باب التعزية والجزع عند المصيبة وزيارة القبور والنوح والمأتم(2)

502 قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من عزى زينا كسي في الموقف حلة يحبر بها "(3).
503 وروي عن هشام بن الحكم أنه قال: " رأيت موسى بن جعفر عليهما السلام


______________
(1) في بعض النسخ " فارقتنا ".
(2) المأتم في الاصل: مجتمع الرجال والنساء في الغم والفرح، ثم خص باجتماع النساء للموت وقيل هو للشواب من النساء لا غير (النهاية) ويطلق على الطعام للميت (في)
(3) في الكافى " يحبا بها " من الحباء بمعنى العطاء. وفى الصحاح الحبر: الحبور وهو السرور، يقال: حبره يحبره - بالضم - حبر أو حبرة. وقال تعالى: " فهم في روضة يحبرونه " أى ينعمون ويكرمون ويسرون. (*)

[174]

يعزي قبل الدفن وبعده ".
504 وقال الصادق عليه السلام: " التعزية الواجبة بعد الدفن ".
505 وقال عليه السلام: " كفاك من التعزية بأن يراك صاحب المصيبة ".
506 وأتى أبوعبدالله عليه السلام قوما قد أصيبوا بمصيبة فقال: " جبر الله وهنكم وأحسن عزاكم(1)، ورحم متوفاكم، ثم انصرف ".
507 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " التعزية تورث الجنة ".
508 و " عزى الصادق عليه السلام رجلا بابن له فقال له عليه السلام: الله خير لابنك منك، وثواب الله خير لك منه.
فبلغه جزعه بعد ذلك فعاد إليه فقال له: قد مات رسول الله صلى الله عليه وآله أفما لك به أسوة ! فقال له: إنه كان مراهقا(2)، فقال له: إن أمامه ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله، ورحمة الله، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله، فلن تفوته واحدة منهن شاء الله عزوجل ".
509 وروى أبوبصير عن الصادق عليه السلام أنه قال: " ينبغي لصاحب الجنازة أن لا يلبس رداء، وأن يكون في قميص حتى يعرف، وينبغي لجيرانه أن يطعموا عنه ثلاثة أيام "(3).
510 وقال عليه السلام: " ملعون معلون من وضع رداء‌ه في مصيبة غيره ".
511 و " لما قبض علي بن محمد العسكري عليهما السلام رئي الحسن بن علي عليهما السلام قد خرج من الدار وقد شق قميصه من خلف وقدام ".


______________
(1) الوهن: الضعف في العمل ويحرك والفعل كوعد وورث وكرم (القاموس)، وقوله: " أحسن عزاكم " أى صبركم.
(2) المراهق: الغلام الذى قارب الحلم، وفى بعض النسخ " مرهقا " من باب التفعيل كما في ثواب الاعمال ص 236 والكافى ج 3 ص 204 وهو الذى يأتى المحارم من شرب الخمر ونحوه وكأنه خاف عليه أن يعذب.
(3) في الكافى ج 3 ص 217 باسناده عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: " يصنع لاهل الميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات ".
وعن أبى بصير عنه عليه السلام قال: " ينبغى لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا الطعام [عنه] ثلاثة أيام ".

[175]

