باب الحيل في الحكم

3245 - في رواية النضر بن سويد يرفعه (أن رجلا حلف أن يزن فيلا؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: يدخل الفيل سفينة ثم ينظر إلى موضع مبلغ الماء من السفينة فيعلم عليه ثم يخرج الفيل ويلقي في السفينة حديدا أو صفرا أو ماشاء، فإذا بلغ الموضع الذي علم عليه أخرجه ووزنه).
3246 - وفي رواية عمرو بن شمر، عن جعفر بن غالب الاسدي رفع الحديث قال (بينما رجلان جالسان في زمن عمر بن الخطاب إذ مر بهما رجل مقيد، فقال أحد الرجلين: إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا، فقال الآخر: أن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثا، فذهبا إلى مولى العبد وهو المقيد فقالا له: إنا حلفنا على كذا وكذا فحل قيد غلامك حتى نزنه، فقال مولى العبد: امرأته طالق إن حللت قيد غلامي، فارتفعوا إلى عمر فقصوا عليه القصة فقال عمر: مولاه أحق به اذهبوا به إلى علي بن ابي طالب لعله يكون عنده في هذا شئ.
فأتوا عليا عليه السلام فقصوا عليه القصة، فقال: ما أهون هذا، فدعا بجفنة(2) وأمر بقيده فشد فيه خيط وأدخل رجليه والقيد في الجفنة، ثم صب عليه الماء حتى امتلات، ثم قال عليه السلام: ارفعوا القيد فرفعوا القيد حتى اخرج من الماء فلما اخرج نقص الماء، ثم


______________
(2) الجفنة: البئر الصغيرة والقصعة والمراد الثانى.

[18]

دعا بزبر الحديد فأرسله في الماء حتى تراجع الماء إلى موضعه والقيد في الماء ثم قال: زنوا هذا الزبر فهو وزنه).
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه إنما هدى أمير المؤمنين عليه السلام إلى معرفة ذلك ليخلص به الناس من أحكام من يجيز الطلاق باليمين.(1)
3247 - وروى أحمد بن عائذ، عن أبي سلمة(2) عن أبي عبدالله عليه السلام (في رجلين مملوكين مفوض إليها يشتريان ويبيعان بأموال مواليهما فكان بينهما كلام فاقتتلا فخرج هذا يعدو إلى مولى هذا وهما في القوة سواء فاشترى هذا من مولى هذا العبد، وذهب هذا فاشترى هذا من مولاه وجاء هذا وأخذ بتلبيب هذا، وأخذ هذا بتلبيب هذا(3) وقال كل واحد منهما لصاحبه: أنت عبدي قد اشتريتك قال: يحكم بينهما من حيث افترقا فيذرع الطريق فأيهما كان أقرب فالذي أخذ فيه هو الذي سبق الذي هو ابعد(4)، وإن كانا سواء فهما رد على مواليهما)(5).


______________
(1) قال المولى رحمه الله: لا خلاف عندنا في أن الطلاق باليمين باطل و الطلاق ثلاثا في مجلس واحد أيضا باطل فالظاهر حمله على التقية لبيان جهلهم، على أنه عليه السلام لم يقل ان الطلاق صحيح بل ذكر امكان معرفة ذلك فتوجيه المصنف لا وجه له.
أقول: وأما الحمل على التقية فقول المصنف مبنى عليه وأما معرفة الامكان فهو بعض ما ذكره المصنف.
(2) هو سالم بن مكرم وقد يكنى أبا خديجة وتقدم الكلام فيه تحت رقم 3216.
(3) لببه تلبيبا: جمع ثيابه عند نحره في الخصومة وجره.
(4) المملوكان المأذون لهما إذا ابتاع كل واحد منهما صاحبه من مولاه حكم بعقد السابق بخلاف المتأخر لبطلان اذنه بانتقاله عن ملك مالكه، ثم ان كان شراء كل واحد منهما لنفسه وقلنا بملكه فبطلان الثانى واضح لانه لا يملك العبد سيد.
وان أحلنا الملك وكان شراؤه لسيده صح السابق وكان الثانى فضوليا فيقف على اجازة من اشترى له، ولو كان وكيلا وقلنا بأن وكالة العبد لا تبطل بالبيع فصح الثانى أيضا والا فكالمأذون، والفرق بينهما ان الاذن ما جعلت تابعة للملك والوكالة ما أباحت التصرف في العين مطلقا، ولو اقترنا لم يمضيا بل يوقفان على الاجازة، وقيل بالقرعة والقائل الشيخ وفرضها في صورة التساوى في المسافة واشتباه الحال وقيل بذرع الطريق لرواية أبى خديجة. (المسالك)
(5) زاد في الكافى ج 5 ص 218 " جاء‌ا سواء وافترقا سواء الا أن يكون أحدهما سبق صاحبه فالسابق هو له ان شاء باع وان شاء أمسك وليس له أن يضربه " وقال في رواية اخرى " إذا كانت المسافة سواء يقرع بينهما فأيما وقعت القرعة به كان عبده " والضمير راجع إلى الاخر المعلوم بقرينة المقام، وفى التهذيب " عبد الاخر ".

