باب ما يقبل من الدعاوى بغير بينة

3425 - (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه واله(3) فادعى عليه سبعين درهما ثمن


______________
(3) روى المصنف في الامالى المجلس(22) عن على بن محمد بن قتيبة، عن حمدان ابن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمد بن اسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن علقمة، عن الصادق عليه السلام نحو هذا الخبر، وفى الانتصار للسيد المرتضى - قدس الله روحه - نحوه راجع مسائل القضاء والشهادات منه.

[106]

ناقة باعها منه، فقال: قد أوفيتك، فقال: اجعل بيني وبينك رجلا يحكم بيننا، فأقبل رجل من قريش فقال رسول الله صلى الله عليه واله: احكم بيننا، فقال للاعرابي ما تدعي على رسول الله؟ قال: سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه، فقال: ما تقول يا رسول الله؟ قال: قد أوفيته فقال للاعرابي: ما تقول؟ قال: لم يوفني فقال لرسول الله صلى الله عليه واله ألك بينة على أنك قد أوفيته؟ قال: لا، قال للاعرابي: أتحلف أنك لم تستوف حقك وتأخذه؟ فقال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه واله لا تحاكمن مع هذا إلى رجل يحكم بيننا بحكم الله عزوجل(1)، فأتى رسول الله صلى الله عليه واله علي بن أبي طالب عليه السلام ومعه الاعرابي " فقال علي عليه السلام مالك يا رسول الله؟ قال: يا أبا الحسن أحكم بيني وبين هذا الاعرابي، فقال علي عليه السلام: يا أعرابي ما تدعي على رسول الله؟ قال: سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه، فقال: ما تقول يا رسول الله؟ قال: قد أوفيته ثمنها، فقال: يا أعرابي أصدق رسول الله صلى الله عليه واله فيما قال؟ قال: لا ما أوفاني شيئا، فأخرج علي عليه السلام سيفه فضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لم فعلت يا علي ذلك؟ ! فقال: يارسول الله نحن نصدقك على أمر الله ونهيه وعلى أمر الجنة والنار والثواب والعقاب و وحي الله عزوجل ولا نصدقك في ثمن ناقة هذا الاعرابي ! وإني قتلته لانه كذبك لما قلت له أصدق رسول الله فيما قال فقال: لاما أوفاني شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أصبت يا علي فلا تعد إلى مثلها، ثم التفت إلي القرشي وكان قد تبعه، فقال: هذا حكم الله لا ما حكمت به)(2).
3426 - وفي رواية محمد بن بحر الشيباني، عن أحمد بن الحرث قال: حدثنا أبوأيوب الكوفي قال: حدثنا إسحاق بن وهب العلاف قال: حدثنا أبوعاصم النبال،


______________
(1) أى مع هذا الاعرابى، و " لاتحاكمن " جواب القسم المحذوف.
(2) تحاكم النبى صلى الله عليه وآله إلى القرشى ابتداء ورد حكمه ثانيا يعطى جواز التحاكم إلى من ظاهره قابلية التحكم ورد حكمه عند العلم بخطائه، وكذا ما يجيئ من قضية شريح في درع طلحة.

[107]

عن ابن جريج، عن الضحاك(1)، عن ابن عباس قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه واله من منزل عائشة فاستقبله أعرابي ومعه ناقة فقال: يا محمد تشتري هذه الناقة؟ فقال النبي صلى الله عليه واله: نعم بكم تبيعها يا أعرابي؟ فقال: بمائتي درهم فقال النبي صلى الله عليه واله: بل ناقتك خير من هذا، قال: فما زال النبي صلى الله عليه واله يزيد حتى اشترى الناقة بأربع مائة درهم، قال: فلما دفع النبي صلى الله عليه واله إلى الاعرابي الدراهم ضرب الاعرابي يده إلى زمام الناقة، فقال: الناقة ناقتي والدراهم دراهمي فإن كان لمحمد شئ فليقم البينة قال: فأقبل رجل فقال النبي صلى الله عليه واله: أترضى بالشيخ المقبل؟ قال: نعم يا محمد، فقال النبي صلى الله عليه واله: تقضي فيما بيني وبين هذا الاعرابي؟ فقال: تكلم يارسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه واله: الناقة ناقتى والدراهم دراهم الاعرابي، فقال الاعرابي: بل الناقة ناقتي و الدراهم دراهمي إن كان لمحمد شئ فليقم البينة، فقال الرجل: القضية فيها واضحة يارسول الله وذلك أن الاعرابي طلب البينة، فقال له النبي صلى الله عليه واله: إجلس فجلس ثم أقبل رجل آخر فقال النبي صلى الله عليه واله: أترضى يا أعرابي بالشيخ المقبل؟ قال: نعم يا محمد، فلما دنا قال النبي صلى الله عليه واله: إقض فيما بيني وبين الاعرابي قال تكلم يارسول الله فقال النبي صلى الله عليه واله: الناقة ناقتي والدراهم دراهم الاعرابي، فقال الاعرابي: بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي إن كان لمحمد شئ فليقم البينة، فقال الرجل: القضية فيها واضحة يارسول الله لان الاعرابي طلب البينة، فقال النبي صلى الله عليه واله: اجلس حتى يأتي الله بمن يقضي بيني وبين الاعرابي بالحق، فأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه واله: أترضى بالشاب المقبل؟ قال: نعم فلما دنا قال النبي صلى الله عليه واله: يا أبا الحسن إقض فيما بيني وبين الاعرابي، فقال: تكلم


