بسمه تعالى


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 1 سطر 1 الى ص 10 سطر 2

[ 1 ]
} باب 1 {
* ( احتجاج الله تعالى على أرباب الملل المختلفة في القرآن الكريم ) *
البقرة " 2 " إن الذين كفروا سواء عليهمءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون *
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم * ( 1 ) ومن
الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين
آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا و
لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون * وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنما
نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * وإذا قيل لهم آمنوا كما
آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * وإذا لقوا
الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن * الله
يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون * ( 2 ) اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما
ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين 6 16 " وقال تعالى " : يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي
( هامش ص 2 ) ( 1 ) الختم : الاستيثاق من الشئ والمنع منه ، وحيث إن قلوبهم لاينفذ فيها الانذار وأن
أسماعهم تنبو عن الاصغاء إلى قول الحق وعيونهم لا تعتبر بالعبر ولا تنتفع بالنظر كانه استوثقت بالختم
وغشيت بالغطاء .
( 2 ) العمه : التردد في الامر من التحير ، قال الرضى في التلخيص " ص 5 " : هاتان استعارتان :
فالاولى منها إطلاق صفة الاستهزاء على الله سبحانه ، والمراد بها أنه تعالى يجازيهم على استهزائهم
بارصاد العقوبة لهم فسمى الجزاء على الاستهزاء باسمه ، إذ كان واقعا في مقابلته ، وإنما قلنا : إن
الوصف بحقيقة الاستهزاء غير جائز عليه تعالى لانه عكس أوصاف الحكيم وضد طرائق الحليم ،
والاستعارة الاخرى قوله : " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " أى يمد لهم كأنه يخليهم ، والامتداد في
عمههم والجماح في غيهم إيجابا للحجة وانتظارا للمراجعة ، تشبيها بمن أرخى الطول للفرس أو
الراحلة ليتنفس خناقها ويتسع مجالها .
[ 3 ]
خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء
بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم
تعلمون * وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم
من دون الله إن كنتم صادقين 21 - 23 .
" وقال تعالى " : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين
آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا
يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين 25 - 26 " وقال تعالى " : يا بني
إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي اوف بعهدكم وإياي فارهبون *
وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا
وإياي فاتقون * ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون 40 - 42 " وقال
تعالى " : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون 44 " وقال
تعالى " : يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين 47
" وقال تعالى " : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم
يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون * وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا
خلا بعضهم إلى بعض قالواأتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم
أفلا تعقلون * أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون * ومنهم اميون لا
يعلمون الكتاب إلا أماني ( 1 ) وإن هم إلا يظنون * فويل للذين يكتبون الكتاب
بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم
وويل لهم مما يكسبون 75 - 79 .
( هامش ص 3 ) ( 1 ) الامى : الذي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب ، وقال قطرب : الامية : الغفلة والجهالة فالامى
منه وهو قلة المعرفة . والامانى إما من الامنية وهى التلاوة ، أى إلا أن يتلى عليهم ، أو بمعنى
الاحاديث المختلفة والاكاذيب أى لا يعلمون من الكتاب إلا أحاديث اختلقها رؤساؤهم وأكاذيب يحدث
بها علماؤهم ، أو المراد أنهم يتمنون على الله ما ليس لهم مثل قولهم : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ،
وقولهم : نحن أبناؤالله وأحباؤه .
[ 4 ]
" وقال تعالى " : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل " إلى قوله " : ثم توليتم إلا
قليلا منكم وأنتم معرضون * وإذ أخذنا ميثاقكم لاتسفكون دماءكم ولا تخرجون
أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم و
تخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وإن يأتوكم اسارى
تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض " إلى
قوله " : وقالوا قلوبنا غلف ( 1 ) بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون * ولما جاءهم
كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما
جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين * بئسما اشتروابه أنفسهم أن يكفروا
بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب
وللكافرين عذاب مهين * وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما انزل علينا
ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل
إن كنتم مؤمنين * " إلى قوله " : قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من
دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله
عليم بالظالمين " إلى قوله " : قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن
الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين " إلى قوله " : يا أيها الذين آمنوا لا
تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم " إلى قوله " : أم تريدون
( هامش ص 4 ) ( 1 ) قال الرضى في التلخيص " ص 8 " : إما أن يكون غلف جمع أغلف مثل أحمر وحمر ، أو
يكون جمع غلاف مثل حمار وحمر ويخفف فيقال : حمر ، قال أبوعبيدة : كل شئ في غلاف
فهو أغلف ، يقال : سيف أغلف ، وقوس غلفاء ، ورجل أغلف : إذا لم يختتن ، فمن قرأ غلف على جمع
أغلف فالمعنى : أن المشركين قالوا : قلوبنا في أغطية عما تقوله ، يريدون النبى صلى الله عليه وآله ، و
نظير ذلك قوله سبحانه حاكيا عنهم : " وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقر "
ومن قرأ قلوبنا غلف على جمع غلاف بالتثقيل والتخفيف فمعنى ذلك أنهم قالوا : قلوبنا أوعية
فارغة لا شئ فيها فلا تكثر علينا من قولك فانا لا نعى منه شيئا ، فكان قولهم هذا على طريق الاستعفاء
من كلامه والاحتجاز عن دعائه انتهى . قلت : وقيل : إن معناه : قلوبنا أوعية للعلم تنبيها على أنا
لا نحتاج أن نتعلم منك فلنا غنية بما عندنا .
[ 5 ]
أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل
سواء السبيل * ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا
من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق " إلى قوله " : وقالوا لن يدخل الجنة إلا
من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " إلى قوله " :
وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم
يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيمة فيما
كانوا فيه يختلفون " إلى قوله " : وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات و
الارض كل له قانتون 83 116 .
" وقال تعالى " : وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال
الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون * إنا أرسلناك
بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم * ولن ترضى عنك اليهود ولا
النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولان اتبعت أهواءهم بعد الذي
جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير * " إلى قوله " : وقالوا كونوا هودا
أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين 118 135 .
" وقال تعالى " : قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم
أعمالكم ونحن له مخلصون * أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب و
الاسباط كانوا هودا أو نصارى قلءأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده
من الله وما الله بغافل عما تعملون 139 - 140 .
" وقال تعالى " : سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها
قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " إلى قوله " : الذين آتيناهم
الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون .
( 142 146 )
" وقال تعالى " : ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ( 1 ) يحبونهم كحب
( هامش ص 5 ) ( 1 ) : أى نظراء وأمثالا .
[ 6 ]
الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا
وأن الله شديد العذاب * إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت
بهم الاسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة ( 1 ) فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك
يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار 165 167 .
" وقال سبحانه " : وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا ( 2 )
عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون * ومثل الذين كفروا كمثل
الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ( 3 ) صم بكم عمي فهم لا يعقلون 170 - 171 .
" وقال تعالى " : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر
من آمن بالله واليوم الآخر " إلى قوله " : واولئك هم المتقون 177 .
( هامش ص 6 ) ( 1 ) أى رجعة إلى الدنيا .
( 2 ) أى وجدنا عليه آباءنا .
( 3 ) نعق الغراب : صاح . المؤذن : رفع صوته بالاذان . الراعى بغنمه : صاح بها وزجرها .
قال الطبرسى : ثم ضرب الله مثلا للكفار في تركهم إجابة من يدعوهم إلى التوحيد وركونهم إلى
التقليد فقال : " مثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق " أى يصوت " بما لايسمع " من البهائم " إلا
دعاء ونداء " واختلف في تقدير الكلام وتأويله على وجوه : أولها أن المعنى : مثل الذين كفروا
في دعائك إياهم أى مثل الداعى لهم إلى الايمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التى
لا تفهم ، وإنما تسمع الصوت ، فكما أن الانعام لايحصل لها من دعاء الراعى إلا السماع دون تفهم
المعنى فكذلك الكفار لا يحصل لهم من دعائك إياهم إلى الايمان إلا السماع دون تفهم المعنى لانهم
يعرضون عن قبول قولك وينصرفون عن تأمله فيكون بمنزلة من لم يعقله ومن لم يفهمه ، وهو المروى
عن أبى جعفر عليه السلام . ثانيها أن يكون المعنى : مثل الذين كفروا ومثلنا ، أو مثل الذين كفروا و
مثلك يا محمد كمثل الذى ينعق بما لايسمع إلادعاء ونداء ، أى كمثل الانعام المنعوق بها والناعق
الراعى الذى يكلمها وهى لا تعقل . ثالثها أن المعنى : مثل الذين كفروا في دعائهم الاصنام كمثل الراعى
في دعائه الانعام بتعال وما جرى مجراه من الكلام فكما أن من دعاالبهائم يعد جاهلا فداعى الحجارة
أشد جهلا منه . رابعها أن مثل الذين كفروا في دعائهم الاصنام وهى لا تعقل كمثل الذى ينعق دعاء
ونداء بما لا يسمع صوته جملة ، ويكون المثل مصروفا إلى الغنم وما أشبهها مما يسمع وإن لم يفهم .
خامسها أن يكون المعنى : ومثل الذين كفروا كمثل الغنم الذى لا يفهم دعاء الناعق .
[ 7 ]
" وقال سبحانه " : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على
ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث و
النسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة ( 1 ) بالاثم فحسبه جهنم
ولبئس المهاد 204 - 206 " وقال سبحانه " : سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية
بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب .
آل عمران " 3 " فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل
للذين اوتوا الكتاب والاميينءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما
عليك البلاغ والله بصير بالعباد 20 " وقال تعالى " : ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من
الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون * ذلك بأنهم
قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون 23 - 24 .
" وقال سبحانه " : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال
له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد
ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم
ثم نبتهل ( 2 ) فنجعل لعنة الله على الكاذبين " إلى قوله تعالى " : قل يا أهل الكتاب تعالوا
إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا
أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوااشهدوا بأنا مسلمون * يا أهل الكتاب لم تحاجون
في إبراهيم وما انزلت التورية والانجيل إلا من بعده أفلا تعقلون * ها أنتم هؤلاء
حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون *
ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين *
إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين *
ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون * يا
أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون * يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق
( هامش ص 7 ) ( 1 ) العزة : الحمية والانفة .
( 2 ) قال الراغب : أصل البهل كون الشئ غير مراعى ، والبهل والابتهال في الدعاء : الاسترسال
فيه والتضرع ، ومن فسر الابتهال باللعن فلاجل ان الاسترسال هنا لاجل اللعن .
[ 8 ]
بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون * وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي
انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون * ولا تؤمنوا إلا لمن
تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما اوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم
قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله
ذو الفضل العظيم * ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه
بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الاميين
سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون * بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب
المتقين * إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا اولئك لاخلاق لهم في الآخرة ( 1 )
ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ( 2 ) ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم * وإن منهم
لفريقا يلون ألسنتهم ( 3 ) بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو
من عند الله وماهو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون * ما كان لبشر أن
يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن
كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولايأمركم أن تتخذوا
الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون " إلى قوله تعالى " :
أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون
" إلى قوله " : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق و
جاءتهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين 59 - 86 .
" وقال تعالى " : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على
نفسه من قبل أن تنزل التورية قل فأتوا بالتورية فاتلوها إنم كنتم صادقين * فمن افترى
على الله الكذب من بعد ذلك فاولئك هم الظالمون * قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم
حنيفا وما كان من المشركين 93 - 95 .
( هامش ص 8 ) ( 1 ) أى لا نصيب لهم في الجنة .
( 2 ) أى لا يرحمهم الله يوم القيامة ، كما يقول القائل لغيره إذا استرحمه : انظر إلى .
( 3 ) لوى الحبل : فتله . لوى رأسه أو برأسه : أماله وأعرض . لوى لسانه بكذا : كناية عن الكذب
وتخرص الحديث ، أى ومنهم لفريق يحرفون التوراة تحريفا خفيفا ليخفى وتحسبوه من الكتاب .
[ 9 ]
" وقال تعالى " : قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما
تعملون * قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم
شهداء وما الله بغافل عما تعملون * يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين
اوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين * وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم
آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط المستقيم 98 - 101 .
" وقال تعالى " : ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم
الفاسقون * لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الادبار ثم لا ينصرون *
ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله
وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الانبياء بغير حق
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * ليسوا سواء من أهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات
الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين 110 - 114 .
" وقال تعالى " : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب
ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت
أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد * الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول
حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم
قتلتموهم إن كنتم صادقين * فإن كذبوك فقد كذبت رسل من قبلك جاءوا بالبينات
والزبر والكتاب المنير * كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون اجوركم يوم القيامة
فمن زحزح عن النار ( 1 ) وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور *
لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن
الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور * وإذ أخذ
الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم و
اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون * لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون
( هامش ص 9 ) ( 1 ) أى ابعد عن النار ونحى عنها .
[ 10 ]
أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة ( 1 ) من العذاب ولهم عذاب أليم * ولله
ملك السموات والارض والله على كل شئ قدير 181 - 189 .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 10 سطر 3 الى ص 18 سطر 2

" وقال تعالى " : وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم وما انزل
إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا * اولئك لهم أجرهم عند ربهم إن
الله سريع الحساب 199 .
النساء " 4 " ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة و
يريدون أن تضلوا السبيل * والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا *
من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير
مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع و
انظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا * يا أيها
الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها ( 2 )
فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا * إن
الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما
عظيما * ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ( 3 )
انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا * ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا
من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ( 4 ) ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من
الذين آمنوا سبيلا * اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا * أم لهم نصيب
( هامش ص 10 ) ( 1 ) مفازة : منجاة ، أى فلا تحسبنهم بمكان ينجون من العذاب .
( 2 ) أى نمحو ما فيها من عين وأنف وفم حتى نجعلها لوحا واحدا كالاقفاء لا تستبين فيها
جارحة ، قال الرضى قدس سره : هذه استعارة عن مسخ الوجوه ، أى يزيل تخاطيطها ومعارفها
تشبيها بالصحيفة المطموسة التى عميت سطورها واشكلت حروفها .
( 3 ) الفتيل : ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ ويضرب به المثل في الشئ الحقير ، قاله
الراغب . ويأتى أيضا بمعنى السحاة في شق النواة .
( 4 ) الجبت : الاصنام . ويقال لكل ما عبد من دون الله . الساحر والكاهن . خسار الناس . الطاغوت : كل متعد . كل رأس ضلال . الشيطان . الصارف عن طريق الخير .
[ 11 ]
من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا * ( 1 ) أم يحسدون الناس على ما آتهم الله من فضله
فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما 44 - 54 .
" وقال سبحانه " : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل
من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد امروا أن يكفروا به ويريد الشيطان
أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذاقيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت
المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك
يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا * اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض
عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا 60 - 63 .
" وقال تعالى " : ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي
تقول والله يكتب مايبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا * أفلا
يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا * وإذا جاءهم أمر
من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر لعلمه
الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا 81 - 83 .
" وقال تعالى " : إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا *
لعنه الله وقال لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا * ولاضلنهم ولامنينهم ولآمرنهم
فليبتكن آذان الانعام ( 2 ) ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا
من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا 117 - 119 " وقال تعالى " : ليس بأمانيكم ولا أماني
أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا 123 .
" وقال تعالى " : يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد
( هامش ص 11 ) ( 1 ) النقير : وقبة في ظهر النواة ، ويضرب به المثل في الشئ الطفيف .
( 2 ) ولامنينهم أى لاجعل لهم امنية . والامنية : الصورة الحاصلة في النفس من تمنى الشئ .
وليبتكن أى ليقطعن آذان الانعام أو يشققونها . والبتك : قطع الاعضاء والشعر ، ويقاربه البتر
والبت والبشك والبتل ، لكن الاول يستعمل في قطع الذنب خاصة ، والثانى في قطع الحبل والوصل
والثالث في قطع الثوب ، والرابع في الانقطاع عن النكاح .
[ 12 ]
سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا
العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا * ورفعنا
فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت و
أخذنا منهم ميثاقا غليظا * فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الانبياء بغير
حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا * وبكفرهم
وقولهم على مريم بهتانا عظيما * وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما
قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من
علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما * و
إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا * فبظلم
من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا * و
أخذهم الربوا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا
أليما * لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من
قبلك والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة والمؤمنون بالله واليوم الآخر اولئك سنؤتيهم أجرا
عظيما 153 - 162 .
" وقال تعالى " : يا أيها الناس قد جاءكم الرسل بالحق من ربكم فآمنوا خيرا
لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والارض وكان الله عليما حكيما * يا أهل
الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم
رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا
خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الارض
وكفى بالله وكيلا * لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن
يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا * فأما الذين آمنوا وعملوا
الصالحات فيوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا
فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا * يا أيها الناس قد
جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا * فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا
[ 13 ]
به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما 170 - 176 .
المائدة " 5 " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل " إلى قوله " : فبما نقضهم ميثاقهم
لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ( 1 ) ونسوا حظا مما ذكروا
به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب
المحسنين * ومن الذين قالواإنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به
فأغرينا بينهم العدواة ( 2 ) والبغضاء إلى يوم القيمة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون *
ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو
عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام
ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم * لقد كفر الذين
قالوا إن الله هو المسيح بن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح بن
مريم وامه ومن في الارض جميعا ولله ملك السموات والارض ومابينهما يخلق ما
يشاء والله على كل شئ قدير * وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم
يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك
السموات والارض وما بينهما وإليه المصير * ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين
لكم على فترة ( 3 ) من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير
والله على كل شئ قدير 10 - 19 .
" وقال سبحانه " : وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل
يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما انزل إليك من ربك طغيانا
وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها
الله ويسعون في الارض فسادا والله لا يحب المفسدين * ولو أن أهل الكتاب آمنوا و
( هامش ص 13 ) ( 1 ) قال الرضى قدس سره : والمراد بها والله أعلم أنهم يعكسون الكلام عن حقائقه ويزيلونه
عن جهة صوابه حملا له على أهوائهم وعطفا على آرائهم .
( 2 ) أى فألقينا بينهم العداوة ، وأصل الاغراء الالصاق .
( 3 ) الفترة : السكون والانقطاع ، أى المدة التى تكون بين كل رسول ورسول .
[ 14 ]
اتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولادخلناهم جنات النعيم * ولو أنهم أقاموا التورية و
الانجيل وما انزل إليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم امة
مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون 64 - 66 .
" وقال تعالى " : قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التورية والانجيل
وما انزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما انزل إليك من ربك طغيانا و
كفرا فلا تأس على القوم الكافرين " إلى قوله سبحانه " : لقد كفر الذين قالوا إن الله هو
المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك
بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأويه النار وما للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين
قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن
الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم * ما
المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا يأكلان الطعام
انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون * قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك
لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم * قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير
الحق ولاتتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل *
" إلى قوله " : ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط
الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل إليه ما
اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون * لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا
اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ( 1 ) وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما انزل إلى
الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا
مع الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع
( هامش ص 14 ) ( 1 ) قيل : قسيس كلمة سريانية في الاصل معناها شيخ ، وفى العرف الكنسى هو أحد أصحاب
المراتب في الديانة ، وهو بين الاسقف والشماس . ورهبان : من اتخذ الرهبانية وهى الاعتزال عن
الناس إلى دير طلبا للتعبد .
[ 15 ]
القوم الصالحين * فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها
وذلك جزاء المحسنين 68 - 85 .
" وقال تعالى " : ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن
الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون * وإذا قيل لهم تعالوا إلى
ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون
شيئا ولا يهتدون 104 " وقال تعالى " : وإذ قال الله يا عيسى بن مريمءأنت قلت للناس
اتخذوني وامي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق
إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب *
" إلى آخر السورة " 116 - 120 .
الانعام " 6 " الحمد لله الذي خلق السموات والارض " إلى قوله " : وما تأتيهم
من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين * فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف
يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون * ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم
في الارض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الانهار تجري
من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين * ولو نزلنا عليك
كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين * وقالوا
لولا انزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون * ولو جعلناه ملكا
لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون * ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين
سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون * قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبة
المكذبين * " إلى قوله تعالى " : قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم
واوحي إلي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة
اخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون * الذين آتيناهم
الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون * " إلى قوله " :
ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا ( 1 ) وإن
( هامش ص 15 ) ( 1 ) الاكنة : الاغطية . والوقر : الصمم .
[ 16 ]
يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا ( إلا ؟ )
أساطير الاولين * وهم ينهون عنه وينأون عنه ( 1 ) وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون *
" إلى قوله " : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين
بآيات الله يجحدون * وقلد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا
حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين * وإن كان
كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغى نفقا في الارض أو سلما في السماء فتأتيهم
بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين * إنما يستجيب الذين
يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون * وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل
إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون * " إلى قوله تعالى " : قل أرأيتكم
إن أتيكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون
فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون " إلى قوله " : قل أرأيتم إن أخذ الله
سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم
هم يصدفون ( 2 ) * قل أرأيتكم إن أتيكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون *
" إلى قوله " : قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن
أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الاعمى والبصير أفلا تتفكرون * وأنذر به الذين
يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون * " إلى
قوله " : قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت
إذا وما أنا من المهتدين * قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون
به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين * قل لو أن عندي ما تستعجلون به
لقضي الامر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين * " إلى قوله تعالى " : قل من ينجيكم
من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لان ( أنجنا ؟ ) من هذه لنكونن من الشاكرين *
( هامش ص 16 ) ( 1 ) أى يتباعدون عنه ، من النأى وهو البعد .
( 2 ) أى يعرضون عنها .
[ 17 ]
قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون * قل هو القادر على أن
يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ( 1 ) ويذيق بعضكم
بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون * وكذب به قومك وهو الحق قل لست
عليكم بوكيل * لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون * وإذا رأيت الذين يخوضون في
آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد
بعد الذكرى مع القوم الظالمين * " إلى قوله تعالى " : قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا
ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الارض
حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم
لرب العالمين 1 - 71 .
" وقال سبحانه " : وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من
شئ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس
تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم
يلعبون * وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القرى ومن
حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون * " إلى قوله
تعالى " : وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ( 2 ) سبحانه
وتعالى عما يصفون * بديع السموات والارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة
وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم " إلى قوله " : قد جاءكم بصائر من ربكم فمن
( هامش ص 17 ) ( 1 ) أى فرقا مختلفة الاهواء والنزعات .
( 2 ) قال الرضى قدس الله روحه في التلخيص " ص 38 " : هذه استعارة ، والمراد انهم ادعوا له
سبحانه بنين وبنات بغير علم ، وذلك مأخوذ من الخرق وهى الارض الواسعة وجمعها خروق لان
الريح تنخرق فيها أى تتسع ، والخرق من الرجال : الكثير العطاء ، فكانه ينخرق به ، والخرقة
جماعة الجراد ، والخريق : الريح الشديد الهبوب ، وكان معنى قوله تعالى : " وخرقوا له " أى
اتسعوا في دعوى البنين والبنات له وهم كاذبون في ذلك . ومن قرأ : " وخرقوا " بالتشديد فانما
أراد تكثير الفعل من هذا الجنس ، والاختراق والاختلاق والاختراع والابتشاك بمعنى واحد وهو
الادعاء للشئ على طريق الكذب والزور .
[ 18 ]
أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ * وكذلك نصرف الآيات و
ليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون * اتبع ما اوحي إليك من ربك لا إله إلا هو و


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 18 سطر 3 الى ص 26 سطر 3

أعرض عن المشركين " إلى قوله سبحانه " : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم
آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * و
نقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون * ولو
أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا
إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون * " إلى قوله " : أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي
أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك
بالحق فلا تكونن من الممترين * وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته
وهو السميع العليم * وإن تطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون
( إ ؟ ) الظن وإن هم إلا يخرصون * " إلى قوله " : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم
ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون " إلى قوله تعالى " : وإذا جاءتهم آية قالوا
لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب
الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون * " إلى قوله " : وربك
الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية
قوم آخرين * إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين * قل يا قوم اعملوا على مكانتكم
إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون * وجعلوا
لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان
لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون * و
كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم
ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون * وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ( 1 ) لا يطعمها
إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه
سيجزيهم بما كانوا يفترون * وقالوا ما في بطون هذه الانعام ( خالصة ؟ ) لذكورنا ومحرم على
( هامش ص 18 ) ( 1 ) الحجر : الممنوع منه بتحريمه .
[ 19 ]
أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم * قد خسر
الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما
كانوا مهتدين * " إلى قوله سبحانه " : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر
والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا ( 1 ) أو ما اختلط بعظم
ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون * فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد
بأسه عن القوم المجرمين * سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا
حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من
علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة
فلو شاء لهديكم أجمعين * قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن
شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة
وهم بربهم يعدلون " إلى قوله " : وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوه
لعلكم ترحمون * أن تقولوا إنما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن
دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا انزل عليك الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم
بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي
الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون * هل ينظرون إلا أن تأتيهم
الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع
نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون *
إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم
ينبئهم بما كانوا يفعلون * " إلى قوله " : قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم *
دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا ( 2 ) وما كان من المشركين * قل إن صلاتي ونسكي ( 3 ) و
( هامش ص 19 ) ( 1 ) الحوايا جمع حوية وهي الامعاء .
( 2 ) قيما أى ثابتا مقوما لامور معاشهم ومعادهم ، أو ثابتا دائما لا ينسخ ، وقرئ بالتخفيف من
قيام . والملة : اسم لما شرع الله تعالى لعباده على لسان الانبياء ، مأخوذة من أمللت الكتاب ،
ولا تضاف الا إلى النبى الذى تسند إليه بخلاف الدين فانه يضاف لله وللنبى ولاحاد امته . حنيفا
أى مائلا وعادلا عن كل دين سوى دين الله ، مخلصا في العبادة لله .
( 3 ) النسك : العبادة . كل ما تقرب به إلى الله الا أن الغالب اطلاقها على الذبح .
[ 20 ]
محياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين * قل
أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر
اخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون 91 164 .
الاعراف " 7 " المص كتاب انزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به و
ذكرى للمؤمنين * اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا
ما تذكرون 1 - 3 " وقال سبحانه " : وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله
أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون * قل أمر ربي بالقسط
وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون *
فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله و
يحسبون أنهم مهتدون * " إلى قوله " : ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى
ورحمة لقوم يؤمنون * " إلى قوله تعالى حاكيا عن نوح على نبينا وآله وعليه السلام " :
أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني
معكم من المنتظرين 28 - 71 .
" وقال تعالى " : قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك
السموات والارض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي ( 1 )
الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون 158 .
" وقال سبحانه " : أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين *
أولم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شئ وأن عسى أن يكون
قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون " إلى قوله " : قل لا أملك لنفسي نفعا ولا
ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا
إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون * " إلى قوله " : أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون *
( هامش ص 20 ) ( 1 ) قيل : منسوب إلى الامة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم كقولك : عامى لكونه على عادة
العامة . وقيل : سمى به لانه لم يكن يكتب ولا يقرء من كتاب ، وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه
واعتماده على ضمان الله منه بقوله : " سنقرئك فلا تنسى " وقيل : سمى بذلك لنسبته إلى ام القرى .
[ 21 ]
ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون * وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم
سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون * إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم
فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين * ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون
بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون
فلا تنظرون * إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين * والذين تدعون
من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون * وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا
( وتريهم ؟ ) ينظرون إليك وهم لا يبصرون * خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين *
وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ( 1 ) فاستعذ بالله إنه سميع عليم * " إلى قوله تعالى " :
وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر
من ربكم ( 2 ) وهدى ورحمة لقوم يؤمنون 184 - 203 .
الانفال " 8 " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون *
ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * إن شر الدواب عند الله الصم البكم
الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون *
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول
بين المرء وقلبه ( 3 ) وأنه إليه تحشرون * " إلى قوله تعالى " : وإذا تتلى عليهم آياتنا
قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الاولين * وإذ قالوا اللهم إن
كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم * وما
( هامش ص 21 ) ( 1 ) أى إن نالك من الشيطان وسوسة ونخسة في القلب بما يسول للانسان ليصرفك عما امرت به
فاستعذ بالله .
( 2 ) أى حجج بينة من ربكم .
( 3 ) قال الرضى رضوان الله تعالى عليه : هذه استعارة والمعنى أن الله تعالى أقرب إلى العبد من
قلبه فكانه حائل بينه وبينه من هذا الوجه ، أو يكون المعنى انه تعالى قادر على تبديل قلب المرء
من حال إلى حال ، إذ كان سبحانه موصوفا بانه مقلب القلوب ، والمعنى أنه ينقلها من حال الامن
إلى حال الخوف ، ومن حال الخوف إلى حال الامن ، ومن حال المساءة إلى حال السرور ، ومن
حال المحبوب إلى حال المكروه .
[ 22 ]
كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " إلى قوله " : وما كان
صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " إلى قوله
تعالى " : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة
الاولين 20 - 38 .
التوبة " 9 " وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك
قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون * اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما امروا إلا ليعبدوا إلها
واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون * يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم و
يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون * يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من
الاحبار ( 1 ) والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله " إلى قوله " :
إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما
ليواطؤا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله وزين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى القوم
الكافرين 30 - 37 .
" وقال تعالى " : وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا
فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض
فزادتهم رجسا إلى رجسهم ( 2 ) وماتوا وهم كافرون * أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام
مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون * وإذا ما انزلت سورة نظر بعضهم إلى
بعض هل ( يريكم ؟ ) من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون 123 - 127 .
( هامش ص 22 ) ( 1 ) الاحبار جمع الحبر : العالم والفقيه ، والحبر : الاثرالمستحسن ، سمى العالم بذلك لما
يبقى من أثر علومهم في نفوس الناس ومن آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها ، والحبر الاعظم عند
النصارى : خلف السيد المسيح على الارض . وعند اليهود : رئيس الكهنة .
( 2 ) قال السيد الرضى : هذه استعارة ظاهرة ، وذلك أن السورة لا تزيد الارجاس رجسا ولا
القلوب مرضا بل هى شفاء للصدور وجلاء للقلوب ، ولكن المنافقين لما ازدادوا عند نزولها عمى
وعمها وازدادت قلوبهم ارتيابا ومرضا حسن أن يضاف ذلك إلى السورة على طريقة لاهل اللسان معروفة .
[ 23 ]
يونس " 10 " الر تلك آيات الكتاب الحكيم * أكان للناس عجبا أن أوحينا
إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال
الكافرون إن هذا لساحر مبين 1 - 2 " وقال تعالى " : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال
الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن ابدله من تلقاء
نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم * قل لو
شاء الله ما تلوته عليكم ولا ( أدريكم ؟ ) به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون * فمن
أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون * ويعبدون من دون
الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم
في السموات ولا في الارض سبحانه وتعالى عما يشركون * " إلى قوله " : ويقولون
لولا انزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من
المنتظرين 15 - 20 .
" وقال تعالى " : قل من يرزقكم من السماء والارض أم من يملك السمع و
الابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر
فسيقولون الله فقل أفلا تتقون * فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى
تصرفون * كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا إنهم لا يؤمنون * قل هل من
شركائكم من يبدؤالخلق ثم يعيده قل الله يبدؤ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون * قل هل
من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدى للحق أفمن يهدى إلى الحق أحق أن
يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون * وما يتبع أكثرهم إلا
ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون * وما كان هذا القرآن
أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من
رب العالمين * أم يقولون ( افتريه ؟ ) قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله
إن كنتم صادقين * بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين
من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين * ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به و
ربك أعلم بالمفسدين * وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريؤن مما
[ 24 ]
أعمل وأنا برئ مما تعلمون * ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا
لا يعقلون * ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون
" إلى قوله " : ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين * قل لا أملك لنفسي ضرا
ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل امة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون *
قل أرأيتم إن ( أتكم ؟ ) عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون * أثم إذا ما وقع
آمنتم به الآن وقد كنتم به تستعجلون * ( 1 ) ويستنبؤنك أحق هو قل إي وربي إنه
لحق وما أنتم بمعجزين " إلى قوله " : يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من
ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين * قل بفضل الله وبرحمته فبذلك
فليفرحوا هو خير مما يجمعون * قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما
وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون " إلى قوله " : ولا يحزنك قولهم
إن العزة لله جميعا هو السميع العليم * ألا إن لله من في السموات ومن في الارض وما
يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون *
هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون *
قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الارض إن عندكم من
سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون * قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا
يفلحون " إلى قوله " : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو
جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم " إلى قوله " : ولو شاء ربك لآمن من
في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " إلى قوله " : قل
انظروا ماذا في السموات والارض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون * فهل
ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين *
ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين * قل يا أيها الناس إن
كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبدالله الذي
( هامش ص 24 ) ( 1 ) سقطت من هنا آية وهى : " ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما
كنتم تكسبون " .
[ 25 ]
( يتوفكم ؟ ) وامرت أن أكون من المؤمنين * وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن
من المشركين * ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من
الظالمين " إلى قوله سبحانه " : قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى
فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل * واتبع ما يوحى
إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين 31 - 109 .
هود " 11 " الر كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير * أن
لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير * وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه
يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني
أخاف عليكم عذاب يوم كبير * إلى الله مرجعكم وهو على كل شئ قدير * ألا إنهم
يثنون صدورهم ليستخفوا منهم ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون
إنه عليم بذات الصدور " إلى قوله " : ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى امة معدودة
ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن
" إلى قوله " : فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا انزل
عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل * أم يقولون ( افتريه ؟ )
قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين *
فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما انزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون
" إلى قوله " : فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس
لا يؤمنون 1 - 17 .
" وقال تعالى " : تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك
من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين 49 " وقال سبحانه " : وكلا نقص عليك من أنباء
الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين * وقل
للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون * وانتظروا إنا منتظرون * ولله غيب
السموات والارض وإليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما
تعملون 120 - 123 .
[ 26 ]
يوسف " 12 " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم
وهم يمكرون * وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين * وما تسألهم عليه من أجر
إن هو إلا ذكر للعالمين * وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 26 سطر 4 الى ص 34 سطر 4

عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون * أفأمنوا أن تأتيهم غاشية
من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون * قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على
بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين * وما أرسلنا من قبلك إلا
رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين
من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون 102 - 109 .
الرعد " 13 " : المر تلك آيات الكتاب والذي انزل إليك من ربك الحق ولكن
أكثر الناس لا يؤمنون " إلى قوله تعالى " : ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت
من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب *
ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آيه من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " إلى
قوله " : هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال * ويسبح الرعد
بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في
الله وهو شديد المحال * له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ
إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال * ولله
يسجد من في السماوات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال * قل من
رب السموات والارض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لانفسهم
نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الاعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا
لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد
القهار " إلى قوله سبحانه " : ( 1 ) أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل
السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب
( هامش ص 26 ) ( 1 ) هكذا في النسخ ، والاية غير متوسطة باية اخرى ، فقوله : " إلى قوله سبحانه " زيادة
ولعله من النساخ .
[ 27 ]
الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض
كذلك يضرب الله الامثال " إلى قوله " : أفمن يعلم أنما انزل إليك من ربك الحق
كمن هو أعمى إنما يتذكر اولوا الالباب 1 - 19 .
" وقال تعالى " : ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل
من يشاء ويهدي إليه من أناب " إلى قوله تعالى " : كذلك أرسلناك في امة قد خلت
من قبلها امم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله
إلا هو عليه توكلت وإليه متاب * ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض
أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس
جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى
يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد * ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين
كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب * أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله
شركاء قل سموهم أم تنبؤنه بما لا يعلم في الارض أم بظاهر من القول بل زين
للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد " إلى قوله " : و
الذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما انزل إليك ومن الاحزاب من ينكر بعضه قل
إنما امرت أن أعبدالله ولا اشرك به إليه أدعو وإليه مآب * وكذلك أنزلناه حكما
عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق
" إلى قوله " : وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ و
علينا الحساب " إلى قوله " : ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني
وبينكم ومن عنده علم الكتاب 27 - 43 .
ابراهيم " 14 " الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور
بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد " إلى قوله " : مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم
كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو الضلال
البعيد * ألم تر أن الله خلق السموات والارض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق
جديد وما ذلك على الله بعزيز 1 - 20 .
[ 28 ]
" وقال تعالى " : ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها
ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الامثال للناس
لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها
من قرار 24 - 26 .
" وقال سبحانه " : ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار
البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار * وجعلوا لله أنددا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا
فإن مصيركم إلى النار 28 - 30 .
الحجر " 15 " الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين * ربما يود الذين كفروا
لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل فسوف يعلمون " إلى
قوله " : وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون * لو ما تأتينا بالملائكة
إن كنت من الصادقين * ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين * إنا نحن
نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " إلى قوله " : ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا
فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون " إلى قوله " :
وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح
الجميل * إن ربك هو الخلاق العليم * ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم *
لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك
للمؤمنين * وقل إني أنا النذير المبين * كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا
القرآن عضين * فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون * فاصدع بما تؤمر و
أعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف
يعلمون * ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من
الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين 1 - 99 .
النحل " 16 " أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون * ينزل
الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون *
خلق السموات والارض بالحق تعالى عما يشركون " إلى قوله " : أفمن يخلق
[ 29 ]
كمن لا يخلق أفلا تذكرون " إلى قوله " : والذين يدعون من دون الله لا يخلقون
شيئا وهم يخلقون * أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون * إلهكم إله واحد
فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون * لا جرم أن الله يعلم ما
يسرون وما يعلنون * إنه لا يحب المستكبرين * وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا
أساطير الاولين * ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير
علم ألا ساء ما يزرون " إلى قوله " : وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه
من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل
على الرسل إلا البلاغ المبين " إلى قوله " : إن تحرص على ( هديهم ؟ ) فإن الله لا يهدي
من يضل وما لهم من ناصرين " إلى قوله " : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل
إليهم ولعلهم يتفكرون * أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الارض
أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو
يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤف رحيم * أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ
يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون * ولله يسجد ما في السموات
وما في الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم
ويفعلون ما يؤمرون * وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي
فارهبون * وله ما في السموات والارض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون * وما بكم
من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون * ثم إذا كشف الضر عنكم
إذا فريق منكم بربهم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون * و
يجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون * ويجعلون
لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون * وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا
وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في
التراب ألا ساء ما يحكمون " إلى قوله تعالى " : ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم
الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون " إلى قوله " : وما
أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " إلى
[ 30 ]
قوله " : والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على
ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون " إلى قوله " : ويعبدون من دون
الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والارض شيئا ولا يستطيعون * فلا تضربوا لله
الامثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون * ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لايقدر على شئ ومن
رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستون * الحمد لله بل أكثرهم لا
يعلمون * وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لايقدر على شئ وهو كل على مولاه
أينما يوجهه لا يأت بخبر هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم " إلى
قوله " : فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين * يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم
الكافرون " إلى قوله " : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة و
بشرى للمسلمين " إلى قوله " : وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها
وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون * ولا تكونوا كالتي نقضت
غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون امة هي أربى
من امة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون * ولو شاء
الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم
تعملون * ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما
صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم " إلى قوله " : وإذا بدلنا آية مكان آية والله
أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لايعلمون * قل نزله روح القدس من
ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين * ولقد نعلم أنهم يقولون
إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين " إلى قوله " :
ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين 1 - 123 .
" وقال سبحانه " : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين " إلى
قوله " : واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون * إن
الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون 125 - 128 .
[ 31 ]
الاسراء " 17 " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين
يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا * وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم
عذابا أليما " إلى قوله " : ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع
الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا * ( أفأصفيكم ؟ ) ربكم بالبنين واتخذ من
الملائكة إناثا * إنكم لتقولون قولا عظيما * ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا
وما يزيدهم إلا نفورا * قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش
سبيلا * سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا " إلى قوله " : وإذا قرأت القرآن جعلنا
بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا * وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه
وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا * نحن
أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا
رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " إلى قوله " :
قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا * اولئك
الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن
عذاب ربك كان محذورا " إلى قوله " : وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا
التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا
طغيانا كبيرا " إلى قوله سبحانه " : قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو
أهدى سبيلا " إلى قوله تعالى " : ولان شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد
لك به علينا وكيلا * إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا * قل لان اجتمعت
الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض
ظهيرا * ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا *
وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا * أو تكون لك جنة من نخيل
وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي
بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن
لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا *
[ 32 ]
وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا وسولا * قل لو
كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا * قل
كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا " إلى قوله " : قل لو أنتم
تملكون خزائن رحمة ربي إذا لامسكتم خشية الانفاق وكان الانسان قتورا 9 - 100 .
" وقال تعالى " : وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا * و
قرآنا فرقناه ( 1 ) لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا * قل آمنوا به أولا تومنوا إن
الذين اوتوا العلم من قبله إذايتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا * ويقولون سبحان
ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا
105 - 109 .
الكهف " 18 " الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما
لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا
حسنا * ماكثين فيه أبدا * وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا * ما لهم به من علم ولا
لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا * فلعلك باخع نفسك
على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا 1 - 6 .
" وقال تعالى " : واتل ما اوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن
تجد من دونه ملتحدا ( 2 ) " إلى قوله " : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن
ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ( 3 ) " إلى قوله تعالى " :
ما أشهدتم خلق السموات والارض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا
" إلى قوله " : ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الانسان
( هامش ص 32 ) ( 1 ) قال الشريف الرضى قدس الله روحه : معنى فرقناه أى بيناه للناس بنصوع مصباحه وشدوخ
أوضاحه حتى صار كمفرق الرأس في وضوح مخطه ، أو كفرق الصبح في بيان منبلجه . وقد قال
بعضهم : معنى فرقناه أى فصلناه سورا وآيات ، فذلك بمنزلة فرق الشعر ، وهو تمييز بعضه من
بعض حتى يزول التباسه ويتخلص التفافه .
( 2 ) ملتحدا أى ملتجأ تلتجئ إليه ، يقال : التحد إليه أى التجأ ومال اليه .
( 3 ) السرادق : الفسطاط الذى يمد فوق صحن البيت .
[ 33 ]
أكثر شئ جدلا * وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن
تأتيهم سنة الاولين أو يأتيهم العذاب قبلا " إلى قوله " : ومن أظلم ممن ذكر
بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه
وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا 27 - 57 .
" وقال سبحانه " : أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا
أعتدنا جهنم للكافرين نزلا " إلى قوله " : قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما
إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه
أحدا 102 - 110 .
مريم " 19 " ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون * ما كان لله أن
يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * وإن الله ربي و
ربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم * فاختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين كفروا
من مشهد يوم عظيم 34 - 37 .
" وقال تعالى " : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا
أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا * وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا
ورءيا * قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا * حتى إذا رأوا ما يوعدون إما
العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا " إلى قوله " :
أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لاوتين مالا وولدا * اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن
عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردا *
واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم
ضدا " إلى قوله " : وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السموات
يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي
للرحمن أن يتخذ ولدا * إن كل من في السموات والارض إلا آتي الرحمن عبدا
" إلى قوله " : فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا 73 - 97 .
طه " 20 " وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون
[ 34 ]
أو يحدث لهم ذكرا * فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك
وحيه وقل رب زدني علما 113 - 143 " وقال سبحانه " : وقالوا لولا يأتينا بآية من
ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الاولى * ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا
ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى * قل كل


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 34 سطر 5 الى ص 42 سطر 5

متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى 133 - 135 .
الانبياء " 21 " اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون * ما يأتيهم من ذكر
من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين
ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون * قال ربي يعلم القول
في السماء والارض وهو السميع العليم * بل قالوا أضغاث أحلام بل افتريه بل هو شاعر
فليأتنا بآية كما ارسل الاولون * ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون *
وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون * وما
جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين * ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم
ومن نشاء وأهلكنا المسرفين * لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون *
" إلى قوله " : وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتخذ لهوا
لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو
زاهق ولكم الويل مما تصفون * وله من في السموات والارض ومن عنده لا يستكبرون
عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون * أم اتخذوا آلهة من
الارض هم ينشرون * لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما
يصفون * لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون * أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم
هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون * وما
أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون * وقالوا اتخذ
الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم
مابين أيديهم وماخلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن
يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين " إلى قوله
[ 35 ]
سبحانه " : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون " إلى قوله " :
وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر
الرحمن هم كافرون * خلق الانسان من عجل ساريكم آياتي فلا تستعجلون .
" إلى قوله " : قل من يكلؤكم ( 1 ) بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم
معرضون * أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون *
بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الارض ننقصها من
أطرافها أفهم الغالبون * قل إنما انذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما
ينذرون " إلى قوله تعالى " : وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون 1 - 50 .
" وقال سبحانه " : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي
الصالحون * إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين * وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين * قل
إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون * فإن تولوا فقل آذنتكم
على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون * إنه يعلم الجهر من القول ويعلم
ماتكتمون * وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين * قال رب احكم بالحق
وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون 105 - 112 .
الحج " 22 " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد *
كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير " إلى قوله تعالى " :
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثاني عطفه ليضل عن
سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك
وأن الله ليس بظلام للعبيد * ومن الناس من يعبد الله على حرف ( 2 ) فإن أصابه خير
( هامش ص 35 ) ( 1 ) أى من يحفظكم ويحرسكم من عذاب الله إذا صب عليكم ليلا ونهارا .
( 2 ) قال السيد الرضى رضوان الله عليه : هذه استعارة والمراد والله أعلم : صفة الانسان المضطرب
الدين الضعيف اليقين الذى لم يثبت في الحق قدمه ولا استمرت عليه سريرته ، فأوهن شبهة تعرض
له ينقاد معها ويفارق دينه لها ، تشبيها بالقائم على طرف مهواة ، فأدنى عارض يزلقه وأضعف
دافع يطرحه .
[ 36 ]
اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران
المبين * يدعو من دون الله مالا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد * يدعو لمن
ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير " إلى قوله " : من كان يظن أن لن ينصره الله
في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ *
وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد " إلى قوله " : ألم تر أن الله
يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر
والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله
يفعل ما يشاء 3 - 18 .
" وقال سبحانه " : وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود * و
قوم إبراهيم وقوم لوط * وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ( 1 ) ثم
أخذتهم فكيف كان نكير " إلى قوله " : أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون
بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور *
ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون *
وكأين من قرية أمليت لها وهى ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير * قل يا أيها الناس
إنما أنا لكم نذير مبين " إلى قوله " : ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من
دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير * ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح
الارض مخضرة إن الله لطيف خبير * له ما في السموات وما في الارض وإن الله لهو الغني
الحميد * ألم تر أن الله سخر لكم ما في الارض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك
السماء أن تقع على الارض إلا بأذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم * وهو الذي
أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الانسان لكفور * لكل امة جعلنا منسكا
هم ناسكوه فلا ينازعنك في الامر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم * وإن
جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون * الله يحكم بينكم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون *
ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والارض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير *
( هامش ص 36 ) ( 1 ) أى امهلتهم واطلت مدة تمتعهم .
[ 37 ]
ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير *
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون
بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفانبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا
وبئس المصير * يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن
يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب
والمطلوب * وما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز 42 - 74 .
المؤمنون " 23 " فذرهم في غمرتهم حتى حين * أيحسبون أنما نمدهم به من
مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " إلى قوله " : ولا نكلف نفسا
إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون * بل قلوبهم في غمرة من هذا
ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون * حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم
يجأرون * لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون * قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم
على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا ( 1 ) تهجرون * أفلم يدبروا القول أم
جاءهم ما لم يأت آباءهم الاولين * أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون * أم يقولون
به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون * ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت
السموات والارض ومن فيهن بل أتينهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون * أم تسألهم
خرجا فخراج ربك خير وهو خيرالرازقين * وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم * وإن
الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون * ( 2 ) ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر
للجوا في طغيانهم يعمهون * ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون
حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون * وهو الذي أنشأ لكم
السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون * وهو الذي ذرأكم في الارض وإليه
تحشرون * وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون * بل قالوا
مثل ما قال الاولون * قالوا أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون * لقد وعدنا
( هامش ص 37 ) ( 1 ) أصل السمر : سواد الليل ، ومنه قيل : لا آتيك السمر والقمر أى لا آتيك أبدا ، ثم
استعمل للحديث بالليل ، ومنه قوله تعالى : " سامرا تهجرون " وقولهم : لا أفعله ما سمر بنا سمير
أى ما تحدث الناس ليلا ، يعنى أبدا . ( 2 ) نكب عنه : عدل .
[ 38 ]
نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الاولين * قل لمن الارض ومن فيها
إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السموات السبع و
رب العرش العظيم * سيقولون لله فل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شئ و
هو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون * بل أتينهم
بالحق وإنهم لكاذبون * ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل
إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون * عالم الغيب والشهادة
فتعالى عما يشركون * قل رب إما تريني ما يوعدون * رب فلا تجعلني في القوم
الظالمين * وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون * ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن
أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين ( 1 ) وأعوذ بك رب أن
يحضرون " إلى قوله " : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله
الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم * ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان
له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون 54 - 117 .
النور " 24 " لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم *
ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما اولئك
بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن
يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن
يحيف ( 2 ) الله عليهم ورسوله بل اولئك هم الظالمون * إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا
إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا واولئك هم المفلحون * ومن
يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فاولئك هم الفائزون * وأقسموا بالله جهد أيمانهم
لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون * قل أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا
وما على الرسول إلا البلاغ المبين " إلى قوله " : لا تحسبن الذين كفروا معجزين في
الارض ومأويهم النار ولبئس المصير 46 - 57 .
( هامش ص 38 ) ( 1 ) همزات الشياطين : خطراته التى يخطرها بقلب الانسان ووساوسه .
( 2 ) الحيف : الميل في الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين .
[ 39 ]
الفرقان " 25 " تبارك الذي نزل الفرقان ( 1 ) على عبده ليكون للعالمين نذيرا *
الذي له ملك السموات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق
كل شئ فقدره تقديرا * واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا
يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حيوة ولا نشورا * وقال الذين
كفروا إن هذا إلا إفك افتريه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا * و
قالوا أساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا * قل أنزله الذي يعلم
السر في السموات والارض إنه كان غفورا رحيما * وقالوا مال هذا الرسول يأكل
الطعام ويمشي في الاسواق لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز
أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر
كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا * تبارك الذي إن شاء جعل
لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا " إلى قوله
سبحانه " : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في
الاسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا * وقال الذين لا
يرجون لقاءنا لولا انزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا
عتوا كبيرا " إلى قوله " : وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك
لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا * ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا
" إلى قوله " : أرأيت من اتخذ إلهه هويه أفأنت تكون عليه وكيلا * أم تحسب أن أكثرهم
يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا " إلى قوله " : فلا تطع
الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا " إلى قوله سبحانه " ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم
ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا * وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا * قل
ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا * وتوكل على الحي
( هامش ص 39 ) ( 1 ) الفرقان اسم لا مصدر ، وتقديره كتقدير رجل قنعان أى يقنع به في الحكم ، والفرقان
أبلغ من الفرق لانه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل ، والفرق يستعمل في ذلك وفى غيره ،
ويطلق ذلك على كلام الله لانه يفرق بين الحق والباطل في الاعتقاد ، والصدق والكذب في المقال ،
والصالح والطالح في الاعمال .
[ 40 ]
الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا " إلى قوله " : وإذا قيل لهم
اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا 1 - 60 .
الشعراء " 26 " طسم * تلك آيات الكتاب المبين * لعلك باخع نفسك ( 1 ) أن
لا يكونوا مؤمنين * إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين *
وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين * فقد كذبوا فسيأتيهم
أنباؤ ما كانوا به يستهزءون * أولم يروا إلى الارض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم *
إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين 1 - 8 .
" وقال سبحانه " : وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الامين * على قلبك
لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين * وإنه لفي زبر الاولين * أولم يكن لهم
آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل * ولو نزلناه على بعض الاعجمين * فقرأه عليهم ما
كانوا به مؤمنين * كذلك سلكنه في قلوب المجرمين * لا يؤمنون به حتى يروا
العذاب الاليم * فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون * فيقولوا هل نحن منظرون * أفبعذابنا
يستعجلون * أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم
ما كانوا يمتعون " إلى قوله " : وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون *
إنهم عن السمع لمعزولون * فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين * وأنذر
عشيرتك الاقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين * فإن عصوك فقل إني
برئ مما تعملون * وتوكل على العزيز الرحيم * الذي يريك حين تقوم وتقلبك في
الساجدين * إنه هو السميع العليم * هل انبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل
على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون 192 - 223 .
النمل " 27 " طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين * هدى وبشرى للمؤمنين
" إلى قوله " : وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم 1 - 6 .
" وقال تعالى " : قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفئ الله خير أما
( هامش ص 40 ) ( 1 ) أى مهلك نفسك أسفا وغما على اعراضهم عنك وعدم إيمانهم بك . وأصل البخع : أن
يبلغ بالذبح البخاع وهو عرق مستبطن الفقار ، وذلك أقصى حد الذبح .
[ 41 ]
يشركون * أمن خلق السموات والارض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق
ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرهاءإله مع الله بل هم قوم يعدلون * أمن جعل
الارض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاءإله
مع الله بل أكثرهم لا يعلمون * أمن يجيب المضطر إذادعاه ويكشف السوء ويجعلكم
خلفاءالارضءإله مع الله قليلا ما تذكرون * أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر
ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمتهءإله مع الله تعالى الله عما يشركون * أمن
يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والارضءإله مع الله قل هاتوا برهانكم
إن كنتم صادقين " إلى قوله " : ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون " إلى قوله " :
وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم ( 1 ) وما يعلنون " إلى قوله " : إن هذا القرآن يقص
على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون * وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين * إن ربك
يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم * فتوكل على الله إنك على الحق المبين * إنك
لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهادي العمي عن
ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون " إلى قوله " : ألم يروا أنا جعلنا الليل
ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " إلى قوله " : إنما امرت
أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وامرت أن أكون من المسلمين *
وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين *
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون 58 - 93 .
القصص " 28 " ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا
أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين * فلما جاءهم الحق من عندنا
قالوا لولا اوتي مثل ما اوتي موسى أولم يكفروا بما اوتي موسى من قبل قالوا
سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون * قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما
أتبعه إن كنتم صادقين * فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل
ممن اتبع هويه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين * ولقد وصلنا لهم القول
لعلهم يتذكرون * الذين آتينهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا
( هامش ص 41 ) ( 1 ) أى إنه يعلم ما تخفيه صدورهم من عداوة رسول الله صلى الله عليه وآله ومكائدهم .
[ 42 ]
آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين " إلى قوله " : وقالوا إن
نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ( 1 ) ثمرات
كل شئ رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون " إلى قوله " : قل أرأيتم إن جعل
الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيمة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون *
قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيمة من إله غير الله يأتيكم بليل


