[ 173 ]

 

الباب الثالث باب سيدة النساء (عليها السلام)


 

[ 175 ]

قال السيد الحسين بن حمدان الخصيبي بإسناده: ولدت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد خمس سنين من ظهور الرسالة ونزول الوحي ومن بناء الحرم الذي أراد ابرهة ابن الصباح الجبار خرابه، وملك الحبشة وهو الجلندي ابن كركر صاحب الفيل وكان تخريبه بعد طسم وجديس وحزبهم ورحلهم من مكة وبني قريش ما كان خرب منه، فلما ورد ابرهة لهدم البيت وتخريبه أغار على اموال قريش وبني هاشم فاستباحها فصار إليه عبد المطلب فأستأذنوه عليه فلما صار إليه ارتعب منه ابرهة وعظم في نفسه وكبر عليه، فقال لمن حوله: من هذا الرجل العظيم ؟ فقالوا: سيد قريش وافضل بني هاشم واشرف العرب نفسا ونسبا، وهو صاحب هذا البيت فقال اسألوه فيما جاءنا فسألوه، قال: جئت أساله رد ما اخذه واستباحه من اموالنا، ونعمنا، فرغب ابرهة وقال لأصحابه: تزعمون انه صاحب البيت، وفخره له يراني قد قصدت إليه ولا يسألني الصفح عنه ويسألني رد ماله، ما أقول ما قلتم فاعيدوا قولي هذا عليه، فأعادوه على عبد المطلب فقال لهم يرد علينا اموالنا فان لهذه الكعبة ربا يمنعك منها، فقال: ردوا عليهم اموالهم حتى ننظر كيف رب هذه الكعبة يمنعنا منها، وامر بالفيلة فجمعت وحملوا بها وقال لساستها: احملوا على البيت فاجعلوه


 

[ 176 ]

سحيقا فلما جمع الفيلة وحملوا بها وقفت ولم تدخل الحرم ودعا بفيل وحمله على البيت فلم يدخل البيت ولم يزالوا من غروب الشمس الى طلوع الفجر يريدونها على دخول الحرم فلم تدخل فادار الى خارج الحرم ويأمر بحطم كل ما يلقاه فلما اسفر الصبح وطلع النهار ارسل الله تعالى عليهم طيرا ابابيل فكانوا كما قال الله عز وجل فجعلهم كعصف مأكول. وتوفيت فاطمة (عليها السلام) ولها ثمانية عشر سنة وشهران وخمسة وعشرون يوما. واقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين ثم هاجرت معه الى المدينة، وأقامت بها عشر سنين الهجرة ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولها ثمانية عشر سنة، وعاشت بعده خمسة وسبعين يوما وبرواية الغار اربعين يوما وهو الصحيح. وأسماؤها (عليها السلام: فاطمة وفاطم ترخيما. وكناها: أم الحسن والحسين وأم الأئمة وأم أبيها. وألقابها: الزهراء، والبتول، والحصان، والحوراء، والسيدة، والصديقة، ومريم الكبرى، ووالدة الحسن والحسين، وأم النقي، وام التقي، وام البلجة، وأم الرأفة، وأم العطية، وأم الموانح، وأم النورين، وأم العلا، وأم البدية، وأم الرواق الحسيبة، وأم البدريين. ومن أسماء أبي الحسن لها ام البركات، وأم الهادي، وأم الرحبة (عليها السلام). ولها احدى عشرة سنة بعد الهجرة، ولم تحض كما تحيض النساء. وكان حملها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال لما عرج بي جبريل (عليه السلام) إلى ربي ورأيت كل ما رأيته في الملكوت


 

[ 177 ]

