السابق

التالي

[19 : 81 ]

244الْكَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ الرَّحِمِ مثل هذا المعنى قول أبي تمام لابن الجهم

إلا يكن نسب يؤلف بيننا أدب أقمناه مقام الوالد

أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد

و من قصيدة لي في بعض أغراضي

و وشائج الآداب عاطفة الفضلاء فوق وشائج النسب

[19 : 82 ]

245مَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ

هذا قد تقدم في وصيته ع لولده الحسن. و من كلام بعضهم إني لأستحيي أن يأتيني الرجل يحمر وجهه تارة من الخجل أو يصفر أخرى

من خوف الرد قد ظن بي الخير و بات عليه و غدا علي أن أرده خائبا

[19 : 83 ]

246أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مَا أَكْرَهْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِ

لا ريب أن الثواب على قدر المشقة لأنه كالعوض عنها كما أن العوض الحقيقي عوض عن الألم و لهذا

قال ص أفضل العبادة أحمزها

أي أشقها

[19 : 84 ]

247عَرَفْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ وَ حَلِّ الْعُقُودِ وَ نَقْضِ الْهِمَمِ

هذا أحد الطرق إلى معرفة البارئ سبحانه و هو أن يعزم الإنسان على أمر و يصمم رأيه عليه ثم لا يلبث أن يخطر الله تعالى بباله

خاطرا صارفا له عن ذلك الفعل و لم يكن في حسابه أي لو لا أن في الوجود ذاتا مدبرة لهذا العالم لما خطرت الخواطر التي لم تكن

محتسبة و هذا فصل يتضمن كلاما دقيقا يذكره المتكلمون في الخاطر الذي يخطر من غير موجب لخطوره فإنه لا يجوز أن يكون

الإنسان أخطره بباله و إلا لكان ترجيحا من غير مرجح لجانب الوجود على جانب العدم فلا بد أن يكون المخطر له بالبال شيئا خارجا

عن ذات الإنسان و ذاك هو الشيء المسمى بصانع العالم. و ليس هذا الموضع مما يحتمل استقصاء القول في هذا المبحث. و يقال

إن عضد الدولة وقعت في يده قصة و هو يتصفح القصص فأمر بصلب صاحبها ثم أتبع الخادم خادما آخر يقول له قل للمطهر و كان

وزيره لا يصلبه و لكن أخرجه من الحبس فاقطع يده اليمنى ثم أتبعه خادما ثالثا فقال بل تقول له يقطع أعصاب رجليه ثم أتبعه خادما

آخر فقال له ينقله إلى القلعة بسيراف في قيوده فيجعله هناك فاختلفت دواعيه في ساعة واحدة أربع مرات

[19 : 85 ]

248مَرَارَةُ الدُّنْيَا حَلَاوَةُ الآْخِرَةِ وَ حَلَاوَةُ الدُّنْيَا مَرَارَةُ الآْخِرَةِ

لما كانت الدنيا ضد الآخرة وجب أن يكون أحكام هذه ضد أحكام هذه كالسواد يجمع البصر و البياض يفرق البصر و الحرارة توجب

الخفة و البرودة توجب الثقل فإذا كان في الدنيا أعمال هي مرة المذاق على الإنسان قد ورد الشرع بإيجابها فتلك الأفعال تقتضي و

توجب لفاعلها ثوابا حلو المذاق في الآخرة. و كذاك بالعكس ما كان من المشتهيات الدنياوية التي قد نهى الشرع عنها توجب و إن

كانت حلوة المذاق مرارة العقوبة في الآخرة

[19 : 86 ]

249فَرَضَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ وَ الصَّلَاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ وَ الزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ وَ الصِّيَامَ ابْتِلَاءً لِإِخْلَاصِ الْخَلْقِ وَ الْحَجَّ

تَقْوِيَةً لِلدِّينِ وَ الْجِهَادَ عِزّاً لِلْإِسْلَامِ وَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ وَ صِلَةَ الرَّحِمِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ وَ

الْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ وَ إِقَامَةَ الْحُدُودِ إِعْظَاماً لِلْمَحَارِمِ وَ تَرْكَ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْصِيناً لِلْعَقْلِ وَ مُجَانَبَةَ السَّرِقَةِ إِيجَاباً لِلْعِفَّةِ وَ تَرْكَ الزِّنَا

تَحْصِيناً لِلنَّسَبِ وَ تَرْكَ اللِّوَاطِ تَكْثِيراً لِلنَّسْلِ وَ الشَّهَادَاتِ اسْتِظْهَاراً عَلَى الْمُجَاحَدَاتِ وَ تَرْكَ الْكَذِبِ تَشْرِيفاً لِلصِّدْقِ وَ السَّلَامَ أَمَاناً مِنَ

الْمَخَاوِفِ وَ الْإِمَامَةِ نِظَاماً لِلْأُمَّةِ وَ الطَّاعَةَ تَعْظِيماً لِلْإِمَامَةِ

هذا الفصل يتضمن بيان تعليل العبادات إيجابا و سلبا. قال ع فرض الله الإيمان تطهيرا من الشرك و ذلك لأن الشرك نجاسة حكمية

لا عينية و أي شيء يكون أنجس من الجهل أو أقبح فالإيمان هو تطهير القلب من نجاسة ذلك الجهل. و فرضت الصلاة تنزيها من

الكبر لأن الإنسان يقوم فيها قائما و القيام مناف للتكبر و طارد له ثم يرفع يديه بالتكبير وقت الإحرام بالصلاة فيصير على هيئة من

يمد عنقه ليوسطه السياف ثم يستكتف كما يفعله العبيد الأذلاء بين يدي

[19 : 87 ]

السادة العظماء ثم يركع على هيئة من يمد عنقه ليضربها السياف ثم يسجد فيضع أشرف أعضائه و هو جبهته على أدون المواضع و هو

التراب ثم تتضمن الصلاة من الخضوع و الخشوع و الامتناع من الكلام و الحركة الموهمة لمن رآها أن صاحبها خارج عن الصلاة و ما

في غضون الصلاة من الأذكار المتضمنة الذل و التواضع لعظمة الله تعالى. و فرضت الزكاة تسبيبا للرزق كما قال الله تعالى وَ ما

أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ و قال مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ. و فرض الصيام ابتلاء لإخلاص الخلق

قال النبي ص حاكيا عن الله تعالى الصوم لي و أنا أجزي به

و ذلك لأن الصوم أمر لا يطلع عليه أحد فلا يقوم به على وجهه إلا المخلصون. و فرض الحج تقوية للدين و ذلك لما يحصل للحاج

في ضمنه من المتاجر و المكاسب قال الله تعالى لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ... عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ و

أيضا فإن المشركين كانوا يقولون لو لا أن أصحاب محمد كثير و أولو قوة لما حجوا فإن الجيش الضعيف يعجز عن الحج من المكان

البعيد. و فرض الجهاد عزا للإسلام و ذلك ظاهر قال الله تعالى وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ

صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيراً و قال سبحانه وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ

اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ.

[19 : 88 ]

و فرض الأمر بالمعروف مصلحة للعوام لأن الأمر بالعدل و الإنصاف و رد الودائع و أداء الأمانات إلى أهلها و قضاء الديون و الصدق

في القول و إيجاز الوعد و غير ذلك من محاسن الأخلاق مصلحة للبشر عظيمة لا محالة. و فرض النهي عن المنكر ردعا للسفهاء كالنهي

عن الظلم و الكذب و السفه و ما يجري مجرى ذلك. و فرضت صلة الرحم منماة للعدد

قال النبي ص صلة الرحم تزيد في العمر و تنمي العدد

و فرض القصاص حقنا للدماء قال سبحانه وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ. و فرضت إقامة الحدود إعظاما للمحارم و ذلك

لأنه إذا أقيمت الحدود امتنع كثير من الناس عن المعاصي التي تجب الحدود فيها و ظهر عظم تلك المعاصي عند العامة فكانوا إلى

تركها أقرب. و حرم شرب الخمر تحصينا للعقل قال قوم لحكيم اشرب الليلة معنا فقال أنا لا أشرب ما يشرب عقلي و

في الحديث المرفوع أن ملكا ظالما خير إنسانا بين أن يجامع أمه أو يقتل نفسا مؤمنة أو يشرب الخمر حتى يسكر فرأى أن الخمر

أهونها فشرب حتى سكر فلما غلبه قام إلى أمه فوطئها و قام إلى تلك النفس المؤمنة فقتلها ثم قال ع الخمر جماع الإثم الخمر أم

المعاصي

و حرمت السرقة إيجابا للعفة و ذلك لأن العفة خلق شريف و الطمع خلق دنيء فحرمت السرقة ليتمرن الناس على ذلك الخلق

الشريف و يجانبوا ذلك الخلق الذميم و أيضا حرمت لما في تحريمها من تحصين أموال الناس.

[19 : 89 ]

و حرم الزنا تحصينا للنسب فإنه يفضي إلى اختلاط المياه و اشتباه الأنساب و ألا ينسب أحد بتقدير ألا يشرع النكاح إلى أب بل

يكون نسب الناس إلى أمهاتهم و في ذلك قلب الحقيقة و عكس الواجب لأن الولد مخلوق من ماء الأب و إنما الأم وعاء و ظرف. و

حرم اللواط تكثيرا للنسل و ذلك اللواط بتقدير استفاضته بين الناس و الاستغناء به عن النساء يفضي إلى انقطاع النسل و الذرية و

ذلك خلاف ما يريد الله تعالى من بقاء هذا النوع الشريف الذي ليس في الأنواع مثله في الشرف لمكان النفس الناطقة التي هي

نسخة و مثال للحضرة الإلهية و لذلك سمت الحكماء الإنسان العالم الصغير. و حرم الاستمناء باليد و إتيان البهائم للمعنى الذي

لأجله حرم اللواط و هو تقليل النسل و من مستحسن الكلمات النبوية

قوله ع في الاستمناء باليد ذلك الوأد الخفي

لأن الجاهلية كانت تئد البنات أي تقتلهن خنقا و قد قدمنا ذكر سبب ذلك فشبه ع إتلاف النطفة التي هي ولد بالقوة بإتلاف الولد

بالفعل. و أوجبت الشهادات على الحقوق استظهارا على المجاحدات

قال النبي ص لو أعطي الناس بدعاويهم لاستحل قوم من قوم دماءهم و أموالهم

و وجب ترك الكذب تشريفا للصدق و ذلك لأن مصلحة العامة إنما تتم و تنتظم بالصدق فإن الناس يبنون أكثر أمورهم في معاملاتهم

على الأخبار فإنها أعم من العيان و المشاهدة فإذا لم تكن صادقة وقع الخطأ في التدبيرات و فسدت أحوال الخلق. و شرع رد السلام

أمانا من المخاوف لأن تفسير قول القائل سلام عليكم أي لا حرب بيني و بينكم بل بيني و بينكم السلام و هو الصلح.

