باب صوم السنة

1785 - روى الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن محمد بن مروان قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، ثم صام يوما وأفطر يوما، ثم صام الاثنين والخميس، ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر: الخميس في أول الشهر، وأربعاء في وسط الشهر، وخميس في آخر الشهر، وكان صلى الله عليه وآله يقول: ذلك صوم الدهر وقد كان أبي عليه السلام يقول: ما من أحد أبغض إلى الله عزوجل من رجل يقال له: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل كذا وكذا فيقول: لا يعذبني الله عزوجل على أن أجتهد في الصلاة والصوم(3) كأنه يرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه ".


______________

(3) لعله محمول على ما إذا زاد بقصد السنة بأن أدخلها في السنة أو على قصد الزيادة على عمل رسول الله صلى الله عليه وآله واستقلال عمله لئلا ينافى ما ورد من الفضل في سائر أنواع الصيام والصلاة. (المرآة)

[82]

1786 - وفي رواية حماد بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " صام رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قيل: ما يفطر، ثم أفطر حتى قيل: ما يصوم ثم صام صوم داود عليه السلام يوما ويوما(1)، ثم قبض عليه السلام على صيام ثلاثة أيام في الشهر، وقال: يعدلن صوم الدهر(2) ويذهبن بوحر الصدر (وقال حماد: الوحر الوسوسة)(3) فقال حماد: فقلت: وأي الايام هي؟ قال: أول خميس في الشهر وأول أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس فيه، فقلت: وكيف صارت هذه الايام التي تصام؟ فقال لان من قبلنا من الامم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الايام فصام رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الايام لانها الايام المخوفة ".

1787 - وروى الفضيبل بن يسار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا صام أحدكم الثلاثة الايام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل(4) ولا يسرع إلى الحلف و الايمان بالله، فإن جهل عليه أحد فليحتمل ".(5)

1788 - وروى عبدالله بن المغيرة، عن حبيب الخثعمي فال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام أخبرني عن التطوع، وعن هذه الثلاثة الايام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أولا أصوم؟ قال: صم ".(6)


______________

(1) أى يوم يصوم ويوما لا يصوم كما في أخبار في الكافى وغيره ففيها " يوما و يوما لا " ولعل " لا " سقط من النساخ.

(2) حيث ان كل يوم يحسب بعشرة أيام كما يستفاد من قوله عزوجل " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ".(مراد)

(3) في النهاية: الوحر بالتحريك: وسواس الصدر وغشه وقيل: العداوة، و قيل: أشد الغضب، وقيل: الغيظ.

(4) " لا يجهل " أى لا يعمل عمل الجهال من الفحش والكذب والمعاصى.

(5) لعل المراد منه أنه ان شتمه أحد بطريق الجهالة وآذاه فلا يتعرض لجوابه.وفى الكافى " فليتحمل ".

(6) يدل على عدم اشتراط ادراك الصبح طاهرا في الصوم النافلة وربما يخص بالنوم.

[83]

1789 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " صيام شهر الصبر(1) وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن ببلابل الصدر، وصيام ثلاثة أيام في كل شهر صيام الدهر، إن الله عزوجل يقول: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ".

1790 - وفي رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء، فقال: أما الخميس فيوم تعرض فيه الاعمال، وأما الاربعاء فيوم خلقت فيه النار، وأما الصوم فجنة ".(2)

1791 - وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إنما يصام في يوم الاربعاء لانه لم تعذب امة فيما مضى إلا يوم الاربعاء وسط الشهر، فيستحب أن يصام ذلك اليوم ".(3)

1792 - وفي رواية عبدالله بن سنان قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: " إذا كان في أول الشهر خميسان فصم أولهما فإنه أفضل وإذا كان في آخر الشهر خميسان فصم آخرهما فإنه أفضل ".

1793 - وسأل عيص بن القاسم(4) أبا عبدالله عليه السلام " عمن لم يصم الثلاثة من كل شهر وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟ فقال: مد من طعام في كل يوم ".(5)


______________

(1) أى شهر رمضان. والبلابل: الوساوس، ففى النهاية بلبة الصدر: وساوسه.