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 42 سطر 6 الى ص 50 سطر 6

تسكنون فيه أفلا تبصرون 47 - 71 .
" وقال سبحانه " : قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين * وما
كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين *
ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ انزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين *
ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه
ترجعون 85 - 88 .
العنكبوت " 29 " ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا اوذي في الله جعل فتنة
الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم
بما في صدور العالمين * وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين * وقال الذين
كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من
شئ إنهم لكاذبون * وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسئلن يوم القية عما
كانوا يفترون 10 - 13 .
" وقال سبحانه " : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت
اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون * إن الله يعلم ما
يدعون من دونه من شئ وهو العزيز الحكيم * وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا
العالمون * خلق السموات والارض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين " إلى قوله " :
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي
انزل إلينا وانزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون * وكذلك أنزلنا
( هامش ص 42 ) ( 1 ) أى يحمل إليه ويجمع فيه .
[ 43 ]
إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد
بآياتنا إلا الكافرون * وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب
المبطلون * بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا
الظالمون * وقالوا لولا انزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا
نذير مبين * أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة و
ذ كرى لقوم يؤمنون * قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السموات والارض و
الذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله اولئك هم الخاسرون * ويستعجلونك بالعذاب
ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون * يستعجلونك
بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " إلى قوله " : ولئن سألتهم من خلق
السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون " إلى قوله
تعالى " : ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الارض من بعد موتها
ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون " إلى قوله " : فإذا ركبوا في الفلك دعوا
الله مخلصين له الدين فلما ( نجهم ؟ ) إلى البر إذا هم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم
وليتمتعوا فسوف يعلمون * أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من
حولهم أفبالبطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون 41 - 67 .
الروم " 30 " أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والارض وما بينهما
إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون * أولم يسيروا
في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الارض
وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا
أنفسهم يظلمون " إلى قوله " : ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت
أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك
نفصل الآيات لقوم يعقلون * بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من
أضل الله وما لهم من ناصرين " إلى قوله " : وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم
منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون * ليكفروا بما
[ 44 ]
آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون * أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون
" إلى قوله تعالى " : الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من
شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون " إلى قوله " :
ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون * فإنك لا تسمع الموتى
ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع
إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون " إلى قوله تعالى " : ولقد ضربنا للناس في
هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون *
كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون * فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك
الذين لا يوقنون 8 - 60 .
لقمان " 31 " الم * تلك آيات الكتاب الحكيم * هدى ورحمة للمحسنين
" إلى قوله " : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها
هزوا اولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كان لم يسمعها
كأن في اذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم " إلى قوله " : خلق السموات بغير عمد
ترونها وألقى في الارض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من
السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم * هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من
دونه بل الظالمون في ضلال مبين " إلى قوله " : ومن الناس من يجادل في الله
بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما
وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير * ومن يسلم وجهه إلى
الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الامور * ومن كفر فلا
يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور * نمتعهم
قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ * ولئن سألتهم من خلق السموات والارض
ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون " إلى قوله " : وإذا غشيهم موج كالظلل
دعواالله مخلصين له الدين فلما ( نجهم ؟ ) إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل
ختار كفور 1 - 22 .
[ 45 ]
التنزيل " 32 " الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون
افتريه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما ( أتهم ؟ ) من نذير من قبلك لعلهم يهتدون *
الله الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش
ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون " إلى قوله " : ومن أظلم ممن ذكر
بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون " إلى قوله " : أولم يهد لهم كم
أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون 1 - 2 .
الاحزاب " 33 " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا
إلى الله بأذنه وسراجا منيرا * وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا * ولا تطع
الكافرين والمنافقين ودع ( أذيهم ؟ ) وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا 45 - 48 .
سبأ " 34 " والذين سعوا في آياتنا معاجزين اولئك لهم عذاب من رجز أليم *
ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط
العزيز الحميد * وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل
ممزق إنكم لفي خلق جديد * أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون
بالآخرة في العذاب والضلال البعيد * أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من
السماء والارض إن نشأ نخسف بهم الارض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك
لاية لكل عبد منيب " إلى قوله تعالى " : قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله
لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الارض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم
من ظهير " إلى قوله " : قل من يرزقكم من السموات والارض قل الله وإنا أو
إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين * قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون *
قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم * قل أروني الذين
ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم * وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا
ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون " إلى قوله " : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات
قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك
مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين * وما آتيناهم
[ 46 ]
من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير " إلى قوله " قل : إنما أعظكم
بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو
إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد * قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا
على الله وهو على كل شئ شهيد * قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب * قل جاء
الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد * قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت
فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب 5 - 50 .
فاطر " 35 " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي
من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون " إلى قوله " : ذلكم الله
ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا
دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيمة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل
خبير * يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد * إن يشأ يذهبكم
ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز " إلى قوله " : وما يستوي الاعمى
والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الاحياء ولا
الاموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور * ان أنت إلا نذير * إنا
أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من امة إلا خلا فيها نذير * وإن يكذبوك فقد
كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير * ثم أخذت
الذين كفروا فكيف كان نكير " إلى قوله " : والذي أوحينا اليك من الكتاب
هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير " إلى قوله " : قل أرأيتم
شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الارض أم لهم شرك في
السموات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا
غرورا " إلى قوله " : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من
إحدى الامم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا * استكبارا في الارض ومكر السئ
ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله ( 1 ) فهل ينظرون إلا سنة الاولين فلن تجد لسنة الله
تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا 8 - 43 .
( هامش ص 46 ) ( 1 ) قال السيد الرضى قدس الله روحه : هذه استعارة والمراد ان الله تعالى يعاقب المشركين *
[ 47 ]
يس " 36 " يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم *
تنزيل العزيز الرحيم * لتنذر قوما ما انذر آباؤهم فهم غافلون * لقد حق القول على
أكثرهم فهم لا يؤمنون " إلى قوله " : وسواء عليهمءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون
" إلى قوله " : ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون " إلى
قوله " : وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون * وما تأتيهم
من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين * وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله
قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطمعه إن أنتم إلا في ضلال مبين
" إلى قوله " : ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون * وما علمناه الشعر
وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين * لينذر من كان حيا ويحق القول على
الكافرين " إلى قوله " واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون * لا يستطيعون نصرهم وهم
لهم جند محضرون * فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون 1 - 76 .
الصافات " 37 " فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين
لازب * بل عجبت ويسخرون * وإذا ذكروا لا يذكرون * وإذا رأوا آية يستسخرون *
وقالوا إن هذا إلا سحر مبين 11 - 15 " وقال سبحانه " : فاستفتهم ألربك البنات ولهم
البنون * أم خلقنا الملائكة إنثا وهم شاهدون * ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد
الله وإنهم لكاذبون * أصطفى البنات على البنين * ما لكم كيف تحكمون * أفلا
تذكرون * أم لكم سلطان مبين * فأتوا بكتابكم إن صادقين * وجعلوا بينه وبين
الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون * سبحان الله عما يصفون * إلا
عباد الله المخلصين * فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال
الجحيم * وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون *
وإن كانوا ليقولون * لو أن عندنا ذكرا من الاولين * لكنا عباد الله المخلصين *
( هامش ص 47 ) * على مكرهم بالمؤمنين فكانما مكروا بأنفسهم ووجهوا الضرر إليهم لا إلى غيرهم ، إذ كان المكر
عائدا بالوبال عليهم ، ومعنى " لا يحيق " أى لا يحل ولا ينزل ولا يحيط إلا بهم ، وهذه الالفاظ
بمعنى واحد .
[ 48 ]
فكفروا به فسوف يعلمون " إلى قوله " : فتول عنهم حتى حين * وأبصرهم فسوف
يبصرون * أفبعذابنا يستعجلون * فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين * وتول
عنهم حتى حين * وأبصر فسوف يبصرون 149 - 179
ص " 38 " ص والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق * كم أهلكنا
من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص * وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون
هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب * وانطلق الملا
منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشئ يراد * ما سمعنا بهذا في الملة
الآخرة إن هذا إلا اختلاق * ءأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل
لما يذوقوا عذاب * أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب * أم لهم ملك السموات
والارض وما بينهما فليرتقوا في الاسباب * جند ما هنالك مهزوم من الاحزاب 1 - 11 .
" وقال سبحانه " : وما خلقنا السماء والارض
وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا
فويل للذين كفروا من النار * أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين
في الارض أم نجعل المتقين كالفجار * كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته و
ليتذكر اولوا الالباب 27 - 29 " وقال سبحانه " : قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله
الواحد القهار * رب السموات والارض وما بينهما العزيز الغفار * قل هو نبأ
عظيم * أنتم عنه معرضون * ما كان لي من علم بالملا الاعلى إذ يختصمون * إن يوحى إلي
إلا أنما أنا نذير مبين " إلى قوله " : قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين *
إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين 65 - 88 .
الزمر " 39 " تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * إنا أنزلنا إليك الكتاب
بالحق فاعبدالله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص * والذين اتخذوا من دونه
أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون *
إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار * لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق
ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار " إلى قوله " : وإذا مس الانسان ضر دعا
ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه ( 1 ) نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله
( هامش ص 48 ) ( 1 ) خوله الشئ : أعطاه اياه متفضلا أو ملكه إياه .
[ 49 ]
أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار " إلى قوله " : قل
إني امرت أن أعبدالله مخلصا له الدين * وامرت لان أكون أول المسلمين * قل إني
أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم * قل الله أعبد مخلصا له ديني * فاعبدوا ما شئتم
من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيمة ألا ذلك هو
الخسران المبين " إلى قوله " : أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولئك في ضلال مبين * الله نزل أحسن الحديث
كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و
قلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد
" إلى قوله " : ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون *
قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون * ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ( 1 )
ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون " إلى
قوله " : أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من
هاد * ومن يهدي الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام * ولئن سألتهم من
خلق السموات والارض
ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله
بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه
يتوكل المتوكلون * قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون * من
يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم * إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق
فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل " إلى
قوله " : أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون *
قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والارض ثم إليه ترجعون * وإذا ذكر الله وحده
اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون
قل اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما
كانوا فيه يختلفون " إلى قوله " : وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب
ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب
( هامش ص 49 ) ( 1 ) التشاكس : الاختلاف .
[ 50 ]
بغتة وأنتم لا تشعرون " إلى قوله " : قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون * ولقد
اوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين *
بل الله فاعبد وكن من الشاكرين 1 - 66 .
المؤمن " 40 " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في
البلاد * كذبت قبلهم قوم نوح والاحزاب من بعدهم وهمت كل امة برسولهم
ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ( 1 ) فأخذتهم فكيف كان عقاب " إلى


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 50 سطر 7 الى ص 58 سطر 7

قوله " : والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ إن الله هو السميع
البصير * أولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا
هم أشد منهم قوة وآثارا في الارض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من
واق * ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد
العقاب 4 - 22 .
وقال سبحانه : فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك
بالعشي والابكار * إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان ( أتهم ؟ ) إن في صدورهم
إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هوالسميع البصير * لخلق السموات والارض
أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون * وما يستوي الاعمى والبصير والذين
آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ قليلا ما تتذكرون " إلى قوله " : قل إني نهيت
أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وامرت أن اسلم لرب
العالمين " إلى قوله " : ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون * الذين كذبوا
بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون " إلى قوله " : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك
منهم من قصصناهم عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا
بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون 55 - 78 " إلى آخر السورة " .
السجدة " 41 " حم تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا
عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في
( هامش ص 50 ) ( 1 ) أى ليبطلوا به الحق .
[ 51 ]
أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون *
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه
وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكوة وهم بالآخرة هم كافرون " إلى قوله " :
فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم
ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لانزل ملائكة فإنا بما ارسلتم به
كافرون " إلى قوله " : وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون *
فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون " إلى قوله " :
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين * ولا تستوي
الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم *
وما ( يلقيها ؟ ) إلا الذين صبروا وما ( يلقيها ؟ ) إلا ذو حظ عظيم " إلى قوله " : إن الذين
كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه تنزيل من حكيم حميد * ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك
لذو مغفرة وذو عقاب أليم * ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياتهءأعجمي
وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم
عمى اولئك ينادون من مكان بعيد " إلى قوله " : قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم
كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد 1 - 52 .
حمعسق " 42 " والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم
بوكيل * وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر ام القرى ومن حولها وتنذر يوم
الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير " إلى قوله " : أم اتخذوا من دونه
أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كلى شئ قدير " إلى قوله " : شرع لكم
من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى و
عيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه
من يشاء ويهدي إليه من ينيب * ما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا
كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين اورثوا الكتاب من
[ 52 ]
بعدهم لفي شك منه مريب * فلذلك فادع واستقم كما امرت ولا تتبع أهواءهم و
قل آمنت بما أنزل الله من كتاب وامرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا
ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير * والذين يحاجون
في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب
شديد " إلى قوله " : قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة
نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور * أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله
يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور
" إلى قوله " : استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ
يومئذ وما لكم من نكير * فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ
" إلى قوله " : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا
الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط
مستقيم * صراط الله الذي له ما في السموات ومافي الارض ألا إلى الله تصير الامور
1 - 53 .
الزخرف " 43 " حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم
تعقلون * وإنه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم * أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن
كنتم قوما مسرفين ( 1 ) * وكم أرسلنا من نبي في الاولين * وما يأتيهم من نبي إلا
كانوا به يستهزءون * فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الاولين " إلى قوله سبحانه "
وجعلوا له من عباده جزء إن الانسان لكفور مبين * أم اتخذ مما يخلق بنات و
( أصفكم ؟ ) بالبنين * وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو
( هامش ص 52 ) ( 1 ) قال الرضى قدس الله اسراره : هذه استعارة ، يقال : ضربت عنه وأضربت عنه بمعنى
واحد ، وسواء قولك : ذهبت عنه صفحا وأعرضت عنه صفحا وضربت وأضربت عنه صفحا ، ومعنى صفحا
ههنا أى أعرضت عنه بصفحة وجهي ، والمراد والله أعلم : أفنضرب عنكم بالذكر ، فيكون الذكر
مرورا لصفحه عنكم من أجل اسرافكم وبغيكم ، أى لسنا نفعل ذلك بل نوالى تذكيركم لتتذكروا
ونتابع زجركم لتنزجروا ، ولما كان سبحانه يستحيل أن يصف نفسه باعراض الصفحة كان الكلام
محمولا على وصف الذكر بذلك على طريق الاستعارة .
[ 53 ]
كظيم * أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين * وجعلوا الملائكة الذين هم
عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون * وقالوا لو شاء الرحمن ما
عبدناهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون * أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به
مستمسكون * بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مهتدون * و
كذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على
امة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم
قالوا إنا بما ارسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين " إلى
قوله " : بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين * ولما جاءهم الحق
قالوا هذا سحر وإنا به كافرون * وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين
عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم
فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون " إلى
قوله " : أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين * فإما نذهبن بك
فإنا منهم منتقمون * أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون * فاستمسك
بالذي اوحي إليك إنك على صراط مستقيم * وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون *
واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون 2 - 45 .
" وقال تعالى " : ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا
ءآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون * إن هو إلا عبد
أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل * ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض
يخلفون " إلى قوله " : لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون * أم أبرموا
أمرا فإنا مبرمون * أم يحسبون أنا لانسمع سرهم ( ونجويهم ؟ ) بلى ورسلنا لديهم
يكتبون * قل إن كان للرحمن ولد فأناأول العابدين * سبحان رب السموات و
الارض رب العرش عما يصفون * فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي
يوعدون " إلى قوله " : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون * وقيله
يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون * فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون 57 - 79 .
الدخان " 44 " حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا
[ 54 ]
منذرين " إلى قوله " : بل هم في شك يلعبون * " إلى قوله " : فإنما يسرناه بلسانك
لعلهم يتذكرون * فارتقب إنهم مرتقبون 1 - 59 .
الجاثية " 45 " حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " إلى قوله " : تلك
آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون * ويل لكل أفاك
أثيم * يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب
أليم * وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين * من ورائهم
جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب
عظيم * هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم " إلى قوله " :
قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون " إلى
قوله تعالى " : ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون *
إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين *
هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون " إلى قوله " : أفرأيت من اتخذ إلهه
هويه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من
بعد الله أفلا تذكرون * وقالوا ما هي إلا حيوتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا
الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون 1 - 24 .
والاحقاف " 46 " حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * ما خلقنا
السموات والارض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما انذروا
معرضون * قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الارض أم لهم شرك
في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين * ومن أضل
ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * و
إذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين * وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات
قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين * أم يقولون افتريه قل إن افتريته
فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو
الغفور الرحيم * قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع
[ 55 ]
إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين * قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به
وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم
الظالمين * وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به
فسيقولون هذا إفك قديم * ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق
لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين " إلى قوله " : فاصبر كما صبر اولوا
العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من
نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون 1 - 35 .
محمد " 47 " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى
لهم * وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر
لهم * أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم " إلى
قوله " : ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين اوتوا العلم ماذا
قال آنفا اولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم 12 - 16 " إلى آخر السورة " .
الفتح " 48 " إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله و
تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا * إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله
يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله
فسيؤتيه أجرا عظيما 8 - 10 .
الحجرات " 49 " واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر
لعنتم ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق
والعصيان اولئك هم الراشدون 7 " وقال سبحانه " : قالت الاعراب آمنا قل لم
تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله
لايلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم " إلى قوله " : قل أتعلمون الله بدينكم
والله يعلم ما في السموات وما في الارض والله بكل شئ عليم * يمنون عليك أن
أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن ( هديكم ؟ ) للايمان إن كنتم
صادقين * إن الله يعلم غيب السموات والارض والله بصير بما تعملون 16 - 18 .
[ 56 ]
ق " 50 " ق والقرآن المجيد * بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون
هذا شئ عجيب * ءإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " إلى قوله " : وكم أهلكنا
قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص * إن في ذلك لذكرى
لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " إلى قوله سبحانه " : نحن أعلم بما يقولون
وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد 1 - 45 .
الذاريات " 51 " ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين * ولا تجعلوا مع الله
إلها آخر إني لكم منه نذير مبين * كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا
قالوا ساحر أو مجنون * أتواصو به بل هم قوم طاغون * فتول عنهم فما أنت بملوم *
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين 50 - 55 " إلى آخر السورة " .
الطور " 52 " فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون * أم يقولون
شاعر نتربص به ريب المنون * قل تربصوا فإني معكم من المتربصين * أم تأمرهم
أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون * أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون * فليأتوا بحديث
مثله إن كانوا صادقين * أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون * أم خلقوا
السموات والارض بل لا يوقنون * أم عندهم خرائن ربك أم هم المصيطرون * أم لهم
سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين * أم له البنات ولكم البنون * أم
تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون * أم عندهم الغيب فهم يكتبون * أم يريدون كيدا
فالذين كفروا هم المكيدون * أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون * وإن يروا
كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم * فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه
يصعقون * يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون * وإن للذين ظلموا عذابا
دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون * واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد
ربك حين تقوم * ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم 29 - 49 .
النجم " 53 " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن
الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى " إلى قوله " :
أفرأيتم اللات والعزى * ومنات الثالثة الاخرى * ألكم الذكر وله الانثى * تلك إذا
[ 57 ]
قسمة ضيزى * إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان
إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى * أم للانسان
ما تمنى * فلله الآخرة والاولى * وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا
من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى * إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون
الملائكة تسمية الانثى * وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني
من الحق شيئا " إلى قوله " : أفرأيت الذي تولى * وأعطى قليلا وأكدى * ( 1 ) أعنده
علم الغيب فهو يرى * أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر
وازرة وزر اخرى * وأن ليس للانسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم
( يجزيه ؟ ) الجزاء الاوفى 1 - 41 " إلى آخر السورة " .
القمر " 54 " اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا
سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر * ولقد جاءهم من الانباء
ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغن النذر * فتول عنهم " إلى قوله سبحانه " :
ولقد جاء آل فرعون النذر * كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر *
أكفاركم خير من اولئكم أم لكم براءة في الزبر * أم يقولون نحن جميع منتصر *
سيهزم الجمع ويولون الدبر " إلى قوله " : ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر *
وكل شئ فعلوه في الزبر * وكل صغير وكبير مستطر 1 - 53 .
الرحمن " 55 " الرحمن علم القرآن " إلى آخر السورة " .
الواقعة " 56 " أفرأيتم ما تمنون * ءأنتم تخلقونهءأم نحن الخالقون " إلى قوله " :
أفرأيتم ما تحرثون * ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم
تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون * أفرأيتم الماء الذي تشربون * ءأنتم
أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه اجاجا فلولا تشكرون * أفرأيتم
النار التي تورون * ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤن * نحن جعلناها تذكرة
( هامش ص 57 ) ( 1 ) قال الراغب : الكدى : صلابة في الارض ، يقال : حفر فأكدى : إذا وصل إلى كدية ، و
استعير ذلك للطالب المخفق والمعطى المقل .
[ 58 ]
ومتاعا للمقوين * فسبح باسم ربك العظيم * فلا اقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم
لو تعلمون عظيم * إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون *
تنزيل من رب العالمين * أفبهذا الحديث أنتم مدهنون * وتجعلون رزقكم أنكم
تكذبون " إلى قوله " : إن هذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم 58 - 96 .
الحديد " 57 " : وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد
أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين * هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم
من الظلمات إلى النور أن الله بكم لرءوف رحيم " إلى قوله تعالى " : ألم يأن للذين


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 58 سطر 8 الى ص 66 سطر 8

آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب
من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي
الارض بعد موتها قد بينا الآيات لعلكم تعقلون " إلى قوله " : يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به
ويغفر لكم والله غفور رحيم * لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شئ من
فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 8 - 29 .
المجادلة " 58 " إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من
قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين " إلى قوله " : ألم تر إلى الذين
تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون *
أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون * اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا
عن سبيل الله فلهم عذاب مهين " إلى قوله " : استحوذ عليهم الشيطان ( فأنسهم ؟ ) ذكر
الله اولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون * إن الذين
يحادون الله ورسوله اولئك في الاذلين * كتب الله لاغلبن أنا ورسلي إن الله قوي
عزيز 5 - 21 .
الممتحنة " 60 " قد كانت لكم اسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذا قالوا
لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة
والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لابيه لاستغفرن لك وما أملك
[ 59 ]
لك من الله من شئ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير " إلى قوله " : يا أيها
الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار
من أصحاب القبور 4 - 13 .
الصف " 61 " وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا
لما بين يدي من ( التورية ؟ ) ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات
قالوا هذا سحر مبين * ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الاسلام
والله لا يهدي القوم الظالمين * يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو
كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
ولو كره المشركون 6 - 9 .
الجمعة " 62 " هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم
ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلا ل مبين " إلى قوله " : قل يا أيها
الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين *
ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين * قل إن الموت الذي تفرون
منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون 2 - 8 .
المنافقون " 63 " إذا جاءك المنافقون " إلى آخر السورة " .
التغابن " 64 " ألم يأتكم نبؤ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم
عذاب أليم * ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا
وتولوا واستغنى الله والله غني حميد " إلى قوله تعالى " : فآمنوا بالله ورسوله والنور
الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير " إلى قوله " : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن
توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين 5 - 12 .
الطلاق " 65 " الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلو عليكم
آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن
يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا قد
أحسن الله له رزقا 10 - 11 " إلى آخر السورة "
[ 60 ]
الملك " 67 " هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها ( 1 ) وكلوا
من رزقه وإليه النشور * ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الارض فإذا هي تمور *
أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير * ولقد كذب
الذين من قبلهم فكيف كان نكير * أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما
يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شئ بصير * أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم
من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور * أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه
بل لجوا في عتو ونفور * أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على
صراط مستقيم * قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما
تشكرون * قل هو الذي ذرأكم في الارض وإليه تحشرون " إلى قوله " : قل أرأيتم إن
أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين 15 - 30 .
القلم " 68 " ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك
لاجرا غير ممنون * وإنك لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون * إن
ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين * فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن
فيدهنون * ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم *
عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين *
سنسمه على الخرطوم " إلى قوله " : أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون *
أم لكم كتاب فيه تدرسون * إن لكم فيه لما تخيرون * أم لكم أيمان علينا بالغة
إلى يوم القيمة إن لكم لما تحكمون * سلهم أيهم بذلك زعيم * أم لهم شركاء فليأتوا
بشركائهم إن كانوا صادقين " إلى قوله " : فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم
من حيث لا يعلمون * واملي لهم إن كيدي متين * أم تسئلهم أجرا فهم من
مغرم مثقلون * أم عندهم الغيب فهم يكتبون " إلى قوله " : وإن يكاد الذين كفروا
ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين
1 - 52 .
( هامش ص 60 ) ( 1 ) أى جوانبها ونواحيها .
[ 61 ]
الحاقة " 69 " فلا اقسم بما تبصرورن وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم *
وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل
من رب العالمين * ولو تقول علينا بعض الاقاويل * لاخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا
منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين * وإنه لتذكرة للمتقين * وإنا لنعلم
أن منكم مكذبين * وإنه لحسرة على الكافرين * وإنه لحق اليقين * فسبح باسم
ربك العظيم 39 - 52 .
المعارج " 70 " فلا اقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون * على أن
نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين * فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي
يوعدون 40 - 42 .
نوح " 71 " وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق
ونسرا 23 .
الجن " 72 " قل إنما أدعو ربي ولا اشرك به أحدا * قل إني لا أملك لكم
ضرا ولا رشدا * قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إلا
بلاغا من الله ورسالاته 20 - 23 " إلى آخر السورة " .
المزمل " 73 " واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا * رب المشرق والمغرب لا
إله إلا هو فاتخذه وكيلا * واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا * وذرني و
المكذبين اولي النعمة ومهلهم قليلا " إلى قوله " : إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا
عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا " إلى قوله " : إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ
إلى ربه سبيلا 8 - 19 .
المدثر " 84 " يا أيها المدثر * قم فأنذر " إلى قوله " : ذرني ومن خلقت
وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع
أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سارهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل
كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر *
فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر * ساصليه سقر " إلى قوله " : وما
[ 62 ]
هي إلا ذكرى للبشر * كلا والقمر * والليل إذ أدبر * والصبح إذا أسفر * إنها
لاحدى الكبر * نذيرا للبشر * لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر " إلى قوله " :
فما لهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة * بل يريد
كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة * كلا بل لا يخافون الآخرة * كلا إنه تذكرة
فمن شاء ذكره * وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة 1 - 56 .
القيامة " 57 " لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا
قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه * كلا بل تحبون العاجلة * وتذرون
الآخرة 16 - 21 .
الدهر " 76 " إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا * فاصبر لحكم ربك ولا
تطع منهم آثما أو كفورا " إلى قوله " : إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم
يوما ثقيلا * نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا * إن هذه
تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا 23 - 29 .
المرسلات " 77 " ألم نخلقكم من ماء مهين 20 " إلى آخر السورة " .
النبأ " 78 " ألم نجعل الارض مهادا 6 " إلى آخر السورة " .
النازعات " 79 " ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها ( فسويها ؟ ) * و
أغطش ليلها وأخرج ( ضحيها ؟ ) * والارض بعد ذلك ( دحيها ؟ ) * أخرج منها ماءها ( ومرعيها ؟ )
والجبال ( أرسيها ؟ ) * متاعا لكم ولانعامكم 28 - 33 .
عبس " 80 " عبس وتولى " إلى آخر السورة " .
التكوير " 81 " فلا اقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس *
والصبح إذا تنفس * إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع
ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون * ولقد رآه بالافق المبين * وما هو على الغيب
بضنين * وما هو بقول شيطان رجيم * فأين تذهبون * إن هو إلا ذكر للعالمين *
لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين 15 - 29 .
[ 63 ]
الانفطار " 82 " ياأيها الانسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك ( فسويك ؟ )
فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك 6 - 8 .
الانشقاق " 84 " فلا اقسم بالشفق * والليل وما وسق * والقمر إذا اتسق *
لتركبن طبقا عن طبق * فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون *
بل الذين كفروا يكذبون * والله أعلم بما يوعون * فبشرهم بعذاب أليم * إلا الذين
آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون 16 - 25 .
البروج " 85 " بل الذين كفروا في تكذيب * والله من ورائهم محيط * بل هو
قرآن مجيد * في لوح محفوظ 19 - 22 .
الطارق " 86 " والسماء ذات الرجع * والارض ذات الصدع * إنه لقول فصل * وما
هو بالهزل * إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا * فمهل الكافرين أمهلهم رويدا 11 - 17 .
الاعلى " 87 " إلى آخر السورة .
الغاشية " 88 " أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت *
وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الارض كيف سطحت * فذكر إنما أنت مذكر *
لست عليهم بمصيطر * إلا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الاكبر * إن إلينا
إيابهم * ثم إن علينا حسابهم 17 - 26 .
البلد " 90 " لا اقسم بهذا البلد " إلى آخر السورة " .
ألم نشرح " 94 " إلى آخر السورة .
والتين " 95 " إلى آخر السورة .
العلق " 96 " إلى آخر السورة .
البينة " 98 " . إلى آخرالسورة .
الماعون " 99 " إلى آخرالسورة .
الكوثر " 108 " إلى آخرالسورة .
الكافرون " 109 " إلى آخرالسورة .
النصر " 110 " إلى آخر السورة .
[ 64 ]
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " إن الذين كفروا سواء
عليهم " : قيل : نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته قتلوا يوم بدر ، وقيل : نزلت
في قوم بأعيانهم من أحبار اليهود ممن كفر بالنبي صلى الله عليه وآله عنادا وكتم أمره حسدا ،
وقيل : نزلت في مشركي العرب ، وقيل : هي عامة في جميع الكفار أخبر الله تعالى بأن
جميعهم لا يؤمنون . ( 1 ) وفي قوله تعالى : " ومن الناس من يقول آمنا " نزلت في المنافقين
وهم عبدالله بن ابي بن سلول ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير وأصحابهم ، وأكثرهم
من اليهود . ( 2 ) وفي قوله : " وإذاخلوا إلى شياطينهم " روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام
أنهم كهانهم . ( 3 ) وفي قوله : " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها "
روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لان البعوضة على صغر
حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين ، فأراد الله
سبحانه أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعته . ( 4 ) وفي قوله : " يا بني
إسرائيل اذكروا " الخطاب لليهود والنصارى ، وقيل : هو خطاب لليهود الذين كانوا
بالمدينة وما حولها . ( 5 )
وفي قوله تعالى : " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " روي عن أبي جعفر عليه السلام في
هذه الآية قال : كان حي بن أخطب وكعب بن الاشرف وآخرون من اليهود لهم مأكلة
على اليهود في كل سنة فكرهوا بطلانها بأمر النبي صلى الله عليه وآله ، فحرفوا لذلك آيات من
التوراة فيها صفته وذكره ، فذلك الثمن الذي اريد في الآية . ( 6 ) وفي قوله : " أتأمرون
الناس بالبر " هذه الآية خطاب لعلماء اليهود وكانوا يقولون لاقربائهم من المسلمين :
اثبتوا على ما أنتم عليه ولا يؤمنون هم . ( 7 ) وفي قوله : " أفتطمعون أن يؤمنوا لكم "
قيل : إنهم علماء اليهود الذين يحرفون التوراة فيجعلون الحلال حراما والحرام حلالا
( هامش ص 64 ) ( 1 ) مجمع البيان 1 : 43 . ( 2 ) مجمع البيان 1 : 46 .
( 3 ) 1 : 51 . ( 4 ) 1 : 67 .
( 5 ) 1 : 93 . ( 6 ) 1 : 95 .
( 7 ) 1 : 98 .
[ 65 ]
اتباعا لاهوائهم وإعانة لمن يرشونهم . ( 1 ) وفي قوله تعالى : " وإذا لقوا الذين آمنوا " إلى
قوله : " ليحاجوكم به عند ربكم " روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال : كان قوم
من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين إذا لقوا المسلمين حدثوهم بما في التوراة من
صفة محمد صلى الله عليه وآله فنهاهم كبراؤهم عن ذلك ، وقالوا : أتخبرونهم بما في التوراة ( 2 ) من صفة
محمد صلى الله عليه وآله فيحاجوكم به عند ربكم فنزلت الآية . ( 3 )
وفي قوله : " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله "
قيل : كتابتهم بأيديهم أنهم عمدوا إلى التوراة وحرفوا صفة النبي صلى الله عليه وآله ليوقعوا الشك
بذلك على المستضعفين من اليهود ، وهو المروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام وعن جماعة
من أهل التفسير ، وقيل : كان صفته في التوراة أسمر ربعة فجعلوه آدم طوالا ، وفي رواية
عكرمة عن ابن عباس قال : إن أحبار اليهود وجدوا صفة النبي صلى الله عليه وآله مكتوبة في
التوراة : أكحل أعين ربعة حسن الوجه ، فمحوه من التوراة حسدا وبغيا فأتاهم نفر من
قريش فقالوا : أتجدون في التوراة نبيا منا ؟ قالوا : نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر
ذكره الواحدي بإسناده في الوسيط . ( 4 ) وفي قوله : " وكانوا من قبل يستفتحون على
الذين كفروا " قال ابن عباس : كانت اليهود يستفتحون أي يستنصرون على الاوس
والخزرج برسول الله صلى الله عليه وآله قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب ولم يكن من بني إسرائيل
كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولونه فيه ، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن
معرور : يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن
( هامش ص 65 ) ( 1 ) مجمع البيان 1 : 142 .
( 2 ) في التفسير المطبوع : لاتخبروهم بما في التوراة .
( 3 ) مجمع البيان 1 : 142 .
( 4 ) مجمع البيان 1 : 146 ، فيه : كانت صفته أسمر ربعة فجعلوه آدم طويلا . قلت : أسمر :
من كان لونه بين السواد والبياض . الربعة : الوسيط القامة ، يستعمل للمذكر والمؤنث . قال
الثعالبي : إذا علاه أدنى سواد فهو أسمر ، فاذا زاد سواده على الصفرة فهو آدم انتهى . الاعين :
الذي عظم سواد عينه في سعة . الاكحل : ذو الكحل : سواد جفونها خلقة من غير كحل .
( 5 ) مجمع البيان 1 : 158 .
[ 66 ]
أهل الشرك وتصفونه وتذكرون أنه مبعوث ، فقال سلام بن مسلم أخو بني النضير : ما جاءنا
بشئ نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . ( 1 )
وفي قوله : " قل من كان عدوا لجبريل " عن ابن عباس قال : سبب نزول هذه
الاية ما روي أن ابن صوريا وجماعة من يهود أهل فدك لما قدم النبي صلى الله عليه وآله إلى
المدينة سألوه فقالوا : يا محمد كيف نومك ؟ فقد اخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر
الزمان ، فقال : ينام عيني وقلبي يقظان ، قالوا : صدقت يا محمد فأخبرنا عن الولد يكون
من الرجل أو المرأة ؟ فقال : أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم
والدم والظفر والشعر فمن المرأة ، قالوا صدقت يا محمد ، فما بال الولد يشبه أعمامه ليس


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 66 سطر 9 الى ص 74 سطر 9

فيه شبه من أخواله ؟ أو يشبه أخواله وليس فيه من شبه أعمامه شئ ؟ فقال : أيهما
علا ماؤه كان الشبه له ، قالوا : صدقت يا محمد ، قالوا : فأخبرنا عن ربك ما هو ؟ فأنزل الله
سبحانه : " قل هو الله أحد " إلى آخر السورة ، فقال له ابن صوريا : خصلة واحدة إن
قلتها آمنت بك واتبعتك : أي ملك يأتيك بما أنزل الله عليك ؟ قال : فقال جبرئيل ،
قال : ذلك عدونا ينزل بالقتال والشدة والحرب ، وميكائيل ينزل بالبشر والرخاء ، فلو
كان ميكائيل هو الذي يأتيك لآمنا بك ، فأنزل الله هذه الآية جوابا لليهود وردا
عليهم . ( 2 )
وفي قوله تعالى : " لا تقولوا راعنا " كان المسلمون يقولون : يارسول الله
راعنا ، أي استمع منا ، فحرفت اليهود هذا اللفظ فقالوا : يا محمد راعنا ، وهم يلحدون
إلى الرعونة ويريدون به النقيصة والوقيعة ، فلما عوتبوا قالوا : نقول كما يقول المسلمون ،
فنهى الله عن ذلك بقوله : " لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا " وقال قتادة : إنها كلمة كانت
تقولها اليهود على وجه الاستهزاء ، وقال عطاء : هي كلمة كانت الانصار تقولها في
الجاهلية فنهوا عنها في الاسلام ، وقال السدي : كان ذلك كلام يهودي بعينه يقال له :
رفاعة بن زيد ، يريد بذلك الرعونة فنهي المسلمون عن ذلك ، وقال الباقر عليه السلام : هذه
( هامش ص 66 ) ( 1 ) مجمع البيان 1 : 158 .
( 2 ) مجمع البيان 1 : 167 ، وفيه : وميكائيل ينزل باليسر والرخاء .
[ 67 ]
الكلمة سب بالعبرانية إليه كانوا يذهبون . وقيل : كان معناه عندهم : اسمع لا سمعت .
ومعنى انظرنا انتظرنا نفهم ، أو فهمنا وبين لنا ، أو أقبل علينا . ( 1 )
وفي قوله تعالى : " أم تريدون أن تسئلوا رسولكم " اختلف في سبب نزولها ،
فروي عن ابن عباس أن رافع بن حرملة ووهب بن زيد قالا لرسول الله صلى الله عليه وآله : ائتنا
بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه ، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك ، فأنزل الله
هذه الآية ، وقال الحسن : عنى بذلك مشركي العرب وقد سألوا وقالوا : " لن نؤمن لك
حتى تفجر لنا " إلى قوله : " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا " وقالوا : " لولا نزل علينا
الملائكة أو نرى ربنا " وقال السدي : سألت العرب محمدا صلى الله عليه وآله أن يأتيهم بالله فيروه
جهرة ، وقال مجاهد : سألت قريش محمدا صلى الله عليه وآله أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، فقال لهم : نعم
ولكن يكون لكم كالمائدة لقوم عيسى على نبينا وآله وعليه السلام فرجعوا ، وقال
الجبائي : روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله سأله قوم أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان
للمشركين ذات أنواط ، وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها التمر وغيره من
المأكولا ت كما سألوا موسى : اجعل لنا إلها . ( 2 )
وفي قوله : " ود كثير من أهل الكتاب " نزلت الآية في حي بن أخطب وأخيه
أبي ياسر بن أخطب وقد دخلا على النبي صلى الله عليه وآله حين قدم المدينة ، فلما خرجا قيل
لحي : أهو نبي ؟ فقال : هو هو ، فقيل : ما له عندك ؟ قال : العداوة إلى الموت ، وهو الذي
نقض العهد وأثار الحرب يوم الاحزاب ، عن ابن عباس ، وقيل : نزلت في كعب بن
الاشرف ، عن الزهري ، وقيل : في جماعة من اليهود ، عن الحسن . ( 3 ) وفي قوله : " قالت
اليهود ليست النصارى على شئ " قال ابن عباس : إنه لما قدم وفد نجران من النصارى
على رسول الله صلى الله عليه وآله أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول الله ، فقال رافع بن حرملة :
( هامش ص 67 ) ( 1 ) مجمع البيان 1 : 178 ، وفيه : ومعنى انظرنا يحتمل وجوها : احدها : انظرنا نفهم ونتبين
ما تعلمنا . والاخر : فقهنا وبين لنا يا محمد . والثالث : اقبل علينا . ويجوز أن يكون معناه : انظر إلينا
فحذف حرف الجر .
( 2 ) مجمع البيان 1 : 183 .
( 3 ) مجمع البيان 1 : 184 . وفيه : فما له عندك ؟ .
[ 68 ]
ما أنتم على شئ وجحد نبوة عيسى وكفر بالانجيل فقال رجل من أهل نجران :
ليست اليهود على شئ وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله تعالى هذه
الآية . والذين لا يعلمون : مشركوا العرب قالوا لمحمد صلى الله عليه وآله وأصحابه إنهم ليسوا
على شئ ، أو قالوا : إن جميع الانبياء واممهم لم يكونوا على شئ . ( 1 )
وفي قوله : " وقالوا اتخذ الله ولدا " نزلت في النصارى حيث قالوا : المسيح
ابن الله ، أو فيهم وفي مشركي العرب حيث قالوا : الملائكة بنات الله " سبحانه " تنزيها
له عن اتخاذ الولد وعن القبائح والصفات التي لا تليق به ( 2 ) " بل له ما في السموات
والارض " ملكا ، والولد لا يكون ملكا للاب ، لان البنوة والملك لا يجتمعان ، أو
فعلا ، والفعل لا يكون من جنس الفاعل ، والولد لا يكون إلا من جنس أبيه . ( 3 )
وفي قوله : " وقال الذين لا يعلمون " هم النصارى ، عن مجاهد ، واليهود ، عن ابن
عباس ، ومشركو العرب ، عن الحسن وقتادة ، وهو الاقرب " أو تأتينا آية " أي موافقة
لدعوتنا " وقد بينا الآيات لقوم يوقنون " أى فيما ظهر من الآيات الباهرات الدالة
على صدقه كفاية لمن ترك التعنت والعناد ، ولو علم الله في إظهار ما اقترحوه مصلحة
لاظهرها . ( 5 )
وفي قوله : " وقالوا كونوا هودا " عن ابن عباس أن عبدالله بن صوريا وكعب بن
الاشرف ومالك بن الصيف وجماعة من اليهود ونصارى أهل نجران خاصموا أهل
الاسلام كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله من غيرها ، فقالت اليهود : نبينا موسى
أفضل الانبياء ، وكتابنا التوراة أفضل الكتب ، وقالت النصارى : نبينا عيسى أفضل
الانبياء ، وكتابنا الانجيل أفضل الكتب ، وكل فريق منهما قالوا للمؤمنين : كونوا
على ديننا ، فأنزل الله هذه الآية ، وقيل : إن ابن صوريا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله : ما الهدى
( هامش ص 68 ) ( 1 ) مجمع البيان 1 : 188 . قلت : أورد معنى ما قال الطبرسى ، راجع المصدر .
( 2 ) في التفسير المطبوع : " سبحانه " أى إجلالا له عن اتخاذ الولد وتنزيها عن القبائح والسوء
والصفات التى لا تليق به .
( 3 ) مجمع البيان 1 : 192 . ( 4 ) مجمع البيان 1 : 195 .
[ 69 ]
إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد ، وقالت النصارى مثل ذلك فنزلت . ( 1 )
وفي قوله تعالى : " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله " عن ابن عباس قال : دعا
النبي صلى الله عليه وآله اليهود إلى الاسلام فقالوا : " بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا " فهم كانوا أعلم
منا فنزلت هذه الآية ، وفي رواية الضحاك عنه أنها نزلت في كفار قريش . ( 2 )
وفي قوله : " ومن الناس من يعجبك قوله " قال الحسن : نزلت في المنافقين ، و
قال السدي : نزلت في الاخنس بن شريق ، كان يظهر الجميل بالنبي صلى الله عليه وآله والمحبة له
والرغبة في دينه ويبطن خلاف ذلك . وروي عن الصادق عليه السلام أن المراد بالحرث في هذا
الموضع الدين وبالنسل الناس . ( 3 )
وفي قوله : " يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم " أي في نبوة النبي صلى الله عليه وآله ، أو
في أمر إبراهيم وأن دينه الاسلام ، أو في أمر الرجم ، فقد روي عن ابن عباس أن رجلا
وامرأة من أهل خيبر زنيا وكانا من ذوي شرف فيهم وكان في كتابهم الرجم فكرهوا
رجمهما لشرفهما ، ورجوا أن يكون عند رسول الله صلى الله عليه وآله رخصة في أمرهما ، فرفعوا
أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فحكم عليهما بالرجم ، فقال له النعمان بن أوفى وبحري بن عمرو
( نجر بن عمرو خ ل ) جرت عليهما يا محمد ليس عليهما الرجم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله :
بيني وبينكما التوراة ، ( 4 ) قالوا : قد أنصفتنا ، قال : فمن أعلمكم بالتوراة ؟ قال : رجل
أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ، فأرسلوا إليه فقدم المدينة وكان جبرئيل قد
وصفه لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم ، قال :
أنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون ، قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بشئ من التوراة
فيها الرجم مكتوب فقال له : اقرء ، فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ ما
بعدها ، فقال ابن سلام : يا رسول الله قد جاوزها ، وقام إلى ابن صوريا ورفع كفه عنها ،
وقرأ على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى اليهود بأن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما
( هامش ص 69 ) ( 1 ) مجمع البيان 1 : 216 . وفيه : مالك بن الضيف .
( 2 ) 1 : 254 .
( 3 ) 2 : 300 .
( 4 ) في التفسير المطبوع : بيني وبينكم التوراة .
[ 70 ]
البينة رجما ، وإن كانت المرأة حبلى انتظر بها حتى تضع ما في بطنها ، فأمر رسول الله
باليهوديين فرجما ، فغضب اليهود لذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية . ( 1 )
وفي قوله : " إن مثل عيسى عند الله " قيل نزلت في وفد نجران : العاقب والسيد
ومن معهما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله : هل رأيت ولدا من غير ذكر ؟ فنزلت " إن مثل
عيسى " الآيات فقرأها عليهم ، عن ابن عباس وقتادة والحسن . ( 2 )
وفي قوله تعالى : " قل يا أهل الكتاب تعالوا " نزلت في نصارى نجران ، وقيل :
في يهود المدينة ، وقد رواه أصحابنا أيضا ، وقيل : في الفريقين من أهل الكتاب . ( 3 )
وفي قوله : " ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله " أي لا يتخذ بعضنا عيسى
ربا ، أو لا يتخذ الاحبار أربابا بأن يطيعوهم طاعة الارباب ، وروي عن أبي عبدالله عليه السلام
أنه قال : ما عبدوهم من دون الله ، ولكن حرموا لهم حلالا ، وأحلوا لهم حراما ،
فكان ذلك اتخاذهم أربابا من دون الله . ( 4 )
وفي قوله : " يا أهل الكتاب لم تحاجون " قال ابن عباس وغيره : إن أحبار
اليهود ونصارى نجران اجتمعوا عند رسول الله فتنازعوا في إبراهيم فقالت اليهود : ما كان
إبراهيم إلا يهوديا ، وقالت النصارى : ما كان إلا نصرانيا ، فنزلت . ( 5 )
وفي قوله : " وقالت طائفة " قال الحسن والسدي : تواطأ أحد عشر رجلا ( 6 ) من
أحبار يهود خيبر وقرى عرنية وقال بعضهم لبعض : ادخلوا في دين محمد أول النهار
باللسان دون الاعتقاد ، واكفروا به آخر النهار ، وقولوا : إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا
علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك وظهر لنا كذبه وبطلان دينه ، فإذا فعلتم ذلك شك
أصحابه في دينهم وقالوا : إنهم أهل الكتاب وهم أعلم به منا فيرجعون عن دينه إلى
دينكم ، وقال مجاهد ومقاتل والكلبي : كان هذا في شأن القبلة لما حولت إلى الكعبة
( هامش ص 70 ) ( 1 ) مجمع البيان 2 : 424 . ( 2 ) مجمع البيان 2 : 451 .
( 3 ) 2 : 455 . وفيه : نزلت في يهود المدينة ، عن قتادة والربيع وابن
جريح ، وقد رواه أصحابنا أيضا . ( 4 ) مجمع البيان 2 : 455 .
( 5 ) مجمع البيان 2 : 456 . ( 6 ) في التفسير المطبوع : اثنا عشر رجلا .
[ 71 ]
وصلوا شق ذلك على اليهود فقال كعب بن الاشرف لاصحابه : آمنوا بما انزل على محمد
من أمر الكعبة وصلوا إليها وجه النهار ، وارجعوا إلى قبلتكم آخره لعلهم يشكون . ( 1 )
وفي قوله : " ومن أهل الكتاب " عن ابن عباس قال : يعني بقوله : " من إن تأمنه
بقنطار يؤده إليك " عبدالله بن سلام ، أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأداه
إليه ، وبالآخر فنحاص بن عازوراء ، وذلك أن رجلا من قريش استودعه دينارا فخانه ،
وفي بعض التفاسير : إن الذين يؤدون الامانة في هذه الامة النصارى ، والذين لا
يؤدونها اليهود . ( 2 )
وفي قوله : " إن الذين يشترون بعهدالله " نزلت في جماعة من أحبار اليهود : أبي
رافع وكنانة بن أبي الحقيق وحي بن أخطب وكعب بن الاشرف ، كتموا ما في التوراة
من أمر محمد صلى الله عليه وآله وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند الله لئلا تفوتهم الرئاسة و
ما كان لهم على اتباعهم ، عن عكرمة ، وقيل : نزلت في الاشعث بن قيس وخصم له في
أرض قام ليحلف عند رسول الله صلى الله عليه وآله فلما نزلت الآية نكل الاشعث واعترف بالحق
ورد الارض . ( 3 )
وفي قوله : " وإن منهم لفريقا " قيل : نزلت في جماعة من أحبار اليهود كتبوا
بأيديهم ما ليس في كتاب الله من نعت محمد صلى الله عليه وآله وغيره وأضافوه إلى كتاب الله ، وقيل :
نزلت في اليهود والنصارى حرفوا التوراة والانجيل وضربوا كتاب الله بعضه ببعض و
ألحقوا به ما ليس منه ، وأسقطوا منه الدين الحنيف ، عن ابن عباس . ( 4 )
وفي قوله : " ما كان لبشر " قيل : إن أبا رافع القرظي من اليهود ورئيس وفد
نجران قالا : يا محمد أتريد أن نعبدك أو نتخذك إلها ؟ قال : معاذ الله أن أعبد غير الله
أو آمر بعبادة غير الله ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني ، فنزلت ، عن ابن عباس وعطاء ،
وقيل : نزلت في نصارى نجران ، وقيل : إن رجلا قال : يا رسول الله نسلم عليك
( هامش ص 71 ) ( 1 ) مجمع البيان 2 : 460 . ( 2 ) مجمع البيان 2 : 462 .
( 3 ) 2 : 463 .
( 4 ) 2 : 464 . وفيه : من بعث النبى صلى الله عليه وآله وسلم .
[ 72 ]
كما يسلم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك ؟ قال : لا ينبغي أن يسجد لاحد من دون
الله ، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لاهله ، فنزلت . ( 1 )
وفي قوله تعالى : " كيف يهدي الله " قيل : نزلت في رجل من الانصار يقال له
الحارث بن سويد بن الصامت وكان قتل المحذر بن زياد البلوي غدرا وهرب وارتد عن
الاسلام ولحق بمكة ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله هل لي من توبة ؟
فسألوا فنزلت الآيات إلى قوله : " إلا الذين تابوا " فحملها إليه رجل من قومه ، فقال : إني
لاعلم أنك لصدوق ، وأن رسول الله لاصدق منك ، وأن الله تعالى أصدق الثلاثة ، ورجع
إلى المدينة وتاب وحسن إسلامه ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام ، وقيل : نزلت في
أهل الكتاب الذين كانوا يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وآله قبل مبعثه ثم كفروا بعد البعث حسدا
وبغيا . ( 2 )
وفي قوله تعالى : " كل الطعام كان حلا " أنكر اليهود تحليل النبي صلى الله عليه وآله لحوم
الابل فقال صلى الله عليه وآله : كل ذلك كان حلالابراهيم عليه السلام ، فقالت اليهود : كل شئ نحرمه
فإنه كان محرما على نوح وإبراهيم وهلم جرا حتى انتهى إلينا ، فنزلت . ( 3 )
وفي قوله تعالى : " لم تصدون عن سبيل الله " قيل : إنهم كانوا يغرون بين الاوس
والخزرج يذكرونهم الحروب التي كانت بينهم في الجاهلية حتى تدخلهم الحمية و
العصبية فينسلخوا عن الدين فهي في اليهود خاصة ، وقيل : في اليهود والنصارى ، و
معناها : لم تصدون بالتكذيب بالنبي وأن صفته ليست في كتبكم . ( 4 )
وفي قوله تعالى : " لن يضروكم إلا أذى " قال مقاتل : إن رؤوس اليهود مثل
كعب بن الاشرف وأبي رافع وأبي ياسر وكنانة وابن صوريا عمدوا إلى مؤمنيهم كعبدالله
ابن سلام وأصحابه فأنبوهم على إسلامهم ، فنزلت . ( 5 )
وفي قوله تعالى : " ليسوا سواء " قيل : لما أسلم عبدالله بن سلام وجماعة قالت
( هامش ص 72 ) ( 1 ) مجمع البيان 2 : 466 . ( 2 ) مجمع البيان 2 : 471 .
( 3 ) 2 : 475 . ( 4 ) 2 : 480 .
( 5 ) 2 : 487 .
[ 73 ]
أحبار اليهود : ما آمن بمحمد إلا أشرارنا فنزلت ، عن ابن عباس وغيره ، وقيل : نزلت
في أربعين من أهل نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على
عهد عيسى فصدقوا محمدا صلى الله عليه وآله ، عن عطاء . ( 1 )
وفي قوله تعالى : " لقد سمع الله " لما نزل " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قالت
اليهود : إن الله فقير يستقرض منا ونحن أغنياء ، قائله حي بن أخطب ، عن الحسن و
مجاهد ، وقيل : كتب النبي صلى الله عليه وآله مع أبي بكر إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى
إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا ، قدخل أبوبكر بيت مدارستهم
فوجد ناسا كثيرا منهم اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء فدعاهم إلى
الاسلام والزكاة والصلاة ، فقال فنحاص : إن كان ما تقول حقا فإن الله إذا لفقير ونحن
أغنياء ، ولو كان غنيا لمااستقرضنا أموالنا ! فغضب أبوبكر وضرب وجهه فنزلت . ( 2 )
وفي قوله تعالى : " الذين قالوا إن الله عهد إلينا " قيل : نزلت في جماعة من اليهود
منهم كعب بن الاشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهودا وفنحاص بن عازوراء قالوا :
يا محمد إن الله عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ،
فإن زعمت أن الله بعثك إلينا فجئنا به لنصدقك ، فانزل هذه الآية ، عن الكلبي ، وقيل :
إن الله أمر بني إسرائيل في التوراة : من جاءكم يزعم أنه نبي فلا تصدقوه حتى يأتي
بقربان تأكله النار حتى يأتيكم المسيح ومحمد صلى الله عليه وآله ، فإذا أتياكم فآمنوا بهما بغير
قربان " فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين " هذا تكذيب لهم في قولهم ، ودلالة على عنادهم
وعلى أن النبي صلى الله عليه وآله لو أتاهم بالقربان المتقبل كما أرادوا لم يؤمنوا به كما لم يؤمنوا
آباؤهم ، وإنما لم يقطع الله عذرهم لعلمه سبحانه بأن في الاتيان به مفسدة لهم ، و
المعجزات تابعة للمصالح ، وكأن ذلك اقتراح في الادلة على الله ، والذي يلزم في ذلك
أن يزيح علتهم بنصب الادلة فقط . ( 3 )
( هامش ص 73 ) ( 1 ) مجمع البيان 2 : 488 .
( 2 ) مجمع البيان 2 : 547 . ( 3 ) مجمع البيان 2 : 549 . وفيه : مالك بن الصيفى .
[ 74 ]
وفي قوله تعالى : " ألم تر إلى الذين اوتوا " نزلت في رفاعة بن زيد بن
السائب ومالك بن دخشم كانا إذا تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله لويا بلسانهما وعاباه ، عن ابن
عباس . ( 1 )
وفي قوله : " ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم " قيل : نزلت في رجال من اليهود
أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا : هل على هؤلاء من ذنب ؟ قال : لا فقالوا : فوالله
ما نحن إلا كهيئتهم ، ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل وما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار ،
فكذبهم الله تعالى ، وقيل نزلت في اليهود والنصارى حين قالوا : نحن أبناؤ الله وأحباؤه ،
وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام . ( 2 )
وفي قوله : " ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا " قيل : كان أبوبرزة كاهنا في الجاهلية


