باب ما يجب على المحرم اجتنابه من الرفث والفسوق والجدال(1) في الحج

2587 - روى محمد بن مسلم، والحلبي جميعا عن أبي عبدالله عليه السلام " في قول الله عزوجل: " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج "(2) فقال: " إن الله عزوجل اشترط على الناس شرطا وشرط لهم شرطا، فمن وفى له وفى الله له، فقالا له: فما الذي اشترط عليهم وما الذي شرط لهم؟ فقال: أما الذي اشترط عليهم فإنه قال: " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج".
وأما ما شرط لهم فإنه قال: " فمن تعضل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى " قال يرجع ولا ذنب له، فقالا له: أرأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه؟ فقال: لم يجعل الله عزوجل له حدا يستغفر الله ويلبي، فقالا له: فمن ابتلي بالجدال ما عليه؟ فقال: إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة، وعلى المخطئ بقرة "(3) وقال أبي - رضي الله عنه - في رسالته إلي(4): إتق في إحرامك الكذب


______________
(1) الرفث هو الجماع أو الاعم منه ومن الفحش والكلام القبيح، والفسوق: الكذب، والجدال هو قول: " لا والله وبلى والله ".
(2) أى لاجماع ولا كذب ولا سباب ولا جدال في أيام الحج.
(3) يعنى يجب على الصادق في يمينه دم شاة يهريقه ويطعمها على المساكين، وعلى المخطئ بقرة.
(4) اكتفى في هذه الاحكام بقول أبيه ولم ينقل الاخبار الواردة فيها اختصارا.

[329]

واليمين الكاذبة والصادقة وهو الجدال، والجدال قول الرجل: (لا والله وبلى والله) فإن جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق فلا شئ عليك، فإن جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك دم شاة، فإن جادلت مرة كاذبا فعليك دم شاة، وإن جادلت مرتين كاذبا فعليك دم بقرة، وإن جادلت كاذبا ثلاثا فعليك بدنة(1)، والفسوق الكذب فاستغفر الله منه، والرفث الجماع، فإن جامعت وأنت محرم في الفرج فعليك بدنة والحج من قابل، ويجب أن يفرق بينك وبين أهلك حتى تقضيا المناسك، ثم تجتمعان، فإن أخذتما على طريق غير الذي كنتما أخذتما عليه عام أول لم يفرق بينكما، وتلزم المرأة بدنة إذا جامعها الرجل، فإن أكرهها لزمته بدنتان ولم يلزم


______________
(1) في الكافى ج 4 ص 338 في الصحيح عن معاوية بن عمار قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " إذا أحرمت فعليك بتقوى الله، وذكر الله كثيرا، وقلة الكلام الا بخير فان من تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه الا من خير كما قال الله عزوجل فان الله عزوجل يقول: " فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " والرفث: الجماع، والفسوق: الكذب والسباب، والجدال: قول الرجل " لا والله وبلى والله " واعلم أن الرجل إذا حلف بثلاث أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه ويتصدق به، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه ويتصدق به، وقال: اتق المفاخرة وعليك بورع يحجزك عن معاصى الله فان الله عزوجل يقول: " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق " قال أبوعبدالله: من التفث أن تتكلم في احرامك بكلام قبيح، فاذا دخلت مكة وطفت بالبيت وتكلمت بكلام طيب فكان ذلك كفارة، قال: وسألته عن الرجل يقول: لا لعمرى وبلى لعمرى، قال: ليس هذا من الجدال انما الجدال لا والله وبلى والله ".
وفيه بسند ضعيف، عن أبان بن عثمان، عن أبى بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: " إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات صادقا فقد جادل وعليه دم، وإذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل وعليه دم ".
وفيه بسند صحيح عن سليمان بن خالد قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: " في الجدال شاة، وفى السباب والفسوق بقرة، والرفث فساد الحج ".

[330]

المرأة شئ، فإن كان جماعك دون الفرج فعليك بدنة وليس عليك الحج من قابل.(1)
2588 - وقال الصادق عليه السلام(2): " إن وقعت على أهلك بعد ما تعقد للاحرام


