باب الخراج والجزية

1667 روي عن مصعب بن يزيد الانصاري قال: " استعملني(3) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على أربعة رساتيق المداين(4) البهقباذات(5)، وبهر سير ونهر


______________
(3) أى جعلنى عاملا.
(4) رساتيق جمع رستاق معرب روستا.
(5) البهقباذات: هى ثلاثة الاعلى والاوسط والاسفل، والاعلى يشمل!!! بابل والفلوجتان العليا والسفلى وبهمن اردشير وأبز قباذ وعين التمر، والاوسط يشمل نهر البدأة وسورا وباروسما ونهر الملك، والاسفل يشمل خمسة طساسيج كانت على الفرات الاسفل حيث يدخل البطائح.

[49]

جوبر، ونهر الملك(1) وأمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهما ونصفا وعلى كل جريب وسط درهما، وعلى كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم، وعلى كل جريب كرم عشرة دراهم، وعلى كل جريب نخل عشرة دراهم، وعلى كل جريب البساتين التي تجمع النخل والشجرة عشرة دارهم، وأمرني أن ألقي كل نخل شاذ عن القرى لمارة الطريق وأبناء السبيل، ولا آخذ منه شيئا، وأمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين(2) ويتختمون بالذهب على كل رجل منهم ثمانية وأربعين درهما، وعلى أوساطهم والتجار منهم على كل رجل أربعة وعشرين درهما، وعلى سفلتهم وفقرائهم على كل إنسان منهم اثني عشر درهما، قال: فجبيتها(3) ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة ".
1668 وروى فضيل بن عثمان الاعور عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " ما من مولود يولد إلا على الفطرة(4) فأبواه اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه(5) وإنما أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله الذمة وقبل الجزية عن رؤوس أولئك بأعيانهم على أن لا يهودوا


______________
(1) بهرسير بفتح الموحدة وضم الهاء وفتح الراء وكسر السين من نواحى بغداد، ونهر جوبر بالنون والهاء والراء والجيم المفتوحة وفتح الموحدة والراء من سواد بغداد وقيل من طساسيج كورة استان أردشيربابكان وهى على امتداد نهر كوثى والنيل، ولعل الاصل نهر جوبرة وهو نهر معروف بالبصرة. ونهر الملك هو أحد الانهر التى كانت تحمل من الفرات إلى دجلة وأوله عند قرية الفلوجة ومصبه في دجلة أسفل من المدائن بثلاثة فراسخ. راجع المسالك والممالك.
(2) الدهاقين جمع دهقان معرب والمراد هنا كبراء الفلاحين من المجوس، والبراذين جمع برذون مركب عراقى.
(3) من الجباية أى جمعتها.
(4) أى على فطرة التوحيد والاسلام كما قال الله عزوجل " فطرة الله التى فطر الناس عليها ".
(5) في القاموس مجسه تمجيسا صيره مجوسيا.

[50]

أولادهم ولا ينصروا، وأما أولاد أهل الذمة اليوم فلا ذمة لهم ".(1).
1669 وفي رواية علي بن رئاب، عن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا، ولا يأكلوا لحم الخنزير، ولا ينكحوا الاخوات، ولا بنات الاخ، ولا بنات الاخت، فمن فعل ذلك منهم [فقد] برئت منه ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله، وقال: ليست لهم اليوم ذمة "(2).
1670 وروى حريز، عن زرارة قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " ما حد الجزية على أهل الكتاب؟ وهل عليهم في ذلك شئ موظف لا ينبغي أن يجوز(3) إلى غيره؟ فقال: ذلك إلى الامام يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ماله وما يطيق، إنما هم قوم فدوا أنفسهم أن لا يستعبدوا أو يقتلوا، فالجزية يؤخذ منهم على قدر ما يطيقون