ودخلت الجنة وناداني كل ما فيها من شئ حتى ثمارها، وأخذ حبيبي جبريل (عليه السلام) تفاحة من تفاح الجنة، فقال لي يا رسول الله ربك يقرئك السلام، ويقول لك: خذ هذه التفاحة فإن من مائها إذا تخلق تفاحة الدنيا والآخرة، وهي فاطمة ابنتك ورأيت النار وما فيها ثم هبطت الى الدنيا فوافيت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة. وصدق هذا الخبر في التفاحة قول عائشة وقد دخل عليها بالمدينة نسوة من العراقيات وعندها نسوة من الشاميات فقلن لها يا عائشة نسألك عن خروجك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على ضلال استحللت قتاله أم على حق فبغيت عليه فقالت عائشة ويحكن يا عراقيات لقد سألتنني عن الداهية الدهيآء والطامة العظمى، ان عليا (عليه السلام) كان لله ناصرا ولدين الله ثابتا قائما بالحجة وخليفة النبوة واديب الملائكة وقريع الوحي يسمعه بكرة وعشيا ويعيه في اذن واعية، وحجته على خلقه والباب بينهم وبينه وما عسى أن أقول في ابي الحسن وقد اشتبكت رحمه برسول الله (صلى الله عليه وآله) كاشتباك الاصابع المتشابكة بالأوصال المتحابكة فصارت النفس واحدة واودعت جسمين فما يفارق جسم رسول الله ويرى ثقل حبيبه وخليله وقرة عينه الذي كان احب الناس إليه مريم الكبرى والحوراء التي افرغت من ماء الجنة من تفاحة في صلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقحت اكرم لقح وانتجبت اكرم من نجب فهو وابناه كبعض فضل الله لأن عليا (عليه السلام) اعلاهم فضل من الله ومنزلة عند الله ورسوله وسماكن مسلمات وجعلكن مؤمنات وهداكن سبلا، وجعل الأرض لكن مهادا وذللا فقلن الشاميات فما بال علي امير المؤمنين يلعنه معاوية على منابر الشام ؟ فقالت: ويلكن يا شاميات ان معاوية احتقب بخزيه الى خزيكن وبعماه الى عماكن والله لولا اني اكره لامرت بنفيكن اخرجن يا ناريات. وكانت فاطمة (عليها السلام) غمضت عينها وحفظت نفسها ومدت


 

[ 178 ]

عليها الملاءة وقالت: يا اسماء بنت عميس إذا انا مت فانظري الى الدار فإذا رأيت سجافا من سندس الجنة قد ضرب فسطاطا من جانب الدار فاحمليني وزينب وام كلثوم وأتيا بي فاجعلوني من وراء السجاف وخلوا بيني وبين نفسي. فلما توفيت فاطمة (عليها السلام) وظهر السجاف حملتها وجعلت وراءه فغسلت وحنطت بالحنوط وكان كافورا أنزله جبريل (عليه السلام) من الجنة وثلاث صدر، فقال: يا رسول الله العلي الاعلى يقرئك السلام، ويقول لك هذا حنوطك وحنوط ابنتك فاطمة، وحنوط اخيك علي مقسوم ثلاثا، وان اكفانها من الجنة لأنها امة اكرم على الله من ان يتولاها احد غيره. وروي انها تكفنت من بعد غسلها وحنوطها وطهارتها لا دنس فيها وانها لم يكن يحضرها الا أمير المؤمنين والحسن والحسين وزينب وام كلثوم وفضة جاريتها وأسماء ابنة عميس وان أمير المؤمنين (عليه السلام) جهزها ومعه الحسن والحسين في الليل وصلوا عليها وانها وصت، وقالت لا يصلي علي امة نقضت عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يعلم بها احدا، ولا حضر وفاتها احد ولا صلى عليها من سائر الناس غيرهم لأنها وصت (عليها السلام)، وقالت: لا يصلي علي امة نقضت عهد الله وعهد ابي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين بعلي وظلموني واخذوا وراثتي وحرقوا صحيفتي التي كتبها ابي بملك فدك والعوالي وكذبوا شهودي وهم والله جبريل وميكائيل وأمير المؤمنين وام ايمن وطفت عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين (عليهم السلام) وعليه يحملني ومعي الحسن والحسين ليلا ونهارا الى منازلهم يذكرهم بالله ورسوله لئلا يظلمونا ويعطونا حقنا الذي جعله الله لنا فيجيبون ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهارا ثم ينفذون الى دارنا قنفذا ومعه خالد بن الوليد ليخرجا ابن عمي الى سقيفة بني ساعدة


