[ 261 ]

 

الباب التاسع الامام موسى الكاظم (عليه السلام)

 


 

[ 263 ]

مضى موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (صلوات الله عليهم اجمعين) وله تسع واربعون سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة سنة من الهجرة. وكان مقامه مع أبيه جعفر الصادق اربعة عشر سنة، وأقام بعد ابيه خمسا وثلاثين سنة. واسمه: موسى. وكناه أبو الحسن، وابو ابراهيم، والخاص أبو علي. ولقبه: الكاظم، والصابر، والمصلح، والمبرهن، والبيان، وذو المعجزات. وامه حميدة البربرية، ويقال: الاندلسية، والبربرية اصح. ومشهده ببغداد في مقابر قريش. وكان له من الولد علي الرضا الامام (صلوات الله عليه)، وزيد الباز، وابراهيم، وعقيل، ومروان، واسماعيل، وعبد الله، ومحمد،


 

[ 264 ]

واحمد، وجعفر، والحسن، ويحيى، والعباس، وحمزة، وعبد الرحمن، والقاسم. وكان له من البنات: ام فروة، وام ابيها، ومحمودة، وامامة، وميمونة، وعلية، وفاطمة، وام كلثوم، آمنة وزينب، وام عبد الله، وام القاسم، وحليمة، وأسماء، وصرخة. وكانت وفاته في زمن هارون الرشيد في دار السندي بن شاهك والي الشرطة ببغداد في الكوفة. وكان من دلائله وبراهينه (عليه السلام): قال الحسين بن حمدان الخصيبي قدس الله روحه حدثني جعفر بن محمد بن مالك، عن ابراهيم بن زيد النخعي، عن الخليل بن محمد عن احمد البزاز، وكان بزاز أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: لما بعث الرشيد إليه فحمله من المدينة وجاء به الى بغداد واعتقله في داره وفكر في قتله بالسم فدعا برطب فاكل منه ثم اخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة واخذ سلكا فركه بالسم وادخله في سم الخياط واخذ الرطبة واقبل يردد السلك المسموم من رأس الرطبة الى آخرها حتى علم انه قد مكن السم فيها واستكثر منه ثم ردها بين الرطب وقال: لخادمه احمل هذه الصينية الى موسى، وقل له: ان أمير المؤمنين احمل لك من هذا الرطب وتنغص لك به وهو يقسم عليك بحقه الا ما اكلته عن آخره فانه اختاره لك بيده ولا تدعه يبقى منه شيئا ولا يطعم منه احدا فاتاه به الخادم وبلغه الرسالة فقال: ائتني بخلال فناوله خلالا وقام بازائه وهو ياكل من الرطب وكانت للرشيد كلبة أعز عليه من كل مملكته فخلعت نفسها وخرجت تجر سلاسلها وهي من فصحة حتى حاذت موسى بن جعفر (صلوات الله عليه) فبادر بالخلال الى الرطبة المسمومة فغرزها ورماها الى الكلبة فاكلتها، فلم تلبث ان ضربت بنفسها الى الارض وعوت حتى تقطعت قطعا واكل


 

[ 265 ]

