السابق

التالي

[18 : 7 ]

الجزء الثامن عشر6

تتمة أبواب الكتب و الرسائل

تتمة 64- كتاب له ع إلى معاوية

ذكر بقية الخبر عن فتح مكة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل قال الواقدي و هرب هبيرة بن أبي وهب و عبد الله بن الزبعري جميعا حتى انتهيا

إلى نجران فلم يأمنا الخوف حتى دخلا حصن نجران فقيل ما شأنكما قالا أما قريش فقد قتلت و دخل محمد مكة و نحن و الله نرى أن

محمدا سائر إلى حصنكم هذا فجعلت بلحارث بن كعب يصلحون ما رث من حصنهم و جمعوا ماشيتهم فأرسل حسان بن ثابت إلى ابن الزبعرى

لا تعدمن رجلا أحلك بغضه نجران في عيش أجد ذميم

بليت قناتك في الحروب فألفيت جوفاء ذات معايب و وصوم

غضب الإله على الزبعرى و ابنه بعذاب سوء في الحياة مقيم

فلما جاء ابن الزبعرى شعر حسان تهيأ للخروج فقال هبيرة بن وهب أين تريد يا ابن عم قال له أريد و الله محمدا قال أ تريد أن تتبعه

قال إي و الله قال هبيرة يا ليت أني كنت رافقت غيرك و الله ما ظننت أنك تتبع محمدا أبدا قال ابن الزبعرى هو ذاك فعلى أي شيء

أقيم مع بني الحارث بن كعب و أترك ابن عمى و خير الناس و أبرهم و بين قومي و داري فانحدر ابن الزبعرى حتى جاء رسول الله ص

[18 : 8 ]

و هو جالس في أصحابه فلما نظر إليه قال هذا ابن الزبعرى و معه وجه فيه نور الإسلام فلما وقف على رسول الله ص قال السلام

عليك يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله و أنك عبده و رسوله و الحمد لله الذي هداني للإسلام لقد عاديتك و أجلبت عليك و

ركبت الفرس و البعير و مشيت على قدمي في عداوتك ثم هربت منك إلى نجران و أنا أريد ألا أقرب الإسلام أبدا ثم أرادني الله منه

بخير فألقاه في قلبي و حببه إلي و ذكرت ما كنت فيه من الضلال و اتباع ما لا ينفع ذا عقل من حجر يعبد و يذبح له لا يدرى من عبده و

من لا يعبده

فقال رسول الله ص الحمد لله الذي هداك للإسلام احمد الله إن الإسلام يجب ما كان قبله

و أقام هبيرة بنجران و أسلمت أم هانئ فقال هبيرة حين بلغه إسلامها يوم الفتح يؤنبها شعرا من جملته

و إن كنت قد تابعت دين محمد و قطعت الأرحام منك حبالها

فكوني على أعلى سحوق بهضبة ململمة غبراء يبس بلالها

فأقام بنجران حتى مات مشركا. قال الواقدي و هرب حويطب بن عبد العزى فدخل حائطا بمكة و جاء أبو ذر لحاجته فدخل الحائط

فرآه فهرب حويطب فقال أبو ذر تعال فأنت آمن فرجع إليه فقال أنت آمن فاذهب حيث شئت و إن شئت أدخلتك على رسول الله ص و إن

شئت فإلى منزلك قال و هل من سبيل إلى منزلي ألفى فأقتل قبل أن أصل إلى منزلي

[18 : 9 ]

أو يدخل علي منزلي فأقتل قال فأنا أبلغ معك منزلك فبلغ معه منزله ثم جعل ينادي على بابه أن حويطبا آمن فلا يهيج ثم انصرف إلى

رسول الله ص فأخبره فقال أ و ليس قد أمنا الناس كلهم إلا من أمرت بقتله. قال الواقدي و هرب عكرمة بن أبي جهل إلى اليمن حتى

ركب البحر قال و جاءت زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام إلى رسول الله ص في نسوة منهن هند بنت عتبة و قد كان رسول الله

ص أمر بقتلها و البغوم بنت المعدل الكنانية امرأة صفوان بن أمية و فاطمة بنت الوليد بن المغيرة امرأة الحارث بن هشام و هند بنت

عتبة بن الحجاج أم عبد الله بن عمرو بن العاص و رسول الله ص بالأبطح فأسلمن و لما دخلن عليه دخلن و عنده زوجتاه و ابنته فاطمة

و نساء من نساء بني عبد المطلب و سألن أن يبايعهن فقال إني لا أصافح النساء و يقال إنه وضع على يده ثوبا فمسحن عليه و يقال

كان يؤتى بقدح من ماء فيدخل يده فيه ثم يرفعه إليهن فيدخلن أيديهن فيه فقالت أم حكيم امرأة عكرمة يا رسول الله إن عكرمة هرب

منك إلى اليمن خاف أن تقتله فأمنه فقال هو آمن فخرجت أم حكيم في طلبه و معها غلام لها رومي فراودها عن نفسها فجعلت تمنيه

حتى قدمت به على حي فاستغاثت بهم عليه فأوثقوه رباطا و أدركت عكرمة و قد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة فركب البحر فهاج

بهم فجعل نوتي السفينة يقول له أن أخلص قال أي شيء أقول قال قل لا إله إلا الله قال عكرمة ما هربت إلا من هذا فجاءت أم حكيم

على هذا من الأمر فجعلت تلح عليه و تقول يا ابن عم جئتك من عند خير الناس و أوصل الناس و أبر الناس لا تهلك نفسك فوقف لها

حتى أدركته فقالت إني قد استأمنت لك رسول الله ص فأمنك قال

[18 : 10 ]

أنت فعلت قالت نعم أنا كلمته فأمنك فرجع معها فقالت ما لقيت من غلامك الرومي و أخبرته خبره فقتله عكرمة فلما دنا من مكة

قال رسول الله ص لأصحابه يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي و لا يبلغ الميت

فلما وصل عكرمة و دخل على رسول الله ص وثب إليه ص و ليس عليه رداء فرحا به ثم جلس فوق عكرمة بين يديه و معه زوجته منقبة

فقال يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني فقال صدقت أنت آمن فقال عكرمة فإلام تدعو فقال إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله و أني

رسول الله و أن تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و عد خصال الإسلام فقال عكرمة ما دعوت إلا إلى حق و إلى حسن جميل و لقد كنت فينا من

قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه و أنت أصدقنا حديثا و أعظمنا برا ثم قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فقال رسول

الله ص لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيتكه قال فإني أسألك أن تغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مسير أوضعت فيه أو مقام

لقيتك فيه أو كلام قلته في وجهك أو أنت غائب عنه فقال اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها و كل مسير سار فيه إلي يريد بذلك إطفاء

نورك و اغفر له ما نال مني و من عرضي في وجهي أو أنا غائب عنه فقال عكرمة رضيت بذلك يا رسول الله ثم قال أما و الله لا أدع نفقة

كنت أنفقها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الإسلام و في سبيل الله و لأجتهدن في القتال بين يديك حتى أقتل

شهيدا قال فرد عليه رسول الله ص امرأته بذلك النكاح الأول. قال الواقدي و أما صفوان بن أمية فهرب حتى أتى الشعبة و جعل يقول

لغلامه

[18 : 11 ]

يسار و ليس معه غيره ويحك انظر من ترى فقال هذا عمير بن وهب قال صفوان ما أصنع بعمير و الله ما جاء إلا يريد قتلي قد ظاهر

محمدا علي فلحقه فقال صفوان يا عمير ما لك ما كفاك ما صنعت حملتني دينك و عيالك ثم جئت تريد قتلي فقال يا أبا وهب جعلت فداك

جئتك من عند خير الناس و أبر الناس و أوصل الناس و قد كان عمير قال لرسول الله ص يا رسول الله سيد قومي صفوان بن أمية خرج

هاربا ليقذف نفسه في البحر خاف ألا تؤمنه فأمنه فداك أبي و أمي فقال قد أمنته فخرج في أثره فقال إن رسول الله ص قد أمنك صفوان

لا و الله حتى تأتيني بعلامة أعرفها فرجع إلى رسول الله ص فأخبره و قال يا رسول الله جئته و هو يريد أن يقتل نفسه فقال لا أرجع

إلا بعلامة أعرفها فقال خذ عمامتي فرجع عمير إليه بعمامة رسول الله ص و هي البرد الذي دخل فيه رسول الله ص مكة معتجرا به برد

حبرة أحمر فخرج عمير في طلبه الثانية حتى جاءه بالبرد فقال يا أبا وهب جئتك من عند خير الناس و أوصل الناس و أبر الناس و أحلم

الناس مجده مجدك و عزه عزك و ملكه ملكك ابن أبيك و أمك أذكرك الله في نفسك فقال أخاف أن أقتل قال فإنه دعاك إلى الإسلام

فإن رضيت و إلا سيرك شهرين فهو أوفى الناس و أبرهم و قد بعث إليك ببرده الذي دخل به معتجرا أ تعرفه قال نعم فأخرجه فقال نعم

هو هو فرجع صفوان حتى انتهى إلى رسول الله ص فوجده يصلي العصر بالناس فقال كم يصلون قالوا خمس صلوات في اليوم و

الليلة قال أ محمد يصلي بهم قالوا نعم فلما سلم من صلاته صاح صفوان يا محمد إن عمير

[18 : 12 ]

بن وهب جاءني ببردك و زعم أنك دعوتني إلى القدوم إليك فإن رضيت أمرا و إلا سيرتني شهرين فقال رسول الله ص انزل أبا وهب

فقال لا و الله أو تبين لي قال بل سر أربعة أشهر فنزل صفوان و خرج معه إلى حنين و هو كافر و أرسل إليه يستعير أدراعه و كانت

مائة درع فقال أ طوعا أم كرها فقال ع بل طوعا عارية مؤداة فأعاره إياها ثم أعادها إليه بعد انقضاء حنين و الطائف فلما كان رسول

الله ص بالجعرانة يسير في غنائم هوازن ينظر إليها فنظر صفوان إلى شعب هناك مملوء نعما وشاء ورعاء فأدام النظر إليه و رسول

الله ص يرمقه فقال أبا وهب يعجبك هذا الشعب قال نعم قال هو لك و ما فيه فقال صفوان ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي

أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله ص. قال الواقدي فأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فكان قد أسلم و كان يكتب لرسول الله

ص الوحي فربما أملى عليه رسول الله ص سميع عليم فيكتب عزيز حكيم و نحو ذلك و يقرأ على رسول الله ص فيقول كذلك الله و

