السابق

التالي

[9 : 3 ]

الجزء التاسع

تتمة الخطب و الأوامر

تتمة خطبة 135

ذكر أطراف مما شجر بين علي و عثمان في أثناء خلافته

و اعلم أن هذا الكتاب يستدعي منا أن نذكر أطرافا مما شجر بين أمير المؤمنين ع و عثمان أيام خلافته إذ كان هذا الكلام الذي

شرحناه من ذلك النمط و الشيء يذكر بنظيره و عادتنا في هذا الشرح أن نذكر الشيء مع ما يناسبه و يقتضي ذكره. قال أحمد بن عبد

العزيز الجوهري في كتاب أخبار السقيفة حدثني محمد بن منصور الرمادي عن عبد الرزاق عن معمر عن زياد بن جبل عن أبي كعب

الحارثي و هو ذو الإداوة قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز و إنما سمي ذا الإداوة لأنه قال إني خرجت في طلب إبل ضوال فتزودت لبنا

في إداوة ثم قلت في نفسي ما أنصفت ربي فأين الوضوء فأرقت اللبن و ملأتها ماء فقلت هذا وضوء و شراب و طفقت أبغي إبلي فلما

أردت الوضوء اصطببت من الإداوة ماء فتوضأت ثم أردت الشرب فلما اصطببتها إذا لبن فشربت فمكثت بذلك ثلاثا فقالت

[9 : 4 ]

له أسماء النحرانية يا أبا كعب أ حقينا كان أم حليبا قال إنك لبطالة كان يعصم من الجوع و يروي من الظمأ أما إني حدثت بهذا نفرا

من قومي منهم علي بن الحارث سيد بني قنان فلم يصدقني و قال ما أظن الذي تقول كما قلت فقلت الله أعلم بذلك و رجعت إلى منزلي

فبت ليلتي تلك فإذا به صلاة الصبح على بابي فخرجت إليه فقلت رحمك الله لم تعنيت ألا أرسلت إلي فآتيك فإني لأحق بذلك منك قال

ما نمت الليلة إلا أتاني آت فقال أنت الذي تكذب من يحدث بما أنعم الله عليه قال أبو كعب ثم خرجت حتى أتيت المدينة فأتيت

عثمان بن عفان و هو الخليفة يومئذ فسألته عن شيء من أمر ديني و قلت يا أمير المؤمنين إني رجل من أهل اليمن من بني الحارث بن

كعب و إني أريد أن أسألك فأمر حاجبك ألا يحجبني فقال يا وثاب إذا جاءك هذا الحارثي فأذن له قال فكنت إذا جئت فقرعت الباب قال

من ذا فقلت الحارثي فيقول ادخل فدخلت يوما فإذا عثمان جالس و حوله نفر سكوت لا يتكلمون كأن على رءوسهم الطير فسلمت ثم

جلست فلم أسأله عن شيء لما رأيت من حالهم و حاله فبينا أنا كذلك إذ جاء نفر فقالوا إنه أبى أن يجيء قال فغضب و قال أبى أن

يجيء اذهبوا فجيئوا به فإن أبى فجروه جرا. قال فمكثت قليلا فجاءوا و معهم رجل آدم طوال أصلع في مقدم رأسه شعرات و في قفاه

شعرات فقلت من هذا قالوا عمار بن ياسر فقال له عثمان أنت الذي تأتيك رسلنا فتأبى أن تجيء قال فكلمه بشيء لم أدر ما هو ثم خرج

فما زالوا

[9 : 5 ]

ينفضون من عنده حتى ما بقي غيري فقام فقلت و الله لا أسأل عن هذا الأمر أحدا أقول حدثني فلان حتى أدري ما يصنع فتبعته حتى دخل

المسجد فإذا عمار جالس إلى سارية و حوله نفر من أصحاب رسول الله ص يبكون فقال عثمان يا وثاب علي بالشرط فجاءوا فقال

فرقوا بين هؤلاء ففرقوا بينهم. ثم أقيمت الصلاة فتقدم عثمان فصلى بهم فلما كبر قالت امرأة من حجرتها يا أيها الناس ثم تكلمت و

ذكرت رسول الله ص و ما بعثه الله به ثم قالت تركتم أمر الله و خالفتم عهده... و نحو هذا ثم صمتت و تكلمت امرأة أخرى بمثل ذلك

فإذا هما عائشة و حفصة. قال فسلم عثمان ثم أقبل على الناس و قال إن هاتين لفتانتان يحل لي سبهما و أنا بأصلهما عالم. فقال له

سعد بن أبي وقاص أ تقول هذا لحبائب رسول الله ص فقال و فيم أنت و ما هاهنا ثم أقبل نحو سعد عامدا ليضربه فانسل سعد. فخرج

من المسجد فاتبعه عثمان فلقي عليا ع بباب المسجد فقال له ع أين تريد قال أريد هذا الذي كذا و كذا يعني سعدا يشتمه فقال له علي

ع أيها الرجل دع عنك هذا قال فلم يزل بينهما كلام حتى غضبا فقال عثمان أ لست الذي خلفك رسول الله ص له يوم تبوك فقال علي أ

لست الفار عن رسول الله ص يوم أحد. قال ثم حجز الناس بينهما قال ثم خرجت من المدينة حتى انتهيت إلى الكوفة فوجدت أهلها

أيضا وقع بينهم شر و نشبوا في الفتنة و ردوا سعيد بن العاص فلم يدعوه يدخل إليهم فلما رأيت ذلك رجعت حتى أتيت بلاد قومي.

[9 : 6 ]

و روى الزبير بن بكار في كتاب الموفقيات عن عمه عن عيسى بن داود عن رجاله قال قال ابن عباس رحمه الله لما بنى عثمان داره

بالمدينة أكثر الناس عليه في ذلك فبلغه فخطبنا في يوم جمعة ثم صلى بنا ثم عاد إلى المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على

رسوله ثم قال أما بعد فإن النعمة إذا حدثت حدث لها حساد حسبها و أعداء قدرها و إن الله لم يحدث لنا نعما ليحدث لها حساد عليها

و منافسون فيها و لكنه قد كان من بناء منزلنا هذا ما كان إرادة جمع المال فيه و ضم القاصية إليه فأتانا عن أناس منكم أنهم يقولون

أخذ فيئنا و أنفق شيئنا و استأثر بأموالنا يمشون خمرا و ينطقون سرا كأنا غيب عنهم و كأنهم يهابون مواجهتنا معرفة منهم بدحوض

حجتهم فإذ غابوا عنا يروح بعضهم إلى بعض يذكرنا و قد وجدوا على ذلك أعوانا من نظرائهم و مؤازرين من شبابهم فبعدا بعدا و رغما

رغما ثم أنشد بيتين كأنه يومئ فيهما إلى علي ع.

توقد بنار أينما كنت و اشتعل فلست ترى مما تعالج شافيا

تشط فيقضي الأمر دونك أهله وشيكا و لا تدعى إذا كنت نائيا

ما لي و لفيئكم و أخذ مالكم أ لست من أكثر قريش مالا و أظهرهم من الله نعمة أ لم أكن على ذلك قبل الإسلام و بعده و هبوني بنيت

منزلا من بيت المال أ ليس هو لي و لكم أ لم أقم أموركم و إني من وراء حاجاتكم فما تفقدون من حقوقكم شيئا فلم لا أصنع في

الفضل ما أحببت فلم كنت إماما إذا. ألا و إن من أعجب العجب أنه بلغني عنكم أنكم تقولون لنفعلن به و لنفعلن فبمن تفعلون لله

آباؤكم أ بنقد البقاع أم بفقع القاع أ لست أحراكم إن دعا أن يجاب و أقمنكم إن أمر أن يطاع

[9 : 7 ]

لهفي على بقائي فيكم بعد أصحابي و حياتي فيكم بعد أترابي يا ليتني تقدمت قبل هذا لكني لا أحب خلاف ما أحبه الله لي عز و جل إذا

شئتم فإن الصادق المصدق محمدا ص قد حدثني بما هو كائن من أمري و أمركم و هذا بدء ذلك و أوله فكيف الهرب مما حتم و قدر أما

إنه ع قد بشرني في آخر حديثه بالجنة دونكم إذا شئتم فلا أفلح من ندم. قال ثم هم بالنزول فبصر بعلي بن أبي طالب ع و معه عمار

بن ياسر رضي الله عنه و ناس من أهل هواه يتناجون فقال إيها إيها أ سرارا لا جهارا أما و الذي نفسي بيده ما أحنق على جرة و لا أوتى

من ضعف مرة و لو لا النظر لي و لكم و الرفق بي و بكم لعاجلتكم فقد اغتررتم و أفلتم من أنفسكم. ثم رفع يديه يدعو و يقول اللهم

قد تعلم حبي للعافية فألبسنيها و إيثاري للسلامة فآتنيها. قال فتفرق القوم عن علي ع و قام عدي بن الخيار فقال أتم الله عليك يا

أمير المؤمنين النعمة و زادك في الكرامة و الله لأن تحسد أفضل من أن تحسد و لأن تنافس أجل من أن تنافس أنت و الله في حسبنا

الصميم و منصبنا الكريم إن دعوت أجبت و إن أمرت أطعت فقل نفعل و ادع تجب جعلت الخيرة و الشورى إلى أصحاب رسول الله

ص ليختاروا لهم و لغيرهم و إنهم ليرون مكانك و يعرفون مكان غيرك فاختاروك منيبين طائعين غير مكرهين و لا مجبرين ما غيرت و

لا فارقت و لا بدلت و لا خالفت فعلام يقدمون عليك و هذا رأيهم فيك أنت و الله كما قال الأول

اذهب إليك فما للحسود إلا طلابك تحت العثار

[9 : 8 ]

حكمت فما جرت في خلة فحكمك بالحق بادي المنار

فإن يسبعوك فسرا و قد جهرت بسيفك كل الجهار

قال و نزل عثمان فأتى منزله و أتاه الناس و فيهم ابن عباس فلما أخذوا مجالسهم أقبل على ابن عباس فقال ما لي و لكم يا ابن عباس

ما أغراكم بي و أولعكم بتعقب أمري أ تنقمون علي أمر العامة أتيت من وراء حقوقهم أم أمركم فقد جعلتهم يتمنون منزلتكم لا و الله

لكن الحسد و البغي و تثوير الشر و إحياء الفتن و الله لقد ألقى النبي ص إلي ذلك و أخبرني به عن أهله واحدا واحدا و الله ما كذبت

و لا أنا بمكذوب. فقال ابن عباس على رسلك يا أمير المؤمنين فو الله ما عهدتك جهرا بسرك و لا مظهرا ما في نفسك فما الذي هيجك

و ثورك إنا لم يولعنا بك أمر و لم نتعقب أمرك بشيء أتيت بالكذب و تسوف عليك بالباطل و الله ما نقمنا عليك لنا و لا للعامة قد

أوتيت من وراء حقوقنا و حقوقهم و قضيت ما يلزمك لنا و لهم فأما الحسد و البغي و تثوير الفتن و إحياء الشر فمتى رضيت به عترة

النبي و أهل بيته و كيف و هم منه و إليه على دين الله يثورون الشر أم على الله يحيون الفتن كلا ليس البغي و لا الحسد من طباعهم

فاتئد يا أمير المؤمنين و أبصر أمرك و أمسك عليك فإن حالتك الأولى خير من حالتك الأخرى لعمري إن كنت لأثيرا عند رسول الله و

إن كان يفضي إليك بسره ما يطويه عن غيرك و لا كذبت و لا أنت بمكذوب اخسأ الشيطان عنك و لا يركبك و اغلب غضبك و لا يغلبك

فما دعاك إلى هذا الأمر الذي كان منك.

