[ 293 ]

 

الباب الحادي عشر باب الامام محمد الجواد (عليه السلام)


 

[ 295 ]

مضى أبو جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وله خمسة وعشرون سنة وثلاثة اشهر واثنا عشر يوما في وم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين، فكان مقامه مع ابيه تسع سنين وثلاثة اشهر، وأقام بعد ابيه ست عشرة سنة واثني عشر يوما. واسمه محمد. وكنيته: أبو جعفر، والخاص أبو علي. ولقبه: المختار، والمرتضى، والتقي، والمتوكل. ومشهده في مقابر قريش الى جانب مشهد جده موسى في القبة. واسم امه: خيزران المرسية. وكان له من الولد: علي العسكري، وموسى، ومن البنات: خديجة، وحليمة، وام كلثوم. وكان (عليه السلام) شديد الادمة ولقد قال فيه اهل الحيرة والشاكون والمرتابون انه ليس من ولد الرضا وقالوا - لعنهم الله - انه من ولد سيف


 

[ 296 ]

الاسود مولاه، وقالوا: من لؤلؤ وانهم اخذوا الرضا اباه عند المأمون فحملوه الى القافة بمكة، وهو طفل في مجمع من الناس في المسجد الحرام فعرضوه عليهم فلما نظر إليه القافة خروا سجدا، ثم قاموا فقال: ويحكم من هذا الكوكب العظيم الدري النور المبين يعرض علي هذا والله الزكي النسب المهذب الطاهر والله ما تردد الا في الاصلاب والارحام الطاهرة، والله ما هو الا من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي أمير المؤمنين المؤمنين فارجعوا فاستقيلوا الله عز وجل واستغفروه ولا تشكوا في نسب مثله، وتحمد، (عليه السلام) في ذلك الوقت وله خمسة وعشرون شهرا فنطق بلسان ارهف من السيف وافصح من الصاحة يقول: الحمد لله الذي خلقنا من نوره، واصطفانا من بريته، وجعلنا امناءه، على خلقه ووحيه، معاشر الناس انا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن امير المؤمنين علي المرتضى وفاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى (صلى الله عليهم أجمعين) وعلى اولادي بعدي، وأعرض على القافة والله اني لاعلم بانساب الناس من آبائهم، والله اني لاعلم خوافي سرائرهم وظاهرهم واني لاعلم بهم أجمعين وما هم إليه صاترون أقوله حقا، واظهره صدقا علما اورثناه الله عز وجل قبل الخلق اجمعين، وبعد فناء السماوات والارض، وايم الله لولا تظاهر الباطل علينا وغلبة دولة الكفر وتولي اهل الشك والشرك والشقاق علينا لقلت قولا يعجب منه الاولون والآخرون، ثم وضع يده على فمه وقال: يا محمد اصمت كما صمت آباؤك: (واصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون) إلى آخر الآية، ثم تولى الى رجل الى جانبه فقبض على يده وتمشى يتخطى رقاب الناس، والناس يفرجون له فرأيت مشيخة حلة وهم ينظرون إليه، ويقولون: الله اعلم حيث يجعل رسالته، فسالت عن المشيخة فقيل لي: هؤلاء قوم من بني هاشم من اولاد عبد المطلب.


 

[ 297 ]

قال فبلغ الخبر الى علي بن موسى وما صنع بابنه محمد، فقال: الحمد لله، ثم التفت الى من بحضرته من شيعته فقال لهم: هل علمتم ما قذفت به مارية القبطية / وما ادعى عليها في ولادتها ابراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقالوا: يا سيدنا انت اعلم خبرنا لنعلم، فقال: ان مارية اهداها المقوقس الى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتحظى بمارية من دونهم وكان معها خادم يقال له جريح وحسن إيمانها وإسلامها، ثم ملكت مارية قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحسدها بعض ازواجه، واقبلت عائشة وحفصة تشكوان إلى ابويهما ميل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى مارية وايثاره إياها عليهما حتى سولت لابويهما انفسهما بان يقذفوا مارية بانها حملت بابراهيم من جريح الخادم، وكانوا لا يظنون جيحا خادما فاقبل أبواهما الى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو جالس في مسجده فجلسا بين يديه، ثم قالا: يا رسول الله ما يحل لنا ولا لشيعتنا ان نكتم عليك ما يظهر من خيانة واقعة بك، قال: ماذا تقولان ؟ قال: يا رسول اله ان جريحا ياتي من مارية الفاحشة العظمى، وان حملها من جريح ليس هو منك، فاربد وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعرضت له سهوة لعظيم ما تلقياه به، ثم قال: ويحكما ما تقولان ؟ قالا: يا رسول الله انا خلفنا جريحا ومارية في مسرتها يعتبها في حجرتها ويفاكهها ويلاعبها ويروم منها ما يروم الرجال من النساء فابعث الى جريح فانك تجده على هذه الحال فانفذ فيهما حكم الله حكمك. فاتى النبي الى علي (عليه السلام)، وقال: قم يا أبا الحسن بسيفك ذي الفقار حتى تمضي مسرية مارية فان صادفتها وجريحا كما يصفان فاخمدهما بسيفك ضربا. وقام علي (عليه السلام) ومسح سيفه وأخذه تحت ثوبه فلما ولى من بيد يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) انثنى إليه فقال يا رسول الله:


