[باب الصلح]

3267 - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه والصلح جائز بين المسلمين(3) إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا)(4).


______________
(3) روى صدر الخبر الكلينى - رحمه الله - ج 7 ص 415 بسند حسن كالصحيح عن ابن أبى عمير، عن الحلبى، عن جميل وهشام، عن أبى عبدالله عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله، وذيله ج 5 ص 258 في الحسن كالصحيح عن ابن أبى عمير عن حفص بن البخترى عن أبى عبدالله عليه السلام هكذا " الصلح جائز بين الناس " دون قوله " الا صلحا الخ ".
(4) قال استاذنا الشعرانى مد ظله في هامش الوافى: لاريب أن كل عقد يوجب حل حرام وحرمة حلال، فان الرجل إذا باع داره حرم له التصرف فيها وكان حلالا وحل للمشترى وكان حراما، وكذلك وطى الزوجة كان حراما وصار حلالا بعقد النكاح وكان خروج المرأة عن بيتها بغير اذن الرجل مباحا عليها وصار حراما، فالمراد تحليل ما كان في الشرع حراما مطلقا وبالعكس ولا يتغيير موضوعه بسبب العقد، مثلا الخمر حرام مطلقا ولا يتغير الخمر عن هذا الاسم بأى عقد كان، والزنا حرام ولكن يتغير موضوعه بعقد النكاح، والتصرف في مال الغير حرام ويتغير موضوعه بالا شتراء فيصبر مال نفسه، واستشكل في قوله عليه السلام " أو حرم حلالا " والمتبادر إلى الذهن منه أن يصير الحلال كالمحرم يمتنع منه تدينا من أول عمره إلى آخره لا أن يمتنع منه في الجملة في وقت خاص وزمان خاص لان الرجل ان التزم بترك عمل كأكل اللحم في شهر بعينه لا يصدق عليه أنه حرم على نفسه اللحم بل إذا التزم بتركه مطلقا والا فما من شرط وعقد وصلح ويمين ونذر الا ويحرم به حلال في الجملة، ولتفصيل ذلك محل آخر.

[33]

3268 - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ماعندي، فقال: لابأس بذلك إذا تراضيا وطابت أنفسهما)(1).
3269 - وروى علي بن أبي حمزة قال: ((قلت لابي الحسن عليه السلام: رجل يهودي أو نصراني كانت له عندي أربعة آلاف درهم، فمات ألى أن اصالح ورثته ولا اعلمهم كم كان؟ قال: لايجوز حتى تخبرهم).(2)
3270 - وروى أبان، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه ويقول له: انقدلي من الذي لي كذا وكذا وأضع لك بقيته، أو يقول: انقد لي بعضا وأمد لك في الاجل فيما بقي، فقال: لا أرى به بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا يقول الله عزوجل: (فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون


______________
(1) قال الاستاذ: الصلح عقد يعتبر فيه ما يعتبر في مطلق العقود ويترتب عليه أحكام المطلق ولكن ما يختص بعقد مخصوص من الشرائط والاحكام كخيار المجلس والحيوان والشفعة في البيع فلا يجرى في الصلح ومن الشروط المطلقة الرضا وطيب النفس فيعتبر فيه كما يعتبر في سائر العقود ويترتب عليه خيار الفسخ بالشرط المأخوذ فيه إذا تخلف، وأما الغبن والعيب ان لم يكن الصلح مبنيا على المحاباة ولم يعلم طيب نفسهما مع العيب والغبن فلابد أن يلتزم اما ببطلان الصلح أو خيار الفسخ ولا سبيل إلى الحكم باللزوم مع عدم طيب النفس والصحيح الخيار والظاهرأن الربا ممنوع في الصلح وقال في الكفاية بجوازه والله العالم انتهى، أقول: استدل بهذا الخبر على جواز الصلح على المجهول وهو غير سديد اذ غاية ما يستفاد منه ابراء ذمة كل واحد منهما مما في ذمته لصاحبه فيقيد عدم اعتبار خصوص لفظ في الاسقاط.
(2) رواه الكلينى ج 5 ص 259 عن القمى عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن على بن أبى حمزة عنه عليه السلام وظاهره بطلان الصلح حينئذ، وظاهر الاصحاب سقوط الحق الدنيوى وبقاء الحق الاخروى. (المرآة)
(3) رواه الشيخ في التهذيب ج 2 ص 65 في الصحيح عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب الثقة، عن أبان بن عثمان المقبول خبره، عن محمد بن مسلم عنه عليه السلام، ورواه الكلينى ج 5 ص 259 في الحسن كالصحيح عن ابن أبى عمير عن أبى عبدالله عليه السلام.

