السابق

التالي

[12 : 101 ]

بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فلما أشهدهم و أقروا له أنه الرب عز و جل و أنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق ثم ألقمه هذا الحجر و أن له لعينين و لسانا و شفتين

تشهد لمن وافاه بالموافاة فهو أمين الله عز و جل في هذا المكان فقال عمر لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن. قلت قد وجدنا

في الآثار و الأخبار في سيرة عمر أشياء تناسب قوله في هذا الحجر الأسود كما أمر بقطع الشجرة التي بويع رسول الله ص تحتها بيعة

الرضوان في عمرة الحديبية لأن المسلمين بعد وفاة رسول الله ص كانوا يأتونها فيقيلون تحتها فلما تكرر ذلك أوعدهم عمر فيها ثم

أمر بها فقطعت. و روى المغيرة بن سويد قال خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ

و لِإِيلافِ قُرَيْش فلما فرغ رأى الناس يبادرون إلى مسجد هناك فقال ما بالهم قالوا مسجد صلى فيه النبي ص و الناس يبادرون إليه

فناداهم فقال هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا من عرضت له صلاة في هذا المسجد فليصل و من لم تعرض له

صلاة فليمض. و أتى رجل من المسلمين إلى عمر فقال أنا لما فتحنا المدائن أصبنا كتابا فيه علم من علوم الفرس و كلام معجب فدعا

بالدرة فجعل يضربه بها ثم قرأ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ و يقول ويلك أ قصص أحسن من كتاب الله إنما هلك

[12 : 102 ]

من كان قبلكم لأنهم أقبلوا على كتب علمائهم و أساقفتهم و تركوا التوراة و الإنجيل حتى درسا و ذهب ما فيهما من العلم. و جاء رجل

إلى عمر فقال إن ضبيعا التميمي لقينا يا أمير المؤمنين فجعل يسألنا عن تفسير حروف من القرآن فقال اللهم أمكني منه فبينا عمر

يوما جالس يغدي الناس إذ جاءه الضبيع و عليه ثياب و عمامة فتقدم فأكل حتى إذا فرغ قال يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى وَ

الذّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً قال ويحك أنت هو فقام إليه فحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فإذا له ضفيرتان

فقال و الذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ثم أمر به فجعل في بيت ثم كان يخرجه كل يوم فيضربه مائة فإذا برأ

أخرجه فضربه مائة أخرى ثم حمله على قتب و سيره إلى البصرة و كتب إلى أبي موسى يأمره أن يحرم على الناس مجالسته و أن يقوم

في الناس خطيبا ثم يقول إن ضبيعا قد ابتغى العلم فأخطأه فلم يزل وضيعا في قومه و عند الناس حتى هلك و قد كان من قبل سيد

قومه. و قال عمر على المنبر ألا إن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا ب آرائهم فضلوا و أضلوا ألا إنا

نقتدي و لا نبتدي و نتبع و لا نبتدع إنه ما ضل متمسك بالأثر و روى زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر يقول في الحج فيم

الرملان الآن و الكشف عن المناكب و قد أظهر الله الإسلام و نفى الكفر و أهله و مع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله

ص.

[12 : 103 ]

مر عمر برجل فسلم عليه فرد عليه فقال ما اسمك قال جمرة قال أبو من قال أبو شهاب قال ممن قال من الحرقة قال و أين مسكنك قال

بحرة النار قال بأيها قال بذات لظى فقال ويحك أدرك أهلك فقد احترقوا فمضى عليهم فوجدهم قد احترقوا. و روى الليث بن سعد قال

أتي عمر بفتى أمرد قد وجد قتيلا ملقى على وجه الطريق فسأل عن أمره و اجتهد فلم يقف له على خبر فشق عليه فكان يدعو و يقول

اللهم أظفرني بقاتله حتى إذا كان رأس الحول أو قريبا من ذلك وجد طفل مولود ملقى في موضع ذلك القتيل فأتي به عمر فقال ظفرت

بدم القتيل إن شاء الله تعالى فدفع الطفل إلى امرأة و قال لها قومي بشأنه و خذي منا نفقته و انظري من يأخذه منك فإذا وجدت

امرأة تقبله و تضمه إلى صدرها فأعلميني مكانها فلما شب الصبي جاءت جارية فقالت للمرأة إن سيدتي بعثتني إليك لتبعثي إليها بهذا

الصبي فتراه و ترده إليك قالت نعم اذهبي به إليها و أنا معك فذهبت بالصبي حتى دخلت على امرأة شابة فأخذت الصبي فجعلت تقبله

و تفديه و تضمه إليها و إذا هي بنت شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله ص فجاءت المرأة و أخبرت عمر فاشتمل على سيفه و أقبل

إلى منزلها فوجد أباها متكئا على الباب فقال له ما الذي تعلم من حال ابنتك قال أعرف الناس بحق الله و حق أبيها مع حسن صلاتها و

صيامها و القيام بدينها فقال إني أحب أن أدخل إليها و أزيدها رغبة في الخير فدخل الشيخ ثم خرج فقال ادخل يا أمير المؤمنين

فدخل و أمر أن يخرج كل من في الدار إلا أباها ثم سألها عن الصبي فلجلجت فقال لتصدقيني ثم انتضى السيف فقالت على رسلك يا

أمير المؤمنين فو الله لأصدقنك إن عجوزا كانت تدخل علي فاتخذتها أما و كانت تقوم في أمري بما تقوم به الوالدة و أنا لها بمنزلة

البنت

[12 : 104 ]

فمكثت كذلك حينا ثم قالت إنه قد عرض لي سفر و لي بنت أتخوف عليها بعدي الضيعة و أنا أحب أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري

ثم عمدت إلى ابن لها أمرد فهيأته و زينته كما تزين المرأة و أتتني به و لا أشك أنه جارية فكان يرى مني ما ترى المرأة من المرأة

فاغتفلني يوما و أنا نائمة فما شعرت به حتى علاني و خالطني فمددت يدي إلى شفرة كانت عندي فقتلته ثم أمرت به فألقي حيث رأيت

فاشتملت منه على هذا الصبي فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه هذا و الله خبرهما على ما أعلمتك فقال عمر صدقت بارك الله فيك ثم

أوصاها و وعظها و خرج و كان عمر يقول لو أدركت عروة و عفراء لجمعت بينهما. ذكر عمرو بن العاص يوما عمر فترحم عليه و قال ما

رأيت أحدا أتقي منه و لا أعمل بالحق منه لا يبالي على من وقع الحق من ولد أو والد إني لفي منزلي بمصر ضحى إذ أتاني آت فقال قدم

عبد الله و عبد الرحمن ابنا عمر غازيين فقلت أين نزلا قال في موضع كذا لأقصى مصر و قد كان عمر كتب إلي إياك و أن يقدم عليك

أحد من أهل بيتي فتجيزه أو تحبوه بأمر لا تصنعه بغيره فافعل بك ما أنت أهله فضقت ذرعا بقدومهما و لا أستطيع أن أهدي لهما و لا

أن آتيهما في منزلهما خوفا من أبيهما فو الله إني لعلى ما أنا عليه و إذا قائل يقول هذا عبد الرحمن بن عمر بالباب و أبو سروعة

يستأذنان عليك فقلت يدخلان فدخلا و هما منكسران فقالا أقم علينا حد الله فإنا أصبنا الليلة شرابا فسكرنا فزبرتهما و طردتهما و

قلت ابن أمير المؤمنين و آخر معه من أهل بدر فقال عبد الرحمن إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت عليه أنك لم تفعل فعلمت أني إن

لم أقم عليهما الحد غضب عمر و عزلني فنحن على ما نحن عليه

[12 : 105 ]

إذ دخل عبد الله بن عمر فقمت إليه و رحبت به و أردت أن أجلسه في صدر مجلسي فأبى علي و قال إن أبي نهاني أن أدخل عليك إلا ألا

أجد من الدخول بدا و إني لم أجد من الدخول عليك بدا إن أخي لا يحلق على رءوس الناس أبدا فأما الضرب فاصنع ما بدا لك قال و

كانوا يحلقون مع الحد فأخرجتهما إلى صحن الدار و ضربتهما الحد و دخل عبد الله بن عمر بأخيه عبد الرحمن إلى بيت من الدار

فحلق رأسه و حلق أبا سروعة و الله ما كتبت إلى عمر بحرف مما كان و إذا كتابه قد ورد من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي ابن

العاصي عجبت لك يا ابن العاصي و لجرأتك علي و مخالفتك عهدي أما إني خالفت فيك أصحاب بدر و من هو خير منك و اخترتك و أنت

الخامل و قدمتك و أنت المؤخر و أخبرني الناس بجرأتك و خلافك و أراك كما أخبروا و ما أراني إلا عازلك فمسيء عزلك ويحك

تضرب عبد الرحمن بن عمر في داخل بيتك و تحلق رأسه في داخل بيتك و قد عرفت أن في هذا مخالفتي و إنما عبد الرحمن رجل من

رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين و لكن قلت هو ولد أمير المؤمنين و قد عرفت ألا هوادة لأحد من الناس عندي في حق

يجب لله عز و جل فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع قال فبعثت به كما قال أبوه و أقرأت أخاه

عبد الله كتاب أبيهما و كتبت إلى عمر كتابا أعتذر فيه و أخبرته أني ضربته في صحن الدار و حلفت بالله الذي لا يحلف بأعظم منه أنه

الموضع الذي أقيم فيه الحدود على المسلم و الذمي و بعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر فذكر أسلم مولى عمر قال قدم عبد الله

بأخيه عبد الرحمن على أبيهما فدخل عليه في عباءة و هو لا يقدر على المشي من مركبه فقال يا عبد الرحمن فعلت و فعلت السياط

السياط فكلمه

[12 : 106 ]

عبد الرحمن بن عوف و قال يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد مرة فلم يلتفت إليه و زبره فأخذته السياط و جعل يصيح أنا مريض و

أنت و الله قاتلي فلم يرق له حتى استوفى الحد و حبسه ثم مرض شهرا و مات. و روى الزبير بن بكار قال خطب عمر أم كلثوم بنت علي

ع فقال له إنها صغيرة فقال زوجنيها يا أبا الحسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد فقال أنا أبعثها إليك فإن رضيتها زوجتكها

فبعثها إليه ببرد و قال لها قولي هذا البرد الذي ذكرته لك فقالت له ذلك فقال قولي له قد رضيته رضي الله عنك و وضع يده على ساقها