يقرأ فافتتن و قال و الله ما يدري ما يقول إني لأكتب له ما شئت فلا ينكر و إنه ليوحى إلي كما يوحى إلى محمد و خرج هاربا من

المدينة إلى مكة مرتدا فأهدر رسول الله دمه و أمر بقتله يوم الفتح فلما كان يومئذ جاء إلى عثمان و كان أخاه من الرضاعة فقال يا

أخي إني قد أجرتك فاحتبسني هاهنا و اذهب إلى محمد فكلمه في فإن محمدا إن رآني ضرب عنقي أن جرمي أعظم الجرم و قد جئت

تائبا فقال عثمان قم فاذهب معي إليه قال كلا و الله إنه إن رآني ضرب عنقي و لم يناظرني قد أهدر دمي و أصحابه يطلبونني في كل

موضع فقال عثمان انطلق معي فإنه لا يقتلك إن شاء الله فلم يرع رسول الله ص إلا بعثمان

[18 : 13 ]

آخذا بيد عبد الله بن سعد واقفين بين يديه فقال عثمان يا رسول الله هذا أخي من الرضاعة إن أمه كانت تحملني و تمشيه و ترضعني و

تفطمه و تلطفني و تتركه فهبه لي فأعرض رسول الله ص عنه و جعل عثمان كلما أعرض رسول الله عنه استقبله بوجهه و أعاد عليه هذا

الكلام و إنما أعرض ع عنه إرادة لأن يقوم رجل فيضرب عنقه فلما رأى ألا يقوم أحد و عثمان قد انكب عليه يقبل رأسه و يقول يا

رسول الله بايعه فداك أبي و أمي على الإسلام فقال رسول الله ص نعم فبايعه. قال الواقدي قال رسول الله ص بعد ذلك للمسلمين ما

منعكم أن يقوم منكم واحد إلى هذا الكلب فيقتله أو قال الفاسق فقال عباد بن بشر و الذي بعثك بالحق إني لأتبع طرفك من كل

ناحية رجاء أن تشير إلي فأضرب عنقه و يقال إن أبا البشير هو الذي قال هذا و يقال بل قاله عمر بن الخطاب فقال ع إني لا أقتل

بالإشارة و قيل إنه قال إن النبي لا يكون له خائنة الأعين. قال الواقدي فجعل عبد الله بن سعد يفر من رسول الله ص كلما رآه فقال

له عثمان بأبي أنت و أمي لو ترى ابن أم عبد يفر منك كلما رآك فتبسم رسول الله ص فقال أ و لم أبايعه و أؤمنه قال بلى و لكنه يتذكر

عظم جرمه في الإسلام

فقال إن الإسلام يجب ما قبله

قال الواقدي و أما الحويرث بن معبد و هو من ولد قصي بن كلاب فإنه كان يؤذي رسول الله ص بمكة فأهدر دمه فبينما هو في منزله

يوم الفتح و قد أغلق عليه بابه جاء علي ع يسأل عنه فقيل له هو في البادية و أخبر الحويرث أنه جاء يطلبه و تنحى علي ع عن بابه

فخرج الحويرث يريد أن

[18 : 14 ]

يهرب من بيت إلى بيت آخر فتلقاه علي ع فضرب عنقه. قال الواقدي و أما هبار بن الأسود فقد كان رسول الله ص أمر أن يحرقه بالنار

ثم قال إنما يعذب بالنار رب النار اقطعوا يديه و رجليه إن قدرتم عليه ثم اقتلوه و كان جرمه أن نخس زينب بنت رسول الله ص لما

هاجرت و ضرب ظهرها بالرمح و هي حبلى فأسقطت فلم يقدر المسلمون عليه يوم الفتح فلما رجع رسول الله ص إلى المدينة طلع

هبار بن الأسود قائلا أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله فقبل النبي ص إسلامه فخرجت سلمى مولاة النبي ص فقالت

لا أنعم الله بك عينا أنت الذي فعلت و فعلت فقال رسول الله ص و هبار يعتذر إليه أن الإسلام محا ذلك و نهى عن التعرض له. قال

الواقدي قال ابن عباس رضي الله عنه رأيت رسول الله ص و هبار يعتذر إليه و هو يطأطئ رأسه استحياء مما يعتذر هبار و يقول له قد

عفوت عنك. قال الواقدي و أما ابن خطل فإنه خرج حتى دخل بين أستار الكعبة فأخرجه أبو برزة الأسلمي منها فضرب عنقه بين الركن

و المقام و يقال بل قتله عمار بن ياسر و قيل سعد بن حريث المخزومي و قيل شريك بن عبدة العجلاني و الأثبت أنه أبو برزة قال و

كان جرمه أنه أسلم و هاجر إلى المدينة و بعثه رسول الله ص ساعيا و بعث معه رجلا من خزاعة فقتله و ساق ما أخذ من مال الصدقة و

رجع إلى مكة فقالت له قريش ما جاء بك قال لم أجد دينا خيرا من دينكم و كانت له قينتان إحداهما قرينى و الأخرى قرينة أو أرنب و

كان ابن خطل يقول

[18 : 15 ]

الشعر يهجو به رسول الله ص و يغنيان به و يدخل عليه المشركون بيته فيشربون عنده الخمر و يسمعون الغناء بهجاء رسول الله

ص. قال الواقدي و أما مقيس بن صبابة فإن أمه سهمية و كان يوم الفتح عند أخواله بني سهم فاصطبح الخمر ذلك اليوم في ندامى له

و خرج ثملا يتغنى و يتمثل بأبيات منها

دعيني أصطبح يا بكر إني رأيت الموت نقب عن هشام

و نقب عن أبيك أبي يزيد أخي القينات و الشرب الكرام

يخبرنا ابن كبشة أن سنحيا و كيف حياة أصداء و هام

إذا ما الرأس زال بمنكبيه فقد شبع الأنيس من الطعام

أ تقتلني إذا ما كنت حيا و تحييني إذا رمت عظامي

فلقيه نميلة بن عبد الله الليثي و هو من رهطه فضربه بالسيف حتى قتله فقالت أخته ترثيه

لعمري لقد أخزى نميلة رهطه و فجع أصناف النساء بمقيس

فلله عينا من رأى مثل مقيس إذا النفساء أصبحت لم تخرس

و كان جرم مقيس من قبل أن أخاه هاشم بن صبابة أسلم و شهد المريسيع مع رسول الله ص فقتله رجل من رهط عبادة بن الصامت و

قيل من بني عمرو بن عوف و هو لا يعرفه فظنه من المشركين فقضى له رسول الله ص بالدية على العاقلة فقدم مقيس أخوه المدينة

فأخذ ديته و أسلم ثم عدا على قاتل أخيه فقتله و هرب مرتدا كافرا يهجو رسول الله ص بالشعر فأهدر دمه.

[18 : 16 ]

قال الواقدي فأما سارة مولاة بني هاشم و كانت مغنية نواحة بمكة و كانت قد قدمت على رسول الله ص المدينة تطلب أن يصلها و

شكت إليه الحاجة و ذلك بعد بدر و أحد فقال لها أ ما كان لك في غنائك و نياحك ما يغنيك قالت يا محمد إن قريشا منذ قتل من قتل

منهم ببدر تركوا استماع الغناء فوصلها رسول الله ص و أوقر لها بعيرا طعاما فرجعت إلى قريش و هي على دينها و كانت يلقى عليها

هجاء رسول الله ص فتغنى به فأمر بها رسول الله ص يوم الفتح أن تقتل فقتلت و أما قينتا ابن خطل فقتل يوم الفتح إحداهما و هي

أرنب أو قرينة و أما قريني فاستؤمن لها رسول الله ص فأمنها و عاشت حتى ماتت في أيام عثمان. قال الواقدي و قد روي أن رسول الله

ص أمر بقتل وحشي يوم الفتح فهرب إلى الطائف فلم يزل بها مقيما حتى قدم مع وفد الطائف على رسول الله ص فدخل عليه فقال

أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فقال أ وحشي قال نعم قال اجلس و حدثني كيف قتلت حمزة فلما أخبره قال قم و غيب عني

وجهك فكان إذا رآه توارى عنه.

قال الواقدي و حدثني ابن أبي ذئب و معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي عمرو بن عدي بن أبي الحمراء

قال سمعت رسول الله ص يقول بعد فراغه من أمر الفتح و هو يريد الخروج من مكة أما و الله إنك لخير أرض الله و أحب بلاد الله إلي

و لو لا أن أهلك أخرجوني ما خرجت

و زاد محمد بن إسحاق في كتاب المغازي أن هند بنت عتبة جاءت إلى رسول الله

[18 : 17 ]

ص مع نساء قريش متنكرة متنقبة لحدثها الذي كان في الإسلام و ما صنعت بحمزة حين جدعته و بقرت بطنه عن كبده فهي تخاف أن

يأخذها رسول الله ص بحدثها ذلك فلما دنت منه و قال حين بايعنه على ألا يشركن بالله شيئا قلن نعم قال و لا يسرقن فقالت هند و

الله أنا كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة و الهنيهة فما أعلم أ حلال ذلك أم لا فقال رسول الله ص و إنك لهند قالت نعم أنا هند و

أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فاعف عما سلف عفا الله عنك فقال رسول الله ص و لا يزنين فقالت هند و هل تزني الحرة

فقال لا و لا يقتلن أولادهن فقالت هند قد لعمري ربيناهم صغارا و قتلتهم كبارا ببدر فأنت و هم أعرف فضحك عمر بن الخطاب من قولها

حتى أسفرت نواجذه قال و لا يأتين ببهتان يفترينه فقالت هند إن إتيان البهتان لقبيح فقال و لا يعصينك في معروف فقالت ما جلسنا

هذه الجلسة و نحن نريد أن نعصيك. قال محمد بن إسحاق و من جيد شعر عبد الله بن الزبعرى الذي اعتذر به إلى رسول الله ص حين

قدم عليه

منع الرقاد بلابل و هموم فالليل ممتد الرواق بهيم

مما أتاني أن أحمد لامني فيه فبت كأنني محموم

يا خير من حملت على أوصالها عيرانة سرح اليدين سعوم

[18 : 18 ]

إني لمعتذر إليك من الذي أسديت إذ أنا في الضلال أهيم

أيان تأمرني بأغوى خطة سهم و تأمرني به مخزوم

و أمد أسباب الردى و يقودني أمر الغواة و أمرهم مشئوم

فاليوم آمن بالنبي محمد قلبي و مخطئ هذه محروم

مضت العداوة و انقضت أسبابها و دعت أواصر بيننا و حلوم

فاغفر فدى لك والدي كلاهما زللي فإنك راحم مرحوم

و عليك من علم المليك علامة نور أغر و خاتم مختوم

أعطاك بعد محبة برهانه شرفا و برهان الإله عظيم

و لقد شهدت بأن دينك صادق بر و شأنك في العباد جسيم

و الله يشهد أن أحمد مصطفى متقبل في الصالحين كريم

فرع علا بنيانه من هاشم دوح تمكن في العلا و أروم

قال الواقدي و في يوم الفتح سمى رسول الله ص أهل مكة الذين دخلها عليهم الطلقاء لمنه عليهم بعد أن أظفره الله بهم فصاروا

أرقاء له و قد قيل له يوم الفتح قد أمكنك الله تعالى فخذ ما شئت من أقمار على غصون يعنون النساء فقال ع يأبى ذلك إطعامهم

الضيف و إكرامهم البيت و وجؤهم مناحر الهدي.