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 74 سطر 10 الى ص 82 سطر 10

فسافر إليه ناس ( 3 ) ممن أسلم فنزلت ، وقيل : إن كعب بن الاشرف خرج في سبعين
راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة احد ليحالفوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وآله فينقضوا
العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله ، فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه
ونزلت اليهود في دور قريش فقال أهل مكة : إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب الكتاب
فلا نأمن أن يكون هذا مكر منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين
وآمن بهما ففعل ، فذلك قوله : " يؤمنون بالجبت والطاغوت " ثم قال كعب : يا أهل
مكة ليجئ منكم ثلاثون ومنا ثلاثون نلصق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب البيت
لنجهدن على قتال محمد ، ففعلوا ذلك : فلما فرغوا قال أبوسفيان لكعب : إنك امرؤ
تقرأ الكتاب وتعلم ونحن اميون لا نعلم ، فأينا أهدى طريقا وأقرب إلى الحق : نحن
أم محمد ؟ قال كعب : أعرضوا علي دينكم ، فقال أبوسفيان : نحن ننحر للحجيج الكوماء ،
ونسقيهم الماء ، ونقري الضيف ، ونفك العاني ، ( 4 ) ونصل الرحم ، ونعمر بيت ربنا ،
ونطوف به ، ونحن أهل الحرم ، ومحمد فارق دين آبائه ، وقطع الرحم ، وفارق الحرم ،
( هامش ص 74 ) ( 1 ) مجمع البيان 3 : 53 . ( 2 ) مجمع البيان 3 : 58 .
( 3 ) في المصدر : فتنافس اليه ناس .
( 4 ) الكوماء : البعير الضخم السنام . العانى : الاسير .
[ 75 ]
وديننا القديم ، ودين محمد الحديث ، فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلا مما عليه محمد
صلى الله عليه وآله فنزلت . ( 1 )
وفي قوله : " ألم تر إلى الذين يزعمون " كان بين رجل من اليهود ورجل من
المنافقين خصومة ، فقال اليهودي : اخاصم إلى محمد لانه علم أنه لا يقبل الرشوة ولا
يجور في الحكم وقال المنافق : لا بل بيني وبينك كعب بن الاشرف لانه علم أنه
يأخذ الرشوة فنزلت ، فالطاغوت هو كعب بن الاشرف . وقيل : إنه كاهن من جهينة
أراد المنافق أن يتحاكم إليه ، وقيل : أراد به ما كانوا يتحاكمون فيه إلى الاوثان بضرب
القداح ، وعن الباقر والصادق عليهما السلام أن المعني به كل من يتحاكم إليه ممن
يحكم بغير الحق . ( 2 )
وفي قوله : " لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " أي تناقضا من جهة حق وباطل ، أو
اختلافا في الاخبار عما يسرون ، أو من جهة بليغ ومرذول ، أو تناقضا كثيرا ، وذلك
أن كلام البشر إذا طال وتضمن من المعاني ما تضمنه القرآن لم يخل من التناقض في
المعاني والاختلاف في اللفظ ، وكل هذه منفي عن كتاب الله . ( 3 )
وفي قوله : " إن يدعون من دونه إلا إناثا " فيه أقوال : أحدها : إلا أوثانا ، وكانوا
يسمون الاوثان باسم الاناث : اللات والعزى ومنات الثالثة الاخرى وأشاف ( 4 ) ونائلة ،
عن أبي مالك والسدي ومجاهد وابن زيد ، وذكره أبوحمزة الثمالي في تفسيره قال : كان
في كل واحدة منهن شيطانة انثى تتراءى للسدنة وتكلمهم ، وذلك من صنيع إبليس وهو
الشيطان الذي ذكره الله فقال : لعنه الله . قالوا : واللات كان اسما لصخرة والعزى كان
( هامش ص 75 ) ( 1 ) مجمع البيان 3 : 59 . ( 2 ) مجمع البيان 3 : 66 .
( 3 ) مجمع البيان 3 : 81 .
( 4 ) هكذا في المطبوع ، وفى نسخة : اناف بالنون ، والصحيح : " اساف " بالسين ككتاب وسحاب
صنم وضعها عمرو بن لحى على الصفا ، ونائلة على المروة وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة ،
وقيل : هما اساف بن عمرو ونائلة بنت سهل كانا شخصين من جرهم ، فجرا في الكعبة فمسخا حجرين
فعبدتهما قريش .
[ 76 ]
اسما لشجرة إلا نقلوهما إلى الوثن وجعلوهما علما عليهما ، وقيل : العزى تأنيث الاعز
واللات تأنيث لفظة " الله " وقال الحسن : كان لكل حي من العرب وثن يسمونه باسم
الانثى .
وثانيها : أن المراد : إلا مواتا ، عن ابن عباس والحسن وقتادة ، فالمعنى : ما يعبدون
من دون الله إلا جمادا ومواتا لا يعقل ولا ينطق ولا يضر ولا ينفع ، ( 1 ) فدل ذلك على
غاية جهلم وضلالهم ، وسماها إناثا لاعتقاد مشركي العرب الانوثة في كل ما اتضعت
منزلته ، ولان الاناث من كل جنس أرذله ، وقال الزجاج : لان الموات يخبر عنها
بلفظ التأنيث تقول : الاحجار تعجبني ، ويجوز أن يكون سماها إناثا لضعفها وقلة
خيرها وعدم نصرتها .
وثالثها : أن المعنى : إلا ملائكة لانهم كانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله و
كانوا يعبدون الملائكة " وإن يدعون إلا شيطانا مريدا " أي ماردا شديدا في كفره و
عصيانه ، متماديا في شركه وطغيانه .
يسأل عن هذا فيقال : كيف نفى في أول الكلام عبادتهم لغير الاناث ، ثم أثبت
في آخره عبادتهم للشيطان ، فأثبت في الآخر ما نفاه في الاول ؟ أجاب الحسن عن هذا
فقال : إنهم لم يعبدوا إلا الشيطان في الحقيقة ، لان الاوثان كانت مواتا ما دعت
أحدا إلى عبادتها ، بل الداعي إلى عبادتها الشيطان فاضيفت العبادة إليه ، وقال ابن
عباس : كان في كل من أصنامهم شيطان يدعو المشركين إلى عبادتها فلذلك حسن
إضافة العبادة إليهما ، وقيل : ليس في الآية إثبات المنفي ، بل ما يعبدون إلا الاوثان
وإلا الشيطان " لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا " أي معلوما ، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله
قال : في هذه الآية من بني آدم تسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة . وفي رواية
اخرى : من كل ألف واحد لله وسائرهم للنار ولابليس ، أوردهما أبوحمزة الثمالي
في تفسيره " ولامنينهم " يعني طول البقاء في الدنيا ويؤثرونها على الآخرة ، وقيل :
أقول لهم : ليس وراءكم بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار فافعلوا ما شئتم ، وقيل : معناه :
( هامش ص 76 ) ( 1 ) في المصدر : لا تعقل ولا تنطق ولا تنفع .
[ 77 ]
امنينهم بالاهواء الباطلة الداعية إلى المعصية ، وازين لهم شهوات الدنيا و زهراتها
" ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام " أي ليشققن آذانهم ، وقيل : ليقطعن الاذن
من أصلها وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام ، وهذا شئ قد كان مشركو العرب يفعلونه
يجدعون آذان الانعام ، ويقال : كانوا يفعلونه بالبحيرة والسائبة " ولآمرنهم فليغيرن
خلق الله " أي دين الله ، عن ابن عباس وغيره وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام ، وقيل :
أراد معنى الخصاء وكرهوا الاخصاء في البهائم ، وقيل : إنه الوشم ، وقيل : إنه أراد
الشمس والقمر والحجارة عدلوا عن الانتفاع بها إلى عبادتها . ( 1 ) وفي قوله : " ليس بأمانيكم " قيل : تفاخر المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل
الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم ، فقال
المسلمون : نبينا خاتم النبيين ، و كتابنا يقضي على الكتب ، وديننا الاسلام ، فنزلت
الآية ، فقال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء فأنزل الله تعالى الآية التي بعدها : " ومن
يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مؤمن " ففلح المسلمون ، وقيل : لما قالت اليهود :
نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقال أهل الكتاب : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى
نزلت . ( 2 )
وفي قوله : " يسئلك أهل الكتاب " روي أن كعب بن الاشرف وجماعة من اليهود
قالوا : يا محمد إن كنت نبيا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما اوتي موسى بالتوراة جملة
فنزلت ، وقيل : إنهم سألوا أن ينزل على رجال منهم بأعيانهم كتابا يأمرهم الله فيه بتصديقه
واتباعه ، وروي أنهم سألوا أن ينزل عليهم كتابا خاصا لهم ، قال الحسن : إنما سألوا
ذلك للتعنت والتحكم في طلب المعجزة ، لا لظهور الحق ، ولو سألوه ذلك استرشادا
لا عنادا لاعطاهم الله ذلك . ( 3 )
وفي قوله : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم " أي كانت
حلالا لهم قبل ذلك ، فلما فعلوا ما فعلوا اقتضت المصلحة تحريم هذه الاشياء عليهم وهي
( هامش ص 77 ) ( 1 ) مجمع البيان 3 : 112 . ( 2 ) مجمع البيان 3 : 114 .
( 3 ) مجمع البيان 3 : 133 .
[ 78 ]
ما بين في قوله سبحانه : " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر " الآية . ( 1 )
وفي قوله تعالى : " يا أهل الكتاب " قيل : إنه خطاب لليهود والنصارى لان النصارى
غلت في المسيح فقالوا : هو ابن الله ، وبعضهم قال : هو الله ، وبعضهم قال : هو ثالث ثلاثة :
الاب ، والابن ، وروح القدس ، واليهود غلت فيه حتى قالوا : ولد لغير رشدة ، فالغلو
لازم للفريقين ، وقيل : للنصارى خاصة " ولا تقولوا ثلاثة " هذا خطاب للنصارى ، أي
لا تقولوا : آلهتنا ثلاثة ، وقيل : هذا لا يصح لان النصارى لم يقولوا بثلاثة آلهة ، ولكنهم
يقولون : إله واحد ثلاثة أقانيم : أب وابن وروح القدس ، ومعناه : لا تقولوا : الله ثلاثة ،
وقد شبهوا قولهم : جوهر واحد ثلاثة أقانيم بقولنا : سراج واحد ، ثم نقول : إنه ثلاثة
أشياء : دهن وقطن ونار ، وشمس واحدة وإنما هي جسم وضوء وشعاع ، وهذا غلط
بعيد ، لانا لا نعني بقولنا : سراج واحد أنه شئ واحد ، بل هو أشياء على الحقيقة ،
وكذلك الشمس ، كما تقول : عشرة واحدة ، وإنسان واحد ، ودار واحدة ، وإنما هي
أشياء متغايرة ، فإن قالوا : إن الله شئ واحد وإله واحد حقيقة فقولهم : ثلاثة
متناقضة ، وإن قالوا : إنه في الحقيقة أشياء كما ذكرناه فقد تركوا القول بالتوحيد
والتحقوا بالمشبهة ، وإلا فلا واسطه بين الامرين انتهى . ( 1 )
وقال الرازي في تفسيره : المعنى : لا تقولوا : إن الله سبحانه واحد بالجوهر ثلاثة
بالاقانيم .
واعلم أن مذهب النصارى مجهول جدا ، والذي يتحصل منهم أنهم أثبتوا ذاتا
موصوفا بصفات ثلاثة ، إلا أنهم وإن سموا تلك الصفات بأنها صفات فهي في الحقيقة
ذوات ، بدليل أنهم يجوزون عليها الحلول في عيسى وفي مريم ، ولولا أنها ذوات قائمة
بأنفسها لما جوزوا عليها أن يحل في الغير وأن يفارق ذاتا إلى اخرى ، فهم وإن كانوا
يسمونها بالصفات إلا أنهم في الحقيقة يثبتون ذواتا متعددة قائمة بأنفسها ، وذلك
محض الكفر .
ثم قال : اختلفوا في تعيين المبتدأ لقوله : " ثلاثة " على أقوال : الاول : ما ذكرناه ، ( هامش ص 78 ) ( 1 ) مجمع البيان 3 : 138 . ( 2 ) مجمع البيان 3 : 144 .
[ 79 ]
أي ولا تقولوا : الاقانيم ثلاثة ، الثاني : قال الزجاج : ولا تقولوا : آلهتنا ثلاثة ، وذلك
لان القرآن يدل على أن النصارى يقولون : إن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة ، والدليل
عليه قوله تعالى : " ءأنت قلت للناس اتخذوني وامي إلهين من دون الله " ( 1 ) الثالث :
قال الفراء : ولا تقولوا هم ثلاثة كقوله : " سيقولون ثلاثة " ( 2 ) وذلك لان ذكر عيسى
ومريم مع الله بهذه العبارة يوهم كونهما إلهين : وبالجملة فلا نرى مذهبا في الدنيا أشد
ركاكة وبعدا عن العقل من مذهب النصارى . ( 3 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء " : أي
بين اليهود والنصارى ، وقيل : المراد بين أصناف النصارى خاصة لاهوائهم المختلفة في
الدين ، وذلك أن النسطورية ( 4 ) قالت : إن عيسى ابن الله ، واليعقوبية : إن الله هو
( هامش ص 79 ) ( 1 ) المائدة : 116 .
( 2 ) الكهف : 22 . ( 3 ) التفسير الكبير 3 : 346 .
( 4 ) النسطورية أو الناطرة : طائفة من المسيحيين ينتسبون إلى نسطور يوس بطريرك
القسطنطنية المتولد في 428 من الميلاد ، وقال الشهرستانى : هم أصحاب نسطور الحكيم الذى ظهر
في زمان المأمون ، وتصرف في الاناجيل بحكم رأيه ، قال : إن الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة :
الوجود والعلم والحياة ، وهذه الاقانيم ليست زائدة على الذات ولا هى هو ، واتحد الكلمة بجسد
عيسى عليه السلام كاشراق الشمس في كوة او على بلور ، او كظهور النقش في الخاتم ، وزعموا أن
الابن لم يزل متولدا من الاب وانما تجسد واتحد بجسد المسيح حين ولد ، والحدث راجع إلى
الجسد والناسوت ، فهو إله وانسان اتحدا ، وهما جوهران اقنومان طبيعتان : جوهر قديم وجوهر
محدث ، اله تام وانسان تام ، ولم يبطل الاتحاد قدم القديم ولا حدوث المحدث ، لكنهما صارا
مسيحا واحدا ومشيئة واحدة . واليعقوبية أو اليعاقبة طائفة اخرى ينسبون إلى يعقوب البردعى اسقف
الرها ، وقيل : انهم اهل مذهب ديسقورس ، وقيل : غير ذلك ، قال الشهرستانى : انهم قالوا
بالاقانيم الثلاثة ، إلا انهم قالوا انقلبت الكلمة لحما ودما فصار الاله هو المسيح وهو الظاهر
بجسده بل هو هو . إلى آخر ما يطول ذكره . الملكانية أو الملكائية ، قال الشهرستانى : هم أصحاب
ملكا الذى ظهر بالروم واستولى عليها ومعظم الروم ملكائية ، قالوا : ان الكلمة اتحدت بجسد
المسيح وتدرعت بناسوته ، وصرحوا بأن الجوهر غير الاقانيم ، وذلك كالموصوف والصفة وعن
هذا صرحوا باثبات التثليث ، وقالوا : المسيح ناسوت كلى لا جزئى ، وهو قديم ازلى من قديم ازلى
ولقد ولدت مريم الها ازليا ، والقتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت إ ه .
[ 80 ]
المسيح بن مريم ، والملكانية وهم الروم قالوا : إن الله ثالث ثلاثة : الله ، وعيسى ،
ومريم . ( 1 )
وفي قوله : " نحن أبناء الله " : قيل : إن اليهود قالوا : نحن في القرب من الله بمنزلة
الابن من أبيه ، والنصارى كما قالوا : المسيح ابن الله جعلوا نفوسهم أبناء اله وأحباءه
لانهم تأولوا ما في الانجيل من قول المسيح : " أذهب إلى أبي وأبيكم " عن الحسن ،
وقيل : إن جماعة من اليهود منهم : كعب بن الاشرف ، وكعب بن أسيد ، وزيد بن
التابوه وغيرهم قالوا لنبي الله حين حذرهم بنقمات الله وعقوباته : لا تخوفنا فإنا أبناؤ
الله وأحباؤه ، وإن غضب علينا فإنما يغضب كغضب الرجل على ولده ، يعني أنه يزول
عن قريب ، عن ابن عباس ، وقيل : إنه لما قال قوم : إن المسيح ابن الله أجرى ذلك على
جميعهم كما تقول العرب : هذيل شعراء ، أي فيهم شعراء . ( 2 )
وفي قوله : " قالت اليهود يد الله مغلولة " أي مقبوضة عن العطاء ، ممسكة عن الرزق
فنسبوه إلى البخل ، عن ابن عباس وغيره ، قالوا : إن الله كان قد بسط على اليهود حتى
كانوا من أكثر الناس مالا ، وأخصبهم ناحية ، فلما عصوا الله في محمد صلى الله عليه وآله وكذبوه
كف الله عنهم ما بسط عليهم من السعة فقال عند ذلك فنحاص بن عازوراء : يد الله
مغلولة " ولم يقل : إلى عنقه . قال أهل المعاني إنما قال فنحاص ولم ينهه الآخرون
ورضوا بقوله فأشركهم الله في ( ذلك ؟ ) ، وقيل معناه : يد الله مكفوفة عن عذابنا ، فليس
يعذبنا إلا بما يبر به قسمه قدر ما عبد آباؤنا العجل ، وقيل : إنه استفهام وتقديره :
أيد الله مغلولة عنا حيث قتر المعيشة علينا ؟ وقال أبوالقاسم البلخي : يجوز أن يكون
اليهود قالوا قولا واعتقدوا مذهبا يؤدي إلى الله تعالى يبخل في حال ، ويجود في
حالة اخرى ، فحكى ذلك عنهم على وجه التعجيب منهم والتكذيب لهم ، ويجوز أن
يكونوا قالوا ( ذلك ؟ ) على وجه الهزء من حيث لم يوسع على النبي صلى الله عليه وآله ، وليس ينبغي
أن يتعجب من قوم يقولون لموسى : " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ( 3 ) " ويتخذون العجل
( هامش ص 80 ) ( 1 ) مجمع البيان 3 : 173 .
( 2 ) مجمع البيان 3 : 177 ، وفيه : والنصارى لما قالوا للمسيح : ابن الله .
( 3 ) الاعراف : 137 .
[ 81 ]
إلها أن يقولوا : إن الله يبخل تارة ويجود اخرى ، وقال الحسن بن علي المغربي :
حدثني بعض اليهود بمصر أن طائفة منهم قال ( ذلك ؟ ) . ( 1 )
أقول : قال الرازي : لعله كان فيهم من كان على مذهب الفلسفة ، وهو أن الله تعالى موجب لذاته وأن حدوث الحوادث عنه لا يمكن إلا على نهج واحد وسنن واحد
وأنه تعالى غير قادر على إحداث الحوادث على غير الوجوه التي عليها يقع ، فعبروا
عن عدم الاقتدار على التغيير والتبديل بغل اليد . ( 2 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله : " غلت أيديهم " : فيه أقوال : أحدها : أنه على
سبيل الاخبار ، أي غلت أيديهم في جهنم . وثانيها : أن يكون خرج مخرج الدعاء كما
يقال : قاتله الله . وثالثها : أن معناه : جعلوا بخلاء وألزموا البخل فهم أبخل قوم ،
فلم يلق يهودي أبدا غير لئيم بخيل .
" كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " أي لحرب محمد صلى الله عليه وآله ، وفي هذا
دلالة ومعجزة ، لان الله أخبر فوافق خبره المخبر ، فقد كانت اليهود أشد أهل
الحجاز بأسا ، وأمنعهم دارا ، حتى أن قريشا تعتضد بهم ، والاوس والخزرج تستبق
إلى مخالفتهم وتتكثر بنصرتهم ، فأباد الله خضراءهم ، واستأصل شأفتهم ، واجتث
أصلهم ( 3 ) فأجلى النبي صلى الله عليه واله بني النضير وبني قينقاع ، وقتل بني قريظة ، وشرد أهل
خيبر ، وغلب على فدك ، ودان أهل وادي القرى ، فمحا الله سبحانه آثارهم صاغرين . ( 4 )
وفي ، قوله : " لقد كفر الذين قالوا " هذا مذهب اليعقوبية منهم لانهم قالوا إن
الله تعالى اتحد بالمسيح اتحاد الذات فصارا شيئا واحدا وصار الناسوت لاهوتا . ( 5 )
( هامش ص 81 ) ( 1 ) مجمع البيان 3 : 220 ، وفيه : الحسين بن على المغربى وهو الصحيح .
( 2 ) التفسير الكبير 3 : 424 .
( 3 ) أباد الله خضراءهم أى أذهب نعمتهم وخصبهم ، ويمكن أن يكون المعنى : أهلك الله معظمهم ،
من خضراء القوم : معظمهم . واستأصل شأفتهم أى استأصلهم من أصلهم ، أو استأصل عداوتهم و
أذاهم . اجتثه : قلعه من أصله .
( 4 ) مجمع البيان 3 : 221 .
( 5 ) مجمع البيان 3 : 228 . الناسوت : الطبيعة الانسانية ، أصله الناس ، زيدت في آخره
واو وتاء مبالغة كملكوت . واللاهوت : الالوهة ، وأصله : لاه بمعنى إله ، ويجوز أن يكون من لاه يليه بمعنى علا وارتفع .
[ 82 ]
وقال الرازي : في تفسير قول النصارى : " ثالث ثلاثة " طريقان : الاول : قول
المفسرين وهو أنهم أردوا بذلك أن الله ومريم وعيسى آلهة ثلاثة . والثاني : أن
المتكلمين حكوا عن النصارى أنهم يقولون : جوهر واحد ثلاثة أقانيم : أب ، وابن ،
وروح القدس ، وهذه الثلاثة إله واحد ، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع
والحرارة ، وعنوا بالاب الذات ، وبالابن الكلمة ، وبالروح الحياة ، وأثبتوا الذات
والكلمة والحياة ، وقالوا : إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط
الماء بالخمر والماء باللبن ، وزعمت أن الاب إله ، والابن إله ، والروح إله ، والكل
إله واحد ، واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل فإن الثلاثة لا تكون واحدا ،
والواحد لايكون ثلاثة ، ولا نرى في الدنيا مقالة أشد فسادا من مقالة النصارى . ( 1 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " ترى كثيرا منهم " أي من اليهود " يتولون


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 82 سطر 11 الى ص 90 سطر 11

الذين كفروا " يريد كفار مكة ، يريد بذلك كعب بن الاشرف وأصحابه حين استحاشوا
المشركين على رسول الله صلى الله عليه وآله كما مر ، وقال أبوجعفر الباقر عليه السلام : يتولون الملوك
الجبارين ويزينون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم . ( 2 )
وفي قوله تعالى : " ماجعل الله من بحيرة " يريد : ما حرمها أهل الجاهلية ، و
البحيرة : هي الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا بحروا اذنها ( 3 ) و
امتنعوا من ركوبها ونحرها ، ولا تطرد من ماء ، ولا تمنع من مرعى ، فإذا لقيها
المعيي ( 4 ) لم يركبها ، وقيل : إنهم كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن نظروا في البطن
الخامس فإن كان ذكرا نحروه فأكله الرجال والنساء جميعا ، وإن كانت انثى شقوا
اذنها فتلك البحيرة ، ثم لا يجز لها وبر ، ولا يذكر عليها اسم الله إن ذكيت ، ولا
( هامش ص 82 ) ( 1 ) التفسير الكبير 3 : 433 ، وفيه : وزعموا أن الاب إله .
( 2 ) مجمع البيان 3 : 232 ، وفيه : " ستجاشوا " بالجيم وهو الصحيح ، أى طلبوا منهم
المدد والجيش .
( 3 ) أى شقوا اذنها .
( 4 ) المعيي : العاجز .
[ 83 ]
حمل عليها ، وحرم على النساء أن يذقن من لبنها شيئا ، ولا أن ينتفعن بها ، وكان لبنها
ومنافعها للرجال خاصة دون النساء حتى تموت ، فإذا ماتت اشترك الرجال والنساء
في أكلها ، عن ابن عباس ، وقيل : إن البحبرة بنت السائبة .
" ولا سائبة " وهي ما كانوا يسيبونه ، ( 1 ) فإن الرجل إذا نذر لقدوم من سفر
أو لبرء من علة أو ما أشبه ذلك فقال : ناقتي سائمة ، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها
وأن لا تخلا عن ماء ، ولا تمنع من مرعى ، عن الزجاج وعلقمة ، وقيل : هي التي تسيب
للاصنام ( 2 ) أي تعتق لها ، وكان الرجل يسيب من ماله ما يشاء فيجئ به إلى السدنة ( 3 )
وهم خدمة آلهتهم فيطعمون من لبنها أبناء السبيل ونحو ذلك ، عن ابن عباس وابن
مسعود ، وقيل : إن السائبة هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيهن ذكر سيبت
فلم يركبوها ، ولم يجزوا وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف ، فما نتجت بعد ذلك من
انثى شق اذنها ثم يخلى سبيلها مع امها .
" ولا وصيلة " وهي في الغنم ، كانت الشاة إذا ولدت انثى فهي لهم ، وإذا ولدت
ذكرا جعلوه لآلهتهم ، فإن ولدت ذكرا وانثى قالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر
لآلهتهم ، عن الزجاج ، وقيل : كانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كانت السابع
جديا ذبحوه لآلهتهم ، ولحمه للرجال دون النساء ، وإن كانت عناقا استحيوها وكانت
من عرض الغنم ، وإن ولدت في البطن السابع جديا وعناقا قالوا : إن الاخت وصلت
أخاها فمحرمة علينا ( 4 ) فحرما جميعا ، وكانت المنفعة واللبن للرجال دون النساء ،
عن ابن مسعود ومقاتل ، وقيل : الوصيلة : الشاة إذا أتأمت ( 5 ) عشر إناث في خمسة
أبطن ليس فيها ذكر جعلت وصيلة ، فقالوا : قد وصلت ، فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور
دون الاناث ، عن محمد بن إسحاق .
( هامش ص 83 ) ( 1 ) من سيبت الدابة : تركتها واهملتها .
( 2 ) من سيب الغلام : أعتقه .
( 3 ) سدنة بفتحات : الخدم والحجاب .
( 4 ) في التفسير المطبوع : فحرمته علينا .
( 5 ) أتأمت المرأة : وضعت اثنين في بطن واحد .
[ 84 ]
" ولا حام " وهو الذكر من الابل ، كانت العرب إذا نتجت من صلب الفحل عشرة
أبطن قالوا : قد حمى ظهره ، فلا يحمل عليه ، ولا يمنع من ماء ، ولا من مرعى ، عن ابن
عباس وابن مسعود وغيرهما ، وقيل : إنه الفحل إذا لقح ولد ولده قيل : حمى ظهره فلا
يركب ، عن الفراء .
أعلم الله سبحانه أنه لم يحرم من هذه الاشياء شيئا ، وقال المفسرون : روي
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أن عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف كان قد ملك
مكة ، وكان أول من غير دين إسماعيل ، فاتخذ الاصنام ، ونصب الاوثان ، وبحر
البحيرة ، وسيب السائبة ، ووصل الوصيلة ، وحمى الحامى ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
فلقد رأيته في النار تؤذي أهل النار ريح قصبه ، ( 1 ) ويروى : يجر قصبه في النار . ( 2 )
وفي قوله : " ولو نزلنا عليك كتابا " نزلت في النضر بن الحارث وعبدالله بن امية و
نوفل بن خويلد قالوا : يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة
من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسوله " ولو أنزلنا ملكا لقضي
الامر ثم لا ينظرون " أي لما آمنوا به ، فاقتضت الحكمة استيصالهم وأن لا يمهلهم
" ولو جعلناه ملكا " أي الرسول ، أو الذي ينزل عليه ليشهد بالرسالة " لجعلناه رجلا "
لانهم لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته ، لان أعين الخلق تحار عن رؤية الملائكة
إلا بعد التجسم بالاجسام الكثيفة " وللبسنا عليهم ما يلبسون " قال الزجاج : كانوا
هم يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي صلى الله عليه وآله فيقولون : إنما هذا بشر مثلكم ، فقال :
لو أنزلنا ملكا فرأوهم الملك رجلا لكان يلحقهم من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم ،
وهذا احتجاج عليهم بأن الذي طلبوه لا يزيدهم بيانا ، وقيل : معناه : ولو أنزلنا ملكا
لما عرفوه إلا بالتفكر وهم لا يتفكرون ، فيبقون في اللبس الذي كانوا فيه ، وأضاف
اللبس إلى نفسه لانه يقع عند إنزاله الملائكة . ( 3 )
( هامش ص 84 ) ( 1 ) في النهاية : فيه : رأيت عمرو بن لحى يجر قصبه في النار ، والقصب بالضم : المعى ، و
جمعه اقصاب ، وقيل : القصب اسم للامعاء كلها ، وقيل : هو ما كان أسفل البطن من الامعاء .
( 2 ) مجمع البيان 3 : 252 .
( 3 ) مجمع البيان 4 : 275 - 277 .
[ 85 ]
وفي قوله : " قل أي شئ أكبر شهادة " قال الكلبي : أتى أهل مكة رسول الله
صلى الله عليه وآله فقالوا : ما وجد الله رسولا غيرك ؟ ما نرى أحدا يصدقك فيما تقول ،
ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر ، فأرنا من يشهد
أنك رسول الله صلى الله عليه وآله كما تزعم ، فأنزل الله تعالى عليه هذه الآية . ( 1 )
وفي قوله : " ومن بلغ " في تفسير العياشي : قال أبوجعفر وأبوعبدالله عليهما السلام :
معناه : ومن بلغ أن يكون إماما من آل محمد صلى الله عليه وآله ، فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول
الله صلى الله عليه وآله . ( 2 )
وفي قوله : " كما يعرفون أبناءهم " قال أبوحمزة الثمالي : لما قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة قال عمر لعبدالله بن سلام : إن الله أنزل على نبيه أن أهل الكتاب يعرفونه كما
يعرفون أبناءهم ، فكيف هذه المعرفة ؟ قال : نعرف نبي الله بالنعت الذي نعته الله إذا
رأيناه فيكم ، كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه بين الغلمان ، وأيم الله الذي يحلف به
ابن سلام لانا بمحمد أشد معرفة مني بابني ، فقال له كيف ؟ قال عبدالله : عرفته
بما نعته الله لنا في كتابنا فأشهد أنه هو ، فأما ابني فإني لا أدري ما أحدثت امه ،
فقال : قد وفقت وصدقت وأصبت . ( 3 )
وفي قوله : " ومنهم من يستمع إليك " قيل : إن نفرا من مشركي مكة منهم
النضر بن الحارث وأبوسفيان بن حرب والوليد بن مغيرة وعتبة بن ربيعة وأخوه شيبة
وغيرهم جلسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقرء القرآن ، فقالوا للنضر : ما يقول محمد ؟
فقال أساطير الاولين مثل ما كنت احدثكم عن القرون الماضية . وأساطير الاولين
أحاديثهم التي كانوا يسطرونها ، وقيل : معنى الاساطير الترهات والبسابس ( 4 ) مثل
حديث رستم وإسفنديار وغيره مما لا فائدة فيه . ( 5 )
( هامش ص 85 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 281 .
( 2 ) مجمع البيان 4 : 282 .
( 3 ) مجمع البيان 4 : 282 .
( 4 ) الترهات بضم التاء وتشديد الراء جمع ترهة كقبرة وهى الاباطيل والاقاويل الخالية من
الطائل . البسابس : الاباطيل والكذب .
( 5 ) مجمع البيان 4 : 286 .
[ 86 ]
وفي قوله : " قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون " أي ما يقولون إنك شاعر
أو مجنون وأشباه ذلك " فإنهم لا يكذبونك " قرأ نافع والكسائي والاعشى عن أبى
بكر : " لا يكذبونك " بالتخفيف ، وهو قراءة علي عليه السلام والمروي عن الصادق عليه السلام ،
والباقون بفتح الكاف والتشديد . وفيه وجوه :
أحدها : لا يكذبونك بقلوبهم اعتقادا ، وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب
عنادا ، وهو قول الاكثر ، ويشهد له ما رواه سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني أن
رسول الله صلى الله عليه وآله لقى أبا جهل فصافحه أبوجهل ، فقيل له في ذلك فقال : والله إني لاعلم
أنه صادق ، ولكنا متى كنا تبعا لعبد مناف ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال السدي :
التقى أخنس بن شريق وأبوجهل بن هشام فقال له : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد صلى الله عليه وآله
أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس هنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا ، فقال أبوجهل :
ويحك والله إن محمدا لصادق وما كذب قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة
والسقاية والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ؟ . ( 1 )
وثانيها : أن المعنى : لا يكذبونك بحجة ، ولا يتمكنون من إبطال ما جئت به
ببرهان ويدل عليه ما روي عن علي عليه السلام أنه كان يقرء " لا يكذبونك " ويقول : إن المراد
بها أنهم لا يأتون بحق هو أحق من حقك .
وثالثها : أن المراد : لا يصادفونك كاذبا كما تقول العرب : قاتلناكم فما أجبناكم
أي ما أصبناكم جبناء ، ولا يختص هذا الوجه بالقراءة بالتخفيف ، لان أفعلت وفعلت
يجوزان في هذا الموضع ، وأفعلت هو الاصل فيه .
ورابعها : أن المراد : لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به ، لانك كنت عندهم
أمينا صدوقا ، وإنما يدفعون ما أتيت به ويقصدون التكذيب بآيات الله ، وروي أن
أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وآله : لا نتهمك ولا نكذبك ، ولكننا نتهم الذي جئت به و
نكذبه .
( هامش ص 86 ) ( 1 ) وبهذا البيان السخيف صرفوا الخلافة عن أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى غيره ، حيث قالوا :
لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد ! .
[ 87 ]
وخامسها : أن المراد : لا يكذبونك بل يكذبونني ، فإن تكذيبك راجع إلي
ولست مختصا به ، لانك رسول ، فمن رد عليك فقد رد علي . ( 1 )
وفي قوله : " فان استطعت أن تبتغي " أى تطلب وتتخذ " نفقا في الارض " أي
سربا ومسكنا في جوف الارض " أوسلما " أي مصعدا " إلى السماء فتأتيهم بآية " أي
حجة تلجئهم إلى الايمان فافعل ، وقيل : فتأتيهم بآية أفضل مما آتيناهم به فافعل
" إنما يستجيب الذين يسمعون " أي يصغون إليك ويتفكرون في آياتك فإن من لم
يتفكر ولم يستدل بالآيات بمنزلة من لم يسمع " والموتى يبعثهم الله " يريد : إن الذين
لا يصغون إليك ولا يتدبرون بمنزلة الموتى فلا يجيبون إلى أن يبعثهم الله يوم القيامة . ( 2 )
" وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه " أي ما اقترحوا عليه من مثل آيات الاولين كعصا
موسى وناقة ثمود " ولكن أكثرهم لا يعلمون " ما في إنزالها من وجوب الاستيصال
لهم إذا لم يؤمنوا عند نزولها ، وما في الاقتصار بهم على ما اوتوه من الآيات من
المصلحة . ( 3 )
وفي قوله : " هل يهلك إلا القوم الظالمون " أي الذين يكفرون بالله ويفسدون
في الارض ، فإن هلك فيه مؤمن أو طفل فإنما يهلك محنة ، ويعوضه الله على ذلك
أعواضا كثيرة يصغر ذلك في جنبها . ( 4 )
وفي قوله : " هل يستوي الاعمى والبصير " أي العارف بالله سبحانه العالم بدينه ،
والجاهل به وبدينه ، فجعل الاعمى مثلا للجاهل ، والبصير مثلا للعارف بالله وبنبيه ،
وفى تفسير أهل البيت عليهم السلام : هل يستوي من يعلم ومن لا يعلم . ( 5 ) وفي قوله : " الذين
( هامش ص 87 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 293 - 294 .
( 2 ) في التفسير المطبوع : يريد : إن الذين لا يصغون إليك من هؤلاء الكفار ولا يتدبرون فيما تقرؤه
عليهم وتبينه لهم من الايات والحجج بمنزلة الموتى ، فكما ايست أن تسمع الموتى كلامك إلى أن يبعثهم
فكذلك فأيس من هؤلاء أن تستجيبوا لك ، وتقديره : إنما يستجيب المؤمن السامع للحق فاما الكافر
فهو بمنزلة الميت فلا يجيب إلى أن يبعثه الله يوم القيامة فيلجئه إلى الايمان إ ه . وكثيرا ما يختصر
المصنف كلام المفسرين وينقل معناه . ( 3 ) مجمع البيان 4 : 296 .
( 4 ) مجمع البيان 4 : 303 . ( 5 ) مجمع البيان 4 : 304 .
[ 88 ]
يخافون أن يحشروا إلى ربهم " يريد : المؤمنين يخافون القيامة وأهوالها ، وقيل : معناه :
يعلمون ، وقال الصادق عليه السلام : أنذر بالقرآن من يرجون الوصول إلى ربهم برغبتهم
فيما عنده ، فإن القرآن شافع مشفع . ( 1 )
وفي قوله : " ما تستعجلون به " قيل : معناه : الذي تطلبونه من العذاب كأن
يقولون : يا محمد ائتنا بالذي تعدنا ، وقيل : هي الآيات التي اقترحوها عليه استعجلوه
بها ، فأعلم الله سبحانه أن ذلك عنده . ( 2 ) وفي قوله : " من فوقكم " قيل : عنى به الصيحة
والحجارة والطوفان والريح " أو من تحت أرجلكم " عنى به الخسف ، وقيل : " من فوقكم "
أي من قبل كباركم " أو من تحت أرجلكم " من سفلتكم ، وقيل : " من فوقكم " السلاطين
الظلمة " ومن تحت أرجلكم " العبيد السوء ومن لا خير فيه وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام
" أويلبسكم شيعا " أي يخلطكم فرقا مختلفي الاهواء لا تكونون شيعة واحدة ، وقيل :
هو أن يكلهم إلى أنفسهم ويخليهم من ألطافه بذنوبهم السالفة ، وقيل : عنى به : يضرب
بعضهم ببعض بما يلقيه بينهم من العداوة والعصبية وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام
" ويذيق بعضكم بأس بعض " أي قتال بعض وحرب بعض ، وقيل : هو سوء الجوار ، عن
أبي عبدالله عليه السلام .
وفي تفسير الكلبي : أنه لما نزلت هذه الآية قام النبي صلى الله عليه وآله فتوضأ ، وأسبغ
وضوءه ، ثم قام وصلى فأحسن صلاته ، ثم سأل الله سبحانه أن لا يبعث على امته عذابا
من فوقهم ولا من تحت أرجلهم ولا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض ، فنزل
جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد إن الله تعالى سمع مقالتك ، وأنه قد أجارهم من خصلتين ،
ولم يجرهم من خصلتين : أجارهم من أن يبعث عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم ،
ولم يجرهم من الخصلتين الاخريين ، فقال صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل فما بقاء امتي مع قتل
بعضهم بعضا ؟ فقام وعاد إلى الدعاء فنزل " الم أحسب الناس " الآيتين ( 3 ) فقال : لا بد من
فتنة تبتلي بها الامة بعد نبيها ليتبين الصادق من الكاذب ، لان الوحي انقطع ، و
بقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة .
( هامش ص 88 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 304 . ( 2 ) مجمع البيان 4 : 310 .
( 3 ) العنكبوت : 1 - 2 .
[ 89 ]
وقال أبوجعفر عليه السلام : لما نزل " فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين " قال
المسلمون : كيف نصنع إن كان كلما استهزأ المشركون بالقرآن قمنا وتركناهم فلا
ندخل إذا المسجد الحرام ولا نطوف بالبيت الحرام ، فأنزل الله تعالى : " وما على الذين
يتقون من حسابهم من شئ " أم بتذكيرهم وتبصيرهم ما استطاعوا . ( 1 )
وفي قوله : " كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران " استهوته من قولهم :
هوى من حالق : إذا تردى ، ويشبه به الذي زل عن الطريق المستقيم ، وقيل : استغوته
الغيلان في المهامه ، ( 2 ) وقيل : دعته الشياطين إلى اتباع الهوى ، وقيل : أهلكته ، وقيل :
ذهبت به " له أصحاب يدعونه إلى الهدى " أي إلى الطريق الواضح ، يقولون له : " ائتنا "
ولا يقبل منهم ولا يصير إليهم لانه قد تحير لاستيلاء الشيطان عليه . ( 3 )
وفي قوله : " وما قدروا الله حق قدره " جاء رجل من اليهود يقال له : مالك بن
الصيف ( 4 ) يخاصم النبي صلى الله عليه وآله ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : انشدك بالذي أنزل التوراة على
موسى أما تجد في التوراة أن الله سبحانه يبغض الحبر السمين ؟ وكان سمينا فغضب وقال :
والله ما أنزل الله على بشر من شئ ، فقالوا له أصحابه : ويحك ولا موسى ؟ فنزلت
الآية ، عن سعيد بن جبير ، وفي رواية اخرى عنه : إنها نزلت في الكفار أنكروا قدرة
الله عليهم ، فمن أقر أن الله على كل شئ قدير فقد قدر الله حق قدره ، وقيل : نزلت
في مشركي قريش ، عن مجاهد ، وقيل : إن الرجل كان فنحاص ببن عازوراء وهو قائل
هذه المقالة ، عن السدي ، وقيل : إن اليهود قالت : يا محمد أنزل الله عليك كتابا ؟ قال :
نعم ، قالوا : والله ما أنزل الله من السماء كتابا فنزلت ، عن ابن عباس " تجعلونه قراطيس "
أى كتبا وصحفا متفرقة ، أو ذا قراطيس ، أي تودعونه إياها " تبدونها وتخفون كثيرا "
أي تبدون بعضها وتكتمون بعضها وهو ما في الكتب من صفات الرسول صلى الله عليه وآله والاشارة
إليه " وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم " قيل : إنه خطاب للمسلمين ، وقيل : هو
( هامش ص 89 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 315 و - 31 .
( 2 ) الحالق من الجبال : المنيف المرتفع لا نبات فيه . المكان المشرف . المهامه جمع المهمه
والمهمهة المفازة البعيدة . البلد المقفر .
( 3 ) مجمع البيان 4 : 319 . ( 4 ) في المصدر : مالك بن الضيف .
[ 90 ]
خطاب لليهود ، أي علمتم التوراة فضيعتموه ، أو علمتم بالقرآن ما لم تعلموا " قل الله "
أي الله أنزل ذلك " ثم ذرهم في خوضهم " أي فيما خاضوا فيه من الباطل واللعب ، وهذا
الامر على التهديد . ( 1 )
وفي قوله : " وجعلوا لله شركاء الجن " أراد بالجن الملائكة لا ستتارهم عن
الاعين ، وقيل : إن قريشا كانوا يقولون : إن الله صاهر الجن فحدث بينهم الملائكة ،
فالمراد الجن المعروف ، وقيل : أراد بالجن الشياطين ، لانهم أطاعوا الشيطان في عبادة
الاوثان " وخلقهم " الهاء والميم عائدة عليهم ، أي جعلوا للذي خلقهم شركاء لايخلقون ،
أوعلى الجن فالمعنى : والله خالق الجن فكيف يكونون شركاء ؟ ويجوز أن يكون المعنى :
وخلق الجن والانس جميعا ، وقيل : إن المراد بالآية المجوس إذ قالوا : يزدان وأهرمن
وهو الشيطان عندهم ، فنسبوا خلق المؤذيات والشرور والاشياء الضارة إلى أهرمن ، و
مثلهم الثنوية القائلون بالنور والظلمة " وخرقوا له بنين وبنات " أى اختلقوا وموهوا


