السابق

التالي

[14 : 3 ]

الجزء الرابع عشر

باب الكتب و الرسائل

[14 : 5 ]

باب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين ع و رسائله إلى أعدائه و أولياء بلاده و يدخل في ذلك ما اختير من عهوده إلى عماله و

وصاياه لأهله و أصحابه

لما فرغ من إيراد المختار من خطب أمير المؤمنين ع و كلامه الجاري مجرى الخطب من المواعظ و الزواجر شرع في إيراد باب من

مختار كلامه ع و هو ما كان جاريا مجرى الرسائل و الكتب و يدخل في ذلك العهود و الوصايا و قد أورد في هذا الباب ما هو بالباب

الأول أشبه نحو كلامه ع لشريح القاضي لما اشترى دارا و كلامه لشريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام. و سمى ما يكتب

للولاة عهدا اشتقاقا من قولهم عهدت إلى فلان أي أوصيته

[14 : 6 ]

1- من كتاب له ع إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ جَبْهَةِ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ الْعَرَبِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ

كَعِيَانِهِ إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ فَكُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ وَ كَانَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ وَ

أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ وَ كَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَب فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ قَتَلُوهُ وَ بَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ وَ لَا مُجْبَرِينَ بَلْ طَائِعِينَ

مُخَيَّرِينَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا وَ جَاشَتْ جَيْشَ الْمِرْجَلِ وَ قَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ وَ

بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

قوله جبهة الأنصار يمكن أن يريد جماعة الأنصار فإن الجبهة في اللغة الجماعة و يمكن أن يريد به سادة الأنصار و أشرافهم لأن

جبهة الإنسان أعلى أعضائه و ليس يريد بالأنصار هاهنا بني قيلة بل الأنصار هاهنا الأعوان.

[14 : 7 ]

قوله ع و سنام العرب أي أهل الرفعة و العلو منهم لأن السنام أعلى أعضاء البعير. قوله ع أكثر استعتابه و أقل عتابه الاستعتاب طلب

العتبى و هي الرضا قال كنت أكثر طلب رضاه و أقل عتابه و تعنيفه على الأمور و أما طلحة و الزبير فكانا شديدين عليه. و الوجيف سير

سريع و هذا مثل للمشمرين في الطعن عليه حتى إن السير السريع أبطأ ما يسيران في أمره و الحداء العنيف أرفق ما يحرضان به

عليه. و دار الهجرة المدينة. و قوله قد قلعت بأهلها و قلعوا بها الباء هاهنا زائدة في أحد الموضعين و هو الأول و بمعنى من في الثاني

يقول فارقت أهلها و فارقوها و منه قولهم هذا منزل قلعة أي ليس بمستوطن. و جاشت اضطربت و المرجل القدر. و من لطيف الكلام

قوله ع فكنت رجلا من المهاجرين فإن في ذلك من التخلص و التبري ما لا يخفى على المتأمل أ لا ترى أنه لم يبق عليه في ذلك حجة

لطاعن حيث كان قد جعل نفسه كواحد من عرض المهاجرين الذين بنفر يسير منهم انعقدت خلافة أبي بكر و هم أهل الحل و العقد و

إنما كان الإجماع حجة لدخولهم فيه. و من لطيف الكلام أيضا قوله فأتيح له قوم قتلوه و لم يقل أتاح الله له قوما و لا قال أتاح له

الشيطان قوما و جعل الأمر مبهما. و قد ذكر أن خط الرضي رحمه الله مستكرهين بكسر الراء و الفتح أحسن و أصوب و إن كان قد جاء

استكرهت الشيء بمعنى كرهته.

[14 : 8 ]

و قال الراوندي المراد بدار الهجرة هاهنا الكوفة التي هاجر أمير المؤمنين ع إليها و ليس بصحيح بل المراد المدينة و سياق الكلام

يقتضي ذلك و لأنه كان حين كتب هذا الكتاب إلى أهل الكوفة بعيدا عنهم فكيف يكتب إليهم يخبرهم عن أنفسهم

أخبار علي عند مسيره إلى البصرة و رسله إلى أهل الكوفة

و روى محمد بن إسحاق عن عمه عبد الرحمن بن يسار القرشي قال لما نزل علي ع الربذة متوجها إلى البصرة بعث إلى الكوفة محمد

بن جعفر بن أبي طالب و محمد بن أبي بكر الصديق و كتب إليهم هذا الكتاب و

زاد في آخره فحسبي بكم إخوانا و للدين أنصارا ف انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ

لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

و روى أبو مخنف قال حدثني الصقعب قال سمعت عبد الله بن جنادة يحدث أن عليا ع لما نزل الربذة بعث هاشم بن عتبة بن أبي وقاص

إلى أبي موسى الأشعري و هو الأمير يومئذ على الكوفة لينفر إليه الناس و كتب إليه معه من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله

بن قيس أما بعد فإني قد بعثت إليك هاشم بن عتبة لتشخص إلي من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي و قتلوا

شيعتي و أحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم فاشخص بالناس إلي معه حين يقدم عليك فإني لم أولك المصر الذي أنت فيه و لم

أقرك عليه إلا لتكون من أعواني على الحق و أنصاري على هذا الأمر و السلام

[14 : 9 ]

فأما رواية محمد بن إسحاق فإنه قال لما قدم محمد بن جعفر و محمد بن أبي بكر الكوفة استنفرا الناس فدخل قوم منهم على أبي

موسى ليلا فقالوا له أشر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى علي ع فقال أما سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم و أما سبيل

الدنيا فاشخصوا معهما فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج و بلغ ذلك المحمدين فأغلظا لأبي موسى فقال أبو موسى و الله إن بيعة

عثمان لفي عنق علي و عنقي و أعناقكما و لو أردنا قتالا ما كنا لنبدأ بأحد قبل قتلة عثمان فخرجا من عنده فلحقا بعلي ع فأخبراه الخبر.

و أما رواية أبي مخنف فإنه قال إن هاشم بن عتبة لما قدم الكوفة دعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فاستشاره فقال اتبع ما

كتب به إليك فأبى ذلك و حبس الكتاب و بعث إلى هاشم يتوعده و يخوفه. قال السائب فأتيت هاشما فأخبرته برأي أبي موسى فكتب

إلى علي ع لعبد الله علي أمير المؤمنين من هاشم بن عتبة أما بعد يا أمير المؤمنين فإني قدمت بكتابك على امرئ مشاق بعيد الود

ظاهر الغل و الشن آن فتهددني بالسجن و خوفني بالقتل و قد كتبت إليك هذا الكتاب مع المحل بن خليفة أخي طيئ و هو من شيعتك و

أنصارك و عنده علم ما قبلنا فاسأله عما بدا لك و اكتب إلي برأيك و السلام. قال فلما قدم المحل بكتاب هاشم على علي ع سلم عليه

ثم قال الحمد لله الذي أدى الحق إلى أهله و وضعه موضعه فكره ذلك قوم قد و الله كرهوا نبوة محمد ص ثم بارزوه و جاهدوه فرد

الله عليهم كيدهم في نحورهم و جعل دائرة السوء عليهم و الله يا أمير المؤمنين لنجاهدنهم معك في كل موطن حفظا لرسول الله

ص في أهل بيته إذ صاروا أعداء لهم بعده.

[14 : 10 ]

فرحب به علي ع و قال له خيرا ثم أجلسه إلى جانبه و قرأ كتاب هاشم و سأله عن الناس و عن أبي موسى فقال و الله يا أمير المؤمنين

ما أثق به و لا آمنه على خلافك إن وجد من يساعده على ذلك فقال علي ع و الله ما كان عندي بمؤتمن و لا ناصح و لقد أردت عزله

فأتاني الأشتر فسألني أن أقره و ذكر أن أهل الكوفة به راضون فأقررته و

روى أبو مخنف قال و بعث علي ع من الربذة بعد وصول المحل بن خليفة أخي طيئ عبد الله بن عباس و محمد بن أبي بكر إلى أبي

موسى و كتب معهما من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد يا ابن الحائك يا عاض أير أبيه فو الله إني كنت لأرى

أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلا و لا جعل لك فيه نصيبا سيمنعك من رد أمري و الانتزاء علي و قد بعثت إليك ابن

عباس و ابن أبي بكر فخلهما و المصر و أهله و اعتزل عملنا مذءوما مدحورا فإن فعلت و إلا فإني قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء إن

الله لا يهدي كيد الخائنين فإذا ظهرا عليك قطعاك إربا إربا و السلام على من شكر النعمة و وفى بالبيعة و عمل برجاء العاقبة

قال أبو مخنف فلما أبطأ ابن عباس و ابن أبي بكر عن علي ع و لم يدر ما صنعا رحل عن الربذة إلى ذي قار فنزلها فلما نزل ذا قار بعث

إلى الكوفة الحسن ابنه ع و عمار بن ياسر و زيد بن صوحان و قيس بن سعد بن عبادة و معهم كتاب إلى أهل الكوفة فأقبلوا حتى

كانوا بالقادسية فتلقاهم الناس فلما دخلوا الكوفة قرءوا

كتاب علي و هو من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين

[14 : 11 ]

أما بعد فإني خرجت مخرجي هذا إما ظالما و إما مظلوما و إما باغيا و إما مبغيا علي فأنشد الله رجلا بلغه كتابي هذا إلا نفر إلي فإن كنت

مظلوما أعانني و إن كنت ظالما استعتبني و السلام

قال أبو مخنف فحدثني موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال أقبلنا مع الحسن و عمار بن ياسر من ذي قار حتى نزلنا

القادسية فنزل الحسن و عمار و نزلنا معهما فاحتبى عمار بحمائل سيفه ثم جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة و عن حالهم ثم سمعته

يقول ما تركت في نفسي حزة أهم إلي من ألا نكون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار.