فقالت له أ تفعل هذا لو لا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ثم جاءت أباها فأخبرته الخبر و قالت بعثتني إلى شيخ سوء قال مهلا يا

بنية إنه زوجك فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين في الروضة و كان يجلس فيها المهاجرون الأولون فقال رفئوني رفئوني قالوا بما ذا

يا أمير المؤمنين قال تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب

سمعت رسول الله ص يقول كل سبب و نسب و صهر ينقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي و صهري

و كتب عثمان إلى أبي موسى إذا جاءك كتابي هذا فأعط الناس أعطياتهم و احمل ما بقي إلي ففعل و جاء زيد بن ثابت بالمال فوضعه

بين يدي عثمان فجاء ابن لعثمان فأخذ منه أستاندانة من فضة فمضى بها فبكى زيد قال عثمان ما يبكيك قال أتيت عمر مثل ما أتيتك به

فجاء ابن له فأخذ درهما فأمر به فانتزع منه حتى أبكى

[12 : 107 ]

الغلام و أن ابنك قد أخذ هذه فلم أر أحدا قال شيئا فقال عثمان إن عمر كان يمنع أهله و قرابته ابتغاء وجه الله و أنا أعطي أهلي و

أقاربي ابتغاء وجه الله و لن تلقى مثل عمر و روى إسماعيل بن خالد قال قيل لعثمان أ لا تكون مثل عمر قال لا أستطيع أن أكون مثل

لقمان الحكيم. ذكرت عائشة عمر فقالت كان أجودنا نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها. جاء عبد الله بن سلام بعد أن صلى الناس على

عمر فقال إن كنتم سبقتموني بالصلاة عليه فلا تسبقوني بالثناء عليه ثم قال نعم أخو الإسلام كنت يا عمر جوادا بالحق بخيلا بالباطل

ترضى حين الرضا و تسخط حين السخط لم تكن مداحا و لا معيابا طيب الطرف عفيف الطرف. و روى جويرية بن قدامة قال دخلت مع

أهل العراق على عمر حين أصيب فرأيته قد عصب بطنه بعمامة سوداء و الدم يسيل فقال له الناس أوصنا فقال عليكم بكتاب الله

فإنكم لن تضلوا ما اتبعتموه فأعدنا القول عليه ثانية أوصنا قال أوصيكم بالمهاجرين فإن الناس سيكثرون و يقلون و أوصيكم

بالأنصار فإنهم شعب الإسلام الذي لجأ إليه و أوصيكم بالأعراب فإنهم أصلكم الذي لجأتم إليه و مأواكم و أوصيكم بأهل الذمة

فإنهم عهد نبيكم و رزق عيالكم قوموا عني.

[12 : 108 ]

فلم أحفظ من كلامه إلا هذه الكلمات. و روى عمرو بن ميمون قال سمعت عمر و هو يقول و قد أشار إلى الستة و لم يكلم أحدا منهم إلا

علي بن أبي طالب و عثمان ثم أمرهم بالخروج فقال لمن كان عنده إذا اجتمعوا على رجل فمن خالف فلتضرب رقبته ثم قال إن يولوها

الأجلح يسلك بهم الطريق فقال له قائل فما يمنعك من العهد إليه قال أكره أن أتحملها حيا و ميتا

خطب عمر الطوال

و قال الجاحظ في كتاب البيان و التبيين لم يكن عمر من أهل الخطب الطوال و كان كلامه قصيرا و إنما صاحب الخطب الطوال علي

بن أبي طالب ع. و قد وجدت أنا لعمر خطبا فيها بعض الطول ذكرها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ. فمنها خطبة خطب

بها حين ولي الخلافة و هي بعد حمد الله و الثناء عليه و على رسوله أيها الناس إني وليت عليكم و لو لا رجاء أن أكون خيركم لكم و

أقواكم عليكم و أشدكم استضلاعا بما ينوب من مهم أموركم ما توليت ذلك منكم و لكفى عمر فيها مجزى العطاء موافقة الحساب

بأخذ حقوقكم كيف آخذها و وضعها أين أضعها

[12 : 109 ]

و بالسير فيكم كيف أسير فربي المستعان فإن عمر لم يصبح يثق بقوة و لا حيلة إن لم يتداركه الله برحمته و عونه. أيها الناس إن

الله قد ولاني أمركم و قد علمت أنفع ما لكم و أسأل الله أن يعينني عليه و أن يحرسني عنده كما حرسني عند غيره و أن يلهمني العدل

في قسمكم كالذي أمر به فإني امرؤ مسلم و عبد ضعيف إلا ما أعان الله و لن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئا إن شاء الله

إنما العظمة لله و ليس للعباد منها شيء فلا يقولن أحدكم إن عمر تغير منذ ولي و إني أعقل الحق من نفسي و أتقدم و أبين لكم أمري

فأيما رجل كانت له حاجة أو ظلم مظلمة أو عتب علينا في خلق فليؤذني فإنما أنا رجل منكم فعليكم بتقوى الله في سركم و علانيتكم

و حرماتكم و أعراضكم و أعطوا الحق من أنفسكم و لا يحمل بعضكم بعضا على ألا تتحاكموا إلي فإنه ليس بيني و بين أحد هوادة و

أنا حبيب إلى صلاحكم عزيز على عنتكم و أنتم أناس عامتكم حضر في بلاد الله و أهل بلد لا زرع فيه و لا ضرع إلا ما جاء الله به إليه و

إن الله عز و جل قد وعدكم كرامة كبيرة و أنا مسئول عن أمانتي و ما أنا فيه و مطلع على ما يحضرني بنفسي إن شاء الله لا أكله إلى

أحد و لا أستطيع ما بعد منه إلا بالأمناء و أهل النصح منكم للعامة و لست أحمل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله. و خطب عمر مرة

أخرى فقال بعد حمد الله و الصلاة على رسول الله ص

[12 : 110 ]

أيها الناس إن بعض الطمع فقر و إن بعض اليأس غنى و إنكم تجمعون ما لا تأكلون و تؤملون ما لا تدركون و أنتم مؤجلون في دار

غرور و قد كنتم على عهد رسول الله ص تؤخذون بالوحي و من أسر شيئا أخذ بسريرته و من أعلن شيئا أخذ بعلانيته فأظهروا لنا حسن

أخلاقكم و الله أعلم بالسرائر فإنه من أظهر لنا قبيحا و زعم أن سريرته حسنة لم نصدقه و من أظهر لنا علانية حسنة ظننا به حسنا و

اعلموا أن بعض الشح شعبة من النفاق فأنفقوا خيرا لأنفسكم و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. أيها الناس أطيبوا مثواكم

و أصلحوا أموركم و اتقوا الله ربكم و لا تلبسوا نساءكم القباطي فإنه إن لم يشف فإنه يصف. أيها الناس إني لوددت أن أنجو كفافا

لا لي و لا علي إني لأرجو أن عمرت فيكم يسيرا أو كثيرا أن أعمل فيكم بالحق إن شاء الله و ألا يبقى أحد من المسلمين و إن كان في

بيته إلا أتاه حقه و نصيبه من مال الله و إن لم يعمل إليه نفسه و لم ينصب إليه بدنه فأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله فقليل في

رفق خير من كثير في عنف. و اعلموا أن القتل حتف من الحتوف يصيب البر و الفاجر و الشهيد من احتسب نفسه و إذا أراد أحدكم

بعيرا فليعمد إلى الطويل العظيم فليضربه بعصاه فإن وجده حديد الفؤاد فليشتره. و خطب عمر مرة أخرى فقال

[12 : 111 ]

إن الله سبحانه قد استوجب عليكم الشكر و اتخذ عليكم الحجج فيما آتاكم من كرامة الدنيا و الآخرة من غير مسألة منكم و لا رغبة

منكم فيه إليه فخلقكم تبارك و تعالى و لم تكونوا شيئا لنفسه و عبادته و كان قادرا أن يجعلكم لأهون خلقه عليه فجعلكم عامة خلقه

و لم يجعلكم لشيء غيره و سخر لكم ما في السموات و الأرض و أسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة و حملكم في البر و البحر و رزقكم

من الطيبات لعلكم تشكرون ثم جعل لكم سمعا و بصرا و من نعم الله عليكم نعم عم بها بني آدم و منها نعم اختص بها أهل دينكم ثم

صارت تلك النعم خواصها في دولتكم و زمانكم و طبقتكم و ليس من تلك النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة إلا لو قسمتم ما وصل

منها بين الناس كلهم أتعبهم شكرها و فدحهم حقها إلا بعون الله مع الإيمان بالله و رسوله فأنتم مستخلفون في الأرض قاهرون لأهلها

قد نصر الله دينكم فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتين أمة مستعبدة للإسلام و أهله يتجرون لكم تستصفون معايشهم و

كدائحهم و رشح جباههم عليهم المئونة و لكم المنفعة و أمة تنتظر وقائع الله و سطواته في كل يوم و ليلة قد ملأ الله قلوبهم رعبا

فليس لهم معقل يلجئون إليه و لا مهرب يتقون به قد دهمتهم جنود الله و نزلت بساحتهم مع رفاغة العيش و استفاضة المال و تتابع

البعوث و سد الثغور بإذن الله في العافية الجليلة العامة التي لم تكن الأمة على أحسن منها منذ كان الإسلام و الله المحمود مع

الفتوح العظام في كل بلد فما عسى أن يبلغ شكر الشاكرين و ذكر الذاكرين و اجتهاد المجتهدين مع هذه النعم التي لا يحصى عددها

و لا يقدر قدرها و لا يستطاع أداء حقها إلا بعون الله و رحمته و لطفه فنسأل الله الذي أبلانا هذا أن يرزقنا العمل بطاعته و المسارعة

إلى مرضاته و اذكروا عباد الله بلاء الله عندكم و استتموا نعمة الله عليكم و في مجالسكم مثنى و فرادى فإن الله تعالى قال لموسى

[12 : 112 ]

أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ و قال لمحمد ص وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ فلو

كنتم إذ كنتم مستضعفين محرومين خير الدنيا على شعبة من الحق تؤمنون بها و تستريحون إليها مع المعرفة بالله و بدينه و ترجون

الخير فيما بعد الموت و لكنكم كنتم أشد الناس عيشة و أعظم الناس بالله جهالة فلو كان هذا الذي ابتلاكم به لم يكن معه حظ في

دنياكم غير أنه ثقة لكم في آخرتكم التي إليها المعاد و المنقلب و أنتم من جهد المعيشة على ما كنتم عليه كنتم أحرياء إن تشحوا

على نصيبكم منه و إن تظهروه على غيره فبله أما إنه قد جمع لكم فضيلة الدنيا و كرامة الآخرة أو لمن شاء أن يجمع ذلك منكم

فأذكركم الله الحائل بينكم و بين قلوبكم إلا ما عرفتم حق الله و عملتم له و سيرتم أنفسكم على طاعته و جمعتم مع السرور بالنعم

خوفا لزوالها و انتقالها و وجلا من تحويلها فإنه لا شيء أسلب للنعمة من كفرانها و أن الشكر أمن للغير و نماء للنعمة و استجلاب

للزيادة و هذا علي في أمركم و نهيكم واجب إن شاء الله

و روى أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب مقاتل الفرسان قال كتب عمر إلى سلمان بن ربيعة الباهلي أو إلى النعمان بن مقرن أن في

جندك رجلين من العرب عمرو بن معديكرب و طليحة بن خويلد فأحضرهما الناس و أدبهما و شاورهما في الحرب و ابعثهما في الطلائع

و لا تولهما عملا من أعمال المسلمين و إذا وضعت الحرب أوزارها فضعهما حيث وضعا أنفسهما قال و كان عمرو ارتد و طليحة تنبأ.