[19 : 90 ]

و فرضت الإمامة نظاما للأمة و ذلك لأن الخلق لا يرتفع الهرج و العسف و الظلم و الغضب و السرقة عنهم إلا بوازع قوي و ليس

يكفي في امتناعهم قبح القبيح و لا وعيد الآخرة بل لا بد لهم من سلطان قاهر ينظم مصالحهم فيردع ظالمهم و يأخذ على أيدي

سفهائهم. و فرضت الطاعة تعظيما للإمامة و ذلك لأن أمر الإمامة لا يتم إلا بطاعة الرعية و إلا فلو عصت الرعية إمامها لم ينتفعوا

بإمامته و رئاسته عليهم

[19 : 91 ]

250وَ كَانَ ع يَقُولُ أَحْلِفُوا الظَّالِمَ إِذَا أَرَدْتُمْ يَمِينَهُ بِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ حَوْلِ اللَّهِ وَ قُوَّتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا حَلَفَ بِهَا كَاذِباً عُوجِلَ وَ إِذَا حَلَفَ بِاللَّهِ الَّذِي

لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَمْ يُعَاجَلْ لِأَنَّهُ قَدْ وَحَّدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى

ما جرى بين يحيى بن عبد الله و بين ابن المصعب عند الرشيد

روى أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني في كتاب مقاتل الطالبيين أن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع لما

أمنه الرشيد بعد خروجه بالديلم و صار إليه بالغ في إكرامه و بره فسعى به بعد مدة عبد الله بن مصعب الزبيري إلى الرشيد و كان

يبغضه و قال له إنه قد عاد يدعو إلى نفسه سرا و حسن له نقض أمانه فأحضره و جمع بينه و بين عبد الله بن مصعب ليناظره فيما

قذفه به و رفعه عليه فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد و ادعى عليه الحركة في الخروج و شق العصا فقال يحيى يا أمير المؤمنين أ

تصدق هذا علي و تستنصحه و هو ابن عبد الله بن الزبير الذي أدخل أباك عبد الله و ولده الشعب و أضرم عليهم النار حتى خلصه أبو

عبد الله الجدلي صاحب علي بن أبي طالب ع منه عنوة و هو الذي ترك الصلاة على

[19 : 92 ]

رسول الله ص و أربعين جمعة في خطبته فلما التاث عليه الناس قال إن له أهيل سوء إذا صليت عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم و

اشرأبوا لذكره فأكره أن أسرهم أو أقر أعينهم و هو الذي كان يشتم أباك و يلصق به العيوب حتى ورم كبده و لقد ذبحت بقرة يوما

لأبيك فوجدت كبدها سوداء قد نقبت فقال علي ابنه أ ما ترى كبد هذه البقرة يا أبت فقال يا بني هكذا ترك ابن الزبير كبد أبيك ثم نفاه

إلى الطائف فلما حضرته الوفاة قال لابنه علي يا بني إذا مت فالحق بقومك من بني عبد مناف بالشام و لا تقم في بلد لابن الزبير فيه

إمرة فاختار له صحبة يزيد بن معاوية على صحبة عبد الله بن الزبير و و الله إن عداوة هذا يا أمير المؤمنين لنا جميعا بمنزلة سواء و

لكنه قوي علي بك و ضعف عنك فتقرب بي إليك ليظفر منك بي بما يريد إذا لم يقدر على مثله منك و ما ينبغي لك أن تسوغه ذلك في

فإن معاوية بن أبي سفيان و هو أبعد نسبا منك إلينا ذكر الحسن بن علي يوما فسبه فساعده عبد الله بن الزبير على ذلك فزجره و

انتهره فقال إنما ساعدتك يا أمير المؤمنين فقال إن الحسن لحمي آكله و لا أوكله و مع هذا فهو الخارج مع أخي محمد على أبيك

المنصور أبي جعفر و القائل لأخي في قصيدة طويلة أولها

إن الحمامة يوم الشعب من وثن هاجت فؤاد محب دائم الحزن

يحرض أخي فيها على الوثوب و النهوض إلى الخلافة و يمدحه و يقول له

لا عز ركنا نزار عند سطوتها إن أسلمتك و لا ركنا ذوي يمن

أ لست أكرمهم عودا إذا انتسبوا يوما و أطهرهم ثوبا من الدرن

[19 : 93 ]

و أعظم الناس عند الناس منزلة و أبعد الناس من عيب و من وهن

قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها إن الخلافة فيكم يا بني حسن

إنا لنأمل أن ترتد ألفتنا بعد التدابر و البغضاء و الإحن

حتى يثاب على الإحسان محسننا و يأمن الخائف المأخوذ بالدمن

و تنقضي دولة أحكام قادتها فينا كأحكام قوم عابدي وثن

فطالما قد بروا بالجور أعظمنا بري الصناع قداح النبع بالسفن

فتغير وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر و تغيظ على ابن مصعب فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو و بأيمان البيعة أن

هذا الشعر ليس له و أنه لسديف فقال يحيى و الله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره و ما حلفت كاذبا و لا صادقا بالله قبل هذا و إن الله

عز و جل إذا مجده العبد في يمينه فقال و الله الطالب الغالب الرحمن الرحيم استحيا أن يعاقبه فدعني أن أحلفه بيمين ما حلف بها

أحد قط كاذبا إلا عوجل قال فحلفه قال قل برئت من حول الله و قوته و اعتصمت بحولي و قوتي و تقلدت الحول و القوة من دون الله

استكبارا على الله و استعلاء عليه و استغناء عنه إن كنت قلت هذا الشعر فامتنع عبد الله من الحلف بذلك فغضب الرشيد و قال للفضل

بن الربيع يا عباسي ما له لا يحلف إن كان صادقا هذا طيلساني علي و هذه ثيابي لو حلفني بهذه اليمين أنها لي لحلفت فوكز الفضل

عبد الله برجله و كان له فيه هوى و قال له احلف ويحك فجعل يحلف بهذه اليمين و وجهه متغير و هو يرعد فضرب يحيى بين كتفيه و

قال يا ابن مصعب قطعت عمرك لا تفلح بعدها أبدا. قالوا فما برح من موضعه حتى عرض له أعراض الجذام استدارت عيناه

[19 : 94 ]

و تفقأ وجهه و قام إلى بيته فتقطع و تشقق لحمه و انتثر شعره و مات بعد ثلاثة أيام و حضر الفضل بن الربيع جنازته فلما جعل في

القبر انخسف اللحد به حتى خرجت منه غبرة شديدة و جعل الفضل يقول التراب التراب فطرح التراب و هو يهوي فلم يستطيعوا

سده حتى سقف بخشب و طم عليه فكان الرشيد يقول بعد ذلك للفضل أ رأيت يا عباسي ما أسرع ما أديل ليحيى من ابن مصعب

[19 : 95 ]

251يَا ابْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ وَ اعْمَلْ فِي مَالِكَ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَنْ بَعْدَكَ

لا ريب أن الإنسان يؤثر أن يخرج ماله بعد موته في وجوه البر و الصدقات و القربات ليصل ثواب ذلك إليه لكنه يضن بإخراجه و هو

حي في هذه الوجوه لحبه العاجلة و خوفه من الفقر و الحاجة إلى الناس في آخر العمر فيقيم وصيا يعمل ذلك في ماله بعد موته. و

أوصى أمير المؤمنين ع الإنسان أن يعمل في ماله و هو حي ما يؤثر أن يجعل فيه وصية بعد موته و هذه حالة لا يقدر عليها إلا من أخذ

التوفيق بيده

[19 : 96 ]

252الْحِدَّةُ ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَنْدَمُ فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ فَجُنُونُهُ مُسْتَحْكِمٌ

كان يقال الحدة كنية الجهل. و كان يقال لا يصح لحديد رأي لأن الحدة تصدئ العقل كما يصدئ الخل المرآة فلا يرى صاحبه فيه

صورة حسن فيفعله و لا صورة قبيح فيجتنبه. و كان يقال أول الحدة جنون و آخرها ندم. و كان يقال لا تحملنك الحدة على اقتراف

الإثم فتشفي غيظك و تسقم دينك

[19 : 97 ]

253صِحَّةُ الْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ الْحَسَدِ

معناه أن القليل الحسد لا يزال معافى في بدنه و الكثير الحسد يمرضه ما يجده في نفسه من مضاضة المنافسة و ما يتجرعه من الغيظ

و مزاج البدن يتبع أحوال النفس. قال المأمون ما حسدت أحدا قط إلا أبا دلف على قول الشاعر فيه

إنما الدنيا أبو دلف بين باديه و محتضره

فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا على أثره

و روى أبو الفرج الأصبهاني عن عبدوس بن أبي دلف قال حدثني أبي قال قال لي المأمون يا قاسم أنت الذي يقول فيك علي بن جبله

إنما الدنيا أبو دلف

البيتين فقلت مسرعا و ما ينفعني ذلك يا أمير المؤمنين مع قوله في

أبا دلف يا أكذب الناس كلهم سواي فإني في مديحك أكذب

[19 : 98 ]

و مع قول بكر بن النطاح في

أبا دلف إن الفقير بعينه لمن يرتجي جدوى يديك و يأمله

أرى لك بابا مغلقا متمنعا إذا فتحوه عنك فالبؤس داخله

كأنك طبل هائل الصوت معجب خلي من الخيرات تعس مداخله

و أعجب شيء فيك تسليم إمرة عليك على طنز و أنك قابله

قال فلما انصرفت قال المأمون لمن حوله لله دره حفظ هجاء نفسه حتى انتفع به عندي و أطفأ لهيب المنافسة

[19 : 99 ]

254وَ قَالَ ع لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَاد النَّخَعِيِّ يَا كُمَيْلُ مُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَرُوحُوا فِي كَسْبِ الْمَكَارِمِ وَ يُدْلِجُوا فِي حَاجَةِ مَنْ هُوَ نَائِمٌ فَوَالَّذِي وَسِعَ

سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ مَا مِنْ أَحَد أَوْدَعَ قَلْباً سُرُوراً إِلَّا وَ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ السُّرُورِ لُطْفاً فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَائِبَةٌ جَرَى إِلَيْهَا كَالْمَاءِ فِي انْحِدَارِهِ

حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْهُ كَمَا تُطْرَدُ غَرِيبَةُ الْإِبِلِ

قال عمرو بن العاص لمعاوية ما بقي من لذتك فقال ما من شيء يصيبه الناس من اللذة إلا و قد أصبته حتى مللته فليس شيء عندي اليوم

ألذ من شربة ماء بارد في يوم صائف و نظري إلى بني و بناتي يدرجون حولي فما بقي من لذتك أنت فقال أرض أغرسها و آكل ثمرتها لم

يبق لي لذة غير ذلك فالتفت معاوية إلى وردان غلام عمرو فقال فما بقي من لذتك يا وريد فقال سرور أدخله قلوب الإخوان و صنائع

أعتقدها في أعناق الكرام فقال معاوية لعمرو تبا لمجلسي و مجلسك لقد غلبني و غلبك هذا العبد ثم قال يا وردان أنا أحق بهذا منك

قال قد أمكنتك فافعل.