 

[ 298 ]

اكون كالشكة، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فقال له: فديتك يا ابا الحسن امض، فمضى وسيفه في يده حتى تسور من فوق مسرية مارية وهي في جوف المسرية، وجريح معها يؤدبها بآداب الملوك، ويقول لها: عظمي رسول الله ولبيه واكرميه حتى التفت جريح فنظر الى أمير المؤمنين وسيفه مشهور في يده ففزع جريح، وصعد الى نخلة في المسرية فصعد الى رأسها فنزل امير المؤمنين الى المسرية، فكشف الريح عن اثواب جريح فرآه خادما مسموحا ليس له ما للآدميين، فقال: انزل يا جريح، قال: يا امير المؤمنين آمنا على نفسي ؟ فقال: آمنا على نفسك، فنزل جريح وأخذ بيده أمير المؤمنين الى رسول الله فاوقفه بين يديه، وقال: يا رسول الله ان جريحا خادم ممسوح، فولى النبي وجهه الى الجدار، وقال: حل لهما - لعنهما الله - يا جريح حتى يتبين كذبهما ويحتقبا خزيهما، بجرأتهما على الله ورسوله فكشف جريح عن اثوابه فإذا هو خادم ممسوح فسقطا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالا: يا رسول الله التوبة، استغفر لنا ولن نعود. فقال رسول الله (عليه السلام): لا تاب الله عليكما فا نفعكما استغفاري ومعكما هذه الجرأة على الله عز وجل وعلى رسوله فقالا: يا رسول الله ان استغفرت لنا رجونا ان يغفر الله لنا، فانزل الله الآية بهما وفي براءة مارية: (ان الذين يرمون المحصنات المؤمنات الغافلات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وارجلهم بما كانوا يعملون). قال الرضا علي بن موسى (عليهما السلام): الحمد لله الذي في ابني محمد اسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنه ابراهيم (عليهما السلام) وكان هذا من دلائله وبراهينه الذي ذكرناهم (عليه السلام).


 

[ 299 ]

عن الحسين بن حمدان قال: حدثني احمد بن صالح عن عسكر مولى ابي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) قال: دخلت عليه وهو جالس في وسط ايوان له يكون عشرة اذرع في عشرة اذرع فوقفت بباب الايوان اراه فقلت في نفسي سبحان الله ما اشد سمرة مولاي واضوأ جسده قال فوالله ما استتممت هذا القول حتى عرض جسده وتطاول وامتلا به الايوان الى سقفه مع جوانب حيطانه ثم رأيت لونه قد أظلم ثم اظلم ثم ابيض ثم صار كابيض من الثلج ثم احمر ثم صار مثل العقيق المحمر ثم اخضر حتى صار كاغض ما يكون من الاغصان المورقة المخضرة ثم تناقص جسده حتى صار في صورته الاولى واعاد لونه الى اللون الاول فسقطت لوجهي لهول ما رأيت فصاح بي يا عسكر تشكون بي فنثبتكم وتضعفون فنقويكم فوالله لا وصل الى حقيقة معرفتنا الا من من الله بها عليه وارتضيناه لنا وليا قال عسكر فما لبث في نفسي الا ما اظهره لساني وتفوه به جناني. وعن الحسين بن داود السعدي عن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: دخلت على ابي جعفر (عليه السلام) ومعي ثلاث رقاع غير مترجمة ولا عليها اسم لاصحابها فاشتبهت علي فتناول احداها وقال هذه رقعة زيد بن شهاب، ثم تناول الثانية وقال: هذه رقعة محمد بن جعفر، ثم اخذ الثالثة وقال: هذه رقعة علي بن الحسين فسماهم والله وسمى آباءهم ووقع فيها بالذي سالوا فاخذتها ونهضت فنظر إلي وتبسم لانه علم بسروري بتلك الدلائل ثم اعطاني ثلاثمائة دينار وأمر بحملها الى علي بن الحسين بن ابراهيم بن موسى بن عمه، وقال: يقول لك دلني على حريف يعرف ليشتري بها متاعا فدلك عليه فكلمني اجمال ان أساله (عليه السلام) ان يدخله في خدمته فجئت به باب الدار فاوقفته ودخلت على ابي جعفر (عليه السلام) لاكلمه في أمره فوجدته على مائدة ياكل معه جماعة من أوليائه وشيعته فلم يمكنني كلامه فقال: يا ابا هاشم اجلس فكل


