باب فضل شهر رمضان وثواب صيامه

1831 روى الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي الورد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " خطب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله

[95]

وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنه قد أظلكم شهر(1) فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان فرض الله صيامه، وجعل قيام ليلة فيه كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله عزوجل(2)، ومن أدى فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر(3) وإن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة(4) وهو شهر يزيد الله فيه رزق المؤمن، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى، فقيل له: يا رسول الله ليس كلنا نقدر على أن نفطر صائما، فقال: إن الله تبارك وتعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم لمن لم يقدر إلا على مذقة(5) من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك، ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عزوجل عليه حسابه، وهو شهر أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره إجابة والعتق من النار(6)، ولا غنى بكم فيه عن أربع خصال: خصلتين ترضون الله بهما، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما اللتان ترضون الله بهما فشهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله عزوجل فيه حوائجكم والجنة وتسألون الله فيه العافية، وتتعوذون به من النار ".


______________
(1) أى أقبل عليكم ودنا منكم كانه ألقى ظله عليكم. (النهاية)
(2) يفهم منه فضل الفرائض على النوافل مطلقا.
(3) أى الصبر في طاعة الله واتيان ما أمره من حفظ النفس عن تناول كل ما يشتهى من المباحات التى كانت له حلالا في غير هذا الشهر.
(4) أى يساوى فيه الناس في الجوع والعطش غنيا كانوا أو فقيرا أو يساوى الناس في الحكم أى لا يجوز لاحدهم تناول شئ من المفطرات، أو هو شهر ينبغى فيه أن يشرك الاغنياء الفقراء وأهل الحاجة في معايشهم فيكون المعنى شهر المساهمة والمشاركة في المعاش.
(5) المذقة: اللبن الممزوج بالماء وميمه أصلية.
(6) أى في العشر الاول ينزل الله عزوجل الرحمات الدنيوية والاخروية على عباده، وفى العشر الاوسط يغفر ذنوبهم، وفى العشر الآخر يستحب دعاء‌هم ويعتق رقابهم من النار.

[96]

1832 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله(1) لما حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان لبلال: " ناد في الناس فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أيها الناس إن هذا الشهر قد حضركم وهو سيد الشهور، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، تغلق فيه أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنان، فمن أدركه فلم يغفر له فأبعده الله، ومن أدرك والديه فلم يغفر له فأبعده الله، ومن ذكرت عنده فلم يصل علي فلم يغفر له(2) فأبعده الله ".
1833 وروى جابر(3) عن أبى جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نظر إلى هلال شهر رمضان استقبل القبلة بوجهه ثم قال: " اللهم أهله علينا بالامن والايمان(4)، والسلامة والاسلام(5)، والعافية المجللة(6)، والرزق الواسع، ودفع الاسقام، وتلاوة القرآن، والعون على الصلاة والصيام، اللهم سلمنا لشهر رمضان وسلمه لنا وتسلمه(7) منا حتى ينقضي رمضان وقد غفرت لنا " ثم يقبل بوجهه


______________
(1) مروى في الكافى ج 4 ص 67 والتهذيب ج ص 406 وثواب الاعمال ص 90 بسند فيه ارسال عن أبى جعفر الباقر عليه السلام.
(2) ليس في التهذيب قوله " فلم يغفر له " ههنا.
(3) رواه الكلينى في الكافى ج 4 ص 68 مسندا.
(4) أى اجعله طالعا لنا بالامن من الافات الدنيوية والاخروية. (م ت)
(5) أى الانقياد لاوامرك وترك نواهيك. (م ت)
(6) المجللة بالكسر أو الفتح أى الشاملة لجميع الاعضاء من الاسقام، أو الاعم من مكروهات الدارين. (م ت)
(7) " سلمنا " أى بان نكون صحيحا حتى نصومه ونعبدك فيه. و " سلمه لنا " أى من الاشتباه في الصوم والفطر حتى لا يشتبه علينا يوم منه بغيره لاجل الهلال، و " تسلمه منا " أى تقبله منا يعنى تقبل منا ما نأتى فيه من العبادات والقربات.

[97]

على الناس فيقول: يا معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين(1) وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة وغلقت أبواب النار(2) و استجيب الدعاء، وكان لله تبارك وتعالى عند كل فطر عتقاء يعتقهم من النار، وينادي مناد كل ليلة هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ " اللهم أعط كل منفق خلفا، وأعط كل ممسك تلفا "(3) حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون: أن اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة، ثم قال أبوجعفر عليه السلام: أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم ".(4)
1834 وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " أن النبي صلى الله عليه وآله لما انصرف من عرفات وسار إلى منى دخل المسجد(5) فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر، فقام خطيبا فقال بعد الثناء على الله عزوجل: أما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لاني لم أكن بها عالما(6) اعلموا أيها الناس إنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوي فصام نهاره وقام وردا من ليله(7) وواظب على صلاته


