باب المياه(1) وطهرها ونجاستها

قال الشيخ السعيد الفقيه أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي مصنف هذا الكتاب رحمة الله عليه: إن الله تبارك وتعالى يقول: " وأنزلنا من السماء ماء طهورا "(2) ويقول عز و جل: " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الارض وإنا على ذهاب به لقادرون "(3).
ويقول عزوجل: " ونزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ".(4) فأصل الماء كله من السماء وهو طهور كله، وماء البحر طهور، وماء البئر طهور.
1 وقال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: " كل ماء طاهر إلا ما علمت أنه قذر ".(5)
2 وقال عليه السلام: " الماء يطهر ولا يطهر "(6). فمتى وجدت ماء ولم تعلم فيه نجاسة فتوضأ منه واشرب، وإن وجدت فيه ما ينجسه فلا تتوضأ منه ولا تشرب إلا في حال الاضطرار فتشرب منه ولا تتوضأ منه وتيمم إلا أن يكون الماء كرا فلا بأس بأن تتوضأ منه وتشرب، وقع فيه شئ أو لم يقع، ما لم يتغير ريح الماء، فإن تغير فلا تشربه(7) ولا تتوض منه.


______________
(1) المياه جمع الماء، قلبت الهاء همزة على خلاف القياس فصار ماء.
(2) الفرقان: 48.
(3) المؤمنون: 18.
(4) الانفال: 11.
(5) القذر - بفتحتين -: الوسخ وهو مصدر ثم استعمل المصدر اسما وجمع على الاقذار والنعت منه - ككتف -: بمعنى النجس.
(6) فسر بأنه يطهر غيره ولا يطهر بغيره لئلا يرد تطهير النجس منه بالجارى والكر.
(7) في بعض النسخ " فلا تشرب منه ". والظاهر أن التغيير بالريح وقع مثالا فان تغيير الطعم واللون كتغيير الريح بالاتفاق وان لم يرد في اخبارنا والموجود في اخبارنا تغيير الريح والطعم فقط كما في صحيحة ابن بزيع " ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا أن يتغير ريحه أو طعمه " نعم نقل المحقق في المعتبر عن النبى صلى الله عليه وآله " خلق الله الماء طهورا ينجسه شئ الا ما ير لونه أو طعمه أو ريحه ". وقال ابن ادريس في أول السرائر انه متفق عليه.
أقول: رواه ابن ماجه في السنن كتاب الطهارة باب الحياض من حديث أبى أمامة الباهلى عن النبى صلى الله عليه وآله أنه قال: " ان الماء لا ينجسه شئ الا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه " ورواه الطبرانى في الاوسط والكبير أيضا كما في مجمع الزوائد.
واخرجه البيهقى في الكبرى ج 1 ص 259 كما مر، وروى نحوه الدارقطنى في السنن من حديث ثوبان عنه صلى الله عليه وآله هكذا " الماء طهور الا ما غلب على ريحه أو على طعمه ".

[6]

والكر ما يكون ثلاثة أشبار طولا، في عرض ثلاثة أشبار، في عمق ثلاثة أشبار.
وبالوزن ألف ومائتا رطل بالمدني(1).
3 وقال الصادق عليه السلام: " إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شئ والقلتان جرتان "(2).
ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد(3).


______________
(1) المشهور في الاشبار ثلاثة أشبار ونصف في مثله من العمق في مثله من العرض. وفى الوزن ألف ومائتا رطل بالعراقى. والمصنف - رحمه الله - اختار في المقدار أقل منه وفى الوزن اكثر منه (سلطان). أقول: لا يخفى ما في قوله: " لم ينجسه " من تصحيف والصواب " لا ينجسه ".
(2) الجرة - بفتح الجيم - ما يقال لها بالفارسية " خمره بزرگ " وقال الشيخ رحمه الله: يحتمل أن يكون ورد مورد التقية، ويحتمل أن يكون مقدار القلتين هو مقدار الكر لان القلة هى الجرة الكبيرة في اللغة انتهى، ونقل في المعتبر عن ابن الجنيد أنه قال: " الكر قلتان و مبلغ وزنه ألف ومائتا رطل " وفى النهاية الاثيرية " القلة: الحب العظيم ". وفى المحكى عن ابن دريد " القلة في الحديث من قلال هجر وهى عظيمة، زعموا أن الوحدة تسع خمس قرب ".
(3) هذا مذهب المؤلف (ره) كما صرح به في الهداية ومستنده رواية يونس عن أبى - الحسن (ع) قال " قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة؟ قال: لا بأس بذلك " وقال صاحب المدارك ص 17: وهو ضعيف لاشتمال سنده على سهل بن زياد وهو غال.
وعلى محمد بن عيسى عن يونس وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد - رحمهما الله - أنه لا يعتمد على حديث محمد ابن عيسى عن يونس، وحكم الشيخ - رحمه الله - في التهذيب والاستبصار بشذوذ هذه الرواية وأن العصابة أجمعت على ترك العمل بظاهرها، ثم أجاب عنها باحتمال أن يكون المراد بالوضوء التحسين والتنظيف او أن يكون المراد الماء الذى وقع فيه الورد، دون المصعد منه أو المعتصر وأما الاستياك - بالكاف - (فافتعال من السوك وهو ذلك الشئ وتحريكه) بمعنى التمصمص - بالمهملتين - فهو الاغتسال من الدنس للتنظيف والتطهير وفى الخبر " القتل في سبيل الله مصمصة " قال في النهاية أى مطهرة من دنس الخطايا. والتأنيث لارادة الشهادة من القتل - انتهى. وفى كثير من النسخ " الاستيال " باللام فهو بمعنى التزيين مطاوع التسويل وهو تحسين الشئ وتزيينه، يعنى به الاغتسال للنظافة والتزيين.

[7]

والماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضأ به، ولا تغتسل به من الجنابة، ولا تعجن به(1) لانه يورث البرص.
ولا بأس بأن يتوضأ الرجل بالماء الحميم الحار(2).
ولا يفسد الماء(3) إلا ما كانت له نفس سائلة.
وكل ما وقع في الماء مما ليس له دم فلا بأس باستعماله والوضوء منه مات فيه أو لم يمت.
فان كان معك إناء‌ان فوقع في أحدهما ما ينجس الماء ولم تعلم في أيهما وقع فأهرقهما جميعا وتيمم.
ولو أن ميزابين سالا: ميزاب بول وميزاب ماء(4) فاختلطا ثم أصاب ثوبك منه لم يكن به بأس.
4 وسأل هشام بن سالم أبا عبدالله عليه السلام " عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء


______________
(1) في بعض النسخ بصيغة الغياب في الثلاثة. وفى الكافى ج 3 ص 15 باسناده عن السكونى عن الصادق (ع) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الماء الذى تسخنه الشمس لا توضؤوا به ولا تغتسلوا به ولا تعجنوا به فانه يورث البرص ".
(2) عدم البأس اما بورود خبر وصل اليه ولم يصل الينا، واما بالعمومات أو بالخبر الذى ورد أن كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهى، نعم ورد جواز الغسل. (م ت)
(3) المراد بالافساد النجاسة أو الاعم من النجاسة ومن عدم جواز الاستعمال. والظاهر أن المراد به القليل كما يظهر من بعض الاخبار، أو الاعم منه ومن البئر كما يظهر من بعضها.
(4) في الكافى ج 3 ص 12 باسناده عن هشام بن الحكم عن أبى عبدالله (ع) " في ميزابين سألا أحدهما بول والاخر ماء المطر، فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضره ذلك " وحمل على ما إذا كان عند نزول المطر ولم يتغير الماء به. (*)

[8]

فيكف(1) فيصيب الثوب، فقال: لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثر منه "(2).
5 وسئل عليه السلام " عن طين المطر يصيب الثوب فيه البول والعذرة والدم، فقال: طين المطر لا ينجس"(3).
6 وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام " عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة، ثم يصيبه المطر أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس به ".
7 وسأله " عن الرجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلي فيه ولا بأس به ".
8 وسأل عمار الساباطي أبا عبدالله عليه السلام "عن القئ يصيب الثوب فلا يغسل فقال: لا بأس به ".
9 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " كل شئ يجتر(4) فسؤره حلال ولعابه حلال ".
10 وأتى أهل البادية رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: " يا رسول الله إن حياضنا هذه تردها السباع والكلاب والبهائم؟ فقال لهم صلى الله عليه وآله: لها ما أخذت أفواهها ولكم سائر ذلك "(5).
وإن شرب من الماء دابة أو حمار أو بغل أو شاة أو بقرة أو بعير فلا بأس باستعماله


______________
(1) وكف البيت بالمطر وكفا ووكوفا: سال قليلا قليلا أو يقطر. وقوله " تصيبه " أى السماء بمطرها، والمراد بالسماء معناه المتعارف.
(2) دفع لتوهم السائل فانه سأل أن السطح إذا كان يبال عليه دائما وينفذ فيه البول كيف يصل اليه ماء المطر وكيف يطهره؟ فاجاب بأن الماء أكثر منه (م ت).
(3) يعنى في حال التقاطر كما يفهم من الحديث الآتى.
(4) في النهاية الاثيرية " الجرة ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثم يبلعه، يقال: اجتر البعير يجتر.
(5) لعله محمول على كرية الحياض فلا يمكن الاستدلال على طهارة القليل ولا على نجاسة السباع لانهم سألوا أن حياضنا تردها الطاهر والنجس فما حكمه. (م ت) (*)

[9]

والوضوء منه.
فإن وقع وزغ في إناء فيه ماء اهريق ذلك الماء(1).
وإن ولغ فيه(2) كلب أو شرب منه أهريق الماء وغسل الاناء ثلاث مرات: مرة بالتراب ومرتين بالماء ثم يجفف(3).
وأما الماء الآجن فيجب التنزه عنه إلا أن يكون لا يوجد غيره(4).
ولا بأس بالوضوء بماء يشرب منه السنور، ولا بأس بشربه.
11 وقال الصادق عليه السلام: " إني لا أمتنع من طعام طعم منه السنور، ولا من شراب شرب منه ".
ولا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي والنصراني وولد الزنا والمشرك وكل من خالف الاسلام، وأشد من ذلك سؤر الناصب. وماء الحمام سبيله سبيل الماء الجاري إذا كانت له مادة(5).
12 وقال الصادق عليه السلام: " في الماء الذي تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب إنه إذا كان قدر كر لم ينجسه شئ "(6).


______________
(1) لعله لاجل سميته لا للنجاسة، والوزغ: سام أبرص.
(2) كذا في نسخة وفى اكثر النسخ " وقع فيه كلب " والمشهور اختصاص التعفير بالولوغ ولعله كان في الاصل " ولغ " فصحف كما يظهر من هامش بعض النسخ ففيه: ولغ الكلب في الاناء أى شرب ما فيه بأطراف لسانه. أو أدخل فيه لسانه وحركه.
(3) لعل التجفيف لازالة الغسالة والا لا سند له.
(4) الاجن: الماء المتغير اللون والطعم. وبمضمونه خبر في الكافى ج 3 ص 4 وقوله " فيجب التنزه " حمل على الوجوب ويمكن حمله على الاستحباب كما هو دأب القدماء من اطلاق الوجوب على الاستحباب المؤكد. ثم اعلم أن هذا إذا كان الماء اجن من قبل نفسه، فاما إذا غيرته النجاسة فلا يجوز استعماله على وجه البتة كما في التهذيب.
(5) في الكافى ج 3 ص 14 باسناده عن بكر بن حبيب عن أبى جعفر عليه السلام قال: " ماء الحمام لا بأس به إذا كانتله مادة ". وقالوا: بشرط أن تكون كرا.
(6) يستدل بمفهومه على نجاسة القليل بالملاعقات.

[10]

13 وقال الصادق عليه السلام: " كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض(1) وقد وسع الله عزوجل عليكم بأوسع ما بين السماء و الارض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون "(2).
فإن دخلت حية في حب ماء وخرجت منه صب من الماء(3) ثلاث أكف، و استعمل الباقي، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة "(4).
ولا بأس بأن يستقى الماء بحبل أتخذ من شعر الخنزير(5).
14 وسئل الصادق عليه السلام " عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به الماء فقال:


______________
(1) لعل ذلك جزاء لبعض أعمالهم كما يفهم من بعض الايات كقوله " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم - الآية " وقوله فبما نقضهم ميثاقهم، والظاهر أن ذلك من بول يصيب أبدانهم من خارج، ويحتمل كون اصل الخبر كما في تفسير على بن ابراهيم هكذا " ان الرجل - من بنى اسرائيل - إذا اصاب شئ من بدنه البول قطعوه " والضمير راجع إلى الرجل يعنى أن بنى اسرائيل تركوه واعتزلوا عنه ولم يعاشروه، لكن الظاهر أن بعض الرواة زعم أن الضمير راجع إلى البول أو البدن ونقله بالمعنى على مزعمته فصار ذلك سببا لوقوع لباحث في الوحل ولا يدرى ما المراد بقرض اللحم.
وهذا الاحتمال الاخير من افادات استاذنا الشعرانى دام ظله العالى.
(2) أى كيف تقومون بشكر هذه النعمة الجسيمة والفضل الكبير فلا تتركوا تطهير جسدكم بالماء ولا تسأموا بل اشكروا الله على تهسيل الازالة.
(3) في بعض النسخ " صب من الاناء ". والحب - بالمهملة -: الخابية.
(4) لم أجد له نصا صريحا ومثله موجود في الفقه الرضوى، نعم روى الشيخ في التهذيب باسناده عن هارون بن حمزة عن أبى عبدالله (ع): قال: " سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه؟ قال: يسكب منه ثلاث مرات، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة " والحكم بكراهة سؤر الحية للشيخ في النهاية وتبعه جماعة، والاظهر عدم الكراهة كما اختاره المحقق في المعتبر لصحيحة على بن جفعر عن - أخيه (ع) راجع التهذيب ج 1 ص 119.
وقوله " وقليله وكثيره بمنزلة واحدة " اى في عدم التنزه بعد الصب، أو في اصل الصب.
(5) الظاهر نفى البأس يتوجه إلى استعمال الحبل في الاستقاء مع بعد الانفكاك عن الملاقاة بالرطوبة لليد أو الماء، او يتوجه إلى ماء البئر وعدم نجاستها بالحبل مع وقوعه فيها.

[11]

لا بأس به "(1).
15 وسئل الصادق عليه السلام " عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء والسمن ما ترى فيه؟ فقال: لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن، وتتوضأ منه وتشرب، ولكن لا تصل فيها "(2).
لا بأس بالوضوء بفضل الجنب والحائض(3) ما لم يوجد غيره، وإن توضأ رجل من الماء المتغير(4) أو اغتسل او غسل ثوبه فعليه إعادة الوضوء والغسل والصلاة وغسل الثوب وكل آنية صب فيها ذلك الماء.
فإن(5) دخل رجل الحمام ولم يكن عنده ما يغرف(6) به ويداه قذرتان(7) ضرب يده في الماء وقال: بسم الله وهذا مما قال الله عزوجل: " وما جعل عليكم في الدين من حرج "(8) وكذلك الجنب إذا انتهى إلى الماء القليل فالطريق ولم يكن معه إناء


