باب صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله

74 قال أبوجعفر الباقر عليه السلام: " ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل له: بلى، فدعا بقعب(1) فيه شئ من ماء فوضعه بين يديه، ثم حسر عن ذراعيه، ثم غمس فيه كفه اليمنى، ثم قال: هذا إذا كانت الكف طاهرة(2)، ثم غرف ملاها ماء، ثم وضعه على جبهته(3) وقال: " بسم الله " وسيله على أطراف لحيته، ثم أمر يده على وجهه وظاهر جبينيه(4) مرة واحدة، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملاها، ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمر كفه على ساعده حتى جرى


______________
(1) القعب: قدح من خشب. والحسر: الكشف.
(2) يحتمل أن يكون هذا لتنجس الماء القليل بملاقات النجاسة، او لوجوب طهارة أعضاء الوضوء، فلا يمكن الاستدلال به على أحد المطلبين. (سلطان).
(3) في بعض النسخ " على جبينه " وفى الكافى ج 3 ص 25 " وسدله " مكان " وسيله ".
(4) في بعض النسخ " ظاهر جبهته " وفى بعضها " ظاهر جبينه " كما في الكافى.

[37]

الماء على أطراف أصابعه، ثم غرف بيمينه ملاها فوضعه على مرفقه الايسر فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه، ومسح على مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة بقية مائة "(1).
75 وروي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله توضأ، ثم مسح على نعليه(2) فقال له المغيرة: أنسيت يا رسول الله؟ قال: بل أنت نسيت(3) هكذا أمرني ربي "(4).


______________
(1) كذا في جميع النسخ ولكن في طبع النجف والكافى " ببلة يساره وبقية بلة يمناه " وقال العلامة المجلسى - رحمه الله -: حمل هذا الكلام على اللف والنشر المرتب يقتضى مسحه (ع) رأسه بيساره وهو في غاية البعد، وحمله على المشوش أيضا بعيد.
وذكر البقية في اليمنى دون اليسرى لا يساعده، فالاظهر أن يكون قوله: " ببلة يساره " مع ما عطف عليه من متعلقات مسح القدمين فقط، وعود القيد إلى كلا المتعاطفين غير لازم كما في قوله تعالى: " فوهبنا له اسحق ويعقوب نافلة " فان النافلة ولد الولد.
وحينئذ في ادراج لفظ البقية اشعار بانه (ع) مسح رأسه بيمناه (المرآة).
(2) يمكن أن يكون الممسوح محذوفا أى مسح قدميه حالكونه (ع) على نعليه، فلا ينافى استيعاب المسح لظاهر القدم ويلا، ولعل النعل لم يكن له شسع يمنع ذلك فيكون اعتراض المغيرة لتوهمه أن ما فعله صلى الله عليه وآله وقع سهوا، وعبر عن خطأ المغيرة بالنسيان للمشاكلة (مراد) وقال سلطان العلماء: " يحتمل أن يكون المراد أنت نسيت أنى رسول الله وكلما فعلته فهو بحكم الله وأمره.
فلا يحتاج في تصحيح نسبة النسيان إلى المغيرة إلى تكلف المشاكلة ".
(3) نسبة النسيان اليه صلى الله عليه وآله كان باعتبار أنه زعم أن النبى صلى الله عليه وآله كان يغسل رجليه في الوضوء فاذا رآه لم يخلع نعليه ومسح على ظاهر رجليه تعجب فاعترض عليه فأجاب صلى الله عليه وآله بنسبة النسيان اليه وقال: أنت توهمت ذلك وأنا أمسح في الوضوء دائما كما أمرنى ربى.
(4) اعلم أن هذا الخبر رواه أبوداود في سننه وأحمد في مسنده باسنادهما عن المغيرة ابن شعبة وفيهما " مسح على الخفين " مكان " مسح على نعليه " والنعل العربى لا يمنع من وصول الماء إلى ظاهر الرجل بقدر ما يجب بخلاف الخف.
ومع قطع النظر عن ضعف السند - وكون المغيرة من دهاة الناس وقول قبيصة بن جابر في حقه " لو أن مدينة له ثمانية أبواب لا يخرج من باب الا بمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها " - مسح الخفيه مخالف لصريح قوله تعالى " وامسحوا برؤسكم وأرجلكم " لاقتضائه فرض المسح على الارجل. ونقل الصدوق رحمه الله هذه الرواية ردا على قول من قال بوجوب الغسل للرجلين وليس مراده جواز المسح مع الحائل كما هو ظاهر قوله في الهداية حيث قال: " ومن غسل الرجلين فقد خالف الكتاب والسنة ومن مسح على الخفين فقد خالف الكتاب: والسنة ".