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 90 سطر 12 الى ص 98 سطر 12

وافتروا الكذب على الله ونسبوا البنين والبنات إليه ، فإن المشركين قالوا : الملائكة
بنات الله ، والنصارى قالوا : المسيح ابن الله ، واليهود قالوا : عزير ابن الله " بغير علم "
أي بغير حجة . ( 2 )
وفي قوله : " وليقولوا درست " ذلك يا محمد ، أي تعلمته من اليهود ، وهذه اللام
لام الصيرورة ، أي أن السبب الذي أداهم إلى أن قالوا : درست هو تلاوة الآيات . ( 3 )
وفي قوله : " وأقسموا بالله " قالت قريش : يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب
به الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا ، وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى ، وتخبرنا
أن ثمود كانت له ناقة فأتنا بآية من الآيات حتى نصدقك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أي
شئ تحبون أن آتيكم به ؟ قالوا : اجعل لنا الصفا ذهبا ، وابعث لنا بعض موتانا حتى
نسألهم عنك : أحق ما تقول أم باطل ؟ وأرنا الملائكة يشهدون لك ، أوائتنا بالله و
الملائكة قبيلا ، فقال رسول الله : فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني ؟ قالوا : نعم والله لئن
( هامش ص 90 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 333 . ( 2 ) مجمع البيان 4 : 342 - 343 .
( 3 ) 4 : 346 .
[ 91 ]
فعلت لنتبعنك أجمعين ، وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وآله أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا ،
فقام رسول الله يدعو أن يجعل الصفا ذهبا ، فجاء جبرئيل عليه السلام فقال له : إن شئت أصبح
الصفا ذهبا ، ولكن إن لم يصدقوا عذبتهم ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم ،
فقال عليه السلام : بل يتوب تائبهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، عن الكلبي ومحمد بن كعب .
" جهد أيمانهم " أي مجدين مجتهدين مظهرين الوفاء به " إنما الآيات عند الله "
أي هو مالكها والقادر عليها فلو علم صلاحكم لانزلها " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم "
أي في جهنم عقوبة لهم ، أو في الدنيا بالحيرة " وحشرنا " أي جمعنا " عليهم كل شئ "
أي كل آية ، وقيل : أي كل ما سألوه " قبلا " أي معاينة ومقابلة " إلا أن يشاء الله " أي
أن يجبرهم على الايمان وهو المروي عن أهل البيت عليهم السللام . ( 1 )
وفي قوله : " فلا تكونن من الممترين " أي من الشاكين في ذلك ، والخطاب
للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به الامة ، وقيل : الخطاب لغيره ، أي فلا تكن أيها الانسان أو
أيها السامع . ( 2 ) " وإن هم إلا يخرصون " أي ما هم إلا يكذبون ، أو لا يقولون عن
علم ولكن عن خرز ( 3 ) وتخمين ، وقال ابن عباس : كانوا يدعون النبي صلى الله عليه وآله و
المؤمنين إلى أكل الميتة ، ويقولون : أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربكم ؟ فهذا
إضلالهم . ( 4 )
وفي قوله : " وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم " يعني الكافرين و
رؤساءهم " ليجادلوكم " في استحلال الميتة كما مر ، وقال عكرمة : إن قوما من مجوس
فارس كتبوا إلى مشركي قريش فكانوا ( 5 ) أوليائهم في الجاهلية : إن محمدا و
أصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما ذبحوه حلال وما قتله الله حرام
فوقع ذلك في نفوسهم ، فذلك إيحاؤهم إليهم ، وقال ابن عباس : هم إبليس وجنوده
( هامش ص 91 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 249 - 251 .
( 2 ) 4 : 354 . والظاهر انه سقط بعد ذلك قوله : وفى قوله تعالى .
( 3 ) هكذا في المطبوع ، وفى النسخة المخطوطة : حرز ، وفى المصدر : خرص وهو الصحيح .
( 4 ) مجمع البيان 4 : 356 . ( 5 ) في المصدر : وكان .
[ 92 ]
ليوحون إلى أوليائهم من الانس بإلقاء الوسوسة في قلوبهم . ( 1 )
وفي قوله : " وهذا لشركائنا " يعني الاوثان ، وإنما جعل الاوثان شركاءهم
لانهم جعلوا لها نصيبا من أموالهم .
" فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله " فيه أقوال : أحدها : أنهم كانوا يزرعون
لله زرعا وللاصنام زرعا ، فكان إذا زكا الزرع الذي زرعوه لله ولم يزك الزرع الذي
زرعوه للاصنام جعلوا بعضه للاصنام وصرفوه إليها ، ويقولون : إن الله غني والاصنام
أحوج ، وإن زكا الزرع الذي جعلوه للاصنام ولم يزك الزرع الذي زرعوه لله لم
يجعلوا منه شيئا لله تعالى ، وقالوا : هو غني ، وكانوا يقسمون النعم فيجعلون بعضه
لله وبعضه للاصنام ، فما كان لله أطعموه الضيفان ، وما كان للصنم انفق على الصنم .
وثانيها : أنه إذا كان اختلط ما جعل للاصنام بما جعل لله تعالى ردوه ، وإذا
اختلط ما جعل لله بما جعل للاصنام تركوه ، وقالوا : الله أغنى ، وإذا تخرق الماء من
الذي لله في الذي للاصنام لم يسدوه ، وإذا تخرق من الذي للاصنام في الذي لله
سدوه ، وقالوا : الله أغنى ، عن ابن عباس وقتادة وهو المروي عن أئمتنا عليهم السلام .
وثالثها : أنه إذا هلك ما جعل للاصنام بدلوه مما جعل لله ، وإذا هلك ما جعل
لله لم يبدلوه مما جعل للاصنام . ( 2 )
وفي قوله : " قتل أولادهم شركاؤهم " يعني الشياطين الذين زينوا لهم قتل البنات
ووأدهن ( 3 ) أحياء خيفة العيلة والفقر والعار ، وقيل : كان السبب في تزيين قتل البنات
أن النعمان بن المنذر أغار على قوم فسبى نساءهم ، وكان فيهن بنت قيس بن عاصم ،
ثم اصطلحوا فأرادت كل امرأة منهن عشيرتها غير ابنة قيس فإنها أرادت من سباها ،
فحلف قيس لا تولد له بنت إلا وأدها ، فصار ذلك سنة فيما بينهم ( 4 )
قوله : " حجر " أي حرام ، عنى بذلك الانعام والزرع اللذين جعلوهما لآلهتهم
وأوثانهم " لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم " أي لا يأكلها إلا من نشاء أن نأذن له في
( هامش ص 92 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 358 . ( 2 ) مجمع البيان 4 : 370 .
( 3 ) وأد البنت : دفنها في التراب حيا . ( 4 ) مجمع البيان 4 : 371 .
[ 93 ]
أكلها ، وأعلم سبحانه أن هذا التحريم زعم منهم لا حجة لهم فيه ، وكانوا لا يحلون ذلك
إلا لمن قام بخدمة أصنامهم من الرجال دون النساء " وأنعام حرمت ظهورها " أي
الركوب عليها ، وهي السائبة والبحيرة والحام " وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها " قيل :
كانت لهم من أنعامهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شئ من شأنها ، وقيل :
إنهم كانوا لا يحجون عليها ، وقيل : هي التي إذا ذكوها أهلوا عليها بأصنامهم فلا
يذكرون اسم الله عليها " افتراء عليه " لانهم كانوا يقولون : إن الله أمرهم بذلك " وقالوا
ما في بطون هذه الانعام " يعني ألبان البحائر والسيب ، عن ابن عباس وغيره ، وقيل :
يعني أجنة البحائر والسيب ما ولد منها حيا فهو خالص للذكور دون النساء ، وما
ولدت ميتا أكله الرجال والنساء ، وقيل : المراد به كلاهما " ومحرم على أزواجنا "
أي إناثنا . ( 1 )
وفي قوله : " فإن شهدوا فلا تشهد معهم " معناه : فإن لم يجدوا شاهدا يشهد لهم
على تحريمها غيرهم فشهدوا بأنفسهم فلا تشهد أنت معهم . ( 2 )
قوله : " على طائفتين من قبلنا " أي اليهود والنصارى " وإن كنا عن دراستهم
لغافلين " أي إنا كنا غافلين عن تلاوة كتبهم . ( 3 )
وفي قوله : " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " قرأ حمزة والكسائي :
" فارقوا " وهو المروي عن علي عليه السلام .
واختلف في المعنيين بهذه الآية على أقوال : أحدها : أنهم الكفار وأصناف
المشركين ، ونسختها آية السيف ، وثانيها : أنهم اليهود والنصارى لانهم يكفر
بعضهم بعضا . وثالثها : أنهم أهل الضلالة وأصحاب الشبهات والبدع من هذه الامة ،
رواه أبوهريرة وعائشة وهو المروي عن الباقر عليه السلام : جعلوا دين الله أديانا لاكفار
بعضهم بعضا ، وصاروا أحزابا وفرقا " لست منهم في شئ " هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله
وإعلام له أنه ليس منهم في شئ ، وأنه على المباعدة التامة من أن يجتمع معهم في
( هامش ص 93 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 372 - 373 . ( 2 ) مجمع البيان : 381 .
( 3 ) : 387 .
[ 94 ]
معنى من مذاهبهم الفاسدة ، وقيل : أي لست من مخالطتهم في شئ ، وقيل : لست من
قتالهم في شئ فنسختها آية القتال . ( 1 )
وفي قوله تعالى : " فلا يكن في صدرك حرج منه " فيه أقوال : أحدها : أن
معنى الحرج : الضيق ، أي لا يضيق صدرك لتشعب الفكر ، خوفا من أن لا تقوم بتبليغ
ما انزل إليك حق القيام ، فليس عليك أكثر من الانذار .
وثانيها : أن معنى الحرج الشك ، أي لا يكن في صدرك شك فيما يلزمك من
القيام بحقه .
وثالثها : أن معناه : فلا يضيقن صدرك من قومك أن يكذبوك ويجبهوك
( يجهموك خ ل ) بالسوء ( 2 ) فيما انزل إليك ، وقد روي أن الله تعالى لما أنزل القرآن
على رسول الله قال : إني أخشى أن يكذبني الناس ويثلغوا رأسي ( 3 ) فيتركوه كالخبزة
فأزال الله تعالى الخوف عنه بهذه الآية . ( 4 )
وفي قوله تعالى : " وإذا فعلوا فاحشة " كني به عن المشركين الذين كانوا يبدون
سوآتهم في طوافهم ، فكان يطوف الرجال والنساء عراة يقولون : نطوف كما ولدتنا
امهاتنا ، ولا نطوف في الثياب التي قارفنا فيها الذنوب ، وهم الحمس . ( 5 ) قال الفراء
كانوا يعملون شيئا من سيور مقطعة يشدونه على حقويهم يسمى حوفا ، وإن عمل من
صوف سمي رهطا ، وكان تضع المرأة على قبلها النسعة ( 6 ) فتقول :
( هامش ص 94 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 388 - 389
( 2 ) جبهه بالسوء : استقبله به .
( 3 ) ثلغ رأسه : شدخه أى كسره ، قال الجزرى في النهاية : فيه : إذا تثلغوا رأسى كما تثلغ
الخبزة ، الثلغ : الشدخ ، وقيل : ضربك الشئ الرطب بالشئ اليابس حتى يتشدخ .
( 4 ) مجمع البيان 4 : 395 .
( 5 ) الحمس جمع الاحمس ، وهم قريش ومن ولدت قريش وكنانة وجديلة قيس ومن تابعهم
في الجاهلية ، فسموا حمسا لانهم تحمسوا في دينهم أى تشددوا ، أو لالتجائهم بالحمساء ، وهى
الكعبة .
( 6 ) السيور جمع السير : قدة من الجلد مستطيلة . الحوف : جلد يشق كهيئة الازار تلبسه
الصبيان أو نقبة من ادم تقد سيورا . النسع : سير أو حبل عريض تشد به الرحال ، والقطعة منه :
النسعة .
[ 95 ]
اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا احله
تعني الفرج ، لان ذلك لا يستر سترا تاما
وفي قوله : " في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم " أي في أصنام صنعتموها أنتم
وآباؤكم واخترعتم لها أسماء سميتموها آلهة وما فيها من معنى الالهية شئ ، و
قيل : معناه : تسميتهم لبعضها أنه يسقيهم المطر ، والآخر أنه يأتيهم بالرزق ، والآخر
أنه يشفي المرضى ، والآخر أنه يصحبهم في السفر " ما نزل الله بها من سلطان " أي
حجة وبرهان " فانتظروا " عذاب الله فإنه نازل بكم . ( 1 )
وفي قوله : " وكلماته " أي الكتب المتقدمة والقرآن والوحي . ( 2 ) وفي قوله :
" أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة " معناه : أولم يتفكروا هؤلاء الكفار المكذبون
بمحمد صلى الله عليه وآله فيعلموا أنه ليس بمجنون ، إذ ليس في أقواله وأحواله ما يدل على
الجنون ، ثم ابتدأ بالكلام فقال : " ما بصاحبهم من جنة " أي ليس به جنون ، وذلك
أن رسول الله صلى الله عليه وآله صعد الصفا وكان يدعو قريشا فخذا فخدا ( 3 ) إلى توحيد الله ويخوفهم
عذاب الله ، فقال المشركون : إن صاحبهم قد جن ، بات ليلا يصوت إلى الصباح ،
فنزلت . ( 4 )
وفي قوله تعالى : " قل ادعوا شركاءكم " معناه أن معبودي ينصرني ويدفع كيد
الكائدين عني ، ومعبودكم لا يقدر على نصركم ، فإن قدرتم لي على ضر فاجتمعوا
أنتم مع أصنامكم وتظاهروا على كيدي ولا تمهلوني في الكيد والاضرار ، فإن معبودي
( هامش ص 95 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 437 و 438 ، وفيه : ولاخر انه يأتيهم بالرزق ، ولاخرأنه يشفى المرضى
ولاخر أنه يصحبهم في السفر .
( 2 ) مجمع البيان 4 : 488 .
( 3 ) فخذا فخذا أى حيا حيا ، قال الجزرى في النهاية : لما نزلت : " وانذر عشيرتك الاقربين "
بات يفخذ عشيرته ، أى يناديهم فخذا فخذا وهم أقرب العشيرة إليه ، وقد تكرر ذكر الفخذ في الحديث
وأول العشيرة الشعب ، ثم القبيلة ، ثم الفصيلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفخذ .
( 4 ) مجمع البيان 4 : 504 - 505 ، وفيه : أولم يتفكروا هؤلاء المكذبون بمحمد صلى الله
عليه وآله وسلم وبنبوته في أقواله وأفعاله فيعلموا ا ه .
[ 96 ]
يدفع كيدكم عني " وإن تدعوهم " أي الاصنام أو المشركين " خذ العفو " أي ما عفا وفضل
من أموالهم ، أو العفو من أخلاق الناس واقبل الميسور منها ، وقيل : هو العفو في قبول
العذر من المعتذر وترك المؤاخذة بالاساءة " وأمر بالعرف " أي بالمعروف " وأعرض عن
الجاهلين " أي أعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم والاياس من قبولهم ولا تقابلهم
بالسفه .
ولا يقال : هي منسوخة بآية القتال ، لانها عامة خص عنها الكافر الذي يجب
قتله بدليل . قال ابن زيد : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه واله : كيف يارب والغضب ؟
فنزل . ( 1 ) قوله : " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ " أي إن نالك من الشيطان وسوسة و
نخسة في القلب أو عرض لك من الشيطان عارض . ( 2 )
وفي قوله : " وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها " أي إذا جئتهم بآية كذبوا بها
وإذا أبطأت عنهم يقترحونها ويقولون : هلا جئتنا من قبل نفسك ، فليس كل ما تقوله
وحيا من السماء ، وقيل : إذا لم تأتهم بآية مقترحة قالوا : هلا اخترتها من قبل نفسك
فتسأل ربك أن يأتيك بها . ( 3 )
وفي قوله : " كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون " السماع هنا بمعنى القبول وهؤلاء
هم المنافقون ، ( 4 ) وقيل : هم أهل الكتاب من اليهود وقريظة والنضير ، وقيل : إنهم
مشركو العرب ، لانهم قالوا : قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا " إن شر الدواب عند الله
الصم البكم الذين لا يعقلون " يعني هؤلاء المشركين الذين لم ينتفعوا بما يسمعون من
الحق ولا يتكلمون به ولا يعتقدونه ولا يقرون به فكأنهم صم بكم لا يعقلون كالدواب
قال الباقر عليه السلام : نزلت الآية في بني عبدالدار لم يكن أسلم منهم غير مصعب بن عمير
وحليف لهم يقال له : سويبط . ( 5 )
( هامش ص 96 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 511 و 512 . ( 2 ) مجمع البيان 4 : 513 .
( 3 ) 4 : 514 .
( 4 ) في المصدر : وهؤلاء الكفار هم المنافقون .
( 5 ) مجمع البيان 4 : 532 .
[ 97 ]
وفي قوله : " لو نشاء لقلنا مثل هذا " إنما قالوا ذلك مع ظهور عجزهم عن الاتيان
بمثله عداوة وعنادا ، وقيل : إنما قالوا ذلك قبل ظهور عجزهم وكان قائل هذا النضر بن
الحارث بن كلدة ، واسر يوم بدر فقتله رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعقبة بن أبي معيط وقتله أيضا
يوم بدر " وإذ قالوا اللهم " القائل لذلك النضر بن الحارث أيضا ، وقيل : أبوجهل . ( 1 )
وفي قوله : " إلا مكاء وتصدية " المكاء : الصفير ، والتصدية : ضرب اليد على اليد ، قال
ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون ويصفقون ، وصلاتهم معناه : دعاؤهم
أى يقيمون المكاء والتصدية مكان الدعاء والتسبيح ، وقيل : أراد : ليس لهم صلاة ولا عبادة
وإنما يحصل منهم ما هو ضرب من اللهو واللعب ، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا صلى
في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبدالدار عن يمينه فيصفران ، ورجلان عن يساره
يصفقان بأيديهما ، فيخلطان عليه صلاته ، فقتلهم الله جميعا ببدر ، ولهم يقول ولبقية بني
عبدالدار : " فذوقوا العذاب " يعني عذاب السيف يوم بدر ، وقيل : عذاب الآخرة . ( 2 )
وفي قوله تعالى : " فقد مضت سنة الاولين " أي في نصر المؤمنين وكبت أعداء
الدين . ( 3 ) وفي قوله : " وقالت اليهود عزير ابن الله " قال ابن عباس : القائل لذلك جماعة
منهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله منهم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشاس بن قيس ومالك
بن الصيف فقالوا ذلك ، وقيل : إنما قال ذلك جماعة منهم من قبل وقد انقرضوا ، وإن
عزيرا أملى التوراة من ظهر قلبه علمه جبرئيل عليه السلام فقالوا : إنه ابن الله ، إلا أن الله
أضاف ذلك إلى جميعهم وإن كانوا لا يقولون ذلك اليوم ، كما يقال : إن الخوارج
يقولون بتعذيب أطفال المشركين ، وإنما يقوله الازارقة منهم خاصة ، ويدل على أن
هذا مذهب اليهود أنهم لم ينكروا ذلك لما سمعوا هذه الآية مع شدة حرصهم على
تكذيب الرسول صلى الله عليه وآله " يضاهؤن قول الذين كفروا " أي عباد الاصنام في عبادتهم
لها ، أو في عبادتهم للملائكة ، وقولهم : إنهم بنات الله " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون الله " روي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام أنهما قالا : أما والله ما
( هامش ص 97 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 538 - 539 . ( 2 ) مجمع البيان 4 : 540 .
( 3 ) 4 : 542 .
[ 98 ]
صاموا لهم ولاصلوا لهم ، ولكنهم أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم
فعبدوهم من حيث لا يشعرون . وروى الثعلبي بإسناده عن عدي بن حاتم قال : أتيت
رسول الله صلى الله عليه وآله وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال : يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك ،
قال : فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرء هذه الآية حتى فرغ منها ، فقلت له : إنا لسنا
نعبدهم ، فقال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟
قال : فقلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم . ( 1 )
وفي قوله : " إنما النسئ زيادة في الكفر " يعني تأخير الاشهر الحرم عما رتبها
الله سبحانه عليه ، وكانت العرب تحرم الاشهر الاربعة ، وذلك مما تمسكت به من
ملة إبراهيم وإسماعيل ، وهم كانوا أصحاب غارات وحروب ، فربما كان يشق عليهم
أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها ، ( 2 ) فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر
فيحرمونه ويستحلون المحرم فيمكثون بذلك زمانا ، ثم يزول التحريم إلى المحرم ( 3 )
ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة وقال ابن عباس : معنى قوله : " زيادة في الكفر "


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 98 سطر 13 الى ص 106 سطر 13

أنهم كانوا أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله ، قال الفراء : والذي كان يقوم
به رجل من كنانة يقال له نعيم بن تغلبة وكان رئيس الموسم ، فيقول : أنا الذي لا اعاب
ولا اخاب ، ولا يرد لي قضاء ، فيقولون : نعم صدقت ( أنسئنا ؟ ) شهرا وأخر عنا حرمة
المحرم واجعلها في صفر وأحل المحرم ، فيفعل ذلك ، والذي كان ينسؤها حين جاء
الاسلام جنادة بن عوف بن امية الكناني ، قال ابن عباس : وأول من سن النسئ
عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف ، وقال أبومسلم : بل رجل من بني كنانة يقال له
القلمس ، وقال مجاهد : كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي
الحجة عامين ، ثم حجوا في المحرم عامين ، ثم حجوا في صفر عامين ، وكذلك في
الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ، ثم حج النبي
( هامش ص 98 ) ( 1 ) مجمع البيان 5 : 23 .
( 2 ) أغار عليهم : هجم وأوقع بهم . وفى التفسير المطبوع : لا يغزون فيها .
( 3 ) في التفسير المطبوع : ثم يأول التحريم إلى المحرم .
[ 99 ]
صلى الله عليه وآله في العام القابل حجة الوداع فوافقت في ذي الحجة ، فذلك حين
قال النبي صلى الله عليه وآله في خطبته : " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات
والارض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة وذو
الحجة والمحرم ، ورجب مفطر الذي ( 1 ) بين جمادى وشعبان " وأراد عليه السلام بذلك
أن الاشهر الحرم رجعت إلى مواضعها وأعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسئ
" ليواطؤا عدة ما حرم الله " أي إنهم لم يحلوا شهرا من الحرام إلا حرموا مكانه
شهرا من الحلال ، ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرام
ليكون موافقة في العدد . ( 2 )
وفي قوله : " أنهم يفتنون " أي يمتحنون " في كل عام مرة أو مرتين "
بالامراض والاوجاع ، أو بالجهاد مع رسوله الله صلى الله عليه واله ، وما يرون من نصرة الله
رسوله ، وما ينال أعداءه من القتل والسبي ، وقيل : بالقحط والجوع ، وقيل :
بهتك أستارهم وما يظهر من خبث سرائرهم " وإذا ماانزلت سورة " أي من القرآن
وهم حضور مع النبي صلى الله عليه واله كرهوا مايسمعونه ، و " نظر بعضهم إلى بعض " نظرا
يؤمون به : " هل يراكم من أحد " وإنما يفعلون ذلك لانهم منافقون يحذرون أن
يعلم بهم ، فكأنهم يقول بعضهم لبعض : هل يراكم من أحد ؟ ثم يقومون فينصرفون ،
وإنما يفعلون ذلك مخافة أن تنزل آية تفضحهم ، وكانوا لايقولون ذلك بألسنتهم ولكن
ينظرون نظرة من يقول لغيره ذلك ، وقيل : إن المنافقين كان ينظر بعضهم إلى بعض نظر
تعنت وطعن في القرآن ، ثم يقولون : هل يرانا أحد من المسلمين ؟ فإذا تحقق لهم
أنه لايراهم أحد من المسلمين بالغوا فيه ، وإن علموا أنه يراهم واحد كفوا عنه " ثم
انصرفوا " عن المجلس ، أوعن الايمان " صرف الله قلوبهم " عن رحمته وثوابه ، وقيل :
إنه دعاء عليهم . ( 3 )
( هامش ص 99 ) ( 1 ) هكذا في المطبوع ، وفى نسخة مخطوطة : ورجب مضر الذى . وفى التفسير المطبوع :
ورجب الذى .
( 2 ) مجمع البيان 5 : 29 .
( 3 ) مجمع البيان 5 : 85 86 .
[100]
وفي قوله : " قال الذين لايرجون لقاءنا " أي لا يؤمنون بالبعث والنشور " ائت
بقرآن غير هذا " الذي تتلوه علينا " أوبد له " فاجعله على خلاف ماتقرؤه ، والفرق
بينهما أن الاتيان بغيره قد يكون معه ، وتبديله لا يكون إلا برفعه ، وقيل : معنى
قوله : " بدله " غير أحكامه من الحلال والحرام ، أرادوا بذلك زوال الحظر عنهم و
سقوط الامر منهم وأن يخلى بينهم وبين ما يريدون " ولا ( أدريكم ؟ ) به " أي ولا أعلمكم
الله به بأن لا ينزله علي " فقد لبثت فيكم عمرا من قبله " أي أقمت بينكم دهرا طويلا
من قبل إنزال القرآن فلم أقرأه عليكم ولا ادعيت نبوة حتى أكرمني الله به " و
يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله " أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا : إنا نعبد
هذه الاصنام لتشفع لنا عند الله ، وإن الله أذن لنا في عبادتها ، وأنه سيشفعها فينا في
الآخرة ، وتوهموا أن عبادتها أشد في تعظيم الله سبحانه من قصده تعالى بالعبادة ،
فجمعوا بين قبيح القول وقبيح الفعل وقبيح التوهم ، وقيل : معناه هؤلاء شفعاؤنا في
الدنيا لاصلاح معاشنا ، عن الحسن ، قال : لانهم كانوا لا يقرون بالبعث بدلالة قوله
تعالى : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " . ( 1 ) " قل أتنبؤن الله بما
لا يعلم في السموات ولا في الارض " أي تخبرون الله بما لا يعلم من حسن عبادة الاصنام
وكونها شافعة ، لان ذلك لو كان صحيحا لكان تعالى به عالما ، ففي نفي علمه بذلك نفي
المعلوم . ( 2 )
وفي قوله تعالى : " فسيقولون الله " فيها دلالة على أنهم كانوا يقرون بالخالق
وإن كانوا مشركين ، فإن جمهور العقلاء يقرون بالصانع سوى جماعة قليلة من ملحدة
الفلاسفة ، ومن أقر بالصانع على هذا صنفان : موحد يعتقد أن الصانع واحد لا
يستحق العبادة غيره ، ومشرك وهم ضربان : فضرب جعلوا لله شريكا في ملكه يضاده
ويناويه وهم الثنوية والمجوس ، ثم اختلفوا فمنهم من يثبت لله شريكا قديما كالمانوية ،
ومنهم من يثبت لله شريكا محدثا كالمجوس ، وضرب آخر لا يجعل لله شريكا في حكمه
( هامش ص 100 ) ( 1 ) النحل : 38 .
( 2 ) مجمع البيان 5 : 97 - 98 .
[101]
وملكه ، ولكن يجعل له شريكا في العبادة يكون متوسطا بينه وبين الصانع وهم
أصحاب المتوسطات ، ثم اختلفوا فمنهم من جعل الوسائط من الاجرام العلوية
كالنجوم والشمس والقمر ، ومنهم من جعل المتوسط من الاجسام السفلية كالاصنام
ونحوها ، تعالى الله عما يقول الزائغون عن سبيله علوا كبيرا . ( 1 )
وفي قوله تعالى : " أم من لا يهدي إلا أن يهدى " الاصنام لا تهتدي ولا تهدي
أحدا وإن هديت ، لانها موات من حجارة ونحوها ، ولكن الكلام نزل على أنها
إن هديت اهتدت لانهم لما اتخذوها آلهة عبر عنها كما يعبر عمن يعقل ووصفت
بصفة من يعقل وإن لم تكن في الحقيقة كذلك ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( 2 ) " إن
الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم " وقوله : " فادعوهم فليستجيبوا لكم ألهم
أرجل يمشون بها " الآية وكذا قوله : " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما
استجابوا لكم
فاجري عليه اللفظ كما يجري على من يعلم ، وقيل : المراد بذلك
الملائكة والجن ، وقيل : الرؤساء والمضلون الذين يدعون إلى الكفر ، وقيل : إن المعنى
في قوله : " لا يهدي إلا أن يهدى " لا يتحرك إلا أن يحرك " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه "
أي بما لم يعلموه من جميع وجوهه لان في القرآن ما يعلم المراد منه بدليل ويحتاج إلى
الفكر فيه ، أو الرجوع إلى الرسول في معرفة مراده مثل المتشابه ، فالكفار لما لم يعرفوا
المراد بظاهره كذبوا به ، وقيل : أي لم يحيطوا بكيفية نظمه وترتيبه ، وهذا كما أن الناس
يعرفون ألفاظ الشعر والخطب ومعانيها وما يمكنهم إبداعها لجهلهم بنظمها وترتيبها ،
وقال الحسن : معناه : بل كذبوا بالقرآن من غير علم ببطلانه ، وقيل : معناه : بل كذبوا
بما في القرآن من الجنة والنار والبعث والنشور والثواب والعقاب . ( 3 )
وفي قوله : " ماذا يستعجل منه المجرمون " هذا الاستفهام معناه التفظيع والتهويل
كما يقول الانسان لمن هو في أمر يستوخم عاقبته : ماذا تجني على نفسك ؟ وقال
( هامش ص 101 ) ( 1 ) مجمع البيان 5 : 107 .
( 2 ) في التفسير المطبوع : ألا ترى إلى قوله سبحانه : " ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم
رزقا من السموات والارض شيئا ولا يستطيعون " وقوله : " إن الذين تدعون " إ ه .
( 3 ) مجمع البيان 5 : 109 - 110 .
[102]
أبوجعفر الباقر عليه السلام : يريد بذلك عذابا ينزل من السماء على فسقة أهل القبلة في آخر
الزمان . " أثم إذا ما وقع آمنتم به " هذا استفهام إنكار وتقديره : أحين وقع بكم
العذاب المقدر الموقت آمنتم به أي بالله أو بالقرآن أو بالعذاب الذى كنتم به تنكرونه ؟
فيقال لكم : الآن تؤمنون به " وقد كنتم به " أي بالعذاب " تستعجلون " من قبل مستهزئين ( 1 )
وفي قوله : " قل بفضل الله وبرحمته " قيل : فضل الله الاسلام ورحمته القرآن ، وقيل :
بالعكس ، وقال أبوجعفر الباقر عليه السلام : فضل الله رسول الله صلى الله عليه وآله ورحمته علي بن
أبي طالب عليه السلام ، وروى ذلك الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس . ( 2 )
وفي قوله : " فجعلتم منه حراما وحلالا " يعني ما حرموا من البحيرة والسائبة
والوصيلة والحام وأمثالها . ( 3 )
وفي قوله : " ولا يحزنك قولهم " أي أقوالهم الموذية كقولهم : إنك ساحر أو مجنون
" وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء " يحتمل ( ما ) ههنا وجهين : أحدهما أن يكون
بمعنى أي شئ ، تقبيحا لفعلهم ، والآخر أن يكون نافية أي وما يتبعون شركاء في الحقيقة ،
ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يكون بمعنى الذي ويكون منصوبا بالعطف على ( من ) و
يكون التقدير : والذي يتبع الاصنام الذين يدعونهم من دون الله شركاء . ( 4 )
وفي قوله : " وما أنا عليكم بوكيل " أي ما أنا بحفيظ لكم عن الاهلاك إذا لم تنظروا
أنتم لانفسكم ، والمعنى أنه ليس علي إلا البلاغ ولا يلزمني أن أجعلكم مهتدين وأن
انجيكم من النار كما يجب على من وكل على متاع أن يحفظه من الضرر . ( 5 )
وفي قوله : " يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى " يعني يمتعكم في الدنيا
بالنعم السابغة في الخفض والدعة والامن والسعة إلى الوقت الذي قدر لكم
أجل الموت فيه " ويؤت كل ذي فضل فضله " أي ذي إفضال على غيره بمال أو كلام
أو عمل جزاء إفضاله أو كل ذي عمل صالح ثوابه على قدر عمله " ألا إنهم يثنون
( هامش ص 102 ) ( 1 ) مجمع البيان 5 : 115 . ( 2 ) مجمع البيان 5 : 117 .
( 3 ) : 118 . ( 4 ) : 120 - 121 .
( 5 ) : 140 .
[103]
صدورهم " قيل : نزلت في الاخنس بن شريق وكان حلو الكلام يلقى رسول الله صلى
الله عليه وآله بما يحب وينطوي بقلبه على ما يكره ، عن ابن عباس ، وروى العياشي
بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : أخبرني جابر بن عبدالله أن المشركين إذا مروا برسول
الله صلى الله عليه وآله طأطأ أحدهم رأسه وظهره هكذا - وغطى رأسه بثوبه - حتى لا يراه رسول الله
فأنزل الله تعالى هذه الآية . " ألا إنهم " يعني الكفار والمنافقين " يثنون صدورهم " أي
يطوونها على ما هم عليه من الكفر ، عن الحسن ، وقيل : معناه : يخفون صدورهم ( 1 ) لكيلا
يسمعوا كتاب الله وذكره ، وقيل : يثنونها على عداوة النبي صلى الله عليه وآله ، وقيل : إنهم كانوا
إذا قعدوا مجلسا على معاداة النبي صلى الله عليه وآله والسعي في أمره بالفساد انضم بعضهم إلى بعض
وثنى بعضهم صدره إلى صدر بعض يتناجون " ليستخفوا منه " أي ليخفوا ذلك من الله
تعالى على القول الاخير ، وعلى الاقوال الاخر : ليستروا ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله " ألا حين
يستغشون ثيابهم " أي يتغطون بثيابهم ثم يتفاوضون فيما كانوا يدبرونه على النبي صلى الله عليه وآله و
على المؤمنين ويكتمونه ، وقيل : كنى باستغشاء ثيابهم عن الليل لانهم يتغطون بظلمته . ( 2 )
وفي قوله : " إلى امة معدودة " أي إلى أجل مسمى ووقت معلوم ، عن
ابن عباس ومجاهد ، وقيل : أى إلى جماعة يتعاقبون فيصرون على الكفر ولا
يكون فيهم من يؤمن كما فعلنا بقوم نوح ، وقيل : إن الامة المعدودة هم أصحاب
المهدي عجل الله فرجه في آخر الزمان ، ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا كعدة أهل بدر
يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع الخريف ، ( 3 ) وهو المروي عن أبي جعفر و
أبي عبدالله عليهما السلام . ( 4 )
وفي قوله : " فلعلك تارك " روي عن ابن عباس أن رؤساء مكة من قريش أتوا
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا : يا محمد إن كنت رسولا فحول لنا جبال المكة ذهبا ، أو ائتنا
بملائكة يشهدون لك بالنبوة ، فأنزل الله تعالى : " فلعلك تارك " الآية ، وروى العياشي
( هامش ص 103 ) ( 1 ) في التفسير المطبوع : يحنون صدورهم . ( 2 ) مجمع البيان 5 : 143 .
( 3 ) في النهاية : قزعة : قطعة من الغيم وجمعها : قزع ، ومنه حديث على عليه السلام : فيجتمعون
إليه كما يجتمع قزع الخريف . أى قطع السحاب المتفرق ، وإنما خص الخريف لانه اول الشتاء
والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ولا مطبق ، ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك .
( 4 ) مجمع البيان 5 : 144 .
[104]
بإسناده عن أبي عبدالله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إني
سألت ربي أن يواخي بيني وبينك ففعل ، فسألت ربي أن يجعلك وصيي ففعل ، فقال
بعض القوم : والله لصاع من تمر في شن بال أحب إلينا مما سأل محمد ربه ، فهلا سأله
ملكا يعضده على عدوه ؟ أوكنزا يستعين به على فاقته ؟ ! فنزلت الآية " فلعلك تارك
بعض ما يوحى إليك " وهو ما فيه سب آلهتهم فلا تبلغهم إياه خوفا منهم " وضائق به
صدرك " أي ولعلك يضيق صدرك بما يقولون وبما يلحقك من أذاهم وتكذيبهم ، وقيل :
باقتراحاتهم " أن يقولوا " أي كراهة أو مخافة أن يقولوا " لولا انزل عليه كنز " من المال
" أوجاء معه ملك " يشهد له ، وليس قوله : " فلعلك " على وجه الشك ، بل المراد به
النهي عن ترك أداء الرسالة والحث عليه كما يقول أحدنا لغيره وقد علم من حاله أنه
يطيعه ولا يعصيه ويدعوه غيره إلى عصيانه : لعلك تترك بعض ما آمرك به لقول فلان ،
وإنما يقول ذلك ليؤنس من يدعوه إلى ترك أمره .
" قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات " أي إن كان هذا مفترى على الله كما
زعمتم فأتوا بعشر سور مثله في النظم والفصاحة ، مفتريات على زعمكم ، فان القرآن
نزل بلغتكم ، وقد نشأت أنا بين أظهركم ، فإن لم يمكنكم ذلك فاعلموا أنه من عند
الله ، وهذا صريح في التحدي ، وفيه دلالة على جهة إعجاز القرآن وأنها هي الفصاحة
والبلاغة في هذا النظم المخصوص ، لانه لو كان جهة الاعجاز غير ذلك لما قنع في المعارضة
بالافتراء والاختلاق ، لان البلاغة ثلاث طبقات ، فأعلى طبقاتها معجز ، وأدناها و
أوسطها ممكن ، فالتحدي في الآية إنما وقع في الطبقة العلياء منها ، ولو كان وجه
الاعجاز الصرفة لكان الركيك من الكلام أبلغ في باب الاعجاز ، والمثل المذكور في
الآية لا يجوز أن يكون المراد به مثله في الجنس ، لان مثله في الجنس يكون حكايته
فلا يقع بها التحدي ، وإنما يرجع ذلك إلى ما هو متعارف بين العرب في تحدي
بعضهم بعضا كما اشتهر من مناقضات امرئ القيس وعلقمة وعمرو بن كلثوم والحارث بن
حلزه وجرير والفرزدق وغيرهم .
" وادعوا من استطعتم من دون الله " أي ليعينوكم على معارضة القرآن " إن
[105]
كنتم صادقين " في قولكم : إني افتريته ، فهذا غاية ما يمكن في التحدي والمحاجة ،
وفيه الدلالة الواضحة على إعجاز القرآن ، لانه إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه و
آله تحداهم به وأوعدهم بالقتل والاسر بعد أن عاب دينهم وآلهتهم وثبت أنهم
كانوا أحرص الناس على إبطال أمره حتى بذلوا مهجتهم وأموالهم في ذلك ، فإذا قيل
لهم : افتروا أنتم مثل هذا القرآن وأدحضوا حجته فذلك أيسر وأهون عليكم من
كل ما تكلفتموه فعدلوا عن ذلك وصاروا إلى الحرب والقتل وتكلف الامور الشاقة
فذلك من أدل الدلائل على عجزهم ، إذ لو قدروا على معارضته مع سهولة ذلك عليهم
لفعلوه ، لان العاقل لا يعدل عن الامر السهل إلى الصعب الشاق مع حصول الغرض
بكل واحد منهما ، فكيف ولو بلغوا غاية أمانيهم في الامر الشاق وهو قتله عليه السلام
لكان لا يحصل غرضهم ، من إبطال أمره فإن المحق قد يقتل .
فإن قيل : لم ذكر التحدي مرة بعشر سور ، ومرة بسورة ، ومرة بحديث
مثله ؟ فالجواب أن التحدي إنما يقع بما يظهر فيه الاعجاز من منظور الكلام ،
فيجوز أن يتحدى مرة بالاقل ، ومرة بالاكثر " فإن لم يستجيبوا لكم " قيل : إنه
خطاب للمسلمين ، وقيل : للكفار ، أي فإن لم يستجب لكم من تدعونهم إلى المعاونة ،
وقيل : للرسول صلى الله عليه وآله ، وذكره بلفظ الجمع تفخيما . ( 1 )
وفي قوله : " ماكنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا " أي إن هذه الاخبار لم
تكن تعلمها أنت ولا قومك من العرب يعرفونها من قبل إيحائنا إليك ، لانهم لم
يكونوا من أهل كتاب وسير . ( 2 )
( هامش ص 105 ) ( 1 ) في هامش النسخة المقروءة على الصنف : لما كانت المذاهب المشهورة في اعجاز القرآن
مترددة بين ان يكون بالصرفة او ببلوغه الدرجة القصوى من الفصاحة والبلاغة ، او اشتماله على
العلوم الدقيقة ، او على القصص التى لا يعرفها الا اهل الكتاب ، او على الاخبار بالمغيبات ، او عدم
وجدان الاختلاف ، او بغاية البلاغة والنظم المخصوص معا اختار الاخير واستدل بالاية عليه بانه
لو كان لغير الفصاحة والنظم مدخلا لما اكتفى بقوله : " مثله مفتريات " اذ الظاهر من المماثلة المماثلة
في النظم والفصاحة كما كان عادتهم في معارضة الكلام والتفاخر به ، وهذا ينفى الصرفة ايضا لان
مثله مخل في ذلك بل كان الانسب ان يقول : ائتوا بكلام أدون من ذلك ، وايضا الاتيان بالركيك
من الكلام كان ادخل في الصرفة ، وبعد فيه كلام للمتأمل . منه .
( 2 ) مجمع البيان 5 : 146 و 147
[106]
وفي قوله : " ما نثبت به فؤادك " أي ما نقوي به قلبك ، ونطيب به نفسك ، و
نزيدك به ثباتا على ما أنت عليه من الانذار والصبر على أذى قومك . ( 1 )
وفي قوله : " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " فيه أقوال : أحدها :
أنهم مشركو قريش كانو يقرون بالله خالقا ومحييا ومميتا ، ويعبدون الاصنام و
يدعونها آلهة ، عن ابن عباس والجبائي .
وثانيها : أنها نزلت في مشركي العرب إذا سئلوا : من خلق السماوات والارض
وينزل القطر ؟ قالوا : الله ، ثم هم يشركون وكانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك
لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، عن الضحاك .
وثالثها : أنهم أهل الكتاب آمنوا بالله واليوم الآخر والتوراة والانجيل ، ثم
أشركوا بإنكار القرآن ونبوة نبينا صلى الله عليه وآله ، عن الحسن ، وهذا القول مع ما تقدمه رواه
دارم بن قبيصة ، عن علي بن موسى الرضا ، عن جده ( 2 ) أبي عبدالله عليهم السلام .
ورابعها : أنهم المنافقون يظهرون الايمان ويشركون في السر ، عن البلخي .
وخامسها : أنهم : المشبهة آمنوا في الجملة وأشركوا في التفصيل ، وروي ذلك


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 106 سطر 14 الى ص 114 سطر 14

عن ابن عباس . وسادسها أن المراد بالاشراك شرك الطاعة لا شرك العبادة ، أطاعوا
الشيطان في المعاصي التي يرتكبونها مما أوجب الله عليها النار ، فأشركوا بالله في طاعته
ولم يشركوا بالله في عبادته ( 3 ) عن أبي جعفر عليه السلام .
وروي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : قول الرجل : لولا فلان لهلكت ولولا فلان
لضاع عيالي جعل لله شريكا في ملكه يرزقه ويدفع عنه ، فقيل له : لو قال : لولا أن من
الله علي بفلان لهلكت ، قال : لا بأس بهذا . وفي رواية زرارة ومحمد بن المسلم وحمران
عنهما عليهما السلام : إنه شرك النعم . وروى محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال : إنه شرك لا يبلغ به الكفر .
" أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله " أي عقوبة تغشاهم وتحيط بهم . ( 4 )
( هامش ص 106 ) ( 1 ) مجمع البيان 5 : 204 . ( 2 ) في التفسير المطبوع : عن أبيه ، عن جده .
( 3 ) في التفير المطبوع : ولم يشركوا بالله شرك عبادة فيعبدون معه غيره .
( 4 ) مجمع البيان 5 : 267 - 268 . وفيه أى أفأمن هؤلاء الكافرون أن يأتيهم عذاب من الله
سبحانه يعمهم ويحيط بهم ؟ .
[107]
وفي قوله : " يستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة " أي بالعذاب قبل الرحمة ، عن ابن
عباس وغيره . والمثلات : العقوبات .
" إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " فيه أقوال : أحدها : إنما أنت مخوف وهاد
لكل قوم ، وليس إليك إنزال الآيات ، فأنت مبتدأ ، ومنذر خبره ، وهاد عطف على
منذر . والثاني : أن المنذر هو محمد صلى الله عليه وآله ، والهادي هو الله . والثالث : أن معناه : ولكل
قوم نبي يهديهم وداع يرشدهم . والرابع : أن المراد بالهادي كل داع إلى الحق ،
وعن ابن عباس قال : لما نزلت الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا المنذر ، وعلي الهادي
من بعدي ، ياعلي بك يهتدي المهتدون . وروى مثله أبوالقاسم الحسكاني بإسناده عن
أبي بردة الاسلمي . ( 1 )
وفي قوله : " إلا كباسط كفيه " هذا مثل ضربه الله لكل من عبد غير الله ودعاه
رجاء أن ينفعه ، فمثله كمثل رجل بسط كفيه إلى الماء من مكان بعيد ليتناوله ويسكن
به غلته وذلك الماء لا يبلغ فاه لبعد المسافة بينهما ، فكذلك ما كان يعبده المشركون
من الاصنام لا يصل نفعها إليهم فلا يستجاب دعاؤهم ، عن ابن عباس ، وقيل : كباسط
كفيه إلى الماء أى كالذي يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه الماء ، عن مجاهد ،
وقيل : كالذي يبسط كفيه إلى الماء فمات قبل أن يبلغ الماء فاه ، وقيل : إنه يتمثل
العرب لمن يسعى فيما لا يدركه فيقول : هو كالقابض على الماء .
" وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " أي ليس دعاؤهم الاصنام من دون الله إلا في
ذهاب عن الحق والصواب ، وقيل : في ضلال عن طريق الاجابة والنفع " ولله يسجد
( هامش ص 107 ) ( 1 ) مجمع البيان 6 : 278 . والحديث فيه هكذا : روى أبوالقاسم الحسكانى في كتاب شواهد
التنزيل بالاسناد إلى ابراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن حكم بن جبير ، عن أبى بردة الاسلمى
قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وآله بالطهور وعنده على بن أبى طالب ، فأخذ رسول الله بيد
على بعد ما تطهر فألزمها بصدره ، ثم قال : انما انت منذر ، ثم ردها إلى صدر على ثم قال : ولكل
قوم هاد ، ثم قال : انك منارة الانام وغاية الهدى ، وأمير القرى ، وأشهد ذلك انك كذلك .
[108]
من في السموات والارض " يعني الملائكة وسائر المكلفين " طوعا وكرها " أي يجب
السجود لله تعالى إلا أن المؤمن يسجد له طوعا ، والكافر كرها بالسيف ، أو يخضعون
له إلا أن الكافر يخضع له كرها لانه لا يمكنه أن يمتنع عن الخضوع لله تعالى لما يحل
به من الآلام والاسقام " وظلالهم " أي ويسجد ظلالهم لله " بالغدو والآصال " أي العشيات
قيل : المراد بالظل الشخص ، فإن من يسجد يسجد معه ظله ، قال الحسن : يسجد
ظل الكافر ولا يسجد الكافر ، ومعناه عند أهل التحقيق أنه يسجد شخصه دون
قلبه ، لانه لا يريد بسجوده عبادة ربه من حيث إنه يسجد للخوف ، وقيل : إن
الظلال على ظاهرها ، والمعنى في سجودها تمايلها من جانب إلى جانب وانقيادها
للتسخير ( 1 ) بالطول والقصر " قل هل يستوي الاعمى والبصير " أي المؤمن والكافر
" أم هل تستوي الظلمات والنور " أي الكفر والايمان ، أو الضلالة والهدى ، أو
الجهل والعلم " أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه " أي هل جعل هؤلاء الكفار
شركاء في العبادة خلقوا أفعالا مثل خلق الله تعالى من الاجسام والالوان والطعوم
والروائح والقدرة والحياة وغير ذلك " فتشابه الخلق عليهم " أي فاشتبه لذلك
عليهم ما الذي خلق الله ، وما الذي خلق الاوثان ، فظنوا أن الاوثان تستحق العبادة
لان أفعالها مثل أفعال الله تعالى ، فإذا لم يكن ذلك مشتبها إذ كان ذلك كله لله
لم يبق شبهة أنه الاله لا تستحق العبادة سواه . ( 2 )
وفي قوله تعالى : " فسالت أودية بقدرها " يعني فاحتمل الانهار الماء كل نهر
بقدره : الصغير على قدر صغره ، والكبير على قدر كبره " فاحتمل السيل زبدا رابيا "
أي طافيا عاليا فوق الماء ، شبه سبحانه الحق والاسلام بالماء الصافي النافع للخلق ،
والباطل بالزبد الذاهب باطلا ، وقيل : إنه مثل للقرآن النازل من السماء ، ثم يحتمل
القلوب حظها من اليقين والشك على قدرها ، فالماء مثل لليقين : والزبد مثل للشك ،
عن ابن عباس ، ثم ذكر المثل الآخر فقال : " ومما توقدون عليه في النار " وهو الذهب
( هامش ص 108 ) ( 1 ) في التفسير المطبوع : وانقيادها بالتسخير .
( 2 ) مجمع البيان 6 : 283 - 285 .
[109]
والفضة والرصاص وغيره مما يذاب " ابتغاء حلية " أي طلب زينة يتخذ منه كالذهب و
الفضة " أو متاع " معناه : ابتغاء متاع ينتفع به ، وهو مثل جواهر الارض يتخذ منه
الاواني وغيرها " زبد مثله " أي مثل زبد الماء ، فإن هذه الاشياء التي تستخرج من
المعادن توقد عليها النار ليتميز الخالص من الخبيث لها أيضا زبد وهو خبثها " كذلك
يضرب الله الحق والباطل " أي مثل الحق والباطل " فأما الزبد فيذهب جفاء " أي باطلا
متفرقا بحيث لا ينتفع به " وأما ما ينفع الناس " وهو الماء الصافي والاعيان التي ينتفع
بها " فيمكث في الارض " فينتفع به الناس ، فمثل المؤمن واعتقاده كمثل هذا الماء المنتفع
به في نبات الارض وحياة كل شئ به ، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الاعيان
المنتفع بها ، ومثل الكافر وكفره كمثل هذا الزبد الذي يذهب جفاء ، وكمثل خبث الحديد
وما تخرجه النار من وسخ الذهب والفضة التي لا ينتفع به " كذلك يضرب الله الامثال
للناس " في أمر دينهم ، قال قتادة : هذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل واحد :
شبه نزول القرآن بالماء الذي ينزل من السماء ، وشبه القلوب بالاودية والانهار
فمن استقصى في تدبره وتفكر في معانيه أخذ حظا عظيما منه ، كالنهر الكبير الذي
يأخذالماء الكثير ، ومن رضي بما أداه إلى التصديق بالحق على الجملة كان أقل
حظا منه ، كالنهر الصغير فهذا مثل .
ثم شبه الخطات ووساوس الشيطان بالزبد يعلو على الماء ، وذلك من خبث
التربة لا من الماء ، وكذا الله ما يقع في النفس من الشكوك فمن ذاتها لا من ذات الحق ،
يقول : فكما يذهب الزبد باطلا ويبقى صفوة الماء كذلك يذهب مخائل الشك باطلا
ويبقى الحق فهذا مثل ثان ، والمثل الثالث : قوله : " ومما توقدون عليه " فالكفر مثل
هذا الخبث الذي لا ينتفع به ، والايمان مثل الصافي الذي ينتفع به . ( 1 )
وفي قوله : " ولو أن قرآنا " جواب لو محذوف ، أي لكان هذا القرآن ، وقيل :
أي لما آمنوا " أفلم ييأس الذين آمنوا " أي أفلم يعلموا ويتبينوا ، عن ابن عباس وغيره ،
وقيل : معناه : أولم يعلم الذين آمنوا علما يئسوا معه من أن يكون غير ما علموه ؟
( هامش ص 109 ) ( 1 ) مجمع البيان 6 : 287 .
[110]
وقيل : معناه : أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون ؟
" قارعة " أي نازلة وداهية تقرعهم من الحرب والجدب والقتل والاسر " أو تحل قريبا
من دارهم " قيل : إن التاء في تحل للتأنيث ، أي تحل تلك القارعة قريبا من دارهم
فتجاورهم حتى تحصل لهم المخافة منها ، وقيل : إن التاء للخطاب ، أي تحل أنت يا
محمد بنفسك قريبا من دارهم يعني مكة " حتى يأتي وعد الله " بفتح مكة ، وقيل : أي
بالاذن لك في قتالهم ، وقيل : حتى يأتي يوم القيامة .
" فأمليت للذين كفروا " أي فأمهلتهم وأطلت مدتهم ليتوبوا أو ليتم عليهم الحجة
" فكيف كان عقاب " تفخيم لذلك العقاب " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " أي أفمن
هو قائم بالتدبير على كل نفس وحافظ على كل نفس أعمالها حتى يجازيها كمن
ليس بهذه الصفة من الاصنام ؟ ويدل على المحذوف قوله تعالى : " وجعلوا لله شركاء
قل سموهم " أي بما يستحقون من الصفات ، وإضافة الافعال إليهم إن كانوا شركاء لله
كا يوصف الله بالخالق والرازق والمحيي والمميت ، وقيل : سموهم بالاسماء التي
هي صفاتهم ثم انظروا هل تدل صفاتهم على جواز عبادتهم واتخاذهم آلهة ؟ وقيل :
معناه إنه ليس لهم اسم له مدخل في استحقاق الالهية ، وذلك استحقار لهم ، وقيل :
سموهم ماذا خلقوا ؟ أو هل ضروا أو نفعوا ؟ " أم تنبؤنه بما لا يعلم في الارض " أي بل
أتخبرون الله بشريك له في الارض وهو لا يعلمه ، على معنى أنه ليس ولو كان لعلم .
" أم بظاهر من القول " أي أم تقولون مجازا من القول وباطلا لا حقيقة له ، فالمعنى أنه
كلام ظاهر ليس له في الحقيقة باطن ومعنى فهو كلام فقط ، وقيل : أم بظاهر كتاب
أنزله الله سميتم الاصنام آلهة ، فبين أنه ليس ههنا دليل عقلي ولا سمعي يوجب
استحقاق الاصنام الالهية " بل زين للذين كفروا مكرهم " أي دع ذكر ما كنا فيه
زين الشيطان لهم الكفر ، لان مكرهم بالرسول كفر منهم ، وقيل : بل زين لهم
الرؤساء والغواة كذبهم وزورهم . ( 1 )
وفي قوله : " والذين آتيناهم الكتاب يفرحون " المراد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله
( هامش ص 110 ) ( 1 ) مجمع البيان 6 : 293 - 295 .
[111]
الذين اعطوا القرآن ، أو مؤمنو أهل الكتاب . ( 1 )
وفي قوله : " وإما نرينك بعض الذي نعدهم " أي من نصر المؤمنين عليهم و
تمكينك منهم بالقتل والاسر واغتنام الاموال " أو نتوفينك " أي نقبضك إلينا قبل أن
نريك ذلك ، وبين بهذا أنه يكون بعض ذلك في حياته وبعضه بعد وفاته ، أي فلا
تنتظر أن يكون جميع ذلك في أيام حياتك " فإنما عليك " أن تبلغهم ما أرسلناك به
إليهم ، وعلينا حسابهم ومجازاتهم . ( 2 )
وفي قوله : " ومن عنده علم الكتاب " قيل : هو الله تعالى ، وقيل : مؤمنو أهل
الكتاب ، وقيل : إن المراد به علي بن أبي طالب عليه السلام وأئمة الهدى عليهم السلام عن أبي جعفر
وأبي عبدالله عليهما السلام بأسانيد . ( 3 )
وفي قوله : " مثل الذين كفروا بربهم " أي مثل أعمالهم " كرماد اشتدت به
الريح " أي ذرته ونسفته " في يوم عاصف " أي شديد الريح ، فكما لا يقدر أحد على
جمع ذلك الرماد المتفرق والانتفاع به فكذلك هؤلاء الكفار " لا يقدرون مما كسبوا على
شئ " أي على الانتفاع بأعمالهم . ( 4 )
وفي قوله : " كلمة طيبة " هي كلمة التوحيد ، وقيل : كل كلام أمر الله تعالى
" كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء " أي شجرة زاكية نامية راسخة
اصولها في الارض ، عالية أغصانها وثمارها في السماء ، وأراد به المبالغة في الرفعة ، و
هذه الشجرة قيل : هي النخلة ، ( 5 ) وقيل : شجرة في الجنة .
( هامش ص 111 ) ( 1 ) مجمع البيان 6 : 296 . ( 2 ) مجمع البيان 6 : 298 .
( 3 ) : 301 ، والاسانيد في المصدر هكذا : روى عن بريد بن معاوية ، عن
أبى عبدالله عليه السلام انه قال : إيانا عنى وعلى اولنا وافضلنا وخيرنا بعد النبى صلى الله عليه وآله
وسلم . وروى عنه عبدالله بن كثير انه وضع يده على صدره ، ثم قال : عندنا والله علم الكتاب كملا .
ويؤيد ذلك ما روى عاصم بن أبى النجود ، عن أبى عبدالرحمن السلمى قال : ما رايت احدا اقرء من
على بن أبى طالب عليه السلام للقرآن . وروى أبوعبدالرحمن أيضا عن عبدالله بن مسعود قال : لو كنت
أعلم أن أحدا أعلم بكتاب الله منى لاتيته . قال : فقلت له : فعلى ؟ قال : أولم آته ؟ .
( 4 ) مجمع البيان 6 : 309 .
( 5 ) في التفسير المطبوع : روى أنس عن النبى صلى الله عليه وآله ، أن هذه الشجرة هى النخلة .
[112]
وروى ابن عقدة عن أبي جعفر عليه السلام ان الشجرة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وفرعها علي
عليه السلام ، وغصن الشجرة ( 1 ) فاطمة عليها السلام ، وثمارها أولادها ، وأوراقها شيعتنا . ثم
قال عليه السلام : إن الرجل من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة ، وإن المولود من
شيعتنا ليولد فيورق مكان تلك الورقة ورقة .
" تؤتي اكلها " أي تخرج هذه الشجرة ما يؤكل منها " كل حين " أي في كل
ستة أشهر ، عن ابن عباس وأبي جعفر عليه السلام ، وقيل : أي كل سنة ، وقيل : أي كل غداة
وعشية ، وقيل : في جميع الاوقات ، وقيل : إنه سبحانه شبه الايمان بالنخلة لثبات
الايمان في قلب المؤمن كثبات النخلة في منبتها ، وشبه ارتفاع عمله إلى السماء بارتفاع
فروع النخلة ، وشبه ما يكسبه المؤمنون من بركة الايمان وثوابه كل وقت وحين بما
ينال من ثمرة النخلة في أوقات السنة كلها من الرطب والتمر ، وقيل : إن معنى قوله :
" تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها " ما يفتي به الائمة من آل محمد شيعتهم في الحلال
والحرام " ومثل كلمة خبيثة " هي كلمة الشرك والكفر ، وقيل : كل كلام في معصية
الله كشجرة خبيثة غير زاكية وهي شجرة الحنظل ، وقيل : إنها شجرة هذه صفتها وهو
أنه لا قرار لها في الارض ، وقيل : إنها الكشوث . ( 2 ) وروى أبوالجارود عن أبي جعفر
عليه السلام أن هذا مثل بني امية " اجتثت من فوق الارض " أي استوصلت واقتلعت
جثته من الارض " مالها من قرار " مالتلك الشجرة من ثبات ، فإن الريح تنسفها و
تذهب بها ، فكما أن هذه الشجرة لا ثبات لها ولا بقاء ولا ينتفع بها أحد فكذلك الكلمة
الخبيثة لا ينتفع بها صاحبها . ( 3 )
وفي قوله : " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا " أي عرفوا نعمة الله بمحمد
أي عرفوا محمدا ثم كفروا به فبدلوا مكان الشكر كفرا . وروي عن الصادق عليه السلام أنه
قال : نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده وبنا يفوز من فاز . ( 4 )
( هامش ص 112 ) ( 1 ) في التفسير المطبوع وفى نسخ مخطوطة من الكتاب : وعنصر الشجرة فاطمة .
( 2 ) الكشوث نبات يلتف على الشوك والشجر لا اصل له في الارض ولا ورق .
( 3 ) مجمع البيان 6 : 312 - 313 .
( 4 ) في المصدر : ذكره على بن إبراهيم في تفسيره .
[113]
ويحتمل أن يكون المراد جميع نعم الله بدلوها أقبح التبديل ، إذ جعلوا مكان
شكرها الكفر بها ، واختلف في المعني بالآية فروي عن أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس
وابن جبير وغيرهم أنهم كفار قريش كذبوا نبيهم ونصبوا له الحرب والعداوة .
وسأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه الآية فقال : هما الافجران من قريش :
بنو امية وبنو المغيرة ، فأما بنو امية فمتعوا إلى حين ، وأما بنو المغيرة فكفيتموهم
يوم بدر . وقيل : إنهم جبلة بن الايهم ومن تبعه من العرب تنصروا ولحقوا بالروم " و
أحلوا قومهم دار البوار " أى دار الهلاك . ( 1 )
وفي قوله : " ربما يود الذين كفروا " أي في الآخرة إذا صار المسلمون إلى
الجنة والكفار إلى النار " ما ننزل الملائكة إلا بالحق " أي بالموت ، أو بعذاب
الاستيصال إن لم يؤمنوا ، أو إلا بالرسالة " وما كانوا إذا " أي حين تنزل الملائكة
" منظرين " أي لا يمهلون ساعة .
" إنا نحن نزلنا الذكر " أي القرآن " وإنا له لحافظون " عن الزيادة والنقصان
والتغيير والتحريف ، ( 2 ) وقيل : نحفظه من كيد المشركين فلا يمكنهم إبطاله ولا يندرس
ولا ينسى ، وقيل : المعنى : وإنا لمحمد حافظون .
" ولو فتحنا عليهم " أي على هؤلاء المشركين " بابا من السماء " ينظرون إليه " فظلوا
فيه يعرجون " أي فظلت الملائكة تصعد وتنزل في ذلك الباب ، وقيل : فظل هؤلاء
المشركون يعرجون إلى السماء من ذلك الباب وشاهدوا ملكوت السماوات " لقالوا
إنما سكرت أبصارنا " أي سدت وغطيت ، وقيل : تحيرت وسكنت عن أن تنظر
" بل نحن قوم مسحورون " سحرنا محمد فيخيل الاشياء إلينا على خلاف حقيقتها . ( 3 )
( هامش ص 113 ) ( 1 ) مجمع البيان 6 : 314 .
( 2 ) في التفسير المطبوع : وقيل : معناه : متكفل بحفظه إلى آخر الدهر على ما هو عليه ،
فتنقله الامة عصرا بعد عصر إلى يوم القيامة ، لقيام الحجة به على الجماعة من كل من لزمته دعوة
النبى صلى الله عليه وآله ، عن الحسن .
( 3 ) مجمع البيان 6 : 328 و 330 و 331 .
[114]
وفي قوله : " لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم " أي لا ترفعن عينيك
من هؤلاء الكفار إلى ما متعناهم وأنعمنا عليهم به أمثالا من النعم من الاموال و
الاولاد وغير ذلك من زهرات الدنيا ، فيكون " أزواجا " منصوبا على الحال ، والمراد
به الاشياء والامثال ، وقيل : لا تنظرن ولا تعظمن في عينيك ولا تمدهما إلى ما متعنا
به أصنافا من المشركين " ولا تحزن عليهم " إن لم يؤمنوا ونزل بهم العذاب " واخفض
جناحك للمؤمنين " أي تواضع لهم .
" كما أنزلنا على المقتسمين " أي أنزلنا القرآن عليك كما أنزلنا على المقتسمين
وهم اليهود والنصارى " الذين جعلوا القرآن عضين " جمع عضة ، وأصله عضوة ، والتعضية :
التفريق ، أي فرقوا وجعلوه أعضاء ، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه ، وقيل : سماهم
مقتسمين لانهم اقتسموا كتب الله فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها ، وقيل : معناه : إني
انذركم عذابا كما أنزلنا على المقتسمين الذين اقتسموا طريق مكة ، يصدون عن
رسول الله صلى الله عليه وآله والايمان به ، قال مقاتل : كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن
المغيرة أيام الموسم يقولون لمن أتى مكة : لا تغتروا بالخارج منا والمدعي النبوة ،
فأنزل الله بهم عذابا فماتوا شر ميتة ، ثم وصفهم فقال : " الذين جعلوا القرآن عضين "