______________
_____ (1) يحمل على ن كون السقى لشرب الحيوانات والارضين، لا لاستعمال ما شرطه الطهارة.
أو على نفى البأس عن الاستقاء بجلد الخنزير، وغايته جواز استعماله أو عدم تنجيسه ما يسقى منه أو عدم التعدى كما ذهب اليه بعض.
(2) هذا الخبر مع ارساله شاذ ويعارضه عموم قوله تعالى: " حرمت عليكم الميتة " وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: " لا تنتفعوا من الميتة بشئ " وقول ابى الحسين (ع) للفتح بن يزيد الجرجانى " لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عصب - الخ " وأوله العلامة في المختلف بعد المنع من صحة السند باطلاق الميتة على ما مات بالتذكية، ولعل مراده المذكى من طاهر العين مما لا يؤكل لحمه. لكنه خلاف الظاهر، والاولى حمله على التقية لان العامة قائلون بتطهيره بشرط الدباغة.
ويحتمل كون المراد جلد ما لا نفس له، والحكم بمنع الصلاة فيه اما محمول على ظاهره وهو عدم الجواز كما ذهب اليه جماعة، أو للتنزه كما عليه جمع.
(3) أى بقية غسله أو غسالته.
(4) أى المتغير بالنجاسة.
(5) هذا التفريع ليس في محله ولعله ابدل الواو بالفاء.
(6) في بعض النسخ " يغترف ".
(7) تحمل القذرة على الوسخ والدنسن.
(8) الحج: 78.

[12]

يغرف به ويداه قذرتان يفعل مثل ذلك(1).
16 وسئل علي عليه السلام(2) " أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال: لا، بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب دينكم إلى الله الحنيفية السمحة السهلة(3) ".
فإن اجتمع مسلم مع ذمي في الحمام اغتسل المسلم من الحوض قبل الذمي(4).
ولا يجوز التطهير(5) بغسالة الحمام لانه يجتمع في غسالة اليهودي والمجوسي والنصراني والمبغض لآل محمد عليهم السلام وهو أشرهم.
17 وسئل أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام " عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب منه؟ فقال: لا بأس به "(6).
ولا بأس بالوضوء بالماء المستعمل، وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا توضأ أخذ الناس ما يسقط


______________
(1) في الكافى ج 3 ص 4 باسناده عن محمد بن الميسر قال: " سألت أبا عبدالله (ع) عن الرجل الجنب ينتهى إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه اناء يغرف به ويداه قذرتان؟ قال: يضع يده ويتوضأ ثم يغتسل، هذا مما قال الله عزوجل " ما جعل عليكم في الدين من حرج ".
(2) في بعض النسخ " وسئل الصادق عليه السلام ".
(3) الظاهر أن قوله: " أيتوضأ " مبتدأ خبره " أحب " اما بتقدير " أن " قبله أو بارادة المصدر من الفعل مجازا مثل " تسمع بالمعيدى خير من أن تراه ". وقوله " وضوء المسلمين " الظاهر أن يقرء بفتح الواو أى ماء الوضوء وفضله ما يبقى في الاناء، والحمل على الغسالة بعيد. والركو: دلو صغير، والمراد بالابيض لعله غير مدنس، والمخمر ما شد رأسه والمغطى. والحنيفية المستقيمة والمائلة من الافراط والتفريط إلى الوسط العدل. والسمحة هى الملة التى من فيها بعيد.
(4) استحبابا، أو المراد بالحوض الصغير الذى لم يبلغ الكر.
(5) في بعض النسخ " التطهر ".
(6) لا منافة بين هذه المرسلة - كما في الكافى والتهذيب ج 1 ص 107 أيضا - والذى قبلها لان الاول دال على عدم مطهرية ذلك الماء. وهذا الخبر يدل على كونه طاهرا. (*)

[13]

من وضوئه فيتوضؤوا به.
والماء الذي يتوضأ به الرجل في شئ نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره فيتوضأ به، فأما الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة أو تزال به نجاسة فلا يتوضأ به.
18 وسئل الصادق عليه السلام " عن ماء شربت منه دجاجة فقال: إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم تشرب، وإن لم يعلم في منقارها قذر توضأ منه واشرب.
وكل ما أكل لحمه فلا بأس بالوضوء والشرب من ماء شرب منه، ولا بأس بالوضوء من ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب ما لم ير في منقاره دم، فان رئي في منقاره دم لم يتوضأ منه ولم يشرب "(1).
فإن(2) رعف رجل فامتخط فصار ذلك الدم قطرا صغارا فأصاب إناء‌ه ولم يستبن ذلك في الماء فلا بأس بالوضوء منه(3)، وإن كان شئ بين فيه لم يجز الوضوء منه.
والدجاجة والطير وأشباههما إذا وطئ شئ منها العذرة ثم دخل الماء فلا يجوز الوضوء منه إلا أن يكون الماء كرا.


______________
(1) رواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 65 والكلينى في الكافى ج 3 ص 9 بتقديم و تأخير من حديث موسى بن عمار الساباطى عنه عليه السلام. والباز ضرب من الصقور. و الصقر - بفتح الصاد وسكون القاف -: كل طائر يصيد ما خلا النسر والعقاب.
(2) التقريع في غير محله ولعله من تصحيف النساخ.
وكان أصله " وان "
(3) ذلك لاستصحاب طهارة الماء لعدم العلم بوصول الدم الماء وان أيقن بوصوله الاناء وروى الكلينى في الكافى ج 3 ص 74 عن محمد بن يحيى عن العمركى عن على بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: " سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب اناء‌ه، هل يصلح الوضوء منه؟ فقال:ان لم يكن شئ يستبين في الماء فلا بأس وان كان شيئا بينا فلا يتوضأ منه ".
قال: " وسألته عن رجل رعف وهو يتوضأ فيقطر قطرة في انائه هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا " فسؤال الاول محمول على أنه أيقن باصابة الدم الاناء وشك في وصوله الماء، والثانى أيقن بوصول الدم الماء. لكن الشيخ - رحمه الله - استدل بخبر المتن على عدم نجاسة الماء بما لم يدركه الطرف من الدم.