قال فلما دخل الحسن و عمار الكوفة اجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس فحمد الله و صلى على رسوله ثم قال أيها

الناس إنا جئنا ندعوكم إلى الله و إلى كتابه و سنة رسوله و إلى أفقه من تفقه من المسلمين و أعدل من تعدلون و أفضل من تفضلون و

أوفى من تبايعون من لم يعبه القرآن و لم تجهله السنة و لم تقعد به السابقة إلى من قربه الله تعالى إلى رسوله قرابتين قرابة الدين

و قرابة الرحم إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة إلى من كفى الله به رسوله و الناس متخاذلون فقرب منه و هم متباعدون و صلى معه و

هم مشركون و قاتل معه و هم منهزمون و بارز معهم و هم محجمون و صدقه و هم يكذبون إلى من لم ترد له رواية و لا تكافأ له سابقة

و هو يسألكم النصر و يدعوكم إلى الحق و يأمركم بالمسير إليه لتوازروه و تنصروه على قوم نكثوا بيعته و قتلوا أهل الصلاح من

أصحابه و مثلوا بعماله و انتهبوا بيت ماله فاشخصوا إليه رحمكم الله فمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر و احضروا بما يحضر به

الصالحون

قال أبو مخنف حدثني جابر بن يزيد قال حدثني تميم بن حذيم الناجي قال قدم علينا

[14 : 12 ]

الحسن بن علي ع و عمار بن ياسر يستنفران الناس إلى علي ع و معهما كتابه فلما فرغا من قراءة كتابه قام الحسن و هو فتى حدث و

الله إني لأرثي له من حداثة سنه و صعوبة مقامه فرماه الناس بأبصارهم و هم يقولون اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على

عمود يتساند إليه و كان عليلا من شكوى به

فقال الحمد لله العزيز الجبار الواحد القهار الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول و من جهر به و من هو مستخف بالليل و سارب

بالنهار أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء و على ما أحببنا و كرهنا من شدة و رخاء و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و

أن محمدا عبده و رسوله امتن علينا بنبوته و اختصه برسالته و أنزل عليه وحيه و اصطفاه على جميع خلقه و أرسله إلى الإنس و الجن

حين عبدت الأوثان و أطيع الشيطان و جحد الرحمن فصلى الله عليه و على آله و جزاه أفضل ما جزى المسلمين أما بعد فإني لا أقول

لكم إلا ما تعرفون إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرشد الله أمره و أعز نصره بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب و إلى العمل

بالكتاب و الجهاد في سبيل الله و إن كان في عاجل ذلك ما تكرهون فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله و لقد علمتم أن عليا صلى مع

رسول الله ص وحده و إنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه ثم شهد مع رسول الله ص جميع مشاهده و كان من اجتهاده في مرضاة الله و

طاعة رسوله و آثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم و لم يزل رسول الله ص راضيا عنه حتى غمضه بيده و غسله وحده و الملائكة

أعوانه و الفضل ابن عمه ينقل إليه الماء ثم أدخله حفرته و أوصاه بقضاء دينه و عداته و غير ذلك من أموره كل ذلك من من الله عليه

ثم و الله ما دعا إلى نفسه و لقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها فبايعوه طائعين ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه

و لا خلاف أتاه حسدا له و بغيا عليه فعليكم عباد الله بتقوى الله و طاعته و الجد و الصبر و الاستعانة بالله

[14 : 13 ]

و الخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين عصمنا الله و إياكم بما عصم به أولياءه و أهل طاعته و ألهمنا و إياكم تقواه و أعاننا و

إياكم على جهاد أعدائه و أستغفر الله العظيم لي و لكم

ثم مضى إلى الرحبة فهيأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين. قال جابر فقلت لتميم كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه فقال و لما

سقط عني من قوله أكثر و لقد حفظت بعض ما سمعت. قال و لما نزل علي ع ذا قار كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر أما بعد فإني أخبرك

أن عليا قد نزل ذا قار و أقام بها مرعوبا خائفا لما بلغه من عدتنا و جماعتنا فهو بمنزلة الأشقر إن تقدم عقر و إن تأخر نحر فدعت حفصة

جواري لها يتغنين و يضربن بالدفوف فأمرتهن أن يقلن في غنائهن ما الخبر ما الخبر علي في السفر كالفرس الأشقر إن تقدم عقر و إن

تأخر نحر. و جعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة و يجتمعن لسماع ذلك الغناء. فبلغ أم كلثوم بنت علي ع فلبست جلابيبها و دخلت

عليهن في نسوة متنكرات ثم أسفرت عن وجهها فلما عرفتها حفصة خجلت و استرجعت فقالت أم كلثوم لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم

لقد تظاهرتما على أخيه من قبل فأنزل الله فيكما ما أنزل فقالت حفصة كفى رحمك الله و أمرت بالكتاب فمزق و استغفرت الله. قال

أبو مخنف روى هذا جرير بن يزيد عن الحكم و رواه الحسن بن دينار عن الحسن البصري و ذكر الواقدي مثل ذلك و ذكر المدائني

أيضا مثله قال فقال سهل بن حنيف في ذلك هذه الأشعار

[14 : 14 ]

عذرنا الرجال بحرب الرجال فما للنساء و ما للسباب

أ ما حسبنا ما أتينا به لك الخير من هتك ذاك الحجاب

و مخرجها اليوم من بيتها يعرفها الذنب نبح الكلاب

إلى أن أتانا كتاب لها مشوم فيا قبح ذاك الكتاب

قال فحدثنا الكلبي عن أبي صالح أن عليا ع لما نزل ذا قار في قلة من عسكره صعد الزبير منبر البصرة فقال أ لا ألف فارس أسير بهم

إلى علي فأبيته بياتا و أصبحه صباحا قبل أن يأتيه المدد فلم يجبه أحد فنزل واجما و قال هذه و الله الفتنة التي كنا نحدث بها فقال

له بعض مواليه رحمك الله يا أبا عبد الله تسميها فتنة ثم نقاتل فيها فقال ويحك و الله إنا لنبصر ثم لا نصبر فاسترجع المولى ثم

خرج في الليل فارا إلى علي ع فأخبره فقال اللهم عليك به. قال أبو مخنف و لما فرغ الحسن بن علي ع من خطبته قام بعده عمار فحمد

الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال أيها الناس أخو نبيكم و ابن عمه يستنفركم لنصر دين الله و قد بلاكم الله بحق دينكم و

حرمة أمكم فحق دينكم أوجب و حرمته أعظم أيها الناس عليكم بإمام لا يؤدب و فقيه لا يعلم و صاحب بأس لا ينكل و ذي سابقة في

الإسلام ليست لأحد و إنكم لو قد حضرتموه بين لكم أمركم إن شاء الله. قال فلما سمع أبو موسى خطبة الحسن و عمار قام فصعد

المنبر و قال الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد فجمعنا بعد الفرقة و جعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة و حرم علينا دماءنا و أموالنا قال

الله سبحانه وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ

[14 : 15 ]

و قال تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها فاتقوا الله عباد الله و ضعوا أسلحتكم و كفوا عن قتال إخوانكم.

أما بعد يا أهل الكوفة إن تطيعوا الله باديا و تطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي إليكم المضطر و يأمن فيكم

الخائف إن عليا إنما يستنفركم لجهاد أمكم عائشة و طلحة و الزبير حواري رسول الله و من معهم من المسلمين و أنا أعلم بهذه

الفتن أنها إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت أسفرت إني أخاف عليكم أن يلتقي غاران منكم فيقتتلا ثم يتركا كالأحلاس الملقاة بنجوة من

الأرض ثم يبقى رجرجة من الناس لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن منكر إنها قد جاءتكم فتنة كافرة لا يدرى من أين تؤتى تترك

الحليم حيران كأني أسمع رسول الله ص بالأمس يذكر الفتن فيقول أنت فيها نائما خير منك قاعدا و أنت فيها جالسا خير منك قائما و

أنت فيها قائما خير منك ساعيا فثلموا سيوفكم و قصفوا رماحكم و انصلوا سهامكم و قطعوا أوتاركم و خلوا قريشا ترتق فتقها و

ترأب صدعها فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت و إن أبت فعلى أنفسها ما جنت سمنها في أديمها استنصحوني و لا تستغشوني و أطيعوني و

لا تعصوني يتبين لكم رشدكم و يصلى هذه الفتنة من جناها فقام إليه عمار بن ياسر فقال أنت سمعت رسول الله ص يقول ذلك قال نعم

هذه يدي بما قلت فقال إن كنت صادقا فإنما عناك بذلك وحدك و اتخذ عليك الحجة فالزم بيتك و لا تدخلن في الفتنة أما إني أشهد أن

رسول الله ص أمر عليا بقتال الناكثين و سمى له فيهم من سمى و أمره بقتال القاسطين و إن شئت لأقيمن لك شهودا يشهدون أن

رسول الله ص

[14 : 16 ]

إنما نهاك وحدك و حذرك من الدخول في الفتنة ثم قال له أعطني يدك على ما سمعت فمد إليه يده فقال له عمار غلب الله من غالبه و

جاهده ثم جذبه فنزل عن المنبر. و روى محمد بن جرير الطبري في التاريخ قال لما أتى عليا ع الخبر و هو بالمدينة بأمر عائشة و

طلحة و الزبير و أنهم قد توجهوا نحو العراق خرج يبادر و هو يرجو أن يدركهم و يردهم فلما انتهى إلى الربذة أتاه عنهم أنهم قد

أمعنوا فأقام بالربذة أياما و أتاه عنهم أنهم يريدون البصرة فسر بذلك و قال إن أهل الكوفة أشد لي حبا و فيهم رؤساء العرب و

أعلامهم فكتب إليهم إني قد اخترتكم على الأمصار و إني بالأثر.

قال أبو جعفر محمد بن جرير رحمه الله كتب علي ع من الربذة إلى أهل الكوفة أما بعد فإني قد اخترتكم و آثرت النزول بين أظهركم

لما أعرف من مودتكم و حبكم لله و رسوله فمن جاءني و نصرني فقد أجاب الحق و قضى الذي عليه

قال أبو جعفر فأول من بعثه علي ع من الربذة إلى الكوفة محمد بن أبي بكر و محمد بن جعفر فجاء أهل الكوفة إلى أبي موسى و هو

الأمير عليهم ليستشيروه في الخروج إلى علي بن أبي طالب ع فقال لهم أما سبيل الآخرة فأن تقعدوا و أما سبيل الدنيا فأن تخرجوا.