[9 : 9 ]

قال دعاني إليه ابن عمك علي بن أبي طالب فقال ابن عباس و عسى أن يكذب مبلغك قال عثمان إنه ثقة قال ابن عباس إنه ليس بثقة من

بلغ و أغرى قال عثمان يا ابن عباس آلله إنك ما تعلم من علي ما شكوت منه قال اللهم لا إلا أن يقول كما يقول الناس و ينقم كما

ينقمون فمن أغراك به و أولعك بذكره دونهم فقال عثمان إنما آفتي من أعظم الداء الذي ينصب نفسه لرأس الأمر و هو علي ابن عمك

و هذا و الله كله من نكده و شؤمه قال ابن عباس مهلا استثن يا أمير المؤمنين قل إن شاء الله فقال إن شاء الله ثم قال إني أنشدك يا

ابن عباس الإسلام و الرحم فقد و الله غلبت و ابتليت بكم و الله لوددت أن هذا الأمر كان صار إليكم دوني فحملتموه عني و كنت أحد

أعوانكم عليه إذا و الله لوجدتموني لكم خيرا مما وجدتكم لي و لقد علمت أن الأمر لكم و لكن قومكم دفعوكم عنه و اختزلوه دونكم

فو الله ما أدري أ دفعوه عنكم أم دفعوكم عنه. قال ابن عباس مهلا يا أمير المؤمنين فإنا ننشدك الله و الإسلام و الرحم مثل ما نشدتنا

أن تطمع فينا و فيك عدوا و تشمت بنا و بك حسودا إن أمرك إليك ما كان قولا فإذا صار فعلا فليس إليك و لا في يديك و إنا و الله

لنخالفن إن خولفنا و لننازعن إن نوزعنا و ما تمنيك أن يكون الأمر صار إلينا دونك إلا أن يقول قائل منا ما يقوله الناس و يعيب كما

عابوا فأما صرف قومنا عنا الأمر فعن حسد قد و الله عرفته و بغي قد و الله علمته فالله بيننا و بين قومنا و أما قولك إنك لا تدري أ

دفعوه عنا أم دفعونا عنه فلعمري إنك لتعرف أنه لو صار إلينا هذا الأمر ما زدنا به فضلا إلى فضلنا و لا قدرا إلى قدرنا و إنا لأهل الفضل

و أهل القدر و ما فضل فاضل إلا بفضلنا و لا سبق سابق إلا بسبقنا و لو لا هدينا ما اهتدى أحد و لا أبصروا من عمى و لا قصدوا من جور.

فقال عثمان حتى متى يا ابن عباس يأتيني عنكم ما يأتيني هبوني كنت بعيدا أ ما كان لي من الحق عليكم أن أراقب و أن أناظر بلى و

رب الكعبة و لكن الفرقة

[9 : 10 ]

سهلت لكم القول في و تقدمت بكم إلى الإسراع إلي و الله المستعان. قال ابن عباس مهلا حتى ألقى عليا ثم أحمل إليك على قدر ما

رأى قال عثمان افعل فقد فعلت و طالما طلبت فلا أطلب و لا أجاب و لا أعتب. قال ابن عباس فخرجت فلقيت عليا و إذا به من الغضب و

التلظي أضعاف ما بعثمان فأردت تسكينه فامتنع فأتيت منزلي و أغلقت بابي و اعتزلتهما فبلغ ذلك عثمان فأرسل إلي فأتيته و قد هدأ

غضبه فنظر إلي ثم ضحك و قال يا ابن عباس ما أبطأ بك عنا إن تركك العود إلينا لدليل على ما رأيت عند صاحبك و عرفت من حاله

فالله بيننا و بينه خذ بنا في غير ذلك. قال ابن عباس فكان عثمان بعد ذلك إذا أتاه عن علي شيء فأردت التكذيب عنه يقول و لا يوم

الجمعة حين أبطأت عنا و تركت العود إلينا فلا أدري كيف أرد عليه. و روى الزبير بن بكار أيضا في الموفقيات عن ابن عباس رحمه الله

قال خرجت من منزلي سحرا أسابق إلى المسجد و أطلب الفضيلة فسمعت خلفي حسا و كلاما فتسمعته فإذا حس عثمان و هو يدعو و لا

يرى أن أحدا يسمعه و يقول اللهم قد تعلم نيتي فأعني عليهم و تعلم الذين ابتليت بهم من ذوي رحمي و قرابتي فأصلحني لهم و

أصلحهم لي. قال فقصرت من خطوتي و أسرع في مشيته فالتقينا فسلم فرددت عليه فقال إني خرجت ليلتنا هذه أطلب الفضل و

المسابقة إلى المسجد فقلت إنه أخرجني ما أخرجك فقال و الله لئن سابقت إلى الخير إنك لمن سابقين مباركين و إني لأحبكم و

أتقرب إلى الله بحبكم فقلت يرحمك الله يا أمير المؤمنين إنا لنحبك و نعرف سابقتك و سنك و قرابتك و صهرك قال يا ابن عباس فما

لي و لابن عمك و ابن خالي قلت أي بني عمومتي و بني أخوالك قال اللهم اغفر أ تسأل مسألة الجاهل.

[9 : 11 ]

قلت إن بني عمومتي من بني خئولتك كثير فأيهم تعني قال أعني عليا لا غيره فقلت لا و الله يا أمير المؤمنين ما أعلم منه إلا خيرا و لا

أعرف له إلا حسنا قال و الله بالحري أن يستر دونك ما يظهره لغيرك و يقبض عنك ما ينبسط به إلى سواك. قال و رمينا بعمار بن ياسر

فسلم فرددت عليه سلامه ثم قال من معك قلت أمير المؤمنين عثمان قال نعم و سلم بكنيته و لم يسلم عليه بالخلافة فرد عليه ثم قال

عمار ما الذي كنتم فقد سمعت ذروا منه قلت هو ما سمعت فقال عمار رب مظلوم غافل و ظالم متجاهل قال عثمان أما إنك من شنائنا و

أتباعهم و ايم الله إن اليد عليك لمنبسطة و إن السبيل إليك لسهلة و لو لا إيثار العافية و لم الشعث لزجرتك زجرة تكفي ما مضى و

تمنع ما بقي. فقال عمار و الله ما أعتذر من حبي عليا و ما اليد بمنبسطة و لا السبيل بسهلة إني لازم حجة و مقيم على سنة و أما

إيثارك العافية و لم الشعث فلازم ذلك و أما زجري فأمسك عنه فقد كفاك معلمي تعليمي فقال عثمان أما و الله إنك ما علمت من أعوان

الشر الحاضين عليه الخذلة عند الخير و المثبطين عنه فقال عمار مهلا يا عثمان فقد سمعت رسول الله ص يصفني بغير ذلك قال عثمان

و متى قال يوم دخلت عليه منصرفه عن الجمعة و ليس عنده غيرك و قد ألقى ثيابه و قعد في فضله فقبلت صدره و نحره و جبهته فقال يا

عمار إنك لتحبنا و إنا لنحبك و إنك لمن الأعوان على الخير المثبطين عن الشر فقال عثمان أجل و لكنك غيرت و بدلت قال فرفع

عمار يده يدعو و قال أمن يا ابن عباس اللهم من غير فغير به ثلاث مرات. قال و دخلنا المسجد فأهوى عمار إلى مصلاه و مضيت مع

عثمان إلى القبلة

[9 : 12 ]

فدخل المحراب و قال تلبث علي إذا انصرفنا فلما رآني عمار وحدي أتاني فقال أ ما رأيت ما بلغ بي آنفا قلت أما و الله لقد أصعبت به و

أصعب بك و إن له لسنه و فضله و قرابته قال إن له لذلك و لكن لا حق لمن لا حق عليه و انصرف. و صلى عثمان و انصرفت معه يتوكأ

علي فقال هل سمعت ما قال عمار قلت نعم فسرني ذلك و ساءني أما مساءته إياي فما بلغ بك و أما مسرته لي فحلمك و احتمالك فقال

إن عليا فارقني منذ أيام على المقاربة و إن عمارا آتيه فقائل له و قائل فابدره إليه فإنك أوثق عنده منه و أصدق قولا فألق الأمر إليه

على وجهه فقلت نعم. و انصرفت أريد عليا ع في المسجد فإذا هو خارج منه فلما رآني تفجع لي من فوت الصلاة و قال ما أدركتها قلت

بلى و لكني خرجت مع أمير المؤمنين ثم اقتصصت عليه القصة فقال أما و الله يا ابن عباس إنه ليقرف قرحة ليحورن عليه ألمها فقلت

إن له سنه و سابقته و قرابته و صهره قال إن ذلك له و لكن لا حق لمن لا حق عليه. قال ثم رهقنا عمار فبش به علي و تبسم في وجهه و

سأله فقال عمار يا ابن عباس هل ألقيت إليه ما كنا فيه قلت نعم قال أما و الله إذا لقد قلت بلسان عثمان و نطقت بهواه قلت ما عدوت

الحق جهدي و لا ذلك من فعلي و إنك لتعلم أي الحظين أحب إلي و أي الحقين أوجب علي. قال فظن علي أن عند عمار غير ما ألقيت

إليه فأخذ بيده و ترك يدي فعلمت أنه يكره مكاني فتخلفت عنهما و انشعب بنا الطريق فسلكاه و لم يدعني فانطلقت إلى منزلي فإذا

رسول عثمان يدعوني فأتيته فأجد ببابه مروان و سعيد بن العاص.

