السابق

التالي

[14 : 57 ]

الشيخ لا تزالون تتوثبون عليه في جواره من بين قومه أما و الله لتنتهن عنه أو لنقومن معه فيما قام فيه حتى يبلغ ما أراد فقالوا بل

ننصرف عما تكره يا أبا عتبة فقاموا فانصرفوا و كان وليا لهم و معينا على رسول الله ص و أبي طالب فاتقوه و خافوا أن تحمله الحمية

على الإسلام فطمع فيه أبو طالب حيث سمعه قال ما قال و أمل أن يقوم معه في نصرة رسول الله ص فقال يحرضه على ذلك

و إن امرأ أبو عتيبة عمه لفي معزل من أن يسام المظالما

و لا تقبلن الدهر ما عشت خطة تسب بها أما هبطت المواسما

أقول له و أين منه نصيحتي أبا عتبة ثبت سوادك قائما

و ول سبيل العجز غيرك منهم فإنك لم تخلق على العجز لازما

و حارب فإن الحرب نصف و لن ترى أخا الحرب يعطى الخسف حتى يسالما

كذبتم و بيت الله نبزى محمدا و لما تروا يوما من الشعب قائما

و قال يخاطب أبا لهب أيضا

عجبت لحلم يا ابن شيبة عازب و أحلام أقوام لديك سخاف

يقولون شايع من أراد محمدا بظلم و قم في أمره بخلاف

أضاميم إما حاسد ذو خيانة و إما قريب عنك غير مصاف

فلا تركبن الدهر منه ذمامة و أنت امرؤ من خير عبد مناف

و لا تتركنه ما حييت لمعظم و كن رجلا ذا نجدة و عفاف

يذود العدا عن ذروة هاشمية إلافهم في الناس خير إلاف

فإن له قربى لديك قريبة و ليس بذي حلف و لا بمضاف

و لكنه من هاشم ذي صميمها إلى أبحر فوق البحور طواف

[14 : 58 ]

و زاحم جميع الناس عنه و كن له وزيرا على الأعداء غير مجاف

و إن غضبت منه قريش فقل لها بني عمنا ما قومكم بضعاف

و ما بالكم تغشون منه ظلامة و ما بال أحقاد هناك خوافي

فما قومنا بالقوم يخشون ظلمنا و ما نحن فيما ساءهم بخفاف

و لكننا أهل الحفائظ و النهى و عز ببطحاء المشاعر واف

قال محمد بن إسحاق فلما طال البلاء على المسلمين و الفتنة و العذاب و ارتد كثير عن الدين باللسان لا بالقلب كانوا إذا عذبوهم

يقولون نشهد أن هذا الله و أن اللات و العزى هي الآلهة فإذا خلوا عنهم عادوا إلى الإسلام فحبسوهم و أوثقوهم بالقد و جعلوهم في

حر الشمس على الصخر و الصفا و امتدت أيام الشقاء عليهم و لم يصلوا إلى محمد ص لقيام أبي طالب دونه فأجمعت قريش على أن

يكتبوا بينهم و بين بني هاشم صحيفة يتعاقدون فيها ألا يناكحوهم و لا يبايعوهم و لا يجالسوهم فكتبوها و علقوها في جوف الكعبة

تأكيدا على أنفسهم و كان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فلما فعلوا ذلك انحازت هاشم و

المطلب فدخلوا كلهم مع أبي طالب في الشعب فاجتمعوا إليه و خرج منهم أبو لهب إلى قريش فظاهرها على قومه. قال محمد بن

إسحاق فضاق الأمر ببني هاشم و عدموا القوت إلا ما كان يحمل إليهم سرا و خفية و هو شيء قليل لا يمسك أرماقهم و أخافتهم قريش

فلم يكن يظهر منهم أحد و لا يدخل إليهم أحد و ذلك أشد ما لقي رسول الله ص و أهل بيته بمكة. قال محمد بن إسحاق فأقاموا على

ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا ألا يصل إليهم

[14 : 59 ]

شيء إلا القليل سرا ممن يريد صلتهم من قريش و قد كان أبو جهل بن هشام لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى معه

غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد و هي عند رسول الله محاصرة في الشعب فتعلق به و قال أ تحمل الطعام إلى بني

هاشم و الله لا تبرح أنت و طعامك حتى أفضحك بمكة فجاءه أبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى فقال ما

لك و له قال إنه يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال أبو البختري يا هذا إن طعاما كان لعمته عنده بعثت إليه فيه أ فتمنعه أن يأتيها

بطعامها خل سبيل الرجل فأبى أبو جهل حتى نال كل منهما من صاحبه فأخذ له أبو البختري لحي بعير فضربه به فشجه و وطئه وطئا

شديدا فانصرف و هو يكره أن يعلم رسول الله ص و بنو هاشم بذلك فيشمتوا فلما أراد الله تعالى من إبطال الصحيفة و الفرج عن بني

هاشم من الضيق و الأزل الذي كانوا فيه قام هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي في ذلك

أحسن قيام و ذلك أن أباه عمرو بن الحارث كان أخا لنضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي من أمه فكان هشام بن عمرو يحسب لذلك

واصلا ببني هاشم و كان ذا شرف في قومه بني عامر بن لؤي فكان يأتي بالبعير ليلا و قد أوقره طعاما و بنو هاشم و بنو المطلب في

الشعب حتى إذا أقبل به فم الشعب فمنع بخطامه من رأسه ثم يضربه على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به مرة أخرى و قد

أوقره تمرا فيصنع به مثل ذلك ثم إنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي فقال يا زهير أ رضيت أن تأكل الطعام و

تشرب الشراب و تلبس الثياب و تنكح النساء و أخوالك حيث قد علمت لا يبتاعون و لا يبتاع منهم و لا ينكحون و لا ينكح إليهم و لا

يواصلون و لا يزارون أما إني أحلف لو كان أخوك أبو الحكم بن هشام و دعوته إلى مثل ما دعاك

[14 : 60 ]

إليه منهم ما أجابك أبدا قال ويحك يا هشام فما ذا أصنع إنما أنا رجل واحد و الله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقض هذه الصحيفة

القاطعة قال قد وجدت رجلا قال من هو قال أنا قال زهير أبغنا ثالثا فذهب إلى مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له يا مطعم أ

رضيت أن يهلك بطنان من عبد مناف جوعا و جهدا و أنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه أما و الله لئن أمكنتموهم من هذا لتجدن

قريشا إلى مساءتكم في غيره سريعة قال ويحك ما ذا أصنع إنما أنا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا قال من هو قال أنا قال أبغني ثالثا

قال قد وجدت قال من هو قال زهير بن أمية قال أنا قال أبغنا رابعا فذهب إلى أبي البختري بن هشام فقال له نحو ما قال للمطعم قال و

هل من أحد يعين على هذا قال نعم و ذكرهم قال فأبغنا خامسا فمضى إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى فكلمه

فقال و هل يعين على ذلك من أحد قال نعم ثم سمى له القوم فاتعدوا خطم الحجون ليلا بأعلى مكة فأجمعوا أمرهم و تعاقدوا على

القيام في الصحيفة حتى ينقضوها و قال زهير أنا أبدؤكم و أكون أولكم يتكلم فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم و غدا زهير بن أبي

أمية عليه حلة له فطاف بالبيت سبعا ثم أقبل على الناس فقال يا أهل مكة أ نأكل الطعام و نشرب الشراب و نلبس الثياب و بنو

هاشم هلكى و الله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة و كان أبو جهل في ناحية المسجد فقال كذبت و الله لا تشق فقال

زمعة بن الأسود لأبي جهل و الله أنت أكذب ما رضينا و الله بها حين كتبت فقال أبو البختري معه صدق و الله زمعة لا نرضى بها و لا

نقر بما كتب فيها فقال المطعم بن عدي صدقا و الله و كذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها و مما كتب فيها و قال هشام بن عمرو

مثل قولهم فقال أبو جهل هذا أمر قضي بليل و قام مطعم بن عدي إلى الصحيفة فحطها و شقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا

[14 : 61 ]

ما كان من باسمك اللهم قالوا و أما كاتبها منصور بن عكرمة فشلت يده فيما يذكرون فلما مزقت الصحيفة خرج بنو هاشم من حصار

الشعب. قال محمد بن إسحاق فلم يزل أبو طالب ثابتا صابرا مستمرا على نصر رسول الله ص و حمايته و القيام دونه حتى مات في

أول السنة الحادية العشرة من مبعث رسول الله ص فطمعت فيه قريش حينئذ و نالت منه فخرج عن مكة خائفا يطلب أحياء العرب

يعرض عليهم نفسه فلم يزل كذلك حتى دخل مكة في جوار المطعم بن عدي ثم كان من أمره مع الخزرج ما كان ليلة العقبة. قال و من

شعر أبي طالب الذي يذكر فيه رسول الله ص و قيامه دونه

أرقت و قد تصوبت النجوم و بت و لا تسالمك الهموم

لظلم عشيرة ظلموا و عقوا و غب عقوقهم لهم وخيم

هم انتهكوا المحارم من أخيهم و كل فعالهم دنس ذميم

و راموا خطة جورا و ظلما و بعض القول ذو جنف مليم

لتخرج هاشما فتكون منها بلاقع بطن مكة فالحطيم

فمهلا قومنا لا تركبونا بمظلمة لها خطب جسيم

فيندم بعضكم و يذل بعض و ليس بمفلح أبدا ظلوم

أرادوا قتل أحمد زاعميه و ليس بقتله منهم زعيم

و دون محمد منا ندي هم العرنين و العضو الصميم

و من ذلك قوله

و قالوا لأحمد أنت امرؤ خلوف الحديث ضعيف السبب

[14 : 62 ]