[19 : 100 ]

فإن قلت السرور عرض فكيف يخلق الله تعالى منه لطفا قلت من هاهنا هي مثل من في قوله وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي

الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ أي عوضا منكم. و مثله

فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان

أي ليت لنا شربة مبردة باتت على طهيان و هو اسم جبل بدلا و عوضا من ماء زمزم

[19 : 101 ]

255إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا اللَّهَ بِالصَّدَقَةِ

قد تقدم القول في الصدقة. و قالت الحكماء أفضل العبادات الصدقة لأن نفعها يتعدى و نفع الصلاة و الصوم لا يتعدى. و

جاء في الأثر أن عليا ع عمل ليهودي في سقي نخل له في حياة رسول الله ص بمد من شعير فخبزه قرصا فلما هم أن يفطر عليه أتاه

سائل يستطعم فدفعه إليه و بات طاويا و تاجر الله تعالى بتلك الصدقة فعد الناس هذه الفعلة من أعظم السخاء و عدوها أيضا من

أعظم العبادة

و قال بعض شعراء الشيعة يذكر إعادة الشمس عليه و أحسن فيما قال

جاد بالقرص و الطوى ملء جنبيه و عاف الطعام و هو سغوب

فأعاد القرص المنير عليه القرص و المقرض الكرام كسوب

[19 : 102 ]

256الْوَفَاءُ لِأَهْلِ الْغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ الْغَدْرُ بِأَهْلِ الْغَدْرِ وَفَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ

معناه أنه إذا اعتيد من العدو أن يغدر و لا يفي بأقواله و أيمانه و عهوده لم يجز الوفاء له و وجب أن ينقض عهوده و لا يوقف مع

العهد المعقود بيننا و بينه فإن الوفاء لمن هذه حاله ليس بوفاء عند الله تعالى بل هو كالغدر في قبحه و الغدر بمن هذه حاله ليس

بقبيح بل هو في الحسن كالوفاء لمن يستحق الوفاء عند الله تعالى

[19 : 103 ]

257كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَج بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ مَغْرُور بِالسِّتْرِ عَلَيْهِ وَ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وَ مَا ابْتَلَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِمْلَاءِ لَهُ

قال الرضي رحمه الله تعالى و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلا أن فيه هاهنا زيادة جيدة

قد تقدم الكلام في الاستدراج و الإملاء و قال بعض الحكماء احذر النعم المتواصلة إليك أن تكون استدراجا كما يحذر المحارب من

اتباع عدوه في الحرب إذا فر من بين يديه من الكمين و كم من عدو فر مستدرجا ثم إذ هو عاطف و كم من ضارع في يديك ثم إذ هو

خاطف

[19 : 104 ]

258 و من كلامه ع المتضمن ألفاظا من الغريب تحتاج إلى تفسير قوله ع في حديثه

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّينِ بِذَنَبِهِ فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ

قال الرضي رحمه الله تعالى يعسوب الدين السيد العظيم المالك لأمور الناس يومئذ و القزع قطع الغيم التي لا ماء فيها

أصاب في اليعسوب فأما القزع فلا يشترط فيها أن تكون خالية من الماء بل القزع قطع من السحاب رقيقة سواء كان فيها ماء أو لم

يكن الواحدة قزعة بالفتح و إنما غره قول الشاعر يصف جيشا بالقلة و الخفة

كأن رعاله قزع الجهام

و ليس يدل ذلك على ما ذكره لأن الشاعر أراد المبالغة فإن الجهام الذي لا ماء فيه إذا كان أقطاعا متفرقة خفيفة كان ذكره أبلغ فيما

يريده من التشبيه و هذا الخبر من أخبار الملاحم التي كان يخبر بها ع و هو يذكر فيه المهدي الذي يوجد عند أصحابنا في آخر الزمان

و معنى قوله ضرب بذنبه أقام و ثبت بعد

[19 : 105 ]

اضطرابه و ذلك لأن اليعسوب فحل النحل و سيدها و هو أكثر زمانه طائر بجناحيه فإذا ضرب بذنبه الأرض فقد أقام و ترك الطيران و

الحركة. فإن قلت فهذا يشبه مذهب الإمامية في أن المهدي خائف مستتر ينتقل في الأرض و أنه يظهر آخر الزمان و يثبت و يقيم في

دار ملكه. قلت لا يبعد على مذهبنا أن يكون الإمام المهدي الذي يظهر في آخر الزمان مضطرب الأمر منتشر الملك في أول أمره

لمصلحة يعلمها الله تعالى ثم بعد ذلك يثبت ملكه و تنتظم أموره. و قد وردت لفظة اليعسوب عن أمير المؤمنين ع في غير هذا

الموضع قال يوم الجمل لعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد و قد مر به قتيلا هذا يعسوب قريش أي سيدها

[19 : 106 ]

259وَ فِي حَدِيثِهِ ع هَذَا الْخَطِيبُ الشَّحْشَحُ

قال يريد الماهر بالخطبة الماضي فيها و كل ماض في كلام أو سير فهو شحشح و الشحشع في غير هذا الموضع البخيل الممسك

قد جاء الشحشح بمعنى الغيور و الشحشح بمعنى الشجاع و الشحشح بمعنى المواظب على الشيء الملازم له و الشحشح الحاوي

و مثله الشحشحان. و هذه الكلمة قالها علي ع لصعصعة بن صوحان العبدي رحمه الله و كفى صعصعة بها فخرا أن يكون مثل علي ع

يثني عليه بالمهارة و فصاحة اللسان و كان صعصعة من أفصح الناس ذكر ذلك شيخنا أبو عثمان الجاحظ

[19 : 107 ]

260 و منه إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً

قال يريد بالقحم المهالك لأنها تقحم أصحابها في المهالك و المتالف في الأكثر فمن ذلك قحمة الأعراب و هو أن تصيبهم السنة

فتتفرق أموالهم فذلك تقحمها فيهم و قيل فيه وجه آخر و هو أنها تقحمهم بلاد الريف أي تحوجهم إلى دخول الحضر عند محول

البدو

أصل هذا البناء للدخول في الأمر على غير روية و لا تثبت قحم الرجل في الأمر بالفتح قحوما و أقحم فلان فرسه البحر فانقحم و

اقتحمت أيضا البحر دخلته مكافحة و قحم الفرس فارسه تقحيما على وجهه إذا رماه و فحل مقحام أي يقتحم الشول من غير إرسال

فيها. و هذه الكلمة قالها أمير المؤمنين حين وكل عبد الله بن جعفر في الخصومة عنه و هو شاهد. و أبو حنيفة لا يجيز الوكالة على

هذه الصورة و يقول لا تجوز إلا من غائب أو مريض و أبو يوسف و محمد يجيزانها أخذا بفعل أمير المؤمنين ع

[19 : 108 ]

261 و منه إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحِقَاقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى

قال و يروى نص الحقائق و النص منتهى الأشياء و مبلغ أقصاها كالنص في السير لأنه أقصى ما تقدر عليه الدابة و يقال نصصت

الرجل عن الأمر إذا استقصيت مسألته لتستخرج ما عنده فيه و نص الحقاق يريد به الإدراك لأنه منتهى الصغر و الوقت الذي يخرج

منه الصغير إلى حد الكبر و هو من أفصح الكنايات عن هذا الأمر و أغربها يقول فإذا بلغ النساء ذلك فالعصبة أولى بالمرأة من أمها إذا

كانوا محرما مثل الإخوة و الأعمام و بتزويجها إن أرادوا ذلك. و الحقاق محاقة الأم للعصبة في المرأة و هو الجدال و الخصومة و

قول كل واحد منهما للآخر أنا أحق منك بهذا يقال منه حاققته حقاقا مثل جادلته جدالا قال و قد قيل إن نص الحقاق بلوغ العقل و هو

الإدراك لأنه ع إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب به الحقوق و الأحكام. قال و من رواه نص الحقائق فإنما أراد جمع حقيقة هذا معنى ما

ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام. قال و الذي عندي أن المراد بنص الحقاق هاهنا بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه تزويجها و

تصرفها في حقوقها تشبيها بالحقاق من الإبل و هي جمع حقة و حق و هو الذي استكمل ثلاث سنين و دخل في الرابعة و عند ذلك يبلغ

إلى الحد الذي يمكن فيه من ركوب ظهره و نصه في سيره و الحقائق أيضا جمع حقة

[19 : 109 ]

فالروايتان جميعا ترجعان إلى مسمى واحد و هذا أشبه بطريقة العرب من المعنى المذكور أولا

أما ما ذكره أبو عبيد فإنه لا يشفي الغليل لأنه فسر معنى النص و لم يفسر معنى نص الحقائق بل قال هو عبارة عن الإدراك لأنه منتهى

الصغر و الوقت الذي يخرج منه الصغير إلى حد الكبر و لم يبين من أي وجه يدل لفظ نص الحقاق على ذلك و لا اشتقاق الحقاق و

أصله ليظهر من ذلك مطابقة اللفظ للمعنى الذي أشير إليه. فأما قوله الحقاق هاهنا مصدر حاقه يحاقه فلقائل أن يقول إن كان هذا هو

