[ 235 ]

 

الباب السابع باب الامام محمد الباقر (عليه السلام)


 

[ 237 ]

مضى محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) وله سبع وخمسون سنة مثل عمر ابيه وجده (عليهما السلام) في عام مائة واربعة عشر سنة من الهجرة في شهر ربيع الآخر. وكان مولده (عليه السلام) قبل مضي الحسين جده بثلاث سنين وهي سنة ثمانين وخمسين من الهجرة. وأقام مع ابيه علي بن الحسين (عليهما السلام) خمسة وثلاثين سنة غير شهرين. وكان اسمه محمدا، وكنيته أبو جعفر لا غير. ولقبه باقر العلم، والشاكر لله، والهادي، والامين. وروي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله الانصاري انك لن تموت حتى تلقى سيد العابدين علي بن الحسين وابني منه محمد بن علي (عليهما السلام) فإذا ولد محمد بن علي بن الحسين فصر إليه عند اوان ترعرعه تقرئ اباه السلام وتقول له اني امرتك ان تلحق ابنه محمد في بيت وتقرئه مني السلام وتقبل بين عينيه وتساله ان يلصق بطنه ببطنك


 

[ 238 ]

فان لك في ذلك امانا من النار وتقول له جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لك يا باقر علم الاولين والآخرين من النبيين والمرسلين بوركت كثيرا حيا وميتا ثم إذا فعلت ذلك يا جابر فاوص وصيتك فانك راحل الى ربك فلم يزل جابر بن عبد الله باقيا بحياته حتى قيل له قد ولد محمد ابن علي وترعرع ثم صار الى علي بن الحسين والى محمد بن علي (عليهما السلام) فادى رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفعل ما أمره رسول الله فقال محمد بن علي (عليهما السلام) يا جابر اثبت وصاتك فانك راحل الى ربك فبكى جابر وقال له يا سيدي وما اعلمك بذلك وبهذا عهد الي جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا جابر لقد اعطاني الله علم ما كان وما يكون الى يوم القيامة فأوصى جابر وصاته وادركته الوفاة وصلى عليه علي بن الحسين ومحمد بن علي عليهما السلام) فلاجل ذلك سمي الباقر. وامه فاطمة بنت عبد الله بن الحسين بن علي بن ابي طالب (صلوات الله عليهم). واسماء اولاده: جعفر الامام الصادق، وعلي، وعبد الله، وابراهيم. ومن البنات ام سلمة. ومشهده في البقيع الى جانب مشهد ابيه علي بن الحسين وعمه الحسن ابن علي ابن ابي طالب (صلوات الله عليه). وفي اربع سنين من امامته توفي الوليد بن عبد الملك، وكان ملكه تسع سنين وشهور، وبويع لسليمان بن عبد الملك وأمر الامامة مكتوم. وتوفي الوليد والشيعة في شدة شديدة وفي ست سنين وشهور من امامته توفي سلمان بن عبد الملك وبويع لعمر بن عبد العزيز بن مروان بن


 

[ 239 ]

الحكم فرفع اللعن عن أمير المؤمنين منه السلام وإقام في الملك سنتن وخمسة اشهر ثم توفي في تسع سنين من امامته فروي انه قال وهو بالمدينة توفي في هذه الليلة رجل تلعنه ملائكة السماء وتبكي عليه اهل الارض، وبويع ليزيد بن عبد الملك وملك اربع سنين وفي اربع سنين ولد هاشم بن عبد الملك وكان شديد العداوة والعناد لابي جعفر (عليه السلام) ولاهل بيته فروي انه بعث إليه يستحضره فاحضره ليوقع به فلما دخل عليه حرك شفتيه بدعاء لم يسمع فاجلسه معه على سريره، ثم قال له: تعرض علي حوائجك فقال له: تردني الى بلدي فقال له: ارجع وكتب الى عامله يمنعه الميرة في طريقه فمنعه فصعد الجبل وقرأ باعلى صوته (والى مدين اخاهم شعيبا) الى قوله تعالى: (بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين) وفي المدينة شيخ من بقايا العلماء خرج الى أهل المدينة فناداهم باعلى صوته هذا والله شعيب يناديكم فقالوا له ليس هذا شعيب هذا محمد بن علي بن الحسين له امر فلا تمنعه الميرة فقال لهم: افتحوا الباب والا فتقعوا في العذاب فاطاعوه وفتحوا الباب وامرهم بحمل الميرة إليه ففعلوا فرجع الى المدينة وأقام بها فلما قربت وفاته استدعى بابي عبد الله جعفر ابنه (عليهما السلام) فقال له: ان هذه الليلة التي وعدت فيها ثم سلم إليه الاسم الاعظم ومواريث الانبياء والسلاح وقال له: يا ابا عبد الله الله الله في الشيعة، فقال أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) لا اتركهم يحتاجون لها احد فقال له ان زيدا سيدعو بعدي الى نفسه فدعه ولا تنازعه فان عمره قصير فروي ان خروج زيد يوم الاربعاء وقتل يوم الجمعة رحمه الله وجدد على قاتله العذاب. وعنه عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: كنت عند ابي جعفر (عليه السلام) فالتفت الي وقال لي: يا جابر أما لك حمار تركبه قلت: لا يا سيدي فقال لي اني اعرف رجلا بالمدينة له حمار يركبه فياتي المشرق والمغرب في ليلة واحدة (عليه السلام) وانه قال نحن جنب


