السابق

التالي

[17 : 58 ]

بينهم و حنقهم عليك حنقا منهم على أنفسهم ثم لا يزدادون في ذلك بصيرة إلا أحدثوا لك بها استقامة إن دنوت منهم دانوا لك و إن

نأيت عنهم تعززوا بك حتى يثب من ملك منهم على جاره باسمك و يسترهبه بجندك و في ذلك شاغل لهم عنك و أمان لأحداثهم بعدك و

إن كان لا أمان للدهر و لا ثقة بالأيام. قد أديت إلى الملك ما رأيته لي حظا و علي حقا من إجابتي إياه إلى ما سألني عنه و محضته

النصيحة فيه و الملك أعلى عينا و أنفذ روية و أفضل رأيا و أبعد همة فيما استعان بي عليه و كلفني بتبيينه و المشورة عليه فيه لا زال

الملك متعرفا من عوائد النعم و عواقب الصنع و توطيد الملك و تنفيس الأجل و درك الأمل ما تأتي فيه قدرته على غاية قصوى ما

تناله قدرة البشر. و السلام الذي لا انقضاء له و لا انتهاء و لا غاية و لا فناء فليكن على الملك. قالوا فعمل الملك برأيه و استخلف

على ايرانشهر أبناء الملوك و العظماء من أهل فارس فهم ملوك الطوائف الذين بقوا بعده و المملكة موزعة بينهم إلى أن جاء أردشير

بن بابك فانتزع الملك منهم

ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَ لَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَ لَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ

الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع وَ لَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقْصَاهُ وَ أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَ

أَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَ أَصْبَرَهُمْ

[17 : 59 ]

عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَ أَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَ أُولَئِكَ قَلِيلٌ ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَ أَفْسِحْ

لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيحُ عِلَّتَهُ وَ تَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ وَ أَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ

الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَ تُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا

تمحكه الخصوم تجعله ما حكا أي لجوجا محك الرجل أي لج و ماحك زيد عمرا أي لاجه. قوله و لا يتمادى في الزلة أي إن زل رجع و

أناب و الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. قوله و لا يحصر من الفيء هو المعنى الأول بعينه و الفيء الرجوع إلا أن هاهنا

زيادة و هو أنه لا يحصر أي لا يعيا في المنطق لأن من الناس من إذا زل حصر عن أن يرجع و أصابه كالفهاهة و العي خجلا. قوله و لا

تشرف نفسه أي لا تشفق و الإشراف الإشفاق و الخوف و أنشد الليث

و من مضر الحمراء إسراف أنفس علينا و حياها علينا تمضرا

[17 : 60 ]

و قال عروة بن أذينة

لقد علمت و ما الإشراف من خلقي أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

و المعنى و لا تشفق نفسه و تخاف من فوت المنافع و المرافق. ثم قال و لا يكتفى بأدنى فهم أي لا يكون قانعا بما يخطر له بادئ

الرأي من أمر الخصوم بل يستقصي و يبحث أشد البحث. قوله و أقلهم تبرما بمراجعة الخصم أي تضجرا و هذه الخصلة من محاسن ما

شرطه ع فإن القلق و الضجر و التبرم قبيح و أقبح ما يكون من القاضي. قوله و أصرمهم أي أقطعهم و أمضاهم و ازدهاه كذا أي

استخفه و الإطراء المدح و الإغراء التحريض. ثم أمره أن يتطلع على أحكامه و أقضيته و أن يفرض له عطاء واسعا يملأ عينه و يتعفف

به عن المرافق و الرشوات و أن يكون قريب المكان منه كثير الاختصاص به ليمنع قربه من سعاية الرجال به و تقبيحهم ذكره عنده. ثم

قال إن هذا الدين قد كان أسيرا هذه إشارة إلى قضاة عثمان و حكامه و أنهم لم يكونوا يقضون بالحق عنده بل بالهوى لطلب الدنيا. و

أما أصحابنا فيقولون رحم الله عثمان فإنه كان ضعيفا و استولى عليه أهله قطعوا الأمور دونه فإثمهم عليهم و عثمان بريء منهم

[17 : 61 ]

فصل في القضاة و ما يلزمهم و ذكر بعض نوادرهم

قد جاء في الحديث المرفوع لا يقضي القاضي و هو غضبان

و جاء في الحديث المرفوع أيضا من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه و إشارته و مجلسه و مقعده

دخل ابن شهاب على الوليد أو سليمان فقال له يا ابن شهاب ما حديث يرويه أهل الشام قال ما هو يا أمير المؤمنين قال إنهم يروون

أن الله تعالى إذا استرعى عبدا رعية كتب له الحسنات و لم يكتب عليه السيئات فقال كذبوا يا أمير المؤمنين أيما أقرب إلى الله نبي

أم خليفة قال بل نبي قال فإنه تعالى يقول لنبيه داود يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ

الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ فقال سليمان إن الناس ليغروننا عن ديننا. و قال بكر

بن عبد الله العدوي لابن أرطاة و أراد أن يستقضيه و الله ما أحسن القضاء فإن كنت صادقا لم يحل لك أن تستقضي من لا يحسن و إن

كنت كاذبا فقد فسقت و الله لا يحل أن تستقضي الفاسق. و قال الزهري ثلاث إذا كن في القاضي فليس بقاض أن يكره اللائمة و يحب

المحمدة و يخاف العزل. و قال محارب بن زياد للأعمش وليت القضاء فبكى أهلي فلما عزلت بكى أهلي فما أدري مم ذلك قال لأنك

وليت القضاء و أنت تكرهه و تجزع منه

[17 : 62 ]

فبكى أهلك لجزعك و عزلت عنه فكرهت العزل و جزعت فبكى أهلك لجزعك قال صدقت. أتي ابن شبرمة بقوم يشهدون على قراح

نخل فشهدوا و كانوا عدولا فامتحنهم فقال كم في القراح من نخلة قالوا لا نعلم فرد شهادتهم فقال له أحدهم أنت أيها القاضي تقضي

في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة فأعلمنا كم فيه من أسطوانة فسكت و أجازهم. خرج شريك و هو على قضاء الكوفة يتلقى الخيزران و

قد أقبلت تريد الحج و قد كان استقضي و هو كاره فأتي شاهي فأقام بها ثلاثا فلم تواف فخف زاده و ما كان معه فجعل يبله بالماء و

يأكله بالملح فقال العلاء بن المنهال الغنوي

فإن كان الذي قد قلت حقا بأن قد أكرهوك على القضاء

فما لك موضعا في كل يوم تلقى من يحج من النساء

مقيما في قرى شاهي ثلاثا بلا زاد سوى كسر و ماء

و تقدمت كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث و كانت جميلة و أخوها الوليد بن سريع إلى عبد الملك بن عمير و هو قاض بالكوفة

فقضى لها على أخيها فقال هذيل الأشجعي

أتاه وليد بالشهود يسوقهم على ما ادعى من صامت المال و الخول

و جاءت إليه كلثم و كلامها شفاء من الداء المخامر و الخبل

فأدلى وليد عند ذاك بحقه و كان وليد ذا مراء و ذا جدل

فدلهت القبطي حتى قضى لها بغير قضاء الله في محكم الطول

[17 : 63 ]

فلو كان من في القصر يعلم علمه لما استعمل القبطي فينا على عمل

له حين يقضي للنساء تخاوص و كان و ما فيه التخاوص و الحول

إذا ذات دل كلمته لحاجة فهم بأن يقضي تنحنح أو سعل

و برق عينيه و لاك لسانه يرى كل شيء ما خلا وصلها جلل

و كان عبد الملك بن عمير يقول لعن الله الأشجعي و الله لربما جاءتني السعلة و النحنحة و أنا في المتوضإ فأردهما لما شاع من

شعره. كتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أما بعد فقد كتبت إليك في القضاء بكتاب لم آلك و نفسي فيه خيرا الزم خمس خصال يسلم

لك دينك و تأخذ بأفضل حظك إذا تقدم إليك الخصمان فعليك بالبينة العادلة أو اليمين القاطعة و ادن الضعيف حتى يشتد قلبه و

ينبسط لسانه و تعهد الغريب فإنك إن لم تتعهده ترك حقه و رجع إلى أهله و إنما ضيع حقه من لم يرفق به و آس بين الخصوم في

لحظك و لفظك و عليك بالصلح بين الناس ما لم يستبن لك فصل القضاء. و كتب عمر إلى شريح لا تسارر و لا تضارر و لا تبع و لا تبتع

في مجلس القضاء و لا تقض و أنت غضبان و لا شديد الجوع و لا مشغول القلب. شهد رجل عند سوار القاضي فقال ما صناعتك فقال

مؤدب قال أنا لا أجيز شهادتك قال و لم قال لأنك تأخذ على تعليم القرآن أجرا قال و أنت أيضا تأخذ على القضاء بين المسلمين أجرا

قال إنهم أكرهوني قال نعم أكرهوك على القضاء فهل أكرهوك على أخذ الأجر قال هلم شهادتك. و دخل أبو دلامة ليشهد عند أبي ليلى

فقال حين جلس بين يديه

إذا الناس غطوني تغطيت عنهم و إن بحثوا عني ففيهم مباحث

[17 : 64 ]

و إن حفروا بئري حفرت بئارهم ليعلم ما تخفيه تلك النبائث

فقال بل نغطيك يا أبا دلامة و لا نبحثك و صرفه راضيا و أعطى المشهود عليه من عنده قيمة ذلك الشيء. كان عامر بن الظرب

