السابق

التالي

[20 : 173 ]

465وَ قَالَ ع أَلَا حُرٌّ يَدَعُ هَذِهِ اللُّمَاظَةَ لِأَهْلِهَا إِنَّهُ لَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةَ فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا

اللماظة بفتح اللام ما تبقى في الفم من الطعام قال يصف الدنيا

لماظة أيام كأحلام نائم

و لمظ الرجل يلمظ بالضم لمظا إذا تتبع بلسانه بقية الطعام في فمه و أخرج لسانه فمسح به شفتيه و كذلك التلمظ يقال تلمظت

الحية إذا أخرجت لسانها كما يتلمظ الآكل. و قال ألا حر مبتدأ و خبره محذوف أي في الوجود و ألا حرف قال

ألا رجل جزاه الله خيرا يدل على محصلة تبيت

ثم قال إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها من الناس من يبيع نفسه بالدراهم و الدنانير و من الناس من يبيع نفسه

بأحقر الأشياء و أهونها و يتبع هواه فيهلك و هؤلاء في الحقيقة أحمق الناس إلا أنه قد رين على القلوب فغطتها الذنوب و أظلمت

الأنفس بالجهل و سوء العادة و طال الأمد أيضا على القلوب فقست و لو أفكر الإنسان حق الفكر لما باع نفسه إلا بالجنة لا غير

[20 : 174 ]

466وَ قَالَ ع مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْم وَ طَالِبُ دُنْيَا

تقول نهم فلان بكذا فهو منهوم أي مولع به و هذه الكلمة

مروية عن النبي ص منهومان لا يشبعان منهوم بالمال و منهوم بالعلم

و النهم بالفتح إفراط الشهوة في الطعام تقول منه نهمت إلى الطعام بكسر الهاء أنهم فأنا نهم و كان في القرآن آية أنزلت ثم رفعت

لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا و لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب و يتوب الله على من تاب. فأما طالب العلم العاشق

له فإنه لا يشبع منه أبدا و كلما استكثر منه زاد عشقه له و تهالكه عليه مات أبو عثمان الجاحظ و الكتاب على صدره. و كان شيخنا أبو

علي رحمه الله في النزع و هو يملي على ابنه أبي هاشم مسائل في علم الكلام و كان القاضي أحمد بن أبي دواد يأخذ الكتاب في خفه و

هو راكب فإذا جلس في دار الخليفة اشتغل بالنظر فيه إلى أن يجلس الخليفة و يدخل إليه و قيل ما فارق ابن أبي دواد الكتاب قط إلا

في الخلاء و أعرف أنا في زماننا من مكث نحو خمس سنين لا ينام إلا وقت السحر صيفا و شتاء مكبا على كتاب صنفه و كانت وسادته

التي ينام عليها الكتاب

[20 : 175 ]

467وَ قَالَ ع عَلَامَةُ الْإِيمَانِ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ وَ أَلَّا يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ وَ أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ

فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ

قد أخذ المعنى الأول القائل

عليك بالصدق و لو أنه أحرقك الصدق بنار الوعيد

و ينبغي أن يكون هذا الحكم مقيدا لا مطلقا لأنه إذا أضر الصدق ضررا عظيما يؤدي إلى تلف النفس أو إلى قطع بعض الأعضاء لم يجز

فعله صريحا و وجبت المعاريض حينئذ. فإن قلت فالمعاريض صدق أيضا فالكلام على إطلاقه قلت هي صدق في ذاتها و لكن مستعملها

لم يصدق فيما سئل عنه و لا كذب أيضا لأنه لم يخبر عنه و إنما أخبر عن شيء آخر و هي المعاريض و التارك للخبر لا يكون صادقا و لا

كاذبا فوجب أن يقيد إطلاق الخبر بما إذا كان الضرر غير عظيم و كانت نتيجة الصدق أعظم نفعا من تلك المضرة. قال ع و ألا يكون

في حديث فضل عن علمك متى زاد منطق الرجل على علمه فقد لغا و ظهر نقصه و الفاضل من كان علمه أكثر من منطقه قوله و إن تتقي

الله في حديث غيرك أي في نقله و روايته فترويه كما سمعته من غير تحريف

[20 : 176 ]

468وَ قَالَ ع يَغْلِبُ الْمِقْدَارُ عَلَى التَّقْدِيرِ حَتَّى تَكُونَ الآْفَةُ فِي التَّدْبِيرِ

قال و قد مضى هذا المعنى فيما تقدم برواية تخالف بعض هذه الألفاظ

قد تقدم هذا المعنى و هو كثير جدا و من جيده قول الشاعر

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه و لكنه من يخذل الله يخذل

لجاهد حتى تبلغ النفس عذرها و قلقل يبغي العز كل مقلقل

و قال أبو تمام

و ركب كأطراف الأسنة عرسوا على مثلها و الليل تسطو غياهبه

لأمر عليهم أن تتم صدوره و ليس عليهم أن تتم عواقبه

و قال آخر

فإن بين حيطانا عليه فإنما أولئك عقالاته لا معاقله

[20 : 177 ]

469وَ قَالَ ع الْحِلْمُ وَ الْأَنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ

قد تقدم هذا المعنى و شرحه مرارا. و قال ابن هانئ

و كل أناة في المواطن سؤدد و لا كأناة من تدبر محكم

و من يتبين أن للسيف موضعا من الصفح يصفح عن كثير و يحلم

و قال أرباب المعاني علمنا الله تعالى فضيلة الأناة بما حكاه عن سليمان سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ. و كان يقال الأناة

حصن السلامة و العجلة مفتاح الندامة. و كان يقال التأني مع الخيبة خير من التهور مع النجاح. و قال الشاعر

الرفق يمن و الأناة سعادة فتأن في أمر تلاق نجاحا

[20 : 178 ]

و قال من كره الأناة و ذمها لو كانت الأناة محمودة و العجلة مذمومة لما قال موسى لربه وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى. و أنشدوا

عيب الأناة و إن سرت عواقبها أن لا خلود و أن ليس الفتى حجرا

و قال آخر

كم من مضيع فرصة قد أمكنت لغد و ليس له غد بمواتي

حتى إذا فاتت و فات طلابها ذهبت عليها نفسه حسرات

[20 : 179 ]

470وَ قَالَ ع الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجِزِ

قد تقدم كلامنا في الغيبة مستقصى. و قيل للأحنف من أشرف الناس قال من إذا حضر هابوه و إذا غاب اغتابوه. و قال الشاعر

و يغتابني من لو كفاني اغتيابه لكنت له العين البصيرة و الأذنا

و عندي من الأشياء ما لو ذكرتها إذا قرع المغتاب من ندم سنا

و قد نظمت أنا كلمة الأحنف فقلت

أكل عرضي إن غبت ذما فإن أبت فمدح و رهبة و سجود

هكذا يفعل الجبان شجاع حين يخلو و في الوغى رعديد

لك مني حالان في عينك الجنة حسنا و في الفؤاد وقود

[20 : 180 ]

471وَ قَالَ ع رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ

طالما فتن الناس بثناء الناس عليهم فيقصر العالم في اكتساب العلم اتكالا على ثناء الناس عليه و يقصر العابد في العبادة اتكالا على

ثناء الناس عليه و يقول كل واحد منهما إنما أردت ما اشتهرت به للصيت و قد حصل فلما ذا أتكلف الزيادة و أعاني التعب و أيضا فإن

ثناء الناس على الإنسان يقتضي اعتراء العجب له و إعجاب المرء بنفسه مهلك. و اعلم أن الرضي رحمه الله قطع كتاب نهج البلاغة

على هذا الفصل و هكذا وجدت النسخة بخطه و قال هذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المنتزع من كلام أمير المؤمنين ع حامدين

لله سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه و تقريب ما بعد من أقطاره مقررين العزم كما شرطنا أولا على تفضيل

أوراق من البياض في آخر كل باب من الأبواب لتكون لاقتناص الشارد و استلحاق الوارد و ما عساه أن يظهر لنا بعد الغموض و يقع

إلينا بعد الشذوذ و ما توفيقنا إلا بالله عليه توكلنا و هو حسبنا و نعم الوكيل نعم المولى و نعم النصير. ثم وجدنا نسخا كثيرة فيها

زيادات بعد هذا الكلام قيل إنها وجدت في نسخة كتبت في حياة الرضي رحمه الله و قرئت عليه فأمضاها و أذن في إلحاقها بالكتاب

نحن نذكرها

[20 : 181 ]

472وَ قَالَ ع الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا وَ لَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا

قال أبو العلاء المعري مع ما كان يرمى به في هذا المعنى ما يطابق إرادة أمير المؤمنين ع بلفظه هذا

خلق الناس للبقاء فضلت أمة يحسبونهم للنفاد

إنما ينقلون من دار أعمال إلى دار شقوة أو رشاد

[20 : 182 ]

473وَ قَالَ ع إِنَّ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِرْوَداً يَجْرُونَ فِيهِ وَ لَوْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَوْ كَادَتْهُمُ الضِّبَاعُ لَغَلَبَتْهُمْ

قال الرضي رحمه الله تعالى و هذا من أفصح الكلام و أغربه و المرود هاهنا مفعل من الإرواد و هو الإمهال و الإنظار فكأنه ع شبه

المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون فيه إلى الغاية فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها

هذا إخبار عن غيب صريح لأن بني أمية لم يزل ملكهم منتظما لما لم يكن بينهم اختلاف و إنما كانت حروبهم مع غيرهم كحرب معاوية

في صفين و حرب يزيد أهل المدينة و ابن الزبير بمكة و حرب مروان الضحاك و حرب عبد الملك ابن الأشعث و ابن الزبير و حرب

يزيد ابنه بني المهلب و حرب هشام زيد بن علي فلما ولي الوليد بن يزيد و خرج عليه ابن عمه يزيد بن الوليد و قتله اختلف بنو أمية