512 و " قد وضع رسول الله صلى الله عليه وآله رداء‌ه في جنازة سعد بن معاذ رحمه الله فسئل عن ذلك، فقال: إني رأيت الملائكة قد وضعت أرديتها فوضعت ردائي ".
513 وقال الصادق عليه السلام: " لولا أن الصبر خلق قبل البلاء لتفطر المؤمن كما تتفطر البيضة على الصفا ".
514 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أربع من كن فيه كان في نور الله عزوجل الاعظم: من كان عصمة أمره(1) شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ومن إذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ومن إذا أصاب خيرا قال: الحمد لله رب العالمين "، ومن أصاب خطيئة قال: " أستغفر الله وأتوب إليه ".
515 وقال أبوجعفر عليه السلام: " ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته ويصبر حين تفجأه المصيبة إلا غفر الله له ما مضى من ذنوبه إلا الكبائر(2) التي أوجب الله عزوجل عليها النار، وكلما ذكر مصيبته فيما يستقبل من عمره فاسترجع عندها وحمد الله عزوجل عندها، غفر الله له كل ذنب اكتسبه فيما بين الاسترجاع الاول إلى الاسترجاع الاخير إلا الكبائر من الذنوب ".
516 وروى أبوبصير، عن أبي جعفر عليه السلام(3) أنه قال: " إن ملكا(4) موكلا بالمقابر، فإذا انصرف أهل الميت من جنازتهم عن ميتهم أخذ قبضة من تراب فرمى


______________
(1) في الصحاح " العصمة: المنع، يقال عصمه الطعام أى منعه من الجوع، والعصمة: الحفظ، يقال: عصمته فانعصم، واعتصمت بالله إذا امتنعت بلطفه من المعصية ".
فالمراد من يمنعه الشهادتان عن ارتكاب ما لا ينبغى ارتكابه ليحفظ عن المكاره في الدنيا والعقاب في القيامة أو حفظتاه عنه، أو اعتصم بهما لا يفارقهما. (مراد)
(2) لعل المراد بالكبائر ما يوجب الكفر ولذا قال: " أوجب عليها النار " ولم يقل أوعد الله عليه. (سلطان)
(3) في بعض النسخ " عن أبى عبدالله عليه السلام ".
(4) خبر " أن " محذوف أى لله أولنا ملكا موكلا المقابر (سلطان) ويسمى هذا الملك المنسية.

[176]

بها في آثارهم، ثم قال: " انسوا ما رأيتم " فلولا ذلك ما انتفع أحد بعيش ".
517 وقال الصادق عليه السلام: " من أصيب بمصيبة جزع عليها أو لم يجزع صبر عليها أم لم يصبر كان ثوابه من الله عزوجل الجنة ".(1)
518 وقال عليه السلام: " ثواب المؤمن من ولده إذا مات الجنة، صبر أو لم يصبر "(2).
519 وقال عليه السلام: " من قدم ولدا كان خيرا له من سبعين يخلفهم بعده، كلهم قد ركب الخيل وقاتل في سبيل الله عزوجل ".
520 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا يدخل الجنة رجل ليس له فرط، فقال له رجل ممن لم يولد له ولم يقدم ولدا: يا رسول الله أو لكنا فرط؟ فقال: نعم إن من فرط الرجل المؤمن أخاه في الله عزوجل ".
521 و " قال صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام حين قتل جعفر بن أبي طالب: لا تدعي بذل ولا ثكل ولا حرب، وما قلت فيه فقد صدقت ".(3)
522 وروى مهران بن محمد عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إن الميت إذا مات بعث الله عزوجل ملكا إلى أوجع أهله عليه فمسح على قلبه فأنساه لوعة الحزن، لولا ذلك لم تعمر الدنيا "(4).


______________
(1) لا يخفى أنه بظاهره ينافى ما سبق من تعليق غفران الذنوب الا الكبائر بالصبر والاسترجاع فلابد من توجيه أحدهما مثل أن يقال بعدم اعتبار المفهوم مما سبق، أو تخصيص الثانى بمصيبة خاصة، أو يقال: غفران الذنوب مرتبة فوق دخول الجنة. (سلطان)
(2) يدل على أن الجزع لا يحبط أجر المصيبة، ويمكن حمله على ما إذا لم يقل ولم يفعل ما يسخط الرب تعالى، أو عدم الاختيار. (المرآة)
(3) الثكل - الضم -: الموت والهلاك وفقدان الحبيب. والحرب - بالتحريك -: مساوق الحزن والطعنة والسلب، وفى القاموس: لما مات حرب بن أمية قالوا " واحربا " باسكان الراء - ثم ثقلوا فقالوا " واحربا " بالتحريك. والحرب: الغضب أيضا. أى لا تقولى: واذلاه واثكلاه، واحرباه، وان كان ما قلت في حق جعفر حقا.
(4) لوعة الحزن: حرقته في القلب. وفى بعض النسخ " لم تقم الدنيا " وفى الكافى كما في المتن.