العدواني حاكم العرب و قاضيها فنزل به قوم يستفتونه في الخنثى و ميراثه فلم يدر ما يقضي فيه و كان له جارية اسمها خصيلة ربما

لامها في الإبطاء عن الرعي و في الشيء يجده عليها فقال لها يا خصيلة لقد أسرع هؤلاء القوم في غنمي و أطالوا المكث قالت و ما

يكبر عليك من ذلك اتبعه مباله و خلاك ذم فقال لها مسي خصيل بعدها أو روحي. و قال أعرابي لقوم يتنازعون هل لكم في الحق أو ما

هو خير من الحق قيل و ما الذي هو خير من الحق قال التحاط و الهضم فإن أخذ الحق كله مر. و عزل عمر بن عبد العزيز بعض قضاته

فقال لم عزلتني فقال بلغني أن كلامك أكثر من كلام الخصمين إذا تحاكما إليك. و دخل إياس بن معاوية الشام و هو غلام فقدم خصما

إلى باب القاضي في أيام عبد الملك فقال القاضي أ ما تستحيي تخاصم و أنت غلام شيخا كبيرا فقال الحق أكبر منه فقال اسكت

ويحك قال فمن ينطق بحجتي إذا قال ما أظنك تقول اليوم حقا حتى تقوم فقال لا إله إلا الله فقام القاضي و دخل على عبد الملك و

أخبره فقال اقض حاجته و أخرجه من الشام كي لا يفسد علينا الناس. و اختصم أعرابي و حضري إلى قاض فقال الأعرابي أيها القاضي

إنه و إن هملج إلى الباطل فإنه عن الحق لعطوف. و رد رجل جارية على رجل اشتراها منه بالحمق فترافعا إلى إياس بن معاوية

[17 : 65 ]

فقال لها إياس أي رجليك أطول فقالت هذه فقال أ تذكرين ليلة ولدتك أمك قالت نعم فقال إياس رد رد. و

جاء في الخبر المرفوع من رواية عبد الله بن عمر لا قدست أمة لا يقضى فيها بالحق

و من الحديث المرفوع من رواية أبي هريرة ليس أحد يحكم بين الناس إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه فكه العدل و

أسلمه الجور

واستعدى رجل على علي بن أبي طالب ع عمر بن الخطاب رضي الله عنه و علي جالس فالتفت عمر إليه فقال قم يا أبا الحسن فاجلس

مع خصمك فقام فجلس معه و تناظرا ثم انصرف الرجل و رجع علي ع إلى محله فتبين عمر التغير في وجهه فقال يا أبا الحسن ما لي

أراك متغيرا أ كرهت ما كان قال نعم قال و ما ذاك قال كنيتني بحضرة خصمي هلا قلت قم يا علي فاجلس مع خصمك فاعتنق عمر عليا و

جعل يقبل وجهه و قال بأبي أنتم بكم هدانا الله و بكم أخرجنا من الظلمة إلى النور

أبان بن عبد الحميد اللاحقي في سوار بن عبد الله القاضي

لا تقدح الظنة في حكمه شيمته عدل و إنصاف

يمضي إذا لم تلقه شبهة و في اعتراض الشك وقاف

كان ببغداد رجل يذكر بالصلاح و الزهد يقال له رويم فولي القضاء فقال الجنيد من أراد أن يستودع سره من لا يفشيه فعليه برويم

فإنه كتم حب الدنيا أربعين سنة إلى أن قدر عليها. الأشهب الكوفي

يا أهل بغداد قد قامت قيامتكم مذ صار قاضيكم نوح بن دراج

لو كان حيا له الحجاج ما سلمت صحيحة يده من وسم حجاج

[17 : 66 ]

و كان الحجاج يسم أيدي النبط بالمشراط و النيل. لما وقعت فتنة ابن الزبير اعتزل شريح القضاء و قال لا أقضي في الفتنة فبقي لا

يقضي تسع سنين ثم عاد إلى القضاء و قد كبرت سنه فاعترضه رجل و قد انصرف من مجلس القضاء فقال له أ ما حان لك أن تخاف الله

كبرت سنك و فسد ذهنك و صارت الأمور تجوز عليك فقال و الله لا يقولها بعدك لي أحد فلزم بيته حتى مات. قيل لأبي قلابة و قد هرب

من القضاء لو أجبت قال أخاف الهلاك قيل لو اجتهدت لم يكن عليك بأس قال ويحكم إذا وقع السابح في البحر كم عسى أن يسبح.

دعا رجل لسليمان الشاذكوني فقال أرانيك الله يا أبا أيوب على قضاء أصبهان قال ويحك إن كان و لا بد فعلى خراجها فإن أخذ أموال

الأغنياء أسهل من أخذ أموال الأيتام. ارتفعت جميلة بنت عيسى بن جراد و كانت جميلة كاسمها مع خصم لها إلى الشعبي و هو قاضي

عبد الملك فقضى لها فقال هذيل الأشجعي

فتن الشعبي لما رفع الطرف إليها

فتنته بثنايا ها و قوسي حاجبيها

و مشت مشيا رويدا ثم هزت منكبيها

فقضى جورا على الخصم و لم يقض عليها

فقبض الشعبي عليه و ضربه ثلاثين سوطا. قال ابن أبي ليلى ثم انصرف الشعبي يوما من مجلس القضاء و قد شاعت الأبيات

[17 : 67 ]

و تناشدها الناس و نحن معه فمررنا بخادم تغسل الثياب و تقول

فتن الشعبي لما

و لا تحفظ تتمة البيت فوقف عليها و لقنها و قال

رفع الطرف إليها

ثم ضحك و قال أبعده الله و الله ما قضينا لها إلا بالحق. جاءت امرأة إلى قاض فقالت مات بعلي و ترك أبوين و ابنا و بني عم فقال

القاضي لأبويه الثكل و لابنه اليتم و لك اللائمة و لبني عمه الذلة و احملي المال إلينا إلى أن ترتفع الخصوم. لقي سفيان الثوري

شريكا بعد ما استقضي فقال له يا أبا عبد الله بعد الإسلام و الفقه و الصلاح تلي القضاء قال يا أبا عبد الله فهل للناس بد من قاض قال

و لا بد يا أبا عبد الله للناس من شرطي. و كان الحسن بن صالح بن حي يقول لما ولي شريك القضاء أي شيخ أفسدوا.

قال أبو ذر رضي الله عنه قال لي رسول الله ص يا أبا ذر اعقل ما أقول لك جعل يرددها على ستة أيام ثم قال لي في اليوم السابع

أوصيك بتقوى الله في سريرتك و علانيتك و إذا أسأت فأحسن و لا تسألن أحدا شيئا و لو سقط سوطك و لا تتقلدن أمانة و لا تلين

ولاية و لا تكفلن يتيما و لا تقضين بين اثنين

أراد عثمان بن عفان أن يستقضي عبد الله بن عمر فقال له أ لست قد

سمعت النبي ص يقول من استعاذ بالله فقد عاذ بمعاذ

قال بلى قال فإني أعوذ بالله منك أن تستقضيني.

[17 : 68 ]

و قد ذكر الفقهاء في آداب القاضي أمورا قالوا لا يجوز أن يقبل هدية في أيام القضاء إلا ممن كانت له عادة يهدي إليه قبل أيام

القضاء و لا يجوز قبولها في أيام القضاء ممن له حكومة و خصومة و إن كان ممن له عادة قديمة و كذلك إن كانت الهدية أنفس و أرفع

مما كانت قبل أيام القضاء لا يجوز قبولها و يجوز أن يحضر القاضي الولائم و لا يحضر عند قوم دون قوم لأن التخصيص يشعر

بالميل و يجوز أن يعود المرضى و يشهد الجنائز و يأتي مقدم الغائب و يكره له مباشرة البيع و الشراء و لا يجوز أن يقضي و هو

غضبان و لا جائع و لا عطشان و لا في حال الحزن الشديد و لا الفرح الشديد و لا يقضي و النعاس يغلبه و المرض يقلقه و لا و هو

يدافع الأخبثين و لا في حر مزعج و لا في برد مزعج و ينبغي أن يجلس للحكم في موضع بارز يصل إليه كل أحد و لا يحتجب إلا لعذر و

يستحب أن يكون مجلسه فسيحا لا يتأذى بذلك هو أيضا و يكره الجلوس في المساجد للقضاء فإن احتاج إلى وكلاء جاز أن يتخذهم

و يوصيهم بالرفق بالخصوم و يستحب أن يكون له حبس و أن يتخذ كاتبا إن احتاج إليه و من شرط كاتبه أن يكون عارفا بما يكتب

به عن القضاء. و اختلف في جواز كونه ذميا و الأظهر أنه لا يجوز و لا يجوز أن يكون كاتبه فاسقا و لا يجوز أن يكون الشهود عنده

قوما معينين بل الشهادة عامة فيمن استكمل شروطها

ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِيَاراً وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ

التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ

إِشْرَافاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً

[17 : 69 ]

ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَ غِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ

أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى

اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَ تَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَة اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ

بِذَلِكَ شَاهِداً فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ

لما فرغ ع من أمر القضاء شرع في أمر العمال و هم عمال السواد و الصدقات و الوقوف و المصالح و غيرها فأمره أن يستعملهم بعد

اختبارهم و تجربتهم و ألا يوليهم محاباة لهم و لمن يشفع فيهم و لا أثرة و لا إنعاما عليهم. كان أبو الحسن بن الفرات يقول الأعمال

للكفاة من أصحابنا و قضاء الحقوق على خواص أموالنا. و كان يحيى بن خالد يقول من تسبب إلينا بشفاعة في عمل فقد حل عندنا

محل من ينهض بغيره و من لم ينهض بنفسه لم يكن للعمل أهلا. و وقع جعفر بن يحيى في رقعة متحرم به هذا فتى له حرمة الأمل

فامتحنه بالعمل فإن كان كافيا فالسلطان له دوننا و إن لم يكن كافيا فنحن له دون السلطان. ثم قال ع فإنهما يعني استعمالهم

للمحاباة و الأثرة جماع من شعب الجور و الخيانة و قد تقدم شرح مثل هذه اللفظة و المعنى أن ذلك يجمع ضروبا من الجور و

الخيانة أما الجور فإنه يكون قد عدل عن المستحق إلى غير المستحق ففي ذلك جور على المستحق.