و إن كان أحمد قد جاءهم بصدق و لم يأتهم بالكذب

فإنا و من حج من راكب و كعبة مكة ذات الحجب

تنالون أحمد أو تصطلوا ظباة الرماح و حد القضب

و تغترفوا بين أبياتكم صدور العوالي و خيلا شزب

تراهن من بين ضافي السبيب قصير الحزام طويل اللبب

عليها صناديد من هاشم هم الأنجبون مع المنتجب

و روى عبد الله بن مسعود قال لما فرغ رسول الله ص من قتلى بدر و أمر بطرحهم في القليب جعل يتذكر من شعر أبي طالب بيتا فلا

يحضره فقال له أبو بكر لعله قوله يا رسول الله

و إنا لعمر الله إن جد جدنا لتلتبسن أسيافنا بالأماثل

فسر بظفره بالبيت و قال إي لعمر الله لقد التبست. و من شعر أبي طالب قوله

ألا أبلغا عني لؤيا رسالة بحق و ما تغني رسالة مرسل

بني عمنا الأدنين فيما يخصهم و إخواننا من عبد شمس و نوفل

أ ظاهرتم قوما علينا سفاهة و أمرا غويا من غواة و جهل

يقولون لو أنا قتلنا محمدا أقرت نواصي هاشم بالتذلل

كذبتم و رب الهدي تدمى نحوره بمكة و البيت العتيق المقبل

تنالونه أو تصطلوا دون نيله صوارم تفري كل عضو و مفصل

فمهلا و لما تنتج الحرب بكرها بخيل تمام أو ب آخر معجل

[14 : 63 ]

و تلقوا بيع الأبطحين محمدا على ربوة في رأس عنقاء عيطل

و تأوي إليه هاشم إن هاشما عرانين كعب آخر بعد أول

فإن كنتم ترجون قتل محمد فروموا بما جمعتم نقل يذبل

فإنا سنحميه بكل طمرة و ذي ميعة نهد المراكل هيكل

و كل رديني ظماء كعوبه و عضب كإيماض الغمامة مفصل

قلت كان صديقنا علي بن يحيى البطريق رحمه الله يقول لو لا خاصة النبوة و سرها لما كان مثل أبي طالب و هو شيخ قريش و رئيسها

و ذو شرفها يمدح ابن أخيه محمدا و هو شاب قد ربي في حجره و هو يتيمه و مكفوله و جار مجرى أولاده بمثل قوله

و تلقوا ربيع الأبطحين محمدا على ربوة في رأس عنقاء عيطل

و تأوي إليه هاشم إن هاشما عرانين كعب آخر بعد أول

و مثل قوله

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يطيف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة و فواضل

فإن هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع و الذنابى من الناس و إنما هو من مديح الملوك و العظماء فإذا تصورت أنه شعر أبي

طالب ذاك الشيخ المبجل العظيم في محمد ص و هو شاب مستجير به معتصم بظله من قريش قد رباه في حجره غلاما و على عاتقه

طفلا و بين يديه شابا يأكل من زاده و يأوي إلى داره علمت موضع خاصية النبوة و سرها و أن أمره كان عظيما و أن الله تعالى أوقع في

القلوب و الأنفس له منزلة رفيعة و مكانا جليلا

[14 : 64 ]

و قرأت في أمالي أبي جعفر بن حبيب رحمه الله قال كان أبو طالب إذا رأى رسول الله ص أحيانا يبكي و يقول إذا رأيته ذكرت أخي و

كان عبد الله أخاه لأبويه و كان شديد الحب و الحنو عليه و كذلك كان عبد المطلب شديد الحب له و كان أبو طالب كثيرا ما يخاف

على رسول الله ص البيات إذا عرف مضجعه يقيمه ليلا من منامه و يضجع ابنه عليا مكانه فقال له علي ليلة يا أبت إني مقتول فقال له

اصبرن يا بني فالصبر أحجى كل حي مصيره لشعوب

قدر الله و البلاء شديد لفداء الحبيب و ابن الحبيب

لفداء الأعز ذي الحسب الثاقب و الباع و الكريم النجيب

إن تصبك المنون فالنبل تبري فمصيب منها و غير مصيب

كل حي و إن تملى بعمر آخذ من مذاقها بنصيب

فأجاب علي ع فقال له

أ تأمرني بالصبر في نصر أحمد و و الله ما قلت الذي قلت جازعا

و لكنني أحببت أن ترى نصرتي و تعلم أني لم أزل لك طائعا

سأسعى لوجه الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمود طفلا و يافعا

الفصل الثاني القول في المؤمنين و الكافرين من بني هاشم

الفصل الثاني في تفسير قوله ع مؤمننا يبغي بذلك الأجر و كافرنا يحامي عن الأصل و من أسلم من قريش خلو مما نحن فيه لحلف

يمنعه أو عشيرة تقوم دونه

[14 : 65 ]

فهم من القتل بمكان أمن فنقول إن بني هاشم لما حصروا في الشعب بعد أن منعوا رسول الله ص من قريش كانوا صنفين مسلمين و

كفارا فكان علي ع و حمزة بن عبد المطلب مسلمين. و اختلف في جعفر بن أبي طالب هل حصر في الشعب معهم أم لا فقيل حصر في

الشعب معهم و قيل بل كان قد هاجر إلى الحبشة و لم يشهد حصار الشعب و هذا هو القول الأصح و كان من المسلمين المحصورين

في الشعب مع بني هاشم عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف و هو و إن لم يكن من بني هاشم إلا أنه يجري مجراهم لأن بني

المطلب و بني هاشم كانوا يدا واحدة لم يفترقوا في جاهلية و لا إسلام. و كان العباس رحمه الله في حصار الشعب معهم إلا أنه كان

على دين قومه و كذلك عقيل بن أبي طالب و طالب بن أبي طالب و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و أبو سفيان بن الحارث بن عبد

المطلب و ابنه الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و كان شديدا على رسول الله ص يبغضه و يهجوه بالأشعار إلا أنه كان لا

يرضى بقتله و لا يقار قريشا في دمه محافظة على النسب و كان سيد المحصورين في الشعب و رئيسهم و شيخهم أبو طالب بن عبد

المطلب و هو الكافل و المحامي

اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب

و اختلف الناس في إيمان أبي طالب فقالت الإمامية و أكثر الزيدية ما مات إلا مسلما.

[14 : 66 ]

و قال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك منهم الشيخ أبو القاسم البلخي و أبو جعفر الإسكافي و غيرهما. و قال أكثر الناس من أهل

الحديث و العامة من شيوخنا البصريين و غيرهم مات على دين قومه و

يروون في ذلك حديثا مشهورا أن رسول الله ص قال له عند موته قل يا عم كلمة أشهد لك بها غدا عند الله تعالى

فقال لو لا أن تقول العرب إن أبا طالب جزع عند الموت لأقررت بها عينك. و روي أنه قال أنا على دين الأشياخ. و قيل إنه قال أنا

على دين عبد المطلب و قيل غير ذلك. و روى كثير من المحدثين أن قوله تعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا

لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلّا عَنْ مَوْعِدَة

وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ الآية أنزلت في أبي طالب لأن رسول الله استغفر له بعد موته. و رووا أن قوله تعالى

إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ نزلت في أبي طالب. و رووا أن عليا ع جاء إلى رسول الله ص بعد موت أبي طالب فقال له إن عمك الضال قد

قضى فما الذي تأمرني فيه. و احتجوا بأنه لم ينقل أحد عنه أنه رآه يصلي و الصلاة هي المفرقة بين المسلم و الكافر و أن عليا و

جعفرا لم يأخذا من تركته شيئا و

رووا عن النبي ص أنه قال إن الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي و إنه في ضحضاح من نار

و رووا عنه أيضا أنه قيل له لو استغفرت لأبيك و أمك فقال لو استغفرت لهما لاستغفرت لأبي طالب فإنه صنع إلي ما لم يصنعا و إن

عبد الله و آمنة و أبا طالب جمرات من جمرات جهنم

[14 : 67 ]

فأما الذين زعموا أنه كان مسلما فقد رووا خلاف ذلك و

أسندوا خبرا إلى أمير المؤمنين ع أنه قال قال رسول الله ص قال لي جبرائيل إن الله مشفعك في ستة بطن حملتك آمنة بنت وهب و

صلب أنزلك عبد الله بن عبد المطلب و حجر كفلك أبي طالب و بيت آواك عبد المطلب و أخ كان لك في الجاهلية قيل يا رسول الله و

ما كان فعله قال كان سخيا يطعم الطعام و يجود بالنوال و ثدي أرضعتك حليمة بنت أبي ذؤيب

قلت سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد عن هذا الخبر و قد قرأته عليه هل كان لرسول الله ص أخ من أبيه أو من أمه أو منهما في

الجاهلية فقال لا إنما يعني أخا له في المودة و الصحبة قلت له فمن هو قال لا أدري. قالوا و

قد نقل الناس كافة عن رسول الله ص أنه قال نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية

فوجب بهذا أن يكون آباؤه كلهم منزهين عن الشرك لأنهم لو كانوا عبدة أصنام لما كانوا طاهرين. قالوا و أما ما ذكر في القرآن من

إبراهيم و أبيه آزر و كونه كان ضالا مشركا فلا يقدح في مذهبنا لأن آزر كان عم إبراهيم فأما أبوه فتارخ بن ناحور و سمي العم أبا كما

قال أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ ثم عد فيهم

إسماعيل و ليس من آبائه و لكنه عمه. قلت و هذا الاحتجاج عندي ضعيف لأن المراد من قوله نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام

الزكية تنزيه آبائه و أجداده و أمهاته عن السفاح لا غير هذا مقتضى

[14 : 68 ]

سياقة الكلام لأن العرب كان يعيب بعضها بعضا باختلاط المياه و اشتباه الأنساب و نكاح الشبهة. و قولهم لو كانوا عبدة أصنام لما

كانوا طاهرين يقال لهم لم قلتم إنهم لو كانوا عبدة أصنام لما كانوا طاهري الأصلاب فإنه لا منافاة بين طهارة الأصلاب و عبادة

الصنم أ لا ترى أنه لو أراد ما زعموه لما ذكر الأصلاب و الأرحام بل جعل عوضها العقائد و اعتذارهم عن إبراهيم و أبيه يقدح في