[19]

3248 - وفي رواية إبراهيم بن محمد الثقفي قال: (استودع رجلان امرأة وديعة وقالا لها: لا تدفعي إلى واحد منا حتى نجتمع عندك، ثم انطلقا فغابا فجاء أحدهما إليها وقال: أعطيني وديعتي فإن صاحبي قد مات، فأبت حتى كثر اختلافه إليها ثم أعطته، ثم جاء الآخر فقال: هاتي وديعتي، قالت: اخذها صاحبك وذكر أنك قد مت فارتفعا إلى عمر فقال لها عمر: ما أراك إلا وقد ضمنت؟ فقالت المرأة: اجعل عليا عليه السلام بيني وبينه، فقال له: اقض بينهما، فقال علي عليه السلام: هذه الوديعة عندها وقد أمرتماها ألا تدفعها إلى واحد منكما حتى تجتمعا عندها فائتني بصاحبك ولم يضمنها، وقال علي عليه السلام: إنما أرادا أن يذهبا بمال المرأة).
3249 - وروى عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كان لرجل على عهد علي عليه السلام جاريتان فولدتا جميعا في ليلة واحدة إحداهما ابنا والاخرى بنتا فعمدت(2) صاحبة الابنة فوضعت ابنتها في المهد الذي كان فيه الابن وأخذت ابنها، فقالت صاحبة الابنة: الابن ابني، وقالت صاحبة الابن: الابن ابني، فتحاكما(3) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأمر أن يوزن لبنهما، وقال: أيتهما كانت أثقل لبنا فالابن لها).
3250 - وقال أبوجعفر عليه السلام: (ضرب رجل رجلا في هامته على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فادعى المضروب أنه لا يبصر بعينيه شيئا، وأنه لا يشم رائحة، =


______________
(1) رواه الكليني ج 7 ص 428 وفيه " هذه الوديعة عندى " ولعل المعنى افرض أنها عندى أو عندها فلا يجوز دفعها الا مع حضوركما.
(2) في بعض النسخ " فغدت ".
(3) الصواب " فتحاكمتا ".
(4) رواه الكلينى ج 7 ص 323 مع اختلاف في اللفظ عن على بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن محمد بن الوليد، عن محمد بن فرات، عن الاصبغ بن نباتة قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام.

[20]

وأنه قد خرس فلا ينطق، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن كان صادقا فقد وجبت له ثلاث ديات النفس، فقيل له: وكيف يستبين ذلك منه يا أمير المؤمنين حتى نعلم أنه صادق؟ فقال: أما ما ادعاه في عينيه وأنه لا يبصر بهما فإنه يستبين ذلك بأن يقال له: ارفع عينيك إلى عين الشمس فإن كان صحيحا لم يتمالك إلا أن يغمض عينيه(1) وإن كان صادقا لم يبصر بهما وبقيت عيناه مفتوحتين، وأما ما ادعاه في خياشيمه(2) وأنه لا يشم رائحة فانه يستبين ذلك بحراق يدني من أنفه(3) فان كان صحيحا وصلت رائحة الحراق إلى دماغه ودمعت عيناه ونحى برأسه(4) وأما ما ادعاه في لسانه من الخرس وأنه لا ينطق فإنه يستبين(5) ذلك بإبرة تضرب على لسانه فإن كان ينطق خرج الدم أحمر، وإن كان لا ينطق خرج الدم أسود)(6).
3251 - وروى سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباته قال: (أتي عمر بن الخطاب بجارية فشهد عليها شهود أنها بغت، وكان من قصتها أنها كانت يتيمة عند رجل وكان للرجل امرأة وكان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله فشبت اليتيمة، وكانت جميلة فتخوفت


