أبواب الزكاة .. باب علة وجوب الزكاة

قال [الشيخ السعيد الفقيه] أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي [مصنف هذا الكتاب] رضي الله عنه وأسكنه جنته:
1574 روى عبدالله بن سنان(1) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن الله عزوجل فرض الزكاة كما فرض الصلاة، فلو أن رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب(2) وذلك أن الله عز وجل فرض للفقراء(3) في أموال الاغنياء ما يكتفون به، ولو علم أن الذي فرض لهم(4) لا يكفيهم لزادهم، وإنما يؤتى الفقراء فيما أتوا من منع من منعهم(5) حقوقهم، لا من الفريضة ".


______________
(1) الطريق صحيح، وعبدالله بن سنان ثقة لا يطعن عليه.
(2) في بعض النسخ " عتب ".
(3) تعليل لوجوب المقدار المخصوص لا لعدم العيب والاعلان كما توهم.
(4) أى قدر لهم واوجب.
(5) في القاموس: أتى عليه الدهر أهلكه.
وقال في الوافى " اتوا " على صيغة المجهول من الاتيان بمعنى المجيئ يعنى أن الفقراء لم يصابوا بالفقر والمسكنة من قلة قدر الفريضة المقدرة لهم في أموال الاغنياء وانما يصابون بالفقر والذلة ويدخل عليهم ذلك في جملة ما دخل عليهم من البلاء من منع الاغنياء عنهم الفريضة المقدرة لهم في أموالهم.

[4]

1575 وروى مبارك العقرقوفي(1) عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: " إنما وضعت الزكاة قوتا للفقراء وتوفيرا لاموالهم "(2).
1576 وروى موسى بن بكر(3) عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: " حصنوا أموالكم بالزكاة "(4).
1577 وروى حريز، عن زرارة، ومحمد بن مسلم أنهما قالا لابي عبدالله عليه السلام: " أرأيت قول الله عزوجل(5): " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين، وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله "(6)


______________
(1) هو مجهول الحال والطريق اليه ضعيف بمحمد بن سنان، ورواه الكلينى - رحمه الله - في الكافى ج 3 ص 498 عن على عن أبيه عن اسماعيل بن مرار عن مبارك.
(2) أى في أموال الاغنياء، وفى بعض النسخ " في أموالكم " بلفظ الخطاب كما في الكافى.
(3) في بعض النسخ " محمد بن بكر " والصواب ما اخترناه في المتن طبقا للكافى ج 4 ص 61.
(4) أى حصنوا أموالكم من السرقة والحرق والغرق باعطاء الزكاة وأدائها إلى مستحقها.
(5) السند صحيح، وقوله " أرأيت قول الله " أى أخبرنى عن قوله الله تعالى.
(6) المراد بالصدقات الزكوات، واللام في قوله " للفقراء والمساكين " للتمليك و يشمل من لا يملك مؤونة سنته فعلا وقوة له ولعياله الواجبى النفقة بحسب حاله في الشرف وغيره.
والمراد بالعاملين عليها العاملين في تحصينها بجباية وولاية وكتابة وحفظ وحساب وقسمة بدون شرط الفقر فيهم.
" والمؤلفة قلوبهم " قال العلامة المجلسى رحمه الله: اجمع العلماء كافة على أن للمؤلفة قلوبهم سهما من الزكاة، وانما الخلاف في اختصاص التأليف بالكفار أو شموله للمسلمين أيضا، فقال الشيخ رحمه الله في المبسوط: والمؤلفة قلوبهم عندنا الكفار الذين يستمالون بشئ من مال الصدقات إلى الاسلام ويتألفون ليستعان بهم على قتال اهل الشرك، ولا يعرف اصحابنا مؤلفة أهل الاسلام " واختاره المحقق وجماعة رحمهم الله وقال المفيد قدس سره -: المؤلفة قلوبهم ضربان مسلمون ومشركون وبما ظهر من كلام ابن الجنيد اختصاص التأليف بالمنافقين انتهى.
وقوله تعالى " وفى الرقاب " جعل الرقاب ظرفا للاستحقاق تنبيها على أن استحقاقهم ليس على وجه الملك أو الاختصاص كغيرهم وهم المكاتبون مع قصور كسبهم عن أداء مال الكتابة، والعبيد تحت الشدة عند مولاهم يشترون من مال الزكاة ويعتقون بعد الشراء.
والغارمون هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا اسراف ولا يتمكنون من القضاء وعجزوا عن أدائه.
" وفى سبيل الله " كمعونة الحاج وقضاء الديون عن الحى والميت وجميع سبل الخير والمصالح وعمارة المساجد والمشاهد واصلاح القناطر وغير ذلك من القربات. والمراد بابن السبيل المنقطع به في غير بلده، ولا يمنع غناه في بلده مع عدم تمكنه من الاعتياض عنه ببيع أو اقراض