 

[ 300 ]

واخذ بيده طعاما فوضعه يبن يدي فاكلت ثم ابتدأ من غير ان أساله ولا اذكر له الجمال فقال يا غلام انظر الجمال الذي اتانا به أبو هاشم وانه واقف بالباب فضمه في خدمتنا وطاعتنا. وعنه عن محمد بن موسى القمي، عن خالد الحداء، عن صالح بن محمد بن داود اليعقوبي، قال: لما توجه أبو جعفر (عليه السلام) لاستقبال المأمون وقد أقبل من نواحي الشام وأمر ان يعقد ذنب دابته وذلك في يوم صائف شديد الحر وطريق لا يوجد فيه الماء فقال بعض من كان معنا ممن لا علم له أي موضع عقد ذنب دابته فما سرنا الا يسيرا حتى وردنا ارض ماء ووحل كثير وفسدت ثيابنا وما معنا ولم يصبه شئ من ذلك قال: صالح وقال: لنا يوما ونحن في ذلك الوجه اعلموا انكم ستضلون عن الطريق قبل المنزل الاول الذي يلقاكم الليلة ترجعون إليه في المنزل بعدما يذهب من الليل سبع ساعات فقال من فينا من لا فضل له بهذه الطريق ولا يعرفه ولا يسلكه قط وستنظرون صدق ما قال صالح فضللنا عن الطريق قبل المنزل الذي كان يلقانا وسرنا بالليل حتى تنصف وهو يسير بين ايدينا ونحن نتبعه حتى صرنا في المنزل الثاني على الطريق فقال انظروا كم ساعة مضى من الليل فانها سبع ساعات فنظرنا فإذا هي كما قال. وعن الحسين بن محمد بن جمهور، عن صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان الزاهري قالا جميعا: دخلنا على أبي الرضا (عليه السلام) بمكة، وقد عمل على المقام وعملنا على الخروج الى المدينة فقلنا: يا سيدنا انت مقيم ونحن خارجون وان رأينا ان تكتب لنا كتابا الى ابي جعفر توصية فيكم وبارك بالنظر إليه فكتب لنا إليه فلما وردنا المدينة صرنا بالكتاب الى داره فخرج الينا موفق الخادم وقد حمل ابا جعفر على صدره وله في ذلك الوقت خمسة عشر شهرا، فرأينا واشرنا بالكتاب الى موفق فمد أبو جعفر يده فاخذ الكتاب واشار به الى موفق ليفضه ففضه موفق واخذه أبو جعفر


[ 301 ]

واقبل يقرأ الكتاب ويطويه من اعلاه وينشره من اسفله ويتبسم حتى اتى على آخره ثم قال: سألتما سيدي ان يكتب لكما كتابا الي لتكلماني فنظر الي قلنا يا سيدنا هكذا كان قال: محمد بن سنان يا سيدي اردد الي بصري انظر إليك وارددني محجوبا فان هذه آيتي مع ابيك وجدك موسى وجعفر قال: فمسح يده على عيني فرجعت بصيرا ثم رده يده على وجهي فرجعت محجوبا فقلت بطرسيا فحرك رجله الى صدر موفق وقال باخ باخ حكاية لما يقوله إذا ناغى قال صفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان ما أخذنا الكتاب الا ونحن لا نشك انه الامام بعد ابيه فارانا دلالته وخاطبنا وقرأ الكتاب من أوله الى آخره ثم عاد الى حكاية طفوليته ان هذا برهان عظيم. وعنه عن أبي الحسن محمد بن يحيى عن محمد بن حمزة بن القاسم الهاشمي، عن علي بن محمد بن علي بن احمد بن ابي الحسن، قال: دخلت على أبي جعفر في صبحة عرسه بام الفضل بنت المأمون وكنت أول من دخل عليه في ذلك اليوم فدنوت منه وقعدت فوجدت عطشا شديدا فجللته ان اطلب الماء فنظر إلي وقال يا علي: شربت الدواء بالليل وتغديت على بكرة فاصبت العطش واستحييت تطلب الماء مني فقلت: والله يا سيدي هذه صفتي ما غادرت منها حرفا فصاح في نفسه يا غلام تسقيني فقلت في نفسي يا ليت لا يسقى الماء واغتممت فاقبل الغلام ومعه الماء فنظر إلى الماء والي وتبسم واخذ الماء وشرب منه وسقاني فمكث قليلا وعاودني العطش فاستحييت اطلب الماء فصاح بالخادم وقال تسقيني ماء فقلت في نفسي مثل ذلك القول الاول واقبل الخادم بالماء فاخذه وشرب منه وسقاني فقلت لا اله الا الله اي دليل دل على امامته من علمه ما اسره في نفسي فقال: يا علي والله نحن كما قال تعالى: (أم يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) فقمت وقلت لمن كان معي هذه ثلاث براهين رأيتها من أبي جعفر (عليه السلام) في مجلسي هذا فقال: من لا علم له بفضله اني لاحسب هذا الهاشمي كما يقال انه يعلم الغيب


