باب تحريم المدينة وفضلها

3148 - روى زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ما بين لا بتيها صيدها، حرم عليه السلام ما حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها أو يعضد شجرها إلا عودي الناضح "(1).
3149 - وروي " أن لا بتيها ما أحاطت به الحرار "(2).
3150 - وروي في خبر آخر: " أن ما بين لابتيها ما بين الصورين إلى الثنية "(3) والذي حرمه من الشجر ما بين ظل عائر إلى فيئ وعير وهو الذي حرم وليس


______________
(1) لابتا المدينة: حرتاها اللتان تكتنفان بها من الشرق والغرب، والخلى مقصورة: الرطب من النبات واحدته خلاة، أو كل بقلة قلعتها، واختلاه جزه أو نزعه، ويختلى خلاها أى يجز عشبها، ويعضد أى يقطع، وعودا الناضح ما يستقى عليهما الماء، والناضح الابل يستقى به، واختلف في هذا الحكم فذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه لا يجوز قطع شجر هذه المحدودة ولا قتل صيدها، وقال في المدارك: أسنده في المنتهى إلى علمائنا، وقيل بالكراهة و هو اختيار المحقق بل هو الاشهر وربما قيل بتحريم قطع الشجر وكراهة الصيد، وقال العلامة المجلسى: المعتمد الاول، وأنكر أبوحنيفة تحريم الصيد وحرمه الشافعى ومالك.
(2) رواه الكلينى ج 4 ص 564 والشيخ في الصحيح عن ابن مسكان، عن الحسن الصقيل عن أبى عبدالله عليه السلام، والحرار جمع حرة: ارض ذات حجارة سود.
وسيأتى الكلام فيها.
(3) رواه الكلينى في ذيل صحيحة ابن مسكان، و " الصورين " تثنية الصور بالفتح ثم السكون موضع في أقصى بقيع الغرقد مما يلى طريق بنى قريظة، والتثنية بتشديد الياء هو اسم موضع ثنية مشرفة على المدينة وفى الاصل كل عقبة في جبل مسلوكة، وللمدينة ثنيتان احديهما ثنية مدران بكسر الميم: موضع في طريق تبوك من المدينة في شمالها الغربى فيه مسجد للنبى عليه السلام.
واخرى ثنية الوداع وهو ثنية مشرفة على المدينة في جنوبها الغربى يطؤها من يريد مكة.

[562]

صيدها كصيد مكة، يؤكل، هذا ولا يؤكل ذاك(1).
3151 - وروى أبوبصير(2) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " حد ما حرم رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة من رباب(3) إلى واقم والعريض، والنقب(4) من قبل مكة ".
3152 - وفي رواية عبدالله بن سنان(5) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " يحرم من


______________
(1) في الكافى ج 4 ص 564 في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان مكة حرم الله حرمها ابراهيم عليه السلام، و ان المدينة حرمى ما بين لابتيها حرم، لا يعضد شجرها وهو ما بين ظل عائر إلى وعير، و ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذلك " وقيل المراد بالظل والفيئ أصل الجبل الذى منه الظل الفيئ.
ولكن تقدم شرح ذلك مفصلا في المجلد الاول ص 448، وقوله " يؤكل " يومى إلى الكراهة كما لا يخفى.
(2) الظاهر هو ليث المرادى ولم يذكر المصنف طريقه اليه ويشتبه كثيرا، ورواه الكلينى ج 4 ص 564 في الصحيح عن ابن مسكان عنه.
(3) كذا وهو بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة الاولى: جبل بين المدينة و فيد على طريق كان يسلك قديما.
وفى الكافى " ذباب " بضم المعجمة وهو جبل بالمدينة.
(4) واقم بالقاف: أطعم من آطام المدينة في شرقيها عند منازل بنى عبد الاشهل إلى جانبه حرة نسبت اليه، والاطم الحصن.
والعريض مصغرا واد في شرقى المدينة قرب وادى قناة، والنقب في غربى المدينة قرب وادى عقيق يقال: نقب المدينة وقد سلكه النبى صلى الله عليه وآله في مسيرة إلى بدر قال ابن هشام قال ابن اسحاق " فسلك صلى الله عليه وآله طريقه من المدينة إلى مكة على نقب المدينة ثم على العقيق ثم على ذى الحليفة ثم على اولات الجيش أو ذات الجيش ثم على تربان ثم على ملل الخ " والجار في قوله عليه السلام " من قبل مكة " متعلق بالاخير، ويحتمل أن يكون العريض معطوفا على واقم لان كلاهما في الجهة الشرقى، والنقب في الجهة الغربى.
وان أردت أن تكون على بصيرة من الامر راجع الخريطة التقريبية للمدينة المنورة التى نشرت مع كتاب قصص الانبياء طبع مكتبتنا.
(5) طريق المصنف اليه صحيح وهو ثقة كما في الخلاصة.