[9 : 13 ]

في رجال من بني أمية فأذن لي و ألطفني و قربني و أدنى مجلسي ثم قال ما صنعت فأخبرته بالخبر على وجهه و ما قال الرجل و قلت له

و كتمته قوله إنه ليقرف قرحة ليحورن عليه ألمها إبقاء عليه و إجلالا له و ذكرت مجيء عمار و بش علي له و ظن علي أن قبله غير ما

ألقيت عليه و سلوكهما حيث سلكا قال و فعلا قلت نعم فاستقبل القبلة ثم قال اللهم رب السموات و الأرض عالم الغيب و الشهادة

الرحمن الرحيم أصلح لي عليا و أصلحني له أمن يا ابن عباس فأمنت ثم تحدثنا طويلا و فارقته و أتيت منزلي. و روى الزبير بن بكار

أيضا في الكتاب المذكور عن عبد الله بن عباس قال ما سمعت من أبي شيئا قط في أمر عثمان يلومه فيه و لا يعذره و لا سألته عن شيء

من ذلك مخافة أن أهجم منه على ما لا يوافقه فإنا عنده ليلة و نحن نتعشى إذ قيل هذا أمير المؤمنين عثمان بالباب فقال ائذنوا له

فدخل فأوسع له على فراشه و أصاب من العشاء معه فلما رفع قام من كان هناك و ثبت أنا فحمد عثمان الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد

يا خال فإني قد جئتك أستعذرك من ابن أخيك علي سبني و شهر أمري و قطع رحمي و طعن في ديني و إني أعوذ بالله منكم يا بني عبد

المطلب إن كان لكم حق تزعمون أنكم غلبتم عليه فقد تركتموه في يدي من فعل ذلك بكم و أنا أقرب إليكم رحما منه و ما لمت منكم

أحدا إلا عليا و لقد دعيت أن أبسط عليه فتركته لله و الرحم و أنا أخاف ألا يتركني فلا أتركه. قال ابن عباس فحمد أبي الله و أثنى عليه

ثم قال أما بعد يا ابن أختي فإن كنت لا تحمد عليا لنفسك فإني لا أحمدك لعلي و ما علي وحده قال فيك بل غيره فلو أنك

[9 : 14 ]

اتهمت نفسك للناس اتهم الناس أنفسهم لك و لو أنك نزلت مما رقيت و ارتقوا مما نزلوا فأخذت منهم و أخذوا منك ما كان بذلك بأس

قال عثمان فذلك إليك يا خال و أنت بيني و بينهم قال أ فأذكر لهم ذلك عنك قال نعم و انصرف فما لبثنا أن قيل هذا أمير المؤمنين قد

رجع بالباب قال أبي ائذنوا له فدخل فقام قائما و لم يجلس و قال لا تعجل يا خال حتى أوذنك فنظرنا فإذا مروان بن الحكم كان

جالسا بالباب ينتظره حتى خرج فهو الذي ثناه عن رأيه الأول فأقبل علي أبي و قال يا بني ما إلى هذا من أمره شيء ثم قال يا بني أملك

عليك لسانك حتى ترى ما لا بد منه ثم رفع يديه فقال اللهم اسبق بي ما لا خير لي في إدراكه فما مرت جمعة حتى مات رحمه الله. و

روى أبو العباس المبرد في الكامل عن قنبر مولى علي ع قال دخلت مع علي على عثمان فأحبا الخلوة فأومأ إلي علي ع بالتنحي

فتنحيت غير بعيد فجعل عثمان يعاتبه و علي مطرق فأقبل عليه عثمان و قال ما لك لا تقول قال إن قلت لم أقل إلا ما تكره و ليس لك

عندي إلا ما تحب

قال أبو العباس تأويل ذلك إن قلت اعتددت عليك بمثل ما اعتددت به علي فلذعك عتابي و عقدي ألا أفعل و إن كنت عاتبا إلا ما تحب. و

عندي فيه تأويل آخر و هو أني إن قلت و اعتذرت فأي شيء حسنته من الأعذار لم يكن ذلك عندك مصدقا و لم يكن إلا مكروها غير

مقبول و الله تعالى يعلم أنه ليس لك عندي في باطني و ما أطوي عليه جوانحي إلا ما تحب و إن كنت لا تقبل المعاذير التي أذكرها بل

تكرهها و تنبو نفسك عنها.

[9 : 15 ]

و روى الواقدي في كتاب الشورى عن ابن عباس رحمه الله قال شهدت عتاب عثمان لعلي ع يوما فقال له في بعض ما قاله نشدتك الله

أن تفتح للفرقة بابا فلعهدي بك و أنت تطيع عتيقا و ابن الخطاب طاعتك لرسول الله ص و لست بدون واحد منهما و أنا أمس بك رحما

و أقرب إليك صهرا فإن كنت تزعم أن هذا الأمر جعله رسول الله ص لك فقد رأيناك حين توفي نازعت ثم أقررت فإن كانا لم يركبا من

الأمر جددا فكيف أذعنت لهما بالبيعة و بخعت بالطاعة و إن كانا أحسنا فيما وليا و لم أقصر عنهما في ديني و حسبي و قرابتي فكن لي

كما كنت لهما.

فقال علي ع أما الفرقة فمعاذ الله أن أفتح لها بابا و أسهل إليها سبيلا و لكني أنهاك عما ينهاك الله و رسوله عنه و أهديك إلى رشدك

و أما عتيق و ابن الخطاب فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله ص لي فأنت أعلم بذلك و المسلمون و ما لي و لهذا الأمر و قد تركته منذ

حين فإما ألا يكون حقي بل المسلمون فيه شرع فقد أصاب السهم الثغرة و إما أن يكون حقي دونهم فقد تركته لهم طبت به نفسا و

نفضت يدي عنه استصلاحا و أما التسوية بينك و بينهما فلست كأحدهما إنهما وليا هذا الأمر فظلفا أنفسهما و أهلهما عنه و عمت فيه و

قومك عوم السابح في اللجة فارجع إلى الله أبا عمرو و انظر هل بقي من عمرك إلا كظمء الحمار فحتى متى و إلى متى أ لا تنهى

سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين و أبشارهم و أموالهم و الله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركا

بينه و بينك

قال ابن عباس فقال عثمان لك العتبى و افعل و اعزل من عمالي كل من تكرهه

[9 : 16 ]

و يكرهه المسلمون ثم افترقا فصده مروان بن الحكم عن ذلك و قال يجترئ عليك الناس فلا تعزل أحدا منهم. و

روى الزبير بن بكار أيضا في كتابه عن رجال أسند بعضهم عن بعض عن علي بن أبي طالب ع قال أرسل إلي عثمان في الهاجرة فتقنعت

بثوبي و أتيته فدخلت عليه و هو على سريره و في يده قضيب و بين يديه مال دثر صبرتان من ورق و ذهب فقال دونك خذ من هذا حتى

تملأ بطنك فقد أحرقتني فقلت وصلتك رحم إن كان هذا المال ورثته أو أعطاكه معط أو اكتسبته من تجارة كنت أحد رجلين إما آخذ و

أشكر أو أوفر و أجهد و إن كان من مال الله و فيه حق المسلمين و اليتيم و ابن السبيل فو الله ما لك أن تعطينيه و لا لي أن آخذه

فقال أبيت و الله إلا ما أبيت ثم قام إلي بالقضيب فضربني و الله ما أرد يده حتى قضى حاجته فتقنعت بثوبي و رجعت إلى منزلي و قلت

الله بيني و بينك إن كنت أمرتك بمعروف أو نهيت عن منكر

و روى الزبير بن بكار عن الزهري قال لما أتي عمر بجوهر كسرى وضع في المسجد فطلعت عليه الشمس فصار كالجمر فقال لخازن

بيت المال ويحك أرحني من هذا و اقسمه بين المسلمين فإن نفسي تحدثني أنه سيكون في هذا بلاء و فتنة بين الناس فقال يا أمير

المؤمنين إن قسمته بين المسلمين لم يسعهم و ليس أحد يشتريه لأن ثمنه عظيم و لكن ندعه إلى قابل فعسى الله أن يفتح على

المسلمين بمال فيشتريه منهم من يشتريه قال ارفعه فأدخله بيت المال. و قتل عمر و هو بحاله فأخذه عثمان لما ولي الخلافة فحلى

به بناته.

[9 : 17 ]

قال الزبير فقال الزهري كل قد أحسن عمر حين حرم نفسه و أقاربه و عثمان حين وصل أقاربه.

قال الزبير و حدثنا محمد بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال جاء رجل إلى علي ع يستشفع به إلى

عثمان فقال حمال الخطايا لا و الله لا أعود إليه أبدا فآيسه منه

و روى الزبير أيضا عن شداد بن عثمان قال سمعت عوف بن مالك في أيام عمر يقول يا طاعون خذني فقلنا له لم تقول هذا و

قد سمعت رسول الله ص يقول إن المؤمن لا يزيده طول العمر إلا خيرا

قال إني أخاف ستا خلافة بني أمية و إمارة السفهاء من أحداثهم و الرشوة في الحكم و سفك الدم الحرام و كثرة الشرط و نشأ ينشأ

يتخذون القرآن مزامير. و روى الزبير عن أبي غسان عن عمر بن زياد عن الأسود بن قيس عن عبيد بن حارثة قال سمعت عثمان و هو

يخطب فأكب الناس حوله فقال اجلسوا يا أعداء الله فصاح به طلحة إنهم ليسوا بأعداء الله لكنهم عباده و قد قرءوا كتابه. و روى

الزبير عن سفيان بن عيينة عن إسرائيل عن الحسن قال شهدت المسجد يوم جمعة فخرج عثمان فقام رجل فقال أنشد كتاب الله فقال

عثمان اجلس أ ما لكتاب الله ناشد غيرك فجلس ثم قام آخر فقال مثل مقالته فقال اجلس فأبى

[9 : 18 ]

أن يجلس فبعث إلى الشرط ليجلسوه فقام الناس فحالوا بينهم و بينه قال ثم تراموا بالبطحاء حتى يقول القائل ما أكاد أرى أديم

السماء من البطحاء فنزل عثمان فدخل داره و لم يصل الجمعة

فصل فيما شجر بين عثمان و ابن عباس من الكلام بحضرة علي

و روى الزبير أيضا في الموفقيات عن ابن عباس رحمه الله قال صليت العصر يوما ثم خرجت فإذا أنا بعثمان بن عفان في أيام خلافته

في بعض أزقة المدينة وحده فأتيته إجلالا و توقيرا لمكانه فقال لي هل رأيت عليا قلت خلفته في المسجد فإن لم يكن الآن فيه فهو

في منزله قال أما منزله فليس فيه فابغه لنا في المسجد فتوجهنا إلى المسجد و إذا علي ع يخرج منه قال ابن عباس و قد كنت أمس

ذلك اليوم عند علي فذكر عثمان و تجرمه عليه و قال أما و الله يا ابن عباس إن من دوائه لقطع كلامه و ترك لقائه فقلت له يرحمك الله

كيف لك بهذا فإن تركته ثم أرسل إليك فما أنت صانع قال أعتل و أعتل فمن يقسرني قال لا أحد. قال ابن عباس فلما تراءينا له و هو

