باب وجوه الحاج

2545 - روى منصور الصيقل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " الحاج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتع، وحاج مفرد للحج، وسائق للهدي - والسائق هو القارن - "(2).
ولا يجوز لاهل مكة ولا حاضريها التمتع بالعمرة إلى الحج، وليس لهم إلا القران أو الافراد لقول الله عزوجل: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج(3) فما استيسر من الهدي " ثم قال بعد ذلك: " ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام " وحد حاضري المسجد الحرام أهل مكة وحواليها على ثمانية وأربعين ميلا، ومن كان خارجا من هذا الحد فلا يحج إلا متمتعا بالعمرة إلى الحج ولا يقبل الله غيره.
2546 - وروى ابن بكير، عن زرارة قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحل إن أحب أو كره(4) " إلا من اعتمر في عامه ذلك أو


______________
(2) ما يدل عليه من انقسام الحج إلى الاقسام الثلاثة وحصره فيها مما أجمع عليه العلماء.
وأما انكار عمر التمتع فقد ذكر المخالفون أيضا أنه قد تحقق الاجماع بعده على جوازه.
(3) أى تمتع بعد العمرة من النساء والثياب والطيب وغيرها من محرمات الاحرام إلى الاحرام بالحج. (م ت)
(4) الخبر إلى هنا في الكافى ج 4 ص 299 والتهذيب.وما بعده من كلام الراوى ظاهرا.

[313]

ساق الهدي وأشعره وقلده(1).
2547 - وروى ابن اذينة، عن زرارة قال: " جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام وهو خلف المقام فقال: إني قرنت بين حجة وعمرة، فقال: هل طفت بالبيت؟ فقال: نعم(2) قال: هل سقت الهدي؟ قال: لا، فأخذ أبوجعفر عليه السلام بشعره، ثم قال:


______________
(1) لا أعلم له معنى صريحا ويمكن أن يكون فيه سقطا أو تصحيفا، وقال الفيض رحمه الله في الوافى: بناء استثناء المعتمر على عدم جواز عمرتين في عام فانه إذا كان كذلك لم يكن طوافه من عمرة صحيحة فلا عقد لا حل.
ومورد الكلام في هذا الحديث طواف المفردين المقدمين وان عم حكمه في الحج مطلقا.
وقال الشيخ محمد: الغرض رد العامة الذين يدخلون مكة محرما ويطوفون قاصدين طواف القدوم من دون احلال بل يبقون على احرامهم فقال: هم محلون كرهوا او أحبوا الا من اعتمر لعامه ليتمتع فانه يحل باختياره وسائق الهدى إذا قدم الطواف لا يحل فالاستثناء من قوله " أحب أو كره " اه‍.
وقال الفاضل التفرشى مثله.
(2) اريد بالطواف البيت والمسعى معا (الوافى) وقال المولى المجلسى رحمه الله: قوله " انى قرنت بين حجة وعمرة " أى قلت حين التلبية لبيك بحجة وعمرة، وهذا الكلام لو قاله المتمتع كان معناه أنى أعتمر عمرة أتمتع بعدها إلى الحج، وان قاله القارن الذى ساق الهدى كان معناه أنى أحج ان أمكن ولا أعتمر بعمرة مفردة، وان قاله المفرد فان كان لا يدرى أن التمتع عليه واجب أو لم يجب عليه بان كان من أهل مكة وحواليها فان لم يلب بعد صلاة الطواف ولم يعقد احرامه بالتلبية تصير حجه عمرة أو يمكنه أن يجعله عمرة بالنية بل لو كان عامدا وكان التمتع عليه واجبا يمكنه النقل كما يظهر من الاخبار ويدل عليه اطلاق هذا الخبر أيضا وان كان قصده من الطواف المستحب القدومى لا التقديمى.
وقال استاذنا الشعرانى: يحتمل أن يكون المقصود القران على مذهب العامة بأن ينوى الجمع بين العمرة والحج في احرام واحد وهو غير جائز عندنا، فان خالف ونوى الجمع اختلف الفقهاء فقال بعضهم: لا يقع حجا ولا عمرة، وقال بعضهم: يصح حجا مفردا ويجوز له أن يعدل إلى عمرة التمتع قال الشيخ رحمه الله في الخلاف: إذا قرن بين العمرة والحج في احرامه لم ينعقد احرامه الا بالحج، فان أتى بافعال الحج لم يلزمه دم، وان أراد أن يأتى بأفعال العمرة ويحل ويجعلها متعة جاز ذلك ويلزمه الدم، ومثله في المبسوط، والرواية موافقة لهذا القول وذلك لان احرامهم لو كان باطلا لوجب على الامام ردعهم لاتركهم على الباطل وتقريرهم على ما أتوا به ويحتمل استفادة البطلان كما قاله المراد رحمه الله قوله قال " ثم أحللت " لعله كناية عن بطلان احرامه ولعل السؤال عن الطواف والسياق لبيان الحال لا لان لهما دخلا في الحكم انتهى.