مقصوده ع فقبل الإدراك يكون الحقاق أيضا لأن كل واحدة من القرابات تقول للأخرى أنا أحق بها منك فلا معنى لتخصيص ذلك بحال

البلوغ إلا أن يزعم زاعم أن الأم قبل البلوغ لها الحضانة فلا ينازعها قبل البلوغ في البنت أحد و لكن في ذلك خلاف كثير بين

الفقهاء. و أما التفسير الثاني و هو أن المراد بنص الحقاق منتهى الأمر الذي تجب به الحقوق فإن أهل اللغة لم ينقلوا عن العرب أنها

استعملت الحقاق في الحقوق و لا يعرف هذا في كلامهم. فأما قوله و من رواه نص الحقائق فإنما أراد جمع حقيقة فلقائل أن يقول و ما

معنى الحقائق إذا كانت جمع حقيقة هاهنا و ما معنى إضافة نص إلى الحقائق جمع حقيقة فإن أبا عبيدة لم يفسر ذلك مع شدة الحاجة

إلى تفسيره. و أما تفسير الرضي رحمه الله فهو أشبه من تفسير أبي عبيدة إلا أنه قال في آخره

[19 : 110 ]

و الحقائق أيضا جمع حقة فالروايتان ترجعان إلى معنى واحد و ليس الأمر على ما ذكر من أن الحقائق جمع حقة و لكن الحقائق جمع

حقاق و الحقاق جمع حق و هو ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين و قد دخل في الرابعة فاستحق أن يحمل عليه و ينتفع به فالحقائق إذن

جمع الجمع لحق لا لحقة و مثل إفال و أفائل قال و يمكن أن يقال الحقاق هاهنا الخصومة يقال ما له فيه حق و لا حقاق أي و لا

خصومة و يقال لمن ينازع في صغار الأشياء إنه لبرق الحقاق أي خصومته في الدنيء من الأمر فيكون المعنى إذا بلغت المرأة الحد

الذي يستطيع الإنسان فيه الخصومة و الجدال فعصبتها أولى بها من أمها و الحد الذي تكمل فيه المرأة و الغلام للخصومة و

الحكومة و الجدال و المناظرة هو سن البلوغ

[19 : 111 ]

262 و منه إِنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي الْقَلْبِ كُلَّمَا ازْدَادَ الْإِيمَانُ ازْدَادَتِ اللُّمْظَةُ

قال اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض و منه قيل فرس ألمظ إذا كان بجحفلته شيء من البياض

قال أبو عبيدة هي لمظة بضم اللام و المحدثون يقولون لمظة بالفتح و المعروف من كلام العرب الضم مثل الدهمة و الشهبة و

الحمرة قال و قد رواه بعضهم لمطة بالطاء المهملة و هذا لا نعرفه. قال و في هذا الحديث حجة على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد و

ينقص أ لا تراه يقول كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة

[19 : 112 ]

263 و منه إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ لَهُ الدَّيْنُ الظَّنُونُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ لِمَا مَضَى إِذَا قَبَضَهُ

قال الظنون الذي لا يعلم صاحبه أ يقضيه من الذي هو عليه أم لا فكأنه الذي يظن به ذلك فمرة يرجوه و مرة لا يرجوه و هو من أفصح

الكلام و كذلك كل أمر تطلبه و لا تدري على أي شيء أنت منه فهو ظنون و على ذلك قول الأعشى

من يجعل الجد الظنون الذي جنب صوب اللجب الماطر

مثل الفراتي إذا ما طما يقذف بالبوصي و الماهر

و الجد البئر العادية في الصحراء و الظنون التي لا يعلم هل فيها ماء أم لا

قال أبو عبيدة في هذا الحديث من الفقه أن من كان له دين على الناس فليس عليه أن يزكيه حتى يقبضه فإذا قبضه زكاه لما مضى و إن

كان لا يرجوه قال و هذا يرده قول من قال إنما زكاته على الذي عليه المال لأنه المنتفع به قال

[19 : 113 ]

و كما يروى عن إبراهيم و العمل عندنا على قول علي ع فأما ما ذكره الرضي من أن الجد هي البئر العادية في الصحراء فالمعروف عند

أهل اللغة أن الجد البئر التي تكون في موضع كثير الكلإ و لا تسمى البئر العادية في الصحراء الموات جدا و شعر الأعشى لا يدل

على ما فسره الرضي لأنه إنما شبه علقمة بالبئر و الكلإ يظن أن فيها ماء لمكان الكلإ و لا يكون موضع الظن هذا هو مراده و مقصوده

و لهذا قال الظنون و لو كانت عادية في بيداء مقفرة لم تكن ظنونا بل كان يعلم أنه لا ماء فيها فسقط عنها اسم الظنون

[19 : 114 ]

264 و منه أَنَّهُ شَيَّعَ جَيْشاً يُغْزِيهِ فَقَالَ اعْزُبُوا عَنِ النِّسَاءِ مَا اسْتَطَعْتُمْ

و معناه اصدفوا عن ذكر النساء و شغل القلوب بهن و امتنعوا من المقاربة لهن لأن ذلك يفت في عضد الحمية و يقدح في معاقد

العزيمة و يكسر عن العدو و يلفت عن الإبعاد في الغزو فكل من امتنع من شيء فقد أعزب عنه و العازب و العزوب الممتنع من الأكل و

الشرب

التفسير صحيح لكن قوله من امتنع من شيء فقد أعزب عنه ليس بجيد و الصحيح فقد عزب عنه ثلاثي و الصواب و كل من منعته من

شيء فقد أعزبته عنه تعديه بالهمزة كما تقول أقمته و أقعدته و الفعل ثلاثي قام و قعد و الدليل على أن الماضي ثلاثي هاهنا قوله و

العازب و العزوب الممتنع من الأكل و الشرب و لو كان رباعيا لكان المعزب و هو واضح و على هذا تكون الهمزة في أول الحرف همزة

وصل مكسورة كما في اضربوا لأن المضارع يعزب بالكسر

[19 : 115 ]

265 و منه كَالْيَاسِرِ الْفَالِجِ يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَة مِنْ قِدَاحِهِ

قال الياسرون هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور و الفالج القاهر الغالب يقال قد فلج عليهم و فلجهم قال الراجز

لما رأيت فالجا قد فلجا

أول الكلام أن المرء المسلم ما لم يغش دناءة يخشع لها إذا ذكرت و يغري به لئام الناس كالياسر الفالج ينتظر أول فوزة من قداحه

أو داعي الله فما عند الله خير للأبرار يقول هو بين خيرتين إما أن يصير إلى ما يحب من الدنيا فهو بمنزلة صاحب القدح المعلى و هو

أوفرها نصيبا أو يموت فما عند الله خير له و أبقى و ليس يعني بقوله الفالج القامر الغالب كما فسره الرضي رحمه الله لأن الياسر

الغالب القامر لا ينتظر أول فوزة من قداحه و كيف ينتظر و قد غلب و أي حاجة له إلى الانتظار و لكنه يعني بالفالج الميمون النقيبة

الذي له عادة مطردة أن يغلب و قل أن يكون مقهورا

[19 : 116 ]

266 و منه كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ

قال معنى ذلك أنه إذا عظم الخوف من العدو و اشتد عضاض الحرب فزع المسلمون إلى قتال رسول الله ص بنفسه فينزل الله تعالى

النصر عليهم به و يأمنون ما كانوا يخافونه بمكانه. و قوله إذا احمر البأس كناية عن اشتداد الأمر و قد قيل في ذلك أقوال أحسنها

أنه شبه حمي الحرب بالنار التي تجمع الحرارة و الحمرة بفعلها و لونها و مما يقوي ذلك قول الرسول ص و قد رأى مجتلد الناس يوم

حنين و هي حرب هوازن الآن حمي الوطيس و الوطيس مستوقد النار فشبه رسول الله ص ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار و

شدة التهابها

الجيد في تفسير هذا اللفظ أن يقال البأس الحرب نفسها قال الله تعالى وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ و في الكلام

حذف مضاف تقديره

[19 : 117 ]

إذا احمر موضع البأس و هو الأرض التي عليها معركة القوم و احمرارها لما يسيل عليها من الدم

نبذ من غريب كلام الإمام علي و شرحه لأبي عبيد

و لما كان تفسير الرضي رحمه الله قد تعرض للغريب من كلامه ع و رأينا أنه لم يذكر من ذلك إلا اليسير آثرنا أن نذكر جملة من غريب

كلامه ع مما نقله أرباب الكتب المصنفة في غريب الحديث عنه ع. فمن ذلك

ما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في كتابه لأن أطلي بجواء قدر أحب إلي من أن أطلي بزعفران

قال أبو عبيد هكذا الرواية عنه بجواء قدر قال و سمعت الأصمعي يقول إنما هي الجئاوة و هي الوعاء الذي يجعل القدر فيه و جمعها

جياء. قال و قال أبو عمرو يقال لذلك الوعاء جواء و جياء قال و يقال للخرقة التي ينزل بها الوعاء عن الأثافي جعال. و

منها قوله ع حين أقبل يريد العراق فأشار إليه الحسن بن علي ع أن يرجع و الله لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد

قال أبو عبيد قال الأصمعي اللدم صوت الحجر أو الشيء يقع على الأرض و ليس بالصوت الشديد يقال منه لدم ألدم بالكسر و إنما

قيل ذلك للضبع لأنهم إذا أرادوا أن يصيدوها رموا في جحرها بحجر خفيف أو ضربوا بأيديهم فتحسبه

[19 : 118 ]

شيئا تصيده فتخرج لتأخذه فتصاد و هي زعموا أنها من أحمق الدواب بلغ من حمقها أن يدخل عليها فيقال أم عامر نائمة أو ليست هذه

و الضبع هذه أم عامر فتسكت حتى تؤخذ فأراد علي ع أني لا أخدع كما تخدع الضبع باللدم. و منها

قوله ع من وجد في بطنه رزا فلينصرف و ليتوضأ

قال أبو عبيد قال أبو عمرو إنما هو أرزا مثل أرز الحية و هو دورانها و حركتها فشبه دوران الريح في بطنه بذلك. قال و قال الأصمعي

هو الرز يعنى الصوت في البطن من القرقرة و نحوها قال الراجز

كان في ربابه الكبار رز عشار جلن في عشار

و قال أبو عبيد فقه هذا الحديث أن ينصرف فيتوضأ و يبني على صلاته ما لم يتكلم و هذا إنما هو قبل أن يحدث. قلت و الذي أعرفه

من الأرز أنه الانقباض لا الدوران و الحركة يقال أرز فلان بالفتح و بالكسر إذ تضام و تقبض من بخله فهو أروز و المصدر أرزا و أروزا

قال رؤبة

فذاك يخال أروز الأرز

فأضاف الاسم إلى المصدر كما يقال عمر العدل و عمرو الدهاء لما كان العدل و الدهاء أغلب أحوالهما و قال أبو الأسود الدؤلي يذم

إنسانا إذا سئل أرز و إذا دعي اهتز يعني إلى الطعام و

في الحديث أن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها

أي يجتمع إليها و ينضم بعضه إلى بعض فيها.