خارج من المسجد ظهر منه من التفلت و الطلب للانصراف ما استبان لعثمان فنظر إلي عثمان و قال يا ابن عباس أ ما ترى ابن خالنا

يكره لقاءنا فقلت و لم و حقك ألزم و هو بالفضل أعلم فلما تقاربا رماه عثمان بالسلام فرد عليه فقال عثمان إن تدخل فإياك أردنا و إن

تمض فإياك طلبنا فقال علي أي ذلك أحببت قال تدخل فدخلا و أخذ عثمان بيده فأهوى به إلى القبلة فقصر عنها و جلس قبالتها فجلس

عثمان إلى جانبه فنكصت عنهما فدعواني جميعا فأتيتهما فحمد عثمان الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال أما بعد يا بني خالي

و ابني

[9 : 19 ]

عمي فإذ جمعتكما في النداء فسأجمعكما في الشكاية عن رضاي على أحدكما و وجدي على الآخر إني أستعذركما من أنفسكما و

أسألكما فيئتكما و أستوهبكما رجعتكما فو الله لو غالبني الناس ما انتصرت إلا بكما و لو تهضموني ما تعززت إلا بعزكما و لقد طال

هذا الأمر بيننا حتى تخوفت أن يجوز قدره و يعظم الخطر فيه و لقد هاجني العدو عليكما و أغراني بكما فمنعني الله و الرحم مما أراد

و قد خلونا في مسجد رسول الله ص و إلى جانب قبره و قد أحببت أن تظهرا لي رأيكما في و ما تنطويان لي عليه و تصدقا فإن الصدق

أنجى و أسلم و أستغفر الله لي و لكما. قال ابن عباس فأطرق علي ع و أطرقت معه طويلا أما أنا فأجللته أن أتكلم قبله و أما هو فأراد

أن أجيب عني و عنه ثم قلت له أ تتكلم أم أتكلم عنك قال بل تكلم عني و عنك فحمدت الله و أثنيت عليه و صليت على رسوله ثم قلت

أما بعد يا ابن عمنا و عمتنا فقد سمعنا كلامك لنا و خلطك في الشكاية بيننا على رضاك زعمت عن أحدنا و وجدك على الآخر و سنفعل

في ذلك فنذمك و نحمدك اقتداء منك بفعلك فينا فإنا نذم مثل تهمتك إيانا على ما اتهمتنا عليه بلا ثقة إلا ظنا و نحمد منك غير ذلك

من مخالفتك عشيرتك ثم نستعذرك من نفسك استعذارك إيانا من أنفسنا و نستوهبك فيئتك استيهابك إيانا فيئتنا و نسألك رجعتك

مسألتك إيانا رجعتنا فإنا معا أيما حمدت و ذممت منا كمثلك في أمر نفسك ليس بيننا فرق و لا اختلاف بل كلانا شريك صاحبه في رأيه

و قوله فو الله ما تعلمنا غير معذرين فيما بيننا و بينك و لا تعرفنا غير قانتين عليك و لا تجدنا غير راجعين إليك فنحن نسألك من

نفسك مثل ما سألتنا من أنفسنا و أما قولك لو غالبتني الناس ما انتصرت إلا بكما أو تهضموني ما تعززت إلا بعزكما فأين بنا و بك عن

ذلك و نحن و أنت كما قال أخو كنانة

[9 : 20 ]

بدا بحتر ما رام نال و إن يرم يخض دونه غمرا من الغر رائمه

لنا و لهم منا و منهم على العدا مراتب عز مصعدات سلالمه

و أما قولك في هيج العدو إياك علينا و إغرائه لك بنا فو الله ما أتاك العدو من ذلك شيئا إلا و قد أتانا بأعظم منه فمنعنا مما أراد ما

منعك من مراقبة الله و الرحم و ما أبقيت أنت و نحن إلا على أدياننا و أعراضنا و مروءاتنا و لقد لعمري طال بنا و بك هذا الأمر حتى

تخوفنا منه على أنفسنا و راقبنا منه ما راقبت. و أما مساءلتك إيانا عن رأينا فيك و ما ننطوي عليه لك فإنا نخبرك أن ذلك إلى ما تحب

لا يعلم واحد منا من صاحبه إلا ذلك و لا يقبل منه غيره و كلانا ضامن على صاحبه ذلك و كفيل به و قد برأت أحدنا و زكيته و أنطقت

الآخر و أسكته و ليس السقيم منا مما كرهت بأنطق من البريء فيما ذكرت و لا البريء منا مما سخطت بأظهر من السقيم فيما وصفت

فإما جمعتنا في الرضا و إما جمعتنا في السخط لنجازيك بمثل ما تفعل بنا في ذلك مكايلة الصاع بالصاع فقد أعلمناك رأينا و أظهرنا

لك ذات أنفسنا و صدقناك و الصدق كما ذكرت أنجى و أسلم فأجب إلى ما دعوت إليه و أجلل عن النقض و الغدر مسجد رسول الله ص

و موضع قبره و اصدق تنج و تسلم و نستغفر الله لنا و لك

قال ابن عباس فنظر إلي علي ع نظر هيبة و قال دعه حتى يبلغ رضاه فيما هو فيه فو الله لو ظهرت له قلوبنا و بدت له سرائرنا حتى

رآها بعينه كما يسمع الخبر عنها بأذنه ما زال متجرما منتقما و الله ما أنا ملقى على وضمة و إني لمانع ما وراء ظهري و إن هذا الكلام

لمخالفة منه و سوء عشرة فقال عثمان مهلا أبا حسن فو الله إنك لتعلم أن رسول الله ص وصفني

[9 : 21 ]

بغير ذلك يوم يقول و أنت عنده إن من أصحابي لقوما سالمين لهم و إن عثمان لمنهم إنه لأحسنهم بهم ظنا و أنصحهم لهم حبا فقال

علي ع فتصدق قوله ص بفعلك و خالف ما أنت الآن عليه فقد قيل لك ما سمعت و هو كاف إن قبلت قال عثمان فتثق يا أبا الحسن قال

نعم أثق و لا أظنك إلا فاعلا قال عثمان قد وثقت و أنت ممن لا يخفر صاحبه و لا يكذب لقيله

قال ابن عباس فأخذت بأيديهما حتى تصافحا و تصالحا و تمازحا و نهضت عنهما فتشاورا و تآمرا و تذاكرا ثم افترقا فو الله ما مرت

ثالثة حتى لقيني كل واحد منهما يذكر من صاحبه ما لا تبرك عليه الإبل فعلمت أن لا سبيل إلى صلحهما بعدها. و روى أحمد بن عبد

العزيز الجوهري في كتاب أخبار السقيفة عن محمد بن قيس الأسدي عن المعروف بن سويد قال كنت بالمدينة أيام بويع عثمان

فرأيت رجلا في المسجد جالسا و هو يصفق بإحدى يديه على الأخرى و الناس حوله و يقول وا عجبا من قريش و استئثارهم بهذا الأمر

على أهل هذا البيت معدن الفضل و نجوم الأرض و نور البلاد و الله إن فيهم لرجلا ما رأيت رجلا بعد رسول الله ص أولى منه بالحق و

لا أقضي بالعدل و لا آمر بالمعروف و لا أنهى عن المنكر فسألت عنه فقيل هذا المقداد فتقدمت إليه و قلت أصلحك الله من الرجل

الذي تذكر فقال ابن عم نبيك رسول الله ص علي بن أبي طالب. قال فلبثت ما شاء الله ثم إني لقيت أبا ذر رحمه الله فحدثته ما قال

المقداد فقال صدق قلت فما يمنعكم أن تجعلوا هذا الأمر فيهم قال أبى ذلك قومهم قلت فما يمنعكم أن تعينوهم قال مه لا تقل هذا

إياكم و الفرقة و الاختلاف.

[9 : 22 ]

قال فسكت عنه ثم كان من الأمر بعد ما كان. و ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ في الكتاب الذي أورد فيه المعاذير عن أحداث عثمان أن

عليا اشتكى فعاده عثمان من شكايته فقال علي ع

و عائدة تعود لغير ود تود لو أن ذا دنف يموت

فقال عثمان و الله ما أدري أ حياتك أحب إلي أم موتك إن مت هاضني فقدك و إن حييت فتنتني حياتك لا أعدم ما بقيت طاعنا يتخذك

رديئة يلجأ إليها. فقال علي ع ما الذي جعلني رديئة للطاعنين العائبين إنما سوء ظنك بي أحلني من قبلك هذا المحل فإن كنت تخاف

جانبي فلك علي عهد الله و ميثاقه أن لا بأس عليك مني ما بل بحر صوفة و إني لك لراع و إني عنك لمحام و لكن لا ينفعني ذلك عندك

و أما قولك إن فقدي يهيضك فكلا أن تهاض لفقدي ما بقي لك الوليد و مروان. فقام عثمان فخرج. و قد روي أن عثمان هو الذي أنشد

هذا البيت و قد كان اشتكى فعاده علي ع فقال عثمان

و عائدة تعود بغير نصح تود لو أن ذا دنف يموت

و روى أبو سعد الآبي في كتابه عن ابن عباس قال وقع بين عثمان و علي

[9 : 23 ]

ع كلام فقال عثمان ما أصنع إن كانت قريش لا تحبكم و قد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأن وجوههم شنوف الذهب تصرع أنفهم قبل

شفاههم. و روى المذكور أيضا أن عثمان لما نقم الناس عليه ما نقموا قام متوكئا على مروان فخطب الناس فقال إن لكل أمة آفة و

لكل نعمة عاهة و إن آفة هذه الأمة و عاهة هذه النعمة قوم عيابون طعانون يظهرون لكم ما تحبون و يسرون ما تكرهون طغام مثل

النعام يتبعون أول ناعق و لقد نقموا علي ما نقموا على عمر مثله فقمعهم و وقمهم و إني لأقرب ناصرا و أعز نفرا فما لي لا أفعل في

فضول الأموال ما أشاء. و روى المذكور أيضا أن عليا ع اشتكى فعاده عثمان فقال ما أراك أصبحت إلا ثقيلا قال أجل قال و الله ما أدري

أ موتك أحب إلي أم حياتك إني لأحب موتك و أكره أن أعيش بعدك فلو شئت جعلت لنا من نفسك مخرجا إما صديقا مسالما و إما عدوا

مغالبا و إنك لكما قال أخو إياد

جرت لما بيننا حبل الشموس فلا يأسا مبينا نرى منها و لا طمعا

فقال علي ع ليس لك عندي ما تخافه و إن أجبتك لم أجبك إلا بما تكرهه. و كتب عثمان إلى علي ع حين أحيط به أما بعد فقد جاوز الماء