[12 : 113 ]

و روى أبو عبيدة أيضا في هذا الكتاب قال قدم عمرو بن معديكرب و الأجلح بن وقاص الفهمي على عمر فأتياه و بين يديه مال يوزن

فقال متى قدمتما قالا يوم الخميس قال فما حبسكما عني قالا شغلنا المنزل يوم قدمنا ثم كانت الجمعة ثم غدونا عليك اليوم فلما

فرغ من وزن المال نحاه و أقبل عليهما فقال هيه فقال عمرو بن معديكرب يا أمير المؤمنين هذا الأجلح بن وقاص الشديد المرة البعيد

الغرة الوشيك الكرة و الله ما رأيت مثله حين الرجال صارع و مصروع و الله لكأنه لا يموت فقال عمر للأجلح و أقبل عليه و قد عرف

الغضب في وجهه هيه يا أجلح فقال الأجلح يا أمير المؤمنين تركت الناس خلفي صالحين كثيرا نسلهم داره أرزاقهم خصبة بلادهم

أجرياء على عدوهم فأكلا عدوهم عنهم فسيمتع الله بك فما رأينا مثلك إلا من سبقك فقال ما منعك أن تقول في صاحبك مثل ما قال

فيك قال ما رأيت من وجهك قال أصبت أما إنك لو قلت فيه مثل الذي قال فيك لأوجعتكما ضربا و عقوبة فإذ تركتك لنفسك فسأتركه

لك و الله لوددت لو سلمت لكم حالكم و دامت عليكم أموركم أما إنه سيأتي عليك يوم تعضه و ينهشك و تهره و ينبحك و لست له

يومئذ و ليس لك فإن لا يكن بعدكم فما أقربه منكم. لما أسر الهرمزان صاحب الأهواز و تستر و حمل إلى عمر حمل و معه رجال من

المسلمين فيهم الأحنف بن قيس و أنس بن مالك فأدخلوه في المدينة في هيئته و عليه تاجه الذهب و كسوته فوجدوا عمر نائما في

جانب المسجد فجلسوا عنده ينتظرون انتباهه فقال الهرمزان أين عمر فقالوا هو ذا قال و أين حراسه و حجابه قالوا لا حارس له و لا

حاجب قال فينبغي أن يكون هذا نبيا قالوا إنه يعمل عمل الأنبياء.

[12 : 114 ]

فاستيقظ عمر فقال الهرمزان قالوا نعم قال لا أكلمه حتى لا يبقى عليه من حليته شيء فرموا بالحلية و ألبسوه ثوبا ضعيفا فقال عمر يا

هرمزان كيف رأيت وبال الغدر و قد كان صالح المسلمين مرة ثم نكث فقال يا عمر إنا و إياكم في الجاهلية كنا نغلبكم إذ لم يكن الله

معكم و لا معنا فلما كان الله معكم غلبتمونا قال فما عذرك في انتقاضك مرة بعد مرة قال أخاف إن قلت أن تقتلني قال لا بأس عليك

فأخبرني فاستسقى ماء فأخذه و جعلت يده ترعد قال ما لك قال أخاف أن تقتلني و أنا أشرب قال لا بأس عليك حتى تشربه فألقاه من يده

فقال ما بالك أعيدوا عليه الماء و لا تجمعوا عليه بين القتل و العطش قال كيف تقتلني و قد أمنتني قال كذبت قال لم أكذب فقال أنس

صدق يا أمير المؤمنين قال ويحك يا أنس أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور و البراء بن مالك و الله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنك قال إنك

قلت لا بأس عليك حتى تخبرني و لا بأس عليك حتى تشرب و قال له ناس من المسلمين مثل قول أنس فأقبل على الهرمزان فقال

تخدعني و الله لا تخدعني إلا أن تسلم فأسلم ففرض له ألفين و أنزله المدينة. بعث عمر عمير بن سعيد الأنصاري عاملا على حمص

فمكث حولا لا يأتيه خبره ثم كتب إليه بعد حول إذا أتاك كتابي هذا فأقبل و احمل ما جبيت من مال المسلمين فأخذ عمير جرابه و

جعل فيه زاده و قصعته و علق أداته و أخذ عنزته و أقبل ماشيا من حمص حتى دخل المدينة و قد شحب لونه و اغبر وجهه و طال شعره

فدخل على عمر فسلم فقال عمر ما شأنك يا عمير قال ما ترى من شأني أ لست تراني صحيح البدن ظاهر الدم معي الدنيا أجرها بقرنيها

قال و ما معك فظن عمر أنه قد جاء

[12 : 115 ]

بمال قال معي جرابي أجعل فيه زادي و قصعتي آكل فيها و أغسل منها رأسي و ثيابي و أداتي أحمل فيها وضوئي و شرابي و عنزتي

أتوكأ عليها و أجاهد بها عدوا إن عرض لي قال عمر أ فجئت ماشيا قال نعم لم يكن لي دابة قال أ فما كان في رعيتك أحد يتبرع لك

بدابة تركبها قال ما فعلوا و لا سألتهم ذلك قال عمر بئس المسلمون خرجت من عندهم قال عمير اتق الله يا عمر و لا تقل إلا خيرا قد

نهاك الله عن الغيبة و قد رأيتهم يصلون قال عمر فما ذا صنعت في إمارتك قال و ما سؤالك قال سبحان الله قال أما إني لو لا أخشى

أن أعمل ما أخبرتك أتيت البلد فجمعت صلحاء أهله فوليتهم جبايته و وضعه في مواضعه و لو أصابك منه شيء لأتاك قال أ فما جئت

بشيء قال لا فقال جددوا لعمير عهدا قال إن ذلك لشيء لا أعمله بعد لك و لا لأحد بعدك و الله ما كدت أسلم بل لم أسلم قلت

لنصراني معاهد أخزاك الله فهذا ما عرضتني له يا عمر إن أشقى أيامي ليوم صحبتك ثم استأذنه في الانصراف فأذن له و منزله بقباء

بعيدا عن المدينة فأمهله عمر أياما ثم بعث رجلا يقال له الحارث فقال انطلق إلى عمير بن سعد و هذه مائة دينار فإن وجدت عليه أثرا

فأقبل علي بها و إن رأيت حالا شديدة فادفع إليه هذه المائة فانطلق الحارث فوجد عميرا جالسا يفلي قميصا له إلى جانب حائط فسلم

عليه فقال عمير انزل رحمك الله فنزل فقال من أين جئت قال من المدينة قال كيف تركت أمير المؤمنين قال صالحا قال كيف تركت

المسلمين قال صالحين قال أ ليس عمر يقيم الحدود قال بلى ضرب ابنا له على فاحشة فمات من ضربه فقال عمير اللهم أعن عمر فإني

لا أعلمه إلا شديدا حبه لك قال فنزل به ثلاثة أيام و ليس لهم إلا قرص من شعير كانوا يخصونه كل يوم به و يطوون حتى نالهم

الجهد فقال له عمير إنك قد أجعتنا فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل فأخرج الحارث الدنانير فدفعها إليه و قال بعث بها أمير المؤمنين

فاستغن بها فصاح و قال ردها لا حاجة لي فيها فقالت المرأة خذها

[12 : 116 ]

ثم ضعها في موضعها فقال ما لي شيء أجعلها فيه فشقت أسفل درعها فأعطته خرقة فشدها فيها ثم خرج فقسمها كلها بين أبناء الشهداء

و الفقراء فجاء الحارث إلى عمر فأخبره فقال رحم الله عميرا ثم لم يلبث أن هلك فعظم مهلكه على عمر و خرج مع رهط من أصحابه

ماشين إلى بقيع الغرقد فقال لأصحابه ليتمنين كل واحد منا أمنيته فكل واحد تمنى شيئا و انتهت الأمنية إلى عمر فقال وددت أن لي

رجلا مثل عمير بن سعد أستعين به على أمور المسلمين

نبذ من كلام عمر

و من كلام عمر إياكم و هذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر. و قال إياكم و الراحة فإنها غفلة. و قال السمن غفلة. و قال لا

تسكنوا نساءكم الغرف و لا تعلموهن الكتابة و استعينوا عليهن بالعرى و عودوهن قول لا فإن نعم تجرئهن على المسألة. و قال تبين

عقل المرء في كل شيء حتى في علته فإذا رأيته يتوقى على نفسه الصبر عن شهوته و يحتمي من مطعمه و مشربه عرفت ذلك في عقله و

ما سألني رجل عن شيء قط إلا تبين لي عقله في ذلك. و قال إن للناس حدودا و منازل فأنزلوا كل رجل منزلته و ضعوا كل إنسان في

حده و احملوا كل امرئ بفعله على قدره. و قال اعتبروا عزيمة الرجل بحميته و عقله بمتاع بيته قال أبو عثمان الجاحظ لأنه

[12 : 117 ]

ليس من العقل أن يكون فرشه لبدا و مرقعته طبرية. و قال من يئس من شيء استغنى عنه و عز المؤمن استغناؤه عن الناس. و قال لا

يقوم بأمر الله إلا من لا يصانع و لا يصارع و لا يتبع المطامع. و قال لا تضعفوا همتكم فإني لم أر شيئا أقعد برجل عن مكرمة من

ضعف همته و وعظ رجلا فقال لا تلهك الناس عن نفسك فإن الأمور إليك تصل دونهم و لا تقطع النهار سادرا فإنه محفوظ عليك فإذا

أسأت فأحسن فإني لم أر شيئا أشد طلبا و لا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم. و قال احذر من فلتات السباب و كل ما أورثك

النبز و أعلقك اللقب فإنه إن يعظم بعده شأنك يشتد على ذلك ندمك. و قال كل عمل كرهت من أجله الموت فاتركه ثم لا يضرك متى

مت. و قال أقلل من الدين تعش حرا و أقلل من الذنوب يهن عليك الموت و انظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس. و قال

ترك الخطيئة أسهل من معالجة التوبة. و قال احذروا النعمة حذركم المعصية و هي أخفهما عليكم عندي. و قال احذروا عاقبة الفراغ

فإنه أجمع لأبواب المكروه من السكر. و قال أجود الناس من يجود على من لا يرجو ثوابه و أحلمهم من عفا بعد القدرة و أبخلهم من

بخل بالسلام و أعجزهم من عجز في دعائه. و قال رب نظرة زرعت شهوة و رب شهوة أورثت حزنا دائما.