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 114 سطر 15 الى ص 122 سطر 15

أجزاء أجزاء ( 1 ) فقالوا : سحر ، وقالوا : أساطير الاولين ، وقالوا : مفترى ، عن ابن
عباس .
" فاصدع بما تؤمر " أي أظهر وأعلن وصرح بما امرت به غير خائف " وأعرض
عن المشركين " أي لا تخاصمهم إلى أن تؤمر بقتالهم ، أو لا تلتفت إليهم ولا تخف منهم
" حتى يأتيك اليقين " أي الموت . ( 2 )
وفي قوله : " أموات غير أحياء " أي الاصنام أو الكفار " لاجرم " أي حقا وهو بمنزلة
اليمين . ( 3 )
( هامش ص 114 ) ( 1 ) في التفسير المطبوع : أى جزؤوه أجزاء .
( 2 ) مجمع البيان : 6 344 - 347 .
( 3 ) مجمع البيان 6 : 355 .
[115]
وفي قوله : " أو يأخذهم في تقلبهم " أي يأخذهم العذاب في تصرفهم في أسفارهم
وتجاراتهم ، وقيل : في تقلبهم في كل الاحوال ليلا ونهارا فيدخل فيه تقلبهم على
الفراش يمينا وشمالا " فما هم بمعجزين " أي فليسوا بفائتين وما يريده الله بهم من
الهلاك لا يمتنع عليه " أو يأخذهم على تخوف " قال الاكثر : أي على تنقص إما بقتل
أو بموت ، أي ينقص من أطرافهم ونواحيهم يأخذ منهم الاول فالاول حتى يأتي على
جميعهم ، وقيل : في حال تخوفهم من العذاب " يتفيؤ ظلاله " أي يتميل ظلاله عن جانب
اليمين وجانب الشمال ، ومعنى سجود الظل دورانه من جانب إلى جانب كما مر ، وقيل :
المراد بالظل هو الشخص بعينه ، ولهذا الاطلاق شواهد في كلام العرب " وهم داخرون "
أي أذلة صاغرون ، فنبه تعالى على أن جميع الاشياء تخضع له بما فيها من الدلالة
على الحاجة إلى واضعها ومدبرها ، فهي في ذلك كالساجد من العباد " وله الدين
واصبا " أي له الطاعة دائمة واجبة على الدوام ، من وصب الشئ وصوبا : إذا دام ،
وقيل : أي خالصا " نصيبا مما رزقناهم " أي ما مر ذكره في سورة الانعام من الحرث
والانعام وغيرها " ولهم ما يشتهون " أي ويجعلون لانفسهم ما يشتهونه ويحبونه من
البنين " وهو كظيم " أي ممتلئ غيظا وحزنا " أيمسكه على هون أم يدسه في التراب "
أي يدبر في أمر البنت المولود له : أيمسكه على ذل وهوان أم يخفيه في التراب ويدفنه
حيا ؟ وهو الوأد الذي كان من عادة العرب ، وهو أن أحدهم كان يحفر حفيرة صغيرة فإذا
ولد له انثى جعلها فيها وحثا عليها التراب حتى تموت تحته ، وكانوا يفعلون ذلك
مخافة الفقر " ويجعلون لله ما يكرهون " أي البنات " أن لهم الحسنى " أي البنون أو
المثوبة الحسنى في الآخرة ( 1 ) " وأنهم مفرطون " أي مقدمون معجلون إلى النار . ( 2 )
وفي قوله : " فما الذين فضلوا " فيه قولان : أحدهما أنهم لا يشركون عبيدهم
في أموالهم وأزواجهم حتى يكونوا فيه سواء ويرون ذلك نقصا ، فلا يرضون لانفسهم
به ، وهم يشركون عبادي في ملكي وسلطاني ويوجهون العبادة والقرب إليهم كما
( هامش ص 115 ) ( 1 ) في التفسير المطبوع : والمثوبة الحسنى وهى الجنة .
( 2 ) مجمع البيان 6 : 353 - 369 .
[116]
يوجهونها إلي . والثاني : أن معناه : فهؤلاء الذين فضلهم الله في الرزق من الاحرار
لا يرزقون مماليكهم ، بل الله رازق الملاك والمماليك ، فإن الذي ينفقه المولى على
مملوكه إنما ينفقه مما يرزقه الله ، فهم سواء في ذلك . ( 1 )
وفي قوله : " ومن رزقناه منا رزقا حسنا " يريد حرا رزقناه وملكناه مالا
ونعمة " فهو ينفق منه سرا وجهرا " لا يخاف من أحد " هل يستون " يريد أن الاثنين
المتساويين في الخلق إذا كان أحدهما مالكا قادرا على الانفاق دون الآخر لا يستويان
فكيف يسوى بين الحجارة التي لا تعقل ولا تتحرك وبين الله عز اسمه القادر على كل
شئ والرازق لجميع خلقه ؟ ! وقيل : إن هذا المثل للكافر والمؤمن ، فإن الكافر لا
خير عنده والمؤمن يكسب الخير " وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على
شئ " من الكلام ، لانه لا يفهم ولا يفهم عنه ، وقيل : معناه : لا يقدر أن يميز أمر نفسه
" وهو كل على مولاه " أي ثقل ووبال على وليه الذي يتولى أمره " أينما يوجهه لا يأت بخير "
أي لا منفعة لمولاه فيه أينما يرسله في حاجة لا يرجع بخير ولا يهتدي إلى منفعة " هل
يستوي هو " أي هذا الابكم " ومن يأمر بالعدل " أي ومن هو فصيح يأمر بالحق و
الصواب " وهو على صراط مستقيم " أي على دين قويم وطريق واضح فيما يأتي ويذر .
وفيه ( 2 ) أيضا وجهان : أحدهما : أنه مثل ضربه الله تعالى فيمن يؤمل الخير من جهته
ومن لا يؤمل منه ، وأصل الخير كله من الله ، فكيف يسوي بينه وبين شئ سواه
في العبادة ؟ .
والآخر أنه مثل للكافر والمؤمن : فالابكم : الكافر ، والذي يأمر بالعدل :
المؤمن ، عن ابن عباس ، وقيل إن الابكم ابي بن خلف ، ومن يأمر بالعدل حمزة و
عثمان بن مظعون ، عن عطاء ، وقيل : إن الابكم هاشم بن عمرو بن الحارث القرشي
وكان قليل الخير يعادي رسول الله صلى الله عليه وآله . ( 3 )
( هامش ص 116 ) ( 1 ) مجمع البيان 6 : 373 .
( 2 ) أى في هذا المثل .
( 3 ) مجمع البيان 6 : 375 .
[117]
وفي قوله : " ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها " نزلت في الذين بايعوا النبي
صلى الله عليه وآله على الاسلام ، فقال سبحانه للمسلمين الذين بايعوه : لا يحملنكم
قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة ، فإن الله حافظكم ، أي اثبتوا على ما
عاهدتم عليه الرسول وأكدتموة بالايمان ، وقيل : نزلت في قوم حالفوا قوما فجاءهم
قوم وقالوا : نحن أكثر منهم وأعز وأقوى فانقضوا ذلك العهد وحالفونا . " ولا تكونوا
كالتي نقضت غزلها " أي لا تكونوا كالمرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار
وفتل للغزل ، وهي امرأة حمقاء من قريش ، كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار
ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا تزال ذلك دأبها ، واسمها ريطة بنت عمرو بن
كعب ، وكان تسمى خرقاء مكة " أنكاثا " جمع نكث ، وهو الغزل من الصوف والشعر
يبرم ثم ينكث وينقض ليغزل ثانية " تتخذون أيمانكم دخلا بينكم " أي دغلا وخيانة
ومكرا " أن تكون امة هي أربى من امة " أي بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم
وامة أعلى من امة " فتزل قدم بعد ثبوتها " أي فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا
على هدى . ( 1 )
وفي قوله : " وإذا بدلنا آية مكان آية " يعني إذا نسخنا آية وآتينا مكانها اخرى
" قالوا إنما أنت مفتر " قال ابن عباس : كانوا يقولون : يسخر محمد بأصحابه يأمرهم
اليوم بأمر وغدا يأمرهم بأمر وإنه لكاذب ، ويأتيهم بما يقول من عند نفسه . " ولقد
نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر " قال ابن عباس : قالت قريش : إنما يعلمه بلعام وكان
قينا بمكة روميا نصرانيا ، وقال الضحاك : أرادوا به سلمان الفارسي ، قالوا : إنه
يتعلم القصص منه ، وقال مجاهد وقتادة : أرادوا به عبدا لبني الحضرمي روميا يقال له
يعيش أو عائش صاحب كتاب ، وأسلم وحسن إسلامه ، وقال عبدالله بن مسلم : كان
غلامان في الجاهلية نصرانيان من أهل عين التمر ، اسم أحدهما يسار ، والآخر
جبير ، وكانا صيقلين يقرآن كتابا لهما بلسانهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله ربما مر بهما
واستمع قراءتهما فقالوا : إنما يتعلم منهما ، ثم ألزمهم الله الحجة وأكذبهم بأن قال :
( هامش ص 117 ) ( 1 ) مجمع البيان : 383 .
[118]
" لسان الذي يلحدون إليه أعجمي " أي لغة الذي يضيفون إليه التعليم ويميلون إليه
القول أعجمية ، والاعجمي هو الذي لا يفصح وإن كان عربيا " وهذا لسان عربي
مبين " أي ظاهر بين لا يتشكل ، ( 1 ) يعني إذا كانت العرب تعجز عن الاتيان بمثله و
هو بلغتهم فكيف يأتي به الاعجمي . ( 2 )
وفي قوله : " ولا تجعل مع الله إلها آخر " الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به غيره
ليكون أبلغ في الزجر . ( 3 ) " مدحورا " أي مطرودا مبعدا عن رحمة الله . ( 4 )
وفي قوله : " إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا " أي لطلبوا طريقا يقربهم إلى
مالك العرش لعلمهم بعلوه عليهم وعظمته ، وقال أكثر المفسرين : معناه : لطلبوا سبيلا
إلى معازة ( 5 ) مالك العرش ومغالبته ، فإن الشريكين في الالهية يكونان متساويين
في صفات الذات ، ويطلب أحدهما مغالبة صاحبه ليصفو له الملك فيكون إشارة إلى
دليل التمانع . ( 6 )
وفي قوله : " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة "
قال الكلبي : هم أبوسفيان والنضر بن الحارث وأبوجهل وام جميل امرأة أبي لهب ،
حجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن ، فكانوا يأتونه ويمرون به ولا يرونه
" حجابا مستورا " أي ساترا ، وقيل : مستورا عن الاعين لا يبصر إنما هو من قدرة الله
" وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده " أي ذكرت الله بالتوحيد وأبطلت الشرك " ولو
على أدبارهم نفورا " أي أعرضوا عنك مدبرين نافرين ، والمعني بذلك كفار قريش ،
وقيل : هم الشياطين ، وقيل : إذا سمعوا بسم الرحمن الرحيم ولو ، وقيل : إذا سمعوا
قول لا إله إلا الله .
( هامش ص 118 ) ( 1 ) في التفسير المطبوع : ظاهر بين لا يتشكك .
( 2 ) مجمع البيان 6 : 385 .
( 3 ) مجمع البيان 6 : 407 ، ولم نجد فيه قوله : " ليكون أبلغ في الزجر " . ( 4 ) مجمع البيان 6 : 416 .
( 5 ) عازه : عارضه في العزة .
( 6 ) مجمع البيان 6 : 417 .
[119]
" نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك " أي ليس يخفى علينا حال هؤلاء المشركين
وغرضهم في الاستماع إليك " وإذ هم نجوى " أي متناجون ، والمعنى : إنا نعلمهم في حال
ما يصغون إلى سماع قراءتك ، وفي حال يقومون من عندك ويتناجون فيما بينهم ، فيقول
بعضهم : هو ساحر ، وبعضهم : هو كاهن ، وبعضهم : هو شاعر ، وقيل : يعني به أبا جهل
وزمعة بن الاسود وعمرو بن هشام وخويطب بن عبدالعزى ، اجتمعوا وتشاوروا في
أمر النبي صلى الله عليه وآله ، فقال أبوجهل : هو مجنون ، وقال زمعة : هو شاعر ، وقال خويطب :
هو كاهن ، ثم أتوا الوليد بن المغيرة وعرضوا ذلك عليه فقال : هو ساحر " إذ يقول
الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا " أي سحر فاختلط عليه أمره ، وقيل : المراد
بالمسحور المخدوع والمعلل ، وقيل : أي ذا سحر ، أي رئة خلقه الله بشرا مثلكم ، وقيل :
المسحور بمعنى الساحر كالمستور بمعنى الساتر . ( 1 )
وفي قوله : " قل ادعوا الذين زعمتم " أي الملائكة والمسيح وعزير ، وقيل : هم
الجن لان قوما من العرب كانوا يعبدون الجن ، عن ابن مسعود ، قال : وأسلم اولئك
النفر ( 2 ) وبقي الكفار على عبادتهم . ( 3 )
وفي قوله : " إن ربك أحاط بالناس " أي أحاط علما بأحوالهم وما يفعلونه من
طاعة أو معصية " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك " فيه أقوال : أحدها : أن المراد بالرؤيا
رؤية العين ، والمراد الاسرى وما رآه في المعراج . وثانيها : أنها رؤيا نوم رآها أنه
سيدخل مكة وهو بالمدينة فقصدها فصده المشركون في الحديبية حتى شك قوم . و
ثالثها : أن ذلك رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وآله في منامه أن قرودا تصعد منبره وتنزل ، فساءه ذلك
واغتم به ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام ، وقالوا على هذا التأويل أن
الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو امية ، أخبره الله تعالى بتغلبهم على مقامه وقتلهم
ذريته ، وقيل : إن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، وإنما سميت فتنة لان المشركين
( هامش ص 119 ) ( 1 ) مجمع البيان 6 : 418 - 419 .
( 2 ) في التفسير المطبوع : اولئك النفر من الجن .
( 3 ) مجمع البيان 6 : 422 .
[120]
قالوا : إن النار تحرق الشجر ، فكيف تنبت الشجرة في النار ؟ وصدق به
المؤمنون . ( 1 )
وفي قوله : " وقالوا لن نؤمن لك " قال ابن عباس : إن جماعة من قريش وهم
عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبوسفيان بن الحرب والاسود بن المطلب وزمعة بن الاسود
والوليد بن المغيرة وأبوجهل بن هشام وعبدالله بن امية ( 2 ) وامية بن خلف والعاص
بن وائل ، وبنيه ومنبه ابنا الحجاج والنضر بن الحارث وأبوالبختري بن هشام اجتمعوا
عند الكعبة ، وقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه ، فبعثوا إليه أن
أشراف قومك قد اجتمعوا لك ، فبادر عليه وآله صلوات الله وسلامه إليهم ظنا منه
أنه بدالهم من أمره ، وكان حريصا على رشدهم ، فجلس إليهم فقالوا : يا محمد إنا
دعوناك لنعتذر إليك ، فلا نعلم قوما أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، شتمت
الآلهة ، وعبت الدين ، وسفهت الاحلام ، وفرقت الجماعة ، فإن كنت جئت بهذا
لتطلب مالا أعطيناك ، وإن كنت تطلب الشرف سودناك علينا ، وإن كانت علة غلبت
عليك طلبنا لك الاطباء ! فقال صلى الله عليه وآله : ليس شئ من ذلك ، بل بعثني الله إليكم رسولا
وأنزل كتابا ، فإن قبلتم ما جئت به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه أصبر
حتى يحكم الله بيننا ، قالوا : فإذا ليس أحدا أضيق بلدا منا ، فاسأل ربك أن يسير
هذه الجبال ويجري لنا أنهارا كأنهار الشام والعراق ، وأن يبعث لنا من مضى ، وليكن
فيهم قصي فإنه شيخ صدوق لنسألهم عما تقول أحق أم باطل ؟ فقال : ما بهذا بعثت ،
قالوا : فإن لم تفعل ذلك فاسأل ربك أن يبعث ملكا يصدقك ، ويجعل لنا جنات
وكنوزا وقصورا من ذهب ، فقال : ما بهذا بعثت وقد جئتكم بما بعثني الله تعالى به فإن
قبلتم وإلا فهو يحكم بيني وبينكم ، قالوا فأسقط علينا السماء كما زعمت أن ربك
إن شاء فعل ذلك ، قال : ذاك إلى الله إن شاء فعل ، وقال قائل منهم : لا نؤمن لك حتى
( هامش ص 120 ) ( 1 ) مجمع البيان 6 : 423 - 424 .
( 2 ) في التفسير المطبوع : عبدالله بن ابى امية .
[121]
تأتي بالله والملائكة قبيلا ، فقام النبي صلى الله عليه وآله وقام معه عبدالله بن امية ( 1 ) المخزومي
ابن عمته عاتكة بنت عبدالمطلب فقال : يا محمد - صلى الله عليه وآله عرض عليك قومك ما عرضوا فلم
تقبله ، ثم سألوك لانفسهم امورا فلم تفعل ، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به فلم
تفعل ، فوالله لا اؤمن بك أبدا حتى تتخذ سلما إلى السماء ثم ترقى فيه وأنا أنظر ،
وتأتي معك نفر من الملائكة يشهدون لك وكتاب يشهد لك . وقال أبوجهل : إنه أبى
إلا سب الآلهة وشتم الآباء ، وإني اعاهد الله لاحملن حجرا فإذا سجد ضربت به رأسه ،
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله حزينا لما رأى من قومه فأنزل الله سبحانه الآيات .
" حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا " أي تشقق لنا من أرض مكة عينا ينبع
منه الماء في وسط مكة " أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا " أي قطعا قد
تركب بعضها على بعض ، ومعنى كما زعمت أي كا خوفتنا به من انشقاق السماء
وانفطارها ، أو كما زعمت أنك نبي تأتي بالمعجزات " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا "
أي كفيلا ضامنا لنا بما تقول ، وقيل : هو جمع القبيلة ، أي بالملائكة قبيلة قبيلة ،
وقيل : أي مقابلين لنا ، وهذا يدل على أن القوم كانوا مشبهة مع شركهم " أويكون
لك بيت من زخرف " أي من ذهب ، وقيل : الزخرف : النقوش " أو ترقى في السماء "
أي تصعد " ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل عينا كتابا نقرؤه " أي لو فعلت ذلك لم
نصدقك حتى تنزل على كل واحد منا كتابا من السماء شاهدا بصحة نبوتك نقرؤه
" قل سبحان ربي " أي تنزيها له من كل قبيح وسوء ، وفي ذلك من الجواب : إنكم
تتخيرون الآيات وهي إلى الله سبحانه ، فهو العالم بالتدبير ، الفاعل لما توجبه المصلحة ،
فلا وجه لطلبكم إياها مني ، وقيل : أي تعظيما له عن أن يحكم عليه عبيده ، لان
له الطاعة عليهم ، وقيل : إنهم لما قالوا : أو تأتي بالله أو ترقى في السماء إلى عند الله
لاعتقادهم أنه سبحانه جسم ، قال : قل : سبحان ربي عن كونه بصفة الاجسام حتى
يجوز عليه المقابلة والنزول ، وقيل : معناه : تنزيها له عن أن يفعل المعجزات تابعا
للاقتراحات " هل كنت إلا بشرا رسولا " أي هذه الاشياء ليست في طاقة البشر فلا أقدر
( هامش ص 121 ) ( 1 ) في التفسير المطبوع : عبدالله بن أبى امية .
[122]
بنفسي أن آتي بها ( 1 ) " قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين " أي ساكنين
قاطنين " لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا " منهم ، وقيل : معناه : مطمئنين إلى الدنيا
ولذاتها غير خائفين ولا متعبدين بشرع ، وقيل : معناه : لو كان أهل الارض ملائكة
لبعثنا إليهم ملكا ليكونوا إلى الفهم إليه أسرع ، وقيل : إن العرب قالوا : كنا ساكنين
مطمئنين فجاء محمد فأزعجنا وشوش علينا أمرنا ، فبين الله سبحانه أنهم لو كانوا
ملائكة مطمئنين لاوجبت الحكمة إرسال الرسل إليهم ، فكذلك كون الناس مطمئنين
لا يمنع من إرسال الرسل إليهم إذهم إليه أحوج من الملائكة . ( 2 )
وفي قوله : " خشية الانفاق " أي الفقر والفاقة " وكان الانسان قتورا " أي
بخيلا . ( 3 ) وفي قوله : " وقرآنا فرقناه " أي وأنزلنا عليك قرآنا فصلناه سورا وآيات ،
أو فرقنا به الحق عن الباطل ، أو جعلنا بعضه خبرا وبعضه أمرا وبعضه نهيا وبعضه
وعدا وبعضه وعيدا ، أو أنزلناه متفرقا لم ننزله جميعا ، إذ كان بين أوله وآخره نيف و
عشرون سنة " لتقرأه على الناس على مكث " أي على تثبت وتؤدة ليكون أمكن في
قلوبهم ، وقيل : لتقرأه عليهم مفرقا شيئا بعد شئ " ونزلناه تنزيلا " على حسب الحاجة
ووقوع الحوادث " قل آمنوا به أولا تؤمنوا " به فإن إيمانكم ينفعكم ولا ينفع غيركم ،
وهذاتهديد لهم " إن الذين اوتوا العلم من قبله " أي اعطوا علم التوراة قبل نزول


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 122 سطر 16 الى ص 130 سطر 16

القرآن كعبد الله بن سلام وغيره ، وقيل : إنهم أهل العلم من أهل الكتاب وغيرهم ،
وقيل : إنهم امة محمد صلى الله عليه وآله " إذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا " أي يسقطون
على الوجوه ساجدين ، وإنما خص الذقن لان من سجد كان أقرب شئ منه إلى
الارض ذقنه . ( 4 )
وفي قوله : " قيما " أي معتدلا مستقيما لا تناقض فيه ، أوقيما على سائر الكتب
( هامش ص 122 ) ( 1 ) في التفسير المطبوع : أن اتى بها كما لم يقدر من كان قبلى من الرسل ، والله تعالى انما يظهر
المعجزة على حسب المصلحة وقد فعل ، فلا تطالبونى بما لا يطالب به البشر .
( 2 ) المجمع البيان 6 : 439 - 441 .
( 3 ) : 443 .
( 4 ) : 445 .
[123]
المتقدمة يصدقها ويحفظها وينفي الباطل عنها وهو الناسخ لشرائعها ، وقيل : قيما
لا مور الدين يلزم الرجوع إليه فيها ، وقيل : دائما لاينسخ ( 1 ) " فلعلك باخع نفسك
على آثارهم " أي مهلك وقاتل نفسك على آثار قومك الذين قالوا : لن نؤمن لك حتى
تفجرلنا من الارض ينبوعا ، تمردا منهم على ربهم " إن لم يؤمنوا بهذا الحديث " أي
بالقرآن " أسفا " أي حزنا وتلهفا ووجدا بإدبارهم عنك وإعراضهم عن قبول ما
آتيتهم به ، وقيل : " على آثارهم " أي بعد موتهم . ( 2 )
وفي قوله : " إلا أن تأتيهم سنة الاولين " أي إلا طلب أن تأتيهم العادة في
الاولين من عذاب الاستيصال " أو يأتيهم العذاب قبلا " أي مقابلة من حيث يرونها ،
وتأويله أنهم بامتناعهم عن الايمان بمنزلة من يطلب هذا حتى يؤمن كرها . ( 3 )
وفي قوله : " أفحسب الذين كفروا " أي أفحسب الذين جحدوا توحيد الله " أن
يتخذوا عبادي من دوني " أربابا ينصرونهم ويدفعون عنهم عقابي ، والمراد بالعباد المسيح
والملائكة ، وقيل : معناه : أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا من دوني آلهة وإني لا أغضب
لنفسي عليهم ولا اعاقبهم ؟ ( 4 ) " فمن كان يرجو لقاء ربه " أي يطمع لقاء ثوابه . ( 5 )
وفي قوله : " فاختلف الاحزاب من بينهم " أي الاحزاب من أهل الكتاب في
أمر عيسى على نبينا وآله وعليه السلام كما مر . ( 6 )
وفى قوله : " قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين " أي أنحن أم أنتم
" خير مقاما " أي منزلا ومسكنا ، أو موضع إقامة " وأحسن نديا " أي مجلسا " هم
أحسن أثاثا ورءيا " قال ابن عباس : الاثاث : المتاع وزينة الدنيا ، والرئي : المنظر و
الهيئة ، وقيل : المعني بالآية النضر بن الحارث وذووه ، وكانوا يرجلون شعورهم و
يلبسون أفخر ثيابهم ويفتخرون بشارتهم ( 7 ) وهيئتهم على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله " فليمدد
( هامش ص 123 ) ( 1 ) في التفسير المطبوع : دائما يدوم ويثبت إلى يوم القيامة لا ينسخ
( 2 ) مجمع البيان 6 : 449 و 450 .
( 3 ) 6 : 477 . ( 4 ) مجمع البيان 6 : 497 .
( 5 ) : 499 .
( 6 ) : 514 .
( 7 ) الشارة : الحسن والجمال . الهيئة : اللباس والزينة . متاع البيت المستحسن .
[124]
له الرحمن مدا " أمر معناه الخبر ، أي جعل الله جزاء ضلالته أن يمد له بأن يتركه
فيها . ( 1 )
وفي قوله : " أفرأيت الذي كفر بآياتنا " أفرأيت كلمة تعجيب . وهو العاص
ابن وائل ، وقيل : الوليد بن المغيرة ، وقيل : هو عام " وقال لاوتين مالا وولدا " أي في
الجنة استهزاء ، أو إن أقمت على دين آبائي وعبادة آلهتى أعطى في الدنيا مالا وولدا
" ونمد له من العذاب مدا " أي نصل له بعض العذاب فلا ينقطع أبدا " ونرثه
ما يقول " أي ما عنده من المال والولد . ( 2 )
وفي قوله : " لقد جئتم شيئا إدا " الاد : الامر العظيم ، أي لقد جئتم بشئ منكر
عظيم شنيع " تكاد السموات يتفطرن منه " أي أرادت السماوات تنشق لعظم فريتهم
وإعظاما لقولهم " وتخر الجبال " أي تسقط " هدا " أي كسرا شديدا ، وقيل : معناه :
هدما " وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا " أي لا يليق به ، وليس من صفته اتخاذ الولد
لانه يقتضي حدوثه واحتياجه . ( 3 ) وفي قوله : " قوما لدا " أي شدادا في الخصومة . ( 4 )
وفي قوله : " أو يحدث لهم ذكرا " أي يجدد القرآن لهم عظة واعتبارا ، وقيل : يحدث
لهم شرفا بإيمانهم به .
" ولا تعجل بالقرآن " فيه وجوه : أحدها أن معناه : لا تعجل بتلاوته قبل أن
يفرغ جبرئيل عليه السلام من إبلاغه ، فإنه صلى الله عليه وآله كان يقرء معه ويعجل بتلاوته مخافة
نسيانه ، أي تفهم ما يوحى إليك إلى أن يفرغ الملك من قراءته ولا تقرأ معه . وثانيها :
أن معناه : لا تقرء به أصحابك ولا تمله حتى يتبين لك معانيه . وثالثها : أن معناه : ولا
تسأل إنزال القرآن قبل أن يأتيك وحيه ، لانه تعالى إنما ينزله بحسب المصلحة
وقت الحاجة . ( 5 )
( هامش ص 124 ) ( 1 ) مجمع البيان 6 : 526 . ( 2 ) مجمع البيان 6 : 528 و 529 .
( 3 ) : 530 - 532 .
( 4 ) : 533 .
( 5 ) 7 : 31 - 32 .
[125]
وفي قوله : " أولم تأتهم بينة ما في الصحف الاولى " أي أولم يأتهم في القرآن بيان
ما في كتب الاولى من أنباء الامم التي أهلكناهم لما اقترحوا الآيات ثم كفروا بها
" قل كل متربص " أي كل واحد منا ومنكم منتظر ، فنحن ننتظر وعد الله لنا فيكم
وأنتم تتربصون بنا الدوائر . ( 1 )
وفي قوله : " بل قالوا أضغاث أحلام " أي قالوا : القرآن المجيد تخاليط أحلام
رآها في المنام " ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها " أي لم يؤمن قبل هؤلاء الكفار
من أهل قرية جاءتهم الآيات التي طلبوها ، فأهلكناهم مصرين على الكفر " أفهم
يؤمنون " عند مجيئها " فاسئلوا أهل الذكر " قال علي عليه السلام : نحن أهل الذكر . ( 2 )
وقيل : أهل التوراة والانجيل ، وقيل : أهل العلم بأخبار الامم ، وقيل : أهل القرآن " فيه
ذكركم " أي شرفكم إن تمسكتم به ، أو ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم و
دنياكم . ( 3 )
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين "
وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدايع تبصرة للنظار ، وتذكرة لذوي الاعتبار
" لو أردنا أن نتخذ لهوا " ما يتلهى به ويلعب " لاتخذناه من لدنا " من جهة قدرتنا
أو من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات ، لا من الاجسام المرفوعة ، والاجرام
المبسوطة ، كعادتكم في رفع السقوف وتزويقها وتسوية الفروش وتزيينها ، وقيل :
اللهو : الولد بلغة اليمن ، وقيل : الزوجة ، والمراد الرد على النصارى " بل نقذف
بالحق على الباطل " الذي من عداده اللهو " فيدمغه " فيمحقه .
" ومن عنده " يعني الملائكة المنزلين منه لكرامتهم بمنزلة المقربين عند الملوك
" ولا يستحسرون " أي ولا يتعبون منه ( 4 ) " أفإن مت فهم الخالدون " نزلت حين قالوا :
( هامش ص 125 ) ( 1 ) مجمع البيان 7 : 37 .
( 2 ) في التفسير المطبوع : وروى ذلك عن أبى جعفر عليه السلام .
( 3 ) مجمع البيان 7 : 39 و 40 .
( 4 ) في التفسير المطبوع : ولا يعيون منها .
[126]
نتربص به ريب المنون " حتى طال عليهم العمر " أي طالت أعمارهم فحسبوا أن لا يزالوا
كذلك وإنه بسبب ما هم فيه . ( 1 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها "
أي يأتيها أمرنا فينقصها من أطرافها بتخريبها وبموت أهلها ، وقيل : بموت العلماء ، و
روي ذلك عن أبي عبدالله عليه السلام قال : نقصانها : ذهاب عالمها . وقيل : معناه : ننقصها من
أطرافها بظهور النبي صلى الله عليه وآله على من قاتله أرضا فأرضا وقوما فقوما ، فيأخذ قراهم
وأرضيهم . ( 2 )
وفي قوله : " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر " قيل : الزبور : كتب الانبياء ،
والذكر : اللوح المحفوظ ، وقيل : الزبور : الكتب المنزلة بعدالتوراة ، والذكر :
التوراة ، وقيل : الزبور : زبور داود ، والذكر : التوراة " أن الارض يرثها عبادي
الصالحون " قيل : يعني أرض الجنة يرثها عبادي المطيعون ، وقيل : هي الارض المعروفة
يرثها امة محمد بالفتوح ، وقال أبوجعفر عليه السلام : هم أصحاب المهدي عجل الله فرجه في
آخر الزمان ( 3 ) " فقل آذنتكم على سواء " أي أعلمتكم بالحرب إعلاما يستوي نحن
وأنتم في علمه ، أو على سواء في الايذان لم ابين الحق لقوم دون قوم " وإن أدري "
أي ما أدري " أقريب أم بعيد ما توعدون " يعني أجل القيامة ، أو الاذن في حربكم
" وإن أدري " أي ما أدري " لعله فتنة " أي لعل ما آذنتكم به اختبار لكم ، أو لعل هذه
الدنيا فتنة لكم ، أو لعل تأخير العذاب محنة واختبار لكم ، لترجعوا عما أنتم عليه
" ومتاع إلى حين " أي تتمتعون به إلى وقت انقضاء آجالكم . ( 4 )
وفي قوله تعالى : " ومن الناس من يجادل " قيل : المراد به النضر بن الحارث ،
والمراد بالشيطان شيطان الانس ، لانه كان يأخذ من الاعاجم واليهود ما يطعن به
على المسلمين . ( 5 )
( هامش ص 126 ) ( 1 ) أنوار التنزيل 2 : 77 و 78 و 81 و 83 .
( 2 ) مجمع البيان 7 : 49 . ( 3 ) وذكر في التفسير ما يدل عل ذلك من روايات كثيرة من طرق العامة راجعه .
( 4 ) مجمع البيان 7 : 66 - 68 . ( 5 ) مجمع البيان 7 : 71 .
[127]
وفي قوله : " ثاني عطفه " أي متكبرا في نفسه ، تقول العرب : ثنى فلان عطفه :
إذا تكبر وتجبر ، وعطفا الرجل : جانباه ، وقيل : معناه : لاوى عنقه
إعراضا وتكبرا
" ومن الناس من يعبد الله على حرف " أي على ضعف في العبادة كضعف القائم على
حرف ، أي على طرف جبل ونحوه ، وقيل : أي على شك ، وقيل : يعبد الله بلسانه دون قلبه
قيل : نزلت في جماعة كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ، فكان أحدهم إذا صح
جسمه ونتجت فرسه وولدت امرأته غلاما وكثرت ماشيته رضي به واطمأن إليه ، و
إن أصابه وجع وولدت امرأته جارية قال : ما أصبت في هذا الدين إلا شرا " وإن
أصابته فتنة " أي اختبار بجدب وقلة مال " انقلب على وجهه " أي رجع عن دينه إلى
الكفر . ( 1 )
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا و
الآخرة " المعنى أن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة ، فمن كان يظن خلاف ذلك
ويتوقعه من غيظه ، وقيل : المراد بالنصر الرزق والضمير لمن " فليمدد بسبب إلى السماء
ثم ليقطع " أي فليستقص في إزالة غيظه أو جزعه ، بأن يفعل كل ما يفعله الممتلئ غضبا
أو المبالغ جزعا حتى يمد حبلا إلى سماء بيته فيختنق ، من قطع : إذا اختنق فإن
المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه ، وقيل : فليمدد حبلا إلى سماء الدنيا ثم ليقطع به
المسافة حتى يبلغ عنانه فيجتهد في دفع نصره أو تحصيل رزقه " فلينظر " فليتصور في نفسه
" هل يذهبن كيده " فعله ذلك ، وسماه على الاول كيدا لانه منتهى ما يقدر عليه
" ما يغيظ " غيظه ، أو الذي يغيظ من نصر الله ، وقيل : نزلت في قوم مسلمين استبطؤوا
نصر الله لاستعجالهم وشدة غيظهم على المشركين " يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم
آياتنا " أي يثبون ويبطشون بهم " ضعف الطالب والمطلوب " أي عابد الصنم ومعبوده ،
أو الذباب يطلب ما يسلب عن الصنم من الطيب ، والصنم يطلب منه الذباب السلب ،
أو الصنم والذباب كأنه يطلبه ليستنقذ منه ما يسلبه ، فلو حققت وجدت الصنم أضعف
منه بدرجات " ما قدروا الله حق قدره " أي ما عرفوه حق معرفته " فذرهم في غمرتهم "
( هامش ص 127 ) ( 1 ) مجمع البيان 7 : 75 .
[128]
أي في جهالتهم ، شبهها بالماء الذي يغمر القامة ، لانهم مغمورون فيها ، أو لاعبون فيها
" حتى حين " أي إلى أن يقتلوا أو يموتوا " أيحسبون أنما نمدهم به " إن ما نعطيهم و
نجعله مددا لهم " من مال وبنين " بيان لما وليس خبرا له ، بل خبره " نسارع لهم في
الخيرات " والراجع محذوف ، والمعنى : أن الذي نمدهم به نسارع به فيما فيه خيرهم و
إكرامهم ؟ " بل لا يشعرون " أن ذلك الامداد استدراج " ولدينا كتاب " يعني اللوح أو صحيفة
الاعمال " بل قلوبهم في غمرة " في غفلة غامرة لها من هذا الذي وصف به هؤلاء ، أو من
كتاب الحفظة " ولهم أعمال " خبيثة " من دون ذلك " متجاوزة لما وصفوا به أو منحطة ( 1 )
عما هم عليه من الشرك " هم لها عاملون " معتادون فعلها .
" حتى إذا أخذنا مترفيهم " متنعميهم بالعذاب ، يعني القتل يوم بدر ، أو الجوع
حين دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وآله فقال : " اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم
سنين كسني يوسف " فقحطوا حتى أكلوا الكلاب والجيف والعظام المحترقة " إذا هم
يجأرون " فاجاءوا الصراخ بالاستغاثه فقيل لهم : " لا تجأروا اليوم فكنتم على أعقابكم
تنكصون " النكوص : الرجوع القهقرى " مستكبرين به " الضمير للبيت ، و شهرة
استكبارهم وافتخارهم بأنهم قوامه أغنى عن سبق ذكره ، أولآياتي فإنها بمعنى
كتابي " سامرا " أي يسمرون بذكر القرآن والطعن فيه " تهجرون " من الهجر بفتح
الهاء ، إما بمعنى القطيعة أو الهذيان ، أي تعرضون عن القرآن أو تهذون في شأنه ،
أو الهجر بالضم : الفحش " أفلم يدبروا القول " أي القرآن ليعلموا أنه الحق " أم
جاءهم مالم يأت آباءهم الاولين " من الرسول والكتاب ، أو من الامن من عذاب
الله ، فلم يخافوا كما خاف آباؤهم الاقدمون " ولو اتبع الحق أهواءهم " بأن كان
في الواقع آلهة " لفسدت السموات والارض ومن فيهن " كما سبق في قوله تعالى :
" ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " .
وقيل : لو اتبع الحق أهواءهم وانقلب باطلا لذهب ما قام به العالم فلا يبقى ،
أو لو اتبع الحق الذي جاء به محمد أهواءهم وانقلب شركا لجاء الله بالقيامة وأهلك
( هامش ص 128 ) ( 1 ) في المصدر : أو متخطية .
[129]
العالم من فرط غضبه ، أو لو اتبع الله أهواءهم بأن أنزل ما يشتهونه من الشرك و
والمعاصي لخرج عن الالوهية ، ولم يقدر أن يمسك السماوات والارض " أم تسألهم
خرجا " أجرا على أداء الرسالة " فخراج ربك " رزقه في الدنيا وثوابه في العقبى " خير "
لسعته ودوامه " ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر " يعني القحط ، روي أنهم قحطوا
حتى أكلوا العلهز ، ( 1 ) فجاء أبوسفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : انشدك الله والرحم ،
ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ؟ قتلت الآباء بالسيف ، والابناء بالجوع ، فنزلت :
" ولقد أخذناهم بالعذاب " يعني القتل يوم بدر " ذا عذاب شديد " يعني الجوع ، فإنه
أشد من القتل والاسر " إذا هم فيه مبلسون " متحيرون آيسون من كل خير حتى
جاءك أعتاهم يستعطفك " قل من بيده ملكوت كل شئ " أي ملكه غاية ما يمكن ،
وقيل : خزائنه " وهو يجير " يغيث من يشاء ويحرسه " ولا يجار عليه " ولا يغاث أحد
ولا يمنع منه ، وتعديته بعلى لتضمين معنى النصرة " إذا لذهب كل إله بما خلق " أي
لو كان معه آلهة كما يقولون لذهب كل إله منهم بما خلقه واستبد به وامتاز ملكه
عن ملك الآخرين ، ووقع بينهم التحارب والتغالب ، كما هو حال ملوك الدنيا ، فلم
يكن بيده وحده ملكوت كل شئ ، واللازم باطل بالاجماع والاستقراء ، وقيام البرهان
على استناد جميع الممكنات إلى واجب . ( 2 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله : " ويقولون آمنا بالله " قيل : نزلت
الآيات في رجل من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود حكومة ، فدعاه اليهودي
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ودعاه المنافق إلى كعب بن الاشرف ، وحكى البلخي أنه كانت
بين علي عليه السلام وعثمان منازعة في أرض اشتراها من علي عليه السلام ، فخرجت فيها
أحجار وأراد ردها بالعيب فلم يأخذها ، فقال : بيني وبينك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال
الحكم بن أبي العاص : إن حاكمته إلى ابن عمه حكم له فلا تحاكمه إليه ، فنزلت
( هامش ص 129 ) ( 1 ) في القاموس : العلهز بالكسر : القراد الضخم . وطعام من الدم والوبر كان يتخذ في
المجاعة . والناب المسنة وفيها بقية . ونبات ينبت ببلاد بنى سليم .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 98 و 111 و 112 و 122 و 127 وفيه : إلى واجب واحد .
[130]
الآيات ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام أو قريب منه " وإن يكن لهم الحق " أي وإن
علموا أن الحق يقع لهم " يأتوا إليه " أي إلى النبي صلى الله عليه وآله مذعنين مسرعين طائعين
" أفي قلوبهم مرض " أي شك في نبوتك ونفاق ؟ " أم ارتابوا في عدلك " أي رأوا منك
مارابهم لاجله أمرك ؟ . ( 1 )
وفي قوله : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم " لما بين الله سبحانه كراهتهم لحكمه
قالوا للنبي صلى الله عليه وآله : والله لو أمرتنا بالخروج من ديارنا وأموالنا لفعلنا فنزلت ، والمعنى :
حلفوا بالله أغلظ أيمانهم وقدر طاقتهم إنك إن أمرتنا بالخروج إلى غزواتك لخرجنا
" قل لهم لا تقسموا " أي لا تحلفوا ، وتم الكلام " طاعة معروفة " أي طاعة حسنة
للنبي صلى الله عليه وآله خالصة صادقة أفضل وأحسن من قسمكم ، ( 2 ) وقيل : معناه : ليكن منكم
طاعة " فإنما عليه ماحمل " أي كلف وامر . ( 3 )
وفي قوله : " وأعانه عليه قوم آخرون " قالوا : أعان محمدا على هذا القرآن
عداس مولى خويطب ( 4 ) بن عبدالعزى ، ويسار غلام العلاء بن الحضرمي ، وحبر مولى
عامر ، وكانوا من أهل الكتاب ، وقيل : إنهم قالوا : أعانه قوم من اليهود " فقد جاءوا
ظلما وزورا " أي شركا وكذبا ، وإنما اكتفى بذلك في جوابهم لتقدم ذكر التحدي
وعجزهم عن الاتيان بمثله " وقالوا أساطير الاولين " أي هذه أحاديث المتقدمين وما
سطروه في كتبهم " اكتتبها " انتسخها ، وقيل : استكتبها " فهي تملى عليه بكرة و


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 130 سطر 17 الى ص 138 سطر 17