 

[ 302 ]

فنظرت إليه وحمدت الله على معرفة سيدي لجهل الرجل به. وعنه عن علي بن بشر عن أبي عمران موسى بن زيد، عن يحيى بن ابي عمران، قال: ان موسى بن جعفر الداري قال: وردنا جماعة من أهل الري الى بغداد نريد أبا جعفر (عليه السلام) فدللنا عليه ومعنا رجل من أهل الري زيدي يظهر لنا الامامة فلما دخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) سألناه عن مسائل قصدنا بها وقال أبو جعفر لبعض غلمانه خذ بيد هذا الرجل الزيدي وأخرجه فقام الرجل على قدميه وقال انا اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله وان عليا امير المؤمنين وان آباءك الائمة واثبت لك الحجة لله في هذا العصر فقال له: اجلس فقد استحقيت بترك الضلال الذي كنت عليه وتسليمك الامر لي من جعله له يسمع ولا يمنع فقال الرجل: والله يا سيدي اني ادين لله امامة زيد بن علي مدة اربعين سنة ولا اظهر للناس غير مذهب الامامة فلما علمت مني ما لا يعلمه الا الله اشهد انك الامام والحجة. وعنه عن جعفر بن محمد بن مالك، عن محمد بن يونس عن داود بن زيد الخياط، قال: كنت بين يدي ابي جعفر (عليه السلام) وهو جالس في مجلسه فسرقت شاة لبعض مواليه فطالب قوما باعينهم فقال (عليه السلام): احضروا فلانا لقد سرقت شاته وهو يطالب بها من لا يسرقها فاحضروه فقال خل القوم الذين تطالبهم بشاتك وامض الى منزل راشد مولاك وخذ شاتك من بيته فهو اخذها قال: داود فقمت حتى صرت بداره فوجدت الشاة في بيته فاخذتها وابترأ القوم الذين كانوا يطالبون بها. وعن ابي العباس عتاب بن يونس الديلمي عن محمد بن علي بن حديد الوشا الوفي قال خرجنا حاجين فلما قضينا حجنا ورجعنا من مكة قطع علينا الطريق ونحن عصابة من شيعة ابي جعفر (عليه السلام) فاخذ كل ما كان معنا فلما وردنا المدينة دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فابتدأني


 

[ 303 ]