______________
(1) ذكر المصنف هنا تمام السند لانه مقطوع وجل رواته من العامة، ومحمد بن بحر مرمى بالغلو وارتفاع المذهب والقول بالتفويض، وأحمد بن الحرث مشترك بين جماعة غير موثقين ولعله تصحيف أحمد بن حرب وهو حفيد محمد البخارى العامى، و أبوأيوب الكوفى ان كان الخزاز فهو ثقة والا فمجهول، واسحاق بن وهب عامى وكذا بقية رجال السند إلى ابن عباس.

[108]

يارسول الله فقال النبي صلى الله عليه واله: الناقة ناقتي والدراهم دراهم الاعرابي فقال الاعرابي: لا بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي إن كان لمحمد شئ فليقم البينة، فقال علي عليه السلام: خل بين الناقة وبين رسول الله صلى الله عليه واله فقال الاعرابي: ما كنت بالذي أفعل أو يقيم البينة(1) قال: فدخل علي عليه السلام منزله فاشتمل على قائم سيفه(2) ثم أتى فقال: خل بين الناقة وبين رسول الله صلى الله عليه واله قال: ما كنت بالذي أفعل أو يقيم البينة: قال: فضربه علي عليه السلام ضربة فاجتمع أهل الحجاز على أنه رمى برأسه وقال بعض أهل العراق بل قطع منه عضوا، قال: فقال النبي صلى الله عليه واله: ما حملك على هذا يا علي !؟ فقال: يارسول الله نصدقك على الوحي من السماء ولا نصدقك على أربعمائة درهم) !.
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: هذان الحديثان غير مختلفين لانهما في قضيتين، وكانت هذه القضية قبل القضية التي ذكرتها قبلها(3).
3427 - وروى محمد بن بحر الشيباني، عن عبدالرحمن بن أحمد الذهلي قال: حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال: حدثنا أبواليمان الحكم بن نافع الحمصي، قال: حدثنا شعيب، عن الزهري، عن عبدالله بن أحمد الذهلي قال(4) حدثني عمارة بن خزيمة بن ثابت أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه واله (أن النبي صلى الله عليه واله ابتاع فرسا من أعرابى فأسرع النبي صلى الله عليه واله المشي ليقبضه ثمن فرسه فأبطأ الاعرابي فطفق رجال يعترضون الاعرابي فيساومونه بالفرس(5) وهم لا يشعرون


______________
(1) " أو يقيم " بمعنى إلى أن يقيم.
(2) قائم السيف وقائمته: مقبضه. (المصباح)
(3) قال ذلك دفعا لان النبى صلى الله عليه وآله نهاه في الخبر السابق عن العود إلى مثله، لكن في الخبرين غرابة كما لا يخفى والعلم عند الله.
(4) السند عامى وروى نحوه الكلينى ج 7 ص 401 من الكافى في الموثق كالصحيح عن معاوية بن وهب مقطوعا. وذكر القضية جماعة من العامة واشار اليه ابن قتيبة في المعارف وابن الاثير في اسد الغابة.
(5) المساومة المقاولة في البيع والشراء والمجاذبة بين البايع والمشترى على السلعة وفضل ثمنها.