قولهم في أبي طالب لأنه لم يكن أبا محمد ص بل كان عمه فإذا جاز عندهم أن يكون العم و هو آزر مشركا كما قد اقترحوه في تأويلهم

لم يكن لهم حجة من هذا الوجه على إسلام أبي طالب. و احتجوا في إسلام الآباء

بما روي عن جعفر بن محمد ع أنه قال يبعث الله عبد المطلب يوم القيامة و عليه سيماء الأنبياء و بهاء الملوك

و روي أن العباس بن عبد المطلب قال لرسول الله ص بالمدينة يا رسول الله ما ترجو لأبي طالب فقال أرجو له كل خير من الله عز و

جل

و روي أن رجلا من رجال الشيعة و هو أبان بن محمود كتب إلى علي بن موسى الرضا ع جعلت فداك إني قد شككت في إسلام أبي طالب

فكتب إليه وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الآية و بعدها إنك إن لم تقر بإيمان أبي

طالب كان مصيرك إلى النار

و قد روي عن علي بن محمد الباقر ع أنه سئل عما يقوله الناس إن أبا طالب في ضحضاح من نار فقال لو وضع إيمان أبي طالب في كفة

ميزان و إيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه ثم قال أ لم تعلموا أن أمير المؤمنين عليا ع كان يأمر أن يحج عن عبد الله و

أبيه أبي طالب في حياته ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم

و روي أن أبا بكر جاء بأبي قحافة إلى النبي ص عام الفتح يقوده

[14 : 69 ]

و هو شيخ كبير أعمى فقال رسول الله أ لا تركت الشيخ حتى نأتيه فقال أردت يا رسول الله أن يأجره الله أما و الذي بعثك بالحق لأنا

كنت أشد فرحا بإسلام عمك أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك فقال صدقت. و

روي أن علي بن الحسين ع سئل عن هذا فقال وا عجبا إن الله تعالى نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر و قد كانت فاطمة بنت

أسد من السابقات إلى الإسلام و لم تزل تحت أبي طالب حتى مات

و يروي قوم من الزيدية أن أبا طالب أسند المحدثون عنه حديثا ينتهي إلى أبي رافع مولى رسول الله ص قال سمعت أبا طالب يقول

بمكة حدثني محمد ابن أخي أن ربه بعثه بصلة الرحم و أن يعبده وحده لا يعبد معه غيره و محمد عندي الصادق الأمين. و قال قوم إن

قول النبي ص أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة

إنما عنى به أبا طالب. و قالت الإمامية إن ما يرويه العامة من أن عليا ع و جعفرا لم يأخذا من تركة أبي طالب شيئا حديث موضوع و

مذهب أهل البيت بخلاف ذلك فإن المسلم عندهم يرث الكافر و لا يرث الكافر المسلم و لو كان أعلى درجة منه في النسب. قالوا و

قوله ص لا توارث بين أهل ملتين

نقول بموجبه لأن التوارث تفاعل و لا تفاعل عندنا في ميراثهما و اللفظ يستدعي الطرفين كالتضارب لا يكون إلا من اثنين قالوا و

حب رسول الله ص

[14 : 70 ]

لأبي طالب معلوم مشهور و لو كان كافرا ما جاز له حبه لقوله تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْ آخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ

رَسُولَهُ الآية. قالوا و قد اشتهر و استفاض الحديث و هو

قوله ص لعقيل أنا أحبك حبين حبا لك و حبا لحب أبي طالب فإنه كان يحبك

قالوا و خطبة النكاح مشهورة خطبها أبو طالب عند نكاح محمد ص خديجة و هي قوله الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم و زرع

إسماعيل و جعل لنا بلدا حراما و بيتا محجوجا و جعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله أخي من لا يوازن به فتى من قريش

إلا رجح عليه برا و فضلا و حزما و عقلا و رأيا و نبلا و إن كان في المال قل فإنما المال ظل زائل و عارية مسترجعة و له في خديجة

بنت خويلد رغبة و لها فيه مثل ذلك و ما أحببتم من الصداق فعلي و له و الله بعد نبأ شائع و خطب جليل. قالوا أ فتراه يعلم نبأه

الشائع و خطبه الجليل ثم يعانده و يكذبه و هو من أولي الألباب هذا غير سائغ في العقول. قالوا و

قد روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع أن رسول الله ص قال إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان و أظهروا الكفر ف آتاهم الله أجرهم

مرتين و إن أبا طالب أسر الإيمان و أظهر الشرك ف آتاه الله أجره مرتين

و في الحديث المشهور أن جبرائيل ع قال له ليلة مات أبو طالب اخرج منها فقد مات ناصرك

قالوا و أما حديث الضحضاح من النار فإنما يرويه الناس كلهم عن رجل واحد و هو المغيرة بن شعبة و بغضه لبني هاشم و على

الخصوص لعلي ع مشهور معلوم و قصته و فسقه أمر غير خاف.

[14 : 71 ]

و قالوا و قد روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب و بعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة أن أبا طالب ما مات حتى قال لا

إله إلا الله محمد رسول الله و الخبر مشهور أن أبا طالب عند الموت قال كلاما خفيا فأصغى إليه أخوه العباس ثم رفع رأسه إلى

رسول الله ص فقال يا ابن أخي و الله لقد قالها عمك و لكنه ضعف عن أن يبلغك صوته. و

روي عن علي ع أنه قال ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله ص من نفسه الرضا

قالوا و أشعار أبي طالب تدل على أنه كان مسلما و لا فرق بين الكلام المنظوم و المنثور إذا تضمنا إقرارا بالإسلام أ لا ترى أن يهوديا

لو توسط جماعة من المسلمين و أنشد شعرا قد ارتجله و نظمه يتضمن الإقرار بنبوة محمد ص لكنا نحكم بإسلامه كما لو قال أشهد

أن محمدا رسول الله ص فمن تلك الأشعار قوله

يرجون منا خطة دون نيلها ضراب و طعن بالوشيج المقوم

يرجون أن نسخى بقتل محمد و لم تختضب سمر العوالي من الدم

كذبتم و بيت الله حتى تفلقوا جماجم تلقى بالحطيم و زمزم

و تقطع أرحام و تنسى حليلة حليلا و يغشى محرم بعد محرم

على ما مضى من مقتكم و عقوقكم و غشيانكم في أمركم كل مأثم

و ظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى و أمر أتى من عند ذي العرش قيم

[14 : 72 ]

فلا تحسبونا مسلميه فمثله إذا كان في قوم فليس بمسلم

و من شعر أبي طالب في أمر الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم

ألا أبلغا عني على ذات بينها لؤيا و خصا من لؤي بني كعب

أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا رسولا كموسى خط في أول الكتب

و أن عليه في العباد محبة و لا حيف فيمن خصه الله بالحب

و أن الذي رقشتم في كتابكم يكون لكم يوما كراغية السقب

أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى و يصبح من لم يجن ذنبا كذي ذنب

و لا تتبعوا أمر الغواة و تقطعوا أواصرنا بعد المودة و القرب

و تستجلبوا حربا عوانا و ربما أمر على من ذاقه حلب الحرب

فلسنا و بيت الله نسلم أحمدا لعزاء من عض الزمان و لا كرب

و لما تبن منا و منكم سوالف و أيد أترت بالمهندة الشهب

بمعترك ضيق ترى قصد القنا به و الضباع العرج تعكف كالشرب

كأن مجال الخيل في حجراته و غمغمة الأبطال معركة الحرب

أ ليس أبونا هاشم شد أزره و أوصى بنيه بالطعان و بالضرب

و لسنا نمل الحرب حتى تملنا و لا نشتكي مما ينوب من النكب

[14 : 73 ]

و لكننا أهل الحفائظ و النهى إذا طار أرواح الكماة من الرعب

و من ذلك قوله

فلا تسفهوا أحلامكم في محمد و لا تتبعوا أمر الغواة الأشائم

تمنيتم أن تقتلوه و إنما أمانيكم هذي كأحلام نائم

و إنكم و الله لا تقتلونه و لما تروا قطف اللحى و الجماجم

زعمتم بأنا مسلمون محمدا و لما نقاذف دونه و نزاحم

من القوم مفضال أبي على العدا تمكن في الفرعين من آل هاشم

أمين حبيب في العباد مسوم بخاتم رب قاهر في الخواتم

يرى الناس برهانا عليه و هيبة و ما جاهل في قومه مثل عالم

نبي أتاه الوحي من عند ربه و من قال لا يقرع بها سن نادم

و من ذلك قوله و قد غضب لعثمان بن مظعون الجمحي حين عذبته قريش و نالت منه

أ من تذكر دهر غير مأمون أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون

أم من تذكر أقوام ذوي سفه يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين

أ لا يرون أذل الله جمعهم أنا غضبنا لعثمان بن مظعون

و نمنع الضيم من يبغي مضامتنا بكل مطرد في الكف مسنون

و مرهفات كأن الملح خالطها يشفى بها الداء من هام المجانين

حتى تقر رجال لا حلوم لها بعد الصعوبة بالإسماح و اللين

[14 : 74 ]

أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب على نبي موسى أو كذي النون

قالوا و قد جاء في الخبر أن أبا جهل بن هشام جاء مرة إلى رسول الله ص و هو ساجد و بيده حجر يريد أن يرضخ به رأسه فلصق

الحجر بكفه فلم يستطع ما أراد فقال أبو طالب في ذلك من جملة أبيات

أفيقوا بني عمنا و انتهوا عن الغي من بعض ذا المنطق

و إلا فإني إذا خائف بوائق في داركم تلتقي

كما ذاق من كان من قبلكم ثمود و عاد و ما ذا بقي

و منها

و أعجب من ذاك في أمركم عجائب في الحجر الملصق

بكف الذي قام من حينه إلى الصابر الصادق المتقي

فأثبته الله في كفه على رغمه الخائن الأحمق

قالوا و قد اشتهر عن عبد الله المأمون رحمه الله أنه كان يقول أسلم أبو طالب و الله بقوله