(عليه السلام) باقي الرطب كله عن آخره وحمل الغلام الصينية وصار بها الى الرشيد، فقال له: اكل الرطب كله قال: نعم، قال: كيف رأيته، فقال ما انكرت منه شيئا، فقال: وورد خبر الكلبة وانها قهرت وماتت فقلق الرشيد بذلك قلقا شديدا واستعظمه ووقف على الكلبة فوجدها متهرأة بالسم فاخذ الخادم ودعا له بالسيف والنطع وقال له لتصدقني الصحيح عن خبر الرطب والا قتلتك قال له: يا أمير المؤمنين اني حملت الرطب الى موسى وبلغته سلامك وقمت بازائه فطلب خلالا فدفعته إليه فاقبل يغرز الرطبة بعد الرطبة وياكلها حتى مرت به الكلبة فغرز رطبة ورماها إليها وأكل باقي الرطب فكان ما ترى يا أمير المؤمنين، فقال الرشيد: ما ربحنا من موسى بن جعفر الا ان اطعمناه جيد الرطب وضيعنا سمنا وقتلنا كلبتنا ما في موسى حيلة. وعنه بهذا الاسناد عن علي بن احمد البزاز قال أمر الرشيد السندي بن شاهك ان يبني لموسى (عليه السلام) مجلسا في داره وتحول إليه من دار هارون ويقيده بثلاثة قيود من ثلاثة ارطال حديد ويلزمه ابقاءه ويطبق عليه ويغلق الباب في وجهه الا وقت الطعام ووضوء الصلاة قال: فلما كان قبل وفاته بثلاثة ايام دعا برجل كان فيمن وكل به يقال له المسبب وكان وليا فقال له يا مسبب قال: لبيك قال: إني ظاعن عنك في هذه الليلة الى مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه واله) لا عهد الى من بها عهدا يعمل به بعدي قال المسبب كيف تأمرني والحرس معي ان افتح لك الابواب واقفالها، قال: ويحك يا مسبب ضعف يقينك في الله عز وجل وفينا فقلت لا يا سيدي ولم ازل ساجدا قال: فمه قال: المسبب فثبتني سيدي، وقال: يا مسبب إذا مضى من هذه الليلة المقبلة ثلثها قف وانظر قال المسبب: فحرمت على نفسي الانضجاع في تلك الليلة ولم ازل ساجدا وراكعا وناظرا الى ما وعدني به، فلما مضى من الليلة ثلثها تغشاني النعاس وانا جالس وإذا سيدي موسى (صلوات الله عليه) يجذبني برجله فقال:


 

[ 266 ]

قم فقمت قائما وإذا بتلك الجدران المشيدة والابنية المعلاة وما حولها من القصور والدور وقد صارت كلها ارضا والدنيا من حولها فضاء فظننت ان مولاي قد اخرجني من المسجد الذي كان فيه فقلت لمولاي اين انا من الارض فقال لي في مجلسي فقلت مولاي خذ بيدي من ظالمي وظالمك فقال يا مسبب اتخاف القتل قلت مولاي انا معك فلا قال: يا مسبب كن على جملتك فاني راجع اليك بعد ساعة فإذا وليت عنك فيعود مجلسي الى بنيانه قلت مولاي فالحديد لا تقطعه قال: يا مسبب بنا والله لان الحديد لداود فكيف يصعب علينا قال المسبب: ثم خطا من بين يدي خطوة فلم أدر اين غاب عن بصري، ثم ارتفع البنيان وعادت القصور الى ما كانت عليه فاشتد هيامي فعلمت ان وعده الحق فلم ازل قائما على قدمي ولم يمض الا ساعة كما اخبرني حتى رأيت الجدران والابنية والدور والقصور قد خرجت الى الارض ساجدة فإذا بسيدي قد عاد الى مجلسه وعاد الحديد الى رجليه فخررت ساجدا لوجهي بين يديه فقال لي ارفع رأسك واعلم ان سيدك راحل الى الله تعالى في ثالث هذا اليوم الماضي فقلت مولاي فاين سيدي علي الرضا قال: شاهد عندك غير غائب وحاضر غير بعيد يسمع ويرى قلت سيدي الى اين قصدت قال قصدت والله كل مستجيب لله على وجه الارض شرقا وغربا حتى صحبني من الجن في الراري والبحر ومختفي الملائكة في مقاماتهم وصفوفهم فبكيت قال لا تبك فانا نور لا يطفا ان غبت عنك فهذا ابني علي الرضا بعدي هو انا فقلت الحمد لله الذي وفقني ثم دعاني في ثالث ليلة فقال لي يا مسبب ان سيدك يصبح من ليلة يومه على ما فرغت من الرحيل الى الله فإذا دعوت بشربة من الماء فشربتها فرأيت قد انتفخ بطني واصفر لوني واحمر واخضر وتلون الوانا فخبر الطاغية هارون بوفاتي قال المسبب لم ازل ارقب وعده حتى دعا بشربة من الماء فشربها ثم دعاني وقال يا مسبب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيقول انه يتولى امر دفني وهيهات ان يكون ذلك ابدا فإذا حملت الى المقابر المعروفة بمقابر قريش فالحدوني بها، ولا تعلوا على قبري بناء وتجنبوا زيارتي ولا تأخذوا