و بلغ المحمدين قول أبي موسى الأشعري فأتياه و أغلظا له فأغلظ لهما و قال

[14 : 17 ]

لا يحل لك القتال مع علي حتى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل حيث كان و قالت أخت علي بن عدي من بني عبد العزى بن عبد

شمس و كان أخوها علي بن عدي من شيعة علي ع و في جملة عسكره

لا هم فاعقر بعلي جمله و لا تبارك في بعير حمله

ألا علي بن عدي ليس له

قال أبو جعفر ثم أجمع علي ع على المسير من الربذة إلى البصرة فقام إليه رفاعة بن رافع فقال يا أمير المؤمنين أي شيء تريد و أين

تذهب بنا قال أما الذي نريد و ننوي فإصلاح إن قبلوا منا و أجابوا إليه قال فإن لم يقبلوا قال ندعوهم و نعطيهم من الحق ما نرجو

أن يرضوا به قال فإن لم يرضوا قال ندعهم ما تركونا قال فإن لم يتركونا قال نمتنع منهم قال فنعم إذا. و قام الحجاج بن غزية

الأنصاري فقال و الله يا أمير المؤمنين لأرضينك بالفعل كما أرضيتني منذ اليوم بالقول ثم قال

دراكها دراكها قبل الفوت و انفر بنا و اسم بنا نحو الصوت

لا وألت نفسي إن خفت الموت

و لله لننصرن الله عز و جل كما سمانا أنصارا. قال أبو جعفر رحمه الله و سار علي ع نحو البصرة و رأيته مع ابنه محمد بن الحنفية و

على ميمنته عبد الله بن عباس و على ميسرته عمر بن أبي سلمة و علي ع في القلب على ناقة حمراء يقود فرسا كميتا فتلقاه بفيد غلام

من

[14 : 18 ]

بني سعد بن ثعلبة يدعى مرة فقال من هؤلاء قيل هذا أمير المؤمنين فقال سفرة قانية فيها دماء من نفوس فانية فسمعها علي ع فدعاه

فقال ما اسمك قال مرة قال أمر الله عيشك أ كاهن سائر اليوم قال بل عائف فخلى سبيله و نزل بفيد فأتته أسد و طيئ فعرضوا عليه

أنفسهم فقال الزموا قراركم ففي المهاجرين كفاية. و قدم رجل من الكوفة فيدا فأتى عليا ع فقال له من الرجل قال عامر بن مطرف قال

الليثي قال الشيباني قال أخبرني عما وراءك قال إن أردت الصلح فأبو موسى صاحبك و إن أردت القتال فأبو موسى ليس لك بصاحب

فقال ع ما أريد إلا الصلح إلا أن يرد علينا

قال أبو جعفر و قدم عليه عثمان بن حنيف و قد نتف طلحة و الزبير شعر رأسه و لحيته و حاجبيه فقال يا أمير المؤمنين بعثتني ذا

لحية و جئتك أمرد فقال أصبت خيرا و أجرا ثم قال أيها الناس إن طلحة و الزبير بايعاني ثم نكثاني بيعتي و ألبا علي الناس و من

العجب انقيادهما لأبي بكر و عمر و خلافهما علي و الله إنهما ليعلمان أني لست بدونهما اللهم فاحلل ما عقدا و لا تبرم ما قد أحكما

في أنفسهما و أرهما المساءة فيما قد عملا

قال أبو جعفر و عاد محمد بن أبي بكر و محمد بن جعفر إلى علي ع فلقياه و قد انتهى إلى ذي قار فأخبراه الخبر فقال علي ع لعبد الله

بن العباس اذهب أنت إلى الكوفة فادع أبا موسى إلى الطاعة و حذره من العصيان و الخلاف و استنفر الناس فذهب عبد الله بن عباس

حتى قدم الكوفة فلقي أبا موسى و اجتمع الرؤساء من أهل الكوفة فقام أبو موسى فخطبهم و قال إن أصحاب رسول الله ص صحبوه

في مواطن كثيرة فهم أعلم بالله ممن لم يصحبه و إن لكم علي حقا

[14 : 19 ]

و أنا مؤديه إليكم أمر ألا تستخفوا بسلطان الله و ألا تجترءوا على الله أن تأخذوا كل من قدم عليكم من أهل المدينة في هذا الأمر

فتردوه إلى المدينة حتى تجتمع الأمة على إمام ترتضي به إنها فتنة صماء النائم فيها خير من اليقظان و اليقظان خير من القاعد و

القاعد خير من القائم و القائم خير من الراكب فكونوا جرثومة من جراثيم العرب أغمدوا سيوفكم و أنصلوا أسنتكم و اقطعوا أوتار

قسيكم حتى يلتئم هذا الأمر و تنجلي هذه الفتنة. قال أبو جعفر رحمه الله فرجع ابن عباس إلى علي ع فأخبره فدعا الحسن ابنه ع و

عمار بن ياسر و أرسلهما إلى الكوفة فلما قدماها كان أول من أتاهما مسروق بن الأجدع فسلم عليهما و أقبل على عمار فقال يا أبا

اليقظان علام قتلتم أمير المؤمنين قال على شتم أعراضنا و ضرب أبشارنا قال فو الله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لكان

خيرا للصابرين ثم خرج أبو موسى فلقي الحسن ع فضمه إليه و قال لعمار يا أبا اليقظان أ غدوت فيمن غدا على أمير المؤمنين و

أحللت نفسك مع الفجار قال لم أفعل و لم تسوءني فقطع عليهما الحسن و قال لأبي موسى يا أبا موسى لم تثبط الناس عنا فو الله ما

أردنا إلا الإصلاح و ما مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء قال أبو موسى صدقت بأبي و أمي و لكن المستشار مؤتمن سمعت رسول

الله ص يقول ستكون فتنة و ذكر تمام الحديث فغضب عمار و ساءه ذلك و قال أيها الناس إنما قال رسول الله ص ذلك له خاصة و قام

رجل من بني تميم فقال لعمار اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء و تسافه أميرنا اليوم و ثار زيد بن صوحان و طبقته فانتصروا

لعمار و جعل أبو موسى يكف الناس و يردعهم عن الفتنة ثم انطلق حتى صعد المنبر و أقبل زيد بن صوحان و معه كتاب من عائشة إليه

خاصة و كتاب منها إلى أهل الكوفة عامة تثبطهم عن نصرة

[14 : 20 ]

علي و تأمرهم بلزوم الأرض و قال أيها الناس انظروا إلى هذه أمرت أن تقر في بيتها و أمرنا نحن أن نقاتل حتى لا تكون فتنة فأمرتنا

بما أمرت به و ركبت ما أمرنا به فقام إليه شبث بن ربعي فقال له و ما أنت و ذاك أيها العماني الأحمق سرقت أمس بجلولاء فقطعك

الله و تسب أم المؤمنين فقام زيد و شال يده المقطوعة و أومأ بيده إلى أبي موسى و هو على المنبر و قال له يا عبد الله بن قيس أ ترد

الفرات عن أمواجه دع عنك ما لست تدركه ثم قرأ الم أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا... الآيتين ثم نادى سيروا إلى أمير

المؤمنين و صراط سيد المرسلين و انفروا إليه أجمعين و قام الحسن بن علي ع فقال أيها الناس أجيبوا دعوة إمامكم و سيروا إلى

إخوانكم فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه و الله لأن يليه أولو النهى أمثل في العاجلة و خير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا و أعينونا

على أمرنا أصلحكم الله. و قام عبد خير فقال يا أبا موسى أخبرني عن هذين الرجلين أ لم يبايعا عليا قال بلى قال أ فأحدث علي حدثا

يحل به نقض بيعته قال لا أدري قال لا دريت و لا أتيت إذا كنت لا تدري فنحن تاركوك حتى تدري أخبرني هل تعلم أحدا خارجا عن هذه

الفرق الأربع علي بظهر الكوفة و طلحة و الزبير بالبصرة و معاوية بالشام و فرقة رابعة بالحجاز قعود لا يجبى بهم فيء و لا يقاتل

بهم عدو فقال أبو موسى أولئك خير الناس قال عبد خير اسكت يا أبا موسى فقد غلب عليك غشك. قال أبو جعفر و أتت الأخبار عليا ع

باختلاف الناس بالكوفة فقال للأشتر أنت شفعت في أبي موسى أن أقره على الكوفة فاذهب فأصلح ما أفسدت

[14 : 21 ]

فقام الأشتر فشخص نحو الكوفة فأقبل حتى دخلها و الناس في المسجد الأعظم فجعل لا يمر بقبيلة إلا دعاهم و قال اتبعوني إلى

القصر حتى وصل القصر فاقتحمه و أبو موسى يومئذ يخطب الناس على المنبر و يثبطهم و عمار يخاطبه و الحسن ع يقول اعتزل

عملنا و تنح عن منبرنا لا أم لك. قال أبو جعفر فروى أبو مريم الثقفي قال و الله إني لفي المسجد يومئذ إذ دخل علينا غلمان أبي

موسى يشتدون و يبادرون أبا موسى أيها الأمير هذا الأشتر قد جاء فدخل القصر فضربنا و أخرجنا فنزل أبو موسى من المنبر و جاء

حتى دخل القصر فصاح به الأشتر اخرج من قصرنا لا أم لك أخرج الله نفسك فو الله إنك لمن المنافقين قديما قال أجلني هذه

العشية قال قد أجلتك و لا تبيتن في القصر الليلة و دخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر و قال إني قد أخرجته و عزلته

عنكم فكف الناس حينئذ عنه.

