الاستبصار فيما اختلف من الاخبار

تأليف شيخ الطائفة ابى جعفر محمد بن الحسن الطوسى قده
الجزء الاول
قوبل بعدة نسخ مخطوطة مصصحة بقلم أفذاذ من اساطين الحديث
مطبعة النجف في النجف 1375 ه‍

[2]


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، والصلوة على خيرته من خلقه محمد وآله الطاهرين من عترته وسلم تسليما.
أما بعد فاني رأيت جماعة من أصحابنا لما نظروا في كتابنا الكبير الموسوم (بتهذيب الاحكام) ورأوا ما جمعنا (فيه)(1) من الاخبار المتعلقة بالحلال والحرام ووجدوها مشتملة على اكثر ما يتعلق بالفقه من ابواب الاحكام وانه لم يشذ عنه في جميع ابوابه وكتبه مما ورد في احاديث اصحابنا وكتبهم واصولهم(2) ومصنفاتهم إلا نادر قليل وشاذ يسير، وانه يصلح أن يكون كتابا مذخورا يلجأ اليه المبتدى في تفقهه، والمنتهي في تذكره، والمتوسط في تبحره فان كلا منهم ينال مطلبه ويبلغ بغيته تشوقت نفوسهم إلى أن يكون ما يتعلق بالاحاديث المختلفة مفردا(3) على طريق الاختصار يفزع

___________________________________
(1) ليس في د.
(2) الاصل: هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الاحاديث التي رواها عن المعصوم او عن الراوى عنه. كذا قال الوحيد البهبهاني قده. وهى كثيرة وقد اشتهر انها اربعمائة مصنف والحق انها اكثر الا ان المتيقن منها ذلك.
قال الشيخ امين الاسلام الطبرسي المتوفي سنة 548 في اعلام الورى " روى عن الامام الصادق عليه السلام من مشهورى أهل العلم اربعة آلاف انسان وصنف من جواباته في المسائل اربعمائة كتاب تسمى الاصول رواها اصحابه واصحاب ابنه موسى الكاظم عليه السلام " اه‍، وقال المحقق الحلي المتوفي سنة 676 في المعتبر ص 5 " كتبته من اجوبة جعفر بن محمد اربع مائة مصنف لاربع مائة مصنف سموها اصولا " وقال الشيخ السعيد الشهيد في الذكرى في الوجه التاسع من الاشارة السابعة في مقدمة الكتاب " انه كتبت من اجوابة الامام الصادق عليه السلام اربع مائة مصنف لاربع مائة مصنف ودون من رجاله المعروفين اربعة الاف رجل " وقال الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي في درايته ص 40 " قد كتبت من اجوبة مسائل الامام الصادق عليه السلام فقط اربع مائة مصنف لاربع مائة مصنف تسمى الاصول في انواع العلوم " وقال الشيخ الشهيد الثاني في شرح الدراية " استقر امر المتقدمين على اربع مائة مصنف لاربع مائة مصنف سموها اصولا فكان عليها اعتمادهم " إلى كثير من كلمات العلماء الاعلام " باقتضاب من تأسيس الشيعة للسيد الصدر والذريعة لشيخنا الحجة الرازي ".
(3) في د (منفردا)
[*]


[3]


اليه المتوسط في الفقه لمعرفته والمنتهى لتذكره اذ كان هذان الفريقان آنسين(1) بما يتعلق بالوفاق، وربما لم يمكنهما ضيق الوقت من تصفح الكتب وتتبع الآثار فيشرفا على ما اختلف من الروايات فيكون الانتفاع بكتاب يشتمل على اكثر ما ورد من احاديث اصحابنا المختلفة، اكثره موقوفا على هذين الصنفين وان كان المبتدى لا يخلو أيضا من الانتفاع(2) به، ورأوا ان ما يجري هذا المجرى ينبغى أن يكون العناية به تامة والاشتغال به وافرا لما فيه من عظيم النفع وجميل الذكر اذ لم يسبق إلى هذا المعنى احد من شيوخ اصحابنا المصنفين في الاخبار والفقه في الحلال والحرام، وسألوني تجريد ذلك وصرف العناية(3) إلى جمعه وتلخيصه وان ابتدئ كل باب بايراد ما اعتمده من الفتوى والاحاديث فيه ثم اعقب بما يخالفها من الاخبار وأبين وجه الجمع بينها على وجه لا اسقط شيئا منها ما امكن ذلك فيه واجري في ذلك على عادتي في كتابى الكبير المذكور وان اشير في اول الكتاب إلى جملة مما يرجح به الاحاديث بعضها على بعض ولاجله جاز العمل بشئ منها دون جميعها وانا مبين ذلك على غاية من الاختصار إذ شرح ذلك ليس هذا موضعه وهو مذكور في الكتب المصنفة في اصول الفقه المعمولة في هذا الباب، واعلم إن الاخبار على ضربين: متواتر وغير متواتر، فالمتواتر منها ما أوجب العلم فما هذا سبيله يجب العمل به من غير توقع شئ ينضاف اليه ولا أمر يقوى به ولا يرجح به على غيره، وما يجري هذا المجرى لا يقع فيه التعارض ولا التضاد في اخبار النبى صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، وما ليس بمتواتر على ضربين فضرب منه يوجب العلم أيضا، وهو كل خبر تقترن اليه قرينة توجب العلم، وما يجري هذا المجرى يجب ايضا العمل به، وهو لاحق بالقسم الاول، والقرائن اشياء كثيرة منها ان تكون مطابقة لادلة العقل ومقتضاه، ومنها ان تكون مطابقة لظاهر القرآن: إما