[177]

523 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا قبض ولد المؤمن والله أعلم بما قال العبد(1) فيسأل الملائكة: قبضتم ولد فلان المؤمن، فيقولون: نعم ربنا، فيقول: فماذا قال عبدي المؤمن؟ فيقولون: حمدك ربنا واسترجع، فيقول الله عزوجل: ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ".
524 و" لما مات إسماعيل بن جعفرخرج الصادق عليه السلام فتقدم السرير بلاحذاء ولارداء".(2)
525 و " كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا رأى جنازة قال: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم "(3).
526 وقال الصادق عليه السلام: " لما مات إبراهيم(4) ابن رسول الله صلى الله عليه وآله قال النبي صلى الله عليه وآله: حزنا عليك يا إبراهيم وإنا لصابرون، يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الرب ".
527 وقال عليه السلام: " إن النبي صلى الله عليه وآله حين جاء‌ته وفاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام وزيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا ويقول: كانا يحدثاني ويؤانساني فذهبا جميعا ".
528 وقال عليه السلام: " إن البلاء والصبر يستبقان إلى المؤمن فيأتيه البلاء وهو صبور(5)، وإن الجزع والبلاء يستبقان إلى الكافر فيأتيه البلاء وهو جزوع ".


______________
(1) هذا لرفع توهم أن سؤاله تعالى لعدم علمه بل هو أعلم من ملائكته بما قال، ولكن يسأل ذلك لكثير من المصالح. (المرآة)
(2) رواه الشيخ في التهذيب بسند حسن كالصحيح. ويدل على الجواز.
(3) اخترم فلان عنا - مبنيا للمفعول -: مات، اخترمته المنية: أخذته. واخترمهم الدهر وتخرمهم أى اقتطعهم واستأصلهم. وفسر السواد بالشخص وبعامة الناس.
(4) ابراهيم هذا كان ابن رسول الله من مارية القبطية، وولد المدينة في ذى الحجة سنة ثمان ومات في ذى الحجة سنة عشر وقيل: الربيع الاول سنة عشر. (المرآة)
(5) أى صبور باتيانه كالمتراهنين يريد كل منهما أن يسبق الاخر حتى أن البلاء لا يسبق الصبر بل انما يرد مع ورود الصبر أو بعده، وكذا الجزع والبلاء بالنسبة إلى الكافر.

[178]

529 وروي عن الكاهلي(1) أنه قال: " قلت لابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: إن امرأتي وأختي هي امرأة محمد بن مارد تخرجان في المآتم فأنهاهما، فقالتا لي: إن كان حراما انتهينا عنه وإن لم يكن حراما فلم تمنعنا فيمتنع الناس من قضاء حقوقنا(2) فقال عليه السلام: عن الحقوق تسألني كان أبي عليه السلام يبعث أمي وأم فروة تقضيان حقوق أهل المدينة ".(3)
530 وقال الصادق عليه السلام: " لا يسأل في القبر إلا من محض الايمان محضا أو محض الكفر محضا، والباقون ملهو عنهم إلى يوم القيامة "(4).
531 وسأله سماعة بن مهران " عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها، فقال: أما زيارة القبور فلا بأس بها، ولا ينبى عندها مساجد ".
532 وقال النبي صلى الله عليه وآله: " لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا فإن الله عز وجل لعن اليهود حين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".(5)
533 وسأل جراح المدايني أبا عبدالله عليه السلام " كيف التسليم على أهل القبور فقال: [تقف و] تقول: " السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، رحم الله


