باب فرض الصلاة

600 قال زرارة بن أعين: قلت لابي جعفر عليه السلام: " أخبرني عما فرض الله تعالى من الصلوات؟ قال: خمس صلوات في الليل والنهار، قلت له: هل سماهن الله وبينهن في كتابه؟ فقال: نعم قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وآله: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " ودلوكها زوالها، ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل(3) أربع صلوات سماهن الله وبينهن ووقتهن، وغسق الليل انتصافه، ثم قال: " وقرآن الفجر


______________
(3) دلكت الشمس دلوكا غربت أو اصفرت أو مالت، أو زالت عن كبد السماء. وغسق الليل شدة ظلمته. (القاموس) (*)

[196]

إن قرآن الفجر كان مشهودا " فهذه الخامسة.
وقال في ذلك: " أقم الصلوة طرفي النهار " وطرفاه المغرب والغداة " وزلفا من الليل " وهي صلاة العشاء الآخرة، وقال: " حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى " وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وهي وسط صلاتين بالنهار(1) صلاة الغداة وصلاة العصر، وقال في بعض القراء‌ة " حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى [و] وصلاة العصر وقوموا لله قانتين "(2) في صلاة الوسطى، وقيل: أنزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر، وأضاف للمقيم ركعتين وإنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي صلى الله عليه وآله يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الامام فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربعا كصلاة الظهر في سائر الايام.
601 - وقال الصادق عليه السلام " في قول الله عزوجل: " إن الصلاة كانت على المؤمنين


______________
(1) قال الفاضل التفرشى: فعل هذا يكون الوسطى من التوسط وقد يفسر بالفضلى من قولهم للافضل أوسط.
(2) في بعض النسخ " والصلاة الوسطى صلاة العصر " بدون الواو، وروى احمد بن حنبل عن اسحاق، عن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبى يونس مولى عائشة قال: أمرتنى أن اكتب لها مصحفا وقالت: إذا بلغت هذه الاية " حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى " فآذنى، فلما بلغتها آذنتها فأملت على " حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وصلوة العصر وقوموا لله قانتين " وهكذا رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك، وقال ابن جرير حدثنى ابن المثنى عن الحجاج عن حماد، عن هشام بن عروة عن أبيه قال: " كان في مصحف عائشة " حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وهى صلاة العصر ". وهكذا رواه من طريق الحسن البصرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قرأها كذلك. وقد روى الامام مالك أيضا عن زيد بن أسلم عن عمرو بن نافع قال: كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبى صلى الله عليه وآله فقالت إذا بلغت هذه الاية فآذنى " حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى " فلما بلغتها آذنتها، فأملت على " حافظوا على الصلوات الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " وهكذا رواه محمد بن اسحاق بن يسار وزاد كما حفظتها من النبى صلى الله عليه وآله وأورد ابن جرير هذا الخبر بطرق عديدة وكما ترى في كلها عطف صلاة العصر على الوسطى بواو العطف التى تقتضى المغايره، وفى قبالها أخبار اخر تقضى عدم المغايرة، روى ابن جرير باسناده عن عروة قال: كان في مصحف عائشة " حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى هى صلوة العصر " وهكذا من طريق الحسن البصرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قرأها كذلك.
وروى أبوداود في سننه مسندا عن على عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في يوم الخندق: " حبسونا عن الصلاة الوسطى صلوة العصر، ملاء الله بيوتهم وقبورهم نارا ".
ورواه مسلم في صحيحه من طريق محمد بن طلحة ولفظه " شغلونا عن الصلوة الوسطى صلوة العصر - الحديث ". وفى سنن النسائى " شغلونا عن الصلوة الوسطى حتى غربت الشمس ".
وفى تفسير الكشاف: في قراء‌ة ابن عباس وعائشة مع الواو وفى قراء‌ة حفصة بدون الواو.
وفى الكافى ج 3 ص 271 أيضا هكذا " وفى بعض القراء‌ة " حافظوا على الصلوات والصلوة [و] الوسطى صلوة العصر - الاية ". وفى التهذيب مع العاطف.

