باب صفة غسل الجنابة

قال أبي رضي الله عنه في رسالته إلي: إذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول ليخرج ما بقي في إحليلك من المني، ثم اغسل يديك ثلاثا(4) من قبل أن


______________
(4) الظاهر الاستحاب وان لم يكن من الاناء وان تأكد الاستحباب في الاناء قبل ادخال اليد فيه لرفع النجاسة الوهمية، والظاهر حصول الاستحباب بالمرة والمرتين وان كان الثلاث أفضل. (م ت) (*)

[82]

تدخلهما الاناء وإن لم يكن بهما قذر، فإن أدخلتهما الاناء وبهما قذر(1) فأهرق ذلك الماء، وإن لم يكن بهما قذر فليس به بأس، وإن كان أصاب جسدك مني فاغسله عن بدنك، ثم استنج واغسل وأنق فرجك(2)، ثم ضع على رأسك ثلاث أكف من ماء، وميز الشعر بأناملك(3) حتى يبلغ الماء إلى أصل الشعر كله.
وتناول الاناء بيدك وصبه على رأسك وبدنك مرتين، وامرر يدك على بدنك كله، وخلل أذنيك بإصبعيك، وكلما أصابه الماء فقد طهر(4) فانظر أن لا تبقى شعرة من رأسك ولحيتك إلا [و] يدخل الماء تحتها، ومن ترك شعرة من الجنابة لم يغسلها متعمدا فهو في النار(5).


______________
(1) المراد بالقذر هنا النجس.
(2) قوله " استنج " أى بعد ما غسلت المنى عن بدنك غير محل الاستنجاء.
وقوله " اغسل " لبيان أن ازالة المنى عن محل الاستنجاء ان كان قد وصل اليه لا يكون الا بالماء.
ويمكن ان يراد بالاستنجاء ما كان بالمسحات الثلاث فيكون جمع الغسل معه للاستحباب. وقوله " أنق " تأكيد للفعل. (مراد)
(3) هذا قبل الغسل من باب المقدمة الاحتياطية ليصل الماء حين الفعل إلى أصل الشعر بلا مشقة.
(4) المراد بالاصابة الجريان، فلا يوجب التقديم والتأخير في الجانبين، لكن المشهور تقديم اليمين على اليسار كما هو ظاهر حسنة زرارة " قال: كيف يغتسل الجنب؟ فقال: ان لم يكن أصاب كفه شئ غمسها في الماء، ثم بدء بفرجه فأنقاه بثلاث غرف، ثم صب على رأسه ثلاث اكف، ثم صب على منكبه الايمن، وعلى منكبه الايسر مرتين، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه " الكافى ج 3 ص 43 فكما أن الظاهر تقديم الرأس على اليمين تقديم اليمين على اليسار وان لم يدل عليه اللفظ لغة. ويمكن أن يستدل على وجوب تقديم جانب اليمين بما دل من الاخبار على أن غسل الميت كغسل الجنابة ويجب الترتيب فيه اجماعا كما صرح به في المعتبر.
(5) الظاهر أن المراد مقدار شعره أو ما تحت الشعر لان الظاهر أنه لم يقل أحد بوجوب غسل الشعر. (م ت) (*)

[83]

ومن ترك البول على أثر الجنابة أو شك أن يتردد بقية الماء في بدنه فيورثه الداء الذي لا دواء له.
ومن أحب أن يتمضمض ويستنشق في غسل الجنابة فليفل وليس ذلك بواجب(1) لان الغسل على ما ظهر لا على ما بطن، غير أن الرجل إذا أراد أن يأكل أو يشرب قبل الغسل لم يجز له إلا أن يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق فإنه إن أكل أو شرب قبل أن يفعل(2) ذلك خيف عليه [من] البرص(3).
178 وروي " أن الاكل على الجنابة يورث الفقر "(4).
179 وقال عبيد الله بن علي الحلبي(5) " سئل أبوعبدالله عليه السلام عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال: يكره ذلك حتى يتوضأ ".
180 وفي حديث آخر قال: " أنا أنام على ذلك حتى أصبح وذلك أني أريد أن أعود "(6).
181 وقال(7) عن أبيه عليهما السلام: " إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب


______________
(1) ظاهره عدم الاستحباب ويحمل على عدم الوجوب للاخبار الكثيرة بالامر بهما وأقل مراتبه الاستحباب. (م ت)
(2) في بعض النسخ " أن يغسل " وأقول: راجع الوسائل باب استحباب المضمضة والاستنشاق قبل الغسل.
(3) كما رواه الكلينى - رحمه الله - في الكافى ج 3 ص 51.
(4) رواه المصنف في الخصال ص 505 مسندا عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(5) طريق الصدوق - رحمه الله - اليه صحيح (كما في الخلاصة للعلامة - رحمه الله -) وكتابه معروض على الصادق عليه السلام ومدحه، وأصحاب الحديث يعتبرونه غاية الاعتبار وكانه عندهم بمنزلة المسموع عنه عليه السلام. (م ت)
(6) ذكر هذا الخبر هنا لبيان الجواز وفيه اشعار بعدم الكراهة لمن يريد العود.
(7) تتمة حديث الحلبى - رحمه الله - يعنى أن أبا عبدالله نقل عن أبيه عليهما السلام.

[84]

حتى يتوضأ "(1).
182 وقال: " إني أكره الجنابة حين تصفر الشمس(2) وحين تطلع وهي صفراء.
" 183 قال الحلبي: " وسألته عن الرجل يغتسل بغير إزار حيث لا يراه أحد،: لا بأس به ".
184 وقال: " وسئل عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل أعليه غسل؟ قال: كان علي عليه السلام يقول: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل ".
185 وكان علي عليه السلام يقول: " كيف لا يوجب الغسل والحد يجب فيه(3).
قال: يجب عليه المهر والغسل ".
186 وسئل(4) " عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج(5) أعليها غسل


______________
(1) استدل به على كراهة الاكل والشرب للجنب قبل الوضوء.
(2) كناية عن قربها من الغروب كما أن ما بعدها كناية عن قربها من الطلوع (مراد).
(3) الظاهر أن قوله " كان على " ليس من رواية الحلبى انما هى كما في التهذيب ج 1 ص 33 من رواية زرارة عن أبى جعفر عليه السلام " قال جمع عمر أصحاب النبى صلى الله عليه آله فقال: ما تقولون في الرجل يأتى أهل فيخالطها ولا ينزل؟ فقالت الانصار الماء من الماء، وقال المهاجرون: إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر لعلى عليه السلام: ما تقول ياأبا الحسن؟ فقال عليه السلام: أتوجبون عليه الحد والرجم، ولا توجبون عليه صاعا من الماء، إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر: القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الانصار ".
وهذا الكلام منه عليه السلام لبيان العلل رفعا لاستبعاد القول بايجابه الغسل وليس من القياس المحكوم في مذهب أهل البيت عليهم السلام فلذا صرح بالحكم بعده وقال: " إذا التقى الختانان فقد وجبالغسل ".
(4) هذا من تتمة رواية الحلبى - رحمه الله - كما هو الظاهر من الكافى ج 3 ص 46.
وكذا الخبر الآتى.
(5) الفرج في أصل اللغة الشق بين الشيئين كالفرجة، وكنى به عن السوأة لانفراجها وكثر استعماله حتى صار كالصريح، قال الله تعالى " والذين هم لفروجهم حافظون " والمراد بالفرج في هذا الخبر مطلق السوأة قبلا ودبرا. ويؤيد ما ذكرنا لفظ الخبر في الكافى فان فيه " سألت أبا عبدالله عن المفخذ عليه غسل - الحديث ".
ويراد بالمفخذ من أصاب فيما بين الفخذين من دون ايلاج وفى بعض النسخ " دون ذلك ".

[85]

إن هو أنزل ولم تنزل هي؟ قال: ليس عليها غسل وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل ".
187 وسئل عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل؟ قال: ليتوضأ، وإن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل "(1).
188 وروي في حديث آخر "(2) إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال فليتوضأ ولا يغتسل إنما ذلك من الحبائل ".
قال مصنف هذا الكتاب: إعاد الغسل أصل والخبر الثاني رخصة(3).