[17 : 70 ]

و أما الخيانة فلأن الأمانة تقتضي تقليد الأعمال الأكفاء فمن لم يعتمد ذلك فقد خان من ولاه. ثم أمره بتخير من قد جرب و من هو من

أهل البيوتات و الأشراف لشدة الحرص على الشيء و الخوف من فواته. ثم أمره بإسباغ الأرزاق عليهم فإن الجائع لا أمانة له و لأن

الحجة تكون لازمة لهم إن خانوا لأنهم قد كفوا مئونة أنفسهم و أهليهم بما فرض لهم من الأرزاق. ثم أمره بالتطلع عليهم و إذكاء

العيون و الأرصاد على حركاتهم. و حدوة باعث يقال حداني هذا الأمر حدوة على كذا و أصله سوق الإبل و يقال للشمال حدواء لأنها

تسوق السحاب. ثم أمره بمؤاخذة من ثبتت خيانته و استعادة المال منه و قد صنع عمر كثيرا من ذلك و ذكرناه فيما تقدم. قال بعض

الأكاسرة لعامل من عماله كيف نومك بالليل قال أنامه كله قال أحسنت لو سرقت ما نمت هذا النوم

وَ تَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَ صَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَ لَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ

عَلَى الْخَرَاجِ وَ أَهْلِهِ وَ لْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَ مَنْ طَلَبَ

الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَ أَهْلَكَ

[17 : 71 ]

الْعِبَادَ وَ لَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ

عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ وَ لَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَ تَزْيِينِ

وِلَايَتِكَ مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَ تَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَ الثِّقَةَ

مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ فَإِنَّ

الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ وَ إِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا وَ إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ وَ سُوءِ ظَنِّهِمْ

بِالْبَقَاءِ وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ

انتقل ع من ذكر العمال إلى ذكر أرباب الخراج و دهاقين السواد فقال تفقد أمرهم فإن الناس عيال عليهم و كان يقال استوصوا بأهل

الخراج فإنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا. و رفع إلى أنوشروان أن عامل الأهواز قد حمل من مال الخراج ما يزيد على العادة و ربما

يكون ذلك قد أجحف بالرعية فوقع يرد هذا المال على من قد استوفى منه فإن تكثير الملك ماله بأموال رعيته بمنزلة من يحصن

سطوحه بما يقتلعه من قواعد بنيانه.

[17 : 72 ]

و كان على خاتم أنوشروان لا يكون عمران حيث يجور السلطان. و روي استحلاب الخراج بالحاء. ثم قال فإن شكوا ثقلا أي ثقل

طسق الخراج المضروب عليهم أو ثقل وطأة العامل. قال أو علة نحو أن يصيب الغلة آفة كالجراد و البرق أو البرد. قال أو انقطاع

شرب بأن ينقص الماء في النهر أو تتعلق أرض الشرب عنه لفقد الحفر. قال أو بالة يعني المطر. قال أو إحالة أرض اغتمرها غرق يعني أو

كون الأرض قد حالت و لم يحصل منها ارتفاع لأن الغرق غمرها و أفسد زرعها. قال أو أجحف بها عطش أي أتلفها. فإن قلت فهذا هو

انقطاع الشرب قلت لا قد يكون الشرب غير منقطع و مع ذلك يجحف بها العطش بأن لا يكفيها الماء الموجود في الشرب. ثم أمره أن

يخفف عنهم متى لحقهم شيء من ذلك فإن التخفيف يصلح أمورهم و هو و إن كان يدخل على المال نقصا في العاجل إلا أنه يقتضي

توفير زيادة في الآجل فهو بمنزلة التجارة التي لا بد فيها من إخراج رأس المال و انتظار عوده و عود ربحه.

[17 : 73 ]

قال و مع ذلك فإنه يفضي إلى تزين بلادك بعمارتها و إلى أنك تبجح بين الولاة بإفاضة العدل في رعيتك معتمدا فضل قوتهم و معتمدا

منصوب على الحال من الضمير في خففت الأولى أي خففت عنهم معتمدا بالتخفيف فضل قوتهم. و الإجمام الترفيه. ثم قال له و ربما

احتجت فيما بعد إلى تكلفهم بحادث يحدث عندك المساعدة بمال يقسطونه عليهم قرضا أو معونة محضة فإذا كانت لهم ثروة نهضوا

بمثل ذلك طيبة قلوبهم به. ثم قال ع فإن العمران محتمل ما حملته. سمعت أبا محمد بن خليد و كان صاحب ديوان الخراج في أيام

الناصر لدين الله يقول لمن قال له قد قيل عنك إن واسط و البصرة قد خربت لشدة العنف بأهلها في تحصيل الأموال فقال أبو محمد

ما دام هذا الشط بحاله و النخل نابتا في منابته بحاله ما تخرب واسط و البصرة أبدا. ثم قال ع إنما تؤتى الأرض أي إنما تدهى من

إعواز أهلها أي من فقرهم. قال و الموجب لإعوازهم طمع ولاتهم في الجباية و جمع الأموال لأنفسهم و لسلطانهم و سوء ظنهم

بالبقاء يحتمل أن يريد به أنهم يظنون طول البقاء و ينسون الموت و الزوال. و يحتمل أن يريد به أنهم يتخيلون العزل و الصرف

فينتهزون الفرص و يقتطعون الأموال و لا ينظرون في عمارة البلاد

[17 : 74 ]

عهد سابور بن أردشير لابنه

و قد وجدت في عهد سابور بن أردشير إلى ابنه كلاما يشابه كلام أمير المؤمنين ع في هذا العهد و هو قوله و اعلم أن قوام أمرك بدرور

الخراج و درور الخراج بعمارة البلاد و بلوغ الغاية في ذلك استصلاح أهله بالعدل عليهم و المعونة لهم فإن بعض الأمور لبعض سبب

و عوام الناس لخواصهم عدة و بكل صنف منهم إلى الآخر حاجة فاختر لذلك أفضل من تقدر عليه من كتابك و ليكونوا من أهل البصر و

العفاف و الكفاية و استرسل إلى كل امرئ منهم شخصا يضطلع به و يمكنه تعجيل الفراغ منه فإن اطلعت على أن أحدا منهم خان أو

تعدى فنكل به و بالغ في عقوبته و احذر أن تستعمل على الأرض الكثير خراجها إلا البعيد الصوت العظيم شرف المنزلة. و لا تولين

أحدا من قواد جندك الذين هم عدة للحرب و جنة من الأعداء شيئا من أمر الخراج فلعلك تهجم من بعضهم على خيانة في المال أو

تضييع للعمل فإن سوغته المال و أغضيت له على التضييع كان ذلك هلاكا و إضرارا بك و برعيتك و داعية إلى فساد غيره و إن أنت

كافأته فقد استفسدته و أضقت صدره و هذا أمر توقيه حزم و الإقدام عليه خرق و التقصير فيه عجز. و اعلم أن من أهل الخراج من

يلجئ بعض أرضه و ضياعه إلى خاصة الملك و بطانته لأحد أمرين أنت حري بكراهتهما إما لامتناع من جور العمال و ظلم الولاة و تلك

منزلة يظهر بها سوء أثر العمال و ضعف الملك و إخلاله بما تحت يده و إما للدفع عما يلزمهم

[17 : 75 ]

من الحق و التيسر له و هذه خلة تفسد بها آداب الرعية و تنتقص بها أموال الملك فاحذر ذلك و عاقب الملتجئين و الملجأ إليهم

ركب زياد يوما بالسوس يطوف بالضياع و الزروع فرأى عمارة حسنة فتعجب منها فخاف أهلها أن يزيد في خراجهم فلما نزل دعا وجوه

البلد و قال بارك الله عليكم فقد أحسنتم العمارة و قد وضعت عنكم مائة ألف درهم ثم قال ما توفر علي من تهالك غيرهم على العمارة

و أمنهم جوري أضعاف ما وضعت عن هؤلاء الآن و الذي وضعته بقدر ما يحصل من ذاك و ثواب عموم العمارة و أمن الرعية أفضل ربح

ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَ اخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَ أَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُودِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ

مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَاف لَكَ بِحَضْرَةِ مَلا وَ لَا تُقَصِّرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا

عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ وَ فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَ يُعْطِي مِنْكَ وَ لَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ وَ لَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ

نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَ اسْتِنَامَتِكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ

[17 : 76 ]

فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ حَدِيثِهِمْ وَ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَ الْأَمَانَةِ شَيْءٌ وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا

وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ وَ

اجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْر مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَ لَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا وَ مَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْب فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ

فصل فيما يجب على مصاحب الملك

لما فرغ من أمر الخراج شرع في أمر الكتاب الذين يلون أمر الحضرة و يترسلون عنه إلى عماله و أمرائه و إليهم معاقد التدبير و أمر

الديوان فأمره أن يتخير الصالح منهم و من يوثق على الاطلاع على الأسرار و المكايد و الحيل و التدبيرات و من لا يبطره الإكرام و

التقريب فيطمع فيجترئ على مخالفته في ملإ من الناس و الرد عليه ففي ذلك من الوهن للأمير و سوء الأدب الذي انكشف الكاتب عنه

ما لا خفاء به. قال الرشيد للكسائي يا علي بن حمزة قد أحللناك المحل الذي لم تكن تبلغه همتك فرونا من الأشعار أعفها و من

الأحاديث أجمعها لمحاسن الأخلاق و ذاكرنا ب آداب الفرس و الهند و لا تسرع علينا الرد في ملإ و لا تترك تثقيفنا في خلإ. و في آداب

ابن المقفع لا تكونن صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك لنفسك على

[17 : 77 ]

طاعتهم في المكروه عندك و موافقتهم فيما خالفك و تقدير الأمور على أهوائهم دون هواك فإن كنت حافظا إذا ولوك حذرا إذا قربوك

أمينا إذا ائتمنوك تعلمهم و كأنك تتعلم منهم و تأدبهم و كأنك تتأدب بهم و تشكر لهم و لا تكلفهم الشكر ذليلا إن صرموك راضيا إن

أسخطوك و إلا فالبعد منهم كل البعد و الحذر منهم كل الحذر و إن وجدت عن السلطان و صحبته غنى فاستغن عنه فإنه من يخدم

السلطان حق خدمته يخلى بينه و بين لذة الدنيا و عمل الأخرى و من يخدمه غير حق الخدمة فقد احتمل وزر الآخرة و عرض نفسه

للهلكة و الفضيحة في الدنيا فإذا صحبت السلطان فعليك بطول الملازمة من غير إملال و إذا نزلت منه بمنزلة الثقة فاعزل عنه كلام

الملق و لا تكثر له من الدعاء و لا تردن عليه كلاما في حفل و إن أخطأ فإذا خلوت به فبصره في رفق و لا يكونن طلبك ما عنده بالمسألة

و لا تستبطئه و إن أبطأ و لا تخبرنه أن لك عليه حقا و أنك تعتمد عليه ببلاء و إن استطعت ألا تنسى حقك و بلاءك بتجديد النصح و

الاجتهاد فافعل و لا تعطينه المجهود كله من نفسك في أول صحبتك له و أعد موضعا للمزيد و إذا سأل غيرك عن شيء فلا تكن

المجيب. و اعلم أن استلابك الكلام خفة فيك و استخفاف منك بالسائل و المسئول فما أنت قائل إن قال لك السائل ما إياك سألت

أو قال المسئول أجب بمجالسته و محادثته أيها المعجب بنفسه و المستخف بسلطانه. و قال عبد الملك بن صالح لمؤدب ولده بعد

أن اختصه بمجالسته و محادثته يا عبد الله كن على التماس الحظ فيك بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فإنهم قالوا إذا

أعجبك الكلام فاصمت و إذا أعجبك الصمت فتكلم و اعلم أن أصعب الملوك معاملة الجبار الفطن المتفقد فإن ابتليت بصحبته

فاحترس و إن عوفيت فاشكر الله على السلامة فإن السلامة أصل كل نعمة لا تساعدني على ما يقبح بي و لا تردن علي

[17 : 78 ]

خطأ في مجلس و لا تكلفني جواب التشميت و التهنئة و دع عنك كيف أصبح الأمير و كيف أمسى و كلمني بقدر ما أستنطقك و اجعل

بدل التقريظ لي صواب الاستماع مني و اعلم أن صواب الاستماع أحسن من صواب القول فإذا سمعتني أتحدث فلا يفوتنك منه شيء و

أرني فهمك إياه في طرفك و وجهك فما ظنك بالملك و قد أحلك محل المعجب بما يسمعك إياه و أحللته محل من لا يسمع منه و كل

من هذا يحبط إحسانك و يسقط حق حرمتك و لا تستدع الزيادة من كلامي بما تظهر من استحسان ما يكون مني فمن أسوأ حالا ممن

يستكد الملوك بالباطل و ذلك يدل على تهاونه بقدر ما أوجب الله تعالى من حقهم و اعلم أني جعلتك مؤدبا بعد أن كنت معلما و

جعلتك جليسا مقربا بعد أن كنت مع الصبيان مباعدا فمتى لم تعرف نقصان ما خرجت منه لم تعرف رجحان ما دخلت فيه و قد قالوا من

لم يعرف سوء ما أولى لم يعرف حسن ما أبلى

ثم قال ع و ليكن كاتبك غير مقصر عن عرض مكتوبات عمالك عليك و الإجابة عنها حسن الوكالة و النيابة عنك فيما يحتج به لك

عليهم من مكتوباتهم و ما يصدره عنك إليهم من الأجوبة فإن عقد لك عقدا قواه و أحكمه و إن عقد عليك عقدا اجتهد في نقضه و حله

قال و أن يكون عارفا بنفسه فمن لم يعرف قدر نفسه لم يعرف قدر غيره. ثم نهاه أن يكون مستند اختياره لهؤلاء فراسته فيهم و غلبة

ظنه بأحوالهم فإن التدليس ينم في ذلك كثيرا و ما زال الكتاب يتصنعون للأمراء بحسن الظاهر و ليس وراء ذلك كثير طائل في

النصيحة و المعرفة و لكن ينبغي أن يرجع في ذلك إلى ما حكمت

[17 : 79 ]

به التجربة لهم و ما ولوه من قبل فإن كانت ولايتهم و كتابتهم حسنة مشكورة فهم هم و إلا فلا و يتعرفون لفراسات الولاة يجعلون

أنفسهم بحيث يعرف بضروب من التصنع و روي يتعرضون. ثم أمره أن يقسم فنون الكتابة و ضروبها بينهم نحو أن يكون أحدهم

للرسائل إلى الأطراف و الأعداء و الآخر لأجوبة عمال السواد و الآخرة بحضرة الأمير في خاصته و داره و حاشيته و ثقاته. ثم ذكر له

أنه مأخوذ مع الله تعالى بما يتغابى عنه و يتغافل من عيوب كتابه فإن الدين لا يبيح الإغضاء و الغفلة عن الأعوان و الخول و يوجب

التطلع عليهم

فصل في الكتاب و ما يلزمهم من الآداب

و اعلم أن الكاتب الذي يشير أمير المؤمنين ع إليه هو الذي يسمى الآن في الاصطلاح العرفي وزيرا لأنه صاحب تدبير حضرة الأمير و

النائب عنه في أموره و إليه تصل مكتوبات العمال و عنه تصدر الأجوبة و إليه العرض على الأمير و هو المستدرك على العمال و

المهيمن عليهم و هو على الحقيقة كاتب الكتاب و لهذا يسمونه الكاتب المطلق. و كان يقال للكاتب على الملك ثلاث رفع الحجاب

عنه و اتهام الوشاة عليه و إفشاء السر إليه. و كان يقال صاحب السلطان نصفه و كاتبه كله و ينبغي لصاحب الشرطة أن يطيل

الجلوس و يديم العبوس و يستخف بالشفاعات.

[17 : 80 ]

و كان يقال إذا كان الملك ضعيفا و الوزير شرها و القاضي جائرا فرقوا الملك شعاعا. و كان يقال لا تخف صولة الأمير مع رضا الكاتب

و لا تثقن برضا الأمير مع سخط الكاتب و أخذ هذا المعنى أبو الفضل بن العميد فقال

و زعمت أنك لست تفكر بعد ما علقت يداك بذمة الأمراء

هيهات قد كذبتك فكرتك التي قد أوهمتك غنى عن الوزراء

لم تغن عن أحد سماء لم تجد أرضا و لا أرض بغير سماء

و كان يقال إذا لم يشرف الملك على أموره صار أغش الناس إليه وزيره. و كان يقال ليس الحرب الغشوم بأسرع في اجتياح الملك من

تضييع مراتب الكتاب حتى يصيبها أهل النذالة و يزهد فيها أولو الفضل

فصل في ذكر ما نصحت به الأوائل الوزراء

و كان يقال لا شيء أذهب بالدول من استكفاء الملك الأسرار. و كان يقال من سعادة جد المرء ألا يكون في الزمان المختلط وزيرا

للسلطان. و كان يقال كما أن أشجع الرجال يحتاج إلى السلاح و أسبق الخيل يحتاج إلى السوط و أحد الشفار يحتاج إلى المسن

كذلك أحزم الملوك و أعقلهم يحتاج إلى الوزير الصالح. و كان يقال صلاح الدنيا بصلاح الملوك و صلاح الملوك بصلاح الوزراء

[17 : 81 ]

و كما لا يصلح الملك إلا بمن يستحق الملك كذلك لا تصلح الوزارة إلا بمن يستحق الوزارة. و كان يقال الوزير الصالح لا يرى أن

صلاحه في نفسه كائن صلاحا حتى يتصل بصلاح الملك و صلاح رعيته و أن تكون عنايته فيما عطف الملك على رعيته و فيما استعطف

قلوب الرعية و العامة على الطاعة للملك و فيما فيه قوام أمر الملك من التدبير الحسن حتى يجمع إلى أخذ الحق تقديم عموم الأمن