______________
(1) مردة جمع ما ورد وهو العاتى أو جمع مريد بفتح الميم وهو الذى لا ينقاد ولا يطيع.
(2) فتح أبواب السماء كناية عن نزول الرحمة أو استجابة الدعاء أو كناية عن طريق التوجه إلى الله سبحانه والسؤال والاستغفار.
وفتح أبواب الجنان كناية عن كونه بحيث يأتى المكلف فيه بما يوجب فتحها له، وغلق أبواب النار كناية عن عدم اتيان العبد بما يوجب له النار.
(3) " حلفا " بالتحريك أى عوضا عظيما في الدنيا والاخرة، وقوله: " أعط كل ممسك " ذكر الاعطاء هنا اما للمشاكلة أو التهكم، و " تلفا " أى تلف المال والنفس.(م ت)
(4) يعنى ما هذه الجائزة دنيوية بل هى المغفرة والثواب والتوفيق.
(5) يعنى مسجد الخيف.
(6) أى ما كتمته عنكم أو ما أخفيته عنكم مع علمى بها بخلا عليكم أو ناشئا من عدم العلم بها بل لمصالح لا يعلمها الا الله تعالى.
(7) الورد بكسر الواو وسكون الراء المهملة: الجزء ومن القرآن ما يقوم به الانسان كل ليلة. وفى المصباح المنير: الورد الوظيفة من قراء‌ة ونحو ذلك.
والمعنى قام تاليا للقرآن في بعض الليل أو داعيا فيه.

[98]

وهجر إلى جمعته(1) وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب عزوجل ".
1835 وقال أبوعبدالله عليه السلام: " فازوا والله بجوائز ليست كجوائز العباد ".
1836 وقال أبوجعفر عليه السلام لجابر(2): " يا جابر من دخل عليه شهر رمضان فصام نهاره وقام وردا من ليله، وحفظ فرجه ولسانه، وغض بصره، وكف أذاه خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه، قال جابر: قلت له: جعلت فداك ما أحسن هذا من حديث؟ قال: ما أشد هذا من شرط ".
1837 وقال علي عليه السلام: " لما حضر شهر رمضان قام رسول الله صلى الله عليه وآله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس كفاكم الله عدوكم من الجن والانس، وقال: " ادعوني أستجب لكم " ووعدكم الاجابة، ألا وقد وكل الله عزوجل بكل شيطان مريد سبعين من ملائكته فليس بمحلول حتى ينقضي شهركم هذا، ألا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه، ألا والدعاء فيه مقبول ".
1838 وروى محمد بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " إن لله تبارك وتعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار إلا من أفطر على مسكر، فاذا كان آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه"(3).
1839 وفي رواية عمر بن يزيد " إلا من أفطر على مسكر، أو مشاحن، أو صاحب شاهين وهو الشطرنج "(4).


______________
(1) في بعض النسخ " وهاجر إلى جمعته "
(2) هو الجعفى ورواه الكلينى بسند ضعيف ج 4 ص 87.
(3) رواه الكلينى مسندا ج 4 ص 48. ومحمد بن مروان مجهول الحال.
(4) رواه المصنف رحمه الله في ثواب الاعمال ص 92. باسناده عن عمر بن يزيد وفيه " أو مشاحنا ". في بعض النسخ الكتاب " مشاجرا " والمشاحن: صاحب البدعة والمفارق للجماعة، والتارك للجمعة. والمشاجر: المنازع.

[99]

1840 و " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل "(1).
1841 وروى هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة ".(2)
1842 وكان الصادق عليه السلام يوصي ولده ويقول: " إذا دخل شهر رمضان فاجهدوا أنفسكم فإن فيه تقسم الارزاق، وتكتب الآجال، وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون إليه(3) وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ".
1843 وقال الصادق عليه السلام: " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض "، فغرة الشهور(4) شهر الله وهو شهر رمضان وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان(5) فاستقبل الشهر بالقرآن ".(6)
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: تكامل نزول القرآن ليلة القدر.
1844 وورى سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث النخعي قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الامم قبلنا، فقلت له: فقول الله عزوجل: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم


______________
(1) رواه المصنف رحمه الله بسند عامى عن ابن عباس في ثواب الاعمال ص 97.
(2) رواه الكلينى في الكافى ج 4 ص 66 بسند مجهول لا يقصر عن الصحيح.
(3) أى يقدر فيه حاج بيت الله، وفد جمع وافد كصحب وصاحب، يقال: وفد فلان على الامير أى ورد رسولا، فكان الحاج وفد الله وأضيافه نزلوا عليه رجاء بره واكرامه (المرآة) والسند كما في الكافى ج 4 ص 66 موثق.
(4) " فغرة الشهور " الفاء للتعقيب الذكرى أى أولها أو أشرفها وأفضلها أو المنور من بينها.
وفى النهاية غرة كل شئ أوله.
(5) كأنه أراد أن ابتداء نزوله في أول ليلة منه وكماله في ليلة القدر.
(6) المراد الامر بتلاوته عند وروده أو أول ليلة منه.

[100]

الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " قال: إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الانبياء دون الامم ففضل به هذه الامة وجعل صيامه فرضا على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أمته".
وقد أخرجت هذه الاخبار [التي رويتها في هذا المعنى] في كتاب فضائل شهر رمضان.(1)


______________
(1) راجع ثواب الاعمال ص 88 إلى 97.