 

[ 267 ]

من تربتي ترابا لتتبركوا فان كل تربة له مجربة الا تربة جدي الحسين (صلوات الله عليه) فان الله تعالى جعلها شفاء لشيعتنا واوليائنا، قال: ثم إني رأيته مختلفا الوانه وينتفخ بطنه ثم رأيت شخصا اشبه الاشخاص بشخصه جالسا الى جانبه في مثل شبهه وكان عهدي بالرضا بن موسى غلاما فاقبلت اريد سؤاله فصاح بي اليس قد نهيتك يا مسبب فوليت عنه ثم لم ازل حتى قضى وغاب ذلك الشخص ثم اوصلت الخبر الى الرشيد لعنه الله فوافى السندي بن شاهك فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون انهم يغسلونه ويحنطونه ويكفنونه وايديهم لا تصل إليه وا يصنعون به شيئا وهو مغسل محنط مكفن، ثم حمل فدفن في مقابر قريش ولم يعلو عليه بناء الا في هذا الزمان. وعنه عن محمد بن موسى القمي عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن اسحاق بن عمار الكوفي، قال: سمعت سيدي ابا الحسن موسى (صلوات الله عليه) ينعى الى رجل نفسه ويخبره ساعة موته وقرب الموت منه يوما بعينه سماه فقلت في نفسي والله انه يعلم متى يموت الرجل من شيعته فالتفت الي شبيه المغضب فقال لي: يا اسحاق قد كان رشيد الهجري من المستضعفين يعلم علم الخفايا والبلايا فالامام اولى بعلم ذلك ثم قال يا اسحاق اصنع ما انت صانع فان عمرك فني وانت تموت الى سنتين وأبوك وأخوك وأهلك لا يلبثون بعدك الا يسيرا يتفرق كلهم ويخفون بعضهم بعضا ويصيرون عند اخوانهم ومن عرفهم رحمه الله قال اسحاق فاني استغفر الله مما عرض في صدري فلم يلبث اسحاق بعد هذا الكلام الا سنتين ثم مات واخوته وتفرقت كل اهل بيته وقام آل عمار باموال وافتقروا اقبح فقر. وعنه بهذا الاسناد عن علي بن احمد البزاز قال: كنت في جامع الكوفة في شهر رمضان في العشر الاخير، إذ جاء حبيب الاحول بكتاب مختوم من أبي الحسن موسى (عليه السلام) مقداره اربع اصابع فيه:


 

[ 268 ]

بسم الله الرحمن الرحيم إذا قرأت كتابي هذا فانظر الكتاب الصغير المختوم الذي في هذا الكتاب فاحرزه عندك حتى اطلبه منك. قال: فاخذت الكتاب فادخلته في بيت جوف بيت فيه ثوبي ومتاعي فجعلته في صندوق مقفل واخذت مفاتيح الاقفال فكانت معي في نهاري وليلي ولا ياخذها غيري ولا يدخل ذلك البيت احد سواي، فلما حضر الموسم خرجت الى مكة وحملت معي كلما كان أمرني بحمله إليه فلما قدمت عليه قال: يا علي ما فعل الكتاب الصغير الذي امرتك باحرازه فقلت جعلت فداءك عندي بالكوفة في بيت في جوف بيت وان لي في البيت صندوقا فيه قمطر في القمطر حقة فيها الكتاب وكل واحد منها مفصل لا يدخل ذلك غيري، والمفاتيح معي بمكة قال يا علي ان رأيت الكتاب تعرفه قلت: اي والله يا سيدي إني لاعرفه ولو انه في وسط الف كتاب، قال: فرفع مصلى كان تحته فاخرج ذلك الكتاب بعينه الي، ثم قال يا علي هاك هو واحتفظ به فقلت والله ما نفعني احرازي ولا اقفالي ببيت اردته يا سيدي قال خذه: واحتفظ به والله لو علمت بما فيه لضاق به ذرعك قال علي: فاخذته ورددته إلى الكوفة معي وقعدت وأخي محمد وكانت محيطة في جنب جبتي القز فكان الكتاب لا يفارقني ايام حياته (عليه السلام) فلما توفي لم يكن همي الا ان قمت انا وأخي الى فروتي ففتقت جيبها وطلبت الكتاب فلم اجده فعلمنا أنه (عليه السلام) أخذه كما في الكرة الاولى. وعنه عن محمد بن جرير الطبري عن محمد بن علي، عن علي بن أبي حمزة الثمالي، قال: أخبرني شعيب قال: قال لي أبو الحسن موسى (صلوات الله عليه) بمكة مبتدئا من غير مسالة اركب يا شعيب وسر قليلا يلقاك رجل من أهل المغرب يسالك عني وعن امامتي فقل له: ما تعلمه منها وما قاله ابي في اوان سؤالك عن الحلال والحرام فافته فانه يحتاج الى ذلك قلت جعلت فداءك ما علامة هذا الرجل قال: هو رجل طويل جسيم يقال له يعقوب إذا لقيك فسالك عنا عليك ان تجيبه عما سالك عنه