قال أبو جعفر فروى الشعبي عن أبي الطفيل قال قال علي ع يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل و رجل واحد

فو الله لقعدت على نجفة ذي قار فأحصيتهم واحدا واحدا فما زادوا رجلا و لا نقصوا رجلا

فصل في نسب عائشة و أخبارها

و ينبغي أن نذكر في هذا الموضع طرفا من نسب عائشة و أخبارها و ما يقوله أصحابنا المتكلمون فيها جريا على عادتنا في ذكر مثل

ذلك كلما مررنا بذكر أحد من الصحابة

[14 : 22 ]

أما نسبها فإنها ابنة أبي بكر و قد ذكرنا نسبه فيما تقدم و أمها أم رومان ابنة عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع

بن دهمان بن الحارث بن تميم بن مالك بن كنانة تزوجها رسول الله ص بمكة قبل الهجرة بسنتين و قيل بثلاث و هي بنت ست سنين و

قيل بنت سبع سنين و بنى عليها بالمدينة و هي بنت تسع لم يختلفوا في ذلك. و كانت تذكر لجبير بن مطعم و تسمى له و ورد في

الأخبار الصحيحة أن رسول الله ص أري عائشة في المنام في سرقة حرير متوفى خديجة رضي الله عنها فقال إن يكن هذا من عند الله

يمضه فتزوجها بعد موت خديجة بثلاث سنين و تزوجها في شوال و أعرس بها بالمدينة في شوال على رأس ثمانية عشر شهرا من

مهاجره إلى المدينة. و قال ابن عبد البر في كتاب الإستيعاب كانت عائشة تحب أن تدخل النساء من أهلها و أحبتها في شوال على

أزواجهن و تقول هل كان في نسائه أحظى عنده مني و قد نكحني و بنى علي في شوال. قلت قرئ هذا الكلام على بعض الناس فقال كيف

رأت الحال بينها و بين أحمائها و أهل بيت زوجها. و روى أبو عمر بن عبد البر في الكتاب المذكور أن رسول الله ص توفي عنها و هي

بنت ثمان عشرة سنة فكان سنها معه تسع سنين و لم ينكح بكرا غيرها و استأذنت رسول الله ص في الكنية فقال لها اكتني بابنك عبد

الله بن الزبير يعني ابن أختها فكانت كنيتها أم عبد الله و كانت فقيهة عالمة بالفرائض و الشعر و الطب.

[14 : 23 ]

و

روي أن النبي ص قال فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام

و أصحابنا يحملون لفظة النساء في هذا الخبر على زوجاته لأن فاطمة ع عندهم أفضل منها

لقوله ص إنها سيدة نساء العالمين

و قذفت بصفوان بن المعطل السلمي في سنة ست منصرف رسول الله ص من غزاة بني المصطلق و كانت معه فقال فيها أهل الإفك ما

قالوا و نزل القرآن ببراءتها. و قوم من الشيعة زعموا أن الآيات التي في سورة النور لم تنزل فيها و إنما أنزلت في مارية القبطية و

ما قذفت به مع الأسود القبطي و جحدهم لإنزال ذلك في عائشة جحد لما يعلم ضرورة من الأخبار المتواترة ثم كان من أمرها و أمر

حفصة و ما جرى لهما مع رسول الله ص في الأمر الذي أسره على إحداهما ما قد نطق الكتاب العزيز به و اعتزل رسول الله ص نساءه

كلهن و اعتزلهما معهن ثم صالحهن و طلق حفصة ثم راجعها و جرت بين عائشة و فاطمة إبلاغات و حديث يوغر الصدور فتولد بين

عائشة و بين علي ع نوع ضغينة و انضم إلى ذلك إشارته على رسول الله ص في قصة الإفك بضرب الجارية و تقريرها و قوله إن

النساء كثير. ثم جرى حديث صلاة أبي بكر بالناس فتزعم الشيعة أن رسول الله ص لم يأمر بذلك و أنه إنما صلى بالناس عن أمر عائشة

ابنته و أن رسول الله ص خرج متحاملا و هو مثقل فنحاه عن المحراب و زعم معظم المحدثين أن ذلك كان عن أمر رسول الله ص و

قوله ثم اختلفوا فمنهم من قال نحاه و صلى هو بالناس و منهم من قال بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس و منهم

[14 : 24 ]

من قال كان الناس يصلون بصلاة أبي بكر و أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله ص. ثم كان منها في أمر عثمان و تضريب الناس عليه ما قد

ذكرناه في مواضعه ثم تلا ذلك يوم الجمل. و اختلف المتكلمون في حالها و حال من حضر واقعة الجمل فقالت الإمامية كفر أصحاب

الجمل كلهم الرؤساء و الأتباع و قال قوم من الحشوية و العامة اجتهدوا فلا إثم عليهم و لا نحكم بخطئهم و لا خطإ علي ع و

أصحابه. و قال قوم من هؤلاء بل نقول أصحاب الجمل أخطئوا و لكنه خطأ مغفور و كخطإ المجتهد في بعض مسائل الفروع عند من

قال بالأشبه و إلى هذا القول يذهب أكثر الأشعرية. و قال أصحابنا المعتزلة كل أهل الجمل هالكون إلا من ثبتت توبته منهم قالوا و

عائشة ممن ثبتت توبتها و كذلك طلحة و الزبير أما عائشة فإنها اعترفت لعلي ع يوم الجمل بالخطإ و سألته العفو و قد تواترت

الرواية عنها بإظهار الندم و أنها كانت تقول ليته كان لي من رسول الله ص بنون عشرة كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و

ثكلتهم و لم يكن يوم الجمل و أنها كانت تقول ليتني مت قبل يوم الجمل و أنها كانت إذا ذكرت ذلك اليوم تبكي حتى تبل خمارها

و أما الزبير فرجع عن الحرب معترفا بالخطإ لما أذكره علي ع ما أذكره و أما طلحة فإنه مر به و هو صريع فارس فقال له قف فوقف قال

من أي الفريقين أنت قال من أصحاب أمير المؤمنين قال أقعدني فأقعده فقال امدد يدك أبايعك لأمير المؤمنين فبايعه.

[14 : 25 ]

و قال شيوخنا ليس لقائل أن يقول ما يروى من أخبار الآحاد بتوبتهم لا يعارض ما علم قطعا من معصيتهم قالوا لأن التوبة إنما يحكم

بها للمكلف على غالب الظن في جميع المواضع لا على القطع أ لا ترى أنا نجوز أن يكون من أظهر التوبة منافقا و كاذبا فبان أن

المرجع في قبولها في كل موضع إنما هو إلى الظن فجاز أن يعارض ما علم من معصيتهم بما يظن من توبتهم

[14 : 26 ]

2- و من كتاب له ع إليهم بعد فتح البصرة

وَ جَزَاكُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ مِصْر عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ أَحْسَنَ مَا يَجْزِي الْعَامِلِينَ بِطَاعَتِهِ وَ الشَّاكِرِينَ لِنِعْمَتِهِ فَقَدْ سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ وَ دُعِيتُمْ

فَأَجَبْتُمْ

موضع قوله من أهل مصر نصب على التمييز و يجوز أن يكون حالا. فإن قلت كيف يكون تمييزا و تقديره و جزاكم الله متمدنين

أحسن ما يجزي المطيع و التمييز لا يكون إلا جامدا و هذا مشتق قلت إنهم أجازوا كون التمييز مشتقا في نحو قولهم ما أنت جارة و

قولهم يا سيدا ما أنت من سيد. و ما يجوز أن تكون مصدرية أي أحسن جزاء العاملين و يجوز أن تكون بمعنى الذي و يكون قد حذف

العائد إلى الموصول و تقديره أحسن الذي يجزي به العاملين

[14 : 27 ]

3- و من كتاب له ع كتبه لشريح بن الحارث قاضيه

رُوِيَ أَنَّ شُرَيْحَ بْنَ الْحَارِثِ قَاضِيَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع اشْتَرَى عَلَى عَهْدِهِ دَاراً بِثَمَانِينَ دِينَاراً فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَاسْتَدْعَى شُرَيْحاً وَ قَالَ لَهُ بَلَغَنِي

أَنَّكَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثَمَانِينَ دِينَاراً وَ كَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً وَ أَشْهَدْتَ فِيهِ شُهُوداً فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظَرَ

الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا شُرَيْحُ أَمَا إِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مَنْ لَا يَنْظُرُ فِي كِتَابِكَ وَ لَا يَسْأَلُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصاً وَ يُسْلِمَكَ إِلَى قَبْرِكَ

خَالِصاً فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ لَا تَكُونُ ابْتَعْتَ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ غَيْرِ مَالِكَ أَوْ نَقَدْتَ الثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ حَلَالِكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْيَا وَ دَارَ

الآْخِرَةِ. أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِكَ مَا اشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَكَ كِتَاباً عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هَذِهِ الدَّارِ بِالدِّرْهَمِ فَمَا فَوْقُ

وَ النُّسْخَةُ هَذِهِ هَذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ مِنْ مَيِّت قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِيلِ اشْتَرَى مِنْهُ دَاراً مِنْ دَارِ الْغُرُورِ مِنْ جَانِبِ الْفَانِينَ وَ خِطَّةِ الْهَالِكِينَ وَ

تَجْمَعُ هَذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ الْحَدُّ الْأَوَّلُ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الآْفَاتِ وَ الْحَدُّ الثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيبَاتِ وَ الْحَدُّ الثَّالِثُ يَنْتَهِي إِلَى

الْهَوَى الْمُرْدِي وَ الْحَدُّ الرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى الشَّيْطَانِ الْمُغْوِي وَ فِيهِ يُشْرَعُ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ اشْتَرَى هَذَا الْمُغْتَرُّ بِالْأَمَلِ مِنْ هَذَا

[14 : 28 ]

الْمُزْعَجِ بِالْأَجَلِ هَذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَةِ وَ الدُّخُولِ فِي ذُلِّ الطَّلَبِ وَ الضَّرَاعَةِ فَمَا أَدْرَكَ هَذَا الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى مِنْ دَرَك

فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ الْمُلُوكِ وَ سَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَةِ وَ مُزِيلِ مُلْكِ الْفَرَاعِنَةِ مِثْلِ كِسْرَى وَ قَيْصَرَ وَ تُبَّع وَ حِمْيَرَ وَ مَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى

الْمَالِ فَأَكْثَرَ وَ مَنْ بَنَى وَ شَيَّدَ وَ زَخْرَفَ وَ نَجَّدَ وَ ادَّخَرَ وَ اعْتَقَدَ وَ نَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ إِشْخَاصُهُمْ جَمِيعاً إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْضِ وَ الْحِسَابِ وَ

مَوْضِعِ الثَّوَابِ وَ الْعِقَابِ إِذَا وَقَعَ الْأَمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ وَ خَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى وَ سَلِمَ مِنْ

عَلَائِقِ الدُّنْيَا

نسب شريح و ذكر بعض أخباره

هو شريح بن الحارث بن المنتجع بن معاوية بن جهم بن ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد الكندي و قيل إنه حليف لكندة