(2) سئل صلى الله عليه وآله عن علة تخصيص اليومين من بين أيام الاسابيع فأجاب بان أحدهما يوم عرض الاعمال فناسب أن يقع فيه الصوم ليصادف العرض العبادة، والاخر يوم خلق فيه النار فناسب أن يقع فيه الصوم الذى هو جنة من النار. (الوافى)

(3) لا يخفى أن المستفاد من حصر العذاب للامم السابقة في الاربعاء ينافى بظاهره ما تدل عليه رواية حماد السابقة من أن نزول العذاب عليهم في الايام الثلاثة، ويمكن الجمع بان قوله عليه السلام " وسط الشهر " متعلق بقوله " لم يعذب " لا بيوم الاربعاء فالمعنى أنه لم يعذب امة وسط الشهر أو في العشر الوسط الا في يوم الاربعاء، فلا ينافى كون العذاب في غير العشر الاوسط في يوم الخميس كما ورد في رواية حماد.(سلطان)

(4) هو ثقة والطريق اليه صحيح كما في الخلاصة.

(5) يدل على استحباب الفداء بدلا.

[84]

1794 - وروى ابن مسكان عن إبراهيم بن المثنى(1) قال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام: إني قد اشتد علي صوم ثلاثة أيام في كل شهر فما يجزي عني أن أتصدق مكان كل يوم بدرهم؟ فقال: صدقة درهم أفضل من صيام يوم "(2).

1795 - وروى الحسن بن محبوب، عن الحسن بن أبي حمزة قال: قلت لابي جعفر أو لابي عبدالله عليهما السلام: " صوم ثلاثة أيام في الشهر أؤخره في الصيف إلى الشتاء فإني أجده أهون علي، فقال: نعم فاحفظها "(3).

1796 - وروى ابن بكير، عن زرارة قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " بم جرت السنة من الصوم؟ فقال: ثلاثة أيام من كل شهر: الخميس في العشر الاول، والاربعاء في العشر الاوسط، والخميس في العشر الآخر، قال: قلت: هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم(4)؟ فقال: نعم ".

1797 - وروى داود الرقي عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " لافطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا ".(5)

1798 - وروى جميل بن دراج عنه عليه السلام أنه قال: " من دخل على أخيه و


______________

(1) ابراهيم بن المثنى مجهول الحال ولا يضر بصحة السند لان الطريق إلى عبدالله بن مسكان صحيح وهو من أصحاب الاجماع.

(2) الخبر كسابقه يدل على استحباب الفداء وقوله " فما يجزى عنى " أى أفما يجزى عنى أن أتصدق الخ " وكأن حرف الاستفهام محذوف.

(3) ذهب الاصحاب إلى استحباب قضاء صوم الثلاثة الايام في الشتاء لما فات منه في الصيف بسب المشقة بل قيل باستحباب قضائها مطلقا (المرآة) وقوله: " فاحفظها " أى لا تتركها مطلقا بل ان تركتها في الصيف فاقضها في الشتاء.(سلطان)

(4) أى ما استقرت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله.

(5) الترديد من الراوى والظاهر أن المراد بالضعف ضعف ثواب الصوم (مراد) واريد بالافطار هنا نقض الصيام.

واحتمل بعض الافاضل ارادة الافطار بعد الغروب على وجه يصح معه الصوم لا في أثناء النهار، وهو غريب.

[85]

هو صائم فأفطر عنده(1) ولم يعلمه بصومه فيمن عليه، كتب الله له صوم سنة "(2).

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: هذا في السنة والتطوع جميعا(3).

وقال أبي رضي الله عنه - في رسالته إلي إذا أردت سفرا وأردت أن تقدم من صوم السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه "(4).

1799 - وروي أنه سئل العالم عليه السلام " عن خميسين يتفقان في آخر العشر فقال: صم الاول فلعلك لا تلحق الثاني(5).


______________

(1) الظاهر أن الضمير المستتر راجع إلى الداخل والبارز راجع إلى المضيف والمراد كما يتبادر إلى الذهن الافطار في اثناء النهار لان المنة انما يكون في الافطار ونقض الصوم قبل الصوم.

(2) ينافى بظاهره عدد السبعين أو التسعين كما في الرواية السابقة والظاهر أن المراد في أمثال هذه العبارات ليس خصوص العدد والقدر بل المراد المبالغة في الكثرة. (سلطان)

(3) غرضه رحمه الله من السنة ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وآله كالثلاثة من الشهر، ومن التطوع صيام سائر الايام المستحبة التى ليست بتلك المنزلة. وهذا مبنى على أن الافطار في اثناء النهار كما هو الظاهر.

(4) بناء على كراهة الصوم المستحب في السفر.

(5) ينافى بظاهره ما ذكره سابقا من أفضلية الخميس الاخر، ويمكن الجمع بحمل ذلك على من ظن بقاء السلامة إلى الاخر وهذا على خلاف ذلك (سلطان) وقوله " في آخر العشر " أى العشر الاخر، وفى بعض النسخ " في آخر الشهر".