 

[ 269 ]

فانه حاج قومه وملتمس معرفتي وإذا احب ان يدخل علي فافعل ما امرتك به قال شعيب: فوالله لقد ركبت وسرت قليلا فإذا انا بالرجل قد اقبل بتلك العلامات فقلت: هذا والله الرجل الذي وصفه سيدي فلما دنا مني اراد كلامي فقلت له يا يعقوب فنظر إلي وقال: ما اعلمك باسمي فقلت له وصفك لي وسماك من قصدت معرته فقال: اريد ان اسالك عن صاحبك فقلت له: عن أي اصحابي تسال قال عن أبي الحسن موسى (صلوات الله عليه) فقلت له ومن اين انت قال لي من أهل بلد المغرب قلت كذا اخبرني سيدي فمن اين عرفتني قال لي: فما اسمك فلم اقل له فقال لي: يا هذا الرجل اتاني آت في منامي، فقال ألق شعيب فاسأله عن جميع ما تحتاج إليه فانه يخبرك قلت له: وانا شعيب والذي امرك في منامك وسماني هو الذي سماك لي ووصفك فحمد الله وشكره، وقال هو صاحبنا أبو الحسن موسى (عليه السلام) فقلت له هو لا غير وخرجنا الى الطواف فطفنا فقال لي أريد أن تدخلني عليه فقلت تجلس مكانك حتى افرغ من طوافي واجيبك ان شاء الله تعالى فطفت ثم اتيته فكلمته فإذا به رجل عاقل فاخذت بيده فادخلته على أبي الحسن موسى (عليه السلام) فلما نظر إليه قال له: يا يعقوب قدمت أمس ووقع بينك وبين اخى خلف في موضع كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضا وليس هذا ديني ولا دين آبائي ولا نامر بهذا احدا من الناس فاتق الله وحده لا شريك له فانكما ستفرقان بالموت اما ان اخاك سيموت في سفره قبل ان يصل الى اهله وستندم انت على ما كان بينكما فانكما تقاطعتما فبتر الله اعماركما قال له يعقوب جعلت فداءك متى أجلي قال له: اما اجلك فانه كان قد حضر وبتر حتى أوصلت عمتك بما اوصلتها في المنزل الذي نزلتموه بعد المنزل الذي اختصمت انت واخوك فيه فزاد الله في عمرك عشرين سنة قال شعيب: فلقيت الرجل بعينه من قابل في الحج فقلت له ما كان من خبر اخيك فقال مات والله في الطريق قبل ان يصل الى اهله وندمت على ما كان بيني وبينه وقد علمت ان اجلي على ما


 

[ 270 ]