[19 : 119 ]

و منها

قوله لئن وليت بني أمية لأنفضنهم نفض القصاب التراب الوذمة

و قد تقدم منا شرح ذلك و الكلام فيه. و منها

قوله في ذي الثدية المقتول بالنهروان إنه مودن اليد أو مثدن اليد أو مخدع اليد

قال أبو عبيدة قال الكسائي و غيره المودن اليد القصير اليد و يقال أودنت الشيء أي قصرته و فيه لغة أخرى ودنته فهو مودون قال

حسان يذم رجلا

و أملك سوداء مودونة كأن أناملها الحنظب

و أما مثدن اليد بالثاء فإن بعض الناس قال نراه أخذه من الثندوة و هي أصل الثدي فشبه يده في قصرها و اجتماعها بذلك فإن كان من

هذا فالقياس أن يقال مثند لأن النون قبل الدال في الثندوة إلا أن يكون من المقلوب فذاك كثير في كلامهم. و أما مخدع اليد فإنه

القصير اليد أيضا أخذ من أخداج الناقة ولدها و هو أن تضعه لغير تمام في خلقه قال و قال الفراء إنما قيل ذو الثدية فأدخلت الهاء

فيها و إنما هي تصغير ثدي و الثدي مذكر لأنها كأنها بقية ثدي قد ذهب أكثره فقللها كما تقول لحيمة و شحيمة فأنث على هذا التأويل

قال و بعضهم يقول ذو اليدية قال أبو عبيد و لا أرى الأصل كان إلا هذا و لكن الأحاديث كلها تتابعت بالثاء ذو الثدية. و منها

قوله ع لقوم و هو يعاتبهم ما لكم لا تنظفون عذراتكم

قال العذرة فناء الدار و إنما سميت تلك الحاجة عذرة لأنها بالأفنية كانت تلقى

[19 : 120 ]

فكنى عنها بالعذرة كما كنى عنها بالغائط و إنما الغائط الأرض المطمئنة و قال الحطيئة يهجو قوما

لعمري لقد جربتكم فوجدتكم فباح الوجوه سيئ العذرات

و منها قوله ع لا جمعة و لا تشريق إلا في مصر جامع

قال أبو عبيد التشريق هاهنا صلاة العيد و سميت تشريقا لإضاءة وقتها فإن وقتها إشراق الشمس و صفاؤها و إضاءتها و

في الحديث المرفوع من ذبح قبل التشريق فليعد

أي قبل صلاة العيد. قال و كان أبو حنيفة يقول التشريق هاهنا هو التكبير في دبر الصلاة يقول لا تكبير إلا على أهل الأمصار تلك

الأيام لا على المسافرين أو من هو في غير مصر. قال أبو عبيد و هذا كلام لم نجدا أحدا يعرفه إن التكبير يقال له التشريق و ليس

يأخذ به أحد من أصحابه لا أبو يوسف و لا محمد كلهم يرى التكبير على المسلمين جميعا حيث كانوا في السفر و الحضر و في

الأمصار و غيرها. و منها

قوله ع استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم و بينه فكأني برجل من الحبشة أصعل أصمع حمش الساقين قاعدا

عليها و هي تقدم

قال أبو عبيدة هكذا يروى أصعل و كلام العرب المعروف صعل و هو الصغير الرأس و كذا رءوس الحبشة و لهذا قيل للظليم صعل و

قال عنترة يصف ظليما

صعل يلوذ بذي العشيرة بيضه كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم

[19 : 121 ]

قال و قد أجاز بعضهم أصعل في الصعل و ذكر أنها لغة لا أدري عمن هي و الأصمع الصغير الأذن و امرأة صمعاء. و في حديث ابن عباس

أنه كان لا يرى بأسا أن يضحي بالصمعاء و حمش الساقين بالتسكين دقيقها. و منها

أن قوما أتوه برجل فقالوا إن هذا يؤمنا و نحن له كارهون فقال له إنك لخروط أ تؤم قوما هم لك كارهون

قال أبو عبيد الخروط المتهور في الأمور الراكب برأسه جهلا و منه قيل انخرط علينا فلان أي اندرأ بالقول السيئ و الفعل قال و فقه

هذا الحديث أنه ما أفتى ع بفساد صلاته لأنه لم يأمره بالإعادة و لكنه كره له أن يؤم قوما هم له كارهون و منها

أن رجلا أتاه و عليه ثوب من قهز فقال إن بني فلان ضربوا بني فلانة بالكناسة فقال ع صدقني سن بكره

قال أبو عبيد هذا مثل تضربه العرب للرجل يأتي بالخبر على وجهه و يصدق فيه و يقال إن أصله أن الرجل ربما باع بعيره فيسأل

المشتري عن سنه فيكذبه فعرض رجل بكرا له فصدق في سنه فقال الآخر صدقني سن بكره فصار مثلا. و القهز بكسر القاف ثياب بيض

يخالطها حرير و لا أراها عربية و قد استعملها العرب قال ذو الرمة يصف البزاة البيض

[19 : 122 ]

من الورق أو صق كأن رءوسها من القهز و القوهي بيض المقانع

و منهاذكر ع آخر الزمان و الفتن فقال خير أهل ذلك الزمان كل نومة أولئك مصابيح الهدى ليسوا بالمسابيح و لا المذاييع البذر

و قد تقدم شرح ذلك. و منها

أن رجلا سافر مع أصحاب له فلم يرجع حين رجعوا فاتهم أهله أصحابه و رفعوهم إلى شريح فسألهم البينة على قتله فارتفعوا إلى

علي ع فأخبروه بقول شريح فقال

أوردها سعد و سعد مشتمل يا سعد لا تروى بهذاك الإبل

ثم قال إن أهون السقي التشريع ثم فرق بينهم و سألهم فاختلفوا ثم أقروا بقتلهم فقتلهم به

قال أبو عبيد هذا مثل أصله أن رجلا أورد إبله ماء لا تصل إليه الإبل إلا بالاستقاء ثم اشتمل و نام و تركها لم يستسق لها و الكلمة

الثانية مثل أيضا يقول إن أيسر ما كان ينبغي أن يفعل بالإبل أن يمكنها من الشريعة و يعرض عليها الماء يقول أقل ما كان يجب على

شريح أن يستقصي في المسألة و البحث عن خبر الرجل و لا يقتصر على طلب البينة.

[19 : 123 ]

و منها

قوله و قد خرج على الناس و هم ينتظرونه للصلاة قياما ما لي أراكم سامدين

قال أبو عبيد أي قائمين و كل رافع رأسه فهو سامد و كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قياما و لكن قعودا و السامد في غير هذا

الموضع اللاهي اللاعب و منه قوله تعالى وَ أَنْتُمْ سامِدُونَ و قيل السمود الغناء بلغة حمير. و منها

أنه خرج فرأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم

قال أبو عبيد فهرهم بضم الفاء موضع مدراسهم الذي يجتمعون فيه كالعيد يصلون فيه و يسدلون ثيابهم و هي كلمة نبطية أو

عبرانية أصلها بهر بالباء فعربت بالفاء. و السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه فإن ضمه فليس بسدل و قد

رويت فيه الكراهة عن النبي ص. و منها

أن رجلا أتاه في فريضة و عنده شريح فقال أ تقول أنت فيها أيها العبد الأبظر

قال أبو عبيد هو الذي في شفته العليا طول و نتوء في وسطها محاذي الأنف قال و إنما نراه قال لشريح أيها العبد لأنه كان قد وقع

عليه سبي في الجاهلية.

[19 : 124 ]

و منها

أن الأشعث قال له و هو على المنبر غلبتنا عليك هذه الحمراء فقال ع من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتخلف أحدهم يتقلب على فراشه

و حشاياه كالعير و يهجر هؤلاء للذكر أ أطردهم إني إن طردتهم لمن الظالمين و الله لقد سمعته يقول و الله ليضربنكم على الدين

عودا كما ضربتموهم عليه بدءا

قال أبو عبيد الحمراء العجم و الموالي سموا بذلك لأن الغالب على ألوان العرب السمرة و الغالب على ألوان العجم البياض و

الحمرة و الضياطرة الضخام الذين لا نفع عندهم و لا غناء واحدهم ضيطار. و منها

قوله ع اقتلوا الجان ذا الطفيتين و الكلب الأسود ذا الغرتين

قال أبو عبيد الجان حية بيضاء و الطفية في الأصل خوصة المقل و جمعها طفي ثم شبهت الخطتان على ظهر الحية بطفيتين و الغرة

البياض في الوجه

نبذ من غريب كلام الإمام علي و شرحه لابن قتيبة

و قد ذكر ابن قتيبة في غريب الحديث له ع كلمات أخرى فمنها

قوله من أراد البقاء و لا بقاء فليباكر الغداء و ليخفف الرداء و ليقل غشيان النساء فقيل له يا أمير المؤمنين و ما خفة الرداء في

البقاء فقال الدين

[19 : 125 ]

قال ابن قتيبة قوله الرداء الدين مذهب في اللغة حسن جيد و وجه صحيح لأن الدين أمانة و أنت تقول هو لك علي و في عنقي حتى

أؤديه إليك فكأن الدين لازم للعنق و الرداء موضعه صفحتا العنق فسمى الدين رداء و كنى عنه به و قال الشاعر

إن لي حاجة إليك فقالت بين أذني و عاتقي ما تريد

يريد بقوله بين أذني و عاتقي ما تريد في عنقي و المعنى أني قد ضمنته فهو علي و إنما قيل للسيف رداء لأن حمالته تقع موقع الرداء و