[197]

كتابا موقوتا " قال: مفروضا "(1).
602 وقال عليه السلام " إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري به أمره ربه بخمسين صلاة، فمر على النبيين نبي نبي لا يسألونه عن شئ حتى انتهى إلى موسى بن عمران عليه السلام، فقال: بأي شئ أمرك ربك؟ فقال: بخمسين صلاة، فقال: اسأل ربك التخفيف فإن امتك لا تطيق ذلك، فسأل ربه فحط عنه عشرا، ثم مر بالنبيين نبى نبى لا يسالونه عن شى، حتى مر بموسى بن عمران عليه السلام فقال: بأى شى أمرك ربك؟ فقال بأربعين صلاة، فقال: اسأل ربك التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك، فسأل ربه فحط عنه عشرا، ثم مر بالنبيين نبي نبي لا يسألونه عن شئ حتى مر بموسى [بن عمران] عليه السلام فقال: بأي شئ أمرك ربك؟ فقال: بثلاثين صلاة، فقال: اسأل ربك التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك، فسأل ربه عزوجل فحط عنه عشرا ثم مر بالنبيين نبي نبي لا يسألون عن شئ حتى مر بموسى بن عمران عليه السلام فقال: بأي شئ أمرك ربك؟ فقال: بعشرين صلاة، فقال: اسأل ربك التخفيف فإن أمتك


______________
(1) المفروض تفسير الموقوف على ما يجيئ في حديث زرارة والفضل وان أمكن هنا كونه تفسيرا للكتاب فان " كتب " جاء بمعنى " فرض " في قوله تعالى " كتب عليكم الصيام ". (مراد) (*)

[198]

لا تطيق ذلك، فسأل ربه فحط عنه عشرا، ثم مر بالنبيين نبي نبي لا يسألونه عن شئ حتى مر بموسى بن عمران عليه السلام فقال: بأي شئ أمرك ربك؟ فقال: بعشر صلوات، فقال: اسأل ربك التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني جئت إلى بني إسرائيل بما افترض الله عزوجل عليهم فلم يأخذوا به ولم يقروا(1) عليه، فسأل النبي صلى الله عليه وآله ربه عزوجل فخفف عنه فجعلها خمسا، ثم مر بالنبيين نبي نبي لا يسألونه عن شئ حتى مر بموسى عليه السلام فقال له: بأي شئ أمرك ربك؟ فقال: بخمس صلوات، فقال: اسأل ربك التخفيف عن أمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فقال: إني لاستحي أن أعود إلى ربي، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس صلوات، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: جزى الله موسى بن عمران عن أمتي خيرا، وقال الصادق عليه السلام: جزى الله موسى [بن عمران] عنا خيرا "(2).
603 وروي عن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال: " سألت أبي سيد العابدين عليه السلام فقلت له: يا أبة أخبرني عن جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله لما عرج به إلى السماء وأمره ربه عزوجل بخمسين صلاة كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران عليه السلام: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فقال: يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقترح على ربه عزوجل فلا يراجعه في شئ يأمره به، فلما سأله موسى عليه السلام ذلك وصار شفيعا لامته إليه لم يجز له أن يرد شفاعة أخيه موسى عليه السلام فرجع إلى ربه عزوجل فسأله التخفيف إلى أن ردها إلى خمس صلوات، قال: فقلت له: يا أبة فلم لم يرجع إلى ربه عزوجل ولم يسأله التخفيف من خمس صلوات وقد سأله موسى عليه السلام أن يرجع إلى ربه عزوجل و


______________
(1) في بعض النسخ " ولم يقووا ".
(2) هذا الخبر مشهور بين العامة والخاصة. واستشكل بالنسخ قبل وقت الفعل بانه يلزم البداء واجيب بأنه يمكن أن تكون الفائدة الشكر على التخفيف وسعى المكلفين فيما أمكنهم من الصلوات فان الصلاة قربان كل تقى. (م ت).

