته. الحادي و العشرون قوله و لكل أمر عاقبة هذا مثل المثل المشهور لكل

سائلة قرار. الثاني و العشرون قوله سوف يأتيك ما قدر لك هذا من

قول رسول الله ص و إن يقدر لأحدكم رزق في قبة جبل أو حضيض بقاع يأته

الثالث و العشرون قوله التاجر مخاطر هذا حق لأنه يتعجل بإخراج الثمن و لا يعلم هل يعود أم لا و هذا الكلام ليس على ظاهره بل

له باطن و هو أن من مزج الأعمال الصالحة بالأعمال السيئة مثل قوله خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً

[16 : 104 ]

فإنه مخاطر لأنه لا يأمن أن يكون بعض تلك السيئات تحبط أعماله الصالحة كما لا يأمن أن يكون بعض أعماله الصالحة يكفر تلك

السيئات و المراد أنه لا يجوز للمكلف أن يفعل إلا الطاعة أو المباح. الرابع و العشرون قوله رب يسير أنمى من كثير قد جاء في

الأثر قد يجعل الله من القليل الكثير و يجعل من الكثير البركة و قال الفرزدق

فإن تميما قبل أن يلد الحصى أقام زمانا و هو في الناس واحد

و قال أبو عثمان الجاحظ رأينا بالبصرة أخوين كان أبوهما يحب أحدهما و يبغض الآخر فأعطى محبوبه يوم موته كل ماله و كان أكثر

من مائتي ألف درهم و لم يعط الآخر شيئا و كان يتجر في الزيت و يكتسب منه ما يصرفه في نفقة عياله ثم رأينا أولاد الأخ الموسر بعد

موت الأخوين من عائلة ولد الأخ المعسر يتصدقون عليهم من فواضل أرزاقهم

لَا خَيْرَ فِي مُعِين مُهِين وَ لَا فِي صَدِيق ظَنِين سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ وَ لَا تُخَاطِرْ بِشَيْء رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ

اللَّجَاجِ احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصِّلَةِ وَ عِنْدَ صُدُودِهِ عَلَى اللُّطْفِ وَ الْمُقَارَبَةِ وَ عِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى الْبَذْلِ وَ عِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى

الدُّنُوِّ وَ عِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِّينِ وَ عِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْرِ حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ وَ كَأَنَّهُ ذُو نِعْمَة عَلَيْكَ

[16 : 105 ]

وَ إِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ لَا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ وَ امْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ

حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً وَ تَجَرَّعِ الْغَيْظَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً وَ لَا أَلَذَّ مَغَبَّةً وَ لِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ وَ خُذْ

عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ أَحَدُ الظَّفَرَيْنِ وَ إِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبِقْ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذَلِكَ يَوْماً مَا وَ مَنْ ظَنَّ

بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ وَ لَا تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالًا عَلَى مَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ وَ لَا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ

وَ لَا تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ وَ لَا يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَى الْإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الْإِحْسَانِ وَ لَا

يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَ نَفْعِكَ وَ لَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ

هذا الفصل قد اشتمل على كثير من الأمثال الحكمية. فأولها قوله لا خير في معين مهين و لا في صديق ظنين مثل الكلمة الأولى قولهم

إذا تكفيت بغير كاف وجدته للهم غير شاف

و من الكلمة الثانية أخذ الشاعر قوله

فإن من الإخوان من شحط النوى به و هو راع للوصال أمين

و منهم صديق العين أما لقاؤه فحلو و أما غيبه فظنين

[16 : 106 ]

و ثانيها قوله ساهل الدهر ما ذلك لك قعوده هذا استعارة و القعود البكر حين يمكن ظهره من الركوب إلى أن يثني و مثل هذا المعنى

قولهم في المثل من ناطح الدهر أصبح أجم. و مثله

و در مع الدهر كيفما دارا

و مثله

و من قامر الأيام عن ثمراتها فأحر بها أن تنجلي و لها القمر

و مثله

إذا الدهر أعطاك العنان فسر به رويدا و لا تعنف فيصبح شامسا

و ثالثها قوله لا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه هذا مثل قولهم من طلب الفضل حرم الأصل. و رابعها قوله إياك و أن تجمح بك مطية

اللجاج هذا استعارة و في المثل ألج من خنفساء و ألج من زنبور و كان يقال اللجاج من القحة و القحة من قلة الحياء و قلة الحياء من

قلة المروءة و في المثل لج صاحبك فحج. و خامسها قوله احمل نفسك من أخيك إلى قوله أو تفعله بغير أهله اللطف بفتح اللام و

الطاء الاسم من ألطفه بكذا أي بره به و جاءتنا لطفة من فلان أي هدية و الملاطفة المبارة و روي عن اللطف و هو الرفق للأمر و

المعنى أنه أوصاه إذا قطعه أخوه أن يصله و إذا جفاه أن يبره و إذا بخل عليه أن يجود عليه إلى آخر الوصاة. ثم قال له لا تفعل ذلك

مع غير أهله قال الشاعر

[16 : 107 ]

و أن الذي بيني و بين بني أبي و بين بني أمي لمختلف جدا

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم و إن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

و إن زجروا طيرا بنحس تمر بي زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا

و لا أحمل الحقد القديم عليهم و ليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

و قال الشاعر

إني و إن كان ابن عمي كاشحا لمقاذف من خلفه و ورائه

و مفيده نصري و إن كان امرأ متزحزحا في أرضه و سمائه

و أكون والي سره و أصونه حتى يحق علي وقت أدائه

و إذا الحوادث أجحفت بسوامه قرنت صحيحتنا إلى جربائه

و إذا دعا باسمي ليركب مركبا صعبا قعدت له على سيسائه

و إذا أجن فليقة في خدره لم أطلع مما وراء خبائه

و إذا ارتدى ثوبا جميلا لم أقل يا ليت أن علي فضل ردائه

و سادسها قوله لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك قد قال الناس في هذا المعنى فأكثروا قال بعضهم

إذا صافى صديقك من تعادي فقد عاداك و انقطع الكلام

و قال آخر

صديق صديقي داخل في صداقتي و خصم صديقي ليس لي بصديق

و قال آخر

تود عدوي ثم تزعم أنني صديقك إن الرأي عنك لعازب

[16 : 108 ]

و سابعها قوله و امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة ليس يعني ع بقبيحة هاهنا القبيح الذي يستحق به الذم و العقاب و

إنما يريد نافعة له في العاجل كانت أو ضارة له في الأجل فعبر عن النفع و الضرر بالحسن و القبيح كقوله تعالى وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ

بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ. و قد فسره قوم فقالوا أراد كانت نافعة لك أو ضارة لك و يحتمل تفسير آخر و هو وصيته إياه

أن يمحض أخاه النصيحة سواء كانت مما لا يستحيا من ذكرها و شياعها أو كانت مما يستحيا من ذكرها و استفاضتها بين الناس كمن

ينصح صديقه في أهله و يشير عليه بفراقهم لفجور اطلع عليه منهم فإن الناس يسمون مثل هذا إذا شاع قبيحا. و ثامنها قوله تجرع

الغيظ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة و لا ألذ مغبة هذا مثل قولهم الحلم مرارة ساعة و حلاوة الدهر كله و كان يقال التذلل للناس

مصايد الشرف.

قال المبرد في الكامل أوصى علي بن الحسين ابنه محمد بن علي ع فقال يا بني عليك بتجرع الغيظ من الرجال فإن أباك لا يسره

بنصيبه من تجرع الغيظ من الرجال حمر النعم و الحلم أعز ناصرا و أكثر عددا

و تاسعها قوله لن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك هذا مثل المثل المشهور إذا عز أخوك فهن و الأصل في هذا قوله تعالى ادْفَعْ

بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. و عاشرها قوله خذ على عدوك بالفضل فإنه أحد الظفرين هذا

معنى مليح و منه قول ابن هانئ في المعز

[16 : 109 ]

ضراب هام الروم منتقما و في أعناقهم من جوده أعباء

لو لا انبعاث السيف و هو مسلط في قتلهم قتلتهم النعماء

و كنت كاتبا بديوان الخلافة و الوزير حينئذ نصير الدين أبو الأزهر أحمد بن الناقد رحمه الله فوصل إلى حضرة الديوان في سنة

اثنتين و ثلاثين و ستمائة محمد بن محمد أمير البحرين على البر ثم وصل بعده الهرمزي صاحب هرمز في دجلة بالمراكب البحرية و

هرمز هذه فرضة في البحر نحو عمان و امتلأت بغداد من عرب محمد بن محمد و أصحاب الهرمزي و كانت تلك الأيام أياما غراء زاهرة

لما أفاض المستنصر على الناس من عطاياه و الوفود تزدحم من أقطار الأرض على أبواب ديوانه فكتبت يوم دخول الهرمزي إلى الوزير

أبياتا سنحت على البديهة و أنا متشاغل بما كنت فيه من مهام الخدمة و كان رحمه الله لا يزال يذكرها و ينشدها و يستحسنها

يا أحمد بن محمد أنت الذي علقت يداه بأنفس الأعلاق

ما أملت بغداد قبلك أن ترى أبدا ملوك البحر في الأسواق

ولهوا عليها غيرة و تنافسوا شغفا بها كتنافس العشاق

و غدت صلاتك في رقاب سراتهم و نداك كالأطواق في الأعناق

بسديد رأيك أصلحت جمحاتهم و تألفوا من بعد طول شقاق

لله همه ماجد لم تعتلق بسحيل آراء و لا أحذاق

جلب السلاهب من أراك و بعدها جلب المراكب من جزيرة واق

هذا العداء هو العداء فعد عن قول ابن حجر في لأى و عناق

و أظنه و الظن علم أنه سيجيئنا بممالك الآفاق

إما أسير صنيعة في جيده بالجود غل أو أسير وثاق

[16 : 110 ]

لا زال في ظل الخليفة ما له فان و سودده المعظم باق

و حادي عشرها قوله إن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا ذلك له يوما هذا مثل قولهم أحبب حبيبك

هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما و أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما و ما كان يقال إذا هويت فلا تكن غاليا و

إذا تركت فلا تكن قاليا. و ثاني عشرها قوله من ظن خيرا فصدق ظنه كثير من أرباب الهمم يفعلون هذا يقال لمن قد شدا طرفا من العلم

هذا عالم هذا فاضل فيدعوه ما ظن فيه من ذلك إلى تحقيقه فيواظب على الاشتغال بالعلم حتى يصير عالما فاضلا حقيقة و كذلك يقول

الناس هذا كثير العبادة هذا كثير الزهد لمن قد شرع في شيء من ذلك فتحمله أقوال الناس على الالتزام بالزهد و العبادة. و ثالث

عشرها قوله و لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك و بينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه من هذا النحو قول الشاعر.

