باب ميراث اهل الملل

لا يتوارث اهل ملتين(1) والمسلم يرث الكافر، والكافر لايرث المسلم، وذلك ان اصل الحكم في اموال المشركين انها فيئ للمسلمين، وان المسلمين احق بها من المشركين، وان الله عزوجل انما حرم على الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم كما حرم على القاتل عقوبة لقتله، فأما المسلم فلائ جرم وعقوبة يحرم الميراث؟ وكيف صار الاسلام يزيده شرا؟، مع قول النبى صلى الله عليه واله:
5717 (الاسلام يزيد ولا ينقص)(2).
ومع قوله صلى الله عليه وآله:
5718 لا ضرر ولا إضرار في الاسلام)(3).
فالاسلام يزيد المسلم خيرا، ولا يزيده شرا)، ومع قوله عليه السلام:
5719 (الاسلام يعلو ولا يعلى عليه)(4).
والكفار بمنزلة الموتى، لا يحجبون ولا يرثون.
5720 وروى عن ابى الاسود الدئلى ان معاذ بن جبل كان باليمن فاجتمعوا اليه وقالوا: يهودي مات وترك اخا مسلما، فقال: معاذ: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الاسلام يزيد ولا ينقص) فورث المسلم من اخيه اليهودي).
5721 وروى محمد بن سنان، عند عبدالرحمن بن اعين عن أبي جعفر عليه السلام (في النصرانى يموت وله ابن مسلم، قال: أن الله عزوجل لم يزدنا بالاسلام الا


______________
(1) ظاهره عدم التوارث بين اليهودى والنصراني وسيأتي الكلام فيه.
(2) رواه أبوداود والحاكم وأحمد بن حنبل والبيهقي من حديث معاذ نحو مايأتي تحت رقم 5720.
(3) رواه ابن ماجة وأحمد من حديث ابن عباس وعبادة وفيهما " لا ضرر ولا ضرار "
(4) رواه الطبراني والبيهقي في الشعب عن معاذ والضياء المقدسى والدارقطنى والرويانى عن عائذ بن عمرو المزنى بدون قوله " عليه " بسند مرفوع كما في كشف الخفاء للعجلونى.

[335]

عزأ، فنحن نرثهم ولا يرثونا)(1).
5722 وروى زرعة، عن سماعة عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن المسلم هل يرث المشرك؟ فقال: نعم، فأما المشرك فلايرث المسلم).
5723 وروى موسى بن بكر، عن عبدالرحمن بن اعين(2) عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (لا يتوارث اهل ملتين(3) نحن نرثهم ولا يرثونا، فان الله عزوجل لم يزدنا بالاسلام الا عزا).


______________
(1) قوله عليه السلام " لم يزدنا " في الكافي والتهذيبين " لم يزده " وقوله " الا عزا " قال المولى المجلسي: أى كيف يكون كذلك بأن يكون يرث في حال كفره ولا يرث في حال اسلامه فيكون الاسلام حينئذ سببا لذله والحال أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " الاسلام يعلو ولا يعلى ".
(2) رواه الكليني في الحسن كالصحيح عن عبدالله بن أعين كالشيخ ولم يذكر المؤلف طريقه إلى موسى بن بكر.
(3) تقدم أن ظاهر الكلام يدل على أنه لا يرث أهل ملة عن أهل ملة أخرى وحمل على نفى التوارث من الجانبين معا، وقا ل في القواعد: الكفار يتوارثون وان اختلفوا في الملل فاليهودى يرث النصراني والحربي وبالعكس، وفي الشرايع الكفار يتوارثون وان اختلفوا في النحل، وفي النافع المسلمون يتوارثون وان اختلف آراؤهم وكذا الكفار وان اختلف مللهم، وقال في جامع المدارك: أما توارث المسلمين مع اختلاف الاراء فلعموم مادل على التوريث بالنسب والسبب من الكتاب والسنة، ومادل من الاخبار على ابتناء المواريث على الاسلام دون الايمان وفيها أن الاسلام هوماعليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث، وأما ثبوت التوارث بين الكفار مع اختلافهم فهو المعروف وان حكى الخلاف عن بعض، واستدل عليه بالعمومات ونفى التوارث بين الملتين مفسر في النصوص بالاسلام والكفر، نعم شرط توارث الكفار فقد الوارث المسلم غير الامام عليه السلام، ويمكن أن يقال الكفار إذا كانوا مقرين على دينهم فمع عدم التوارث بينهم وبين من يخالفهم كيف يتوارثون؟ وماذكر من التمسك بالعمومات لازمة أن يقسم بينهم بالنحو الواقع بين المسلمين، وإذا لم يقسم بينهم بهذا النحو كيف يتمسك بالعمومات ويلزم عدم تصرفاتنا في ماقسم بينهم بمقتضى مذهبهم.