[12 : 118 ]

و قال ثلاث خصال من لم تكن فيه لم ينفعه الإيمان حلم يرد به جهل الجاهل و ورع يحجزه عن المحارم و خلق يداري به الناس

أخبار عمر مع عمرو بن معديكرب

و ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب مقاتل الفرسان أن سعد بن أبي وقاص أوفد عمرو بن معديكرب بعد فتح القادسية إلى عمر

فسأله عمر عن سعد كيف تركته و كيف رضا الناس عنه فقال يا أمير المؤمنين هو لهم كالأب يجمع لهم جمع الذرة أعرابي في نمرته

أسد في تامورته نبطي في جبايته يقسم بالسوية و يعدل في القضية و ينفر في السرية. و كان سعد كتب يثني على عمرو فقال عمر

لكأنما تعاوضتما الثناء كتب يثني عليك و قدمت تثني عليه فقال لم أثن إلا بما رأيت قال دع عنك سعدا و أخبرني عن مذحج قومك. قال

في كل فضل و خير قال ما قولك في علة بن خالد قال أولئك فوارس أعراضنا أحثنا طلبا و أقلنا هربا قال فسعد العشيرة قال أعظمنا

خميسا و أكبرنا رئيسا و أشدنا شريسا قال فالحارث بن كعب قال حكمة لا ترام قال فمراد قال الأتقياء البررة و المساعير الفجرة

ألزمنا قرارا و أبعدنا آثارا.

[12 : 119 ]

قال فأخبرني عن الحرب قال مرة المذاق إذا قلصت عن ساق من صبر فيها عرف و من ضعف عنها تلف و إنها لكما قال الشاعر

الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا استعرت و شب ضرامها عادت عجوزا غير ذات حليل

شمطاء جزت رأسها و تنكرت مكروهة للشم و التقبيل

قال فأخبرني عن السلاح قال سل عما شئت منه قال الرمح قال أخوك و ربما خانك قال النبل قال منايا تخطئ و تصيب قال الترس قال

ذاك المجن و عليه تدور الدوائر قال الدرع قال مشغلة للراكب متعبة للراجل و إنها لحصن حصين قال السيف قال هناك قارعت أمك

الهبل قال بل أمك قال بل أمي و الحمى أضرعتني لك. عرض سليمان بن ربيعة الباهلي جنده بأرمينية فكان لا يقبل من الخيل إلا عتيقا

فمر عمرو بن معديكرب بفرس غليظ فرده و قال هذا هجين قال عمرو إنه ليس بهجين و لكنه غليظ قال بل هو هجين فقال عمرو إن

الهجين ليعرف الهجين فكتب بكلمته إلى عمر فكتب إليه أما بعد يا ابن معديكرب فإنك القائل لأميرك ما قلت فإنه بلغني أن عندك

سيفا تسميه الصمصامة و أن عندي سيفا أسميه مصمما و أقسم بالله لئن وضعته بين أذنيك لا يقلع حتى يبلغ قحفك.

[12 : 120 ]

و كتب إلى سليمان بن ربيعة يلومه في حلمه عنه فلما قرأ عمرو الكتاب قال من ترونه يعني قالوا أنت أعلم قال هددني بعلي و الله و

قد كان صلى بناره مرة في حياة رسول الله ص و أفلت من يده بجريعة الذقن و ذلك حين ارتدت مذحج و كان رسول الله ص أمر عليها

فروة بن مسيك المرادي فأساء السيرة و نابذ عمرو بن معديكرب ففارقه في كثير من قبائل مذحج فاستجاش فروة عليه و عليهم رسول

الله ص فأرسل خالد بن سعيد بن العاص في سرية و خالد بن الوليد بعده في سرية ثانية و علي بن أبي طالب ع في سرية ثالثة و كتب

إليهم كل واحد منكم أمير من معه فإذا اجتمعتم فعلي أمير على الكل فاجتمعوا بموضع من أرض اليمن يقال له كسر فاقتتلوا هناك و

صمد عمرو بن معديكرب لعلي ع و كان يظن أن لا يثبت له أحد من شجعان العرب فثبت له فعلا عليه و عاين منه ما لم يكن يحتسبه

ففر من بين يديه هاربا ناجيا بحشاشة نفسه بعد أن كاد يقتله و فر معه رؤساء مذحج و فرسانهم و غنم المسلمون أموالهم و سبيت

ذلك اليوم ريحانة بنت معديكرب أخت عمرو فأدى خالد بن سعيد بن العاص فداءها من ماله فأصابه عمرو أخوها الصمصامة فلم يزل

ينتقل في بني أمية و يتداولونه واحدا بعد واحد حتى صار إلى بني العباس في أيام المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر

فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة

فأما ما نقل عن عمر من الألفاظ الغريبة اللغوية التي شرحها المفسرون فنحن نذكر من ذلك ما يليق بهذا الكتاب.

[12 : 121 ]

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه روى عبد الرحمن بن أبي زيد عن عمران بن سودة الليثي قال صليت الصبح مع عمر

فقرأ سبحان و سورة معها ثم انصرف فقمت معه فقال أ حاجة قلت حاجة قال فالحق فلحقت فلما دخل أذن فإذا هو على رمال سرير ليس

فوقه شيء فقلت نصيحة قال مرحبا بالناصح غدوا و عشيا قلت عابت أمتك أو قال رعيتك عليك أربعا قال فوضع عود الدرة ثم ذقن

عليها هكذا روى ابن قتيبة و قال أبو جعفر فوضع رأس درته في ذقنه و وضع أسفلها على فخذه و قال هات قال ذكروا أنك حرمت المتعة

في أشهر الحج و زاد أبو جعفر و هي حلال و لم يحرمها رسول الله ص و لا أبو بكر فقال أجل إنكم إذا اعتمرتم في أشهر حجكم

رأيتموها مجزئة عن حجكم فقرع حجكم و كانت قابية قوب عامها و الحج بهاء من بهاء الله و قد أصبت قال و ذكروا أنك حرمت متعة

النساء و قد كان رخصة من الله نستمتع بقبضة و نفارق عن ثلاث قال إن رسول الله ص أحلها في زمان ضرورة و رجع الناس إلى السعة

ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عاد إليها و لا عمل بها فالآن من شاء نكح بقبضة و فارق عن ثلاث بطلاق و قد أصبت. و قال ذكروا أنك

أعتقت الأمة إذا وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها قال ألحقت حرمة بحرمة و ما أردت إلا الخير و أستغفر الله. قال و شكوا منك عنف

السياق و نهر الرعية قال فنزع الدرة ثم مسحها حتى أتى على سيورها و قال و أنا زميل محمد رسول الله ص في غزاة قرقرة

[12 : 122 ]

الكدر فو الله إني لأرتع فأشبع و أسقي فأروي و إني لأضرب العروض و أزجر العجول و أؤدب قدري و أسوق خطوتي و أرد اللفوت و

أضم العنود و أكثر الضجر و أقل الضرب و أشهر بالعصا و أدفع باليد و لو لا ذلك لأعذرت. قال أبو جعفر فكان معاوية إذا حدث بهذا

الحديث يقول كان و الله عالما برعيته. قال ابن قتيبة رملت السرير و أرملته إذا نسجته بشريط من خوص أو ليف. و ذقن عليها أي

وضع عليها ذقنه يستمع الحديث. و قوله فقرع حجكم أي خلت أيام الحج من الناس و كانوا يتعوذون من قرع الفناء و ذلك ألا يكون

عليه غاشية و زوار و من قرع المراح و ذلك ألا يكون فيه إبل. و القابية قشر البيضة إذا خرج منها الفرخ. و القوب الفرخ قال

الكميت

لهن و للمشيب و من علاه من الأمثال قابية و قوب

أراد أن النساء ينفرن من ذي الشيب و يفارقنه كما يفارق الفرخ البيضة فلا يعود إليها بعد خروجه منها أبدا و روي عن عمر أنكم إذا

رأيتم العمرة في أشهر الحج كافية من الحج خلت مكة من الحجاج فكانت كبيضة فارقها فرخها قوله إني لأرتع فأشبع و أسقى فأروي

مثل مستعار من رعيت الإبل أي إذا أرتعت الإبل أي أرسلتها ترعى تركتها حتى تشبع و إذا سقيتها تركتها حتى تروي. و قوله أضرب

العروض العروض الناقة تأخذ يمينا و شمالا و لا تلزم المحجة يقول أضربها حتى تعود إلى الطريق و مثله قوله و أضم العنود. و

العجول البعير يند عن الإبل يركب رأسه عجلا و يستقبلها.