فيما بينهما و جاء الوعد و صدق من وعد به فإنه منذ قتل الوليد دعت دعاة بني العباس بخراسان و أقبل

[20 : 183 ]

مروان بن محمد من الجزيرة يطلب الخلافة فخلع إبراهيم بن الوليد و قتل قوما من بني أمية و اضطرب أمر الملك و انتشر و أقبلت

الدولة الهاشمية و نمت و زال ملك بني أمية و كان زوال ملكهم على يد أبي مسلم و كان في بدايته أضعف خلق الله و أعظمهم فقرا و

مسكنة و في ذلك تصديق قوله ع ثم لو كادتهم الضباع لغلبتهم

[20 : 184 ]

474وَ قَالَ ع فِي مَدْحِ الْأَنْصَارِ هُمْ وَ اللَّهِ رَبَّوُا الْإِسْلَامَ كَمَا يُرَبَّى الْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِم بِأَيْدِيهِمُ السِّبَاطِ وَ أَلْسِنَتِهِمُ السِّلَاطِ

الفلو المهر و يروى بأيديهم البساط أي الباسطة و الأولى جمع سبط يعني السماح و قد يقال للحاذق بالطعن إنه لسبط اليدين يريد

الثقافة و ألسنتهم السلاط يعني الفصيحة. و قد تقدم القول في مدح الأنصار و لو لم يكن إلا

قول رسول الله ص فيهم إنكم لتكثرون عند الفزع و تقلون عند الطمع

و لو لم يكن إلا ما قاله لعامر بن الطفيل فيهم لما قال له لأغزونك في كذا و كذا من الخيل يتوعده

فقال ع يكفي الله ذلك و أبناء قيلة

لكان فخرا لهم و هذا عظيم جدا و فوق العظيم و لا ريب أنهم الذين أيد الله بهم الدين و أظهر بهم الإسلام بعد خفائه و لولاهم

لعجز المهاجرون عن حرب قريش و العرب و عن حماية رسول الله ص و لو لا مدينتهم لم يكن للإسلام ظهر يلجئون عليه و يكفيهم

فخرا يوم حمراء الأسد

[20 : 185 ]

يوم خرج بهم رسول الله ص إلى قريش بعد انكسار أصحابه و قتل من قتل منهم و خرجوا نحو القوم و الجراح فيهم فاشية و

دماؤهم تسيل و إنهم مع ذلك كالأسد الغراث تتواثب على فرائسها و كم لهم من يوم أغر محجل و قالت الأنصار لو لا علي بن أبي

طالب ع في المهاجرين لأبينا لأنفسنا أن يذكر المهاجرون معنا أو أن يقرنوا بنا و لكن رب واحد كألف بل كألوف. و قد تقدم ذكر

الشعر المنسوب إلى الوزير المغربي و ما طعن به القادر بالله الخليفة العباسي في دينه بطريقه و كان الوزير المغربي يتبرأ منه و

يجحده و قيل إنه وجدت مسودة بخطه فرفعت إلى القادر بالله. و مما وجد بخطه أيضا و كان شديد العصبية للأنصار و لقحطان

قاطبة على عدنان و كان ينتمي إلى الأزد أزد شنوءة قوله

إن الذي أرسى دعائم أحمد و علا بدعوته على كيوان

أبناء قيلة وارثو شرف العلا و عراعر الأقيال من قحطان

بسيوفهم يوم الوغى و أكفهم ضربت مصاعب ملكه بجران

لو لا مصارعهم و صدق قراعهم خرت عروش الدين للأذقان

فليشكرن محمد أسياف من لولاه كان كخالد بن سنان

و هذا إفراط قبيح و لفظ شنيع و الواجب أن يصان قدر النبوة عنه و خصوصا البيت الأخير فإنه قد أساء فيه الأدب و قال ما لا يجوز

قوله و خالد بن سنان كان من بني عبس بن بغيض من قيس عيلان ادعى النبوة و قيل إنه كانت تظهر عليه آيات و معجزات ثم مات و

انقرض دينه و دثرت دعوته و لم يبق إلا اسمه و ليس يعرفه كل الناس بل البعض منهم

[20 : 186 ]

475وَ قَالَ ع الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّتَهِ

قال الرضي رحمه الله تعالى و هذه من الاستعارات العجيبة كأنه شبه السته بالوعاء و العين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط

الوعاء و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي ص و قد رواه قوم لأمير المؤمنين ع و ذكر ذلك المبرد في الكتاب المقتضب في

باب اللفظ المعروف قال الرضي و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية

المعروف أن هذا من كلام رسول الله ص ذكره المحدثون في كتبهم و أصحاب غريب الحديث في تصانيفهم و أهل الأدب في تفسير هذه

اللفظة في مجموعاتهم اللغوية و لعل المبرد اشتبه عليه فنسبه إلى أمير المؤمنين ع و الرواية بلفظ التثنية

العينان وكاء السته و السته الاست.

[20 : 187 ]

و قد جاء في تمام الخبر

في بعض الروايات فإذا نامت العينان استطلق الوكاء

و الوكاء رباط القربة فجعل العينين وكاء و المراد اليقظة للسته كالوكاء للقربة و منه

الحديث في اللقطة احفظ عفاصها و وكاءها و عرفها سنة فإن جاء صاحبها و إلا فشأنك بها

و العفاص السداد و الوكاء السداد و هذه من الكنايات اللطيفة

فصل في ألفاظ الكنايات و ذكر الشواهد عليها

و قد كنا قدمنا قطعة صالحة من الكنايات المستحسنة و وعدنا أن نعاود ذكر طرف منها و هذا الموضع موضعه فمن الكناية عن الحدث

الخارج و هو الذي كنى عنه أمير المؤمنين ع أو رسول الله ص الكناية التي ذكرها يحيى بن زياد في شعره قيل إن يحيى بن زياد و

مطيع بن إياس و حمادا الراوية جلسوا على شرب لهم و معهم رجل منهم فانحل وكاؤه فاستحيا و خرج و لم يعد إليهم فكتب إليه

يحيى بن زياد

أ من قلوص غدت لم يؤذها أحد إلا تذكرها بالرمل أوطانا

خان العقال لها فانبت إذ نفرت و إنما الذنب فيها للذي خانا

منحتنا منك هجرانا و مقلية و لم تزرنا كما قد كنت تغشانا

خفض عليك فما في الناس ذو إبل إلا و أينقه يشردن أحيانا

و ليس هذا الكتاب أهلا أن يضمن حكاية سخيفة أو نادرة خليعة فنذكر فيه ما جاء في هذا المعنى و إنما جرأنا على ذكر هذه الحكاية

خاصة كناية أمير المؤمنين ع أو رسول الله ص عنها و لكنا نذكر كنايات كثيرة في غير هذا المعنى مستحسنة ينتفع القارئ بالوقوف

عليها.

[20 : 188 ]

يقال فلان من قوم موسى إذا كان ملولا إشارة إلى قوله تعالى وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعام واحِد. قال الشاعر

فيا من ليس يكفيه صديق و لا ألفا صديق كل عام

أظنك من بقايا قوم موسى فهم لا يصبرون على طعام

و قال العباس بن الأحنف

كتبت تلوم و تستريث زيارتي و تقول لست لنا كعهد العاهد

فأجبتها و دموع عيني سجم تجري على الخدين غير جوامد

يا فوز لم أهجركم لملالة عرضت و لا لمقال واش حاسد

لكنني جربتكم فوجدتكم لا تصبرون على طعام واحد

و يقولون للجارية الحسناء قد أبقت من رضوان قال الشاعر

جست العود بالبنان الحسان و تثنت كأنها غصن بان

فسجدنا لها جميعا و قلنا إذ شجتنا بالحسن و الإحسان

حاش لله أن تكوني من الإنس و لكن أبقت من رضوان

و يقولون للمكشوف الأمر الواضح الحال ابن جلا و هو كناية عن الصبح و منه ما تمثل به الحجاج

أنا ابن جلا و طلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني

و منه قول القلاخ بن حزن

[20 : 189 ]

أنا القلاخ بن القلاخ ابن جلا. و منه قولهم فلان قائد الجمل لأنه لا يخفى لعظم الجمل و كبر جثته و في المثل ما استتر من قاد جملا

و قالوا كفى برغائها نداء و مثل هذا قولهم ما يوم حليمة بسر يقال ذلك في الأمر المشهور الذي لا يستر و يوم حليمة يوم التقى

المنذر الأكبر و الحارث الغساني الأكبر و هو أشهر أيام العرب يقال إنه ارتفع من العجاج ما ظهرت معه الكواكب نهارا و حليمة اسم

امرأة أضيف اليوم إليها لأنها أخرجت إلى المعركة مراكن الطيب فكانت تطيب بها الداخلين إلى القتال فقاتلوا حتى تفانوا. و

يقولون في الكناية عن الشيخ الضعيف قائد الحمار و إشارة إلى ما أنشده الأصمعي

آتي الندي فلا يقرب مجلسي و أقود للشرف الرفيع حماري

أي أقوده من الكبر إلى موضع مرتفع لأركبه لضعفي و مثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف بالعاجن لأنه إذا قام عجن في الأرض

بكفيه قال الشاعر

فأصبحت كنتيا و أصبحت عاجنا و شر خصال المرء كنت و عاجن

قالوا الكنتي الذي يقول كنت أفعل كذا و كنت أركب الخيل يتذكر ما مضى من زمانه و لا يكون ذلك إلا عند الهرم أو الفقر و العجز. و

مثله قولهم للشيخ راكع قال لبيد

أخبر أخبار القرون التي مضت أدب كأني كلما قمت راكع

و الركوع هو التطأطؤ و الانحناء بعد الاعتدال و الاستواء و يقال للإنسان إذا انتقل من الثروة إلى الفقر قد ركع قال

لا تهين الفقير علك أن تركع يوما و الدهر قد رفعه

[20 : 190 ]

و في هذا المعنى قال الشاعر

ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه يوما فتدركه الحوادث قد نما

يجزيك أو يثني عليك و إن من يثني عليك بما فعلت فقد جزى

و مثله أيضا

و أكرم كريما إن أتاك لحاجة لعاقبة إن العضاه تروح

تروح الشجر إذا انفطر بالنبت يقول إن كان فقيرا فقد يستغنى كما إن الشجر الذي لا ورق عليه سيكتسى ورقا و يقال ركع الرجل أي

سقط. و قال الشاعر

خرق إذا ركع المطي من الوجى لم يطو دون رفيقه ذا المرود

حتى يئوب به قليلا فضله حمد الرفيق نداك أو لم يحمد

و كما يشبهون الشيخ بالراكع فيكنون به عنه كذلك يقولون يحجل في قيده لتقارب خطوه قال أبو الطمحان القيني

حنتني حانيات الدهر حتى كأني خاتل أدنو لصيد

قريب الخطو يحسب من رآني و لست مقيدا أني بقيد

و نحو هذا قولهم للكبير بدت له الأرنب و ذلك أن من يختل الأرنب ليصيدها يتمايل في مشيته و أنشد ابن الأعرابي في النوادر

و طالت بي الأيام حتى كأنني من الكبر العالي بدت لي أرنب

و نحوه يقولون للكبير قيد بفلان البعير أي لا قوة ليده على أن يصرف البعير تحته على حسب إرادته فيقوده قائد يحمله حيث يريد.