الزبى و بلغ الحزام الطبيين و تجاوز الأمر في قدره فطمع في من لا يدفع عن نفسه

[9 : 24 ]

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل و إلا فأدركني و لما أمزق

و روى الزبير خبر العيادة على وجه آخر قال مرض علي ع فعاده عثمان و معه مروان بن الحكم فجعل عثمان يسأل عليا عن حاله و علي

ساكت لا يجيبه فقال عثمان لقد أصبحت يا أبا الحسن مني بمنزلة الولد العاق لأبيه إن عاش عقه و إن مات فجعه فلو جعلت لنا من

أمرك فرجا إما عدوا أو صديقا و لم تجعلنا بين السماء و الماء أما و الله لأنا خير لك من فلان و فلان و إن قتلت لا تجد مثلي فقال

مروان أما و الله لا يرام ما وراءنا حتى تتواصل سيوفنا و تقطع أرحامنا. فالتفت إليه عثمان و قال اسكت لا سكت و ما يدخلك فيما

بيننا. و

روى شيخنا أبو عثمان الجاحظ عن زيد بن أرقم قال سمعت عثمان و هو يقول لعلي ع أنكرت علي استعمال معاوية و أنت تعلم أن عمر

استعمله قال علي ع نشدتك الله أ لا تعلم أن معاوية كان أطوع لعمر من يرفأ غلامه إن عمر كان إذا استعمل عاملا وطئ على صماخه و

إن القوم ركبوك و غلبوك و استبدوا بالأمر دونك فسكت عثمان

أسباب المنافسة بين علي و عثمان

قلت حدثني جعفر بن مكي الحاجب رحمه الله قال سألت محمد بن سليمان حاجب الحجاب و قد رأيت أنا محمدا هذا و كانت لي به

معرفة غير مستحكمة و كان ظريفا

[9 : 25 ]

أديبا و قد اشتغل بالرياضيات من الفلسفة و لم يكن يتعصب لمذهب بعينه قال جعفر سألت عما عنده في أمر علي و عثمان فقال هذه

عداوة قديمة النسب بين عبد شمس و بين بني هاشم و قد كان حرب بن أمية نافر عبد المطلب بن هاشم و كان أبو سفيان يحسد

محمدا ص و حاربه و لم تزل الثنتان متباغضتين و إن جمعتهما المنافية ثم إن رسول الله ص زوج عليا بابنته و زوج عثمان بابنته

الأخرى و كان اختصاص رسول الله ص لفاطمة أكثر من اختصاصه للبنت الأخرى و للثانية التي تزوجها عثمان بعد وفاة الأولى و

اختصاصه أيضا لعلي و زيادة قربه منه و امتزاجه به و استخلاصه إياه لنفسه أكثر و أعظم من اختصاصه لعثمان فنفس عثمان ذلك عليه

فتباعد ما بين قلبيهما و زاد في التباعد ما عساه يكون بين الأختين من مباغضة أو مشاجرة أو كلام ينقل من إحداهما إلى الأخرى

فيتكدر قلبها على أختها و يكون ذلك التكدير سببا لتكدير ما بين البعلين أيضا كما نشاهده في عصرنا و في غيره من الأعصار و قد قيل

ما قطع من الأخوين كالزوجتين ثم اتفق أن عليا ع قتل جماعة كثيرة من بني عبد شمس في حروب رسول الله ص فتأكد الشنئان و إذا

استوحش الإنسان من صاحبه استوحش صاحبه منه ثم مات رسول الله ص فصبا إلى علي جماعة يسيرة لم يكن عثمان منهم و لا حضر

في دار فاطمة مع من حضر من المخلفين عن البيعة و كانت في نفس علي ع أمور من الخلافة لم يمكنه إظهارها في أيام أبي بكر و عمر

لقوة عمر و شدته و انبساط يده و لسانه فلما قتل عمر و جعل الأمر شورى بين الستة و عدل عبد الرحمن بها عن علي إلى عثمان لم

يملك علي نفسه فأظهر ما كان كامنا و أبدى ما كان مستورا و لم يزل الأمر يتزايد بينهما حتى شرف و تفاقم و مع ذلك فلم يكن علي ع

لينكر من أمره إلا منكرا و لا ينهاه إلا كما تقتضي الشريعة نهيه عنه و كان عثمان مستضعفا في نفسه رخوا قليل الحزم واهي العقدة و

سلم عنانه إلى

[9 : 26 ]

مروان يصرفه كيف شاء الخلافة له في المعنى و لعثمان في الاسم فلما انتقض على عثمان أمره استصرخ عليا و لاذ به و ألقى زمام أمره

إليه فدافع عنه حيث لا ينفع الدفاع و ذب عنه حين لا يغني الذب فقد كان الأمر فسد فسادا لا يرجى صلاحه. قال جعفر فقلت له أ تقول

إن عليا وجد من خلافة عثمان أعظم مما وجده من خلافة أبي بكر و عمر فقال كيف يكون ذلك و هو فرع لهما و لولاهما لم يصل إلى

الخلافة و لا كان عثمان ممن يطمع فيها من قبل و لا يخطر له ببال و لكن هاهنا أمر يقتضي في عثمان زيادة المنافسة و هو اجتماعهما

في النسب و كونهما من بني عبد مناف و الإنسان ينافس ابن عمه الأدنى أكثر من منافسة الأبعد و يهون عليه من الأبعد ما لا يهون عليه

من الأقرب. قال جعفر فقلت له أ فتقول لو أن عثمان خلع و لم يقتل أ كان الأمر يستقيم لعلي ع إذا بويع بعد خلعه فقال لا و كيف

يتوهم ذلك بل يكون انتقاض الأمور عليه و عثمان حي مخلوع أكثر من انتقاضها عليه بعد قتله لأنه موجود يرجى و يتوقع عوده فإن

كان محبوسا عظم البلاء و الخطب و هتف الناس باسمه في كل يوم بل في كل ساعة و إن كان مخلى سربه و ممكنا من نفسه و غير

محول بينه و بين اختياره لجأ إلى بعض الأطراف و ذكر أنه مظلوم غصبت خلافته و قهر على خلع نفسه فكان اجتماع الناس عليه

أعظم و الفتنة به أشد و أغلظ. قال جعفر فقلت له فما تقول في هذا الاختلاف الواقع في أمر الإمامة من مبدأ الحال و ما الذي تظنه

أصله و منبعه فقال لا أعلم لهذا أصلا إلا أمرين أحدهما أن رسول الله ص أهمل أمر الإمامة فلم يصرح فيه بأحد بعينه و إنما كان هناك

رمز و إيماء و كناية و تعريض لو أراد صاحبه أن يحتج به وقت الاختلاف و حال المنازعة

[9 : 27 ]

لم يقم منه صورة حجة تغني و لا دلالة تحسب و تكفي و لذلك لم يحتج علي ع يوم السقيفة بما ورد فيه لأنه لم يكن نصا جليا يقطع

العذر و يوجب الحجة و عادة الملوك إذا تمهد ملكهم و أرادوا العقد لولد من أولادهم أو ثقة من ثقاتهم أن يصرحوا بذكره و يخطبوا

باسمه على أعناق المنابر و بين فواصل الخطب و يكتبوا بذلك إلى الآفاق البعيدة عنهم و الأقطار النائية منهم و من كان منهم ذا

سرير و حصن و مدن كثيرة ضرب اسمه على صفحات الدنانير و الدراهم مع اسم ذلك الملك بحيث تزول الشبهة في أمره و يسقط

الارتياب بحاله فليس أمر الخلافة بهين و لا صغير ليترك حتى يصير في مظنة الاشتباه و اللبس و لعله كان لرسول الله ص في ذلك عذر

لا نعلمه نحن إما خشية من فساد الأمر أو إرجاف المنافقين و قولهم إنها ليس بنبوة و إنما هي ملك به أوصى لذريته و سلالته و لما لم

يكن أحد من تلك الذرية في تلك الحال صالحا للقيام بالأمر لصغر السن جعله لأبيهم ليكون في الحقيقة لزوجته التي هي ابنته و

لأولاده منها من بعده. و أما ما تقوله المعتزلة و غيرهم من أهل العدل أن الله تعالى علم أن المكلفين يكونون على ترك الأمر مهملا

غير معين أقرب إلى فعل الواجب و تجنب القبيح قال و لعل رسول الله ص لم يكن يعلم في مرضه أنه يموت في ذلك المرض و كان

يرجو البقاء فيمهد للإمامة قاعدة واضحة و مما يدل على ذلك أنه لما نوزع في إحضار الدواة و الكتف ليكتب لهم ما لا يضلون بعده

غضب و قال اخرجوا عني لم يجمعهم بعد الغضب ثانية و يعرفهم رشدهم و يهديهم إلى مصالحهم بل ارجأ الأمر إرجاء من يرتقب

الإفاقة و ينتظر العافية. قال فبتلك الأقوال المحجمة و الكنايات المحتملة و الرموز المشتبهة مثل حديث

[9 : 28 ]

خصف النعل و منزلة هارون من موسى و من كنت مولاه و هذا يعسوب الدين و لا فتى إلا علي و أحب خلقك إليك... و ما جرى هذا

المجرى مما لا يفصل الأمر و يقطع العذر و يسكت الخصم و يفحم المنازع وثبت الأنصار فادعتها و وثب بنو هاشم فادعوها و قال أبو

بكر بايعوا عمر أو أبا عبيدة و قال العباس لعلي امدد يدك لأبايعك و قال قوم ممن رعف به الدهر فيما بعد و لم يكن موجودا حينئذ إن

الأمر كان للعباس لأنه العم الوارث و إن أبا بكر و عمر غصباه حقه فهذا أحدهما. و أما السبب الثاني للاختلاف فهو جعل عمر الأمر

شورى في الستة و لم ينص على واحد بعينه إما منهم أو من غيرهم فبقي في نفس كل واحد منهم أنه قد رشح للخلافة و أهل للملك و

السلطنة فلم يزل ذلك في نفوسهم و أذهانهم مصورا بين أعينهم مرتسما في خيالاتهم منازعة إليه نفوسهم طامحة نحوه عيونهم

حتى كان من الشقاق بين علي و عثمان ما كان و حتى أفضى الأمر إلى قتل عثمان و كان أعظم الأسباب في قتله طلحة و كان لا يشك أن

الأمر له من بعده لوجوه منها سابقته و منها أنه ابن عم لأبي بكر و كان لأبي بكر في نفوس أهل ذلك العصر منزلة عظيمة أعظم منها

الآن و منها أنه كان سمحا جوادا و قد كان نازع عمر في حياة أبي بكر و أحب أن يفوض أبو بكر الأمر إليه من بعده فما زال يفتل في

الذروة و الغارب في أمر عثمان و ينكر له القلوب و يكدر عليه النفوس و يغري أهل المدينة و الأعراب و أهل الأمصار به و ساعده