[5]

أكل هؤلاء يعطى وإن كان لا يعرف؟ فقال: إن الامام يعطي هؤلاء جميعا لانهم يقرون له بالطاعة، قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع(1)، وإنما يعطى من لا يعرف(2) ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأما اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلا من


______________
(1) المراد بالمعرفة معرفة الامام عليه السلام أى لو كان يعطى من يعرف يعنى في ذلك الزمان لم يوجد لها موضع لقلة العارف يومئذ (الوافى) وقال العلامة المجاسى رحمه الله: لعله اشارة إلى مؤلفة قلوبهم فانهم من أرباب الزكاة وأجمع العلماء كافة على أن للمؤلفة قلوبهم سهما من الزكاة وانما الخلاف في اختصاص التأليف بالكفار أو شموله للمسلمين أيضا.
(2) يؤيد ذلك أنه ينقل أن أمير المؤمنين عليه السلام فرق في الصدقات بين من قال بخلافته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وبين من قال انه عليه السلام رابع الخلفاء (مراد) والمذهب مستقر على أنه لا يعطى الزكاة ألا أهل الولاية الا أن لا يوجدوا فيعطى المستضعفون.
وهذا لا ينافى رواية محمد بن مسلم وزرارة من الامام عليه السلام يعطى من لا يعرف وما روى من فعل أمير المؤمنين عليه السلام لان الامام إذا كان مبسوط اليد يطيعه جميع الناس العارفون وغيرهم، فهم باقرارهم بالطاعة له خارجون عن النصب والبغى بعدم اطاعتهم لغير الامام الحق، لافئة لهم يرجعون اليها، ولا محالة زكاة أموالهم تصل إلى الامام فيعطيها أمثالهم لكونها أكثر من احتياج العارفين، بخلاف ما إذا لم يكن مبسوط اليد، فان زكاة المخالفين له يصل إلى أميرهم ولا يبقى لرفع حاجة العارفين الا زكاة العارفين فيجب تخصيصها بهم الا أن يزيد عن حاجتهم فتعطى المستضعفين الذين لا نصب لهم ولا مخالفة ولا يوالون غير الامام الحق ولا الامام الحق. (قاله الاستاذ في هامش الوافى).

[6]

يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس، ثم قال: سهم المؤلفة قلوبهم وسهم الرقاب عام والباقي خاص(1)، قال: قلت: فإن لم يوجدوا؟ قال: لا تكون فريضة فرضها الله عزوجل [و] لا يوجد لها أهل، قال: قلت: فإن لم تسعهم الصدقات؟ قال: فقال: إن الله عزوجل فرض للفقراء في مال الاغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم، إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عز وجل، ولكن أتوا من منع منعهم حقهم لا مما فرض الله لهم، أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير ".
فأما الفقراء فهم أهل الزمانة والحاجة(2)، والمساكين أهل الحاجة من غير أهل الزمانة، والعاملون عليها هم السعاة، وسهم المؤلفة قلوبهم ساقط بعد رسول الله صلى الله عليه وآله(3)، وسهم الرقاب يعان به المكاتبون الذين يعجزون عن أداء المكاتبة، والغارمون المستدينون في حق، وسبيل الله الجهاد(5)، وابن السبيل