[14]

فإن سقط في راوية ماء فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة فتفسخ فيها لم يجز شربه ولا الوضوء منه، وإن كان غير متفسخ فلا بأس بشربه والوضوء منه وتطرح الميتة إذا خرجت طرية، وكذلك الجرة وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء(1).
فإن وقعت فارة أو غيرها من الدواب في بئر ماء فماتت فعجن من مائها فلا بأس بأكل ذلك الخبز إذا أصابته النار(2).
19 وقال الصادق عليه السلام: " أكلت النار ما فيه ".
فإن وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت أو عسل وكان جامدا أخذت الفارة مع ما حولها واستعمل الباقي وأكل(3)، وكذلك إذا وقعت في الدقيق وأشباهه، فإن وقعت الفارة في دهن غير جامد فلا بأس أن يستصبح به، فإن وقعت فارة في حب دهن فأخرجت منه قبل أن تموت فلا بأس بأن يدهن منه ويباع من مسلم.
0 2 وسئل الصادق عليه السلام " عن بئر أستقي منها فتوضئ به وغسبه الثياب وعجن به، ثم علم أنه كان فيها ميتة؟ فقال: لا بأس ولا يغسل الثوب منه ولا تعاد منه الصلاة "(5).


______________
(1) بمضمون هذا الفتوى رواية رواها الشيخ في التهذيب ج1 ص117 وفى الاستبصار ج 1 ص 7 عن محمد بن على بن محبوب عن محمد بن الحسين عن على بن حديد عن حماد ابن عيسى، عن حريز عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام، وحمل الشيخ - رحمه الله - الراوية على ما إذا كان مقدارها كرا وكذا الجرة والحب والقربة. وحمل التفسخ على ما إذا كان تغير أحد أوصاف الماء.
وقال بمثله سلطان العلماء، لكن الحق أن على بن حديد ضعيف ولا اعتماد على ما تفرد به سيما إذا كان معارضا لما صح عنهم عليه السلام وهذا مما تفرد به.
قال العلامة في الخلاصة: على بن حديد بن حكيم ضعفه شيخنا في كتابى الاستبصار والتهذيب، لا يعول على ما يتفرد بنقله وقال الكشى: انفط حى من أهل الكوفة. ا ه‍.
(2) مبنى على عدم تنجس ماء البئر بالملاقات وفائدة اصابة النار رفع الكراهة. (مراد)
(3) هذا إذا ماتت الفارة فيها، وأما إذا خرجت قبل أن تموت كان الحكم الطهارة كما يجيئ (م ت).
(4) في بعض النسخ " استسقى منها ".
(5) فبعد ثبوت نبع البئر محمول على ما إذا لم يتغير أحد أوصاف الماء.

[15]

والفأرة والكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه فإنه يترك ما شماه(1) ويؤكل ما بقي(2).
ولا بأس بالوضوء من الحياض التي يبال فيها إذا غلب لون الماء البول، وإن غلب لون البول الماء فلا يتوضأ منها(3).
ولا يجوز التوضؤ باللبن لان الوضوء إنما هو بالماء أو الصعيد(4).
ولا بأس بالتوضوء بالنبيذ لان النبي صلى الله عليه وآله قد توضأ به وكان ذلك ماء قد نبذت فيه تميرات وكان صافيا فوقها فتوضأ به، فإذا غير التمر لون الماء لم يجز الوضوء به والنبيذ الذي يتوضأ وأحل شربه هو الذي ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي، أو ينبذ بالعشي ويشرب بالغداة.
فإن اغتسل الرجل في وهدة وخشي أن يرجع ما ينصب عنه إلى الماء الذي يغتسل منه أخذ كفا وصبه أمامه وكفا عن يمينه وكفا عن يساره وكفا من خلفه واغتسل منه.(5)


______________
(1) استحبابا اذ الشم لا يوجب النجاسة.
(2) كما في صحيحة على بن جعفر عن أخيه (ع) راجع قرب الاسناد ص 116.
(3) ان كان المراد بول ما لا يؤكل لحمه فمحمول على كرية الحياض وان كان المراد بول ما يؤكل لحمه فالمنع من الوضوء في صورة غلبة لون البول لسلب الاطلاق.
(4) أراد بالوضوء الطهارة ظاهرا.
(5) الوهدة - بالفتح فالسكون - المنخفض من الارض. وروى الشيخ بهذا المضمون خبرا في التهذيب ج 1 ص 118، وحكى المحقق في المعتبر ص 22 قولين في بيان الخبر: أحدهما المراد منه رش الارض ليجتمع أجزاؤها فيمتنع سرعة انحدار ما ينفصل من بدنه إلى الماء.
والثانى أن المراد به بل جسده ليتعجل الاغتسال قبل أن ينحدر ما ينفصل منه ويعود إلى الماء انتهى. واستبعد المولى مراد التفرشى هذين القولين وقال: ويحتمل حمله على ازالة النجاسة من بدنه بتلك الاكف فيقوم أولا في جانب لا ترجع الغسالة عنه إلى الماء ثم يقرب الماء ويغتسل منه.
ويمكن أن يقال: المقصود من صب الاكف دفع ما وقع على وجه الماء من الكثافة فيصب المأخوذ على الجوانب اذ لو صب على جانب واحد لربما يرجع إلى الماء فيزيد في كثافته.