ثم نعود إلى تفسير ما بقي من ألفاظ الفصل قوله فإن كان فيك عجل فاسترفه

[18 : 19 ]

أي كن ذا رفاهية و لا ترهقن نفسك بالعجل فلا بد من لقاء بعضنا بعضا فأي حاجة بك إلى أن تعجل ثم فسر ذلك فقال إن أزرك في

بلادك أي إن غزوتك في بلادك فخليق أن يكون الله بعثني للانتقام منك و إن زرتني أي إن غزوتني في بلادي و أقبلت بجموعك إلي.

كنتم كما قال أخو بني أسد كنت أسمع قديما أن هذا البيت من شعر بشر بن أبي خازم الأسدي و الآن فقد تصفحت شعره فلم أجده و لا

وقفت بعد على قائله و إن وقفت فيما يستقبل من الزمان عليه ألحقته. و ريح حاصب تحمل الحصباء و هي صغار الحصى و إذا كانت

بين أغوار و هي ما سفل من الأرض و كانت مع ذلك ريح صيف كانت أعظم مشقة و أشد ضررا على من تلاقيه و جلمود يمكن أن يكون

عطفا على حاصب و يمكن أن يكون عطفا على أغوار أي بين غور من الأرض و حرة و ذلك أشد لأذاها لما تكسبه الحرة من لفح السموم

و وهجها و الوجه الأول أليق. و أعضضته أي جعلته معضوضا برءوس أهلك و أكثر ما يأتي أفعلته أن تجعله فاعلا و هي هاهنا من

المقلوب أي أعضضت رءوس أهلك به كقوله قد قطع الحبل بالمرود. و جده عتبة بن ربيعة و خاله الوليد بن عتبة و أخوه حنظلة بن

أبي سفيان قتلهم علي ع يوم بدر. و الأغلف القلب الذي لا بصيرة له كأن قلبه في غلاف قال تعالى وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ.

[18 : 20 ]

و المقارب العقل بالكسر الذي ليس عقله بجيد و العامة تقول فيما هذا شأنه مقارب بفتح الراء. ثم قال الأولى أن يقال هذه الكلمة

لك. و نشدت الضالة طلبتها و أنشدتها عرفتها أي طلبت ما ليس لك. و السائمة المال الراعي و الكلام خارج مخرج الاستعارة. فإن

قلت كل هذا الكلام يطابق بعضه بعضا إلا قوله فما أبعد قولك من فعلك و كيف استبعد ع ذلك و لا بعد بينهما لأنه يطلب الخلافة قولا

و فعلا فأي بعد بين قوله و فعله. قلت لأن فعله البغي و الخروج على الإمام الذي ثبتت إمامته و صحت و تفريق جماعة المسلمين و

شق العصا هذا مع الأمور التي كانت تظهر عليه و تقتضي الفسق من لبس الحرير و المنسوج بالذهب و ما كان يتعاطاه في حياة عثمان

من المنكرات التي لم تثبت توبته منها فهذا فعله. و أما قوله فزعمه أنه أمير المؤمنين و خليفة المسلمين و هذا القول بعيد من ذلك

الفعل جدا. و ما في قوله و قريب ما أشبهت مصدرية أي و قريب شبهك بأعمام و أخوال و قد ذكرنا من قتل من بني أمية في حروب

رسول الله ص فيما تقدم و إليهم الإشارة بالأعمام و الأخوال لأن أخوال معاوية من بني عبد شمس كما أن أعمامه من بني عبد شمس.

قوله و لم تماشها الهوينى أي لم تصحبها يصفها بالسرعة و المضي في الرءوس الأعناق

[18 : 21 ]

و أما قوله ادخل فيما دخل فيه الناس و حاكم القوم فهي الحجة التي يحتج بها أصحابنا له في أنه لم يسلم قتلة عثمان إلى معاوية و

هي حجة صحيحة لأن الإمام يجب أن يطاع ثم يتحاكم إليه أولياء الدم و المتهمون فإن حكم بالحق استديمت حكومته و إلا فسق و

بطلت إمامته. قوله فأما تلك التي تريدها قيل إنه يريد التعلق بهذه الشبهة و هي قتلة عثمان و قيل أراد به ما كان معاوية يكرر طلبه

من أمير المؤمنين ع و هو أن يقره على الشام وحده و لا يكلفه البيعة قال إن ذلك كمخادعة الصبي في أول فطامه عن اللبن بما تصنعه

النساء له مما يكره إليه الثدي و يسليه عنه و يرغبه في التعوض بغيره و كتاب معاوية الذي ذكرناه لم يتضمن حديث الشام

[18 : 22 ]

65- و من كتاب له ع إليه أيضا

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ مِنْ عِيَانِ الْأُمُورِ فَلَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلَافِكَ بِادِّعَائِكَ الْأَبَاطِيلَ وَ اقْتِحَامِكَ غُرُورَ الْمَيْنِ وَ

الْأَكَاذِيبِ مِنِ انْتِحَالِكَ مَا قَدْ عَلَا عَنْكَ وَ ابْتِزَازِكَ لِمَا قَدِ اخْتُزِنَ دُونَكَ فِرَاراً مِنَ الْحَقِّ وَ جُحُوداً لِمَا هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ وَ دَمِكَ مِمَّا قَدْ

وَعَاهُ سَمْعُكَ وَ مُلِئَ بِهِ صَدْرُكَ فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ وَ بَعْدَ الْبَيَانِ إِلَّا اللَّبْسُ فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ وَ اشْتِمَالَهَا عَلَى لُبْسَتِهَا فَإِنَّ الْفِتْنَةَ

طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلَابِيبَهَا وَ أَعْشَتِ الْأَبْصَارَ ظُلْمَتُهَا وَ قَدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفَانِينَ مِنَ الْقَوْلِ ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ السِّلْمِ وَ أَسَاطِيرَ لَمْ يَحُكْهَا

عَنْكَ عِلْمٌ وَ لَا حِلْمٌ أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِضِ فِي الدَّهَاسِ وَ الْخَابِطِ فِي الدِّيمَاسِ وَ تَرَقَّيْتَ إِلَى مَرْقَبَة بَعِيدَةِ الْمَرَامِ نَازِحَةِ الْأَعْلَامِ تَقْصُرُ

دُونَهَا الْأَنُوقُ وَ يُحَاذَى بِهَا الْعَيُّوقُ وَ حَاشَ لِلَّهِ أَنْ تَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِي صَدْراً أَوْ وِرْداً أَوْ أُجْرِيَ لَكَ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ عَقْداً أَوْ عَهْداً فَمِنَ

الآْنَ فَتَدَارَكْ نَفْسَكَ وَ انْظُرْ لَهَا فَإِنَّكَ إِنْ فَرَّطْتَ حَتَّى يَنْهَدَ إِلَيْكَ عِبَادُ اللَّهِ أُرْتِجَتْ عَلَيْكَ الْأُمُورُ وَ مُنِعْتَ أَمْراً هُوَ مِنْكَ الْيَوْمَ مَقْبُولٌ وَ

السَّلَامُ

[18 : 23 ]

آن لك و أنى لك بمعنى أي قرب و حان تقول آن لك أن تفعل كذا يئين أينا و قال

أ لم يأن أن لي تجل عني عمايتي و أقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا

فجمع بين اللغتين و أنى مقلوبة عن آن و مما يجري مجرى المثل قولهم لمن يرونه شيئا شديدا يبصره و لا يشك فيه قد رأيته لمحا

باصرا قالوا أي نظرا بتحديق شديد و مخرجه مخرج رجل لابن و تامر أي ذو لبن و تمر فمعنى باصر ذو بصر يقول ع لمعاوية قد حان

لك أن تنتفع بما تعلمه من معاينة الأمور و الأحوال و تتحققه يقينا بقلبك كما يتحقق ذو اللمح الباصر ما يبصره بحاسة بصره و أراد

ببيان الأمور هاهنا معاينتها و هو ما يعرفه ضرورة من استحقاق علي ع للخلافة دونه و براءته من كل شبهة ينسبها إليه. ثم قال له فقد

سلكت أي اتبعت طرائق أبي سفيان أبيك و عتبة جدك و أمثالهما من أهلك ذوي الكفر و الشقاق. و الأباطيل جمع باطل على غير قياس

كأنهم جمعوا إبطيلا. و الاقتحام إلقاء النفس في الأمر من غير روية. و المين الكذب و الغرور بالضم المصدر و بالفتح الاسم. و

انتحلت القصيدة أي ادعيتها كذبا. قال ما قد علا عنك أي أنت دون الخلافة و لست من أهلها و الابتزاز الاستلاب.