______________
(1) الطريق إلى عبدالله بن يحيى الكاهلى صحيح الا أن عبدالله هو لا يخلو من كلام.
(2) أى لاى شئ تمنعنا وذلك يوجب أن يمنع الناس من قضاء حقوقنا أى من أن يأتوا بما يستحق منهم بسبب ما حاق بنا باعتبار الاشتراك في الانسانية والجوار والاسلام. (مراد)
(3) يعنى أن من حقوق أهل الايمان بعضهم على بعض التعزية ند المصيبة والتهنئة عند النعمة فما سؤالك اياى الاعن الحقوق اللازمة، كان أبى عليه السلام يبعث أمى وأم فروة بقضاء الحقوق.(م ح ق)(4) " محض الايمان " على صيغة الفعل أى أخلص الايمان، ويحتمل أن يكون بصيغة المصدر أى لا يسأل الا من الايمان والكفر، ولعل الاول أظهر. وقوله " ملهو عنهم " كناية عن عدم التعرض لهم إلى يوم القيامة لما سوى الايمان والكفر من الاعمال.
(5) السند قوى، ويمكن أن يكون الوجه فيه أنه قد يسجد على القبر وهو يشبه ما لو سجد لصاحب القبر، ولعل منع الناس من اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد ذلك لان احتمال وقوع السجدة لصاحب القبر فيهم أقوى منه قى قبور غيرهم. (مراد) وقال العلامة المجلسى: النهى عن بناء المساجد في المقابر يمكن أن يكون باعتبار كراهة الصلاة فيها، أو باعتبار تضييق المكان على الاموات، أو باعتبار تغيير الوقف إذا كان وقفا للمقبرة، والنهى الوارد عن اتخاذ قبر النبى صلى الله عليه وآله قبلة ومسجدا يمكن أن يكون المراد به أن لا تجعلوه بمثل الكعبة ولا تسجدوا عليه كالكعبة كما فعلته اليهود في قبور أنبيائهم، أو يكون نهيا عن المحاذات اليهم في الصلاة لئلا يصير بمرور الايام قبلة كالكعبة، وكذا النهى عن الصلاة في البيت الذى فيه القبر، هذا كله على تقدير صحة الخبر، ويحتمل أن يكون وروده تقية لما روى عن عائشة. انتهى. وقال الشهيد - رحمه الله - في الذكرى: هذه الاخبار رواها الصدوق والشيخان وجماعة المتأخرين في كتبهم ولم يستثنوا قبرا ولا ريب أن الامامية مطبقة على مخالفة القضيتين من هذه احداهما البناء والاخرى الصلاة في المشاهد المقدسة، فيمكن القدح في هذه الاخبار لانها آحاد وبعضها ضعيف وقد عارضها أشهر منها - انتهى وقال العلامة المجلسى: نستثنى من هذا الحكم (يعنى النهى عن البناء وكذا الصلاة في بيت فيه قبر) قبور الانبياء والائمة عليهم السلام لاطباق الناس على البناء على قبورهم من غير نكير واستفاضة الروايات بالترغيب في ذلك بل لا يبعد استثناء قبور العلماء والصلحاء أيضا استضعافا لسند المنع والتفاتا إلى كون ذلك تعظيما لشعائر الاسلام وتحصيلا لكثير من المصالح الدينية كما لا يخفى.
انتهى أقول: في مزار البحار أخبار تؤيد هذا القول ويفهم منها جواز البناء حول قبور الائمة عليهم السلام والصلاة عند قبرهم بل رجحانهما فليراجع وقد قال على بن الحسين عليهما السلام: " كانى بالقصور وقد شيدت حول قبر الحسين عليه السلام وكأنى بالاسواق قد حفت حول قبره - الخ ".

[179]

المستقدمين منا والمستأخرين(1) وإنا إن شاء الله بكم لا حقون ".
534 و " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مر على القبور قال: " السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ".
535 وقال أمير المؤمنين عليه السلام لما دخل المقابر: " يا أهل التربة ويا أهل الغربة أما الدور فقد سكنت وأما الازواج فقد نكحت وأما الاموال فقد قسمت


______________
(1) في بعض النسخ " المتقدمين منا والمتأخرين ".
على أهل الديار من المؤمنين " المراد بالديار ديار الغربة، و " من " بيانية أى الذين هم المؤمنون، أو تبعيضية. (مراد) (*)

[180]

فهذا خبر ما عندنا(1) وليت شعري ما عندكم، ثم التفت إلى أصحابه وقال: لو أذن لهم في الجواب لقالوا إن خير الزاد التقوى ".
536 و " وقف رسول الله صلى الله عليه وآله على القتلى ببدر وقد جمعهم في قليب(2) فقال: يا أهل القليب إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ ! فقال المنافقون: إن رسول الله يكلم الموتى، فنظر إليهم فقال: لو أذن لهم في الكلام لقالوا: نعم وإن خير الزاد التقوى ".
537 و " كانت فاطمة عليها السلام تأتي قبور الشهداء كل غداة سبت فتأتي قبر حمزة فتترحم عليه وتستغفر له ".(3)
538 وقال الصادق عليه السلام: " إذا دخلت الجبانة(4) فقل: السلام على أهل الجنة ".
539 وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " إذا دخلت المقابر فطأ القبور(5) فمن كان مؤمنا استروح إلى ذلك(6)، ومن كان منافقا وجد ألمه ".
540 وروي عن محمد بن مسلم أنه قال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام: الموتى


______________
(1) في بعض النسخ " فهذا آخر ما عندنا ".
(2) القليب البئر قبل أن يطوى يذكر ويؤنث، وقيل: البئر العادية القديمة. (الصحاح)
(3) رواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 121 مسندا عن الصادق عليه السلام.
(4) الجبان والجبانة - بضم الجيم وشد الباء -: الصحراء وتسمى بها المقابر لانها تكون في الصحراء تسمية للشئ باسم موضعه. (النهاية)
(5) ذكر الشهيد - رحمه الله - في الذكرى أحاديث تدل على منع المشى على القبور و حمله على الكراهة، ثم قال: وزاد الشيخ كراهة الاتكاء عليه والمشئ ونقله في المعتبر.
فما نقله المؤلف - رحمه الله - عن الكاظم عليه السلام يمكن حمله على القاصد زيارتهم بحيث لا يتوصل إلى القبر الا بالمشى على الاخر، ويقال: يختص الكراهة بالقعود لما فيه من اللبث المنافى للتعظيم.
(6) استروح: وجد الراحة كاستراح. (القاموس) (*)

[181]

نزورهم؟ فقال: نعم، قلت: فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ فقال: إي والله إنهم ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم، قال: قلت: فأي شئ نقول إذا أتيناهم؟ قال: قل: " اللهم جاف الارض عن جنوبهم وصاعد إليك أرواحهم، ولقهم منك رضوانا، وأسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم، وتؤنس به وحشتهم، إنك على كل شئ قدير ".
541 وقال الرضا عليه السلام: " ما من عبد [مؤمن] زار قبر مؤمن فقرأ عنده إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات إلا غفر الله له ولصاحب القبر "(1).
542 وسأل إسحاق بن عمار أبا الحسن الاول عليه السلام " عن المؤمن يزور أهله(2) فقال: نعم، قال: في كم؟ فقال: على قدر فضائلهم، منهم من يزور في كل يوم، ومنهم من يزور في كل يومين، ومنهم من يزور في كل ثلاثة أيام قال: ثم رأيت في مجرى كلامه أنه يقول: أدناهم جمعة(3)، فقال له: في أي ساعة؟ قال: عند زوال الشمس أو قبيل ذلك فيبعث الله معه ملكا يريه ما يسر به يستر عنه ما يكرهه فيرى سرورا ويرجع إلى قرة عين "(4).
543 وروى حفص بن البختري عن أبي عبدالله عليه السلام " أن الكافر يزور أهله فيرى ما يكرهه ويستر عنه ما يحب ".
544 وقال صفوان بن يحيى لابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " بلغني أن المؤمن إذا أتاه الزائر آنس به، فإذا انصرف عنه استوحش، فقال: لا يستوحش ".