[38]

76 وقال الصادق عليه السلام: " والله ما كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله إلا مرة مرة.
وتوضأ النبي صلى الله عليه وآله مرة مرة، فقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به "(1).
فأما الاخبار التي رويت في أن الوضوء مرتين مرتين: 77 فأحدها بإسناد منقطع يرويه أبوجعفر الاحول ذكره عمن رواه عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " فرض الله الوضوء واحدة واحدة ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله للناس اثنتين اثنتين "(2).
وهذا على جهة الانكار، لا على جهة الاخبار، كأنه عليه السلام يقول: حد الله حدا فتجاوزه رسول الله صلى الله عليه وآله وتعداه(3) وقد قال الله تعالى: " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ".
78 وقد روي " أن الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن


______________
(1) قال المصنف فالهداية: " الوضوء مرة مرة وهو غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس طو القدمين، ومن توضأ مرتين مرتين لم يوجر، ومن توضا ثلاثا فقد أبدع ".
(2) يمكن الجمع بين الخبر السابق وهذا الخبر اما بأن تحمل المرة على أقل الواجب والمرتين على الاستحباب كما عليه الاكثر، واما بان تحمل المرتين على من لا يكفيه المرة كما جمع الكلينى (ره) في الكافى ج 3 ص 27) واما بأن يحمل الاثنتين على الغسلتين و المسحتين كما قاله الشيخ البهائى - رحمه الله - وقال المولى مراد التفرشى: قوله " وضع رسول الله صلى الله عليه وآله " يمكن أن يكون المعنى وضع وجوبهما عنهم ليسهل عليهم وينتفعوا بذلك وتعدية الوضع باللام قرينة كونه للتخفيف دون التثقيل ومعنى رفعه عنهم ان الله ببركته سهل عليهم الامر ووضع عنهم التكرار كما يجئ في تخفيف الصلاة من الخمسين إلى الخمس.
(3) أى كيف يمكن ذلك مع أن الله يقول.. الآية " وهذا البيان غريب جدا.

[39]

يعصيه. وأن المؤمن لا ينجسه شئ(1) وإنما يكفيه مثل الدهن "(2).
79 وقال الصادق عليه السلام: " من تعدى في وضوئه كان كناقضه "(3).
80 وفي ذلك حديث آخر باسناد منقطع رواه عمر بن أبي المقدام قال: " حدثني من سمع أبا عبدالله عليه السلام يقول: إني لاعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله اثنتين اثنتين، فإن النبي صلى الله عليه وآله كان يجدد الوضوء لكل فريضة ولكل صلاة ".
فمعنى الحديث هو اني لاعجب ممن يرغب عن تجديد الوضوء وقد جدده النبي صلى الله عليه وآله، والخبر الذي روي " أن من زاد على مرتين لم يؤجر " يؤكد ما ذكرته(4) ومعناه أن تجديده بعد التجديد لا أجر له(5) كالاذان، من صلى الظهر