[314]

أحللت الله "(1).
2548 - وروى أبو أيوب بن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن أحدهم(2) يقرن ويسوق فأدعه عقوبة بما صنع ".
2549 - وروي عن يعقوب بن شعيب(3) قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الرجل يحرم بحجة وعمرة وينشئ العمرة أيتمتع(4)؟ قال: نعم ".
2550 - وروى إسحاق بن عمار، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، ثم يبدو له أن يجعلها عمرة، فقال: إن كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقصر فلا متعة له "(5).


______________
(1) الظاهر أن هذا كناية عن التقصير أى قصر أو أخذ عليه السلام من شعره.
وقيل: الضمير راجع اليه عليه السلام تأكيدا للقسم أى أخذ عليه السلام بلحية نفسه وقال: أحللت والله. وهو بعيد. وقال في الوافى اريد بالاخذ بشعره التقصير أو تعليمه اياه.
(2) من المخالفين ومعنى " أدعه " أى لا ابين لهم أفضلية التمتع عقوبة لترك متابعته امام الحق.
(3) السند صحيح على ما في الخلاصة.
(4) يعنى مع أنه قال: لبيك بحجة وعمرة وقدم الحجة في النية ولما قدم مكة قلبها تمتعا أيجوز ذلك، قال: نعم وذلك لان الواو لا يدل على الترتيب.
وقال الفاضل التفرشى المراد أنه نوى في أحرامه الحج والعمرة ثم عدل عنه إلى الاحرام بالعمرة.
وفى بعض النسخ " ينسى " بالسين المهملة فينبغى أن يراد بيحرم يريد الاحرام للحجة المتمتع بها فنسى أن يحرم بالعمرة فمعنى أيتمتع أله أن يعدل عنه إلى العمرة ويتمتع.
وقال استاذنا الشعرانى: الاظهر أن السؤال عن القران على مذهب العامة والجواب أنه صحيح يقع حجا مفردا يجوز له العدول إلى العمرة موافقا لقول الخلاف، ولا يبعد أن يكون " ينسئ " مهموز اللام من الانساء بمعنى التأخير لان العامة يجوزون في القران أن ينوى الحج والعمرة نية واحدة عند الاحرام وأن ينوى الاحرام بالحج أولا، ثم يدخل العمرة في احرامه بعد مضى مدة.
وقال الفيض رحمه الله: اريد بهذه الاخبار جواز العدول عن الافراد إلى التمتع ما لم يسق الهدى فيقصر ويحرم بحج التمتع الا أنه ان كان قد لبى بعد ما سعى قبل أن يقصر فلا متعة له كما يأتى.
(5) ذلك لانه أبطل عمرته بالتلبية قبل اكمالها. (الوافى)

[315]

2551 - وكتب علي بن ميسر إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام يسأله " عن رجل اعتمر في شهر رمضان(1) ثم حضر الموسم أيحج مفردا للحج أو يتمتع أيهما أفضل؟ فكتب عليه السلام إليه: يتمتع"(2).
2552 - وروى حفص بن البختري عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " المتعة والله أفضل وبها نزل القرآن وجرت السنة إلي يوم القيامة(3) ".
2553 - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال ابن عباس: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ".
2554 - وسأل أبوأيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز أبا عبدالله عليه السلام " أي أنواع الحج أفضل؟ فقال: المتعة وكيف يكون شئ أفضل منها ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعل الناس ".
والمتمتع هو الذي يحج في أشهر الحج ويقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكة فإذا دخل مكة طاف بالبيت سبعا وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة سبعا وقصر وأحل فهذه عمرة يتمتع بها من الثياب والجماع والطيب وكل شئ يحرم على المحرم على إلا الصيد لانه حرام على المحل في الحرم وعلى المحرم في الحل والحرم، ويتمتع بما سوى ذلك إلى الحج.
والحج ما يكون بعد يوم التروية من عقد الاحرام الثاني بالحج المفرد، والخروج إلى منى(4) ومنها إلى عرفات، وقطع التلبية عند زوال الشمس يوم عرفة(5) والجمع فيها بين الظهر والعصر(6) بأذان واحد وإقامتين، والوقوف بها إلى غروب