______________
(1) لان هؤلاء غير أولئك، أو لانهم لا يعملون بشرائط الذمة، وهو أظهر معنى، والاول لفظا (م ت) وقال سلطان العلماء: أى أهل الذمة في هذا العصر فانهم أولاد أهل الذمة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله، ولعل المراد بهذا الكلام أن الذمة التى أعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله لما كانت مخصوصة بأعيان تلك الاشخاص فلا ينفع في ذمة أولادهم فلابد لهم من ذمة اخرى من امام العصر، ولما لم يكن فلا ذمة لهم.
وقال الفاضل التفرشى: قوله " الا على الفطرة " أى على فطرة الاسلام وخلقته أى المولود خلق في نفسه على الخلقة الصحيحة التى لو خلى وطبعه كان مسلما صحيح الاعتقاد والافعال وانما يعرض له الفساد من خارج فصيرورته يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا انما هى من قبل أبويه غالبا لانهما أشد الناس اختلاطا وتربية له، ولعل وجه انتفاء ذمتهم أن ذمة رسول الله صلى الله عليه وآله لم تشملهم بل أعطاهم الذمة بسبب أن لا يفسدوا اعتقاد أولادهم ليحتاجوا إلى الذمة.
ولم يعطوا الذمة من قبل الاوصياء عليهم السلام لعدم تمكنهم في تصرفات الامامة و انما يعطوها من قبل من ليس له تلك الولاية فاذا ظهر الحق وقام القائم عليه السلام لم يقروا على ذلك ولا يقبل منهم الا الاسلام.
وأخذ الجزية منهم في هذا الزمان من قبيل أخذ الخراج من الارض، والمنع عن التعرض لهم باعتبار الامان، وأما قوله في حديث زرارة الاتى " ذلك إلى الامام " فمعناه أنه إذا كان متمكنا ويرى المصلحة في أخذ الجزية منهم كما وقع في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وهو لا نافى انتفاء الذمة عنهم اليوم.
أقول: قوله " ولا يقبل منهم الا الاسلام " رجم بالغيب مبتن على الوهم.
(2) لانهم لم يعملوا بالشروط المذكورة.
(3) كذا، والصحيح " أن يجوزوا ".

[51]

له أن يأخذهم به حتى يسلموا، فإن الله عزوجل قال: " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"(1) وهو لا يكترث بما يؤخذ منه حتى يجد ذلا لما أخذ منه فيألم لذلك فيسلم ".
1671 وقال محمد بن مسلم(2) قلت لابي عبدالله عليه السلام: " أرأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس(3) من أرض الجزية ويأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم أما عليهم في ذلك شئ موظف؟ فقال: كان عليهم ما أجازوا على نفوسهم وليس للامام أكثر من الجزية، إن شاء الامام وضع ذلك على رؤوسهم وليس على أموالهم شئ، وإن شاء فعلى أموالهم وليس على رؤوسهم شئ(4)، فقلت: فهذا الخمس؟ فقال: إنما هذا شئ كان صالحهم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله "(5).
1672 وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في أهل الجزية " يؤخذ من أموالهم ومواشيهم شئ سوى الجزية؟ قال: لا ".


______________
(1) استشهاد على أن له أن يأخذ منهم قدر وسعهم ليتألموا فيسلموا (مراد) والصاغر الراضى بالذل، والغريب، وفى الصحاح " يقال: ما أكترث له أى ما ابالى به " يعنى لا يبالى لما يؤخذ منه حتى يجد أى ما لم يجد ذلا لما أخذ منه.
وظاهر الاية وجوب أدائها بيده لا المبعث بيد وكيله بل يؤدى بيده إلى أن يقول المصدق: بس. (م ت)
أقول: سقطت هنا جملة " وكيف يكون صاغرا " وموجودة في الكافى ج 3 ص 566.
(2) رواه الكلينى في الحسن كالصحيح مع الذى تقدم في حديث راجع ج 3 ص 566.
(3) أى من الذى وضع عمر على نصارى تغلب من تضعيف الزكاء ورفع الجزية.
(4) كأن المراد أنهم وان أجازوا على أنفسهم لكن ليس للامام العدل أن يفعل ذلك، أو المراد أنه ليس لها مقدار مقدر مخصوص لكن كلما قدر لهم ينبغى أن يوضع اما على رؤوسهم واما على أموالهم (المرآة) والمشهور عدم جواز الجمع بين الرؤوس والاراضى وينافيه خبر مصعب المتقدم، وقيل يجوز.
(5) قال بعض الشراح: الظاهر أنه عليه السلام بين أن هذا الخمس من فعل عمر أو من البدع وليس للامام أن يقرره عليهم ولم يفهم السائل ولما أعاد السؤال اضطر في أن يتقى فقال: انما هذا شئ كان صالحهم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله.