 

[ 240 ]

الله ونحن صفوة الله ونحن خيرة الله ونحن مستودعون مواريث الانبياء ونحن آمنا بالله ونحن حجج الله ونحن حبل الله ونحن رحمة الله الى خلقه وبينا يختم الله من تمسك بنا نجا ولحق ومن تخلف عنا غرق ونحن القادة الغر المحجلين ثم قال بعد كلام طويل يا قوم عرفنا وعرف حقنا وأخذ بامرنا فهو منا والينا. وعنه عن المفضل بن شبان قال سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول ان الامام منا يسمع الكلام في بطن امه فإذا وقع الى الارض رفع له عمود من نور يرى به اعمال العباد. وعنه عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول لا والله لا يكون عالما بشئ ان الله عز وجل واكرم واعز واعدل من ان يفوض طاعة عبده يجعله حجة ثم يحجب عنه علم ارضه وسمائه ثم قال: يا يحجب ذلك عنه وروي عن حبابة الوالبية قال: دخلت على ابي جعفر (عليه السلام) فقال لي: يا حبابة ما الذي ابطاك قالت كثرة همي وظهر في راسي البياض فقال: يا حبابة ارنيه فدنوت إليه فوضع يده المباركة في مفرق رأسي ودعا لي بكلام لم افهمه ثم دعا لي بالمرآة فنظرت فإذا شمط رأسي قد اسود وعاد حالكا فسررت بذلك وسر أبو جعفر (صلوات الله عليه) لسرورها فقالت له حبابة بالذي اخذ ميثاقكم على النبيين اي شئ كنتم في الاظلة قال يا حبابة نورا بين يدي العرش قبل ان يخلق الله عز وجل آدم (عليه السلام) واوحى الله تبارك وتعالى إلينا فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ولم نكن نسبح. وروي عن العالم منه السلام انه تزوج أبو محمد علي بن الحسين بام عبد الله بنت الحسن بن علي عمه (عليه السلام) وهي ام أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) فكان يسميها الصديقة ويقول لم يدرك في الحسن امرأة مثلها.


 

[ 241 ]

وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) انه قال: كانت امي ام عبد الله بنت الحسن (عليه السلام) جالسة عند جدار فتصدع الجدار فقالت: بيدها لا وحق المصطفى ما اذن لك الله في السقوط حتى اقوم فبقي معلقا حتى قامت وبعدت ثم سقط فتصدق علي بن الحسين (عليهما السلام) بمائة دينار. وكان مولد ابي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) في سنة ثمانية وخمسين من الهجرة قبل ان يصاب جده علي بن الحسين سنتين وشهور وحضر الطف وكان من دلائله مناظرته اللعين بن يزيد ما قد ذكرناه وكان مولده ومنشاه مثل مواليد آبائه (عليهم السلام) فاتاه جابر بن عبد الله الانصاري فقبل رأسه، ثم قال له: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جدك يقرئك السلام وكان قال لي تعيش حتى ترى محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) فإذا رأته فاقرأ عليه سلامي ثم قل له: أني وقت اخر وقبل رأسه وقل له يا باقر العلم فلما فعل ذلك امر علي بن الحسين ابا جعفر لا يخرج من الدار فكان جابر ياتيه طرفي النهار فيسلم عليه فلما مضى علي بن الحسين (صلوات الله عليه) كان أبو جعفر يمضي الى جابر ليساله من تصحيفه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (صلوات الله عليه) في الوقت بعد الوقت. وروي عنه عن عدة من اصحابه انهم قالوا كنا معه فمر زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال: لنا اترون اخي هذا والله ليخرجن بالكوفة وليقتلن ويصلبن ويطاف برأسه. وروي ان اصحابه كانوا مجتمعين عنده إذ سقط بين يديه ورشان ومعه أنثاه فرقن لهما فرقنا ساعة ثم طارا فقال (عليه السلام) علمنا منطق الطير واؤتينا من كل شئ ان هذا لهو الفضل المبين كل شئ اسمع والطوع لنا واعرف بحقنا من هذه الامة ان هذا الورشان ظن بزوجته ظن سوء فاتى