[199]

يسأله التخفيف؟ فقال: يا بني أراد عليه السلام أن يحصل لامته التخفيف مع أجر خمسين صلاة لقول الله عزوجل: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " ألاترى أنه عليه السلام لما هبط إلى الارض نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: [لك] إنها خمس بخمسين(1) " ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد(2) " قال: فقلت له: ياأبة أليس الله جل ذكره لا يوصف بمكان؟ فقال: بلى تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، قلت: فما معنى قول موسى عليه السلام لرسول الله صلى لله عليه وآله: إرجع إلى ربك؟ فقال: معناه معنى قول إبراهيم عليه السلام " إني ذاهب إلى ربي سيهدين " ومعنى قول موسى عليه السلام " وعجلت إليك رب لترضى " ومعنى قوله عزوجل: " ففروا إلى الله " يعني حجوا إلى بيت الله، يا بني إن الكعبة بيت الله فمن حج بيت الله فقد قصد إلى الله، والمساجد بيوت الله فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه، والمصلي ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي الله عزوجل فإن لله تبارك وتعالى بقاعا في سماواته، فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه(3) ألا تسمع الله عزوجل يقول: " تعرج الملائكة والروح


______________
(1) يمكن أن يكون اشارة إلى مراده سبحانه في أول الامر حيث أمر بخمسين كان هذا أى خمس صلوات تعدل خمسين وهذا أحد توجيهات البداء وهو أن يأمر المكلف بما يوهم خلاف المراد ثم يظهر المراد، ويحتمل أن يكون تأكيدا لما قبله من الكلام أى ما وعد من ثواب خمسين ما يبدل فان الله لا يخلف وعده وليس بظلام للعبيد، والله اعلم. (سلطان)
(2) يعنى ما قرر الله لهم خمسين صلاة فلو بدله ولم يعطهم هذا الثواب لكان ظلما عظيما ولذا نفى كونه ظلاما للعبيد بصيغة المبالغة لانه أى ظلم يقع منه يكون كثيرا لا أنه نفى مبالغة الظلم حتى يلزم منه الظلم. (م ت) وقال الفاضل التفرشى: ربط الاية بالسابق اما باعتبار أنه لا يخلف الميعاد فيعطى بالخمس ثواب الخمسين البته، واما باعتبار أن مراده بفرض خمسين فرض ما ثوابه ثواب خمسين فلم يتبدل القول.
(3) انما يحتاج إلى هذا التصحيح الرجوع الجسمانى والمعراج البدنى كما هو الواقع والا فالرجوع إلى الله تعالى بحسب القلب احتمال ظاهر. (سلطان) (*)

[200]

إليه "، ويقول [الله] عزوجل في قصة عيسى بن مريم عليهما السلام: " بل رفعه الله إليه " ويقول الله عزوجل: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ".
وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب المعارج(1).
والصلاة في اليوم والليلة إحدى وخمسون ركعة، منها الفريضة سبع عشرة ركعة الظهر أربع ركعات وهي أول صلاة فرضها الله عزوجل، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والغداة ركعتان، فهذه سبع عشرة ركعة فريضة وما سوى ذلك سنة ونافلة، ولا تتم الفرائض إلا بها، أما نافلة الظهرين فست عشرة ركعة، ونافلة المغرب أربع ركعات بعدها بتسليمتين، وأما الركعتان بعد العشاء الآخره من جلوس فإنهما تعدان بركعة، فإن أصاب الرجل حدث قبل أن يدرك آخر الليل ويصلي الوتر يكون قد بات على الوتر(2)، وإذا أدرك آخر الليل صلى الوتر بعد صلاة الليل.
604 وقال النبي صلى الله عليه وآله: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر "(3).