[52]

1673 قال:(1) وسألت أبا عبدالله عليه السلام " عن صدقات أهل الذمة وما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم ولحم خنازيرهم وميتتهم؟ فقال: عليهم الجزية في أموالهم تؤخذ منهم من ثمن لحم الخنزير أو خمر وكلما أخذوا من ذلك فوزر ذلك عليهم و ثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم"(2).
1674 وروى طلحة بن زيد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه(3)، ولا من المغلوب على عقله ".
1675 وروى حفص بن غياث قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن النساء كيف سقطت الجزية ورفعت عنهن؟ فقال: لان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلن وإن قاتلت أيضا فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا(4) فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن قتلهن في دار الحرب كان ذلك في دار الاسلام أولى(5) ولو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها فلما لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها ولو منع الرجال فأبوا أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد وحلت دماؤهم وقتلهم لان قتل الرجال مباح في دار الشرك والذمة، وكذلك المقعد من أهل الشرك والذمة(6) والاعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب من أجل ذلك


______________
(1) رواه الكلينى في الحسن كالصحيح عنه.
(2) قال الفاضل التسترى رحمه الله: فيه دلالة على أن الكافر يؤخذ بما يستحله إذا كان حراما في شريعة الاسلام وأن ما يأخذونه على اعتقاد حل حلال علينا وان كان ذلك الاخذ حراما عندنا ولعل من هذا القبيل ما يأخذ الجائر من الخراج والمقاسمة وأشباههما.
(3) عته عتها وهو معتوه من باب تعب: نقص عقله من غير جنون.
(4) " لم تخف خللا " عطف على " أمكنك " فالامساك عن قتلها حين قاتلت مشروط بأمرين أحدهما امكان الاحتراز عن قتلها إلى قتل الرجال فلو لم يمكن ذلك كما إذا تترس الرجال بهن جاز قتلها، والاخر أن ابقاء‌ها لا يوجب خللا في قتال أهل الاسلام فاذا أورث ذلك خللا كما إذا كانت لها قوة وشجاعة بقتل أهل الاسلام جاز قتلها. (مراد)
(5) لانها في دار الحرب كانت تعين أهل الحرب بخلاف دار الاسلام اذ لا حرب فيها.
(6) أى مثل المرأة في رفع الجزية عنهم لامتناع قتلهم، فحينئذ يراد بأهل الشرك من كان من احدى الفرق الثلاث قبل اعطاء الذمة ووضع الجزية على رؤوسهم وأموالهم فانه حين يوضع الجزية عليهم لا يوضع على هؤلاء منهم، وبهذا الاعتبار ذكرت المرأة فيهم فالمشبه به المرأة التى هى أهل الذمة والمشبه أعم من أن يكون من أهل الذمة أو من أهل الشرك بالمعنى المذكور.
وفى الصحاح المقعد: الاعرج ولعل المراد هنا من لا يقدر على المشى. (مراد)

[53]