قبل ما اساله بشئ فقال يا علي بن حديد قطع عليكم الطريق في العرج وأخذ ما كان معكم وعددكم ثلاثة وعشرون نفرا وسمانا باسمائنا وأسماء آبائنا فقلت: أي والله يا سيدي كنا كما قلت وامر لنا بكسوة ودنانير كثيرة وقال: فرقها على اصحابك فانها بعدد ما ذهب منكم قال علي بن حديد: فصرت بها الى اخواني واصحابي ففرقتها عليهم فطلعت والله بازاء ما اخذ منا سواء. وعن محمد بن ابان عن خالد العطار الكوفي عن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: كنت في داره ببغداد وانا جالس بين يديه إذ دخل عليه ياسر الخادم فرحب به وقربه ثم قال: يا سيدي ستنا أم جعفر تستأذنك بالمسير إلى أم الفضل للسلام عليك وعليها وقد استاذنت فقال له: قل لها اقبلي إليه بالرحب والسعة فمضى الخادم وقمت وانا اقول في نفسي انه ليس هذا وقت جلوس ام جعفر تصير إليه ام الفضل فقال لي: اجلس يا ابا هاشم فان ام جعفر تحضر وترى ما يجب فجلست وانصرفت ام جعفر فاذنت عليه قبل أذانها على أم الفضل فقال للخادم قل لها يحضرني الا من يحتشم بنا وهو أبو هاشم الجعفري ابن عمك فاستحيت واعتزلت بجانب حيث لا اراهم واسمع كلامهم فدخلت وسلمت عليه واستاذنته بالدخول على ام الفضل بنت المأمون زوجته فاذن لها فما لبث ان عادت اله فقالت له يا سيدي اني لاحب ان اراك وام الخير بموضع واحد لتقر عيني وافرح واعرف امير المؤمنين اجتماعكما فيفرح فقال ادخلي إليها فاني تابعك في الاثر فدخلت ام الخير فقدمت نعليه ودخل والستور تشتال بين يديه فما لبث ان اسرع راجعا وهو يقول فلما رأينه اكبرنه وجلس وخرجت ام جعفر فقالت يا سيدي ما حدث الا خيرا ما رأيت وما حضرت الا خيرا ولم لا تجلس فما الذي حدث فقال يا ام جعفر حدث ما لا يصح ان اعيده عليك فارجعي الى ام الفضل فاساليها بينك وبينها فانها تخبرك ما حدث منها ساعة دخولي إليها فانه من


 

[ 304 ]

سر النساء فاعادت ام جعفر على ام الخير ما قاله (عليه السلام) فقالت: لها يا عمة ما الذي حدث مني قلت: يا بنية ما اعلم ما هو فحلفت اني ما احضرت الا خيرا، وظننت انه رأى في وجهك كرها، فقالت: لا والله يا عمة ما تبين بوجهي كرها ولا علمت ما حدث فارجعي إليه اساليه ان يخبرك فقلت: يا ابنة انه قال: انه من سر النساء فقالت ام الخير: كيف لا ادعو على أبي وقد زوجني ساحرا فقالت لها: يا بنية لا تقولي هذا فلئن في ابيك ولا فيه اريني فما الذي حدث قالت: يا عمة والله ما هو طلع حقا الا انعزلت الى الصلاة وحدث مني ما يحدث من النساء فضربت يدي الى اثوابي وضممتها فخرجت ام جعفر إليه، وقالت: يا سيدي انت تعلم الغيب قال: لا قالت من لك بان تعلم ما حدث من ام الخير مما لا يعلمه الا الله وهي في الوقت فقال لها: نحن من علم الله علمنا وعن الله نخبر، قالت له: ينزل عليك الوحي قال لا قالت: من اين لك علم ذلك، قال: من حيث لا تعلمين وسترجعين الى من تخبرينه بما كان فيقول لك: لا تعجبي فان فضله وعلمه فوق ما تظنين فخرجت ام جعفر ودنوت منه وقلت له: قد سمعتك وانت تقول فلما رأينه اكبرنه فهذا خبر النسوة الذي خرج عليهن يوسف لما رأينه والاكبار مما حدث من ام الفضل فعلمت انه الحيض. وعنه عن محمد بن اسماعيل الحسني عن محمد بن علي عن ايوب السراج عن محمد بن موسى النوفلي قال: دخلت على سيدي ابي جعفر (عليه السلام) يوم الجمعة عشيا فوجدت بين يديه فوجدت ابا هاشم داود ابن القاسم الجعفري وعينا ابي هاشم بهمدان ورأيت سيدي ابا جعفر مطرقا فقلت لابي هاشم ما يبكيك يا ابن العم قال: من جرأة هذا الطاغي المأمون على الله وعلى دمائنا بالامس قتل الرضا والآن يريد قتلي فبكيت وقلت: يا سيدي هذا مع اظهاره فيك ما يظهره قال: ويحك يا ابن العم الذي اظهره في ابي اكثر فقلت والله يا سيدي انك لتعلم ما علمه


 

[ 305 ]

جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد علم ما علمه المسيح وسائر النبيين وليس لنا حكم والحكم والامر لك فان تستكفي شره فانه يكفيك فقال ويحك يا ابن العم فمن يركب الي الليلة في خدمة بالساعة الثامنة من الليل وقد وصل الشرب والطرب الى ذلك الوقت واظهره بشوقه الى ام الفضل فيركب ويدخل الي ويقصد الى ابنته ام الفضل وقد وعدها انها تبات في الحجرة الفلانية في بعد مرقدي بحجرة نومي فإذا دخل داري عدل إليها وعهد الخدم ليدخلون الى مرقدي فيقولون ان مولانا المأمون منا ويشهروا سيوفهم ويحلفوا انه لا بد نقتله فاين يهرب منا ويظرون الي ويكون هذا الكلام اشعارهم فيضعون سيوفهم على مرقدي ويفعلون كفعل غيلانه في ابي فلا يضرني ذلك ولا تصل ايديهم إلي ويخيل لهم انه فعل حق وهو باطل ويخرجون مخضبين الثياب قاطرة سيوفهم دما كذبا ويدخلون على المأمون وهو عند ابنته في داري فيقول ما وراءكم فيروه اسيافهم تقطر دما وثيابهم وايديهم مضرجة بالدم فتقول ام الفضل اين قتلتموه فيقولون لها في مرقده فتقول لهم ما علامة مرقده فيصفون لها فتقول اي والله هو فتقدم الى رأس ابيها فتقبله وتقول: الحمد لله الذي اراحك من هذا الساحر الكذاب فيقول لها: يا ابنة لا تعجلي فقد كان لابيه علي بن موسى هذا الفعل فأمرت تفتح الابواب وقعدت للتعزية ولقد قتله قتله خدمي اشد من هذه القتلة ثم ثاب الى عقلي فبعثت ثقة خدمي صبيح الديلمي السبب في قتله فعاد الي وقال: انه في محرابه يسبح الله فتغلق الابواب ثم تظهر انها كانت غشية وفاقت الساعة فاصبري يا بنية لا تكون هذه القتلة مثل تلك القتلة فقالت يا ابي هذا يكون قال: نعم، فإذا رجعت الى داري وراق الصبح فابعثي استاذني عليه فان وجدتيه حيا فادخلي عليه وقولي له: ان امير المؤمنين شغب عليه خدمه وارادوا قتله فهرب منهم الى ان سكنوا فرجع وان وجدتيه مقتولا فلا تحدثي احدا حتى أجيئك وينصرف الى داره ترتقب ابنته الصبح فإذا اعترض تبعث الي خادما فيجدني في الصلاة قائما فيرجع إليها بالخبر فتجئ وتدخل علي وتفعل ما قال ابوها وتقول ما منعني ان اجيئك


 

[ 306 ]

بليلتي الا امير المؤمنين الى ان اقول والله الموفق ها هنا من هذا الموضع يقول انصرف وتبعث له وهذا خبر المأمون بالتمام. وعنه بهذا الحديث مرفوعا الى أبي جعفر (عليه السلام) وكان في عهده رجل يقال له شاذويه وكان له اهل حامل وانها اموية وهي قبيلة وما بالقبيلة من سلم امره الى ابي جعفر محمد (عليه السلام) الا هي وبعلها وليس تسليم امرهم الا ببينة من أبي جعفر (عليه السلام) فقدم إليه شاذويه وهو بين من حضر معه ومحمد بن سنان في مجلسه فلما قرب شاذويه من أبي جعفر فرمى (عليهم السلام) فقال أبو جعفر: يا شاذويه ببالك حديث وقد اتيت منا البينة وما ابديته الى سواي فلما سمع ذلك ايقن انه من اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة وقال: تريد يا شاذويه بيان ما اتيت الينا به من حاجة لك فقال: نعم، يا مولانا ما اتيت الا باظهار ما كان في ضميري تبديه لي فما سوالي لك وما الحاجة فقال: نعم ان لك اهلا حاملا وعن قريب تلد غلاما وانها لم تمت في ذلك الغلام فما تفاوض أبو جعفر بالكلام الا لاتخاذ الامامة واهلك من امية وانها جميلة المراجعة لك، فقال: نعم، يا ابا جعفر، وانها تسلمن امرها، الينا ببينة منا، لها وانها من قوم كافرين فانها راجعة الى الاسلام وكان الشاذويه رفيقا له لم يؤمن بما ياتي به أبو جعفر (عليه السلام) فقال له: بئس ما قلت وما قال أبو جعفر افما تفاوض أبو جعفر بالكلام الا لاتخاذ الامامة فقال: شاذويه قد علمنا ما علمت ولم تؤت من الفضل والايثار من أبي جعفر (عليه السلام) مثلما علمت فلما اسرعت إليه بهذه البشرى قال محمد بن سنان ليعلم فضل شعب ابي جعفر (عليه السلام) وعلمهم في سائر الناس قال شاذويه: فدخلت منزلي فإذا انا بزوجتي على شرف لم اجزع لذلك لان ابا جعفر (عليه السلام) اخبرني انها لم تمت في هذه الولادة فافاقت عن قريب وولدت غلاما ميتا فرجعت الى أبي جعفر (عليه السلام) فلما دنوت من المجلس فقال يا شاذويه وجدت ما اخبرتك وولدك حقا قلت نعم، يا