إذا خنتم بالغيب عهدي فما لكم تدلون إدلال المقيم على العهد

صلوا و افعلوا فعل المدل بوصله و إلا فصدوا و افعلوا فعل ذي الصدى

و كان يقال إضاعة الحقوق داعية العقوق. و رابع عشرها قوله لا ترغبن فيمن زهد فيك الرغبة في الزاهد هي الداء العياء قال العباس

بن الأحنف

ما زلت أزهد في مودة راغب حتى ابتليت برغبة في زاهد

هذا هو الداء الذي ضاقت به حيل الطبيب و طال يأس العائد

[16 : 111 ]

و قد قال الشعراء المتقدمون و المتأخرون فأكثروا نحو قولهم

و في الناس إن رثت حبالك واصل و في الأرض عن دار القلى متحول

و قول تأبط شرا

إني إذا خلة ضنت بنائلها و أمسكت بضعيف الحبل أحذاقي

نجوت منها نجائي من بجيلة إذ ألقيت ليلة خبت الرهط أرواقي

و خامس عشرها قوله لا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته و لا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان هذا أمر له

بأن يصل من قطعه و أن يحسن إلى من أساء إليه. ظفر المأمون عبد الله بن هارون الرشيد بكتب قد كتبها محمد بن إسماعيل بن جعفر

الصادق ع إلى أهل الكرخ و غيرهم من أعمال أصفهان يدعوهم فيها إلى نفسه فأحضرها بين يديه و دفعها إليه و قال له أ تعرف هذه

فأطرق خجلا فقال له أنت آمن و قد وهبت هذا الذنب لعلي و فاطمة ع فقم إلى منزلك و تخير ما شئت من الذنوب فإنا نتخير لك مثل

ذلك من العفو. و سادس عشرها قوله لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرته و نفعك و ليس جزاء من سرك أن تسوءه

جاء في الخبر المرفوع إنه ص سمع عائشة تدعو على من سرق عقدا لها فقال لها لا تمسحي عنه بدعائك

أي لا تخففي عذابه و قوله ع و ليس جزاء من سرك أن تسوءه يقول لا تنتقم ممن ظلمك فإنه قد نفعك في الآخرة بظلمه لك و ليس

جزاء من ينفع إنسانا أن يسيء إليه و هذا مقام جليل

[16 : 112 ]

لا يقدر عليه إلا الأفراد من الأولياء الأبرار و قبض بعض الجبابرة على قوم صالحين فحبسهم و قيدهم فلما طال عليهم الأمر زفر

بعضهم زفرة شديدة و دعا على ذلك الجبار فقال له بعض أولاده و كان أفضل أهل زمانه في العبادة و كان مستجاب الدعوة لا تدع عليه

فتخفف عن عذابه قالوا يا فلان أ لا ترى ما بنا و بك لا يأنف ربك لنا قال إن لفلان مهبطا في النار لم يكن ليبلغه إلا بما ترون و إن لكم

لمصعدا في الجنة لم تكونوا لتبلغوه إلا بما ترون قالوا فقد نال منا العذاب و الحديد فادع الله لنا أن يخلصنا و ينقذنا مما نحن فيه

قال إني لأظن أني لو فعلت لفعل و لكن و الله لا أفعل حتى أموت هكذا فألقى الله فأقول له أي رب سل فلانا لم فعل بي هذا و من

الناس من يجعل قوله ع و ليس جزاء من سرك أن تسوءه كلمة مفردة مستقلة بنفسها ليست من تمام الكلام الأول و الصحيح ما

ذكرناه. و سابع عشرها و من حقه أن يقدم ذكره قوله و لا يكن أهلك أشقى الخلق بك هذا كما يقال في المثل من شؤم الساحرة أنها

أول ما تبدأ بأهلها و المراد من هذه الكلمة النهي عن قطيعة الرحم و إقصاء الأهل و حرمانهم و

في الخبر المرفوع صلوا أرحامكم و لو بالسلام

وَ اعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَ رِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَ الْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى إِنَّمَا

لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ وَ إِنْ كُنْتَ جَازِعاً عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ

[16 : 113 ]

اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ وَ لَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلَامِهِ فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالآْدَابِ وَ

الْبَهَائِمَ لَا تَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْبِ. اطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَ حُسْنِ الْيَقِينِ مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ جَارَ وَ الصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ وَ الصَّدِيقُ

مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ وَ الْهَوَى شَرِيكُ الْعَمَى وَ رُبَّ بَعِيد أَقْرَبُ مِنْ قَرِيب وَ قَرِيب أَبْعَدُ مِنْ بَعِيد وَ الْغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبِيبٌ مَنْ تَعَدَّى الْحَقَّ

ضَاقَ مَذْهَبُهُ وَ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَى لَهُ وَ أَوْثَقُ سَبَب أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ مَنْ لَمْ يُبَالِكَ فَهُوَ عَدُوُّكَ قَدْ

يَكُونُ الْيَأْسُ إِدْرَاكاً إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلَاكاً لَيْسَ كُلُّ عَوْرَة تَظْهَرُ وَ لَا كُلُّ فُرْصَة تُصَابُ وَ رُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِيرُ قَصْدَهُ وَ أَصَابَ الْأَعْمَى رُشْدَهُ

أَخِّرِ الشَّرَّ فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ تَعَجَّلْتَهُ وَ قَطِيعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعَاقِلِ مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ وَ مَنْ أَعْظَمَهُ أَهَانَهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ إِذَا

تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ وَ عَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ

[16 : 114 ]

في بعض الروايات اطرح عنك واردات الهموم بحسن الصبر و كرم العزاء

قد مضى لنا كلام شاف في الرزق. و روى أبو حيان قال رفع الواقدي إلى المأمون رقعة يذكر فيها غلبة الدين عليه و كثرة العيال و قلة

الصبر فوقع المأمون عليها أنت رجل فيك خلتان السخاء و الحياء فأما السخاء فهو الذي أطلق ما في يديك و أما الحياء فهو الذي

بلغ بك إلى ما ذكرت و قد أمرنا لك بمائة ألف درهم فإن كنا أصبنا إرادتك فازدد في بسط يدك و إن كنا لم نصب إرادتك فبجنايتك على

نفسك و أنت كنت حدثتني و أنت على قضاء الرشيد

عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن أنس بن مالك إن رسول الله ص قال للزبير يا زبير إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش ينزل الله تعالى

للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثر كثر له و من قلل قلل له

قال الواقدي و كنت أنسيت هذا الحديث و كانت مذاكرته إياي به أحب من صلته. و اعلم أن هذا الفصل يشتمل على نكت كثيرة

حكمية منها قوله الرزق رزقان رزق تطلبه و رزق يطلبك و هذا حق لأن ذلك إنما يكون على حسب ما يعلمه الله تعالى من مصلحة

المكلف فتارة يأتيه الرزق بغير اكتساب و لا تكلف حركة و لا تجشم سعي و تارة يكون الأمر بالعكس. دخل عماد الدولة أبو الحسن

بن بويه شيراز بعد أن هزم ابن ياقوت عنها و هو فقير

[16 : 115 ]

لا مال له فساخت إحدى قوائم فرسه في الصحراء في الأرض فنزل عنها و ابتدرها غلمانه فخلصوها فظهر لهم في ذلك الموضع نقب

وسيع فأمرهم بحفرة فوجدوا فيه أموالا عظيمة و ذخائر لابن ياقوت ثم استلقى يوما آخر على ظهره في داره بشيراز التي كان ابن

ياقوت يسكنها فرأى حية في السقف فأمر غلمانه بالصعود إليها و قتلها فهربت منهم و دخلت في خشب الكنيسة فأمر أن يقلع الخشب

و تستخرج و تقتل فلما قلعوا الخشب وجدوا فيه أكثر من خمسين ألف دينار ذخيرة لابن ياقوت. و احتاج أن يفصل و يخيط ثيابا له و

لأهله فقيل هاهنا خياط حاذق كان يخيط لابن ياقوت و هو رجل منسوب إلى الدين و الخير إلا أنه أصم لا يسمع شيئا أصلا فأمر

بإحضاره فأحضر و عنده رعب و هلع فلما أدخله إليه كلمه و قال أريد أن تخيط لنا كذا و كذا قطعة من الثياب فارتعد الخياط و اضطرب

كلامه و قال و الله يا مولانا ما له عندي إلا أربعة صناديق ليس غيرها فلا تسمع قول الأعداء في فتعجب عماد الدولة و أمر بإحضار

الصناديق فوجدها كلها ذهبا و حليا و جواهر مملوءة وديعة لابن ياقوت. و أما الرزق الذي يطلبه الإنسان و يسعى إليه فهو كثير جدا لا

يحصى و منها قوله ما أقبح الخضوع عند الحاجة و الجفاء عند الغنى هذا من قول الله تعالى حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ

بِرِيح طَيِّبَة وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكان وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ فَلَمّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ. و من الشعر الحكمي في هذا الباب

قول الشاعر

خلقان لا أرضاهما لفتى تيه الغنى و مذلة الفقر

[16 : 116 ]

فإذا غنيت فلا تكن بطرا و إذا افتقرت فته على الدهر

و منها قوله إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك هذا من

كلام رسول الله ص يا ابن آدم ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت

و قال أبو العتاهية

ليس للمتعب المكادح من دنياه إلا الرغيف و الطمران

و منها قوله و إن كنت جازعا على ما تفلت من يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك يقول لا ينبغي أن تجزع على ما ذهب من مالك كما

لا ينبغي أن تجزع على ما فاتك من المنافع و المكاسب فإنه لا فرق بينهما إلا أن هذا حصل و ذاك لم يحصل بعد و هذا فرق غير مؤثر

لأن الذي تظن أنه حاصل لك غير حاصل في الحقيقة و إنما الحاصل على الحقيقة ما أكلته و لبسته و أما القنيات و المدخرات فلعلها