______________
(1) كان المراد بعموم سهم المؤلفة قلوبهم شموله لسائر أصناف الكفار وللمسلمين أيضا." والباقى خاص " يعنى بالعارف.
(2) من كلام المؤلف رحمه الله وقال الشيخ محمد حفيد الشهيد رحمه الله: لم أقف على دليل ما قاله المصنف (ره).
(3) قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: وللمؤلفة سهم من الصدقات كان ثابتا في عهد النبى صلى الله عليه وآله وكل من قام مقامه عليه السلام جاز له أن يتألفهم لمثل ذلك ويعطيهم السهم الذى سماه الله تعالى لهم ولا يجوز لغير الامام القائم مقام النبى صلى الله عليه وآله ذلك وسهمه مع سهم العامل ساقط اليوم.
(4) ظاهر كلام المؤلف انحصارهم الرقاب بالمكاتبين، والمشهور أن سهم الرقاب لثلاثة المكاتبين والعبيد الذين تحت الشدة والعبد يشترى ويعتق الا أن يقال غرض المصنف ليس هو الحصر وفيه ما فيه. (الشيخ محمد)
(5) تصريح بأن سبيل الله الجهاد والمشهور ما تقدم.

[7]

الذي لا مأوى له ولا مسكن مثل المسافر الضعيف ومار الطريق.
ولصاحب الزكاة أن يضعها في صنف دون صنف متى لم يجد الاصناف كلها.(1)
1578 وقال الصادق عليه السلام لعمار بن موسى الساباطي: " يا عمار أنت رب مال كثير؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: فتؤدي ما افترض الله عليك من الزكاة؟ فقال: نعم، قال: فتخرج الحق المعلوم من مالك(2)؟ قال: نعم، قال: فتصل قرابتك؟ قال: نعم، قال: فتصل إخوانك؟ قال: نعم، فقال: يا عمار إن المال يفنى، والبدن يبلى، والعمل يبقى، والديان حي لا يموت(3) يا عمار أما إنه ما قدمت فلن يسبقك وما أخرت فلن يلحقك "(4).
1579 وفي رواية أبي الحسين محمد بن جعفر الاسدي رضي الله عنه عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن عبدالله بن أحمد، عن الفضل بن إسماعيل، عن معتب مولى الصادق عليه السلام قال: قال الصادق عليه السلام: " إنما وضعت الزكاة اختبارا للاغنياء ومعونة للفقراء، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا، و لاستغنى بما فرض الله عزوجل له، وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الاغنياء، وحقيق على الله عزوجل أن يمنع رحمته من منع حق الله في ماله، وأقسم بالذي خلق الخلق وبسط الرزق إنه ما ضاع مال في بر ولا بحر إلا بترك الزكاة، وما صيد صيد في بر ولا بحر إلا بتركه التسبيح في ذلك اليوم وإن أحب الناس إلى الله عزوجل أسخاهم كفا، وأسخى الناس من أدى زكاة


______________
(1) راجع الكافى ج 3 ص 554 والتهذيب ج 1 ص 157.
(2) اشارة إلى قوله تعالى " وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ".
(3) الديان: المجازى على الاعمال، وقيل: المراد به القهار والحاكم والقاضى.
(4) " ما قدمت " أى من الوقف والصدقة وأمثالها " فلن يسبقك " أى لن يفوتك ولا يتجاوز منك إلى غيرك بل يصل ثوابه لا محالة اليك. " وما أخرت " أى ما ترتك بعدك " فلن يلحقك " بل يكون لوارثك يفعل فيه ما يشاء فان صرفه في الخيرات يصل ثوابه اليه دونك.

