كتاب الفرائض والمواريث .. باب ابطال العول في المواريث

5600 روى سماعة عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام قال: ((ان أميرالمؤمنين عليه السلام كان يقول: ان الذى احصى رمل عالج(1) يعلم ان السهام لا تعول على ستة(2) لو يبصرون وجوهها لم تجز ستة)(3).


______________
(1) في النهاية في حديث الدعاء " وما تحويه عوالج الرمال " هي جمع عالج - بكسر اللام - وهو ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض.
(2) " تعول " أي لا تزيد ولا ترتفع، والعول في الفرائض هو زيادة الفريضة لقصورها عن سهام الورثة على وجه يحصل به النقص على الجمع بالنسبة، وهو باطل عند الامامية كما إذا كانت ستة مثلا فعالت إلى سبعة في مثل زوج واختين لاب فان للزوج النصف ثلاثة وللاختين الثلثين أربعة فزادت الفريضة واحدا، والقائلون بالعول يجمعون السهام كلها ويقسمون الفريضة عليها فيدخل النقص على كل واحد بقدر فرضه كأرباب الديون إذا ضاق المال عن حقهم، وأول مسألة وقع فيها العول في الاسلام في زمن عمر على ما رواه عنه العامة وهو أنه ماتت امرأة في زمانه عن زوج واختين فجمع الصحابة وقال لهم: فرض الله تعالى للزوج النصف وللاختين الثلثين، فان بدأت للزوج لم تبق للاختين حقهما وان بدأت للاختين لم يبق للزوج حقه، فأشيروا علي، فاتبع رأي أكثرهم على العول، فقضى بتوزيع النقص على الجميع بنسبة سهامهم، وسنذكر قول الامامية فيه عن قريب ان شاء الله تعالى.
(3) الستة هي التي ذكره الله سبحانه في كتابه وهي الثلثان والنصف والثلث والربع والسدس والثمن.
فالثلثان هو فرض البنتين فصاعدا، والاختين فصاعدا لاب وأم أو لاب مع فقد الاخوة.
والنصف هو فرض الزوج مع عدم الولد وان نزل، والبنت الواحدة والاخت الواحدة لاب وأم أو لاب مع فقد الاخوة.
والثلث هو فرض الام مع عدم من يحجبهامن الولد وان نزل، والزائد على الواحد من ولد الام.
والربع هو فرض الزوج مع الولد وان نزل، والزوجة فأزيد مع عدم الولد.
والسدس هوفرض كل واحد من الابوين مع الولد وان نزل والام المحجوبة، والواحد من كلالة الام ذكرا كان أو الانثى والثمن هوفرض الزوجة فأزيد مع الولد وان نزل.

[255]

5601 وروى سيف بن عميرة، عن ابى بكر الحضرمى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (كان ابن عباس يقول: ان الذى احصى رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول من ستة)(1).
5602 وروى الفضل بن شاذان، عن محمد بن يحيى، عن على بن عبدالله، عن يعقوب بن ابراهيم بن سعد، عن ابيه(2) قال: حدثنى ابى عن محمد بن اسحاق قال:


______________
________ (1) لاخلاف عند العامة أن ابن عباس لم يقل بالعول كمارواه الحاكم في مستدركه ج 4 ص 340 وقال: صحيح على شرط مسلم، وسنن البيهقي ج 6 ص 253، وكنز العمال ج 6 ص 7، وأحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 109.
(2) طريق الصدوق إلى الفضل بن شادان النيشابورى متكلم فقيه جليل، له كتب ومصنفات يبلغ عددها مائة وثمانين كتابا، وهو يروى هذا الحديث عن محمد بن يحيى بن عبدالله الذهلى العامى النيشابورى، نقل ابن حجر عن أبي محمد بن أبي الجارود عن محمد بن أحمد بن الجراح الجوزجاني يقول: دخلت على أحمد فقال لي: تريد البصرة قلت: نعم، قال: فاذا أتيتها فالزم محمد بن يحيى فليكن سماعك منه فانى مارايت خراسانيا - أو قال: مارأيت أحدا - أعلم بحديث الزهرى منه ولا أصح كتابا منه، وأما على ابن عبدالله فهو أبوالحسن على بن عبدالله بن جعفر بن نجيح السعدى مولاهم يكنى ابن المدينى بصرى قال أبوحاتم الرازى: كان على بن عبدالله علما في الناس في معرفة الحديث والعلل وكان أحمد لايسميه انما يكنيه اجلالا له.
وأما يعقوب بن ابراهيم بن سعد فهو من أحفاد الزهري المعروف، وثقة ابن معين والعجلى وابن حبان، وأبوه ابراهيم بن سعد ثقة أيضا قال أحمد: أحاديثه مستقيمة، وجده سعد بن ابراهيم قاضى واسط من قبل هارون ووثقه ابن معين.