[18 : 24 ]

قال لما قد اختزن دونك يعني التسمي بإمرة المؤمنين. ثم قال فرارا من الحق أي فعلت ذلك كله هربا من التمسك بالحق و الدين و حبا

للكفر و الشقاق و التغلب. قال و جحودا لما هو ألزم يعني فرض طاعة علي ع لأنه قد وعاها سمعه لا ريب في ذلك إما بالنص في أيام

رسول الله ص كما تذكره الشيعة فقد كان معاوية حاضرا يوم الغدير لأنه حج معهم حجة الوداع و قد كان أيضا حاضرا يوم تبوك حين

قال له بمحضر من الناس كافة أنت مني بمنزلة هارون من موسى و قد سمع غير ذلك و أما بالبيعة كما نذكره نحن فإنه قد اتصل به

خبرها و تواتر عنده وقوعها فصار وقوعها عنده معلوما بالضرورة كعلمه بأن في الدنيا بلدا اسمها مصر و إن كان ما رآها. و الظاهر من

كلام أمير المؤمنين ع أنه يريد المعنى الأول و نحن نخرجه على وجه لا يلزم منه ما تقوله الشيعة فنقول لنفرض أن النبي ص ما نص

عليه بالخلافة بعده أ ليس يعلم معاوية و غيره من الصحابة أنه لو قال له في ألف مقام أنا حرب لمن حاربت و سلم لمن سالمت و نحو

ذلك من قوله اللهم عاد من عاداه و وال من والاه و قوله حربك حربي و سلمك سلمي و قوله أنت مع الحق و الحق معك و قوله هذا مني

و أنا منه و قوله هذا أخي و قوله يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله و قوله اللهم ائتني بأحب خلقك إليك و قوله إنه ولي كل

مؤمن و مؤمنة بعدي و قوله في كلام قاله خاصف النعل و قوله لا يحبه إلا مؤمن و لا يبغضه إلا منافق و قوله إن الجنة لتشتاق إلى

أربعة و جعله أولهم و قوله لعمار تقتلك الفئة الباغية و قوله ستقاتل الناكثين و القاسطين

[18 : 25 ]

و المارقين بعدي إلى غير ذلك مما يطول تعداده جدا و يحتاج إلى كتاب مفرد يوضع له أ فما كان ينبغي لمعاوية أن يفكر في هذا و

يتأمله و يخشى الله و يتقيه فلعله ع إلى هذا أشار بقوله و جحودا لما هو ألزم لك من لحمك و دمك مما قد وعاه سمعك و ملئ به

صدرك. قوله فما ذا بعد الحق إلا الضلال كلمة من الكلام الإلهي المقدس. قال و بعد البيان إلا اللبس يقال لبست عليه الأمر لبسا أي

خلطته و المضارع يلبس بالكسر. قال فاحذر الشبهة و اشتمالها على اللبسة بالضم يقال في الأمر لبسة أي اشتباه و ليس بواضح و

يجوز أن يكون اشتمال مصدرا مضافا إلى معاوية أي احذر الشبهة و احذر اشتمالك إياها على اللبسة أي ادراعك بها و تقمصك بها

على ما فيها من الإبهام و الاشتباه و يجوز أن يكون مصدرا مضافا إلى ضمير الشبهة فقط أي احذر الشبهة و احتواءها على اللبسة التي

فيها. و تقول أغدفت المرأة قناعها أي أرسلته على وجهها و أغدف الليل أي أرخى سدوله و أصل الكلمة التغطية. و الجلابيب جمع

جلباب و هو الثوب. قال و أعشت الأبصار ظلمتها أي أكسبتها العشي و هو ظلمة العين و روي و أغشت بالغين المعجمة ظلمتها

بالنصب أي جعلت الفتنة ظلمتها غشاء للأبصار. و الأفانين الأساليب المختلفة. قوله ضعفت قواها عن السلم أي عن الإسلام أي لا

تصدر تلك الأفانين

[18 : 26 ]

المختلطة عن مسلم و كان كتب إليه يطلب منه أن يفرده بالشام و أن يوليه العهد من بعده و ألا يكلفه الحضور عنده و قرأ أبو عمرو

ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً و قال ليس المعني بهذا الصلح بل الإسلام و الإيمان لا غير و معنى ضعفت قواها أي ليس لتلك الطلبات و

الدعاوي و الشبهات التي تضمنها كتابك من القوة ما يقتضي أن يكون المتمسك به مسلما لأنه كلام لا يقوله إلا من هو إما كافر منافق

أو فاسق و الكافر ليس بمسلم و الفاسق أيضا ليس بمسلم على قول أصحابنا و لا كافر. ثم قال و أساطير لم يحكها منك علم و لا حلم

الأساطير الأباطيل واحدها أسطورة بالضم و إسطارة بالكسر و الألف و حوك الكلام صنعته و نظمه و الحلم العقل يقول له ما صدر

هذا الكلام و الهجر الفاسد عن عالم و لا عاقل. و من رواها الدهاس بالكسر فهو جمع دهس و من قرأها بالفتح فهو مفرد يقول هذا دهس

و دهاس بالفتح مثل لبث و لباث للمكان السهل الذي لا يبلغ أن يكون رملا و ليس هو بتراب و لا طين. و الديماس بالكسر السرب

المظلم تحت الأرض و في حديث المسيح أنه سبط الشعر كثير خيلان الوجه كأنه خرج من ديماس يعني في نضرته و كثرة ماء وجهه

كأنه خرج من كن لأنه قال في وصفه كان رأسه يقطر ماء و كان للحجاج سجن اسمه الديماس لظلمته و أصله من دمس الظلام يدمس

أي اشتد و ليل دامس و داموس أي مظلم و جاءنا فلان بأمور دمس أي مظلمة عظيمة يقول له أنت في كتابك هذا كالخائض في تلك

الأرض الرخوة و تقوم و تقع و لا تتخلص و كالخابط في الليل المظلم يعثر و ينهض و لا يهتدى الطريق.

[18 : 27 ]

و المرقبة الموضع العالي و الأعلام جمع علم و هو ما يهتدى به في الطرقات من المنار يقول له سمت همتك إلى دعوى الخلافة و هي

منك كالمرقبة التي لا ترام بتعد على من يطلبها و ليس فيها أعلام تهدى إلى سلوك طريقها أي الطرق إليها غامضة كالجبل الأملس

الذي ليس فيه درج و مراق يسلك منها إلى ذروته. و الأنوق على فعول بالفتح كأكول و شروب طائر و هو الرخمة و في المثل أعز من

بيض الأنوق لأنها تحرزه و لا يكاد أحد يظفر به و ذلك لأن أوكارها في رءوس الجبال و الأماكن الصعبة البعيدة. و العيوق كوكب

معروف فوق زحل في العلو و هذه أمثال ضربها في بعد معاوية عن الخلافة. ثم قال حاش لله إن أوليك شيئا من أمور المسلمين بعدي

أي معاذ الله و الأصل إثبات الألف في حاشا و إنما اتبع فيها المصحف. و الورد و الصدر الدخول و الخروج و أصله في الإبل و الماء

و ينهد إليك عباد الله أي ينهض و أرتجت عليك الأمور أغلقت. و هذا الكتاب هو جواب كتاب وصل من معاوية إليه ع بعد قتل علي ع

الخوارج و فيه تلويح بما كان يقوله من قبل إن رسول الله وعدني بقتال طائفة أخرى غير أصحاب الجمل و صفين و إنه سماهم

المارقين فلما واقعهم ع بالنهروان و قتلهم كلهم بيوم واحد و هم عشرة آلاف فارس أحب أن يذكر معاوية بما كان يقول من قبل و يعد

به أصحابه و خواصه فقال له قد آن لك أن تنتفع بما عاينت و شاهدت معاينة و مشاهدة من صدق القول الذي كنت أقوله للناس و

يبلغك فتستهزئ به

[18 : 28 ]

66- و من كتاب له ع كتبه إلى عبد الله بن العباس

و قد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ وَ يَحْزَنُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ فَلَا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ مِنْ

دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّة أَوْ شِفَاءُ غَيْظ وَ لَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِل وَ إِحْيَاءُ حَقّ وَ لْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ وَ أَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ وَ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ

هذا الفصل قد تقدم شرح نظيره و ليس في ألفاظه و لا معانيه ما يفتقر إلى تفسير و لكنا سنذكر من كلام الحكماء و الصالحين كلمات

تناسبه

نبذ من كلام الحكماء

فمن كلام بعضهم ما قدر لك أتاك و ما لم يقدر لك تعداك فعلام تفرح بما لم يكن بد من وصوله إليك و علام تحزن بما لم يكن ليقدم

عليك. و من كلامهم الدنيا تقبل إقبال الطالب و تدبر إدبار الهارب و تصل وصال المتهالك و تفارق فراق المبغض الفارك فخيرها

يسير و عيشها قصير و إقبالها خدعة و إدبارها

[18 : 29 ]

فجعة و لذاتها فانية و تبعاتها باقية فاغتنم غفلة الزمان و انتهز فرصة الإمكان و خذ من نفسك لنفسك و تزود من يومك لغدك قبل

نفاذ المدة و زوال القدرة فلكل امرئ من دنياه ما ينفعه على عمارة أخراه. و من كلامهم من نكد الدنيا أنها لا تبقى على حالة و لا تخلو

من استحالة تصلح جانبا بإفساد جانب و تسر صاحبا بمساءة صاحب فالسكون فيها خطر و الثقة إليها غرر و الالتجاء إليها محال و

الاعتماد عليها ضلال. و من كلامهم لا تبتهجن لنفسك بما أدركت من لذاتها الجسمانية و ابتهج لها بما تناله من لذاتها العقلية و من

القول بالحق و العمل بالحق فإن اللذات الحسية خيال ينفد و المعارف العقلية باقية بقاء الأبد

[18 : 30 ]

67- و من كتاب له ع كتبه إلى قثم بن العباس و هو عامله على مكة

أَمَّا بَعْدُ فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَ اجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ وَ عَلِّمِ الْجَاهِلَ وَ ذَاكِرِ الْعَالِمَ وَ لَا يَكُنْ لَكَ إِلَى

النَّاسِ سَفِيرٌ إِلَّا لِسَانُكَ وَ لَا حَاجِبٌ إِلَّا وَجْهُكَ وَ لَا تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَة عَنْ لِقَائِكَ بِهَا فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ عَنْ أَبْوَابِكَ فِي أَوَّلِ وِرْدِهَا لَمْ تُحْمَدْ فِيمَا

بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا وَ انْظُرْ إِلَى مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اللَّهِ فَاصْرِفْهُ إِلَى مَنْ قِبَلَكَ مِنْ ذَوِي الْعِيَالِ وَ الْمَجَاعَةِ مُصِيباً بِهِ مَوَاضِعَ الْمَفَاقِرِ وَ

الْخَلَّاتِ وَ مَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا وَ مُرْ أَهْلَ مَكَّةَ أَلَّا يَأْخُذُوا مِنْ سَاكِن أَجْراً فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ سَواءً

الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ فَالْعَاكِفُ الْمُقِيمُ بِهِ وَ الْبَادِي الَّذِي يَحُجُّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ لِمَحَابِّهِ وَ السَّلَامُ

[18 : 31 ]

