السابق

التالي

[16 : 1 ]

الجزء السادس عشر

تتمة باب الكتب و الرسائل

[16 : 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل

29- و من كتاب له ع إلى أهل البصرة

وَ قَدْ كَانَ مِنِ انْتِشَارِ حَبْلِكُمْ وَ شِقَاقِكُمْ مَا لَمْ تَغْبَوْا عَنْهُ فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ وَ رَفَعْتُ السَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ وَ قَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِكُمْ فَإِنْ خَطَتْ

بِكُمُ الْأُمُورُ الْمُرْدِيَةُ وَ سَفَهُ الآْرَاءِ الْجَائِرَةِ إِلَى مُنَابَذَتِي وَ خِلَافِي فَهَأَنَذَا قَدْ قَرَّبْتُ جِيَادِي وَ رَحَلُتْ رِكَابِي وَ لَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ

إِلَيْكُمْ لَأُوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لَا يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلَّا كَلَعْقَةِ لَاعِق مَعَ أَنِّي عَارِفٌ لِذِي الطَّاعَةِ مِنْكُمْ فَضْلَهُ وَ لِذِي النَّصِيحَةِ حَقَّهُ غَيْرُ

مُتَجَاوِز مُتَّهَماً إِلَى بَرِيّ وَ لَا نَاكِثاً إِلَى وَفِيّ

ما لم تغبوا عنه أي لم تسهوا عنه و لم تغفلوا يقال غبيت عن الشيء أغبي غباوة إذا لم يفطن و غبي الشيء علي كذلك إذا لم تعرفه و

فلان غبي على فعيل أي قليل الفطنة و قد تغابى أي تغافل يقول لهم قد كان من خروجكم يوم الجمل عن الطاعة

[16 : 4 ]

و نشركم حبل الجماعة و شقاقكم لي ما لستم أغبياء عنه فغفرت و رفعت السيف و قبلت التوبة و الإنابة. و المدبر هاهنا الهارب و

المقبل الذي لم يفر لكن جاءنا فاعتذر و تنصل. ثم قال فإن خطت بكم الأمور خطا فلان خطوة يخطو و هو مقدار ما بين القدمين فهذا

لازم فإن عديته قلت أخطيت بفلان و خطوت به و هاهنا قد عداه بالباء. و المردية المهلكة و الجائرة العادلة عن الصواب و المنابذة

مفاعلة من نبذت إليه عهده أي ألقيته و عدلت عن السلم إلى الحرب أو من نبذت زيدا أي أطرحته و لم أحفل به. قوله قربت جيادي أي

أمرت بتقريب خيلي إلى لأركب و أسير إليكم. و رحلت ركابي الركاب الإبل و رحلتها شددت على ظهورها الرحل قال

رحلت سمية غدوة أجمالها غضبى عليك فما تقول بدا لها

كلعقة لاعق مثل يضرب للشيء الحقير التافه و يروى بضم اللام و هي ما تأخذه الملعقة. ثم عاد فقال مازجا الخشونة باللين مع أني

عارف فضل ذي الطاعة منكم و حق ذي النصيحة و لو عاقبت لما عاقبت البريء بالسقيم و لا أخذت الوفي بالناكث. خطب زياد بالبصرة

الخطبة الغراء المشهورة و قال فيها و الله لآخذن البريء بالسقيم و البر باللئيم و الوالد بالولد و الجار بالجار أو تستقيم إلي

قناتكم فقام أبو بلال مرداس

[16 : 5 ]

ابن أدية يهمس و هو حينئذ شيخ كبير فقال أيها الأمير أنبأنا الله بخلاف ما قلت و حكم بغير ما حكمت قال سبحانه وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ

أُخْرى فقال زياد يا أبا بلال إني لم أجهل ما علمت و لكنا لا نخلص إلى الحق منكم حتى نخوض إليه الباطل خوضا. و في رواية

الرياشي لآخذن الولي بالولي و المقيم بالظاعن و المقبل بالمدبر و الصحيح بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول انج سعد

فقد هلك سعيد أو تستقيم لي قناتكم

[16 : 6 ]

30- و من كتاب له ع إلى معاوية

فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَا لَدَيْكَ وَ انْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْكَ وَ ارْجِعْ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا تُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلَاماً وَاضِحَةً وَ سُبُلًا نَيِّرَةً وَ مَحَجَّةً نَهْجَةً

وَ غَايَةً مُطَّلَبَةً يَرِدُهَا الْأَكْيَاسُ وَ يُخَالِفُهَا الْأَنْكَاسُ مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ وَ خَبَطَ فِي التِّيهِ وَ غَيَّرَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ وَ أَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ فَنَفْسَكَ

نَفْسَكَ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ سَبِيلَكَ وَ حَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْر وَ مَحَلَّةِ كُفْر فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّاً وَ أَقْحَمَتْكَ

غَيّاً وَ أَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ وَ أَوْعَرَتْ عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ

قوله و غاية مطلبة أي مساعفة لطالبها بما يطلبه تقول طلب فلان مني كذا فأطلبته أي أسعفت به قال الراوندي مطلبة بمعنى متطلبة

يقال طلبت كذا و تطلبته و هذا ليس بشيء و يخرج الكلام عن أن يكون له معنى. و الأكياس العقلاء و الأنكاس جمع نكس و هو

الدنيء من الرجال و نكب عنها عدل. قوله و حيث تناهت بك أمورك الأولى ألا يكون هذا معطوفا و لا متصلا

[16 : 7 ]

بقوله فقد بين الله لك سبيلك بل يكون كقولهم لمن يأمرونه بالوقوف حيث أنت أي قف حيث أنت فلا يذكرون الفعل و مثله قولهم

مكانك أي قف مكانك. قوله فقد أجريت يقال فلان قد أجرى بكلامه إلى كذا أي الغاية التي يقصدها هي كذا مأخوذ من إجراء الخيل

للمسابقة و كذلك قد أجرى بفعله إلى كذا أي انتهى به إلى كذا و يروى قد أوحلتك شرا أو أورطتك في الوحل و الغي ضد الرشاد. و

أقحمتك غيا جعلتك مقتحما له. و أوعرت عليك المسالك جعلتها وعرة. و

أول هذا الكتاب أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر مشاغبتي و تستقبح موازرتي و تزعمني متحيرا و عن الحق مقصرا فسبحان الله كيف

تستجيز الغيبة و تستحسن العضيهة أي لم أشاغب إلا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر و لم أتجبر إلا على باغ مارق أو ملحد منافق و

لم آخذ في ذلك إلا بقول الله سبحانه لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْ آخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ

أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ و أما التقصير في حق الله تعالى فمعاذ الله و إنما المقصر في حق الله جل ثناؤه من عطل الحقوق المؤكدة و ركن

إلى الأهواء المبتدعة و أخلد إلى الضلالة المحيرة و من العجب أن تصف يا معاوية الإحسان و تخالف البرهان و تنكث الوثائق التي

هي لله عز و جل طلبة و على عباده حجة مع نبذ الإسلام و تضييع الأحكام و طمس الأعلام

[16 : 8 ]

و الجري في الهوى و التهوس في الردى فاتق الله فيما لديك و انظر في حقه عليك

الفصل المذكور في الكتاب. و في الخطبة زيادات يسيرة لم يذكرها الرضي رحمه الله منها

و إن للناس جماعة يد الله عليها و غضب الله على من خالفها فنفسك نفسك قبل حلول رمسك فإنك إلى الله راجع و إلى حشره مهطع

و سيبهظك كربه و يحل بك غمه في يوم لا يغني النادم ندمه و لا يبل من المعتذر عذره يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ

[16 : 9 ]

31- و من وصيته ع للحسن ع كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين

مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ الْمُسْتَسْلِمِ لِلدَّهْرِ الذَّامِّ لِلدُّنْيَا السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى الظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً إِلَى الْمَوْلُودِ

الْمُؤَمِّلِ مَا لَا يُدْرِكُ السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ غَرَضِ الْأَسْقَامِ وَ رَهِينَةِ الْأَيَّامِ وَ رَمِيَّةِ الْمَصَائِبِ وَ عَبْدِ الدُّنْيَا وَ تَاجِرِ الْغُرُورِ وَ غَرِيمِ الْمَنَايَا

وَ أَسِيرِ الْمَوْتِ وَ حَلِيفِ الْهُمُومِ وَ قَرِينِ الْأَحْزَانِ وَ نُصُبِ الآْفَاتِ وَ صَرِيعِ الشَّهَوَاتِ وَ خَلِيفَةِ الْأَمْوَاتِ

ترجمة الحسن بن علي و ذكر بعض أخباره

قال الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش ولد الحسن بن علي ع للنصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة و سماه رسول الله ص

حسنا و توفي لليال خلون من شهر ربيع الأول سنة خمسين. قال و المروي أن رسول الله ص سمى حسنا و حسينا رضي الله عنهما يوم

سابعهما و اشتق اسم حسين من اسم حسن.