[12 : 123 ]

قوله و أؤدب قدري أي قدر طاقتي. و قوله و أسوق خطوتي أي قدر خطوتي. و اللفوت البعير يلتفت يمينا و شمالا و يروغ. و قوله و

أكثر الزجر و أقل الضرب أي أنه يقتصر من التأديب في السياسة على ما يكتفي به حتى يضطر إلى ما هو أشد منه و أغلظ. و قوله و

أشهر بالعصا و أدفع باليد يريد أنه يرفع العصا يرهب بها و لا يستعملها و لكنه يدفع بيده. قوله و لو لا ذلك لأعذرت أي لو لا هذا

التدبير و هذه السياسة لخلفت بعض ما أسوق و يقال أعذر الراعي الشاة و الناقة إذا تركها و الشاة العذيرة و عذرت هي إذا تخلفت عن

الغنم. قال ابن قتيبة و هذه أمثال ضربها و أصلها في رعية الإبل و سوقها و إنما يريد بها حسن سياسته للناس في الغزاة التي ذكرها

يقول فإذا كنت أفعل كذا في أيام رسول الله ص مع طاعة الناس له و تعظيمهم إياه فكيف لا أفعله بعده. و عندي أن ابن قتيبة غالط في

هذا التأويل و ليس في كلام عمر ما يدل على ذلك و ليس عمر في غزاة قرقرة الكدر يسوس الناس و لا يأمرهم و لا ينهاهم و كيف و

رسول الله ص حاضر بينهم و لا كان في غزاة قرقرة الكدر حرب و لا ما يحتاج فيه إلى السياسة و هل كان لعمر أو لغير عمر و رسول

الله ص حي أن يرتع فيشبع و يسقي فيروي و هل تكون هذه الصفات و ما بعدها إلا للرئيس الأعظم و الذي اراده عمر ذكر حاله في

خلافته رادا على عمران بن سوادة في قوله إن الرعية يشكون منك عنف السياق و شدة النهر فقال ليشكون فو الله إني لرفيق بهم و

مستقص في سياستهم

[12 : 124 ]

و لا ناهك لهم عقوبة و إني لأقنع بالهيبة و التهويل عليهم و لا أعمل العصا حيث يمكنني الاكتفاء باليد و إني أرد الشارد منهم و

أعدل المائل إلى غير ذلك من الأمور التي عددها و أحسن في تعديدها. و إنما ذكر قوله أنا زميل رسول الله ص في غزاة قرقرة الكدر

على عادة العرب في الافتخار وقت المنافرة و عند ما تجيش النفس و يحمى القلب كما كان علي ع يقول وقت الحاجة أنا عبد الله و

أخو رسوله فيذكر أشرف أحواله و المزية التي اختص بها عن غيره و كان رسول الله ص في غزاة قرقرة الكدر أردف عمر معه على بعيره

فكان عمر يفخر بها و يذكرها وقت الحاجة إليها. و في حديث عمر أنه خرج من الخلاء فدعا بطعام فقيل له أ لا تتوضأ فقال لو لا

التنطس ما باليت ألا أغسل يدي. قال أبو عبيد القاسم بن سلام قال ابن علية التنطس التقذر و قال الأصمعي هو المبالغة في التطهر

فكل من أدق النظر في الأمور فاستقصى علمها فهو متنطس و منه قيل للطبيب النطاسي و النطيس لدقة علمه بالطب. و في حديث عمر

حين سأل الأسقف عن الخلفاء فحدثه حتى إذا انتهى إلى الرابع فقال صدع من حديد و قال عمر وا دفراه. قال أبو عبيدة قال الأصمعي

كان حماد بن سلمة يقول صدأ من حديد و هذا أشبه بالمعنى لأن الصدأ له دفر و هو النتن و الصدع لا دفر له و قيل للدنيا أم دفر لما

فيها من الدواهي و الآفات فأما الذفر بالذال المعجمة و فتح الفاء فهو الريح الذكية من طيب أو نتن.

[12 : 125 ]

و عندي في هذا الحديث كلام و الأظهر أن الرواية المشهورة هي الصحيحة و هي قوله صدع من حديد و لكن بفتح الدال و هو ما كان

من الوعول بين العظيم و الشخت فإن ثبتت الرواية بتسكين الدال فغير ممتنع أيضا يقال رجل صدع إذا كان ضربا من الرجال ليس

برهل و لا غليظ. و رابع الخلفاء هو علي بن أبي طالب ع و أراد بالأسقف مدحه. و قول عمر وا دفراه إشارة إلى نفسه كأنه استصغر

نفسه و عابها بالنسبة إلى ما وصفه الأسقف من مدح الرابع و إطرائه. فأما تأويل أبي عبيدة فإنه ظن أن الرابع عثمان و جعل رسول

الله ص معدودا من الجملة ليصح كون عثمان رابعا و جعل الدفر و النتن له و صرف اللفظ عن الرواية المشهورة إلى غيرها فقال صدأ

حديد ليطابق لفظه النتن على ما يليق بها فغير خاف ما فيه من التعسف و رفض الرواية المشهورة. و أيضا فإن رسول الله ص لا يجوز

إدخاله في لفظ الخلفاء لأنه ليس بخليفة لأن الخليفة من يخلف غيره و رسول الله ص مستخلف الناس كلهم و ليس بخليفة لأحد. و في

حديث عمر قال عند موته لو أن لي ما في الأرض جميعا لافتديت به من هول المطلع. قال أبو عبيد هو موضع الاطلاع من إشراف إلى

انحدار أو من انحدار إلى إشراف و هو من الأضداد فشبه ما أشرف عليه من أمر الآخرة.

[12 : 126 ]

و في حديث عمر حين بعث حذيفة و ابن حنيف إلى السواد ففلجا الجزية على أهله. قال أبو عبيد فلجا أي قسما بالفلج و أصله من

الفلج و هو المكيال الذي يقال له الفلج لأن خراجهم كان طعاما. و في حديث عمر حين قال له حذيفة إنك تستعين بالرجل الذي فيه و

بعضهم يرويه بالرجل الفاجر فقال أستعمله لأستعين بقوته ثم أكون على قفانه. قال أبو عبيد عن الأصمعي قفان كل شيء جماعه و

استقصاء معرفته يقول أكون على تتبع أمره حتى أستقصي عمله و أعرفه. قال أبو عبيد و لا أحسب هذه الكلمة عربية و إنما أصلها قبان

و منه قول العامة فلان قبان على فلان إذا كان بمنزلة الأمين عليه و الرئيس الذي يتتبع أمره و يحاسبه و به سمي هذا الميزان الذي

يقال له القبان. و في حديث عمر حين قال لابن عباس و قد شاوره في شيء فأعجبه كلامه نشنشة أعرفها من أخشن هكذا الرواية و أما

أهل العلم فيقولون شنشنة أعرفها من أخزم. و الشنشنة في بعض الأحوال قد تكون بمعنى المضغة أو القطعة تقطع من اللحم و

القول المشهور أن الشنشنة مثل الطبيعة و السجية فأراد عمر أني أعرف فيك مشابه من أبيك في رأيه و يقال إنه لم يكن لقرشي مثل

رأي العباس. قال و قد قال أبو عبيدة معمر بن المثنى يجوز شنشنة و نشنشة و غيره ينكر نشنشة.

[12 : 127 ]

و في حديث عمر يوم السقيفة قال و قد كنت زورت في نفسي قاله أقوم بها بين يدي أبي بكر فلم يترك أبو بكر شيئا مما زورته إلا

تكلم به. قال أبو عبيد التزوير إصلاح الكلام و تهيئته كالتزويق. و في حديث عمر حين ضرب الرجل الذي أقسم على أم سلمه ثلاثين

سوطا كلها تبضع و تحدر. قال أبو عبيد أي تشق و تورم حدر الجلد يحدره و أحدره غيره. و في حديثه أنه قال لمؤذن بيت المقدس إذا

أذنت فترسل و إذا أقمت فاحذم. قال أبو عبيدة الحذم بالحاء المهملة الحدر في الإقامة و قطع التطويل و أصله في المشي و هو

الإسراع فيه و أن يكون مع هذا كأنه يهوي بيده إلى خلفه و الجذم بالجيم أيضا القطع و كذلك الخذم بالخاء المعجمة. و في حديثه

أنه قال لا يقر رجل أنه كان يطأ جاريته إلا ألحقت به ولدها فمن شاء فليمسكها و من شاء فليرسلها. قال أبو عبيد هكذا الرواية

بالسين المهملة و المعروف أنه الإرشال بالشين المعجمة و لعله حول الشين إلى السين كما يقال سمت العاطش أي شمته و في

حديثه كذب عليكم الحج كذب عليكم العمرة كذب عليكم الجهاد ثلاثة أسفار كذبت عليكم.

[12 : 128 ]

قال أبو عبيد معنى كذب عليكم الإغراء أي عليكم به و كان الأصل في هذا أن يكون نصبا و لكنه جاء عنهم بالرفع شاذا على غير قياس

و مما يحقق أنه مرفوع قول الشاعر

كذبت عليك لا تزال تقوفني كما قاف آثار الوثيقة قائف

فقوله كذبت عليك إنما أغراه بنفسه أي عليك بي فجعل نفسه في موضع رفع أ لا تراه قد جاء بالباء فجعلها اسمه. و قال معقر بن حمار

البارقي

و ذبيانية وصت بنيها بأن كذب القراطف و القروف

فرفع و الشعر مرفوع و معناه عليكم بالقراطف و القروف و القراطف القطف واحدها قرطف و القروف الأوعية. و مما يحقق الرفع

أيضا قول عمر كذبت عليكم قال أبو عبيد و لم أسمع النصب في هذا إلا حرفا كان أبو عبيد يحكيه عن أعرابي نظر إلى ناقة نضو لرجل

فقال كذب عليك البزر و النوى لم أسمع في هذا نصبا غير هذا الحرف. قال و العرب تقول للمريض كذب عليك العسل بالرفع أي

عليك به. و في حديثه ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس ألا تعربوا عليه قالوا نخاف لسانه قال ذاك ألا تكونوا شهداء.

قال أبو عبيد ألا تعربوا أي ألا تفسدوا عليه كلامه و تقبحوه له. و في حديثه أنه نهى عن الفرس في الذبيحة.