قال (عليه السلام). قال الحسين بن حمدان: حدثني علي بن بشر، عن محمد بن زيد، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسن والحسين ابني العلاء جميعا، عن صفوان بن مهران الجمال لابي عبد الله الصادق (عليه السلام) الى باب الدار واضع عليها رحلها ففعلت ووقفت افتقد امره فإذا انا بابي الحسن موسى (صلوات الله عليه) قد خرج مسرعا وله في ذلك الوقت ست سنين مشتملا ببردته اليمانية وذوائبه تضرب على كتفيه حتى استوى في ظهر الناقة وأثارها فلم أجسر على منعه من ركوبها وذهبت به فغاب عن نظري فقلت انا لله وما الذي اقول لسيدي ابي عبد الله ان خرج ليركب الناقة وبقيت متململا حتى نمت ساعة فإذا انا بالناقة قد انحنت كأنها كانت في السما وانقضت الى الارض وهي تعرق عرقا جاريا ونزل عنها ولم يعرق لها جبين وسبق دخل الدار فخرج مغيث الخادم الي وقال لي: يا صفوان ان مولاك يامرك ان تحط عن الناقة رحلها وتردها الى مربطها فقلت الحمد لله ارجو ان الامام ندم على ركوبه اياها وقلت ذلك ووقفت في الباب فاذن لي بالدخول على سيدي ابي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) فقال: يا صفوان لا لوم عليك فيما امرتك به من احضارك الناقة واصلاح رحلها عليها وما ذاك الا ليركبها أبو الحسن موسى (عليه السلام) فهل علمت اين بلغ عليها في مقدار هذه الساعة قلت: والله انه لا علم لي بذلك قال: بلغ ما بلغه ذو القرنين وجازه اضعافا مضاعفة فشاهد كل مؤمن ومؤمنة وعرفه نفسه وبلغه سلامي وعاد فادخل عليه يخبرك بما كان في نفسك وما قلت لك قال صفوان: فدخلت على موسى (صلوات الله عليه) وهو جالس وبين يديه فاكهة ليست من فاكهة الزمان والوقت فقال لي: يا صفوان لما ركبت الناقة قلت في نفسك إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا أقول لسيدي أبي عبد الله إذا خرج ليركب فلا يجدها وأردت منعي من


 

[ 271 ]

الركوب فلم تجسر فوقفت متململا حتى نزلت فخرج الامر إليك بالحط عن الراحلة فقلت: الحمد لله ارجو بالدخول فقال: يا صفوان لا لوم عليك هل علمت أين بلغ موسى في مقدار هذه الساعة فقلت الله وأنت يا مولاي أعلم فقال لك: إني بلغت ما بلغه ذو القرنين وجاوزته اضعافا مضاعفة وشاهدت كل مؤمن ومؤمنة وعرفته نفسي وبلغته سلام ابي فقال ادخل عليه فانه يخبرك بما كان في نفسك وما قلت لك قال صفوان: فسجدت لله شكرا وقلت له يا مولاي هذه الفاكهة التي بين يديك في غير اوانها ياكلها مثلي إذا اكل منها من هو مثلك قال فعد الى دارك فقد اتاك منها رزقك فخرجت من عنده فقال لي مولاي أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) يا صفوان ما زادك كلمة ولا نقصك كلمة فقلت لا والله يا مولاي فقال كن في دارك فاني آكل من الفاكهة واطعمه واطعم اخوانك وياتيك رزقك كما وعدك موسى فقلت ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ومضيت الى منزلي وحضرت الصلاتان الظهر والعصر فصليتهما وإذا بطبق من تلك الفاكهة بعينها وقال لي الرسول يقول لك مولاك فما تركنا لنا وليا الا واطعمناه على قدر استحقاقه. وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن خلاد المقري، عن أبي خالد الديالي، عن علي بن احمد البزاز، قال: لما قدم هارون الرشيد على سيدنا موسى (صلوات الله عليه) من المدينة الى بغداد امر ان لا يدخل الكوفة وأن يعدل له إلى البصرة ويصعد به في الدجلة إلى بغداد ففعل به ذلك فلما وصل إلى بغداد أمر به ان يكرمه فاصحب له وفرشت له الفراشات وحملت إليه الاطعمة والاغذية واسكن أبو الحسن موسى اياها وأمر الناس بالسلام عليه ولم يزل ثلاثة أيام تجيئه أهل الدولة بالزي وان يحضر الناس الدار ووقفوا في مراتبهم ولا يتاخر أحد قرشي ولا هاشمي، ولا عربي ولا عجمي الا حضر الناس بالزي الحسن والعدد والجنس واقيموا صفوفا من خارج الدار والشارع وإلى