______________
(1) رواه في ثواب الاعمال باسناده عن احمد بن محمد قال: " كنت انا وابراهيم بن هاشم في بعض المقابر اذ جاء إلى قبر فجلس مستقبل القبلة، ثم وضع يده على القبر فقرأ سبع مرات " انا انزلناه " ثم قال: حدثنى صاحب هذا القبر - وهو محمد بن اسماعيل بن بزيع - انه من زار قبر مؤمن فقرأ عنده سبع مرات " انا أنزلناه " غفر الله له ولصاحب القبر ".
(2) أى المؤمن الميت يزور أهله الاحياء.
(3) أى أدناهم يزور جمعة واريد بها الاسبوع لا اليوم المخصوص بقرينة الكلام.
(4) أى يرجع قرير العين مسرورا.

[182]

545 وقال أبوجعفر عليه السلام: " يصنع للميت مأتم(1) ثلاثة أيام من يوم مات ".
546 و " أوصى أبوجعفر عليه السلام بثمانمائة درهم لمأتمه، وكان يرى ذلك للسنة، لان رسول الله صلى عليه وآله وسلم قال: اتخذوا لآل جعفر بن أبي طالب طعاما فقد شغلوا ".
547 و " أوصى أبوجعفر عليه السلام أن يندب في المراسم عشر سنين ".
548 وقال الصادق عليه السلام: " الاكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية والسنة البعث إليهم بالطعام كما أمر به النبي صلى الله عليه وآله في آل جعفر بن أبي طالب عليه السلام لما جاء نعيه "(3).
549 وقال عليه السلام: " لما قتل جعفر بن أبي طالب عليه السلام(4) أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام أن تأتي أسماء بنت عميس ونساء‌ها وأن تصنع لهم


______________
(1) المأتم - كمشهد -: كل مجتمع في حزن أو فرح، أو خاص بالنساء للموت وقد يطلق على الطعام للميت.
(2) الندب تذكر النائحة للميت بأحسن أوصافه وأفعاله والبكاء عليه، وقد روى الكلينى في الكافى ج 5 ص 117 باسناده عن الصادق عليه السلام قال: " قال أبى: ياجعفر أوقف لى من مالى كذا وكذا النوادب تندبنى عشر سنين بمنى أيام منى "، وذلك يدل على رجحان الندبة عليهم عليهم - السلام واقامة المأتم لهم لما فيه من تشييد حبهم وبغض مخالفيهم في القلوب، والظاهر اختصاصه بهم.
والنوح عليهم سنة جارية بيننا خلافا للعامة فانهم نقلوا أخبارا ظاهرها تحريم النياحة وعلى تقدير صحتها حملت على النوح بالباطل الذى كان عمل الناس في الجاهلية فانهم وصفوا الميت بما ليس فيه وقد يظهر هذا الحمل من أخبارهم أيضا.
(3) النعى: الاخبار بالموت، ونعاه أى أخبر بموته، ويظهر من الخبر كراهة الاكل من طعام صنعه أهل المصيبة لا ما بعث اليهم غيرهم. (م ت)
(4) جعفر بن أبى طالب استشهد بمؤته وهو ابن أربعين سنة أو أقل، ونقل العسقلانى في الاصابة عن الطبرانى أنه اصيب بتسعين جراحة.