______________
(1) يحمل على كون المراد من البلل أحد النواقض يعنى رأى بللا مشتبها بين المنى والبول لا غير، لان البلل الخارج من الاحليل إذا لم يعلم كونه ماذا لايوجب غسلا ولا وضوء‌ا لاصالة البراء‌ة.
(2) هذا الخبر من رواية جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام وليس من رواية الحلبى كما في التهذيب ج 1 ص 40 وحمل على ما إذا كان اجتهد في البول فلم يتأت له فحينئذ لم يلزم اعادة الغسل.
أو يكون ذلك مختصا بمن ترك البول ناسيا كما في خبر أحمد بن هلال المروى في التهذيب ج 1 ص 40 " قال: سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول فكتب ان الغسل بعد البول لان أن يكون ناسيا فلا يعيد ومنه الغسل " وقال لفاضل التفرشى: قوله في الخبر السابق " فليعد الغسل " يمكن حمله على الاستحباب ان لم يقع الاجماع على الوجوب جمعا بينه وبين هذا الخبر من قوله عليه السلام " فليتوضأ ولا يغتسل " أى وجوبا.
وفسر الحبائل بعروق في الظهر، ويستفاد من ذلك استحباب الوضوء ايضا لان موجبه البول دون ما يخرج من الحبائل فوجه استحباب الوضوء احتمال كونه مخلوطا بالبول وفى الغسل احتمال كونه مخلوطا بالمنى.
(3) لعل مراد المصنف - رحمه الله - أن الاعادة هى الواجبة ومادل عليه الخبر الثانى من عدم الغسل للضرورة كأكل الميتة للمضطر ويراد به ما ذكره الشيخ من أن من لم يقدر على البول لا يعيد الغسل فيكون الرخصة لمن هذا شأنه ولا يخفى ما في هذا الحمل لان الرخصة لا وجه لها حينئذ اذ الجامع غير قائم في صورة عدم امكان البول فلا يتم معنى الرخصة وجواب هذا يعلم من معنى الرخصة في الاصول، وبالجملة فمصود المصنف غير واضح ويحتمل أن المراد الرخصة في انسان خاص للضرورة وهو بعيد (شيخ محمد). (*)

[86]

189 وسئل(1) " عن الرجل ينام ثم يستيقظ فيمس ذكره فيرى بللا ولم ير في منامه شيئا أيغتسل؟ قال: لا إنما الغسل من الماء الاكبر "(2).
190 و " عن المرأة(3) ترى في المنام ما ير الرجل، قال: إن أنزلت فعليها الغسل وإن لم تنزل فليس عليها غسل ".
191 قال الحلبي حدثني من سمعه يقول: إذا اغتمس الجنب في الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله "(4).
ومن أجنب في يوم أو في ليلة مرارا أجزأه غسل واحد إلا أن يكون يجنب بعد الغسل أو يحتلم، فإن احتلم فلا يجامع حتى يغتسل من الاحتلام(5).
ولا بأس بأن يقرأ الجنب القرآن كله ما خلا العزائم التي يسجد فيها وهي سجدة لقمان(6) وحم السجدة، والنجم، وسورة اقرأ باسم ربك.


______________
(1) من تتمة رواية الحلبى على الظاهر.
(2) هذا يدل على عدم وجوب الغسل بالبلل لتوقفه على العلم بكون ذلك من الماء الاكبر (مراد) والحصر اضافى بالنسبة إلى المياه التى تخرج من مخرج البول ومحمول على ما لم يعلم كونه منيا.
(3) من تتمة رواية الحلبى - رحمه الله - كما هو الظاهر من التهذيب ج 1 ص 34 الكافى ج 3 ص 48.
(4) يفهم منه أن الاصل في الغسل الترتيب، والارتماس مجز عنه، وظاهر الاخبار أنه لا يحتاج إلى نية الترتيب والان الترتيب الحكمى يحصل منه كما ذكره جماعة من الاصحاب والظاهر أنه إذا كان أكثره في الماء أيضا وغمس في الماء بعد النية أو نوى بعد الغمس يكفى ولا يحتاج إلى الخروج عن الماء وان كان أحوط. (م ت)
(5) لم يقل: أو يتوضأ كما في كثير من الكتب فلعله لم يصل اليه دليل على ارتفاع الكراهة بالوضوء. (مراد)
(6) أى سورة السجدة التى بعد سورة لقمان وهى الم تنزيل.