قد تقدم ذكر قثم و نسبه أمره أن يقيم للناس حجهم و أن يذكرهم بأيام الله و هي أيام الإنعام و أيام الانتقام لتحصل الرغبة و

الرهبة. و اجلس لهم العصرين الغداة و العشي. ثم قسم له ثمرة جلوسه لهم ثلاثة أقسام إما أن يفتي مستفتيا من العامة في بعض

الأحكام و إما أن يعلم متعلما يطلب الفقه و إما أن يذاكر عالما و يباحثه و يفاوضه و لم يذكر السياسة و الأمور السلطانية لأن غرضه

متعلق بالحجيج و هم أضيافه يقيمون ليالي يسيرة و يقفلون و إنما يذكر السياسة و ما يتعلق بها فيما يرجع إلى أهل مكة و من يدخل

تحت ولايته دائما ثم نهاه عن توسط السفراء و الحجاب بينه و بينهم بل ينبغي أن يكون سفيره لسانه و حاجبه وجهه و روي و لا

يكن إلا لسانك سفيرا لك إلى الناس بجعل لسانك اسم كان مثل قوله فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلّا أَنْ قالُوا و الرواية الأولى هي

المشهورة و هو أن يكون سفيرا اسم كان و لك خبرها و لا يصح ما قاله الراوندي إن خبرها إلى الناس لأن إلى هاهنا متعلقة بنفس

سفير فلا يجوز أن تكون الخبر عن سفير تقول سفرت إلى بني فلان في الصلح و إذا تعلق حرف الجر بالكلمة صار كالشيء الواحد. ثم

قال فإنها إن ذيدت أي طردت و دفعت. كان أبو عباد ثابت بن يحيى كاتب المأمون إذا سئل الحاجة يشتم السائل و يسطو عليه و

يخجله و يبكته ساعة ثم يأمر له بها فيقوم و قد صارت إليه و هو يذمه و يلعنه قال علي بن جبلة العكوك

[18 : 32 ]

لعن الله أبا عباد لعنا يتوالى

يوسع السائل شتما ثم يعطيه السؤالا

و كان الناس يقفون لأبي عباد وقت ركوبه فيتقدم الواحد منهم إليه بقصته ليناوله إياها فيركله برجله بالركاب و يضربه بسوطه و

يطير غضبا ثم لا ينزل عن فرسه حتى يقضي حاجته و يأمر له بطلبته فينصرف الرجل بها و هو ذام له ساخط عليه فقال فيه دعبل

أولى الأمور بضيعة و فساد ملك يدبره أبو عباد

متعمد بدواته جلساءه فمضرج و مخضب بمداد

و كأنه من دير هزقل مفلت حرب يجر سلاسل الأقياد

فاشدد أمير المؤمنين صفاده بأشد منه في يد الحداد

و قال فيه بعض الشعراء

قل للخليفة يا ابن عم محمد قيد وزيرك إنه ركال

فلسوطه بين الرءوس مسالك و لرجله بين الصدور مجال

و المفاقر الحاجات يقال سد الله مفاقره أي أغنى الله فقره ثم أمره أن يأمر أهل مكة ألا يأخذوا من أحد من الحجيج أجرة مسكن و

احتج على ذلك بالآية و أصحاب أبي حنيفة يتمسكون بها في امتناع بيع دور مكة و إجارتها و هذا بناء على أن

[18 : 33 ]

المسجد الحرام هو مكة كلها و الشافعي يرى خلاف ذلك و يقول إنه الكعبة و لا يمنع من بيع دور مكة و لا إجارتها و يحتج بقوله

تعالى الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ و أصحاب أبي حنيفة يقولون إنها إضافة اختصاص لا إضافة تمليك كما تقول جل الدابة و قرأ سواء

بالنصب على أن يكون أحد مفعولي جعلنا أي جعلناه مستويا فيه العاكف و الباد و من قرأ بالرفع جعل الجملة هي المفعول الثاني

[18 : 34 ]

68- و من كتاب له ع كتبه إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافته

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سَمُّهَا فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا وَ ضَعْ عَنْكَ هُمُومَهَا لِمَا أَيْقَنْتَ

بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَ تَصَرُّفِ حَالَاتِهَا وَ كُنْ آنَسَ مَا تَكُونُ بِهَا أَحْذَرَ مَا تَكُونُ مِنْهَا فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ فِيهَا إِلَى سُرُور أَشْخَصَتْهُ إِلَى مَحْذُور

أَوْ إِلَى إِينَاس أَزَالَتْهُ عَنْهُ إِلَى إِيحَاش وَ السَّلَامُ

سلمان الفارسي و خبر إسلامه

سلمان رجل من فارس من رامهرمز و قيل بل من أصبهان من قرية يقال لها جي و هو معدود من موالي رسول الله ص و كنيته أبو عبد الله

و كان إذا قيل ابن من أنت يقول أنا سلمان ابن الإسلام أنا من بني آدم. و قد روي أنه قد تداوله أرباب كثيرة بضعة عشر ربا من واحد

إلى آخر حتى أفضى إلى رسول الله ص. و روى أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب أن سلمان أتى رسول الله

[18 : 35 ]

ص بصدقة فقال هذه صدقة عليك و على أصحابك فلم يقبلها و قال إنه لا تحل لنا الصدقة فرفعها ثم جاء من الغد بمثلها و قال هدية

هذه فقال لأصحابه كلوا. و اشتراه من أربابه و هم قوم يهود بدراهم و على أن يغرس لهم من النخيل كذا و كذا و يعمل فيها حتى تدرك

فغرس رسول الله ص ذلك النخل كله بيده إلا نخلة واحدة غرسها عمر بن الخطاب فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة فقال رسول الله

ص من غرسها قيل عمر فقلعها و غرسها رسول الله ص بيده فأطعمت. قال أبو عمر و كان سلمان يسف الخوص و هو أمير على المدائن و

يبيعه و يأكل منه و يقول لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي و كان قد تعلم سف الخوص من المدينة. و أول مشاهده الخندق و هو الذي

أشار بحفره فقال أبو سفيان و أصحابه لما رأوه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. قال أبو عمر و قد روي أن سلمان شهد بدرا و أحدا و

هو عبد يومئذ و الأكثر أن أول مشاهده الخندق و لم يفته بعد ذلك مشهد. قال و كان سلمان خيرا فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشفا. قال و

ذكر هشام بن حسان عن الحسن البصري قال كان عطاء سلمان خمسة آلاف و كان إذا خرج عطاؤه تصدق به و يأكل من عمل يده و

كانت له عباءة يفرش بعضها و يلبس بعضها.

[18 : 36 ]

قال و قد ذكر ابن وهب و ابن نافع أن سلمان لم يكن له بيت إنما كان يستظل بالجدر و الشجر و أن رجلا قال له أ لا أبني لك بيتا

تسكن فيه قال لا حاجة لي في ذلك فما زال به الرجل حتى قال له أنا أعرف البيت الذي يوافقك قال فصفه لي قال أبني لك بيتا إذا أنت

قمت فيه أصاب رأسك سقفه و إن أنت مددت فيه رجليك أصابهما الجدار قال نعم فبنى له.

قال أبو عمر و قد روي عن رسول الله ص من وجوه أنه قال لو كان الدين في الثريا لناله سلمان

و في رواية أخرى لناله رجل من فارس

قال و قد روينا عن عائشة قالت كان لسلمان مجلس من رسول الله ص ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله ص

قال و قد روي من حديث ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله ص قال أمرني ربي بحب أربعة و أخبرني أنه يحبهم علي و أبو ذر و المقداد

و سلمان

قال و روى قتادة عن أبي هريرة قال سلمان صاحب الكتابين

يعني الإنجيل و القرآن. و

قد روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي ع أنه سئل عن سلمان فقال علم العلم الأول و العلم الآخر ذاك بحر لا

ينزف و هو منا أهل البيت

قال و في رواية زاذان عن علي ع سلمان الفارسي كلقمان الحكيم

قال و قال فيه كعب الأحبار سلمان حشي علما و حكمة

[18 : 37 ]

قال و في الحديث المروي أن أبا سفيان مر على سلمان و صهيب و بلال في نفر من المسلمين فقالوا ما أخذت السيوف من عنق عدو

الله مأخذها و أبو سفيان يسمع قولهم فقال لهم أبو بكر أ تقولون هذا لشيخ قريش و سيدها و أتى النبي ص و أخبره فقال يا أبا بكر

لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله فأتاهم أبو بكر فقال أبو بكر يا إخوتاه لعلي أغضبتكم قالوا لا يا أبا بكر يغفر الله

لك. قال و آخى رسول الله ص بينه و بين أبي الدرداء لما آخى بين المسلمين. قال و لسلمان فضائل جمة و أخبار حسان و توفي في

آخر خلافة عثمان سنة خمس و ثلاثين و قيل توفي في أول سنة ست و ثلاثين و قال قوم توفي في خلافة عمر و الأول أكثر. و أما حديث

إسلام سلمان فقد ذكره كثير من المحدثين و رووه عنه قال كنت ابن دهقان قرية جي من أصبهان و بلغ من حب أبي لي أن حبسني في

البيت كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى صرت قطن بيت النار فأرسلني أبي يوما إلى ضيعة له فمررت بكنيسة النصارى

فدخلت عليهم فأعجبتني صلاتهم فقلت دين هؤلاء خير من ديني فسألتهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام فهربت من والدي حتى

قدمت الشام فدخلت على الأسقف فجعلت أخدمه و أتعلم منه حتى حضرته الوفاة فقلت إلى من توصي بي فقال قد هلك الناس و تركوا

دينهم إلا رجلا بالموصل فالحق به فلما قضى نحبه لحقت بذلك الرجل

[18 : 38 ]

فلم يلبث إلا قليلا حتى حضرته الوفاة فقلت إلى من توصي بي فقال ما أعلم رجلا بقي على الطريقة المستقيمة إلا رجلا بنصيبين

فلحقت بصاحب نصيبين قالوا و تلك الصومعة اليوم باقية و هي التي تعبد فيها سلمان قبل الإسلام قال ثم احتضر صاحب نصيبين

فبعثني إلى رجل بعمورية من أرض الروم فأتيته و أقمت عنده و اكتسبت بقيرات و غنيمات فلما نزل به الموت قلت له بمن توصي بي

فقال قد ترك الناس دينهم و ما بقي أحد منهم على الحق و قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض

بين حرتين لها نخل قلت فما علامته قال يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة قال و مر بي ركب من كلب فخرجت