[336]

5724 وروى الحسن بن محبوب، عن الحسن بن صالح عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (المسلم يحجب الكافر ويرثه، والكافر لا يحجب المؤمن ولايرثه)(1).
5725 وروى الحسن بن محبوب، عن ابى ولاد [الحناط] قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: (المسلم يرث امرأته الذمية، وهى لا ترثه)).
5726 وروى الحسن بن على الخزاز، عن احمد بن عائذ، عن ابى خديجة عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (لا يرث الكافر، الا ان يكون المسلم قد اوصى للكافر بشئ)(2).
5727 وروى عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس قال: سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول: (لا يرث اليهودى والنصرانى المسلمين، ويرث المسلمون اليهودي والنصرانى).
5728 وروى الحسن بن محبوب، عن على بن رئاب، عن ابى بصير قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل مسلم مات وله ام نصرانية وله زوجة وولد مسلمون فقال: ان اسلمت امه قبل ان يقسم ميراثه اعطيت السدس، قلت: فان لم تكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له سهم في الكتاب من المسلمين وامه نصرانية وقرابته نصارى ممن لهم سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين(3) لمن يكون ميراثه؟ قال: ان اسلمت امه


______________
(1) " المسلم يحجب الكافر أي يمنعه من الميراث قريبا كان المسلم أو بعيدا، قريبا كان الكافر أو بعيدا، مسلما كان الميت أو كافرا، فلو كان المسلم ضامن جريرة يحجب أولاد الكافر عن الميراث.
(2) الاستثناء من الحكم الاول للمسلم أن يوصي للكافر بشئ، وحمل على غير الحربي لكونه من الموادة لقول الله تعالى " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله " لكن فيه نظر لاحتمال أن يكون المراد بمن حاد الله المنافقين الذين تولوا قوما غضب الله عليهم أي اليهود كما هو ظاهر الايات في سورة المجادلة من قوله تعالى " ألم تر إلى الذين تولوا - إلى آخر السورة ".
(3) أي سواء كان لهم سهم بخصوصه أو يستفاد له سهم من آية أولى الارحام، بل ينبغي التعميم على وجه يشمل وارثه ضامن الجريرة حيث استفيد من السنة ووجوب اتباعها من الكتاب العزيز.(مراد) (*)

[337]

فان جميع ميراثه لها، وان لم تسلم امه واسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب فان ميراثه له، وان لم يسلم من قرابته احد فان ميراثه للامام)(1).
9 572 وروى الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عبدالملك بن اعين او مالك بن اعين(2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سألته عن نصرانى مات وله ابن اخ مسلم، وابن اخت مسلم(3) وللنصرانى اولاد وزوجة نصارى، فقال: ارى ان يعطى ابن اخيه المسلم ثلثى ما ترك، ويعطى ابن اخته المسلم ثلث ما ترك ان لم يكن له ولد صغار، فان كان له ولد صغار فان على الوارثين ان ينفقا على الصغار مما ورثا عن ابيهم حتى يدركوا، قيل له: كيف ينفقان على الصغار؟ فقال: يخرج وارث الثلثين ثلثى النفقة ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة فاذا ادركوا قطعوا النفقة عنهم، قيل له: فان اسلم اولاده وهم صغار؟ فقال: يدفع ما ترك ابوهم إلى الامام حتى يدركوا فان اتموا على الاسلام إذا ادركوا دفع الامام ميراثه اليهم، وان لم يتموا على الاسلام إذا ادركوا دفع الامام ميراثه إلى ابن اخيه والى ابن اخته المسلمين، يدفع إلى ابن اخيه ثلثى ما ترك ويدفع إلى ابن اخته ثلث ما ترك)(4).