[20 : 191 ]

و من أمثالهم لقد كنت و ما يقاد بي البعير يضرب لمن كان ذا قوة و عزم ثم عجز و فتر. و من الكنايا عن شيب العنفقة قولهم قد عض

على صوفه. و يكنون عن المرأة التي كبر سنها فيقولون امرأة قد جمعت الثياب أي تلبس القناع و الخمار و الإزار و ليست كالفتاة التي

تلبس ثوبا واحدا. و يقولون لمن يخضب يسود وجه النذير و قالوا في قوله تعالى وَ جاءَكُمُ النَّذِيرُ إنه الشيب و قال الشاعر

و قائلة لي اخضب فالغواني تطير من ملاحظة القتير

فقلت لها المشيب نذير موتي و لست مسودا وجه النذير

و زاحم شاب شيخا في طريق فقال الشاب كم ثمن القوس يعيره بانحناء الظهر فقال الشيخ يا ابن أخي إن طال بك عمر فسوف

تشتريها بلا ثمن. و أنشد لابن خلف

تعيرني وخط المشيب بعارضي و لو لا الحجول البلق لم تعرف الدهم

حنى الشيب ظهري فاستمرت مريرتي و لو لا انحناء القوس لم ينفذ السهم

و يقولون لمن رشا القاضي أو غيره صب في قنديله زيتا و أنشد

و عند قضاتنا خبث و مكر و زرع حين تسقيه يسنبل

إذا ما صب في القنديل زيت تحولت القضية للمقندل

و كان أبو صالح كاتب الرشيد ينسب إلى أخذ الرشا و كان كاتب أم جعفر.

[20 : 192 ]

و هو سعدان بن يحيى كذلك فقال لها الرشيد يوما أ ما سمعت ما قيل في كاتبك قالت ما هو فأنشدها

صب في قنديل سعدان مع التسليم زيتا

و قناديل بنيه قبل أن تخفى الكميتا

قالت فما قيل في كاتبك أشنع و أنشدته

قنديل سعدان علا ضوءه فرخ لقنديل أبي صالح

تراه في مجلسه أحوصا من لمحه للدرهم اللائح

و يقولون لمن طلق ثلاثا قد نحرها بمثلثه. و يقولون أيضا أعطاها نصف السنة. و يقولون لمن يفخر ب آبائه هو عظامي و لمن يفخر

بنفسه هو عصامي إشارة إلى قول النابغة في عصام بن سهل حاجب النعمان

نفس عصام سودت عصاما و علمته الكر و الإقداما

و جعلته ملكا هماما

و أشار بالعظامي إلى فخره بالأموات من آبائه و رهطه و قال الشاعر

إذا ما الحي عاش بعظم ميت فذاك العظم حي و هو ميت

و نحو هذا أن عبد الله بن زياد بن ظبيان التميمي دخل على أبيه و هو يجود بنفسه فقال أ لا أوصي بك الأمير فقال إذا لم يكن للحي

إلا وصية الميت فالحي هو الميت و يقال إن عطاء بن أبي سفيان قال ليزيد بن معاوية أغنني عن غيرك قال

[20 : 193 ]

حسبك ما أغناك به معاوية قال فهو إذن الحي و أنت الميت و مثل قولهم عظامي قولهم خارجي أي يفخر بغير أولية كانت له قال كثير

لعبد العزيز

أبا مروان لست بخارجي و ليس قديم مجدك بانتحال

و يكنون عن العزيز و عن الذليل أيضا فيقولون بيضة البلد فمن يقولها للمدح يذهب إلى أن البيضة هي الحوزة و الحمى يقولون

فلان يحمي بيضته أي يحمي حوزته و جماعته و من يقولها للذم يعني أن الواحدة من بيض النعام إذا فسدت تركها أبواها في البلد و

ذهبا عنها قال الشاعر في المدح

لكن قائله من لا كفاء له من كان يدعى أبوه بيضة البلد

و قال الآخر في الذم

تأبى قضاعة لم تعرف لكم نسبا و ابنا نزار فأنتم بيضة البلد

و يقولون للشيء الذي يكون في الدهر مرة واحدة هو بيضة الديك قال بشار

يا أطيب الناس ريقا غير مختبر إلا شهادة أطراف المساويك

قد زرتنا زورة في الدهر واحدة ثني و لا تجعليها بيضة الديك

و يكنون عن الثقيل بالقذى في الشراب قال الأخطل يذكر الخمر و الاجتماع عليها

و ليس قذاها بالذي قد يضيرها و لا بذباب نزعه أيسر الأمر

و لكن قذاها كل جلف مكلف أتتنا به الأيام من حيث لا ندري

[20 : 194 ]

فذاك القذى و ابن القذى و أخو القذى فإن له من زائر آخر الدهر

و يكنون أيضا عنه بقدح اللبلاب قال الشاعر

يا ثقيلا زاد في الثقل على كل ثقيل

أنت عندي قدح اللبلاب في كف العليل

و يكنون عنه أيضا بالقدح الأول لأن القدح الأول من الخمر تكرهه الطبيعة و ما بعده فدونه لاعتياده قال الشاعر

و أثقل من حضين باديا و أبغض من قدح أول

و يكنون عنه بالكانون قال الحطيئة يهجو أمه

تنحي فاقعدي عني بعيدا أراح الله منك العالمينا

أ غربالا إذا استودعت سرا و كانونا على المتحدثينا

قالوا و أصله من كننت أي سترت فكأنه إذا دخل على قوم و هم في حديث ستروه عنه و قيل بل المراد شدة برده. و يكنون عن الثقيل

أيضا برحى البزر قال الشاعر

و أثقل من رحى بزر علينا كأنك من بقايا قوم عاد

و يقولون لمن يحمدون جواره جاره جار أبي دواد و هو كعب بن مامة الإيادي كان إذا جاوره رجل فمات وداه و إن هلك عليه شاة أو بعير

أخلف عليه فجاوره أبو دواد الإيادي فأحسن إليه فضرب به المثل. و مثله قولهم هو جليس قعقاع بن شور و كان قد قدم إلى معاوية

فدخل عليه و المجلس غاص بأهله ليس فيه مقعد فقام له رجل من القوم و أجلسه مكانه فلم

[20 : 195 ]

يبرح القعقاع من ذلك الموضع يكلم معاوية و معاوية يخاطبه حتى أمر له بمائة ألف درهم فأحضرت إليه فجعلت إلى جانبه فلما قام

قال للرجل القائم له من مكانه ضمها إليك فهي لك بقيامك لنا عن مجلسك فقيل فيه

و كنت جليس قعقاع بن شور و لا يشقى بقعقاع جليس

ضحوك السن إن نطقوا بخير و عند الشر مطراق عبوس

أخذ قوله و لا يشقى بقعقاع جليس من

قول النبي ص هم القوم لا يشقى بهم جليسهم

و يكنون عن السمين من الرجال بقولهم هو جار الأمير و ضيف الأمير و أصله أن الغضبان بن القبعثرى كان محبوسا في سجن الحجاج

فدعا به يوما فكلمه فقال له في جملة خطابه إنك لسمين يا غضبان فقال القيد و الرتعة و الخفض و الدعة و من يكن ضيف الأمير

يسمن. و يكني الفلاسفة عن السمين بأنه يعرض سور حبسه و ذلك أن أفلاطون رأى رجلا سمينا فقال يا هذا ما أكثر عنايتك بتعريض

سور حبسك. و نظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة فقال أرى عليك قطيفة محكمة قال نعم ذاك عنوان نعمة الله عندي. و يقولون

للكذاب هو قموص الحنجرة و أيضا هو زلوق الكبد و أيضا لا يوثق بسيل بلقعه و أيضا أسير الهند لأنه يدعي أنه ابن الملك و إن كان

من أولاد السفلة. و يكنى عنه أيضا بالشيخ الغريب لأنه يحب أن يتزوج في الغربة فيدعي أنه ابن خمسين سنة و هو ابن خمس و

سبعين.

[20 : 196 ]

و يقولون هو فاختة البلد من قول الشاعر

أكذب من فاختة تصيح فوق الكرب

و الطلع لم يبد لها هذا أوان الرطب

و قال آخر في المعنى

حديث أبي حازم كله كقول الفواخت جاء الرطب

و هن و إن كن يشبهنه فلسن يدانينه في الكذب

و يكنون عن النمام بالزجاج لأنه يشف على ما تحته قال الشاعر

أنم بما استودعته من زجاجة يرى الشيء فيها ظاهرا و هو باطن

و يكنون عنه بالنسيم من قول الآخر

و إنك كلما استودعت سرا أنم من النسيم على الرياض

و يقولون إنه لصبح و إنه لطيب كله في النمام و يقولون ما زال يفتل له في الذروة و الغارب حتى أسمحت قرونته و هي النفس و

الذروة أعلى السنام و الغارب مقدمه. و يقولون في الكناية عن الجاهل ما يدري أي طرفيه أطول قالوا ذكره و لسانه و قالوا هل

نسب أبيه أفضل أم نسب أمه. و مثله لا يعرف قطانه من لطانه أي لا يعرف جبهته مما بين وركيه. و قالوا الحدة كنية الجهل و

الاقتصاد كنية البخل و الاستقصاء كنية الظلم.

[20 : 197 ]

و قالوا للجائع عضه الصفر و عضه شجاع البطن. و قال الهذلي

أرد شجاع البطن قد تعلمينه و أوثر غرثى من عيالك بالطعم

مخافة أن أحيا برغم و ذلة و للموت خير من حياة على رغم

و يقولون زوده زاد الضب أي لم يزوده شيئا لأن الضب لا يشرب الماء و إنما يتغذى بالريح و النسيم و يأكل القليل من عشب الأرض.

و قال ابن المعتز

يقول أكلنا لحم جدي و بطة و عشر دجاجات شواء بألبان

و قد كذب الملعون ما كان زاده سوى زاد ضب يبلع الريح عطشان

و قال أبو الطيب

لقد لعب البين المشت بها و بي و زودني في السير ما زود الضبا

و يقولون للمختلفين من الناس هم كنعم الصدقة و هم كبعر الكبش قال عمرو بن لجأ

و شعر كبعر الكبش ألف بينه لسان دعي في القريض دخيل

و ذلك لأن بعر الكبش يقع متفرقا. و قال بعض الشعراء لشاعر آخر أنا أشعر منك لأني أقول البيت و أخاه و تقول البيت و ابن عمه

فأما قول جرير في ذي الرمة إن شعره

بعر ظباء و نقط عروس

فقد فسره الأصمعي فقال يريد أن شعره حلو أول ما تسمعه فإذا كرر إنشاده ضعف لأن أبعار الظباء أول ما تشم توجد لها رائحة ما

أكلت من الجثجاث و الشيح

[20 : 198 ]

و القيصوم فإذا أدمت شمها عدمت تلك الرائحة و نقط العروس إذا غسلتها ذهبت. و يقولون أيضا للمختلفين أخياف و الخيف سواد

إحدى العينين و زرق الأخرى و يقولون فيهم أيضا أولاد علات كالإخوة لأمهات شتى و العلة الضرة. و يقولون فيهم خبز كتاب لأنه

يكون مختلفا قال شاعر يهجو الحجاج بن يوسف

أ ينسى كليب زمان الهزال و تعليمه سورة الكوثر

رغيف له فلكة ما ترى و آخر كالقمر الأزهر

و مثله

أ ما رأيت بني سلم وجوههم كأنها خبز كتاب و بقال

و يقال للمتساوين في الرداءة كأسنان الحمار قال الشاعر

سواء كأسنان الحمار فلا ترى لذي شيبة منهم على ناشئ فضلا

و قال آخر

شبابهم و شيبهم سواء فهم في اللؤم أسنان الحمار

و أنشد المبرد في الكامل لأعرابي يصف قوما من طيئ بالتساوي في الرداءة

و لما أن رأيت بني جوين جلوسا ليس بينهم جليس

يئست من الذي أقبلت أبغي لديهم إنني رجل يئوس

إذا ما قلت أيهم لأي تشابهت المناكب و الرءوس

قال فقوله ليس بينهم جليس هجاء قبيح يقول لا ينتجع الناس معروفهم

[20 : 199 ]

فليس بينهم غيرهم و يقولون في المتساويين في الرداءة أيضا هما كحماري العبادي قيل له أي حماريك شر قال هذا ثم هذا و يقال في

التساوي في الشر و الخير هم كأسنان المشط و يقال وقعا كركبتي البعير و كرجلي النعامة. و قال ابن الأعرابي كل طائر إذا كسرت

إحدى رجليه تحامل على الأخرى إلا النعام فإنه متى كسرت إحدى رجليه جثم فلذلك قال الشاعر يذكر أخاه

و إني و إياه كرجلي نعامة على ما بنا من ذي غنى و فقير

و قال أبو سفيان بن حرب لعامر بن الطفيل و علقمة بن علاثة و قد تنافرا إليه أنتما كركبتي البعير فلم ينفر واحدا منهما فقالا فأينا

اليمنى فقال كل منكما يمنى. و سأل الحجاج رجلا عن أولاد المهلب أيهم أفضل فقال هم كالحلقة الواحدة. و سئل ابن دريد عن

المبرد و ثعلب فأثنى عليهما فقيل فابن قتيبة قال ربوة بين جبلين أي خمل ذكره بنباهتهما. و يكنى عن الموت بالقطع عند المنجمين

و عن السعاية بالنصيحة عند العمال و عن الجماع بالوطء عند الفقهاء و عن السكر بطيب النفس عند الندماء و عن السؤال بالزوار

عند الأجواد و عن الصدقة بما أفاء الله عند الصوفية. و يقال للمتكلف بمصالح الناس إنه وصي آدم على ولده و قد قال شاعر في هذا

الباب

فكأن آدم عند قرب وفاته أوصاك و هو يجود بالحوباء

ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم و كفيت آدم عيلة الأبناء

و يقولون فلان خليفة الخضر إذا كان كثير السفر قال أبو تمام

[20 : 200 ]

خليفة الخضر من يربع على وطن أو بلدة فظهور العيس أوطاني

بغداد أهلي و بالشام الهوى و أنا بالرقتين و بالفسطاط إخواني

و ما أظن النوى ترضى بما صنعت حتى تبلغ بي أقصى خراسان

و يقولون للشيء المختار المنتخب هو ثمرة الغراب لأنه ينتفي خير الثمر. و يقولون سمن فلان في أديمه كناية عمن لا ينتفع به أي ما

خرج منه يرجع إليه و أصله أن نحيا من السمن انشق في ظرف من الدقيق فقيل ذلك قال الشاعر

ترحل فما بغداد دار إقامة و لا عند من أضحى ببغداد طائل

محل ملوك سمنهم في أديمهم و كلهم من حلية المجد عاطل

فلا غرو أن شلت يد المجد و العلى و قل سماح من رجال و نائل

إذا غضغض البحر الغطامط ماءه فليس عجيبا أن تغيض الجداول

و يقولون لمن لا يفي بالعهد فلان لا يحفظ أول المائدة لأن أولها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. و يقولون لمن كان حسن

اللباس و لا طائل عنده هو مشجب و المشجب خشبة القصار التي يطرح الثياب عليها قال ابن الحجاج

لي سادة طائر السرور بهم يطرده اليأس بالمقاليع

مشاجب للثياب كلهم و هذه عادة المشاقيع

جائزتي عندهم إذا سمعوا شعري هذا كلام مطبوع

[20 : 201 ]

و إنهم يضحكون إن ضحكوا مني و أبكي أنا من الجوع

و قال آخر

إذا لبسوا دكن الخزوز و خضرها و راحوا فقد راحت عليك المشاجب

و روي أن كيسان غلام أبي عبيدة وفد على بعض البرامكة فلم يعطه شيئا فلما وافى البصرة قيل له كيف وجدته قال وجدته مشجبا من

حيث ما أتيته وجدته. و يكنون عن الطفيلي فيقولون هو ذباب لأنه يقع في القدور قال الشاعر

أتيتك زائرا لقضاء حق فحال الستر دونك و الحجاب

و لست بواقع في قدر قوم و إن كرهوا كما يقع الذباب

و قال آخر

و أنت أخو السلام و كيف أنتم و لست أخا الملمات الشداد

و أطفل حين يجفى من ذباب و ألزم حين يدعى من قراد

و يكنون عن الجرب بحب الشباب قال الوزير المهلبي

يا صروف الدهر حسبي أي ذنب كان ذنبي

علة خصت و عمت في حبيب و محب

دب في كفيه يا من حبه دب بقلبي

فهو يشكو حر حب و شكاتي حر حب

و يكنون عن القصير القامة بأبي زبيبة و عن الطويل بخيط باطل و كانت كنية مروان بن الحكم لأنه كان طويلا مضطربا قال فيه

الشاعر

لحا الله قوما أمروا خيط باطل على الناس يعطي من يشاء و يمنع

و في خيط باطل قولان أحدهما أنه الهباء الذي يدخل من ضوء الشمس في الكوة

[20 : 202 ]

من البيت و تسميه العامة غزل الشمس و الثاني أنه الخيط الذي يخرج من في العنكبوت و تسميه العامة مخاط الشيطان. و تقول

العرب للملقو لطيم الشيطان. و كان لقب عمرو بن سعيد الأشدق لأنه كان ملقوا. و قال بعضهم لآخر ما حدث قال قتل عبد الملك عمرا

فقال قتل أبو الذبان لطيم الشيطان وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. و يقولون للحزين المهموم يعد

الحصى و يخط في الأرض و يفت اليرمع قال المجنون

عشية ما لي حيلة غير أنني بلقط الحصى و الخط في الدار مولع

أخط و أمحو كل ما قد خططته بدمعي و الغربان حولي وقع

و هذا كالنادم يقرع السن و البخيل ينكت الأرض ببنانه أو بعود عند الرد قال الشاعر

عبيد إخوانهم حتى إذا ركبوا يوم الكريهة فالآساد في الأجم

يرضون في العسر و الإيسار سائلهم لا يقرعون على الأسنان من ندم

و قال آخر في نكت الأرض بالعيدان

قوم إذا نزل الغريب بدارهم تركوه رب صواهل و قيان

لا ينكتون الأرض عند سؤالهم لتطلب العلات بالعيدان

و يقولون للفارغ فؤاد أم موسى.