هو في غير هذا الموضع العطاء يقال فلان غمر الرداء أي واسع العطاء قال و قد يجوز أن يكون كنى بالرداء عن الظهر لأنه يقع عليه

يقول فليخفف ظهره و لا يثقله بالدين كما قال الآخر خماص الأزر يريد خماص البطون. و قال و بلغني نحو هذا الكلام عن أبي عبيد

قال قال فقيه العرب من سره النساء و لا نساء فليبكر العشاء و ليباكر الغداء و ليخفف الرداء و ليقل غشيان النساء قال فالنسء

التأخير و منه إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ. و قوله فليبكر العشاء أي فليؤخره قال الشاعر

فأكريت العشاء إلى سهيل

و يجوز أن يريد فلينقص العشاء قال الشاعر

و الطل لم يفضل و لم يكر

[19 : 126 ]

و منهاأنه أتي ع بالمال فكوم كومة من ذهب و كومة من فضة فقال يا حمراء و يا بيضاء احمري و ابيضي و غري غيري

هذا جناي و خياره فيه و كل جان يده إلى فيه

قال ابن قتيبة هذا مثل ضربه و كان الأصمعي يقوله و هجانه فيه أي خالصه و أصل المثل لعمرو بن عدي ابن أخت جذيمة الأبرش كان

يجني الكمأة مع أتراب له فكان أترابه يأكلون ما يجدون و كان عمرو يأتي به خاله و يقول هذا القول. و منها

حديث أبي جأب قال جاء عمي من البصرة يذهب بي و كنت عند أمي فقالت لا أتركك تذهب به ثم أتت عليا ع فذكرت ذلك له فجاء عمي

من البصرة فقال نعم و الله لأذهبن به و إن رغم أنفك فقال علي ع كذبت و الله و ولقت ثم ضرب بين يديه بالدرة

قال ولقت مثل كذبت و كذلك ولعت بالعين و كانت عائشة تقرأ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ و قال الشاعر

و هن من الأحلاف و الولعان

يعني النساء أي من أهل الأحلاف. و منها

قوله ع إن من ورائكم أمورا متماحلة ردحا و بلاء مكلحا مبلحا

[19 : 127 ]

قال ابن قتيبة المتماحلة الطوال يعني فتنا يطول أمرها و يعظم و يقال رجل متماحل و سبسب متماحل و الردح جمع رداح و هي

العظيمة يقال للكتيبة إذا عظمت رداح و يقال للمرأة العظيمة العجيزة رداح. قال و منه حديث أبي موسى و قيل له زمن علي و معاوية

أ هي أ هي فقال إنما هذه الفتنة حيضة من حيضات الفتن و بقيت الرداح المظلمة التي من أشرف أشرفت له. و مكلحا أي يكلح الناس

بشدتها يقال كلح الرجل و أكلحه الكلحة الهم و المبلح من قولهم بلح الرجل إذا انقطع من الإعياء فلم يقدر على أن يتحرك و أبلحه

السير و قال الأعشى

و اشتكى الأوصال منه و بلح

و منها قوله ع يوم خيبر

أنا الذي سمتن أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة

أفيهم بالصاع كيل السندرة

قال ابن قتيبة كانت أم علي ع سمته و أبو طالب غائب حين ولدته أسدا باسم أبيها أسد بن هاشم بن عبد مناف فلما قدم أبو طالب غير

اسمه و سماه عليا و حيدرة اسم من أسماء الأسد و السندرة شجرة يعمل منها القسي و النبل قال

حنوت لهم بالسندري المؤثر

فالسندرة في الرجز يحتمل أن تكون مكيالا يتخذ من هذه الشجرة سمي باسمها كما يسمى القوس بنبعة قال و أحسب إن كان الأمر

كذلك أن الكيل بها قد كان

[19 : 128 ]

جزافا فيه إفراط قال و يحتمل أن تكون السندرة هاهنا امرأة كانت تكيل كيلا وافيا أو رجلا. و منها

قوله ع من يطل أير أبيه يتمنطق به

قال ابن قتيبة هذا مثل ضربه يريد من كثرت إخوته عز و اشتد ظهره و ضرب المنطقة إذا كانت تشد الظهر مثلا لذلك قال الشاعر

فلو شاء ربي كان أير أبيكم طويلا كأير الحارث بن سدوس

قيل كان للحارث بن سدوس أحد و عشرون ذكرا و كان ضرار بن عمرو الضبي يقول ألا إن شر حائل أم فزوجوا الأمهات و ذلك أنه

صرع فأخذته الرماح فاشتبك عليه إخوته لأمه حتى خلصوه. قال فأما المثل الآخر و هو قولهم من يطل ذيله يتمنطق به فليس من

المثل الأول في شيء و إنما معناه من وجد سعة وضعها في غير موضعها و أنفق في غير ما يلزمه الإنفاق فيه. و منها

قوله خير بئر في الأرض زمزم و شر بئر في الأرض برهوت

قال ابن قتيبة هي بئر بحضرموت يروى أن فيها أرواح الكفار. قال و قد ذكر أبو حاتم عن الأصمعي عن رجل من أهل حضرموت قال نجد

فيها الرائحة المنتنة الفظيعة جدا ثم نمكث حينا فيأتينا الخبر بأن عظيما من عظماء الكفار قد مات فنرى أن تلك الرائحة منه قال و

ربما سمع منها مثل أصوت الحاج فلا يستطيع أحد أن يمشي بها

[19 : 129 ]

و منها

قوله ع أيما رجل تزوج امرأة مجنونة أو جذماء أو برصاء أو بها قرن فهي امرأته إن شاء أمسك و إن شاء طلق

قال ابن قتيبة القرن بالتسكين العفلة الصغيرة و منه حديث شريح أنه اختصم إليه في قرن بجارية فقال أقعدوها فإن أصاب الأرض

فهو عيب و إن لم يصب الأرض فليس بعيب. و منها

قوله ع لود معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في نيطه

قال ابن قتيبة الضرمة النار و ما بالدار نافخ ضرمة أي ما بها أحد. قال و قال أبو حاتم عن أبي زيد طعن فلان في نيطه أي في جنازته و

من ابتدأ في شيء أو دخل فيه فقد طعن فيه قال و يقال النيط الموت رماه الله بالنيط قال و قد روي إلا طعن بضم الطاء و هذا الراوي

يذهب إلى أن النيط نياط القلب و هي علاقته التي يتعلق بها فإذا طعن إنسان في ذلك المكان مات. و منها

قوله ع إن الله أوحى إلى إبراهيم ع أن ابن لي بيتا في الأرض فضاق بذلك ذرعا فأرسل الله إليه السكينة و هي ريح خجوج فتطوقت

حول البيت كالحجفة

و قال ابن قتيبة الخجوج من الرياح السريعة المرور و يقال أيضا خجوجاء قال ابن أحمر

[19 : 130 ]

هوجاء رعبلة الرواح خجوجاة الغدو رواحها شهر

قال و هذا مثل حديث علي ع الآخر و هو

أنه قال السكينة لها وجه كوجه الإنسان و هي بعد ريح هفافة

أي خفيفة سريعة و الحجفة الترس. و منها

أن مكاتبا لبعض بني أسد قال جئت بنقد أجلبه إلى الكوفة فانتهيت به إلى الجسر فإني لأسربه عليه إذا أقبل مولى لبكر بن وائل

يتخلل الغنم ليقطعها فنفرت نقدة فقطرت الرجل في الفرات فغرق فأخذت فارتفعنا إلى علي ع فقصصنا عليه القصة فقال انطلقوا فإن

عرفتم النقدة بعينها فادفعوها إليهم و إن اختلطت عليكم فادفعوا شرواها من الغنم إليهم

قال ابن قتيبة النقد غنم صغار الواحدة نقدة و منه قولهم في المثل أذل من النقد. و قوله أسربه أي أرسله قطعة قطعة و شرواها مثلها.

و منها

قوله ع في ذكر المهدي من ولد الحسين ع قال إنه رجل أجلى الجبين أقنى الأنف ضخم البطن أربل الفخذين أفلج الثنايا بفخذه

اليمنى شامة

قال ابن قتيبة الأجلى و الأجلح شيء واحد و القنا في الأنف طوله و دقة أرنبته

[19 : 131 ]

و حدب في وسطه و الأربل الفخذين المتباعد ما بينهما و هو كالأفحج تربل الشيء أي انفرج و الفلج صفرة في الأسنان. و منها

قوله ع إن بني أمية لا يزالون يطعنون في مسجل ضلالة و لهم في الأرض أجل حتى يهريقوا الدم الحرام في الشهر الحرام و الله

لكأني أنظر إلى غرنوق من قريش يتخبط في دمه فإذا فعلوا ذلك لم يبق لهم في الأرض عاذر و لم يبق لهم ملك على وجه الأرض

قال ابن قتيبة هو من قولك ركب فلان مسجله إذا جد في أمر هو فيه كلاما كان أو غيره و هو من السجل و هو الصب و الغرنوق الشاب.