______________
(1) ذكروا للمؤلف - رحمه الله - كتابا باسم المعراج ولعله هو.
(2) " يصلى الوتر " الظاهر أنه عطف على " يدرك " والمراد أن من أصابه حدث ومانع عن ادراك آخر الليل وصلاة الوتر فقد بات على الوتر فلا يكون خارجا عن قوله عليه السلام: " من كان يؤمن بالله واليوم الاخر " وأما من أدرك آخر الليل ويقدر على الوتر فيصلى الوتر بعد صلاة الليل، وقد نقل عن شيخنا البهائى أنه جعل الواو للحال في قوله " ويصلى الوتر " وحمل الوتر على الوتيرة وهو بعيد كما لا يخفى. (سلطان)
(3) حمل أبوحنيفة الوتر على معناه المشهور فذهب إلى وجوب الوتر بعد العشاء الاخرة فالمصنف - رحمه الله - اورده في هذا المقام تنبيها على ان المراد بالوتر ههنا الوتيرة كذا قال شيخنا البهائى - رحمه الله - ويمكن حمله على تاكد الاستحباب للوتر في مقامه المقرر. (سلطان) (*)

[201]

وصلاة الليل ثماني ركعات والشفع ركعتان [والوتر ركعة](1) وركعتا الفجر، فهذه إحدى وخمسون ركعة، ومن أدرك آخر الليل وصلى الوتر مع صلاة الليل لم يعد الركعتين من جلوس بعد العشاء الآخرة شيئا، وكانت الصلاة له في اليوم و الليلة خمسين ركعة، وإنما صارت خمسين ركعة لان ساعات الليل إثنتا عشرة ساعة وساعات النهار إثنتا عشرة ساعة، وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة(2) فجعل الله عزوجل لكل ساعة ركعتين.
605 وقال زرارة بن أعين: قال أبوجعفر عليه السلام: " كان الذي فرض الله عزوجل على العباد عشر ركعات وفيهن القراء‌ة وليس فيهن وهم يعني سهو فزاد رسول الله صلى الله عليه وآله سبعا وفيهن السهو، وليس فيهن القراء‌ة(3)، فمن شك في الاولتين أعاد


______________
(1) ليس في أكثر النسخ هذه الجملة وكانه سقط من النساخ أو حذفوها زعما أن الوتيرة هى الوتر، والحق أن الوتيرة صلاة مستقلة غير نافلة العشاء ولذلك لا تسقط في السفر، بل هى بدل عن الوتر احتياطا كما صرح بذلك كله في كتاب علل الشرايع في حديث.
(2) هذا التقسيم في كلامه - رحمه الله - مأخوذ من رواية رواها الكلينى - رحمه الله - في الكافى ج 3 ص 477 والمؤلف نفسه في العلل والخصال أيضا ويمكن أن يكون وقع موافقا لاعتقاد السائل لانه روى أنه كان نصرانيا وصار ذلك سببا لاسلامه وكيف كان أمره سهل ولا مشاحة في الاصطلاح سيما في تقسيم الساعات.
وقد حكى سلطان العلماء عن البيرونى أنه نقل في القانون المسعودى عن براهمة هند أن زمان ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس و كذلك ما بين غروب الشمس وغروب الشفق خارج عن الليل والنهار بل هما بمنزلة الفصل المشترك بينهما فلا ينافى هذا ادخال الشارع هذه الساعة في يوم الصوم.
(3) فان قيل: زيادته صلى الله عليه وآله ان كانت بغير أمر الله واذنه يكون منافيا لقوله تعالى " وما ينطق عن الهوى " وان كانت بامره تعالى وارادته فلا فرق بين الاولتين والاخيرتين قلنا: نختار الشق الاخير والفرق بينهما باعتبار أن الركعتين الاولتين مأمور بهما حتما والاخيرتين مفوضتان فوضهما إلى النبى صلى الله عليه وآله فله أن يزيدهما وأن لا يزيدهما، فلما اختار الزيادة شرع لها أحكاما تخصها.
والمراد بالسهو في هذا الحديث الشك وسيصرح به، يعنى لا تقبل هذين الركعتين شكا بل الشك موجب لبطلانهما.
وقوله " ليس فيهن قراء‌ة " أى لا يتعين البتة قراء‌ة الحمد فيهن بل يتخير المصلى بين الحمد والتسبيح والتسبيح أفضل على ما يستفاد من الاخبار. هذا، والمشهور أن المغرب أيضا لا يدخلها السهو.

[202]

حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في الاخيرتين عمل بالوهم.
606 وقال زرارة والفضيل: قلنا لابي جعفر عليه السلام: " أرأيت قول الله عزوجل " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا "؟ قال: يعني كتابا مفروضا "، وليس يعني وقت فوتها إن جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاة مؤداة(1) ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود عليه السلام حين صلاها بغير وقتها، ولكنه متى ما ذكرها صلاها".
قال مصنف هذا الكتاب: إن الجهال من أهل الخلاف يزعمون أن سليمان عليه السلام اشتغل ذات يوم بعرض الخيل حتى تورات الشمس بالحجاب، ثم أمر برد الخيل وأمر بضرب سوقها وأعناقها وقتلها، وقال: إنها شغلتني عن ذكر ربي، وليس كما يقولون جل نبي الله سليمان عليه السلام عن مثل هذا الفعل لانه لم يكن للخيل ذنب فيضرب سوقها وأعناقها لانها لم تعرض نفسها عليه ولم تشغله وإنما عرضت عليه وهي بهائم غير مكلفة والصحيح في ذلك:
607 ما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إن سليمان بن داود عليه السلام عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل فاشتغل بالنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب فقال للملائكة: ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتى في وقتها(2) فردوها، فقام فمسح ساقيه وعنقه، وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك، وكان ذلك وضوء‌هم للصلاة، ثم قام فصلى فلما فرغ غابت الشمس وطلعت النجوم، ذلك قول الله عزوجل " ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق


______________
(1) العامة يقولون: الصلاة موقوتة أى موقتة ان جاز ذلك الوقت لا يصح الصلاة في وقت غير ذلك الوقت المعين ولا يقولون بقضاء الصلاة ومستندهم تلك الاية الشريفة فلذلك قال عليه السلام في تفسيره مفروضا ردا لمذهبهم (كذا في هامش نسخة).
(2) ظاهره ينافى ما مر في خبر زرارة والفضيل.

[203]

مسحا بالسوق والاعناق ".
وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب الفوائد.
608 وقد روي " أن الله تبارك وتعالى رد الشمس على يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام حتى صلى الصلاة التي فاتته في وقتها ".
609 وقال النبي صلى الله عليه وآله: " يكون في هذه الامة كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و [حذو] القذة بالقذة "(1).
وقال عزوجل: " سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا " وقال عزوجل: " ولا تجد لسنتنا تحويلا "، فجرت هذه السنة في رد الشمس على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في هذه الامة، رد الله عليه الشمس مرتين، مرة في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله، ومرة بعد وفاته صلى الله عليه وآله، أما في أيامه صلى الله عليه وآله:
610 - فروي عن أسماء بنت عميس أنها قالت: " بينما رسول الله صلى الله عليه وآله نائم ذات يوم ورأسه في حجر علي عليه السلام ففاتته العصر حتى غابت الشمس فقال: " اللهم إن عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس " قالت أسماء: فرأيتها والله غربت ثم طلعت بعد ما غربت ولم يبق جبل ولا أرض طلعت عليه حتى قام علي عليه السلام فتوضأ وصلى ثم غربت "(2).
وأما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله فإنه:
611 روي عن جويرية بن مسهر أنه قال: " أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن -


______________
(1) القذذ: ريش السهم والواحد القذة - بالضم - وفى القاموس القذة اذن الانسان و الفرس.
(2) كان ذلك في وقعة بنى النضير حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وآله ست ليال بايامها في مسجد هناك يعرف بمسجد الفضيخ وفى ذلك المسجد في تلك الايام اتفق رد الشمس لامير المؤمنين عليه السلام، وفى بعض الاخبار كان ذلك بالصهباء من أرض خيبر، فكيف كان أخرجه جمع من الحفاظ باسانيدهم وشدد جمع منهم النكير على من ضعفه أو غمز فيه.