[563]

صيد المدينة ما صيد بين الحرتين "(1).
3153 - وسأله يونس بن يعقوب قال: " يحرم علي في حرم رسول الله صلى الله عليه وآله ما يحرم علي في حرم الله تعالى؟ قال: لا "(2).
3154 - وروى أبان، عن أبي العباس - يعني الفضل بن عبدالملك - قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة؟ فقال: نعم حرم بريدا في بريد عضاها، قلت: صيدها؟ قال: لا، يكذب الناس "(3).


______________
(1) الحرتان هما حرة واقم التى كانت في مشرق المدينة ممتدة من الشمال إلى الجنوب دون وادى العريض، وحرة وبرة التى كانت في مغربها وهى أيضا ممتدة من الشمال إلى الجنوب دون وادى عقيق، ويستفاد من هذا الخبر الفرق بين صيد حرم مكة وصيد حرم المدينة لان صيد مكة يحرم في جميع الحرم وليس كذلك في حرم المدينة لان الذى يحرم منها هو القدر المخصوص وهو ما بين الحرتين فقط.
(2) يدل على عدم المساواة في جميع الاحكام ولا ينافى مساواته لها في بعض الاحكام الصيد وقطع الحشيش والشجر، أو يحمل الحرمة على الكراهة الشديدة كما ذهب اليه جماعة وفى المدارك: قال العلامة في المنتهى: " حرم المدينة يفارق حرمة مكة في أمور أحدها أنه لا كفارة فيما يقتل فيه من صيد أو قطع شجر، الثانى أنه يباح من شجر المدينة ما تدعو الحاجة اليه من الحشيش للعلف، الثالث أنه لا يجب دخولها الا بالاحرام، الرابع أن من أدخل صيدا إلى المدينة لم يجب ارساله.
انتهى كلامه رحمه الله " وهو جيد لمطابقة ما ذكر لمقتضى الاصل وان أمكن المناقشة في جواز الاحتشاش.
(3) العضاه بكسر العين المهملة، والضاد المعجمة وبعد الالف هاء: جمع عضاهة وهى شجرة الخمط، وقيل: بل كل شجرة ذات شوك، وقيل: ما عظم منها، قال الجوهرى في باب الهاء فصل العين المهملة: العضاه: كل شجر يعظم وله شوك، وفى باب الياء فصل الغين المعجمة: الغضى: شجر انتهى، وقال صاحب المنتقى: قد ضبطت في الكافى والتهذيب بالغين المعجمة ولا يخلو من نظر اذ ظاهر أن المراد ههنا مطلق الشجر، والغضى شجر مخصوص انتهى، أقول: روى مسلم باسناده عن عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " انى أحرم ما بين لابتى المدينة أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها " وهكذا رواه البغوى في المصابيح، وقوله " لا يكذب الناس " قال الفيض رحمه الله يحتمل معنيين أحدهما أن يكون " لا " كلاما برأسه، و " يكذب الناس " كلاما آخر على حدة من الكذب، والثانى أن يكونا كلاما واحدا من التكذيب على سبيل التقية فان العامة روت في التحريم رواية انتهى، وقال الشيخ: التكذيب انما هو للتعميم بل لا يحرم الا ما بين الحرتين.

[564]

3155 ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة قال: " اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا أو مكة أو أشد، وبارك في صاعها ومدها، وانقل حماها ووباها إلى الجحفة "(1).
3156 - وروي أن الصادق عليه السلام ذكر الدجال فقال: " لا يبقى منها سهل إلا وطئه إلا مكة والمدينة فإن على كل نقب من أنقابهما ملك يحفظهما من الطاعون والدجال "(2) والله الموفق.


______________
(1) روى البغوى في مصابيح السنة ج 1 ص 187 عن عائشة قالت: " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة وعك أبوبكر وبلال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: اللهم حبب الينا المدينة وساق كما في المتن " ورواه البخارى و مسلم أيضا، وفى اللمعات الجحفة بضم الجيم وسكون الحاء موضع بين مكة والمدينة و كان ساكنوها يومئذ اليهود، وقال النووى: فيه دليل للدعاء على الكفار بالامراض والاسقام والهلاك، وفيه الدعاء للمسلمين بالصحة وطيب بلادهم والبركة فيها وكشف الضر والشدائد عنهم وهذا مذهب العلماء كافة.
وفى هذا الحديث علم من أعلام نبوة نبينا صلى الله عليه وآله فان الجحفة من يومئذ مجتنبة ولا يشرب أحد من مائها الاحم انتهى، وقال المنذرى في الترغيب: يقال للجحفة قديما " مهيعة " بفتح الميم واسكان الهاء وفتح الياء، وهى اسم لقرية قديمة كانت بميقات الحج الشامى على اثنين وثلاثين ميلا من مكة، فلما اخرج العماليق بنى عبيل اخوة عاد من يثرب نزلوها فجاء‌هم سيل الجحاف بضم الجيم فجحفهم وذهب بهم فسميت حينئذ الجحفة.
(2) رواه الشيخ ج 2 ص 5 من التهذيب في الموثق كالصحيح، وأخرجه مسلم في صحيحه باب صيانة المدينة في كتاب الحج عن أبى هريرة هكذا قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ".