[ 211 ]

 

الباب السادس باب الإمام علي السجاد (عليه السلام)


 

[ 213 ]

مضى وله سبع وخمسون سنة مثل اقامة ابيه في العمر في عام خمسة وتسعين من اول سني الهجرة. وكان ولده ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة جده أمير المؤمنين (عليه السلام). وكان مقامه مع جده أمير المؤمنين (عليه السلام) سنتين. وأقام مع أبيه الحسين عشر سنين وبعد وفاة ابيه (عليه السلام) خمسة وثلاثون سنة. وكان اسمه علي. وكنيته أبو الحسين والخاص أبو محمد وروي أنه كني بأبي بكر ولم تصح هذه الكنية. وألقابه سيد العابدين، وزين الصالحين، وذو الثفنات، والزاهد، والخاشع، والباكي، والمجتهد، والرهباني، وإنما لقب بذي الثفنات لأنه كان من طول سجوده وكثرة عبادته تخفى غضون جبهته فتصير ثفنات منتصبة فيقصها إذا طالت لتستقر جبهته على الأرض في سجوده واسم امه


 

[ 214 ]

حلوة وروي حلولا بنت سيد الناس يزدجرد ملك فارس وسماها أمير المؤمنين شازان معناه بالفارسية النساء وكان يقال لعلي بن الحسين (عليه السلام) ابن الخيرتين ويقال امه برابنة والنوسجان ويقال شهر حاجون بنت يزدجرد وهو الصحيح. وأسماء أولاده محمد الباقر (عليه السلام) والحسين وزيد المصلوب بكناسة الكوفة وعبد الله وعبيد الله وعلي وعمر ولم يكن له ابنة غير زوجة محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وعقبه منها ومشهده بالبقيع في المدينة بجانب قبر عمه الحسن بن علي (عليهما السلام). وكان من دلائله: قال الحسين بن حمدان (رضي الله عنه) حدثني عتاب بن يونس الديلمي عن عسكر مولى أبي جعفر الإمام التاسع (عليه السلام) عن أبيه (عليهما السلام) عن علي بن موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد (صلوات الله عليهم اجمعين) قال: دخلت عليه طائفة من شيعة الكوفة فقالوا: يا ابن رسول الله الأنبياء كلهم عابدون لله فكيف سمي جدك علي بن الحسين سيد العابدين فقال الصادق (صلوات الله عليه) ويحكم اما سمعتم قول الله عز وجل: (نرفع درجات من نشاء) وقوله تعالى: (هم درجات عند ربهم) وقوله تعالى: (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) فماذا انكرتم ؟ قالوا: أحببنا ان نعلم ما سألنا عنه فقال: ويحكم ان إبليس لعنه الله ناجى ربه فقال إني قد رأيت العابدين لك من عبادك منذ أول العهد الى عهد علي بن الحسين (عليه السلام) فلم أر اعبد لك ولا أخشع منه فأذن لي يا الهي ان اكيده وابتليه لاعلم كيف صبره فنهاه الله عز وجل عن ذلك فلم ينته وتصور لعلي بن الحسين وهو قائم يصلي في صلاته فتصور في صورة افعى لها عشر رؤوس محددة الأنياب متقلبة الاعين


 

[ 215 ]

بحمرة وطلع عليه من الأرض من موضع سجوده ثم تطاول في قبلته فلم يرعه ولم يرعبه ذلك ولم ينكس رأسه إليه فانتفض إبليس لعنه الله إلى الأرض في صورة الأفعى وقبض على عشر انامل رجلي علي بن الحسين (صلوات الله عليه) وأقبل يكدمها بأنيابه وينفخ عليها من نار جوفه وكل ذلك لا يميل طرفه إليه ولا يحول قدميه عن مقامه ولا يختلجه شك ولا وهم في صلاته وقراءته فلم يلبث إبليس لعنه الله حتى انقض عليه شهاب من نار محرق من السماء فلما احس به صرخ وقام الى جانب علي بن الحسين في صورته الأولى ثم قال: يا علي انت سيد العابدين كما سميت وأنا إبليس كما جنيت والله لقد شهدت عبادة النبيين والمرسلين من عهد ابيك آدم إليك فما رأيت مثلك ولا مثل عبادتك ولوددت انك استغفرت لي فان الله كان يغفر لي ثم تركه وولى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى صلاته على تمامها فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه بهذا الاسناد الى أبي عبد الله (عليه السلام) كان قائما يصلي حتى زحف ابنه محمد (عليهما السلام) وهو طفل إلى بئر كانت في داره بالمدينة عميقة فسقط فيه فنظرت إليه امه فصرخت وانقلبت تضرب بنفسها حول البئر وتستغيث وتقول يا ابن رسول الله غرق ابنك محمد في قعر البئر في الماء فلما طال عليها ذلك قالت له جزعا على ابنها ما اقسى قلوبكم يا أهل بيت النبوة فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها الى غير كمالها ثم قال لها وقد جلس على البئر ومد يده الى قعرها وكانت لا تصل الا برشاء طويل وأخرج ابنه على يده يناغي ويضحك ولم يتبلل له ثوب ولا جسد فقال هاك يا ضعيفة اليقين بالله فضحكت لسلامة ابنها وبكت لقوله لها يا ضعيفة اليقين فقال لها لا تثريب عليك اما علمت بأني كنت بين يدي جبار ولو ملت بوجهي عنه لمال بوجه عني فمن ترين راحمي بعده فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن علي الصيرفي عن علي بن محمد عن الحسن بن محمد


 

[ 216 ]

عن شعيب بن عمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال بينما علي بن الحسين (عليه السلام) جالس مع جماعة من أصحابه إذ دخلت عليه ظبية من الصحراء حتى قامت بين يديه فضربت بيدها على الأرض وثغت فقال بعض القوم: يا ابن رسول الله ما تقول هذه الظبية فقال: تزعم ان فلانا ابن القرشي أخذ خشفها بالامس وإنها لم ترضعه اليوم شيئا فوقع في قلب رجل منهم شك ثم ان علي بن الحسين (عليهما السلام) قال لابن القرشي ما بال هذه الظبية تشكوك قال: وما تقول قال: تزعم انك اخذت خشفها بالامس وانها لم ترضعه اليوم شيئا منذ أخذته وقد سألتني أن أسألك ان تبعث به إليها حتى ترضعه وترده فقال له القرشي: والذي بعث جدك بالحق نبيا واصطفاه بالرسالة نجيا لقد صدقت في قولها فقال سيد العابدين (عليه السلام) ابعث الخشف إليها فلما رأته ثغت وضربت بيدها ثم رضع منها، فقال علي بن الحسين بحقي عليك يا فلان الا ما وهبته لي فوهبه القرشي فأطلق الخشف مع أمه فقال: يا ابن رسول الله ما الذي قالت، قال: دعت الله لكم وجزتكم خيرا فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن الحسين بن محمد بن يحيى الفارسي عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن سيف بن عميرة عن بكر بن محمد قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان علي بن الحسين (صلوات الله عليه) قد عمل سفرة لأصحابه بالكوفة يأكلون منها فبينما هم كذلك إذا أقبل ظبي من الصحراء حتى قام بازائه فثغى وضرب بيده فقال القوم: يا ابن رسول الله ما يقول هذا الظبي قال يشكو انه لم يأكل شيئا منذ ثلاثة أيام فأحب ان تحلفوا له ان لا تؤذوه ولا تصيبونه بسوء ففعلوا فكلمة علي بن الحسين (صلوات الله عليه وآله) مثل كلامه فاقبل الظبي حتى وضع فمه على سفرتهم وأكل قليلا ثم ان رجلا منهم مسح يده على ظهره فذعر وقام يعدو


 

[ 217 ]

فقال زين العابدين (عليه السلام) أليس قد حلفتم ان لا تصيبوه بسوء فحلف الرجل بالله الذي لا اله الا هو ما اراد به غائلة ولا سوءا فكلمه علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فرجع فأكل حتى شبع وثغى وضرب بيده وانطلق نحو الصحراء فقالوا: يا ابن رسول الله ما قال: قال دعا لكم وجزاكم خيرا ودعا لكم بالعافية فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن زيد ابن عاصم الخياط عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت من املآء علي بن الحسين زين العابدين (صلوات الله عليه) بين مكة والمدينة فقال إذا بلغت جبال صيحان تقف ناقتي لأمر أخبرك به هناك قال أبو حمزة: فلما وصلنا الى جبال صيحان وقفت الناقة، فقال لها: سيري والا قلت ما تعلمين فسارت فقلت جعلت فداك الناقة وقفت فقال يا ابا حمزة جاء معاوية لعنه الله وفي عنقه سلسلة واصحابه معه يسألوني اسقيهم الماء فوقفت الناقة لأنها تهواهم فهتف بي هاتف من عند الله لأسقيهم لا سقاهم الله فهم في هذا الموضع يعذبون بأنواع العذاب الى يوم القيامة قال أبو حمزة فما الذي قالت الناقة وإلا فقلت ما تعلمين قال: قد قلت لها سيري والا عذبت معهم فسارت فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي عن محمد بن علي عن علي بن محمد عن الحسن بن ابي عشار عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت من املاء علي بن الحسين (صلوات الله عليه) بين مكة والمدينة فمررنا بشجرة فيها قنابر تصفر فقال: يا ابا حمزة اتدري ما الذي تقول هذه القنابر فقلت والله ما أدري، قال: ولكني أدري، قلت: يا سيدي ما تقول، قال: يقدسن ربهن ويسألنني قوت يوم بيوم فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن جعفر بن مالك عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن


 

[ 218 ]

معمر بن خديجة عن ابن يزيد الجعفي عن أبي خالد عبد الله بن غالب الكابلي قال: جاء الناس الى سيدنا سيد العابدين (صلوات الله عليه) فقالوا: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نريد الحج إلى مكة فاخرج أنت معنا نشكر الله قال لهم: نعم، فدعا لهم ووعدهم يوم الخميس فلما نزل بعسفان بين مكة والمدينة وإذا غلمانه قد سبقوه فضربوا لهم فسطاطا في موضع عال من الأرض فلما دنا من ذلك الموضع قال لغلمانه كيف ضربتم وفي هذا الموضع قوم من الجن لنا اولياء وشيعة قد أضررتم بهم وضيقتم عليهم فقالوا ما علمنا يا مولانا هذا يكون ها هنا فإذا هاتف من جانب الفسطاط نسمع كلامه ولا نرى شخصه وهو يقول يا ابن رسول الله لا تحول فسطاطك فإنا نحب هذا ونرى ذلك علينا فرضا وطاعتك طاعة الله وخلافك خلاف على الله وهذه الطاف قد اهدينا لك فنحب ان تأكل منها فنظر صلى الله عليه وإذا طبق عظيم بجانب الفسطاط واطباق اخرى دونه فيها رطب وعنب ورمان وموز ومن سائر الفواكه فدعا (عليه السلام) كل من كان حوله واكلوا واكل من تلك الهدية وقال لهم هذه هدية اخوانكم من الجن المؤمنين ثم رحل فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن علي بن الطيب الصابوني عن محمد بن علي بن الحسن عن محمد بن ابي العلاء عن أبي الفراء جميعا عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال دخل أبو هاشم محمد بن الحنفية على سيد العابدين علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) لإظهار أمر كان من شيعته بمكة والمدينة مكتوم ما رحل عند الحسين بن علي (صلوات الله عليه) بالعراق وسيد العابدين ابنه معه وكانت تلك وصية من الحسين (عليهما السلام) الى اخيه محمد بن الحنفية ان يظهر للناس امامته لئلا يرجعوا عن محبتهم أهل البيت الى أن يعود علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) من الشام إلى المدينة بعد أن تحمل من العراق إلى الشام فنصب محمد نفسه


 

[ 219 ]

للشيعة وأظهر هم بأنه الإمام وخرج المختار بن عبيد الله الثقفي بما يريده الحسين (عليه السلام) وسأل عن الإمام بعده فقالت له شيعة في المدينة: هو محمد بن الحنفية وكان المختار حيث مات أبوه وهو طفل وتبعل عمه بأمه وكان المختار كيسيا وحده وكان عمه يدعوه بكيسان المكتسبة فلما اتاه بدم الحسين (عليه السلام) أدعى امامة محمد بن الحنفية فعرف اصحابه بالكيسانية ولما صار بالمزار ومعه عبيد الله بن أمير المؤمنين علي وسأله وهو في المعسكر على أيدي وجوه الشيعة الذين كانوا مع المختار إنك كنت تطلب هذا الثأر لترد إلينا حقنا وأنا ابن أمير المؤمنين وأنا أحق منك بهذا الأمر فسلمه الي وإن كنت تطلبه بنفسك فانظر حتى أرحل عنك فقال له المختار سأنظر الى ما ذكرت ولا أؤخره فلما جن عليه الليل وهو في المعسكر احضر القوم الذين كانوا الرسل إليه فقال لهم: قد حل قتل عبيد الله لأن الإمام محمد بن الحنفية وقد طلب عبيد الله الإمامة لنفسه قالوا: بئسما قلت ان في قتله تكون كيزيد بن معاوية وجنده فقال لهم انصرفوا الى اخبيتكم حتى انظر وتنظرون وصار بنفسه في عدة من خاصته الى خيمة عبيد الله وأخذوه من بين غلمانه فقتلوه ودرجوه في بساطه وجهزوه وصلوا عليه ودفنوه بالمزار وتفرق عن المختار طوائف وانكروا قتل عبيد الله فلما قتل الحسين بن علي (عليهما السلام) وحمل علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) وذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى يزيد بن معاوية وكان علي بن الحسين عليلا نحيفا رده يزيد وأهله إلى المدينة وتسامعت الشيعة برجوع علي بن الحسين في إمامة محمد بن الحنفية ودخلت أحياؤها على علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فاراهم دلائل الامامة وبراهينها فاستجابت الشيعة وسلمت الامر إليه وسرت بصحيح الاخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن أمير المؤمنين وعن اللوح المنزل على فاطمة (عليها السلام) وأن محمد بن الحنفية ما له شئ بالامامة وما الامير المؤمنين والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين أولهم سيد العابدين فلما فشا ذلك


 

[ 220 ]

في الشيعة ورجعت إلى علي بن الحسين فقامت طائفة على محمد بن الحنفية اراد محمد بن الحنفية يروي الشيعة في دخوله على علي فقال يا علي بن الحسين ألست تعلم أني إمام عليك قال له: يا عم لو علمت منك ذلك لما خالفتك ولا وسعني جحدك وإنك لتعلم أني إمامك وامام جميع المؤمنين والحجة على الخلق أجمعين، وإن طاعتي عليك فرض مفترض، يا عم أما علمت أني وصي الحسنين وأن أبي وصي أبيه أمير المؤمنين ووصي أخيه الحسن، أخذ الله عليهما بعد أبيهما أمير المؤمنين، وأن الاوصياء مني والمهدي، فتشاجرا مليا، قال علي بن الحسين (عليهما السلام) لمححمد بن احنفية فمن ترضى تجعله حكما بيني وبينك، قال له محمد بن الحنفية: من شئت، قال له ترضى ان تجعل بيني وبينك الحجر الاسود قال له محمد: يا علي تجعل بيني وبينك الحجر حكم لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق سبحان الله ما أعجب هذا تترك الناس وتحكم الحجر، فقال له علي بن الحسين: يا عم وإن لم يسمع ويبصر وينطق ود علمت ان الله تعالى اخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على انفسهم ألست بربكم ؟ قالوا: بلى، اخذ ذلك العهد فاستودعه الحجر الاسود في البيت الحرام وجعل البيت أول بيت وضع للناس ببكة، وأمر الناس بالحج إليه فإذا كان يوم القيامة أتى بالحجر سميعا بصيرا فيشهد لمن وفد إليه بالوفاء وعلى من تأخر عنه بالغدر، فقال له محمد بن الحنفية قد رضيت والوعد ان يكون مجيئنا إليه في وقت الحج وجمع الناس فلما حج الناس تلك السنة وهي سنة من سني حج علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) ومحمد واجتمعت الشيعة فوقفوا تجاه الحجر فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) تقوم يا عم فانت أكبر سنا مني فاقسم على الحجر ان يجيبك وبين امرك فدنا محمد بن الحنفية وقام وصلى في مقام ابراهيم فقال يا حجر: أسالك بحرمة الله وحرمة رسوله وبحق كل مؤمن ومؤمنة ان كنت تعلم إني الحجة على الناس وعلى علي بن الحسين فانطق وبين ذلك فلم يجبه الحجر فقال تقدم أنت يا بني منه فدنا


 

[ 221 ]