[204]

أبي طالب عليه السلام من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل(1) حضرت صلاة العصر فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الناس، فقال علي عليه السلام: أيها الناس إن هذه أرض ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرات وفي خبر آخر مرتين وهي تتوقع الثالثة وهي إحدى المؤتفكات(2)، وهي أول أرض عبد فيها وثن، وإنه لا يحل لنبي ولا لوصي نبي أن يصلي فيها، فمن أراد منكم أن يصلي فليصل، فمال الناس عن جنبي الطريق يصلون وركب هو عليه السلام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله ومضى، قال جويرية فقلت: والله لاتبعن أمير المؤمنين عليه السلام ولاقلدنه صلاتي اليوم، فمضيت خلفه فوالله ما جزنا جسر سوراء(3) حتى غابت الشمس فشككت، فالتفت إلي وقال: ياجويرية أشككت؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل عليه السلام [عن] ناحية فتوضأ ثم قام فنطق بكلام لا أحسنه إلا كأنه بالعبراني، ثم نادى الصلاة فنظرت الله إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير(4) فصلى العصر وصليت معه، فلما فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان فالتفت إلي وقال: يا جويرية بن مسهر الله عزوجل يقول: " فسبح باسم ربك العظيم " وإني سألت الله عزوجل باسمه العظيم فرد علي الشمس.
وروي أن جويرية لما رأى ذلك قال: [أنت] وصي نبي ورب الكعبة ".
612 وقال سليمان بن خالد للصادق عليه السلام: " جعلت فداك أخبرني عن الفرائض التي فرض الله عزوجل على العباد ما هي؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلوات الخمس، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان والولاية.
فمن أقامهن وسدد وقارب واجتنب كل منكر(5) دخل الجنة ".


______________
(1) اسم موضع بالعراق قرب الحلة المزيدية اليوم وبالقرب منه مسجد الشمس.
(2) مدائن قوم لوط أهلكها الله بالخسف.
(3) سورى وسوراء بلدة بارض بابل وبها نهر يقال له: نهر سوراء.
وفى القاموس سورى موضع بالعراق من بلد السريانيين وموضع من أعمال بغداد وقد يمد.
(4) صريصر صرا وصريرا: صوت وصاح شديدا.
(5) في النهاية في الحديث " قاربوا وسددوا " أى اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة وهو القصد في الامر والعدل فيه. وفى بعض النسخ " واجتنب كل مسكر ".

[205]

613 وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: " إن أفضل ما يتوسل به المتوسلون الايمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وكلمة الاخلاص فانها الفطرة، وإقام الصلاة فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض الله عزوجل، والصوم فإنه جنة من عذابه، وحج البيت فإنه منفاة للفقر ومدحضة(1) للذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال ومنسأة في الاجل(2)، وصدقة السر فإنها تطفئ الخطيئة وتطفئ غضب الله عزوجل وصنايع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء وتقي مصارع الهوان(3) لا فاصدقوا فإن الله مع الصادقين، وجانبوا الكذب فإنه يجانب الايمان ألا إن الصادق على شفا منجاة وكرامة، ألا إن الكاذب على شفا مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيرا تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الامانة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحام، من قطعكم، وعودوا بالفضل على من حرمكم "(4).
614 وروي عن معمر بن يحيى قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إذا جئت بالخمس الصلوات لم تسأل عن صلاة، وإذا جئت بصوم شهر رمضان لم تسأل عن صوم ".
615 وروي عن عائذ الاحمسي أنه قال: " دخلت على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أريد أن اسأله عن الصلاة فبدأني فقال: إذا لقيت الله عزوجل بالصلوات الخمس لم يسألك عما سواهن "(5).