معهم فلما بلغوا بي وادي القرى ظلموني و باعوني من يهودي فكنت أعمل له في زرعه و نخله فبينا أنا عنده إذ قدم ابن عم له فابتاعني

منه و حملني إلى المدينة فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها و بعث الله محمدا بمكة و لا أعلم بشيء من أمره فبينا أنا في رأس نخلة

إذ أقبل ابن عم لسيدي فقال قاتل الله بني قيلة قد اجتمعوا على رجل بقباء قدم عليهم من مكة يزعمون أنه نبي قال فأخذني القر و

الانتفاض و نزلت عن النخلة و جعلت أستقصي في السؤال فما كلمني سيدي بكلمة بل قال أقبل على شأنك و دع ما لا يعنيك فلما

أمسيت أخذت شيئا كان عندي من التمر و أتيت به النبي ص فقلت له بلغني أنك رجل صالح و أن لك أصحابا غرباء ذوي حاجة و هذا

شيء عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم فقال ع لأصحابه كلوا و أمسك فلم يأكل فقلت في نفسي هذه واحدة و انصرفت فلما

كان من الغد أخذت ما كان بقي عندي و أتيته به فقلت له إني رأيتك لا تأكل الصدقة و هذه هدية

[18 : 39 ]

فقال كلوا و أكل معهم فقلت إنه لهو فأكببت عليه أقبله و أبكي فقال ما لك فقصصت عليه القصة فأعجبه ثم قال يا سلمان كاتب

صاحبك فكاتبته على ثلاثمائة نخلة و أربعين أوقية فقال رسول الله ص للأنصار أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل حتى جمعت ثلاثمائة

ودية فوضعها رسول الله ص بيده فصحت كلها و أتاه مال من بعض المغازي فأعطاني منه و قال أد كتابتك فأديت و عتقت. و كان سلمان

من شيعة علي ع و خاصته و تزعم الإمامية أنه أحد الأربعة الذين حلقوا رءوسهم و أتوه متقلدي سيوفهم في خبر يطول و ليس هذا

موضع ذكره و أصحابنا لا يخالفونهم في أن سلمان كان من الشيعة و إنما يخالفونهم في أمر أزيد من ذلك و ما يذكره المحدثون من

قوله للمسلمين يوم السقيفة كرديد و نكرديد محمول عند أصحابنا على أن المراد صنعتم شيئا و ما صنعتم أي استخلفتم خليفة و نعم

ما فعلتم إلا أنكم عدلتم عن أهل البيت فلو كان الخليفة منهم كان أولى و الإمامية تقول معناه أسلمتم و ما أسلمتم و اللفظة

المذكورة في الفارسية لا تعطي هذا المعنى و إنما تدل على الفعل و العمل لا غير و يدل على صحة قول أصحابنا أن سلمان عمل لعمر

على المدائن فلو كان ما تنسبه الإمامية إليه حقا لم يعمل له.

فأما ألفاظ الفصل و معانيه فظاهرة و مما يناسب مضمونه قول بعض الحكماء تعز عن الشيء إذا منعته بقلة صحبته لك إذا أعطيته. و

كان يقال الهالك على الدنيا رجلان رجل نافس في عزها و رجل أنف من ذلها.

[18 : 40 ]

و مر بعض الزهاد بباب دار و أهلها يبكون ميتا لهم فقال وا عجبا لقوم مسافرين يبكون مسافرا قد بلغ منزله. و كان يقال يا ابن آدم لا

تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت و لا تفرح بموجود لا يتركه عليك الموت. لقي عالم من العلماء راهبا فقال أيها الراهب كيف ترى

الدنيا قال تخلق الأبدان و تجدد الآمال و تباعد الأمنية و تقرب المنية قال فما حال أهلها قال من ظفر بها نصب و من فاتته أسف قال

فكيف الغنى عنها قال بقطع الرجاء منها قال فأي الأصحاب أبر و أوفى قال العمل الصالح قال فأيهم أضر و أنكى قال النفس و الهوى

قال فكيف المخرج قال في سلوك المنهج قال و بما ذا أسلكه قال بأن تخلع لباس الشهوات الفانية و تعمل للدار الباقية

[18 : 41 ]

69- و من كتاب له ع كتبه إلى الحارث الهمداني

وَ تَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ وَ انْتَصِحْهُ وَ أَحِلَّ حَلَالَهُ وَ حَرِّمْ حَرَامَهُ وَ صَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ الْحَقِّ وَ اعْتَبِرْ بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنَّ

بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً وَ آخِرَهَا لَاحِقٌ بِأَوَّلِهَا وَ كُلُّهَا حَائِلٌ مُفَارِقٌ وَ عَظِّمِ اسْمَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلَّا عَلَى حَقّ وَ أَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَ

لَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلَّا بِشَرْط وَثِيق وَ احْذَرْ كُلَّ عَمَل يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ وَ يَكْرَهُهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَ احْذَرْ كُلَّ عَمَل يُعْمَلُ بِهِ فِي السِّرِّ وَ

يُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَ احْذَرْ كُلَّ عَمَل إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَنْكَرَهُ وَ اعْتَذَرَ مِنْهُ وَ لَا تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنِبَالِ الْقَوْمِ وَ لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ

بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ كَذِباً وَ لَا تَرُدَّ عَلَى النَّاسِ كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ جَهْلًا وَ اكْظِمِ الْغَيْظَ وَ احْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ وَ تَجَاوَزْ

عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ وَ اصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ وَ اسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَة أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَيْكَ وَ لَا تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عِنْدَكَ وَ لْيُرَ عَلَيْكَ

أَثَرُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ وَ إِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْر يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ وَ مَا

تُؤَخِّرْهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ

[18 : 42 ]

وَ احْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ رَأْيُهُ وَ يُنْكَرُ عَمَلُهُ فَإِنَّ الصَّاحِبَ مُعْتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ وَ اسْكُنِ الْأَمْصَارَ الْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَ احْذَرْ مَنَازِلَ

الْغَفْلَةِ وَ الْجَفَاءِ وَ قِلَّةَ الْأَعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ اقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ وَ إِيَّاكَ وَ مَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ الشَّيْطَانِ وَ مَعَارِيضُ

الْفِتَنِ وَ أَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ وَ لَا تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَة حَتَّى تَشْهَدَ الصَّلَاةَ إِلَّا فَاصِلًا فِي سَبِيلِ

اللَّهِ أَوْ فِي أَمْر تُعْذَرُ بِهِ وَ أَطِعِ اللَّهَ فِي جُمَلِ أُمُورِكَ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا وَ خَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ وَ ارْفُقْ بِهَا وَ لَا تَقْهَرْهَا

وَ خُذْ عَفْوَهَا وَ نَشَاطَهَا إِلَّا مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَ تَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا وَ إِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ وَ أَنْتَ

آبِقٌ مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ وَ وَقِّرِ اللَّهَ وَ أَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ وَ احْذَرِ الْغَضَبَ فَإِنَّهُ جُنْدٌ مِنْ

جُنُودِ إِبْلِيسَ وَ السَّلَامُ

الحارث الأعور و نسبه

هو الحارث الأعور صاحب أمير المؤمنين ع و هو الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد بن نخلة بن حرث بن سبع بن صعب بن معاوية

الهمداني كان أحد

[18 : 43 ]

الفقهاء له قول في الفتيا و كان صاحب علي ع و إليه تنسب الشيعة الخطاب الذي خاطبه به في

قوله ع

يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا

و هي أبيات مشهورة قد ذكرناها فيما تقدم

نبذ من الأقوال الحكيمة

و قد اشتمل هذا الفصل على وصايا جليلة الموقع منها قوله و تمسك بحبل القرآن

جاء في الخبر المرفوع لما ذكر الثقلين فقال أحدهما كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض طرف بيد الله و طرف بأيديكم

و منها قوله انتصحه أي عده ناصحا لك فيما أمرك به و نهاك عنه. و منها قوله و أحل حلاله و حرم حرامه أي احكم بين الناس في

الحلال و الحرام بما نص عليه القرآن. و منها قوله و صدق بما سلف من الحق أي صدق بما تضمنه القرآن من أيام الله و مثلاته في

الأمم السالفة لما عصوا و كذبوا. و منها قوله و اعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها و في المثل إذا شئت أن تنظر الدنيا بعدك

فانظرها بعد غيرك و قال الشاعر

و ما نحن إلا مثلهم غير أننا أقمنا قليلا بعدهم ثم نرحل

و يناسب قوله و آخرها لاحق بأولها و كلها حائل مفارق قوله أيضا ع

[18 : 44 ]

في غير هذا الفصل الماضي

للمقيم عبرة و الميت للحي عظة و ليس لأمس عودة و لا المرء من غد على ثقة الأول للأوسط رائد و الأوسط للأخير قائد و كل بكل

لاحق و الكل للكل مفارق

و منها قوله و عظم اسم الله أن تذكره إلا على حق قال الله سبحانه وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ و قد نهى عن الحلف بالله في

الكذب و الصدق أما في أحدهما فمحرم و أما في الآخر فمكروه و لذلك لا يجوز ذكر اسمه تعالى في لغو القول و الهزء و العبث. و منها

قوله و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت جاء في الخبر المرفوع أكثروا ذكر هاذم اللذات و ما بعد الموت العقاب و الثواب في القبر و

في الآخرة. و منها قوله و لا تتمن الموت إلا بشرط وثيق هذه كلمة شريفة عظيمة القدر أي لا تتمن الموت إلا و أنت واثق من أعمالك

الصالحة أنها تؤديك إلى الجنة و تنقذك من النار و هذا هو معنى قوله تعالى لليهود إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ

فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ. و منها قوله و احذر كل عمل

يرضاه صاحبه لنفسه و يكرهه لعامة المسلمين و احذر كل عمل يعمل في السر و يستحيا منه في العلانية و احذر كل عمل إذا سئل

عنه صاحبه أنكره و اعتذر منه و هذه الوصايا الثلاث متقاربة في المعنى و يشملها معنى قول الشاعر

لا تنه عن خلق و تأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم

[18 : 45 ]

و قال الله تعالى حاكيا عن نبي من أنبيائه وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ. و من كلام الجنيد الصوفي ليكن عملك من

وراء سترك كعملك من وراء الزجاج الصافي و في المثل و هو منسوب إلى علي ع إياك و ما يعتذر منه. و منها قوله و لا تجعل عرضك