[12 : 129 ]

قال أبو عبيد قيل في تفسيره أن ينتهي بالذبح إلى النخاع و هو عظم في الرقبة و ربما فسر النخاع بأنه المخ الذي في فقار الصلب

متصلا بالقفا فنهى أن ينتهي بالذبح إلى ذلك. و قيل في تفسيره أيضا أن يكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد و يؤكد هذا التفسير قوله

في تمام الحديث و لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق. و في حديثه حين أتاه رجل يسأله أيام المحل فقال له هلكت و أهلكت فقال عمر أ

هلكت و أنت تنث نثيث الحميت أعطوه ربعة من الصدقة فخرجت يتبعها ظئراها. قال أبو عبيد قد روي تمث بالميم و المحفوظ بالنون

و تنث أي ترشح و تعرق من سمنك و كثرة لحمك. و الحميت النحي و فيه الرب أو السمن أو نحوها و الربعة ما ولد في أول النتاج و

الذكر ربع. و في حديثه أنه خرج إلى المسجد للاستسقاء فصعد المنبر فلم يزد على الاستغفار حتى نزل فقيل إنك لم تستسق فقال

لقد استسقيت بمجاديح السماء. قال أبو عبيد جعل الاستغفار استسقاء تأول فيه قوله تعالى اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً يُرْسِلِ

السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً و المجاديح جمع مجدح و هو النجم الذي كانت العرب تزعم أنها تمطر به و يقال مجدح بضم الميم و إنما

قال عمر ذلك على أنها كلمة جارية على ألسنة العرب ليس على تحقيق الأنواء و لا التصديق بها

[12 : 130 ]

و هذا شبيه بقول ابن عباس في رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت له أنت طالق ثلاثا فقال خطأ الله نوءها ألا طلقت نفسها ثلاثا ليس

هذا دعاء منه ألا تمطر إنما ذلك على الكلام المقول. و مما يبين أن عمر أراد إبطال الأنواء و التكذيب بها قوله لقد استسقيت

بمجاديح السماء التي يستسقى بها الغيث فجعل الاستغفار هو المجاديح لا الأنواء. و في حديثه و هو يذكر حال صباه في الجاهلية

لقد رأيتني مرة و أختا لي نرعى على أبوينا ناضحا لنا قد ألبستنا أمنا نقبتها و زودتنا يمينتيها من الهبيد فنخرج بناضحنا فإذا طلعت

الشمس ألقيت النقبة إلى أختي و خرجت أسعى عريان فنرجع إلى أمنا و قد جعلت لنا لفينة من ذلك الهبيد فيا خصباه. قال أبو عبيد

الناضح البعير الذي يسنى عليه فيسقى به الأرض و الأنثى ناضحة و هي السانية أيضا و الجمع سوان و قد سنت تسنو و لا يقال

ناضح لغير المستسقى. و النقبة أن تؤخذ القطعة من الثوب قدر السراويل فيجعل لها حجزة مخيطة من غير نيفق و تشد كما تشد

حجزة السراويل فإذا كان لها نيفق و ساقان فهي سراويل. و قال و الذي وردت به الرواية زودتنا يمينتيها و الوجه في الكلام أن

يكون يمينتيها بالتشديد لأنه تصغير يمين بلا هاء و إنما قال يمينتيها و لم يقل يديها و لا كفيها لأنه لم يرد أنها جمعت كفيها ثم

أعطتنا بهما و إنما أراد أنها أعطت كل واحد كفا كفا بيمينها فهاتان يمينان. الهبيد حب الحنظل زعموا أنه يعالج حتى يمكن أكله و

يطيب.

[12 : 131 ]

و اللفيتة ضرب من الطبيخ كالحساء. و في حديثه إذا مر أحدكم بحائط فليأكل منه و لا يتخذ ثبانا. قال أبو عبيد هو الوعاء الذي

يحمل فيه الشيء فإن حملته بين يديك فهو ثبان و أن جعلته في حضنك فهي خبنة. و في حديثه لو أشاء لدعوت بصلاء و صناب و

صلائق و كراكرة و أسنمة و أفلاذ. قال أبو عبيد الصلاء الشواء و الصناب الخردل بالزبيب و الصلائق الخبز الرقيق و من رواه سلائق

بالسين أراد ما يسلق من البقول و غيرها و الكراكر كراكر الإبل و الأفلاذ جمع فلذ و هو القطعة من الكبد. و في حديثه لو شئت أن

يدهمق لي لفعلت. قال أبو عبيد دهمقت الطعام إذا لينته و رققته و طيبته. و في حديثه لئن بقيت لأسوين بين الناس حتى يأتي الراعي

حقه في صفنه لم يعرق جبينه. الصفن خريطة للراعي فيها طعامه و ما يحتاج إليه و روي بفتح الصاد و يقال أيضا في صفينه.

[12 : 132 ]

و في حديثه لئن بقيت إلى قابل ليأتين كل مسلم حقه حتى يأتي الراعي بسرو حمير لم يعرق جبينه. السرو مثل الخيف و هو ما انحدر

عن الجبل و ارتفع عن المسيل. و في حديثه لئن عشت إلى قابل لألحقن آخر الناس بأولهم حتى يكونوا ببانا واحدا. قال أبو عبيد

قال ابن مهدي يعني شيئا واحدا و لا أحسب هذه الكلمة عربية و لم أسمعها في غير هذا الحديث. و في حديثه أنه خطب فقال ألا إن

الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه و أمانته بأن يقال سابق الحاج أو قال سبق الحاج فادان معرضا فأصبح قد رين به فمن كان له

عليه دين فليغد بالغداة فلنقسم ماله بينهم بالحصص. قوله فادان معرضا أي استدان معرضا و هو الذي يعترض الناس فيستدين ممن

أمكنه و كل شيء أمكنك من عرضه فهو معرض لك كقوله و البحر معرضا و السدير. و رين بالرجل إذا وقع فيما لا يمكنه الخروج منه.

[12 : 133 ]

و في حديثه أنه قال لمولاه أسلم و رآه يحمل متاعه على بعير من إبل الصدقة فقال فهلا ناقة شصوصا أو ابن لبون بوالا. الشصوص

التي قد ذهب لبنها و وصف ابن اللبون بالبول و إن كانت كلها تبول إنما أراد ليس عنده سوى البول أي ليس عنده مما ينتفع به من

ظهر و لا له ضرع فيحلب لا يزيد على أنه بوال فقط. و في حديثه حين قيل له إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد فقال و

ما على نساء بني المغيرة أن يسفكن من دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقع و لا لقلقة. قيل النقع هاهنا طعام المأتم و الأشبه أن

النقع رفع الصوت و اللقلقة مثله. و في حديثه أن سلمان بن ربيعة الباهلي شكا إليه عاملا من عماله فضربه بالدرة حتى أنهج. قال أبو

عبيد أي أصابه النفس و البهر من الإعياء. و في حديثه حين قدم عليه أحد بني ثور فقال له هل من مغربة خبر فقال نعم أخذنا رجلا من

العرب كفر بعد إسلامه فقدمناه فضربنا عنقه فقال فهلا أدخلتموه جوف بيت فألقيتم إليه كل يوم رغيفا ثلاثة أيام لعله يتوب أو يراجع

اللهم لم أشهد و لم آمر و لم أرض إذ بلغني.

[12 : 134 ]

يقال هل من مغربة خبر بكسر الراء و يروى بفتحها و أصله البعد و منه شأو مغرب. و في حديثه أنه قال آلله ليضربن أحدكم أخاه بمثل

آكلة اللحم ثم يرى أنه لا أقيده و الله لأقيدنه. قال أبو عبيد آكلة اللحم عصا محددة. و في حديثه أعضل بي أهل الكوفة ما يرضون

بأمير و لا يرضاهم أمير هو من العضال و هو الداء و الأمر الشديد الذي لا يقوم له صاحبه. و في حديثه أنه خطب فذكر الربا فقال إن

منه أبوابا لا تخفى على أحد منها السلم في السن و أن تباع الثمرة و هي مغضفة و لما تطب و أن يباع الذهب بالورق نساء. قال أبو

عبيد السلم في السن أن يسلف الرجل في الرقيق و الدواب و غيرها من الحيوان لأنه ليس له حد معلوم. و المغضفة المتدلية في

شجرها و كل مسترخ أغضف أي تكون غير مدركة. و في حديثه أنه خطب فقال ألا لا تغالوا في صداق النساء فإن الرجل يغالي بصداق

المرأة حتى يكون ذلك لها في قلبه عداوة تقول جشمت إليك عرق القربة.

[12 : 135 ]

قال معناه تكلفت لك حتى عرقت عرق القربة و عرقها سيلان مائها و في حديثه أنه رفع إليه غلام ابتهر جارية في شعره فقال انظروا

إليه فلم يوجد أنبت فدرأ عنه الحد. قال أبو عبيد ابتهرها أي قذفها بنفسه فقال فعلت بها. و في حديثه أنه قضى في الأرنب بحلان إذا

قتلها المحرم. قال الحلان الجدي. و في حديثه أنه قال حجة هاهنا ثم احدج هاهنا حتى تفنى. قال يأمر بحجة الإسلام لا غير ثم بعدها

الغزو في سبيل الله. حتى تفنى أي حتى تهرم. و في حديثه أنه سافر في عقب رمضان و قال إن الشهر قد تسعسع فلو صمنا بقيته. قال

أبو عبيد السين مكررة مهملة و العين مهملة أي أدبر و فنى. و في حديثه و قد سمع رجلا خطب فأكثر فقال إن كثيرا من الخطب من

شقاشق الشيطان. الواحدة شقشقة و هو ما يخرج من شدق الفحل عند نزوانه شبيهة بالرئة و الشيطان

[12 : 136 ]

لا شقشقة له إنما هذا مثل لما يدخل في الخطب من الكلام المكذوب و تزوير الباطل. و في حديثه أنه قدم مكة فأذن أبو محذورة

فرفع صوته فقال له أ ما خشيت يا أبا محذورة أن ينشق مريطاؤك. قال المريطاء ما بين السرة إلى العانة و يروى بالقصر. و في حديثه

أنه سئل عن المذي فقال هو الفطر و فيه الوضوء. قال سماه فطرا من قولهم فطرت الناقة فطرا إذا حلبتها بأطراف الأصابع فلا يخرج

اللبن إلا قليلا و كذلك المذي و ليس المني كذلك لأنه يخرج منه مقدار كثير. و في حديثه أنه سئل عن حد الأمة الزانية فقال إن الأمة

ألقت فروة رأسها من وراء الدار. قال الفروة جلدة الرأس و هذا مثل إنما أراد أنها ألقت القناع و تركت الحجاب و خرجت إلى حيث لا

يمكنها أن تمتنع من الفجور نحو رعاية الغنم فكأنه يرى أن لا حد عليها. و في حديثه أنه أتي بشارب فقال لأبعثنك إلى رجل لا تأخذه

فيك هوادة فبعث به إلى مطيع بن الأسود العدوي فقال إذا أصبحت غدا فاضربه الحد فجاء عمر

[12 : 137 ]

و هو يضربه ضربا شديدا فقال قتلت الرجل كم ضربته قال ستين قال أقص عنه بعشرين. قال معناه اجعل شدة هذا الضرب قصاصا

بالعشرين التي بقيت من الحد فلا تضربه إياها. و في حديثه أن رجلا أتاه فذكر له أن شهادة الزور قد كثرت في أرضهم فقال لا يؤسر أحد

في الإسلام بشهادة الزور فإنا لا نقبل إلا العدول. قال لا يؤسر لا يحبس و منه الأسير المسجون. و في حديثه أنه جدب السمر بعد

عتمة. جدبه أي عابه و وصمه. و مثل هذا الحديث في كراهيته السمر حديثه الآخر أنه كان ينش الناس بعد العشاء بالدرة و يقول

انصرفوا إلى بيوتكم. قال هكذا روي بالشين المعجمة و قيل إن الصحيح ينس بالسين المهملة و الأظهر أنه ينوش الناس بالواو من

التناوش قال تعالى وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ. و في حديثه هاجروا و لا تهجروا و اتقوا الأرنب إن يحذفها أحدكم بالعصا و لكن ليذك لكم

الأسل الرماح و النبل.