___________________________________
(1) في د (أنيسين)
(2) في د (النفع)
(3) نسخة في د (الاهتمام)
[*]


[4]


لظاهره أو عمومه او دليل خطابه أو فحواه، فكل هذه القرائن توجب العلم وتخرج الخبر عن حيز(1) الآحاد وتدخله في باب المعلوم، ومنها ان تكون مطابقة للسنة المقطوع بها إما صريحا أو دليلا أو فحوى أو عموما، ومنها ان تكون مطابقة لما اجمع المسلمون عليه، ومنها ان تكون مطابقة لما اجمعت عليه الفرقة المحقة فان جميع هذه القرائن تخرج الخبر من حيز الآحاد وتدخله في باب المعلوم وتوجب العمل به، وأما القسم الآخر: فهو كل خبر لا يكون متواترا ويتعرى من(2) واحد من هذه القرائن فان ذلك خبر واحد ويجوز العمل به على شروط فاذا كان الخبر لا يعارضه خبر آخر فان ذلك يجب العمل به لانه من الباب الذى عليه الاجماع في النقل إلا ان تعرف فتاواهم بخلافه فيترك لاجلها العمل به وان كان هناك ما يعارضه فينبغى ان ينظر في المتعارضين فيعمل على اعدل الرواة في الطريقين، وإن كانا سواء في العدالة عمل على اكثر الرواة عددا، وإن كانا متساويين في العدالة والعدد وهما عاريان من جميع القرائن التي ذكرناها نظر فان كان متى عمل باحد الخبرين امكن العمل بالآخر على بعض الوجوه وضرب من التأويل

كان العمل به أولى من العمل بالآخر الذى يحتاج مع العمل به إلى طرح الخبر الآخر لانه يكون العامل بذلك عاملا بالخبرين معا، وإذا كان الخبران يمكن العمل بكل واحد منهما وحمل الآخر على بعض الوجوه " وضرب "(3) من التأويل وكان لاحد التأويلين خبر يعضده أو يشهد به على بعض الوجوه صريحا أو تلويحا لفظا أو دليلا وكان الآخر عاريا من ذلك كان العمل به أولى من العمل بما لا يشهد له شئ من الاخبار، وإذا لم يشهد لاحد التأويلين خبر آخر وكان متحاذيا كان العامل مخيرا في العمل بايهما شاء، وإذا لم يكن العمل بواحد من الخبرين إلا بعد طرح الآخر جملة لتضادهما وبعد التأويل بينهما كان العامل أيضا مخيرا في العمل بايهما شاء من جهة التسليم، ولا يكون

___________________________________
(1) في د (خبر)
(2) في ج " من كل واحد "
(3) زيادة من د.
[*]


[5]


العاملان بهما على هذا الوجه اذا اختلفا وعمل كل واحد منهما على خلاف ما عمل عليه الآخر مخطئا ولا متجاوزا حد الصواب إذ روي عنهم عليهم السلام " انهم "(1) قالوا اذا اورد عليكم حديثان ولا تجدون ما ترجحون به احدهما على الآخر مما ذكرناه كنتم مخيرين في العمل بهما، ولانه اذا ورد الخبران المتعارضان وليس بين الطائفة اجماع على صحة احد الخبرين ولا على ابطال الخبر الآخر فكأنه اجماع على صحة الخبرين، واذا كان " الاجماع "(2) على صحتهما كان العمل بهما جائزا سائغا وانت اذا فكرت في هذه الجملة وجدت الاخبار كلها لا تخلوا من قسم من هذه الاقسام ووجدت ايضا ما عملنا عليه في هذا الكتاب وفى غيره من كتبنا في الفتاوى في الحلال والحرام لا يخلو من واحد من هذه الاقسام ولم نشر في أول كل باب إلى ذكر ما رجحنا به الاخبار التى قد عملنا عليها وان كنا قد اشرنا في اكثرها إلى ذكر ذلك طلبا للايجاز والاختصار
واقتصرنا على هذه الجملة التى قدمناها إذ كان المقصود بهذا الكتاب من كان متوسطا في العلم ومن كان بهذه المنزلة فبأدنى تأمل يتبين له ما ذكرناه، ونحن الان نبتدئ في كتابنا هذا بذكر أبواب المياه وأحكامها وما اختلف فيه من الاخبار حسب ما عملناه في كتابنا الموسوم بالنهاية في الفتاوى للغرض الذى ذكرناه هناك والله الموفق للصواب.

___________________________________
(1) زيادة من ج ود.
(2) زيادة من ب
[*]


[6]