ليست لك كما قال الشاعر

و ذي إبل يسقي و يحسبها له أخي تعب في رعيها و دءوب

غدت و غدا رب سواه يسوقها و بدل أحجارا و جال قليب

و منها قوله استدل على ما لم يكن بما كان فإن للأمور أشباها يقال إذا شئت أن تنظر للدنيا بعدك فانظرها بعد غيرك. و قال أبو الطيب

في سيف الدولة

ذكي تظنيه طليعة عينه يرى قلبه في يومه ما يرى غدا

و منها قوله و لا تكونن ممن لا تنفعه العظة... إلى قوله إلا بالضرب هو قول الشاعر

[16 : 117 ]

العبد يقرع بالعصا و الحر تكفيه الملامة

و كان يقال اللئيم كالعبد و العبد كالبهيمة عتبها ضربها. و منها قوله اطرح عنك واردات الهموم بحسن الصبر و كرم العزاء هذا كلام

شريف فصيح عظيم النفع و الفائدة و قد أخذ عبد الله بن الزبير بعض هذه الألفاظ فقال في خطبته لما ورد عليه الخبر بقتل مصعب

أخيه لقد جاءنا من العراق خبر أحزننا و سرنا جاءنا خبر قتل مصعب فأما سرورنا فلأن ذلك كان له شهادة و كان لنا إن شاء الله خيرة و

أما الحزن فلوعة يجدها الحميم عند فراق حميمه ثم يرعوي بعدها ذو الرأي إلى حسن الصبر و كرم العزاء. و منها قوله من ترك

القصد جار القصد الطريق المعتدل يعني أن خير الأمور أوسطها فإن الفضائل تحيط بها الرذائل فمن تعدى هذه يسيرا وقع في هذه. و

منها قوله الصاحب مناسب كان يقال الصديق نسيب الروح و الأخ نسيب البدن قال أبو الطيب

ما الخل إلا من أود بقلبه و أرى بطرف لا يرى بسوائه

و منها قوله الصديق من صدق غيبه من هاهنا أخذ أبو نواس قوله في المنهوكة

هل لك و الهل خبر فيمن إذا غبت حضر

أو ما لك اليوم أثر فإن رأى خيرا شكر

أو كان تقصير عذر

و منها قوله الهوى شريك العمى هذا مثل قولهم حبك الشيء يعمي و يصم قال الشاعر

[16 : 118 ]

و عين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا

و منها قوله رب بعيد أقرب من قريب و قريب أبعد من بعيد هذا معنى مطروق قال الشاعر

لعمرك ما يضر البعد يوما إذا دنت القلوب من القلوب

و قال الأحوص

إني لأمنحك الصدود و إنني قسما إليك مع الصدود لأميل

و قال البحتري

و نازحة و الدار منها قريبة و ما قرب ثاو في التراب مغيب

و منها قوله و الغريب من لم يكن له حبيب يريد بالحبيب هاهنا المحب لا المحبوب قال الشاعر

أسرة المرء والداه و فيما بين جنبيهما الحياة تطيب

و إذا وليا عن المرء يوما فهو في الناس أجنبي غريب

و منها قوله من تعدى الحق ضاق بمذهبه يريد بمذهبه هاهنا طريقته و هذه استعارة و معناه أن طريق الحق لا مشقة فيها لسالكها و

طرق الباطل فيها المشاق و المضار و كان سالكها سالك طريقة ضيقة يتعثر فيها و يتخبط في سلوكها. و منها قوله من اقتصر على قدره

كان أبقى له هذا مثل

قوله رحم الله امرأ عرف قدره و لم يتعد طوره

و قال من جهل قدره قتل نفسه

و قال أبو الطيب

و من جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لا يرى

[16 : 119 ]

و منها قوله أوثق سبب أخذت به سبب بينك و بين الله سبحانه هذا من قول الله تعالى فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللّهِ فَقَدِ

اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها. و منها قوله فمن لم يبالك فهو عدوك أي لم يكترث بك و هذه الوصاة خاصة بالحسن ع و

أمثاله من الولاة و أرباب الرعايا و ليست عامة للسوقة من أفناء الناس و ذلك لأن الوالي إذا أنس من بعض رعيته أنه لا يباليه و لا

يكترث به فقد أبدى صفحته و من أبدى لك صفحته فهو عدوك و أما غير الوالي من أفناء الناس فليس أحدهم إذا لم يبال الآخر بعدو

له. و منها قوله قد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطمع هلاكا هذا مثل قول القائل

من عاش لاقى ما يسوء من الأمور و ما يسر

و لرب حتف فوقه ذهب و ياقوت و در

و المعنى ربما كان بلوغ الأمل في الدنيا و الفوز بالمطلوب منها سببا للهلاك فيها و إذا كان كذلك كان الحرمان خيرا من الظفر. و

منها قوله ليس كل عورة تظهر و لا كل فرصة تصاب يقول قد تكون عورة العدو مستترة عنك فلا تظهر و قد تظهر لك و لا يمكنك

إصابتها. و قال بعض الحكماء الفرصة نوعان فرصة من عدوك و فرصة في غير عدوك فالفرصة من عدوك ما إذا بلغتها نفعتك و إن فاتتك

ضرتك و في غير عدوك ما إذا أخطأك نفعه لم يصل إليك ضره.

[16 : 120 ]

و منها قوله فربما أخطأ البصير قصده و أصاب الأعمى رشده من هذا النحو قولهم في المثل مع الخواطئ سهم صائب و قولهم رمية

من غير رام و قالوا في مثل اللفظة الأولى الجواد يكبو و الحسام قد ينبو و قالوا قد يهفو الحليم و يجهل العليم. و منها قوله أخر

الشر فإنك إذا شئت تعجلته مثل هذا قولهم في الأمثال الطفيلية كل إذا وجدت فإنك على الجوع قادر و من الأمثال الحكمية ابدأ

بالحسنة قبل السيئة فلست بمستطيع للحسنة في كل وقت و أنت على الإساءة متى شئت قادر. و منها قوله قطيعة الجاهل تعدل صلة

العاقل هذا حق لأن الجاهل إذا قطعك انتفعت ببعده عنك كما تنتفع بمواصلة الصديق العاقل لك و هذا كما يقول المتكلمون عدم

المضرة كوجود المنفعة و يكاد أن يبتني على هذا قولهم كما أن فعل المفسدة قبيح من البارئ فالإخلال باللطف منه أيضا يجب أن

يكون قبيحا. و منها قوله من أمن الزمان خانه و من أعظمه أهانه مثل الكلمة الأولى قول الشاعر

و من يأمن الدنيا يكن مثل قابض على الماء خانته فروج الأنامل

و قالوا احذر الدنيا ما استقامت لك و من الأمثال الحكمية من أمن الزمان ضيع ثغرا مخوفا و مثل الكلمة الثانية قولهم الدنيا كالأمة

اللئيمة المعشوقة كلما ازددت لها عشقا و عليها تهالكا ازدادت إذلالا و عليك شطاطا. و قال أبو الطيب

و هي معشوقة على الغدر لا تحفظ عهدا و لا تتمم وصلا

[16 : 121 ]

شيم الغانيات فيها فلا أدري لذا أنث اسمها الناس أم لا

و منها قوله ليس كل من رمى أصاب هذا معنى مشهور قال أبو الطيب

ما كل من طلب المعالي نافذا فيها و لا كل الرجال فحولا

و منها قوله إذا تغير السلطان تغير الزمان في كتب الفرس أن أنوشروان جمع عمال السواد و بيده درة يقلبها فقال أي شيء أضر

بارتفاع السواد و أدعى إلى محقه أيكم قال ما في نفسي جعلت هذه الدرة في فيه فقال بعضهم انقطاع الشرب و قال بعضهم احتباس

المطر و قال بعضهم استيلاء الجنوب و عدم الشمال فقال لوزيره قل أنت فإني أظن عقلك يعادل عقول الرعية كلها أو يزيد عليها قال

تغير رأي السلطان في رعيته و إضمار الحيف لهم و الجور عليهم فقال لله أبوك بهذا العقل أهلك آبائي و أجدادي لما أهلوك له و دفع

إليه الدرة فجعلها في فيه. و منها قوله سل عن الرفيق قبل الطريق و عن الجار قبل الدار و قد روي هذا الكلام مرفوعا و في المثل جار

السوء كلب هارش و أفعى ناهش. و في المثل الرفيق إما رحيق أو حريق

إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَكُونُ مُضْحِكاً وَ إِنْ حَكَيْتَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِكَ

[16 : 122 ]

وَ إِيَّاكَ وَ مُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفْن وَ عَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْن وَ اكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى

عَلَيْهِنَّ وَ لَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ وَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ وَ لَا تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ

نَفْسَهَا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَ لَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَة وَ لَا تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا وَ لَا تُطْمِعْهَا فِي أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا وَ إِيَّاكَ وَ التَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ

غَيْرَة فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ وَ الْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ وَ اجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَان مِنْ خَدَمِكَ عَمَلًا تَأْخُذُهُ بِهِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلَّا يَتَوَاكَلُوا

فِي خِدْمَتِكَ وَ أَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ وَ أَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ وَ يَدُكَ الَّتِي بِهَا تَصُولُ اسْتَوْدِعِ اللَّهَ دِينَكَ وَ دُنْيَاكَ وَ

اسْأَلْهُ خَيْرَ الْقَضَاءِ لَكَ فِي الْعَاجِلَةِ وَ الآْجِلَةِ وَ الدُّنْيَا وَ الآْخِرَةِ وَ السَّلَامُ

نهاه أن يذكر من الكلام ما كان مضحكا لأن ذلك من شغل أرباب الهزل و البطالة و قل أن يخلو ذلك من غيبة أو سخرية ثم قال و إن

حكيت ذلك عن غيرك فإنه كما يستهجن الابتداء بذلك يستهجن حكايته عن الغير و ذلك كلام فصيح أ لا ترى أنه لا يجوز الابتداء

بكلمة الكفر و يكره أيضا حكايتها و قال عمر لما نهاه

[16 : 123 ]

رسول الله ص أن يحلف بالله فما حلفت به ذاكرا و لا آثرا و لا حاكيا. و كان يقال من مازح استخف به و من كثر ضحكه قلت هيبته. فأما

مشاورة النساء فإنه من فعل عجزة الرجال قال الفضل بن الربيع أيام الحرب بين الأمين و المأمون في كلام يذكر فيه الأمين و يصفه