علي بن الحسين وقد صلى فتكلم بكلام خفي لم يفهم منه ثم قال: أسالك أيها الحجر بحرمة الله وحرمة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرمة أمير المؤمنين وحرمة فاطمة وحرمة الحسن وحرمة الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) إن كنت تعلم أني الحجة على عمي محمد بن الحنفية وعلى الخلق أجمعين من أهل السماوات والارضين الا نطقت بذلك وبينته لنا وللناس كلهم فنطق الحجر بلسان عربي مبين يقول: يا محمد بن أمير المؤمنين اسمع واطع لعلي بن الحسين فانه حجة الله عليك وعلى جميع خلقه من الاولين والآخرين من أهل السماوات والارضين فقال محمد بن الحنفية: اللهم إني أشهد أني قد سمعت واطعت وسلمت هذا الامر الى إمامي وحجتي وحجة الله علي وعلى خلقك علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فآمن به اكثر الشيعة التي قالت محمد بن الحنفية امام واقام عليه قوم غلبت عليهم شقوتهم واستحوذ عليهم الشيطان ما كان محمد بن الحنفية اظهر ما اظهره الا ليضبط الشيعة في وقت قتل الحسين (عليه السلام) لئلا يشكوا ويرجعوا فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن علي ابن الطيب الصابوني عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن أبيه عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كان أبو خالد الكابلي ومحمد بن الحنفية دهرا وما كان يشك الا انه الامام حتى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك ان لي حرمة ومودة وانقطاع اليك فاسالك بحرمة الله وحرمة روله وحرمة أمير المؤمنين ألا أخبرتني أنت الامام الذي فرض الله طاعتك على خلقه، فقال لي: يا أبا خالد حلفتني اعلم ان الامام علي وعليك وعلى جميع الخلق، علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فاقبل أبو خالد لما سمع مقالة ابن الحنفية إلى الامام زين العابدين (صلوات الله عليه) فاستاذن عليه فاخبره أن أبا خالد في الباب، فاذن له فلما دخل عليه قال: مرحبا بك يا كنكر أما كنت منا فما بدا لك فخر أبو خالد ساجدا شاكرا لله تعالى لما سمع من الامام زين العابدين


 

[ 222 ]

علي بن الحسين (صلوات الله عليهما)، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي فقال له الامام زين العابدين: وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد قال لانك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي به وما سمعه أحد من الناس قال له (عليه السلام): وما معنى كنكر، قال يا مولاي أنت أعلم به مني، قال: كنت ثقيلا في بطن أمك، أنت حمل فكانت تقول بلغة كابل يا كنكر تريد يا ثقيل الحمل، قال: ودلني عليك محمد بن الحنفية، وكنت في غم من هذا وحيرة ولقد خدمت محمد بن الحنفية برها من عمري ولا اشك إلا أنه إمامي حتى إذا كان سألته بحرمة الله وحرمة رسوله وحرمة أمير المؤمنين فارشدني إليك وقال هو الامام علي وعليك وعلى خلق الله اجمعين، ثم اذنت إلي فلما دخلت إليك سميتني باسمي الذي سمتني به أمي فقلت أنت الامام الذي فرض علي وعلى كل مسلم طاعته فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أحمد بن جعفر القصير عن محمد بن ميمون الخراساني، قال الحسين بن حمدان الخصيبي رضي الله عنه: سمعت هذا الخبر عن محمد بن ميمون، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن ابن الصباح، عن ابي جعفر الباقر (صلوات الله عليه)، قال سمعته يقول: خدم أبو خالد الكابلي الى علي بن الحسين (عليهما السلام) دهرا من عمره ثم انه اراد أن ينصرف الى اهله فاتى الى علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فشكى إليه شوقه إلى والدته، وإنه بلا مال ولا نفقة تحمله، فقال يا ابا خالد يقدم غدا رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير وقد اصاب ابنته عارض من الجن يريدون ان يطلبوا له معالجا يعالجها فإذا انت سمعت بقدومه فاته وقل له أنا اعالجها على أن تعطيني ديتها عشرة آلاف درهم، فيقولون لك نعم نعطيك ولا يوفون لك ولا بد ان تأخذ منها، فقدم الرجل الشامي بابنته وكان من عظماء أهل الشام في الحال والقدر، فقال لاصحابه: ما من معالج يعالج هذه، فقال لهم أبو خالد: أنا اعالجها على أن اعطى


 

[ 223 ]

ديتها عشرة آلاف درهم، فان وفيتم وفيت لكم على أن لا يعود إليها ابدا، فشرطوا ذلك وضمنوه ثم أقبل الى الامام زين العابدين (عليه السلام) فاخبره بالخبر، فقال: إني اعلم أنهم سيكذبون ولا يوفون لك فانطلق يا ابا خالد فخذ باذن الجارية ثم قل: يا حبيب يقول لك علي بن الحسين أخرج من هذه الجارية ولا تعود ففعل أبو خالد ما أمره فخرج عنها، فافاقت الجارية فطلب الذي جعلوا له، فلم يعطوه فخرج معه، فقال له الامام زين العابدين (عليه السلام) ما لي اراك كئيبا يا ابا خالد، ألم أقل لك أنهم يغدرون دعهم فانهم سيعودون إليك لان الجني يعاودها فإذا جاؤك فقل لهم: قد غدرتم والآن فلست أعالجها أو تعدون العشرة آلاف درهم عند سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) لانه ثقة علي وعليكم فعادوا الجارية العارض ففعلوا ذلك وعدوا المال على يديه ورجع أبو خالد الى الجارية، فقال لها: كالاول وهو اناخذ باذنها وقال يا حبيب يقول لك علي زين العابدين اخرج من هذه الجارية ولا تعود إليها، فانك ان عدت إليها احرقت بنار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة، فخرج منها ولم يعد إليها فدفع المال الى أبي خالد فخرج إلى بلاده فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن الحسن بن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: لما ولي عبد الملك بن مروان الخلافة، كتب إلى الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله بذلك، وبعث الكتاب مع ثقته فعلم بذلك علي بن الحسين صلوات الله عليهما)، وما كتب به واسره وكتب الى الحجاج كتابا ان الله قد شكر إلي فعلك وترك عليك الجماعة وزادك برهة، وكتب من ساعته كتابا الى عبد الملك بن مروان، أما بعد: فانك كتبت في يوم كذا وكذا كتابا الى الحجاج تقول فيه: أما بعد فانظر دماء آل عبد المطلب فاحقنها فان آل أبي سفيان لما


 

[ 224 ]

