كتاب من لا يحضره الفقيه — الجزء الاول
للشيخ الجليل الاقدم الصدوق أبى جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى
المتوفى سنة 381
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم إني أحمدك، وأشكرك، واومن بك، وأتوكل عليك، واقر بذنبي إليك واشهدك أني مقر بوحدانيتك، ومنزهك عما لا يليق بذاتك(1) مما نسبك إليه من شبهك، وألحد فيك(2) وأقول: إنك عدل فيما قضيت، حكيم فيما أمضيت(3) لطيف لما شئت(4) لم تخلق عبادك لفاقة، ولا كلفتهم إلا دون الطاقة، وإنك إبتدأتهم بالنعم رحميا، وعرضتهم للاستحقاق حكيما، فأكملت لكل مكلف عقله، وأوضحت له سبيله(5) ولم تكلف مع عدم الجوارح مالا يبلغ إلا بها، ولا مع عدم المخبر الصادق مالا يدرك إلا به.
فبعثت رسلك مبشرين ومنذرين، وأمرتهم بنصب حجج معصومين، يدعون إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة، لئلا يكون للناس عليك حجة بعدهم، وليهلك من هلك عن بينة(6) ويحيى من حي عن بينة، فعظمت بذلك منتك على بريتك، وأوجبت عليهم حمدك، فلك الحمد عدد ما أحصى كتابك، وأحاط به علمك، وتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
قال الشيخ الامام السعيد الفقيه(7) [نزيل الري] أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين


______________
(1) من صفات المخلوقين العاجزين.
(2) أى مال إلى الباطل كالاشاعرة ومن حذا حذوهم.
(3) أى قدرت أو أجريت كما يظهر من بعض الاخبار من أن الامضاء بمعنى القضاء والقدر.
(4) اى لطيف في تدبيرك، أو أنك تفعل الافعال من الالطاف الخاصة المقربة لعبادك إلى الطاعة، المبعدة اياهم عن المعصية تفضلا عليهم. والفاقة: الحاجة.
(5) قوله: " عقله " لانه مناط التكليف. وقوله " سبيله " يعنى من الخير والشر كما في قوله سبحانه " وهديناه النجدين ".
(6) أى بعدها. وقوله " يحيى " أى يهدى.
(7) كذا في جميع النسخ التى رأيناها.

[2]

ابن موسى بن بابويه القمي مصنف هذا الكتاب - قدس الله روحه -: أما بعد فانه لما ساقني القضاء إلى بلاد الغربة، وحصلني القدر منها(1) بأرض بلخ من قصبة إيلاق(2) وردها الشريف الدين أبوعبدالله المعروف بنعمة(3) - وهو محمد بن الحسن بن إسحاق بن [الحسن بن] الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فدام بمجالسته سروري وانشرح بذاكرته صدري وعظم بمودته تشرفي، لاخلاق قد جمعها إلى شرفه من ستر وصلاح، وسكينة ووقار وديانة وعفاف، وتقوى وإخبات(4) فذاكرني بكتاب صنفه محمد بن زكريا المتطبب الرازي(5) وترجمه بكتاب " من لا يحضره الطبيب " وذكر أنه شاف في معناه، وسألني أن اصنف له كتابا في الفقه والحلال والحرام، والشرايع والاحكام، موفيا على جميع ما صنفت في معناه واترجمه ب‍ " كتاب من لا يحضره الفقيه "(6) ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده، وبه أخذه، ويشترك في أجره من ينظر فيه، وينسخه ويعمل بمودعه، هذا مع نسخه لاكثر ما صحبني من مصنفاتي(7) وسماعه لها، وروايتها عني، ووقوفه على جملتها، وهي مائتا كتاب وخمسة وأربعون كتابا.
فأجبته - أدام الله توفيقه - إلى ذلك لاني وجدته أهلا له، وصنفت له هذا الكتاب بحذف الاسانيد لئلا تكثر طرقه وإن كثرت فوائده، ولم أقصد فيه قصد


______________
(1) في بعض النسخ " بها " فالباء بمعنى " في ".
(2) مدينة من بلا الشاش بما وراء النهر المتصلة ببلاد الترك، أنزه بلاد الله وأحسنها.
(3) له ترجمة ضافية في كتاب جامع الانساب ج 1 ص 50 من الفصل الثانى تأليف زميلنا الفاضل الشريف السيد محمد على الروضاتى المحترم.
(4) أخبت الرجل اخباتا: خضع لله وخشع قلبه.
(5) هو جالينوس العرب أصله من الرى، ولد سنة 240 كما نقل عن قاموس الاعلام و 282 كما عن غيره، قدم بغداد وتعلم الطب بها وحذق وتوفى 311 كما في الوفايات او 320 كما في تاريخ العلماء باخبار الحكماء للقفطى أو 364 كما في المحكى عن تاريخ ابن شيراز، واسم كتابه كما في مطرح الانظار لفيلسوف الدولة التبريزى: " كتاب إلى من لا يحضره طبيب ".
(6) كذا. وعبر عنه ابن ادريس في السرائر في غير موضع بكتاب من لا يحضره فقيه.
(7) يعنى وقع منه هذا السؤال مع أنه نسخ اكثر ما كان معى من مصنفاتى.