[16 : 10 ]

قال و روى جعفر بن محمد ع أن فاطمة ع حلقت حسنا و حسينا يوم سابعهما و وزنت شعرهما فتصدقت بوزنه فضة

قال الزبير و روت زينب بنت أبي رافع قالت أتت فاطمة ع بابنيها إلى رسول الله ص في شكوه الذي توفي فيه فقالت يا رسول الله

هذان ابناك فورثهما شيئا فقال أما حسن فإن له هيبتي و سوددي و أما حسين فإن له جرأتي و جودي

و روى محمد بن حبيب في أماليه أن الحسن ع حج خمس عشرة حجة ماشيا تقاد الجنائب معه و خرج من ماله مرتين و قاسم الله عز و

جل ثلاث مرات ماله حتى أنه كان يعطي نعلا و يمسك نعلا و يعطي خفا و يمسك خفا. و

روى أبو جعفر محمد بن حبيب أيضا أن الحسن ع أعطى شاعرا فقال له رجل من جلسائه سبحان الله أ تعطي شاعرا يعصي الرحمن و

يقول البهتان فقال يا عبد الله إن خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك و إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر

و روى أبو جعفر قال قال ابن عباس رحمه الله أول ذل دخل على العرب موت الحسن ع. و

روى أبو الحسن المدائني قال سقي الحسن ع السم أربع مرات فقال لقد سقيته مرارا فما شق علي مثل مشقته هذه المرة فقال له

الحسين ع أخبرني من سقاك قال لتقتله قال نعم قال ما أنا بمخبرك إن يكن صاحبي الذي أظن فالله أشد نقمة و إلا فما أحب أن يقتل

بي بريء

[16 : 11 ]

و روى أبو الحسن قال قال معاوية لابن عباس و لقيه بمكة يا عجبا من وفاة الحسن شرب علة بماء رومة فقضى نحبة فوجم ابن عباس

فقال معاوية لا يحزنك الله و لا يسوءك فقال لا يسوءني ما أبقاك الله فأمر له بمائة ألف درهم. و روى أبو الحسن قال أول من نعى

الحسن ع بالبصرة عبد الله بن سلمة نعاه لزياد فخرج الحكم بن أبي العاص الثقفي فنعاه فبكى الناس و أبو بكرة يومئذ مريض فسمع

الضجة فقال ما هذا فقالت امرأته ميسة بنت سخام الثقفية مات الحسن بن علي فالحمد لله الذي أراح الناس منه فقال اسكتي ويحك

فقد أراحه الله من شر كثير و فقد الناس بموته خيرا كثيرا يرحم الله حسنا. قال أبو الحسن المدائني و كانت وفاته في سنة تسع و

أربعين و كان مرضه أربعين يوما و كانت سنه سبعا و أربعين سنة دس إليه معاوية سما على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة

الحسن و قال لها إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف و أزوجك يزيد ابني فلما مات وفى لها بالمال و لم يزوجها من يزيد قال أخشى أن

تصنع بابني كما صنعت بابن رسول الله ص. و

روى أبو جعفر محمد بن حبيب عن المسيب بن نجبة قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول أنا أحدثكم عني و عن أهل بيتي أما عبد الله

ابن أخي فصاحب لهو و سماح و أما الحسن فصاحب جفنة و خوان فتى من فتيان قريش و لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم شيئا

في الحرب و أما أنا و حسين فنحن منكم و أنتم منا

[16 : 12 ]

قال أبو جعفر و روى ابن عباس قال دخل الحسن بن علي ع على معاوية بعد عام الجماعة و هو جالس في مجلس ضيق فجلس عند

رجليه فتحدث معاوية بما شاء أن يتحدث ثم قال عجبا لعائشة تزعم أني في غير ما أنا أهله و أن الذي أصبحت فيه ليس لي بحق ما لها

و لهذا يغفر الله لها إنما كان ينازعني في هذا الأمر أبو هذا الجالس و قد استأثر الله به فقال الحسن أ و عجب ذلك يا معاوية قال إي و

الله قال أ فلا أخبرك بما هو أعجب من هذا قال ما هو قال جلوسك في صدر المجلس و أنا عند رجليك فضحك معاوية و قال يا ابن أخي

بلغني أن عليك دينا قال إن لعلي دينا قال كم هو قال مائة ألف فقال قد أمرنا لك بثلاثمائة ألف مائة منها لدينك و مائة تقسمها في أهل

بيتك و مائة لخاصة نفسك فقم مكرما و اقبض صلتك فلما خرج الحسن ع قال يزيد بن معاوية لأبيه تالله ما رأيت رجلا استقبلك بما

استقبلك به ثم أمرت له بثلاثمائة ألف قال يا بني إن الحق حقهم فمن أتاك منهم فاحث له

و روى أبو جعفر محمد بن حبيب قال قال علي ع لقد تزوج الحسن و طلق حتى خفت أن يثير عداوة

قال أبو جعفر و كان الحسن إذا أراد أن يطلق امرأة جلس إليها فقال أ يسرك أن أهب لك كذا و كذا فتقول له ما شاءت أو نعم فيقول

هو لك فإذا قام أرسل إليها بالطلاق و بما سمى لها. و روى أبو الحسن المدائني قال تزوج الحسن بن علي ع هندا بنت سهيل ابن

عمرو و كانت عند عبد الله بن عامر بن كريز فطلقها فكتب معاوية إلى أبي هريرة أن يخطبها على يزيد بن معاوية فلقيه الحسن ع فقال

أين تريد قال أخطب هندا بنت سهيل بن عمرو على يزيد بن معاوية قال الحسن ع

[16 : 13 ]

فاذكرني لها فأتاها أبو هريرة فأخبرها الخبر فقالت اختر لي فقال أختار لك الحسن فتزوجته فقدم عبد الله بن عامر المدينة فقال

للحسن إن لي عند هند وديعة فدخل إليها و الحسن معه فخرجت حتى جلست بين يدي عبد الله بن عامر فرق لها رقة عظيمة فقال

الحسن أ لا أنزل لك عنها فلا أراك تجد محللا خيرا لكما مني قال لا ثم قال لها وديعتي فأخرجت سفطين فيهما جوهر ففتحهما و أخذ

من أحدهما قبضة و ترك الآخر عليها و كانت قبل ابن عامر عند عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فكانت تقول سيدهم جميعا الحسن و

أسخاهم ابن عامر و أحبهم إلي عبد الرحمن بن عتاب. و روى أبو الحسن المدائني قال تزوج الحسن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي

بكر و كان المنذر بن الزبير يهواها فأبلغ الحسن عنها شيئا فطلقها فخطبها المنذر فأبت أن تتزوجه و قالت شهر بي فخطبها عاصم بن

عمر بن الخطاب فتزوجها فأبلغه المنذر عنها شيئا فطلقها فخطبها المنذر فقيل لها تزوجيه فقالت لا و الله ما أفعل و قد فعل بي ما قد

فعل مرتين لا و الله لا يراني في منزله أبدا. و روى المدائني عن جويرية بن أسماء قال لما مات الحسن ع أخرجوا جنازته فحمل

مروان بن الحكم سريره فقال له الحسين ع تحمل اليوم جنازته و كنت بالأمس تجرعه الغيظ قال مروان نعم كنت أفعل ذلك بمن

يوازن حلمه الجبال. و

روى المدائني عن يحيى بن زكريا عن هشام بن عروة قال قال الحسن عند وفاته ادفنوني عند قبر رسول الله ص إلا أن تخافوا أن

يكون في ذلك شر

فلما أرادوا دفنه قال مروان بن الحكم لا يدفن عثمان في حش كوكب و يدفن الحسن هاهنا

[16 : 14 ]

فاجتمع بنو هاشم و بنو أمية و أعان هؤلاء قوم و هؤلاء قوم و جاءوا بالسلاح فقال أبو هريرة لمروان أ تمنع الحسن أن يدفن في هذا

الموضع و

قد سمعت رسول الله ص يقول الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة

قال مروان دعنا منك لقد ضاع حديث رسول الله ص إذ كان لا يحفظه غيرك و غير أبي سعيد الخدري و إنما أسلمت أيام خيبر قال أبو

هريرة صدقت أسلمت أيام خيبر و لكنني لزمت رسول الله ص و لم أكن أفارقه و كنت أسأله و عنيت بذلك حتى علمت من أحب و من

أبغض و من قرب و من أبعد و من أقر و من نفى و من لعن و من دعا له فلما رأت عائشة السلاح و الرجال و خافت أن يعظم الشر بينهم و

تسفك الدماء قالت البيت بيتي و لا آذن لأحد أن يدفن فيه و أبى الحسين ع أن يدفنه إلا مع جده فقال له محمد بن الحنفية يا أخي

إنه لو أوصى أن ندفنه لدفناه أو نموت قبل ذلك و لكنه قد استثنى و قال إلا أن تخافوا الشر فأي شر يرى أشد مما نحن فيه فدفنوه

في البقيع. قال أبو الحسن المدائني وصل نعي الحسن ع إلى البصرة في يومين و ليلتين فقال الجارود بن أبي سبرة

إذا كان شر سار يوما و ليلة و إن كان خير أخر السير أربعا

إذا ما بريد الشر أقبل نحونا بإحدى الدواهي الربد سار و أسرعا

و روى أبو الحسن المدائني قال خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة و صلح الحسن ع له فأرسل معاوية إلى

الحسن ع يسأله أن يخرج فيقاتل الخوارج فقال الحسن سبحان الله تركت قتالك و هو لي حلال لصلاح الأمة و ألفتهم أ فتراني

أقاتل معك فخطب معاوية أهل الكوفة فقال يا أهل الكوفة

[16 : 15 ]

أ تروني قاتلتكم على الصلاة و الزكاة و الحج و قد علمت أنكم تصلون و تزكون و تحجون و لكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم و على

رقابكم و قد آتاني الله ذلك و أنتم كارهون ألا إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول و كل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين و

لا يصلح الناس إلا ثلاث إخراج العطاء عند محله و إقفال الجنود لوقتها و غزو العدو في داره فإنهم إن لم تغزوهم غزوكم ثم نزل.

قال المدائني فقال المسيب بن نجبة للحسن ع ما ينقضي عجبي منك بايعت معاوية و معك أربعون ألفا و لم تأخذ لنفسك وثيقة و

عقدا ظاهرا أعطاك أمرا فيما بينك و بينه ثم قال ما قد سمعت و الله ما أراد بها غيرك قال فما ترى قال أرى أن ترجع إلى ما كنت عليه

فقد نقض ما كان بينه و بينك فقال يا مسيب إني لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء و لا أثبت عند الحرب مني و

لكني أردت صلاحكم و كف بعضكم عن بعض فارضوا بقدر الله و قضائه حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر

قال المدائني و دخل عبيدة بن عمرو الكندي على الحسن ع و كان ضرب على وجهه ضربة و هو مع قيس بن سعد بن عبادة فقال ما الذي

أرى بوجهك قال أصابني مع قيس فالتفت حجر بن عدي إلى الحسن فقال لوددت أنك كنت مت قبل هذا اليوم و لم يكن ما كان إنا

رجعنا راغمين بما كرهنا و رجعوا مسرورين بما أحبوا فتغير وجه الحسن و غمز الحسين ع حجرا فسكت فقال الحسن ع يا حجر ليس

كل الناس يحب ما تحب و لا رأيه كرأيك و ما فعلت إلا إبقاء عليك و الله كل يوم في شأن.