[12 : 138 ]

قال رواه زر بن حبيش قال قدمت المدينة فخرجت في يوم عيد فإذا رجل متلبب أعسر أيسر يمشي مع الناس كأنه راكب و هو يقول كذا

و كذا فإذا هو عمر يقول هاجروا و أخلصوا الهجرة و لا تهجروا. و لا تشبهوا بالمهاجرين على غير صحة منكم كقولك تحلم الرجل و

ليس بحليم و تشجع و ليس بشجاع. و الذكاة الذبح و الأسل أعم من الرماح و أكثر ما يستعمل في الرماح خاصة. و المتلبب

المتحزم بثيابه. و فلان أعسر يسر يعمل بكلتا يديه و الذي جاء في الرواية أيسر بالهمزة. و في حديثه أنه أفطر في رمضان و هو يرى

أن الشمس قد غربت ثم نظر فإذا الشمس طالعة فقال لا نقضيه ما تجانفنا فيه الإثم. يقول لم نتعمد فيه الإثم و لا ملنا إليه و الجنف

الميل. و في حديثه أنه قال لما مات عثمان بن مظعون على فراشه هبنه الموت عندي منزلة حين لم يمت شهيدا فلما مات رسول الله

ص على فراشه و أبو بكر علمت أن موت الأخيار على فرشهم. هبته أي طأطأه و حط من قدره. و في حديثه أن رجلا من الجن لقيه فقال

هل لك أن تصارعني فإن صرعتني

[12 : 139 ]

علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخله شيطان فصارعه فصرعه عمر و قال له إني أراك ضئيلا شخيتا كان ذراعيك ذراعا كلب أ

فهكذا أنتم كلكم أيها الجن أم أنت من بينهم فقال إني من بينهم لضليع فعاودني فصارعه فصرعه الإنسي فقال أ تقرأ آية الكرسي

فإنه لا يقرؤها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان منه و له خبج كخبج الحمار. قال رواه عبد الله بن مسعود و قال خرج رجل من

الإنس فلقيه رجل من الجن ثم ذكر الحديث فقيل له هو عمر فقال و من عسى أن يكون إلا عمر الشخيت النحيف الجسم و مثله

الشخت. و الضليع العظيم الخلق. و الخبج الضراط. و في حديثه أنه كان يطوف بالبيت و هو يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في

الآخرة حسنة و قنا عذاب النار ما له هجيرى غيرها. قال هجيرى الرجل دأبه و ديدنه و شأنه. و مثلها من قول عمر لو أطيق الأذان مع

الخليقى لأذنت. و مثلها من قول عمر بن عبد العزيز لا رديدى في الصدقة أي لا ترد. و مثلها قول العرب كانت بينهم رميا أي مراماة ثم

حجزت بينهم حجيزى أي محاجزة.

[12 : 140 ]

و في حديثه حين قال للرجل الذي وجد منبوذا فأتاه به فقال عسى الغوير أبؤسا قال عريفه يا أمير المؤمنين إنه و إنه فأثنى عليه خيرا

و قال فهو حر ولاؤه لك. الأبؤس جمع بأس و المثل قديم مشهور و مراد عمر لعلك أنت صاحب هذا المنبوذ كأنه اتهمه و ساء ظنه فيه

فلما أثنى عليه عريفه أي كفيله قال له هذا المنبوذ حر و ولاؤه لك لأنه بإنقاذه إياه من الهلكة كأنه أعتقه. و في حديثه أن قريشا تريد

أن تكون مغويات لمال الله. هكذا يروى بالتخفيف و الكسر و المعروف مغويات بتشديد الياء و فتحها واحدتها مغواة و هي حفرة

كالزبية تحفر للذئب و يجعل فيها جدي فإذا نظر إليها الذئب سقط يريده فيصاد و لهذا قيل لكل مهلكة مغواة. و في حديثه فرقوا عن

المنية و اجعلوا الرأس رأسين و لا تلثوا بدار معجزة و أصلحوا مثاويكم و أخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم و اخشوشنوا و اخشوشبوا

و تمعددوا.

[12 : 141 ]

قال فرقوا عن المنية و اجعلوا الرأس رأسين أي إذا أراد أحدكم أن يشتري شيئا من الحيوان كمملوك أو دابة فلا يغالين به فإنه لا

يدري ما يحدث فيه و لكن ليجعل ثمنه في رأسين و إن كان كل واحد منهما دون الأول فإن مات أحدهما بقي الآخر. و قوله و لا تلثوا

بدار معجزة فالإلثاث الإقامة أي لا تقيموا ببلد يعجزكم فيه الرزق و لكن اضطربوا في البلاد للكسب. و هذا شبيه بحديثه الآخر إذا

اتجر أحدكم في شيء ثلاث مرات فلم يرزق منه فليدعه. و المثاوي المنازل جمع مثوى. و أخيفوا الهوام أي اقتلوا ما يظهر في دوركم

من الحيات و العقارب لتخافكم فلا تظهر. و اخشوشنوا أمر بالخشونة في العيش و مثله اخشوشبوا بالباء أراد ابتذال النفس في

العمل و الاحتفاء في المشي ليغلظ الجلد و يجسو. و تمعددوا قيل إنه من الغلظ أيضا يقال للغلام إذا أنبت و غلظ قد تمعدد. و قيل

أراد تشبهوا بمعد بن عدنان و كانوا أهل قشف و غلظ في المعاش أي دعوا التنعم و زي العجم. و قد جاء عنه في حديث آخر مثله

عليكم باللبسة المعدية. و في حديثه أنه كتب إلى خالد بن الوليد أنه بلغني أنك دخلت حماما بالشام و أن من بها من الأعاجم أعدوا

لكم دلوكا عجن بخمر و إني أظنكم آل المغيرة ذرو النار.

[12 : 142 ]

الدلوك ما يتدلك به كالسحور و الفطور و نحوهما. و ذرو النار خلق النار و يروى ذرء النار بالهمزة من ذرأ الله الناس أي صورهم و

أوجدهم. و في حديثه املكوا العجين فإنه أحد الريعين. ملكت العجين أجدت عجنه. و الريع الزيادة و الريع الثاني ما يزيد عند خبزه

في التنور و في حديثه حين طعن فدخل عليه ابن عباس فرآه مغتما بمن يستخلف بعده فذكر عثمان فقال كلف بأقاربه قال فعلي قال فيه

دعابة قال فطلحة قال لو لا بأو فيه قال فالزبير قال وعقة لقس قال فعبد الرحمن قال أوه ذكرت رجلا صالحا و لكنه ضعيف و هذا الأمر

لا يصلح له إلا اللين من غير ضعف و القوي من غير عنف قال فسعد قال ذاك يكون في مقنب من مقانبكم. قوله كلف بأقاربه أي شديد

الحب لهم. و الدعابة المزاح.

[12 : 143 ]

و البأو الكبر و العظمة. و قوله وعقة لقس و يروى ضبيس و معناه كله الشراسة و شد الخلق و خبث النفس. و المقنب جماعة من

الفرسان. و في حديثه أنه قال عام الرمادة لقد هممت أن أجعل مع كل أهل بيت من المسلمين مثلهم فإن الإنسان لا يهلك على نصف

شبعه فقال له رجل لو فعلت يا أمير المؤمنين ما كنت فيها ابن ثأداء. قال يريد أن الإنسان إذا اقتصر على نصف شبعه لم يهلك جوعا و

ابن ثأداء بفتح الهمزة ابن الأمة. و في حديثه أنه قرأ في صلاة الفجر بالناس سورة يوسف فلما انتهى إلى قوله تعالى إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي

وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ بكى حتى سمع نشيجه. النشيج صوت البكاء يردده الصبي في صدره و لا يخرجه. و في

حديثه أنه أتي في نساء أو إماء ساعيات في الجاهلية فأمر بأولادهن أن يقوموا على آبائهم فلا يسترقوا.

[12 : 144 ]

المساعاة زنا الإماء خاصة قضى عمر في أولادهن في الجاهلية أن يسومن على آبائهم بدفع الآباء قيمتهم إلى سادات الإماء و يصير

الأولاد أحرارا لاحقي النسب ب آبائهم. و في حديثه ليس على عربي ملك و لسنا بنازعين من يد رجل شيئا أسلم عليهم و لكنا نقومهم

الملة خمسا من الإبل. قال كانت العرب تسبي بعضها بعضا في الجاهلية فيأتي الإسلام و المسبي في يد الإنسان كالمملوك له فقضى

عمر في مثل هذا أن يرد حرا إلى نسبه و تكون قيمته على نفسه يؤديها إلى الذي سباه لأنه أسلم و هو في يده و قيمته كائنا ما كان

خمس من الإبل. قوله و الملة أي تقوم ملة الإنسان و شرعها. و في حديثه لما ادعى الأشعث بن قيس رقاب أهل نجران لأنه كان

سباهم في الجاهلية و استعبدهم تغلبا فصاروا كمماليكه فلما أسلموا أبوا عليه فخاصموه عند عمر في رقابهم فقالوا يا أمير المؤمنين

إنما كنا له عبيد مملكة و لم نكن عبيد قن فتغيظ عمر عليه و قال أردت أن تتغفلني. يعني أردت غفلتي.