نصرت الرسول رسول المليك ببيض تلألأ كلمع البروق

أذب و أحمي رسول الإله حماية حام عليه شفيق

و ما إن أدب لأعدائه دبيب البكار حذار الفنيق

و لكن أزير لهم ساميا كما زار ليث بغيل مضيق

[14 : 75 ]

قالوا و قد جاء في السيرة و ذكره أكثر المؤرخين أن عمرو بن العاص لما خرج إلى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب و أصحابه

عند النجاشي قال

تقول ابنتي أين أين الرحيل و ما البين مني بمستنكر

فقلت دعيني فإني امرؤ أريد النجاشي في جعفر

لأكويه عنده كية أقيم بها نخوة الأصعر

و لن أنثني عن بني هاشم بما اسطعت في الغيب و المحضر

و عن عائب اللات في قوله و لو لا رضا اللات لم تمطر

و إني لأشنا قريش له و إن كان كالذهب الأحمر

قالوا فكان عمرو يسمى الشانئ ابن الشانئ لأن أباه كان إذا مر عليه رسول الله ص بمكة يقول له و الله إني لأشنؤك و فيه أنزل إِنَّ

شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ قالوا فكتب أبو طالب إلى النجاشي شعرا يحرضه فيه على إكرام جعفر و أصحابه و الإعراض عما يقوله عمرو فيه و

فيهم من جملته

ألا ليت شعري كيف في الناس جعفر و عمرو و أعداء النبي الأقارب

و هل نال إحسان النجاشي جعفرا و أصحابه أم عاق عن ذاك شاغب

في أبيات كثيرة. قالوا و

روي عن علي ع أنه قال قال لي أبي يا بني الزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس عاجل و آجل ثم قال لي

إن الوثيقة في لزوم محمد فاشدد بصحبته على أيديكا

.

[14 : 76 ]

و من شعره المناسب لهذا المعنى قوله

إن عليا و جعفرا ثقتي عند ملم الزمان و النوب

لا تخذلا و انصرا ابن عمكما أخي لأمي من بينهم و أبي

و الله لا أخذل النبي و لا يخذله من بني ذو حسب

قالوا و قد جاءت الرواية أن أبا طالب لما مات جاء علي ع إلى رسول الله ص ف آذنه بموته فتوجع عظيما و حزن شديدا ثم قال له امض

فتول غسله فإذا رفعته على سريره فأعلمني ففعل فاعترضه رسول الله ص و هو محمول على رءوس الرجال فقال وصلتك رحم يا عم و

جزيت خيرا فلقد ربيت و كفلت صغيرا و نصرت و آزرت كبيرا ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه فقال أما و الله لأستغفرن لك و لأشفعن

فيك شفاعة يعجب لها الثقلان. قالوا و المسلم لا يجوز أن يتولى غسل الكافر و لا يجوز للنبي أن يرق لكافر و لا أن يدعو له بخير و

لا أن يعده بالاستغفار و الشفاعة و إنما تولى علي ع غسله لأن طالبا و عقيلا لم يكونا أسلما بعد و كان جعفر بالحبشة و لم تكن صلاة

الجنائز شرعت بعد و لا صلى رسول الله ص على خديجة و إنما كان تشييع و رقة و دعاء. قالوا و من شعر أبي طالب يخاطب أخاه حمزة

و كان يكنى أبا يعلى

فصبرا أبا يعلى على دين أحمد و كن مظهرا للدين وفقت صابرا

و حط من أتى بالحق من عند ربه بصدق و عزم لا تكن حمز كافرا

فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن فكن لرسول الله في الله ناصرا

[14 : 77 ]

و باد قريشا بالذي قد أتيته جهارا و قل ما كان أحمد ساحرا

قالوا و من شعره المشهور

أنت النبي محمد قرم أعز مسود

لمسودين أكارم طابوا و طاب المولد

نعم الأرومة أصلها عمرو الخضم الأوحد

هشم الربيكة في الجفان و عيش مكة أنكد

فجرت بذلك سنة فيها الخبيزة تثرد

و لنا السقاية للحجيج بها يماث العنجد

و المأزمان و ما حوت عرفاتها و المسجد

أنى تضام و لم أمت و أنا الشجاع العربد

و بطاح مكة لا يرى فيها نجيع أسود

و بنو أبيك كأنهم أسد العرين توقد

و لقد عهدتك صادقا في القول لا تتزيد

ما زلت تنطق بالصواب و أنت طفل أمرد

قالوا و من شعره المشهور أيضا قوله يخاطب محمدا و يسكن جأشه و يأمره بإظهار الدعوة

لا يمنعنك من حق تقوم به أيد تصول و لا سلق بأصوات

[14 : 78 ]

فإن كفك كفي إن بليت بهم و دون نفسك نفسي في الملمات

و من ذلك قوله و يقال إنها لطالب بن أبي طالب

إذا قيل من خير هذا الورى قبيلا و أكرمهم أسره

أناف لعبد مناف أب و فضله هاشم العزه

لقد حل مجد بني هاشم مكان النعائم و النثره

و خير بني هاشم أحمد رسول الإله على فتره

و من ذلك قوله

لقد أكرم الله النبي محمدا فأكرم خلق الله في الناس أحمد

و شق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود و هذا محمد

و قوله أيضا و قد يروى لعلي ع

يا شاهد الله علي فاشهد أني على دين النبي أحمد

من ضل في الدين فإني مهتد

قالوا فكل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر لأنه إن لم تكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك و هو تصديق

محمد ص و مجموعها متواتر كما أن كل واحدة من قتلات علي ع الفرسان منقولة آحادا و مجموعها متواتر يفيدنا العلم الضروري

بشجاعته و كذلك القول فيما روي من سخاء حاتم و حلم الأحنف و معاوية و ذكاء إياس و خلاعة أبي نواس و غير ذلك قالوا و اتركوا

هذا كله جانبا ما قولكم في القصيدة اللامية التي شهرتها كشهرة قفا نبك و إن جاز الشك فيها أو في شيء من أبياتها جاز الشك في قفا

نبك و في بعض أبياتها و نحن نذكر منها هاهنا قطعة و هي قوله

[14 : 79 ]

أعوذ برب البيت من كل طاعن علينا بسوء أو يلوح بباطل

و من فاجر يغتابنا بمغيبة و من ملحق في الدين ما لم نحاول

كذبتم و بيت الله يبزى محمد و لما نطاعن دونه و نناضل

و ننصره حتى نصرع دونه و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

و حتى نرى ذا الردع يركب ردعه من الطعن فعل الأنكب المتحامل

و ينهض قوم في الحديد إليكم نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

و إنا و بيت الله من جد جدنا لتلتبسن أسيافنا بالأماثل

بكل فتى مثل الشهاب سميدع أخي ثقة عند الحفيظة باسل

و ما ترك قوم لا أبا لك سيدا يحوط الذمار غير نكس مواكل

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة و فواضل

و ميزان صدق لا يخيس شعيرة و وزان صدق وزنه غير عائل

أ لم تعلموا أن ابننا لا مكذب لدينا و لا يعبأ بقول الأباطل

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد و أحببته حب الحبيب المواصل

و جدت بنفسي دونه فحميته و دافعت عنه بالذرى و الكواهل

فلا زال للدنيا جمالا لأهلها و شينا لمن عادى و زين المحافل

و أيده رب العباد بنصره و أظهر دينا حقه غير باطل

[14 : 80 ]

و ورد في السيرة و المغازي أن عتبة بن ربيعة أو شيبة لما قطع رجل عبيدة بن الحارث بن المطلب يوم بدر أشبل عليه علي و حمزة

فاستنقذاه منه و خبطا عتبة بسيفيهما حتى قتلاه و احتملا صاحبهما من المعركة إلى العريش فألقياه بين يدي رسول الله ص و إن مخ

ساقه ليسيل فقال يا رسول الله لو كان أبو طالب حيا لعلم أنه قد صدق في قوله

كذبتم و بيت الله نخلي محمدا و لما نطاعن دونه و نناضل

و ننصره حتى نصرع حوله و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

فقالوا إن رسول الله ص استغفر له و لأبي طالب يومئذ و بلغ عبيدة مع النبي ص إلى الصفراء فمات فدفن بها.

قالوا و قد روي أن أعرابيا جاء إلى رسول الله ص في عام جدب فقال أتيناك يا رسول الله و لم يبق لنا صبي يرتضع و لا شارف يجتر

ثم أنشده

أتيناك و العذراء تدمى لبانها و قد شغلت أم الرضيع عن الطفل

و ألقى بكفيه الفتى لاستكانة من الجوع حتى ما يمر و لا يحلي

و لا شيء مما يأكل الناس عندنا سوى الحنظل العامي و العلهز الفسل

و ليس لنا إلا إليك فرارنا و أين فرار الناس إلا إلى الرسل

. فقام النبي ص يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا هنيئا مريعا سحا سجالا غدقا

طبقا قاطبا دائما درا تحيي به الأرض و تنبت به الزرع و تدر به الضرع و اجعله سقيا نافعا عاجلا غير رائث فو الله ما رد رسول الله ص

يده إلى نحره حتى ألقت السماء

[14 : 81 ]

أرواقها و جاء الناس يضجون الغرق الغرق يا رسول الله فقال اللهم حوالينا و لا علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى استدار

حولها كالإكليل فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عينه من ينشدنا قوله فقام علي فقال

يا رسول الله لعلك أردت

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

قال أجل فأنشده أبياتا من هذه القصيدة و رسول الله يستغفر لأبي طالب على المنبر ثم قام رجل من كنانة فأنشده