 

[ 272 ]

دون السرير وزخرفت الدار وجلس الرشيد على السرير وعليه البردة والتاج والمصحف بين يديه وأقام بني هاشم صفين الى طرف البساط واقام محمد الامين وعبد الله المأمون بالسرد وسيوفهما ومناطقهما مع السرير ووقف الوزراء والكتاب من دون بني هاشم ووقف من دونهم الخدم والحشم ووقف من دونهم القواد والامراء الامثل فالامثل واستحضر أبا الحسن موسى (عليه السلام) على حما اسود يماني وعليه بياض وبين يديه ثلاثة نفر من مواليه فلما ورد الباب خرج الاذن بان يدخل على حماره الى طرف البساط وان يشار إليه بالسلام إلى أن يصل فدخل على هذا حتى انتهى الى طرف البساط فصاح هارون الرشيد بابنيه الامين والمأمون تلقيا ابن عمكما فاسرعا يجران سيفيهما حتى تلقياه فقبلا فخذيه واشار هارون إليه قبل ان يطا البساط فلم يفعل أبو الحسن موسى ذلك فنزل على البساط فلما قرب من سريره ومحمد وعبد الله بين يديه تطاول الرشيد نحوه فلما صعد السرير قام إليه قائما وأعتنقه وأوسع له من موضعه وفرح به وأظهر سرورا بقدومه عليه وقال: قد رأيتك شيئا وقد قضينا وطرا من السلام والتلاقي ولا عليك يا ابن العم اليوم جلوس اكثر من هذا فاظهر له أبو الحسن موسى صلوات الله عليه مثلما اظهر وشكر له ونهض فقال الرشيد لابنيه يمشوا بين يديه واشار الى بني هاشم ان يمشوا بين يديه وقدم حماره الى طرف البساط فركب من حيث نزل وسار وبني هاشم بين يديه الى باب الدار قال عبد الله المأمون يا أمير المؤمنين من هذا الابن العم العظيم الشان الذي ما رأيتك فعلت باحد من العالمين فعلك به، قال الرشيد: يا عبد الله هذا حجة الله عليه خلقه وإمام المسلمين، قال له عبد الله: يا أمير المؤمنين ألست انت الامام قال: يا بني نحن أئمة الملك وهذا إمام الدين، قال له المأمون: يا أمير المؤمنين فهل هو أفضل أو أنت قال: والله يا بني لو قلت اني افضل منه تعذبت في النار، قال له المأمون فتحبه يا أمير المؤمنين وتدين لله به قال: نعم أما في الدين فنعم وأما في الملك فلا فكان سبب تشيع المأمون قول ابيه، ما قاله


 

[ 273 ]