قلت و الغرنوق القرشي الذي قتلوه ثم انقضى أمرهم عقيب قتله إبراهيم الإمام و قد اختلفت الرواية في كيفية قتله فقيل قتل بالسيف

و قيل خنق في جراب فيه نورة و حديث أمير المؤمنين ع يسند الرواية الأولى. و منها

ما روي أنه اشترى قميصا بثلاثة دراهم ثم قال الحمد لله الذي هذا من رياشه

قال ابن قتيبة الريش و الرياش واحد و هو الكسوة قال عز و جل قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً و قرئ و رياشا. و

منها

قوله ع لا قود إلا بالأسل

قال ابن قتيبة هو ما أرهف و أرق من الحديد كالسنان و السيف و السكين و منه قيل أسلة الذراع لما استدق منه قال و أكثر الناس

على هذا المذهب

[19 : 132 ]

و قوم من الناس يقولون قد يجوز أن القود بغير الحديد كالحجر و العصا إن كان المقتول قتل بغير ذلك. و منها

أنه ع رأى رجلا في الشمس فقال قم عنها فإنها مبخرة مجفرة و تثقل الريح و تبلي الثوب و تظهر الداء الدفين

قال ابن قتيبة مبخرة تورث البخر في الفم و مجفرة تقطع عن النكاح و تذهب شهوة الجماع يقال جفر الفحل عن الإبل إذا أكثر

الضراب حتى يمل و ينقطع و مثله قذر و تقذر قذورا و مثله أقطع فهو مقطع. و جاء

في الحديث أن عثمان بن مظعون قال يا رسول الله إني رجل تشق علي العزبة في المغازي أ فتأذن لي في الخصاء قال لا و لكن عليك

بالصوم فإنه مجفر

قال و قد روى عبد الرحمن عن الأصمعي عمه قال تكلم أعرابي فقال لا تنكحن واحدة فتحيض إذا حاضت و تمرض إذا مرضت و لا تنكحن

اثنتين فتكون بين ضرتين و لا تنكحن ثلاثا فتكون بين أثاف و لا تنكحن أربعا فيفلسنك و يهرمنك و ينحلنك و يجفرنك فقيل له لقد

حرمت ما أحل الله فقال سبحان الله كوزان و قرصان و طمران و عبادة الرحمن و قوله تثفل الريح أي تنتنها و الاسم الثفل و منه

الحديث و ليخرجن ثفلات و الداء الدفين المستتر الذي قد قهرته الطبيعة فالشمس تعينه على الطبيعة و تظهره. و منها

قوله ع و هو يذكر مسجد الكوفة في زاويته فار التنور و فيه هلك يغوث و يعوق و هو الفاروق و منه يستتر جبل الأهواز و وسطه على

روضة من

[19 : 133 ]

رياض الجنة و فيه ثلاث أعين أنبتت بالضغث تذهب الرجس و تطهر المؤمنين عين من لبن و عين من دهن و عين من ماء جانبه الأيمن

ذكر و في جانبه الأيسر مكر و لو يعلم الناس ما فيه من الفضل لأتوه و لو حبوا

قال ابن قتيبة قوله أنبتت بالضغث أحسبه الضغث الذي ضرب أيوب أهله و العين التي ظهرت لما ركض الماء برجله قال و الباء في

بالضغث زائدة تقديره أنبتت الضغث كقوله تعالى تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ و كقوله يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ. و أما قوله في جانبه الأيمن ذكر فإنه

يعني الصلاة و في جانبه الأيسر مكر أراد به المكر به حتى قتل ع في مسجد الكوفة. و منها

أن رسول الله ص بعث أبا رافع مولاه يتلقى جعفر بن أبي طالب لما قدم من الحبشة فأعطاه علي ع حتيا و عكة سمن و قال له أنا أعلم

بجعفر أنه إن علم ثراه مرة واحدة ثم أطعمه فادفع هذا السمن إلى أسماء بنت عميس تدهن به بني أخي من صمر البحر و تطعمهم من

الحتي

قال ابن قتيبة الحتي سويق يتخذ من المقل قال الهذلي يذكر أضيافه

لا در دري أن أطعمت نازلكم قرف الحتي و عندي البر مكنوز

[19 : 134 ]

و قوله ثراه مرة أي بلة دفعة واحدة و أطعمه الناس و الثرى الندا و صمر البحر نتنه و غمقه و منه قيل للدبر الصمارى. و منها

قوله ع يوم الشورى لما تكلم الحمد لله الذي اتخذ محمدا منا نبيا و ابتعثه إلينا رسولا فنحن أهل بيت النبوة و معدن الحكمة أمان

لأهل الأرض و نجاة لمن طلب إن لنا حقا إن نعطه نأخذه و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و إن طال السرى لو عهد إلينا رسول الله ص

عهدا لجالدنا عليه حتى نموت أو قال لنا قولا لأنفذنا قوله على رغمنا لن يسرع أحد قبلي إلى صلة رحم و دعوة حق و الأمر إليك يا

ابن عوف على صدق النية و جهد النصح و أستغفر الله لي و لكم

قال ابن قتيبة أي أن معناه ركبنا مركب الضيم و الذل لأن راكب عجز البعير يجد مشقة لا سيما إذا تطاول به الركوب على تلك الحال و

يجوز أن يكون أراد نصبر على أن نكون أتباعا لغيرنا لأن راكب عجز البعير يكون ردفا لغيره. و منها

قوله ع لما قتل ابن آدم أخاه غمص الله الخلق و نقص الأشياء

قال ابن قتيبة يقال غمصت فلانا أغمصه و اغتمصته إذا استصغرته و احتقرته قال و معنى الحديث أن الله تعالى نقص الخلق من عظم

الأبدان و طولها من القوة و البطش و طول العمر و نحو ذلك و منها أن سلامة الكندي

قال كان علي ع يعلمنا الصلاة على

[19 : 135 ]

رسول الله ص فيقول اللهم داحي المدحوات و بارئ المسموكات و جبار القلوب على فطراتها شقيها و سعيدها اجعل شرائف صلواتك

و نوامي بركاتك و رأفة تحياتك على محمد عبدك و رسولك الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق و المعلن الحق بالحق و الدامغ

جيشات الأباطيل كما حملته فاضطلع بأمرك لطاعتك مستوفزا في مرضاتك لغير نكل في قدم و لا وهن في عزم داعيا لوحيك حافظا

لعهدك ماضيا على نفاذ أمرك حتى أورى قبسا لقابس آلاء الله تصل بأهله أسبابه به هديت القلوب بعد خوضات الفتن و الإثم

موضحات الأعلام و نائرات الأحكام و منيرات الإسلام فهو أمينك المأمون و خازن علمك المخزون و شهيدك يوم الدين و بعيثك

نعمة و رسولك بالحق رحمة اللهم افسح له مفسحا في عدلك و اجزه مضاعفات الخير من فضلك مهن آت غير مكدرات من فوز ثوابك

المحلول و جزل عطائك المعلول اللهم أعل على بناء البانين بناءه و أكرم مثواه لديك و نزله و أتمم له نوره و اجزه من ابتعاثك له

مقبول الشهادة مرضي المقالة ذا منطق عدل و خطة فصل و برهان عظيم

قال ابن قتيبة داحي المدحوات أي باسط الأرضين و كان الله تعالى خلقها ربوة ثم بسطها قال سبحانه وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها و

كل شيء بسطته فقد دحوته و منه قيل لموضع بيض النعامة أدحي لأنها تدحوه للبيض أي توسعه و وزنه أفعول و بارئ المسموكات

خالق السموات و كل شيء رفعته و أعليته فقد سمكته و سمك البيت و الحائط ارتفاعه قال الفرزدق

إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز و أطول

[19 : 136 ]

و قوله جبار القلوب على فطراتها من قولك جبرت العظم فجبر إذا كان مكسورا فلأمته و أقمته كأنه أقام القلوب و أثبتها على ما

فطرها عليه من معرفته و الإقرار به شقيها و سعيدها قال و لم أجعل إجبارا هاهنا من أجبرت فلانا على الأمر إذا أدخلته فيه كرها و

قسرته لأنه لا يقال من أفعل فعال لا أعلم ذلك إلا أن بعض القراء قرأ أهديكم سبيل الرشاد بتشديد الشين و قال الرشاد الله فهذا

فعال من أفعل و هي قراءة شاذة غير مستعملة فأما قول الله عز و جل وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّار فإنه أراد و ما أنت عليهم بمسلط تسليط

الملوك و الجبابرة الملوك و اعتبار ذلك قوله لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر أي بمتسلط تسلط الملوك فإن كان يجوز أن يقال من أجبرت

فلانا على الأمر أنا جبار له و كان هذا محفوظا فقد يجوز أن يجعل قول علي ع جبار القلوب من ذلك و هو أحسن في المعنى. و قوله

الدامغ جيشات الأباطيل أي مهلك ما نجم و ارتفع من الأباطيل و أصل الدمغ من الدماغ كأنه الذي يضرب وسط الرأس فيدمغه أي

يصيب الدماغ منه و منه قول الله عز و جل بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ أي يبطله و الدماغ مقتل فإذا أصيب هلك صاحبه. و

جيشات مأخوذ من جاش الشيء أي ارتفع و جاش الماء إذا طمى و جاشت النفس. و قوله كما حمل فاضطلع افتعل من الضلاعة و هي

القوة.

[19 : 137 ]

و قوله لغير نكل في قدم النكل مصدر و هو النكول يقال نكل فلان عن الأمر ينكل نكولا فهذا المشهور و نكل بالكسر ينكل نكلا

قليلة. و القدم التقدم قال أبو زيد رجل مقدام إذا كان شجاعا فالقدم يجوز أن يكون بمعنى التقدم و بمعنى المتقدم. قوله و لا وهن

في عزم أي و لا ضعف في رأي. و قوله حتى أورى قبسا لقابس أي أظهر نورا من الحق يقال أوريت النار إذا قدحت ما ظهر بها قال

سبحانه أَ فَرَأَيْتُمُ النّارَ الَّتِي تُورُونَ. و قوله آلاء الله تصل بأهله أسبابه يريد نعم الله تصل بأهل ذلك القبس و هو الإسلام و الحق

سبحانه أسبابه و أهله المؤمنون به. قلت تقدير الكلام حتى أورى قبسا لقابس تصل أسباب ذلك القبس آلاء الله و نعمه بأهله

المؤمنين به و اعلم أن اللام في لغير نكل متعلقة بقوله مستوفزا أي هو مستوفز لغير نكول بل للخوف منك و الخضوع لك. قال ابن

قتيبة قوله ع به هديت القلوب بعد الكفر و الفتن موضحات الأعلام أي هديته لموضحات الأعلام يقال هديت الطريق و للطريق و إلى

الطريق. و قوله نائرات الأحكام و منيرات الإسلام يريد الواضحات البينات يقال نار الشيء و أنار إذا وضح. و قوله شهيدك يوم

الدين أي الشاهد على الناس يوم القيامة و بعيثك رحمة أي مبعوثك فعيل في معنى مفعول.

