باب حكم الحريم

3416 - روى إسماعيل بن مسلم عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهما السلام قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في رجل باع نخله، واستثنى نخلة قضى له بالمدخل إليها والمخرج منها ومدى جرائدها)(3).
3417 - وروى وهب بن وهب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام (أن علي ابن أبي طالب عليه السلام كان يقول: حريم البئر العادية(4) خمسون ذراعا إلا أن يكون إلى عطن(5) أو إلى طريق فيكون أقل من ذلك إلى خمسة وعشرين ذراعا).
3418 - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: حريم النخلة طول سعفتها(6).


______________
(3) أى له حق المرور مادامت رطبة وله منتهى بلوغ أغصانها في هواء الحائط و بازائها في الارض مسقط التمر، والمدى الغاية.
(4) العادية: القديمة، وفى القاموس شئ عادى أى قديم كانه منسوب إلى عاد.
(5) العطن والمعطن واحد الاعطان وهى مبارك الابل عند الماء لتشرب عللا بعد نهل فاذا استوفت ردت إلى المرعى.
(6) لم أجده مسندا وروى ابن ماجه في الضعيف عن ابن عمر عن عبادة بن صامت عن النبى صلى الله عليه وآله قال: " حريم النخلة مد جرائدها " والجريدة السعف.

[102]

3419 - وروي " أن حريم المسجد أربعون ذراعا من كل ناحية، وحريم المؤمن في الصيف باع " وروي " عظم الذراع "(1).
3420 - وروى عقبة بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل أتى جبلا فشق منه قناة جرى ماؤها سنة، ثم إن رجلا أتى ذلك الجبل فشق منه قناة اخرى فذهبت قناة الآخر بماء قناة الاول، قال: يقايسان بحقائب البئر ليلة ليلة فينظر أيتها أضرت بصاحبتها، فإن كانت الاخيرة أضرت بالاولى فليتعور(2)، وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، وقال: إن كانت الاولى أخذت ماء الاخيرة لم يكن لصاحب الاخيرة على الاولى سبيل ".
3421 - وسئل عليه السلام "(3) عن قوم كان لهم عيون في أرض قريبة بعضها من بعض، فأراد رجل أن يجعل عينه أسفل من موضعها الذي كانت عليه، وبعض العيون إذا فعل بها ذلك أضرت ببقيتها، وبعضها لا تضر من شدة الارض، فقال: ما كان في مكان جليد فلا يضره(4)، وما كان في أرض رخوة بطحاء فإنه يضر ".
3422 - وقال عليه السلام " يكون بين البئرين إن كانت أرضا صلبة خمسمائة


______________
(1) ولا منافاة بينهما لان ذلك على سبيل الاستحسان والتخيير، ويمكن أن يراد بالباع حريم الجانبين مجموعا فيقرب لكل جانب من عظم الذراع (مراد) والباع قدر مد اليدين، قال سلطان العلماء: ولعل هذا في الشتاء وذلك في الصيف أو يحمل الباع على الافضل.
(2) الحقائب جمع الحقيبة وهي العجيزة ووعاء يجمع الراحل فيه زاده وحقب المطر أى تأخر واحتبس يعنى منتهى البئر، والحاصل أنه يحبس كل ليلة ماء احدى القناتين ليعلم أيتهما تضر بالاخرى.
وفى التهذيب " بجوانب البئر " وفى بعض النسخ " بعقائب البئر " وقال الفيض رحمه الله - العقبة - بالضم -: النوبة، والتعوير: الطم، وفى النهاية: عورت الركية وأعورتها إذا طممتها وسددت أعينها التى ينبع منها الماء.
(3) مروى في الكافى ج 5 ص 293 عن القمى، عن أبيه، عن محمد بن حفص عنه عليه السلام مع زيادة.
(4) الجليد: الارض الصلبة.

[103]

ذراع(1)، وإن كانت رخوة فألف ذراع ".
3423 - وروى الحسن الصيقل(2)، عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبوجعفر عليه السلام: " كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان، فكان إذا جاء إلى نخلته نظر إلى شئ من أهل الرجل يكرهه الرجل، قال: فذهب الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكاه، فقال: يا رسول الله إن سمرة يدخل علي بغير إذني فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي حذرها منه، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فدعاه فقال: يا سمرة ما شأن فلان يشكوك ويقول: يدخل بغير إذني فترى من أهله ما يكره ذلك، يا سمرة إستأذن إذا أنت دخلت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال: لا، قال: لك ثلاثة؟ قال: لا، قال: ما أراك يا سمرة إلا مضارا، اذهب يا فلان فاقطعها واضرب بها وجهه)(3).