[16]

فإن انتضح على ثياب الرجل أو على بدنه من الماء الذي يستنجى به فلا بأس بذلك(1).
فإن ترشش(2) من يده في الاناء أو انصب في الارض فوقع في الاناء فلا بأس به وكذلك في الاغتسال من الجنابة(3).
وإن وقعت ميتة في ماء جار فلا بأس بالوضوء من الجانب الذي ليس فيه الميتة.
21 وسئل الصادق عليه السلام " عن الماء الساكن تكون فيه الجيفة، قال: يتوضأ من الجانب الآخر ولا يتوضأ من جانب الجيفة "(4).
22 وسئل عليه السلام " عن غدير فيه جيفة، فقال: إن كان الماء قاهرا لها لا توجد الريح منه فتوضأ واغتسل "(5).
ومن أجنب في سفر [ه] فلم يجد إلا الثلج فلا بأس بأن يغتسل به، ولا بأس بأن يتوضأ به أيضا يدلك به جلده.
(6) ولا بأس أن يغرف الجنب الماء من الحب بيده(7).
وإن اغتسل الجنب فنزا(8) الماء من الارض فوقع في الاناء، أو سال من


______________
(1) روى المؤلف في العلل رواية مسندة بمضمون هذه الفتوى. وكذا الشيخ في التهذيب ج 1 ص 24 ويدل على طهارة ماء الاستنجاء، وحمل على ما لم يكن فيه شئ من النجاسة.
(2) ترشش عليه الماء: تنزل متفرقا، سال.
(3) كما في رواية بريد بن معاوية في التهذيب ج 1 ص 24.
(4) قال الشيخ في الاستبصار ج 1 ص 22 بعد نقله مسندا يحمل على أنه أكثر من كر والامر بالوضوء من الجانب الذى ليس فيه الجيفة محمول على الاستحباب والتنزه، لان النفس تعاف مماسة الماء الذى تجاوره الجيفة وان كان حكمه حكم الطاهر.
(5) رواه الكلينى في الصحيح ج 3 ص 4.
(6) المراد بدلك الجلد بالثلج امراره عليه إلى أن يذوب منه ما يتحصل به مسمى الغسل، وقال السيد المرتضى - رحمه الله - إذا لم يوجد الا الثلج ضرب يده ويتيمم بنداوته. ويدل عليه ظاهر صحيحة محمد بن مسلم لكن الشيخ - رحمة الله - حملها على التيمم بالتراب.
(7) هذا مأخوذ من كلام الامام (ع) في رواية شهاب بن عبد ربه في البصائر 64.
(8) نزا ينزو نزوانا: وثب.

[17]

بدنه في الاناء فلا بأس به(1).
ولا بأس بأن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد، ولكن تغتسل بفضله ولا يغتسل بفضلها(2).
وأكبر ما يقع في البئر الانسان فيموت فيها فينزح منها سبعون دلوا(3) وأصغر ما يقع فيها الصعوة فينزح منها دلو واحد، وفيما بين الانسان والصعوة على قدر ما يقع فيها، فإن وقع فيها فارة ولم تتفسخ ينزح منها دلو واحد، وإذا انفسخت فسبع دلاء وإن وقع فيها حمار ينزح منها كر من ماء، وإن وقع فيها كلب نزح منها ثلاثون دلوا إلى أربعين دلوا، وإن وقع فيها سنور نزح منها سبعة دلاء، وإن وقع فيها دجاجة أو حمامة نزح منها سبعة دلاء(4) وإن وقع فيها بعير أو ثور أو صب فيها خمر نزح الماء كله، وإن قطر فيها قطرات من دم استقي منها دلاء، وإن بال فيهارجل استقى منها اربعون دلوا، وان فيها صبى قد اكل الطعام استقى منها ثلاث دلاء، وان كان رضيعا استقى منها دلو واحد، فإن وقع في البئر زبيل(5) من عذرة رطبة أو يابسة أو زبيل من سرقين فلا بأس بالوضوء منها ولا ينزح منها شئ هذا إذا كانت في زبيل ولم ينزل منه شئ


______________
(1) هذا إذا كانت الارض واليد طاهرتين، وفيه دلالة ما على جواز استعمال المستعمل في غسل الجنابة فيحمل على حال الضرورة. وروى الكلينى في الكافى ج 3 ص 14 بسند صحيح عن أبى عبدالله (ع) قال: " في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الاناء؟ فقال: لا بأس ما جعل عليكم في الدين من حرج " فيفهم من ذيله أن الحكم مختص بحال الحرج.
(2) لعل المراد أن الرجل يبتدء بالاغتسال كما يجيئ في باب مقدار الماء للوضوء عن أبى جعفر عليه السلام في صفة اغتسال رسول الله صلى الله عليه وآله.
(3) الاكبرية باعتبار تقدير الدلو، أكثر سبعون وأقله دلو واحد.
وقال المولى مراد التفرشى: الاكبرية باعتبار ما عين فيه العدد فلا يرد بنزح الجميع بالثور وغيره.
(4) في الطير مطلقا الدجاجة والحمامة دلوين والثلاثة والدلاء الخمس أفضل والسبع أكمل.
(5) الزبيل - كامير، وسكين - فاذ كسرته شددته: القفة أو الحراب أو الوعاء.