رفعت عنهم الجزية ".
1676 وورى ابنمسكان عن الحلبي قال: " سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام عن الاعراب أعليهم جهاد؟ فقال: ليس عليهم جهاد إلا أن يخاف على الاسلام فيستعان بهم، فقال: فلهم من الجزية شئ؟ قال: لا ".(1)
1677 وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام عن سير [ة] الامام في الارض التي فتحت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد سار في أهل العراق بسيرة فهي إمام لسائر الارضين، وقال: إن أرض الجزية لا ترفع عنها الجزية وإنما الجزية عطاء المجاهدين، والصدقات لاهلها الذين سمى الله عزوجل في كتابه ليس لهم من الجزية شئ، ثم قال عليه السلام: ما أوسع العدل إن الناس يستغنون إذا عدل فيهم، وتنزل السماء رزقها، وتخرج الارض بركتها بإذن الله عزوجل ".
1678 والمجوس تؤخذ منهم الجزية لان النبي صلى الله عليه وآله قال: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب".
وكان لهم نبي اسمه دامسب(2) فقتلوه، وكتاب يقال له جاماسب(3) كان يقع في


______________
(1) هذا الخبر يدل بظاهره على سقوط الجهاد عن سكان البادية وعلى أنهم لا يستحقون الجزية لانها للمجاهدين أو المهاجرين وليسوا منهما.(م ت)
(2) في بعض النسخ " داماست "
(3) في الكافى ج 3 ص 567 باسناد مرسل قال: " سئل أبوعبدالله عليه السلام عن المجوس أكان لهم نبى؟ فقال: نعم أما بلغك كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أهل مكة أن أسلموا والا نابذتكم بحرب، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الاوثان، فكتب اليهم النبى صلى الله عليه وآله: أنى لست آخذ الجزية الا من أهل الكتاب فكتبوا اليه يريدون بذلك تكذيبه: زعمت أنك لا تأخذ الجزية الا من أهل الكتاب، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر، فكتب اليهم النبى صلى الله عليه وآله ان المجوس كان لهم نبى فقتلوه وكتاب أحرقوه أتاهم نبيهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد ثور " وفى شرح الارشاد: أن المجوس قوم كان لهم نبى وكتاب فحرقوه فاسم كتابهم جاماسب واسم نبيهم ذرادشت فقتلوه.

[54]

اثني عشر ألف جلد ثور فحرقوه(1).
1679 وسأل أبوالورد(2) أبا جعفر عليه السلام عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية؟ قال: نعم، قال: فيؤدي عنه مولاه المسلم الجزية؟ قال: نعم إنما هو ماله يفتديه إذا أخذ يؤدي عنه "(3).
وقد أخرجت ما رويت من الاخبار في هذا المعنى في كتاب الجزية.


______________
(1) وقال الفاضل التفرشى: " لعلهم كانوا جعلوا أوراق الكتاب من جلد ثور عوضا عن القرطاس للاستحكام ". وقال بعض الشراح: ظاهر هذا الخبر أن القرطاس لم يكن يومئذ وكانوا يكتبون على الجلود والالواح.
(2) الطريق اليه صحيح.
(3) اختلف علماؤنا في ايجاب الجزية على المملوك فالمشهور عدم وجوبها عليه وهو قول العامة بأسرهم لقوله صلى الله عليه وآله: " لا جزية على العبد " لانه مال فلا يؤخذ منه كغيره من الحيوان، وقال قوم لا يسقط لقول الباقر عليه السلام وقد " سئل عن مملوك نصرانى لرجل مسلم أعليه جزية؟ قال: نعم.
قلت: فيؤدى عنه مولاه المسلم الجزية؟ قال: نعم انما هو ماله يفديه اذا أخذ يؤدى عنه ".
ولانه مشرك فلا يجوز أن يستوطن دار الاسلام بغير عوض كالحر ولا فرق بين أن يكون العبد لمسلم أو ذمى ان قلنا بوجوب الجزية عليه ويؤديه مولاه عنه (تذكرة الفقهاء) وقال المولى المجلسى رحمه الله: يدل الخبر على جواز أخذ الجزية من المسلم لاجل مملوكه الذمى وهو مشكل بناء على عدم تملك العبد، ومن اذلال المسلم بأخذ الجزية عنه.