[8]

ماله(1) ولم يبخل على المؤمنين بما افترض الله عزوجل لهم في ماله ".
1580 وكتب الرضا علي بن موسى عليهما السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب إليه من جواب مسائله: " إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء، وتحصين أموال الاغنياء لان الله عزوجل كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى(2) كما قال الله تبارك وتعالى: " لتبلون في أموالكم وأنفسكم " في أموالكم إخراج الزكاة وفي أنفسكم توطين الانفس على الصبر مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عزوجل والطمع في الزيادة مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لاهل الضعف(3)، والعطف على أهل المسكنة، والحث لهم على المواساة، وتقوية الفقراء، والمعونة لهم على أمر الدين، وهو عظة لاهل الغنى وعبرة لهم ليستدلوا على فقراء الآخرة بهم(4) و مالهم من الحث في ذلك على الشكر لله تبارك وتعالى لما خولهم(5) وأعطاهم، والدعاء والتضرع والخوف من أن يصيروا مثلهم في أمور كثيرة(6) في أداء الزكاة


______________
(1) الافضلية اضافية بالنسبة إلى من لم يؤد الزكاة وان أعطى في غيرها كثيرا.
وقال الفاضل التفرشى رحمه الله: لعل المراد بالاسخى من لم يكن فيه شئ من البخل وفى هذا المعنى يستوى جميع من أدى زكاة ماله سواء أتى بالعطايا زائدة على زكاة المال أم لا وان كان الاتى بالعطايا بعد أداء الزكاة أسخى ممن لم يأت بها بمعنى آخر.
(2) الزمانة: آفة في الحيوانات ورجل زمن أى مبتلى بين الزمانة. (الصحاح)
(3) أى من حيث الشكر كما قال الله تعالى " لئن شكرتم لازيدنكم " مع ما فيه من الزيادة أيضا من حيث خاصة الزكاة بخصوصها فلا تكرار، ويحتمل أنه اشارة إلى تحقق المطموع قطعا أى في أداء الزكاة طمع الزيادة مع وقوعها البتة لا مجرد رجاء وقوع وان تخلف ويحتمل أن المراد باحديهما الزيادة الدنيوية وبالاخرى الزيادة الاخروية. (سلطان)
(4) المراد بفقراء الاخرة من ليس له من أعمال صالحه وذخيرة في الاخرة أى عبرة للاغنياء من حيث انهم لما وقفوا من سوء حال الفقراء قاسوا عليهم أحوال فقر الاخرة وسوء أحوالهم وذلك موجب لتحصيل الاعمال والثواب والذخيرة في الاخرة. (سلطان)
(5) خولهم أى أنعم عليهم.
(6) ناظر إلى شكر الله تعالى، وفى " أداء الزكاة " بدل منه (مراد) وقال في الوافى: يعنى ما ذكر من الامور في جملة أمور اخر كثيرة هى العلة في ذلك.

[9]

والصدقات، وصلة الارحام، واصطناع المعروف ".
1581 وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " من أخرج زكاة ماله تامة فوضعها في موضعها لم يسأل من أين اكتسب ماله "(1).
1582 وقال الصادق عليه السلام: " إنما جعل الله عزوجل الزكاة في كل ألف خمسة وعشرين درهما لانه عزوجل خلق الخلق فعلم غنيهم وفقيرهم وقويهم وضعيفهم فجعل من كل ألف(2) خمسة وعشرين مسكينا [و] لولا ذلك لزادهم الله لانه خالقهم وهو أعلم بهم ".


______________
(1) أى يرتفع عنه مؤونة حساب ذلك المال، لا أنه لو لكتسبه من الحرام يرتفع منه اثم ذلك الكسب (مراد) والخبر مروى في الكافى ج 3 ص 4. 5 في الحسن كالصحيح.
(2) أى من كل ألف انسان كما صرح به في الكافى ج 3 ص 508.