[183]

طعاما ثلاثة أيام، فجرت بذلك السنة ".
550 وقال الصادق عليه السلام: " ليس لاحد أن يحد أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها"(1).
551 وسئل عن أجر النائحة، فقال: " لا بأس به [و] قد نيح على رسول الله صلى الله عليه وآله ".
552 وروي أنه قال: " لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا ". وفى خبر آخر قال: " تستحله بضرب إحدى يديها على الاخرى ".
553 و " لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا وبكاء ولم يسمع من دار حمزة عمه فقال صلى الله عليه وآله لكن حمزة لابواكي له، فآلى أهل المدينة(2) أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى يبدؤا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه، فهم إلى اليوم على ذلك ".
554 وقال عمر بن يزيد: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " يصل عن الميت؟ فقال: نعم حتى أنه ليكون في ضيق فيوسع الله عليه ذلك الضيق، يؤتى فيقال له: خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك، قال: فقلت له: فأشرك بين رجلين في ركعتين قال: نعم.
فقال عليه السلام: " إن الميت ليفرح بالترحم عليه والاستغفار له كما يفرح الحي بالهدية تهدى إليه "(3).


______________
_____ (1) أحدت المرأه: امتنعت من الزينة، وكذلك حدت - بشد الدال - والحداد: ثياب المأتم.
(2) آلى يؤلى ايلاء أى حلف.
(3) الاخبار في انتفاع الميت بالصلاة والصوم والحج والصدقة وغيرها من القربات متواترة جدا أوردها الشهيد - رحمه الله - في الذكرى وبسط الكلام ووفى حق المقام. وربما يستشكل بأن ما جاء في تلك الروايات ينافى قوله تعالى: " وأن ليس لانسان الا ما سعى " واجيب تارة بأن الاية منسوخ الحكم في شريعتنا لقوله تعالى " ألحقنا بهم ذريتهم " يعنى برفع الدرجة ورفع درجة الذرية مما لم يستحقوها بأعمالهم ونحو هذا. وقال بعضهم: ان ذلك لقوم ابراهيم وموسى فأما هذه الامة فلهم ما سعى غيرهم نيابة عنهم، وهو كما ترى. وتارة بعدم التنافى بيانه أن القربات والاعمال الصالحة التى ينتفع بها المؤمن بعد موته على أقسام، قسم منها كالصدقة الجارية وبناء المساجد والعلم الذى ينتفع به الناس وما شابهها فلا كلام في أنها تكون من عمله وسعيه فمجزى بها بعد موته، وقسم له دخل ما في تحققه وان لم يكن في ظاهر الامر من عمله كالوصية بأنواع الخير فهو أيضا يعد من سعيه ويشمله عموم " ما سعى " لانه ان لم يوص لم يتحقق، أو كالولد البر التقى الذى أدبه في أيام حياته فيدعو له بعد موته ويصلى ويصوم ويحج عنه فهو أيضا من كسبه كما جاء في النبوى صلى الله عليه وآله " ان أطيب ما أكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه ". وقسم لا دخل للميت في وقوعه على الظاهر كاستغفار المؤمنين له والاعمال الصالحة التى تهدى اليه مثوباتها فذاك اما مرتبط بسعيه في الدخول في زمرة المؤمنين وتكثير سوادهم و تأييد ايمانهم الذى من آثاره ما يأتون به من القربات والخيرات كما في قوله تعالى: " و الذى جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان " واما مرتبط باحسانه ومحبته اليهم في حياته فهو أيضا نتيجة احسانه ومحبته ويشمله عموم السعى أيضا. وقسم لا يتصور للميت أى مدخل فيه كتبرع ذوى قرباه أو غيرهم له لا من جهة أنه من المؤمنين بل من أجل القرابة في النسب فحسب أو لمحبوبية التبرع عن الغير عند الشارع ورجحانه عند الله تعالى فهذا أيضا لا ينافى حكم الاية التشريعى لان لكل عمل عبادى ثوابا مقررا عند الله تعالى يصل إلى العامل جزاء لعمله وسعيه لا محالة تفضلا كان أو استحقاقا، فحينئذ إذا أهدى العامل ثواب عمله إلى شخص عينه وسأل الله سبحانه حوالته وأعطى أجره من كان يريده فلا منافاة لان ذلك جزاء علم المحيل لا غيره. هذا من افادات استاذنا المعظم السيد محمد كاظم الموسوى دام ظله العالى. هذا وراجع في تحقيق آخر للكلام ج 2. ص 461.