بالعجز ينام نوم الظربان و ينتبه انتباهة الذئب همه بطنه و لذته فرجه لا يفكر في زوال نعمة و لا يروي في إمضاء رأي و لا مكيدة قد

شمر له عبد الله عن ساقه و فوق له أشد سهامه يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ و الموت القاصد قد عبى له المنايا على متون

الخيل و ناط له البلايا بأسنة الرماح و شفار السيوف فكأنه هو قال هذا الشعر و وصف به نفسه و أخاه

يقارع أتراك ابن خاقان ليله إلى أن يرى الإصباح لا يتلعثم

فيصبح من طول الطراد و جسمه نحيل و أضحي في النعيم أصمم

و همي كأس من عقار و قينة و همته درع و رمح و مخذم

فشتان ما بيني و بين ابن خالد أمية في الرزق الذي الله يقسم

و نحن معه نجري إلى غاية إن قصرنا عنها ذممنا و إن اجتهدنا في بلوغها انقطعنا و إنما نحن شعب من أصل إن قوي قوينا و إن ضعف

ضعفنا إن هذا الرجل قد ألقى بيده إلقاء الأمة الوكعاء يشاور النساء و يعتزم على الرؤيا قد أمكن أهل الخسارة و اللهو من سمعه فهم

يمنونه الظفر و يعدونه عقب الأيام و الهلاك أسرع إليه من السيل إلى قيعان الرمل. قوله ع فإن رأيهن إلى أفن الأفن بالسكون

النقص و المتأفن

[16 : 124 ]

المتنقص يقال فلان يتأفن فلانا أي يتنقصه و يعيبه و من رواه إلى أفن بالتحريك فهو ضعف الرأي أفن الرجل يأفن أفنا أي ضعف رأيه

و في المثل إن الرقين تغطي أفن الأفين و الوهن الضعف. قوله و اكفف عليهن من أبصارهن من هاهنا زائدة و هو مذهب أبي الحسن

الأخفش في زيادة من في الموجب و يجوز أن يحمل على مذهب سيبويه فيعنى به فاكفف عليهن بعض أبصارهن. ثم ذكر فائدة الحجاب

و نهاه أن يدخل عليهن من لا يوثق به و قال إن خروجهن أهون من ذلك و ذلك لأن من تلك صفته يتمكن من الخلوة ما لا يتمكن منه من

يراهن في الطرقات. ثم قال إن استطعت ألا يعرفن غيرك فافعل كان لبعضهم بنت حسناء فحج بها و كان يعصب عينيها و يكشف للناس

وجهها فقيل له في ذلك فقال إنما الحذر من رؤيتها الناس لا من رؤية الناس لها. قال و لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها أي لا

تدخلها معك في تدبير و لا مشورة و لا تتعدين حال نفسها و ما يصلح شأنها. فإن المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة أي إنما تصلح

للمتعة و اللذة و ليست وكيلا في مال و لا وزيرا في رأي. ثم أكد الوصية الأولى فقال لا تعد بكرامتها نفسها هذا هو قوله و لا تملكها

من أمرها ما جاوز نفسها. ثم نهاه أن يطمعها في الشفاعات.

[16 : 125 ]

و روى الزبير بن بكار قال كانت الخيزران كثيرا ما تكلم موسى ابنها لما استخلف في الحوائج و كان يجيبها إلى كل ما تسأل حتى

مضت أربعة أشهر من خلافته و تتألى الناس عليها و طمعوا فيها فكانت المواكب تغدو إلى بابها و كلمته يوما في أمر فلم يجد إلى

إجابتها سبيلا و احتج عليها بحجة فقالت لا بد من إجابتي فقال لا أفعل قالت إني قد ضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك فغضب

موسى و قال ويلي على ابن الفاعلة قد علمت أنه صاحبها و الله لا قضيتها لك و لا له قالت و الله لا أسألك حاجة أبدا قال إذن و الله لا

أبالي فقامت مغضبة فقال مكانك تستوعبي كلامي و أنا و الله بريء من قرابتي من رسول الله ص لئن بلغني أنه وقف أحد من قوادي و

خاصتي و خدمي و كتابي على بابك لأضربن عنقه و أقبضن ماله فمن شاء فليلزم ذلك ما هذه المواكب التي تغدو إلى بابك كل يوم أ ما

لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك إياك ثم إياك أن تفتحي فاك في حاجة لملي أو ذمي فانصرفت و ما تعقل ما تطأ

عليه و لم تنطق عنده بحلوة و لا مرة بعدها حتى هلك. و أخذ هذه اللفظة منه و هي قوله إن المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة الحجاج

فقالها للوليد بن عبد الملك روى ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار قال دخل الحجاج على الوليد بن عبد الملك و عليه درع و عمامة

سوداء و فرس عربية و كنانة و ذلك في أول قدمة قدمها عليه من العراق فبعثت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان و هي تحت الوليد

إليه من هذا الأعرابي المستلئم في السلاح عندك و أنت في غلالة فأرسل إليها هذا الحجاج فأعادت إليه الرسول فقال تقول لك و

الله لأن يخلو بك ملك الموت في اليوم أحيانا أحب

[16 : 126 ]

إلي من أن يخلو بك الحجاج فأخبره الوليد بذلك و هو يمازحه فقال يا أمير المؤمنين دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول فإنما

المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة فلا تطلعها على سرك و مكايدة عدوك فلما دخل الوليد عليها أخبرها و هو يمازحها بمقالة الحجاج

فقالت يا أمير المؤمنين حاجتي أن تأمره غدا أن يأتيني مسلما ففعل ذلك فأتاها الحجاج فحجبته فلم يزل قائما ثم أذنت له فقالت يا

حجاج أنت الممتن على أمير المؤمنين بقتلك ابن الزبير و ابن الأشعث أما و الله لو لا أن الله علم أنك شر خلقه ما ابتلاك برمي

الكعبة الحرام و لا بقتل ابن ذات النطاقين أول مولود في دار هجرة الإسلام و أما نهيك أمير المؤمنين عن مفاكهة النساء و بلوغ

لذاته و أوطاره فإن كن ينفرجن عن مثلك فما أحقه بالأخذ منك و إن كن ينفرجن عن مثله فهو غير قابل لقولك أما و الله لقد نقص نساء

أمير المؤمنين الطيب من غدائرهن فبعنه في أعطية أهل الشام حين كنت في أضيق من قرن قد أظلتك رماحهم و أثخنك كفاحهم و حين

كان أمير المؤمنين أحب إليهم من أبنائهم و آبائهم فأنجاك الله من عدو أمير المؤمنين بحبهم إياه قاتل الله القائل حين ينظر إليك

و سنان غزالة بين كتفيك

أسد علي و في الحروب نعامة ربداء تنفر من صفير الصافر

هلا برزت إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناحي طائر

قم فاخرج فقام فخرج

[16 : 127 ]

بعض ما قيل في الغيرة من الشعر

فأما قوله ع إياك و التغاير في غير موضع غيرة فقد قيل هذا المعنى قال بعض المحدثين

يا أيها الغائر مه لا تغر إلا لما تدركه بالبصر

ما أنت في ذلك إلا كمن بيته الدب لرمي الحجر

و كان مسكين الدارمي أحد من يستهجن الغيرة و يستقبح وقوعها في غير محلها فمن شعره في هذا المعنى

ما أحسن الغيرة في حينها و أقبح الغيرة في غير حين

من لم يزل متهما عرسه مناصبا فيها لرجم الظنون

يوشك أن يغريها بالذي يخاف أو ينصبها للعيون

حسبك من تحصينها ضمها منك إلى خيم كريم و دين

لا تظهرن يوما على عورة فيتبع المقرون حبل القرين

و قال أيضا

ألا أيها الغائر المستشيط علام تغار إذ لم تغر

فما خير عرس إذا خفتها و ما خير بيت إذا لم يزر

تغار من الناس أن ينظروا و هل يفتن الصالحات النظر

فإني سأخلي لها بيتها فتحفظ لي نفسها أو تذر

[16 : 128 ]

إذا الله لم يعطه ودها فلن يعطي الود سوط ممر

و من ذا يراعي له عرسه إذا ضمه و الركاب السقر

و قال أيضا

و لست امرأ لا أبرح الدهر قاعدا إلى جنب عرسي لا أفارقها شبرا

و لا مقسما لا أبرح الدهر بيتها لأجعله قبل الممات لها قبرا

و لا حاملا ظني و لا قول قائل على غيره حتى أحيط به خبرا

و هبني امرأ راعيت ما دمت شاهدا فكيف إذا ما سرت من بيتها شهرا

إذا هي لم تحصن لما في فنائها فليس بمنجيها بنائي لها قصرا

فأما قوله و اجعل لكل إنسان من خدمك عملا تأخذه به فقد قالت الحكماء هذا المعنى قال أبرويز في وصيته لولده شيرويه و انظر

إلى كتابك فمن كان منهم ذا ضياع قد أحسن عمارتها فوله الخراج و من كان منهم ذا عبيد قد أحسن سياستهم و تثقيفهم فوله الجند و

من كان منهم ذا سراري و ضرائر قد أحسن القيام عليهن فوله النفقات و القهرمة و هكذا فاصنع في خدم دارك و لا تجعل أمرك فوضى

بين خدمك فيفسد عليك ملكك. و أما قوله فأكرم عشيرتك فإنهم جناحك فقد تقدم منا كلام في وجوب الاعتضاد بالعشائر

اعتزاز الفرزدق بقومه

روى أبو عبيدة قال كان الفرزدق لا ينشد بين يدي الخلفاء و الأمراء إلا قاعدا

[16 : 129 ]

فدخل على سليمان بن عبد الملك يوما فأنشده شعرا فخر فيه ب آبائه و قال من جملته

تالله ما حملت من ناقة رجلا مثلي إذا الريح لفتني على الكور

فقال سليمان هذا المدح لي أم لك قال لي و لك يا أمير المؤمنين فغضب سليمان و قال قم فأتمم و لا تنشد بعده إلا قائما فقال

الفرزدق لا و الله أو يسقط إلى الأرض أكثري شعرا فقال سليمان ويلي على الأحمق ابن الفاعلة لا يكنى و ارتفع صوته فسمع الضوضاء

بالباب فقال سليمان ما هذا قيل بنو تميم على الباب قالوا لا ينشد الفرزدق قائما و أيدينا في مقابض سيوفنا قال فلينشد قاعدا

