باب الاعتكاف

2086 روى الحلبي(1) عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع "(2).
2087 قال: " وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الاواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة من شعر وشمر المئزر(3) وطوى فراشه، وقال بعضهم: واعتزل النساء فقال أبوعبدالله عليه السلام: أما اعتزال النساء فلا "(4).
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: معنى قوله عليه السلام: " أما اعتزال النساء فلا " هو أنه لم يمنعهن من خدمته والجلوس معه فأما المجامعة فإنه امتنع منها كما منع ومعلوم من معنى قوله: " وطوى فراشه " ترك المجامعة.
2088 وقال أبوعبدالله عليه السلام: " كانت بدر(5) في شهر رمضان فلم يعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أن كان من قابل اعتكف عشرين، عشرا لعامه وعشرا قضاء لما فاته "(6).
2089 وروى الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد قال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ قال: لا تعتكف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عدل جماعة، ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة


______________
(1) الظاهر أنه عبدالله فالطريق اليه صحيح.
(2) الاعتكاف هو اللبث في المسجد الجامع صائما للعبادة ثلاثة أيام فصاعدا. (م ت)
(3) في النهاية: في حديث الاعتكاف " كان إذا دخل العشر الاواخر شد المئزر " الازار كنى بشدة عن اعتزال النساء، وقيل: أراد تشميره للعبادة، يقال: شددت لهذا الامر مئزرى أى شمرت له.
(4) المراد به الاعتزال بالكلية بحيث يمنعن عن الخدمة والمكالمة والجلوس معه (المرآة) والخبر رواه الكلينى ج 4 ص 174 في الحسن كالصحيح.
(5) رواه الكلينى في الكافى ج 4 ص 175 بسند حسن كالصحيح.
(6) " عشرين " الظاهر أنه بفتح العين بصيغة التثنية، وقال العلامة المجلسى: ولا ينافى وجوب كل ثالث لان عشر الاداء، وعشر القضاء كانا منفصلين في النية.

[185]

ومسجد المدينة ومسجد مكة "(1).
2090 وقد روي " في مسجد المداين "(2).
2091 - وروى البزنطي، عن داود بن سرحان(3) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله، أو في مسجد جامع ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لابد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع، والمرأة مثل ذلك "(4).
2092 وفي رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء، سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها "(5).
2093 وفي رواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء، والمعتكف في غيرها لا يصلي إلا في المسجد الذي سماه ".
2094 وروى الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها


______________
(1) السند صحيح، والمراد بالعدل ما يقابل الجور فيشمل غير المعصوم ممن يصلح للقدوة الا أن يجعل تخصيص هذه المساجد بالذكر قرينة لارادة المعصوم عليه السلام كما في الوافى، لكن حصر صحة الاعتكاف في المساجد التى يصلى فيها الامام المعصوم جماعة يوجب حرمان جل الشيعة من هذه العبادة العظيمة، والمستفاد من الروايات مطلقها ومقيدها أن الجامع الذى لا ينعقد فيه الجماعة مع امام عدل لا يصلح فيه الاعتكاف والذى ليس بجامع وان انعقد فيه الجماعة معه لا يصلح أيضا.
(2) ذلك لما روى أنه صلى فيه الحسن بن على عليهما السلام صلاة جماعة. (م ت)
(3) السند صحيح، وقوله " لا ينبغى " من تتمة الخبر كما هو ظاهر الكافى والتهذيبين وأخطاء من زعم أنه من كلام المصنف، وظاهر الخبر الكراهة، وحمل على التحريم لنقل الاجماع في التذكرة والمعتبر بعدم جواز الخروج لغير الاسباب المبيحة له من المسجد الذى يعتكف فيه.
(4) السند صحيح وما تضمنه الخبر مقطوع به في كلام الاصحاب واستثنى منه صلاة الجمعة إذا وقعت في غير ذلك المسجد فانه يخرج لادائها. (المرآة)
(5) ورواه الكلينى ج 4 ص 177 أيضا في الصحيح

[186]

قدومه من المسجد الذي هي فيه فتهيأت لزوجها حتى واقعها، فقال: إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإن عليها ما على المظاهر "(1).
2095 وروى الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام، ومن اعتكف صام، وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم "(2).
2096 وروى أبوأيوب، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا اعتكف الرجل يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج وأن يفسخ اعتكافه، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام"(3).
2097 وروى أبوأيوب عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: المعتكف لا يشم الطيب، ولا يتلذذ بالريحان، ولا يماري، ولا يشتري ولا يبيع، قال: ومن اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أخرى وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام


______________
(1) صحيح ويدل أولا على أن أقل الاعتكاف ثلاثة أيام ولا خلاف فيه، واختلفوا في دخول الليالى والمشهور دخول الليلتين المتوسطتين، وثانيا على مشروعية الاشتراط فيه وهو مقطوع به أيضا، وثالثا على أن كفارة ترك الاعتكاف كفارة الظهار، واختلفوا فيه والاكثر على التخيير، ولابد أن يحمل الخبر على مضى اليومين أو على النذر.
(2) السند صحيح وتقدم الكلام فيه.
(3) السند صحيح، ويدل على أنه لا يجب الاعتكاف المستحب بالدخول فيه وانه يجب اتمامه ثلاثة بعد مضى يومين، واختلف الاصحاب فيه فقال السيد وابن ادريس: لا يجب أصلا بل له الرجوع فيه متى شاء، وتبعهما جماعة، وقال الشيخ في المبسوط وأبوالصلاح: يجب بالدخول فيه كالحج، وقال ابن الجنيد وابن البراج وجمع من المتأخرين: لا يجب الا أن يمضى يومان فيجب الثالث وهو أقوى، وذهب الشهيد في الدروس وجماعة إلى وجوب الثالث. (المرآة)

[187]

أخر "(1).
2098 ووري عن داود بن سرحان قال: " كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لابي عبدالله عليه السلام: إني أريد أن أعتكف فماذا أقول وماذا أفرض على نفسي؟ فقال: لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها(2) ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك ".
2099 وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع، ولا يخرج في شئ إلا لجنازة أو يعود مريضا(3) ولا يجلس حتى يرجع، قال: واعتكاف المرأة مثل ذلك ".
2100 وفي رواية صفوان بن يحيى، عن عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنه يأتي بيته ثم يعيد إذا برء ويصوم "(4).


______________
(1) السند صحيح وقوله: " لا يشم الطيب " المشهور حرمة شم الطيب والريحان وذهب الشيخ (ره) في المبسوط إلى الجواز، ولا خلاف في تحريم البيع والشراء، واستثنى من ذلك ما تدعو الحاجة اليه من المأكول والملبوس، والمشهور تحريم المراء أيضا بل قطعوا به وقال الشهيد الثانى (ر ه): المراد به هنا المجادلة على أمر دينى أو دنيوى، واستثنى منها ما إذا كانت في مسألة علمية لمجرد اظهار الحق، ونسب إلى الشيخ (ره) أنه قال في الجمل بأنه يحرم على المعتكف جميع ما يحرم على المحرم وهو ضعيف. (المرآة)
(2) لعل المراد بها أعم مما لابد منه عرفا وعادة ومما أكد الشارع فيه تأكيدا عظيما كشهادة الجنازة ونحوها. (المرآة)
(3) " أو يعود مريضا " لا خلاف في جواز الخروج لها وذكر المحقق والعلامة جواز الخروج لتشييع المؤمن ولم أقف على رواية تدل عليه، والاولى تركه، وأما الخروج لقضاء حاجة المؤمن فقد قطع العلامة في المنتهى به من غير نقل خلاف ويدل عليه رواية ميمون بن مهران، وتوقف فيه بعض المحققين لضعف الرواية (المرآة) أقول: ستأتى رواية ميمون بن مهران تحت رقم 2108.
(4) حملت الاعادة على الاستحباب الا أن يكون لازما بنذر وشبهه ويحصل العذر قبل مضى ثلاثة أيام فاذا مضت الثلاثة لا يعيد بل يبنى حتى يتم العدد الا إذا كان العدد أقل من ثلاثة أيام فيتمها من باب المقدمة. (م ت)

[188]

2101 وفي رواية السكوني باسناده(1) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين ".
2102 وروى الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن المعتكف يجامع؟ قال: إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر "(2).
وقد روي انه إن جامع بالليل فعليه كفارة واحدة، وإن جامع بالنهار فعليه كفارتان، روى ذلك:
2103 محمد بن سنان، عن عبدالاعلى بن أعين قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال: عليه الكفارة، قال: قلت: فإن وطئها نهارا قال: عليه كفارتان "(3).


______________
(1) يعنى عن الصادق عن آبائه عليهم السلام.
(2) قال العلامة المجلسى رحمه الله: اعلم أنه لا ريب في فساد الاعتكاف بكل ما يفسد الصوم وذهب المفيد والمرتضى رضى الله عنهما إلى وجوب الكفارة بفعل المفطر في الاعتكاف الواجب، وقال في المعتبر: لا أعرف مستندهما، وذهب الشيخ وأكثر المتأخرين إلى اختصاص الكفارة بالجماع دون ما عداه من المفطرات وان كان يفسد به الصوم ويجب به القضاء فيما قطع به الاصحاب، وهو أقوى، ثم ان هذه الرواية وغيرها تدل بظواهرها على عدم الفرق في الاعتكاف بين الواجب والمندوب ولا في الواجب بين المطلق والمعين وبمضمونها أفتى الشيخان وقال في المعتبر: ولو خصا ذلك باليوم الثالث أو بالاعتكاف الواجب كان أليق بمذهبهما، لكن لا يصح هذا على قول الشيخ في المبسوط فانه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه، ثم ان هذا الخبر يدل على أن كفارة الاعتكاف مرتبة خلافا للاكثر الا أن يقال. التشبيه في أصل الخصال ولا ريب أن العمل بالترتيب أحوط.
(3) لا خلاف في وجوب تعداد الكفارة للمعتكف إذا جامع في نهار شهر رمضان احداهما للاعتكاف والاخرى لصوم شهر رمضان ويدل عليه هذا الحديث، ونقل عن السيد المرتضى رحمه الله أنه أطلق وجوب الكفارتين على المعتكف إذا جامع نهارا والواحدة إذا جامع ليلا واستقرب الشهيد (ره) في الدروس هذا الاطلاق، وقال العلامة قدس سره في التذكرة: الظاهر أن مراد السيد رمضان.
والخبر رواه الشيخ في التهذيب والكلينى في الكافى بسند ضعيف كما هنا لكن ينجبر بعمل الاصحاب ويؤيده أصل عدم تداخل الكفارتين الثابتتين بالاخبار.

[189]

2104 وروى ابن المغيرة، عن سماعة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن معتكف واقع أهله، فقال: هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان "(1).
2105 وروى داود بن الحصين، عن أبي العباس، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر رمضان في العشر الاولى، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الاواخر، ثم لم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يعتكف في العشر الاواخر "(2).
2106 وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام " في المعتكفة إذا طمثت قال: ترجع إلى بيتها فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها "(3).
2107 وروى الحسن بن الجهم عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سألته عن المعتكف يأتي أهله؟ قال: لا يأتي امرأته ليلا ولا نهارا وهو معتكف "(4).
2108 وروي عن ميمون بن مهران قال: " كنت جالسا عند الحسن بن علي


______________
(1) السند حسن كالصحيح مروى في الكافى ج 4 ص 179 في صحيح.
ويدل على المشهور من وجوب كفارة واحدة في غير شهر رمضان، وقال المولى المجلسى رحمه الله: يدل على أن كفارته مثل كفارة شهر رمضان وقد تقدم أنه كالظهار فيجمع بينهما اما بحمل الخبرين السابقين على استحباب رعاية الترتيب وهذا الخبر على الوجوب، أو يحمل المماثلة في هذا الخبر على مجرد المماثلة في الخصال مع قطع النظر عن الترتيب أو التخيير وهو أحوط لكن ذكر في التهذيب (ج 1 ص 434) زيادة بعد قوله " شهر رمضان " " متعمدا عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا " ويمكن حمله على الترتيب بأن يقال عتق رقبة مع القدرة، أو صوم شهرين مع العجز عن العتق، أو اطعام ستين مع العجز عن الصيام كما فعله الاصحاب في موارد ستجيئ.
(2) يدل على أن السنة استمرت واستقرت على الاعتكاف في العشر الاواخر. والطريق فيه مهمل، وفى الكافى ضعيف.
(3) السند صحيح وتقدم الكلام فيه.
(4) يدل على عدم جواز الجماع للمعتكف ليلا ونهارا ولا خلاف فيه.

[190]

عليهما السلام فأتاه رجل فقال له: يا ابن رسول الله إن فلانا له علي مال ويريد أن يحبسني، فقال: والله ما عندي مال فأقضي عنك، قال: فكلمه، قال: فلبس عليه السلام نعله فقلت له: يا ابن رسول الله أنسيت اعتكافك؟ فقال له: لم أنس ولكني سمعت أبي عليه السلام يحدث عن [جدي] رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبدالله عزوجل تسعة آلاف سنة، صائما نهاره قائما ليله ".(1)


______________
(1) قيل: يدل على جواز الخروج بل استحبابه لقضاء حاجة المؤمن، وروى الكلينى في الكافى ج 2 ص 198 بسند قوى عن صفوان الجمال عن أبى عبدالله عليه السلام في حديث قال: " ان رجلا أتى الحسن بن على عليهما السلام فقال: بأبى أنت وأمى أعنى على قضاء حاجة، فانتعل وقام معه فمر على الحسين عليه السلام وهو قائم يصلى فقال له: أين كنت عن أبى عبدالله تستعينه على حاجتك؟ قال: قد فعلت فذكر أنه معتكف فقاله له: اما انه لو أعانك كان خيرا له من اعتكافه شهرا ".
قال المولى المجلسى رحمه الله: خبر صفوان يدل على جواز الخروج عن المسجد بل استحبابه لقضاء حاجة المؤمن.
انتهى، ويمكن أن يقال قوله " انه لو أعانك كان خيرا له الخ " يعنى لو كان غير معتكف واستعان على حاجتك كان ذلك خيرا له من اعتكافه شهرا، وأما بعد اعتكافه فلم يجز له الخروج.