غرضا لنبال القوم قال الشاعر

لا تستتر أبدا ما لا تقوم له و لا تهيجن من عريسة الأسدا

إن الزنابير إن حركتها سفها من كورها أوجعت من لسعها الجسدا

و قال

مقالة السوء إلى أهلها أسرع من منحدر سائل

و من دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق و بالباطل

و منها قوله و لا تحدث الناس بكل ما سمعت فكفى بذلك كذبا قد نهى أن يحدث الإنسان بكل ما رأى من العجائب فضلا عما سمع لأن

الحديث الغريب المعجب تسارع النفس إلى تكذيبه و إلى أن تقوم الدلالة على صدقه قد فرط من سوء الظن فيه ما فرط. و يقال إن

بعض العلوية قال في حضرة عضد الدولة ببغداد عندنا في الكوفة نبق وزن كل نبقة مثقالان فاستطرف الملك ذلك و كاد يكذبه

الحاضرون فلما قام ذكر ذلك لأبيه فأرسل حماما كان عنده في الحال إلى الكوفة يأمر وكلاءه بإرسال مائة حمامة في رجلي كل واحدة

نبقتان من ذلك النبق فجاء النبق في بكرة الغد و حمل إلى عضد الدولة فاستحسنه و صدقه حينئذ ثم قال له لعمري لقد صدقت

[18 : 46 ]

و لكن لا تحدث فيما بعد بكل ما رأيت من الغرائب فليس كل وقت يتهيأ لك إرسال الحمام. و كان يقال الناس يكتبون أحسن ما

يسمعون و يحفظون أحسن ما يكتبون و يتحدثون بأحسن ما يحفظون و الأصدق نوع تحت جنس الأحسن و منها قوله و لا ترد على

الناس كل ما حدثوك فكفى بذلك جهلا من الجهل المبادرة بإنكار ما يسمعه و قال ابن سينا في آخر الإشارات إياك أن يكون تكيسك و

تبرؤك من العامة هو أن تنبري منكرا لكل شيء فلذلك عجز و طيش و ليس الخرق في تكذيبك ما لم يستبن لك بعد جليته دون الخرق

في تصديقك بما لم تقم بين يديك بينة بل عليك الاعتصام بحبل التوقف و إن أزعجك استنكار ما يوعيه سمعك مما لم يبرهن على

استحالته لك فالصواب أن تسرح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذدك عنها قائم البرهان. و منها قوله و اكظم الغيظ قد مدح الله

تعالى ذلك فقال وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ و

روي أن عبدا لموسى بن جعفر ع قدم إليه صحفة فيها طعام حار فعجل فصبها على رأسه و وجهه فغضب فقال له وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ

قال قد كظمت قال وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ قال قد عفوت قال وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قال أنت حر لوجه الله و قد نحلتك ضيعتي الفلانية

و منها قوله و احلم عند الغضب هذه مناسبة الأولى و قد تقدم منا قول كثير في الحلم و فضله و كذلك القول في قوله ع و تجاوز عند

القدرة و كان يقال القدرة تذهب الحفيظة.

[18 : 47 ]

و منها قوله و اصفح مع الدولة تكن لك العاقبة هذه كانت شيمة رسول الله ص و شيمة علي ع أما شيمة رسول الله ص فظفر بمشركي

مكة و عفا عنهم كما سبق القول فيه في عام الفتح و أما علي ع فظفر بأصحاب الجمل و قد شقوا عصا الإسلام عليه و طعنوا فيه و في

خلافته فعفا عنهم مع علمه بأنهم يفسدون عليه أمره فيما بعد و يصيرون إلى معاوية إما بأنفسهم أو ب آرائهم و مكتوباتهم و هذا أعظم

من الصفح عن أهل مكة لأن أهل مكة لم يبق لهم لما فتحت فئة يتحيزون إليها و يفسدون الدين عندها. و منها قوله و استصلح كل

نعمة أنعمها الله عليك معنى استصلحها استدمها لأنه إذا استدامها فقد أصلحها فإن بقاءها صلاح لها و استدامتها بالشكر. و منها قوله

و لا تضيعن نعمة من نعم الله عندك أي واس الناس منها و أحسن إليهم و اجعل بعضها لنفسك و بعضها للصدقة و الإيثار فإنك إن لم

تفعل ذلك تكن قد أضعتها. و منها قوله و لير عليك أثر النعمة قد أمر بأن يظهر الإنسان على نفسه آثار نعمة الله عليه و قال سبحانه وَ

أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ و قال الرشيد لجعفر قم بنا لنمضي إلى منزل الأصمعي فمضيا إليه خفية و معهما خادم معه ألف دينار ليدفع

ذلك إليه فدخلا داره فوجدا كساء جرداء و بارية سملاء و حصيرا مقطوعا و خباء قديمة و أباريق من خزف و دواة من زجاج و دفاتر

عليها التراب و حيطانا مملوءة من نسج العناكب فوجم الرشيد و سأله مسائل غشة لم تكن من غرضه و إنما قطع بها خجله و قال

الرشيد لجعفر أ لا ترى إلى نفس هذا المهين قد بررناه بأكثر

[18 : 48 ]

من خمسين ألف دينار و هذه حاله لم تظهر عليه آثار نعمتنا و الله لا دفعت إليه شيئا و خرج و لم يعطه. و منها قوله و اعلم أن أفضل

المؤمنين أفضلهم تقدمة من نفسه و أهله و ماله أي أفضلهم إنفاقا في البر و الخير من ماله و هي التقدمة قال الله تعالى وَ ما تُقَدِّمُوا

لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ فأما النفس و الأهل فإن تقدمتهما في الجهاد و قد تكون التقدمة في النفس بأن يشفع شفاعة حسنة أو يحضر

عند السلطان بكلام طيب و ثناء حسن و أن يصلح بين المتخاصمين و نحو ذلك و التقدمة في الأهل أن يحج بولده و زوجته و يكلفهما

المشاق في طاعة الله و أن يؤدب ولده إن أذنب و أن يقيم عليه الحد و نحو ذلك. و منها قوله و ما تقدم من خير يبق لك زخره و ما

تؤخره يكن لغيرك خيره و قد سبق مثل هذا و أن ما يتركه الإنسان بعده فقد حرم نفعه و كأنما كان يكدح لغيره و ذلك من الشقاوة و

قلة التوفيق. و منها قوله و احذر صحابة من يفيل رأيه الصحابة بفتح الصاد مصدر صحبت و الصحابة بالفتح أيضا جمع صاحب و

المراد هاهنا الأول و فال رأيه فسد و هذا المعنى قد تكرر و قال طرفة

عن المرء لا تسأل و سل عن قرينه فإن القرين بالمقارن يقتدي

و منها قوله و اسكن الأمصار العظام قد قيل لا تسكن إلا في مصر فيه سوق قائمة و نهر جار و طبيب حاذق و سلطان عادل فأما منازل

الغفلة و الجفاء فمثل قرى السواد الصغار فإن أهلها لا نور فيهم و لا ضوء عليهم و إنما هم كالدواب

[18 : 49 ]

و الأنعام همهم الحرث و الفلاحة و لا يفقهون شيئا أصلا فمجاورتهم تعمي القلب و تظلم الحس و إذا لم يجد الإنسان من يعينه على

طاعة الله و على تعلم العلم قصر فيهما. و منها قوله و اقصر رأيك على ما يعنيك كان يقال من دخل فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه. و منها

نهيه إياه عن القعود في الأسواق قد جاء في المثل السوق محل الفسوق. و

جاء في الخبر المرفوع الأسواق مواطن إبليس و جنده

و ذلك لأنها قلما تخلو عن الأيمان الكاذبة و البيوع الفاسدة و هي أيضا مجمع النساء المومسات و فجار الرجال و فيها اجتماع

أرباب الأهواء و البدع فلا يخلو أن يتجادل اثنان منهم في المذاهب و النحل فيفضي إلى الفتن. و منها قوله و انظر إلى من فضلت

عليه كان يقال انظر إلى من دونك و لا تنظر إلى من فوقك و قد بين ع السر فيه فقال إن ذلك من أبواب الشكر و صدق ع لأنك إذا

رأيت جاهلا و أنت عالم أو عالما و أنت أعلم منه أو فقيرا و أنت أغنى منه أو مبتلى بسقم و أنت معافى عنه كان ذلك باعثا و داعيا لك

إلى الشكر. و منها نهيه عن السفر يوم الجمعة ينبغي أن يكون هذا النهي عن السفر يوم الجمعة قبل الصلاة و أما بعد الصلاة فلا

بأس به و استثنى فقال إلا فاصلا في سبيل الله أي شاخصا إلى الجهاد. قال أو في أمر تعذر به أي لضرورة دعتك إلى ذلك.

[18 : 50 ]

و قد ورد نهي كثير عن السفر يوم الجمعة قبل أداء الفرض على أن من الناس من كره ذلك بعد الصلاة أيضا و هو قول شاذ. و منها قوله

و أطع الله في جمل أمورك أي في جملتها و فيها كلها و ليس يعني في جملتها دون تفاصيلها قال فإن طاعة الله فاضلة على غيرها و

صدق ع لأنها توجب السعادة الدائمة و الخلاص من الشقاء الدائم و لا أفضل مما يؤدي إلى ذلك. و منها قوله و خادع نفسك في

العبادة أمره أن يتلطف بنفسه في النوافل و أن يخادعها و لا يقهرها فتمل و تضجر و تترك بل يأخذ عفوها و يتوخى أوقات النشاط و

انشراح الصدر للعبادة. قال فأما الفرائض فحكمها غير هذا الحكم عليك أن تقوم بها كرهتها النفس أو لم تكرهها ثم أمره أن يقوم

بالفريضة في وقتها و لا يؤخرها عنه فتصير قضاء. و منها قوله و إياك أن ينزل بك المنون و أنت آبق من ربك في طلب الدنيا هذه وصية

شريفة جدا جعل طالب الدنيا المعرض عن الله عند موته كالعبد الآبق يقدم به على مولاه أسيرا مكتوفا ناكس الرأس فما ظنك به

حينئذ. و منها قوله و إياك و مصاحبة الفساق فإن الشر بالشر ملحق يقول إن الطباع ينزع بعضها إلى بعض فلا تصحبن الفساق فإنه

ينزع بك ما فيك من طبع الشر إلى مساعدتهم على الفسوق و المعصية و ما هو إلا كالنار تقوى بالنار فإذا لم تجاورها و تمازجها نار

كانت إلى الانطفاء و الخمود أقرب.