______________
(1) يعنى لا ينجسه شئ من الاحداث بحيث يحتاج إلى صب الماء الزائد في ازالته.
(2) لما بين - رحمه الله - بالآية الشريفة أن من تعدى حدا من حدود الله تعالى فهو ظالم لنفسه أراد أن يبين أن الوضوء حد من حدود الله تعالى ليثبت أن من تعدى تعدى حدا من حدود الله فيكون ظالما وليس غرضه الاستشهاد بذيل الخبر لان كفاية الدهن لا ينافى استحاب تكرار الغسل في وضوئه، وفى القاموس: الدهن ويضم قدر ما يبل وجه الارض من المطر.
(مراد) قول " مثل الدهن " أى أقل مراتب الاجزاء أو لدفع وسواس المؤمنين (م ت)
(3) ظاهر التعدى عدم الاتيان به على وجه زاد فيه أم نقص.
وقال الفاضل التفرشى: وجه الشبه بين المتعدى والناقض عدم جواز الدخول به في الصلاة.
وفى بعض النسخ " كان كناقصه " بالصاد المهملة فمعنى التعدى الزيادة عليه أى من زاده على ما شرع كمن نقصه منه في البطلان. (مراد)
(4) يعنى أن المراد بالاثنين التجديد. وفى التأكيد نظر نعم لا ينافيه (سلطان).
(5) لا يخفى جريان هذا التوجيه في الرواية الاولى أيضا وجريان التوجيه السابق هنا أيضا بأدنى تكلف بأن يكون التعجب من الرغبة اليه لا من الرغبة عنه ويكون قوله: " وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله " من قول الراغب اليه فصار المعنى انى لاعجب ممن رغب إلى الاثنين قائلا ان رسول الله صلى الله عليه وآله توضأ اثنين، وأقرب التوجيهات حمل التثنية على الغسلتين والمسحتين كما ذكره الشيخ البهائى (سلطان).
وقال التفرشى (ره): " قوله يؤكد ما ذكرته " لعل وجه التأكيد أن الغسلة الثانية لا أجر لها والزائدة عليها بدغة كما يجئ في باب حد الوضوء عن المظلف رحمه الله وهو مضمون مرسلة ابن أبى عمير فلما جعل الزائد على المرتين مما لا أجر له لا ما هو بدعة علم أن المراد به تجديد الوضوء دون الغسلة ويؤيد المؤلف (ره) أيضا أن الوضوء في الغسلة مجاز لا يصار اليه الا لدليل، وأما تأنيث اثنتين فكما يصح بحمل الوضوء على الغسلات يصح بحمله على معناه لكونه عبارة عن الغسلات والمسحات ولعل الفرق بين ما لا أجر له وما هو بدعة كما وقعا في مرسلة ابن أبى عمير (*) مع اشتراكهما في عدم استحقاق الاجر بهما يرجع إلى أن مالا أجر له لم يتعلق به طلب ولم ينه عنه في نفسه، وما هو بدعة مما نهى عنه ففى الاول لم يأت المكلف بمنكر في نفسه وان أخطأ في الاتيان به بقصد الطاعة، فيمكن أن يوجر عليه وان لم يستحقه، وفى الثانى أتى بمنكر يستحق عليه العقاب.
وينبغى للمؤلف - رحمه الله - ان يذكر الاحاديث الدالة على التثنية ويجيب عنها منها ماروى في التهذيب ج 1 ص 22 عن الحسين بن سعيد عن حماد عن يعقوب عن معاوية بن وهب قال: " سألت أبا عبدالله (ع) عن الوضوء فقال: مثنى مثنى " وأيضا روى باسناده عن أحمد ابن محمد عن صفوان عن أبى عبدالله (ع) قال: " الوضوء مثنى مثنى " وأيضا بسنده عن زرارة عن أبى عبدالله (ع) قال: " الوضوء مثنى مثنى من زاد لم يوجر عليه " فلعله - رحمه الله - اكتفى عنها بالجواب المذكور وهو الحمل على التجديد وشيخنا (ره) حملها على أنه غسلتان ومستحتان، ليس كما توهمه العامة انه غسلات ومسح - انتهى.
أقول: ما دل عليه الخبران يخاف ما مر في حكاية وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وحمله الشيخ (ره) على استحباب التثنية في الغسل.
وهو لا يدفع المخالفة عند التحقيق والمتجه الحمل على التقية لان العامة تنكر الوحدة وتروى في أخبارهم الثلاث ويحتمل أن يراد تثنية الغرفة على طريق نفى البأس لا اثبات المزية كما حكى عن صاحب المنتقي.
(*) في التهذيب ج 1 ص 23 بسنده المتصل عن ابن أبى عمير عنبعض أصحابنا عن أبى عبدالله (ع) قال: " الوضوء واحدة فرض، واثنتان لا يوجر، واثنتان لا يوجر، والثالث بدعة ".

[40]

والعصر بأذان وإقامتين أجزأه ومن أذن للعصر كان أفضل، والاذان الثالث بدعة لا أجر له، وكذلك ما روي أن مرتين أفضل معناه التجديد، وكذلك ما روفي مرتين أنه إسباغ.

[41]

81 وروي " أن تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو له والله وبلى والله ".
82 وروي في خبر آخر " أن الوضوء على الوضوء نور على نور، ومن جدد وضوء‌ه من غير حدث آخر جدد الله عزوجل توبته من غير استغفار ".
وقد فوض الله عزوجل إلى نبيه عليه السلام أمر دينه ولم يفوض إليه تعدي حدوده.
83 وقول الصادق عليه السلام: " من توضأ مرتين لم يؤجر ".
يعني به أنه أتى بغير الذي أمر به(1) ووعد الاجر عليه فلا يستحق الاجر وكذلك كل أجير إذا فعل غير الذي استؤجر عليه لم يكن له أجرة.


______________
(1) لعله أراد بالامر ما يشمل أمر الايجاب والندب، فالوضوء الاول مأمور به بامر الايجاب فيكون مأجورا عليه، والوضوء الثانى مأمور به بامر الندب فيوجر، والوضوء الثالث غير مأمور به مطلقا فلا يوجر عليه، فقد حمل المرتين على المجددتين وعدم الاجر باعتبار التجديد الثانى الذى بسببه حصلت الاثنينية فيرجع إلى أن التجديد الثانى لا أجر له، و يمكن أن يراد بالتوضى بالغسلة. (مراد) وقال بعض المحشين: لا حاجة في توجيه كلام الصدوق (ره) إلى التكلف الذى ارتكبه الفاضل التفرشى: بل يمكن توجيهه بان المراد من التوضأ مرتين هو التجديد الواحد، وقوله " بغير الذى امر به " أى امرا واجبا كما هو المتبادر وقوله " ووعد الاجر عليه " أى على وجه اللزوم.
وقوله " فلا يستحق الاجر " أى أجرا لازما، فلا ينافى كونه مأمورا به على وجه الندب وايصال النفع اليه من حيث التفضل، وهذا التوجيه في غاية القرب وهو الظاهر من كلام الصدوق - رحمه الله - أيضا.
وهذا المحشى وجه الحديث بذلك أيضا فيما بعد، فينبغى له حمل كلام الصدوق - رحمه الله - عليه أيضا من غير تكلف فتدبر.