الزبير و كان أيضا يرجو الأمر لنفسه و لم يكن رجاؤهما الأمر بدون رجاء علي بل رجاؤهما كان أقوى لأن عليا دحضه الأولان و أسقطاه

و كسرا ناموسه بين الناس فصار نسيا منسيا و مات الأكثر ممن يعرف خصائصه التي كانت في أيام النبوة و فضله و نشأ قوم لا

يعرفونه و لا يرونه إلا رجلا من عرض المسلمين و لم يبق له مما يمت به إلا أنه ابن عم الرسول و زوج ابنته و أبو سبطيه و نسي ما

وراء ذلك كله و اتفق له من بغض

[9 : 29 ]

قريش و انحرافها ما لم يتفق لأحد و كانت قريش بمقدار ذلك البغض تحب طلحة و الزبير لأن الأسباب الموجبة لبغضهم لم تكن

موجودة فيهما و كانا يتألفان قريشا في أواخر أيام عثمان و يعدانهم بالعطاء و الإفضال و هما عند أنفسهما و عند الناس خليفتان

بالقوة لا بالفعل لأن عمر نص عليهما و ارتضاهما للخلافة و عمر متبع القول و مرضى الفعال موفق مؤيد مطاع نافذ الحكم في حياته و

بعد وفاته فلما قتل عثمان أرادها طلحة و حرص عليها فلو لا الأشتر و قوم معه من شجعان العرب جعلوها في علي لم تصل إليه أبدا

فلما فاتت طلحة و الزبير فتقا ذلك الفتق العظيم على علي و أخرجا أم المؤمنين معهما و قصدا العراق و أثارا الفتنة و كان من حرب

الجمل ما قد علم و عرف ثم كانت حرب الجمل مقدمة و تمهيدا لحرب صفين فإن معاوية لم يكن ليفعل ما فعل لو لا طمعه بما جرى

في البصرة ثم أوهم أهل الشام أن عليا قد فسق بمحاربة أم المؤمنين و محاربة المسلمين و أنه قتل طلحة و الزبير و هما من أهل

الجنة و من يقتل مؤمنا من أهل الجنة فهو من أهل النار فهل كان الفساد المتولد في صفين إلا فرعا للفساد الكائن يوم الجمل ثم نشأ

من فساد صفين و ضلال معاوية كل ما جرى من الفساد و القبيح في أيام بني أمية و نشأت فتنة ابن الزبير فرعا من فروع يوم الدار لأن

عبد الله كان يقول إن عثمان لما أيقن بالقتل نص علي بالخلافة و لي بذلك شهود و منهم مروان بن الحكم أ فلا ترى كيف تسلسلت

هذه الأمور فرعا على أصل و غصنا من شجرة و جذوة من ضرام هكذا يدور بعضه على بعض و كله من الشورى في الستة. قال و أعجب من

ذلك قول عمر و قد قيل له إنك استعملت يزيد بن أبي سفيان و سعيد بن العاص و معاوية و فلانا و فلانا من المؤلفة قلوبهم من

الطلقاء و أبناء الطلقاء و تركت أن تستعمل عليا و العباس و الزبير و طلحة فقال أما علي فأنبه من ذلك و أما هؤلاء النفر

[9 : 30 ]

من قريش فإني أخاف أن ينتشروا في البلاد فيكثروا فيها الفساد فمن يخاف من تأميرهم لئلا يطمعوا في الملك و يدعيه كل واحد

منهم لنفسه كيف لم يخف من جعلهم ستة متساوين في الشورى مرشحين للخلافة و هل شيء أقرب إلى الفساد من هذا و قد روي أن

الرشيد رأى يوما محمدا و عبد الله ابنيه يلعبان و يضحكان فسر بذلك فلما غابا عن عينه بكى فقال له الفضل بن الربيع ما يبكيك يا

أمير المؤمنين و هذا مقام جذل لا مقام حزن فقال أ ما رأيت لعبهما و مودة بينهما أما و الله ليتبدلن ذلك بغضا و شنفا و ليحتلسن كل

واحد منهما نفس صاحبه عن قريب فإن الملك عقيم و كان الرشيد قد عقد الأمر لهما على ترتيب هذا بعد هذا فكيف من لم يرتبوا في

الخلافة بل جعلوا فيها كأسنان المشط. فقلت أنا لجعفر هذا كله تحكيه عن محمد بن سليمان فما تقول أنت فقال

إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام

[9 : 31 ]

136- و من كلام له ع

لَمْ تَكُنْ بَيْعَتِكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً وَ لَيْسَ أَمْرِي وَ أَمْرُكُمْ وَاحِداً إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ وَ أَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ

ايْمُ اللَّهِ لَأُنْصِفَنَّ الْمَظْلُومَ وَ لَأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخَزَامَتِهِ حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وَ إِنْ كَانَ كَارِهاً

الفلتة الأمر يقع عن غير تدبر و لا روية و في الكلام تعريض ببيعة أبي بكر و قد تقدم لنا في معنى قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة

وقى الله شرها كلام. و الخزامة حلقة من شعر تجعل في أنف البعير و يجعل الزمام فيها. و أعينوني على أنفسكم خذوها بالعدل و

أقنعوها عن اتباع الهوى و اردعوها بعقولكم عن المسالك التي ترديها و توبقها فإنكم إذا فعلتم ذلك أعنتموني عليها لأني أعظكم و

آمركم بالمعروف و أنهاكم عن المنكر فإذا كبحتم أنفسكم بلجام العقل الداعي إلى ما أدعو إليه فقد أعنتموني عليها. فإن قلت ما

معنى قوله أريدكم لله و تريدونني لأنفسكم.

[9 : 32 ]

قلت لأنه لا يريد من طاعتهم له إلا نصرة دين الله و القيام بحدوده و حقوقه و لا يريدهم لحظ نفسه و أما هم فإنهم يريدونه لحظوظ

أنفسهم من العطاء و التقريب و الأسباب الموصلة إلى منافع الدنيا. و هذا الخطاب منه ع لجمهور أصحابه فأما الخواص منهم فإنهم

كانوا يريدونه للأمر الذي يريدهم له من إقامة شرائع الدين و إحياء معالمه

[9 : 33 ]

137- و من كلام له ع في شأن طلحة و الزبير

وَ اللَّهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً وَ لَا جَعَلُوا بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ نِصْفاً وَ إِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ وَ دَماً هُمْ سَفَكُوهُ فَإِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ

لَهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ وَ إِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا الطَّلِبَةُ إِلَّا قِبَلَهُمْ وَ إِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ لَلْحُكْمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَسْتُ وَ لَا

لُبِسَ عَلَيَّ وَ إِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فِيهَا الْحَمَأُ وَ الْحُمَّةُ وَ الشُّبْهَةُ الْمُغْدَفَةُ وَ إِنَّ الْأَمْرَ لَوَاضِحٌ وَ قَدْ زَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ نِصَابِهِ وَ انْقَطَعَ لِسَانُهُ

عَنْ شَغْبِهِ وَ ايْمُ اللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيّ وَ لَا يَعُبُّونَ بَعْدَهُ فِي حِسْي

النصف الإنصاف قال الفرزدق

و لكن نصفا لو سببت و سبني بنو عبد شمس من قريش و هاشم

و هو على حذف المضاف أي ذا نصف أي حكما منصفا عادلا يحكم بيني و بينهم و الطلبة بكسر اللام ما طلبته من شيء و لبست على

فلان الأمر و لبس عليه الأمر كلاهما بالتخفيف.

[9 : 34 ]

و الحمأ الطين الأسود قال سبحانه مِنْ صَلْصال مِنْ حَمَإ مَسْنُون و حمة العقرب سمتها أي في هذه الفئة الباغية الضلال و الفساد و

الضرر و إذا أرادت العرب أن تعبر عن الضلال و الفساد قالت الحمء مثله الحمأة بالتاء و من أمثالهم ثأطة مدت بماء يضرب للرجل

يشتد موقه و جهله و الثأطة الحمأة و إذا أصابها الماء ازدادت فسادا و رطوبة. و يروى فيها الحما بألف مقصورة و هو كناية عن الزبير

لأن كل ما كان بسبب الرجل فهم الأحماء واحدهم حما مثل قفا و أقفاء و ما كان بسبب المرأة فهم الأخاتن فأما الأصهار فيجمع

الجهتين جمعا و كان الزبير ابن عمة رسول الله ص و قد كان النبي ص أعلم عليا بأن فئة من المسلمين تبغي عليه أيام خلافته فيها

بعض زوجاته و بعض أحمائه فكنى علي ع عن الزوجة بالحمة و هي سم العقرب و يروى و الحمء يضرب مثلا لغير الطيب و لغير

الصافي و ظهر أن الحمء الذي أخبر النبي ص بخروجه مع هؤلاء البغاة هو الزبير ابن عمته و في الحمأ أربع لغات حما مثل قفا و حمء

مثل كمء و حمو مثل أبو و حم مثل أب. قوله ع و الشبهة المغدفة أي الخفية و أصله المرأة تغدف وجهها بقناعها أي تستره و روي

المغدفة بكسر الدال من أغدف الليل أي أظلم. و زاح الباطل أي بعد و ذهب و أزاحه غيره. و عن نصابه عن مركزه و مقره و منه قول

بعض المحدثين.

قد رجع الحق إلى نصابه و أنت من دون الورى أولى به

و الشغب بالتسكين تهييج الشر شغب الحقد بالفتح شغبا و قد جاء بالتحريك في لغة ضعيفة و ماضيها شغب بالكسر.