وفود الوليد بن جابر على معاوية

و روى أبو عبيد الله محمد بن موسى بن عمران المرزباني قال كان الوليد بن جابر بن ظالم الطائي ممن وفد على رسول الله ص فأسلم

ثم صحب عليا ع و شهد معه صفين و كان من رجاله المشهورين ثم وفد على معاوية في الاستقامة و كان معاوية لا يثبته معرفة بعينه

فدخل عليه في جملة الناس فلما انتهى إليه استنسبه فانتسب له فقال أنت صاحب ليلة الهرير قال نعم قال و الله ما تخلو مسامعي من

رجزك تلك الليلة و قد علا صوتك أصوات الناس و أنت تقول

شدوا فداء لكم أمي و أب فإنما الأمر غدا لمن غلب

هذا ابن عم المصطفى و المنتجب تنمه للعلياء سادات العرب

ليس بموصوم إذا نص النسب أول من صلى و صام و اقترب

قال نعم أنا قائلها قال فلما ذا قلتها قال لأنا كنا مع رجل لا نعلم خصلة

[16 : 130 ]

توجب الخلافة و لا فضيلة تصير إلى التقدمة إلا و هي مجموعة له كان أول الناس سلما و أكثرهم علما و أرجحهم حلما فات الجياد فلا

يشق غباره يستولي على الأمد فلا يخاف عثاره و أوضح منهج الهدى فلا يبيد مناره و سلك القصد فلا تدرس آثاره فلما ابتلانا الله تعالى

بافتقاده و حول الأمر إلى من يشاء من عباده دخلنا في جملة المسلمين فلم ننزع يدا عن طاعة و لم نصدع صفاة جماعة على أن لك منا

ما ظهر و قلوبنا بيد الله و هو أملك بها منك فاقبل صفونا و أعرض عن كدرنا و لا تثر كوامن الأحقاد فإن النار تقدح بالزناد قال معاوية

و إنك لتهددني يا أخا طيئ بأوباش العراق أهل النفاق و معدن الشقاق فقال يا معاوية هم الذين أشرقوك بالريق و حبسوك في

المضيق و ذادوك عن سنن الطريق حتى لذت منهم بالمصاحف و دعوت إليها من صدق بها و كذبت و آمن بمنزلها و كفرت و عرف من

تأويلها ما أنكرت فغضب معاوية و أدار طرفه فيمن حوله فإذا جلهم من مضر و نفر قليل من اليمن فقال أيها الشقي الخائن إني لإخال

أن هذا آخر كلام تفوه به و كان عفير بن سيف بن ذي يزن بباب معاوية حينئذ فعرف موقف الطائي و مراد معاوية فخافه عليه فهجم

عليهم الدار و أقبل على اليمانية فقال شاهت الوجوه ذلا و قلا و جدعا و فلا كشم الله هذه الأنف كشما مرعبا ثم التفت إلى معاوية

فقال إني و الله يا معاوية ما أقول قولي هذا حبا لأهل العراق و لا جنوحا إليهم و لكن الحفيظة تذهب الغضب لقد رأيتك بالأمس

خاطبت أخا ربيعة يعني صعصعة بن صوحان و هو أعظم جرما عندك من هذا و أنكأ لقلبك و أقدح في صفاتك و أجد في عداوتك و أشد

انتصارا في حربك ثم أثبته و سرحته و أنت الآن مجمع على قتل هذا زعمت استصغارا لجماعتنا فإنا لا نمر و لا نحلي و لعمري لو

وكلتك أبناء قحطان إلى قومك لكان جدك العاثر و ذكرك الداثر

[16 : 131 ]

و حدك المفلول و عرشك المثلول فاربع على ظلعك و اطونا على بلالتنا ليسهل لك حزننا و يتطامن لك شاردنا فإنا لا نرام بوقع

الضيم و لا نتلمظ جرع الخسف و لا نغمز بغماز الفتن و لا نذر على الغضب فقال معاوية الغضب شيطان فاربع نفسك أيها الإنسان

فإنا لم نأت إلى صاحبك مكروها و لم نرتكب منه مغضبا و لم ننتهك منه محرما فدونكه فإنه لم يضق عنه حلمنا و يسع غيره فأخذ

عفير بيد الوليد و خرج به إلى منزله و قال له و الله لتئوبن بأكثر مما آب به معدي من معاوية و جمع من بدمشق من اليمانية و فرض

على كل رجل دينارين في عطائه فبلغت أربعين ألفا فتعجلها من بيت المال و دفعها إلى الوليد و رده إلى العراق

[16 : 132 ]

32- و من كتاب له ع إلى معاوية

وَ أَرْدَيْتَ جِيلًا مِنَ النَّاسِ كَثِيراً خَدَعْتَهُمْ بِغَيِّكَ وَ أَلْقَيْتَهُمْ فِي مَوْجِ بَحْرِكَ تَغْشَاهُمُ الظُّلُمَاتُ وَ تَتَلَاطَمُ بِهِمُ الشُّبُهَاتُ فَجَارُوا عَنْ وِجْهَتِهِمْ وَ

نَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ وَ تَوَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ وَ عَوَّلُوا عَلَى أَحْسَابِهِمْ إِلَّا مَنْ فَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ فَإِنَّهُمْ فَارَقُوكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ وَ هَرَبُوا إِلَى

اللَّهِ مِنْ مُوَازَرَتِكَ إِذْ حَمَلْتَهُمْ عَلَى الصَّعْبِ وَ عَدَلْتَ بِهِمْ عَنِ الْقَصْدِ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي نَفْسِكَ وَ جَاذِبِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ فَإِنَّ الدُّنْيَا

مُنْقَطِعَةٌ عَنْكَ وَ الآْخِرَةَ قَرِيبَةٌ مِنْكَ وَ السَّلَامُ

أرديتهم أهلكتهم و جيلا من الناس أي صنفا من الناس و الغي الضلال و جاروا عدلوا عن القصد و وجهتهم بكسر الواو يقال هذا وجه

الرأي أي هو الرأي بنفسه و الاسم الوجه بالكسر و يجوز بالضم. قوله و عولوا على أحسابهم أي لم يعتمدوا على الدين و إنما

أردتهم الحمية و نخوة الجاهلية فأخلدوا إليها و تركوا الدين و الإشارة إلى بني أمية و خلفائهم الذين اتهموه ع بدم عثمان فحاموا

عن الحسب و لم يأخذوا بموجب الشرع في تلك الواقعة

[16 : 133 ]

ثم استثنى قوما فاءوا أي رجعوا عن نصرة معاوية و قد ذكرنا في أخبار صفين من فارق معاوية و رجع إلى أمير المؤمنين ع أو فارقه و

اعتزل الطائفتين. قوله حملتهم على الصعب أي على الأمر الشاق و الأصل في ذلك البعير المستصعب يركبه الإنسان فيغرر بنفسه

ذكر بعض ما دار بين علي و معاوية من الكتب

و أول هذا الكتاب من عبد الله علي أمير المؤمنين ع إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن الدنيا دار تجارة و ربحها أو خسرها الآخرة

فالسعيد من كانت بضاعته فيها الأعمال الصالحة و من رأى الدنيا بعينها و قدرها بقدرها و إني لأعظك مع علمي بسابق العلم فيك مما

لا مرد له دون نفاذه و لكن الله تعالى أخذ على العلماء أن يؤدوا الأمانة و أن ينصحوا الغوي و الرشيد فاتق الله و لا تكن ممن لا يرجو

لله وقارا و من حقت عليه كلمة العذاب فإن الله بالمرصاد و إن دنياك ستدبر عنك و ستعود حسرة عليك فاقلع عما أنت عليه من الغي و

الضلال على كبر سنك و فناء عمرك فإن حالك اليوم كحال الثوب المهيل الذي لا يصلح من جانب إلا فسد من آخر و قد أرديت جيلا

من الناس كثيرا خدعتهم بغيك

إلى آخر الكتاب. قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني فكتب إليه معاوية من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد

فقد وقفت على كتابك و قد أبيت على الفتن إلا تماديا و إني لعالم أن الذي يدعوك إلى ذلك مصرعك الذي

[16 : 134 ]

لا بد لك منه و إن كنت موائلا فازدد غيا إلى غيك فطالما خف عقلك و منيت نفسك ما ليس لك و التويت على من هو خير منك ثم كانت

العاقبة لغيرك و احتملت الوزر بما أحاط بك من خطيئتك و السلام.

فكتب علي ع إليه أما بعد فإن ما أتيت به من ضلالك ليس ببعيد الشبه مما أتى به أهلك و قومك الذين حملهم الكفر و تمني الأباطيل

على حسد محمد ص حتى صرعوا مصارعهم حيث علمت لم يمنعوا حريما و لم يدفعوا عظيما و أنا صاحبهم في تلك المواطن الصالي

بحربهم و الفال لحدهم و القاتل لرءوسهم و رءوس الضلالة و المتبع إن شاء الله خلفهم بسلفهم فبئس الخلف خلف أتبع سلفا محله

و محطه النار و السلام

قال فكتب إليه معاوية أما بعد فقد طال في الغي ما استمررت أدراجك كما طالما تمادي عن الحرب نكوصك و إبطاؤك فتوعد وعيد

الأسد و تروغ روغان الثعلب فحتام تحيد عن لقاء مباشرة الليوث الضارية و الأفاعي القاتلة و لا تستبعدنها فكل ما هو آت قريب إن

شاء الله و السلام.

قال فكتب إليه علي ع أما بعد فما أعجب ما يأتيني منك و ما أعلمني بما أنت إليه صائر و ليس إبطائي عنك إلا ترقبا لما أنت له مكذب

و أنا به مصدق و كأني بك غدا و أنت تضج من الحرب ضجيج الجمال من الأثقال و ستدعوني أنت و أصحابك إلى كتاب تعظمونه

بألسنتكم و تجحدونه بقلوبكم و السلام

قال فكتب إليه معاوية

[16 : 135 ]

أما بعد فدعني من أساطيرك و اكفف عني من أحاديثك و اقصر عن تقولك على رسول الله ص و افترائك من الكذب ما لم يقل و غرور من

معك و الخداع لهم فقد استغويتهم و يوشك أمرك أن ينكشف لهم فيعتزلوك و يعلموا أن ما جئت به باطل مضمحل و السلام.