[34]

ولا تظلمون)(1).
3271 - وروى حماد، عن الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام (في الرجل يعطى أقفزة من حنطة معلومة يطحنون بالدراهم، فلما فرغ الطحان من طحنه نقده الدراهم وقفيزا منه وهو شئ قد اصطلحوا عليه فيما بينهم قال: لابأس به وإن لم يكن ساعره على ذلك)(3).
3272 - وروى الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إني كنت عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان فقال أحدهما: إني اكتريت من هذا دابة ليبلغني عليها من كذا وكذا إلى كذا وكذا فلم يبلغني الموضع، فقال القاضي لصاحب الدابة بلغته إلى الموضع؟ قال: لاقد أعيت دابتي فلم تبلغ، فقال له القاضي: ليس لك كراء إذ لم تبلغه إلى الموضع الذي اكترى دابتك إليه، قال عليه السلام: فدعوتهما إلي فقلت للذي اكترى: ليس لك يا عبدالله أن تذهب بكراء دابة الرجل كله، وقلت للآخر: يا عبدالله ليس لك تأخذ كراء دابتك كله، ولكن انظر قدر ما بقي من الموضع وقدر ما ركبته فاصطلحا عليه(4) ففعلا).


______________
(1) يدل على جواز الصلح ببعض الحق على بعض المدة، وعلى مدة البعض بزيادتها، وعلى عدم جواز التأجيل بالزيادة على الحق وان كان على سبيل الصلح فانه ربا، والاستدلال بالاية لنفى الزيادة وان دلت في النقص أيضا لكن ثبت جوازه بالاخبار الكثيرة (م ت) ويمكن أن يقال: نفى الظلم في الشقين للتراضى. (المرآة)
(2) يمكن أن يراد بعض الدراهم بأن يعطيه بعض الدراهم المقررة وقدرا من الدقيق عوضا عن بعضها على وجه الصلح. (سلطان)
(3) كانه على القفيز والا فقد ساعره على غيره، أو المراد لا بأس وان لم يكن ساعره على شئ من الاصل فيكون حكما منه على سبيل العموم، وقال المولى المجلسى: أى وان لم يقع البيع والشراء على ذلك والصلح أيضا من أنواع المعاوضات.
(4) ذلك لان عدم بلوغه كان لعذر وهو اعسار الدابة دون تفريط أو تقصير من الموجر فلا يبعد توزيع اجرة المسمى أو أجرة المسمى أو أجرة المثل على الطريق، والامر بالاصطلاح لعله يكون لعسر مساحة الطريق والتوزيع، أو هو كناية عن التراد بينهما، ثم اعلم أن هذا الخبر رواه الكلينى ج 5 ص 290 باسناد صحيح وفيه حذف أو نقصان لعله يخل بالمعنى.

[35]

3273 - وروى منصور بن يونس، عن محمد الحلبي(1) قال: كنت قاعدا عند قاض وعنده أبوجعفر عليه السلام جالس فأتاه رجلان فقال أحدهما: إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعا إلى بعض المعادن فاشترطت أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لان بها سوقا أتخوف أن يفوتني فإن احتبست عن ذلك حططت عن ذلك حططت من الكراء عن كل يوم احتبسته كذا وكذا، وإنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوما، فقال القاضي: هذا شرط فاسد وفه كراه، فلما قام الرجل أقبل إلي أبو جعفر عليه السلام وقال: شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه).(2)
3274 - وفي رواية عبدالله بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبدالله عليه السلام (في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر: هما بيني وبينك، فقال: أما الذي قال: هما بيني وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له وأنه لصاحبه ويقسم الآخر بينهما).(3)
3275 - وروى عبد الله بن مسكان، عن سليمان بن خالد قال: (سألت أبا عبدالله


______________
(1) رواه الشيخ في التهذيب ج 2 ص 176 باسناده عن محمد الحلبى، ورواه الكلينى ج 5 ص 290 بسند موثق.
(2) يمكن أن يقال: التكارى المذكور في الرواية مع الاشتراط المذكور يتصور على نحوين أحدهما أن يكون الكرى على تقدير ادخال الرجل المعدن يوم كذا المقدار المعين وعلى تقدير التأخير مقدارا آخر، ولا اشكال في أنه نظير البيع بثمنين أو أزيد، والنحو الاخر أن يكون الكرى معينا ليس غير واشتراط براء‌ة ذمته على تقدير التأخير وهذا ليس كالبيع بثمنين أو أزيد وليس تعليقا في المعاملة ولا مانع من صحته فان بنينا على حفظ القواعد وعدم التخصيص فيها فلابد من حمل الرواية على النحو الثانى أو الحمل على الجعالة وان كان الحمل على الجعالة بعيدا جدا، وان قلنا بأنه لا مانع من تخصيص القواعد بالنص المعتبر فلا مانع من الصحة في كلتا الصورتين (جامع المدارك) ثم اعلم أن ذكر الرواية في كتاب الاجارة أنسب كالخبر السابق وذكرهما المصنف في هذا الباب نظرا إلى لفظ الصلح أو معناه.
(3) حمل على ما إذا أقاما البينة أو حلفا أو نكلا. (سلطان) (*)

[36]