[16 : 16 ]

قال المدائني و دخل عليه سفيان بن أبي ليلى النهدي فقال له السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال الحسن اجلس يرحمك الله إن

رسول الله ص رفع له ملك بني أمية فنظر إليهم يعلون منبره واحدا فواحدا فشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى في ذلك قرآنا قال له وَ ما

جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلّا فِتْنَةً لِلنّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ و سمعت عليا أبي رحمه الله يقول سيلي أمر هذه الأمة رجل

واسع البلعوم كبير البطن فسألته من هو فقال معاوية و قال لي إن القرآن قد نطق بملك بني أمية و مدتهم قال تعالى لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ

مِنْ أَلْفِ شَهْر قال أبي هذه ملك بني أمية

قال المدائني فلما كان عام الصلح أقام الحسن ع بالكوفة أياما ثم تجهز للشخوص إلى المدينة فدخل عليه المسيب بن نجبة

الفزاري و ظبيان بن عمارة التيمي ليودعاه فقال الحسن الحمد لله الغالب على أمره لو أجمع الخلق جميعا على ألا يكون ما هو كائن

ما استطاعوا فقال أخوه الحسين ع لقد كنت كارها لما كان طيب النفس على سبيل أبي حتى عزم علي أخي فأطعته و كأنما يجذ أنفي

بالمواسي فقال المسيب إنه و الله ما يكبر علينا هذا الأمر إلا أن تضاموا و تنتقصوا فأما نحن فإنهم سيطلبون مودتنا بكل ما قدروا

عليه فقال الحسين يا مسيب نحن نعلم أنك تحبنا فقال الحسن ع سمعت أبي يقول سمعت رسول الله ص يقول من أحب قوما كان

معهم

فعرض له المسيب و ظبيان بالرجوع فقال ليس لي إلى ذلك سبيل فلما كان من غد خرج فلما صار بدير هند نظر إلى الكوفة و قال

و لا عن قلى فارقت دار معاشري هم المانعون حوزتي و ذماري

[16 : 17 ]

ثم سار إلى المدينة. قال المدائني فقال معاوية يومئذ للوليد بن عقبة بن أبي معيط بعد شخوص الحسن ع يا أبا وهب هل رمت قال

نعم و سموت. قال المدائني أراد معاوية قول الوليد بن عقبة يحرضه على الطلب بدم عثمان

ألا أبلغ معاوية بن حرب فإنك من أخي ثقة مليم

قطعت الدهر كالسدم المعنى تهدر في دمشق و لا تريم

فلو كنت القتيل و كان حيا لشمر لا ألف و لا سئوم

و إنك و الكتاب إلى علي كدابغة و قد حلم الأديم

و روى المدائني عن إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم قال دخل رجل على الحسن ع بالمدينة و في يده صحيفة فقال له الرجل ما هذه

قال هذا كتاب معاوية يتوعد فيه على أمر كذا فقال الرجل لقد كنت على النصف فما فعلت فقال له الحسن ع أجل و لكني خشيت أن

يأتي يوم القيامة سبعون ألفا أو ثمانون ألفا تشخب أوداجهم دما كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه

قال أبو الحسن و كان الحصين بن المنذر الرقاشي يقول و الله ما وفى معاوية للحسن بشيء مما أعطاه قتل حجرا و أصحاب حجر و

بايع لابنه يزيد و سم الحسن.

[16 : 18 ]

قال المدائني و روى أبو الطفيل قال قال الحسن ع لمولى له أ تعرف معاوية بن خديج قال نعم قال إذا رأيته فأعلمني فرآه خارجا من

دار عمرو ابن حريث فقال هو هذا فدعاه فقال له أنت الشاتم عليا عند ابن آكلة الأكباد أما و الله لئن وردت الحوض و لم ترده لترينه

مشمرا عن ساقيه حاسرا عن ذراعيه يذود عنه المنافقين

قال أبو الحسن و روى هذا الخبر أيضا قيس بن الربيع عن بدر بن الخليل عن مولى الحسن ع.

قال أبو الحسن و حدثنا سليمان بن أيوب عن الأسود بن قيس العبدي إن الحسن ع لقي يوما حبيب بن مسلمة فقال له يا حبيب رب

مسير لك في غير طاعة الله فقال أما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك قال بلى و الله و لكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة فلئن

قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك و لو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا كان ذلك كما قال عز و جل خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً و

لكنك كما قال سبحانه كَلّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ

قال أبو الحسن طلب زياد رجلا من أصحاب الحسن ممن كان في كتاب الأمان فكتب إليه الحسن من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد

فقد علمت ما كنا أخذنا من الأمان لأصحابنا و قد ذكر لي فلان أنك تعرضت له فأحب ألا تعرض له إلا بخير و السلام

[16 : 19 ]

فلما أتاه الكتاب و ذلك بعد ادعاء معاوية إياه غضب حيث لم ينسبه إلى أبي سفيان فكتب إليه من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن أما

بعد فإنه أتاني كتابك في فاسق تؤويه الفساق من شيعتك و شيعة أبيك و ايم الله لأطلبنه بين جلدك و لحمك و إن أحب الناس إلي

لحما أن آكله للحم أنت منه و السلام. فلما قرأ الحسن ع الكتاب بعث به إلى معاوية فلما قرأه غضب و كتب من معاوية بن أبي سفيان

إلى زياد أما بعد فإن لك رأيين رأيا من أبي سفيان و رأيا من سمية فأما رأيك من أبي سفيان فحلم و حزم و أما رأيك من سمية فما

يكون من مثلها إن الحسن بن علي ع كتب إلي بأنك عرضت لصاحبه فلا تعرض له فإني لم أجعل لك عليه سبيلا و إن الحسن ليس ممن

يرمى به الرجوان و العجب من كتابك إليه لا تنسبه إلى أبيه أو إلى أمه فالآن حين اخترت له و السلام. قلت جرى في مجلس بعض

الأكابر و أنا حاضر القول في أن عليا ع شرف بفاطمة ع فقال إنسان كان حاضر المجلس بل فاطمة ع شرفت به و خاض الحاضرون في

ذلك بعد إنكارهم تلك اللفظة و سألني صاحب المجلس أن أذكر ما عندي في المعنى و أن أوضح أيما أفضل علي أم فاطمة فقلت أما

أيهما أفضل فإن أريد بالأفضل الأجمع للمناقب التي تتفاضل بها الناس نحو العلم و الشجاعة و نحو ذلك فعلي أفضل و إن أريد

بالأفضل الأرفع منزلة عند الله فالذي

[16 : 20 ]

استقر عليه رأي المتأخرين من أصحابنا أن عليا أرفع المسلمين كافة عند الله تعالى بعد رسول الله ص من الذكور و الإناث و فاطمة

امرأة من المسلمين و إن كانت سيدة نساء العالمين و يدل على ذلك أنه قد ثبت أنه أحب الخلق إلى الله تعالى بحديث الطائر و

فاطمة من الخلق و أحب الخلق إليه سبحانه أعظمهم ثوابا يوم القيامة على ما فسره المحققون من أهل الكلام و إن أريد بالأفضل

الأشرف نسبا ففاطمة أفضل لأن أباها سيد ولد آدم من الأولين و الآخرين فليس في آباء علي ع مثله و لا مقارنه و إن أريد بالأفضل من

كان رسول الله ص أشد عليه حنوا و أمس به رحما ففاطمة أفضل لأنها ابنته و كان شديد الحب لها و الحنو عليها جدا و هي أقرب إليه

نسبا من ابن العم لا شبهة في ذلك. فأما القول في أن عليا شرف بها أو شرفت به فإن عليا ع كانت أسباب شرفه و تميزه على الناس

متنوعة فمنها ما هو متعلق بفاطمة ع و منها ما هو متعلق بأبيها ص و منها ما هو مستقل بنفسه. فأما الذي هو مستقل بنفسه فنحو

شجاعته و عفته و حلمه و قناعته و سجاحة أخلاقه و سماحة نفسه و أما الذي هو متعلق برسول الله ص فنحو علمه و دينه و زهده و

عبادته و سبقه إلى الإسلام و إخباره بالغيوب. و أما الذي يتعلق بفاطمة ع فنكاحه لها حتى صار بينه و بين رسول الله ص الصهر

المضاف إلى النسب و السبب و حتى إن ذريته منها صارت ذرية لرسول الله ص و أجزاء من ذاته ع و ذلك لأن الولد إنما يكون من مني

الرجل و دم المرأة و هما جزءان من ذاتي الأب و الأم ثم هكذا أبدا في ولد الولد و من بعده من البطون دائما فهذا هو القول في شرف

علي ع بفاطمة.