______________
(1) دحضت الحجة دحضا بطلت وزالت.
(2) نسأت الشئ: أخرته. ومثراة أى مكثرة له.
(3) اى من البلاء التى لا يمكن الخلاص منها ويصير به حقيرا بين الناس وكالاتهام بالاكاذيب وأمثالها أو الذنوب التى يهان بها عند الله وعند أوليائه. (م ت)
(4) من العائدة أى تعفوا بالمعرف والصلة والاحسان على من حرمكم، وحرمه الشئ يحرمه حرمانا من باب ضرب ويحتمل أن يكون العود بمعنى الرجوع أو بالتشديد من التعود أى اجعلوا عادتكم الفضل. (سلطان)
(5) أى من النوافل، وقيل مطلقا تفضلا وليس بشئ. والحديث كما رواه الشيخ رحمه الله عليه في التهذيب عن الحسن بن موسى الحناط هكذا قال: " خرجنا أنا وجميل ابن دراج وعائذ الاحمسى حجاجا فكان عائذ كثيرا ما يقول لنا في الطريق: أن لى إلى أبى عبدالله عليه السلام حاجة اريد أن أسأله عنها فأقول له حتى نلقاه فلما دخلنا عليه سلمنا وجلسنا فأقبل علينا بوجهه مبتديا فقال: " من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عما سوى ذلك " فغمزنا عائذا فلما قلنا ما كانت حاجتك؟ قال: الذى سمعتم، قال: وكيف كانت هذه حاجتك؟ فقال: أنا رجل لا اطيق القيام بالليل فخفت أن أكون ماخوذا فاهلك ".

[206]

616 وروي عن مسعدة بن صدقة أنه قال: " سئل أبوعبدالله عليه السلام ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة تسميه كافرا؟ وما الحجة في ذلك؟ فقال: لان الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لانها تغلبه، وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافا بها وذلك لانك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذ لاتيانه إياها قاصدا إليها، وكل من ترك الصلاة قاصدا لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذة، فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف، وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر"(1).
617 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ليس مني من استخف بصلاته، ولا يرد علي الحوض لا والله، ليس مني من شرب مسكرا لا يرد علي الحوض لا والله ".
618 وقال الصادق عليه السلام: " إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة ".
619 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من اتقى على ثوبه في صلاته فليس لله اكتسى "(2).


______________
(1) يدل بظاهره على أن تارك الصلاة كافر وان لم يكن متسحلا اذ لو اعتبر الاستحلال لا يبقى بين ترك الصلاة وفعل الزنا مع الاستحلال فرق. (سلطان) أقول: ولعل الكفر في ترك الصلاة بمعنى غير المصطلح يعنى ما يقرب من الكفر كما في بعض الاخبار الكفر على خمسة معان ومنها ترك ما أمر الله به.
(2) لعل المراد أنه لا يصلى حفظا لثوبه عن التنقص في الصلاة باعتبار وصوله إلى التراب ونحو ذلك أو أنه يشتغل في صلاته بحفظ ثوبه فيمنعه ذلك الاشتغال عن اقباله على الله (مراد) وفى بعض النسخ " من أبقى " وقال سلطان العلماء: أى ترك الزينة واللباس الفاخر في حال الصلاة محافظة وابقاء للثياب أو ترك الصلاة ابقاء للثياب التي لبسها لخوف اندراسها وقال: وكذلك نسخة " اتقى ".
و " فليس الله اكتسى " أى بل اكتسى للكبر والرياء والسمعة.

[207]

620 وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: " فرض الله عزوجل الصلاة وسن رسول الله صلى الله عليه وآله عشرة أوجه: صلاة السفر، وصلاة الحضر، وصلاة الخوف على ثلاثة أوجه، وصلاة كسوف الشمس والقمر، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، والصلاة على الميت ".
621 وقال الصادق عليه السلام: " السجود على الارض فريضة وعلى غير الارض سنة "(1).


______________
(1) في الذكرى: الظاهر أن المراد بالسنة هنا الجائز لا أنه أفضل.
ولا يخفى بعده بل الظاهر أن المراد بالسنة ما ثبت بالحديث، فان السجود على غير الارض من النباتات ثبت بالحديث، والمراد بالفريضة ما ثبت بالقرآن بناء على أن المراد بالسجود وضع الجبهة على الارض كما في اللغة وهو مستفاد من القرآن وبذلك استدل العلامة في المنتهى. (سلطان)