 

[ 307 ]

سيدي فلم لا تدعو لي حتى يرزقني الله ولدا باقيا قال لا تسألني قلت يا سيدي: سألتك قال ويحك الآن فقد نفذ فيه الحكم قلت اين فضلك قال محمد بن سنان قلت: يا سيدي تسال الله ان يجيئه فقال اللهم انك عال بسرائر عبادك فان شاذويه قد احب ان يرى فضلك عليه فاحيي له انت الغلام فانثنى أبو جعفر الي وقال الحق بابنك فقد احياه الله لك قال: فاسرعت الى منزلي فتلقتني البشارة ان ابني قد عاش فخبرت امه وكانت اموية فقالت والله الآن لاتبرأن من أمية جميعا قلت لها ومن تيم وعدي فقالت: تبرأت من فلان وفلان وتواليت بني هاشم وهذا الامام محمد بن علي (عليه السلام) وتشيعت وتشيع كل من في داري وما كان فيها غيري من يتولاه. وعن محمد بن ابراهيم، عن محمد بن علي، عن موسى بن القاسم، قال: شاجرني رجل ونحن في مكة من اصحابنا يقال له اسماعيل في ابي الحسن الرضا (عليه السلام) قال كان يجب ان يدعو المأمون الى الله والى طاعته فلم ادر ما اجيبه فانصرفت الى فراشي فرأيت ابا جعفر (عليه السلام) في نومي فقلت له جعلت فداك ان اسماعيل سألني هل كان يجب على ابيك ان يدعو المأمون الى الله وطاعته فلم ادر ما اجيبه فقال لي انما يدعو الامام الى الله مثلك ومثل اصحابك ومن تبعهم فانتبهت وحفظت الجواب من أبي جعفر محمد وخرجت الى الطواف فلقيني اسماعيل فقلت له ما قاله لي أبو جعفر فكاني القمته حجرا فلما كان من قابل اتيت المدينة ودخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وهو يصلي فاجلسني موفق الخادم فلما فرغ من صلاته قال لي: يا موسى ما الذي قال اسماعيل بمكة عام اول حيث شاجرك في ابي قلت جعلت فداك انت تعلم قال ما كانت رؤياك قلت رأيتك يا سيدي في نومي وشكوت اليك اسماعيل قال: فقلت انما يجب طاعته على مثلك ومثل اصحابك ممن لا يبغيه وخصمته، قال هو ذلك قال: انا قلت لك في منامك والساعة اعيده عليك فقلت والله هذا


 

[ 308 ]

هو الحق المبين. وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن علي بن حديد عن علي بن مسافر عن محمد بن الوليد بن يزيد، قال: اتيت ابا جعفر (عليه السلام) فوجدت في داره قوما كثيرين ورأيت ابن مسافر جالسا في معزل منهم فعدلت إليه فجلست معه حتى زالت الشمس فقمت الى الصلاة فصليت الزوال فرض الظهر والنوافل بعدها وزدت اربع ركع فرض العصر فاحتسيت بحركة ورائي بالتفت وإذا أبو جعفر (عليه السلام) فقمت إليه وسلمت عليه وقبلت يديه ورجليه فجلس وقال ما الذي اقدمك وكان في نفسي مرض من امامته فقال لي: سلم فقلت يا سيدي قد سلمت فقال ويحك وتبسم بوجهي فاناب الي فقلت سلمت اليك يا ابن رسول الله وقد رضيت بك اماما فكان الله جلا عني غمي وزال ما في قلبي من المرض من امامته حتى اجتهدت ورميت الشك فيه الى ما وصلت إليه ثم عدت من امامته حتى اجتهدت ورميت الشك فيه الى ما وصلت إليه ثم عدت من الغد بكرة وما معي خلق ولا أرى خلقا وانا اتوقع السبيل الى من اجد وينتهي خبري إليه وطال ذلك علي حتى اشتد الجوع فبينما انا كذلك إذ اقبل نحوي غلام قد حمل الي خوانا فيه طعام الوانا وغلام آخر معه طست وابريق فوضعه بين يدي وقال لي مولاي يامرك ان تغسل يديك وتاكل فغسلت يدي واكلت فإذا بابي جعفر (عليه السلام) قد اقبل فقمت إليه فأمرني بالجلوس فجلست واكلت فنظر الي الغلام ارفع ما سقط من الخوان على الارض فقال له ما كان معك في الخوان فدعه ولو كان فخذ شاة وما كان معك في البيت فالقطه وكله فان فيه رضى الرب ومجلبة الرزق وشفاء من الداء ثم قال لي: اسال فقلت جعلت فداك ما تقول في المسك فقال ابي الرضا: لم يتخذ مسكا فيه بان كتب إليه الفضل بن سهل يقول يا سيدي ان الناس يعيبون ذلك عليك فكتب يا فضل ما علمت ان يوسف الصديق (عليه السلام) كان يلبس الديباج مزررا بالذهب والجوهر ويجلس على كراسي الذهب واللجين فلم يضره ذلك ولا نقص من نبوته شيئا وان