 

[ 179 ]

لبيعتهم الخاسرة ولا يخرج إليهم متشاغلا بوصاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأزواجه وتأليف القرآن وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها عنه عدات ودينا فجمعوا الحطب ببابنا وأتوا بالنار ليحرقوا البيت فأخذت بعضاذتي الباب وقلت: ناشدتكم الله وبأبي رسول الله (عليه السلام) ان تكفوا عنا وتنصرفوا فأخذ عمر السوط من قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي فالتوى السوط على يدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله فرده علي وانا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر، وصفق وجهي بيده حتى انتثر قرطي من اذني وجاءني المخاض فاسقطت محسنا قتيلا بغير جرم فهذه امة تصلي علي، وقد تبرأ الله ورسوله منها وتبرأت منها. فعمل أمير المؤمنين بوصيتها، ولم يعلم بها احد واصبح الناس في البقيع ليلة دفن فاطمة (عليها السلام) اربعون قبرا جددا وان المسلمين لما علموا بوفاة فاطمة ودفنها أتوا أمير المؤمنين (عليه السلام) يعزونه بها، فقالوا: يا أخا رسول الله امرت بتجهيزها وحفر تربتها فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ووريت ولحقت بأبيها (صلى الله عليهما) فقالوا: انا لله وانا إليه راجعون تموت بنت محمد، ولم يخلف ولدا غيرها ولا يصلي عليها، ان هذا الشئ عظيم. فقال (عليه السلام): حسبكم ما جئتم به على الله ورسوله من أهل بيته ولم اكن والله اعصيها في وصيتها التي وصت بها أن لا يصلي عليها احد منكم وما بعد العهد غدر. فنفض القوم اثوابهم وقالوا: لا بد من الصلاة على بنت نبينا ومضوا من فورهم إلى البقيع فوجدوا فيه اربعين قبر جددا، فاستشكل عليهم قبرها بين تلك القبور فضج الناس، ولام بعضهم بعضا، وقالوا: لم تحضروا وفاة بنت نبيكم ولا الصلاة عليها ولا تعرفون قبرها فتزورونها. فقال أبو بكر: أتوا نساء المسلمين من ينشر هذه القبور حتى تجدوا


 

[ 180 ]

فاطمة (عليها السلام) فتصلوا عليها ويزار قبرها، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرج من داره مغضبا وقد احمرت عيناه ودارت أوداجه وعلى يده قباه الاصفر الذي لم يكن يلبسه الا في كريهة، يتوكأ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد على البقيع فسبق الى الناس النذير فقال لهم: هذا علي قد أقبل كما ترون يقسم بالله لئن بحث من هذه القبور حجر واحد لأضعن سيفي على غابر الأمة، فولى القوم ولم يحدثوا احداثا. والذي ولدت فاطمة (عليها السلام) من أمير المؤمنين (عليه السلام): الحسن والحسين ومحسنا سقطا وزينب وام كلثوم وكان اسمها آمنة، وولدت الحسن والحسين من فخذها الأيمن وام كلثوم وزينب من فخذها الأيسر. ومثله ما روي عن وهب بن منبه ان مريم ولدت عيسى (صلوات الله عليه) من فخذها الأيمن وان النفخة كانت من جيبها والكلمة على قلبها وتفسير جابر عن الباقر (عليه السلام) أن في قول الله عز وجل كفاية قوله: (فنفخنا فيه من روحنا) وانها كانت النفخة من جيبها والكلمة على قلبها وصح ان النفخة في آدم (عليه السلام) لم تكن في فرجه وانما كانت في فيه.