[16 : 21 ]

فأما شرفها به فإنها و إن كانت ابنة سيد العالمين إلا أن كونها زوجة علي أفادها نوعا من شرف آخر زائدا على ذلك الشرف الأول أ لا

ترى أن أباها لو زوجها أبا هريرة أو أنس بن مالك لم يكن حالها في العظمة و الجلالة كحالها الآن و كذلك لو كان بنوها و ذريتها من

أبي هريرة و أنس بن مالك لم يكن حالهم في أنفسهم كحالهم الآن. قال أبو الحسن المدائني و كان الحسن كثير التزوج تزوج خولة

بنت منظور بن زبان الفزارية و أمها مليكة بنت خارجة بن سنان فولدت له الحسن بن الحسن و تزوج أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد

الله فولدت له ابنا سماه طلحة و تزوج أم بشر بنت أبي مسعود الأنصاري و اسم أبي مسعود عقبة بن عمر فولدت له زيد بن الحسن و

تزوج جعدة بنت الأشعث بن قيس و هي التي سقته السم و تزوج هند ابنة سهيل بن عمرو و حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر و تزوج

امرأة من كلب و تزوج امرأة من بنات عمرو بن أهتم المنقري و امرأة من ثقيف فولدت له عمرا و تزوج امرأة من بنات علقمة ابن زرارة و

امرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة فقيل له إنها ترى رأي الخوارج فطلقها و قال إني أكره أن أضم إلى نحري جمرة من جمر

جهنم. و قال المدائني و خطب إلى رجل فزوجه و قال له إني مزوجك و أعلم أنك ملق طلق غلق و لكنك خير الناس نسبا و أرفعهم جدا

و أبا. قلت أما قوله ملق طلق فقد صدق و أما قوله غلق فلا فإن الغلق الكثير الضجر و كان الحسن ع أوسع الناس صدرا و أسجحهم

خلقا.

[16 : 22 ]

قال المدائني أحصيت زوجات الحسن بن علي فكن سبعين امرأة. قال المدائني و لما توفي علي ع خرج عبد الله بن العباس بن عبد

المطلب إلى الناس فقال إن أمير المؤمنين ع توفي و قد ترك خلفا فإن أحببتم خرج إليكم و إن كرهتم فلا أحد على أحد فبكى الناس و

قالوا بل يخرج إلينا

فخرج الحسن ع فخطبهم فقال أيها الناس اتقوا الله فإنا أمراؤكم و أولياؤكم و إنا أهل البيت الذين قال الله تعالى فينا إِنَّما يُرِيدُ

اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فبايعه الناس

و كان خرج إليهم و عليه ثياب سود ثم وجه عبد الله بن عباس و معه قيس بن سعد بن عبادة مقدمة له في اثني عشر ألفا إلى الشام و

خرج و هو يريد المدائن فطعن بساباط و انتهب متاعه و دخل المدائن و بلغ ذلك معاوية فأشاعه و جعل أصحاب الحسن الذين

وجههم مع عبد الله يتسللون إلى معاوية الوجوه و أهل البيوتات فكتب عبد الله بن العباس بذلك إلى الحسن ع فخطب الناس و

وبخهم و قال خالفتم أبي حتى حكم و هو كاره ثم دعاكم إلى قتال أهل الشام بعد التحكيم فأبيتم حتى صار إلى كرامة الله ثم

بايعتموني على أن تسالموا من سالمني و تحاربوا من حاربني و قد أتاني أن أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية و بايعوه فحسبي منكم

لا تغروني من ديني و نفسي. و أرسل عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و أمه هند بنت أبي سفيان بن حرب إلى

معاوية يسأله المسالمة و اشترط عليه العمل بكتاب الله و سنة نبيه و ألا يبايع لأحد من بعده و أن يكون الأمر شورى و أن يكون

الناس أجمعون آمنين.

[16 : 23 ]

و كتب بذلك كتابا فأبى الحسين ع و امتنع فكلمه الحسن حتى رضي و قدم معاوية إلى الكوفة. قال أبو الحسن و حدثنا أبو بكر بن

الأسود قال كتب ابن العباس إلى الحسن أما بعد فإن المسلمين ولوك أمرهم بعد علي ع فشمر للحرب و جاهد عدوك و قارب أصحابك

و اشتر من الظنين دينه بما لا يثلم لك دينا و وال أهل البيوتات و الشرف تستصلح به عشائرهم حتى يكون الناس جماعة فإن بعض ما

يكره الناس ما لم يتعد الحق و كانت عواقبه تؤدي إلى ظهور العدل و عز الدين خير من كثير مما يحبه الناس إذا كانت عواقبه تدعو

إلى ظهور الجور و ذل المؤمنين و عز الفاجرين و اقتد بما جاء عن أئمة العدل فقد جاء عنهم أنه لا يصلح الكذب إلا في حرب أو

إصلاح بين الناس فإن الحرب خدعة و لك في ذلك سعة إذا كنت محاربا ما لم تبطل حقا. و اعلم أن عليا أباك إنما رغب الناس عنه إلى

معاوية أنه أساء بينهم في الفيء و سوى بينهم في العطاء فثقل عليهم و اعلم أنك تحارب من حارب الله و رسوله في ابتداء الإسلام

حتى ظهر أمر الله فلما وحد الرب و محق الشرك و عز الدين أظهروا الإيمان و قرءوا القرآن مستهزءين ب آياته و قاموا إلى الصلاة و

هم كسالى و أدوا الفرائض

[16 : 24 ]

و هم لها كارهون فلما رأوا أنه لا يعز في الدين إلا الأتقياء الأبرار توسموا بسيما الصالحين ليظن المسلمون بهم خيرا فما زالوا

بذلك حتى شركوهم في أماناتهم و قالوا حسابهم على الله فإن كانوا صادقين فإخواننا في الدين و إن كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا

هم الأخسرين و قد منيت بأولئك و بأبنائهم و أشباههم و الله ما زادهم طول العمر إلا غيا و لا زادهم ذلك لأهل الدين إلا مقتا

فجاهدهم و لا ترض دنية و لا تقبل خسفا فإن عليا لم يجب إلى الحكومة حتى غلب على أمره فأجاب و إنهم يعلمون أنه أولى بالأمر

إن حكموا بالعدل فلما حكموا بالهوى رجع إلى ما كان عليه حتى أتى عليه أجله و لا تخرجن من حق أنت أولى به حتى يحول الموت

دون ذلك و السلام

قال المدائني و كتب الحسن ع إلى معاوية من عبد الله الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن الله بعث

محمدا ص رحمة للعالمين فأظهر به الحق و قمع به الشرك و أعز به العرب عامة و شرف به قريشا خاصة فقال وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ

لِقَوْمِكَ فلما توفاه الله تنازعت العرب في الأمر بعده فقالت قريش نحن عشيرته و أولياؤه فلا تنازعونا سلطانه فعرفت العرب لقريش

ذلك و جاحدتنا قريش ما عرفت لها العرب فهيهات ما أنصفتنا قريش و قد كانوا ذوي فضيلة في الدين و سابقة في الإسلام و لا غرو إلا

منازعته إيانا الأمر بغير حق في الدنيا معروف و لا أثر في الإسلام محمود فالله الموعد نسأل الله ألا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا

عنده في الآخرة إن عليا لما توفاه الله ولاني المسلمون الأمر بعده فاتق الله يا معاوية و انظر لأمة محمد

[16 : 25 ]

ص ما تحقن به دماءها و تصلح به أمرها و السلام

و بعث بالكتاب مع الحارث بن سويد التيمي تيم الرباب و جندب الأزدي فقدما على معاوية فدعواه إلى بيعة الحسن ع فلم يجبهما و

كتب جوابه أما بعد فقد فهمت ما ذكرت به رسول الله و هو أحق الأولين و الآخرين بالفضل كله و ذكرت تنازع المسلمين الأمر بعده

فصرحت بتهمة أبي بكر الصديق و عمر و أبي عبيدة الأمين و صلحاء المهاجرين فكرهت لك ذلك إن الأمة لما تنازعت الأمر بينها رأت

قريشا أخلقها به فرأت قريش و الأنصار و ذوو الفضل و الدين من المسلمين أن يولوا من قريش أعلمها بالله و أخشاها له و أقواها

على الأمر فاختاروا أبا بكر و لم يألوا و لو علموا مكان رجل غير أبي بكر يقوم مقامه و يذب عن حرم الإسلام ذبه ما عدلوا بالأمر إلى

أبي بكر و الحال اليوم بيني و بينك على ما كانوا عليه فلو علمت أنك أضبط لأمر الرعية و أحوط على هذه الأمة و أحسن سياسة و

أكيد للعدو و أقوى على جمع الفيء لسلمت لك الأمر بعد أبيك فإن أباك سعى على عثمان حتى قتل مظلوما فطالب الله بدمه و من

يطلبه الله فلن يفوته ثم ابتز الأمة أمرها و فرق جماعتها فخالفه نظراؤه من أهل السابقة و الجهاد و القدم في الإسلام و ادعى أنهم

نكثوا بيعته فقاتلهم فسفكت الدماء و استحلت الحرم ثم أقبل إلينا لا يدعي علينا بيعة و لكنه يريد أن يملكنا اغترارا فحاربناه و

حاربنا ثم صارت الحرب إلى أن اختار رجلا و اخترنا رجلا ليحكما بما تصلح عليه الأمة و تعود به الجماعة و الألفة و أخذنا بذلك

عليهما ميثاقا و عليه مثله و علينا مثله على الرضا بما حكما فأمضى الحكمان عليه الحكم بما علمت و خلعاه فو الله ما رضي بالحكم و

لا صبر لأمر الله فكيف تدعوني إلى أمر إنما تطلبه بحق أبيك و قد خرج منه فانظر لنفسك و لدينك و السلام.