______________
(1) مفعول " لم يتمالك " محذوف يدل عليه ماسبقه أى لم يتمالك رفع عينيه إلى عين الشمس لانه حينئذ يغمض عينيه فيكون " أن " مخففة من المثقلة محذوفا عنها حرف الجر، لا ناصبة، ويمكن أن يكون " يغمض عينيه " بيانأ لقوله عليه السلام: " لم يتمالك ". (مراد)
(2) الخيشوم أقصى الانف.
(3) الحراق - بضم الحاء المهملة - والحراقة: ما تقع فيه النار عند القدح، والعامة تقوله بالتشديد.
(الصحاح).
(4) نحى: مال على أحد شقيه، نحى بصره اليه: أماله.
(5) في بعض النسخ " يستبرأ " هنا وكذا في المواضع الثلاثة المتقدمة.
(6) عمل بهذا الخبر بعض الاصحاب، والاكثر عملوا بالقسامة وحملوه على اللوث.
وقال الشهيد رحمه الله - في ابطال الشم من المنخرين معا الدية ومن أحدهما خاصة نصفها، ولو ادعى ذهابه وكذبه الجانى عقيب جناية يمكن زواله بها اعتبر بالروائح الطيبة والخبيثة والروائح الحادة فان تبين حاله وحكم به. ثم احلف القسامة ان لم يظهر بالامتحان وقضى له.

[21]

المرأة أن يتزوجها زوجها إذا رجع إلى منزله فدعت بنسوة من جيرانها فأمسكنها ثم اقتضتها باصبعها(1) فلما قدم زوجها سأل امرأته عن اليتيمة، فرمتها بالفاحشة وأقامت البينة من جيرانها على ذلك، قال: فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فلم يدر كيف يقضي في ذلك، فقال للرجل: اذهب بها إلى علي بن أبي طالب: فأتوا عليا وقصوا عليه القصة، فقال لامرأة الرجل: ألك بينة؟ قالت: نعم هؤلاء جيراني(2) يشهدن عليها بما أقول، فأخرج علي عليه السلام السيف من غمده وطرحه بين يديه ثم أمر بكل واحدة من الشهود، فأدخلت بيتا ثم دعا بامرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها فردها إلى البيت الذي كانت فيه، ثم دعا بإحدى الشهود وجثا على ركبتيه و قال لها: أتعرفيني أنا علي بن أبي طالب وهذا سيفي وقد قالت امرأة الرجل ما قالت ورجعت إلى الحق وأعطيتها الامان فاصدقيني وإلا ملات سيفي منك، فالتفتت المرأة إلى علي(3) فقالت: يا أمير المؤمنين الامان على الصدق؟ فقال لها علي عليه السلام: فاصدقي، فقالت لا والله مازنت اليتيمة ولكن امرأة الرجل لما رأت حسنها وجمالها وهيئتها خافت فساد زوجها فسقتها المسكر، ودعتنا فأمسكناها فاقتضتها بإصبعها، فقال علي عليه السلام: الله اكبر، الله اكبر أنا أول من فرق بين الشهود إلا دانيال ثم حد المرأة حد القاذف وألزمها ومن ساعدها على اقتضاض اليتيمة المهر لها أربع مائة درهم، وفرق بين المرأة وزوجها وزوجه اليتيمة، وساق عنه المهر إليها من ماله.
فقال عمر بن الخطاب: فحدثنا يا أبا الحسن بحديث دانيال النبي عليه السلام فقال: إن دانيال كان علاما يتيما لا أب له ولا أم، وإن امرأة من بني إسرائيل عجوزا ضمته إليها وربته وإن ملكا من ملوك بني اسرائيل كان له قاضيان، وكان له صديق و كان رجلا صالحا، وكانت له امرأة جميلة وكان يأتي الملك فيحدثه فاحتاج الملك إلى رجل يبعثه في بعض اموره فقال للقاضيين: اختارا لي رجلا أبعثه في بعض اموري، فقالا: فلان، فوجهه الملك، فقال الرجل للقاضيين أوصيكما بامرأتي خيرا، فقالا.