[3]

المصنفين في إيراد جميع مارووه، بل قصدت إلى إيراد ما افتي به وأحكم بصحته(1) وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي - تقدس ذكره وتعالت قدرته - وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول وإليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبدالله السجستاني(2) وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي(3) وكتب على بن مهزيار الاهوازي(4)، وكتب الحسين بن سعيد(5)، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى(6) وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري(7) وكتاب الرحمة


______________
(1) المراد بالصحة هنا كونه من الاصول المعتبرة المنقول عنها مع القرائن للصحة.
(2) ثقة كوفى كان ممن شهر السيف في قتال الخوارج بسيستان في حياة الصادق (ع) قتله الشراة - الخوارج - له كتب كلها تعد من الاصول.
(3) ثقة صحيح الحديث كوفى، كان متجره هو وأبووأخوه إلى حلب فغلب عليهم هذا اللقب، وصنف عبيدالله كتابا عرضه على الصادق (ع) فاستحسنه وقال: ليس لهؤلاء في الفقه مثله.
(4) على بن مهزيار ثقة جليل القدر من اصحاب الرضا والجواد والهادى عليهم السلام وكان وكيلا من عندهم، له ثلاثة وثلاثون كتابا. راجع الفهرست للشيخ الطوسى رحمه الله.
(5) الحسين بن سعيد بن حماد الاهوازى ثقة روى عن الرضا وأبى جعفر الجواد وأبى الحسن الثالث، اصله كوفى وانتقل مع اخيه الحسن رضى الله عنهما إلى الاهواز ثم تحول إلى قم فنزل على الحسن بن أبان وتوفى بها، وله ثلاثون كتابا. راجع الفهرست للشيخ رحمه الله.
(6) الاشعرى يكنى أبا جعفر القمى شيخ قم ووجهها وفقيهها غير مدافع لقى ابا الحسن الرضا عليه السلام وصنف كتابا ذكر الشيخ اسماء بعضها في الفهرست ومنها كتاب النوادر، وقال: كان غير مبوب، فبوبه داود بن كورة، وروى ابن الوليد المبوبة عن محمد بن يحيى والحسن بن محمد ابن اسماعيل عنه.
(7) أبوجعفر القمى جليل القدر، ثقة في الحديث، كثير الروايات له كتاب نوادر الحكمة يشتمل على كتب جماعة، وهو كتاب كبير حسن يعرفه القميون " بدبة شبيب " قال النجاشى: وشبيب فامى، بياع الفوم، كان بقم له دبة ذات بيوت يعطى منها ما يطلب منه من دهن، فشبهوا هذا الكتاب بذلك لاشتماله على ما تشتهيه الانفس.

[4]

لسعد بن عبدالله(1) وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه(2) ونوادر محمد بن أبي عمير(3) وكتب المحاسن لاحمد بن أبي عبدالله البرقي(4) ورسالة أبي - رضي الله عنه - إلي وغيرها من الاصول والمصنفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها(5) عن مشايخي وأسلافي - رضي الله عنهم - وبالغت في ذلك جهدي، مستعينا بالله، ومتوكلا عليه، ومستغفرا من التقصير، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب، وهو حسبي ونعم الوكيل.


______________
(1) يكنى ابا القاسم، جليل القدر واسع الاخبار، كثير التصانيف، ثقة، فمن كتبه كتاب الرحمة، وهو يشتمل على كتب جماعة، قال النجاشى: هو شيخ الطائفة وفقيهها ووجهها كان سمع من حديث العامة شيئا كثيرا وسافر في طلب الحديث. وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الحسن العسكرى (ع).
توفى سنة 301 وقيل: 299 وفى الخلاصة: قيل: مات يوم الاربعاء سبع وعشرين من شوال سنة 300.
(2) هو شيخ جليل القدر، عارف بالرجال، موثوق به، مسكون اليه، مات سنة 343 له كتب منها كتاب الجامع وكتاب التفسير وغير ذلك.
(3) يكنى أبا احمد من موالى الازد، واسم أبى عمير زياد، وكان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة، وأنسكهم نسكا، وأورعهم وأعبدهم، وقد ذكر الجاحظ أنه كان أوحد أهل زمانه في الاشياء كلها وادرك من الائمة عليه السلام ثلاثة: أبا ابراهيم موسى (ع) ولم يرو عنه، والرضا (ع) وروى عنه، والجواد (ع). وروى عنه احمد بن محمد بن عيسى كتب مائة رجل من رجال الصادق (ع)، وله مصنفات كثيرة، وذكر ابن بطة أن له أربعة وتسعين كتابا، منها كتاب النوادر الكبير حسن، وذكر الكشى أنه ضرب مائة وعشرين خشبة أمام هارون الرشيد وتولى ضربه السندى بن شاهك، وكان ذلك على التشيع، وحبس فلم يفرج عنه حتى أدى مائة وأحد وعشرين ألف درهم. وذكر نحو ذلك الجاحظ في البيان والتبيين، توفى سنة 217.
(4) ابوجعفر أصله كوفى، وكان ثقة في نفسه غير أنه اكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل وصنف كتبا كثيرة منها المحاسن وغيرها (فهسرت الشيخ).
(5) على ما لم يسم فاعله من باب التفعيل، أى وصل عنهم الرواية إلى.