عليه السلام عن رجلين كان لهما مال.
منه بأيديهما ومنه متفرق عنهما فاقتسما بالسوية ما كان في أيديهما وما كان غائبا، فهلك نصيب أحدهما مما كان عنه غائبا واستوفى الآخر أيرد على صاحبه؟ قال: نعم ما يذهب بماله)(1).
3276 - وفي رواية ابن فضال، عن أبي جميلة، عن سماك بن حرب، عن ابن طرفة أن رجلين ادعيا بعيرا فأقام كل واحد منهما بينة فجعله علي عليه السلام بينهما "(3).
3277 - وفي رواية الحسين بن أبي العلاء(4) عن إسحاق بن عمار قال: (قال أبوعبدالله عليه السلام في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب(5) وآخر عشرين درهما في ثوب، فبعث الثوبين ولم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه، قال: يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، والآخر خمسي الثمن، قال (فقلت: فإن صاحب


______________
(1) في بعض النسخ " ما يذهب ماله " و " ما " للنفى، وقال سلطان العلماء: ينبغى حمله على ما في الذمة وان كان يشمل الغير أيضا، وأيضا ينبغى حمله على ما إذا لم يصلحا بل اكتفيا بالقسمة، وظاهر ذكره في باب الصلح عدم جواز الصلح أيضا.
وقال المولى المجلسى: الخبر يدل على عدم جواز قسمة ما في الذمم بل كل ما حصل لكل واحد منهما كان عليهما، هذا إذا لم يقع الصلح في القسمة.
(2) أبوجميلة هو المفضل بن صالح الاسدى النخاس مولاهم ضعيف كذاب يضع الحديث كما في الخلاصة، وسماك بن حرب مذكور في كتب رجال العامة ووثقه ابن معين، يروى عن جماعة منهم تميم بن طرفة الطائى الكوفى الذى وثقه ابن سعد وأبوداود وقال الشافعى: تميم بن طرفة مجهول وتوفى سنة 94 أو 93. والخبر رواه الكلينى ج؟ ص 419.
(3) أى بعنوان المصالحة ليناسب ذكره في المقام أو انما فعل ذلك لتساوى البينتين، وقال سلطان العلماء: هذا مع عدم اختصاص أحدهما باليد كما سيجئ.
(4) الطريق اليه ضعيف بموسى بن سعدان، ومروى في الكافى (ج 7 ص 421 أيضا بسند فيه موسى بن سعدان.
(5) أى أعطاه ثلاثين درهما ليشترى به ثوبا، والبضاعة طائفة من المال تبعثها للتجارة.

[37]

العشرين قال: لصاحب الثلاثين اختر أيهما شئت؟ قال: لقد أنصفه)(1).
3278 - وفي رواية السكوني عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام (في رجل استودع رجلا دينارين واستودعه آخر دينارا فضاع دينار منهما، فقال: يعطى صاحب الدينارين دينارا ويقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين).
3279 - وروي عن صباح المزني رفعه(2) قال: (جاء رجلان إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال أحدهما: يا أمير المؤمنين إن هذا غاداني فجئت أنا بثلاثة أرغفة وجاء هو بخمسة أرغفة فتغدينا ومر بنا رجل فدعوناه إلى الغداء فجاء فتغدى معنا فلما فرغنا وهب لنا ثمانية دراهم ومضى، فقلت: يا هذا قاسمني فقال: لا أفعل إلا على قدر الحصص من الخبز، قال: إذهبا فاصطلحا، قال: يا أمير المؤمنين إنه يأبى أن يعطيني إلا ثلاثة دراهم ويأخذ هو خمسة دراهم فاحملنا على القضاء، قال: فقال له: يا عبدالله أتعلم أن ثلاثة أرغفة تسعة أثلاث؟ قال: نعم، قال: وتعلم أن خمسة أرغفة خمسة عشر ثلثا؟ قال: نعم، قال: فأكلت أنت من تسعة أثلاث ثمانية وبقي لك واحد وأكل هذا من خمسة عشر ثمانية وبقي له سبعة، وأكل الضيف من خبز هذا سبعة أثلاث ومن خبزك هذا الثلث الذي بقي من خبزك، فأصاب كل واحد منكم ثمانية


______________
(1) قال في المسالك: هذا الحكم مشهور بين الاصحاب ومستندهم رواية اسحاق والمحقق عمل بمقتضى الرواية من غير تصرف وقبله الشيخ وجماعة، وفصل العلامة فقال: ان امكن بيعهما منفردين وجب ثم ان تساويا فلكل واحد ثمن ثوب ولا اشكال " وان اختلفا فالاكثر لصاحبه، وكذا الاقل بناء على الغالب وان أمكن خلافه الا أنه نادر ولا أثر له شرعا، وان لم يمكن صار كالمال المشترك شركة اجبارية كما لو امتزج الطعامان فيقسم الثمن على رأس المال وعليه تنزل الرواية، وأنكر ابن ادريس ذلك كله وحكم بالقرعة وهو أوجه من الجميع لولا مخالفة المشهور وظاهر النص مع أنه قضية في واقعة.
(2) صباح بن يحيى المزنى ثقة، وروى الخبر الكلينى بلفظ آخر عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، وعن على بن ابراهيم، وعن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن عبدالرحمن ابن الحجاج.

[38]

أثلاث، فلهذا سبعة دراهم بدل كل ثلث درهم، ولك أنت لثلثك درهم، فخذ أنت درهما وأعط هذا سبعة دراهم).