[9 : 35 ]

و لأفرطن لهم حوضا أي لأملأن يقال أفرطت المزادة أي ملأتها و غدير مفرط أي ملآن. و الماتح بنقطتين من فوق المستقي من فوق و

بالياء مالئ الدلاء من تحت و العب الشرب بلا مص كما تشرب الدابة و

في الحديث الكباد من العب

و الحسي ماء كامن في رمل يحفر عنه فيستخرج و جمعه أحساء. يقول ع و الله ما أنكروا علي أمرا هو منكر في الحقيقة و إنما أنكروا

ما الحجة عليهم فيه لا لهم و حملهم على ذلك الحسد و حب الاستئثار بالدنيا و التفضيل في العطاء و غير ذلك مما لم يكن أمير

المؤمنين ع يراه و لا يستجيزه في الدين قال و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا يعني وسيطا يحكم و ينصف بل خرجوا عن الطاعة بغتة و

إنهم ليطلبون حقا تركوه أي يظهرون أنهم يطلبون حقا بخروجهم إلى البصرة و قد تركوا الحق بالمدينة. قال و دما هم سفكوه يعني

دم عثمان و كان طلحة من أشد الناس تحريضا عليه و كان الزبير دونه في ذلك. روي أن عثمان قال ويلي على ابن الحضرمية يعنى

طلحة أعطيته كذا و كذا بهارا ذهبا و هو يروم دمي يحرض على نفسي اللهم لا تمتعه به و لقه عواقب بغيه. و روى الناس الذين صنفوا

في واقعة الدار أن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام و رووا أيضا أنه لما امتنع

على الذين

[9 : 36 ]

حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها و تسوروا منها على عثمان داره فقتلوه. و

رووا أيضا أن الزبير كان يقول اقتلوه فقد بدل دينكم فقالوا إن ابنك يحامي عنه بالباب فقال ما أكره أن يقتل عثمان و لو بدئ بابني

إن عثمان لجيفة على الصراط غدا. و قال مروان بن الحكم يوم الجمل و الله لا أترك ثأري و أنا أراه و لأقتلن طلحة بعثمان فإنه قتله

ثم رماه بسهم فأصاب مأبضه فنزف الدم حتى مات. ثم قال ع إن كنت شريكهم في دم عثمان فإن لهم نصيبهم منه فلا يجوز لهم أن

يطلبوا بدمه و هم شركاء فيه و إن كانوا ولوه دوني فهم المطلوبون إذن به لا غيرهم. و إنما لم يذكر القسم الثالث و هو أن يكون

هو ع وليه دونهم لأنه لم يقل به قائل فإن الناس كانوا على قولين في ذلك أحدهما أن عليا و طلحة و الزبير مسهم لطخ من عثمان لا

بمعنى أنهم باشروا قتله بل بمعنى الإغراء و التحريض و ثانيهما أن عليا ع بريء من ذلك و أن طلحة و الزبير غير بريئين منه. ثم قال

و إن أول عدلهم للحكم على أنفسهم يقول إن هؤلاء خرجوا و نقضوا البيعة و قالوا إنما خرجنا للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و

إظهار العدل و إحياء الحق و إماتة الباطل و أول العدل أن يحكموا على أنفسهم فإنه يجب على الإنسان أن يقضي على نفسه ثم على

غيره و إذا كان دم عثمان قبلهم فالواجب أن ينكروا على أنفسهم قبل إنكارهم على غيرهم.

[9 : 37 ]

قال و إن معي لبصيرتي أي عقلي ما لبست على الناس أمرهم و لا لبس الأمر علي أي لم يلبسه رسول الله ص علي بل أوضحه لي و

عرفنيه. ثم قال و إنها للفئة الباغية لام التعريف في الفئة تشعر بأن نصا قد كان عنده أنه ستخرج عليه فئة باغية و لم يعين له وقتها و

لا كل صفاتها بل بعض علاماتها فلما خرج أصحاب الجمل و رأى تلك العلامات موجودة فيهم قال و إنها للفئة الباغية أي و إن هذه

الفئة أي الفئة التي وعدت بخروجها علي و لو لا هذا لقال و إنها لفئة باغية على التنكير. ثم ذكر بعض العلامات فقال إن الأمر لواضح

كل هذا يؤكد به عند نفسه و عند غيره أن هذه الجماعة هي تلك الفئة الموعود بخروجها و قد ذهب الباطل و زاح و خرس لسانه بعد

شغبه. ثم أقسم ليملأن لهم حوضا هو ماتحه و هذه كناية عن الحرب و الهيجاء و ما يتعقبهما من القتل و الهلاك لا يصدرون عنه بري

أي ليس كهذه الحياض الحقيقية التي إذا وردها الظمآن صدر عن ري و نقع غليله بل لا يصدرون عنه إلا و هم جزر السيوف و لا يعبون

بعده في حسي لأنهم هلكوا فلا يشربون بعده البارد العذب. و كان عمرو بن الليث الصفار أمير خراسان أنفذ جيشا لمحاربة إسماعيل

بن أحمد الساماني فانكسر ذلك الجيش و عادوا إلى عمرو بن الليث فغضب و لقي القواد بكلام غليظ فقال له بعضهم أيها الأمير إنه

قد طبخ لك مرجل عظيم و إنما نلنا منه لهمة يسيرة و الباقي مذخور لك فعلام تتركه اذهب إليهم فكله فسكت عمرو بن الليث عنه و

لم يجب.

[9 : 38 ]

و مرادنا من هذه المشابهة و المناسبة بين الكنايتين

مِنْهُ فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ عَلَى أَوْلَادِهَا تَقُولُونَ الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا وَ نَازَعْتُكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا اللَّهُمَّ

إِنَّهُمَا قَطَعَانِي وَ ظَلَمَانِي وَ نَكَثَا بَيْعَتِي وَ أَلَّبَا النَّاسَ عَلَيَّ فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا وَ لَا تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا وَ أَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيمَا أَمَّلَا وَ عَمِلَا وَ لَقَدِ

اسْتَثَبْتُهُمَا قَبْلَ الْقِتَالِ وَ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ فَغَمَطَا النِّعْمَةَ وَ رَدَّا الْعَافِيَةَ

العوذ النوق الحديثات النتاج الواحدة عائذ مثل حائل و حول و قد يقال ذلك للخيل و الظباء و يجمع أيضا على عوذان مثل راع و

رعيان و هذه عائذة بينة العئوذ و ذلك إذا ولدت عن قريب و هي في عياذها أي بحدثان نتاجها. و المطافيل جمع مطفل و هي التي زال

عنها اسم العياذ و معها طفلها و قد تسمى المطافيل عوذا إلى أن يبعد العهد بالنتاج مجازا و على هذا الوجه قال أمير المؤمنين إقبال

العوذ المطافيل و إلا فالاسمان معا لا يجتمعان حقيقة و إذا زال الأول ثبت الثاني. قوله و ألبا الناس علي أي حرضا يقال حسود مؤلب.

[9 : 39 ]

و استثبتهما بالثاء المعجمة بثلاث طلبت منهما أن يثوبا أي يرجعا و سمي المنزل مثابة لأن أهله ينصرفون في أمورهم ثم يثوبون إليه

و يروى و لقد استتبتهما أي طلبت منهما أن يتوبا إلى الله من ذنبهما في نقض البيعة. و استأنيت بهما من الإناءة و الانتظار. و الوقاع

بكسر الواو مصدر واقعتهم في الحرب وقاعا مثل نازلتهم نزالا و قاتلتهم قتالا. و غمط فلان النعمة إذا حقرها و أزرى بها غمطا و يجوز

غمط النعمة بالكسر و المصدر غير محرك و يقال إن الكسر أفصح من الفتح. يقول ع إنكم أقبلتم مزدحمين كما تقبل النوق إلى

أولادها تسألونني البيعة فامتنعت عليكم حتى علمت اجتماعكم فبايعتكم ثم دعا علي على طلحة و الزبير بعد أن وصفهما بالقطيعة و

النكث و التأليب عليه بأن يحل الله تعالى ما عقدا و ألا يحكم لهما ما أبرما و أن يريهما المساءة فيما أملا و عملا. فأما الوصف لهما

بما وصفهما به فقد صدق ع فيه و أما دعاؤه فاستجيب له و المساءة التي دعا بها هي مساءة الدنيا لا مساءة الآخرة فإن الله تعالى قد

وعدهما على لسان رسوله بالجنة و إنما استوجباها بالتوبة التي ينقلها أصحابنا رحمهم الله في كتبهم عنهما و لولاها لكانا من

الهالكين

[9 : 40 ]

138- و من خطبة له ع يومئ فيها إلى ذكر الملاحم

يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى وَ يَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ

هذا إشارة إلى إمام يخلقه الله تعالى في آخر الزمان و هو الموعود به في الأخبار و الآثار و معنى يعطف الهوى يقهره و يثنيه عن

جانب الإيثار و الإرادة عاملا عمل الهدى فيجعل الهدى قاهرا له و ظاهرا عليه. و كذلك قوله و يعطف الرأي على القرآن أي يقهر حكم

الرأي و القياس و العمل بغلبة الظن عاملا عمل القرآن. و قوله إذا عطفوا الهدى و إذا عطفوا القرآن إشارة إلى الفرق المخالفين لهذا

الإمام المشاقين له الذين لا يعملون بالهدى بل بالهوى و لا يحكمون بالقرآن بل بالرأي

[9 : 41 ]

مِنْهَا حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاق بَادِياً نَوَاجِذُهَا مَمْلُوءَةً أَخْلَافُهَا حُلْواً رَضَاعُهَا عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا أَلَا وَ فِي غَد وَ سَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ

يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا وَ تَخْرُجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا وَ تُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ

وَ يُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ

الساق الشدة و منه قوله تعالى يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساق. و النواجذ أقصى الأضراس و الكلام كناية عن بلوغ الحرب غايتها كما أن غاية

الضحك أن تبدو النواجذ. قوله مملوءة أخلافها و الأخلاف للناقة حلمات الضرع واحدها خلف و كذلك و قوله حلوا رضاعها علقما

عاقبتها قد أخذه الشاعر فقال

الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا اشتعلت و شب ضرامها عادت عجوزا غير ذات حليل

شمطاء جزت رأسها و تنكرت مكروهة للشم و التقبيل

[9 : 42 ]

و هو الرضاع بالفتح و الماضي رضع بالكسر مثل سمع سماعا و أهل نجد يقولون رضع بالفتح يرضع بالكسر رضعا مثل ضرب يضرب

ضربا و أنشدوا

و ذموا لنا الدنيا و هم يرضعونها أفاويق حتى ما يدر لها ثعل

بكسر الضاد

فصل في الاعتراض و إيراد مثل منه

و قوله ألا و في غد تمامه يأخذ الوالي و بين الكلام جملة اعتراضية و هي قوله و سيأتي غد بما لا تعرفون و المراد تعظيم شأن الغد

الموعود بمجيئه و مثل ذلك في القرآن كثير نحو قوله تعالى فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ

كَرِيمٌ فقوله تعالى إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ هو الجواب المتلقى به قوله فَلا أُقْسِمُ و قد اعترض بينهما قوله وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ

و اعترض بين هذا الاعتراض قوله لَوْ تَعْلَمُونَ لأنك لو حذفته لبقي الكلام على إفادته و هو قوله و إنه لقسم عظيم و المراد تعظيم

شأن ما أقسم به من مواقع النجوم و تأكيد إجلاله في النفوس و لا سيما بقوله لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. و من ذلك قوله تعالى وَ يَجْعَلُونَ

لِلّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ فقوله سُبْحانَهُ اعتراض و المراد التنزيه و كذلك قوله تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي

الْأَرْضِ ف لَقَدْ عَلِمْتُمْ اعتراض و المراد به تقرير إثبات البراءة من تهمة السرقة. و كذلك قوله وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَة وَ اللّهُ أَعْلَمُ

بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ

[9 : 43 ]

مُفْتَر فاعترض بين إذا و جوابها بقوله وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ فكأنه أراد أن يجيبهم عن دعواهم فجعل الجواب اعتراضا. و من ذلك

قوله وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْن وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ فاعترض بقوله حَمَلَتْهُ أُمُّهُ

وَهْناً عَلى وَهْن وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ بين وَصَّيْنَا و بين الموصى به و فائدة ذلك إذكار الولد بما كابدته أمه من المشقة في حمله و

فصاله. و من ذلك قوله وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها فقوله وَ اللّهُ مُخْرِجٌ

ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ اعتراض بين المعطوف و المعطوف عليه و المراد أن يقرر في أنفس السامعين أنه لا ينفع البشر كتمانهم و

إخفاؤهم لما يريد الله إظهاره. و من الاعتراض في الشعر قول جرير

و لقد أراني و الجديد إلى بلى في موكب بيض الوجوه كرام

فقوله و الجديد إلى بلى اعتراض و المراد تعزيته نفسه عما مضى من تلك اللذات. و كذلك قول كثير

لو أن الباخلين و أنت منهم رأوك تعلموا منك المطالا

فقوله و أنت منهم اعتراض و فائدته ألا تظن أنها ليست باخلة.