______________
_____ (1) اقتضتها - بالقاف - أى رفعت بكارتها.
(2) الصواب " جاراتى ".
(3) الصواب عمره (*)

[22]

نعم فخرج الرجل وكان القاضيان يأتيان باب الصديق فعشقا امرأته فراوداها عن نفسها فأبت عليهما فقالا لها، إن لم تفعلي شهدنا عليك عند الملك بالزنا ليرجمك، فقالت: افعلا ما شئتما فأتيا الملك، فشهدا عليها أنها بغت وكان لها ذكر حسن جميل، فدخل الملك من ذلك أمر عظيم اشتد غمه وكان بها معجبا فقال لهما: إن قولكما مقبول فأجلوها ثلاثة أيام ثم ارجموها، ونادى في مدينته احضروا قتل فلانة العابدة فإنها قد بغت وقد شهد عليها القاضيان بذلك فأكثر الناس القول في ذلك فقال الملك لوزيره: ما عندك في هذا حيلة؟ فقال: لا والله ما عندي في هذا شئ.
فلما كان اليوم الثالث ركب الوزير وهو آخر أيامها، فإذا هو بغلمان عراة يلعبون، وفيهم دانيال: يا معشر الصبيان تعالوا حتى أكون أنا الملك و تكون أنت يا فلان فلانة العابدة ويكون فلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها ثم جمع ترابا وجعل سيفا من قصب، ثم قال للغلمان: خذوا بيد هذا فنحوه إلى موضع كذا والوزير واقف وخذوا هذا فنحوه ألى موضع كذا، ثم دعا بأحدهما فقال: قل حقا فإنك إن لم تقل حقا قتلتك، قال: نعم والوزير يسمع فقال له: بم تشهد على هذه المرأة؟ قال: أشهد أنها زنت، قال: في أي يوم؟ قال: في يوم كذا وكذا قال: في اى وقت؟ قال: في وقت كذا وكذا، قال: في اى موضع؟ قال في موضع كذا وكذا، قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان، فقال: ردوا هذا إلى مكانه، وهاتوا الآخر، فردوه وجاؤوا بالآخر فسأله عن ذلك فخالف صاحبه في القول، فقال دانيال: الله أكبر، الله اكبر شهدا عليها بزور، ثم نادى في الغلمان إن القاضيين شهدا على فلانة بالزور فحضروا قتلهما، فذهب الوزير إلى الملك مبادرا فأخبره بالخبر فبعث الملك إلى القاضيين فأحضرهما ثم فرق بينهما، وفعل بهما كما فعل دانيال بالغلامين فاختلفا كما اختلفا، فنادى في الناس وأمر بقتلهما)(1).


______________
(1) مروى في الكافى ج 7 ص 425 عن على بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير عن معاوية بن وهب، عن أبى عبدالله عليه السلام مع اختلاف في اللفظ دون المعنى.

[23]

