باب آداب القضاء

3234 - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من ابتلي بالقضاء فلا يقضين وهو غضبان).(2)
3235 - وقال الصادق عليه السلام: (إذا كان الحاكم يقول لمن عن يمينه ولمن عن يساره: ما تقول؟ فعلى ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ألا يقوم(3) من مجلسه ويجلسهما مكانه).(4)


______________
____ (2) رواه الكلينى ج 7 ص 413 عن على بن ابراهيم، عن أبيه، عن النوفلى، عن السكونى عن أبى عبدالله عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله وقال في الشرايع: " ويكره أن يقضى وهو غضبان وكذا يكره مع كل وصف يساوى الغضب في شغل النفس كالجوع والعطش والغم والفرح والوجع ومدافعة الاخبثين وغلبة النعاس ولو قضى والحال هذه نفذ إذا وقع حقا ".
(3) يعنى لم لا يقوم، وفى الكافى ج 4 ص 414 أيضا هكذا وكلمة " ألا " بالفتح للتحضيض وفى بعض النسخ والتهذيب " الا أن يقوم ".
(4) الخبر مروى في الكافى بسند فيه ارسال، وقوله " ما تقول؟ ما ترى؟ " أى بطريق استعلام الحكم حيث لا يعلم هو يسأل من عن يمينه أو عن يساره، والخبر كما قال استاذنا الشعرانى يدل على وجوب كون القاضى مجتهدا، إذا كان مقلدا لاحتاج إلى غيره في السؤال ولا يخفى على المتأمل أن التنصيص على جميع الفروع غير ممكن، وعلم المقلد بجمعيها محال ويتفق للقاضى أمور يسمع النص عليه من عالم ويجب عليه دائما اعمال النظر في تطبيق الفروع على الاصول والتفحص عن الادلة، واكتفى صاحب القوانين وتبعه صاحب الجواهر - رحمهما الله - بقضاء المقلد وزعم أن من تصدى القضاء في زمن الائمة عليهم السلام والنبي صلى الله عليه وآله لم يكونوا مجتهدين بل كانوا يأخذون الحكم منهم سماعا ويقضون به، ولا نسلم تصدى غير المجتهد في عصرهم قضاء اصلا، وكان صاحب القوانين حمل المجتهد على من يحفظ الاصطلاحات الاصولية المتجددة والمجادلات الصناعية وليس ذلك معنى الاجتهاد اذ قد رأى كل أحد جماعة من المهرة في تلك الامور لا يعتمد عليه في مسألة شرعية من أوضح المسائل أصلا ومن ليس له قدرة على الجدل والمماراة قد يوثق بقوله في الشرع تبحره وانسه بأقوال الفقهاء وأخبار أهل بيت العصمة وتفسير القرآن وسيرة الرسول والمتواتر من عمل المسلمين ودقة نظره وتمييزه بين قرائن الصدق والكذب ومهارته في العربية وفهم مقاصد الكلام العربى والمجتهد هو القادر على استنباط الاحكام من الادلة وكان هذه القدرة حاصلة لهم، ولذلك إذا أنصف رجل وقايس بين الشيخ الصدوق والكلينى رحمهما الله وبين الاصوليين المتأخرين وجد أن النسبة بينهما كالنسبة بين امرء القيس والسكاكى في الشعر والفصاحة، وقد يتفق لاهل الجدل والمهرة في المغالبة والمماراة وابداء الشبهات أن يذهب بهم دقتهم في بعض الامور إلى أن يخرجوا من مقتضى الافكار السليمة ويؤديهم إلى الوسوسة والترديد وعدم الجزم بشئ، وحصول الشبهات في القرائن الواضحة الموجبة للعلم للذهن السالم، وهذا أيضا ضار بالاجتهاد ولا يجوز تقليد صاحبه ولا يقبل حكمه ولا ينفذ قضاؤه.
وعندى أوراق مجموعة في أحكام القضاء لم يصرح باسم مؤلفه والظاهر أنه من أفاضل أهل التحقيق قد يستنبط بالتكلف من دقائق الالفاظ معانى لا يمكن أن يعتمد عليها العوام فضلا عن العلماء، ومما حققه فيها " أن أدلة مشروعية القضاء وما استدلوا عليه من الكتاب والسنة والاخبار الخاصة الواردة في نصب نائب الغيبة لا تدل على جواز اعمال البينات والتحليف والاقارير ونحو ذلك من معينات الموضوعات بل مفادها بيان الحكم الالهى في الموارد الجزئية.
واستنبط ذلك من دخول حرف الباء على الحق والعدل وتقريبه أن القائل " إذا قال: حكمت بالحق أو أحكم بالحق فمعناه أن الحق حق قبل أن يحكم به، وإذا قضى بالبينة والتحليف فليس ماحكم به حقا قبل الحكم بل صار حقا بسبب الحكم فلا يصدق عليه أنه حكم حكما حقا، وبالجملة في موارد الحكم بالبينة ومثلها نفس الحكم حق لا متعلق الحكم " ونحن نقول: مفهوم القضاء والحكم يشمل الحكم بالبينة والتحليف والادلة الظاهرية قطعا وشموله أوضح من شموله لما اشتبه نفس الحكم وذلك لانس ذهن جميع الناس بأن القضاء لا يمكن بغير بينات وشهود وان المدعى عليه لا يتسلم للمدعى فلا بد من اقامته البينة عليه، وإذا ورد حديث أودل آية على جواز تصدى القضاء والحكم بين الناس دل على جواز الاعتماد على البينات والتحليف والادلة الشرعية سواء قال أحكم بالحق أو أحكم حكما حقا، ولا اعتبار بهذا التدقيق في حرف الباء مع هذه القرينة القوية الدالة على أن القضاء لا يمكن بغير البينة واقامة الادلة والاذن في أحدهما اذن في الآخر انتهى.