[18]

في البئر، ومتى وقعت في البئر عذرة استقي منها عشرة دلاء(1) فإن ذابت فيها استقي انها أربعون دلوا إلى خمسين دلوا(2).
والبئر إذا كان إلى جانبها كنيف فإن كانت الارض صلبة فينبغي أن يكون بينهما خمسة أذرع وإن كانت رخوة فسبعة أذرع.
23 وقال الرضا عليه السلام: " ليس يكره من قرب ولا بعد بئر، يغتسل منها ويتوضأ ما لم يتغير الماء "(3).


______________
(1) أعلم أنه أجمع علماء الاسلام كافة على نجاسة البئر بتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة واختلف علماؤنا في نجاسته بالملاقات على أقوال أحدها - وهو المشهور بين القدماء على المحكى - النجاسة مطلقا. وثانيها الطهارة واستحباب النزح ذهب اليه من المتقدمين الحسن ابن أبى عقيل والشيخ وأبوعبدالله الغضائرى والعلامة وشيخه مفيد الدين بن الجهم وولده فخر المحققين واليه ذهب عامة المتأخرين. وثالثها الطهارة ووجوب النزح تعبدا ذهب اليه الشيخ في التهذيب في ظاهر كلامه والعلامة في المنتهى. ورابعها الطهارة ان بلغ ماؤه كرا والنجاسة بدونه ذهب اليه الشيخ أبوالحسن محمد بن محمد البصرى من المتقدمين لانه يعتبر الكرية في مطلق الجارى والبئر من أنواعه وأرجع الاقوال عندنا هو القول الطهارة (المدارك).
(2) لعله بطريقة التخيير مع كون الخمسين افضل، ويحتمل أنه من حيث اختلاف الابار بالصغر والكبر وكثرة العذرة وقلتها وكثرة الماء وقلة النبع وعدمها (سلطان).
(3) أى ليس وجود البالوعة مكروها سواء كان قريبا من البئر أم بعيدا. وقال الموالى مراد التفرشى: " بئر " مرفوع على أنه اسند اليه " يكره " مبينا للمفعول وحينئذ لابد من تقدير، ووصفه بقوله " يغتسل منها " يشعر بأن المراد عدم كراهة الاغتسال والوضوء اذ لا يوصف بالاحكام الخمسة الا أفعال المكلف، ويكن هنا الحمل على حفر بئر أيضا والمراد القرب من الكنيف حيث ان ذلك مذكور في كلام الراوى وان لم يذكره المصنف رحمه الله وذكر البعد للاشعار بالتسوية بين القرب والبعد والا فلا يتصور الكراهة في بعد البئر عن الكنيف ليحتاج إلى الذكر. وقد يأول بانه ليس كون الكنيف في قرب بئر أو بعد بئر على أن يكون المضاف اليه في الاول محذوفا ويرجع ضمير " يكره " إلى كون الكنيف المقدر في نظم الكلام. ولا يخلو - من بعد. وفى الحديث اشعار بأنه لو تغير الماء بقرب الكنيف كره استعماله - انتهى.
وقال سلطان العلماء: هذا يدل على أن ما ذكره قبل هذا من تحديد البعد بطريق الاستحباب.

[19]

24 وروي عن أبي بصير(1) أنه قال: " نزلنا في دار فيها بئر إلى جنبها بالوعة ليس بينهما إلا نحو من ذراعين فامتنعوا من الوضوء منها، فشق ذلك عليهم فدخلنا على أبي عبدالله عليه السلام فأخبرناه، فقال: توضؤا منها فإن لتلك البالوعة مجاري تصب في واد ينصب في البحر "(2).
ومتى وقع في البئر شئ فتغير ريح الماء وجب أن ينزح الماء كله، وإن كان كثيرا وصعب نزحه فالواجب أن يتكارى عليه أربعة رجال يستقون منها على التراوح من الغدوة إلى الليل.
وأما ماء الحمآت فإن النبي صلى الله عليه وآله نما نهى أن يستشفى بها ولم ينه عن التوضؤ بها وهي المياه الحارة التي تكون في الجبال يشم منها رائحة الكبريت(4).
25 وقال عليه السلام: " إنها من فيح جهنم ".
وإن قطر خمر أو نبيذ في عجين فقد فسد(5) فلا بأس ببيعه من اليهود والنصارى بعد أن يبين لهم(6) والفقاع مثل ذلك.


______________
(1) الطريق إلى ابى بصير ضعيف بالبطائنى.
(2) أى ليس مجرى البالوعة منحصرا فيما ينتهى إلى البئر حتى يلزم من قربها اليها جريان مائها اليها بل لها مجارى إلى واد فتصب في تلك الوادى والودى تنصب في البحر وفى بعض النسخ " نضب في واد ينضب في البحر " ونضب الماء غار ويحتمل كون المراد ارتباط ماء البالوعة بالماء الذى هو تحت الارض الذى هو بمنزلة الوادى. (مراد).
(3) في بعض النسخ " أن يتعاون ".
(4) روى الكلينى في الكافى ج 6 ص 389 بمضمونه خبرا وفى ذيله " قيل: انها من فيح جهنم " والفيح الغليان وشويع الحر وفورانه.
(5) قال سلطان العلماء (ره): يحتمل أن هذا لحرمة الخمر لا النجاسة، فلا ينافى مذهب المصنف.
(6) لنفى وقوع التدليس (سلطان).