3252 - وقال أبوجعفر عليه السلام: " وجد على عهد أمير المؤمنين صلوت الله عليه رجل مذبوح في خربة وهناك رجل بيده سكين ملطخ بالدم فأخذ ليؤتى به أمير المؤمنين عليه السلام فأقر أنه قتله، فاستقبله رجل فقال لهم: خلوا عن هذا فأنا قاتل صاحبكم فأخذ أيضا واتي به مع صاحبه أمير المؤمنين عليه السلام فلما دخلوا قصوا عليه القصة، فقال للاول: ما حملك على الاقرار؟ قال: يا أمير المؤمنين إني رجل قصاب وقد كنت ذبحت شاة بجنب الخربة فأعجلني البول، فدخلت الخربة وبيدي سكين ملطخ بالدم فأخذني هؤلاء وقالوا: أنت قتلت صاحبنا، فقلت: ما يغني عني الانكار شيئا وههنا رجل مذبوح وأنا بيدي سكين ملطخ بالدم فأقررت لهم أني قتلته، فقال علي عليه السلام للآخر: ما تقول أنت؟ قال: أنا قتلته يا أمير المؤمنين فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اذهبوا إلى الحسن ابنى ليحكم بينكم، فذهبوا اليه وقصوا عليه القصة فقال عليه السلام: أما هذا فان كان قد قتل رجلا فقد أحيا هذا والله عز وجل يقول: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، ليس على أحد منهما شئ وتخرج الدية من بيت المال لورثة المقتول)(1).
3253 - وقال أبوجعفر عليه السلام: (توفي رجل على عهد أمير المؤمنين عليه السلام وخلف ابنا وعبدا فادعى كل واحد منهما أنه الابن وأن الآخر عبد له، فأتيا أمير المؤمنين عليه السلام فتحاكما إليه فأمر أمير المؤمنين عليه السلام أن يثقب في حائط المسجد ثقبين، ثم أمر كل واحد منهما أن يدخل رأسه في ثقب ففعلا، ثم قال: يا قنبر جرد


______________
(1) مروى في الكافى ج 7 ص 288 والتهذيب ج 2 ص 96 مع اختلاف في اللفظ واتفاق في المعنى لكن في الكافى بسند فيه ارسال عن أبى عبدالله عليه السلام، وقال الشهيد (ره) في المسالك بمضمون هذه الرواية عمل أكثر الاصحاب مع أنها مرسلة مخالفة للاصول، والاقوى تخير الولى في تصديق أيهما شاء والاستيفاء منه، وعلى المشهور لو لم يكن بيت مال أشكل درء القصاص عنهما واذهاب حق المقر له مع أن مقتضى التعليل ذلك، ولو لم يرجع الاول عن اقراره فمقتضى التعليل بقاء الحكم أيضا والمختار التخيير مطلقا.

[24]

السيف وأسر إليه لا تفعل ما آمرك به، ثم قال: اضرب عنق العبد، قال: فنحى العبد رأسه فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام وقال للآخر: أنت الابن، وقد أعتقت هذا وجعلته مولى لك).(1)
3254 - وروى عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة قال: اتي عمر بن الخطاب بامرأة تزوجها شيخ فلما أن واقعها مات على بطنها، فجاء‌ت بولد فادعى بنوه أنها فجرت وتشاهدوا عليها فأمر بها عمر أن ترجم فمروا بها على علي بن أبي طالب عليه السلام، فقالت: يا ابن عم رسول الله إني مظلومة وهذه حجتي، فقال: هاتي حجتك، فدفعت إليه كتابا فقرأه، فقال: هذه المرأة تعلمكم بيوم تزوجها ويوم واقعها وكيف كان جماعه لها(2) ردوا المرأة، فلما كان من الغد دعا علي عليه السلام بصبيان يلعبون أتراب(3) وفيهم ابنها، فقال لهم: العبوا، فلعبوا حتى إذا ألهاهم اللعب، فصاح بهم فقاموا وقام الغلام الذي هو ابن المرأة متكئا على راحيته، فدعا به علي عليه السلام فورثه من أبيه، وجلد أخوته المفترين حدا حدا، فقال له عمر: كيف صنعت؟ قال: عرفت ضعف الشيخ في تكأة الغلام على راحتيه)(4).
3255 - وقال أبوجعفر عليه السلام: (دخل علي عليه السلام المسجد فاستقبله شاب وهو يبكي وحوله قوم يسكتونه، فقال عليه السلام: ما أبكاك؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن شريحا قضى علي بقضية ما أدري ما هي إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في سفرهم فرجعوا ولم يرجع أبي فسألتهم عنه، فقالوا: مات فسألتهم عن ماله فقالوا: ما ترك مالا فقدمتهم إلى شريح فاستحلفهم، وقد علمت يا أمير المؤمنين أن أبي خرج ومعه