 

[ 242 ]

مشتكيا عليها وهي معه فحاكمها فحلفت له بالولاية انها ما خانته فاخبرته انها صادقة ونهيته عن ظلمها لان ليس من بهيمة ولا طير يحلف بولايتنا كاذبا ولا يحلف بها كاذبا الا ابن آدم فاصطلحا وطارا. وروي عن محمد بن مسلم قال: كنت مع ابي جعفر (عليه السلام) في طريق مكة إذا بصوت شاة منفردة من الغنم تصيح بسخلة لها قد انقطع عنها وتسرع السير السخلة إليها فقال أبو جعفر (عليه السلام): اتدري ما تقول هذه الشاة لولدها قلت: لا يا سيدي قال تقول لها اسرعي الى القطيع فان اخاك عام اول تخلف عن القطيع في هذا المكان فاختلسه الذئب فاكله. قال محمد بن مسلم: فدنوت من الراعي فقلت ارى هذه الشاة تصيح بسخلتها لعل الذئب اكل قبل هذا سخلها في هذا الموضع فقال قد كان ذلك في عام اول فما يدريك. وروي أن الاسود بن سعيد كان عن أبي جعفر (عليه السلام) فابتدأ فقال نحن حجج الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن ولادة الله ونحن امة الله ثم قال: يا اسود ان بيننا وبين كل ارض برا مثل برنا الينا فإذا امرنا بامر في الارض جذبنا ذلك البر فاقبلت تلك الارض الينا وروي عن الحكم ابن ابي نعيم قال: أتيت ابا جعفر (عليه السلام) بالمدينة فقلت له نذر بين الركن والمقام إن انا لقيتك لا اخرج من المدينة حتى اعلم انك قائم آل محمد اولا فلم يجبني بشئ فاقمت ثلاثين يوما ثم استقبلني في الطريق فقال: يا حكم وانك لهاهنا بعد ان قلت لاني اخبرتك بما جعلت لله عز وجل على نفسي فلم تأمرني ولم تنهني فقال بكر الى المنزل فغدوت إليه فقال سل عن حاجتك فقلت جعلت فداك اني جعلت علي نذر صيام وصدقة ان انا لقيتك لم اخرج من المدينة حتى اعلم انك قائم آل محمد (عليه السلام) اولا فان كنت انت رابطتك وان لم تكن


 

[ 243 ]

انتشرت في الارض وطلبت المعاش فقال يا حكم كلنا قائم يمين قائم بامر الله عز وجل فقلت وانت المهدي، قال كلنا نهدي الى الله عز وجل قلت: فانت صاحب السيف ووارث السيف وانت الذي تقتل اعداء الله وتعز اولياءه ويظهر بك دين الله قال يا حكم اكون انا هو وقد بلغت هذا اليس صاحب الامر اقرب عهدا باللين مني ثم قال بعد كلام طويل سر في حفظ الله والتمس معاشا. وروي عن ابن مصعب عن جابر بن يزيد الجعفي قال سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن القائم فضرب بيده على أبي عبد الله (عليه السلام) وقال والله هذا قائم آل محمد قال عنبسة فلما قبض أبو جعفر دخلت على ابي عبد الله (عليه السلام) فاخبرته بذلك فقال صدق جابر ثم لعلكم ترون الامام ليس هو القائم بعد الامام الذي قبله هذا اسم لجميعهم. وقد روي عن محمد بن عمير عن عبد الصمد عن أبي بصير عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عاده علي (عليه السلام) في المرض الذي قبض به فقال له يا علي ادن مني حتى اسر اليك ما اسره الله إلي فائتمنك على ما إثتمنني عليه الله فدنا منه فاسر إليه وفعل علي بالحسن وفعل الحسن بالحسين وفعل الحسين بابي وفعل ابي بي. وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: انا اولى بالمؤمنين من انفسهم واخي علي اولى بالمؤمنين من انفسهم فإذا استشهد أبو الحسن فالحسن أول بالمؤمنين من انفسهم ثم ابني الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا حسين. وروى هذا الحديث عبد الله بن العباس وأسامة بن زيد وعبد الله بن جعفر الطيار (عليهم السلام) انه قال انتم ورثة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لي: نعم، رسل الانبياء ونحن ورثتهم وورثة رسول الله


 

[ 244 ]

(صلى الله عليه وآله) قلت تقدرون تحيون وتميتون وتبرئون الاكمة والابرص فقال لي باذن الله ثم قال ادن مني يا محمد ففعلت فمسح يده على وجهي فابصرت الشمس والسماء والارض وكل شئ في الدار قال اتحب ان تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم أو تعود الى حالك ولك الجنة خالصا قلت اعود والجنة خير لي فمسح يده على وجهي فرجعت كما كنت.