______________
(1) في الكافى ج 4 ص 373 في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام " في المحرم يقع على أهله، قال: ان كان أفضى اليها فعليه بدنة والحج من قابل، وان لم يكن أفضى اليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل، قال: وسألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم، قال: ان كان جاهلا فليس عليه شئ وان لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة وعليه الحج من قابل، فاذا انتهى إلى المكان الذى وقع بها فرق محملهما فلم يجتمعا في خبأ واحد الا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محله".
وفيه في الصحيح عن سليمان بن خالد عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن رجل باشر امرأته وهما محرمان ما عليهما؟ فقال: ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا ويفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك وحتى يرجعا إلى المكان الذى أصابا فيه ما أصابا وان كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها فليس عليها شئ ".
وفيه ج 4 ص 373 في الحسن كالصحيح عن زرارة قال: " سألته عن محرم غشى امرأته وهى محرمة، قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت: أجنبى في الوجهين جميعا، قال: ان كانا جاهلين استغفرا ربهما ومضيا على حجهما وليس عليهما شئ، وان كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذى أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحج من قابل، فاذا بلغنا المكان الذى أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما ويرجعا إلى المكان الذى أصابا فيه ما أصابا، قلت: فأى الحجتين لهما، قال: الاولى التى أحدثا فيها ما أحدثا والاخرى عليهما عقوبة ".
وقال في المدارك ص 451 اطلاق النص وكلام الاصحاب يقتضى عدم الفرق في الزوجة بين الدائم والمستمتع بها، ولا في الوطى بين القبل والدبر، ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه أوجب بالوطى في الدبر البدنة دون الاعادة وهو ضعيف لان المواقعة المنوط بها الاعادة يتناول الامرين، وألحق العلامة في المنتهى بوطى الزوجة الزنا ووطى الغلام لانه أبلغ في هتك الاحترام فكانت العقوبة عليه أولى بالوجوب، وهو غير بعيد وان أمكن المناقشة في دليله، ولا فرق في الحج بين كونه واجبا أو مندوبا لاطلاق النص ولان الحج المندوب يجب اتمامه بالشروع فيه كما يجب اتمام الحج الواجب، وانما يفسد الحج بالجماع إذا وقع قبل الوقوف بالمشعر كما سيجئ التصريح به، وقال في ص 453 " ان من جامع بعد الوقوف بالمشعر قبل طواف النساء كان حجه صحيحا ووجب عليه بدنة لا غير.
(2) احتمل المولى المجلسى رحمه الله أن يكون هذا من تتمة كلام أبيه ويكون ملفقا من أخبار.
وقال: ان كان من كلام المصنف لم نطلع عليه في غير هذا الكتاب.

[331]

وقبل أن تلبي فلا شئ عليك، وإن جامعت وأنت محرم قبل أن تقف بالمشعر فعليك بدنة والحج من قابل، وإن جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة وليس عليك الحج من قابل، وإن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليك ".
2589 - وسأله أبوبصير " عن رجل واقع امرأته(1) وهو محرم، قال، عليه السلام: عليه جزور كوماء(2) فقال: لا يقدر، قال عليه السلام: ينبغي لاصحابه أن يجمعوا له ولا يفسدوا عليه حجة "(3).
وإن نظر محرم إلى غير اهله فانزل فعليه جزورا أو بقرة، فان لم يقدر فشاة.
(3) وإذا نظر المحرم إلى المرأة(5) نظر شهوة فليس عليه شئ، فإن لمسها فعليه


______________
(1) في بعض النسخ " واقع أهله ".
(2) أى الناقة العظيمة السنام.
(3) " ينبغى " أى يستحب.
والخبر يحمل على ما إذا كان بعد الوقوف بالمشعر.
(4) روى الشيخ في التهذيب ج 1 ص 540 في الصحيح عن زرارة قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل، قال عليه جزور أو بقرة، فان لم تجد فشاة ".
وفى الكافى ج 4 ص 377 في الصحيح عن معاوية بن عمار " في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل، قال: عليه دم لانه نظر إلى غير ما يحل له، وان لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد وليس عليه شئ ".
وهذا الخبر مجمل يفسره الخبر الاول أو يحمل الاول على الاستحباب عينا والوجوب تخييريا كما قاله المولى المجلسى.
(5) أى امرأته دون الاجنبية روى الكلينى في الكافى ج 4 ص 375 في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم، قال: لا شئ عليه ولكن ليغتسل ويستغفر ربه وان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شئ عليه وان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم، قال في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل قال: عليه بدنة ".
وفيه في الحسن كالصحيح عن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته، قال: نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها.
قلت: أفيمسها وهى محرمة؟ قال: نعم، قلت: المحرم يضع يده بشهوة؟ قال: يهريق دم شاة، قلت: فان قبل؟ قال: هذا أشد ينحر بدنة ".