من بني الرائش. و قال ابن الكلبي ليس اسم أبيه الحارث و إنما هو شريح بن معاوية بن ثور. و قال قوم هو شريح بن هانئ. و قال

قوم هو شريح بن شراحيل و الصحيح أنه شريح بن الحارث و يكنى أبا أمية استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة فلم يزل

قاضيا ستين سنة لم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين في فتنة ابن الزبير امتنع فيها من القضاء ثم استعفى الحجاج من

[14 : 29 ]

العمل فأعفاه فلزم منزله إلى أن مات و عمر عمرا طويلا قيل إنه عاش مائة سنة و ثمانيا و ستين و قيل مائة سنة و توفي سنة سبع و

ثمانين. و كان خفيف الروح مزاحا فقدم إليه رجلان فأقر أحدهما بما ادعى به خصمه و هو لا يعلم فقضى عليه فقال لشريح من شهد

عندك بهذا قال ابن أخت خالك و قيل إنه جاءته امرأته تبكي و تتظلم على خصمها فما رق لها حتى قال له إنسان كان بحضرته أ لا تنظر

أيها القاضي إلى بكائها فقال إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون. و أقر علي ع شريحا على القضاء مع مخالفته له في مسائل

كثيرة من الفقه مذكورة في كتب الفقهاء. و استأذنه شريح و غيره من قضاة عثمان في القضاء أول ما وقعت الفرقة فقال اقضوا كما كنتم

تقضون حتى تكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي. و سخط علي ع مرة عليه فطرده عن الكوفة و لم يعزله عن القضاء و أمره

بالمقام ببانقيا و كانت قرية قريبة من الكوفة أكثر ساكنها اليهود فأقام بها مدة حتى رضي عنه و أعاده إلى الكوفة. و قال أبو عمر بن

عبد البر في كتاب الإستيعاب أدرك شريح الجاهلية و لا يعد من الصحابة بل من التابعين و كان شاعرا محسنا و كان سناطا لا شعر في

وجهه

قوله ع و خطة الهالكين بكسر الخاء و هي الأرض التي يختطها الإنسان

[14 : 30 ]

أي يعلم عليها علامة بالخط ليعمرها و منه خطط الكوفة و البصرة. و زخرف البناء أي ذهب جدرانه بالزخرف و هو الذهب. و نجد فرش

المنزل بالوسائد و النجاد الذي يعالج الفرش و الوسائد و يخيطهما و التنجيد التزيين بذلك و يجوز أن يريد بقوله نجد رفع و علا

من النجد و هو المرتفع من الأرض. و اعتقد جعل لنفسه عقدة كالضيعة أو الذخيرة من المال الصامت. و إشخاصهم مرفوع بالابتداء و

خبره الجار المجرور المقدم و هو قوله فعلى مبلبل أجسام الملوك و موضع الاستحسان من هذا الفصل و إن كان كله حسنا أمران

أحدهما أنه ع نظر إليه نظر مغضب إنكارا لابتياعه دارا بثمانين دينارا و هذا يدل على زهد شديد في الدنيا و استكثار للقليل منها و

نسبه هذا المشتري إلى الإسراف و خوف من أن يكون ابتاعها بمال حرام. الثاني أنه أملى عليه كتابا زهديا وعظيا مماثلا لكتب

الشروط التي تكتب في ابتياع الأملاك فإنهم يكتبون هذا ما اشترى فلان من فلان اشترى منه دارا من شارع كذا و خطة كذا و يجمع

هذه الدار حدود أربعة فحد منها ينتهي إلى دار فلان و حد آخر ينتهي إلى ملك فلان و حد آخر ينتهي إلى ما كان يعرف بفلان و هو الآن

معروف بفلان و حد آخر ينتهي إلى كذا و منه شروع باب هذه الدار و طريقها اشترى هذا المشتري المذكور من البائع المذكور جميع

الدار المذكورة بثمن مبلغه كذا و كذا دينارا أو درهما فما أدرك المشتري المذكور من درك فمرجوع به على من يوجب الشرع الرجوع

به عليه ثم تكتب الشهود في آخر الكتاب شهد فلان ابن فلان بذلك و شهد فلان ابن فلان به أيضا و هذا يدل على أن الشروط

المكتوبة الآن قد كانت

[14 : 31 ]

في زمن الصحابة تكتب مثلها أو نحوها إلا أنا ما سمعنا عن أحد منهم نقل صيغة الشرط الفقهي إلى معنى آخر كما قد نظمه هو ع و لا

غرو فما زال سباقا إلى العجائب و الغرائب. فإن قلت لم جعل الشيطان المغوي في الحد الرابع قلت ليقول و فيه يشرع باب هذه

الدار لأنه إذا كان الحد إليه ينتهي كان أسهل لدخوله إليها و دخول أتباعه و أوليائه من أهل الشيطنة و الضلال

[14 : 32 ]

4- و من كتاب له كتبه ع إلى بعض أمراء جيشه

فَإِنْ عَادُوا إِلَى ظِلِّ الطَّاعَةِ فَذَاكَ الَّذِي نُحِبُّ وَ إِنْ تَوَافَتِ الْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى الشِّقَاقِ وَ الْعِصْيَانِ فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَكَ إِلَى مَنْ عَصَاكَ وَ

اسْتَغْنِ بِمَنِ انْقَادَ مَعَكَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْكَ فَإِنَّ الْمُتَكَارِهَ مَغِيبُهُ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِهِ وَ قُعُودُهُ أَغْنَى مِنْ نُهُوضِهِ

انهد أي انهض و تقاعس أي أبطأ و تأخر. و المتكاره الذي يخرج إلى الجهاد من غير نية و بصيرة و إنما يخرج كارها مرتابا و مثل قوله

ع فإن المتكاره مغيبه خير من مشهده و قعوده أغنى من نهوضه قوله تعالى لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلّا خَبالًا

[14 : 33 ]

5- و من كتاب له ع إلى الأشعث بن قيس و هو عامل أذربيجان

وَ إِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَة وَ لَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَ أَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّة وَ لَا تُخَاطِرَ إِلَّا بِوَثِيقَة وَ فِي

يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَ أَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَيَّ وَ لَعَلِّي أَلَّا أَكُونَ شَرَّ وُلَاتِكَ لَكَ وَ السَّلَامُ

قد ذكرنا نسب أشعث بن قيس فيما تقدم. و أذربيجان اسم أعجمي غير مصروف الألف مقصورة و الذال ساكنة قال حبيب

و أذربيجان احتيال بعد ما كانت معرس عبرة و نكال

و قال الشماخ

تذكرتها وهنا و قد حال دونها قرى أذربيجان المسالح و الجال

و النسبة إليه أذري بسكون الذال هكذا القياس و لكن المروي عن أبي بكر في الكلام الذي قاله عند موته و لتألمن النوم على الصوف

الأذري بفتح الذال. و الطعمة بضم الطاء المهملة المأكلة و يقال فلان خبيث الطعمة أي رديء الكسب. و الطعمة بالكسر لهيئة

التطعم يقول إن عملك لم يسوغه الشرع و الوالي من قبلي إياه

[14 : 34 ]

و لا جعله لك أكلا و لكنه أمانة في يدك و عنقك للمسلمين و فوقك سلطان أنت له رعية فليس لك أن تفتات في الرعية الذين تحت

يدك يقال افتات فلان على فلان إذا فعل بغير إذنه ما سبيله أن يستأذنه فيه و أصله من الفوت و هو السبق كأنه سبقه إلى ذلك الأمر و

قوله و لا تخاطر إلا بوثيقة أي لا تقدم على أمر مخوف فيما يتعلق بالمال الذي تتولاه إلا بعد أن تتوثق لنفسك يقال أخذ فلان بالوثيقة

في أمره أي احتاط ثم قال له و لعلي لا أكون شر ولاتك و هو كلام يطيب به نفسه و يسكن به جأشه لأن في أول الكلام إيحاشا له إذ

كانت ألفاظه تدل على أنه لم يره أمينا على المال فاستدرك ذلك بالكلمة الأخيرة أي ربما تحمد خلافتي و ولايتي عليك و تصادف مني

إحسانا إليك أي عسى ألا يكون شكرك لعثمان و من قبله أكثر من شكرك لي و هذا من باب وعدك الخفي و تسميه العرب الملث. و

أول هذا الكتاب

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأشعث بن قيس أما بعد فلو لا هنات و هنات كانت منك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس و

لعل أمرا كان يحمل بعضه بعضا إن اتقيت الله عز و جل و قد كان من بيعة الناس إياي ما قد علمت و كان من أمر طلحة و الزبير ما قد

بلغك فخرجت إليهما فأبلغت في الدعاء و أحسنت في البقية و إن عملك ليس لك بطعمة

إلى آخر الكلام و هذا الكتاب كتبه إلى الأشعث بن قيس بعد انقضاء الجمل

[14 : 35 ]

6- و من كتاب له ع إلى معاوية

إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَ لَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ وَ إِنَّمَا

الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْ بِدْعَة رَدُّوهُ

إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتَّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَ لَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ

لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَ لَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَة عَنْهُ إِلَّا أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ وَ السَّلَامُ

قد تقدم ذكر هذا الكلام في أثناء اقتصاص مراسلة أمير المؤمنين ع معاوية بجرير بن عبد الله البجلي و قد ذكره أرباب السيرة كلهم و

أورده شيوخنا المتكلمون في كتبهم احتجاجا على صحة الاختيار و كونه طريقا إلى الإمامة و أول الكتاب

أما بعد فإن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا

إلى آخر الفصل.