[109]

أن النبي صلى الله عليه واله ابتاعه حتى زاد بعضهم الاعرابي في السوم على الثمن فنادى الاعرابي فقال: إن كنت مبتاعا لهذا الفرس فابتعه وإلا بعته، فقام النبي صلى الله عليه واله حين سمع الاعرابي فقال: أو ليس قد ابتعته منك؟ فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه واله و بالاعرابي وهما يتشاجران فقال الاعرابي: هلم شهيدا يشهد إنى قد بايعتك، و من جاء من المسلمين قال للاعرابي: إن النبي صلى الله عليه واله لم يكن ليقول إلا حقا حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع لمراجعة النبي صلى الله عليه واله والاعرابي فقال خزيمة: إني أنا أشهد أنك قد بايتعه، فأقبل النبي صلى الله عليه واله على خزيمة فقال: بم تشهد !؟ قال: بتصديقك يارسول الله فجعل النبي صلى الله عليه واله شهادة خزيمة بن ثابت شهادتين وسماه ذا الشهادتين).
3428 - وروى ممحمد بن قيس(1) عن أبي جعفر عليه السلام (أن عليا عليه السلام كان في مسجد الكوفة فمر به عبدالله بن قفل التيمي ومعه درع طلحة فقال علي عليه السلام: هذه درع طلحة اخذت غلولا(2) يوم البصرة، فقال ابن قفل: يا أمير المؤمنين اجعل بيني وبينك قاضيك الذي ارتضيته للمسلمين فجعل بينه وبينه شريحا فقال علي عليه السلام: هذه درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة فقال شريح: يا أمير المؤمنين هات على ما تقول بينة فأتاه بالحسن بن علي عليه السلام فشهد أنها درع طلحة اخذت يوم البصرة غلولا فقال شريح: هذا شاهد ولا أقضي بشاهد حتى يكون معه آخر، فأتى بقنبر فشهد أنها درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة، فقال: هذا مملوك ولا أقضى بشهادة المملوك، فغضب علي عليه السلام، ثم قال: خذوا الدرع فإن هذا قد قضى بجور ثلاث مرات فتحول شريح عن مجلسه وقال: لا أقضي بين اثنين حتى تخبرني من أين قضيت


______________
(1) رواه الكلينى ج 7 ص 385 عن القمى، عن أبيه، عن ابن أبى عمير عن عبدالرحمن ابن الحجاج، والشيخ في التهذيب ج 2 ص 87 في الموثق عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبى عمير، عن عبدالرحمن بن الحجاج عن أبى جعفر عليه السلام والظاهر أنه سقط محمد ابن قيس في الكتابين لان عبدالرحمن لم يلق أبا جعفر عليه السلام.
(2) الغلول: الخيانة في المغنم خاصة.

[110]

بجور ثلاث مرات؟ فقال له علي عليه السلام: إني لما قلت لك: إنها درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة فقلت هات على ما تقول بينة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله: حيثما وجد غلول اخذ بغير بينة(1)، فقلت: رجل لم يسمع الحديث، ثم أتيتك بالحسن فشهد فقلت: هذا شاهد واحد ولا أقضي بشاهد حتى يكون معه آخر وقد قضى رسول الله صلى الله عليه واله بشاهد ويمين، فهاتان اثنتان، ثم أتيتك بقنبر، فشهد فقلت: هذا مملوك، وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا فهذه الثالثة(2)، ثم قال عليه السلام: يا شريح إن إمام المسلمين يؤتمن من أمورهم على ما هو أعظم من هذا(3)، ثم قال أبوجعفر عليه السلام: فأول من رد شهادة المملوك - رمع -)(4).
3429 - وروى محمد بن عيسى بن عبيد، عن أخيه جعفر بن عيسى قال: (كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك المرأة تموت فيدعي أبوها أنه أعارها بعض ما كان عندها من المتاع والخدم أتقبل دعواه بلا بينة، أم لا تقبل دعواه إلا ببينة؟ فكتب عليه السلام: تجوز بلا بينة، قال: وكتبت إلى أبي الحسن يعني علي بن محمد عليهما السلام جعلت فداك إن ادعى زوج المرأة الميتة أو أبوزوجها أو أم وزجها في متاعها أو في خدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع والخدم أيكون بمنزلة الاب