______________
(1) أى لم يكن من أشهر الحج حتى يتمتع بعمرته. (م ت)
(2) في الكافى ج 4 ص 292 " يتمتع أفضل ".
(3) أى لم ينسخ كما قاله بعض المخالفين تقوية لقول عمر.
(4) للبيتوتة بها استحبابا ومنها إلى عرفات وجوبا.
(5) ونية الوقوف عنده على المشهور.
(9) أى استحبابا، و " بأذان واحد " أى للظهر.

[316]

الشمس، والافاضة إلى المشعر الحرام(1) والجمع بين المغرب والعشاء بها بأذان واحد وإقامتين، والبيتوتة بها(2) والوقوف بها بعد الصبح إلى تطلع الشمس على جبل ثبير(3) والرجوع إلى منى، والذبح والحلق والرمي(4) ودخول مسجد الحصباء(5) والاستلقاء فيه على القفا،: وزيارة البيت وطواف الحج وهو طواف الزيارة، وطواف النساء(6) فهذه صفة المتمتع بالعمرة إلى الحج.
والمتمتع عليه ثلاثة أطواف بالبيت: طواف للعمرة، وطواف للحج، وطواف للنساء(7) وسعيان بين الصفا والمروة(8) كما ذكرناه.
وعلى القارن والمفرد طوافان بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة(9) ولا يحلان بعد العمرة، يمضيان على إحرامهما الاول، ولا يقطعان التلبية إذا نظرا إلى بيوت مكة كما يفعل المتمتع بالعمرة ولكنهما يقطعان التلبية يوم عرفة عند زوال الشمس.
والقارن والمفرد صفتهما واحدة إلا أن القارن يفضل على المفرد بسياق الهدي.


______________
(1) أى الذهاب إلى المشعر وهو بين المأزمين.
(2) اى إلى طلوع الشمس وجوبا تأسيا بالنبى والائمة عليهم السلام أو استحبابا على المشهور والاحتياط تقربا إلى الله تعالى بدون نيتهما. (م ت)
(3) ثبير كأمير جبل مشرف على مسجد منى وهو مقابل للحاج عند انتظار طلوع الشمس في أول وادى محسر ولا يشاهد الشمس في المشعر للجبال. (م ت)
(4) يعنى الرجوع إلى منى للمناسك وهو الذبح والحلق والرمى وكأنه لايرى الترتيب وان كان الواو لا تدل عليه لكن يبتدى برمى جمرة العقبة ثم يذبح هديه ويأكل منه ثم يحلق رأسه أو يقصر. (م ت)
(5) بالابطح لمن نفر في الاخير، والاستلقاء فيه على القفا استحبابا ويأتى الكلام فيه مفصلا.
(6) لم يذكر المبيت في الليالى الثلاث ورمى الجمار فيها اما لما سيجئ واما لاعتقاده أنها ليست من أجزاء الحج أو لندبها عنده. (م ت)
(7) أى للحج وليس في العمرة طواف النساء.
(8) سعى للحج وسعى للعمرة.
(9) الظاهر أن لفظة " سعيان " من سهو النساخ والصواب سعى كما في الاخبار (م ت) أو كون التثنية باعتبار الصفا والمروة لكنه بعيد.

[317]

2555 - وروى درست(1) عن محمد بن الفضل الهاشمي قال: " دخلت مع إخواني علي أبي عبدالله عليه السلام فقلنا له: إنا نريد الحج وبعضنا صرورة، فقال عليه السلام: عليكم بالتمتع فإنا لا نتفي أحدا في التمتع بالعمرة إلى الحج، واجتناب المسكر، والمسح على الخفين ".


______________
(1) درست واقفى ولم يوثق وهو من أصحاب أبى الحسن موسى عليه السلام.