______________
(1) لعله بطريق الاستيذان والالتماس لا بطريق الحكم والقطع.
(2) أى تدعى مع القرائن من القبالة وغيرها.
(3) الاتراب الذين ولدوا معا وسنهم واحد.
(4) يكفى في سقوط الحد شبهة وفى هذا الواقع كان صلوات الله عليه علم الواقع فيحكم بالواقع بامثال هذه الحيل الشرعية. (م ت) (*)

[25]

مال كثير، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: ارجعوا فردوهم جميعا والفتى معهم إلى شريح، فقال له: يا شريح كيف قضيت بين هؤلاء؟ فقال، يا أمير المؤمنين ادعى هذا الغلام على هؤلاء النفر أنهم خرجوا في سفر وأبوه معهم فرجعوا ولم يرجع أبوه، فسألتهم عنه فقالوا: مات فسألتهم عن ماله فقالوا: ما خلف شيئا، فقلت للفتى: هل لك بينة على ما تدعي؟ فقال: لا، فاستحلفتهم، فقال علي عليه السلام: يا شريح هيهات هكذا تحكم في مثل هذا،(1) فقال: كيف هذا يا امير المؤمنين؟ فقال على عليه السلام: ياشريح والله لاحكمن فيهم بحكم ما حكم به خلق قبلي إلا داود النبي عليه السلام، يا قنبر ادع لي شرطة الخميس فدعاهم فوكل بهم بكل واحد منهم رجلا من الشرطة، ثم نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى وجوههم، فقال: ماذا تقولون أتقولون إني لا أعلم ما صنعتم بأب هذا الفتى إني إذا لجاهل، ثم قال: فرقوهم وغطوا رؤوسهم ففرق بينهم واقيم كل واحد منهم إلى اسطوانة من اساطين المسجد ورؤوسهم مغطاة بثيابهم، ثم دعا بعبيد الله بن أبي رافع كاتبه، فقال: هات صحيفة ودواة، وجلس علي عليه السلام في مجلس القضاء، واجتمع الناس إليه فقال: إذا أنا كبرت فكبروا، ثم قال للناس: افرجوا، ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه فكشف عن وجهه، ثم قال لعبيد الله اكتب إقراره وما يقول، ثم أقبل عليه بالسؤال، ثم قال له: في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم؟ فقال الرجل: في يوم كذا وكذا، فقال: وفي أي شهر؟ فقال: في شهر كذا وكذا، وقال: وإلى أين بلغتم من سفركم حين مات أبوهذا الفتى؟ قال: إلى موضع كذا وكذا، قال: وفي إي منزل؟ قال: في منزل فلان بن فلان، قال: وما كان من مرضه؟ قال: كذا وكذا، قال: وكم يوما مرض؟ قال: كذا وكذا يوما، قال: فمن كان


______________
(1) أى كان يجب عليك أن تسألنى في أمثال تلك الوقايع حتى أحكم بالواقع كما اشترطت عليك في القضاء، أو لما كان موضع التهمة كان يجب عليك السؤال والتفتيش، أو لما ادعوا موته وأنه ما خلف مالا كان يمكنك طلب الشهود والتفريق حتى تبين الحق، أولما خرج معهم كان يجب عليهم أن يردوه أو يثبتوا موته وأنه لم يخلف شيئا كما تدل عليه أخبار كثيرة.

[26]