ولغو فيها لم يلبثوا إلا قليلا واسررت ذلك وكتمته وقد شكر الله لك فعلك، وترك عليك ملكك وزادك برهة، وبعث بالكتاب مع غلامه على راحلة وامره أن يوصله الى عبد الملك بن مروان، فلما وصل إليه نظر في تاريخه فوجده وافق الساعة التي كتب إليه وبعث الى الحجاج بالكتاب، لم يشك عبد الملك بن مروان في صدق علي بن الحسين (عليهما السلام) وبعث إليه بوقر راحلته فجازاه لما اسره من كتابه مالا جزيلا ليصرفه في فقراء شيعته وأهل بيته فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن يحيى الخرقي، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن محمد بن سنان عن اسماعيل بن زكريا، عن أبيه زكريا، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، عن أبيه محمد بن علي، عن جده علي بن الحسين (صلوات الله عليهم)، ان رجلا من أهل الشيعة دخل عليه فقال: يا ابن رسول الله ما فضلنا على اعدائنا ونحن وهم سواء، بل منهم من هو أجمل منا وأحسن أدبا وأطيب رائحة، فما لنا عليهم من الفضل، فقال زين العابدين (عليه السلام): تريد أن أريك فضلك عليهم، قال: نعم، قال أدن مني فدنا منه فاخذ بلحيته ومسح عينيه وروح بكفه على وجهه، وقال انظر ما ترى فنظر الى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما فيه الا قردة وخنازير ودب وضب، فقال جعلت فداك ردني كما كنت فان هذا نظر صعب فمسح عينيه فرده كما كان، فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن احمد بن صالح، عن جعفر بن يحيى عن محمد بن خالد، عن سعدان بن مسلم، عن عمار، عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه)، قال: لما كان الليلة التي فقد فيها سيد العابدين، قال لابيه: أئتني بوضوء فاتاه بوضوء، فقال له: قبل ان يصل إليه أردده فان فيه ميتة فدعا بالمصباح، فإذا فيه فارة ميتة فاتاه بوضوء غيره فقال له: يا بني هذه الليلة وعدت فيها الحق لحوقي بجدي رسول الله (صلى الله


 

[ 225 ]

عليه وآله) وجدي أمير المؤمنين (عليه السلام) وجدتي فاطمة (صلوات الله عليها) وعمي الحسن وأبي الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) فإذا توفيت وواريتني فخذ ناقتي فاجعل لها خطاما واقرر لها علقما فانها تخرج الى قبري فتضرب بجرانها للارض حول قبري وترغوا، فاتها وردها إلى موضعها فانها تطيعك وترجع إلى موضعها ثم تعود الخروج فتفعل مثل فعلها الاول فارفق فيها وردها ردا رفيقا فانها تنفق بعد ثلاثة أيام، فلما قبض زين العابدين (صلوات الله عليه) في تلك السنة فعل بالناقة أبو جعفر محمد الباقر (صلوات الله عليه) ما وصاه به، فخرجت الى القبر وضربت الارض حوله ورغت، فأتاها أبو جعفر فقال لها: قومي يا مباركة فارجعي إلى مكانك فرجعت إلى مكانها ثم مكثت قليلا وخرجت إلى القبر ففعلت مثل فعلها الاول، فأتاها أبو جعفر الباقر (صلوات الله عليه) فقال لها: قومي الآن فلم تقم، فصاح بها من حضر، فقال الباقر (صلوات الله عليه): دعوها فان أبي أخبرني إنها تنفق بعد ثلاثة أيام ونفقت قال أبو عبد الله كان جدي علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) يحج إلى مكة فيعلوا الصوت في الرحل فلا يصل إليها حتى يرجع الى داره بالمدينة، فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن عبد الله الشاشي، عن محمد بن يزيد الداعي بطبرستان، عن أحمد بن يحيى صاحب مولانا الرضا، عن محمد بن أبي عميرة، عن الحسن بن عبيدة، عن أبي خالد الكابلي، قال: خدمت محمد بن الحنفية سبع سنين، ثم قلت له: جعلت فداك ان لي إليك حاجة قد عرفت خدمتي لك، قال: فاسال حاجتك، قلت: تريني الدرع والمغفر، قال: ليس هما عندي، ولكن عند ذلك الفتى، وأشار بيده الى مولانا زين العابدين علي بن الحسين (صلوات الله عليه)، فنظرت إليه حتى أنصرف وأتبعته حتى عرفت منزله، فلما كان من الغد، وتعالى النهار اقبلت فإذا بابه مفتوح فانكرت ذلك لاني كنت أرى أبواب


 

[ 226 ]

الائمة (عليهم السلام) تطبق ابدا فقرعت الباب فصاح يا كنكر أدخل فدخلت عليه فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإنك حجة الله على جميع خلقه وهذا والله لقبي لقبتني به أمي وما عرفه خلق، قال: اجلس فانا حجة الله وخزانة وحي الله فينا الرسالة والنبوة والامامة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا يختم، قال أبو خالد: فاطلت الجلوس ووقع على قلبي الفكر في فتح الباب، وكانت لحيته بطيب وعليه ثوبان موردان، فقال يا كنكر: تعجب من فتح الباب ومن الخصلة والطبع الذي في الثوبين قلت: نعم، قال: يا أبا محمد أما الباب فخرجت خادمة من الدار لا علم لها، فتركت الباب مفتوحا، ولا يجوز لبنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يبرزن فيصفقنه، وأما الخصلة فليس أنا فعلتها، لكن النساء أخذن طيبا فخصلنني به واما الطبع في الثوبين فانا قريب العهد بعرش ابن عمي ولي منذ استخرجتها اربعة ايام ثم قبض على عضادتي الباب، ثم قال: هات السفط الابيض فاقبل السفط الابيض حتى صار بن يديه فقلت له: يا سيدي من جلب السفط، قال: بعض خدمي من الجن، ثم فك الختم، وبكى بكاءا شديدا، ثم اخذ الدرع والمغفر فلبسهما وقام قائما، وقال كيف ترى قلت كأنهما افرغا عليك يا ابن رسول الله افراغا قال: هكذا كان على جدي (صلى الله عليه وآله) وعلى جدي أمير المؤمنين وعمي الحسن وأبي الحسين والله لا يراهما احد الاعلي وعلى القائم المهدي من ذريتي فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه قال حدثني محمد بن علي القمي قال: حدثني محمد بن احمد بن عيسى، عن محمد بن جعفر البرسي، قال: حدثني ابراهيم بن محمد الموصلي، عن أبيه، عن حنان بن سدير الصيرفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: لما قبض أمير المؤمنين وأفضت الخلافة الى بني امية سفكوا الدماء ولعنوا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) على المنابر وتبرؤا منه واغتالوا الشيعة في كل بلدة وقتلوهم وما يليهم من الشيعة بحطام الدنيا


