باب علة وجوب خمس صلوات في خمس مواقيت

643 روي عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام أنه قال: " جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان مما سأله أنه قال: أخبرني

[212]

عن الله عزوجل لاي شئ فرض الله عزوجل هذه الخمس الصلوات في خمس مواقيت على أمتك في ساعات الليل والنهار؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها(1) فإذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبح كل شئ دون العرش بحمد ربي جل جلاله، وهي الساعة(2) التي يصلي علي فيها ربي جل جلاله ففرض الله علي وعلى أمتي فيها الصلاة، وقال: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل "(3) وهي الساعة التي يؤتى فيها بجهنم يوم القيامة، فما من مؤمن يوافق تلك الساعة أن يكون ساجدا أو راكعا أو قائما إلا حرم الله جسده على النار، وأما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل آدم عليه السلام فيها من الشجرة فأخرجه الله عزوجل من الجنة فأمر الله عزوجل ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة واختارها لامتي فهي من أحب الصلوات


______________
(1) الظاهر أن المراد بتلك الحلقة دائرة نصف النهار، ولا ريب أنها مختلفة بالنسبة إلى البقاع والبلاد ويختلف أوقات صلاة أهلا، فالمراد بقوله: " يسبح كل شئ " تسبيح أهل كل بقعة في وقت بلوغ الشمس إلى نصف نهارها، وأما صلاة الله تعالى على النبى صلى الله عليه وآله في تلك الساعة فانما يعتبر إلى نصف نهار بلده أو يلتزم تكرارها بتكرار نصف النهار، وأما ايتان جهنم في تلك الساعة فالمراد بلوغ نصف نهار الحشر فتأمل. (سلطان) وقال الفاضل التفرشى: فان قلت: السؤال ليس مختصا بالنبى صلى الله عليه وآله ولا باله الحرمين بل عام بالنسبة إلى جميع الامة وظاهر أن الزوال مختلف بالنسبة إلى البقاع التى تختلف طولها فلا يختص الزوال بوقت معين كما يستفاد من ظاهر العبادة.
قلنا: يمكن الحمل على أنها تدخل في الحلقة في نصف النهار من أول المعمورة وتخرج عنها في آخرها فكل جزء من ذلك الوقت زوال بالنسبة إلى اهل بقعة تصل الشمس إلى نصف نهارها، فاهل كل بقعة كانوا في ساعتهم راكعين وساجدين حرم الله عزوجل جسدهم على النار، ولا يبعد أن يراد بالحلقة مجرى الشمس في الفلك كمجرى الحوت في الماء - ا ه‍. ولفظ " دون " في قوله صلى الله عليه وآله " دون العرش " بمعنى تحت.
(2) الضمير تعود إلى مادل عليه سوق الكلام أعنى الوقت الذى أوله الزوال. (مفتاح الفلاح)
(3) دلوك الشمس زوالها. وقيل كانهم انما سموه بذلك لانهم كانوا إذا نظروا اليها ليعرفوا انتصاف النهار يدلكون عيونهم بأيديهم فالاضافة لادنى ملابسة. و " غسق الليل " منتصفه كما تقدم في رواية زرارة، لا ظلمة أوله كما قال بعض اللغويين (*)

[213]

إلى الله عزوجل وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات، وأما صلاة المغرب فهي الساعة التي تاب الله عزوجل فيها على آدم عليه السلام، وكان بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب الله عزوجل عليه ثلاثمائة سنة من أيام الدنيا وفي أيام الآخرة يوم كألف سنة ما بين العصر إلى العشاء(1) وصلى آدم عليه السلام ثلاث ركعات ركعة لخطيئته، وركعة لخطيئة حواء وركعة لتوبته(2)، ففرض الله عز وجل هذه الثلاث ركعات على أمتي وهي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء فوعدني ربي عزوجل أن يستجيب لمن دعاه فيها، وهي الصلاة التي أمرني ربي بها في قوله تبارك وتعالى " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون "، وأما صلاة العشاء الآخرة فإن للقبر ظلمة وليوم القيامة ظلمة أمرني ربي عزوجل أمتي بهذه الصلاة لتنور القبر وليعطيني وأمتي النور على الصراط، وما من قدم مشت إلى الصلاة العتمة إلا حرم الله عزوجل جسدها على النار، وهي الصلاة التي اختارها الله تعالى وتقدس ذكره للمرسلين قبلي، وأما صلاة الفجر فإن الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان(3) فأمرني ربي عز وجل أن أصلي قبل طلوع الشمس صلاة الغداة وقبل أن يسجد لها الكافر لتسجد أمتي لله عزوجل وسرعتها أحب إلى الله عزوجل، وهي الصلاة التي تشهدها ملائكة الليل