قال فكتب إليه علي ع أما بعد فطالما دعوت أنت و أولياؤك أولياء الشيطان الرجيم الحق أساطير الأولين و نبذتموه وراء ظهوركم

و جهدتم بإطفاء نور الله بأيديكم و أفواهكم وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ و لعمري ليتمن النور على كرهك و لينفذن العلم

بصغارك و لتجازين بعملك فعث في دنياك المنقطعة عنك ما طاب لك فكأنك بباطلك و قد انقضى و بعملك و قد هوى ثم تصير إلى

لظى لم يظلمك الله شيئا وَ ما رَبُّكَ بِظَلّام لِلْعَبِيدِ

قال فكتب إليه معاوية أما بعد فما أعظم الرين على قلبك و الغطاء على بصرك الشره من شيمتك و الحسد من خليقتك فشمر للحرب و

اصبر للضرب فو الله ليرجعن الأمر إلى ما علمت و العاقبة للمتقين هيهات هيهات أخطأك ما تمنى و هوى قلبك مع من هوى فاربع على

ظلعك و قس شبرك بفترك لتعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه و يفصل بين أهل الشك علمه و السلام.

قال فكتب إليه علي ع أما بعد فإن مساوئك مع علم الله تعالى فيك حالت بينك و بين أن يصلح لك أمرك و أن يرعوي قلبك يا ابن

الصخر اللعين زعمت أن يزن الجبال حلمك و يفصل بين أهل الشك علمك و أنت الجلف المنافق الأغلف القلب القليل العقل الجبان

الرذل فإن كنت صادقا فيما تسطر و يعينك عليه أخو بني سهم فدع الناس جانبا و تيسر لما دعوتني إليه من الحرب و الصبر على

[16 : 136 ]

الضرب و أعف الفريقين من القتال ليعلم أينا المرين على قلبه المغطى على بصره فأنا أبو الحسن قاتل جدك و أخيك و خالك و ما

أنت منهم ببعيد و السلام

قلت و أعجب و أطرب ما جاء به الدهر و إن كانت عجائبه و بدائعه جمة أن يفضى أمر علي ع إلى أن يصير معاوية ندا له و نظيرا

مماثلا يتعارضان الكتاب و الجواب و يتساويان فيما يواجه به أحدهما صاحبه و لا يقول له علي ع كلمة إلا قال مثلها و أخشن مسا

منها فليت محمدا ص كان شاهد ذلك ليرى عيانا لا خبرا أن الدعوة التي قام بها و قاسى أعظم المشاق في تحملها و كابد الأهوال في

الذب عنها و ضرب بالسيوف عليها لتأييد دولتها و شيد أركانها و ملأ الآفاق بها خلصت صفوا عفوا لأعدائه الذين كذبوه لما دعا إليها و

أخرجوه عن أوطانه لما حض عليها و أدموا وجهه و قتلوا عمه و أهله فكأنه كان يسعى لهم و يدأب لراحتهم كما قال أبو سفيان في

أيام عثمان و قد مر بقبر حمزة و ضربه برجله و قال يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم

يتلعبون به ثم آل الأمر إلى أن يفاخر معاوية عليا كما يتفاخر الأكفاء و النظراء.

إذا عير الطائي بالبخل مادر و قرع قسا بالفهاهة باقل

و قال السها للشمس أنت خفية و قال الدجى يا صبح لونك حائل

و فاخرت الأرض السماء سفاهة و كاثرت الشهب الحصى و الجنادل

فيا موت زر إن الحياة ذميمة و يا نفس جدي إن دهرك هازل

ثم أقول ثانيا لأمير المؤمنين ع ليت شعري لما ذا فتح باب الكتاب

[16 : 137 ]

و الجواب بينه و بين معاوية و إذا كانت الضرورة قد قادت إلى ذلك فهلا اقتصر في الكتاب إليه على الموعظة من غير تعرض للمفاخرة

و المنافرة و إذا كان لا بد منهما فهلا اكتفى بهما من غير تعرض لأمر آخر يوجب المقابلة و المعارضة بمثله و بأشد منه وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ

يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم و هلا دفع هذا الرجل العظيم الجليل نفسه عن سباب هذا السفيه الأحمق هذا مع

أنه القائل من واجه الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون أي افتروا عليه و قالوا فيه الباطل.

أيها الشاتمي لتحسب مثلي إنما أنت في الضلال تهيم

لا تسبنني فلست بسبي إن سبي من الرجال الكريم

و هكذا جرى في القنوت و اللعن قنت بالكوفة على معاوية و لعنه في الصلاة و خطبة الجمعة و أضاف إليه عمرو بن العاص و أبا موسى

و أبا الأعور السلمي و حبيب بن مسلمة فبلغ ذلك معاوية بالشام فقنت عليه و لعنه بالصلاة و خطبة الجمعة و أضاف إليه الحسن و

الحسين و ابن عباس و الأشتر النخعي و لعله ع قد كان يظهر له من المصلحة حينئذ ما يغيب عنا الآن و لله أمر هو بالغه

[16 : 138 ]

33- و من كتاب له ع إلى قثم بن العباس و هو عامله على مكة

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَيْنِي بِالْمَغْرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ يُعْلِمُنِي أَنَّهُ وُجِّهَ إِلَى الْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْعُمْيِ الْقُلُوبِ الصُّمِّ الْأَسْمَاعِ الْكُمْهِ الْأَبْصَارِ

الَّذِينَ يَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَ يُطِيعُونَ الْمَخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَ يَحْتَلِبُونَ الدُّنْيَا دَرَّهَا بِالدِّينِ وَ يَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِ آجِلِ الْأَبْرَارِ

الْمُتَّقِينَ وَ لَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إِلَّا عَامِلُهُ وَ لَا يُجْزَى جَزَاءَ الشَّرِّ إِلَّا فَاعِلُهُ فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ قِيَامَ الْحَازِمِ الطَّبِيبِ وَ النَّاصِحِ اللَّبِيبِ

التَّابِعِ لِسُلْطَانِهِ الْمُطِيعِ لِإِمَامِهِ وَ إِيَّاكَ وَ مَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ وَ لَا تَكُنْ عِنْدَ النَّعْمَاءِ بَطِراً وَ لَا عِنْدَ الْبَأْسَاءِ فَشِلًا وَ السَّلَامُ

كان معاوية قد بعث إلى مكة دعاة في السر يدعون إلى طاعته و يثبطون العرب عن نصرة أمير المؤمنين و يوقعون في أنفسهم أنه إما

قاتل لعثمان أو خاذل و إن الخلافة

[16 : 139 ]

لا تصلح فيمن قتل أو خذل و ينشرون عندهم محاسن معاوية بزعمهم و أخلاقه و سيرته فكتب أمير المؤمنين ع هذا الكتاب إلى عامله

بمكة ينبهه على ذلك ليعتمد فيه بما تقتضيه السياسة و لم يصرح في هذا الكتاب بما ذا يأمره أن يفعل إذا ظفر بهم. قوله عيني

بالمغرب أي أصحاب أخباره عند معاوية و سمى الشام مغربا لأنه من الأقاليم المغربية. و الموسم الأيام التي يقام فيها الحج. و قوله

و يحتلبون الدنيا درها بالدين دلالة على ما قلنا إنهم كانوا دعاة يظهرون سمت الدين و ناموس العبادة و فيه إبطال قول من ظن أن

المراد بذلك السرايا التي كان معاوية يبعثها فتغير على أعمال علي ع و درها منصوب بالبدل من الدنيا و روي الذين يلتمسون الحق

بالباطل أي يطلبونه أي يتبعون معاوية و هو على الباطل التماسا و طلبا للحق و لا يعلمون أنهم قد ضلوا. قوله و إياك و ما يعتذر

منه من الكلمات الشريفة الجليلة الموقع و قد رويت مرفوعة و كان يقال ما شيء أشد على الإنسان من حمل المروءة و المروءة ألا

يعمل الإنسان في غيبة صاحبه ما يعتذر منه عند حضوره. قوله و لا تكن عند النعماء بطرا و لا عند البأساء فشلا معنى مستعمل قال

الشاعر

فلست بمفراح إذا الدهر سرني و لا جازع من صرفه المتقلب

و لا أتمنى الشر و الشر تاركي و لكن متى أحمل على الشر أركب

[16 : 140 ]

قثم بن عباس و بعض أخباره

فأما قثم بن العباس فأمه أم إخوته و روى ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب

عن عبد الله بن جعفر قال كنت أنا و عبيد الله و قثم ابنا العباس نلعب فمر بنا رسول الله ص راكبا فقال ارفعوا إلي هذا الفتى يعني

قثم فرفع إليه فأردفه خلفه ثم جعلني بين يديه و دعا لنا

فاستشهد قثم بسمرقند. قال ابن عبد البر و روى عبد الله بن عباس قال كان قثم آخر الناس عهدا برسول الله ص أي آخر من خرج من

قبره ممن نزل فيه قال و كان المغيرة بن شعبة يدعي ذلك لنفسه فأنكر علي بن أبي طالب ع ذلك و قال بل آخر من خرج من القبر قثم

بن العباس. قال ابن عبد البر و كان قثم واليا لعلي ع على مكة عزل علي ع خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي و كان

واليها لعثمان و ولاها أبا قتادة الأنصاري ثم عزله عنها و ولى مكانه قثم بن العباس فلم يزل واليه عليها حتى قتل علي ع قال هذا قول

خليفة و قال الزبير بن بكار استعمل علي ع قثم بن العباس على المدينة. قال ابن عبد البر و استشهد قثم بسمرقند كان خرج إليها مع

سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية فقتل هناك. قال و كان قثم يشبه رسول الله ص و فيه يقول داود بن مسلم

[16 : 141 ]

عتقت من حل و من رحلة يا ناق إن أدنيتني من قثم

إنك إن أدنيت منه غدا حالفني اليسر و مات العدم

في كفه بحر و في وجهه بدر و في العرنين منه شمم

أصم عن قيل الخنا سمعه و ما على الخير به من صمم

لم يدر ما لا و بلا قد درى فعافها و اعتاض منها نعم

[16 : 142 ]

34- و من كتاب له ع إلى محمد بن أبي بكر

لما بلغه توجده من عزله بالأشتر عن مصر ثم توفي الأشتر في توجهه إلى هناك قبل وصوله إليها

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي مَوْجِدَتُكَ مِنْ تَسْرِيحِ الْأَشْتَرِ إِلَى عَمَلِكَ وَ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ اسْتِبْطَاءً لَكَ فِي الْجَهْدَ وَ لَا ازْدِيَاداً لَكَ فِي الْجِدِّ وَ لَوْ