[16 : 26 ]

قال ثم قال للحارث و جندب ارجعا فليس بيني و بينكم إلا السيف فرجعا و أقبل إلى العراق في ستين ألفا و استخلف على الشام

الضحاك بن قيس الفهري و الحسن مقيم بالكوفة لم يشخص حتى بلغه أن معاوية قد عبر جسر منبج فوجه حجر بن عدي يأمر العمال

بالاحتراس و يذب الناس فسارعوا فعقد لقيس بن سعد بن عبادة على اثني عشر ألفا فنزل دير عبد الرحمن و استخلف على الكوفة

المغيرة بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب و أمر قيس بن سعد بالمسير و ودعه و أوصاه فأخذ على الفرات و قرى الفلوجة ثم إلى

مسكن

و ارتحل الحسن ع متوجها نحو المدائن فأتى ساباط فأقام بها أياما فلما أراد أن يرحل إلى المدائن قام فخطب الناس فقال أيها

الناس إنكم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت و تحاربوا من حاربت و إني و الله ما أصبحت محتملا على أحد من هذه الأمة ضغينة

في شرق و لا غرب و لما تكرهون في الجماعة و الألفة و الأمن و صلاح ذات البين خير مما تحبون في الفرقة و الخوف و التباغض و

العداوة و إن عليا أبي كان يقول لا تكرهوا إمارة معاوية فإنكم لو فارقتموه لرأيتم الرءوس تندر عن كواهلها كالحنظل ثم نزل

فقال الناس ما قال هذا القول إلا و هو خالع نفسه و مسلم الأمر لمعاوية فثاروا به فقطعوا كلامه و انتهبوا متاعه و انتزعوا مطرفا كان

عليه و أخذوا جارية كانت معه و اختلف الناس فصارت طائفة معه و أكثرهم عليه فقال اللهم أنت المستعان و أمر بالرحيل فارتحل

الناس و أتاه رجل بفرس فركبه و أطاف به بعض أصحابه فمنعوا الناس عنه و ساروا فقدمه سنان بن الجراح الأسدي إلى مظلم ساباط

فأقام به فلما دنا منه تقدم إليه يكلمه و طعنه في فخذه بالمعول طعنة كادت تصل إلى العظم فغشي عليه و ابتدره أصحابه فسبق إليه

عبيد الله الطائي فصرع سنانا و أخذ ظبيان بن عمارة المعول

[16 : 27 ]

من يده فضربه به فقطع أنفه ثم ضربه بصخرة على رأسه فقتله و أفاق الحسن ع من غشيته فعصبوا جرحه و قد نزف و ضعف فقدموا به

المدائن و عليها سعد بن مسعود عم المختار بن أبي عبيد و أقام بالمدائن حتى برأ من جرحه. قال المدائني و كان الحسن ع أكبر ولد

علي و كان سيدا سخيا حليما خطيبا و كان رسول الله ص يحبه سابق يوما بين الحسين و بينه فسبق الحسن فأجلسه على فخذه

اليمنى ثم أجلس الحسين على الفخذ اليسرى فقيل له يا رسول الله أيهما أحب إليك فقال أقول كما قال إبراهيم أبونا و قيل له أي

ابنيك أحب إليك قال أكبرهما و هو الذي يلد ابني محمدا ص. و

روى المدائني عن زيد بن أرقم قال خرج الحسن ع و هو صغير و عليه بردة و رسول الله ص يخطب فعثر فسقط فقطع رسول الله ص

الخطبة و نزل مسرعا إليه و قد حمله الناس فتسلمه و أخذه على كتفه و قال إن الولد لفتنة لقد نزلت إليه و ما أدري ثم صعد فأتم

الخطبة

و روى المدائني قال لقي عمرو بن العاص الحسن ع في الطواف فقال له يا حسن زعمت أن الدين لا يقوم إلا بك و بأبيك فقد رأيت

الله أقامه بمعاوية فجعله راسيا بعد ميله و بينا بعد خفائه أ فرضي الله بقتل عثمان أ و من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل

بالطحين عليك ثياب كغرقئ البيض و أنت قاتل عثمان و الله إنه لألم للشعث و أسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك فقال

الحسن ع إن لأهل النار علامات يعرفون بها إلحادا لأولياء الله و موالاة لأعداء الله و الله إنك

[16 : 28 ]

لتعلم أن عليا لم يرتب في الدين و لا يشك في الله ساعة و لا طرفة عين قط و ايم الله لتنتهين يا ابن أم عمرو أو لأنفذن حضنيك

بنوافذ أشد من القعضبية فإياك و التهجم علي فإني من قد عرفت لست بضعيف الغمزة و لا هش المشاشة و لا مريء المأكلة و إني من

قريش كواسطة القلادة يعرف حسبي و لا أدعى لغير أبي و أنت من تعلم و يعلم الناس تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزاروها

ألأمهم حسبا و أعظمهم لؤما فإياك عني فإنك رجس و نحن أهل بيت الطهارة أذهب الله عنا الرجس و طهرنا تطهيرا فأفحم عمرو و

انصرف كئيبا

و روى أبو الحسن المدائني قال سأل معاوية الحسن بن علي بعد الصلح أن يخطب الناس فامتنع فناشده أن يفعل فوضع له كرسي

فجلس عليه ثم قال الحمد لله الذي توحد في ملكه و تفرد في ربوبيته يؤتي الملك من يشاء و ينزعه عمن يشاء و الحمد لله الذي

أكرم بنا مؤمنكم و أخرج من الشرك أولكم و حقن دماء آخركم فبلاؤنا عندكم قديما و حديثا أحسن البلاء إن شكرتم أو كفرتم أيها

الناس إن رب علي كان أعلم بعلي حين قبضه إليه و لقد اختصه بفضل لم تعتادوا مثله و لم تجدوا مثل سابقته فهيهات هيهات طالما

قلبتم له الأمور حتى أعلاه الله عليكم و هو صاحبكم و عدوكم في بدر و أخواتها جرعكم رنقا و سقاكم علقا و أذل رقابكم و أشرقكم

بريقكم فلستم بملومين على بغضه و ايم الله لا ترى أمة محمد خفضا ما كانت سادتهم و قادتهم في بني أمية و لقد وجه الله إليكم

فتنة لن تصدروا عنها حتى تهلكوا لطاعتكم طواغيتكم و انضوائكم إلى شياطينكم فعند الله أحتسب ما مضى و ما ينتظر من سوء

دعتكم و حيف حكمكم ثم قال يا أهل الكوفة لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله صائب

[16 : 29 ]

على أعداء الله نكال على فجار قريش لم يزل آخذا بحناجرها جاثما على أنفاسها ليس بالملومة في أمر الله و لا بالسروقة لمال الله و

لا بالفروقة في حرب أعداء الله أعطى الكتاب خواتمه و عزائمه دعاه فأجابه و قاده فاتبعه لا تأخذه في الله لومة لائم

فصلوات الله عليه و رحمته ثم نزل فقال معاوية أخطأ عجل أو كاد و أصاب مثبت أو كاد ما ذا أردت من خطبة الحسن. فأما أبو الفرج

علي بن الحسين الأصفهاني فإنه قال كان في لسان أبي محمد الحسن ع ثقل كالفأفأة حدثني بذلك محمد بن الحسين الأشناني قال

حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي عن مفضل بن صالح عن جابر قال كان في لسان الحسن ع رتة فكان سلمان الفارسي رحمه الله

يقول أتته من قبل عمه موسى بن عمران ع. قال أبو الفرج و مات شهيدا مسموما دس معاوية إليه و إلى سعد بن أبي وقاص حين أراد

أن يعهد إلى يزيد ابنه بالأمر بعده سما فماتا منه في أيام متقاربة و كان الذي تولى ذلك من الحسن ع زوجته جعدة بنت الأشعث بن

قيس بمال بذله لها معاوية و يقال إن اسمها سكينة و يقال عائشة و يقال شعثاء و الصحيح أن اسمها جعدة. قال أبو الفرج فروى

عمرو بن ثابت قال كنت أختلف إلى أبي إسحاق

[16 : 30 ]

السبيعي سنة أسأله عن الخطبة التي خطب بها الحسن بن علي ع عقيب وفاة أبيه و لا يحدثني بها فدخلت إليه في يوم شات و هو في

الشمس و عليه برنسه فكأنه غول فقال لي من أنت فأخبرته فبكى و قال كيف أبوك و كيف أهلك قلت صالحون قال في أي شيء تتردد

منذ سنة قلت في خطبة الحسن بن علي بعد وفاه أبيه.

حدثني هبيرة ابن مريم قال خطب الحسن ع بعد وفاة أمير المؤمنين ع فقال قد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون و لا

يدركه الآخرون بعمل لقد كان يجاهد مع رسول الله ص فيسبقه بنفسه و لقد كان يوجهه برايته فيكنفه جبرائيل عن يمينه و ميكائيل

عن يساره فلا يرجع حتى يفتح الله عليه و لقد توفي في الليلة التي عرج فيها بعيسى ابن مريم و التي توفي فيها يوشع بن نوح و ما

خلف صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ثم خنقته العبرة فبكى و بكى الناس معه ثم قال أيها

الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد رسول الله ص أنا ابن البشير أنا ابن النذير أنا ابن الداعي إلى الله

بإذنه و السراج المنير أنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و الذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ

يقول وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت

قال أبو الفرج فلما انتهى إلى هذا الموضع من الخطبة قام عبد الله بن العباس بين

[16 : 31 ]

يديه فدعا الناس إلى بيعته فاستجابوا و قالوا ما أحبه إلينا و أحقه بالخلافة فبايعوه ثم نزل من المنبر. قال أبو الفرج و دس معاوية

رجلا من حمير إلى الكوفة و رجلا من بني القين إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار فدل على الحميري و على القيني فأخذا و قتلا. و

كتب الحسن ع إلى معاوية أما بعد فإنك دسست إلي الرجال كأنك تحب اللقاء لا أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله و بلغني أنك شمت

بما لم يشمت به ذو الحجى و إنما مثلك في ذلك كما قال الأول

فإنا و من قد مات منا لكالذي يروح فيمسي في المبيت ليغتدي

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تجهز لأخرى مثلها فكأن قد

. فأجابه معاوية أما بعد فقد وصل كتابك و فهمت ما ذكرت فيه و لقد علمت بما حدث فلم أفرح و لم أحزن و لم أشمت و لم آس و إن

عليا أباك لكما قال أعشى بني قيس ابن ثعلبة

فأنت الجواد و أنت الذي إذا ما القلوب ملأن الصدورا

جدير بطعنة يوم اللقاء يضرب منها النساء النحورا

و ما مزيد من خليج البحار يعلو الإكام و يعلو الجسورا

بأجود منه بما عنده فيعطي الألوف و يعطي البدورا

[16 : 32 ]

قال أبو الفرج و كتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى معاوية أما بعد فإنك و دسك أخا بني القين إلى البصرة تلتمس من غفلات

قريش بمثل ما ظفرت به من يمانيتك لكما قال أمية بن أبي الأسكر

لعمرك إني و الخزاعي طارقا كنعجة عاد حتفها تتحفر

أثارت عليها شفرة بكراعها فظلت بها من آخر الليل تنحر

شمت بقوم من صديقك أهلكوا أصابهم يوم من الدهر أصفر

فأجابه معاوية أما بعد فإن الحسن بن علي قد كتب إلي بنحو مما كتبت به و أنبأني بما لم يحقق سوء ظن و رأي في و إنك لم تصب

مثلي و مثلكم و إنما مثلنا كما قال طارق الخزاعي يجيب أمية عن هذا الشعر

فو الله ما أدري و إني لصادق إلى أي من يظنني أتعذر

أعنف إن كانت زبينة أهلكت و نال بني لحيان شر فأنفروا

[16 : 33 ]

قال أبو الفرج و كان أول شيء أحدثه الحسن ع أنه زاد المقاتلة مائة مائة و قد كان علي ع فعل ذلك يوم الجمل و فعله الحسن حال

الاستخلاف فتبعه الخلفاء من بعده في ذلك.