لك الحمد و الحمد ممن شكر سقينا بوجه النبي المطر

دعا الله خالقه دعوة إليه و أشخص منه البصر

فما كان إلا كما ساعة أو أقصر حتى رأينا الدرر

دفاق العزالي و جم البعاق أغاث به الله عليا مضر

فكان كما قاله عمه أبو طالب ذو رواء غرر

به يسر الله صوب الغمام فهذا العيان و ذاك الخبر

فمن يشكر الله يلق المزيد و من يكفر الله يلق الغير

فقال رسول الله إن يكن شاعر أحسن فقد أحسنت

قالوا و إنما لم يظهر أبو طالب الإسلام و يجاهر به لأنه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ص ما تهيأ له و كان كواحد من

المسلمين الذين اتبعوه نحو أبي بكر و عبد الرحمن بن عوف و غيرهما ممن أسلم و لم يتمكن من نصرته و القيام دونه

[14 : 82 ]

حينئذ و إنما تمكن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش و إن أبطن الإسلام كما لو أن إنسانا كان يبطن

التشيع مثلا و هو في بلد من بلاد الكرامية و له في ذلك البلد وجاهة و قدم و هو يظهر مذهب الكرامية و يحفظ ناموسه بينهم بذلك و

كان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون بالأذى و الضرر من أهل ذلك البلد و رؤسائه فإنه ما دام قادرا على إظهار

مذهب أهل البلد يكون أشد تمكنا من المدافعة و المحاماة عن أولئك النفر فلو أظهر ما يجوز من التشيع و كاشف أهل البلد بذلك

صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر و لحقه من الأذى و الضرر ما يلحقهم و لم يتمكن من الدفاع أحيانا عنهم كما كان أولا. قلت فأما

أنا فإن الحال ملتبسة عندي و الأخبار متعارضة و الله أعلم بحقيقة حاله كيف كانت. و يقف في صدري رسالة النفس الزكية إلى

المنصور و قوله فيها فأنا ابن خير الأخيار و أنا ابن شر الأشرار و أنا ابن سيد أهل الجنة و أنا ابن سيد أهل النار. فإن هذه شهادة منه

على أبي طالب بالكفر و هو ابنه و غير متهم عليه و عهده قريب من عهد النبي ص لم يطل الزمان فيكون الخبر مفتعلا. و جملة الأمر أنه

قد روي في إسلامه أخبار كثيرة و روي في موته على دين قومه أخبار كثيرة فتعارض الجرح و التعديل فكان كتعارض البينتين عند

الحاكم و ذلك يقتضي التوقف فأنا في أمره من المتوقفين.

[14 : 83 ]

فأما الصلاة و كونه لم ينقل عنه أنه صلى فيجوز أن يكون لأن الصلاة لم تكن بعد قد فرضت و إنما كانت نفلا غير واجب فمن شاء

صلى و من شاء ترك و لم تفرض إلا بالمدينة و يمكن أن يقول أصحاب الحديث إذا تعارض الجرح و التعديل كما قد أشرتم إليه

فالترجيح عند أصحاب أصول الفقه لجانب الجرح لأن الجارح قد اطلع على زيادة لم يطلع عليها المعدل. و لخصومهم أن يجيبوا عن

هذا فنقول إن هذا إنما يقال و يذكر في أصول الفقه في طعن مفصل في مقابلة تعديل مجمل مثاله أن يروي شعبة مثلا حديثا عن رجل

فهو بروايته عنه قد وثقه و يكفي في توثيقه له أن يكون مستور الحال ظاهره العدالة فيطعن فيه الدار قطني مثلا بأن يقول كان

مدلسا أو كان يرتكب الذنب الفلاني فيكون قد طعن طعنا مفصلا في مقابلة تعديل مجمل و فيما نحن فيه و بصدده الروايتان

متعارضتان تفصيلا لا إجمالا لأن هؤلاء يروون أنه تلفظ بكلمتي الشهادة عند الموت و هؤلاء يروون أنه قال عند الموت أنا على دين

الأشياخ. و بمثل هذا يجاب على من يقول من الشيعة روايتنا في إسلامه أرجح لأنا نروي حكما إيجابيا و نشهد على إثبات و خصومنا

يشهدون على النفي و لا شهادة على النفي و ذلك أن الشهادة في الجانبين معا إنما هي على إثبات و لكنه إثبات متضاد. و صنف بعض

الطالبيين في هذا العصر كتابا في إسلام أبي طالب و بعثه إلي و سألني أن أكتب عليه بخطي نظما أو نثرا أشهد فيه بصحة ذلك و

بوثاقة الأدلة عليه فتحرجت أن أحكم بذلك حكما قاطعا لما عندي من التوقف فيه و لم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب فإني

أعلم أنه لولاه لما قامت للإسلام دعامة و أعلم أن حقه واجب على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة فكتبت على ظاهر المجلد

[14 : 84 ]

و لو لا أبو طالب و ابنه لما مثل الدين شخصا فقاما

فذاك بمكة آوى و حامى و هذا بيثرب جس الحماما

تكفل عبد مناف بأمر و أودى فكان علي تماما

فقل في ثبير مضى بعد ما قضى ما قضاه و أبقى شماما

فلله ذا فاتحا للهدى و لله ذا للمعالي ختاما

و ما ضر مجد أبي طالب جهول لغا أو بصير تعامى

كما لا يضر إياة الصباح من ظن ضوء النهار الظلاما

فوفيته حقه من التعظيم و الإجلال و لم أجزم بأمر عندي فيه وقفة

الفصل الثالث قصة غزوة بدر

الفصل الثالث في شرح القصة في غزاة بدر و نحن نذكر ذلك من كتاب المغازي لمحمد بن عمر الواقدي و نذكر ما عساه زاده محمد بن

إسحاق في كتاب المغازي و ما زاده أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في تاريخ الأشراف. قال الواقدي بلغ رسول الله ص أن عير قريش

قد فصلت من مكة تريد الشام و قد جمعت قريش فيها أموالها فندب لها أصحابه و خرج يعترضها على رأس ستة عشر شهرا من مهاجره

ع فخرج في خمسين و مائة و يقال في مائتين فلم يلق العير و فاتته ذاهبة إلى الشام و هذه غزاة ذي العشيرة رجع منها إلى المدينة

فلم يلق حربا فلما تحين انصراف العير من الشام قافلة ندب أصحابه لها و بعث طلحة بن عبيد الله و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل

قبل خروجه من المدينة بعشر ليال

[14 : 85 ]

يتجسسان خبر العير حتى نزلا على كشد الجهني بالموضع المعروف بالنخبار و هو من وراء ذي المروة على الساحل فأجارهما و

أنزلهما فلم يزالا مقيمين في خباء وبر حتى مرت العير فرفعهما على نشز من الأرض فنظرا إلى القوم و إلى ما تحمل العير و جعل أهل

العير يقولون لكشد يا كشد هل رأيت أحدا من عيون محمد فيقول أعوذ بالله و أنى لمحمد عيون بالنخبار فلما راحت العير باتا حتى

أصبحا ثم خرجا و خرج معهما كشد خفيرا حتى أوردهما ذا المروة و ساحلت العير فأسرعت و سار بها أصحابها ليلا و نهارا فرقا من

الطلب و قدم طلحة و سعيد المدينة في اليوم الذي لقي رسول الله ص قريشا ببدر فخرجا يعترضان رسول الله ص فلقياه بتربان و

تربان بين ملل و السالة على المحجة و كانت منزل عروة بن أذينة الشاعر و قدم كشد بعد ذلك على النبي ص و قد أخبر طلحة و سعيد

رسول الله ص بما صنع بهما فحباه و أكرمه و قال أ لا أقطع لك ينبع قال إني كبير و قد نفد عمري و لكن أقطعها لابن أخي فأقطعها له

قالوا و ندب رسول الله ص المسلمين و قال هذه عير قريش فيها أموالهم لعل الله أن يغنمكموها فأسرع من أسرع حتى إن كان

الرجل ليساهم أباه في الخروج فكان ممن ساهم أباه سعد بن خيثمة فقال سعد لأبيه إنه لو كان غير الجنة آثرتك به إني لأرجو

الشهادة في وجهي هذا فقال خيثمة آثرني و قر مع نسائك فأبى سعد فقال خيثمة إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم فاستهما فخرج سهم سعد

فقتل ببدر و أبطأ عن النبي ص بشر كثير من أصحابه و كرهوا خروجه و كان في ذلك كلام كثير و اختلاف و بعضهم تخلف من أهل

النيات و البصائر لم يظنوا أنه يكون قتال إنما هو الخروج للغنيمة و لو ظنوا أنه يكون قتال لما تخلفوا منهم أسيد

[14 : 86 ]

بن حضير فلما قدم رسول الله ص قال أسيد الحمد لله الذي سرك و أظهرك على عدوك و الذي بعثك بالحق ما تخلفت عنك رغبة

بنفسي عن نفسك و لا ظننت أنك تلاقي عدوا و لا ظننت إلا أنها العير فقال له رسول الله ص صدقت. قال و خرج رسول الله ص حتى

انتهى إلى المكان المعروف بالبقع و هي بيوت السقيا و هي متصلة ببيوت المدينة فضرب عسكره هناك و عرض المقاتلة فعرض عبد

الله بن عمر و أسامة بن زيد و رافع بن خديج و البراء بن عازب و أسيد بن ظهير و زيد بن أرقم و زيد بن ثابت فردهم و لم يجزهم. قال

الواقدي فحدثني أبو بكر بن إسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد عن أبيه قال رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله

ص يتوارى فقلت ما لك يا أخي قال إني أخاف أن يراني رسول الله ص فيستصغرني فيردني و أنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني

الشهادة قال فعرض على رسول الله ص فاستصغره فقال ارجع فبكى عمير فأجازه. قال فكان سعد يقول كنت أعقد له حمائل سيفه من

صغره فقتل ببدر و هو ابن ست عشرة سنة. قال فلما نزل ع بيوت السقيا أمر أصحابه أن يستقوا من بئرهم و شرب ع منها كان أول من

شرب و صلى عندها و دعا يومئذ لأهل المدينة

فقال

[14 : 87 ]

اللهم إن إبراهيم عبدك و خليلك و نبيك دعاك لأهل مكة و إني محمد عبدك و نبيك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم و

مدهم و ثمارهم اللهم حبب إلينا المدينة و اجعل ما بها من الوباء بخم اللهم إني حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم خليلك مكة

قال الواقدي و خم على ميلين من الجحفة. و قدم رسول الله ص أمامه عدي بن أبي الزغباء و بسيس بن عمرو و جاء إليه عبد الله بن

عمرو بن حرام فقال يا رسول الله لقد سرني منزلك هذا و عرضك فيه أصحابك و تفاءلت به إن هذا منزلنا في بني سلمة حيث كان بيننا

و بين أهل حسيكة ما كان. قال الواقدي هي حسيكة الذباب و الذباب جبل بناحية المدينة و كان بحسيكة يهود و كان لهم بها منازل.