في موسى قال علي ابن حمد: فلما أنساه الشيطان ذكر ربه وأمر باعتقاله وحسبه وفكر بماذا يقتله فقال اخوه إبراهيم بن شكلة يا أمير المؤمنين أما نفعل بموسى ما فعله جدك المنصور بابيه جعفر قال وماذا صنع به قال حدثني ابي المهدي انه بعث الى قوم من الاعاجم يقال لهم البزغز فاستدعى رجالا ينعم عليهم ويفضلهم ويطيعونه في كلما يامرهم به فقدم عليه منهم نحو المائة رجل فدخلوا عليه، فلما نظر إليهم واستنطقهم وجدهم قوما لا يفصحون بكلمة ولا يعقلون ما يقال لهم ولا يعقلون ما يقولون فقال لترجمانهم قل لهم: من ربكم فكلمهم فسكتوا عنه فلم يجيبوه فقال المنصور: هؤلاء يصلحون إذا كانوا لا يعرفون الله فخلع عليهم الديباج المثقل والوشي وأقيمت لهم الانزال السرية الوافرة وفرشوا وخدموا وحملت إليهم الاموال والالطاف تجدد عليهم في كل يوم وخلع واموال حتى مضى لهم نحو شهر فقالوا لترجمانهم: هذا الملك يفعل بنا هذا الفعل ولا يتخذ منا كلمة انظر أي شئ يريد بنا فقال له الترجمان ما قالوا فقال قد قالوا: كل هذا، قال: نعم، قال: فقل لهم ان لي عدوا يدخل علي الليلة فإذا دخل فليقتلوه فعرفهم الترجمان ذلك قالوا نحن قتل كل عدو له إذا رأيناه فقال لهم: احضروا الليلة الدار باسلحتكم فان العدو يوافي فإذا رأيتموه فاقتلوه قال الرشيد: ثم ماذا قتلوه قال له ابراهيم: اخوه لا لان جدك صفح عنه ووهب له ذنبه قال له الرشيد: ليس كذا بلغني قال ابراهيم: فما الذي بلغك يا أمير المؤمنين قال: بلغني أنه احضرهم في الدار في الثلث الاول من الليل فحضروا وجردوا اسلحتهم ووقفوا يزأرون زئير السباع وبعث الى جعفر بن محمد فاتاه فلما اقبل قد حشروا الدار قال: يدخل وحده وقال: لتجرمانهم هو عدوي يدخل وحده فاقتلوه فلما دخل جعفر واشرف عليهم تعاووا مثل الكلاب ورموا اسلحتهم وكتفوا ايديهم وخروا على وجوههم الى الارض نحو جعفر فلما رآه جدي المنصور قام إليه: وتلقاه وقال: يا ابا عبد الله ما الذي جاء بك في هذا الوقت قال له


 

[ 274 ]

جعفر: رسلك أتت بي اليك وما جئتك والله الا مغسلا محنطا مكفنا قال له جدي: حاش لله ان يكون كما تقول ما كنت لاقطع رحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيك فارجع راشدا فخرج جعفر والقوا البزغز على الارض مكتفين حتى خرج جعفر قاموا كالسكارى وقالوا لترجمانهم: لا جزاك الله خيرا تقول يدخل عليكم عدو الملك وحده فاقتلوه فيدخل علينا إمامنا ومن يكفلنا في ليلنا ونهارنا ويدبرنا كما يدبر الرجل ولده فقال جدي المنصور للترجمان ما يقولون فاعاد عليه قولهم فقال: اخرجهم عني فلا حاجة لي فيهم وسيرهم من تحت ليلتهم قال ابراهيم بن شكلة لعنه الله: ما سمعت من ابيك باقي الحديث الذي سمعته منك قال له الرشيد: أليس أبي المهدي قال: باقي الحديث قال ابراهيم: يا امير المؤمنين ما قال لك قال: قالت امي حدثها ياسر الخادم لانه كان حاضرا ذلك قال له ابراهيم قد كانت امك اقرب إليه من أمي وكان ياسر الخادم يلقي إليها سر جدك المنصور قال الرشيد ولكنني سافعل فعلا إن تم لم يبق غيره في موسى ثم كتب الى عماله في الاطراف ان التمس لي قوما غتما لا دين لهم ولا يعرفون لهم ربا ولا رسولا فاقدم عليه منهم طائفة فنظر عماله فلم يجدوا احدا بهذه الصفة الا قوما من وراء بحر الترك يقال لهم: العبدة راسلوهم وحملوا إليهم ولطفوا بهم وآمنوهم إلى أن أقدموا منهم على الرشيد خمسين رجلا قال احمد بن علي البزاز: فلما قدموا نزلوا في حجر دار الرشيد وحمل إليهم من الكسوة الحلي والمال والجوهر والطيب والجواري والخدم وما يجد ذكره قولا لترجمانهم: قل لهم من ربكم فقالوا لا نعرف لنا ربا ولا ندري ما هذه الكلمة قال لهم من انا قالوا له قل انك ما شئت حتى نقول انك هو فقال لترجمانهم: أليس قد رأيتم ما فعلت بكم منذ قدمتم قالوا: بلى قال: فانا أقدر أجمعكم وأفرقكم واجيعكم واعريكم واقتلكم واحرقكم بالنار قالوا له لا ندري ما تقول الا انا نطيعك ولو في قتل انفسنا وكان الرشيد قد صور لهم صورة موسى (صلوات الله عليه) فامر الرشيد