[20 : 203 ]

و يقولون للمثري من المال منقرس و ذلك أن علة النقرس أكثر ما تعتري أهل الثروة و التنعم. حكى المبرد قال كان الحرمازي في ناحية

عمرو بن مسعدة و كان يجري عليه فخرج عمرو بن مسعدة إلى الشام و تخلف الحرمازي ببغداد فأصابه النقرس فقال

أقام بأرض الشام فاختل جانبي و مطلبه بالشام غير قريب

و لا سيما من مفلس حلف نقرس أ ما نقرس في مفلس بعجيب

و قال بعضهم يهجو ابن زيدان الكاتب

تواضع النقرس حتى لقد صار إلى رجل ابن زيدان

علة إنسان و لكنها قد وجدت في غير إنسان

و يقولون للمترف رقيق النعل و أصله قول النابغة

رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب

يعني أنهم ملوك و الملك لا يخصف نعله و إنما يخصف نعله من يمشي و قوله طيب حجزاتهم أي هم أعفاء الفروج أي يشدون

حجزاتهم على عفة و كذلك قولهم فلان مسمط النعال أي نعله طبقة واحدة غير مخصوف قال المرار بن سعيد الفقعسي

وجدت بني خفاجة في عقيل كرام الناس مسمطة النعال

و قريب من هذا قول النجاشي

و لا يأكل الكلب السروق نعالنا و لا ينتقي المخ الذي في الجماجم

[20 : 204 ]

يريد أن نعالهم سبت و السبت جلود البقر المدبوغة بالقرظ و لا تقربها الكلاب و إنما تأكل الكلاب غير المدبوغ لأنه إذا أصابه

المطر دسمه فصار زهما. و يقولون للسيد لا يطأ على قدم أي هو يتقدم الناس و لا يتبع أحدا فيطأ على قدمه. و يقولون قد اخضرت

نعالهم أي صاروا في خصب و سعة قال الشاعر

يتايهون إذا اخضرت نعالهم و في الحفيظة أبرام مضاجير

و إذا دعوا على إنسان بالزمانة قالوا خلع الله نعليه لأن المقعد لا يحتاج إلى نعل. و يقولون أطفأ الله نوره كناية عن العمى و عن

الموت أيضا لأن من يموت فقد طفئت ناره. و يقولون سقاه الله دم جوفه دعاء عليه بأن يقتل ولده و يضطر إلى أخذ ديته إبلا فيشرب

ألبانها. و يقولون رماه الله بليلة لا أخت لها أي ليلة موته لأن ليلة الموت لا أخت لها. و يقولون وقعوا في سلا جمل أي في داهية لا

يرى مثلها لأن الجمل لا سلا له و إنما السلا للناقة و هي الجليدة التي تكون ملفوفة على ولدها. و يقولون صاروا في حولاء ناقة إذ

صاروا في خصب. و كانوا إذا وصفوا الأرض بالخصب قالوا كأنها حولاء ناقة.

[20 : 205 ]

و يقولون لأبناء الملوك و الرؤساء و من يجري مجراهم جفاة المحز قال الشاعر

جفاة المحز لا يصيبون مفصلا و لا يأكلون اللحم إلا تخذما

يقول هم ملوك و أشباه الملوك لا حذق لهم بنحر الإبل و الغنم و لا يعرفون التجليد و السلخ و لهم من يتولى ذلك عنهم و إذا لم

يحضرهم من يجزر الجزور تكلفوا هم ذلك بأنفسهم فلم يحسنوا حز المفصل كما يفعله الجزار و قوله

و لا يأكلون اللحم إلا تخذما

أي ليس بهم شره فإذا أكلوا اللحم تخذموا قليلا قليلا و الخذم القطع و أنشد الجاحظ في مثله

و صلع الرءوس عظام البطون جفاة المحز غلاظ القصر

لأن ذلك كله أمارات الملوك و قريب من ذلك قوله

ليس براعي إبل و لا غنم و لا بجزار على ظهر وضم

و يقولون فلان أملس يكنون عمن لا خير فيه و لا شر أي لا يثبت فيه حمد و لا ذم. و يقولون ملحه على ركبته أي هو سيئ الخلق

يغضبه أدنى شيء قال

لا تلمها إنها من عصبة ملحها موضوعة فوق الركب

و يقولون كناية عن مجوسي هو ممن يخط على النمل و النمل جمع نملة و هي قرحة بالإنسان كانت العرب تزعم أن المجوسي إذا

كان من أخته و خط عليها برأت قال الشاعر

و لا عيب فينا غير عرق لمعشر كرام و أنا لا نخط على النمل

[20 : 206 ]

و يقولون للصبي قد قطفت ثمرته أي ختن و قال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير

ما زال عصياننا لله يرذلنا حتى دفعنا إلى يحيى و دينار

إلا عليجين لم تقطف ثمارها قد طالما سجدا للشمس و النار

و يقولون قدر حليمة أي لا غليان فيها. و يقولون لمن يصلي صلاة مختصرة هو راجز الصلاة. و قال أعرابي لرجل رآه يصلي صلاة خفيفة

صلاتك هذه رجز. و يقولون فلان عفيف الشفة أي قليل السؤال و فلان خفيف الشفة كثير السؤال. و تكني العرب عن المتيقظ

بالقطامي و هو الصقر. و يكنون عن الشدة و المشقة بعرق القربة يقولون لقيت من فلان عرق القربة أي العرق الذي يحدث بك من

حملها و ثقلها و ذلك لأن أشد العمل كان عندهم السقي و ما ناسبه من معالجة الإبل. و تكني العرب عن الحشرات و هوام الأرض

بجنود سعد يعنون سعد الأخبية و ذلك لأنه إذا طلع انتشرت في ظاهر الأرض و خرج منها ما كان مستترا في باطنها قال الشاعر

قد جاء سعد منذرا بحره موعدة جنوده بشره

و يكني قوم عن السائلين على الأبواب بحفاظ سورة يوسف ع لأنهم يعتنون بحفظها دون غيرها و قال عمارة يهجو محمد بن وهيب

تشبهت بالأعراب أهل التعجرف فدل على ما قلت قبح التكلف

[20 : 207 ]

لسان عراقي إذا ما صرفته إلى لغة الأعراب لم يتصرف

و لم تنس ما قد كان بالأمس حاكه أبوك و عود الجف لم يتقصف

لئن كنت للأشعار و النحو حافظا لقد كان من حفاظ سورة يوسف

و يكنون عن اللقيط بتربية القاضي و عن الرقيب بثاني الحبيب لأنه يرى معه أبدا قال ابن الرومي

موقف للرقيب لا أنساه لست أختاره و لا آباه

مرحبا بالرقيب من غير وعد جاء يجلو علي من أهواه

لا أحب الرقيب إلا لأني لا أرى من أحب حتى أراه

و يكنون عن الوجه المليح بحجة المذنب إشارة إلى قول الشاعر

قد وجدنا غفلة من رقيب فسرقنا نظرة من حبيب

و رأينا ثم وجها مليحا فوجدنا حجة للذنوب

و يكنون عن الجاهل ذي النعمة بحجة الزنادقة قال ابن الرومي

مهلا أبا الصقر فكم طائر خر صريعا بعد تحليق

لا قدست نعمى تسربلتها كم حجة فيها لزنديق

و قال ابن بسام في أبي الصقر أيضا

يا حجة الله في الأرزاق و القسم و عبرة لأولى الألباب و الفهم

تراك أصبحت في نعماء سابغة إلا و ربك غضبان على النعم

فهذا ضد ذلك المقصد لأن ذاك جعله حجة على الزندقة و هذا جعله حجة على قدرة البارئ سبحانه على عجائب الأمور و غرائبها و أن

النعم لا قدر لها عنده سبحانه حيث جعلها عند أبي الصقر مع دناءة منزلته و قال ابن الرومي

[20 : 208 ]

و قينة أبرد من ثلجه تبيت منها النفس في ضجه

كأنها من نتنها صخة لكنها في اللون أترجه

تفاوتت خلقتها فاغتدت لكل من عطل محتجه

و قد يشابه ذلك قول أبي علي البصير في ابن سعدان

يا ابن سعدان أجلح الرزق في أمرك و استحسن القبيح بمره

نلت ما لم تكن تمنى إذا ما أسرفت غاية الأماني عشره

ليس فيما أظن إلا لكيلا ينكر المنكرون لله قدره

و للمفجع في قريب منه

إن كنت خنتكم المودة غادرا أو حلت عن سنن المحب الوامق

فمسخت في قبح ابن طلحة إنه ما دل قط على كمال الخالق

و يقولون عرض فلان على الحاجة عرضا سابريا أي خفيفا من غير استقصاء تشبيها له بالثوب السابري و الدرع السابرية و هي

الخفيفة. و يحكى أن مرتدا مر على قوم يأكلون و هو راكب حمارا فقالوا انزل إلينا فقال هذا عرض سابري فقالوا انزل يا ابن الفاعلة و

هذا ظرف و لباقه. و يقولون في ذلك وعد سابري أي لا يقرن به وفاء و أصل السابري اللطيف الرقق. و قال المبرد سألت الجاحظ من

أشعر المولدين فقال القائل

كأن ثيابه أطلعن من أزراره قمرا

يزيدك وجهه حسنا إذا ما زدته نظرا

بعين خالط التفتير في أجفانها الحورا

[20 : 209 ]

و وجه سابري لو تصوب ماؤه قطرا

يعني العباس بن الأحنف. و تقول العرب في معنى قول المحدثين عرض عليه كذا عرضا سابريا عرض عليه عرض عالة أي عرض الماء على

النعم العالة التي قد شربت شربا بعد شرب و هو العلل لأنها تعرض على الماء عرضا خفيفا لا تبالغ فيه. و من الكنايات الحسنة قول

أعرابية قالت لقيس بن سعد بن عبادة أشكو إليك قلة الجرذان في بيتي فاستحسن منها ذلك و قال لأكثرنها املئوا لها بيتها خبزا و تمرا

و سمنا و أقطا و دقيقا. و شبيه بذلك ما روي أن بعض الرؤساء سايره صاحب له على برذون مهزول فقال له ما أشد هزال دابتك فقال