[256]

حدثنى الزهرى عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة(1) قال: جلست إلى ابن عباس فعرض على ذكر فرائض المواريث فقال ابن عباس: سبحان الله العظيم أترون ان الذى احصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا(2) فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فقال له زفربن أوس البصرى: يا ابن عباس فمن اول من اعال الفرائض قال: (رمع) لما التفت عنده الفرائض ودافع بعضها بعضا قال: والله ما ادرى ايكم قدم الله وايكم اخر الله وما اجد شيئا هو أوسع من ان اقسم عليكم هذا المال بالحصص فأدخل على كل ذى حق ما دخل عليه من عول الفريضه، و ايم الله ان لو قدم من قدم الله واخرمن اخر الله ما عالت فريضة، فقال له زفربن اوس: وايهما قدم وايهما اخر؟ فقال: كل فريضة لم يهبطها الله عزوجل عن فريضة الا إلى فريضة(3) فهذا ما قدم الله، واما ما اخر الله فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها الا ما بقى فتلك التى اخر الله، فاما التى قدم الله فالزوج له النصف فاذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شئ، والزوجة لها الربع فان زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شئ، والام لها الثلث فان زالت عنه صارت إلى السدس لايزيلها عنه شئ، فهذه الفرائض ا لتى قدم الله عزوجل، واما التى اخر الله ففريضة البنات والاخوات لها النصف ان كانت واحدة، وان كانت اثنتين أو أكثر فالثلثان فاذا


______________
(1) محمد بن اسحاق أبوبكر المطلبي مولاهم نزيل العراق وثقه ابن معين وقال: كان حسن الحديث وهو صاحب المغازي.
ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهرى حاله مشهور والعامة رفعوه فوق مقامه راجع تهذيب التهذيب ج 9 ص 445 إلى 451، وأما عبيد الله بن عبدالله ابن عتبة الهذلى فوثقه أبوزرعة وابن حبان والواقدى وغيرهم، وانما بينا رجال السند لعدم كونهم في كتب رجال الخاصة وليكون القارئ على بصيرة في مسألة بطلان العول.
(2) قال العلامة المجلسي: مثال ذلك أنه ان ماتت امرأة وتركت زوجا واخوتها لامها وأختها لابيها فان للزوج النصف ثلاثة أسهم وللاخوة من الام الثلث سهمين وللاخت من الاب أيضا عندهم النصف ثلاثة أسهم يصير من ستة تعول إلى الثمانية، ويحتجون بذلك بقوله تعالى " وله اخت فلها نصف ماترك " وعندنا للاخت من الاب السدس.
(3) هذا لايجرى في كلالة الام كما لا يخفى. (المرآة) (*)

[257]