قال و كتب الحسن ع إلى معاوية مع حرب بن عبد الله الأزدي من الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام

عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله جل جلاله بعث محمدا رحمة للعالمين و منة للمؤمنين و كافة للناس

أجمعين لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ فبلغ رسالات الله و قام بأمر الله حتى توفاه الله غير مقصر و لا وان و بعد

أن أظهر الله به الحق و محق به الشرك و خص به قريشا خاصة فقال له وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ فلما توفي تنازعت سلطانه العرب

فقالت قريش نحن قبيلته و أسرته و أولياؤه و لا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد و حقه فرأت العرب أن القول ما قالت قريش و

أن الحجة في ذلك لهم على من نازعهم أمر محمد فأنعمت لهم و سلمت إليهم ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاججت به العرب فلم

تنصفنا قريش إنصاف العرب لها إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف و الاحتجاج فلما صرنا أهل بيت محمد و أولياءه إلى

محاجتهم و طلب النصف منهم باعدونا و استولوا بالإجماع على ظلمنا و مراغمتنا و العنت منهم لنا فالموعد الله و هو الولي النصير

[16 : 34 ]

و لقد كنا تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا و سلطان نبينا و إن كانوا ذوي فضيلة و سابقة في الإسلام و أمسكنا عن منازعتهم

مخافة على الدين أن يجد المنافقون و الأحزاب في ذلك مغمزا يثلمونه به أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده فاليوم

فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله لا بفضل في الدين معروف و لا أثر في الإسلام محمود و أنت ابن حزب

من الأحزاب و ابن أعدى قريش لرسول الله ص و لكتابه و الله حسيبك فسترد فتعلم لمن عقبى الدار و بالله لتلقين عن قليل ربك ثم

ليجزينك بما قدمت يداك و ما الله بظلام للعبيد إن عليا لما مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض و يوم من الله عليه بالإسلام و

يوم يبعث حيا ولاني المسلمون الأمر بعده فأسأل الله ألا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامة و إنما

حملني على الكتاب إليك الإعذار فيما بيني و بين الله عز و جل في أمرك و لك في ذلك إن فعلته الحظ الجسيم و الصلاح للمسلمين

فدع التمادي في الباطل و ادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله و عند كل أواب حفيظ و

من له قلب منيب و اتق الله و دع البغي و احقن دماء المسلمين فو الله ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به و

ادخل في السلم و الطاعة و لا تنازع الأمر أهله و من هو أحق به منك ليطفئ الله النائرة بذلك و يجمع الكلمة و يصلح ذات البين و إن

أنت أبيت إلا التمادي في غيك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا و هو خير الحاكمين

فكتب معاوية إليه

[16 : 35 ]

من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي سلام الله عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني

كتابك و فهمت ما ذكرت به محمدا رسول الله من الفضل و هو أحق الأولين و الآخرين بالفضل كله قديمه و حديثه و صغيره و كبيره و

قد و الله بلغ و أدى و نصح و هدى حتى أنقذ الله به من الهلكة و أنار به من العمى و هدى به من الجهالة و الضلالة فجزاه الله أفضل

ما جزى نبيا عن أمته و صلوات الله عليه يوم ولد و يوم بعث و يوم قبض و يوم يبعث حيا. و ذكرت وفاة النبي ص و تنازع المسلمين

الأمر بعده و تغلبهم على أبيك فصرحت بتهمة أبي بكر الصديق و عمر الفاروق و أبي عبيدة الأمين و حواري رسول الله ص و صلحاء

المهاجرين و الأنصار فكرهت ذلك لك إنك امرؤ عندنا و عند الناس غير الظنين و لا المسيء و لا اللئيم و أنا أحب لك القول السديد و

الذكر الجميل إن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم و لا سابقتكم و لا قرابتكم من نبيكم و لا مكانكم في الإسلام و

أهله فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها و رأى صلحاء الناس من قريش و الأنصار و غيرهم من سائر الناس و

عوامهم أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما و أعلمها بالله و أحبها له و أقواها على أمر الله فاختاروا أبا بكر و كان ذلك رأي

ذوي الدين و الفضل و الناظرين للأمة فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة و لم يكونوا متهمين و لا فيما أتوا بالمخطئين و لو رأى

المسلمون أن فيكم من يغني غناءه و يقوم مقامه و يذب عن حريم الإسلام ذبه

[16 : 36 ]

ما عدلوا بالأمر إلى غيره رغبة عنه و لكنهم علموا في ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام و أهله و الله يجزيهم عن الإسلام و أهله خيرا. و قد

فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح و الحال فيما بيني و بينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم و أبو بكر بعد وفاة النبي ص فلو

علمت أنك أضبط مني للرعية و أحوط على هذه الأمة و أحسن سياسة و أقوى على جمع الأموال و أكيد للعدو لأجبتك إلى ما دعوتني

إليه و رأيتك لذلك أهلا و لكن قد علمت أني أطول منك ولاية و أقدم منك بهذه الأمة تجربة و أكبر منك سنا فأنت أحق أن تجيبني إلى

هذه المنزلة التي سألتني فادخل في طاعتي و لك الأمر من بعدي و لك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما يبلغ تحمله إلى حيث

أحببت و لك خراج أي كور العراق شئت معونة لك على نفقتك يجيبها أمينك و يحملها إليك في كل سنة و لك ألا نستولي عليك

بالإساءة و لا نقضي دونك الأمور و لا نعصي في أمر أردت به طاعة الله أعاننا الله و إياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء و

السلام. قال جندب فلما أتيت الحسن بكتاب معاوية قلت له إن الرجل سائر إليك فابدأه بالمسير حتى تقاتله في أرضه و بلاده و عمله

فإما أن تقدر أنه ينقاد لك فلا و الله حتى يرى منا أعظم من يوم صفين فقال افعل ثم قعد عن مشورتي و تناسى قولي. قالوا و كتب

معاوية إلى الحسن

[16 : 37 ]

أما بعد فإن الله يفعل في عباده ما يشاء لا معقب لحكمه و هو سريع الحساب فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس و

ايئس من أن تجد فينا غميزة و إن أنت أعرضت عما أنت فيه و بايعتني وفيت لك بما وعدت و أجريت لك ما شرطت و أكون في ذلك كما

قال أعشى بني قيس بن ثعلبة

و إن أحد أسدى إليك أمانة فأوف بها تدعى إذا مت وافيا

و لا تحسد المولى إذا كان ذا غنى و لا تجفه إن كان في المال فانيا

ثم الخلافة لك من بعدي فأنت أولى الناس بها و السلام.

فأجابه الحسن أما بعد فقد وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت فتركت جوابك خشية البغي مني عليك و بالله أعوذ من ذلك فاتبع الحق

تعلم أني من أهله و علي إثم أن أقول فأكذب و السلام

فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية قرأه ثم كتب إلى عماله على النواحي بنسخة واحدة من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى فلان

بن فلان و من قبله من المسلمين سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤنة عدوكم و

قتل خليفتكم إن الله بلطفه و حسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده

[16 : 38 ]

فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين و قد جاءتنا كتب أشرافهم و قادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم و عشائرهم فاقبلوا إلى

حين يأتيكم كتابي هذا بجهدكم و جندكم و حسن عدتكم فقد أصبتم بحمد الله الثأر و بلغتم الأمل و أهلك الله أهل البغي و العدوان

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. قال فاجتمعت العساكر إلى معاوية فسار بها قاصدا إلى العراق و بلغ الحسن خبره و مسيره

نحوه و إنه قد بلغ جسر منبج فتحرك عند ذلك و بعث حجر بن عدي فأمر العمال و الناس بالتهيؤ للمسير و نادى المنادي الصلاة جامعة

فأقبل الناس يثوبون و يجتمعون و قال الحسن إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني و جاءه سعيد بن قيس الهمداني فقال له اخرج

فخرج الحسن ع و صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه و سماه كرها ثم قال لأهل الجهاد

من المؤمنين اصْبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا

أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر و تنظروا و نرى و تروا. قال و إنه في

كلامه ليتخوف خذلان الناس له قال فسكتوا فما تكلم منهم أحد و لا أجابه بحرف فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قام فقال أنا ابن حاتم

سبحان الله ما أقبح هذا المقام أ لا تجيبون إمامكم و ابن بنت نبيكم أين خطباء مضر أين المسلمون أين

[16 : 39 ]

الخواضون من أهل المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب أ ما تخافون مقت الله و لا عيبها و

عارها. ثم استقبل الحسن بوجهه فقال أصاب الله بك المراشد و جنبك المكاره و وفقك لما يحمد ورده و صدره قد سمعنا مقالتك و

انتهينا إلى أمرك و سمعنا لك و أطعناك فيما قلت و ما رأيت و هذا وجهي إلى معسكري فمن أحب أن يوافيني فليواف

ثم مضى لوجهه فخرج من المسجد و دابته بالباب فركبها و مضى إلى النخيلة و أمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه و كان عدي بن حاتم

أول الناس عسكرا. و قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري و معقل بن قيس الرياحي و زياد بن صعصعة التيمي فأنبوا الناس و لاموهم

و حرضوهم و كلموا الحسن ع بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة و القبول فقال لهم الحسن ع صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم

بصدق النية و الوفاء و القبول و المودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا ثم نزل. و خرج الناس فعسكروا و نشطوا للخروج و خرج

الحسن إلى العسكر و استخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و أمره باستحثاث الناس و أشخاصهم إليه

فجعل يستحثهم و يستخرجهم حتى يلتئم العسكر.