[18 : 51 ]

و روي ملحق بكسر الحاء و قد جاء ذلك

في الخبر النبوي فإن عذابك بالكفار ملحق

بالكسر. و منها قوله و أحب أحباءه

قد جاء في الخبر لا يكمل إيمان امرئ حتى يحب من أحب الله و يبغض من أبغض الله

و منها قوله و احذر الغضب قد تقدم لنا كلام طويل في الغضب و

قال إنسان للنبي ص أوصني قال لا تغضب فقال زدني فقال لا تغضب قال زدني قال لا أجد لك مزيدا

و إنما جعله ع جندا عظيما من جنود إبليس لأنه أصل الظلم و القتل و إفساد كل أمر صالح و هو إحدى القوتين المشئومتين اللتين لم

يخلق أضر منهما على الإنسان و هما منبع الشر الغضب و الشهوة

[18 : 52 ]

70- و من كتاب له ع إلى سهل بن حنيف الأنصاري و هو عامله على المدينة في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِمَّنْ قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَلَا تَأْسَفْ عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ وَ يَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ فَكَفَى لَهُمْ غَيّاً وَ

لَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى وَ الْحَقِّ وَ إِيضَاعُهُمْ إِلَى الْعَمَى وَ الْجَهْلِ فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَ مُهْطِعُونَ إِلَيْهَا قَدْ عَرَفُوا

الْعَدْلَ وَ رَأَوْهُ وَ سَمِعُوهُ وَ وَعَوْهُ وَ عَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ فَهَرَبُوا إِلَى الْأَثَرَةِ فَبُعْداً لَهُمْ وَ سُحْقاً إِنَّهُمْ وَ اللَّهِ لَمْ يَفِرُّوا مِنْ

جَوْر وَ لَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْل وَ إِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللَّهُ لَنَا صَعْبَهُ وَ يُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ

بَرَكَاتُهُ

قد تقدم نسب سهل بن حنيف و أخيه عثمان فيما مضى. و يتسللون يخرجون إلى معاوية هاربين في خفية و استتار. قال فلا تأسف أي

لا تحزن و الغي الضلال. قال و لك منهم شافيا أي يكفيك في الانتقام منهم و شفاء النفس من عقوبتهم أنهم يتسللون إلى معاوية.

[18 : 53 ]

قال ارض لمن غاب عنك غيبته فذاك ذنب عقابه فيه. و الإيضاع الإسراع وضع البعير أي أسرع و أوضعه صاحبه قال

رأى برقا فأوضع فوق بكر فلا يك ما أسال و لا أعاما

و مهطعون مسرعون أيضا و الأثرة الاستئثار يقول قد عرفوا أني لا أقسم إلا بالسوية و أني لا أنفل قوما على قوم و لا أعطي على

الأحساب و الأنساب كما فعل غيري فتركوني و هربوا إلى من يستأثر و يؤثر. قال فبعدا لهم و سحقا دعاء عليهم بالبعد و الهلاك. و

روي أنهم لم ينفروا بالنون من نفر ثم ذكر أنه راج من الله أن يذلل له صعب هذا الأمر و يسهل له حزنه و الحزن ما غلظ من الأرض و

ضده السهل

[18 : 54 ]

71- و من كتاب له ع إلى المنذر بن الجارود العبدي

و قد كان استعمله على بعض النواحي فخان الأمانة في بعض ما ولاه من أعماله

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ وَ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ وَ تَسْلُكُ سَبِيلَهُ فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لَا تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً وَ لَا تُبْقِي

لآِخِرَتِكَ عَتَاداً تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ وَ تَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ وَ لَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَ شِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ

مِنْكَ وَ مَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْل أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَة أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَة فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ

يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ

قال الرضي رضي الله عنه المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين ع إنه لنظار في عطفيه مختال في برديه تفال في

شراكيه

[18 : 55 ]

ذكر المنذر و أبيه الجارود

هو المنذر بن الجارود و اسم الجارود بشر بن خنيس بن المعلى و هو الحارث بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف

بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان

بيتهم بيت الشرف في عبد القيس و إنما سمي الجارود لبيت قاله بعض الشعراء فيه في آخره.

كما جرد الجارود بكر بن وائل

و وفد الجارود على النبي ص في سنة تسع و قيل في سنة عشر. و ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب أنه كان نصرانيا فأسلم

و حسن إسلامه و كان قد وفد مع المنذر بن ساوى في جماعة من عبد القيس و قال

شهدت بأن الله حق و سامحت بنات فؤادي بالشهادة و النهض

فأبلغ رسول الله مني رسالة بأني حنيف حيث كنت من الأرض

قال و قد اختلف في نسبه اختلافا كثيرا فقيل بشر بن المعلى بن خنيس و قيل بشر بن خنيس بن المعلى و قيل بشر بن عمرو بن العلاء

و قيل بشر بن عمرو بن المعلى و كنيته أبو عتاب و يكنى أيضا أبا المنذر. و سكن الجارود البصرة و قتل بأرض فارس و قيل بل قتل

بنهاوند مع النعمان بن مقرن و قيل إن عثمان بن العاص بعث الجارود في بعث نحو ساحل فارس فقتل

[18 : 56 ]

بموضع يعرف بعقبة الجارود و كان قبل ذلك يعرف بعقبة الطين فلما قتل الجارود فيه عرفه الناس بعقبة الجارود و ذلك في سنة

إحدى و عشرين. و قد روي عن النبي ص أحاديث و روي عنه و أمه دريمكة بنت رويم الشيبانية. و قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في

كتاب التاج إن رسول الله ص أكرم الجارود و عبد القيس حين وفدا إليه و قال للأنصار قوموا إلى إخوانكم و أشبه الناس بكم قال

لأنهم أصحاب نخل كما أن الأوس و الخزرج أصحاب نخل و مسكنهم البحرين و اليمامة قال أبو عبيدة و قال عمر بن الخطاب لو لا

أني

سمعت رسول الله ص يقول إن هذا الأمر لا يكون إلا في قريش

لما عدلت بالخلافة عن الجارود بن بشر بن المعلى و لا تخالجني في ذلك الأمور. قال أبو عبيدة و لعبد القيس ست خصال فاقت بها

على العرب منها أسود العرب بيتا و أشرفهم رهطا الجارود هو و ولده. و منها أشجع العرب حكيم بن جبلة قطعت رجله يوم الجمل

فأخذها بيده و زحف على قاتله فضربه بها حتى قتله و هو يقول

يا نفس لا تراعي إن قطعت كراعي

إن معي ذراعي

فلا يعرف في العرب أحد صنع صنيعه. و منها أعبد العرب هرم بن حيان صاحب أويس القرني. و منها أجود العرب عبد الله بن سواد بن

همام غزا السند في أربعة آلاف ففتحها و أطعم الجيش كله ذاهبا و قافلا فبلغه أن رجلا من الجيش مرض فاشتهى خبيصا

[18 : 57 ]

فأمر باتخاذ الخبيص لأربعة آلاف إنسان فأطعمهم حتى فضل و تقدم إليهم ألا يوقد أحد منهم نارا لطعام في عسكره مع ناره. و منها

أخطب العرب مصقلة بن رقبة به يضرب المثل فيقال أخطب من مصقلة. و منها أهدى العرب في الجاهلية و أبعدهم مغارا و أثرا في

الأرض في عدوه و هو دعيميص الرمل كان يعرف بالنجوم هداية و كان أهدى من القطا يدفن بيض النعام في الرمل مملوءا ماء ثم يعود

إليه فيستخرجه. فأما المنذر بن الجارود فكان شريفا و ابنه الحكم بن المنذر يتلوه في الشرف و المنذر غير معدود في الصحابة و لا

رأى رسول الله ص و لا ولد له في أيامه و كان تائها معجبا بنفسه و في الحكم ابنه يقول الراجز

يا حكم بن المنذر بن الجارود أنت الجواد ابن الجواد المحمود

سرادق المجد عليك ممدود

و كان يقال أطوع الناس في قومه الجارود بن بشر بن المعلى لما قبض رسول الله ص فارتدت العرب خطب قومه فقال أيها الناس إن

كان محمد قد مات فإن الله حتى لا يموت فاستمسكوا بدينكم و من ذهب له في هذه الفتنة دينار أو درهم أو بقرة أو شاة فعلي مثلاه فما

خالفه من عبد القيس أحد.

قوله ع إن صلاح أبيك غرني منك قد ذكرنا حال الجارود و صحبته و صلاحه و كثيرا ما يغتر الإنسان بحال الآباء فيظن أن الأبناء على

منهاجهم فلا يكون و الأمر كذلك يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ. قوله فيما رقي بالتشديد أي فيما رفع إلي و أصله أن

يكون الإنسان في موضع عال

[18 : 58 ]

فيرقى إليه شيء و كان العلو هاهنا هو علو المرتبة بين الإمام و الأمير و نحوه قولهم تعال باعتبار علو رتبة الآمر على المأمور و اللام

في لهواك متعلقة بمحذوف دل عليه انقيادا و لا يتعلق بنفس انقياد لأن المتعلق من حروف الجر بالمصدر لا يجوز أن يتقدم على

المصدر. و العتاد العدة. قوله و تصل عشيرتك كان فيما رقي إليه عنه أنه يقتطع المال و يفيضه على رهطه و قومه و يخرج بعضه في

لذاته و م آربه. قوله لجمل أهلك العرب تضرب بالجمل المثل في الهوان قال

لقد عظم البعير بغير لب و لم يستغن بالعظم البعير

يصرفه الصبي بكل وجه و يحبسه على الخسف الجرير

و تضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه و لا نكير

فأما شسع النعل فضرب المثل بها في الاستهانة مشهور لابتذالها و وطئها الأقدام في التراب. ثم ذكر أنه من كان بصفته فليس بأهل

لكذا و لا كذا إلى أن قال أو يشرك في أمانة و قد جعل الله تعالى البلاد و الرعايا أمانة في ذمة الإمام فإذا استعمل العمال على البلاد

و الرعايا فقد شركهم في تلك الأمانة. قال أو يؤمن على جباية أي على استجباء الخراج و جمعه و هذه الرواية التي سمعناها و من

الناس من يرويها على خيانة و هكذا رواها الراوندي و لم يرو الرواية الصحيحة التي ذكرناها نحن و قال يكون على متعلقة بمحذوف أو بيؤمن نفسها و هو بعيد و متكلف.

السابق

التالي