أزالتهن الفرائض لم يكن لهن الامايبقى فتلك التى اخر الله، فإذا اجتمع ما قدم الله وما اخر بدئ بما قد الله فاعطى حقه كملا، فان بقى شئ كان لمن اخر، وان لم يبق شئ فلا شئ له(1)، فقال له زفربن اوس: فما منعك ان تشير بهذا الرأى على (رمع)؟ قال: هبته(2) فقال الزهرى: والله لو لا انه تقدمه امام عدل كان امره على الورع فأمضى أمرا فمضى ما اختلف على ابن عباس من اهل العلم اثنان)(3).
5603 قال الفضل: وروى عبدالله بن الوليد العدنى(4) صاحب سفيان قال: حدثنى ابوالقاسم الكوفى صاحب ابى يوسف عن ابى يوسف قال: حدثنا ليث بن ابى سليم(5) عن ابى عمرو العبدى عن ابن سليمان(6) عن على بن ابى طالب عليه السلام انه كان يقول:


______________
(1) قوله " ان لم يبق - الخ " لايخفى الاشكال فيه لانه مع كونه المؤخر في المرتبة التي فيها المقدم كيف يكون محروما من الارث بالقرابة؟ واجيب عن الاشكال بأنه مبالغة في تقديم من قدمهم الله تعالى وهذا بطريق الاحتمال العقلى والا فهذا لا يقع أبدا
(2) أى خفته وفي نسخة " هيبة " أى خوفا منه، وقوله " فقال الزهر ى " من كلام محمد ابن اسحاق.
(3) يعنى لولا أن العول تقدم من عمر وهو امام عدل على زعم الناس لما اختلف من أهل العلم على قول ابن عباس اثنان.
وقال المولى المجلسي: هذاالمعنى أو هذا الرأى أخذه ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام.
أقول: روى نحوه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس ونقله السيوطي في الدر المنثو ر ج 2 ص 127 وأورده المصنف هنا محتجا به على المخالفين وقد عرفت أن رواته كلهم من ثقات العامة كالخبر الاتى.
(4) في بعض النسخ " عبدالله بن الوليد العبدى " وهو تصحيف وهو عبدالله بن الوليد بن ميمون المكى المعروف بالعدني روى عن سفيان وغيره قال أحمد: سمع من سفيان وجعل يصحح سماعه ولكن لم يكن صاحب حديث وحديثه حديث صحيح، وقا ل أبوزرعة: صدوق وذكره ابن حبان في الثقات راجع تهذيب التهذيب ج 6 ص 70.
(5) في بعض النسخ والعلل والتهذيب " ليث بن أبي سليمان " وهو تصحيف والظاهر أنه ليث بن أبي سليم بن زنيم القرشي.
(6) في التهذيب والعلل " عن ليث، عن أبي عمر العبدى عن على بن أبي طالب عليه السلام " ويحتمل أن يكون الصواب " عن أبي عمرو عبيدة السلماني " فصحف بيد النساخ والرجل هو من أصحاب على عليه السلام ثقة ثبت وقالوا كان شريح القاضى إذا أشكل عليه أمر كتب إلى عبيدة هذا وسأل عنه، أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وتوفى بعد السبعين.
وبهذا الوجه يرفع الخلاف بين العلل والتهذيب وبين الفقيه.

[258]

الفرائض من ستة اسهم، الثلثان اربعة اسهم، والنصف ثلاثة اسهم، والثلث سهمان والربع سهم ونصف، والثمن ثلاثة ارباع سهم،(1) ولا يرث مع الولد الا الابوان والزوج والمرأة، ولا يحجب الام عن الثلث الا الولد والاخوة، ولا يزاد الزوج على النصف ولا ينقص من الربع، ولا تزاد المرأة على الربع ولا تنقص من الثمن وان كن اربعا او دون ذلك فهن فيه سواء، ولا يزاد الاخوة من الام على الثلث ولا ينقصون من السدس، وهم فيه سواء، الذكر والانثى، ولا يحجبهم عن الثلث الا الولد والوالد(2) والدية تقسم على من احرز الميراث)(3).