نَزَعْتُ مَا تَحْتَ يَدِكَ مِنْ سُلْطَانِكَ لَوَلَّيْتُكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَعْجَبُ إِلَيْكَ وِلَايَةً إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كُنْتُ وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ كَانَ رَجُلًا لَنَا

نَاصِحاً وَ عَلَى عَدُوِّنَا شَدِيداً نَاقِماً فَرَحِمَهُ اللَّهُ فَلَقَدِ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ وَ لَاقَى حِمَامَهُ وَ نَحْنُ عَنْهُ رَاضُونَ أَوْلَاهُ اللَّهُ رِضْوَانَهُ وَ ضَاعَفَ الثَّوَابَ

لَهُ فَأَصْحِرْ لِعَدُوِّكَ وَ امْضِ عَلَى بَصِيرَتِكَ وَ شَمِّرْ لِحَرْبِ مَنْ حَارَبَكَ وَ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ وَ أَكْثِرِ الِاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ يَكْفِكَ مَا أَهَمَّكَ وَ يُعِنْكَ

عَلَى مَا يُنْزِلُ بِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

محمد بن أبي بكر و بعض أخباره

أم محمد رحمه الله أسماء بنت عميس الخثعمية و هي أخت ميمونة زوج النبي ص

[16 : 143 ]

و أخت لبابة أم الفضل و عبد الله زوج العباس بن عبد المطلب و كانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة و هي إذ ذاك تحت جعفر بن

أبي طالب ع فولدت له هناك محمد بن جعفر و عبد الله و عونا ثم هاجرت معه إلى المدينة فلما قتل جعفر يوم مؤتة تزوجها أبو بكر

فولدت له محمد بن أبي بكر هذا ثم مات عنها فتزوجها علي ع و ولدت له يحيى بن علي لا خلاف في ذلك. و قال ابن عبد البر في

الإستيعاب ذكر ابن الكلبي أن عون بن علي اسم أمه أسماء بنت عميس و لم يقل ذلك أحد غيره. و قد روي أن أسماء كانت تحت حمزة

بن عبد المطلب فولدت له بنتا تسمى أمة الله و قيل أمامة و محمد بن أبي بكر ممن ولد في عصر رسول الله ص. قال ابن عبد البر في

كتاب الإستيعاب ولد عام حجة الوداع في عقب ذي القعدة بذي الحليفة حين توجه رسول الله ص إلى الحج فسمته عائشة محمدا و

كنته أبا القاسم بعد ذلك لما ولد له ولد سماه القاسم و لم تكن الصحابة ترى بذلك بأسا ثم كان في حجر علي ع و قتل بمصر و كان

علي ع يثني عليه و يقرظه و يفضله و كان لمحمد رحمه الله عبادة و اجتهاد و كان ممن حضر عثمان و دخل عليه فقال له لو رآك أبوك

لم يسره هذا المقام منك فخرج و تركه و دخل عليه بعده من قتله و يقال إنه أشار إلى من كان معه فقتلوه.

قوله و بلغني موجدتك أي غضبك وجدت على فلان موجدة و وجدانا لغة قليلة و أنشدوا

كلانا رد صاحبه بغيظ على حنق و وجدان شديد

[16 : 144 ]

فأما في الحزن فلا يقال إلا وجدت أنا بالفتح لا غير. و الجهد الطاقة أي لم أستبطئك في بذل طاقتك و وسعك و من رواها الجهد

بالفتح فهو من قولهم اجهد جهدك في كذا أي أبلغ الغاية و لا يقال هذا الحرف هاهنا إلا مفتوحا. ثم طيب ع نفسه بأن قال له لو تم

الأمر الذي شرعت فيه من ولاية الأشتر مصر لعوضتك بما هو أخف عليك مئونة و ثقلا و أقل نصبا من ولاية مصر لأنه كان في مصر

بإزاء معاوية من الشام و هو مدفوع إلى حربه. ثم أكد ع ترغيبه بقوله و أعجب إليك ولاية. فإن قلت ما الذي بيده مما هو أخف على

محمد مئونة و أعجب إليه من ولاية مصر قلت ملك الإسلام كله كان بيد علي ع إلا الشام فيجوز أن يكون قد كان في عزمه أن يوليه

اليمن أو خراسان أو أرمينية أو فارس. ثم أخذ في الثناء على الأشتر و كان علي ع شديد الاعتضاد به كما كان هو شديد التحقق بولايته

و طاعته. و ناقما من نقمت على فلان كذا إذا أنكرته عليه و كرهته منه. ثم دعا له بالرضوان و لست أشك بأن الأشتر بهذه الدعوة يغفر

الله له و يكفر ذنوبه و يدخله الجنة و لا فرق عندي بينها و بين دعوة رسول الله ص و يا طوبى لمن حصل له من علي ع بعض هذا. قوله

و أصحر لعدوك أي ابرز له و لا تستتر عنه بالمدينة التي أنت فيها أصحر الأسد من خيسه إذا خرج إلى الصحراء. و شمر فلان للحرب

إذا أخذ لها أهبتها

[16 : 145 ]

35- و من كتاب له ع إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ وَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْر رَحِمَهُ اللَّهُ قَدِ اسْتُشْهِدَ فَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً وَ عَامِلًا كَادِحاً وَ سَيْفاً قَاطِعاً وَ

رُكْناً دَافِعاً وَ قَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ النَّاسَ عَلَى لَحَاقِهِ وَ أَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ وَ دَعَوْتُهُمْ سِرّاً وَ جَهْراً وَ عَوْداً وَ بَدْءاً فَمِنْهُمُ الآْتِي كَارِهاً وَ

مِنْهُمُ الْمُعْتَلُّ كَاذِباً وَ مِنْهُمُ الْقَاعِدُ خَاذِلًا أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجاً عَاجِلًا فَوَاللَّهِ لَوْ لَا طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي الشَّهَادَةِ

وَ تَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى الْمَنِيَّةِ لَأَحْبَبْتُ أَلَّا أَبْقَى مَعَ هَؤُلَاءِ يَوْماً وَاحِداً وَ لَا أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَداً

انظر إلى الفصاحة كيف تعطي هذا الرجل قيادها و تملكه زمامها و اعجب لهذه الألفاظ المنصوبة يتلو بعضها بعضا كيف تواتيه و

تطاوعه سلسة سهلة تتدفق من غير تعسف و لا تكلف حتى انتهى إلى آخر الفصل فقال يوما واحدا و لا ألتقي بهم أبدا و أنت و غيرك

من الفصحاء إذا شرعوا في كتاب أو خطبة جاءت القرائن و الفواصل

[16 : 146 ]

تارة مرفوعة و تارة مجرورة و تارة منصوبة فإن أرادوا قسرها بإعراب واحد ظهر منها في التكلف أثر بين و علامة واضحة و هذا الصنف

من البيان أحد أنواع الإعجاز في القرآن ذكره عبد القاهر قال انظر إلى سورة النساء و بعدها سورة المائدة الأولى منصوبة الفواصل و

الثانية ليس فيها منصوب أصلا و لو مزجت إحدى السورتين بالأخرى لم تمتزجا و ظهر أثر التركيب و التأليف بينهما. ثم إن فواصل

كل واحد منهما تنساق سياقة بمقتضى البيان الطبيعي لا الصناعة التكلفية ثم انظر إلى الصفات و الموصوفات في هذا الفصل كيف

قال ولدا ناصحا و عاملا كادحا و سيفا قاطعا و ركنا دافعا لو قال ولدا كادحا و عاملا ناصحا و كذلك ما بعده لما كان صوابا و لا في

الموقع واقعا فسبحان من منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة و الخصائص الشريفة أن يكون غلام من أبناء عرب مكة ينشأ بين أهله

لم يخالط الحكماء و خرج أعرف بالحكمة و دقائق العلوم الإلهية من أفلاطون و أرسطو و لم يعاشر أرباب الحكم الخلقية و الآداب

النفسانية لأن قريشا لم يكن أحد منهم مشهورا بمثل ذلك و خرج أعرف بهذا الباب من سقراط و لم يرب بين الشجعان لأن أهل مكة

كانوا ذوي تجارة و لم يكونوا ذوي حرب و خرج أشجع من كل بشر مشى على الأرض قيل لخلف الأحمر أيما أشجع عنبسة و بسطام

أم علي بن أبي طالب فقال إنما يذكر عنبسة و بسطام مع البشر و الناس لا مع من يرتفع عن هذه الطبقة فقيل له فعلى كل حال قال و

الله لو صاح في وجوههما لماتا قبل أن يحمل عليهما و خرج أفصح من سحبان و قس و لم تكن قريش بأفصح العرب كان غيرها أفصح

منها قالوا أفصح العرب جرهم و إن لم تكن لهم نباهة و خرج أزهد الناس في الدنيا و أعفهم مع أن قريشا ذوو حرص و محبة للدنيا و

لا غرو فيمن كان

[16 : 147 ]

محمد ص مربيه و مخرجه و العناية الإلهية تمده و ترفده أن يكون منه ما كان. يقال احتسب ولده إذا مات كبيرا و افترط ولده إذا مات

صغيرا قوله فمنهم الآتي قسم جنده أقساما فمنهم من أجابه و خرج كارها للخروج كما قال تعالى كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ

يَنْظُرُونَ و منهم من قعد و اعتل بعلة كاذبة كما قال تعالى يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَة إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِراراً و منهم من

تأخر و صرح بالقعود و الخذلان كما قال تعالى فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ

أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ و المعنى أن حاله كانت مناسبة لحال النبي ص و من تذكر أحوالهما و سيرتهما و ما جرى لهما إلى أن قبضا

علم تحقيق ذلك. ثم أقسم أنه لو لا طمعه في الشهادة لما أقام مع أهل العراق و لا صحبهم. فإن قلت فهلا خرج إلى معاوية وحده من

غير جيش إن كان يريد الشهادة قلت ذلك لا يجوز لأنه إلقاء النفس إلى التهلكة و للشهادة شروط متى فقدت فلا يجوز أن تحمل إحدى

الحالتين على الأخرى

[16 : 148 ]

36- و من كتاب له ع إلى أخيه عقيل بن أبي طالب في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء

و هو جواب كتاب كتبه إليه عقيل

فَسَرَّحْتُ إِلَيْهِ جَيْشاً كَثِيفاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ شَمَّرَ هَارِباً وَ نَكَصَ نَادِماً فَلَحِقُوهُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَ قَدْ طَفَّلَتِ الشَّمْسُ لِلْإِيَابِ

فَاقْتَتَلُوا شَيْئاً كَلَا وَ لَا فَمَا كَانَ إِلَّا كَمَوْقِفِ سَاعَة حَتَّى نَجَا جَرِيضاً بَعْدَ مَا أُخِذَ مِنْهُ بِالْمُخَنَّقِ وَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ غَيْرُ الرَّمَقِ فَلَأْياً بِلَأْي مَا نَجَا

فَدَعْ عَنْكَ قُرَيْشاً وَ تَرْكَاضَهُمْ فِي الضَّلَالِ وَ تَجْوَالَهُمْ فِي الشِّقَاقِ وَ جِمَاحَهُمْ فِي التِّيهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِي كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى حَرْبِ

رَسُولِ اللَّهِ ص قَبْلِي فَجَزَتْ قُرَيْشاً عَنِّي الْجَوَازِي فَقَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ سَلَبُونِي سُلْطَانَ ابْنِ أُمِّي وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ رَأْيِي فِي الْقِتَالِ فَإِنَّ

رَأْيِي قِتَالُ الْمُحِلِّينَ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ لَا يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً وَ لَا تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً وَ لَا تَحْسَبَنَّ ابْنَ أَبِيكَ وَ لَوْ أَسْلَمَهُ النَّاسُ

مُتَضَرِّعاً مُتَخَشِّعاً وَ لَا مُقِرّاً لِلضَّيْمِ وَاهِناً وَ لَا سَلِسَ الزِّمَامِ لِلْقَائِدِ وَ لَا وَطِئَ الظَّهْرِ لِلرَّاكِبِ الْمُقْتَعِدِ وَ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي سَلِيم

فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ

يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِي كَ آبَةٌ فَيَشْمَتَ عَاد أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ

[16 : 149 ]

قد تقدم ذكر هذا الكتاب في اقتصاصنا ذكر حال بسر بن أرطاة و غارته على اليمن في أول الكتاب. و يقال طفلت الشمس بالتشديد إذا

مالت للغروب و طفل الليل مشددا أيضا إذا أقبل ظلامه و الطفل بالتحريك بعد العصر حين تطفل الشمس للغروب و يقال أتيته طفلي

أي في ذلك الوقت. و قوله ع للإياب أي للرجوع أي ما كانت عليه في الليلة التي قبلها يعني غيبوبتها تحت الأرض و هذا الخطاب إنما

هو على قدر أفهام العرب كانوا يعتقدون أن الشمس منزلها و مقرها تحت الأرض و أنها تخرج كل يوم فتسير على العالم ثم تعود إلى

منزلها فتأوي إليه كما يأوي الناس ليلا إلى منازلهم. و قال الراوندي عند الإياب عند الزوال و هذا غير صحيح لأن ذلك الوقت لا

يسمى طفلا ليقال إن الشمس قد طفلت فيه. قوله ع فاقتتلوا شيئا كلا و لا أي شيئا قليلا و موضع كلا و لا نصب لأنه صفة شيئا و هي

كلمة تقال لما يستقصر وقته جدا و المعروف عند أهل اللغة كلا و ذا قال ابن هانئ المغربي

و أسرع في العين من لحظة و أقصر في السمع من لا و ذا

و في شعر الكميت كلا و كذا تغميضة. و قد رويت في نهج البلاغة كذلك إلا أن في أكثر النسخ كلا و لا و من الناس من يرويها كلا و لات

و هي حرف أجري مجرى ليس و لا تجيء

[16 : 150 ]

حين إلا أن تحذف في شعر و من الرواة من يرويها كلا و لأي و لأي فعل معناه أبطأ. قوله ع نجا جريضا أي قد غص بالريق من شدة

الجهد و الكرب يقال جرض بريقه يجرض بالكسر مثال كسر يكسر و رجل جريض مثل قدر يقدر فهو قدير و يجوز أن يريد بقوله فنجا

جريضا أي ذا جريض و الجريض الغصة نفسها و في المثل حال الجريض دون القريض قال الشاعر

كان الفتى لم يغن في الناس ليلة إذا اختلف اللحيان عند الجريض

قال الأصمعي و يقال هو يجرض بنفسه أي يكاد يموت و منه قول إمرئ القيس

و أفلتهن علباء جريضا و لو أدركنه صفر الوطاب

و أجرضه الله بريقه أغصه. قوله ع بعد ما أخذ منه بالمخنق هو موضع الخنق من الحيوان و كذلك الخناق بالضم يقال أخذ بخناقه فأما

الخناق بالكسر فالحبل تخنق به الشاة و الرمق بقية الروح. قوله ع فلأيا بلأي ما نجا أي بعد بطء و شدة و ما زائدة أو مصدرية و

انتصب لأيا على المصدر القائم مقام الحال أي نجا مبطئا و العامل في المصدر محذوف أي أبطأ بطئا و الفائدة في تكرير اللفظة

المبالغة في وصف البطء الذي نجا موصوفة به أي لأيا مقرونا بلأي

[16 : 151 ]

و قال الراوندي هذه القصة و هذا الهارب جريضا و بعد لأي ما نجا هو معاوية قال و قد قيل إن معاوية بعث أمويا فهرب على هذه

الحال و الأول أصح و هذا عجيب مضحك وددت له ألا يكون شرح هذا الكتاب. قوله فدع عنك قريشا إلى قوله على حرب رسول الله

ص هذا الكلام حق فإن قريشا اجتمعت على حربه منذ يوم بويع بغضا له و حسدا و حقدا عليه فأصفقوا كلهم يدا واحدة على شقاقه و

حربه كما كانت حالهم في ابتداء الإسلام مع رسول الله ص لم تخرم حاله من حاله أبدا إلا أن ذاك عصمه الله من القتل فمات موتا

طبيعيا و هذا اغتاله إنسان فقتله. قوله فجزت قريشا عني الجوازي فقد قطعوا رحمي و سلبوني سلطان ابن أمي هذه كلمة تجري

مجرى المثل تقول لمن يسيء إليك و تدعو عليه جزتك عني الجوازي يقال جزاه الله بما صنع و جازاه الله بما صنع و مصدر الأول

جزاء و الثاني مجازاة و أصل الكلمة أن الجوازي جمع جازية كالجواري جمع جارية فكأنه يقول جزت قريشا عني بما صنعت لي كل

خصلة من نكبة أو شدة أو مصيبة أو جائحة أي جعل الله هذه الدواهي كلها جزاء قريش بما صنعت بي و سلطان ابن أمي يعني به

الخلافة و ابن أمه هو رسول الله ص لأنهما ابنا فاطمة بنت عمرو بن عمران بن عائذ بن مخزوم أم عبد الله و أبي طالب و لم يقل

سلطان ابن أبي لأن غير أبي طالب من الأعمام يشركه في النسب إلى عبد المطلب. قال الراوندي الجوازي جمع جازية و هي النفس

التي تجزي أي جزاهم و فعل بهم ما يستحقون عساكر لأجلي و في نيابتي و كافأهم سرية تنهض إليهم و هذا إشارة إلى بني أمية

يهلكون من بعده و هذا تفسير غريب طريف.

[16 : 152 ]

و قال أيضا قوله سلطان ابن أمي يعني نفسه أي سلطانه لأنه ابن أم نفسه قال و هذا من أحسن الكلام و لا شبهة أنه على تفسير

الراوندي لو قال و سلبوني سلطان ابن أخت خالتي أو ابن أخت عمتي لكان أحسن و أحسن و هذا الرجل قد كان يجب أن يحجر عليه

و لا يمكن من تفسير هذا الكتاب و يؤخذ عليه أيمان البيعة ألا يتعرض له. قوله فإن رأيي قتال المحلين أي الخارجين من الميثاق و

البيعة يعني البغاة و مخالفي الإمام و يقال لكل من خرج من إسلام أو حارب في الحرم أو في الأشهر الحرم محل و على هذا فسر قول

زهير

و كم بالقنان من محل و محرم

أي من لا ذمة له و من له ذمة و كذلك قول خالد بن يزيد بن معاوية في زوجته رملة بنت الزبير بن العوام

ألا من لقلب معنى غزل يحب المحلة أخت المحل

أي ناقضة العهد أخت المحارب في الحرم أو أخت ناقض بيعة بني أمية و روي متخضعا متضرعا بالضاد. و مقرا للضيم و بالضيم أي هو

راض به صابر عليه و واهنا أي ضعيفا. السلس السهل و مقتعد البعير راكبه. و الشعر ينسب إلى العباس بن مرداس السلمي و لم أجده

في ديوانه و معناه ظاهر و في الأمثال الحكمية لا تشكون حالك إلى مخلوق مثلك فإنه إن كان صديقا أحزنته و إن كان عدوا أشمته و

لا خير في واحد من الأمرين

[16 : 153 ]

37- و من كتاب له ع إلى معاوية

فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَشَدَّ لُزُومَكَ لِلْأَهْوَاءَ الْمُبْتَدَعَةِ وَ الْحَيْرَةِ الْمُتَّبَعَةِ مَعَ تَضْيِيعِ الْحَقَائِقِ وَ اطِّرَاحِ الْوَثَائِقِ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى طِلْبَةٌ وَ عَلَى

عِبَادِهِ حُجَّةٌ فَأَمَّا إِكْثَارُكَ الْحِجَاجَ عَلَى عُثْمَانَ وَ قَتَلَتِهِ فَإِنَّكَ إِنَّمَا نَصَرْتَ عُثْمَانَ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَكَ وَ خَذَلْتَهُ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَهُ وَ السَّلَامُ

أول هذا الكتاب قوله أما بعد فإن الدنيا حلوة خضرة ذات زينة و بهجة لم يصب إليها أحد إلا و شغلته بزينتها عما هو أنفع له منها و

بالآخرة أمرنا و عليها حثثنا فدع يا معاوية ما يفنى و اعمل لما يبقى و احذر الموت الذي إليه مصيرك و الحساب الذي إليه عاقبتك و

اعلم أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا حال بينه و بين ما يكره و وفقه لطاعته و إذا أراد الله بعبد سوءا أغراه بالدنيا و أنساه الآخرة و

بسط له أمله و عاقه عما فيه صلاحه و قد وصلني كتابك فوجدتك ترمي غير غرضك و تنشد غير ضالتك و تخبط في عماية

السابق

التالي