يدها مع أيدينا ففطن لذلك و وصله. و قريب منه ما حكي أن المنصور قال لإنسان ما مالك قال ما أصون به وجهي و لا أعود به على

صديقي فقال لقد تلطفت في المسألة و أمر له بصلة. و جاء أعرابي إلى أبي العباس ثعلب و عنده أصحابه فقال له ما أراد القائل بقوله

الحمد لله الوهوب المنان صار الثريد في رءوس القضبان

فأقبل ثعلب على أهل المجلس فقال أجيبوه فلم يكن عندهم جواب و قال له نفطويه الجواب منك يا سيدي أحسن فقال على أنكم لا

تعلمونه قالوا لا نعلمه فقال الأعرابي قد سمعت ما قال القوم فقال و لا أنت أعزك الله تعلمه فقال ثعلب أراد أن السنبل قد أفرك قال

صدقت فأين حق الفائدة فأشار إليهم ثعلب

[20 : 210 ]

فبروه فقام قائلا بوركت من ثعلب ما أعظم بركتك. و يكنون عن الشيب بغبار العسكر و برغوة الشباب قال الشاعر

قالت أرى شيبا برأسك قلت لا هذا غبار من غبار العسكر

و قالت آخر و سماه غبار وقائع الدهر

غضبت ظلوم و أزمعت هجري وصبت ضمائرها إلى الغدر

قالت أرى شيبا فقلت لها هذا غبار وقائع الدهر

و يقولون للسحاب فحل الأرض. و قالوا القلم أحد اللسانين و رداءة الخط أحد الزمانتين. قال و قال الجاحظ رأيت رجلا أعمى يقول

في الشوارع و هو يسأل ارحموا ذا الزمانتين قلت و ما هما قال أنا أعمى و صوتي قبيح و قد أشار شاعر إلى هذا فقال

اثنان إذا عدا حقيق بهما الموت

فقير ما له زهد و أعمى ما له صوت

و قال رسول الله ص إياكم و خضراء الدمن فلما سئل عنها قال المرأة الحسناء في المنبت السوء

و قال ع في صلح قوم من العرب إن بيننا و بينهم عيبة مكفوفة أي لا نكشف ما بيننا و بينهم من ضغن و حقد و دم

و قال ع الأنصار كرشي و عيبتي

أي موضع سري و كرشي جماعتي.

[20 : 211 ]

و يقال جاء فلان ربذ العنان أي منهزما. و جاء ينفض مذرويه أي يتوعد من غير حقيقة. و جاء ينظر عن شماله أي منهزما. و تقول فلان

عندي بالشمال أي منزلته خسيسة و فلان عندي باليمين أي بالمنزلة العليا قال أبو نواس

أقول لناقتي إذ بلغتني لقد أصبحت عندي باليمين

فلم أجعلك للغربان نهبا و لم أقل اشرقي بدم الوتين

حرمت على الأزمة و الولايا و أعلاق الرحالة و الوضين

و قال ابن ميادة

أبيني أ في يمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيرتني في شمالك

و تقول العرب التقى الثريان في الأمرين يأتلفان و يتفقان أو الرجلين قال أبو عبيدة و الثرى التراب الندي في بطن الوادي فإذا جاء

المطر و سح في بطن الوادي حتى يلتقي نداه و الندى الذي في بطن الوادي يقال التقى الثريان. و يقولون هم في خير لا يطير غرابه

يريدون أنهم في خير كثير و خصب عظيم فيقع الغراب فلا ينفر لكثرة الخصب. و كذلك أمر لا ينادى وليده أي أمر عظيم ينادى فيه

الكبار دون الصغار. و قيل المراد أن المرأة تشتغل عن وليدها فلا تناديه لعظم الخطب و من هذا قول الشاعر يصف حربا عظيمة

[20 : 212 ]

إذا خرس الفحل وسط الحجور و صاح الكلاب و عق الولد

يريد أن الفحل إذا عاين الجيش و البارقة لم يلتفت لفت الحجور و لم يصهل و تنبح الكلاب أربابها لأنها لا تعرفهم للبسهم الحديد

و تذهل المرأة عن ولدها رعبا فجعل ذلك عقوقا. و يقولون أصبح فلان على قرن أعفر و هو الظبي إذا أرادوا أصبح على خطر و ذلك لأن

قرن الظبي ليس يصلح مكانا فمن كان عليه فهو على خطر قال إمرؤ القيس

و لا مثل يوم بالعظالى قطعته كأني و أصحابي على قرن أعفرا

و قال أبو العلاء المعري

كأنني فوق روق الظبي من حذر

و أنشد ابن دريد في هذا المعنى

و ما خير عيش لا يزال كأنه محلة يعسوب برأس سنان

يعني من القلق و أنه غير مطمئن. و يقولون به داء الظبي أي لا داء به لأن الظبي صحيح لا يزال و المرض قل أن يعتريه و يقولون

للمتلون المختلف الأحوال ظل الذئب لأنه لا يزل مرة هكذا و مرة هكذا و يقولون به داء الذئب أي الجوع.

[20 : 213 ]

و عهد فلان عهد الغراب يعنون أنه غادر قالوا لأن كل طائر يألف أنثاه إلا الغراب فإنه إذا باضت الأنثى تركها و صار إلى غيرها. و

يقولون ذهب سمع الأرض و بصرها أي حيث لا يدرى أين هو. و تقولون ألقى عصاه إذا أقام و استقر قال الشاعر

فألقت عصاها و استقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر

و وقع القضيب من يد الحجاج و هو يخطب فتطير بذلك حتى بان في وجهه فقام إليه رجل فقال إنه ليس ما سبق وهم الأمير إليه و

لكنه قول القائل و أنشده البيت فسري عنه. و يقال للمختلفين طارت عصاهم شققا. و يقال فلان منقطع القبال أي لا رأي له. و فلان

عريض البطان أي كثير الثروة. و فلان رخي اللب أي في سعة. و فلان واقع الطائر أي ساكن. و فلان شديد الكاهل أي منيع الجانب. و

فلان ينظر في أعقاب نجم مغرب أي هو نادم آيس قال الشاعر

فأصبحت من ليلى الغداة كناظر مع الصبح في أعقاب نجم مغرب

و سقط في يده أي أيقن بالهلكة. و قد رددت يده إلى فيه أي منعته من الكلام. و بنو فلان يد على بني فلان أي مجتمعون.

[20 : 214 ]

و أعطاه كذا عن ظهر يد أي ابتداء لا عن مكافأة. و يقولون جاء فلان ناشرا أذنيه أي جاء طامعا. و يقال هذه فرس غير محلفة أي لا

تحوج صاحبها إلى أن يحلف أنها كريمة قال

كميت غير محلفة و لكن كلون الصرف عل به الأديم

و تقول حلب فلان الدهر أشطره أي مرت عليه صروبه خيره و شره. و قرع فلان لأمر ظنبوبه أي جد فيه و اجتهد. و تقول أبدى الشر

نواجذه أي ظهر. و قد كشفت الحرب عن ساقها و كشرت عن نابها. و تقول استنوق الجمل يقال ذلك للرجل يكون في حديث ينتقل

إلى غيره يخلطه به. و تقول لمن يهون بعد عز استأتن العير. و تقول للضعيف يقوى استنسر البغاث. و يقولون شراب بأنقع أي معاود

للأمور و قال الحجاج يا أهل العراق إنكم شرابون بأنقع أي معتادون الخير و الشر و الأنقع جمع نقع و هو ما استنقع من الغدران و

أصله في الطائر الحذر يرد المناقع في الفلوات حيث لا يبلغه قانص و لا ينصب له شرك

[20 : 215 ]

حديث عن إمرئ القيس

و نختم هذا الفصل في الكنايات بحكاية رواها أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني قال أبو الفرج أخبرني محمد بن القاسم

الأنباري قال حدثني ابن عمي قال حدثنا أحمد بن عبد الله عن الهيثم بن عدي قال و حدثني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال

حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة أميرا على العراق

فأرسل إلى عشرة من وجوه أهل الكوفة أنا أحدهم فسرنا عنده فقال ليحدثني كل رجل منكم أحدوثة و ابدأ أنت يا أبا عمرو فقلت

أصلح الله الأمير أ حديث حق أم حديث باطل قال بل حديث حق فقلت إن إمرأ القيس كان آلى ألية ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن

ثمانية و أربعة و اثنتين فجعل يخطب النساء فإذا سألهن عن هذا قلن أربعة عشر فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل

ابنة صغيرة له كأنها البدر لتمه فأعجبته فقال لها يا جارية ما ثمانية و أربعة و اثنتان فقالت أما ثمانية فأطباء الكلبة و أما أربعة

فأخلاف الناقة و أما اثنتان فثديا المرأة فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها و شرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال فجعل لها

ذلك و على أن يسوق إليها مائة من الإبل و عشرة أعبد و عشر وصائف و ثلاثة أفراس ففعل ذلك ثم بعث عبدا إلى المرأة و أهدى إليها

معه نحيا من سمن و نحيا من عسل و حلة من عصب فنزل العبد على بعض المياه و نشر الحلة فلبسها فتعلقت بسمرة فانشقت و فتح

النحيين فأطعم أهل الماء منهما فنقصا ثم قدم على المرأة و أهلها خلوف فسألها عن أبيها و أمها و أخيها و دفع إليها

[20 : 216 ]

هديتها فقالت أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدا و يبعد قريبا و أن أمي ذهبت تشق النفس نفسين و أن أخي ذهب يراعي الشمس و

أن سماءكم انشقت و أن وعاءيكم نضبا. فقدم الغلام على مولاه فأخبره فقال أما قولها أن أبي ذهب يقرب بعيدا و يبعد قريبا فإن أباها

ذهب يحالف قوما على قومه و أما قولها إن أمي ذهبت تشق النفس نفسين فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء و أما قولها إن أخي ذهب