قال عبد الله بن عمرو بن حرام فعرضنا يا رسول الله هاهنا أصحابنا فأجزنا من كان يطيق السلاح و رددنا من صغر عن حمل السلاح ثم

سرنا إلى يهود حسيكة و هم أعز يهود كانوا يومئذ فقتلناهم كيف شئنا فذلت لنا سائر يهود إلى اليوم و أنا أرجو يا رسول الله أن

نلتقي نحن و قريش فيقر الله عينك منهم. قال الواقدي و كان خلاد بن عمرو بن الجموح لما كان من النهار رجع إلى أهله بخرباء فقال

له أبوه عمرو بن الجموح ما ظننت إلا أنكم قد سرتم فقال إن رسول الله ص يعرض الناس بالبقيع فقال عمرو نعم الفأل و الله إني

لأرجو أن تغنموا و أن تظفروا بمشركي قريش إن هذا منزلنا يوم سرنا إلى حسيكة

[14 : 88 ]

قال فإن رسول الله ص قد غير اسمه و سماه السقيا قال فكانت في نفسي أن أشتريها حتى اشتراها سعد بن أبي وقاص ببكرين و يقال

بسبع أواق فذكر للنبي ص أن سعدا اشتراها فقال ربح البيع. قال الواقدي فراح رسول الله ص من بيوت السقيا لاثنتي عشرة ليلة

مضت من رمضان و خرج المسلمون معه ثلاثمائة و خمسة و تخلف ثمانية ضرب لهم بسهامهم و أجورهم فكانت الإبل سبعين بعيرا و

كانوا يتعاقبون الإبل الاثنين و الثلاثة و الأربعة فكان رسول الله ص و علي بن أبي طالب ع و مرثد بن أبي مرثد و يقال زيد بن حارثة

مكان مرثد يتعاقبون بعيرا واحدا و كان حمزة بن عبد المطلب و زيد بن حارثة و أبو كبشة و أنسة موالي النبي ص على بعير و كان

عبيدة بن الحارث و الطفيل و الحصين ابنا الحارث و مسطح بن أثاثة على بعير لعبيدة بن الحارث ناضح ابتاعه من أبي داود المازني

و كان معاذ و عوف و معوذ بنو عفراء و مولاهم أبو الحمراء على بعير و كان أبي بن كعب و عمارة بن حزام و حارثة بن النعمان على بعير

و كان خراش بن الصمة و قطبة بن عامر بن حديدة و عبد الله بن عمرو بن حزام على بعير و كان عتبة بن غزوان و طليب بن عمير على

جمل لعتبة بن غزوان يقال له العبس و كان مصعب بن عمير و سويبط بن حرملة و مسعود بن ربيع على جمل لمصعب و كان عمار بن

ياسر و عبد الله بن مسعود على بعير و كان عبد الله بن كعب و أبو داود المازني و سليط بن قيس على جمل لعبد الله بن كعب و كان

عثمان بن عفان و قدامة بن مظعون و عبد الله بن مظعون و السائب بن عثمان على بعير يتعاقبون و كان أبو بكر و عمر و عبد الرحمن

بن عوف على بعير و كان سعد بن معاذ و أخوه و ابن أخيه الحارث بن أوس و الحارث بن أنس على جمل لسعد بن معاذ ناضح يقال له

الذيال و كان سعيد بن زيد و سلمة بن

[14 : 89 ]

سلامة بن وقش و عباد بن بشر و رافع بن يزيد على ناضح لسعيد بن زيد ما تزودوا إلا صاعا من تمر. قال الواقدي فروى معاذ بن رفاعة

عن أبيه قال خرجت مع النبي ص إلى بدر و كان كل ثلاثة يتعاقبون بعيرا فكنت أنا و أخي خلاد بن رافع على بكر لنا و معنا عبيدة بن

يزيد بن عامر فكنا نتعاقب فسرنا حتى إذا كنا بالروحاء إذ مر بنا بكرنا و برك علينا و أعيا فقال أخي اللهم إن لك علي نذرا لئن رددتنا

إلى المدينة لأنحرنه فمر بنا النبي ص و نحن على تلك الحال فقلنا يا رسول الله برك علينا بكرنا فدعا بماء فتمضمض و توضأ في إناء

ثم قال افتحا فاه ففعلنا فصبه في فيه ثم على رأسه ثم على عنقه ثم على حاركه ثم على سنامه ثم على عجزه ثم على ذنبه ثم قال اركبا و

مضى رسول الله ص فلحقناه أسفل من المنصرف و إن بكرنا لينفر بنا حتى إذا كنا بالمصلى راجعين من بدر برك علينا فنحره أخي فقسم

لحمه و تصدق به. قال الواقدي و قد روي أن سعد بن عبادة حمل في بدر على عشرين جملا. قال و روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال

فخرجنا إلى بدر مع رسول الله ص و معنا سبعون بعيرا فكانوا يتعاقبون الثلاثة و الأربعة و الاثنان على بعير و كنت أنا من أعظم

أصحاب النبي ع عنه غناء و أرجلهم رجلة و أرماهم لسهم لم أركب خطوة ذاهبا و لا راجعا

قال الواقدي و قال رسول الله ص حين فصل من بيوت السقيا اللهم إنهم حفاة فاحملهم و عراة فاكسهم و جياع فأشبعهم و عالة

فأغنهم من فضلك فما رجع أحد منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهرا للرجل البعير و البعيران و اكتسى

[14 : 90 ]

من كان عاريا و أصابوا طعاما من أزوادهم و أصابوا فداء الأسرى فأغنى به كل عائل

قال و استعمل رسول الله ص على المشاة قيس بن أبي صعصعة و اسم أبي صعصعة عمر بن يزيد بن عوف بن مبذول و أمره النبي ص

حين فصل من بيوت السقيا أن يعد المسلمين فوقف لهم ببئر أبي عبيدة يعدهم ثم أخبر النبي ص و خرج من بيوت السقيا حتى سلك

بطن العقيق ثم سلك طريق المكيمن حتى خرج على بطحاء بن أزهر فنزل تحت شجرة هناك فقام أبو بكر إلى حجارة هناك فبنى منها

مسجدا فصلى فيه رسول الله و أصبح يوم الاثنين و هو هناك ثم صار إلى بطن ملل و تربان بين الحفيرة و ملل. قال الواقدي فكان

سعد بن أبي وقاص يقول لما كنا بتربان قال لي رسول الله ص يا سعد انظر إلى الظبي فأفوق له بسهم و قام رسول الله ص فوضع

رأسه بين منكبي و أذني ثم قال اللهم سدد رميته قال فما أخطأ سهمي عن نحره فتبسم رسول الله ص و خرجت أعدو فأخذته و به رمق

فذكيته فحملناه حتى نزلنا قريبا و أمر به رسول الله ص فقسم بين أصحابه. قال الواقدي و كان معهم فرسان فرس لمرثد بن أبي مرثد

الغنوي و فرس للمقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة و يقال فرس للزبير و لم يكن إلا فرسان لاختلاف عندهم أن المقداد له فرس

و قد روي عن ضباعة بنت الزبير عن المقداد

[14 : 91 ]

قال كان معي يوم بدر فرس يقال له سبحة و قد روى سعد بن مالك الغنوي عن آبائه أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي شهد بدرا على فرس له

يقال له السيل. قال الواقدي و لحقت قريش بالشام في عيرها و كانت العير ألف بعير و كان فيها أموال عظام و لم يبق بمكة قرشي و

لا قرشية له مثقال فصاعدا إلا بعث به في العير حتى إن المرأة لتبعث بالشيء التافه و كان يقال إن فيها لخمسين ألف دينار و قالوا

أقل و إن كان ليقال إن أكثر ما فيها من المال لآل سعيد بن العاص لأبي أحيحة إما مال لهم أو مال مع قوم قراض على النصف و كان

عامة العير لهم و يقال بل كان لبني مخزوم فيها مائتا بعير و خمسة أو أربعة آلاف مثقال ذهبا و كان يقال للحارث بن عامر بن نوفل

فيها ألفا مثقال. قال الواقدي و حدثني هشام بن عمارة بن أبي الحويرث قال كان لبني عبد مناف فيها عشرة آلاف مثقال و كان متجرهم

إلى غزة من أرض الشام. قال الواقدي و حدثني عبد الله بن جعفر عن أبي عون مولى المسور عن مخرمة بن نوفل قال لما لحقنا بالشام

أدركنا رجل من جذام فأخبرنا أن محمدا قد كان عرض لعيرنا في بدأتنا و أنه تركه مقيما ينتظر رجعتنا قد حالف علينا أهل الطريق و

وادعهم قال مخرمة فخرجنا خائفين نخاف الرصد فبعثنا ضمضم بن عمرو حين فصلنا من الشام. قال الواقدي و كان عمرو بن العاص مع

العير و كان يحدث بعد ذلك يقول لما كنا بالزرقاء و الزرقاء بالشام من أذرعات على مرحلتين و نحن منحدرون إلى مكة لقينا رجلا من

جذام فقال قد كان عرض محمد لكم في بدأتكم في أصحابه فقلنا ما شعرنا قال بلى فأقام شهرا ثم رجع إلى يثرب و أنتم يوم عرض