[332]

دم شاة، فإن قبلها فعليه دم شاة(1).
فإن أتى المحرم أهله ناسيا فلا شئ عليه إنما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناس(2).
0 259 - وسأل أبوبصير(3) أبا عبدالله عليه السلام " عن رجل محرم نظر إلى ساق امرأة أو إلى فرجها فأمنى، فقال: إن كان موسرا فعليه بدنة، وإن كان وسطا فعليه بقرة، وإن كان فقيرا فعليه شاة، وقال: اني لم أجعل عليه هذا لانه أمنى ولكني جعلته عليه لانه نظر إلى ما لا يحل له ".
2591 - وسأله محمد بن مسلم " عن الرجل يحمل امرأته أو يمسها فأمنى أو أمذى؟ فقال: إن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن أو أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه، وإن حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شئ أمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ ".
وإذا وجبت على الرجل بدنة في كفارة فلم يجدها فعليه سبع شياه، فإن لم


______________
(1) في الكافى في الصحيح عن مسمع أبى سيار قال: قال لى أبوعبدالله عليه السلام: " يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة فمن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة، ومن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر ربه، ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة، ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، ومن مس امرأته او لازمها من غير شهوة فلا شئ عليه " ويأتى تحت رقم 2715 عن الحلبى ما يدل على كلام المؤلف.
(2) روى المؤلف في العلل عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبى جعفر عليه السلام " في المحرم يأتى أهله ناسيا؟ قال: لا شئ عليه انما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناس " ويؤيده ما رواه الكلينى ج 4 ص 381 في الحسن كالصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام في حديث: " وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة الا الصيد، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد " وكذا ما روى في تحف العقول في مرسل عن أبى جعفر الثانى عليه السلام في حديث طويل قال: وكلما أتى به المحرم بجهالة أو خطا فلا شئ عليه الا الصيد الحديث ".
(3) طريق المؤلف إلى أبى بصير ضعيف بعلى بن أبى حمزة البطائنى، لكن الخبر رواه الكلينى ج 4 ص 377 في الموثق كالصحيح.

[333]

يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله(1).
وإن طفت بالبيت وبالصفا والمروة وقد تمتعت ثم عجلت فقبلت أهلك قبل أن تقصر من رأسك فإن عليك دما تهريقه، وإن جامعت فعليك جزور أو بقرة(2)
2592 - وروى ابن مسكان، عن أبي بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له أصحابه: والله لا تعلمه(3) فيقول: والله لاعملنه فيحالفه مرارا، فيلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ فقال: لا إنما أراد بهذا إكرام أخيه إنما يلزمه ما كان لله عزوجل معصية ".
2593 - وروى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إتق المفاخرة وعليك بورع يحجزك عن معاصي الله عزوجل فإن الله عزوجل يقول: " ثم ليقضوا تفثهم " ومن التفث أن تتكلم في إحرامك بكلام قبيح فإذا دخلت مكة فطفت


______________
(1) روى الشيخ في التهذيب ج 1 ص 584 في الصحيح عن ابن محبوب، عن داود الرقى عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء، قال: إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما".
ورواه الكلينى عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن محمد، عن داود الرقى.
(2) روى الكلينى في الكافى ج 4 ص 440 في الحسن كالصحيح والشيخ في التهذيب في الصحيح عن الحلبى واللفظ للكلينى قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثم بالصفا والمروة وقد تمتع ثم عجل فقبل امرأته قبل أن يقصر من رأسه، فقال: عليه دم يهريقه، وان جامع فعليه جزور أو بقرة " وقال العلامة المجلسى ره: ظاهره التخيير والمشهور أنه يجب عليه بدنة فان عجز فشاة وهو اختيار ابن ادريس، وقال ابن أبى عقيل: عليه بدنة، وقال سلار: عليه بقرة.
والمعتمد الاول، وقال في التحرير: ولو جامع امرأته عامدا قبل التقصير وجب عليه جزور ان كان موسرا وان كان متوسطا فبقرة، وان كان فقيرا فشاة ولا تبطل عمرته، والمرأة ان طاوعته وجب عليها مثل ذلك ولو أكرهها تحمل عنها الكفارة ولو كان جاهلا لم يكن عليه شئ، ولو قبل أمرأته قبل التقصير وجب عليه دم شاة.
(3) أى يريد أن يخدمهم على وجه الاكرام وهم يقسمون عليه على وجه التواضع ان لا تفعل. (المرآة)

[334]

بالبيت تكلمت بكلام طيب وكان ذلك كفارة لذلك "(1).


______________
(1) هذا جزء من الحديث الذى تقدم تمامه في الهامش على الكلينى والشيخ رحمهما الله.