______________
________ (1) لم يذكر السدس للظهور أو سقط من النساخ، والغرض أن السهام التى ذكر ها الله تعالى في الكتاب ليست الاستة وليس فيها السبع والتسع والعشر وما فوقه كما يلزم على العول. (م ت).
(2) كأن الصواب " ولايحجبهم عن الارث الا الولد والوالدان ".
(3) روى الكليني ج 7 ص 1 10 في الحسن كالصحيح عن بكير بن أعين قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " امرأة تركت زوجها واخوتها لامها واخوتها وأخواتها لابيها، قال: للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللاخوة من الام الثلث الذكر والانثى فيه سواء، وبقى سهم فهو للاخوة والاخوات من الاب للذكر مثل حظ الانثيين لان السهام لا تعول ولا ينقص الزوج من النصف ولا الاخوة و من الام من ثلثهم - الخبر " ومحصل الكلام أن الوارث من جهة النسب ان كان واحدا ورث المال كله ان كان ذا فرض بعضه بالفرض وبعضه بالقرابة، وان لم يكن ذا فرض فبالقرابة، وان كان أكثر من واحد ولم يحجب بعضهم بعضا فأما أن يكون ميراث الجميع بالقرابة أو بالفرض أو بالاختلاف، فعلى الاول يقسم على مايأتي من تفصيل في ميراثهم ان شاء الله تعالى، وعلى الثالث يقدم صاحب الفرض فيعطى فرضه والباقى للباقين، وعلى الثانى فاما أن تنطبق السهام على الفريضة أو تنقص عنها أو تزيد عليها، فعلى الاول لا اشكال وعلى الثاني فالزائد عندنا للانساب يرد عليهم زيادة على سهامهم اذ الاقرب يحرم الابعد، وعلى الثالث يدخل النقص عندنا على البنت والاخوات للابوين أو للاب خاصة، والنقص يدخل على من له فرض واحد في الكتاب العزيز دون من له الفرضان، فانه متى نزل عن الفرض الاعلى كان له الفرض الادنى خلافا للعامة في المقامين (جامع المدارك ج 5 ص 308).

[259]

قال: الفضل بن شاذان: هذا حديث صحيح(1) على موافقة الكتاب، وفيه دليل على انه لايرث الاخوة والاخوات مع الولد شيئا، ولا يرث الجد مع الولد شيئا وفيه دليل على ان الام تحجب الاخوة من الام عن الميراث.
فان قال قائل(2): انما قال: والد ولم يقل والدين ولا قال والدة، قيل له: هذا جائز كما يقال: ولد، يدخل فيه الذكر والانثى، وقد تسمى الام والدا إذا جمعتها مع الاب كما تسمى ابا إذا اجتمعت مع الاب لقول الله عزوجل ((ولابويه لكل واحد منهما السدس) فأحد الابوين هى الام وقد سماها الله عزوجل ابا حين جمعها مع الاب، وكذلك قال: (الوصية للوالدين والاقربين) فأحد الوالدين هى الام وقد سماها الله عزوجل والدا كما سماها ابا، وهذا واضح بين والحمدلله.
5604 وقال الصادق عليه السلام: (انما صارت سهام الموارث من ستة اسهم لا يزيد عليها لان الانسان خلق من ستة اشياء وهو قول الله عزوجل: ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين الاية)(3).
وعلة اخرى(4) وهى ان اهل المواريث الذين يرثون ابدا ولا يسقطون ستة: الابوان والابن والبنت والزوج والزوجة.


______________
(1) أى موافق للحق
(2) من كلام المصنف - رحمه الله - أو الفضل - رضى الله عنه - لكن الاول أظهر
(3) رواه المصنف في علل الشرايع في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن غير واحد عنه عليه السلام.
وفي الكافي في مجهول موقوف عن يونس قا ل: " انما جعلت المواريث من ستة أسهم على خلقة الانسان لان الله عزوجل بحكمته خلق الانسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين " ففي النطفة دية " فخلقنا المضغة عظاما " وفيها دية " فكسونا العظام لحما " وفيه دية اخرى " ثم أنشانا خلقااخر " وفيه دية أخر ى، فلهذا ذكر آخر المخلوق ".
(4) مأخوذ من كلام يونس بن عبدالرحمن مولى على بن يقطين وهو ثقة له كتب كثيرة، ونقل كلامه الكلينى بتمامه في الكافي ج 7 ص 83.