 

[ 309 ]

سليمان بن داود (عليه السلام) وضع له كرسي من الفضة والذهب مرصع بالجوهر وعليه علم وله درج من ذهب إذا صعد على الدرج اندرج فترا فإذا نزل انتثرت بين يديه والغمام يظلله والانس والجن تخدمه وتقف الرياح لامره وتنسم وتجري كما يامرها والسباع الوحوش والطير عاكفة من حوله والملائكة تختلف إليه فما يضره ذلك ولا نقص من نبوته شيئا ولا من منزلته عند الله وقد قال الله عز وجل (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطبيات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ثم امر ان يتخذ له غالية فاتخذت باربعة الآف دينار وعرضت عليه فنظر إليها والى سدوها وحبها وطيبها وامر ان يكتب لها رقعة من العين وقال العين حق فقلت جعلت فداك فما لمواليكم في آاتكم فقال ان جدي جعفر الصادق (عليه السلام) كان له غلام يمسك عليه بغلته إذا دخل المسجد فبينما هو في بعض الايام جالس في المسجد إذ اقبلت من خراسان قافلة فاقبل رجل منهم الى الغلام وفي يده البغلة فقال له من داخل المسجد فبينما هو في بعض الايام جالس في المسجد إذ اقبلت من خراسان قافلة فاقبل رجل منهم الى الغلام وفي يده البغلة فقال له من داخل المسجد فقال مولاي جعفر الصادق بن رسول الله فقال له الرجل: هل لك يا غلام تسأله يجعلني مكانك واكون له مملوكا واجعل لك مالي كله فاني كثير الخير والضياع اشهد لك بجميعه واكتب لك وتمضي الى خراسان فتقبضه وانا موضعك اقيم فقال له الغلام: اسال مولاي ذلك فلما خرج قدم بغلته فركب وتبعه كما كان يفعل فلما نزل في داره استاذن الغلام ودخل عليه فقال له مولاي: يعرف خدمتي وطول صحبتي قال: فان ساق الله لنا خيرا تمنعني منه، فقال له جدي: اعطيك من عندي وامنعك من غيري حاش لله فحكى له حديث الخراسني فقال له (عليه السلام) ان زهدت بخدمتنا وارغبت الرجل فينا قبلنا وارسلناك فولى الغلام فقال له: انضجع بطول الصحبة ولك الخير قال: نعم، فقال له: إذا كان يوم القيامة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنور الله اخذنا لحجرته وكذلك أمير المؤمنين وكذلك فاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) وكذلك شيعتنا يدخلون مدخلنا ويردون موردنا ويسكنون مسكننا فقال الغلام: يا مولاي


 

[ 310 ]

بل اقيم بخدمتك قال اختر ما ذكرت فخرج الغلام الى الخراساني فقال له يا غلام قد خرجت الي بغير الوجه الذي خلت به فاعاد الغلام عليه قول الصادق (عليه السلام) فقال له: ما تستأذن لي عليه بالدخول فاستاذن ه ودخل عليه وعرفه رشيد ولايته فقبل ولايته وشكر له وامر للغلام بوقته بالف درهم وقال هذا خيرا لك من مال الخراساني فودعه وساله ان يدعو له ففعل بلطف ورفق وبشاشة بالخراساني ثم امر له برزمة عمائم فحضرت وقال للخراساني خذها فان كل ما معك يوخذ بالطريق وتبقى معك هذه العمائم وتحتاج إليها فقبلها وسار فقطع عليه الطريق واخذ كما كان معه غير العمائم واحتاج إليها فباع منها وتجمل الى ان وصل الى خراسان قال الكرماني حسب مواليهم بهذا الشرف فضلا.