______________
(1) مروى في الكافى والتهذيب ج 2 ص 157 بسند فيه محمد بن عبدالله بن هلال وهو مجهول الحال.
(2) في الطريق اليه من لم يوثق صريحا، ورواه الكلينى والشيخ مع اختلاف وبنحو أبسط وفيهما " باع نخلا واستثنى عليه نخلة ".
(3) في التهذيب " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للانصارى: اذهب فاقطعها وارم بها اليه، فانه لا ضرر ولا ضرار " وفى الكافى " وشكا الانصارى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأرسل اليه رسول الله صلى الله عليه وآله فأتاه فقال له: ان فلانا قد شكاك وزعم أنك تمر عليه وعلى أهله بغير أذنه فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل، فقال: يا رسول الله أستأذن في طريقى إلى عذقى؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: خل عن ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا، فقال: لا، قال: فلك اثنان، قال: لا أريد، فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق، فقال: لا، قال: فلك عشرة في مكان كذا وكذا فأبى فقال: خل عنه ولك مكانه عذق في الجنة، قال: لا أريد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: انك رجل مضار، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن، قال: ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله فقلعت ثم رمى بها اليه، وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: انطلق واغرسها حيث شئت، وقال استاذنا الشعرانى - مد ظله العالى -: هذا الحديث معتبر منقول بطرق مختلفة عن العامة والخاصة فلا بأس بالعمل به في مورده وهو أن يكون لرجل عذق في أرض رجل ولا يستأذن في الدخول و يأبى عن البيع والمعاوضة، وأما إذا تخلف بعض الشروط مثل أن يكون مال آخر غير النخل كشجرة التفاح أو زرع أو بناء أو كان الارض غير مسكونة لاحد وكان الداخل يستأذن إذا دخل أو يرضى بعوضه أو عوض ثمرته فهو خارج عن مدلول الحديث، ويمكن تعميم الحكم بالنسبة إلى كل شجرة غير النخل والى الزرع والبناء، والاضرار بأمور أخرى غير عدم الاستيذان وأما إذا لم يضر واستأذن أو رضى بعوض فوق قيمته فجواز قلع الشجرة أو هدم الدار ممنوع، و بالجملة القدر المسلم حرمة اضرار الغير الا أن يكون في أموال حفظها على مالكها ففرط في حفظها وتضرر بتفريطه في الحفظ.
فيجوز أن يعمل في ملكه عملا يضر جاره، وعلى الجار أيضا حفظ ملكه ثم ان الضرر مع حرمته لا يوجب لنا اختراع أحكام من قبل أنفسنا لدفع الضرر، مثلا إذا تلفت غلة قرية بآفة لا يجوز لنا الحكم ببراء‌ة ذمة المستأجر من مال الاجارة، أو إذا استلزم خروج المستأجر من الدار والحانوت وانتقاله إلى مكان آخر ضررا لا يجوز لنا المنع من اخراجه وأمثال ذلك كثيرة في العقود والمعاملات ولا ينفى عنها بمقتضياتها إذا استلزم ضررا وكذلك لا يحلل به المحرمات كالربا إذا استلزم الامتناع منه ضررا ويجب في كل مورد من موارد الضرر اتباع الادلة الخاصة به.

[104]

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: ليس هذا الحديث بخلاف الحديث الذى ذكرته في أول هذا الباب من قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله في رجل باع نخلة واستثنى نخلة فقضي له بالمدخل إليها والمخرج منها، لان ذلك فيمن اشترى النخلة مع الطريق إليها، وسمرة كانت له نخلة ولم يكن له الممر إليها(1).


______________
(1) حق العبارة " فيمن كانت له النخلة مع الطريق اليها " لان استثناء النخلة ليس بشرائها مع طريقها وان كان في حكم ذلك، ففى العبارة مسامحة، ويمكن حمل فعل النبى صلى الله عليه وآله على أن سمرة لما لم يسمع قول رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يرض من خلته بثلاثة من عذق الجنة استحق ذلك ولا بعد فيه، وأيضا مامر من أن لصاحب النخلة الدخول والخروج وغير ذلك لا ينافى وجوب الاستيذان وان وجب الاذن على صاحب الحائط عنده، ولا بعد أيضا في أن صاحب النخلة ان لم يرض بالاستيذان وكان ينظر إلى ما يكرهه صاحب الحائط استحق أن يقلع نخلته لدفع الاضرار.
وقال سلطان العلماء: يمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وآله لما علم أن غرض سمرة الاضرار والعناد والنظر إلى أهل الرجل أمر بقلع نخلتها كما يشعر به قوله عليه السلام " ما أراك الا مضارا " بعد الالتماس منه بخلاف ما سبق، فلا منافاة.