أصيلا " أي تملى عليه طرفي نهاره حتى يحفظها وينسخها . ( 5 )
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " قل أنزله الذي يعلم السر في السموات و
الارض " لانه أعجزكم عن آخركم بفصاحته ، وتضمنه أخبارا عن مغيبات مستقبلة ،
وأشياء مكنونة لا يعلمها إلا عالم الاسرار ، فكيف يجعلونه أساطير الاولين ؟ " وقالوا
( هامش ص 130 ) ( 1 ) مجمع البيان 7 : 150 .
( 2 ) في التفسير المطبوع : من قسمكم بما لا تصدقون به .
( 3 ) مجمع البيان 7 : 151 .
( 4 ) في التفسير المطبوع : حويطب .
( 5 ) مجمع البيان 7 : 161 .
[131]
مال هذا الرسول يأكل الطعام " كما نأكل " ويمشي في الاسواق " لطلب المعاش كما نمشي ،
وذلك لعمههم وقصور نظرهم على المحسوسات ، فإن تميز الرسل عمن عداهم ليس
بامور جسمانية ، وإنما هو بأحوال نفسانية . ( 1 )
وفي قوله : " وجعلنا بعضكم " أي الناس " لبعض فتنة " أي ابتلاء ، ومن ذلك
ابتلاء الفقراء بالاغنياء ، والمرسلين بالمرسل إليهم " أتصبرون " علة للجعل ، والمعنى :
وجعلنا بعضكم لبعض فتنة لنعلم أيكم يصبر ؟ . ( 2 )
وفي قوله : " كذلك لنثبت به فؤادك " أي كذلك أنزلناه متفرقا لنقوي بتفريقه
فؤادك على حفظه وفهمه ، لان حاله يخالف حال موسى وداود وعيسى حيث كان
اميا وكانوا يكتبون ، فلو القي إليه جملة لتعيى بحفظه ، ( 3 ) ولان نزوله بحسب
الوقائع يوجب مزيد بصيرة وخوض في المعنى ، ولانه إذا نزل منجما ( 4 ) وهو يتحدى
بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه ، ولانه إذا نزل به جبرئيل عليه السلام
حالا بعد حال يثبت به فؤاده ، ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ ، ومنها انضمام القرائن
الحالية إلى الدلالات اللفظية فإنه يعين على البلاغة " ورتلناه ترتيلا " أي وقرأناه
عليك شيئا بعد شئ على تؤدة وتمهل في عشرين سنة ، أو في ثلاث وعشرين سنة ،
" ولا يأتونك بمثل " بسؤال عجيب " إلا جئناك بالحق " الدامغ له في جوابه " وأحسن
تفسيرا " أي ما هو أحسن بيانا أو معنى من سؤالهم ، أو لا يأتونك بحال عجيبة يقولون :
هلا كانت هذه حاله ؟ إلا أعطيناك من الاحوال مايحق لك في حكمتنا وما هو أحسن
كشفا لما بعثت له . ( 5 )
وفي قوله : " وكان الكافر على ربه ظهيرا " يظاهر الشيطان بالعداوة والشرك
" إلا من شاء " أي إلا فعل من شاء " أن يتخذ إلى ربه سبيلا " أن يتقرب إليه ، فصور
ذلك بصورة الاجر من حيث إنه مقصود فعله ، واستثناه منه قلعا لشبهة الطمع و
إظهارا لغاية الشفقة ، حيث اعتد بإنفاعك نفسك بالتعرض للثواب والتخلص عن
( هامش ص 131 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 155 . ( 2 ) انوار التنزيل 2 : 159 .
( 3 ) كذا في النسخ . ( 4 ) أى في أوقات معينة .
( 5 ) أنوار التنزيل 2 : 162 .
[132]
العقاب أجرا وافيا مرضيا به مقصورا عليه ، وقيل : الاستثناء منقطع ، معناه : لكن
من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا فليفعل . ( 1 )
وفي قوله : " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية " أي دلالة ملجئة إلى الايمان
أوبلية قاسرة إليه " فظلت أعناقهم لها خاضعين " أقحمت الاعناق لبيان موضع الخضوع
وترك الخبر على أصله ، وقيل : لما وصفت الاعناق بصفات العقلاء اجريت مجراهم ،
وقيل : المراد بها الرؤساء أو الجماعات " من كل زوج " صنف " كريم " محمود كثير
المنفعة . ( 2 )
وفي قوله : " وإنه لفي زبر الاولين " أي وإن ذكره أو معناه لفي الكتب
المتقدمة " أولم يكن لهم آية " على صحة القرآن أو نبوة محمد صلى الله عليه واله " أن يعلمه علماء
بني إسرائيل " أن يعرفوه بنعته المذكور في كتبهم " ولو نزلناه على بعض الاعجمين "
كما هو زيادة في إعجازه ، أو بلغة العجم " فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين " لفرط عنادهم
واستكبارهم ، أو لعدم فهمهم واستنكافهم من اتباع العجم " كذلك سلكناه " أي
أدخلنا القرآن " وما تنزلت به " أي بالقرآن " الشياطين " كما يزعمه بعض المشركين ( 3 )
" وما ينبغي لهم " إنزال ذلك ولا يقدرون عليه إنهم مصروفون عن استماع القرآن
ممنوعون بالشهب . ( 4 ) " وأنذر عشيرتك الاقربين " الاقرب منهم فالاقرب ، فإن
الاهتمام بشأنهم أهم ، وروي أنه لما نزلت صعد الصفا وناداهم فخذا فخذا حتى
اجتمعوا إليه ، فقال : لو أخبرتكم أن يسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقي ؟ قالوا :
نعم ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . " واخفض جناحك لمن اتبعك
من المؤمنين " لين جانبك لهم ، مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط
" الذي يراك حين تقوم " إلى التهجد " وتقلبك في الساجدين " وترددك في تصفح
أحوال المجتهدين ، كما روي أنه عليه السلام لما نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة
( هامش ص 132 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 168 .
( 2 ) 2 : 173 .
( 3 ) في التفسير المطبوع : كما زعم المشركون انه من قبيل ما يلقى الشياطين على الكهنة .
( 4 ) لم نجد ذلك في انوار التنزيل ، بل هو موجود في مجمع البيان راجعهما .
[133]
ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون ، حرصا على كثرة طاعاتهم ، فوجدها كبيوت الزنابير
لما سمع من دندنتهم بذكر الله والتلاوة ، أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع
والسجود والقعود إذا أممتهم " تنزل على كل أفاك أثيم " لما بين أن القرآن لا
يصح أن يكون مما تنزلت به الشياطين أكد ذلك بأن بين أن محمدا لا يصلح أن يتنزلوا
عليه من وجهين : أحدهما : أنه إنما يكون على شرير كذاب كثير الاثم ، فإن اتصال
الانسان بالغائبات لما بينهما من التناسب والتواد ، وحال محمد صلى الله عليه وآله على خلاف ذلك .
وثانيهما : قوله : " يلقون السمع " أي الافاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون
منهم ظنونا وأمارات لنقصان علمهم ، فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق
أكثرها ، ولا كذلك محمد صلى الله عليه وآله فإنه أخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى ، وقد طابق كلها ،
وقد فسر الاكثر بالكل لقوله : " على كل أفاك " والاظهر أن الاكثرية باعتبار
أقوالهم على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني ، وقيل :
الضمائر للشياطين ، أي يلقون السمع إلى الملا الاعلى قبل أن رجموا فيخطفون منهم
بعض المغيبات ويوحون به إلى أوليائهم ، أو يلقون مسموعهم منهم إلى أوليائهم . ( 1 )
وفي قوله : " بل هم قوم يعدلون " أي عن الحق الذي هو التوحيد . ( 2 ) وفي
قوله " لولا أن تصيبهم مصيبة " لولا الاولى امتناعية ، والثاني تحضيضية ، والمعنى :
لولا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم : ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا
يبلغنا آياتك فنتبعها ونكون من المصدقين ما أرسلناك " هو أهدى منهما " أي مما
انزل على موسى وعلي " ولقد وصلنا لهم القول " أتبعنا بعضه بعضا في الانزال ليتصل
التذكير ، أو في النظم ليتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر . ( 3 )
وفي قوله : " جعل فتنة الناس " أي ما يصيبهم من أذيتهم في الصرف عن الايمان " كعذاب
الله " في الصرف عن الكفر " ولئن جاء نصر من ربك " فتح وغنيمة " ليقولن إنا كنا
معكم " في الدين فأشركونا فيه ، والمراد المنافقون ، أو قوم ضعف إيمانهم فارتدوا من
( هامش ص 133 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 188 - 190 .
( 2 ) : 203 .
( 3 ) : 218 و 219 .
[134]
أذى المشركين " وليحملن أثقالهم " أي أثقال ما اقترفته أنفسهم " وأثقالا مع أثقالهم "
وأثقالا اخر معها لما تسببوا له بالاضلال والحمل على المعاصي من غير أن ينقص من
أثقال من تبعهم شئ . ( 1 )
وفي قوله : " مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء " فيما اتخذوه معتمدا و
متكلا " كمثل العنكبوت اتخذت بيتا " فيما نسجه من الخور ( 2 ) والوهن ، بل ذلك
أوهن ، فان لهذا حقيقة وانتفاعا ما ، أو مثلهم بالاضافة إلى الموحد كمثله بالاضافة
إلى رجل يبني بيتا من حجر وجص ، ويجوز أن يكون المراد ببيت العنكبوت دينهم ،
سماه به تحقيقا للتمثيل ، فيكون المعنى : وإن أوهن مايعتمد به في الدين دينهم . ( 3 )
وفي قوله : " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " أي بالخصلة التي
هي أحسن ، كمعارضة الخشونة باللين ، والغضب بالكظم ، وقيل : منسوخ بآية السيف
إذلا مجادلة أشد منه ، وجوابه أنه آخر الدواء ، وقيل : المراد به ذوو العهد منهم ،
" إلا الذين ظلموا منهم " بالافراط في الاعتداء والعناد ، أو بإثبات الولد ، وقولهم :
يد الله مغلولة ، أو بنبذ العهد ومنع الجزية " فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به "
هم عبدالله بن سلام وأضرابه ، أو من تقدم عهد الرسول من أهل الكتاب " ومن هؤلاء "
أي ومن العرب ، أو أهل مكة ، أو ممن في عهد الرسول من أهل الكتاب . ( 4 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " في صدور الذين اوتوا العلم " : هم
النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنون به ، لانهم حفظوه ووعوه ، وقيل : هم الائمة من آل محمد صلى الله عليه وآله
عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام " ويتخطف الناس من حولهم " أي يقتل الناس بعضهم
بعضا فيما حولهم وهم آمنون في الحرم " أفبالباطل يؤمنون " أي يصدقون بعبادة الاصنام
وهي باطلة مضمحلة . ( 5 )
( هامش ص 134 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 228 و 229 .
( 2 ) الخور : الفتور والضعف .
( 3 ) انوار التنزيل 2 : 234 .
( 4 ) انوار التنزيل 2 : 235 و 236 .
( 5 ) مجمع البيان 8 : 288 و 293 .
[135]
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " وأثاروا الارض " : أي قلبوا وجهها لاستنباط
المياه واستخراج المعادن وزرع البذور وغيرها . ( 1 )
وفي قوله : " ضرب لكم مثلا " في عبادة الاصنام " من أنفسكم " أى منتزعا من
أحواله التي هي أقرب الامور إليكم " هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما
رزقناكم " من الاموال وغيرها " فأنتم فيه سواء " فتكونون سواء أنتم وهم فيه شركاء
يتصرفون فيه كتصرفكم مع أنه بشر مثلكم وأنها معارة لكم " تخافون " هم إن
تستبدوا بتصرف فيه " كخيفتكم أنفسكم " كما تخاف الاحرار بعضهم من بعض
" كذلك نفصل الآيات " نبينها " لقوم يعقلون " يستعملون عقولهم في تدبر الامثال
" ليكفروا بما آتيناهم " اللام فيه للعاقبة ، وقيل : للامر بمعنى التهديد ، كقوله :
" فتمتعوا " غير أنه التفت فيه مبالغة " فسوف تعلمون " عاقبة تمتعكم " أم أنزلنا عليهم
سلطانا " أي حجة ، وقيل : ذا سلطان ، أي ملكا معه برهان " فهو يتكلم " تكلم دلالة ،
كقوله : " كتابنا ينطق عليكم بالحق " أو نطق " بما كانوا به يشركون " بإشراكهم و
صحته ، أو بالامر الذي بسببه يشركون في الوهيته . ( 2 )
وفي قوله : " فرأوه مصفرا " أي فرأوا الاثر أو الزرع ، فإنه مدلول عليه بما
تقدم ، وقيل : السحاب ، لانه إذا كان مصفرا لم يمطر " فإنك لا تسمع الموتى " و
الكفار مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم " ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا
مدبرين " قيد الحكم به ليكون أشد استحالة ، فإن الاصم المقبل وإن لم يسمع
الكلام تفطن منه بواسطة الحركات شيئا " وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم " سماهم
عميا لفقدهم المقصود الحقيقي من الابصار ، أو لعمى قلوبهم " ولا يستخفنك " أي ولا
يحملنك على الخفة والقلق " الذين لا يوقنون " بتكذيبهم . ( 3 )
وقال الطبرسي رحمه الله : نزل قوله : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث "
في النضر بن الحارث ، كان يتجر فيخرج إلى فارس فيشتري أخبار الاعاجم ويحدث
بها قريشا ، ويقول لهم : إن محمدا صلى الله عليه وآله يحدثكم بحديث عاد وثمود ، وأنا احدثكم
( هامش ص 135 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 241 .
( 2 ) : 245 و 246 .
( 3 ) : 249 و 251 .
[136]
بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الاكاسرة ، فيستملحون حديثه ويتركون استماع
القرآن ، عن الكلبي ، وقيل : نزل في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا ونهارا ، عن ابن
عباس ، وأكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء ، وهو قول ابن عباس و
ابن مسعود وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله وأبي الحسن الرضا صلوات الله
عليهم ، قالوا : منه الغناء .
وروي أيضا عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : هو الطعن في الحق والاستهزاء به
وما كان أبوجهل وأصحابه يجيؤون به ، إذ قال : يا معشر قريش ألا اطعمكم من الزقوم
الذي يخوفكم به صاحبكم ؟ ثم أرسل إلى زبد وتمر وقال : هذا هو الزقوم الذي
يخوفكم به ، قال أبوعبدالله عليه السلام : ومنه الغناء ، فعلى هذا فإنه يدخل فيه كل شئ
يلهي عن سبيل الله وعن طاعته " ويتخذها " أي آيات القرآن أو سبيل الله " هزوا " يستهزئ
بها " كأن في اذنيه وقرا " أي ثقلا يمنعه عن سماع الآيات . ( 1 )
وفي قوله : " بغير عمد ترونها " إذ لو كان لها عمد لرأيتموها ، لانها لو كانت تكون
أجساما عظاما حتى يصح منها أن تقل السماوات ، ولو كانت كذلك لاحتاجت إلى
عمد آخر ، فكان يتسلسل ، فإذا لا عمد لها ، وقيل : إن المراد بغير عمد مرئية ، والمعنى
أن لها عمدا لا ترونها " وألقى في الارض رواسي " أي جبالا ثابتة " أن تميد بكم " أي
كراهة أن تميد بكم . ( 2 )
وفي قوله : " أولو كان الشيطان يدعوهم " جواب لو محذوف ، تقديره : أولو كان
الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير لاتبعوهم " ومن يسلم وجهه إلى الله " أي ومن يخلص
دينه لله ويقصد في أفعاله التقرب إلى الله " وهو محسن " فيها فيفعلها على موجب العلم و
مقتضى الشرع " فقد استمسك بالعروة الوثقى " أي فقد تعلق بالعروة الوثيقة التي لا انفصام
لها " وإلى الله عاقبة الامور " أي وإلى الله يرجع أواخر الامور على وجه لا يكون لاحد
التصرف فيها بالامر والنهي . ( 3 )
( هامش ص 136 ) ( 1 ) مجمع البيان 8 : 313 و 314 .
( 2 ) : 314 .
( 3 ) : 320 و 321 :
[137]
وفي قوله : " كالظلل " شبه الموج بالسحاب الذي يركب بعضه على بعض ، و
قيل : يريد كالجبال " فمنهم مقتصد " أي عدل في الوفاء في البر بما عاهد الله عليه في
البحر من التوحيد له ، روى السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : لما كان يوم
فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه واله الناس إلا أربعة نفر قال : اقتلوهم وإن وجدتموهم
متعلقين بأستار الكعبة : عكرمة بن أبي جهل ، وعبدالله بن أخطل ، وقيس بن سبابة ،
وعبدالله بن أبي سرح ، فأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصفة ، فقال أهل
السفينة : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا ، فقال عكرمة : لئن لم ينجني
في البحر إلا الا خلاص ما ينجني في البر غيره ، اللهم إن لك علي عهدا إن أنت
عافيتني مما أنا فيه إني آتي محمدا حتى أضع يدي في يده ، فلاجدنه عفوا كريما ،
فجاء فأسلم . والختر : أقبح الغدر . ( 1 )
وفي قوله : " ما ( أتهم ؟ ) من نذير من قبلك " يعني قريشا ، إذ لم يأتهم نبي قبل
نبينا صلى الله عليه واله ، وإن أتى غيرهم من قبائل العرب مثل خالد بن سنان العبسي ، وقيل : يعني
أهل الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله لم يأتهم نبي قبله " في ستة أيام " أي فيما قدره
ستة أيام " ثم استوى على العرش " بالقهر والاستعلاء . ( 2 )
وفي قوله : " اولئك لهم عذاب من رجز " أي سئ العذاب " أفلم يروا إلى ما
بين أيديهم وما خلفهم من السماء والارض " كيف أحاطت بهم وذلك أن الانسان حيثما
نظر رأى السماء والارض قدامه وخلفه وعن يمينه وشماله ، فلا يقدر على الخروج
منها " كسفا " من السماء أي قطعة منها تغطيهم وتهلكهم . ( 3 )
" وما له منهم من ظهير " أي ليس له سبحانه منهم معاون على خلق السماوات
والارض ولا على شئ من الاشياء " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " إنما
قال ذلك على وجه الانصاف في الحجاج دون الشك ، كما يقول القائل : أحدنا كاذب ،
وإن كان هو عالما بالكاذب " ثم يفتح بيننا " أي يحكم بالحق . ( 4 )
( هامش ص 137 ) ( 1 ) مجمع البيان 8 : 323 .
( 2 ) 8 : 325 و 326 .
( 3 ) 8 : 377 و 379 .
( 4 ) 8 : 389 و 390 .
[138]
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " قل أروني الذين ألحقتم به شركاء " : أي لارى بأي
صفة ألحقتموهم بالله في استحقاق العبادة ؟ وهو استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم
زيادة في تبكيتهم " وما أرسلناك إلا كافة للناس " أي إلا رسالة عامة لهم ، من الكف
فإنها إذا عمتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم ، أو إلا جامعا لهم في الابلاغ ، فهي
حال من الكاف والتاء للمبالغة " وما آتيناهم من كتب يدرسونها " فيها دليل على صحة
الاشراك " وما أرسلنا إليهم من قبلك من نذير " يدعوهم إليه وينذرهم على تركه ، و
قد بان من قبل أن لا وجه له فمن أين وقع لهم هذه الشبهة ؟ " قل إنما أعظكم بواحدة "
ارشدكم وأنصح لكم بخصلة واحدة هي ما دل عليه " أن تقوموا لله " وهو القيام من
مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو الانتصاب في الامر خالصا لوجه الله معرضا عن المراء و
التقليد " مثنى وفرادى " متفرقين اثنين اثنين ، وواحدا واحدا ، فإن الازدحام يشوش
الخاطر ويخلط القول " ثم تتفكروا " في أمر محمد صلى الله عليه وآله وما جاء به لتعلموا حقيقته " ما
بصاحبكم من جنة " فتعلموا ما به جنون يحمله على ذلك ، أو استيناف منبه لهم ،
على أن ما عرفوا من رجاحة عقله كاف في ترجيح صدقه ، فإنه لا يدعه أن يتصدى
لادعاء أمر خطير من غير وثوق ببرهان فيفتضح على رؤوس الاشهاد ويلقي نفسه إلى
الهلاك ، فكيف وقد انضم إليه معجزات كثيرة ؟ ! وقيل : ما استفهامية ، والمعنى : ثم
تتفكروا أي شئ به من آثار الجنون ؟ " قل ما سألتكم من أجر " أي شئ سألتكم من
أجر على الرسالة " فهو لكم " والمراد نفي السؤال ، وقيل : ما موصولة يراد بها ما سألهم


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 138 سطر 18 الى ص 146 سطر 18

بقوله : " ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " ( 1 ) وقوله :
" لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " ( 2 ) واتخاذ السبيل ينفعهم ، وقرباه قرباهم
" قل إن ربي يقذف بالحق " يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده أو يرمي الباطل
فيدمغه ، أو يرمي به إلى أقطار الارض فيكون وعدا بإظهار الاسلام " وما يبدئ الباطل
وما يعيد " أي زهق الباطل أي الشرك بحيث لم يبق له أثر مأخوذ من هلاك الحي ، فانه إذا
هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة ، وقيل : الباطل : إبليس أو الصنم ، والمعنى : لا ينشئ خلقا
( هامش ص 138 ) ( 1 ) الفرقان : 57 . ( 2 ) الشورى : 23 .
[139]
ولا يعيده ، أو لا يبدئ خيرا لاهله ولا يعيده ، وقيل : ما استفهامية منتصبة بما بعده . ( 1 )
وفي قوله : " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا " أي كمن لم يزين له بل وفق
حتى عرف الحق واستحسن الاعمال واستقبحها على ما هي عليه ، فحذف الجواب
لدلالة " فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء " وقيل : تقديره : أفمن زين له سوء
عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة ؟ فحذف الجواب لدلالة " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات "
عليه ، ومعناه : فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب
" ما يملكون من قطمير " هو لفافة النواة " ولو سمعوا " على سبيل الفرض " ما استجابوا
لكم " لعدم قدرتهم على الانفاع ، أو لتبريهم منكم مما تدعون لهم " ويوم القيمة
يكفرون بشرككم " بإشراككم لهم يقرون ببطلانه ، أو يقولون : ما كنتم إيانا
تعبدون " ولا ينبئك مثل خبير " ولا يخبرك بالامر مخبر مثل خبير عالم به أخبرك و
هو الله سبحانه ، فإنه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين " وما يستوي الاعمى
والبصير " الكافر والمؤمن ، وقيل : مثلان للصنم ولله عزوجل " ولا الظلمات ولا النور " ولا
الباطل ولا الحق " ولا الظل ولا الحرور " ولا الثواب ولا العقاب " وما يستوي الاحياء ولا
الاموات " تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من الاول ، ولذلك كرر الفعل ، و
قيل : للعلماء والجهلاء " إن الله يسمع من يشاء " هدايته فيوفقه لفهم آياته والاتعاظ
بعظاته " وما أنت بمسمع من في القبور " ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالاموات
ومبالغة في إقناطه عنهم " بالبينات " بالمعجزات الشاهدة على نبوتهم " وبالزبر " كصحف
إبراهيم " وبالكتاب المنير " كالتوراة والانجيل على إرادة التفصيل دون الجمع ، ويجوز
أن يراد بهما واحد والعطف لتغاير الوصفين " أم آتيناهم كتابا ينطق " على أنا اتخذنا
شركاء " فهم على بينة منه " على حجة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية ،
ويجوز أن يكون ( هم ) للمشركين " ولا يحيق " أي لا يحيط " فهل ينظرون " ينتظرون
" إلا سنة الاولين " سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم " فلن تجد لسنة الله تبديلا " ولن
( هامش ص 139 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 290 و 293 - 295 .
[140]
تجد لسنة الله تحويلا " أي لا يبدلها بجعل غير التعذيب تعذيبا ولا يحولها بأن ينقله
من المكذبين إلى غيرهم . ( 1 )
وفي قوله : " وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم " الوقائع التي خلت
والعذاب المعد في الآخرة أو نوازل السماء ونوائب الارض ، كقوله : " أفلم يروا إلى
ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والارض " أو عذاب الله وعذاب الآخرة ، أو
عكسه ، أو ما تقدم من الذنوب وما تأخر " وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله " على
محاويجكم " قال الذين كفروا " بالصانع يعني معطلة كانوا بمكة " للذين آمنوا " تهكما
بهم من إقرارهم به وتعليقهم الامور بمشيته " أنطعم من لو يشاء الله أطعمه " على زعمكم
وقيل : قاله مشركو قريش حين استطعمهم فقراء المؤمنين ، إيهاما بأن الله لما كان
قادرا أن يطعمهم ولم يطعمهم فنحن أحق بذلك ، وهذا من فرط جهالتهم ، فإن الله
تعالى يطعم بأسباب منها حث الاغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم له . ( 2 )
" وما علمناه الشعر " رد لقولهم : إن محمدا صلى الله عليه وآله شاعر ، أي ما علمناه الشعر
بتعليم القرآن فإنه غير مقفى ولا موزون ، وليس معناه ما يتوخاه ( 3 ) الشعراء من
التخيلات المرغبة والمنفرة " وما ينبغي له " وما يصح له الشعر ولا يتأتى له إن أراد
قرضه على ما اختبرتم طبعه نحوا من أربعين سنة ، وقوله :
أنا النبي لا كذب * وأنا ابن عبدالمطلب
وقوله :
هل أنت إلا إصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت
اتفاقي من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك ، وقد يقع كثيرا في تضاعيف
المنثورات ، على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعرا ، هذا وقد روي أنه حرك
البائين وكسر التاء الاولى بلا إشباع ، وسكن الثانية ، وقيل : الضمير للقرآن ، أي
وما يصح للقرآن أن يكون شعرا " إن هو إلا ذكر " عظة وإرشاد من الله " وقرآن
( هامش ص 140 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 297 و 300 و 301 و 305 .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 313 .
( 3 ) توخى الامر : تعمده وتطلبه دون سواه .
[141]
مبين " وكتاب سماوي يتلى في المعابد ظاهر أنه ليس كلام البشر لما فيه من الاعجاز
" لينذر " القرآن أو الرسول " من كان حيا " عاقلا فهما ، فإن الغافل كالميت ، أو
مؤمنا في علم الله ، فإن الحياة الابدية بالايمان ، وتخصيص الانذار به لانه المنتفع
به " ويحق القول " ويجب كلمة العذاب على الكافرين " المصرين على الكفر
" واتخذوا من دون الله آلهة " أشركوها به في العبادة " لعلهم ينصرون " رجاء أن
ينصروهم فيما حزبهم من الامور ( 1 ) والامر بالعكس ، لانه " لا يستطيعون نصرهم
وهم لهم جند محضرون " معدون لحفظهم والذب عنهم ، أو محضرون أثرهم في
النار . ( 2 )
وفي قوله : " فاستفتهم " أي فاستخبرهم ، والضمير لمشركي مكة ، أو لبني آدم
" أهم أشد خلقا أم من خلقنا " يعني ما ذكر من الملائكة والسماء والارض وما بينهما و
المشارق والكواكب والشهب الثواقب ، ومن لتغليب العقلاء " إنا خلقناهم من طين
لازب " والمراد إثبات المعاد ورد استحالتهم بأن استحالة ذلك إما لعدم قابلية المادة
ومادتهم الاصلية هي الطين اللازب الحاصل من ضم الجزء المائي إلى الجزء الارضي
وهما باقيان قابلان للانضمام بعد ، وقد علموا أن الانسان الاول إنما تولد منه ،
إما لاعترافهم بحدوث العالم ، أو بقصة آدم على نبينا وآله وعليه السلام ، وشاهدوا
تولد كثير من الحيوانات منه بلا توسط مواقعة ، فلزمهم أن يجوزوا إعادتهم كذلك ، وإما
لعدم قدرة الفاعل ، فإن من قدر على خلق هذه الاشياء قدر على ما لا يعتد به
بالاضافة إليها ، سيما ومن ذلك بدأهم أولا ، وقدرته ذاتية لا تتغير " بل عجبت "
من قدرة الله وإنكارهم البعث " ويسخرون " من تعجبك وتقريرك للبعث . ( 3 )
" وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا " يعني الملائكة ، ذكرهم باسم جنسهم وضعا
( هامش ص 141 ) ( 1 ) من حزبه الويل : أصابه واشتد عليه .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 317 .
( 3 ) : 321 .
[142]
منهم أن يبلغوا هذه المرتبة ، وقيل : قالوا : إن الله صاهر الجن فخرجت الملائكة ،
وقيل : قالوا : الله والشيطان أخوان " ولقد علمت الجنة أنهم " أن الكفرة أو الانس
أوالجنة إن فسرت بغير الملائكة " لمحضرون " في العذاب " سبحان الله عما يصفون "
من الولد والنسب " إلا عباد الله المخلصين " استثناء من المحضرين منقطع أو متصل إ ن
فسر الضمير بما يعمهم وما بينهما اعتراض ، أو من يصفون " فإنكم وما تعبدون " عود
إلى خطابهم ما أنتم عليه " أي على الله " بفاتنين " مفسدين الناس بإغوائهم " إلا من هو صال
الجحيم " إلا من سبق في علم الله تعالى أنه من أهل النار ويصلاها لا محالة ، و ( أنتم ) ضمير
لهم ولآلهتهم ، غلب فيه المخاطب على الغائب ، ويجوز أن يكون " وما تعبدون " لما
فيه من معنى المقارنة سادا مسد الخبر ، أي أنكم وآلهتكم قرناء لا تزالون تعبدونها
ما أنتم على ما تعبدونه بفاتنين بباعثين على طريق الفتنة إلا ضالا مستوجبا للنار مثلكم
" وما منا إلا له مقام معلوم " حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية للرد على عبدتهم ،
والمعنى : وما منا أحد إلا له مقام معلوم في المعرفة والعبادة والانتهاء إلى أمر الله في
تدبير العالم ، ويحتمل أن يكون هذا وما قبله من قوله : " سبحان الله " من كلامهم
ليتصل بقوله : " ولقد علمت الجنة " .
" وإنا لنحن الصافون " في أداء الطاعة ومنازل الخدمة " وإنا لنحن المسبحون "
المنزهون الله عما لا يليق به " وإن كانوا ليقولون " يعني مشركي قريش " لو أن عندنا
ذكرا من الاولين " كتابا من الكتب التي نزلت عليهم " لكنا عباد الله المخلصين "
لاخلصنا العبادة له ولم نخالف مثلهم " فكفروا به " أي لما جاءهم الذكر الذي هو
أشرف الاذكار والمهيمن عليها " فسوف يعلمون " عاقبة كفرهم " فتول عنهم حتى حين "
أي يوم بدر ، وقيل : يوم الفتح " وأبصرهم " على ما ينالهم حينئذ " فسوف يبصرون "
ما قضينا لك من التأييد والنصرة والثواب في الآخرة " أفبعذابنا يستعجلون "
روي أنه لما نزل " فسوف يبصرون " قالوا متى هذا ؟ فنزل " فإذا نزل بساحتهم "
فإذا نزل العذاب بفنائهم " فساء صباح المنذرين " أي فبئس صباح المنذرين صباحهم . ( 1 )
( هامش ص 142 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 235 و 236 .
[143]
وفي قوله : " في عزة " أي استكبار عن الحق " وشقاق " خلاف لله ولرسوله " فنادوا "
استغاثة أو توبة واستغفارا " ولات حين مناص " أي ليس الحين حين مناص و ( لا ) هي
المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد ، وقيل : هي النافية للجنس أي ولا حين
مناص لهم ، وقيل : للفعل والنصب بإضماره أي ولا أرى حين مناص . ( 1 )
وقال الطبرسي رحمه الله : قال المفسرون : إن أشراف قريش وهم خمسة و
عشرون . منهم : الوليد بن المغيرة وهو أكبرهم وأبوجهل وابي وامية ابنا خلف وعتبة
وشيبة ابنا ربيعة والنضر بن الحارث أتوا أبا طالب وقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا وقد
أتيناك تقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فإنه سفه أحلامنا ، وشتم آلهتنا ، فدعا أبوطالب
رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : يابن أخي هؤلاء قومك يسألونك ، فقال : ماذا يسألونني ؟ قالوا :
دعنا وآلهتنا ندعك وإلهك ، فقال صلى الله عليه وآله : أتعطونني كلمة واحدة تملكون بها العرب
والعجم ؟ فقال له أبوجهل : لله أبوك نعطيك ذلك وعشر أمثالها ، فقال : قولوا : لا إله
إلا الله ، فقاموا وقالوا : " أجعل الآلهة إلها واحدا " فنزلت هذه الآيات .
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله استعبر ( 2 ) ثم قال : يا عم والله لو وضعت الشمس في
يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا القول حتى انفذه أو اقتل دونه ، فقال له
أبوطالب : امض لامرك فوالله لا أخذلك أبدا . ( 3 )
وقال البيضاوي : " وانطلق الملا منهم " أي وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي
طالب بعد ما بكتهم ( 4 ) رسول الله صلى الله عليه وآله " أن امشوا واصبروا " واثبتوا ( 5 ) " على آلهتكم "
على عبادتها " إن هذا لشئ يراد " إن هذا الامر لشئ من ريب الزمان يراد بنا فلا
مرد له ، أو إن هذا الرأي الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده من الرياسة والترفع
على العرب والعجم لشئ يتمنى أو يريده كل أحد ، أو إن دينكم يطلب ليؤخذ منكم
( هامش ص 143 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 237 .
( 2 ) أى جرت عبرته ، والعبرة : الدمعة .
( 3 ) مجمع البيان 8 : 465 .
( 4 ) أى غلبهم بالحجة .
( 5 ) في المصدر هكذا : " أن امشوا " قائلين بعضهم لبعض : امشوا " واصبروا " واثبتوا .
[144]
" ماسمعنا بهذا " بالذي يقوله " في الملة الآخرة " في الملة التي أدركنا عليه أباءنا ،
أو في ملة عيسى التي هو آخر الملل ، فإن النصارى يثلثون ، ويجوز أن يكون حالا
من هذا ، أي ما سمعنا من أهل الكتاب ولا الكهان بالتوحيد كائنا في الملة المترقبة
" إن هذا إلا اختلاق " كذب اختلقه " أم عندهم خزائن رحمة ربك " بل أعندهم خزائن
رحمته وفي تصرفهم حتى يتخيروا للنبوة من شاؤوا " أم لهم ملك السموات " أي ليس
لهم مدخل في أمر هذا العالم الجسماني الذي هو جزء يسير من خزائنه ، فمن أين لهم
أن يتصرفوا فيها ؟ " فليرتقوا في الاسباب " أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في المعارج التي
يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم فينزلوا الوحي إلى من
يستصوبونه ، والسبب في الاصل : هو الوصلة ، وقيل : المراد بالاسباب السماوات لانها
أسباب الحوادث السفلية " جند ما هنالك مهزوم من الاحزاب " أي هم جند ما من
الكفار المتحزبين على الرسل ، مهزوم مكسور عما قريب ، فمن أين لهم التدابير
الالهية ؟ أو فلا تكترث ( 1 ) بما يقولون . ( 2 )
" قل هو نبأ عظيم " أي ما أنبأتكم به من أني نذير من عقوبة من هذه صفته و
إنه واحد في الالوهية ، وقيل : ما بعده من نبأ آدم " ما كان لي من علم بالملا الاعلى
إذ يختصمون " فإن إخباره عن تقاول الملائكة وما جرى بينهم على ما وردت في الكتب
المتقدمة من غير سماع ومطالعة كتاب لا يتصور إلا بالوحي . ( 3 ) " وما أنا من
المتكلفين " المتصنعين بما لست من أهله على ما عرفتم من حالي فأنتحل النبوة و
أتقول القرآن " بعد حين " بعد الموت ، أو يوم القيامة ، أو عند ظهور الاسلام . ( 4 )
وفي قوله : " والذين اتخذوا من دونه أولياء " يحتمل المتخذين من الكفرة ،
والمتخذين من الملائكة وعيسى والاصنام ، على حذف الراجع ، وإضمار المشركين
من غير ذكر لدلالة المساق عليهم ، وهو مبتدء خبره على الاول : " ما نعبدهم إلا
ليقربونا إلى الله زلفى " بإضمار القول ، أو " إن الله يحكم بينهم " وهو متعين على الثاني ،
( هامش ص 144 ) ( 1 ) أى لا تعبأ به ولا تباله . ( 2 ) انوار التنزيل 2 : 339 .
( 3 ) انوار التنزيل 2 : 350 . ( 4 ) 2 : 352 .
[145]
وعلى هذا يكون القول المضمر بما في حيزه حالا أو بدلا من الصلة ، وزلفى مصدر
أو حال " لو أراد الله أن يتخذ ولدا " كما زعموا " لاصطفى مما يخلق ما يشاء " إذ لا
موجود سواه إلا وهو مخلوقه لقيام الدلالة على امتناع وجود واجبين ، ووجوب استناد
ما عدا الواجب إليه ، ومن البين أن المخلوق لا يماثل الخالق فيقوم مقام الولد له .
ثم قرر ذلك بقوله سبحانه : " هو الله الواحد القهار " فإن الالوهية الحقيقية تتبع
الوجوب المستلزم للوحدة الذاتية ، وهي تنافي المماثلة فضلا عن التولد ، لان كل
واحد من المثلين مركب من الحقيقة المشتركة والتعين المخصوص ، والقهارية المطلقة
تنافي قبل الزوال المحوج إلى الولد ( 1 ) " نسي ما كان يدعو إليه " أي نسي الضر الذي
كان يدعو الله إلى كشفه ، أو ربه الذي كان يتضرع إليه . ( 2 )
" أفمن شرح الله " خبره محذوف دل عليه قوله : " فويل للقاسية قلوبهم من
ذكر الله " أي من أجل ذكره . ( 3 )
" ضرب الله مثلا " للمشرك والموحد " رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما
لرجل " مثل المشرك - على ما يدعيه مذهبه ( 4 ) من أن يدعي كل واحد معبوديه
عبوديته ويتنازعوا فيه - بعبد يتشارك فيه جمع يتجاذبونه ويتعاورونه في المهام المختلفة
في تحيره وتوزع قلبه ، والموحد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل . ( 5 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " ويخوفونك بالذين من دونه " : كانت
الكفار تخيفه بالاوثان التي كانوا يعبدونها ، قالوا : أما تخاف أن تهلكك آلهتنا ؟ ( 6 )
وقيل : إنه لما قصد خالد لكسر العزى بأمر النبي صلى الله عليه وآله قالوا : إياك يا خالد فبأسها
شديد ! فضرب خالد أنفها بالفأس فهشمها فقال :
كفرانك يا عزى لا سبحانك * سبحان من أهانك . ( 7 )
( هامش ص 145 ) ( 1 ) أنوار التنزيل 2 : 352 . ( 2 ) أنوار التنزيل 2 : 354 .
( 3 ) 2 : 357 . ( 4 ) في المصدر : على ما يقتضيه مذهبه .
( 5 ) 2 : 358 . ( 6 ) : إنا نخاف أن تهلكك آلهتنا .
( 7 ) في المصدر زيادة وهى : انى رأيت الله قد أهانك . راجع مجمع البيان 8 : 499 .
[146]
" أولو كانوا لا يملكون شيئا " من الشفاعة " ولا يعقلون " جواب هذا الاستفهام
محذوف ، أي أولو كانوا بهذه الصفة تتخذونهم شفعاء وتعبدونهم راجين شفاعتهم ؟
" قل لله الشفاعة جميعا " أي لا يشفع أحد إلا بإذنه " وإذا ذكر الله وحده اشمأزت "
أي نفرت ، وقيل : انقبضت . ( 1 )
وقال البيضاوي : " واتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم " أي القرآن ،
أو المأمور به دون المنهي عنه ، أو العزائم دون الرخص ، أو الناسخ دون المنسوخ ، و
لعله ما هو أنجى وأسلم كالانابة والمواظبة على الطاعة . ( 2 ) " إن الذين يجادلون في
ايات الله " عام في كل مجادل مبطل وإن نزلت في مشركي مكة أو اليهود حين قالوا :
لست صاحبنا ، بل هو المسيح بن داود ، يبلغ سلطانه البر والبحر ، وتسير معه الانهار
" إن في صدورهم إلا كبر " إلا تكبر عن الحق ، وتعظم عن التفكر والتعلم ، أو
إرادة الرياسة ، أو أن النبوة والملك لا يكون إلا لهم " ما هم ببالغيه " ببالغي دفع
الآيات أو المراد " لخلق السموات والارض أكبر من خلق الناس " فمن قدر على خلقها
أولا من غير أصل قدر على خلق الانسان ثانيا من أصل . ( 3 )
" فإذا جاء أمر الله " أي بالعذاب في الدنيا والآخرة " قضي بالحق " بإنجاء
المحق وتعذيب المبطل " وخسر هنالك المبطلون " المعاندون باقتراح الآيات بعد
ظهور ما يغنيهم عنها . ( 4 )
وفي قوله : قلوبنا أكنة " أي في أغطية ، وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن
إدراك ما يدعوهم إليه واعتقاده ، ومج أسماعهم له ، وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 146 سطر 19 الى ص 154 سطر 18

" فاعمل " على دينك ، أو في إبطال أمرنا " إننا عاملون " على ديننا ، أو في إبطال
أمرك ( 5 ) .
وقال الطبرسي رحمه الله : قيل : إن أبا جهل رفع ثوبه بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله
( هامش ص 146 ) ( 1 ) مجمع البيان 8 : 501 . ( 2 ) انوار التنزيل 2 : 363 .
( 3 ) انوار التنزيل 2 378 . ( 4 ) 2 : 381 .
( 5 ) 2 : 383 .
[147]
فقال : يا محمد أنت من ذاك الجانب ، ونحن من هذا الجانب ، فاعمل أنت على دينك و
مذهبك ، إننا عاملون على ديننا ومذهبنا . " فاستقيموا إليه " أي لا تميلوا عن سبيله
وتوجهوا إليه بالطاعة . ( 1 )
وفي قوله : " والغوا فيه " أي عارضوه باللغو والباطل وبما لا يعتد به من الكلام .
" لعلكم تغلبون " أي لتغلبوه باللغو والباطل ، ولا يتمكن أصحابه من الاستماع ،
وقيل : الغوا فيه بالتخليط في القول والمكاء والصفير ، وقيل : معناه : ارفعوا أصواتكم في
وجهه بالشعر والرجز ، عن ابن عباس والسدي : لما عجزوا عن معارضة القرآن احتالوا في اللبس على غيرهم وتواصوا بترك استماعه والالغاء عند قراءته . ( 2 )
وقال البيضاوي في قوله : " وما ( يلقيها ؟ ) " : أي ما يلقى هذه السجية وهي مقابلة
الاساءة بالاحسان " إلا الذين صبروا " فإنها تحبس النفس عن الانتقام " وما ( يلقيها ؟ )
إلا ذو حظ عظيم " من الخير وكمال النفس ، وقيل : الحظ العظيم : الجنة . ( 3 )
" ولو جعلناه قرآنا أعجميا " جواب لقولهم : هلا نزل القرآن بلغة العجم " لقالوا
لولا فصلت آياته " بينت بلسان نفقهه " ءأعجمي وعربي " أكلام أعجمي ومخاطب عربي ؟
إنكار مقرر للتخصيص " اولئك ينادون من مكان بعيد " هو تمثيل لهم في عدم قبولهم و
استماعهم له بمن تصيح به من مسافة بعيدة . ( 4 )
" شرع لكم من الدين " أي شرع لكم دين نوح - على نبينا وآله وعليه السلام -
ومحمد صلى الله عليه وآله ومن بينهما من أرباب الشرائع عليهم الصلاة والسلام ، وهو أصل المشترك
فيما بينهم المفسر بقوله : " أن أقيموا الدين " وهو الايمان بما يجب تصديقه والطاعة
في أحكام الله " ولا تتفرقوا فيه " ولاتختلفوا في هذا الاصل ، أما فروع الشرائع فمختلفة
" وما تفرقوا " يعني الامم السالفة ، وقيل : أهل الكتاب " وإن الذين اورثوا الكتاب
من بعدهم " يعني أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو المشركين الذين
اورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب " فلذلك " أي فلاجل ذلك التفرق ، أو الكتاب
( هامش ص 147 ) ( 1 ) مجمع البيان : 9 : 4 . ( 2 ) مجمع البيان 9 : 11 .
( 3 ) انوار التنزيل 2 : 389 . ( 4 ) انوار التنزيل 2 : 390 .
[148]
أو العلم الذي اوتيته " لا حجة بيننا وبينكم " أي لا حجاج بمعنى لا خصومة ، إذ الحق قد ظهر ولم يبق للمخاصمة مجال " والذين يحاجون في الله " في دينه " من بعد ما
استجيب له " من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا فيه ، أو من بعد ما استجاب الله لرسوله
فأظهر دينه بنصره يوم بدر ، أو من بعدما استحاب له أهل الكتاب بأن أقروا بنبوته
واستفتحوا به " حجتهم داحضة " زائلة باطلة . ( 1 )
" فإن يشأ الله يختم على قلبك " استبعاد للافتراء عن مثله بالاشعار على أنه
إنما يجترئ عليه من كان مختوما على قلبه ، جاهلا بربه ، وكأنه قال : إن يشأ الله
خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه ، وقيل : " يختم على قلبك " يمسك القرآن
والوحي عنه أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم . ( 2 )
" وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " يعني ما أوحى إليه وسماه روحا لان
القلوب تحيى به ، وقيل : جبرئيل عليه السلام ، والمعنى : أرسلناه إليك بالوحي " ما كنت
تدري ما الكتاب ولا الايمان " أي قبل الوحي ، وهو دليل على أنه لم يكن متعبدا
قبل النبوة بشرع ، وقيل : المراد هو الايمان بما لا طريق إليه إلا السمع " ولكن
جعلناه نورا " أي الروح ، أو الكتاب ، أو الايمان . ( 3 )
وفي قوله : " وإنه " عطف على إنا " في ام الكتاب " في اللوح المحفوظ ، فإنه
أصل الكتب السماوية " لدينا " محفوظا عندنا عن التغيير " لعلي " رفيع الشأن في
الكتب السماوية ، لكونه معجزا من بينها " حكيم " ذو حكمة بالغة ، أو محكم لا ينسخه
غيره " أفنضرب عنكم الذكر صفحا " أفنذوده ونبعده عنكم ، مجاز من قولهم : ضرب
الغرائب عن الحوض ، والفاء للعطف على محذوف ، أي أنهملكم فنضرب عنكم الذكر ؟
وصفحا مصدر من غير لفظه ، فإن تنحية الذكر عنهم إعراض ، أو مفعول له ، أو حال
بمعنى صافحين " وأصله أن تولي الشئ صفحة عنقك ، وقيل : إنه بمعنى الجانب فيكون
ظرفا " إن كنتم " أي لئن كنتم " فأهلكنا أشد منهم بطشا " أي من القوم المسرفين ،
( هامش ص 148 ) ( 1 ) أنوار التنزيل 2 : 395 و 396 .
( 2 ) 2 : 398 .
( 3 ) 2 : 402 .
[149]
لانه صرف الخطاب عنهم إلى الرسول صلى الله عليه وآله مخبرا عنهم " ومضى مثل الاولين " وسلف
في القرآن قصتهم العجيبة ، وفيه وعد للرسول صلى الله عليه وآله ، ووعيد لهم بمثل ما جرى على
الاولين " وجعلوا له من عباده جزء " أي ولدا فقالوا : الملائكة بنات الله ، ولعله سماه
جزء كما سمي بعضا لانه بضعة من الوالد ، دلالة على استحالته على الواحد الحق
في ذاته " وهو كظيم " مملوء قلبه من الكرب " أومن ينشؤ في الحلية " أي أوجعلوا له ،
أو اتخذ من يتربى في الزينة يعني البنات " وهو في الخصام " في المجادلة " غير مبين "
مقرر لما يدعيه من نقصان العقل وضعف الرأي " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن
إناثا " كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم ، وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على
الله أنقصهم رأيا وأخسهم صنفا " أشهدوا خلقهم " أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم
إناثا ؟ فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة . ( 1 )
" كتابا من قبله " أي من قبل القرآن " قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه
آباءكم " أي أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم ، وهو حكاية
أمر ماض اوحي إلى النذير ، أو خطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله ، ويؤيد الاول أنه قرأ ابن
عامر وحفص قال : وقوله : " قالوا إنا بما ارسلتم به كافرون " : أي وإن كان أهدى
إقناطا للنذير من أن ينظروا ويتفكروا فيه " بل متعت هؤلاء " المعاصرين للرسول من
قريش " وآباءهم " بالمد في العمر والنعمة فاغتروا بذلك وانهمكوا في الشهوات . ( 2 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على
رجل من القريتين عظيم " يعنون بالقريتين مكة والطائف ، وبالرجل منهما الوليد بن
المغيرة من مكة وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف ، وقيل : عتبة بن ربيعة من مكة
وابن عبدياليل من الطائف ، وقيل : الوليد بن المغيرة من مكة وحبيب بن عمرو
الثقفي من الطائف ، عن ابن عباس ، وإنما قالوا : ذلك لان الرجلين كانا عظيمين
في قومهما وذوي الاموال الجسيمة فيهما ، فدخلت الشبهة عليهم حتى اعتقدوا أن من
كان كذلك كان أولى بالنبوة ، فقال سبحانه ردا عليهم : " أهم يقسمون رحمة ربك "
( هامش ص 149 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 402 - 405 . ( 2 ) أنوار التنزيل 2 : 406 و 407 .
[150]
يعني النبوة بين الخلق ، ثم قال : " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا " أي نحن
قسمنا الرزق في المعيشة على حسب ما علمنا من مصالح عبادنا ، فليس لاحد أن يتحكم
في شئ من ذلك ، فكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق فكذلك اصطفينا للرسالة
من شئنا " ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " أي أفقرنا البعض وأغنينا البعض ولم
نفوض ذلك إليهم مع قلة خطره فكيف نفوض اختيار النبوة إليهم مع عظم محلها
وشرف قدرها ؟ " ليتخذ بعضهم بعضا سخريا " معناه أن الوجه في اختلاف الرزق بين
العباد في الضيق والسعة زيادة على ما فيه من المصلحة أن في ذلك تسخيرا من بعض العباد
لبعض بإحواجهم إليهم ، ليستخدم بعضهم بعضا فينتفع أحدهم بعمل الآخر له فينتظم
بذلك قوام أمر العالم ، وقيل : معناه : ليملك بعضهم بعضا بمالهم فيتخذونهم عبيدا و
مماليك " ورحمة ربك خير مما يجمعون " أي الثواب ، أو الجنة ، أو النبوة . ( 1 ) " فإما
نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " أي فإما نتوفينك فإنا منتقمون من امتك بعدك
" أو نرينك الذي وعدناهم " أي في حياتك ما وعدناهم من العذاب " فإنا عليهم
مقتدرون أي قادرون على الانتقام منهم وعقوبتهم في حياتك وبعد وفاتك ، قال الحسن
وقتادة : إن الله أكرم نبيه بأن لم يره تلك النقمة ولم ير في امته إلا ما قرت به عينه ،
وقد كان بعده نقمة شديدة .
وقد روي أنه صلى الله عليه وآله اري ما يلقى امته بعده فما زال منقبضا ولم ينبسط ضاحكا
حتى لقى الله تعالى .
وروى جابر بن عبدالله الانصاري قال : إني لادناهم من رسول الله صلى الله عليه وآله في
حجة الوداع بمنى قال : لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة ( 2 ) التي تضاربكم ، ثم التفت إلى خلفه
فقال : أوعلي أوعلي ثلاث مرات ، فرأينا أن جبرئيل عليه السلام غمزه فأنزل الله تعالى على
أثر ذلك " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " بعلي بن أبي طالب عليه السلام .
وقيل : إن النبي صلى الله عليه وآله اري الانتقام منهم ، وهو ما كان من نقمة الله من
( هامش ص 150 ) ( 1 ) مجمع البيان 9 : 46 . ( 2 ) الكتيبة : القطعة من الجيش .
[151]
المشركين يوم بدر بعد أن أخرجوه من مكة " وإنه لذكر لك ولقومك " أي شرف
" وسوف تسألون " عن شكر ما جعله الله لكم من الشرف ، وقيل : عن القرآن وعما
يلزمكم من القيام بحقه " واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا " أي سل مؤمني
أهل الكتاب ، والتقدير : سل امم من أرسلنا ، وقيل : معناه : وسل الانبياء وهم الذين
جمعوا له ليلة الاسرى وكانوا سبعين نبيا منهم موسى وعيسى - على نبينا وآله وعليهما
السلام - ولم يسألهم لانه كان أعلم بالله منهم . ( 1 ) وفي قوله تعالى : " ولما ضرب ابن مريم مثلا " اختلف في المراد على وجوه :
أحدها أن معناه : ولما وصف ابن مريم شبها في العذاب بالآلهة ، أي فيما قالوه وعلى
زعمهم ، وذلك أنه لما نزل قوله : " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( 2 ) "
قال المشركون : قد رضينا أن تكون آلهتنا حيث يكون عيسى ، وذلك قوله : " إذا
قومك منه يصدون " أي يضجون ضجيج المجادلة حيث خاصموك ، وهو قوله : " وقالوا
ءآلهتنا خير أم هو " أي ليست آلهتنا خيرا من عيسى فإن كان عيسى في النار بأنه
يعبد من دون الله فكذلك آلهتنا ، عن ابن عباس ومقاتل .
وثانيها : أن معناه : لما ضرب الله المسيح مثلا بآدم في قوله : " إن مثل عيسى
عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ( 3 ) " اعترض على النبي صلى الله عليه وآله بذلك قوم من كفار
قريش فنزلت .
وثالثها : أن النبي صلى الله عليه وآله لما مدح المسيح وامه وأنه كآدم في الخاصية
قالوا : إن محمدا يريد أن نعبده كما عبدت النصارى عيسى ، عن قتادة .
ورابعها : ما رواه سادة أهل البيت عليهم السلام عن علي عليه السلام أنه قال : جئت إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله يوما فوجدته في ملا من قريش فنظر إلي ثم قال : يا علي إنما مثلك
في هذه الامة كمثل عيسى بن مريم ، أحبه قوم فأفرطوا في حبه فهلكوا ، وأبغضه
قوم وأفرطوا في بغضه فهلكوا ، واقتصد فيه قوم فنجوا ، فعظم ذلك عليهم وضحكوا
( هامش ص 151 ) ( 1 ) مجمع البيان 9 : 49 .
( 2 ) الانبياء : 98 .
( 3 ) آل عمران : 59 .
[152]
وقالوا : يشبهه بالانبياء والرسل فنزلت : " وقالواءآلهتنا خير أم هو " أي المسيح ، أو
محمد صلى الله عليه وآله ، أو علي عليه السلام " لجعلنا منكم " أي بدلا منكم معاشر بني آدم " ملائكة في
الارض يخلفون " بني آدم . ( 1 )
" أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون " أي بل أبرموا أمرا ( 2 ) في كيد محمد صلى الله عليه وآله والمكر
به " فإنا مبرمون " أي محكمون أمرا في مجازاتهم " أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم و
( نجويهم ؟ ) " السر : ما يضمره الانسان في نفسه ولا يظهره لغيره . والنجوى : ما يحدث
به المحدث غيره في الخفية . ( 3 )
وقال البيضاوي : " قل إن كان للرحمن ولد " فإن النبي صلى الله عليه وآله يكون أعلم
بالله وبما يصح له وما لا يصح له ، وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه ، ومن حق تعظيم
الوالد تعظيم ولده ، ولا يلزم من ذلك صحة كينونة الولد وعبادته له ، إذ المحال قد
يستلزم المحال ، ( 4 ) وقيل : معناه : إن كان له ولد في زعمكم " فأنا أول العابدين "
لله الموحدين له ، أو الآنفين منه أو من أن يكون له ولد ، من عبد يعبد : إذا اشتد أنفه ،
أو ما كان له ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة " فأنى يؤفكون " يصرفون من
عبادته إلى عبادة غيره " وقيله " وقول الرسول ، ونصبه للعطف على " سرهم " أو على
محل الساعة ، أو لاضمار فعله أي قال قيله ، وجره عاصم وحمزة عطفا على الساعة " فاصفح
عنهم " فأعرض عن دعوتهم آيسا عن إيمانهم " وقل سلام " تسلم منكم ومتاركة . ( 5 )
وفي قوله سبحانه : " فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون " أي بعد آيات الله ،
( هامش ص 152 ) ( 1 ) مجمع البيان 9 : 53 .
( 2 ) في المصدر : بل أحكموا أمرا .
( 3 ) مجمع البيان 9 : 57 .
( 4 ) في المصدر هنا زيادة اسقطها المصنف للاختصار وهى قوله : بل المراد نفيها على أبلغ
الوجوه ، كقوله : " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " غير ان " لو " ثمة مشعرة بانتفاء الطرفين
و " إن " هنا لا تشعر به ولا بنقيضه فانها لمجرد الشرطية ، بل الانتفاء معلوم بالانتفاء اللازم الدال
على انتفاء ملزومه ، والدلالة على ان انكاره للولد ليس لعناد ومراء ، بل لو كان لكان أولى الناس
بالاعتراف به .
( 5 ) أنوار التنزيل 2 : 413 - 415 .
[153]
وتقديم اسم الله للمبالغة والتعظيم كما في أعجبني زيد وكرمه ، أو بعد حديث الله وهو
القرآن ، وآياته : دلائله المتلوة أو القرآن ، والعطف لتغائر الوصفين " قل للذين
آمنوا يغفروا " أي يعفوا ويصفحوا " للذين لا يرجون أيام الله " لا يتوقعون وقائعه
بأعدائه ، من قولهم : أيام العرب : لوقائعم ، أولا يأملون الاوقات التي وقتها الله لنصر
المؤمنين وثوابهم ووعدهم بها ، وقيل : إنها منسوخة بآية القتال " ليجزي قوما " علة
للامر " ثم جعلناك على شريعة " أي طريقة " من الامر " أي أمر الدين " هذا " أي القرآن
أو اتباع الشريعة " بصائر للناس " بينات تبصرهم وجه الفلاح . ( 1 )
" أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " أي ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى فكأنه
يعبده ، وقرئ " آلهة هواه " لانه كان أحدهم يستحسن حجرا فيعبده ، فإذا رأى أحسن
منه رفضه إليه " وقالوا ما هي " ما الحياة أو الحال " إلا حياتنا الدنيا " التي نحن فيها
" نموت ونحيى " نكون أمواتا ونطفا وما قبلها ونحيى بعد ذلك ، أو نموت بأنفسنا و
نحيى ببقاء أولادنا ، أو يموت بعضنا ويحيى بعض ، أو يصيبنا الموت والحياة فيها وليس
وراء ذلك حياة ، ويحتمل أنهم أرادوا به التناسخ فإنه عقيدة أكثر عبدة الاوثان
" وما يهلكنا إلا الدهر " إلا مرور الزمان " وما لهم بذلك من علم " يعني نسبة الحوادث
إلى حركات الافلاك وما يتعلق بها على الاستقلال ، أو إنكار البعث أو كليهما " إن
هم إلا يظنون " إذ لا دليل لهم عليه ، وإنما قالوه بناء على التقليد والانكار لما لم
يحسوا به . ( 2 )
وفي قوله : " وأجل مسمى " وبتقدير الاجل ينتهي إليه الكل وهو يوم القيامة ،
أو كل واحد وهو آخر مدة بقائه المقدر له " أو أثارة من علم " أو بقية من علم بقيت
عليكم من علوم الاولين ، هل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة ، أو الامر بها
" ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له " إنكار أن يكون أحد أضل
من المشركين حيث تركوا عبادة السميع المجيب القادر الخبير إلى عبادة من لا يستجيب
لهم لو سمع دعاءهم ، فضلا أن يعلم ، سرائرهم ويراعي مصالحهم " إلى يوم القيامة "
( هامش ص 153 ) ( 1 ) أنوار التنزيل 2 : 421 و 423 . ( 2 ) انوار التنزيل 2 : 424 ،
[154]
ما دامت الدنيا " وهم عن دعائهم غافلون " لانهم إما جمادات ، وإما عباد مسخرون
مشتغلون بأحوالهم " قل إن افتريته " على الفرض " فلا تملكون لي من الله شيئا " أي
إن عاجلني الله بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شئ منها ، فكيف أجترئ عليه وأعرض
نفسي للعقاب من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكم ؟ " هو أعلم بما تفيضون فيه "
تندفعون فيه من القدح في آياته " قل ما كنت بدعا من الرسل " بديعا منهم أدعوكم إلى
ما لا يدعون إليه ، أو أقدر على ما لم يقدروا عليه وهو الاتيان بالمقترحات كلها " وشهد
شاهد من بني إسرائيل " أي عبدالله بن سلام ، وقيل : موسى - على نبينا وآله وعليه
السلام - وشهادته ما في التوراة من نعت الرسول صلى الله عليه وآله " على مثله " مثل القرآن ، وهو
ما في التوراة من المعاني المصدقة للقرآن المطابقة لها ، أو مثل ذلك وهو كونه من
عند الله " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " استيناف مشعر بأن كفرهم به لضلالهم المسبب
عن ظلمهم ، ودليل على الجواب المحذوف مثل ألستم ظالمين " وقال الذين كفروا للذين
آمنوا " لاجلهم " لو كان خيرا " الايمان ، أو ما أتى به محمد صلى الله عليه وآله " ما سبقونا إليه " وهم
سقاط ، إذ عامتهم فقراء وموال ورعاة ، وإنما قاله قريش ، وقيل : بنو عامر وغطفان وأسد
وأشجع لما أسلم جهينة ومزنة وأسلم غفار ، أو اليهود حين أسلم ابن سلام وأصحابه
" بلاغ " أي هذا الذي وعظتم به ، أو هذه السورة بلاغ ، أي كفاية ، أو تبليغ من
الرسول . ( 1 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " من قريتك التي أخرجتك " أي
أخرجك أهلها ، والمعنى : كم من رجال هم أشد من أهل مكة " أفمن كان على بينة