______________
(1) لعل مبنى ذلك على أنه لم يكن كلام في أنها درع طلحة لعلمهم بذلك بحيث لا يمكن انكاره حيث رأوها مرة بعد أخرى، بل الكلام انما كان في أن عبدالله بن قفل هل أخذه غلولا أو على وجه شرعى، والاصل عدم انتقالها اليه بنافل شرعى (مراد) وقال العلامة المجلسى - رحمه الله - قوله " حيث ما وجد غلول " لعله محمول على ما إذا كان معروفا مشهورا بين الناس أو عند الامام والا فالحكم به مطلقا لا يخلو عن اشكال.
(2) يستفاد منه تعديل قنبر وقبول شهادة المملوك العادل.
(3) الخبر في الكافى والتهذيب إلى هنا.
(4) مقلوب عمر. وحاصل الخبر أن طلب البينة من المدعى انما يكون فيمن لم يعلم عصمته، وأما فيمن علم عصمته بالدليل فيعلم بقوله حقية دعواه فلم يحتج الحاكم في الحكم إلى بينة لوجوب حكمه بعلمه ولهذا يجب تصديقه في جميع الاحكام الشرعية والاعتقادات. (مراد) (*)

[111]

في الدعوى؟ فكتب عليه السلام: لا)(1).
3430 - وروى محمد بن أبي عمير، عن رفاعة بن موسى النخاس عن أبي عبدالله عليه السلام قال: (إذا طلق الرجل امرأته فادعت أن المتاع لها وادعى أن المتاع له كان له ما للرجال ولها ما للنساء)(2).
وقد روي أن المرأة أحق بالمتاع لان من بين لابتيها قد يعلم أن المرأة تنقل إلى بيت زوجها المتاع(3).
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: يعنى بذلك المتاع الذي هو من متاع النساء والمتاع الذى هو يحتاج إليه الرجال كما تحتاج إليه النساء، فأما ما لا يصلح إلا للرجال فهو للرجل، وليس هذا الحديث بمخالف للذي قال: له ما للرجال و لها ما للنساء وبالله التوفيق.


______________
(1) مروى في الكافى ج 7 ص 431 وفى التهذيب ج 2 ص 87، وقال العلامة المجلسى - رحمه الله -: لعل الفرق فيما إذا علم كونها ملكا للاب سابقا كما هو الغالب بخلاف غيره، فالقول قول الاب لانه كان ملكه والاصل عدم الانتقال، وقال في التحرير: هذه الرواية محمولة على الظاهر لان المرأة تأتى بالمتاع من بيت أهلها.
(2) مروى في التهذيب ج 2 ص 89 والاستبصار ج 3 وص 47 في ذيل حديث.
(3) هذا الكلام مضمون خبر رواه الشيخ في التهذيب ج 2 ص 90 في الصحيح عن عبدالرحمن بن الحجاج عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألتى هل يقضى ابن أبى ليلى بقضاء يرجع عنه فقلت له: بلغنى أنه قضى في متاع الرجل والمرأة إذا مات أحدهما فادعى ورثة الحى وورثة الميت، أو طلقها الرجل فادعاه الرجل وادعته المرأة أربع قضيات قال: ماهن؟ قلت: أما أول ذلك فقضى فيه بقضاء ابراهيم النخعى أن يجعل متاع المرأة الذى لا يكون للرجل للمرأة، ومتاع الرجل الذى لا يكون للمرأة للرجل، وما يكون للرجال والنساء بينهما نصفين ثم بلغنى أنه قال: هما مدعيان جميعا والذى بأيديهما جميعا مما يتركان بينهما نصفين ثم قال: الرجل صاحب البيت والمرأة الداخلة عليه وهى المدعية فالمتاع كله للرجل الا متاع النساء الذى لا يكون للرجال فهو للمرأة، ثم قضى بعد ذلك بقضاء لولا انى شهدته لم أروه عليه، ماتت امرأة مناولها زوج وتركت متاعا فرفعته اليه فقال اكتبوا لى المتاع فلما قرأه قال: هذا يكون للمرأة وللرجل وقد جعلته للمرأة الا الميزان فانه من متاع الرجل، فهو لك، قال: فقال لي على أي شئ هو اليوم؟ قلت: رجع إلى أن جعل البيت للرجل، ثم سألته عن ذلك فقلت له: ما تقول فيه أنت؟ قال: القول الذي أخبرتنى أنك شهدت منه وان كان قد رجع عنه، قلت له: يكون المتاع للمرأة؟ فقال: لو سألت من بينهما - يعنى الجبلين - ونحن يومئذ بمكة لا خبروك أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل فيعطى التي جاء‌ت به وهو المدعى فان زعم أنه أحدث فيه شيئا فليأت بالبينة ".