[12]

3236 - وإن رجلا نزل بعلي بن أبي طالب عليه السلام فمكث عنده أياما ثم تقدم

[13]

إليه في حكومة(1) لم يذكرها لعلي عليه السلام فقال له علي عليه السلام: أخصم أنت؟ قال: نعم قال: تحول عنا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أن يضاف الخصم إلا ومعه خصمه)(2).
3237 - وقال الصادق عليه السلام أنه قال: (من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما لغيره).(3)
3238 - وروي عن علي عليه السلام أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للاول حتى تسمع من الآخر، فانك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء(4)، قال علي عليه السلام فما زلت بعدها قاضيا، وقال له النبي صلى الله عليه وآله: اللهم


______________
(1) رواه الكلينى في الكافى ج 7 ص 413 عن على، عن أبيه، عن النوفلى.
عن السكونى عن أبى عبدالله عليه السلام وفيه " تقدم اليه في خصومة ".
(2) " يضاف " من الضيافة وقال في الشرايع: يكره أن يضيف أحدا الخصمين دون صاحبه.
(3) قوله عليه السلام " رضى " يمكن أن يقرأ بصيغة المجهول فالمعنى أن يكون مع الناس في مقام الانصاف من نفسه فهو أهل لا يكون حكما وقاضيا بين الناس، ويمكن أن يقرأ بالمعلوم أى من أنصف الناس فقد جعل نفسه حكما لنفسه ولا يحتاج إلى غيره في الحكومة القضاء، وعلى الاول فيه اشعار بان من لم ينصف الناس من نفسه ولم يفوض الحكم إلى من هو أعلم منه لا يصلح حكما لغيره، والخبر رواه الكلينى ج 2 ص 146 بسند فيه ارسال.
(4) إلى هنا رواه الشيخ في التهذيب ج 2 ص 71 باسناد عن محمد بن على بن محبوب عن محمد بن الحسين عن ذبيان بن حكيمة الاودى عن موسى بن أكيل النميرى عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله.

[14]

فهمه القضاء(1).
3239 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام لشريح: (ياشريح لاتسار أحدا في مجلسك وإذا غضبت فقم ولا تقضين وأنت غضبان).(2)
3240 - وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقدم صاحب اليمين في المجلس بالكلام).
3241 - وروى الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: (إذا تقدمت مع خصم إلى وال أو إلى قاض فكن عن يمينه يعني عن يمين الخصم).
3242 - وقال النبي صلى الله عليه وآله: (من ابتلي بالقضاء فليسا وبينهم في الاشارة و النظر في المجلس).


______________
(1) أراد بقوله " فما زلت بعدها قاضيا " أن هذه الكلمة سهلت لى أمر القضاء فما تعسر على بعد ما سمعتها شئ منه. (الوافى)
(2) رواه الكليني ج 7 ص 413 عن عدة من أصحابنا عن البرقى رفعه اليه عليه السلام وكذا في التهذيب.
(3) أى حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وأمر أن يقدم بسماع دعوى من على يمين خصمه إذا شرعا في الدعوى، فلو شرع واحد منهما فهو المقدم كذا فهمه الاصحاب وفهمه ابن سنان أو ابن محبوب من كلام الصادق عليه السلام على ما سيجيئ، ويمكن أن يكون المراد تقديم من على يمين الحاكم، وقيل: المراد بصاحب اليمين صاحب الحلف وهو بعيد.
(4) رواه الكلينى ج 7 ص 413 عن على، عن أبيه، عن النوفلى، عن السكونى عن أبى عبدالله عليه السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وقال: في المسالك: من وظيفة الحاكم أن يسوى بين الخصمين والسلام عليهما وجوابه واجلاسهما والقيام لهما والنظر والاستماع والكلام وطلاقة الوجه وسائر أنواع الاكرام ولا يخصص أحدهما بشئ من ذلك.
هذا إذا كانا مسلمين أو كافرين أما لو كان أحدهما مسلما والاخر كافرا جاز أن يرفع المسلم في المجلس ثم التسوية بينهما في العدل في الحكم واجبة بغير خلاف.
وأما في تلك الامور هل هى واجبة أم مستحبة؟ الاكثرون على الوجوب، وقيل ان ذلك مستحب واختاره العلامة في المختلف لضعف المستند، وانما عليه أن يسوى بينهما في الافعال الظاهرة، فاما التسوية بينهما بقلبه بحيث لا يميل إلى أحد فغير مؤاخذ به.