و إذا طرقت الحوادث كان للملك عدة و عتادا و للرعية كافيا محتاطا و من ورائها محاميا ذابا يعنيه من صلاحها ما لا يعنيه من صلاح

نفسه دونها. و كان يقال مثل الملك الصالح إذا كان وزيره فاسدا مثل الماء العذب الصافي و فيه التمساح لا يستطيع الإنسان و إن

كان سابحا و إلى الماء ظامئا دخوله حذرا على نفسه. قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي حين استخلف لو كنت كاتبي و

ردءا لي على ما دفعت إليه قال لا أفعل و لكني سأرشدك أسرع الاستماع و أبطئ في التصديق حتى يأتيك واضح البرهان و لا تعملن

ثبجتك فيما تكتفي فيه بلسانك و لا سوطك فيما تكتفي فيه بثبجتك و لا سيفك فيما تكتفي فيه بسوطك. و كان يقال التقاط الكاتب

للرشا و ضبط الملك لا يجتمعان. و قال أبرويز لكاتبه اكتم السر و اصدق الحديث و اجتهد في النصيحة و عليك بالحذر فإن لك علي

ألا أعجل عليك حتى أستأني لك و لا أقبل فيك قولا حتى أستيقن و لا أطمع فيك أحدا فتغتال و اعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطنها و

في

[17 : 82 ]

ظل مملكة فلا تستزيلنه قارب الناس مجاملة من نفسك و باعدهم مسامحة عن عدوك و اقصد إلى الجميل ازدراعا لغدك و تنزه

بالعفاف صونا لمروءتك و تحسن عندي بما قدرت عليه احذر لا تسرعن الألسنة عليك و لا تقبحن الأحدوثة عنك و صن نفسك صون

الدرة الصافية و أخلصها إخلاص الفضة البيضاء و عاتبها معاتبة الحذر المشفق و حصنها تحصين المدينة المنيعة لا تدعن أن ترفع إلى

الصغير فإنه يدل على الكبير و لا تكتمن عني الكبير فإنه ليس بشاغل عن الصغير هذب أمورك ثم القني بها و احكم أمرك ثم راجعني

فيه و لا تجترئن علي فأمتعض و لا تنقبضن مني فأتهم و لا تمرضن ما تلقاني به و لا تخدجنه و إذا أفكرت فلا تجعل و إذا كتبت فلا تعذر

و لا تستعن بالفضول فإنها علاوة على الكفاية و لا تقصرن عن التحقيق فإنها هجنة بالمقالة و لا تلبس كلاما بكلام و لا تبعدن معنى عن

معنى و أكرم لي كتابك عن ثلاث خضوع يستخفه و انتشار يهجنه و معان تعقد به و اجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول و ليكن

بسطة كلامك على كلام السوقة كبسطة الملك الذي تحدثه على الملوك لا يكن ما نلته عظيما و ما تتكلم به صغيرا فإنما كلام الكاتب

على مقدار الملك فاجعله عاليا كعلوه و فائقا كتفوقه فإنما جماع الكلام كله خصال أربع سؤالك الشيء و سؤالك عن الشيء و أمرك

بالشيء و خبرك عن الشيء فهذه الخصال دعائم المقالات إن التمس إليها خامس لم يوجد و إن نقص منها واحد لم يتم فإذا أمرت

فاحكم و إذا سألت فأوضح و إذا طلبت فأسمح و إذا أخبرت فحقق فإنك إذا فعلت ذلك أخذت بجراثيم القول كله فلم يشتبه عليك

واردة و لم تعجزك صادرة أثبت في دواوينك ما أخذت و أحص فيها ما أخرجت و تيقظ لما تعطي و تجرد لما تأخذ و لا يغلبنك النسيان

عن الإحصاء و لا الأناة عن التقدم و لا تخرجن

[17 : 83 ]

وزن قيراط في غير حق و لا تعظمن إخراج الألوف الكثيرة في الحق و ليكن ذلك كله عن مؤامرتي

ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً الْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَ الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ الْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَ أَسْبَابُ

الْمَرَافِقِ وَ جُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ فِي بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ وَ حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَ لَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ

سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَ صُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلَادِكَ وَ اعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِير مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً

وَ شُحّاً قَبِيحاً وَ احْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَ تَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّة لِلْعَامَّةِ وَ عَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ

ص مَنَعَ مِنْهُ وَ لْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْل وَ أَسْعَار لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ

فَنَكِّلْ بِهِ وَ عَاقِبْهُ مِنْ غَيْرِ إِسْرَاف

خرج ع الآن إلى ذكر التجار و ذوي الصناعات و أمره بأن يعمل معهم الخير و أن يوصى غيره من أمرائه و عماله أن يعملوا معهم

الخير و استوص بمعنى أوص

[17 : 84 ]

نحو قر في المكان و استقر و علا قرنه و استعلاه. و قوله استوص بالتجار خيرا أي أوص نفسك بذلك و منه

قول النبي ص استوصوا بالنساء خيرا

و مفعولا استوص و أوص هاهنا محذوفان للعلم بهما و يجوز أن يكون استوص أي اقبل الوصية مني بهم و أوص بهم أنت غيرك. ثم

قسم ع الموصى بهم ثلاثة أقسام اثنان منها للتجار و هما المقيم و المضطرب يعني المسافر و الضرب السير في الأرض قال تعالى إِذا

ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ و واحد لأرباب الصناعات و هو قوله و المترفق ببدنه و روي بيديه تثنية يد. و المطارح الأماكن البعيدة. و حيث لا

يلتئم الناس لا يجتمعون و روي حيث لا يلتئم بحذف الواو ثم قال فإنهم أولو سلم يعني التجار و الصناع استعطفه عليهم و استماله

إليهم. و قال ليسوا كعمال الخراج و أمراء الأجناد فجانبهم ينبغي أن يراعى و حالهم يجب أن يحاط و يحمى إذ لا يتخوف منهم

بائقة لا في مال يخونون فيه و لا في دولة يفسدونها و حواشي البلاد أطرافها. ثم قال له قد يكون في كثير منهم نوع من الشح و

البخل فيدعوهم ذلك إلى الاحتكار في الأقوات و الحيف في البياعات و الاحتكار ابتياع الغلات في أيام

[17 : 85 ]

رخصها و ادخارها في المخازن إلى أيام الغلاء و القحط و الحيف تطفيف في الوزن و الكيل و زيادة في السعر و هو الذي عبر عنه

بالتحكم و قد نهى رسول الله ص عن الاحتكار و أما التطفيف و زياد التسعير فمنهي عنهما في نص الكتاب. و قارف حكرة واقعها و

الحاء مضمومة و أمره أن يؤدب فاعل ذلك من غير إسراف و ذلك أنه دون المعاصي التي توجب الحدود فغاية أمره من التعزير الإهانة و

المنع

ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ

مُعْتَرّاً وَ احْفَظِ اللَّهَ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَ اجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَ قِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَد فَإِنَّ

لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى وَ كُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَ لَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِ التَّافِهِ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا

تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَ لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَ تَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ

مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَ التَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ

إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ

[17 : 86 ]

وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَ ذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَ لَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَ ذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ وَ الْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَ قَدْ

يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَام طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ

انتقل من التجار و أرباب الصناعات إلى ذكر فقراء الرعية و مغموريها فقال و أهل البؤسى و هي البؤس كالنعمى للنعيم و الزمنى أولو

الزمانة. و القانع السائل و المعتر الذي يعرض لك و لا يسألك و هما من ألفاظ الكتاب العزيز. و أمره أن يعطيهم من بيت مال

المسلمين لأنهم من الأصناف المذكورين في قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ

الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ و أن يعطيهم من غلات صوافي الإسلام و هي الأرضون التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و

كانت صافية لرسول الله ص فلما قبض صارت لفقراء المسلمين و لما يراه الإمام من مصالح الإسلام. ثم قال له فإن للأقصى منهم مثل

الذي للأدنى أي كل فقراء المسلمين سواء في سهامهم ليس فيها أقصى و أدنى أي لا تؤثر من هو قريب إليك أو إلى أحد من خاصتك

على من هو بعيد ليس له سبب إليك و لا علقة بينه و بينك و يمكن أن يريد به لا تصرف غلات ما كان من الصوافي في بعض البلاد إلى

مساكين ذلك

[17 : 87 ]

البلد خاصة فإن حق البعيد عن ذلك البلد فيها كمثل حق المقيم في ذلك البلد. و التافه الحقير و أشخصت زيدا من موضع كذا أخرجته

عنه و فلان يصعر خده للناس أي يتكبر عليهم. و تقتحمه العيون تزدريه و تحتقره و الإعذار إلى الله الاجتهاد و المبالغة في تأدية حقه

و القيام بفرائضه. كان بعض الأكاسرة يجلس للمظالم بنفسه و لا يثق إلى غيره و يقعد بحيث يسمع الصوت فإذا سمعه أدخل المتظلم

فأصيب بصمم في سمعه فنادى مناديه أن الملك يقول أيها الرعية إني إن أصبت بصمم في سمعي فلم أصب في بصري كل ذي ظلامة

فليلبس ثوبا أحمر ثم جلس لهم في مستشرف له. و كان لأمير المؤمنين ع بيت سماه بيت القصص يلقي الناس فيه رقاعهم و كذلك كان

فعل المهدي محمد بن هارون الواثق من خلفاء بني العباس

وَ اجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَ تُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ

أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِع فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ

لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِع

[17 : 88 ]

ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِيَّ وَ نَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ وَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا

أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَال وَ إِعْذَار ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ

حَاجَاتِ النَّاسِ عِنْدَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْم عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْم مَا فِيهِ

هذا الفصل من تتمة ما قبله و قد روي حتى يكلمك مكلمهم فاعل من كلم و الرواية الأولى الأحسن. و غير متتعتع غير مزعج و لا مقلق

و المتتعتع في الخبر النبوي المتردد المضطرب في كلامه عيا من خوف لحقه و هو راجع إلى المعنى الأول. و الخرق الجهل و روي ثم

احتمل الخرق منهم و الغي و الغي و هو الجهل أيضا و الرواية الأولى أحسن. ثم بين له ع أنه لا بد له من هذا المجلس لأمر آخر غير

ما قدمه ع و ذلك لأنه لا بد من أن يكون في حاجات الناس ما يضيق به صدور أعوانه و النواب عنه فيتعين عليه أن يباشرها بنفسه و لا

بد من أن يكون في كتب عماله الواردة عليه

[17 : 89 ]

ما يعيا كتابه عن جوابه فيجيب عنه بعلمه و يدخل في ذلك أن يكون فيها ما لا يجوز في حكم السياسة و مصلحة الولاية أن يطلع

الكتاب عليه فيجيب أيضا عن ذلك بعلمه. ثم قال له لا تدخل عمل يوم في عمل يوم آخر فيتعبك و يكدرك فإن لكل يوم ما فيه من

العمل

وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَ

سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ وَفِّ

مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُوم وَ لَا مَنْقُوص بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ

لَا مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاةِ

أَضْعَفِهِمْ وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً

لما فرغ ع من وصيته بأمور رعيته شرع في وصيته بأداء الفرائض التي

[17 : 90 ]

افترضها الله عليه من عبادته و لقد أحسن ع في قوله و إن كانت كلها لله أي أن النظر في أمور الرعية مع صحة النية و سلامة الناس

من الظلم من جملة العبادات و الفرائض أيضا. ثم قال له كاملا غير مثلوم أي لا يحملنك شغل السلطان على أن تختصر الصلاة

اختصارا بل صلها بفرائضها و سننها و شعائرها في نهارك و ليلك و إن أتعبك ذلك و نال من بدنك و قوتك. ثم أمره إذا صلى بالناس

جماعة ألا يطيل فينفرهم عنها و ألا يخدج الصلاة و ينقصها فيضيعها. ثم روى خبرا عن النبي ص و هو قوله ع له صل بهم كصلاة

أضعفهم و قوله و كن بالمؤمنين رحيما يحتمل أن يكون من تتمة الخبر النبوي و يحتمل أن يكون من كلام أمير المؤمنين ع و

الظاهر أنه من كلام أمير المؤمنين من الوصية للأشتر لأن اللفظة الأولى عند أرباب الحديث هي المشهور في الخبر

وَ أَمَّا بَعْدَ هَذَا فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وَ قِلَّةُ عِلْم بِالْأُمُورِ وَ الِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ

يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ الصَّغِيرُ وَ يَقْبُحُ الْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ الْقَبِيحُ وَ يُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَ

إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ

[17 : 91 ]

الْكَذِبِ وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْل كَرِيم تُسْدِيهِ أَوْ

مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مَا لَا مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ

مَظْلِمَة أَوْ طَلَبِ إِنْصَاف فِي مُعَامَلَة

نهاه عن الاحتجاب فإنه مظنة انطواء الأمور عنه و إذا رفع الحجاب دخل عليه كل أحد فعرف الأخبار و لم يخف عليه شيء من أحوال

عمله. ثم قال لم تحتجب فإن أكثر الناس يحتجبون كيلا يطلب منهم الرفد. و أنت فإن كنت جوادا سمحا لم يكن لك إلى الحجاب داع

و إن كنت ممسكا فسيعلم الناس ذلك منك فلا يسألك أحد شيئا. ثم قال على أن أكثر ما يسأل منك ما لا مئونة عليه في ماله كرد ظلامة

أو إنصاف من خصم

ذكر الحجاب و ما ورد فيه من الخبر و الشعر

و القول في الحجاب كثير حضر باب عمر جماعة من الأشراف منهم سهيل بن عمرو و عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس فحجبوا ثم

خرج الآذن فنادى أين عمار أين سلمان أين صهيب

[17 : 92 ]

فأدخلهم فتمعرت وجوه القوم فقال سهيل بن عمرو لم تتمعر وجوهكم دعوا و دعينا فأسرعوا و أبطأنا و لئن حسدتموهم على باب عمر

اليوم لأنتم غدا لهم أحسد. و استأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه فقيل له حجبك فقال لا عدمت من أهلي من إذا شاء حجبني. و

حجب معاوية أبا الدرداء فقيل لأبي الدرداء حجبك معاوية فقال من يغش أبواب الملوك يهن و يكرم و من صادف بابا مغلقا عليه وجد

إلى جانبه بابا مفتوحا إن سأل أعطي و إن دعا أجيب و إن يكن معاوية قد احتجب فرب معاوية لم يحتجب. و قال أبرويز لحاجبه لا

تضعن شريفا بصعوبة حجاب و لا ترفعن وضيعا بسهولته ضع الرجال مواضع أخطارهم فمن كان قديما شرفه ثم ازدرعه و لم يهدمه بعد

آبائه فقدمه على شرفه الأول و حسن رأيه الآخر و من كان له شرف متقدم و لم يصن ذلك حياطة له و لم يزدرعه تثمير المغارسة فألحق

ب آبائه من رفعة حاله ما يقتضيه سابق شرفهم و ألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه و لا تأذن له إلا دبريا و إلا سرارا و لا تلحقه بطبقة

الأولين و إذا ورد كتاب عامل من عمالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إلي فيها و إذا أتاك من

يدعي النصيحة لنا فلتكتبها سرا ثم أدخله بعد أن تستأذن له حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إلي كتابه فإن أحمدت قبلت و إن

كرهت رفضت و إن أتاك عالم مشتهر بالعلم و الفضل يستأذن فأذن له فإن العلم شريف و شريف صاحبه و لا تحجبن عني أحدا من أفناء

الناس إذا أخذت مجلسي مجلس العامة فإن الملك لا يحجب إلا عن ثلاث عي يكره أن يطلع عليه منه أو بخل يكره أن يدخل عليه من

يسأله أو ريبة هو مصر عليها فيشفق من إبدائها

[17 : 93 ]

و وقوف الناس عليها و لا بد أن يحيطوا بها علما و إن اجتهد في سترها و قد أخذ هذا المعنى الأخير محمود الوراق فقال

إذا اعتصم الوالي بإغلاق بابه و رد ذوي الحاجات دون حجابه

ظننت به إحدى ثلاث و ربما رجمت بظن واقع بصوابه

أقول به مس من العي ظاهر ففي إذنه للناس إظهار ما به

فإن لم يكن عي اللسان فغالب من البخل يحمى ماله عن طلابه

و إن لم يكن لا ذا و لا ذا فريبة يكتمها مستورة بثيابه

أقام عبد العزيز بن زرارة الكلابي على باب معاوية سنة في شملة من صوف لا يأذن له ثم أذن له و قربه و أدناه و لطف محله عنده حتى

ولاه مصر فكان يقال استأذن أقوام لعبد العزيز بن زرارة ثم صار يستأذن لهم و قال في ذلك

دخلت على معاوية بن حرب و لكن بعد يأس من دخول

و ما نلت الدخول عليه حتى حللت محلة الرجل الذليل

و أغضيت الجفون على قذاها و لم أنظر إلى قال و قيل

و أدركت الذي أملت منه و حرمان المنى زاد العجول

و يقال إنه قال له لما دخل عليه أمير المؤمنين دخلت إليك بالأمل و احتملت جفوتك بالصبر و رأيت ببابك أقواما قدمهم الحظ و

آخرين أخرهم الحرمان فليس ينبغي للمقدم أن يأمن عواقب الأيام و لا للمؤخر أن ييأس من عطف الزمان. و أول المعرفة الاختبار

فابل و اختبر إن رأيت و كان يقال لم يلزم باب السلطان أحد فصبر على ذل الحجاب و كلام البواب و ألقى الأنف و حمل الضيم و

أدام الملازمة إلا وصل إلى حاجته أو إلى معظمها.