[87]

ومن كان جنبا أو على غير وضوء فلا يمس القرآن، وجائز له أن يمس الورق أو يقلب له الورق غيره ويقرأ هو ويذكر الله عزوجل.
ولا يجوز للحائض والجنب أن يدخلا المسجد إلا مجتازين(1) ولهما أن يأخذا منه وليس لهما أن يضعا فيه شيئا(2) لان ما فيه لا يقدران على أخذه من غيره وهما قادران على وضع ما معهما في غيره.
وإذا أرادت المرأة أن تغتسل من الجنابة فأصابها حيض فلتترك الغسل إلى أن تطهر، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للجنابة والحيض.
ولا بأس بأن يختضب الجنب(3) ويجنب وهو مختضب، ويحتجم، ويذكر الله تعالى، ويتنور، ويذبح، ويلبس الخاتم، وينام في المسجد ويمر فيه(4) ويجنب أول الليل وينام إلى آخره، ومن أجنب في أرض ولم يجد الماء إلا ماء جامدا ولا يخلص


______________
(1) لا نعرف فيه خلافا الا من سلار من أصحابنا فانه كرهه. (منتهى المطلب)
(2) هو مذهب علمائنا أجمع الا سلار فانه كره الوضع (المنتهى)
(3) قال في المنتهى: الخضاب مكروه للجنب وهو اختيار الشيخ والسيد المرتضى والمفيد، وقال ابن بابويه " لا بأس أن يخضب - الخ " فأسند الخلاف اليه - رحمه الله - و يمكن حمل كلامه على نفى التحريم فلا مخالفة.
(4) في التهذيب ج 1 ص 105 عن الحسين بن سعيد عن محمد بن القاسم قال: " سألت ابا الحسن (ع) عن الجنب ينام في المسجد فقال: يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمر فيه ".
وأفتى المصنف - رحمه الله - بمضمون هذا الخبر ولكن الفقهاء حملوه على الضرورة أو على التقية فان جماعة من العامة يستبيحون استيطان المساجد للجنب بالوضوء وبعضهم يجوزه بغير وضوء.
وقال الفاضل التفرشى: قوله " وينام في المسجد " ظاهره يفيد جواز اللبث فيه اذ لابد من النائم فيه أن يلبث زمانا يقظان، الا أن يراد به النوم الذى يحصل له من غير اختيار.

[88]

إلى الصعيد(1) فليصل بالمسح(2)، ثم لا يعد إلى الارض التي يوبق فيها دينه(3).
وقال أبي رحمه الله في رسالته إلي: لا بأس بتبعيض الغسل، تغسل يديك وفرجك ورأسك وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة، ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك، فإن أحدثت حدثنا من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله(4) فإذا بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل رأسك.


______________
(1) خلص اليه الشئ: وصل.
أى لا يظفر بالتراب أو وجه الارض للتيمم ولا يجد طريقا للوصول إلى التراب.
(2) ظاهره أنه يمسح بدنه برطوبة ذلك الجمد أو الثلج فيغتسل بها ويؤيده ما اختار سابقا من أن الوضوء بالثلج جائز، ويحتمل بعيدا كون مراده التيمم على الجمد والثلج (سلطان) وقال التفرشى: ظاهره أن المراد انه يمسح الماء الجامد على بدنه ويغتسل بتلك الرطوبة، ويحتمل أن يريد بالمسح ضرب اليد على وجعله بمنزلة التراب للتيمم، ويؤيد ذلك قوله " ولا يخلص إلى الصعيد " حيث أخره عن التيمم بالصعيد ولو كان المراد الاغتسال به كان مقدما على التيمم.
(3) أوبقه ايباقا: أهلكه.
(4) هذا مذهب الشيخ وابن بابويه، وقال ابن البراج: يتم الغسل ولا شئ عليه.
وهو اختيار ابن ادريس، وقال السيد المرتضى: يتم الغسل ويتوضأ إذا أراد الدخول في الصلاة (سلطان).