[184]

ويجوز أن يجعل الرجل حجته(1) أو عمرته أو بعض صلاته أو بعض طوافه لبعض أوله وهو ميت وينتفع به حتى أنه ليكون مسخوطا عليه فيغفر له، ويكون مضيقا عليه فيوسع له(2)، ويعلم الميت بذلك، ولو أن رجلا فعل ذلك عن ناصب


______________
(1) الظاهر أنه يفعل ذلك نيابة عن الميت، ويحتمل أن يجعل للميت ثواب ما فعله سابقا. (مراد)
(2) السخط خلاف الرضا، ولعل المراد بالضيق تضيق القبر وضغطته، وبالتوسع توسعه ورفع الضغطة، ويحتمل العموم. (مراد) (*)

[185]

لخفف عنه(1)، والبر والصلة والحج يجعل للميت والحي، فأما الصلاة فلا تجوز عن الحي(2).
555 وقال عليه السلام: " ستة يلحقن المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسه، وصدقة ماء يجريه(3)، وقليب يحفره، وسنة يؤخذ بها من بعده ".
556 وقال عليه السلام: " من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا اضعف له أجره ونفع الله به الميت ".
557 وقال عليه السلام: " يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء، ويكتب أجره للذي يفعله وللميت ".
558 " ولما مات(4) ذر بن أبي ذر رحمة الله عليه وقف أبوذر على قبره فمسح القبر بيده، ثم قال: رحمك الله يا ذر والله إن كنت بي لبرا ولقد قبضت وإني عنك لراض، والله ما بي فقدك وما علي من غضاضة(5) وما لي إلى أحد سوى الله من حاجة، ولولا هول المطلع(6) لسرني أن أكون مكانك، ولقد شغلني الحزن


______________
(1) يمكن أن يكون محمولا على المبالغة بمعنى أنه لو أمكن انتفاعه لا نتفع، لكن يتسحيل انتفاعه لان النفع مشروط بالايمان ولا أقل من الاسلام وهو خارج عن الدين ضرورة، الا أن يراد بالناصب غير المعادى كما هو شايع في الاخبار من اطلاق الناصب فيمكن انتفاعهم بفضل الله تعالى. (م ت)
(2) الا صلاة الطواف فانها جزاء للحج.
(3) في بعض النسخ " صدقة ما يجريه " فحيئنذ يشمل الماء غيره. (مراد)
(4) رواه الكلينى في الكافى ج 3 ص 250 عن على بن ابراهيم القمى مرفوعا مقطوعا.
(5) اى ليس على بأس وحزن من فقدك وموتك، أو ما وقع بى فقدك مكروها والحاصل ليس بى حزن فقدك. والغضاضة: الذلة والمنقصة والغيظ.
(6) المطلع - بتشديد الطاء المهملة والبناء للمفعول -: أمر الاخرة وموقف القيامة أو ما يشرف عليه عقيب الموت فشبه بالمطلع الذى يشرف عليه من موضع عال.

[186]

لك(1) عن الحزن عليك، والله ما بكيت لك ولكن بكيت عليك(2)، فليت شعري ما قلت وما قيل لك؟ اللهم إني قد وهبت له ما افترضت عليه من حقي فهب له ما افترضت عليه من حقك فأنت أحق بالجود مني والكرم ".


______________
(1) أى في أمر الاخرة وقوله " عن الحزن عليك " أى على مفارقتك.
(2) قوله " ما بكيت لك " أى فراقك و " بكيت عليك " أى للاشفاق عليك، أو على ضعفك وعجزك عن الاهوال التى أمامك.