يراعي الشمس فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به و أما قولها إن سماءكم انشقت فإن البرد الذي بعثت

به انشق و أما قولها إن وعاءيكم نضبا فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا فاصدقني فقال يا مولاي إني نزلت بماء من مياه العرب

فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك و نشرت الحلة و لبستها و تجملت بها فتعلقت بسمرة فانشقت و فتحت النحيين فأطعمت

منهما أهل الماء فقال أولى لك ثم ساق مائة من الإبل و خرج نحوها و معه العبد يسقي الإبل فعجز فأعانه إمرؤ القيس فرمى به العبد

في البئر و خرج حتى أتى إلى أهل الجارية بالإبل فأخبرهم أنه زوجها فقيل لها قد جاء زوجك فقالت و الله ما أدري أ زوجي هو أم لا و

لكن انحروا له جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها ففعلوا فأكل ما أطعموه فقالت اسقوه لبنا حازرا و هو الحامض فسقوه فشرب

فقالت افرشوا له عند الفرث و الدم ففرشوا له فنام فلما أصبحت أرسلت إليه أني أريد أن أسألك فقال لها سلي عما بدا لك فقالت مم

تختلج شفتاك قال من تقبيلي إياك فقالت مم يختلج كشحاك قال لالتزامي إياك قالت فمم يختلج فخذاك

[20 : 217 ]

قال لتوركي إياك فقالت عليكم العبد فشدوا أيديكم به ففعلوا. قال و مر قوم فاستخرجوا إمرأ القيس من البئر فرجع إلى حيه و ساق

مائة من الإبل و أقبل إلى امرأته فقيل لها قد جاء زوجك فقالت و الله ما أدري أ زوجي هو أم لا و لكن انحروا له جزورا و أطعموه من

كرشها و ذنبها ففعلوا فلما أتوه بذلك قال و أين الكبد و السنام و الملحاء و أبى أن يأكل فقالت اسقوه لبنا حازرا فأتي به فأبى أن

يشربه و قال فأين الضريب و الرثيئة فقالت افرشوا له عند الفرث و الدم ففرشوا له فأبى أن ينام و قال افرشوا لي عند التلعة

الحمراء و اضربوا لي عليها خباء ثم أرسلت إليه هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث فأرسل إليها أن سلي عما شئت فقالت مم

تختلج شفتاك فقال لشربي المشعشعات قالت فمم يختلج كشحاك قال للبسي الحبرات قالت فمم تختلج فخذاك قال لركضي

المطهمات فقالت هذا زوجي لعمري فعليكم به فأهديت إليه الجارية. فقال ابن هبيرة حسبكم فلا خير في الحديث سائر الليلة بعد

حديث أبي عمرو و لن يأتينا أحد منكم بأعجب منه فانصرفنا و أمر لي بجائزة

[20 : 218 ]

476وَ قَالَ ع فِي كَلَام لَهُ وَ وَلِيَهُمْ وَال فَأَقَامَ وَ اسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ

الجران مقدم العنق و هذا الوالي هو عمر بن الخطاب. و هذا الكلام من خطبة خطبها في أيام خلافته طويلة يذكر فيها قربه من النبي

ص و اختصاصه له و إفضاءه بأسراره إليه حتى

قال فيها فاختار المسلمون بعده ب آرائهم رجلا منهم فقارب و سدد حسب استطاعته على ضعف و حد كانا فيه وليهم بعده وال فأقام و

استقام حتى ضرب الدين بجرانه على عسف و عجرفية كانا فيه ثم اختلفوا ثالثا لم يكن يملك من أمر نفسه شيئا غلب عليه أهله

فقادوه إلى أهوائهم كما تقود الوليدة البعير المخطوم فلم يزل الأمر بينه و بين الناس يبعد تارة و يقرب أخرى حتى نزوا عليه فقتلوه

ثم جاءوا بي مدب الدبا يريدون بيعتي

و تمام الخطبة معروف فليطلب من الكتب الموضوعة لهذا الفن

[20 : 219 ]

477وَ قَالَ ع يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُوسِرُ فِيهِ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ

بَيْنَكُمْ يَنْهَدُ فِيهِ الْأَشْرَارُ وَ يُسْتَذَلُّ الْأَخْيَارُ وَ يُبَايِعُ الْمُضْطَرُّونَ وَ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ص عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّينَ

زمان عضوض أي كلب على الناس كأنه يعضهم و فعول للمبالغة كالنفور العقوق و يجوز أن يكون من قولهم بئر عضوض أي بعيدة القعر

ضيقة و ما كانت البئر عضوضا فأعضت كقولهم ما كانت جرورا فأجرت و هي كالعضوض. و عض فلان على ما في يده أي بخل و أمسك. و

ينهد فيه الأشرار ينهضون إلى الولايات و الرئاسات و ترتفع أقدارهم في الدنيا و يستذل فيه أهل الخير و الدين و يكون فيه بيع

على وجه الاضطرار و الإلجاء كمن بيعت ضيعته و هو ذليل ضعيف من رب ضيعة مجاورة لها ذي ثروة و عز و جاه فيلجئه بمنعه الماء و

استذلاله الأكرة و الوكيل إلى أن يبيعها عليه و ذلك منهي عنه لأنه حرام محض

[20 : 220 ]

478وَ قَالَ ع يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وَ بَاهِتٌ مُفْتَر

قال الرضي رحمه الله تعالى و هذا مثل قوله ع

يَهْلِكُ فِيَّ اثْنَانِ مُحِبٌّ غَال وَ مُبْغِضٌ قَال

قد تقدم شرح مثل هذا الكلام و خلاصة هذا القول أن الهالك فيه المفرط و المفرط أما المفرط فالغلاة و من قال بتكفير أعيان

الصحابة و نفاقهم أو فسقهم و أما المفرط فمن استنقص به ع أو أبغضه أو حاربه أو أضمر له غلا و لهذا كان أصحابنا أصحاب النجاة و

الخلاص و الفوز في هذه المسألة لأنهم سلكوا طريقة مقتصدة قالوا هو أفضل الخلق في الآخرة و أعلاهم منزلة في الجنة و أفضل

الخلق في الدنيا و أكثرهم خصائص و مزايا و مناقب و كل من عاداه أو حاربه أو أبغضه فإنه عدو لله سبحانه و خالد في النار مع الكفار

و المنافقين إلا أن يكون ممن قد ثبتت توبته و مات على توليه و حبه. فأما الأفاضل من المهاجرين و الأنصار الذين ولوا الإمامة قبله

فلو أنه أنكر إمامتهم

[20 : 221 ]

و غضب عليهم و سخط فعلهم فضلا عن أن يشهر عليهم السيف أو يدعو إلى نفسه لقلنا إنهم من الهالكين كما لو غضب عليهم رسول

الله ص لأنه قد ثبت

أن رسول الله ص قال له حربك حربي و سلمك سلمي

و أنه قال اللهم وال من والاه و عاد من عاداه

و قال له لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق

و لكنا رأينا رضي إمامتهم و بايعهم و صلى خلفهم و أنكحهم و أكل من فيئهم فلم يكن لنا أن نتعدى فعله و لا نتجاوز ما اشتهر عنه أ لا

ترى أنه لما برئ من معاوية برئنا منه و لما لعنه لعناه و لما حكم بضلال أهل الشام و من كان فيهم من بقايا الصحابة كعمرو بن العاص

و عبد الله ابنه و غيرهما حكمنا أيضا بضلالهم. و الحاصل أنا لم نجعل بينه و بين النبي ص إلا رتبة النبوة و أعطيناه كل ما عدا ذلك

من الفضل المشترك بينه و بينه و لم نطعن في أكابر الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم و عاملناهم بما عاملهم ع به

فصل فيما قيل في التفضيل بين الصحابة

و القول بالتفضيل قول قديم قد قال به كثير من الصحابة و التابعين فمن الصحابة عمار و المقداد و أبو ذر و سلمان و جابر بن عبد

الله و أبي بن كعب و حذيفة و بريدة و أبو أيوب و سهل بن حنيف و عثمان بن حنيف و أبو الهيثم بن التيهان و خزيمة بن ثابت و أبو

الطفيل عامر بن واثلة و العباس بن عبد المطلب و بنوه و بنو هاشم كافة و بنو المطلب كافة.

[20 : 222 ]

و كان الزبير من القائلين به في بدء الأمر ثم رجع و كان من بني أمية قوم يقولون بذلك منهم خالد بن سعيد بن العاص و منهم عمر بن

عبد العزيز. و أنا أذكر هاهنا الخبر المروي المشهور عن عمر و هو من رواية ابن الكلبي قال بينا عمر بن عبد العزيز جالسا في مجلسه

دخل حاجبه و معه امرأة أدماء طويلة حسنة الجسم و القامة و رجلان متعلقان بها و معهم كتاب من ميمون بن مهران إلى عمر فدفعوا

إليه الكتاب ففضه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من ميمون بن مهران سلام عليك و رحمة

الله و بركاته أما بعد فإنه ورد علينا أمر ضاقت به الصدور و عجزت عنه الأوساع و هربنا بأنفسنا عنه و وكلناه إلى عالمه لقول الله عز

و جل وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ و هذه المرأة و الرجلان أحدهما زوجها و

الآخر أبوها و إن أباها يا أمير المؤمنين زعم أن زوجها حلف بطلاقها أن علي بن أبي طالب ع خير هذه الأمة و أولاها برسول الله ص و

أنه يزعم أن ابنته طلقت منه و أنه لا يجوز له في دينه أن يتخذه صهرا و هو يعلم أنها حرام عليه كأمه و إن الزوج يقول له كذبت و

أثمت لقد بر قسمي و صدقت مقالتي و إنها امرأتي على رغم أنفك و غيظ قلبك فاجتمعوا إلي يختصمون في ذلك فسألت الرجل عن

يمينه فقال نعم قد كان ذلك و قد حلفت بطلاقها أن عليا خير هذه الأمة و أولاها برسول الله ص عرفه من عرفه و أنكره من أنكره