[15]

3243 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام لشريح(1): (ياشريح انظر إلى أهل المعك والمطل والاضطهاد(2)، ومن يدفع حقوق الناس من أهل المقدرة واليسار، ومن يدلى بأموال المسلمين إلى الحكام(3) فخذ للناس بحقوقهم منهم، وبع العقار والديار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: مطل المسلم الموسر ظلم للمسلم، ومن لم يكن له مال ولا عقار ولا دار فلا سبيل عليه، واعلم أنه لا يحمل الناس على الحق إلا من وزعهم عن الباطل(4)، ثم واس المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك حتى لا يطمع قريبك في حيفك(5) ولا ييأس عدوك من عدلك، ورد اليمين على المدعي مع بينة فإن ذلك أجلى للعمى وأثبت في القضاء(6)، واعلم أن المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا


______________
(1) رواه الكلينى ج 7 ص 412 عن على، عن أبيه، عن أبى محبوب، عن عمرو بن أبى المقدام، عن أبيه، عن سلمة بن كهيل وسلمة بن كهيل ضعيف.
(2) في بعض النسخ " أهل الشح والمطل والاضطهاد " وفى الوافى " أهل المعك والمطل بالاضطهاد "، وفى اللغة: ما عكه بدينه: ماطله، والمطل: التسويف بالدين، والشح: البخل والحرص، والاضطهاد: القهر والغلبة والجور.
(3) أدلى بمال دفعه، وبقرابة: توسل.
(4) " وزعهم " بالزاى، وفى بعض النسخ بالراء المهملة وفى النهاية " وزعه: كفه ومنعه ".
(5) الحيف: الجور والظلم.
(6) قوله عليه السلام " رد اليمين على المدعى " قال العلامة المجلسى رحمه الله: ربما يحمل هذا على التقية لموافقته لمذاهب بعض العامة، أو على اختصاص الحكم بشريح لعدم استئهاله للقضاء، أو على ما إذا كان الدعوى على الميت، أو مع الشاهد الواحد، أو مع دعوى الرد قال في المسالك: الاصل في المدعى أن لا يكلف اليمين خصوصا إذا قام البينة بحقه ولكن تخلف عنه الحكم بدليل خارج في صورة رده عليه اجماعا ومع نكول المنكر عن اليمين على خلاف، وبقى الكلام فيما إذا اقام بينة بحقه، فان كانت دعواه على مكلف حاضر فلا يمين عليه اجماعا ولكن ورد في الرواية المتضمنة لوصية على عليه السلام لشريح قوله عليه السلام " ورد اليمين على المدعى مع بينته فان ذلك أجلى للعمى وأثبت للقضاء " وهى ضعيفة، وربما حملت على ما إذا ادعى المشهود عليه الوفاء والابراء والتمس احلافه على بقاء الاستحقاق فانه يجاب اليه لانقلاب المنكر مدعيا، وهذا الحكم لا اشكال فيه، الا أن اطلاق الوصية بعيد عنه قان ظاهرها كون ذلك على وجه الاستظهار، وكيف كان فالاتقاق على ترك العمل بها على الاطلاق - انتهى، وقال في الوافى: لعل رد اليمين على المدعى مختص بما إذا اشتبه عليه صدق البينة كما يدل قوله " فانه أجلى للعمى وأثبت للقضاء " وما بعده، وفى بعض النسخ " مع بينة ".

[16]

مجلودا في حد لم يتب منه، أو معروفا بشهادة الزور، أو ظنينا، وإياك والضجر(1) والتأذي في مجلس القضاء الذي أوجب الله تعالى فيه الاجر وأحسن فيه الذخر لمن قضى بالحق، واجعل لمن ادعى شهودا غيبا امدا بينهم فإن أحضرهم أخذت له بحقه وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية(2)، وإياك أن تنفذ حكما في قصاص أو حد من حدود الناس أو حق من حقوق الله عزوجل حتى تعرض ذلك علي، وإياك أن تجلس في مجلس القضاء حتى تطعم شيئا إن شاء الله تعالى).
روى ذلك الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن سلمة ابن كهيل عن أمير المؤمنين عليه السلام.


______________
(1) الظنين: المتهم، والضجر: الملال.
(2) قال المولى المجلسى: الظاهر أن هذا فيما إذا أثبت المدعى بالشهود ثم ادعى المدعى عليه الاداء والابراء والا فالمدعى بالخيار في الدعوى الا أن يقال بانه إذا طلب المنكر مكررا ولم يثبت يجعل الحاكم أمدا بينهما لئلا يؤذى المنكر بالطلب دائما.