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 154 سطر 19 الى ص 162 سطر 18

من ربه " أي على يقين من دينه وعلى حجة واضحة من اعتقاده في التوحيد والشرائع
" كمن زين له سوء عمله " هم المشركون ، وقيل : هم المنافقون وهو المروي عن أبي
جعفر عليه السلام " ومنهم من يستمع إليك " يعني المنافقين ( 2 ) " قالوا للذين اوتوا العلم " يعني
الذين أتاهم الله العلم والفهم من المؤمنين ، عن الاصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام قال :
إنا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فيخبرنا بالوحي فأعيه أنا ومن يعيه ، فإذا خرجنا قالوا :
( هامش ص 154 ) ( 1 ) انوار التنزيل : 426 و 428 و 433 . ( 2 ) في المصدر المطبوع : أى ومن الكافرين .
[155]
" ماذا قال آنفا " أي أي شئ قال الساعة ، وإنما قالوا استهزاء وإظهارا أنا لم نشتغل
بوعيه وفهمه ، ( 1 ) وقيل : إنما قالوا ذلك لانهم لم يفهموا معناه ولم يعلموا ما سمعوه ،
وقيل : بل قالوا ذلك تحقيرا لقوله صلى الله عليه وآله : أي لم يقل شيئا فيه فائدة ، ويحتمل أيضا
أن يكونوا سألوا رياء ونفاقا ، أي لم يذهب عني من قوله إلا هذا ، فماذا قال ؟ أعده
علي لاحفظه . ( 2 )
وفي قوله : " وتعزروه " أي تنصروه بالسيف واللسان " إن الذين يبايعونك "
المراد بيعة الحديبية وهي بيعة الرضوان . ( 3 )
وفي قوله : " لعنتم " أي لوقعتم في عنت وهو الاثم والهلاك . ( 4 ) " قالت الاعراب
آمنا " هم قوم من بني أسد أتوا النبي صلى الله عليه وآله في سنة جدبة وأظهروا الاسلام ولم يكونوا
مؤمنين في السر ، إنما كانوا يطلبون الصدقة ، فأمره الله سبحانه أن يخبرهم بذلك
ليكون آية معجزة له فقال : " قل لم تؤمنوا " أي لم تصدقوا على الحقيقة في الباطن
" ولكن قولوا أسلمنا " أي استسلمنا مخافة السبي والقتل " لايلتكم من أعمالكم " أي لا
ينقصكم من ثواب أعمالكم " شيئا " قالوا : فلما نزلت الآيتان أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله
يحلفون أنهم مؤمنون صادقون في دعواهم الايمان ، فأنزل الله سبحانه : " قل أتعلمون
الله بدينكم " أي أتخبرون الله بالدين الذي أنتم عليه ، والمعنى أنه سبحانه عالم بذلك
فلا يحتاج إلى إخباركم به ، وكان هؤلاء يقولون : آمنا بك من غير قتال وقاتلك بنو
فلان ، فقال سبحانه : " يمنون عليك أن أسلموا " أي بأن أسلموا . ( 5 )
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " وكم أهلكنا قبلهم " : قبل قومك " من قرن
هم أشد منهم بطشا " أي قوة كعاد وثمود " فنقبوا في البلاد " فخرقوا في البلاد و
تصرفوا فيها ، أو جالوا في الارض كل مجال حذر الموت ، وأصل التنقيب التنقير عن الشئ
والبحث عنه " هل من محيص " أي لهم من الله ، أو من الموت ، وقيل : الضمير في " نقبوا "
( هامش ص 155 ) ( 1 ) هكذا في النسخ ، وفى المصدر : وإنما قالوه استهزاء أو اظهار أنا لم نشتغل أيضا
بوعيه وفهمه .
( 2 ) مجمع البيان 9 : 100 - 102 . ( 3 ) مجمع البيان 9 : 112 .
( 4 ) 9 : 123 . ( 5 ) 9 : 138 و 139 .
[156]
لاهل مكة ، أي ساروا في أ " سفارهم في بلاد القرون فهل رأو لهم محيصا حتى يتوقعوا
مثله لانفسهم " لمن كان له قلب " أي قلب واع يتفكر في حقائقه " أو ألقى السمع "
وأصغى لاستماعه " وهو شهيد " حاضر بذهنه ليفهم معانيه ، أو شاهد بصدقه فيتعظ
بظواهره وينزجر بزواجره " وما أنت عليهم بجبار " أي بمسلط تقهرهم على الايمان
أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت داع . ( 1 )
" أتواصوا به " أي كأن الاولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضا بهذا القول
حتى قالوه جميعا " بل هم قوم طاغون " إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم
إلى أن الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه " فتول عنهم "
فأعرض عن مجادلتهم " فما أنت بملوم " على الاعراض بعد ما بذلت جهدك في
البلاغ . ( 2 )
" فما أنت بنعمة ربك " بحمدالله وإنعامه " بكاهن ولا مجنون " كما يقولون " أم
يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " ما يقلق النفوس من حوادث الدهر ، وقيل :
المنون : الموت " قل تربصوا فإني معكم من المتربصين " أتربص هلاككم كما تتربصون
هلاكي " أم تأمرهم أحلامهم " عقولهم " بهذا التناقض في القول فإن الكاهن يكون
ذا فتنة ودقة نظر ، والمجنون مغطى عقله ، والشاعر يكون ذا كلام موزون متسق
مخيل ، ولا يتأتى ذلك من المجنون " أم هم قوم طاغون " مجاوزون الحد في العناد
" أم يقولون تقوله " اختلقه من تلقاء نفسه " بل لا يؤمنون " فيرمون بهذه المطاعن لكفرهم
وعنادهم " أم خلقوا من غير شئ " أم أحدثوا وقدروا من غير محدث ومقدر فلذلك لا
يعبدونه ؟ أو من أجل لا شئ من عبادة ومجازاة " أم هم الخالقون " يؤيد الاول فإن
معناه : أم خلقوا أنفسهم ؟ ولذلك عقبه بقوله : " أم خلقوا السموات والارض " وأم في هذه
الآيات منقطعة ، ومعنى الهمزة فيها الانكار " بل لا يوقنون " أي إذا سئلوا : من خلقكم
ومن خلق السماوات والارض ؟ قالوا : الله ، إذ لو أيقنوا ذلك لما أعرضوا عن عبادته
" أم عندهم خزائن ربك " خزائن رزقه حتى يرزقوا النبوة من شاؤوا ، أو خزائن علمه
( هامش ص 156 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 460 و 461 . ( 2 ) انوار التنزيل 2 : 466 و 467 .
[157]
حتى يختاورا لها من شاؤوا " أم هم المصيطرون " الغالبون على الاشياء يدبرونها كيف
شاؤوا " أم لهم سلم " مرتقى إلى السماء " أم تسئلهم أجرا " على تبليغ الرسالة " فهم من
مغرم " من التزام غرم " مثقلون " محملون الثقل فلذلك زهدوا في اتباعك " وإن يروا
كسفا " قطعة " من السماء ساقطا يقولوا " من فرط طغيانهم وعنادهم " سحاب مركوم "
هذا سحاب تراكم بعضها على بعض " فإنك بأعيننا " في حفظنا بحيث نراك ونكلاك . ( 1 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة
الاخرى " : أي أخبرونا عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله وتعبدون معها الملائكة
وتزعمون أن الملائكة بنات الله ، وقيل : معناه : أفرأيتم أيها الزاعمون أن اللات والعزى
ومنات بنات الله ؟ لانه كان منهم من يقول : إنما نعبد هؤلاء لانهم بنات الله ، وقيل : زعموا
أن الملائكة بنات الله وصوروا أصنامهم على صورهم وعبدوها من دون الله ، واشتقوا
لها أسماء من أسماء الله فقالوا : اللات من الله ، والعزى من العزيز ، وقيل : إن اللات صنم
كانت ثقيف تعبده ، والعزى صنم أيضا ، وقيل : إنها كانت شجرة سمرة عظيمة لغطفان
يعبدونها فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله خالد بن الوليد فقطعها ، وقال :
ياعز كفرانك لا سبحانك * إني رأيت الله قد أهانك
عن مجاهد ، وقال قتادة : كانت مناة صنما لهذيل بين مكة والمدينة ، ( 2 ) وقال
الضحاك والكلبي : كانت في الكعبة لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة ، وقيل : اللات
والعزى ومنات أصنام من حجارة كنت في الكعبة يعبدونها ، ومعنى الآية : أخبروني عن
هذه الاصنام هل ضرت أو نفعت أو فعلت ما يجب أن يعدل بالله ؟ ( 3 ) ثم قال سبحانه
منكرا على كفار قريش قولهم : الملائكة بنات الله وكذلك الاصنام : " ألكم الذكر وله
الانثى تلك إذا قسمة ضيزى " أي جائرة غير معتدلة ، يعني أن القسمة التي قسمتم من
نسبة الاناث إلى الله وإيثاركم بالبنين قسمة غير عادلة . ( 4 )
( هامش ص 157 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 470 و 471 .
( 2 ) في المصدر : كانت مناة صنما بقديد بين مكة والمدينة .
( 3 ) في المصدر : ما يوجب أن يعدل بالله .
( 4 ) مجمع البيان 9 : 176 و 177 .
[158]
وفي قوله : أفرأيت الذي تولى " : ونزلت الآيات السبع في عثمان بن عفان
كان يتصدق وينفق ماله ، فقال له أخوه من الرضاعة عبدالله بن سعد بن أبي سرح : ما
هذا الذي تصنع ؟ يوشك أن لا يبقى لك شئ ، فقال عثمان : إن لي ذنوبا وإني أطلب
بما أصنع رضى الله وأرجو عفوه ، فقال له عبدالله : أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل
عنك ذنوبك كلها ، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن الصدقة فنزلت : " أفرأيت الذي
تولى " أي يوم احد حين ترك المركز وأعطى قليلا ثم قطع نفقته . إلى قوله : " سوف
يرى " فعاد عثمان إلى ما كان عليه ، عن ابن عباس وجماعة من المفسرين .
وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وآله على دينه
فعيره المشركون وقالوا : تركت دين الاشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار ، قال :
إني خشيت عذاب الله ، فضمن له الذي عاتبه إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى
شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ففعل ، فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم
بخل ومنعه تمام ما ضمن له ، فنزلت : " أفرأيت الذي تولى " عن الايمان " وأعطى " صاحبه
الضامن " قليلا وأكدى " أي بخل بالباقي ، عن مجاهد وابن زيد .
وقيل : نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه ربما كان يوافق رسول الله صلى الله عليه وآله
في بعض الامور ، عن السدي ، وقيل : نزلت في رجل قال لاهله : جهزوني حتى
أنطلق إلى هذا الرجل - يريد النبي صلى الله عليه وآله - فتجهز وخرج فلقيه رجل من الكفار
فقال له : أين تريد ؟ فقال محمدا صلى الله عليه وآله لعلي اصيب من خيره ، قال له الرجل : أعطني
جهازك وأحمل عنك إثمك ، عن عطاء بن يسار ، وقيل : نزلت في أبي جهل وذلك أنه
قال : والله ما يأمرنا محمد صلى الله عليه وآله إلا بمكارم الاخلاق فذلك قوله : " وأعطى قليلا وأكدى "
أي لم يؤمن به ، عن محمد بن كعب . ( 1 )
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " ويقولوا سحر مستمر " : أي مطرد ، وهو يدل
على أنهم رأوا قبله آيات اخرى مترادفة حتى قالوا ذلك ، أو محكم من المرة ، ( 2 )
( هامش ص 158 ) ( 1 ) مجمع البيان 9 : 178 .
( 2 ) في المصدر : أو محكم من المرة ، يقال : امررته فاستمر : اذا احكمته فاستحكم .
[159]
أو مستبشع من استمر : إذا اشتدت مرارته ، أو مار ذاهب لا يبقى " وكل أمر
مستقر " منته إلى غاية من خذلان أو نصرة في الدنيا ، وشقاوة أو سعادة في الآخرة . ( 1 )
" أم يقولون نحن جميع " جماعة أمرنا مجتمع " منتصر " ممتنع لانرام ، أو منتصر
من الاعداء لا نغلب ، أو متناصر ينصر بعضنا بعضا " سيهزم الجمع ويولون الدبر " أي
الادبار ، وإفراده لارادة الجنس ، أو لان كل واحد يولي دبره وقد وقع ذلك يوم
بدر " ولقد أهلكنا أشياعكم " أي أشباهكم في الكفر ممن قبلكم . ( 2 )
وفي قوله تعالى : " أفرأيتم ما تمنون " : أي ما تفذفونه في الارحام من النطف
" أفرأيتم ما تحرثون " تبذرون حبه " ءأنتم تزرعونه " تنبتونه " لجعلناه حطاما " هشيما
" فظلتم تفكهون " تعجبون ، أو تندمون على اجتهادكم فيه ، أو على ما أصبتم لاجله
من المعاصي فتتحدثون فيه . والتفكه : التنقل بصنوف الفاكهة ، وقد استعير للتنقل
بالحديث " إنا لمغرمون " لملزمون غرامة ما أنفقنا ، أو مهلكون لهلاك رزقنا ، من الغرام
" بل نحن محرومون " حرمنا رزقنا " ءأنتم أنزلتموه من المزن " من السحاب ، واحدته
مزنة ، وقيل : المزن : السحاب الابيض ، وماؤه أعذب " لو نشاء جعلناه اجاجا " ملحا ،
أو من الاجيج فإنه يحرق الفم " فلولا تشكرون " أمثال هذه النعم الضرورية " أفرأيتم النار
التي تورون " تقدحون " ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤن " يعني الشجرة التي منه
الزناد " نحن جعلناها " جعلنا نار الزناد " تذكرة " تبصرة في أمر البعث ، أو في الظلام ، أو
تذكيرا ، أو انموذجا لنار جهنم " ومتاعا " ومنفعة " للمقوين " للذين ينزلون القواء وهي
القفر ، أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم ( 3 ) من الطعام ، من أقوت الدار : إذا خلت من
ساكنيها " فسبح باسم ربك العظيم " فأحدث التسبيح بذكر اسمه أو بذكره " فلا اقسم "
إذا الامر أوضح من أن يحتاج إلى قسم ، أو فاقسم ولا مزيدة للتأكيد ، أو فلانا اقسم
فحذف المبتداء واشبع فتحة لام الابتداء ، ويدل عليه أنه قرئ ( فلا قسم ) أو فلا رد لكلام
( هامش ص 159 ) ( 1 ) انوارالتنزيل 2 : 478
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 471 و 472 .
( 3 ) جمع المزود : ما يوضع فيه الزاد .
[160]
يخالف المقسم عليه " بمواقع النجوم " بمساقطها ، أو بمنازلها ومجاريها ، وقيل : النجوم :
نجوم القرآن ، ومواقعها : أوقات نزولها " وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " لما في القسم
به من الدلالة على عظيم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة " إنه لقرآن كريم " كثير
النفع " في كتاب مكنون " مصون وهو اللوح " لا يمسه إلا المطهرون " لا يطلع على
اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية وهم الملائكة ، أو لا يمس القرآن
إلا المطهرون من الاحداث ، فيكون نفيا بمعنى نهي ، أولا يطلبه إلا المطهرون من
الكفر " أفبهذا الحديث أنتم مدهنون " متهاونون به كمن يدهن في الامر ، أي يلين
جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به " وتجعلون رزقكم " أي شكر رزقكم " أنكم
تكذبون " أي بمانحه ( 1 ) حيث تنسبونه إلى الانواء . ( 2 )
" ألم يأن للذين آمنوا " ألم يأت وقته ؟ يقال : أنى الامر يأني أنيا وأنا وإنا : إذاجاء
إناه " وما نزل من الحق " أي القرآن ، وهو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على
الاخر ، ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله " فطال عليهم الامد " أي فطال عليهم
الزمان بطول أعمارهم ، أو آمالهم ، أو مابينهم وبين أنبيائهم . ( 3 )
وقال الطبرسي رحمه الله : قيل : إن قوله تعالى : " ألم يأن للذين آمنوا " الآية
( هامش ص 160 ) ( 1 ) أى بمعطيه والانواء جمع النوء : النجم مال للغروب ، وقيل . معنى النوء سقوط نجم
من المنازل في المغرب وطلوع رقيبه وهو نجم يقابله من ساعته في المشرق في كل ليلة إلى ثلاثة
يوما ، وهكذا كل نجم منها إلى انقضاء السنة ما خلا الجبهة فان لها أربعة عشر يوما ، وإنما
سمى نوءا لانه إذا سقط الغارب ناء الطالع ، أى نهض وطلع ، وذلك الطلوع هو النوء ، والا نواء
كانت عندهم ثمانية وعشرون معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها ، يسقط منها في كل ثلاثة عشرة
ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر ، ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته ، وكلاهما معلوم
مسمى ، وانقضاء هذه الثمانية وعشرين كلها مع انقضاء السنة ، ثم يرجع الامر إلى النجم الاول ،
وكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر قالوا : لا بد من أن يكون عند ذلك مطر
أو رياح ، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى النجم ، فيقولون : مطرنا بنوء الثريا أو بنوء
الدبران .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 492 و 494 . ( 3 ) انوار التنزيل 2 : 497 و 489 .
[161]
نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا :
حدثنا عما في التوراة فإن فيها عجائب ، فنزلت : " الر تلك آيات الكتاب المبين " إلى
قوله تعالى : " لمن الغافلين " فخبرهم أن هذا القرآن أحسن القصص وأنفع لهم من
غيره ، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزلت :
" الله نزل أحسن الحديث كتابا " الآية فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا
فسألوا سلمان فنزلت هذه الآية ، عن الكلبي ومقاتل ، وقيل : نزلت في المؤمنين ، و
قال ابن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين ، فجعل
المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا ، وقيل : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس
ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن بهذه الآية ، عن ابن عباس ، وقيل : كانت الصحابة
بمكة مجدبين ، فلما هاجروا أصابوا الريف ( 1 ) والنعمة ، فتغيروا عما كانوا عليه فقست
قلوبهم ، والواجب أن يزدادوا الايمان واليقين والاخلاص في طول صحبة الكتاب ، عن
محمد بن كعب . ( 2 )
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا " أي بالرسل المتقدمة ( 3 )
" اتقوا الله " فيما نهاكم منه " وآمنوا برسوله " محمد صلى الله عليه وآله " يؤتكم كفلين " نصيبين " من
رحمته " لايمانكم بمحمد صلى الله عليه وآله ، وإيمانكم بمن قبله ، ولا يبعد أن يثابوا على دينهم
السابق وإن كان منسوخا ببركة الاسلام ، وقيل : الخطاب للنصارى الذين كانوا في
عصره " ويجعل لكم نورا تمشون به " يريد المذكور في قوله : " يسعى نورهم " أو الهدى
الذي يسلك به إلى جناب القدس " لئلا يعلم " أي ليعلموا ، ولا مزيدة ، ويؤيده أنه قرئ :
ليعلم ، ولكي يعلم ولان يعلم بإدغام النون في الياء " أهل الكتاب أن لا يقدرون على
شئ من فضل الله " أن هي المخففة ، والمعنى أنهم لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله ،
لانهم لم يؤمنوا برسوله وهو مشروط بالايمان به " أولا يقدرون على شئ من فضله "
فضلا أن يتصرفوا في أعظمه وهو النبوة فيخصونها بمن أرادوا ، وقيل : لا غير مزيدة
( هامش ص 161 ) ( 1 ) الريف : السعة في المآكل والمشارب . أرض فيها زرع وخصب .
( 2 ) مجمع البيان 9 : 237 . ( 3 ) في نسخة : بالكتب المتقدمة .
[162]
والمعنى : لئلا يعتقد أهل الكتاب أنه لا يقدر النبي والمؤمنون به على شئ من فضل الله
ولا ينالونه ، فيكون " وإن الفضل " عطفا على " أن لا يعلم " . ( 1 )
وفي قوله تعالى : " إن الذين يحادون الله ورسوله " : يعادونهما ، فإن كلا من
المتعاديين في حد غير حد الآخر ، أو يضعون ويختارون حدودا غير حدودهما " كبتوا "
اخزوا أو اهلكوا ، وأصل الكبت : الكب . ( 2 )
" ألم تر إلى الذين تولوا " أي والوا قوما غضب الله عليهم ، يعني اليهود " ما هم
منكم ولا منهم " لانهم منافقون مذبذبون بين ذلك " ويحلفون على الكذب " وهو ادعاء
الاسلام " وهم يعلمون " أن المحلوف عليه كذب ، وروي أنه صلى الله عليه وآله كان في حجرة من
حجراته فقال : يدخل عليكم الآن رجل قلبه جبار وينظر بعين شيطان ، فدخل
عبدالله بن نتيل ( 3 ) المنافق وكان أزرق ، فقال عليه وآله السلام : علام تشتمني أنت
وأصحابك ؟ فحلف بالله ما فعل ، ثم جاء بأصحابه فحلفوا فنزلت .
" اتخذوا أيمانهم " أي التي حلفوا بها " جنة " وقاية دون دمائهم وأموالهم " فصدوا
عن سبيل الله " فصدوا الناس في خلال أمنهم عن دين الله بالتحريش والتثبيط " استحوذ
عليهم الشيطان " أي استولى عليهم . ( 4 )
وفي قوله : " لا تتولوا قوما غضب الله عليهم " : يعني عامة الكفار ، أو اليهود
إذ روي أنها نزلت في بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم
" قد يئسوا من الآخرة " لكفرهم بها ، أو لعلمهم بأنه لا حظ لهم فيها ، لعنادهم الرسول
المنعوت في التوراة المؤيد بالآيات " كما يئس الكفار من أصحاب القبور " أن يبعثوا


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 162 سطر 19 الى ص 170 سطر 18

أو يثابوا ، أو ينالهم خير منهم . ( 5 )
وقال الطبرسي رحمه الله : " هو الذي بعث في الاميين " يعني العرب ، وكانت امة
امية لا تكتب ولا تقرء ، ولم يبعث إليهم نبي ، وقيل : يعني أهل مكة لان مكة تسمى
( هامش ص 162 ) ( 1 ) أنوار التنزيل 2 : 501 . ( 2 ) أنوار التنزيل 2 : 503 .
( 3 ) في نسخة : عبدالله بن نفيل . ( 4 ) 2 : 506 و 507 .
( 5 ) انوار التنزيل 2 : 517 .
[163]
ام القرى " ويعلمهم الكتاب والحكمة " الكتاب : القرآن ، والحكمة : الشرائع ،
وقيل : إن الحكمة تعم الكتاب والسنة وكل ما أراده الله تعالى " قل يا أيها الذين هادوا "
أي سموا يهودا " إن زعمتم أنكم أولياء لله " أي إن كنتم تظنون على زعمكم أنكم أنصار الله
وأن الله ينصركم " من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " أنكم أبناء الله وأحباؤه ،
فإن الموت هو الذي يوصلكم إليه ، وروي أنه صلى الله عليه وآله قال : لو تمنوا لماتوا عن آخرهم . ( 1 )
وقال البيضاوي في قوله : " قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا " : يعني بالذكر جبرئيل
عليه السلام لكثرة ذكره ، أو لنزوله بالذكر وهو القرآن ، أو لانه مذكور في السماوات ،
أو ذا ذكر أي شرف ، أو محمد صلى الله عليه وآله لمواظبته على تلاوة القرآن أو تبليغه ، وعبر عن
ارساله بالانزال ترشيحا ، أو لانه مسبب عن إنزال الوحي إليه ، وأبدل عنه رسولا
للبيان ، أو أراد به القرآن ، ورسولا منصوب بمقدر مثل أرسل أو ذكر ، أو الرسول
مفعوله أو بدله على أنه بمعنى الرسالة . ( 2 )
وفي قوله : " هو الذي جعل لكم الارض ذلولا " لينة ليسهل لكم السلوك فيها
" فامشوا في مناكبها " أي في جوانبها ، أو جبالها " فإذا هى تمور " تضطرب " كيف نذير "
أي كيف إنذاري " فكيف كان نكير " أي إنكاري عليهم بإنزال العذاب " صافات " باسطات
أجنحتهن في الجو عند طيرانها ، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها " ويقبضن " ويضممنها
إذا ضربن بها جنوبهن وقتا بعد وقت للاستظهار به على التحرك " ما يمسكهن في
الجو على خلاف الطبع " إلا الرحمن " الشامل رحمته كل شئ بأن خلقهن على أشكال
وخصائص هيأتهن للجري في الهواء " أم من هذا الذي هو جند لكم " أي الآلهة
" إن أمسك رزقه " بإمساك المطر وسائر الاسباب المحصلة والموصلة له إليكم " أفمن
يمشي مكبا على وجهه " يقال : كببته فاكب ، ( 3 ) ومعنى مكبا أنه يعثر كل ساعة ويخر
لوجهه لوعورة طريقه ( 4 ) ولذلك قابله بقوله : " أم من يمشي سويا " سالما ( 5 ) من العثار
( هامش ص 163 ) ( 1 ) مجمع البيان 10 : 284 و 287 .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 528 . وفيه : مثل ارسل ، أو ذكرا مصدر والرسول مفعوله أو بدله .
( 3 ) كذا في النسخ والظاهر : فانكب .
( 4 ) في المصدر : كوعورة طريقه واختلاف أجزائه .
( 5 ) في المصدر : قائما سالما من العثار .
[164]
" على صراط مستقيم " مستوى الاجزاء أو الجهة ، والمراد تمثيل المشرك والموحد
بالسالكين ، والدينين بالمسلكين ، وقيل : المراد بالمكب الاعمى فإنه يعتسف فينكب
وبالسوي البصير ، وقيل : من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ، ومن
يمشي سويا الذي يحشر على قدميه إلى الجنة ( 1 ) " إن أصبح ماؤكم غورا " أي غائرا
في الارض بحيث لا تناله الدلاء ، مصدر وصف به " فمن يأتيكم بماء معين " جار ، أو ظاهر
سهل المأخذ . ( 2 )
" ن " من أسماء الحروف ، وقيل : اسم الحوت ، والمراد به الجنس ، أو اليهموت
وهو الذي عليه الارض ، أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج منه شئ أسود يكتب
به " والقلم " هو الذي خط اللوح ، أو الذي يخط به ، أقسم به لكثرة فوائده " وما
يسطرون " وما يكتبون " ما أنت بنعمة ربك بمجنون " جواب القسم ، والمعنى : ما أنت
بمجنون منعما عليك بالنبوة وحصافة الرأي ( 3 ) " وإن لك لاجرا " على الاحتمال أو
الابلاغ " غير ممنون " مقطوع ، أو ممنون به عليك من الناس " بأيكم المفتون " أيكم الذي
فتن بالجنون ، والباء مزيدة ، أو بأيكم الجنون ، على أن المفتون مصدر كالمعقول والمجلود
أو بأي الفريقين منكم المجنون ، أبفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين ؟ أي في أيهما
يوجد من يستحق هذا الاسم " ودوا لو تدهن " بأن تلاينهم بأن تدع نهيهم عن الشرك
أو توافقهم فيه أحيانا " فيدهنون " فيلاينونك بترك الطعن والموافقة " ولا تطع كل حلاف " ( هامش ص 164 ) ( 1 )
قال الشريف الرضى قدس سره : هذه استعارة والمراد بها صفة من يتخبط في الضلال و
ينحرف عن طريق الرشاد لانهم يصفون من تلك حاله بأنه ماش على وجهه ، فيقولون : فلان يمشى
على وجهه ويمضى على وجهه إذا كان كذلك ، وانما شبهوه بالماشى على وجهه لانه لا ينتفع بمواقع
بصره ، اذ كان البصر في الوجه واذا كان الوجه مكبوبا على الارض كان الانسان كالاعمى الذى
لا يسلك جددا ولايقصد سددا ، ومن الدليل على قوله تعالى : " أفمن يمشى مكبا " من الكنايات
عن عمى البصر قوله تعالى في مقابلة ذلك : " أمن يمشى سويا " لان السوى ضد المنقوص في خلقه
والمبتلى في بعض كرائم جسمه .
( 2 ) انوار التنزيل : 2 : 535 - 537 .
( 3 ) حصافة الرأى : جودته .
[165]
كثير الحلف في الحق والباطل " مهين " حقير الرأي " هماز " عياب " مشاء بنميم " نقال
للحديث على وجه السعاية " مناع للخير " يمنع الناس عن الخير من الايمان والانفاق
والعمل الصالح " معتد " متجاوز في الظلم " أثيم " كثير الاثام " عتل " جاف غليظ " بعد ذلك "
بعد ما عد من مثالبه " زنيم " دعي ، قيل : هو الوليد بن المغيرة ، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة
من مولده ، وقيل : الاخنس بن شريق أصله في ثقيف وعداده في زهرة " أن كان ذا مال
وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين " أي قال ذلك حينئذ لان كان متمولا ( 1 )
مستظهرا بالبنين من فرط غروره ، لكن العامل مدلول قال لانفسه ، لان ما بعد الشرط
لا يعمل فيما قبله ، ويجوز أن يكون علة للا تطع ، أي لا تطع من هذه مثالبه لان كان
ذا مال " سنسمه " بالكي " على الخرطوم " على الانف ، وقد أصاب أنف الوليد جراحة
يوم بدر فبقي أثره ، وقيل : هو عبارة عن أن يذله غاية الاذلال ، أو يسود وجهه يوم
القيامة . ( 2 )
" إن لكم فيه لما تخيرون " أي إن لكم ما تختارونه وتشتهونه ، وأصله : أن لكم
بالفتح لانه المدروس . فلما جئت باللام كسرت ، وتخير الشي واختياره : أخذ خيره ( 3 )
" أم لكم أيمان علينا " عهود مؤكدة بالايمان " بالغة " متناهية في التوكيد " إلى يوم
القيامة " متعلق بالمقدر في لكم ، أي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا نخرج عن
عهدتها حتى نحكمكم في ذلك اليوم ، أو ببالغة ، أي أيمان علينا تبلغ ذلك اليوم
" إن لكم لما تحكمون " جواب القسم " سلهم أيهم بذلك زعيم " بذلك الحكم قائم يدعيه
ويصححه " أم لهم شركاء " في هذا القول " فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين " في دعواهم
إذ لا أقل من التقليد " سنستدرجهم " سندنيهم من العذاب درجه درجة بالامهال وإدامة
الصحة وازدياد النعمة " واملي لهم " وامهلهم " إن كيدي متين " لا يدفع بشئ ، وإنما
سمى إنعامه استدراجا بالكيد لانه في صورته " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك
( هامش ص 165 ) ( 1 ) في المصدر : لانه كان متمولا . ( 2 ) انوار التنزيل 2 : 537 و 538 .
( 3 ) : فلما جئ باللام كسرت ، وتخير الشئ واختاره : أخذ خيره .
[166]
بأبصارهم " إن هي الخففة ، واللام دليلها ، والمعنى : إنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك
شزرا ( 1 ) أي غضبا بحيث يكادون يزلون قدمك ويرمونك . ( 2 )
وفي قوله : " بما تبصرون وما لا تبصرون " : أي بالمشاهدات والمغيبات ، وذلك يتناول
الخالق والمخلوقات بأسرها " ولو تقول علينا بعض الاقاويل " سمي الافتراء تقولا لانه
قول متكلف " لاخذنا منه باليمين " بيمينه " ثم لقطعنا منه الوتين " أي نياط قلبه بضرب
عنقه ، وهو تصوير لاهلاكه بأفظع ما تفعله الملوك بمن يغضبون عليه ، وهو أن يأخذ
القتال بيمينه ويكفحه بالسيف ( 3 ) ويضرب جيده ، وقيل : اليمين بمعنى القوة " فما
منكم من أحد عنه " عن القتل أو المقتول " حاجزين " دافعين ، وصف لاحد فإنه عام
والخطاب للناس " وإنه لحسرة على الكافرين " إذا رأوا ثواب المؤمنين به " وإنه لحق
اليقين " لليقين الذي لا ريب فيه . ( 4 )
وفي قوله : " على أن نبدل خيرا منهم " أي نهلكهم ونأتي بخلق أمثل منهم ، ( 5 )
أو نعطي محمدا صلى الله عليه وآله بدلكم وهو خير منكم وهم الانصار " ولن أجد من دونه ملتحدا "
منحرفا وملتجئا " إلا بلاغا من الله " استثناء من قوله : " لا أملك " فإن التبليغ
إرشاد وإنفاع ، أو من " ملتحدا " أو معناه : أن لا أبلغ بلاغا ، وما قبله دليل الجواب
" ورسالاته " عطف على بلاغا . ( 6 )
" وتبتل إليه تبتيلا " أي انقطع إليه بالعبادة ، وجرد نفسك عما سواه " واهجرهم
هجرا جميلا " بأن تجانبهم وتدانيهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله " اولي النعمة "
أرباب التنعم يريد صناديد قريش . ( 7 )
" ذرني ومن خلقت وحيدا " نزل في الوليد بن المغيرة و " وحيدا " حال من الياء ،
أي ذرني وحدي معه فأنا أكفيكه ، أو من التاء ، أي ومن خلقته وحدي لم يشركني في
( هامش ص 166 ) ( 1 ) شزر الرجل وإليه : نظر اليه بجانب عينه مع إعراض أو غضب ، شزر فلانا : أصابه
بالعين .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 540 - 542 . ( 3 ) أى يضربه به .
( 4 ) 2 : 546 ( 5 ) أى خير منهم وأفضل .
( 6 ) 2 : 550 . ( 7 ) انوار التنزيل 2 : 558 و 559 .
[167]
خلقه أحد ، أو من العائد المحذوف ، أي من خلقته فريدا لا مال له ولا ولد ، أو ذم فإنه
كان ملقبا به فسماه الله تهكما به ، أو أراد أنه وحيد في الشرارة ، أو عن أبيه لانه
كان زنيما " وجعلت له مالا ممدودا " مبسوطا كثيرا ، أو ممددا بالنماء ، وكان له الزرع
والضرع والتجارة " وبنين شهودا " حضورا معه بمكة يتمتع بلقائهم لا يحتاجون إلى
سفر لطلب المعاش استغناء بنعمته ، ولا يحتاج أن يرسلهم في مصالحه لكثرة خدمه ، أو
في المحافل والاندية لوجاهتهم ، قيل : كان له عشرة بنين أو أكثر كلهم رجال ، فأسلم
منهم ثلاثة : خالد وعمارة وهشام " ومهدت له تمهيدا " وبسطت له الرياسة والجاه
العريض حتى لقب ريحانة قريش والوحيد ، أي باستحقاق الرياسة والتقدم " ثم يطمع
أن أزيد " على ما اوتيه ، وهو استبعاد لطمعه ، إما لانه لا مزيد على ما اوتي ، أو
لانه لا يناسب ما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم ، ولذلك قال : " كلا إنه كان
لآياتنا عنيدا " فإنه ردع له عن الطمع وتعليل للردع على سبيل الاستيناف بمعاندة
آيات المنعم ، قيل : ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان ماله حتى هلك " سارهقه
صعودا " ساغشيه عقبة شاقة المصعد ، وهو مثل لما يلقى من الشدائد . وعنه عليه السلام :
الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ، ثم يهوى فيه كذلك أبدا .
" إنه فكر وقدر " تعليل للوعيد ، أو بيان للعناد ، والمعنى : فكر فيما يخيل طعنا
في القرآن ، وقدر في نفسه ما يقول فيه " فقتل كيف قدر " تعجيب من تقديره استهزاء
به ، أو لانه أصاب أقصى ما يمكن أن يقال عليه ، من قولهم : قتله الله ما أشجعه ! .
روي أنه مر بالنبي صلى الله عليه وآله وهو يقرء حم السجدة ، فأتى قومه وقال : قد سمعت
من محمد صلى الله عليه وآله آنفا كلاما ما هو من كلام الانس والجن ، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، ( 1 )
وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، ( 2 ) وإنه ليعلو ولا يعلى ، فقال قريش : صبأ الوليد ، ( 3 )
فقال ابن أخيه أبوجهل : أنا أكفيكموه ، فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه فقام فناداهم
( هامش ص 167 ) ( 1 ) الطلاوة بالتثليث : الحسن والبهجة .
( 2 ) من أغدقت الارض : أخصبت .
( 3 ) صبأ : خرج من دين إلى دين آخر .
[168]
فقال : تزعمون أن محمدا - صلى الله عليه وآله - مجنون فهل رأيتموه يخنق ؟ وتقولون : إنه كاهن فهل
رأيتموه يتكهن ؟ وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا ؟ فقالوا : لا ، فقال :
ما هو إلا ساحر ، أما رأيتموه يفرق بين المرء وأهله وولده ومواليه ؟ ففرحوا به وتفرقوا
مستعجبين منه " ثم قتل كيف قدر " تكرير للمبالغة " ثم نظر " أي في أمر القرآن مرة
بعد اخرى " ثم عبس " قطب وجهه لما لم يجد فيه طعنا ولم يدر ما يقول ، أو نظر إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله وقطب وجهه " وبسر " إتباع لعبس " ثم أدبر " عن الحق أو الرسول
" واستكبر " عن اتباعه فقال : " إن هذا إلا سحر يؤثر " يروي ويتعلم " وما هي " أي
سقر أو عدة الخزنة ، أو السورة " إلا ذكرى للبشر " إلا تذكرة لهم " كلا " ردع لمن
أنكرها ، أو إنكار لان يتذكروا بها " إنها لاحدى الكبر " لاحدى البلايا الكبر " لمن
شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر " بدل من " للبشر " أي نذيرا للمتمكنين من السبق إلى
الخير ، أو التخلف عنه ، أو لمن شاء خبر لان يتقدم .
" كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة " شبههم في إعراضهم ونفارهم عن
استماع الذكر بحمر نافرة فرت من قسورة ، أي أسد " بل يريد كل امرئ منهم أن
يؤتى صحفا منشرة " قراطيس تنشر وتقرء ، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وآله : لن نتبعك
حتى تأتي كلا منا بكتاب من السماء فيها : من الله إلى فلان اتبع محمدا ( 1 ) " لا تحرك "
يا محمد " به " بالقرآن " لسانك لتعجل به " لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك " إن علينا
جمعه " في صدرك " وقرآنه " وإثبات قراءته في لسانك ، وهو تعليل للنهي " فإذا قرأناه "
بلسان جبرئيل عليه السلام عليك " فاتبع قرآنه " قراءته وتكرر فيه حتى يرسخ في ذهنك " ثم
إن علينا بيانه " بيان ما اشكل عليك من معانيه ، وقيل : الخطاب مع الانسان المذكور ،
والمعنى أنه يؤتى كتابه فيتلجلج لسانه من سرعة قراءته خوفا فيقال له : " لا تحرك به لسانك
لتعجل به " فإن علينا بمقتضى الوعد جمع ما فيه من أعمالك وقراءته " فإذا قرأناه فاتبع
قراءته بالاقرار ، أو التأمل فيه ، ثم إن علينا بيان أمره بالجزاء عليه . ( 2 )
" وشددنا أسرهم " أي وأحكمنا ربط مفاصلهم بأعصاب " وإذا شئنا بدلنا
( هامش ص 168 ) ( 1 ) أنوار التنزيل 2 : 562 - 565 .
( 2 ) 2 : 576 .
[169]
أمثالهم تبديلا " ، وإذا شئنا أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في الخلقة وشدة الاسر ، يعني
النشأة الثانية ، ولذلك جئ بإذا ، أو بدلناهم غيرهم ممن يطيع ، وإذا لتحقق القدرة
وقوة الداعية ( 1 ) " ألم نخلقكم من ماء مهين " نطفة قذرة ذليلة " فجعلناه في قرار
مكين " هو الرحم " إلى قدر معلوم " إلى مقدار معلوم من الوقت قدره الله تعالى للولادة
" فقدرنا " أي فقدرنا على رد ذلك ، أو فقدرناه " فنعم القادرون " نحن " ويل يومئذ
للمكذبين " بقدرتنا على ذلك ، أو على الاعادة " ألم نجعل الارض كفاتا " كافتة اسم
لما يكفت ، أي يضم ويجمع " أحياء وأمواتا " منتصبان على المفعولية " وجعلنا فيها
رواسي شامخات " جبالا ثوابت طوالا " وأسقيناكم ماء فراتا " بخلق الانهار والمنابع فيها . ( 2 )
" فلا اقسم بالخنس " بالكواكب الرواجع ، من خنس : إذا تأخر ، وهي ما سوى
النيرين من السيارات ولذلك وصفها بقوله : " الجوار الكنس " أي السيارات التي
تختفي تحت ضوء الشمس " والليل إذا عسعس " اذا أقبل بظلامه أو أدبر " والصبح إذا
تنفس " أي إذا أضاء " إنه " أي القرآن " لقول رسول كريم " يعني جبرئيل عليه السلام " مكين "
ذي مكانة " مطاع " في ملائكته " ثم أمين " على الوحي ، وثم يحتمل اتصاله بما قبله
وما بعده " ولقد رآه " رأى رسول الله جبرئيل " بالافق المبين " بمطلع الشمس الاعلى
" وما هو " وما محمد صلى الله عليه وآله " على الغيب " على ما يخبره من الوحي إليه وغيره من الغيوب
" بظنين " بمتهم ، وقرأ نافع وعاصم وحمزة وابن عامر " بضنين " من الضن وهو البخل ،
أي لا يبخل بالتبليغ والتعليم " وما هو بقول شيطان رجيم " بقول بعض المسترقة للسمع
وهي نفي لقولهم : إنه لكهانة وسحر " فأين تذهبون " استضلال لهم فيما يسلكونه في
أمر الرسول والقرآن ، كقولك لتارك الجادة : أين تذهب ؟ ( 3 )
" ما غرك بربك الكريم " أي شئ خدعك وجرأك على عصيانه ؟ " الذي خلقك
فسواك فعدك " التسوية : جعل الاعضاء سليمة مسواة معدة لمنافعها ، والتعديل :
جعل البنية معتدلة متناسبة الاعضاء ، أو معدلة بما يستعدها من القوى " في أي صورة
ما شاء ركبك " أي ركبك في أي صورة شاءها ، وما مزيدة . ( 4 )
( هامش ص 169 ) ( 1 ) أنوار التنزيل 2 : 573 . ( 2 ) أنوار التنزيل 2 : 575 .
( 3 ) 2 : 588 . ( 4 ) 2 : 589 .
[170]
" فلا اقسم بالشفق " الحمرة التي ترى في افق المغرب " والليل وما وسق "
وما جمعه وستره من الدواب وغيرها " والقمر إذا اتسق " اجتمع وتم بدرا " لتركبن
طبقا عن طبق " حالا بعد حال مطابقة لاختها في الشدة ، أو مراتب من الشدة بعد
المراتب ، وهي الموت وأهوال القيامة ، أو هي وما قبلها من الدواهي على أنه جمع طبقة
" لا يسجدون " أي لا يخضعون ، أو لا يسجدون لقراءة آية السجدة . ( 1 )
" بما يوعون أي يضمرون في صدورهم من الكفر والعداوة " غير ممنون " أي
مقطوع أو ممنون به عليهم . ( 2 ) " والسماء ذات الرجع " ترجع في كل دورة إلى الموضع
الذي تحركت عنه ، وقيل : الرجع : المطر " والارض ذات الصدع " ما يتصدع عنه
الارض من النبات ، أو الشق بالنبات والعيون " إنه " إن القرآن " لقول فصل "
فاصل بين الحق والباطل " أمهلهم رويدا " إمهالا يسيرا . ( 3 ) " لست عليهم بمصيطر "
بمتسلط . ( 4 )
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " أهلكت مالا لبدا " : أي أهلكت
مالا كثيرا ( 5 ) في عداوة النبي صلى الله عليه وآله يفتخر بذلك ، وقيل : هو الحارث بن عامر بن
نوفل ، وذلك أنه أذنب ذنبا فاستفتى النبي صلى الله عليه وآله فأمره أن يكفر ، فقال :
لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد صلى الله عليه وآله " أيحسب أن لم
يره أحد " فيطالبه من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ وقيل : إنه كان كاذبا لم ينفق ما
قاله ( 6 )
" إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى " أي لان رأى نفسه مستغنية عن ربه


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 170 سطر 19 الى ص 178 سطر 18

بعشيرته وأمواله وقوته ، قيل : إنها نزلت في أبي جهل بن هشام من هنا إلى آخر
( هامش ص 170 ) ( 1 ) في المصدر : لا يخضعون ، أو لا يسجدون لتلاوته .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 594 .
( 3 ) 2 : 597 .
( 4 ) 2 : 600 .
( 5 ) في المصدر : أنفقت مالا كثيرا
( 6 ) مجمع البيان 10 : 493 .
[171]
السورة " إن إلى ربك الرجعى " أي إلى الله مرجع كل أحد " أرأيت الذي ينهى عبدا
إذا صلى " روي أن أبا جهل قال : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم ، قال :
فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لاطأن على رقبته ، فقيل له : ها هو ذلك يصلي ،
فانطلق ليطأ على رقبته فما فاجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقى بيديه ، فقالوا :
ما لك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة ، وقال نبي الله :
والذي نفسي بيده لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ، فأنزل الله سبحانه :
" أرأيت الذي ينهى " إلى آخر السورة " أرأيت إن كان على الهدى " يعني محمدا صلى الله عليه وآله
" أو أمر بالتقوى " أي بالاخلاص والتوحيد ومخافة الله تعالى ، وههنا حذف تقديره :
كيف يكون حال من ينهاه عن الصلاة " أرأيت إن كذب " أي أبوجهل " وتولى "
عن الايمان . ( 1 )
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " :
اليهود والنصارى فإنهم كفروا بالالحاد في صفات الله " والمشركين " وعبدة الاصنام
" منفكين " عما كانوا عليه من دينهم ، أو الوعد باتباع الحق إذا جاءهم الرسول
" حتى تأتيهم البينة " الرسول ، أو القرآن فإنه مبين للحق " رسول من الله " بدل
من " البينة " بنفسه ، أو بتقدير مضاف ، أو مبتدء " يتلو صحفا مطهرة " صفته أو خبره
" فيها كتب قيمة " مكتوبات مستقيمة " وما تفرق الذين اوتوا الكتاب " عما كانوا
عليه بأن آمن بعضهم ، أو تردد في دينه ، أو عن وعدهم بالاصرار على الكفر " إلا من
بعد ما جاءتهم البينة وما امروا " أي في كتبهم بما فيها " إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين "
لا يشركون " حنفاء " مائلين عن العقائد الزائغة " ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة " ولكنهم
حرفوه فعصوا " وذلك دين القيمة " أي دين الملة القيمة . ( 2 )
أرأيت الذي يكذب بالدين " بالجزاء ، أو الاسلام " فذلك الذي يدع اليتيم "
يدفعه دفعا عنيفا وهو أبوجهل كان وصيا ليتيم فجاءه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه ،
( هامش ص 171 ) ( 1 ) مجمع البيان 10 : 515 .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 613 و 614 .
[172]
أو أبوسفيان نحر جزورا فسأله يتيم لحما فقرعه بعصاه ، أو الوليد بن المغيرة ، أو منافق
بخيل . ( 1 )
وقال الطبرسي رحمه الله : نزلت سورة الجحد في نفر من قريش منهم الحارث بن
قيس السهمي والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة والاسود بن عبد يغوث والاسود بن
المطلب بن أسد وامية بن خلف ، قالوا : هلم يا محمد فاتبع ديننا ونتبع دينك ، ونشركك
في أمرنا كله ، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا
كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك
كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه ، فقال : معاذ الله أن اشرك به غيره ،
قالوا : فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك ، فقال : حتى أنظر ما يأتي من عند
ربي ، فنزل : " قل يا أيها الكافرون " السورة ، فعدل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسجد الحرام
وفيه الملا من قريش فقام على رؤرسهم ثم قرأ عليهم حتى فرغ من السورة ، فأيسوا
عند ذلك وآذوه وآذوا أصحابه ، قال ابن عباس : وفيهم نزل قوله : " أفغير الله تأمروني
أعبد أيها الجاهلون " .
" قل يا أيها الكافرون " يريد قوما معينين " لا أعبد ما تعبدون " أي لا أعبد آلهتكم
التي تعبدونها اليوم وفي هذه الحال " ولا أنتم عابدون ما أعبد " أي إلهي الذي أعبده
اليوم وفي هذه الحال " ولا أنا عابد ما عبدتم " فيما بعد اليوم " ولا أنتم عابدون ما أعبد "
فيما بعد اليوم من الاوقات المستقبلة ، وقيل أيضا في وجه التكرار : إن القرآن نزل
بلغة العرب ومن عادتهم تكرير الكلام للتأكيد والافهام ، وقيل أيضا في ذلك : إن
المعنى : لا أعبد الاصنام التي تعبدونها ، ولا أنتم عابدون الله الذي أنا عابده إذا أشركتم
به واتخذتم الاصنام وغيرها تعبدونها من دونه وإنما يعبد الله من أخلص العبادة له ،
" ولا أنا عابد ما عبدتم " أي لا أعبد عبادتكم ، فتكون ما مصدرية " ولا أنتم عابدون ما
أعبد " أي وما تعبدون عبادتي ، فأراد في الاول المعبود ، وفي الثاني العبادة " لكم دينكم
ولي دين " أي لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني ، فحذف المضاف ، أولكم كفركم بالله
( هامش ص 172 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 620 .
[173]
ولي دن التوحيد والاخلاص على الوعيد والتهديد كقوله : " اعملوا ما شئتم " أو المراد
بالدين الجزاء . ( 1 )
أقول : أكثر آيات القرآن الكريم مسوقة للاحتجاج ، وإنما اقتصرنا على ما
أوردنا لكونها أظهر فيه ، مع أنا قدأوردنا كثيرا منها في كتاب التوحيد وكتاب العدل
والمعاد ، وسيأتي بعضها مع تفسير كثير مما أوردنا ههنا في كتاب أحوال نبينا صلى الله عليه وآله .
1 - م : " ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين " قال الامام عليه السلام : كذبت
قريش واليهود بالقرآن وقالوا : سحر مبين تقوله ، فقال عزوجل : " ألم ذلك الكتاب "
أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلته عليك وهو بالحروف المقطعة التي منها ألف ولام
وميم وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين ، فاستعينوا على ذلك
بسائر شهدائكم ، ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله : " قل لئن اجتمعت الانس و
الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " قال
الله تعالى " ألم " هو القرآن الذى افتتح بألم هو " ذلك الكتاب " الذي أخبر به موسى
ومن بعده من الانبياء ، واخبروا بني إسرائيل أني سانزله عليك يا محمد كتابا عربيا
عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " لا ريب فيه "
لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم أن محمدا صلى الله عليه وآله ينزل عليه الكتاب
يقرؤه هو وامته على سائر أحوالهم . ( 2 )
2 - م : " إن الذين كفروا سواء عليهم " الآية ، قال الامام عليه السلام : لما ذكر
الله هؤلاء المؤمنين ومدحهم ذكر المنافقين ( الكافرين خ ل ) المخالفين لهم في كفرهم فقال :
" إن الذين كفروا " بالله وبما آمن به هؤلاء المؤمنون من توحيد الله ، ونبوة محمد رسول
الله صلى الله عليه وآله ، وبوصيه علي عليه السلام ولي الله ووصي رسوله وبالائمة الطيبين الطاهرين
خيار عباده الميامين القوامين بمصالح خلق الله " سواء عليهمءأنذرتهم " خوفتهم " أم
لم تنذرهم " لم تخوفهم " لا يؤمنون " أخبر عن علمه فيهم ، وهم الذين قد علم الله عز
وجل أنهم لا يؤمنون .
( هامش ص 173 ) ( 1 ) مجمع البيان 10 : 552 .
( 2 ) تفسير العسكرى : 22 .
[174]
قال محمد بن علي الباقر عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة وظهرت آثار
صدقه وآيات حقيته وبينات نبوته كادت اليهود أشد كيد وقصدوه أقبح قصد ، يقصدون
أنواره ليطمسوها ، وحجته ليبطلوها ، فكان ممن قصده للرد عليه وتكذيبه مالك بن
الصيف وكعب بن الاشرف وحيي بن أخطب وحدي بن أخطب وأبوياسر بن أخطب ،
وأبولبابة بن عبدالمنذر ، ( 1 ) فقال : مالك لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا محمد تزعم أنك رسول الله ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كذلك قال الله خالق الخلق أجمعين ، قال : يا محمد لن نؤمن لك
أنك رسوله حتى يؤمن لك هذا البساط الذي تحتي . إلى آخر ما سيأتي في أبواب
معجزاته صلى الله عليه وآله .
" ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم " الآية ، قال عليه السلام : أي وسمها بسمة يعرفها
من يشاء من ملائكته إذا نظر إليها ، بأنهم الذين لا يؤمنون " وعلى سمعهم " " وعلى
أبصارهم غشاوة " وذلك أنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه وقصروا فيما اريد
منهم جهلوا ما لزمهم الايمان به ، فصاروا كمن على عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه ، فإن
الله عزوجل يتعالى عن العبث والفساد وعن مطالبة العباد بما قد منعهم بالقهر منه فلا
يأمرهم بمغالبته ولا بالمسير إلى ما قد صدهم بالعجز عنه " ولهم عذاب عظيم " يعني في
الآخرة العذاب المعد للكافرين ، وفي الدنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به
من عذاب الاستصلاح لينبهه لطاعته ، أو من عذاب الاصطلام ليصيره إلى عدله و
حكمته . ( 2 )
3 - فس : " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين "
فإنها نزلت في قوم منافقين أظهروا لرسول الله صلى الله عليه وآله الاسلام ، وكانوا إذا رأوا الكفار
قالوا : " إنا معكم " وإذا لقوا المؤمنين قالوا : نحن مؤمنون ، وكانوا يقولون للكفار
" إنا معكم إنما نحن مستهزءون " فرد الله عليهم " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم
( هامش ص 174 ) ( 1 ) في المصدر : وشيبة .
( 2 ) تفسير العسكرى : 33 و 36 .
[175]
يعمهون " والاستهزاء من الله هو العذاب " ويمدهم في طغيانهم " أي يدعهم " اولئك
الذين اشتروا الضلالة بالهدى " الضلالة ههنا : الحيرة ، والهدى : البيان ، واختاروا
الحيرة والضلالة على البيان " وادعوا شهداءكم " يعني الذين عبدوهم وأطاعوهم من
دون الله . ( 1 )
4 - م : " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا " الآية ، قال العالم عليه السلام
فلما ضرب الله الامثال للكافرين المجاهدين الدافعين لنبوة محمد صلى الله عليه وآله والمناصبين
المنافقين لرسول الله صلى الله عليه وآله الدافعين ما قاله محمد صلى الله عليه وآله في أخيه علي عليه السلام والدافعين أن
يكون ما قاله عن الله عزوجل وهي آيات محمد صلى الله عليه وآله ومعجزاته لمحمد صلى الله عليه وآله مضافة
إلى آياته التي بينها لعلي عليه السلام بمكة والمدينة ولم يزدادوا إلا عتوا وطغيانا قال
الله تعالى لمردة أهل مكة وعتاة أهل مدينة : " إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا "
حتى تجحدوا أن يكون محمد رسول الله أن يكون هذا المنزل عليه كلامي مع إظهاري
عليه بمكة الباهرات من الآيات كالغمامة التي كان يظله بها في أسفاره ، والجمادات
التي كانت تسلم عليه من الجبال والصخور والاحجار والاشجار ، وكدفاعه قاصديه
بالقتل عنه وقتله إياهم ، وكالشجرتين المتباعدتين اللتين تلاصقتا فقعد خلفهما لحاجته ثم
تراجعتا إلى أمكنتهما ( 2 ) كما كانتا ، وكدعائه للشجرة فجاءته مجيبة خاضعة ذليلة ثم
أمره لها بالرجوع فرجعت سامعة مطيعة قال : يا معاشر قريش واليهود ويا معاشر النواصب
المنتحلين لاسلام الذين هم منه برآء ، ويا معشر العرب الفصحاء البلغاء ذوي الالسن
" فأتوا بسورة من مثله " من مثل محمد صلى الله عليه وآله ، من مثل رجل منكم لايقرء ولا يكتب ،
ولم يدرس كتابا ، ولا اختلف إلى عالم ، ولا تعلم من أحد ، وأنتم تعرفونه في أسفاره
وفي حضره ، بقي كذلك أربعين سنة ثم اوتي جوامع العلم حتى علم علم الاولين و
الآخرين .
( هامش ص 175 ) ( 1 ) تفسير القمى : 30
( 2 ) في المصدر : ثم تراجعتا إلى مكانهما .
[176]
" فإن كنتم في ريب " من هذه الآيات " فأتوا " من مثل هذا الرجل بمثل هذا
الكلام ليبين أنه كاذب ، ( 1 ) لان كل ما كان من عند غير الله فسيوجد له نظير
في سائر خلق الله " وإن كنتم " معاشر قراء الكتب من اليهود والنصارى " في شك " مما
جاءكم به محمد صلى الله عليه وآله من شرائعه ومن نصبه أخاه سيد الوصيين وصيا بعد أن أظهر
لكم معجزاته التي منها أن كلمته ذراع مسمومة ، وناطقة ذئب ، وحن إليه العود
وهو على المنبر ، ودفع الله عنه السم الذي دسته اليهود ( 2 ) في طعامهم ، وقلب عليهم
البلاء ( 3 ) وأهلكهم به ، وكثر القليل من الطعام " فأتوا بسورة من مثله " يعني
مثل القرآن من التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم والكتب الاربعة عشر ( 4 )
فإنكم لا تجدون في سائر كتب الله سورة كسورة من هذا القرآن ، وكيف يكون
كلام محمد صلى الله عليه وآله المتقول أفضل من سائر كلام الله وكتبه يا معشر اليهود والنصارى ؟ ثم
قال لجماعتهم : " وادعوا شهداءكم من دون الله " ادعوا أصنامكم التي تعبدونها أيها
المشركون ، وادعوا شياطينكم يا أيها النصارى واليهود ، وادعوا قرناءكم من الملحدين
يا منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد الطيبين عليهما السلام وسائر أعوانكم على إراداتكم
" إن كنتم صادقين " بأن محمدا تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه لم ينزله الله عليه ، وأن
ما ذكره من فضل علي على جميع امته وقلده سياستهم ليس بأمر أحكم الحاكمين .
ثم قال عزوجل : " فإن لم تفعلوا " أي لم تأتوا يا أيها المقرعون بحجة رب
العالمين " ولن تفعلوا " أي ولا يكون هذا منكم أبدا " فاتقوا النار التي وقودها الناس "
أي حطبها " والحجارة " توقد تكون عذابا على أهلها " اعدت للكافرين " المكذبين بكلامه
وبنبيه صلى الله عليه وآله الناصبين العداوة لوليه ووصيه ، قال : فاعلموا بعجزكم عن ذلك أنه من قبل
الله ولو كان من قبل المخلوقين لقدرتم على معارضته ، فلما عجزوا بعد التقريع والتحدي
قال الله : " قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله
( هامش ص 176 ) ( 1 ) في المصدر : لتبيين أنه كاذب كما تزعمون .
( 2 ) في المصدر : دسته اليهودية في طعامهم .
( 3 ) في نسخة : وغلب عليهم البلاء .
( 4 ) في المصدر : والكتب المائة والاربعة عشر .
[177]
ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " ( 1 )
5 - م : " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " الآية : قال الباقر
عليه السلام : فلما قال الله : " يا أيها الناس ضرب مثل " وذكر الذباب في قوله : " إن الذين
يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا " الآية ، ولما قال : " مثل الذين اتخذوا من دون
الله أولياء كمثل العنكبوت " الآية ، وضرب مثلا في هذه السورة بالذي استوقد نارا
وبالصيب من السماء قالت الكفار والنواصب : وما هذا من الامثال فيضرب ؟ يريدون
به الطعن على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال الله : يا محمد " إن الله لا يستحيي " لا يترك حياء " أن
يضرب مثلا " للحق يوضحه به عند عباده المؤمنين " ما بعوضة " ما هو بعوضة المثل " فما
فوقها " فوق البعوضة وهو الذباب ، يضرب به المثل إذا علم أن فيه صلاح عباده ونفعهم
" فأما الذين آمنوا " بالله وبولاية محمد وعلي وآلهما الطيبين ، وسلم لرسول الله ( 2 ) صلى الله عليه وآله
وللائمة أحكامهم وأخبارهم وأحوالهم ، ولم يقابلهم في امورهم ، ( 3 ) ولم يتعاط
الدخول في أسرارهم ، ولم يفش شيئا مما يقف عليه منها إلا بإذنهم " فيعلمون " يعلم
هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم " أنه " المثل المضروب " الحق من ربهم " أراد به الحق
وإبانته والكشف عنه وإيضاحه " وأما الذين " كفروا بمحمد بمعارضتهم له في علي بلم
وكيف وتركهم الانقياد له في سائر ما أمر به " فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل
به كثيرا ويهدي به كثيرا " يقول ( 4 ) الذين كفروا : إن الله يضل بهذا المثل كثيرا ويهدي به
كثيرا ، أي فلا معنى للمثل لانه وإن نفع به من يهديه فهو يضر به من يضله ، فرد الله تعالى
عليهم قيلهم فقال : " وما يضل به " أي وما يضل الله بالمثل " إلا الفاسقين " الجانين على
أنفسهم بترك تأمله وبوضعه على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه . ( 5 )
( هامش ص 177 ) ( 1 ) تفسير العسكرى : 59 . التقريع : التعنيف . والتحدى : المباراة والمغالبة .
( 2 ) في المصدر : وسلموا لرسول الله صلى الله عليه وآله .
( 3 ) في المصدر : ولم يقابلوهم .
( 4 ) في المصدر : أى يقول .
( 5 ) تفسير العسكرى : 82 .
[178]
بيان : قوله عليه السلام : ما هو بعوضة ظاهره أنه عليه السلام قرأ بالرفع كما قرئ
به في الشواذ ، فكلمة " ما " إما موصولة حذف صدر صلتها ، أو موصوفة كذلك و
محلها النصب بالبدلية ، أو استفهامية هي المبتداء ، والاظهر في الخبر الوجهان الاولان .
6 - م : " يا بني إسرائيل اذكروا " الآية ، قال الامام عليه السلام : قال الله عزوجل
" يا بني إسرائيل " ولد يعقوب إسرائيل " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " لما
بعثت محمدا ، وأقررته بمدينتكم ، ولم أجشمكم الحط والترحال إليه ، ( 1 ) وأوضحت
علاماته ودلائل صدقه لئلا يشتبه عليكم حاله " وأوفوا بعهدي " الذي أخذته على أسلافكم
أنبياؤكم ، وأمروهم ( 3 ) أن يؤدوه إلى أخلافهم ليؤمنن بمحمد العربي القرشي الهاشمي
المتأتي بالآيات ( 3 ) المؤيد بالمعجزات التي منها : أن كلمته ذراع مسمومة ، وناطقة ذئب ،
وحن إليه ( 4 ) عود المنبر ، وكثر الله له القليل من الطعام ، وألان له الصلب من الاحجار
وصبت له المياه السيالة ، ( 5 ) ولم يؤيد نبيا من أنبيائه بدلالة إلا جعل له مثلها أو
أفضل منها ، والذي جعل من آياته ( 6 ) علي بن أبي طالب عليه السلام شقيقه ورفيقه ، عقله
من عقله ، وعلمه من علمه ، ( 7 ) وحلمه من حلمه ، مؤيد دينه بسيفه الباتر ( 8 ) بعد أن قطع
معاذير المعاندين بدليله القاهر وعلمه الفاضل وفضله الكامل " اوف بعهدكم " الذي أوجبت
به لكم نعيم الابد في دار الكرامة ومستقر الرحمة " وإياي فارهبون " في مخالفة محمد صلى الله عليه وآله
فإني القادر على صرف بلاء من يعاديكم على موافقتي ، وهم لا يقدرون على صرف انتقامي
عنكم إذا آثرتم مخالفتي .
( هامش ص 178 ) ( 1 ) جشمه وأجشمه الامر : كلفه إياه .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 178 سطر 19 الى ص 186 سطر 18