 

[ 227 ]

فجعلوا يمتحنون الناس في البلدان كل من لم يلعن أمير المؤمنين ويتبرأ منه قتلوه، فكشت الشيعة الى زين العابدين وسيد الرهبان من المؤمنين وإمامهم علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فقالوا: يا ابن رسول الله قد قتلونا تحت كل حجر ومدر، واستاصلوا شافتنا وأعلنوا لعن أمير المؤمنين على المنابر والطرق والسكك وتبرأوا منه حتى انهم ليجتمعون في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعند منبره فيطلقون على أمير المؤمنين (عليه السلام) اللعنة علانية لا ينكر ذلك عليهم ولا يغير فان انكر ذلك احد منا حملوا عليه باجمعهم، وقالوا: ذكرت ابا تراب بخير، فيضربونه ويحبسونه فلما سمع ذلك نظر الى السماء، وقال: سبحانك ما احلمك، وأعظم شأنك، ومن حلمك انك امهلت عبادك حتى ظنوا انك اغفلتهم وهذا كله لا يغالب قضاؤك ولا يرد حكمك تدبيرك كيف شئت وما أنت أعلم به مني، ثم قال لابنه ابي جعفر (عليه السلام) يا محمد قال: لبيك، قال: إذا كان غدا اغدوا الى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخذ الخيط الذي نزل به جبريل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحركه تحريكا خفيفا ولا تحركه تحريكا شديدا فيهلك الناس كلهم، قال جابر فبقيت والله متعجبا من قوله وما أدري ما أقول وكنت كل يوم أغدو إلى أبي جعفر (عليه السلام) فلما كان في ذلك اليوم غدوت إلى أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) وقد بقي من الليل جانب حرصا على ان انظر إلى الخيط وتحريكه فبينما أنا على الباب وإذا بابي جعفر قد خرج فقمت وسلمت عليه فقال لي: ما غدوتك ولم تاتنا في مثل هذا الوقت قلت: يا ابن رسول الله سمعت انك بالامس تقول في الخيط ما تعلمه فقال نعم، يا جابر لولا الوقت المعلوم والاجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت والله بهذا الخلق في طرفة عين، لا بل في لحظة الابل في لمحه بل اننا عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعلمون، قال جابر: فقلت سيدي لم تفعل


 

[ 228 ]

ذلك بهم، قال اما حضرت بالامس والشيعة يشكون الى أبي ما يلقون من الناصبة الملاعين قال جابر: قلت: بلى، يا سيدي ومولاي قال: فانه قد أمرني أن أرعبهم وكنت أحب ان تهلك طائفة منهم قلت يا سيدي ومولاي كيف ترعبهم وهم اكثر من ان يحصوا قال امضي بنا الى مسجد رسول الله لاريك قدرة من قدر الله عز وجل الذي خصنا بها وفضلا من فضله الذي اعطانا إياه قال جابر فمضيت معه الى المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم وضع خده على التراب وتكلم بكلمات ثم رفع رأسه، وأخرج من كمه خيطا تفوح منه رائحة المسك وهو ادق من الخيط المخيط في النظر ثم قال: خذ إليك يا جابر طرف هذا الخيط فاخذته ومشيت به رويدا فقال قف يا جابر فحرك الخيط تحريكا لينا خفيفا، وما ظننت أنه حركه من لينه ثم قال ويحك يا جابر أخرج انظر ما حال الناس فيه قال فخرجت من المسجد وإذا بصياح وولولة من كل ناحية وإذا زلزلة شديدة وهزه ورجفة قد أخربت عامة بالخلق باكيين يخرجون من السكك ولهم بكاء وعويل وضجيج ورنه شديده وهم يقولون انا لله وإنا إليه راجعون قد قامت الساعة ووقعت الواقعة فهلك الناس وآخرون يقولون انا لله وإنا إليه راجعون كانت رجفة هلك فيها عامة الناس وإذا اناس قد اقبلوا يبكون ويريدون المسجد وبعض يقولون لبعض كيف لا يخسف بنا وقد تركنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اظهرنا الفسق والفجور وشرب الخمر واللواط وكثر الزنى وفشا الربا والله لينزل بنا ما هو اشد واعظم أو نصلح من أنفسنا، قال جابر: فبقيت متحيرا أنظر إلى الناس وهم يبكون ويتضرعون ويعدون زمرا زمرا الى المسجد، فرحمتهم والله حتى بكيت معهم لبكائهم وإذا المساكين لا يدرون من أين أتوا وأخذوا، فانصرفت الى الباقر (صلوات الله عليه) وقد حف به الناس يقولون يا ابن رسول الله الا ترى ما قد حل بنا وبحرم رسول الله من هذه النازلة العظمى والآية الكبرى، قال والله لقد رأيت في هذه الآية ما ازال


 

[ 229 ]