محمد لكم مخفون فهو الآن أحرى أن يعرض لكم إنما يعد لكم الأيام عدا فاحذروا على عيركم

[14 : 92 ]

و ارتئوا آراءكم فو الله ما أرى من عدد و لا كراع و لا حلقة فأجمع القوم أمرهم فبعثوا ضمضم بن عمرو و كان في العير و قد كانت

قريش مرت به و هو بالساحل معه بكران فاستأجروه بعشرين مثقالا و أمره أبو سفيان أن يخبر قريشا أن محمدا قد عرض لعيرهم و

أمره أن يجدع بعيره إذا دخل و يحول رحله و يشق قميصه من قبله و دبره و يصيح الغوث الغوث و يقال إنما بعثوه من تبوك و كان

في العير ثلاثون رجلا من قريش فيهم عمرو بن العاص و مخرمة بن نوفل. قال الواقدي و قد كانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت قبل

مجيء ضمضم بن عمرو رؤيا أفزعتها و عظمت في صدرها فأرسلت إلى أخيها العباس فقالت يا أخي لقد و الله رأيت رؤيا أفزعتني و

تخوفت أن يدخل على قومك منها شر و مصيبة فاكتم علي ما أحدثك منها رأيت راكبا أقبل على بعير حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى

صوته يا آل غدر انفروا إلى مصارعكم في ثلاث فصرخ بها ثلاث مرات فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد و الناس يتبعونه إذ

مثل به بعيره على ظهر الكعبة فصرخ مثلها ثلاثا ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثلاثا ثم أخذ صخرة من أبي قبيس

فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت في أسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة و لا دار من دورها إلا دخلته منها فلذة. قال

الواقدي و كان عمرو بن العاص يحدث بعد ذلك فيقول لقد رأيت كل هذا و لقد رأيت في دارنا فلقة من الصخرة التي انفلقت من أبي

قبيس و لقد كان ذلك عبرة و لكن الله لم يرد أن نسلم يومئذ لكنه أخر إسلامنا إلى ما أراد. قلت كان بعض أصحابنا يقول لم يكف عمرا

أن يقول رأيت الصخرة في دور مكة عيانا فيخرج ذلك مخرج الاستهزاء باطنا على وجه النفاق و استخفافه بعقول المسلمين

[14 : 93 ]

زعم حتى يضيف إلى ذلك القول بالخبر الصراح فيقول إن الله تعالى لم يكن أراد منه الإسلام يومئذ. قال الواقدي قالوا و لم يدخل

دارا و لا بيتا من دور بني هاشم و لا بني زهرة من تلك الصخرة شيء قال فقال العباس إن هذه لرؤيا فخرج مغتما حتى لقي الوليد بن

عتبة بن ربيعة و كان له صديقا فذكرها له و استكتمه ففشا الحديث في الناس قال العباس فغدوت أطوف بالبيت و أبو جهل في رهط

من قريش يتحدثون برؤيا عاتكة فقال أبو جهل ما رأت عاتكة هذه فقلت و ما ذاك فقال يا بني عبد المطلب أ ما رضيتم بأن تتنبأ رجالكم

حتى تتنبأ نساءكم زعمت عاتكة أنها رأت في المنام كذا و كذا للذي رأت فسنتربص بكم ثلاثا فإن يكن ما قالت حقا فسيكون و إن

مضت الثلاث و لم يكن نكتب عليكم أنكم أكذب أهل بيت في العرب فقال له العباس يا مصفر استه أنت أولى بالكذب و اللؤم منا

فقال أبو جهل إنا استبقنا المجد و أنتم فقلتم فينا السقاية فقلنا لا نبالي تسقون الحجاج ثم قلتم فينا الحجابة فقلنا لا نبالي

تحجبون البيت ثم قلتم فينا الندوة قلنا لا نبالي يكون الطعام فتطعمون الناس ثم قلتم فينا الرفادة فقلنا لا نبالي تجمعون عندكم ما

ترفدون به الضعيف فلما أطعمنا الناس و أطعمتم و ازدحمت الركب و استبقنا المجد فكنا كفرسي رهان قلتم منا نبي ثم قلتم منا نبية

فلا و اللات و العزى لا كان هذا أبدا. قلت لا أرى كلام أبي جهل منتظما لأنه إذا سلم للعباس أن هذه الخصال كلها فيهم و هي الخصال

التي تشرف بها القبائل بعضها على بعض فكيف يقول لا نبالي لا نبالي و كيف يقول فلما أطعمنا للناس و أطعمتم و قد كان الكلام

منتظما لو قال و لنا بإزاء هذه المفاخر كذا و كذا ثم يقول بعد ذلك استبقنا المجد فكنا كفرسي رهان و ازدحمت الركب و لم يقل شيئا و

لا عد م آثره و لعل أبا جهل قد قال ما لم ينقل

[14 : 94 ]

قال الواقدي قال العباس فو الله ما كان مني غير أني جحدت ذلك و أنكرت أن تكون عاتكة رأت شيئا فلما أمسيت لم تبق امرأة

أصابتها ولادة عبد المطلب إلا جاءت فقلن لي أ رضيتم بهذا الفاسق الخبيث يقع في رجالكم ثم قد تناول نساءكم و لم تكن لك عند

ذلك غيرة فقلت و الله ما قلت إلا لأني لا أبالي به و لايم الله لأعرضن له غدا فإن عاد كفيتكن إياه فلما أصبحوا من ذلك اليوم الذي

رأت فيه عاتكة ما رأت قال أبو جهل هذه ثلاثة أيام ما بقي قال العباس و غدوت في اليوم الثالث و أنا حديد مغضب أرى أن قد فاتني

منه أمر أحب أن أدركه و أذكر ما أحفظني به النساء من مقالتهن فو الله إني لأمشي نحوه و كان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان

حديد النظر إذ خرج نحو باب بني سهم يشتد فقلت ما باله لعنه الله أ كل هذا فرقا من أن أشاتمه فإذا هو قد سمع صوت ضمضم بن

عمرو و هو يقول يا معشر قريش يا آل لؤي بن غالب اللطيمة قد عرض لها محمد في أصحابه الغوث الغوث و الله ما أرى أن تدركوها و

ضمضم ينادي بذلك في بطن الوادي و قد جدع أذني بعيره و شق قميصه قبلا و دبرا و حول رحله و كان يقول لقد رأيتني قبل أن أدخل

مكة و إني لأرى في النوم و أنا على راحلتي كأن وادي مكة يسيل من أسفله إلى أعلاه دما فاستيقظت فزعا مذعورا فكرهتها لقريش و

وقع في نفسي أنها مصيبة في أنفسهم. قال الواقدي و كان عمير بن وهب الجمحي يقول ما رأيت أعجب من أمر ضمضم قط و ما صرح

على لسانه إلا شيطان كأنه لم يملكنا من أمورنا شيئا حتى نفرنا على الصعب و الذلول و كان حكيم بن حزام يقول ما كان الذي جاءنا

فاستنفرنا إلى العير إنسانا إن هو إلا شيطان قيل كيف يا أبا خالد قال إني لأعجب منه ما ملكنا من أمرنا شيئا. قال الواقدي فجهز

الناس و شغل بعضهم عن بعض و كان الناس بين رجلين إما خارج و إما باعث مكانه رجلا و أشفقت قريش لرؤيا عاتكة و سر بنو هاشم

[14 : 95 ]

و قال قائلهم كلا زعمتم أنا كذبنا و كذبت عاتكة فأقامت قريش ثلاثا تتجهز و يقال يومين و أخرجت أسلحتها و اشتروا سلاحا و أعان

قويهم ضعيفهم و قام سهيل بن عمرو في رجال من قريش فقال يا معشر قريش هذا محمد و الصباة معه من شبانكم و أهل يثرب قد

عرضوا لعيركم و لطيمتكم فمن أراد ظهرا فهذا ظهر و من أراد قوة فهذه قوة و قام زمعة بن الأسود فقال إنه و اللات و العزى ما نزل

بكم أمر أعظم من أن طمع محمد و أهل يثرب أن يعرضوا لعيركم فيها خزائنكم فأوعبوا و لا يتخلف منكم أحد و من كان لا قوة له

فهذه قوة و الله لئن أصابها محمد و أصحابه لا يروعكم منهم إلا و قد دخلوا عليكم بيوتكم و قال طعيمة بن عدي يا معشر قريش و

الله ما نزل بكم أمر أجل من هذه أن يستباح عيركم و لطيمة قريش فيها أموالكم و خزائنكم و الله ما أعرف رجلا و لا امرأة من بني

عبد مناف له نش فصاعدا إلا و هو في هذه العير فمن كان لا قوة به فعندنا قوة نحمله و نقويه فحمل على عشرين بعيرا و قوي بهم و

خلفهم في أهلهم بمعونة و قام حنظلة بن أبي سفيان و عمرو بن أبي سفيان فحضا الناس على الخروج و لم يدعوا إلى قوة و لا حملان

فقيل لهما أ لا تدعوان إلى ما دعا إليه قومكما من الحملان قالا و الله ما لنا مال و ما المال إلا لأبي سفيان و مشى نوفل بن معاوية

الديلمي إلى أهل القوة من قريش و كلمهم في بذل النفقة و الحملان لمن خرج فكلم عبد الله بن أبي ربيعة فقال هذه خمسمائة دينار

تضعها حيث رأيت و كلم حويطب بن عبد العزى فأخذ منه مائتي دينار أو ثلاثمائة ثم قوي بها في السلاح و الظهر. قال الواقدي و

ذكروا أنه كان لا يتخلف أحد من قريش إلا بعث مكانه بعثا فمشت قريش إلى أبي لهب فقالوا له إنك سيد من سادات قريش و إنك إن

تخلفت عن

[14 : 96 ]

النفير يعتبر بك غيرك من قومك فاخرج أو ابعث رجلا فقال و اللات و العزى لا أخرج و لا أبعث أحدا فجاءه أبو جهل فقال أقم يا أبا