[17 : 94 ]

قال عبد الملك لحاجبه إنك عين أنظر بها و جنة أستلئم بها و قد وليتك ما وراء بابي فما ذا تراك صانعا برعيتي قال أنظر إليهم بعينك

و أحملهم على قدر منازلهم عندك و أضعهم في إبطائهم عن بابك و لزوم خدمتك مواضع استحقاقهم و أرتبهم حيث وضعهم ترتيبك و

أحسن إبلاغهم عنك و إبلاغك عنهم قال لقد وفيت بما عليك و لكن إن صدقت ذلك بفعلك و قال دعبل و قد حجب عن باب مالك بن

طوق

لعمري لئن حجبتني العبيد لما حجبت دونك القافيه

سأرمي بها من وراء الحجاب شنعاء تأتيك بالداهيه

تصم السميع و تعمي البصير و يسأل من مثلها العافيه

و قال آخر

سأترك هذا الباب ما دام إذنه على ما أرى حتى يلين قليلا

فما خاب من لم يأته مترفعا و لا فاز من قد رام فيه دخولا

إذا لم نجد للإذن عندك موضعا وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا

و كتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف الكاتب و قد حجبه

و إن عدت بعد اليوم إني لظالم سأصرف وجهي حيث تبغي المكارم

متى يفلح الغادي إليك لحاجة و نصفك محجوب و نصفك نائم

يعني ليله و نهاره. استأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما و كان أشرف منزلة من الآخر ثم أذن للآخر فدخل فجلس فوق الأول فقال

معاوية إن الله قد ألزمنا تأديبكم

[17 : 95 ]

كما ألزمنا رعايتكم و أنا لم نأذن له قبلك و نحن نريد أن يكون مجلسه دونك فقم لا أقام الله لك وزنا و قال بشار

تأبى خلائق خالد و فعاله إلا تجنب كل أمر عائب

و إذا أتينا الباب وقت غدائه أدنى الغداء لنا برغم الحاجب

و قال آخر يهجو

يا أميرا على جريب من الأر ض له تسعة من الحجاب

قاعد في الخراب يحجب عنا ما سمعنا بحاجب في خراب

و كتب بعضهم إلى جعفر بن محمد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب

أبا جعفر إن الولاية إن تكن منبلة قوسا فأنت لها نبل

فلا ترتفع عنا لأمر وليته كما لم يصغر عندنا شأنك العزل

و من جيد ما مدح به بشر بن مروان قول القائل

بعيد مراد الطرف ما رد طرفه حذار الغواشي باب دار و لا ستر

و لو شاء بشر كان من دون بابه طماطم سود أو صقالبة حمر

و لكن بشرا يستر الباب للتي يكون لها في غبها الحمد و الأجر

و قال بشار

خليلي من كعب أعينا أخاكما على دهره إن الكريم يعين

و لا تبخلا بخل ابن قرعة إنه مخافة أن يرجى نداه حزين

إذا جئته للعرف أغلق بابه فلم تلقه إلا و أنت كمين

فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا و في كل معروف عليك يمين

[17 : 96 ]

و قال إبراهيم بن هرمة

هش إذا نزل الوفود ببابه سهل الحجاب مؤدب الخدام

و إذا رأيت صديقه و شقيقه لم تدر أيهما ذوي الأرحام

و قال آخر

و إني لأستحيي الكريم إذا أتى على طمع عند اللئيم يطالبه

و أرثي له من مجلس عند بابه كمرثيتي للطرف و العلج راكبه

و قال عبد الله بن محمد بن عيينة

أتيتك زائرا لقضاء حق فحال الستر دونك و الحجاب

و رأيي مذهب عن كل ناء يجانبه إذا عز الذهاب

و لست بساقط في قدر قوم و إن كرهوا كما يقع الذباب

و قال آخر

ما ضاقت الأرض على راغب تطلب الرزق و لا راهب

بل ضاقت الأرض على شاعر أصبح يشكو جفوة الحاجب

قد شتم الحاجب في شعره و إنما يقصد للصاحب

ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَاف فِي مُعَامَلَة فَاحْسِمْ مَئُونَةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَ لَا

تُقْطِعَنَّ لِأَحَد مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَ لَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَة تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي

[17 : 97 ]

شِرْب أَوْ عَمَل مُشْتَرَك يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَ الآْخِرَةِ وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ

مِنَ الْقَرِيبِ وَ الْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَوَاصِّكَ حَيْثُ وَقَعَ وَ ابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ

مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ وَ إِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَ اعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ

مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ

نهاه ع عن أن يحمل أقاربه و حاشيته و خواصه على رقاب الناس و أن يمكنهم من الاستئثار عليهم و التطاول و الإذلال و نهاه من أن

يقطع أحدا منهم قطيعة أو يملكه ضيعة تضر بمن يجاورها من السادة و الدهاقين في شرب يتغلبون على الماء منه أو ضياع يضيفونها

إلى ما ملكهم إياه و إعفاء لهم من مئونة أو حفر و غيره فيعفيهم الولاة منه مراقبة لهم فيكون مئونة ذلك الواجب عليهم قد أسقطت

عنهم و حمل ثقلها على غيرهم. ثم قال ع لأن منفعة ذلك في الدنيا تكون لهم دونك و الوزر في الآخرة عليك و العيب و الذم في الدنيا

أيضا لاحقان بك. ثم قال له إن اتهمتك الرعية بحيف عليهم أو ظنت بك جورا فاذكر لهم عذرك

[17 : 98 ]

في ذلك و ما عندك ظاهرا غير مستور فإنه الأولى و الأقرب إلى استقامتهم لك على الحق. و أصحرت بكذا أي كشفته مأخوذ من

الإصحار و هو الخروج إلى الصحراء. و حامة الرجل أقاربه و بطانته و اعتقدت عقدة أي ادخرت ذخيرة و المهنأ مصدر هنأه كذا و مغبة

الشيء عاقبته. و اعدل عنك ظنونهم نحها و الإعذار إقامة العذر

طرف من أخبار عمر بن عبد العزيز و نزاهته في خلافته

رد عمر بن عبد العزيز المظالم التي احتقبها بنو مروان فأبغضوه و ذموه و قيل إنهم سموه فمات. و روى الزبير بن بكار في الموفقيات

أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه يوما و هو في قائلته فأيقظه و قال له ما يؤمنك أن تؤتى في منامك و قد رفعت إليك

مظالم لم تقض حق الله فيها فقال يا بني إن نفسي مطيتي إن لم أرفق بها لم تبلغني إني لو أتعبت نفسي و أعواني لم يكن ذلك إلا

قليلا حتى أسقط و يسقطوا و إني لأحتسب في نومتي من الأجر مثل الذي أحتسب في يقظتي إن الله جل ثناؤه لو أراد أن ينزل القرآن

جملة لأنزله و لكنه أنزل الآية و الآيتين حتى استكثر الإيمان في قلوبهم. ثم قال يا بني مما أنا فيه آمر هو أهم إلى أهل بيتك هم أهل

العدة و العدد و قبلهم ما قبلهم فلو جمعت ذلك في يوم واحد خشيت انتشارهم علي و لكني أنصف من الرجل

[17 : 99 ]

و الاثنين فيبلغ ذلك من وراءهما فيكون أنجع له فإن يرد الله إتمام هذا الأمر أتمه و إن تكن الأخرى فحسب عبد أن يعلم الله منه

أنه يحب أن ينصف جميع رعيته. و روى جويرية بن أسماء عن إسماعيل بن أبي حكيم قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فلما تفرقنا نادى

مناديه الصلاة جامعة فجئت المسجد فإذا عمر على المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن هؤلاء يعني خلفاء بني أمية قبله

قد كانوا أعطونا عطايا ما كان ينبغي لنا أن نأخذها منهم و ما كان ينبغي لهم أن يعطوناها و إني قد رأيت الآن أنه ليس علي في ذلك

دون الله حسيب و قد بدأت بنفسي و الأقربين من أهل بيتي اقرأ يا مزاحم فجعل مزاحم يقرأ كتابا فيه الإقطاعات بالضياع و النواحي

ثم يأخذه عمر بيده فيقصه بالجلم لم يزل كذلك حتى نودي بالظهر. و روى الفرات بن السائب قال كان عند فاطمة بنت عبد الملك بن

مروان جوهر جليل وهبها أبوها و لم يكن لأحد مثله و كانت تحت عمر بن عبد العزيز فلما ولي الخلافة قال لها اختاري إما أن تردي

جوهرك و حليك إلى بيت مال المسلمين و إما أن تأذني لي في فراقك فإني أكره أن اجتمع أنا و أنت و هو في بيت واحد فقالت بل

أختارك عليه و على أضعافه لو كان لي و أمرت به فحمل إلى بيت المال فلما هلك عمر و استخلف يزيد بن عبد الملك قال لفاطمة أخته

إن شئت رددته عليك قالت فإني لا أشاء ذلك طبت عنه نفسا في حياة عمر و أرجع فيه بعد موته لا و الله أبدا فلما رأى يزيد ذلك قسمه

بين ولده و أهله. و روى سهيل بن يحيى المروزي عن أبيه عن عبد العزيز عن عمر بن عبد العزيز قال لما دفن سليمان صعد عمر على

المنبر فقال إني قد خلعت ما في رقبتي من بيعتكم فصاح الناس صيحة واحدة قد اخترناك فنزل و دخل و أمر بالستور فهتكت

[17 : 100 ]

و الثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت إلى بيت المال ثم خرج و نادى مناديه من كانت له مظلمة من بعيد أو قريب من أمير

المؤمنين فليحضر فقام رجل ذمي من أهل حمص أبيض الرأس و اللحية فقال أسألك كتاب الله قال ما شأنك قال العباس بن الوليد بن

عبد الملك اغتصبني ضيعتي و العباس جالس فقال عمر ما تقول يا عباس قال أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد و كتب لي بها سجلا فقال

عمر ما تقول أنت أيها الذمي قال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله فقال عمر إيها لعمري إن كتاب الله لأحق أن يتبع من كتاب الوليد

اردد عليه يا عباس ضيعته فجعل لا يدع شيئا مما كان في أيدي أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة مظلمة. و روى ميمون بن مهران

قال بعث إلي عمر بن عبد العزيز و إلى مكحول و أبي قلابة فقال ما ترون في هذه الأموال التي أخذها أهلي من الناس ظلما فقال

مكحول قولا ضعيفا كرهه عمر فقال أرى أن تستأنف و تدع ما مضى فنظر إلي عمر كالمستغيث بي فقلت يا أمير المؤمنين أحضر ولدك