______________
(1) الظاهر أن المراد بالعشاء هو المغرب، وقوله " ما بين العصر إلى العشاء " بيان لقوله " بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب ". وقوله " في أيام الاخرة يوم كالف سنة " جملة معترضة فائدتها توضيح أن المراد من ثلاثمائة سنة من أيام الدنيا لا أيام الاخرة فان يوم الاخرة كألف سنة من أيام الدنيا ولهذا كانت ما بين عصره إلى المغرب الذى هو قريب إلى ثلث اليوم ثلاثمائة سنة التى هى قريب من ثلث الالف. (سلطان)
(2) " لخطيئته " أي لجبرانها. وقوله " لتوبته " أى شكرا لقبولها. (مراد)
(3) في النهاية في الحديث " الشمس تطلع بين فرنى الشيطان " أى ناحيتى رأسه و جانبيه، وقيل: بين قرنيه أى أمتيه الاولين والاخرين وقيل: القرن: القوة أى حين تطلع يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها. وكل هذا تمثيل لمن يسجد للشمس عند طلوعها، فكأن الشيطان سول له ذلك فاذا سجد لها كان كأن الشيطان مقترن بها. انتهى. وفى بعض النسخ " تطلع بين قرن شيطان " وفى بعضها " تطلع بين قرنى شيطان ". (*)

[214]

وملائكة النهار ".
وعلة أخرى لذلك وهي:
644 ما رواه الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " لما أهبط آدم من الجنة ظهرت به شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدمه(1) فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر به، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: ما يبكيك يا آدم؟ فقال: من هذه الشامة التي ظهرت بي، قال: قم يا آدم فصل فهذا وقت الصلاة الاولى(2)، فقام فصلى، فانحطت الشامة إلى عنقه(3)، فجاء‌ه في الصلاة الثانية فقال: قم فصل يا آدم فهذا وقت الصلاة الثانية، فقام فصلى فانحطت الشامة إلى سرته، فجاء‌ه في الصلاة الثالثة فقال: يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الثالثة، فقام فصلى فانحطت الشامة إلى ركبتيه، فجاء‌ه في الصلاة الرابعة فقال: يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الرابعة، فقام فصلى فانحطت الشامة إلى قدميه، فجاء‌ه في الصلاة الخامسة فقال: يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الخامسة، فقام فصلى فخرج منها فحمد الله وأثنى عليه، فقال جبرئيل عليه السلام: يا آدم مثل ولدك في هذه الصلوات كمثلك في هذه الشامة، من صلى من ولدك في كل يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة ". علة أخرى لوجوب الصلاة:
645 كتب الرضا علي بن موسى عليهما السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: " إن علة الصلاة أنها إقرار بالربوبية لله عزوجل، وخلع الانداد، وقيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة والخضوع و الاعتراف، والطلب للاقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الارض كل يوم إعظاما لله جل جلاله وأن


______________
(1) في بعض النسخ " شامة سوداء من وجهه إلى قرنه فطال " وفى بعض النسخ " وطال ".
والشامة علامة تخالف لون البدن، وأثر أسود في البدن.
(2) لعل المراد بها صلاة الظهر اذ في عدة أحاديث أنها أول صلاة فرضت.
(3) المراد بالانحطاط على نسخة " إلى قرنه " الانتقال. وعلى نسخة " إلى قدمه " الزوال فتأمل. (سلطان) (*)

[215]

يكون ذاكرا غير ناس ولا بطر(1)، ويكون خاشعا متذللا راغبا طالبا للزيادة في الدين والدنيا مع ما فيه من الايجاب والمداومة على ذكر الله عزوجل بالليل والنهار، لئلا ينسى العبد سيده ومدبره وخالقه فيبطر ويطغى ويكون ذلك في ذكره لربه جل وعز وقيامه بين يديه زاجرا له عن المعاصي ومانعا له من أنواع الفساد "(2).
وقد أخرجت هذه العلل مسندة في كتاب علل الشرائع والاحكام والاسباب.


______________
(1) البطر: الطغيان بالنعمة، وكراهة الشئ من غير أن يستحق الكراهية، وهنا على صيغة الفاعل بفتح الموحدة وكسر المهملة: المترف بالنعمة والطاغى.
(2) الظاهر أن ما في هذا الخبر علة وجوب الصلاة في كل يوم وما سبق علة تكرارها في أوقات اليوم، فلا تكرار.