[19 : 138 ]

و قوله افسح له مفسحا أي أوسع له سعة و روي مفتسحا بالتاء قوله في عدلك أي في دار عدلك يعني يوم القيامة و من رواه عدنك

بالنون أراد جنة عدن. و قوله من جزل عطائك المعلول من العلل و هو الشرب بعد الشرب فالشرب الأول نهل و الثاني علل يريد أن

عطاءه عز و جل مضاعف كأنه يعل عباده أي يعطيهم عطاء بعد عطاء. و قوله أعل على بناء البانين بناءه أي ارفع فوق أعمال العاملين

عمله و أكرم مثواه أي منزلته من قولك ثويت بالمكان أي نزلته و أقمت به و نزله رزقه. و نحن قد ذكرنا بعض هذه الكلمات فيما تقدم

على رواية الرضي رحمه الله و هي مخالفة لهذه الرواية و شرحنا ما رواه الرضي و ذكرنا الآن ما رواه ابن قتيبة و شرحه لأنه لا يخلو

من فائدة جديدة. و منها

قوله ع خذ الحكمة أنى أتتك فإن الكلمة من الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجلج في صدره حتى تسكن إلى صاحبها

قال ابن قتيبة يريد الكلمة قد يعلمها المنافق فلا تزال تتحرك في صدره و لا تسكن حتى يسمعها منه المؤمن أو العالم فيعيها و يثقفها

و يفقهها منه فتسكن في صدره إلى أخواتها من كلم الحكمة. و منها

قوله ع البيت المعمور نتاق الكعبة من فوقها

قال ابن قتيبة نتاق الكعبة أي مظل عليها من فوقها من قول الله سبحانه

[19 : 139 ]

وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ أي زعزع فأظل عليهم. و منها

قوله ع أنا قسيم النار

قال ابن قتيبة أراد أن الناس فريقان فريق معي فهم على هدى و فريق علي فهم على ضلالة كالخوارج و لم يجسر ابن قتيبة أن يقول و

كأهل الشام يتورع يزعم ثم إن الله أنطقه بما تورع عن ذكره فقال متمما للكلام بقوله فأنا قسيم النار نصف في الجنة معي و نصف

في النار قال و قسيم في معنى مقاسم مثل جليس و أكيل و شريب. قلت قد ذكر أبو عبيد الهروي هذه الكلمة في الجمع بين الغريبين

قال و قال قوم إنه لم يرد ما ذكره و إنما أراد هو قسيم النار و الجنة يوم القيامة حقيقة يقسم الأمة فيقول هذا للجنة و هذا للنار

[19 : 140 ]

خطبة منسوبة للإمام علي خالية من حرف الألف

و أنا الآن أذكر من كلامه الغريب ما لم يورده أبو عبيد و ابن قتيبة في كلامهما و أشرحه أيضا و هي خطبة رواها كثير من الناس له ع

خالية من حرف الألف

قالوا تذاكر قوم من أصحاب رسول الله ص أي حروف الهجاء أدخل في الكلام فأجمعوا على الألف فقال علي ع حمدت من عظمت منته

و سبغت نعمته و سبقت غضبه رحمته و تمت كلمته و نفذت مشيئته و بلغت قضيته حمدته حمد مقر بربوبيته متخضع لعبوديته متنصل

من خطيئته متفرد بتوحيده مؤمل منه مغفرة تنجيه يوم يشغل عن فصيلته و بنيه و نستعينه و نسترشده و نستهديه و نؤمن به و

نتوكل عليه و شهدت له شهود مخلص موقن و فردته تفريد مؤمن متيقن و وحدته توحيد عبد مذعن ليس له شريك في ملكه و لم يكن له

ولي في صنعه جل عن مشير و وزير و عن عون معين و نصير و نظير علم فستر و بطن فخبر و ملك فقهر و عصي فغفر و حكم فعدل لم

يزل و لن يزول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و هو بعد كل شيء رب متعزز بعزته متمكن بقوته متقدس بعلوه متكبر بسموه ليس يدركه بصر و لم

يحط به نظر قوي منيع بصير سميع رءوف رحيم عجز عن وصفه من يصفه و ضل عن نعته من يعرفه

[19 : 141 ]

قرب فبعد و بعد فقرب يجيب دعوة من يدعوه و يرزقه و يحبوه ذو لطف خفي و بطش قوي و رحمة موسعة و عقوبة موجعة رحمته جنة

عريضة مونقة و عقوبته جحيم ممدودة موبقة و شهدت ببعث محمد رسوله و عبده و صفيه و نبيه و نجيه و حبيبه و خليله بعثه في خير

عصر و حين فترة و كفر رحمة لعبيده و منة لمزيده ختم به نبوته و شيد به حجته فوعظ و نصح و بلغ و كدح رءوف بكل مؤمن رحيم

سخي رضي ولي زكي عليه رحمة و تسليم و بركة و تكريم من رب غفور رحيم قريب مجيب وصيتكم معشر من حضرني بوصية ربك و

ذكرتكم بسنة نبيكم فعليكم برهبة تسكن قلوبكم و خشية تذري دموعكم و تقية تنجيكم قبل يوم تبليكم و تذهلكم يوم يفوز فيه

من ثقل وزن حسنته و خف وزن سيئته و لتكن مسألتكم و تملقكم مسألة ذل و خضوع و شكر و خشوع بتوبة و تورع و ندم و رجوع و

ليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه و شبيبته قبل هرمه و سعته قبل فقره و فرغته قبل شغله و حضره قبل سفره قبل تكبر و تهرم

و تسقم يمله طبيبه و يعرض عنه حبيبه و ينقطع غمده و يتغير عقله ثم قيل هو موعوك و جسمه منهوك ثم جد في نزع شديد و حضره

كل قريب و بعيد فشخص بصره و طمح نظره و رشح جبينه و عطف عرينه و سكن حنينه و حزنته نفسه و بكته عرسه و حفر رمسه و يتم

منه ولده و تفرق منه عدده و قسم جمعه و ذهب بصره و سمعه و مدد و جرد و عري و غسل و نشف و سجي و بسط له و هيئ و نشر عليه

كفنه و شد منه ذقنه و قمص و عمم و ودع و سلم و حمل فوق سرير و صلي عليه بتكبير و نقل من دور مزخرفة و قصور مشيدة و حجر

منجدة و جعل في ضريح ملحود

[19 : 142 ]

و ضيق مرصود بلبن منضود مسقف بجلمود و هيل عليه حفره و حثي عليه مدره و تحقق حذره و نسي خبره و رجع عنه وليه و صفيه و

نديمه و نسيبه و تبدل به قرينه و حبيبه فهو حشو قبر و رهين قفر يسعى بجسمه دود قبره و يسيل صديده من منخره يسحق تربه

لحمه و ينشف دمه و يرم عظمه حتى يوم حشره فنشر من قبره حين ينفخ في صور و يدعى بحشر و نشور فثم بعثرت قبور و حصلت

سريرة صدور و جيء بكل نبي و صديق و شهيد و توحد للفصل قدير بعبده خبير بصير فكم من زفرة تضنيه و حسرة تنضيه في موقف

مهول و مشهد جليل بين يدي ملك عظيم و بكل صغير و كبير عليم فحينئذ يلجمه عرقه و يحصره قلقه عبرته غير مرحومة و صرخته

غير مسموعة و حجته غير مقولة زالت جريدته و نشرت صحيفته نظر في سوء عمله و شهدت عليه عينه بنظره و يده ببطشه و رجله

بخطوه و فرجه بلمسه و جلده بمسه فسلسل جيده و غلت يده و سيق فسحب وحده فورد جهنم بكرب و شدة فظل يعذب في جحيم و

يسقى شربة من حميم تشوي وجهه و تسلخ جلده و تضربه زبنية بمقمع من حديد و يعود جلده بعد نضجه كجلد جديد يستغيث فتعرض

عنه خزنة جهنم و يستصرخ فيلبث حقبة يندم. نعوذ برب قدير من شر كل مصير و نسأله عفو من رضي عنه و مغفرة من قبله فهو ولي

مسألتي و منجح طلبتي فمن زحزح عن تعذيب ربه جعل في جنته بقربه و خلد في قصور مشيدة و ملك بحور عين و حفدة و طيف عليه

بكئوس أسكن في حظيرة قدوس و تقلب في نعيم و سقي من تسنيم و شرب من عين سلسبيل و مزج له بزنجبيل مختم بمسك و عبير

مستديم للملك مستشعر للسرر يشرب من خمور في روض مغدق ليس يصدع من شربه و ليس ينزف.

[19 : 143 ]

هذه منزلة من خشي ربه و حذر نفسه معصيته و تلك عقوبة من جحد مشيئته و سولت له نفسه معصيته فهو قول فصل و حكم عدل و

خبر قصص قص و وعظ نص تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد نزل به روح قدس مبين على قلب نبي مهتد رشيد صلت عليه رسل سفرة مكرمون

بررة عذت برب عليم رحيم كريم من شر كل عدو لعين رجيم فليتضرع متضرعكم و ليبتهل مبتهلكم و ليستغفر كل مربوب منكم لي و

لكم و حسبي ربي وحده

فصيلة الرجل رهطه الأدنون و كدح سعى سعيا فيه تعب و فرغته الواحدة من الفراغ تقول فرغت فرغة كقولك ضربت ضربة و سجى

الميت بسط عليه رداء و نشر الميت من قبره بفتح النون و الشين و أنشره الله تعالى. و بعثرت قبور انتثرت و نبشت. قوله و سيق

بسحب وحده لأنه إذا كان معه غيره كان كالمتأسي بغيره فكان أخف لألمه و عذابه و إذا كان وحده كان أشد ألما و أهول و روي فسيق

يسحب وحده و هذا أقرب إلى تناسب الفقرتين و ذاك أفخم معنى. و زبنية على وزن عفرية واحد الزبانية و هم عند العرب الشرط و

سمي بذلك بعض الملائكة لدفعهم أهل النار إليها كما يفعل الشرط في الدنيا و من أهل اللغة من يجعل واحد الزبانية زباني و قال

بعضهم زابن و منهم من قال هو جمع لا واحد له نحو أبابيل و عباديد و أصل الزبن في اللغة الدفع و منه ناقة زبون تضرب حالبها و تدفعه.

[19 : 144 ]

و تقول ملك زيد بفلانة بغير ألف و الباء هاهنا زائدة كما زيدت في كَفى بِاللّهِ حَسِيباً و إنما حكمنا بزيادتها لأن العرب تقول ملكت أنا

فلانة أي تزوجتها و أملكت فلانة بزيد أي زوجتها به فلما جاءت الباء هاهنا و لم يكن بد من إثبات الألف لأجل مجيئها جعلناها زائدة و

صار تقديره و ملك حورا عينا. و قال المفسرون في تسنيم إنه اسم ماء في الجنة سمي بذلك لأنه يجري من فوق الغرف و القصور. و

قالوا في سلسبيل إنه اسم عين في الجنة ليس ينزف و لا يخمر كما يخمر شارب الخمر في الدنيا. انقضى هذا الفصل ثم رجعنا إلى سنن الغرض الأول

السابق

التالي