[9 : 44 ]

و من ذلك قول الشاعر

فلو سألت سراة الحي سلمى على أن قد تلون بي زماني

لخبرها ذوو أحساب قومي و أعدائي فكل قد بلاني

بذبي الذم عن حسبي و مالي و زبونات أشوس تيحان

و إني لا أزال أخا حروب إذا لم أجن كنت مجن جاني

فقوله

على أن قد تلون بي زماني

اعتراض و فائدته الإخبار عن أن السن قد أخذت منه و تغيرت بطول العمر أوصافه. و من ذلك قول أبي تمام

رددت رونق وجهي في صحيفته رد الصقال بهاء الصارم الخذم

و ما أبالي و خير القول أصدقه حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي

فقوله

و خير القول أصدقه

اعتراض و فائدته إثبات صدقه في دعواه أنه لا يبالي أيهما حقن. فأما قول أبي تمام أيضا

و إن الغنى لي إن لحظت مطالبي من الشعر إلا في مديحك أطوع

فإن الاعتراض فيه هو قوله

إلا في مديحك

و ليس قوله

إن لحظت مطالبي

اعتراضا كما زعم ابن الأثير الموصلي لأن فائدة البيت معلقة عليه لأنه لا يريد أن الغنى

[9 : 45 ]

لي على كل حال أطوع من الشعر و كيف يريد هذا و هو كلام فاسد مختل بل مراده أن الغنى لي بشرط أن تلحظ مطالبي من الشعر

أطوع لي إلا في مديحك فإن الشعر في مديحك أطوع لي منه و إذا كانت الفائدة معلقة بالشرط المذكور لم يكن اعتراضا و كذلك وهم

ابن الأثير أيضا في قول إمرئ القيس

فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني و لم أطلب قليل من المال

و لكنما أسعى لمجد مؤثل و قد يدرك المجد المؤثل أمثالي

فقال إن قوله و لم أطلب اعتراض و ليس بصحيح لأن فائدة البيت مرتبطة به و تقديره لو سعيت لأن آكل و أشرب لكفاني القليل و لم

أطلب الملك فكيف يكون قوله و لم أطلب الملك اعتراضا و من شأن الاعتراض أن يكون فضلة ترد لتحسين و تكملة و ليست فائدته

أصلية. و قد يأتي الاعتراض و لا فائدة فيه و هو غير مستحسن نحو قول النابغة

يقول رجال يجهلون خليقتي لعل زيادا لا أبا لك غافل

فقوله لا أبا لك اعتراض لا معنى تحته هاهنا و مثله قول زهير

سئمت تكاليف الحياة و من يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم

فإن جاءت لا أبا لك تعطي معنى يليق بالموضع فهي اعتراض جيد نحو قول أبي تمام

عتابك عني لا أبا لك و اقصدي

فإنه أراد زجرها و ذمها لما أسرفت في عتابه.

[9 : 46 ]

و قد يأتي الاعتراض على غاية من القبح و الاستهجان و هو على سبيل التقديم و التأخير نحو قول الشاعر

فقد و الشك بين لي عناء بوشك فراقهم صرد فصيح

تقديره فقد بين لي صرد يصيح بوشك فراقهم و الشك عناء فلأجل قوله و الشك عناء بين قد و الفعل الماضي و هو بين عد اعتراضا

مستهجنا و أمثال هذا للعرب كثير

قوله ع يأخذ الوالي من غيرها عمالها على مساوئ أعمالها كلام منقطع عما قبله و قد كان تقدم ذكر طائفة من الناس ذات ملك و أمره

فذكر ع أن الوالي يعني الإمام الذي يخلقه الله تعالى في آخر الزمان يأخذ عمال هذه الطائفة على سوء أعمالهم و على هاهنا متعلقة

بيأخذ التي هي بمعنى يؤاخذ من قولك أخذته بذنبه و آخذته و الهمز أفصح. و الأفاليذ جمع أفلاذ و أفلاذ جمع فلذ و هي القطعة من

الكبد و هذا كناية عن الكنوز التي تظهر للقائم بالأمر و قد جاء ذكر ذلك في خبر مرفوع في لفظة و قاءت له الأرض أفلاذ كبدها و قد

فسر قوله تعالى وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها بذلك في بعض التفاسير. و المقاليد المفاتيح

مِنْهَا كَأَنِّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ وَ فَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ وَ فَرَشَ الْأَرْضَ بِالرُّءُوسِ قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ وَ

ثَقُلَتْ فِي الْأَرْضِ وَطْأَتُهُ بَعِيدَ الْجَوْلَةِ عَظِيمَ الصَّوْلَةِ

[9 : 47 ]

وَ اللَّهِ لَيُشَرِّدَنَّكُمْ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا قَلِيلٌ كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ فَلَا تَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى تَئُوبَ إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ

أَحْلَامِهَا فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ وَ الآْثَارَ الْبَيِّنَةَ وَ الْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُّبُوَّةِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ

لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ

هذا إخبار عن عبد الملك بن مروان و ظهوره بالشام و ملكه بعد ذلك العراق و ما قتل من العرب فيها أيام عبد الرحمن بن الأشعث و

قتله أيام مصعب بن الزبير. و نعق الراعي بغنمه بالعين المهملة و نغق الغراب بالغين المعجمة و فحص براياته هاهنا مفعول محذوف

تقديره و فحص الناس براياته أي نحاهم و قلبهم يمينا و شمالا. و كوفان اسم الكوفة و ضواحيها ما قرب منها من القرى و الضروس

الناقة السيئة الخلق تعض حالبها قال بشر بن أبي خازم

عطفنا لهم عطف الضروس من الملا بشهباء لا يمشي الضراء رقيبها

و قوله و فرش الأرض بالرءوس غطاها بها كما يغطى المكان بالفراش. و فغرت فاغرته كأنه يقول فتح فاه و الكلام استعارة و فغر فعل

يتعدى و لا يتعدى و ثقلت في الأرض وطأته كناية عن الجور و الظلم. بعيد الجولة استعارة أيضا و المعنى أن تطواف خيوله و جيوشه

في البلاد أو جولان رجاله في الحرب على الأقران طويل جدا لا يتعقبه السكون إلا نادرا. و بعيد منصوب على الحال و إضافته غير

محضة.

[9 : 48 ]

و عوازب أحلامها ما ذهب من عقولها عزب عنه الرأي أي بعد. و يسني لكم طرقه أي يسهل و العقب بكسر القاف مؤخر القدم و هي

مؤنثة. فإن قلت فإن قوله حتى تئوب يدل على أن غاية ملكه أن تئوب إلى العرب عوازب أحلامها و عبد الملك مات في ملكه و لم يزل

الملك عنه بأوبة أحلام العرب إليها فإن فائدة حتى إلى و هي موضوعة للغاية. قلت إن ملك أولاده ملكه أيضا و ما زال الملك عن بني

مروان حتى آبت إلى العرب عوازب أحلامها و العرب هاهنا بنو العباس و من اتبعهم من العرب أيام ظهور الدولة كقحطبة بن شبيب

الطائي و ابنيه حميد و الحسن و كبني رزتني بتقديم الراء المهملة الذين منهم طاهر بن الحسين و إسحاق بن إبراهيم المصعبي و

عدادهم في خزاعة و غيرهم من العرب من شيعة بني العباس و قد قيل إن أبا مسلم أيضا عربي أصله و كل هؤلاء و آبائهم كانوا

مستضعفين مقهورين مغمورين في دولة بني أمية لم ينهض منهم ناهض و لا وثب إلى الملك واثب إلى أن أفاء الله تعالى إلى هؤلاء ما

كان عزب عنهم من إبائهم و حميتهم فغاروا للدين و المسلمين من جور بني مروان و ظلمهم و قاموا بالأمر و أزالوا تلك الدولة التي

كرهها الله تعالى و أذن في انتقالها. ثم أمرهم ع بأن يلزموا بعد زوال تلك الدولة الكتاب و السنة و العهد القريب الذي عليه باقي

النبوة يعني عهده و أيامه ع و كأنه خاف من أن يكون بإخباره لهم بأن دولة هذا الجبار ستنقضي إذا آبت إلى العرب عوازب أحلامها

كالأمر لهم باتباع ولاة الدولة الجديدة في كل ما تفعله فاستظهر عليهم بهذه الوصية و قال لهم إذا ابتذلت الدولة فالزموا الكتاب و

السنة و العهد الذي فارقتكم عليه

[9 : 49 ]

139- و من كلام له ع في وقت الشورى

لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقّ وَ صِلَةِ رَحِم وَ عَائِدَةِ كَرَم فَاسْمَعُوا قَوْلِي وَ عُوا مَنْطِقِي عَسَى أَنْ تَرَوْا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْيَوْمِ

تُنْتَضَى فِيهِ السُّيُوفُ وَ تُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ وَ شِيعَةً لِأَهْلِ الْجَهَالَةِ

هذا من جملة كلام قاله ع لأهل الشورى بعد وفاة عمر

من أخبار يوم الشورى و تولية عثمان

و قد ذكرنا من حديث الشورى فيما تقدم ما فيه كفاية و نحن نذكر هاهنا ما لم نذكره هناك و هو من رواية عوانة عن إسماعيل بن أبي

خالد عن الشعبي في كتاب الشورى و مقتل عثمان و قد رواه أيضا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في زيادات كتاب السقيفة قال

لما طعن عمر جعل الأمر شورى بين ستة نفر علي بن أبي طالب و عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف و الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله و سعد بن مالك و كان

السابق

التالي