متعجبا به حتى القى الله عز وجل، فقال: يا جابر هذه منزلة الائمة (عليهم السلام) عند الله ومنزلة اوليائه المخلصين قلت يا سيدي ومولاي: فان شياطينهم قد سالونا ان يحضر حتى يحتملون إلى عندك ويدعون الى الله ويتضرعون إليه ويسالونه الاقالة فتبسم (عليه السلام) وتلا قوله تعالى: (اولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين الا في ضلال انا لننصر رسلنا والذين آمنوا معهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد) وتلا قوله تعالى: (ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون) وتلا قوله تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيم شركاء) لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون وهي اجزاها وهي والله ولايتنا وهذه اجزاها وهي ما وصف الله عز وجل في كتابه العزيز بل نقذف بالحق على الباطل يدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون يا جابر ما تقول بقوم اماتوا كلمة الحق وأظهروا الباطل وهتكوا حريمنا وظلمونا حقنا وغصبونا ملكنا وفعلوا افعال المنافقين وساروا سيرة الفاسقين قال جابر قلت يا سيدي الحمد لله الذي من علي بمعرفتكم والهمني فضلكم ووفقني لشيعتكم وموالاة مواليكم ومناداة اعدائكم فقال يا جابر: أتدري ما المعرفة قلت: لا أدري قال: اثبات التوحيد اولا، ثم معرفة المعاني، ثانيا، ثم معرفة الابواب ثالثا، ثم معرفة الايتام رابعا، ثم معرفة النقباء خامسا، ثم معرفة النجباء سادسا، ثم معرفة المختصين سابعا، ثم معرفة المخلصين ثامنا، ثم معرفة الممتحنين تاسعا، وهو قوله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) وتلا قوله تعالى: (لو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله) الآية. يا جابر مولاك امرك بثبات التوحيد


 

[ 230 ]

معرفة معنى المعان، قال جابر: فقلت سيدي ومولاي وفقني على اثبات التوحيد فهي معرفة الله الازل القديم العلي العظيم الذي لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن ليس يتدارك كما وصف نفسه عز وجل واما المعاني فنحن معانيه وظاهره فينا اختارنا من نور ذاته وفوض الينا امر عباده فنحن نفعل باذنه ما نشاء ونحن لا نشاء الا ما شاء الله وإذا اردنا اراد الله احلنا الله هذا المحل واصطفانا من بين عباده وخصنا بهذه المنزلة الرفيعة السنية وجعلنا عينه على عباده وحجته في بلاده ووجه وآياته فمن انكر من ذلك شيئا ورده فقد رد على الله وأنبيائه وآياته ورسله، يا جابر من عرف الله بهذه الصفة فقد اثبت التوحيد لان هذه الصفة موافقة لكتا الله المنزل وهو قوله: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) وقوله في كتابه العزيز: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) وقوله تعالى: (لا يسال عما يفعل وهم يسالون) يا جابر فإذا عرفت الله بهذه الصفة، ثم عرفت معانيه وإنهم من نور ذاته اختصهم الله بالفضل واعزهم بالروح التي هي منه لم يطفا بتلك الروح والنور الذي هو منه عزنا وأنت عارف خبير مستبصر كامل بالغ، قال جابر: انا لله ما اقل اصحابي، قال: هيهات يا جابر: اتدري كم على وجه الارض من اصحابك، قلت: يا ابن رسول الله كنت اظن ان في كل بلدة ما بين المائة الى المائتين وكل أقليم ما بين الالف الى الالفين، لانا كنا نظن انهم اكثر من مائة الف في اطراف الارض ونواحيها. قال: يا جابر خاب ظنك وقصر رأيك اولئك هم المقصرة وليس من اصحابك قلت: يا ابن رسول الله ومن المقصرة قال الذين يقصرون عن معرفة الائمة وعن معرفة ما فوض إليهم من روحه، قال جابر: من علي يا سيدي، قال: ان تعرف كل من خصه الله بالروح فقد فوض إليه أمره أن يخلق باذنه ويعلم ويخبر بما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون الى يوم القيامة وذلك ان هذه الروح من امر الله عز وجل خصه بهذه الروح وهو


 

[ 231 ]

كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بامر الله يسير باذن الله من المشرق الى المغرب في لحظة ويعرج الى السماء وينزل الى الارض متى شاء واراد قلت سيدي اوجدني بيان هذه الروح من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل (صلوات الله عليه) وأنها من أمر الله خص الله بها رسوله وارتضاه، قال: نعم، اقرأ هذه الآية قوله تعالى: (وكذلك اوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي الى صراط مستقيم) قال جابر: قلت: يا ابن رسول الله هل بعد هذه المعرفة تقصير، قال: نعم، ان قصر في حقوق اخوانه ولم يشركهم في كل امرهم واستاثر بحطام الدنيا دونهم فهنالك يسلب المعرفة وينسلخ من دينه وتصيبه من آفات الدنيا وبلاياها ما لا يطيقه من الاوجاع وإذهاب ماله وتشتيت شمله بما قصر في حقوق اخوانه. قال جابر: فاغتممت غما شديدا وقلت: يا ابن رسول الله ما حق المؤمن على اخيه قال يفرح بفرحه ويحزن لحزنه، ويتفقد اموره كلها فيصلحها ولا يغتنم بشئ من حطام الدنيا إلا واساه به حتى يكونا في الخير والشر قرآنا واحدا قلت سيدي ومولاي كيف فرض الله هذا للاخ على أخيه المؤمن، قال: لان المؤمن اخو المؤمن لا أبيه وامه يرثه ويعتقد منه وهو احق بملكه من ابنه إذا كان على مذهبه قلت: سبحان الله ومن يمكنه ذلك ومن يقدر عليه قال: من احب ان يقرع باب الجنان ويعانق الحور الحسان ويجتمع معنا في دار السلام، ويشتاق العلي العلام، قال جابر: هلكنا والله قال يا جابر ان رجلا من اخوانك شابا طريا اتاني فسألني عن حقوق الاخوان اخبرته ببعض حقوقهم فمر متحيرا لا يهتدي لامره من صعوبة ما مر على مسامعه من حقوق المؤمن على أخيه المؤمن. فقال: يا ابن رسول الله هلكت والله قلت: ولم، قال: لاني ضيعت حقوقا وجبت علي لاخواني المؤمنين فقصرت فيها وكان يمكني أن اقضيها ولم اعلم انه يلزمني من التقصير كل هذا يسير قلت له هو ما اخبرتك لا أن الله عز


 

[ 232 ]