______________
_____ (1) ينبغي حمل القرابة في قوله عليه السلام " وان لم يسلم من قرابته أحد " على الوارث مجازا فيشمل الوارث السببي أيضا. (مراد)
(2) في الكافي والتهذيب " عن هشام بن سالم عن مالك بن أعين ".
(3) إذا كانا لاب وأم أو لاب. (المرآة)
(4) قال في المسالك: قد تقرر أن الولد يتبع أبويه في الكفر كما يتبعهم في الاسلام لاشتراكهما في الحرية وان من اسلم من الاقارب الكفار بعد اقتسام الورثة المسلمين لا يرث، ومن أسلم قبله يشارك أو يخص، ومن لوازم عدم المشاركة اختصاص الوارث المسلم بنصيبه من الارث ولا يجب عليه بذله ولا شئ منه للقريب الكافر صغيرا كان أم كبيرا، لكن أكثر الاصحاب خصوصا المتقدمين منهم كالمفيد والشيخ والصدوقين والاتباع إلى استثناء صورة واحدة من هذه القواعد وهي ما إذا خلف الكافر أولادا صغارا غير تابعين في الاسلام لاحد وابن أخ وابن أخت مسلمين فأوجبوا على الوارثين الكذكورين مع حكمهم بارثهما أن ينفقا على الاولاد بنسبة استحقاقهما من التركة إلى أن يبلغ الاولاد، فان أسلموا دفعت اليهم التركة والا استقر ملك المسلمين عليها واستندوا في ذلك إلى رواية مالك بن أعين، وقد اختلف الاصحاب في تنزيل هذه الرواية لكونها معتبرة الاسناد على طرق أربع ثلاثة منها للمحقق في النكت: أولها أن المانع من الارث هنا الكفر وهو مفقود في الاولاد اذ لا يصدق عليهم الكفر حقيقة، ويضعف بمنع انحصار المانع في الكفر بل عدم الاسلام وهوهنا متحقق سلمنا لكن يمنع من عدم كفر الاولاد فانه حاصل لهم بالتبعية كما يحصل الاسلام للطفل بها.
وثانيها تنزيلها على أن الاولاد أظهروا الاسلام لكن لما لم يعتد به لصغرهم كان اسلاما مجازيا، بل قا ل بعضهم بصحة اسلام الصغير فكان قائما مقام اسلام الكبير لا في استحقاق الارث بل في المراعاة ومنعهما من القسمة الحقيقة إلى البلوغ لينكشف الامر، ويضعف بأن الاسلام المجازى لا يعارض الحقيقي والمفروض الحكم بعدم اسلام الصغير فاذا سبق الاسلام الحقيقى واستقر الارث بالقسمة لم يعتبر اللاحق.
وثالثها تنزيلها على أن المال لم يقسم حتى بلغوا وأسلموا سواء سبق منهم الاسلام في حال الطفولية أم لا، ويضعف بأن الرواية ظاهرة في حصول القسمة قبل اسلامهم لانه قال " يعطى ابن أخيه ثلثى ماترك وابن اخته ثلث ما ترك " وقال " يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة ووارث الثلث ثلث النفقة " ولولم يكن هناك قسمة لكان الاخراج من جملة المال، وحمل ذلك على الاخبار عن قدر المستحق خلاف الظاهر بل الصريح.
ورابعها وهو الذى اختاره العلامة في المختلف تنزيلها على الاستحباب وهذا أولى وأفرط آخرون فطردوا حكمها إلى ذى القرابة المسلم مع الاولاد، وردها أكثر المتأخرين لمنافاتها للاصول، والحق أنها ليست من الصحيح وان وصفها به جماعة من المحققين كالعلامة في المختلف والشهيد في الدروس والشرح وغيرهما لان مالك بن أعين لم ينص الاصحاب عليه بتوثيق بل ولا بمدح بل المذمة موجودة في حقه كما في القسم الثاني من الخلاصة فصحتها اضافية بالنسبة إلى من عداه فسهل الخطب في أمرها واتجه القول باطراحها أو حملها على الاستحباب - انتهى.
وقال العلامة المجلسي: أكثر الاصحاب لم يعملوا بالتفصيل الذى دل عليه الخبر الا الشهيد - رحمه الله - في الدروس حيث أورد الخبر بعينه، اذ الخبر يدل على أن مع عدم اظهار الاولاد الاسلام المال للوارثين لكن يجب عليهم الانفاق على الاولاد إلى ان يبلغوا وليس فيه أنهم إذا أظهروا الاسلام يؤدون اليهم المال، وعلى أنه مع اظهار هم الاسلام في صغرهم لا يدفع الامام المال اليهما بل يأخذ المال وينتظر بلوغهم فان بقوا على اسلامهم دفع اليهم المال والا دفع اليهما فلو كانوا عاملين بالخبر كان ينبغى أن لا يتعدوا مفاده، والله أعلم.

[338]

5730 وروى ابن ابى عمير، عن ابراهيم بن عبدالحميد قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: (نصرانى اسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات قال: ميراثه لولده

[339]

النصارى(1) ومسلم تنصر ثم مات، قال: ميراثه لولده المسلمين)


______________
(1) أى ميراثه لولده النصارى إذا لم تكن له وارث مسلم، وقيل: يمكن حمل الولد على كونهم صغارا فهم في حكم النصارى لكنهم أسلموا بعد البلوغ، وحمل قوله " أسلم ثم رجع " على ارادة أن يسلم ثم بدا له فلم يسلم.