و سار الحسن ع في عسكر عظيم و عدة حسنة حتى نزل دير عبد الرحمن

[16 : 40 ]

فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس ثم دعا عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب فقال له يا ابن عم إني باعث إليك اثني عشر ألفا من

فرسان العرب و قراء المصر الرجل منهم يزيد الكتيبة فسر بهم و ألن لهم جانبك و ابسط لهم وجهك و افرش لهم جناحك و أدنهم من

مجلسك فإنهم بقية ثقات أمير المؤمنين و سر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات ثم تصير إلى مسكن ثم امض حتى تستقبل

بهم معاوية فإن أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فإني على أثرك وشيكا و ليكن خبرك عندي كل يوم و شاور هذين يعني قيس بن سعد و

سعيد بن قيس و إذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فإن فعل فقاتله و إن أصبت فقيس بن سعد على الناس و إن أصيب قيس بن

سعد فسعيد بن قيس على الناس

فسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات و الفلوجة حتى أتى مسكن و أخذ الحسن على حمام عمر

حتى أتى دير كعب ثم بكر فنزل ساباط دون القنطرة فلما أصبح نادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا

فصعد المنبر فخطبهم فقال الحمد لله كلما حمده حامد و أشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد و أشهد أن محمدا رسول الله

أرسله بالحق و ائتمنه على الوحي ص أما بعد فو الله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله و منه و أنا أنصح خلقه لخلقه و ما

أصبحت محتملا على مسلم ضغينة و لا مريد له بسوء و لا غائلة ألا و إن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا و

إني ناظر لكم خيرا

[16 : 41 ]

من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري و لا تردوا على رأيي غفر الله لي و لكم و أرشدني و إياكم لما فيه محبته و رضاه إن شاء الله ثم

نزل

قال فنظر الناس بعضهم إلى بعض و قالوا ما ترونه يريد بما قال قالوا نظنه يريد أن يصالح معاوية و يكل الأمر إليه كفر و الله الرجل

ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن

عاتقه فبقي جالسا متقلدا سيفا بغير رداء فدعا بفرسه فركبه و أحدق به طوائف من خاصته و شيعته و منعوا منه من أراده و لاموه و

ضعفوه لما تكلم به فقال ادعوا إلي ربيعة و همدان فدعوا له فأطافوا به و دفعوا الناس عنه و معهم شوب من غيرهم فلما مر في مظلم

ساباط قام إليه رجل من بني أسد ثم من بني نصر بن قعين يقال له جراح بن سنان و بيده معول فأخذ بلجام فرسه و قال الله أكبر يا

حسن أشرك أبوك ثم أشركت أنت و طعنه بالمعول فوقعت في فخذه فشقته حتى بلغت أربيته و سقط الحسن ع إلى الأرض بعد أن

ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده و اعتنقه فخرا جميعا إلى الأرض فوثب عبد الله بن الأخطل الطائي و نزع المعول من يد جراح بن

سنان فخضخضه به و أكب ظبيان بن عمارة عليه فقطع أنفه ثم أخذا له الآجر فشدخا رأسه و وجهه حتى قتلوه.

[16 : 42 ]

و حمل الحسن ع على سرير إلى المدائن و بها سعيد بن مسعود الثقفي واليا عليها من قبله و قد كان علي ع ولاه المدائن فأقره

الحسن ع عليها فأقام عنده يعالج نفسه فأما معاوية فإنه وافى حتى نزل قرية يقال لها الحلوبية بمسكن و أقبل عبيد الله بن عباس

حتى نزل بإزائه فلما كان من غد وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد الله فيمن معه فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم فلما كان

الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن عباس أن الحسن قد راسلني في الصلح و هو مسلم الأمر إلي فإن دخلت في طاعتي الآن كنت

متبوعا و إلا دخلت و أنت تابع و لك إن أجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم أعجل لك في هذا الوقت نصفها و إذا دخلت الكوفة

النصف الآخر فانسل عبيد الله إليه ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده و أصبح الناس ينتظرون عبيد الله أن يخرج فيصلي

بهم فلم يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة ثم خطبهم فثبتهم و ذكر عبيد الله فنال منه ثم

أمرهم بالصبر و النهوض إلى العدو فأجابوه بالطاعة و قالوا له انهض بنا إلى عدونا على اسم الله فنزل فنهض بهم. و خرج إليه بسر

بن أرطاة فصاح إلى أهل العراق ويحكم هذا أميركم عندنا قد بايع و إمامكم الحسن قد صالح فعلام تقتلون أنفسكم.

[16 : 43 ]

فقال لهم قيس بن سعد اختاروا إحدى اثنتين إما القتال مع غير إمام و إما أن تبايعوا بيعة ضلال فقالوا بل نقاتل بلا إمام فخرجوا

فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم. فكتب معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه و يمنيه فكتب إليه قيس لا و الله لا تلقاني أبدا

إلا بيني و بينك الرمح فكتب إليه معاوية حينئذ لما يئس منه أما بعد فإنك يهودي ابن يهودي تشقي نفسك و تقتلها فيما ليس لك فإن

ظهر أحب الفريقين إليك نبذك و غدرك و إن ظهر أبغضهم إليك نكل بك و قتلك و قد كان أبوك أوتر غير قوسه و رمى غير غرضه فأكثر

الحز و أخطأ المفصل فخذله قومه و أدركه يومه فمات بحوران طريدا غريبا و السلام. فكتب إليه قيس بن سعد أما بعد فإنما أنت

وثن ابن وثن دخلت في الإسلام كرها و أقمت فيه فرقا و خرجت منه طوعا و لم يجعل الله لك فيه نصيبا لم يقدم إسلامك و لم يحدث

نفاقك و لم تزل حربا لله و لرسوله و حزبا من أحزاب المشركين و عدوا لله و لنبيه و للمؤمنين من عباده و ذكرت أبي فلعمري ما أوتر

إلا قوسه و لا رمى إلا غرضه فشغب عليه من لا يشق غباره و لا يبلغ كعبه و زعمت أني يهودي ابن يهودي و قد علمت و علم الناس أني

و أبي أعداء الدين الذي خرجت منه و أنصار الدين الذي دخلت فيه و صرت إليه و السلام. فلما قرأ معاوية كتابه غاظه و أراد إجابته

فقال له عمرو مهلا فإنك إن كاتبته أجابك بأشد من هذا و إن تركته دخل فيما دخل فيه الناس فأمسك عنه. قال و بعث معاوية عبد الله

بن عامر و عبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن للصلح فدعواه

[16 : 44 ]

إليه فزهداه في الأمر و أعطياه ما شرط له معاوية و ألا يتبع أحد بما مضى و لا ينال أحد من شيعة علي بمكروه و لا يذكر علي إلا بخير و

أشياء شرطها الحسن فأجاب إلى ذلك و انصرف قيس بن سعد فيمن معه إلى الكوفة و انصرف الحسن أيضا إليها و أقبل معاوية

قاصدا نحو الكوفة و اجتمع إلى الحسن ع وجوه الشيعة و أكابر أصحاب أمير المؤمنين ع يلومونه و يبكون إليه جزعا مما فعله

قال أبو الفرج فحدثني محمد بن أحمد بن عبيد قال حدثنا الفضل بن الحسن البصري قال حدثنا ابن عمرو قال حدثنا مكي بن إبراهيم

قال حدثنا السري بن إسماعيل عن الشعبي عن سفيان بن أبي ليلى قال أبو الفرج و حدثني به أيضا محمد بن الحسين الأشنانداني و

علي بن العباس المقانعي عن عباد بن يعقوب عن عمرو بن ثابت عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن سفيان بن أبي ليلى قال

أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره و عنده رهط فقلت السلام عليك يا مذل المؤمنين قال و عليك السلام يا

سفيان و نزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه فقال كيف قلت يا سفيان قلت السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال لم جرى هذا

منك إلينا قلت أنت و الله بأبي و أمي أذللت رقابنا حيث أعطيت هذا الطاغية البيعة و سلمت الأمر إلى اللعين ابن آكلة الأكباد و معك

مائة ألف كلهم يموت دونك فقد جمع الله عليك أمر الناس فقال يا سفيان إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به و إني سمعت عليا

يقول سمعت رسول الله ص يقول لا تذهب الليالي و الأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم

[16 : 45 ]

ضخم البلعوم يأكل و لا يشبع لا ينظر الله إليه و لا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر و لا في الأرض ناصر و إنه لمعاوية و إني

عرفت أن الله بالغ أمره ثم أذن المؤذن فقمنا على حالب نحلب ناقته فتناول الإناء فشرب قائما ثم سقاني و خرجنا نمشي إلى

المسجد فقال لي ما جاء بك يا سفيان قلت حبكم و الذي بعث محمدا بالهدى و دين الحق قال فأبشر يا سفيان فإني سمعت عليا يقول

سمعت رسول الله ص يقول يرد علي الحوض أهل بيتي و من أحبهم من أمتي كهاتين يعني السبابتين أو كهاتين يعني السبابة و

الوسطى إحداهما تفضل على الأخرى أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر و الفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد ص

قلت قوله و لا في الأرض ناصر أي ناصر ديني أي لا يمكن أحدا أن ينتصر له بتأويل ديني يتكلف به عذرا لأفعاله القبيحة. فإن قلت

قوله و إنه لمعاوية من الحديث المرفوع أو من كلام علي ع أو من كلام الحسن ع قلت الظاهر أنه من كلام الحسن ع فإنه قد غلب

على ظنه أن معاوية صاحب هذه الصفات و إن كان القسمان الأولان غير ممتنعين. فإن قلت فمن هو إمام الحق من آل محمد قلت أما

الإمامية فتزعم أنه صاحبهم الذي يعتقدون أنه الآن حي في الأرض و أما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يخلقه الله في آخر الزمان.