وجل امتحنك بمعرفتنا وبحقوق اخوانك المؤمنين فتنفس صعدا ونظرت إليه وقد تحول شعر رأسه ولحيته بياضا من شدة ما داخله من الاسف والحزن وخرج وهو يبكي ويقول اتوب الى الله يا ابن بنت رسول الله مما كان مني من التقصير في رعاية حقوق اخواني المؤمنين تالله اني كنت في ضلال مبين قبل يومي هذا وجعل يبكي بكاء شديدا حتى غاب عن بصري قال جابر: فقلت يا ابن رسول الله فما حال جابر، فيما ينفقه على أهله وولده وهم لا يعرفون الحق وشفقتي عليهم اكثر من شفقتي على اخواني وأنا منهم، قال معاذ الله ما انت منهم ولا هم منك إذا كانوا لا يعرفون هذا، قال جابر: قلت سيدي ومولاي قد ابتليت بهم قال: والله ما ابتليت بهم الا بتركك بر اخوانك وتضييعك لحقوقهم، قلت سيدي ومولاي فاخواني إذا قليل على حسب ما وصفت قال: ذلك أوكد للحجة عليك من حق المؤمنين فمن كان مقصرا فليس يلزمك حقه ومن كان بالغا فهو اخوك لابيك وامك ترثه ويرثك وليس شئ احق من حق اخيك المؤمن يا جابر فقلت وللقصرة قال: عرفهم الشئ بعد الشئ وارفعهم من الدرجة الى الدرجة فان يرد الله بهم خيرا ارشدهم الى هذا الامر ومن لم يرد به خيرا نكبه في معرفته ومن ارشدته فقد احييته ومن احيى ميتا فكانما احيى الناس جميعا وإياك يا جابر ان تطلع على سر الله مقصرا حتى تعلم انه قد استبصر قال الله تعالى: (فان انستم منهم رشدا فادفعوا إليهم اموالهم ولا تأكلوها اسرافا وبدارا) يعني إذا بلغوا التفويض قلت: يا ابن بنت رسول الله فكيف صار الامر مكتوما قال: يا جابر ان الله احب ان يعبد سرا ذنب محمد وعلي. وعنه عن أبي الطيب الصابوني، عن هارون بن اسحاق المدني، عن الحكم بن ابان بن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: كتب عبد الملك بن مروان الى الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله وهو بالمدينة ان اشتري لي درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيفه،


 

[ 233 ]

فبعث الحجاج الى علي بن الحسين (صلوات الله عليه) بعني درع رسول الله وسيفه، وكان عبد الملك في ذلك الوقت اكبر من الحجاج سنا، فقال عبد الملك: ان ولي الامر بعد رسول الله امير المؤمنين (عليه السلام) وعلى ذريته بعده الحسن ابنه والحسين وبعده علي بن الحسين (عليهم السلام)، والسيف والدرع عند علي بن الحسين، فبعث الحجاج لعنه الله ان لا بد من السيف والدرع أو ضرب عنقه فاستاذنه وضمن له حمله إليه، وصار الى منزله واحضر صانعا وأخرج إليه عن درع النبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيف غير سيفه فقبض الدرع ودار في مواضع غير السيف، وحملهما الى الحجاج، فقال الحجاج لعنه الله ما هذا سيف رسول الله ولا درعه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): القول لك فقل ما شئت فارسلهما الى محمد بن الحنفية، وقال أخبرني أهذان سيف رسول الله ودرعه، فقال: كأنهما هما وشبههما، قال الحجاج، وما تعرفهما، فقال محمد كيف لا اعرفهما وانا افرغت الدرع على أمير المؤمنين في يوم الجمل ويوم صفين ويوم النهروان، فقال له الحجاج: فلم لا تصدقني عنهما، قال نسيتهما على طول المكث والعهد، فقال الحجاج لعنه الله لعلي بن الحسين (صلوات الله عليه): بعني هما قال لا أبيع، ولم، قال: لاني لاجد ذلك فاعطاه أربعين الف درهم في اربع بدر وانفذهما الى عبد الملك بن مروان، وكتب له بكل ما جرى بينهما، فبعث إليه ان يحمل إليه اربعين الف درهم اخر وحج عبد الملك بن مروان في تلك السنة ولقيه علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فرحب به وقربه إليه فقال له علي بن الحسين ظلامتي قال عبد الملك وما ظلامتك يا أبا محمد، فقال سيفي والدرع، قال اوليس بعتنا هما وقبضت الثمن قال ما بعت، قال: فاردد مالنا فبعث فحمل المال مختوما فقال له عبد الملك: فهذه خمسين الف درهم أخرى، وتم لنا البيع فابى أن يفعل فاقسم عليه ثانيا، لا بد ان يفعل فابى فاقسم عليه ثالثا لا بد ان يعفل، فقال له علي بن الحسين (صلوات الله عليه): على شرط تكتب لي عليك كتابا يشهد فيه قبائل قريش أني وارث


 

[ 234 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وان السيف والدرع لي دونك ودون كل هاشمي وهاشمية قال له: ولك ذلك اكتب ما احببت فكتب عبد الملك ابن مروان من علي بن الحسين بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عبد الملك بن مروان من علي بن الحسين وارث رسول الله (صلى الله عليه واله) اشترى منه درعه وسيفه الذين ورثهما من رسول الله بمائة وثلاثين الف درهما وقد قبض علي بن الحسين الثمن وقبض عبد الملك بن مروان السيف والدرع ولاحق ولا سبيل لاحد من بني هاشم من رجالهم ونسائهم عليه ولا لاحد من العالمين واحضروا قبائل قريش قبيلة بعد قبيلة وشهدوا على علي بن الحسين (عليه السلام) وعلى عبد الملك بن مروان فكانوا إذا خرجوا من الشهادة يقول بعضهم لبعض عبد الملك بن مروان اجهل خلق الله يقر لعلي بن الحسين انه وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو احق به منه ان هذا هو الخسران المبين يقول هذا القول مؤالفهم ومخالفهم ثم اخذ علي (عليه السلام) الكتاب وخرج بالمال وهو يقول انا اعلى العرب سيفا ودرعا يريدهما انهما غير سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودرعه فكان هذا من دلائله (عليه السلام).