[14 : 36 ]

و المشهور المروي فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة أي رغبة عن ذلك الإمام الذي وقع الاختيار له. و المروي بعد قوله ولاه

الله بعد ما تولى

و أصلاه جهنم و ساءت مصيرا و إن طلحة و الزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي فكان نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق و

ظهر أمر الله و هم كارهون فادخل فيما دخل فيه المسلمون فإن أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء فإن تعرضت له

قاتلتك و استعنت بالله عليك و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل الناس فيه ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب

الله فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن و لعمري يا معاوية إن نظرت بعقلك

إلى آخر الكلام. و بعده و اعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة و لا تعترض بهم الشورى و قد أرسلت إليك جرير بن عبد

الله البجلي و هو من أهل الإيمان و الهجرة فبايع و لا قوة إلا بالله. و اعلم أن هذا الفصل دال بصريحه على كون الاختيار طريقا إلى

الإمامة كما يذكره أصحابنا المتكلمون لأنه احتج على معاوية ببيعة أهل الحل و العقد له و لم يراع في ذلك إجماع المسلمين كلهم

و قياسه على بيعة أهل الحل و العقد لأبي بكر فإنه ما روعي فيها إجماع المسلمين لأن سعد بن عبادة لم يبايع و لا أحد من أهل بيته

و ولده و لأن عليا و بني هاشم و من انضوى إليهم لم يبايعوا في مبدإ الأمر و امتنعوا و لم يتوقف المسلمون في تصحيح إمامة أبي

بكر و تنفيذ أحكامه على بيعتهم و هذا دليل على صحة الاختيار و كونه طريقا إلى الإمامة و أنه لا يقدح في إمامته ع امتناع معاوية من

البيعة و أهل الشام فأما الإمامية فتحمل هذا الكتاب منه ع على التقية و تقول إنه ما كان يمكنه

[14 : 37 ]

أن يصرح لمعاوية في مكتوبه بباطن الحال و يقول له أنا منصوص علي من رسول الله ص و معهود إلى المسلمين أن أكون خليفة

فيهم بلا فصل فيكون في ذلك طعن على الأئمة المتقدمين و تفسد حاله مع الذين بايعوه من أهل المدينة و هذا القول من الإمامية

دعوى لو عضدها دليل لوجب أن يقال بها و يصار إليها و لكن لا دليل لهم على ما يذهبون إليه من الأصول التي تسوقهم إلى حمل هذا

الكلام على التقية. فأما قوله ع و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على

كتاب الله فيجب أن يذكر في شرحه ما يقول المتكلمون في هذه الواقعة قال أصحابنا المعتزلة رحمهم الله هذا الكلام حق و صواب

لأن أولياء الدم يجب أن يبايعوا الإمام و يدخلوا تحت طاعته ثم يرفعوا خصومهم إليه فإن حكم بالحق استديمت إمامته و إن حاد عن

الحق انقضت خلافته و أولياء عثمان الذين هم بنوه لم يبايعوا عليا ع و لا دخلوا تحت طاعته ثم و كذلك معاوية ابن عم عثمان لم

يبايع و لا أطاع فمطالبتهم له بأن يقتص لهم من قاتلي عثمان قبل بيعتهم إياه و طاعتهم له ظلم منهم و عدوان. فإن قلت هب أن

القصاص من قتلة عثمان موقوف على ما ذكره ع أ ما كان يجب عليه لا من طريق القصاص أن ينهى عن المنكر و أنتم تذهبون إلى أن

النهي عن المنكر واجب على من هو سوقة فكيف على الإمام الأعظم قلت هذا غير وارد هاهنا لأن النهي عن المنكر إنما يجب قبل وقوع

المنكر لكيلا يقع فإذا وقع المنكر فأي نهي يكون عنه و قد نهى علي ع أهل مصر و غيرهم عن قتل عثمان قبل قتله مرارا و نابذهم

بيده و لسانه و بأولاده فلم يغن

[14 : 38 ]

شيئا و تفاقم الأمر حتى قتل و لا يجب بعد القتل إلا القصاص فإذا امتنع أولياء الدم من طاعة الإمام لم يجب عليه أن يقتص من

القاتلين لأن القصاص حقهم و قد سقط ببغيهم على الإمام و خروجهم عن طاعته و قد قلنا نحن فيما تقدم أن القصاص إنما يجب على

من باشر القتل و الذين باشروا قتل عثمان قتلوا يوم قتل عثمان في دار عثمان و الذين كان معاوية يطالبهم بدم عثمان لم يباشروا

القتل و إنما كثروا السواد و حصروه عثمان في الدار و أجلبوا عليه و شتموه و توعدوه و منهم من تسور عليه داره و لم ينزل إليه و

منهم من نزل فحضر محضر قتله و لم يشرك فيه و كل هؤلاء لا يجب عليهم القصاص في الشرع

جرير بن عبد الله البجلي عند معاوية

و قد ذكرنا فيما تقدم شرح حال جرير بن عبد الله البجلي في إرسال علي ع إياه إلى معاوية مستقصى و ذكر الزبير بن بكار في

الموفقيات أن عليا ع لما بعث جريرا إلى معاوية خرج و هو لا يرى أحدا قد سبقه إليه قال فقدمت على معاوية فوجدته يخطب الناس و

هم حوله يبكون حول قميص عثمان و هو معلق على رمح مخضوب بالدم و عليه أصابع زوجته نائلة بنت الفرافصة مقطوعة فدفعت إليه

كتاب علي ع و كان معي في الطريق رجل يسير بسيري و يقيم بمقامي فمثل بين يديه في تلك الحال و أنشده

إن بني عمك عبد المطلب هم قتلوا شيخكم غير كذب

و أنت أولى الناس بالوثب فثب

و قد ذكرنا تمام هذه الأبيات فيما تقدم.

[14 : 39 ]

قال ثم دفع إليه كتابا من الوليد بن عقبة بن أبي معيط و هو أخو عثمان لأمه كتبه مع هذا الرجل من الكوفة سرا أوله

معاوي إن الملك قد جب غاربه

الأبيات التي ذكرنا فيما تقدم. قال فقال لي معاوية أقم فإن الناس قد نفروا عند قتل عثمان حتى يسكنوا فأقمت أربعة أشهر ثم جاءه

كتاب آخر من الوليد بن عقبة أوله

ألا أبلغ معاوية بن حرب فإنك من أخي ثقة مليم

قطعت الدهر كالسدم المعنى تهدر في دمشق و لا تريم

و إنك و الكتاب إلى علي كدابغة و قد حلم الأديم

فلو كنت القتيل و كان حيا لشمر لا ألف و لا سئوم

قال فلما جاءه هذا الكتاب وصل بين طومارين أبيضين ثم طواهما و كتب عنوانهما

[14 : 40 ]

من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب و دفعهما إلي لا أعلم ما فيهما و لا أظنهما إلا جوابا و بعث معي رجلا من بني عبس لا

أدري ما معه فخرجنا حتى قدمنا إلى الكوفة و اجتمع الناس في المسجد لا يشكون أنها بيعة أهل الشام فلما فتح علي ع الكتاب لم

يجد شيئا و قام العبسي فقال من هاهنا من أحياء قيس و أخص من قيس غطفان و أخص من غطفان عبسا إني أحلف بالله لقد تركت تحت

قميص عثمان أكثر من خمسين ألف شيخ خاضبي لحاهم بدموع أعينهم متعاقدين متحالفين ليقتلن قتلته في البر و البحر و إني أحلف

بالله ليقتحمنها عليكم ابن أبي سفيان بأكثر من أربعين ألفا من خصيان الخيل فما ظنكم بعد بما فيها من الفحول ثم دفع إلى علي ع

كتابا من معاوية ففتحه فوجد فيه

أتاني أمر فيه للنفس غمة و فيه اجتداع للأنوف أصيل

مصاب أمير المؤمنين و هده تكاد لها صم الجبال تزول

و قد ذكرنا هذا الشعر فيما تقدم

[14 : 41 ]

7- و من كتاب منه ع إليه أيضا

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَتْنِي مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ وَ رِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ نَمَّقْتَهَا بِضَلَالِكَ وَ أَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِكَ وَ كِتَابُ امْرِئ لَيْسَ لَهُ بَصَرٌ يَهْدِيهِ وَ لَا قَائِدٌ

يُرْشِدُهُ قَدْ دَعَاهُ الْهَوَى فَأَجَابَهُ وَ قَادَهُ الضَّلَالُ فَاتَّبَعَهُ فَهَجَرَ لَاغِطاً وَ ضَلَّ خَابِطاً

موعظة موصلة أي مجموعة الألفاظ من هاهنا و هاهنا و ذلك عيب في الكتابة و الخطابة و إنما الكاتب من يرتجل فيقول قولا فصلا أو

يروي فيأتي بالبديع المستحسن و هو في الحالين كليهما ينفق من كيسه و لا يستعير كلام غيره. و الرسالة المحبرة المزينة الألفاظ

كأنه ع يشير إلى أنه قد كان يظهر عليها أثر التكلف و التصنع. و التنميق التزيين أيضا. و هجر الرجل أي هذى و منه قوله تعالى في

أحد التفسيرين إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً. و اللاغط ذو اللغط و هو الصوت و الجلبة.

[14 : 42 ]

و خبط البعير فهو خابط إذا مشى ضالا فحبط بيديه كل ما يلقاه و لا يتوقى شيئا. و هذا الكتاب كتبه علي ع جوابا عن كتاب كتبه

معاوية إليه في أثناء حرب صفين بل في أواخرها و كان كتاب معاوية من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد

فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ

و إني أحذرك الله أن تحبط عملك و سابقتك بشق عصا هذه الأمة و تفريق جماعتها فاتق الله و اذكر موقف القيامة و أقلع عما أسرفت

فيه من الخوض في دماء المسلمين و

إني سمعت رسول الله ص يقول لو تمالأ أهل صنعاء و عدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبهم الله على مناخرهم في النار

فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين و سادات المهاجرين بله ما طحنت رحى حربه من أهل القرآن و ذي العبادة و الإيمان من

شيخ كبير و شاب غرير كلهم بالله تعالى مؤمن و له مخلص و برسوله مقر عارف فإن كنت أبا حسن إنما تحارب على الإمرة و الخلافة

فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين و لكنها ما صحت لك أنى بصحتها و أهل الشام لم يدخلوا فيها

و لم يرتضوا بها و خف الله و سطواته و اتق بأسه و نكاله و أغمد سيفك عن الناس فقد و الله أكلتهم الحرب فلم يبق منهم إلا كالثمد

في قرارة الغدير و الله المستعان.