[12 : 145 ]

و عبد قن ملك و ملك أبواه و عبد مملكة بفتح اللام و ضمها من غلب عليه و استعبد و كان في الأصل حرا فقضى عمر فيهم أن صيرهم

أحرارا بلا عوض لأنه ليس بسباء على الحقيقة. و في حديثه أنه قضى في ولد المغرور بغرة. قال هو الرجل يزوج رجلا آخر مملوكة

لإنسان آخر على أنها حرة فقضى عمر أن يغرم الزوج لمولى الأمة غرة أي عبدا أو أمة و يكون ولده حرا ثم يرجع الرجل الزوج على

من غره بما غرم. و في حديثه أنه رأى جارية متكمكمة فسأل عنها فقالوا أمة آل فلان فضربها بالدرة ضربات و قال يا لكعاء أ تشبهين

بالحرائر. قال متكمكمة لابسة قناع أصله من الكمة و هي كالقلنسوة و الأصل مكممة فأعاد الكاف كما قالوا كفكف فلان عن كذا و

تصرصر الباب. و لكعاء و لكاع بالكسر و البناء شتم للأمة و للرجل يقال يا لكع. و في حديثه ورع اللص و لا تراعه. يقول ادفعه إذا

رأيته في منزلك و اكففه بما استطعت و لا تنتظر فيه شيئا و كل

[12 : 146 ]

شيء كففته فقد ورعته و كل ما تنتظره فأنت تراعيه و المعنى أنه رخص في الإقدام على اللص بالسلاح و نهى أن يمسك عنه نائما. و

في حديثه أن رجلا أتاه فقال إن ابن عمي شج موضحة فقال أ من أهل القرى أم من أهل البادية قال من أهل البادية فقال عمر إنا لا

نتعاقل المضغ بيننا. قال سماها مضغا استصغارا لها و لأمثالها كالسن و الإصبع. قال و مثل ذلك لا تحمله العاقلة عند كثير من الفقهاء

و كذلك كل ما كان دون الثلث. و في حديثه أنه لما حصب المسجد قال له فلان لم فعلت قال هو أغفر للنخامة و ألين في الموطئ. أغفر

لها أستر لها. و حصب المسجد فرشه بالحصباء و هي رمل فيه حصى صغار. و في حديثه أن الحارث بن أوس سأله عن المرأة تطوف

بالبيت ثم تنفر من غير أن تطوف طواف الصدر إذا كانت حائضا فنهاه عمر عن ذلك فقال الحارث كذلك أفتاني رسول الله ص فقال عمر

أربت يداك أ تسألني و قد سمعت من رسول الله ص كي أخالفه قال دعا عليه بقطع اليدين من قولك قطعت الشاة إربا إربا.

[12 : 147 ]

و في حديثه أنه سمع رجلا يتعوذ من الفتن فقال عمر اللهم إني أعوذ بك من الضفاطة أ تسأل ربك ألا يرزقك مالا و ولدا. قال أراد قوله

تعالى إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ و الضفاطة الحمق و ضعف العقل رجل ضفيط أي أحمق. و في حديثه ما بال رجال لا يزال

أحدهم كاسرا وسادة عند امرأة مغزية يتحدث إليها و تتحدث إليه عليكم بالجنبة فإنها عفاف إنما النساء لجم على وضم إلا ما ذب عنه.

قال مغزية قد غزا زوجها فهو غائب عنها أغزت المرأة إذا كان بعلها غازيا و كذلك أغابت فهي مغيبة. و عليكم بالجنبة أي الناحية يقول

تنحوا عنهن و كلموهن من خارج المنزل و الوضم الخشبة أو البارية يجعل عليها اللحم. قال و هذا مثل حديثه الآخر ألا لا يدخلن

رجل على امرأة و إن قيل حموها ألا حموها الموت. قال دعا عليها فإذا كان هذا رأيه في أبي الزوج و هو محرم لها فكيف بالغريب و في

حديثه أن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فلا بيعة إلا عن مشورة و أيما رجل بايع رجلا عن غير مشورة فلا يؤمر واحد منهما

تغرة أن يقتلا. قال التغرة التغرير غررت بالقوم تغريرا و تغرة كقولك حللت اليمين تحليلا

[12 : 148 ]

و تحلة و مثله في المضاعف كثير أي أن في ذلك تغريرا بأنفسهما و تعريضا لهما أن يقتلا. و في حديثه أن العبد إذا تواضع لله رفع الله

حكمته و قال انتعش نعشك الله و إذا تكبر و عدا طوره وهصه الله إلى الأرض. قال وهصه أي كسره و عدا طوره أي قدره. و في حديثه

حجوا بالذرية لا تأكلوا أرزاقها و تذروا أرباقها في أعناقها. قال أراد بالذرية هنا النساء و لم يرد الصبيان لأنه لا حج عليهم. و الأرباق

جمع ربق و هو الحبل. و في حديثه أنه وقف بين الحرتين و هما داران لفلان فقال شوى أخوك حتى إذا انضج رمد. هذا مثل يضرب

للرجل يصنع معروفا ثم يفسده. و في حديثه السائبة و الصدقة ليومهما. قال السائبة المعتق.

[12 : 149 ]

و ليومهما ليوم القيامة الذي فعل ما فعله لأجله. و في حديثه لا تشتروا رقيق أهل الذمة فإنهم أهل خراج يؤدي بعضهم عن بعض و

أرضهم فلا تتنازعوها و لا يقرن أحدكم بالصغار بعد إذ نجاه الله. قال كره أن يشتري أرضهم المسلمون و عليها خراج فيصير الخراج

منتقلا إلى المسلم و إنما منع من شراء رقيقهم لأن جزيتهم تكثر على حسب كثرة رقيقهم فإذا ابتيع رقيقهم قلت جزيتهم و إذا أقلت

جزيتهم يقل بيت المال. و في حديثه في قنوت الفجر و إليك نسعى و نحفد نرجو رحمتك و نخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق.

قال حفد العبد مولاه يحفد أي خدم و منه قوله تعالى بَنِينَ وَ حَفَدَةً أي خدما. و ملحق اسم فاعل بمعنى لاحق من الحق و هو لغة في

لحق يقال لحقت زيدا و ألحقته بمعنى. و في حديثه لا تشتروا الذهب بالفضة إلا يدا بيد هاء و هاء إني أخاف عليكم الرماء. قال الرماء

الزيادة و هو بمعنى الربا يقال أرميت على الخمسين أي زدت عليها.

[12 : 150 ]

و في حديثه من لبد أو عقص أو ضفر فعليه الحلق. قال التلبيد أن تجعل في رأسك شيئا من صمغ أو عسل يمنع من أن يقمل. و العقص

و الضفر فتل الشعر و نسجه و في حديثه ما تصعدتني خطبة كما تصعدتني خطبة النكاح. قال معناه ما شق علي و أصله من الصعود و هي

العقبة المنكرة قال تعالى سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً. و في حديثه أنه قال لمالك بن أوس يا مالك أنه قد دفت علينا من قومك دافة و قد أمرنا

لهم برضخ فاقسمه فيهم. قال الدافة جماعة تسير سيرا ليس بالشديد. و في حديثه أنه سأل جيشا فقال هل ثبت لكم العدو قدر حلب

شاة بكيئة. قال البكيئة القليلة اللبن. و في حديثه أنه قال في متعة الحج قد علمت أن رسول الله ص فعلها و أصحابه و لكن كرهت أن

يظلوا بهن معرسين تحت الأراك ثم يلبون بالحج تقطر رءوسهم.

[12 : 151 ]

قال المعرس الذي يغشى امرأته قال كره أن يحل الرجل من عمرته ثم يأتي النساء ثم يهل بالحج. و في حديثه نعم المرء صهيب لو

لم يخف الله لم يعصه. قال المعنى أنه لا يترك المعصية خوف العقاب بل يتركها لقبحها فلو كان لا يخاف عقوبة الله لترك المعصية.

و في حديثه أنه أتي بسكران في شهر رمضان فقال للمنخرين للمنخرين أ صبياننا صيام و أنت مفطر. قال معناه الدعاء عليه كقولك كبه

الله للمنخرين و كقولهم لليدين و للفم. و في حديثه أنه قال لما توفي رسول الله ص قام أبو بكر فتلا هذه الآية في خطبته إِنَّكَ مَيِّتٌ

وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قال عمر فعقرت حتى وقعت إلى الأرض. قال يقال للرجل إذا بهت و بقي متحيرا دهشا قد عقر و مثله بعل و خرق. و في

حديثه أنه كتب إلى أبي عبيدة و هو بالشام حين وقع بها الطاعون أن الأردن أرض غمقة و أن الجابية أرض نزهة فأظهر بمن معك من

المسلمين إلى الجابية.

[12 : 152 ]

قال الغمقة الكثيرة الأنداء و الوباء و النزهة البعيدة من ذلك. و في حديثه أنه قال لبعضهم في كلام كلمه به بل تحوسك فتنة. قال

معناه تخالطك و تحثك على ركوبها قال و تحوس مثل تجوس بالجيم قال تعالى فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ. و في حديثه حين ذكر الجراد

فقال وددت أن عندنا منه قفعة أو قفعتين. قال القفعة شيء شبيه بالزنبيل ليس بالكبير يعمل من خوص ليس له عرى و هو الذي يسمى

القفة. و في حديثه أن أذينة العبدي أتاه يسأله فقال إني حججت من رأس هزا و خازك أو بعض هذه المزالف فمن أين أعتمر فقال ائت

عليا فاسأله فسألته فقال من حيث ابتدأت. قال رأس هزا و خازك موضعان من ساحل فارس و المزالف كل قرية تكون بين البر و بلاد

الريف و هي المزارع أيضا كالأنبار و عين التمر و الحيرة. و في حديثه أنه نهى عن المكايلة. قال معناه مكافأة الفعل القبيح بمثله.

[12 : 153 ]

و في حديثه ليس الفقير الذي لا مال له إنما الفقير الأخلق الكسب. قال أراد الرجل الذي لا يرزأ في ماله و لا يصاب بالمصائب و أصله

أن يقال للجبل المصمت الذي لا يؤثر فيه شيء أخلق و صخرة خلقاء إذا كانت كذلك فأراد عمر أن الفقر الأكبر إنما هو فقر الآخرة لمن

لم يقدم من ماله لنفسه شيئا يثاب عليه هناك و هذا نحو

قول النبي ص ليس الرقوب الذي لا يبقى له ولد إنما الرقوب الذي لم يقدم من ولده أحدا

فهذا ما لخصته من غريب كلام عمر من كتاب أبي عبيد. فأما ما ذكره ابن قتيبة من غريب حديثه في كتابه فأنا ألخص منه ما أنا ذاكره. قال

ابن قتيبة فمن غريب حديث عمر أنه خطب فقال إن أخوف ما أخاف عليكم أن يؤخذ الرجل المسلم البريء عند الله فيدسر كما يدسر

الجزور و يشاط لحمه كما يشاط لحم الجزور يقال عاص و ليس بعاص

فقال علي ع فكيف ذاك و لما تشتد البلية و تظهر الحمية و تسبى الذرية و تدقهم الفتن دق الرحى بثفالها

قال ابن قتيبة يدسر أي يدفع و

منه حديث ابن عباس ليس في العنبر زكاه إنما هو شيء يدسره البحر

و يشاط لحمه أي يقطع و يبضع و الأصل في الإشاطة الإحراق فأستعير و في الحديث أن زيد بن حارثة قاتل يوم مؤتة حتى شاط في

رماح القوم. و الثفال جلدة تبسط تحت الرحى فيقع عليها الدقيق.

السابق

التالي