عبد الملك لننظر ما يقول فحضر فقال ما تقول يا عبد الملك فقال ما ذا أقول أ لست تعرف مواضعها قال بلى و الله قال فارددها فإن لم

تفعل كنت شريكا لمن أخذها. و روى ابن درستويه عن يعقوب بن سفيان عن جويرية بن أسماء قال كان بيد عمر بن عبد العزيز قبل

الخلافة ضيعته المعروفة بالسهلة و كانت باليمامة و كانت أمرا عظيما لها غلة عظيمة كثيرة إنما عيشه و عيش أهله منها فلما ولي

الخلافة قال لمزاحم مولاه و كان فاضلا إني قد عزمت أن أرد السهلة إلى بيت مال المسلمين فقال مزاحم أ تدري كم ولدك إنهم كذا و

كذا قال فذرفت عيناه فجعل يستدمع و يمسح الدمعة بإصبعه الوسطى و يقول أكلهم إلى الله أكلهم إلى الله فمضى مزاحم فدخل

على عبد الملك بن عمر فقال له أ لا تعلم ما قد عزم عليه أبوك إنه يريد أن يرد السهلة قال فما قلت

[17 : 101 ]

له قال ذكرت له ولده فجعل يستدمع و يقول أكلهم إلى الله فقال عبد الملك بئس وزير الدين أنت ثم وثب و انطلق إلى أبيه فقال

للآذن استأذن لي عليه فقال إنه قد وضع رأسه الساعة للقائلة فقال استأذن لي عليه فقال أ ما ترحمونه ليس له من الليل و النهار إلا

هذه الساعة قال استأذن لي عليه لا أم لك فسمع عمر كلامهما فقال ائذن لعبد الملك فدخل فقال على ما ذا عزمت قال أرد السهلة قال

فلا تؤخر ذلك قم الآن قال فجعل عمر يرفع يديه و يقول الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على أمر ديني قال نعم يا بني

أصلي الظهر ثم أصعد المنبر فأردها علانية على رءوس الناس قال و من لك أن تعيش إلى الظهر ثم من لك أن تسلم نيتك إلى الظهر إن

عشت إليها فقام عمر فصعد المنبر فخطب الناس و رد السهلة. قال و كتب عمر بن الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز لما أخذ

بني مروان برد المظالم كتابا أغلظ له فيه من جملته أنك أزريت على كل من كان قبلك من الخلفاء و عبتهم و سرت بغير سيرتهم بغضا

لهم و شن آنا لمن بعدهم من أولادهم و قطعت ما أمر الله به أن يوصل و عمدت إلى أموال قريش و مواريثهم فأدخلتها بيت المال جورا

و عدوانا فاتق الله يا ابن عبد العزيز و راقبه فإنك خصصت أهل بيتك بالظلم و الجور و و الذي خص محمد ص بما خصه به لقد ازددت

من الله بعدا بولايتك هذه التي زعمت أنها عليك بلاء فأقصر عن بعض ما صنعت و اعلم أنك بعين جبار عزيز و في قبضته و لن يتركك

على ما أنت عليه. قالوا فكتب عمر جوابه أما بعد فقد قرأت كتابك و سوف أجيبك بنحو منه أما أول أمرك يا ابن الوليد فإن أمك نباتة

أمة السكون كانت تطوف في أسواق حمص و تدخل حوانيتها ثم الله أعلم بها اشتراها ذبيان بن ذبيان من فيء المسلمين فأهداها

[17 : 102 ]

لأبيك فحملت بك فبئس الحامل و بئس المحمول ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا و تزعم أني من الظالمين لأني حرمتك و أهل بيتك فيء

الله الذي هو حق القرابة و المساكين و الأرامل و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين تحكم

فيهم برأيك و لم يكن له في ذاك نية إلا حب الوالد ولده فويل لك و ويل لأبيك ما أكثر خصماءكما يوم القيامة و إن أظلم مني و

أترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف على خمسي العرب يسفك الدم الحرام و يأخذ المال الحرام و إن أظلم مني و أترك

لعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر و أذن له في المعازف و الخمر و الشرب و اللهو و إن أظلم مني و أترك

لعهد الله من استعمل عثمان بن حيان على الحجاز فينشد الأشعار على منبر رسول الله ص و من جعل للعالية البربرية سهما في

الخمس فرويدا يا ابن نباتة و لو التقت حلقتا البطان و رد الفيء إلى أهله لتفرغت لك و لأهل بيتك فوضعتكم على المحجة البيضاء

فطالما تركتم الحق و أخذتم في بنيات الطريق و من وراء هذا من الفضل ما أرجو أن أعمله بيع رقبتك و قسم ثمنك بين الأرامل و

اليتامى و المساكين فإن لكل فيك حقا و السلام علينا و لا ينال سلام الله الظالمين. و روى الأوزاعي قال لما قطع عمر بن عبد العزيز

عن أهل بيته ما كان من قبله يجرونه عليهم من أرزاق الخاصة فتكلم في ذلك عنبسة بن سعيد فقال يا أمير المؤمنين إن لنا قرابة فقال

مالي إن يتسع لكم و أما هذا المال فحقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد و لا يمنعه من أخذه إلا بعد مكانه و الله إني لأرى أن

الأمور

[17 : 103 ]

لو استحالت حتى يصبح أهل الأرض يرون مثل رأيكم لنزلت بهم بائقة من عذاب الله. و روى الأوزاعي أيضا قال قال عمر بن عبد

العزيز يوما و قد بلغه عن بني أمية كلام أغضبه إن لله في بني أمية يوما أو قال ذبحا و ايم الله لئن كان ذلك الذبح أو قال ذلك اليوم

على يدي لأعذرن الله فيهم قال فلما بلغهم ذلك كفوا و كانوا يعلمون صرامته و إنه إذا وقع في أمر مضى فيه. و روى إسماعيل بن أبي

حكيم قال قال عمر بن عبد العزيز يوما لحاجبه لا تدخلن علي اليوم إلا مروانيا فلما اجتمعوا قال يا بني مروان إنكم قد أعطيتم حظا و

شرفا و أموالا إني لأحسب شطر أموال هذه الأمة أو ثلثيها في أيديكم فسكتوا فقال أ لا تجيبوني فقال رجل منهم فما بالك قال إني

أريد أن أنتزعها منكم فأردها إلى بيت مال المسلمين فقال رجل منهم و الله لا يكون ذلك حتى يحال بين رءوسنا و أجسادنا و الله لا

نكفر أسلافنا و لا نفقر أولادنا فقال عمر و الله لو لا أن تستعينوا علي بمن أطلب هذا الحق له لأضرعت خدودكم قوموا عني. و روى

مالك بن أنس قال ذكر عمر بن عبد العزيز من كان قبله من المروانية فعابهم و عنده هشام بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين إنا و

الله نكره أن تعيب آباءنا و تضع شرفنا فقال عمر و أي عيب أعيب مما عابه القرآن. و روى نوفل بن الفرات قال شكا بنو مروان إلى

عاتكة بنت مروان بن الحكم عمر فقالوا إنه يعيب أسلافنا و يأخذ أموالنا فذكرت ذلك له و كانت عظيمة عند بني مروان فقال لها يا

عمة إن رسول الله ص قبض و ترك

[17 : 104 ]

الناس على نهر مورود فولي ذلك النهر بعده رجلان لم يستخصا أنفسهما و أهلهما منه بشيء ثم وليه ثالث فكرى منه ساقية ثم لم تزل

الناس يكرون منه السواقي حتى تركوه يابسا لا قطرة فيه و ايم الله لئن أبقاني الله لأسكرن تلك السواقي حتى أعيد النهر إلى مجراه

الأول قالت فلا يسبون إذا عندك قال و من يسبهم إنما يرفع الرجل مظلمته فأردها عليه. و روى عبد الله بن محمد التيمي قال كان بنو

أمية ينزلون عاتكة بنت مروان بن الحكم على أبواب قصورهم و كانت جليلة الموضع عندهم فلما ولي عمر قال لا يلي إنزالها أحد

غيري فأدخلوها على دابتها إلى باب قبته فأنزلها ثم طبق لها وسادتين إحداهما على الأخرى ثم أنشأ يمازحها و لم يكن من شأنه و لا

من شأنها المزاح فقال أ ما رأيت الحرس الذين على الباب فقالت بلى و ربما رأيتهم عند من هو خير منك فلما رأى الغضب لا يتحلل

عنها ترك المزاح و سألها أن تذكر حاجتها فقالت إن قرابتك يشكونك و يزعمون أنك أخذت منهم خير غيرك قال ما منعتهم شيئا هو

لهم و لا أخذت منهم حقا يستحقونه قالت إني أخاف أن يهيجوا عليك يوما عصيبا و قال كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني

الله شره ثم دعا بدينار و مجمرة و جلد فألقى الدينار في النار و جعل ينفخ حتى احمر ثم تناوله بشيء فأخرجه فوضعه على الجلد فنش

و فتر فقال يا عمة أ ما تأوين لابن أخيك من مثل هذا فقامت فخرجت إلى بني مروان فقالت تزوجون في آل عمر بن الخطاب فإذا نزعوا

إلى الشبه جزعتم اصبروا له. و روى وهيب بن الورد قال اجتمع بنو مروان على باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لولد له قل لأبيك يأذن

لنا فإن لم يأذن فأبلغ إليه عنا و سأله فلم يأذن لهم و قال

السابق

التالي