فليغضب من

[20 : 223 ]

غضب و ليرض من رضي و تسامع الناس بذلك فاجتمعوا له و إن كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتى و قد علمت يا أمير المؤمنين

اختلاف الناس في أهوائهم و تسرعهم إلى ما فيه الفتنة فاحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله و إنهما تعلقا بها و أقسم أبوها ألا

يدعها معه و أقسم زوجها ألا يفارقها و لو ضربت عنقها إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته و الامتناع منه فرفعناهم

إليك يا أمير المؤمنين أحسن الله توفيقك و أرشدك. و كتب في أسفل الكتاب

إذا ما المشكلات وردن يوما فحارت في تأملها العيون

و ضاق القوم ذرعا عن نباها فأنت لها أبا حفص أمين

لأنك قد حويت العلم طرا و أحكمك التجارب و الشئون

و خلفك الإله على الرعايا فحظك فيهم الحظ الثمين

قال فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم و بني أمية و أفخاذ قريش ثم قال لأبي المرأة ما تقول أيها الشيخ قال يا أمير المؤمنين هذا

الرجل زوجته ابنتي و جهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها حتى إذا أملت خيره و رجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذبا ثم أراد الإقامة معها

فقال له عمر يا شيخ لعله لم يطلق امرأته فكيف حلف قال الشيخ سبحان الله الذي حلف عليه لأبين حنثا و أوضح كذبا من أن يختلج

في صدري منه شك مع سني و علمي لأنه زعم أن عليا خير هذه الأمة و إلا فامرأته طالق ثلاثا فقال للزوج ما تقول أ هكذا حلفت قال نعم

فقيل إنه لما قال نعم كاد المجلس يرتج بأهله و بنو أمية ينظرون إليه شزرا إلا أنهم لم ينطقوا بشيء كل ينظر إلى وجه عمر.

[20 : 224 ]

فأكب عمر مليا ينكت الأرض بيده و القوم صامتون ينظرون ما يقوله ثم رفع رأسه و قال

إذا ولي الحكومة بين قوم أصاب الحق و التمس السدادا

و ما خير الإمام إذا تعدى خلاف الحق و اجتنب الرشادا

ثم قال للقوم ما تقولون في يمين هذا الرجل فسكتوا فقال سبحان الله قولوا فقال رجل من بني أمية هذا حكم في فرج و لسنا نجترئ

على القول فيه و أنت عالم بالقول مؤتمن لهم و عليهم قل ما عندك فإن القول ما لم يكن يحق باطلا و يبطل حقا جائز علي في

مجلسي. قال لا أقول شيئا فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب فقال له ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا

عقيلي فاغتنمها فقال يا أمير المؤمنين إن جعلت قولي حكما أو حكمي جائزا قلت و إن لم يكن ذلك فالسكوت أوسع لي و أبقى للمودة

قال قل و قولك حكم و حكمك ماض. فلما سمع ذلك بنو أمية قالوا ما أنصفتنا أمير المؤمنين إذ جعلت الحكم إلى غيرنا و نحن من

لحمتك و أولى رحمك فقال عمر اسكتوا أ عجزا و لؤما عرضت ذلك عليكم آنفا فما انتدبتم له قالوا لأنك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي

و لا حكمتنا كما حكمته فقال عمر إن كان أصاب و أخطأتم و حزم و عجزتم و أبصر و عميتم فما ذنب عمر لا أبا لكم أ تدرون ما مثلكم

قالوا لا ندري قال لكن العقيلي يدري ثم قال ما تقول يا رجل قال نعم يا أمير المؤمنين كما قال الأول

دعيتم إلى أمر فلما عجزتم تناوله من لا يداخله عجز

فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم نداما و هل يغني من القدر الحذر

فقال عمر أحسنت و أصبت فقل ما سألتك عنه قال يا أمير المؤمنين

[20 : 225 ]

بر قسمه و لم تطلق امرأته قال و أنى علمت ذاك قال نشدتك الله يا أمير المؤمنين أ لم تعلم

أن رسول الله ص قال لفاطمة ع و هو عندها في بيتها عائد لها يا بنية ما علتك قالت الوعك يا أبتاه و كان علي غائبا في بعض حوائج

النبي ص فقال لها أ تشتهين شيئا قالت نعم أشتهي عنبا و أنا أعلم أنه عزيز و ليس وقت عنب فقال ص إن الله قادر على أن يجيئنا به ثم

قال اللهم ائتنا به مع أفضل أمتي عندك منزلة فطرق علي الباب و دخل و معه مكتل قد ألقى عليه طرف ردائه فقال له النبي ص ما هذا يا

علي قال عنب التمسته لفاطمة فقال الله أكبر الله أكبر اللهم كما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء بنيتي ثم قال كلي

على اسم الله يا بنية فأكلت و ما خرج رسول الله ص حتى استقلت و برأت

فقال عمر صدقت و بررت أشهد لقد سمعته و وعيته يا رجل خذ بيد امرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه ثم قال يا بني عبد مناف و

الله ما نجهل ما يعلم غيرنا و لا بنا عمى في ديننا و لكنا كما قال الأول

تصيدت الدنيا رجالا بفخها فلم يدركوا خيرا بل استقبحوا الشرا

و أعماهم حب الغنى و أصمهم فلم يدركوا إلا الخسارة و الوزرا

قيل فكأنما ألقم بني أمية حجرا و مضى الرجل بامرأته. و كتب عمر إلى ميمون بن مهران عليك سلام فإني أحمد إليك الله الذي لا إله

إلا هو أما بعد فإني قد فهمت كتابك و ورد الرجلان و المرأة و قد صدق الله يمين الزوج و أبر قسمه و أثبته على نكاحه فاستيقن ذلك

و اعمل عليه و السلام عليك و رحمة الله و بركاته.

[20 : 226 ]

فأما من قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كأويس القرني و زيد بن صوحان و صعصعة أخيه و جندب الخير و عبيدة

السلماني و غيرهم ممن لا يحصى كثرة و لم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر إلا لمن قال بتفضيله و لم تكن مقالة الإمامية و من

نحا نحوها من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذ على هذا النحو من الاشتهار فكان القائلون بالتفضيل هم المسمون الشيعة

و جميع ما ورد من الآثار و الأخبار في فضل الشيعة و أنهم موعودون بالجنة فهؤلاء هم المعنيون به دون غيرهم و لذلك قال أصحابنا

المعتزلة في كتبهم و تصانيفهم نحن الشيعة حقا فهذا القول هو أقرب إلى السلامة و أشبه بالحق من القولين المقتسمين طرفي

الإفراط و التفريط إن شاء الله

[20 : 227 ]

479وَ سُئِلَ عَنِ التَّوْحِيدِ وَ الْعَدْلِ فَقَالَ التَّوْحِيدُ أَلَّا تَتَوَهَّمَهُ وَ الْعَدْلُ أَلَّا تَتَّهِمَهُ

هذان الركنان هما ركنا علم الكلام و هما شعار أصحابنا المعتزلة لنفيهم المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري و أصحابه و لتنزيههم

البارئ سبحانه عن فعل القبيح. و معنى قوله ألا تتوهمه أي ألا تتوهمه جسما أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئا لكل الجهات كما

ذهب إليه قوم أو نورا من الأنوار أو قوة سارية في جميع العالم كما قاله قوم أو من جنس الأعراض التي تحل الحال أو تحل المحل

و ليس بعرض كما قاله النصارى و غلاة الشيعة أو تحله المعاني و الأعراض فمتى توهم على شيء من هذا فقد خولف التوحيد و ذلك

لأن كل جسم أو عرض أو حال في محل أو محل الحال أو مختص بجهة لا بد أن يكون منقسما في ذاته لا سيما على قول من نفى

الجزاء مطلقا و كل منقسم فليس بواحد و قد ثبت أنه واحد و أضاف أصحابنا إلى التوحيد نفي المعاني القديمة و نفي ثان في الإلهية

و نفي الرؤية و نفي كونه مشتهيا أو نافرا أو ملتذا أو آلما أو عالما بعلم محدث أو قادرا بقدرة محدثة أو حيا بحياة محدثة أو نفي

كونه عالما بالمستقبلات أبدا أو نفي كونه عالما بكل معلوم أو قادرا

[20 : 228 ]

على كل الأجناس و غير ذلك من مسائل علم الكلام التي يدخلها أصحابنا في الركن الأول و هو التوحيد. و أما الركن الثاني فهو ألا

تتهمه أي لا تتهمه في أنه أجبرك على القبيح و يعاقبك عليه حاشاه من ذلك و لا تتهمه في أنه مكن الكذابين من المعجزات فأضل بهم

الناس و لا تتهمه في أنه كلفك ما لا تطيقه و غير ذلك من مسائل العدل التي يذكرها أصحابنا مفصلة في كتبهم كالعوض عن الألم فإنه

لا بد منه و الثواب على فعل الواجب فإنه لا بد منه و صدق وعده و وعيده فإنه لا بد منه. و جملة الأمر أن مذهب أصحابنا في العدل و

التوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين و هذا المواضع من الموضع التي قد صرح فيها بمذهب أصحابنا بعينه و في فرش كلامه من هذا النمط ما لا يحصى

[20 : 229 ]

480وَ قَالَ ع فِي دُعَاء اسْتَسْقَى بِهِ اللَّهُمَّ اسْقِنَا ذُلُلَ السَّحَائِبِ دُونَ صِعَابِهَا

قال الرضي رحمه الله تعالى و هذا من الكلام العجيب الفصاحة و ذلك أنه ع شبه السحب ذوات الرعود و البوارق و الرياح و

الصواعق بالإبل الصعاب التي تقمص برحالها و تتوقص بركبانها و شبه السحائب الخالية من تلك الزوابع بالإبل الذلل التي تحتلب طيعة و تقتعد مسمحة قد كفانا الرضي رحمه الله بشرحه هذه الكلمة مئونة الخوض في تفسيرها

السابق

التالي