 

[ 275 ]

فنصب لهم موائد وهو جالس والخادم معه على مشرف ايديهم وينقل إليهم الطعام الذي لا يعقلونه وخرجت عليهم الجواري بالعيدان والنايات والطبول فوقفن صفوفا حولهم يغنين والكاسات تأخذهم من كل جانب والخلع تطرح عليهم والاموال تنثر بين أيديهم فلما سكروا قال لترجمانهم: قل لهم ياخذوا سيوفهم ويدخلوا على عدو لي في هذه الحجرة وقال ان كان هؤلاء يعرفون موسى كمعرفة البزغز لجعفر بن محمد فسيفعلون فعلهم وان لم يعرفوه سيقتلون صورته فإذا قتلوا صورته اليوم قتلوه غدا فاخذوا سيوفهم عليه ورضوه فقال الرشيد لعنه الله: الآن قتلت موسى بهؤلاء القوم فخلع عليهم خلعا اخرى وحمل إليهم الاموال وردهم إلى منازلهم فلما كان من الغد قال الرشيد: اثبتوا تلك الصورة والمثال يقينا ثم أمر فصور مثالا آخر صورة موسى (عليه السلام) كانه هو في غير تلك الحجرة واحضرهم ففعل بهم مثل ذلك الفعل وأمرهم ان يسكروا وقال لترجمانهم: فقل لهم ياخذوا سيوفهم ويدخلوا عليه فوضعوها من أيديهم ثم قالوا: أليس هذا الذي قتلناه بالامس قال هو شبهه فاقتلوه فوضعوا عليه سيوفهم فرضوه فزادهم خلعا وقال لهم: قد قتلت موسى بن جعفر بعون الله وردهم الى منازلهم ولم يقدم على اظهار أبي الحسن موسى (عليه السلام) حتى صوره سبع مرات ويقتلونه فقال الرشيد: ما بقي لي غير اظهاري ابا الحسن موسى لهم فامر باحضاره وجعله في حجرة مثل تلك الحجر على سبيل تلك التماثيل واحضرهم وقال لترجمانهم: ما بقي لي من اعدائي غير عدو واحد فاقتلوه وأنا اسلم إليكم المملكة فاخذوا سيوفهم ودخلوا على موسى (صلوات الله عليه) والرشيد وخادمه على مشترف له على الحجرة يقول للخادم أين موسى قال جالس في وسط الحجرة على بساط قال ماذا يصنع قال: مستقبل القبلة مادا يده الى السماء يحرك شفتيه قال الرشيد: إنا لله ليته ما يريده ثم قال للخادم: دخل القوم عليه قال قد دخل اولهم ورومي سيفه ودخلوا معه ورموا سيوفهم وخروا سجدا حوله وهو يمر يده المباركة


 

[ 276 ]

على رؤوسهم ويخاطبهم بمثل لغتهم وهم يخاطبونه قال فغشي على الرشيد، وقال اغلق باب المشترف الذي نحن فيه لا يامرهم موسى بقتلنا وقل لترجمانهم حتى يقول لهم يخرجوا واقبل يتململ ويقول وافضيحتاه من موسى كدته كيدا ما نفعني فيه شيئا وصاح الخادم لترجمانهم قل لهم أمير المؤمنين يقول لكم اخرجوا فخرجوا مكتفين الايدي على ظهورهم وهم يمشون القهقري حتى غابوا عنه ثم جاؤوا الى منازلهم فاخذوا ما فيها وركبوا خيولهم من ساعتهم وخرجوا وامر الرشيد بترك العرض لهم قال علي بن احمد والله لقد اتبعهم خلق كثير من شيعة ابي الحسن موسى (صلوات الله عليه) فما وجدوا لهم اثرا ولا علم احدا اين ساروا ولا اي طريق اخذوا فكان هذا من دلائله وبراهينه (عليه السلام).