عتبة فو الله ما خرجنا إلا غضبا لدينك و دين آبائك و خاف أبو جهل أن يسلم أبو لهب فسكت أبو لهب و لم يخرج و لم يبعث و ما

منع أبا لهب أن يخرج إلا الإشفاق من رؤيا عاتكة كان يقول إنما رؤيا عاتكة أخذ باليد و يقال إنه بعث مكانه العاص بن هشام بن

المغيرة و كان له عليه دين فقال اخرج و ديني عليك لك فخرج عنه. و قال محمد بن إسحاق في المغازي كان دين أبي لهب على العاص

بن هشام أربعة آلاف درهم فمطله بها و أفلس فتركها له على أن يكون مكانه فخرج مكانه. قال الواقدي و أخرج عتبة و شيبة دروعا

لهما فنظر إليهما مولاهما عداس و هما يصلحان دروعهما و آلة حربهما فقال ما تريدان فقالا أ لم تر إلى الرجل الذي أرسلناك إليه

بالعنب في كرمنا بالطائف قال نعم قالا نخرج فنقاتله فبكى و قال لا تخرجا فو الله إنه لنبي فأبيا فخرجا و خرج معهما فقتل ببدر

معهما. قلت حديث العنب في كرم ابني ربيعة بالطائف قد ذكره أرباب السيرة و شرحه الطبري في التاريخ قال لما مات أبو طالب بمكة

طمعت قريش في رسول الله ص و نالت منه ما لم تكن تناله في حياة أبي طالب فخرج من مكة خائفا على نفسه مهاجرا إلى ربه يؤم

الطائف راجيا أن يدعو أهلها إلى الإسلام فيجيبوه و ذلك في شوال من سنة عشر من النبوة فأقام بالطائف عشرة أيام و قيل شهرا لا

يدع أحدا من أشراف ثقيف إلا جاءه و كلمه فلم يجيبوه و أشاروا عليه أن يخرج عن أرضهم و يلحق بمجاهل الأرض و بحيث لا يعرف و

أغروا به سفهاءهم فرموه بالحجارة حتى إن رجليه لتدميان فكان معه زيد بن حارثة فكان يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه.

[14 : 97 ]

و الشيعة تروي أن علي بن أبي طالب كان معه أيضا في هجرة الطائف فانصرف رسول الله ص عن ثقيف و هو محزون بعد أن مشى إلى

عبد ياليل و مسعود و حبيب ابني عمرو بن عمير و هم يومئذ سادة ثقيف فجلس إليهم و دعاهم إلى الله و إلى نصرته و القيام معه على

قومه فقال له أحدهم أنا أمرط بباب الكعبة إن كان الله أرسلك و قال الآخر أ ما وجد الله أحدا أرسله غيرك و قال الثالث و الله لا

أكلمك كلمة أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام و لئن كنت كاذبا على الله ما ينبغي أن

أكلمك فقام رسول الله ص من عندهم و قد يئس من خير ثقيف و اجتمع عليه صبيانهم و سفهاؤهم و صاحوا به و سبوه و طردوه حتى

اجتمع عليه الناس يعجبون منه و ألجئوه بالحجارة و الطرد و الشتم إلى حائط لعتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و هما يومئذ في

الحائط فلما دخل الحائط رجع عنه سفهاء ثقيف فعمد إلى ظل حبلة منه فجلس فيه و ابنا ربيعة ينظران و يريان ما لقي من سفهاء

ثقيف

قال الطبري فلما اطمأن به قال فيما ذكر لي اللهم إليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي و هواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت

رب المستضعفين و أنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد فيتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري فإن لم يكن منك غضب علي فلا أبالي و لكن

عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات و صلح عليه أمر الدنيا و الآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي

سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول و لا قوة إلا بك

فلما رأى عتبة و شيبة ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما نصرانيا لهما يقال له

[14 : 98 ]

عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب و ضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل و قل له فليأكل منه ففعل و أقبل به حتى

وضعه بين يديه فوضع يده فيه فقال بسم الله و أكل فقال عداس و الله إن هذه الكلمة لا يقولها أهل هذه البلدة فقال له رسول الله

ص من أي البلاد أنت و ما دينك قال أنا نصراني من أهل نينوى قال أ من قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال و ما يدريك من يونس

بن متى قال ذاك أخي كان نبيا و أنا نبي فأكب عداس على يديه و رجليه و رأسه يقبلها قال يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك

فقد أفسده عليك فلما جاءهما قالا ويلك ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل و يديه و قدميه قال يا سيدي ما في الأرض خير من

هذا فقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي. قال الواقدي و استقسمت قريش بالأزلام عند هبل للخروج و استقسم أمية بن خلف و عتبة و

شيبة بالآمر و الناهي فخرج القدح الناهي فأجمعوا المقام حتى أزعجهم أبو جهل فقال ما استقسمت و لا نتخلف عن عيرنا. قال

الواقدي لما توجه زمعة بن الأسود خارجا فكان بذي طوى أخرج قداحه و استقسم بها فخرج الناهي عن الخروج فلقي غيظا ثم أعادها

الثانية فخرج مثل ذلك فكسرها و قال ما رأيت كاليوم قدحا أكذب و مر به سهيل بن عمرو و هو على تلك الحال فقال ما لي أراك

غضبان يا أبا حكيمة فأخبره زمعة فقال امض عنك أيها الرجل قد أخبرني عمير بن وهب أنه لقيه مثل الذي أخبرتني فمضوا على هذا

الحديث.

[14 : 99 ]

قال الواقدي و حدثني موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال قال أبو سفيان بن حرب لضمضم إذا قدمت على قريش فقل لها لا تستقسم

بالأزلام. قال الواقدي و حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن أبي بكر بن سليم بن أبي خيثمة قال سمعت حكيم بن حزام يقول ما

توجهت وجها قط كان أكره إلي من مسيري إلى بدر و لا بان لي في وجه قط ما بان لي قبل أن أخرج ثم قال قدم ضمضم فصاح بالنفير

فاستقسمت بالأزلام كل ذلك يخرج الذي أكره ثم خرجت على ذلك حتى نزلنا مر الظهران فنحر ابن الحنظلية جزورا منها بها حياة فما

بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها فكان هذا بين ثم هممت بالرجوع ثم أذكر ابن الحنظلية و شؤمه فيردني حتى مضيت

لوجهي و كان حكيم يقول لقد رأينا حين بلغنا الثنية البيضاء و هي الثنية التي تهبطك على فخ و أنت مقبل من المدينة إذا عداس

جالس عليها و الناس يمرون إذ مر علينا ابنا ربيعة فوثب إليهما فأخذ بأرجلهما في غرزهما و هو يقول بأبي أنتما و أمي و الله إنه

لرسول الله ص و ما تساقان إلا إلى مصارعكما و إن عينيه لتسيل دمعا على خديه فأردت أن أرجع أيضا ثم مضيت و مر به العاص بن

منبه بن الحجاج فوقف عليه حين ولى عتبة و شيبة فقال ما يبكيك قال يبكيني سيدي أو سيدا أهل الوادي يخرجان إلى مصارعهما و

يقاتلان رسول الله ص فقال العاص و إن محمدا لرسول الله فانتفض عداس انتفاضة و اقشعر جلده ثم بكى و قال إي و الله إنه لرسول

الله إلى الناس كافة قال فأسلم العاص بن منبه و مضى و هو على الشك حتى قتل مع المشركين على شك و ارتياب و يقال رجع عداس

و لم يشهد بدرا و يقال شهد بدرا و قتل. قال الواقدي و القول الأول أثبت عندنا.

[14 : 100 ]

قال الواقدي و خرج سعد بن معاذ معتمرا قبل بدر فنزل على أمية بن خلف فأتاه أبو جهل و قال أ تترك هذا و قد آوى محمدا و آذننا

بالحرب فقال سعد بن معاذ قل ما شئت أما إن طريق عيركم علينا قال أمية بن خلف مه لا تقل هذا لأبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي

قال سعد بن معاذ و أنت تقول ذلك يا أمية أما و الله لسمعت محمدا يقول لأقتلن أمية بن خلف قال أمية أنت سمعته قال سعد بن معاذ

فقلت نعم قال فوقع في نفسه فلما جاء النفير أبى أمية أن يخرج معهم إلى بدر فأتاه عقبة بن أبي معيط و أبو جهل و مع عقبة مجمرة

فيها بخور و مع أبي جهل مكحلة و مرود فأدخلها عقبة تحته فقال تبخر فإنما أنت امرأة و قال أبو جهل اكتحل فإنما أنت امرأة فقال

أمية ابتاعوا لي أفضل بعير في الوادي فابتاعوا له جملا بثلاثمائة دينار من نعم بني قشير فغنمه المسلمون يوم بدر فصار في سهم

خبيب بن يساف. قال الواقدي و قالوا ما كان أحد ممن خرج إلى العير أكره للخروج من الحارث بن عامر و قال ليت قريشا تعزم على

القعود و أن مالي في العير تلف و مال بني عبد مناف أيضا فيقال له إنك سيد من ساداتها أ فلا تردعها عن الخروج قال إني أرى قريشا

قد أزمعت على الخروج و لا أرى أحدا به طرق تخلف إلا من علة و أنا أكره خلافها و ما أحب أن تعلم قريش ما أقول على أن ابن

الحنظلية رجل مشئوم على قومه ما أعلمه إلا يحرز قومه أهل يثرب و لقد قسم الحارث مالا من ماله بين ولده و وقع في نفسه أنه لا

يرجع إلى مكة و جاءه ضمضم بن عمرو و كانت للحارث عنده أياد فقال أبا عامر إني رأيت رؤيا كرهتها و إني لكاليقظان على راحلتي و

أراكم أن واديكم يسيل دما من أسفله إلى أعلاه فقال الحارث ما خرج أحد وجها من الوجوه أكره له من وجهي هذا قال يقول ضمضم و

الله إني لأرى لك أن تجلس فقال لو سمعت

السابق

التالي