فكتب علي ع إليه جوابا عن كتابه

[14 : 43 ]

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة و رسالة محبرة نمقتها بضلالك و

أمضيتها بسوء رأيك و كتاب امرئ ليس له بصر يهديه و لا قائد يرشده دعاه الهوى فأجابه و قاده الضلال فاتبعه فهجر لاغطا و ضل

خابطا فأما أمرك لي بالتقوى فأرجو أن أكون من أهلها و أستعيذ بالله من أن أكون من الذين إذا أمروا بها أخذتهم العزة بالإثم و أما

تحذيرك إياي أن يحبط عملي و سابقتي في الإسلام فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان لك أن تحذرني ذلك و لكني وجدت الله تعالى

يقول فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ فنظرنا إلى الفئتين أما الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها لأن بيعتي

بالمدينة لزمتك و أنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة و أنت أمير لعمر على الشام و كما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر و هو أمير

لأبي بكر على الشام و أما شق عصا هذه الأمة فأنا أحق أن أنهاك عنه فأما تخويفك لي من قتل أهل البغي فإن رسول الله ص أمرني

بقتالهم و قتلهم و قال لأصحابه إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله و أشار إلي و أنا أولى من اتبع أمره و أما

قولك إن بيعتي لم تصح لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها كيف و إنما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر و الغائب لا يثنى فيها النظر و لا

يستأنف فيها الخيار الخارج منها طاعن و المروي فيها مداهن فاربع على ظلعك و انزع سربال غيك و اترك ما لا جدوى له عليك فليس

لك عندي إلا السيف حتى تفيء إلى أمر الله صاغرا و تدخل في البيعة راغما و السلام

[14 : 44 ]

وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُثَنَّى فِيهَا النَّظَرُ وَ لَا يُسْتَأْنَفُ فِيهَا الْخِيَارُ الْخَارِجُ مِنْهَا طَاعِنٌ وَ الْمُرَوِّي فِيهَا مُدَاهِنٌ

لا يثنى فيها النظر أي لا يعاود و لا يراجع ثانية و لا يستأنف فيها الخيار ليس بعد عقدها خيار لمن عقدها و لا لغيرهم لأنها تلزم غير

العاقدين كما تلزم العاقدين فيسقط الخيار فيها الخارج منها طاعن على الأمة لأنهم أجمعوا على أن الاختيار طريق الإمامة. و المروي

فيها مداهن أي الذي يرتئي و يبطئ عن الطاعة و يفكر و أصله من الروية و المداهن المنافق

[14 : 45 ]

8- و من كتاب له ع إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْفَصْلِ وَ خُذْهُ بِالْأَمْرِ الْجَزْمِ ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْب مُجْلِيَة أَوْ سِلْم مُخْزِيَة فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ

فَانْبِذْ إِلَيْهِ وَ إِنِ اخْتَارَ السِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ وَ السَّلَامُ

قد تقدم ذكر نسب جرير بن عبد الله البجلي. و قوله ع فاحمل معاوية على الفصل أي لا تتركه متلكئا مترددا يطمعك تارة و يؤيسك

أخرى بل احمله على أمر فيصل إما البيعة أو أن يأذن بالحرب. و كذلك قوله و خذه بالأمر الجزم أي الأمر المقطوع به لا تكن ممن

يقدم رجلا و يؤخر أخرى و أصل الجزم القطع. و حرب مجلية تجلي المقهورين فيها عن ديارهم أي تخرجهم. و سلم مخزية أي فاضحة

و إنما جعلها مخزية لأن معاوية امتنع أولا من البيعة فإذا دخل في السلم فإنما يدخل فيها بالبيعة و إذا بايع بعد الامتناع فقد دخل

تحت الهضم و رضي بالضيم و ذلك هو الخزي.

[14 : 46 ]

قوله فانبذ إليه من قوله تعالى فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواء و أصله العهد و الهدنة و عقد الحلف يكون بين الرجلين أو بين القبيلتين ثم

يبدو لهما في ذلك فينتقلان إلى الحرب فينبذ أحدهما إلى الآخر عهده كأنه كتاب مكتوب بينهما قد نبذه أحدهما يوم الحرب و أبطله

فاستعير ذلك للمجاهرة بالعداوة و المكاشفة و نسخ شريعة السلام السابقة بالحرب المعاقبة لها

[14 : 47 ]

9- و من كتاب له ع إلى معاوية

فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا وَ اجْتِيَاحَ أَصْلِنَا وَ هَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ وَ فَعَلُوا بِنَا الْأَفَاعِيلَ وَ مَنَعُونَا الْعَذْبَ وَ أَحْلَسُونَا الْخَوْفَ وَ اضْطَرُّونَا إِلَى

جَبَل وَعْر وَ أَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْحَرْبِ فَعَزَمَ اللَّهُ لَنَا عَلَى الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ وَ الرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حَوْمَتِهِ مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذَلِكَ الْأَجْرِ وَ كَافِرُنَا يُحَامِي

عَنِ الْأَصْلِ وَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْش خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْف يَمْنَعُهُ أَوْ عَشِيرَة تَقُومُ دُونَهُ فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْن وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا

احْمَرَّ الْبَأْسُ وَ أَحْجَمَ النَّاسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَ الْأَسِنَّةِ فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْر وَ قُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ

أُحُد وَ قُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَ أَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ وَ لَكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ وَ مَنِيَّتَهُ أُخِّرَتْ فَيَا عَجَباً

لِلدَّهْرِ إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي الَّتِي لَا يُدْلِي أَحَدٌ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّع مَا لَا أَعْرِفُهُ وَ لَا أَظُنُّ اللَّهَ

يَعْرِفُهُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَال وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إِلَيْكَ فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَ لَا إِلَى

غَيْرِكَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَيِّكَ وَ شِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيل يَطْلُبُونَكَ لَا يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرّ وَ لَا بَحْر وَ لَا جَبَل

[14 : 48 ]

وَ لَا سَهْل إِلَّا أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوءُكَ وِجْدَانُهُ وَ زَوْرٌ لَا يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ وَ السَّلَامُ لِأَهْلِهِ

قوله ع فأراد قومنا يعني قريشا. و الاجتياح الاستئصال و منه الجائحة و هي السنة أو الفتنة التي تجتاح المال أو الأنفس. قوله و

منعونا العذب أي العيش العذب لا أنهم منعوهم الماء العذب على أنه قد نقل أنهم منعوا أيام الحصار في شعب بني هاشم من الماء

العذب و سنذكر ذلك. قوله و أحلسونا الخوف أي ألزموناه و الحلس كساء رقيق يكون تحت برذعة البعير و أحلاس البيوت ما يبسط

تحت حر الثياب و

في الحديث كن حلس بيتك

أي لا تخالط الناس و اعتزل عنهم فلما كان الحلس ملازما ظهر البعير و أحلاس البيوت ملازمة لها قال و أحلسونا الخوف أي جعلوه لنا

كالحلس الملازم. قوله و اضطرونا إلى جبل وعر مثل ضربه ع لخشونة مقامهم و شظف منزلهم أي كانت حالنا فيه كحال من اضطر

إلى ركوب جبل وعر و يجوز أن يكون حقيقة لا مثلا لأن الشعب الذي حصروهم فيه مضيق بين جبلين. قوله فعزم الله لنا أي قضى الله

لنا و وفقنا لذلك و جعلنا عازمين عليه. و الحوزة الناحية و حوزة الملك بيضته.

[14 : 49 ]

و حومة الماء و الرمل معظمه. و الرمي عنها المناضلة و المحاماة و يروى و الرمي من وراء حرمته و الضمير في حوزته و حومته راجع

إلى النبي ص و قد سبق ذكره و هو قوله نبينا و يروى و الرميا. و قال الراوندي و هموا بنا الهموم أي هموا نزول الهم بنا فحذف

المضاف و أقام المضاف إليه مقامه و ليس ما قاله بجيد بل الهموم منصوب هاهنا على المصدر أي هموا بنا هموما كثيرة و هموا بنا أي

أرادوا نهبنا كقوله تعالى وَ هَمَّ بِها على تفسير أصحابنا و إنما أدخل لام التعريف في الهموم أي هموا بنا تلك الهموم التي تعرفونها

فأتى باللام ليكون أعظم و أكبر في الصدور من تنكيرها أي تلك الهموم معروفة مشهورة بين الناس لتكرر عزم المشركين في أوقات

كثيرة مختلفة على الإيقاع. و قوله و فعلوا بنا الأفاعيل يقال لمن أثروا آثارا منكرة فعلوا بنا الأفاعيل و قل أن يقال ذلك في غير

الضرر و الأذى و منه قول أمية بن خلف لعبد الرحمن بن عوف و هو يذكر حمزة بن عبد المطلب يوم بدر ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.

قوله يحامي عن الأصل أي يدافع عن محمد و يذب عنه حمية و محافظة على النسب. قوله خلو مما نحن فيه أي خال و الحلف العهد.

و احمر البأس كلمة مستعارة أي اشتدت الحرب حتى احمرت الأرض من الدم فجعل البأس هو الأحمر مجازا كقولهم الموت الأحمر.

[14 : 50 ]

قوله و أحجم الناس أي كفوا عن الحرب و جبنوا عن الإقدام يقال حجمت فلانا عن كذا أحجمه بالضم فأحجم هو و هذه اللفظة من

النوادر كقولهم كببته فأكب. و يوم مؤتة بالهمز و مؤتة أرض معروفة. و قوله و أراد من لو شئت لذكرت اسمه يعني به نفسه. قوله إذ

صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي إشارة إلى معاوية في الظاهر و إلى من تقدم عليه من الخلفاء في الباطن و الدليل عليه قوله التي لا

يدلي أحد بمثلها فأطلق القول إطلاقا عاما مستغرقا لكل الناس أجمعين. ثم قال إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه و لا أظن الله يعرفه أي

كل من ادعى خلاف ما ذكرته فهو كاذب لأنه لو كان صادقا لكان علي ع يعرفه لا محالة فإذا قال عن نفسه إن كل دعوة تخالف ما ذكرت

فإني لا أعرف صحتها فمعناه أنها باطلة. و قوله و لا أظن الله يعرفه فالظن هاهنا بمعنى العلم كقوله تعالى وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ

فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها و أخرج هذه الكلمة مخرج قوله تعالى قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ و ليس

المراد سلب العلم بل العلم بالسلب كذلك ليس مراده ع سلب الظن الذي هو بمعنى العلم بل ظن السلب أي علم السلب أي و أعلم

أن الله سبحانه يعرف انتفاءه و كل ما يعلم الله انتفاءه فليس بثابت. و قال الراوندي قوله ع و لا أظن الله يعرفه مثل قوله تعالى وَ

لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ.