[20]

26 وسأل عمار بن موسى الساباطي(1) أبا عبدالله عليه السلام " عن الرجل يجد في إنائه فارة وقد توضأ من ذلك الاناء مرارا واغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفارة منسلخة؟ فقال: إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء، ويعيد الوضوء والصلاة، وإن كان إنما رآها بعدما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من الماء شيئا وليس عليه شئ لانه لا يعلم متى سقطت فيه.
ثم قال: لعله أن يكون إنما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها ".
27 وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام(2) " عن الرجل الجنب(3) هل يجزيه عن غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ماء سوى ذلك؟ فقال: إذا غسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك ".
28 وروى إسحاق بن عمار(4) عن أبي عبدالله عليه السلام " أن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: لا بأس بسؤر الفارة إذا شربت من الاناء أن تشرب منه أو تتوضأ منه ".
والوزغة إذ وقعت في البئر نزح منها ثلاث دلاء(5).
وإذا ذبح رجل طيرا مثل دجاجة أو حمامة فوقع بدمه في البئر نزح منها دلاء.
29 وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام " عن رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما هل يتوضأ من تلك البئر؟ قال: ينزح منها ما بين ثلاثين دلوا إلى أربعين دلوا، ثم يتوضأ منها ".


______________
(1) طريق الصدوق (ره) إلى عمار بن موسى قوى، فيه أحمد بن الحسن بن فضال وهو فاسد المذهب ثقة. (صه)
(2) طريق المصنف إلى على بن جعفر صحيح كما في (صه).
(3) في بعض النسخ " المجنب " وفى بعضها " يجنب ".
(4) طريق المصنف إلى اسحاق بن عمار صحيح الا أن في اسحاق قولا. (صه)
(5) كما في رواية معاوية بن عمار عن الصادق (ع) في التهذيب ج 1 ص 69.

[21]

30 وسأل يعقوب بن عثيم(1) أبا عبدالله عليه السلام فقال له: " بئر ماء في مائها ريح يخرج منها قطع جلود؟ فقال: ليس بشئ لان الوزغ ربما طرح جلده، إنما يكفيك من ذلك دلو واحد ".
31 وسأل جابر بن يزيد الجعفي(2) أبا جعفر عليه السلام " عن السام أبرص(3) يقع في البئر، فقال: ليس بشئ حرك الماء بالدلو ".
32 وسأله يعقوب بن عثيم " عن سام أبرص وجدناه في البئر قد تفسخ فقال: إنما عليك أن تنزح منها سبعة دلاء، فقال له: فثيابنا قد صلينا فيها نغسلها ونعيد الصلاة؟ قال: لا ".
والعظاية(4) إذا وقعت في اللبن حرم اللبن ويقال: إن فيها السم.
وإن وقعت شاة وما أشبهها في بئر ينزح منها تسعة دلاء إلى عشرة دلاء.
33 وقال الصادق عليه السلام: " كانت في المدنية بئر في وسط مزبلة فكانت الريح تهب فتلقي فيها القذر، وكان النبي صلى الله عليه وآله يتوضأ منها ".
34 وسأل محمد بن مسلم(5) أبا جعفر عليه السلام " عن البئر تقع فيها الميتة فقال: إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا "(6).


______________
(1) الطريق إلى يعقوب بن عثيم صحيح (صه).
(2) الطريق إلى جابر بن يزيد ضعيف (صه).
(3) السام أبرص: كبار الوزغ، هما اسمان جعلا اسما واحدا ويقع على الذكر الانثى ويعرف بأبى أبرص.
(4) العظاية: دويبة ملساء اصغر من الحرذون، تمشى مشيا سريعا ثم تقف، تشبه سام أبرص.
(5) الطريق إلى محمد بن مسلم فيه على بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبى عبدالله عن أبيه أحمد وهما غير مذكورين (صه).
(6) يحتمل أن يكون المراد ما لا نفس له فالنزح لاجل الريح لا النجاسة.

[22]

35 وسأل كردويه الهمداني(1) أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام " عن بئر يدخلها ماء الطريق فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب فقال: ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت مبخرة "(2).
ولا يجوز(3) أن يبول الرجل في ماء راكد، فأما الماء الجاري فلا بأس أن يبول فيه ولكن يتخوف عليه من الشيطان(4).
وقد روي " أن البول في الماء الراكد يورث النسيان "(5).


______________
(1) الطريق إلى كردويه الهمدانى صحيح (صه) وهو مجهول الحال.
(2) أى البئر التى يشم منها الرائحة الكريهة، يعنى المنتنة.
(3) الظاهر مراده الكراهة بقرينة ما يأتى من التعليل.
(4) روى الشيخ في التهذيب ج 1 ص 100 باسناد له فيه ارساله عن أبى عبدالله (ع) في حديث قال: " قلت له: يبول الرجل في الماء قال: نعم ولكن يتخوف عليه من الشيطان " اى يمكن أن يعتاد ذلك فيسول ذلك الشيطان في نظره حتى يحرضه على البول في الماء الراكد.
(5) روى الشيخ في التهذيب ج 1 ص 9 و 13 باسناده عن الفضيل عن الصادق (ع) قال: " لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجارى وكره أن يبول في الماء الراكد ".