[16 : 46 ]

قال أبو الفرج و سار معاوية حتى نزل النخيلة و جمع الناس بها فخطبهم قبل أن يدخل الكوفة خطبة طويلة لم ينقلها أحد من الرواة

تامة و جاءت منقطعة في الحديث و سنذكر ما انتهى إلينا منها. فأما الشعبي فإنه روى أنه قال في الخطبة ما اختلف أمر أمة بعد نبيها

إلا و ظهر أهل باطلها على أهل حقها ثم انتبه فندم فقال إلا هذه الأمة فإنها و إنها و أما أبو إسحاق السبيعي فقال إن معاوية قال في

خطبته بالنخيلة ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به. قال أبو إسحاق و كان و الله غدارا. و روى

الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة ثم خطبنا فقال و الله إني ما قاتلتكم لتصلوا و لا

لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك و إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم و قد أعطاني الله ذلك و أنتم كارهون. قال و كان

عبد الرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول هذا و الله هو التهتك.

قال أبو الفرج و حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد قال حدثني الفضل بن الحسن البصري قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني أبو

حفص اللبان عن عبد الرحمن بن شريك عن إسماعيل بن أبي خالد عن حبيب بن أبي ثابت قال خطب معاوية بالكوفة حين دخلها و

الحسن و الحسين ع جالسان تحت المنبر فذكر عليا ع

[16 : 47 ]

فنال منه ثم نال من الحسن فقام الحسين ع ليرد عليه فأخذه الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال أيها الذاكر عليا أنا الحسن و أبي علي

و أنت معاوية و أبوك صخر و أمي فاطمة و أمك هند و جدي رسول الله و جدك عتبة بن ربيعة و جدتي خديجة و جدتك قتيلة فلعن الله

أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرنا قديما و حديثا و أقدمنا كفرا و نفاقا فقال طوائف من أهل المسجد آمين

قال الفضل قال يحيى بن معين و أنا أقول آمين. قال أبو الفرج قال أبو عبيد قال الفضل و أنا أقول آمين و يقول علي بن الحسين

الأصفهاني آمين. قلت و يقول عبد الحميد بن أبي الحديد مصنف هذا الكتاب آمين. قال أبو الفرج و دخل معاوية الكوفة بعد فراغه

من خطبته بالنخيلة و بين يديه خالد ابن عرفطة و معه حبيب بن حماد يحمل رايته فلما صار بالكوفة دخل المسجد من باب الفيل و

اجتمع الناس إليه.

قال أبو الفرج فحدثني أبو عبيد الصيرفي و أحمد بن عبيد الله بن عمار عن محمد بن علي بن خلف عن محمد بن عمرو الرازي عن مالك

بن سعيد عن محمد بن عبد الله الليثي عن عطاء بن السائب عن أبيه قال بينما علي بن أبي طالب ع على منبر الكوفة إذ دخل رجل فقال

يا أمير المؤمنين مات خالد بن عرفطة فقال لا و الله ما مات و لا يموت حتى يدخل من باب المسجد و أشار إلى باب الفيل و معه راية

ضلالة يحملها حبيب بن حماد قال فوثب رجل فقال يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حماد و أنا لك شيعة فقال

[16 : 48 ]

فإنه كما أقول فو الله لقد قدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية يحمل رايته حبيب بن حماد قال أبو الفرج و قال مالك بن سعيد و

حدثني الأعمش بهذا الحديث قال حدثني صاحب هذه الدار و أشار إلى دار السائب أبي عطاء إنه سمع عليا ع يقول هذا

قال أبو الفرج فلما تم الصلح بين الحسن و معاوية أرسل إلى قيس بن سعد يدعوه إلى البيعة فجاءه و كان رجلا طوالا يركب الفرس

المشرف و رجلاه تخطان في الأرض و ما في وجهه طاقة شعر و كان يسمى خصي الأنصار فلما أرادوا إدخاله إليه قال إني حلفت ألا

ألقاه إلا و بيني و بينه الرمح أو السيف فأمر معاوية برمح و سيف فوضعا بينه و بينه ليبر يمينه. قال أبو الفرج و قد روي أن الحسن

لما صالح معاوية اعتزل قيس بن سعد في أربعة آلاف فارس فأبى أن يبايع فلما بايع الحسن أدخل قيس ليبايع فأقبل على الحسن

فقال أ في حل أنا من بيعتك فقال نعم فألقي له كرسي و جلس معاوية على سرير و الحسن معه فقال له معاوية أ تبايع يا قيس قال نعم

و وضع يده على فخذه و لم يمدها إلى معاوية فجاء معاوية من سريره و أكب على قيس حتى مسح يده على يده و ما رفع إليه قيس يده.

[16 : 49 ]

قال أبو الفرج ثم إن معاوية أمر الحسن أن يخطب فظن أنه سيحصر فقام فخطب

فقال في خطبته إنما الخليفة من سار بكتاب الله و سنة نبيه و ليس الخليفة من سار بالجور ذاك رجل ملك ملكا تمتع به قليلا ثم

تنخمه تنقطع لذته و تبقى تبعته وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِين

قال و انصرف الحسن إلى المدينة فأقام بها و أراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن عليه شيء أثقل من أمر الحسن بن علي و سعد

بن أبي وقاص فدس إليهما سما فماتا منه. قال أبو الفرج فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن عيسى بن مهران عن عبيد بن الصباح

الخراز عن جرير عن مغيرة قال أرسل معاوية إلى بنت الأشعث بن قيس و هي تحت الحسن فقال لها إني مزوجك يزيد ابني على أن

تسمي الحسن و بعث إليها بمائة ألف درهم ففعلت و سمت الحسن فسوغها المال و لم يزوجها منه فخلف عليها رجل من آل طلحة

فأولدها فكان إذا وقع بينهم و بين بطون قريش كلام عيروهم و قالوا يا بني مسمة الأزواج. قال حدثني أحمد قال حدثني يحيى بن

بكير عن شعبة عن أبي بكر بن حفص قال توفي الحسن بن علي و سعد بن أبي وقاص في أيام متقاربة و ذلك بعد ما مضى من ولاية إمارة

معاوية عشر سنين و كانوا يروون أنه سقاهما السم

قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عون عن عمران بن إسحاق قال كنت مع الحسن و الحسين ع في الدار فدخل الحسن المخرج ثم

خرج فقال لقد سقيت السم مرارا ما سقيت مثل هذه المرة لقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت

[16 : 50 ]

أقلبها بعود معي فقال الحسين و من سقاك قال و ما تريد منه أ تريد أن تقتله إن يكن هو هو فالله أشد نقمة منك و إن لم يكن هو فما

أحب أن يؤخذ بي بريء

قال أبو الفرج دفن الحسن ع في قبر فاطمة بنت رسول الله ص في البقيع و قد كان أوصى أن يدفن مع النبي ص فمنع مروان بن

الحكم من ذلك و ركبت بنو أمية في السلاح و جعل مروان يقول

يا رب هيجا هي خير من دعه

يدفن عثمان في البقيع و يدفن الحسن في بيت النبي ص و الله لا يكون ذلك أبدا و أنا أحمل السيف و كادت الفتنة تقع و أبى

الحسين ع أن يدفنه إلا مع النبي ص فقال له عبد الله بن جعفر عزمت عليك يا أبا عبد الله بحقي ألا تكلم بكلمة فمضوا به إلى البقيع

و انصرف مروان.

قال أبو الفرج و قد روى الزبير بن بكار أن الحسن ع أرسل إلى عائشة أن تأذن له أن يدفن مع النبي ص فقالت نعم فلما سمعت بنو

أمية بذلك استلأموا في السلاح و تنادوا هم و بنو هاشم في القتال فبلغ ذلك الحسن فأرسل إلى بني هاشم أما إذا كان هذا فلا حاجة

لي فيه ادفنوني إلى جنب أمي فدفن إلى جنب فاطمة ع

قال أبو الفرج فأما يحيى بن الحسن صاحب كتاب النسب فإنه روى أن عائشة

[16 : 51 ]

ركبت ذلك اليوم بغلا و استنفرت بنو أمية مروان بن الحكم و من كان هناك منهم و من حشمهم و هو قول القائل

فيوما على بغل و يوما على جمل

قلت و ليس في رواية يحيى بن الحسن ما يؤخذ على عائشة لأنه لم يرو أنها استنفرت الناس لما ركبت البغل و إنما المستنفرون هم

بنو أمية و يجوز أن تكون عائشة ركبت لتسكين الفتنة لا سيما و قد روي عنها أنه لما طلب منها الدفن قالت نعم فهذه الحال و القصة

منقبة من مناقب عائشة.

قال أبو الفرج و قال جويرية بن أسماء لما مات الحسن و أخرجوا جنازته جاء مروان حتى دخل تحته فحمل سريره فقال له الحسين

ع أ تحمل اليوم سريره و بالأمس كنت تجرعه الغيظ قال مروان كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال

قال و قدم الحسين ع للصلاة عليه سعيد بن العاص و هو يومئذ أمير المدينة و قال تقدم فلو لا أنها سنة لما قدمتك. قال قيل لأبي

إسحاق السبيعي متى ذل الناس فقال حين مات الحسن و ادعي زياد و قتل حجر بن عدي. قال اختلف الناس في سن الحسن ع وقت

وفاته فقيل ابن ثمان و أربعين و هو المروي عن جعفر بن محمد ع في رواية هشام بن سالم و قيل ابن ست و أربعين و هو المروي أيضا عن جعفر بن محمد ع في رواية أبي بصير.

السابق

التالي