[14 : 51 ]

و الله يعلم كل شيء قبل وجوده و إنما معناه حتى نعلم جهادهم موجودا و ليست هذه الكلمة من الآية بسبيل لتجعل مثالا لها و لكن

الراوندي يتكلم بكل ما يخطر له من غير أن يميز ما يقول. و تقول أدلى فلان بحجته أي احتج بها و فلان مدل برحمه أي مت بها و

أدلى بماله إلى الحاكم دفعه إليه ليجعله وسيلة إلى قضاء حاجته منه فأما الشفاعة فلا يقال فيها أدليت و لكن دلوت بفلان أي

استشفعت به و قال عمر لما استسقى بالعباس رحمه الله اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك و قفية آبائه و كبر رجاله دلونا به إليك

مستشفعين قوله ع فلم أره يسعني أي لم أر أنه يحل لي دفعهم إليك و الضمير في أره ضمير الشأن و القصة و أره من الرأي لا من

الرؤية كقولك لم أر الرأي الفلاني. و نزع فلان عن كذا أي فارقه و تركه ينزع بالكسر و الغي الجهل و الضلال. و الشقاق الخلاف.

الوجدان مصدر وجدت كذا أي أصبته و الزور الزائر. و اللقيان مصدر لقيت تقول لقيته لقاء و لقيانا. ثم قال و السلام لأهله لم يستجز

في الدين أن يقول له و السلام عليك لأنه عنده فاسق لا يجوز إكرامه فقال و السلام لأهله أي على أهله. و يجب أن نتكلم في هذا

الفصل في مواضع منها ذكر ما جاء في السيرة من إجلاب قريش على رسول الله ص و بني هاشم و حصرهم في الشعب.

[14 : 52 ]

و منها الكلام في المؤمنين و الكافرين من بني هاشم الذين كانوا في الشعب محصورين معه ص من هم. و منها شرح قصة بدر. و منها

شرح غزاة أحد. و منها شرح غزاة مؤتة

الفصل الأول إجلاب قريش على بني هاشم و حصرهم في الشعب

فأما الكلام في الفصل الأول فنذكر منه ما ذكره محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة و المغازي فإنه كتاب معتمد عند أصحاب

الحديث و المؤرخين و مصنفه شيخ الناس كلهم. قال محمد بن إسحاق رحمه الله لم يسبق عليا ع إلى الإيمان بالله و رسالة محمد ص

أحد من الناس اللهم إلا أن تكون خديجة زوجة رسول الله ص قال و قد كان ص يخرج و معه علي مستخفين من الناس فيصليان

الصلوات في بعض شعاب مكة فإذا أمسيا رجعا فمكثا بذلك ما شاء الله أن يمكثا لا ثالث لهما ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما و هما

يصليان فقال لمحمد ص يا ابن أخي ما هذا الذي تفعله فقال أي عم هذا دين الله و دين ملائكته و رسله و دين أبينا إبراهيم أو كما قال

ع بعثني الله به رسولا إلى العباد و أنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة و دعوته إلى الهدى و أحق من أجابني إليه و أعانني عليه أو

كما قال فقال أبو طالب إني لا أستطيع يا ابن أخي أن أفارق

[14 : 53 ]

ديني و دين آبائي و ما كانوا عليه و لكن و الله لا يخلص إليك شيء تكرهه ما بقيت فزعموا أنه قال لعلي أي بني ما هذا الذي تصنع قال

يا أبتاه آمنت بالله و رسوله و صدقته فيما جاء به و صليت إليه و اتبعت قول نبيه فزعموا أنه قال له أما إنه لا يدعوك أو لن يدعوك

إلا إلى خير فالزمه. قال ابن إسحاق ثم أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله ص فكان أول من أسلم و صلى معه بعد علي بن أبي طالب

ع. ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة فكان ثالثا لهما ثم أسلم عثمان بن عفان و طلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعد بن أبي وقاص

فصاروا ثمانية فهم الثمانية الذين سبقوا الناس إلى الإسلام بمكة ثم أسلم بعد هؤلاء الثمانية أبو عبيدة بن الجراح و أبو سلمة بن

عبد الأسد و أرقم بن أبي أرقم ثم انتشر الإسلام بمكة و فشا ذكره و تحدث الناس به و أمر الله رسوله أن يصدع بما أمر به فكانت مدة

إخفاء رسول الله ص نفسه و شأنه إلى أن أمر بإظهار الدين ثلاث سنين فيما بلغني. قال محمد بن إسحاق و لم تكن قريش تنكر أمره

حينئذ كل الإنكار حتى ذكر آلهتهم و عابها فأعظموا ذلك و أنكروه و أجمعوا على عداوته و خلافه و حدب عليه عمه أبو طالب فمنعه و

قام دونه حتى مضى مظهرا لأمر الله لا يرده عنه شيء قال فلما رأت قريش محاماة أبي طالب عنه و قيامه دونه و امتناعه من أن يسلمه

مشى إليه رجال من أشراف قريش منهم عتبة بن ربيعة و شيبة أخوه و أبو سفيان بن حرب و أبو البختري بن هشام و الأسود بن

المطلب و الوليد بن المغيرة و أبو جهل عمرو بن هشام

[14 : 54 ]

و العاص بن وائل و نبيه و منبه ابنا الحجاج و أمثالهم من رؤساء قريش فقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا و عاب ديننا و

سفه أحلامنا و ضلل آراءنا فإما أن تكفه عنا و إما أن تخلي بيننا و بينه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا و ردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه

و مضى رسول الله ص على ما هو عليه يظهر دين الله و يدعو إليه ثم شرق الأمر بينه و بينهم تباعدا و تضاغنا حتى أكثرت قريش ذكر

رسول الله ص بينها و تذامروا فيه و حض بعضهم بعضا عليه فمشوا إلى أبي طالب مرة ثانية فقالوا يا أبا طالب إن لك سنا و شرفا و

منزلة فينا و إنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا و إنا و الله لا نصبر على شتم آبائنا و تسفيه أحلامنا و عيب آلهتنا فإما أن

تكفه عنا أو ننازله و إياك حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا فعظم على أبي طالب فراق قومه و عداوتهم و لم تطب نفسه بإسلام

ابن أخيه لهم و خذلانه فبعث إليه فقال يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا و كذا للذي قالوا فأبق علي و على نفسك و لا

تحملني من الأمر ما لا أطيقه قال فظن رسول الله ص أنه قد بدا لعمه فيه بداء و أنه خاذله و مسلمه و أنه قد ضعف عن نصرته و القيام

دونه فقال يا عم و الله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك ثم

استعبر باكيا و قام فلما ولى ناداه أبو طالب أقبل يا ابن أخي فأقبل راجعا فقال له اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك

لشيء أبدا.

[14 : 55 ]

قال ابن إسحاق و قال أبو طالب يذكر ما أجمعت عليه قريش من حربه لما قام بنصر محمد ص

و الله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا

فانفذ لأمرك ما عليك مخافة و ابشر و قر بذاك منه عيونا

و دعوتني و زعمت أنك ناصحي و لقد صدقت و كنت قبل أمينا

و عرضت دينا قد علمت بأنه من خير أديان البرية دينا

لو لا الملامة أو حذاري سبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا

قال محمد بن إسحاق ثم إن قريشا حين عرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله ص و إسلامه إليهم و رأوا إجماعه على مفارقتهم

و عداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي و كان أجمل فتى في قريش فقالوا له يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد

أبهى فتى في قريش و أجمله فخذه إليك فاتخذه ولدا فهو لك و أسلم لنا هذا ابن أخيك الذي قد خالف دينك و دين آبائك و فرق جماعة

قومك لنقتله فإنما هو رجل برجل فقال أبو طالب و الله ما أنصفتموني تعطوني ابنكم أغذوه لكم و أعطيكم ابني تقتلونه هذا و الله

ما لا يكون أبدا فقال له المطعم بن عدي بن نوفل و كان له صديقا مصافيا و الله يا أبا طالب ما أراك تريد أن تقبل من قومك شيئا

لعمري قد جهدوا في التخلص مما تكره و أراك لا تنصفهم فقال أبو طالب و الله ما أنصفوني و لا أنصفتني و لكنك قد أجمعت على

خذلاني و مظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك

[14 : 56 ]

قال فعند ذلك تنابذ القوم و صارت الأحقاد و نادى بعضهم بعضا و تذامروا بينهم على من في القبائل من المسلمين الذين اتبعوا

محمدا ص فوثبت كل قبيلة على من فيها منهم يعذبونهم و يفتنونهم عن دينهم و منع الله رسوله منهم بعمه أبي طالب و قام في بني

هاشم و بني عبد المطلب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله ص و القيام دونه فاجتمعوا إليه و

قاموا معه و أجابوه إلى ما دعاهم إليه من الدفاع عن رسول الله ص إلا ما كان من أبي لهب فإنه لم يجتمع معهم على ذلك فكان أبو

طالب يرسل إليه الأشعار و يناشده النصر منها القطعة التي أولها

حديث عن أبي لهب أتانا و كانفه على ذاكم رجال

و منها القطعة التي أولها

أ ظننت عني قد خذلت و غالني منك الغوائل بعد شيب المكبر

و منها القطعة التي أولها

تستعرض الأقوام توسعهم عذرا و ما إن قلت من عذر

قال محمد بن إسحاق فلم يؤثر عن أبي لهب خير قط إلا ما يروى أن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي لما وثب عليه قومه ليعذبوه و

يفتنوه عن الإسلام هرب منهم فاستجار بأبي طالب و أم أبي طالب مخزومية و هي أم عبد الله والد رسول الله ص فأجاره فمشى إليه

رجال من بني مخزوم و قالوا له يا أبا طالب هبك منعت منا ابن أخيك محمدا فما لك و لصاحبنا تمنعه منا قال إنه استجار بي و هو ابن

أختي و إن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي فارتفعت أصواتهم و أصواته فقام أبو لهب و لم ينصر أبا طالب قبلها و لا بعدها

فقال يا معشر قريش و الله لقد أكثرتم على هذا

السابق

التالي