يمرضه؟ وفي إي يوم مات؟ ومن غسله؟ وأين غسله؟ ومن كفنه؟ وبما كفنتموه؟ ومن صلى عليه؟ ومن نزل قبره؟ فلما سأله عن جميع مايريد كبر علي عليه السلام وكبر الناس معه، فارتاب أولئك الباقون ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر عليهم وعلى نفسه، فأمر أن يغطى رأسه، وأن ينطلقوا به إلى الحبس.
ثم دعا بآخر فأجلسه ببين يديه وكشف عن وجهه، ثم قال: كلا زعمت أني لا أعلم ما صنعتم، فقال: يا أميرالمؤمنين ما أنا إلا واحد من القوم ولقد كنت كارها لقتله فأقر، ثم دعا بواحد بعد واحد فكلهم يقر بالقتل وأخذ المال، ثم رد الذي كان أمر به إلى السجن فأقر أيضا فألزمهم المال والدم.
فقال شريح: يا أمير المؤمنين وكيف كان حكم داود؟ فقال عليه السلام: إن داود النبي عليه السلام مر بغلمة يلعبون وينادون بعضهم بعضا: مات الدين، فدعا منهم غلاما فقال له: يا غلام ما اسمك؟ قال: اسمي مات الدين فقال له داود عليه السلام من سماك بهذا الاسم؟ قال: امي، فانطلق إلى امه، فقال يا امرأة ما اسم ابنك هذا؟ قالت: مات الدين، فقال لها: ومن سماه بهذا الاسم ! قالت: أبوه، قال: وكيف كان ذلك؟ قالت: إن أباه خرج في سفر له ومعه قوم هذا الصبي حمل في بطني، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي، فسألتهم عنه فقالوا: مات، قلت: أين ما ترك؟ قالوا: لم يخلف مالا فقلت: أوصاكم بوصية؟ قالوا: نعم زعم أنك حبلى فما ولدت من ولد ذكر أو أنثى فسميه مات الدين فسميته، فقال، أتعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك؟ قالت: نعم، قال: فأحياء هم أم أموات؟ قالت: بل أحياء، قال: فانطلقي بنا إليهم ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم فحكم بينهم بهذا الحكم فثبت عليهم المال والدم، ثم قال للمرأة: سمي ابنك هذا عاش الدين.
ثم إن الفتى والقوم اختلفوا في مال أب الفتى كم كان فأخذ علي عليه السلام خاتمه وجمع خواتيم عدة، ثم قال: أجيلوا هذه السهام فأيكم أخرج خاتمي فهو الصادق

[27]

في دعواه لانه سهم الله عزوجل وهو سهم لا يخيب).
3256 - و (قضى علي عليه السلام في امرأة أتته فقالت: إن زوجى وقع على جاريتي بغير إذني، فقال للرجل: ما تقول؟ فقال: ما وقعت عليها إلا بإذنها، فقال علي عليه السلام: إن كنت صادقة رجمناه، وإن كنت كاذبة ضربناك حدا؟ واقيمت الصلاة فقام علي عليه السلام يصلي، ففكرت المرأة في نفسها فلم ترلها في رجم زوجها فرجا ولا في ضربها الحد، فخرجت ولم تعد ولم يسأل عنها أمير المؤمنين عليه السلام).
3257 - و (قضى علي عليه السلام في رجل جاء به رجلان فقالا: إن هذا سرق درعا، فجعل الرجل يناشده لما نظر في البينة(2) وجعل يقول: والله لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ما قطع يدي أبدا، قال: ولم؟ قال: كان يخبره ربي عزوجل أني بريئ فيبرأني ببراء‌تي، فلما رأى علي عليه السلام مناشدته إياه دعا الشاهدين، وقال لهما: اتقيا الله ولا تقطعا يد الرجل ظلما وناشدهما، ثم قال: ليقطع أحدكما يده ويمسك الآخر يده، فلما تقدما إلى المصطبة(3) ليقطعا يده ضربا الناس حتى اختلطوا فلما اختلطوا أرسلا الرجل في غمار الناس(4) وفرا حتى اختلطا بالناس، فجاء الذي شهدا عليه فقال يا أمير المؤمنين شهد علي الرجلان ظلما فلما ضربا الناس واختلطوا أرسلاني وفرا ولو كانا صادقين لما فرا ولم يرسلاني، فقال علي عليه السلام: من يدلني على هذين الشاهدين انكلهما)؟(5)


______________
(1) قال العلامة المجلسى: قوله " لانه سهم الله " أى القرعة أو خاتمه عليه السلام ولعله حكم في واقعة لا يتعداه، وعلى المشهور بين الاصحاب ليس هذا موضع القرعة بل عندهم أن القول قول المنكر مع اليمين.
(2) مروى في الكافى ج 7 ص 294 بسند حسن كالصحيح عن محمد بن قيس عن أبى - جعفر عليه السلام، وفي القاموس ناشدة مناشدة ونشادا: حلفه.
(3) المصطبة - بالكسر - كالدكان للجلوس عليه. (القاموس)
(4) غمار الناس جمعهم المتكاثف.
(5) من التنكيل أى أجعلهما نكالا أى عبرة لغيرهما.