( 2 ) في المصدر : على أسلافكم انبياؤهم وامراؤهم ( وأمروهم خ ل ) أن يؤدوه إلى أخلافهم
ليؤمنوا ا ه .
( 3 ) في المصدر وفى نسختين مخطوطتين من الكتاب وكذا في هامش النسخة المقروءة على
المصنف : المبان بالايات .
( 4 ) حن إليه : اشتاق .
( 5 ) في المصدر ونسخة من الكتاب وكذا في هامش النسخة المقروءة على المصنف : وصلب له
المياه السيالة .
( 6 ) في المصدر : والذى جعل من أكبر آياته .
( 7 ) : وحكمه من حكمه وحلمه من حلمه .
( 8 ) الباتر : القاطع .
[179]
" وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به " الآية ، قال
الامام عليه السلام : قال الله عزوجل لليهود : " وآمنوا " أيها اليهود " بما أنزلت " على محمد
صلى الله عليه وآله من ذكر نبوته ، وإنباء إمامة أخيه علي وعترته الطاهرين " مصدقا لما معكم "
فإن مثل هذا في كتابكم ( 1 ) أن محمدا النبي سيد الاولين والآخرين المؤيد بسيد
الوصيين وخليفة رسول رب العالمين فاروق الامة ، وباب مدينة الحكمة ، ووصي
رسول الرحمة " ولا تشتروا بآياتي " المنزلة بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وإمامة علي عليه السلام والطيبين
من عترته " ثمنا قليلا " بأن تجحدوا نبوة النبي صلى الله عليه وآله وإمامة الامام عليه السلام ( 2 ) تعتاضوا
منها عرض الدنيا ، فإن ذلك وإن كثر فإلى نفاد أو خسار وبوار .
وقال عزوجل : " وإياي فاتقون " في كتمان أمر محمد صلى الله عليه وآله وأمر وصيه ، فإنكم
إن تتقوالم تقدحوا في نبوة النبي ولا في وصية الوصي ، بل حجج الله عليكم قائمة ،
وبراهينه لذلك واضحة ، وقد قطعت معاذيركم ، وأبطلت تمويهكم ، ( 3 ) وهؤلاء يهود
المدينة جحدوا نبوه محمد وخانوه وقالوا : نحن نعلم أن محمدا نبي ، وأن عليا وصيه ،
ولكن لست أنت ذاك ولا هذا - يشيرون إلى علي - فأنطق الله ثيابهم التي عليهم ، وخفافهم
التي في أرجلهم ، يقول كل واحد منها للابسه : كذبت يا عدو الله ، بل النبي محمد صلى الله عليه وآله
هذا ، والوصي علي هذا ، ولو أذن لنا ضغطناكم وعقرناكم ( 4 ) وقتلناكم ، وقال رسول
الله صلى الله عليه وآله : إن الله يمهلهم لعلمه بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات طيبات مؤمنات ،
لو تزيلوا ( 5 ) لعذب هؤلاء عذابا أليما ، إنما يعجل من يخاف الفوت . ( 6 )
7 - فس : " أفتطمعون أن يؤمنوا لكم " الآية ، فإنها نزلت في اليهود قد كانوا
( هامش ص 179 ) ( 1 ) في المصدر : فان مثل هذا الذكر في كتابكم .
( 2 ) : بأن تجحدوا نبوة النبى وامامة على وآلهما ا ه .
( 3 ) موه عليه الامر أو الخبر : زوره عليه وزخرفه ولبسه ، أو بلغه خلاف ما هو .
( 4 ) ضغطه : عصره ، وضيق عليه . عقره : جرحه . نحره .
( 5 ) تزيلوا : تفرقوا ، أى لو تميزت ذرياتهم المؤمنات عن أصلابهم لعذب هؤلاء .
( 6 ) تفسير الامام العسكرى : 92 .
[180]
أظهروا الاسلام ، وكانوا منافقين ، وكانوا إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا : إنا معكم ،
وإذا لقوا اليهود قالوا : نحن معكم ، وكانوا يخبرون المسلمين بما في التوراة من صفة
محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه : فقال لهم كبراؤهم وعلماؤهم : " أتحدثونهم بما فتح الله
عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون " فرد الله عليهم فقال : " أولا يعلمون أن
الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " .
" ومنهم " أي من اليهود " اميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون "
وكان قوم منهم يحرفون التوراة وأحكامه ثم يدعون أنه من عند الله فأنزل الله تعالى
فيهم : " فويل للذين يكتبون الكتاب " الآية .
" وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " قال بنو إسرائيل لن نعذب إلا الايام
المعدودات التي عبدنا فيها العجل ، فرد الله عليهم فقال الله تعالى : " قل " يا محمد " أتخذتم
عند الله عهدا " الآية : " وقولوا للناس حسنا " نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله : " اقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم " . ( 1 )
8 - م : " وإذا أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم " الآية : قال الامام عليه السلام : أي
واذكروا يا بني إسرائيل حين أخذ ميثاقكم ، أي أخذ الميثاق على أسلافكم ( 2 ) وعلى
كل من يصل إليه الخبر بذلك من أخلافهم الذين أنتم منهم " لا تسفكون دماءكم " لا
يسفك بعضكم دماء بعض " ولا تخرجون أنفسكم من دياركم " أي لا يخرج بعضكم بعضا
من ديارهم " ثم أقررتم " بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم ، والتزمتموه كا التزموه
" وأنتم تشهدون " بذلك الميثاق على أسلافكم وأنفسكم " ثم أنتم " معاشر اليهود " تقتلون
أنفسكم " يقتل بعضكم بعضا " وتخرجون فريقا منكم من ديارهم " غضبا وقهرا " تظاهرون
عليهم " يظاهر بعضكم بعضا على إخراج من تخرجونه من ديارهم ، وقتل من تقتلونهم
بغير حق ( 3 ) " بالاثم والعدوان " بالتعدي تتعاونون وتتظاهرون " وإن يأتوكم " يعني
( هامش ص 180 ) ( 1 ) تفسير القمى : 42 و 43 .
( 2 ) في المصدر : واذكروا يا بنى إسرائيل حين اخذنا ميثاقكم على أسلافكم .
( 3 ) في المصدر : وقتل من تقتلونه منهم بغير حق .
[181]
هؤلاء الذين تخرجونهم ، أي ترومون إخراجهم وقتلهم ظلما إن يأتوكم " اسارى " قد
أسرهم أعداؤكم وأعداؤهم " تفادوهم " من الاعداء بأموالكم " وهو محرم عليكم إخراجهم "
أعاد قوله : " إخراجهم " ولم يقتصر على أن يقول : " وهو محرم عليكم " لانه لو قال ذلك
لرئي أن المحرم إنما هو مفاداتهم ، ثم قال الله : " أفتؤمنون ببعض الكتاب " وهو الذي
أوجب عليهم المفادات " وتكفرون ببعض " وهو الذي حرم قتلهم وإخراجهم ، فقال : فإذا
كان قد حرم الكتاب قتل النفوس والاخراج من الديار كما فرض فداء الاسراء فما
بالكم تطيعون في بعض وتعصون في بعض ؟ كأنكم ( فإنكم خ ل ) ببعض كافرون ، وببعض
مؤمنون ، ثم قال : " فما جزاء من يفعل ذلك منكم " يا معشر اليهود " إلا خزي " ذل
في الحياة الدنيا جزية تضرب عليه يذل بها " ويوم القيمة يردون إلى أشد العذاب "
إلى جنس أشد العذاب ، يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم " وما الله بغافل عما
يعملون " يعمل هؤلاء اليهود ( 1 ) ثم وصفهم فقال تعالى : " اولئك الذين اشتروا
الحيوة الدنيا بالآخرة " رضوا بالدنيا وحطامها بدلا من نعيم الجنان المستحق بطاعات
الله " فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون " لا ينصرهم أحد يرفع عنهم العذاب . ( 2 )
9 - م : " ولما جاءهم كتاب من عند الله " الآية قال الامام عليه السلام : ذم الله تعالى اليهود
فقال : " ولما جاءهم " يعني هؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم وإخوانهم من اليهود جاءهم
" كتاب من عند الله " القرآن " مصدق " ذلك الكتاب " لما معهم " التوراة ( 3 ) التي بين
فيها أن محمدا الامين ( الامي خ ل ) من ولد إسماعيل المؤيد بخير خلق الله بعده علي ولي
الله " وكانوا " يعني هؤلاء اليهود " من قبل " ظهور محمد صلى الله عليه وآله بالرسالة " يستفتحون "
يسألون ( الله خ ل ) الفتح والظفر " على الذين كفروا " من أعدائهم والمناوين لهم ( 4 )
وكان الله يفتح لهم وينصرهم ، قال الله تعالى : " فلما جاءهم " أي هؤلاء اليهود " ما
( هامش ص 181 ) ( 1 ) في المصدر : أى يعمل هؤلاء اليهود .
( 2 ) تفسير الامام : 136 و 137 .
( 3 ) : في المصدر : لما معهم من التوراة .
( 4 ) المناوين : المعادين .
[182]
عرفوا " من نعت محمد صلى الله عليه وآله وصفته " كفروا به " جحدوا نبوته حسدا له وبغيا
عليه . ( 1 )
أقول : سيأتي تمامه في كتاب أحوال النبي صلى الله عليه وآله .
10 - م : " بئسما اشتروا به أنفسهم " الآية قال الامام عليه السلام : ذم الله تعالى
اليهود وعاب فعلهم في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وآله فقال : " بئسما اشتروا به أنفسهم " أي
اشتروها بالهدايا والفضول التي كانت تصل إليهم ، وكان الله أمرهم بشرائها من الله
بطاعتهم له ليجعل لهم أنفسهم والانتفاع بها دائما في نعيم الآخرة فلم يشتروها ، بل
اشتروها بما أنفقوه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وآله ليبقى لهم عزهم في الدنيا ورياستهم على
الجهال ، وينالوا المحرمات وأصابوا الفضولات من السفلة وصرفوهم عن سبيل الرشاد ،
ووقفوهم على طرق الضلالات ، ثم قال عزوجل : " أن يكفروا بما أنزل الله بغيا " أي
بما أنزل على موسى من تصديق محمد صلى الله عليه وآله بغيا " أن ينزل الله من فضله على من يشاء
من عباده " قال : وإنما كان كفرهم لبغيهم وحسدهم له لما أنزل الله من فضله عليه وهو
القرآن الذي أبان فيه نبوته وأظهر به آيته ومعجزته ، ثم قال : " فباءوا بغضب على
غضب " يعني رجعوا وعليهم الغضب من الله على غضب في أثر غضب ، والغضب الاول
حين كذبوا بعيسى بن مريم ، والغضب الثاني حين كذبوا بمحمد صلى الله عليه وآله ، قال : والغضب
الاول أن جعلهم قردة خاسئين ولعنهم على لسان عيسى عليه السلام ، والغضب الثاني حين
سلط عليهم سيوف محمد وآله وأصحابه وامته حتى ذللهم بها ، فإما دخلوا في الاسلام
طائعين ، وإما أدوا الجزية صاغرين داخرين . ( 2 )
11 - م : " وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله " الآية ، قال الامام عليه السلام : " وإذا
قيل " لهؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم " آمنوا بما أنزل الله " على محمد من القرآن
المشتمل على الحلال والحرام والفرائض والاحكام " قالوا نؤمن بما انزل " علينا من
التوراة ويكفرون بما وراءه " يعني ما سواه لا يؤمنون به " وهو الحق " والذي يقول
( هامش ص 182 ) ( 1 ) تفسير الامام العسكرى : 158 .
( 2 ) : 162 .
[183]
هؤلاء اليهود أنه وراءه هو الحق ، لانه هو الناسخ للمنسوخ الذي تقدمه ، ( 1 ) قال الله
تعالى : " قل فلم تقتلون " ولم كان يقتل أسلافكم " أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين "
بالتوراة ، أي ليس في التوراة الامر بقتل الانبياء ، ( 2 ) فإذا كنتم تقتلون الانبياء فما آمنتم
بما انزل عليكم من التوراة لان فيها تحريم قتل الانبياء ، وكذلك إذا لم تؤمنوا
بمحمد وبما انزل عليه وهو القرآن وفيه الامر بالايمان به فأنتم ما آمنتم بعد
بالتوراة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أخبر الله تعالى أن من لا يؤمن بالقرآن فما آمن
بالتوراة فإن الله تعالى أخذ عليهم الايمان بهما ، لا يقبل الايمان بأحدهما إلا مع
الايمان بالآخر . ( 3 )
12 - م : " أم تريدون أن تسألوا رسولكم " الآية ، قال الامام عليه السلام : قال
علي بن محمد بن علي بن موسى عليهم السلام : " أم تريدون " بل تريدون ( 4 ) يا كفار قريش و
اليهود " أن تسألوا رسولكم " ما تقترحونه من الآيات التي لا تعلمون هل فيها صلاحكم
أو فسادكم " كما سئل موسى من قبل " واقترح عليه لما قيل له : " لن نؤمن لك حتى
نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة " " ومن يتبدل الكفر بالايمان " بعد جواب الرسول
له أن ما سأله لا يصلح اقتراحه على الانبياء ، ( 5 ) وبعد ما يظهر الله له ما اقترح إن كان
صوابا " ومن يتبدل الكفر بالايمان " بأن لا يؤمن عن مشاهدة ما اقترح من الآيات ،
أو لا يؤمن إذا عرف أن ليس له أن يقترح وأنه يجب أن يكتفي بما قد أقامه الله من
الدلالات وأوضح من البينات فيتبدل الكفر بالايمان بأن يعاند ويلتزم الحجة
القائمة عليه " فقد ضل سواء السبيل " أخطأ قصد الطرق المؤذية إلى الجنان ، وأخذ
في الطرق المؤدية إلى النيران . ( 6 )
( هامش ص 183 ) ( 1 ) في المصدر وفى نسخة من الكتاب : الذى قدمه الله تعالى .
( 2 ) في نسخة : أى ليست التوراة الامر بقتل الانبياء .
( 3 ) تفسير الامام : 163 .
( 4 ) في المصدر : أى بل تريدون .
( 5 ) في المصدر : لا يصلح اقتراحه على الله .
( 6 ) تفسير الامام العسكرى : 203 .
[184]
13 - م : " ود كثير من أهل الكتاب " الآية ، قال الامام عليه السلام : " ود كثير
من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا " بما يوردونه عليكم من الشبه
" حسدا من عند أنفسكم " لكم بأن أكرمكم بمحمد وعلي وآلهماالطيبين " من
بعد ما تبين لهم الحق " المعجزات ( 1 ) الدالات على صدق محمد صلى الله عليه وآله وفضل علي وآلهما
" فاعفوا واصفحوا " عن جهلهم وقابلوهم بحجج الله وادفعوا بها أباطيلهم " حتى يأتي الله
بأمره " فيهم بالقتل يوم مكة ، فحينئذ تجلونهم من بلد مكة ومن جزيرة العرب ولا
تقرون بها كافرا " إن الله على كل شئ قدير " ولقدرته على الاشياء قدر على ما هو أصلح
لكم في تعبده إياكم من مداراتهم ومقابلتهم بالجدال بالتي هي أحسن . ( 2 )
أقول : وسيأتي تمامه في أبواب أحوال أصحاب النبي صلى الله عليه وآله .
14 - م : قوله عزوجل : " وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت
النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل
قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون " قال الامام عليه السلام : قال الله
تعالى : " وقالت اليهود ليست النصارى على شئ " من الدين بل دينهم باطل وكفر
" وهم يتلون الكتاب " التوراة " وقالت النصارى ليست اليهود على شئ " من الدين
بل دينهم باطل وكفر " وهم يتلون الكتاب " الانجيل ، ( 3 ) فقال : هؤلاء وهؤلاء
مقلدون بلا حجة وهم يتلون الكتاب فلا يتأملونه ليعملوا بما يوجبه فيتخلصوا من
الضلالة ، ثم قال : " كذلك قال الذين لا يعلمون " الحق ولم ينظروا فيه من حيث
أمرهم الله ، فقال بعضهم لبعض وهم مختلفون كقول اليهود والنصارى بعضهم لبعض ،
هؤلاء يكفر هؤلاء ، وهؤلاء يكفر هؤلاء ، ثم قال الله تعالى : " فالله يحكم بينهم يوم
القيمة فيما كانوا فيه يختلفون " في الدنيا يبين ضلالهم وفسقهم ، ويجازي كل واحد
منهم بقدر استحقاقه .
وقال الامام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام : إنما انزلت الآية لان قوما
( هامش ص 184 ) ( 1 ) في الصدر : من بعد ما تبين لهم الحق بالمعجزات .
( 2 ) تفسير الامام : 212 .
( 3 ) راجع المصدر فانه خال عن جملة : وهم يتلون الكتاب الانجيل .
[185]
من اليهود وقوما من النصارى جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا : يا محمد اقض بيننا ،
فقال : قصوا علي قصتكم ، فقالت اليهود : نحن المؤمنون بالاله الواحد الحكيم و
أوليائه وليست النصارى على شئ من الدين والحق ، وقالت النصارى : بل نحن المؤمنون
بالاله الواحد الحكيم وليست اليهود على شئ من الدين والحق ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله : كلكم مخطؤون مبطلون فاسقون عن دين الله وأمره ، فقالت اليهود : فكيف
نكون كافرين وفينا كتاب الله التوراة نقرؤه ؟ وقالت النصارى : كيف نكون كافرين
ولنا كتاب الله الانجيل نقرؤه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنكم خالفتم أيها اليهود و
والنصارى كتاب الله فلم تعملوا به ، فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضا بغير
حجة ، لان كتب الله أنزلها شفاء من العمى ( الغي خ ل ) وبيانا من الضلالة ، يهدي العاملين
بها إلى صراط مستقيم ، وكتاب الله إذا لم تعملوا بما كان فيه كان وبالا عليكم ، ( 1 ) و
حجة الله إذا لم تنقادوا لها كنتم لله عاصين ولسخطه متعرضين ، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله
على اليهود وقال : احذروا أن ينالكم بخلاف أمر الله وخلاف كتاب الله ما أصاب أوائلكم
الذين قال الله فيهم : " فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم " وأمروا بأن يقولوه ،
قال الله تعالى : " فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء " عذابا من السماء طاعونا
نزل بهم فمات منهم مائة وعشرون ألفا ، ثم أخذهم بعد ذلك فمات ( 2 ) منهم مائة و
عشرون ألفا أيضا ، وكان خلافهم أنهم لما بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا فقالوا :
ما بالنا نحتاج أن نركع عند الدخول ههنا ، ظننا أنه باب متطامن ( 3 ) لا بد من الركوع
فيه ، وهذا باب مرتفع ، إلى متى يسخر هؤلاء ؟ - يعنون موسى ويوشع بن نون -
ويسجدونا في الاباطيل ، وجعلوا إستاهم نحو الباب ، وقالوا بدل قولهم : حطة الذي
امروا به : همطا سمقانا ، ( 4 ) يعنون حنطة حمراء ، فذلك تبديلهم . ( 5 )
( هامش ص 185 ) ( 1 ) في المصدر : وكتاب الله إذا لم تعملوا به كان وبالا عليكم .
( 2 ) في المصدر : ثم أخذهم بعد قباع فمات إ ه . وحكى عنه كذلك أيضا في البرهان .
( 3 ) في النسخة المقروءة على المصنف : انه باب منحط إ ه . والمتطامن : المنخفض .
( 4 ) في النسخة المقروءة على المصنف : هطاسمقانا ، وفى المصدر في طبعيه : همطا شمقاثا . وحكاه
في البرهان هكذا : هطا سمقاثا .
( 5 ) تفسير الامام : 226 و 227 .
[186]
15 - فس : " واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم " أي أحبواالعجل حتى
عبدوه ، ثم قالوا : نحن أولياؤ الله ، فقال الله عزوجل : إن كنتم أولياء لله كما تقولون
" فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " لان في التوراة مكتوب : إن أولياء الله يتمنون
الموت .
قوله تعالى : " قل من كان عدوا لجبريل " الآية ، فإنها نزلت في اليهود الذين
قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله : إن لنا من الملائكة أصدقاء وأعداء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
من صديقكم ؟ ومن عدوكم ؟ قالوا : جبرئيل عدونا لانه يأتي بالعذاب ، ولو كان
الذي نزل عليك ميكائيل لآمنا بك ، فإن ميكائيل صديقنا ، وجبرئيل ملك الفظاظة
والعذاب ، وميكائيل ملك الرحمة ، فأنزل الله تعالى : " قل من كان عدوا لجبريل " إلى
قوله : " فإن الله عدو للكافرين " . ( 1 )
16 - م : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " الآية ، قال الامام عليه السلام :
قال الله تعالى لما آمن المؤمنون وقبل ولاية محمد وعلي عليهما السلام العاقلون ، وصد عنهما
المعاندون : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " أعداء يجعلونهم لله أمثالا
" يحبونهم كحب الله " يحبون تلك الانداد من الاصنام كحبهم لله " والذين آمنوا
أشد حبا لله " من هؤلاء المتخذين الانداد مع الله ، لان المؤمنون يرون الربوبية لله
لا يشركون ، ( 2 ) ثم قال : يا محمد " ولو يرى الذين ظلموا " باتخاذ الاصنام أندادا و
اتخاذ الكفار والفجار أمثالا لمحمد وعلي صلوات الله عليهما " إذ يرون العذاب "
الواقع بهم لكفرهم وعنادهم " أن القوة لله " ( 3 ) لعلموا أن القوة لله يعذب من يشاء ،


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 186 سطر 19 الى ص 194 سطر 18

ويكرم من يشاء ، لا قوة للكفار يمتنعون بها عن عذابه " وأن الله شديد العقاب " ولعلموا
أن الله شديد العقاب لمن اتخذ الانداد مع الله ، ثم قال : " إذ تبرأ الذين اتبعوا " الرؤساء
" من الذين اتبعوا " الرعايا والاتباع ( 4 ) " وتقطعت بهم الاسباب " فنيت حيلهم ولا
( هامش ص 186 ) ( 1 ) تفسير القمى : 46 .
( 2 ) في المصدر : يرون الربوبية لله وحده لا يشركون به .
( 3 ) في المصدر : أن القوة لله جميعا .
( 4 ) في المصدر : ثم قال : " إذ تبرأ الذين اتبعوا " لو رأى هؤلاء الكفار الذين اتخذوا الانداد حين
يتبرء الذين اتبعوا الرؤساء " من الذين اتبعوا " الرعايا والاتباع " وتقطعت بهم الاسباب " .
[187]
يقدرون على النجاة من عذاب الله بشئ " وقال الذين اتبعوا " الاتباع " لو أن لنا كرة "
يتمنون لو كان لهم رجعة إلى الدنيا " فنتبرء منهم " هناك كما تبرؤوا منا " هنا ، قال
الله عزوجل : " كذلك " كما تبرأ بعضهم من بعض " يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم "
وذلك أنهم عملوا في الدنيا لغير الله فيرون أعمال غيرهم التي كانت لله قد عظم الله ثواب
أهلها ، ورأوا أعمال أنفسهم لا ثواب لها إذ كانت لغير الله ، وكانت على غير الوجه الذي أمر
الله ، قال الله عزوجل : " وما هم بخارجين من النار " عذابهم سرمد دائم ، إذ كانت
ذنوبهم كفرا لا يلحقهم شفاعة نبي ولا وصي ولا خير من خيار شيعتهم . ( 1 )
17 - فس : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق " الآية ، فإن البهائم إذا
زجرها صاحبها فإنها تسمع الصوت ولا تدري ما يريد ، وكذلك الكفار إذا قرأت
عليهم القرآن وعرضت عليهم الايمان لا يعلمون مثل البهائم . ( 2 )
18 - م : " ومثل الذين كفروا " الآية ، قال الامام عليه السلام : قال الله عزوجل :
" ومثل الذين كفروا " في عبادتهم الاصنام واتخاذهم الانداد من دون محمد وعلي
صلوات الله عليهما " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " يصوت بما لا يسمع " إلا دعاء ونداء "
لا يفهم ما يراد منه فيتعب المستغيث به ويعين من استغاثه " صم بكم عمي " من الهدى
في اتباعهم الانداد من دون الله والاضداد لاولياء الله الذين سموهم بأسماء خيار
خلفاء الله ولقبوهم بألقاب أفاضل الائمة الذين نصبهم الله لاقامة دين الله " فهم لا يعقلون "
أمر الله عزوجل ، قال علي بن الحسين عليهما السلام : هذا في عباد الاصنام وفي النصاب لاهل
بيت محمد صلى الله عليه وآله نبي الله ، هم أتباع إبليس وعتاة مردته ، سوف يصيرونهم إلى الهاوية . ( 3 )
19 - م : " ليس البر أن تولوا وجوهكم " الآية قال الامام : قال علي بن الحسين
عليهما السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أن فضل عليا وأخبر عن جلالته عند ربه عز
وجل وأبان عن فضائل شيعته وأنصار دعوته ووبخ اليهود والنصارى على كفرهم و
( هامش ص 187 ) ( 1 ) تفسير الامام : 241 .
( 2 ) تفسير القمى : 55 .
( 3 ) : 243 .
[188]
كتمانهم محمدا وعليا عليهما الصلاة والسلام في كتبهم ( 1 ) بفضائلهم ومحاسنهم فخرت
اليهود والنصارى عليهم فقال اليهود : قد صلينا إلى قبلتنا هذه الصلوات الكثيرة ، وفينا
من يحيي الليل صلاة إليها ، وهي قبلة موسى التي أمرنا بها ، وقالت النصارى : قد
صلينا إلى قبلتنا هذه الصلوات الكثيرة ، وفينا من يحيي الليل صلاة إليها ، وهي قبلة
عيسى التي أمرنا بها ، وقال كل واحد من الفريقين : أترى ربنا يبطل أعمالنا هذه
الكثيرة وصلاتنا إلى قبلتنا لانا لا نتبع محمدا على هواه في نفسه وأخيه ؟ ! فأنزل الله
تعالى يا محمد - صلى الله عليه وآله - قل : " ليس البر " الطاعة التي تنالون بها الجنان وتستحقون
بها الغفران والرضوان " أن تولوا وجوهكم قبل المشرق " بصلاتكم أيها النصارى ،
وقبل المغرب أيها اليهود ، وأنتم لامر الله مخالفون ، وعلى ولي الله مغتاظون " ولكن
البر من آمن بالله " بأنه الواحد الاحد الفرد الصمد ، يعظم من يشاء ، ويكرم من
يشاء ، ويهين من يشاء ويذله ، لا راد لامر الله ، ولا معقب لحكمه " و " آمن " باليوم
الآخر " يوم القيامة التي أفضل من يوافيها محمد سيد النبيين ، وبعده علي أخوه وصفيه
سيد الوصيين ، والتي لا يحضرها من شيعة محمد أحد إلا أضاءت فيها أنواره فصار فيها
إلى جنات النعيم هو وإخوانه ( 2 ) وأزواجه وذرياته والمحسنون إليه والدافعون في
الدنيا عنه ، ولا يحضرها من أعداء محمد أحد إلا غشيته ظلماتها فيسير ( 3 ) فيها إلى
العذاب الاليم هو وشركاؤه في عقده ودينه ومذهبه ، والمتقربون كانوا في الدنيا إليه
من غير تقية لحقتهم منه ، الخبر . ( 4 )
20 - م : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا " الآية ، قال الامام
عليه السلام : لما أمر الله عزوجل في الآية المتقدمة بالتقوى سرا وعلانية أخبر
محمدا صلى الله عليه وآله أن في الناس من يظهرها ويسر خلافها وينطوي على معاصي الله ، فقال :
( هامش ص 188 ) ( 1 ) في المصدر : وكتمانهم لذكر محمد وعلى وآلهما في كتبهم .
( 2 ) في نسخة من الكتاب والمصدر : وأخواته .
( 3 ) في المصدر : فيصير .
( 4 ) تفسير الامام : 248 .
[189]
يا محمد " ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا " وبإظهاره تلك الدين والاسلام ( 1 )
وتزينه في حضرتك بالورع والاحسان " ويشهد الله عل ما في قلبه " بأن يحلف لك
بأنه مؤمن مخلص مصدق لقوله بعمله " وإذا تولى " عنك أدبر " سعى في الارض "
ليفسد فيها " ويعصي بالكفر المخالف لما أظهر لك والظلم المبائن لما وعد من نفسه
بحضرتك " ويهلك الحرث " بأن يحرقه أو يفسده " والنسل " بأن يقتل الحيوانات
فيقطع نسلها " والله لا يحب الفساد " لا يرضى به ولا يترك أن يعاقب عليه " وإذا قيل له "
لهذا الذي يعجبك قوله : " اتق الله " ودع سوء صنيعك " أخذته العزة بالاثم " الذي
هو محتقبه ( 2 ) فيزداد إلى شره شرا ويضيف إلى ظلمه ظلما " فحسبه جهنم " جزاء له
على سوء فعله وعذابا " ولبئس المهاد " تمهيدها ويكون دائما فيها . ( 3 )
21 - فس : " ويهلك الحرث والنسل " قال : الحرث في هذا الموضع الدين ،
والنسل الناس ، ونزلت في الثاني ، ويقال : في معاوية . ( 4 )
22 - شى : عن الحسين بن بشار قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله :
" ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا " قال : فلان وفلان " ويهلك الحرث و
النسل " هم الذرية ، والحرث : الزرع . ( 5 )
23 - شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام قال : سألتهما عن قوله :
" وإذا تولى سعى في الارض " إلى آخر الآية ، فقال : النسل : الولد ، والحرث :
الارض ، وقال أبوعبدالله عليه السلام : الحرث : الذرية . ( 6 )
24 شى : عن أبي إسحاق السبيعي ، ( 7 ) عن علي عليه السلام في قوله : " وإذا تولى
( هامش ص 189 ) ( 1 ) في المصدر : وباظهاره لك الدين والاسلام وتزيينه بحضرتك .
( 2 ) احتقب الاثم : جمعه . وفى المصدر : هو مختفيه .
( 3 ) تفسير الامام : 260 ، وفيه : " ولبئس المهاد " مهدها .
( 4 ) تفسير القمى : 61 .
( 5 و 6 ) مخطوط .
( 7 ) السبيعى بفتح السين منسوب إلى سبيع وهو بطن من همدان ، والرجل هو أبواسحاق
عمرو بن عبدالله بن على السبيعى الهمدانى الكوفى من أعيان التابعين رأى عليا عليه السلام وكان
كثير الرواية ، ولد سنة 29 في خلافة عثمان ، ومات سنة 127 ، وقيل في 128 و 129 و 132
ترجمه الشيخ في رجاله في باب أصحاب أمير المؤمنين والحسن عليهما السلام .
[190]
سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل " بظلمه وسوء سيرته " والله لا يحب
الفساد " . ( 1 )
25 - شى : عن سعد الاسكاف ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " وهو
ألد الخصام " قال : اللد : الخصومة . ( 2 )
26 - شى : عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " سل بني
إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة " فمنهم من آمن ، ومنهم من جحد ، ومنهم من أقر
ومنهم من أنكر . ( 3 )
27 - فس : " ها أنتم هولاء " أي أنتم يا هؤلاء " حاججتم فيما لكم به علم " يعني
بما في التوراة والانجيل " فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم " يعني بما في صحف
إبراهيم عليه السلام . قوله تعالى : " وتكتمون الحق وأنتم تعلمون " أي تعلمون ما في التوراة
من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وتكتمونه . قوله تعالى : " وقالت طائفة من أهل الكتاب " الآية
قال نزلت في قوم من اليهود قالوا : آمنا بالذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله بالغداة وكفروا
به بالعشي .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " وقالت طائفة
من أهل الكتاب آمنوا بالذي انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره
لعلهم يرجعون " فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة وهو يصلي نحو بيت المقدس
أعجب ذلك اليهود ، فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى البيت الحرام وجدت اليهود
من ذلك ، وكان صرف القبلة في صلاة الظهر ، فقالوا : صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا
فآمنوا بالذي انزل على محمد وجه النهار واكفروا آخره ، يعنون القبلة حين استقبل
رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد الحرام ، لعلهم يرجعون إلى قبلتنا . ( 4 )
28 - فس : " ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل " فإن اليهود قالوا :
يحل لنا أن نأخذ مال الاميين ، والاميون : الذين ليس معهم كتاب ، فرد الله عليهم
( هامش ص 190 ) ( 1 و 2 و 3 ) مخطوط .
( 4 ) تفسير القمى : 94 و 95 .
[191]
فقال : " ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " . قوله : " إن الذين يشترون بعهد الله
وأيمانهم ثمنا قليلا " قال : يتقربون إلى الناس بأنهم مسلمون فيأخذون منهم ويخونونهم
وما هم بمسلمين على الحقيقة .
قوله تعالى : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " الآية ، قال كان اليهود
يقرؤون شيئا ليس في التوراة ، ويقولون : هو في التوراة ، فكذبهم الله . قوله : " ما كان
لبشر " الآية ، أي أن عيسى لم يقل للناس : إني خلقتكم فكونوا عبادا لي من دون
الله ، ولكن قال لهم : كونوا ربانيين أي علماء . قوله : " ولا يأمركم " الآية ، قال : كان
قوم يعبدون الملائكة ، وقوم من النصارى زعموا أن عيسى رب ، واليهود قالوا : عزير
ابن الله ، فقال الله : " لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " . ( 1 )
29 - فس : " أفغير دين الله يبغون " قال : أغير هذا الذي قلت لكم أن تقروا
بمحمد ووصيه " وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها " أي فرقا من السيف . ( 2 )
30 - فس : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل " الآية ، قال : إن يقعوب كان
يصيبه عرق النساء ، فحرم على نفسه لحم الجمل ، فقالت اليهود : إن لحم الجمل محرم
في التوراة ( 3 ) فقال عزوجل لهم : " فأتوا بالتورية " فاتلوها " إن كنتم صادقين " إنما
حرم هذا إسرائيل على نفسه ، ولم يحرمه على الناس . ( 4 )
31 - شى : ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قوله الله : " كل الطعام
كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال : إن إسرائيل كان
إذا أكل لحوم الابل هيج عليه وجع الخاصرة ، فحرم على نفسه لحم الابل ، وذلك
من قبل أن تنزل التوراة ، فلما انزلت التوراة لم يحرمه ( 5 ) ولم يأكله . ( 6 )
( هامش ص 191 ) ( 1 ) تفسير القمى : 95 و 96 .
( 2 ) تفسير القمى : 97 . قوله : فرقا من السيف أى خوفا وفزعا منه .
( 3 ) في المصدر : محرم على بنى اسرائيل في التوراة .
( 4 ) تفسير القمى : 97 .
( 5 ) قوله : فلما انزلت التوراة لم يحرمه إ ه لا يخلو بظاهره عن غرابة ، لان الظاهر أن
الضمير يرجع إلى اسرائيل أى يعقوب ، وهو كان قبل موسى ونزول التوراة بكثير ، فلذا أرجع
المصنف الضمير إلى موسى ، راجع الحديث تحت رقم 46 .
( 6 ) مخطوط .
[192]
32 - شى : عن سماعة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول في قول الله : " قل قد
جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين " : وقد علم
أن هؤلاء لم تقتلوا ، ولكن لقد كان هواهم مع الذين قتلوا ، فسماهم الله قاتلين لمتابعة
هواهم ورضاهم بذلك الفعل . ( 1 )
33 - شى : عن محمد بن هاشم ، عمن حدثه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما نزلت
هذه الآية : " قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم
صادقين " وقد علم أن قالوا : والله ما قتلنا ولا شهدنا ، قال : وإنما قيل لهم : ابرؤوا ممن
قتلهم ، فأبوا . ( 2 )
34 - فس : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " قال : و
الله مارأوا الله فيعلمون أنه فقير ، ولكنهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا : لو كان الله غنيا
لاغنى أولياءه ، فافتخروا على الله بالغنى .
وأما قوله : " الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان
تأكله النار " فكان عند بني إسرائيل طست كانوا يقربون فيه القربان ( 3 ) فيضعونه في
الطست فتجئ نار فتقع فيه فتحرقه ، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله : " لن نؤمن لك حتى
تأتينا بقربان تأكله النار " كما كان لبني إسرائيل ، فقال الله تعالى : قل لهم يامحمد : " قد
جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين " .
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " فإن كذبوك فقد كذب
رسل من قبلك جاؤوا بالبينات " الآيات " والزبر " هو كتب الانبياء ( 4 ) " والكتاب
المنير " الحلال والحرام . ( 5 )
35 - فس : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " وإذ
أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " ذلك أن الله أخذ
( هامش ص 192 ) ( 1 و 2 ) مخطوط .
( 3 ) في المصدر : وكانوا يقربون القربان .
( 4 ) في المصدر : هو كتب الانبياء بالنبوة .
( 5 ) تفسير القمى : 116 .
[193]
ميثاق الذين اوتوا الكتاب في محمد صلى الله عليه وآله لتبيننه للناس إذا خرج ولا تكتمونه " فنبذوه
وراء ظهورهم " يقول : نبذوا عهد الله وراء ظهورهم " واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما
يشترون " .
36 - شى : عمرو بن شمر ، عن جابر قال : قال أبوجعفر عليه السلام : نزلت هذه الآية
على محمد صلى الله عليه وآله هكذا : " يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلت في علي
مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أعقابها " الآية فأما قوله :
" مصدقا لما معكم " يعني مصدقا برسول الله صلى الله عليه وآله . ( 1 )
37 - فس : " ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء " قال : هم
الذين سموا أنفسهم بالصديق والفاروق وذي النورين . قوله : " ولا يظلمون فتيلا "
قال : القشرة التي تكون على النواة ، ثم كنى عنهم فقال : " انظر كيف يفترون على الله
الكذب " وهم هؤلاء الثلاثة . وقوله : " ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب
يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا "
قال : نزلت في اليهود حين سألهم مشركو العرب فقالوا : أديننا أفضل أم دين محمد ؟
قالوا : بلى دينكم أفضل . وقد روي فيه أيضا أنها في الذين غصبوا آل محمد حقهم
وحسدوا منزلتهم ، فقال الله : " اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا
أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا " يعني النقطة التي في ظهر النواة ،
ثم قال : " أم يحسدون الناس " يعني بالناس هنا أمير المؤمنين والائمة عليهم السلام " على ما
( هامش ص 193 ) ( 1 ) الحديث من الاحاد التى وردت في تحريف القرآن ، وهو لا يوجب علما ولا عملا ، على
ان الرجاليين ضعفوا عمرو بن شمر قال النجاشى : عمرو بن شمر أبوعبدالله الجعفى عربى ، روى عن
أبى عبدالله عليه السلام ضعيف جدا ، زيد أحاديث في كتب جابر الجعفى ينسب بعضها إليه ، و
الامر ملتبس انتهى . وقال العلامة في الخلاصة بعد ما سرد كلام النجاشى : فلا أعتمد على شئ مما
يرويه . وقال النجاشى في ترجمة جابر : جابر ين يزيد أبوعبدالله وقيل أبومحمد الجعفى عربى
قديم ، لقى ابا جعفر وابا عبدالله عليهما السلام ، ومات في ايامه سنة ثمان وعشرين ومائة ، روى
عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا ، منهم عمرو بن شمر ومفضل بن صالح ومنخل بن جميل ويوسف بن يعقوب ، وكان
في نفسه مختلطا إ ه . ويمكن أن يحمل الحديث على أنها وردت في على عليه السلام كما أن له نظائر
في غيره من الاحاديث .
[194]
( آتيهم ؟ ) الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتينهم ملكا
عظيما " وهي الخلافة بعد النبوة وهم الائمة عليهم السلام ، حدثني علي بن الحسين ، عن
أحمد بن أبي عبدالله عليه السلام ، عن أبيه ، عن يونس ، عن أبي جعفر الاحول ، عن حنان ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت : قوله : " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب " قال : النبوة
قلت : " والحكمة " قال : الفهم والقضاء " وآتيناهم ملكا عظيما " قال : الطاعة
المفروضة . ( 1 )
38 - فس : " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " نزلت في الزبير بن العوام
فإنه نازع رجلا من اليهود في حديقة فقال الزبير : ترضى ( 2 ) بابن شيبة اليهودي ؟
وقال اليهودي : نرضى بمحمد صلى الله عليه وآله ، فأنزل الله تعالى : " ألم تر إلى الذين يزعمون
أنهم آمنوا بما انزل إليك " إلى قوله : " رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا " هم
أعداء آل محمد صلوات الله عليهم كلهم جرت فيهم هذه الآية . ( 3 )
39 - فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور ، عن أبي عبدالله وأبي جعفر
عليهما السلام قالا : المصيبة هي الخسف والله بالفاسقين عند الحوض قول الله : " فكيف
إذا أصابتهم مصيبة " الآية . ( 4 )
40 - فس : " ولولا فضل الله عليكم ورحمته " قال : الفضل رسول الله صلى الله عليه وآله ، و
الرحمة أمير المؤمنين صلوات الله عليه . ( 5 )
41 - فس : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب " يعني ليس ما تتمنون
أنتم ولا أهل الكتاب ، أي أن لا تعذبوا بأفعالكم . قوله : " ولا يظلمون نقيرا " هي النقطة


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 194 سطر 19 الى ص 202 سطر 18

التي في النواة . ( 6 )
42 - شى : عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " وإن من
( هامش ص 194 ) ( 1 ) تفسير القمى : 128 و 129 . ( 2 ) في نسخة : نرضى .
( 3 ) : 129 و 130 . ( 4 ) تفسير القمى : 130 .
( 5 ) : 133 .
( 6 ) : 141 ، وكلمة ( أى ) غير موجودة فيه
[195]
أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا " قال : هو
رسول الله صلى الله عليه وآله .
43 - شى : عن المفضل قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله : " وإن من
أهل الكتاب " الآية ، فقال : هذه فينا نزلت خاصة ، إنه ليس رجل من ولد فاطمة
عليها السلام يموت لا يخرج من الدنيا حتى يقر للامام بإمامته ، كما أقر ولد
يعقوب ليوسف حين قالوا : " تالله لقد آثرك الله علينا " .
44 - شى : عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله في عيسى : " وإن
من أهل الكتاب " الآية ، فقال : إنما إيمان أهل الكتاب لمحمد صلى الله عليه وآله .
45 - فس : أبي ، عن القاسم بن محمد ، عن سليما بن داود المنقري ، عن أبي حمزة ،
عن شهر بن حوشب قال : قال لي الحجاج : يا شهر آية في كتاب الله قد أعيتني ، فقلت :
أيها الامير أية آية هي ؟ فقال : قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل
موته " والله إني لآمر باليهودي والنصراني فتضرب عنقه ( 1 ) ثم أرمقه ( 2 ) بعيني فما
أراه يحرك شفتيه حتى يخمد ، فقلت : أصلح الله الامير ليس على ما تأولت ، ( 3 ) قال :
كيف هو ؟ قلت : إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلا يبقى أهل ملة يهودي
ولا غيره إلا آمن به قبل موته ، ويصلي خلف المهدي قال : ويحك أنى لك هذا ؟ ومن
أين جئت به ؟ فقلت : حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ،
فقال : جئت والله بها من عين صافية . ( 4 )
46 - فس : قوله تعالى : " فبظلم من الذين هادوا " الآية ، فإنه حدثني ( أبي ؟ ) ،
عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : من زرع
حنطة في أرض فلم تزك في أرضه وزرعه وخرج زرعه كثير الشعير فبظلم عمله في ملك
( هامش ص 195 ) ( 1 ) في المصدر : فأضرب عنقه .
( 2 ) رمقه : لحظه لحظاخفيفا . أطال النظر إليه .
( 3 ) في المصدر : فليس على ما قلت .
( 4 ) تفسير القمى : 146 .
[196]
رقبة الارض ، أو بظلم لمزارعه وأكرته ، لان الله يقول : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا
عليهم طيبات احلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا " يعني لحوم الابل والبقر والغنم ،
هكذا أنزلها الله فاقرؤوها هكذا ، وما كان الله ليحل شيئا في كتابه ثم يحرمه بعد ما
أحله ، ولا يحرم شيئا ثم يحله بعد ما حرمه ، قلت : وكذلك أيضا : " ومن الابل و
البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما " ؟ قال : نعم ، قلت : فقوله : " إلا ما حرم إسرائيل
على نفسه " ؟ قال : إن إسرائيل كان إذا أكل من لحم الابل يهيج عليه وجع الخاصرة
فحرم على نفسه لحم الابل ، وذلك من قبل أن تنزل التوراة ، فلما نزلت التوراة
لم يحرمه ولم يأكله ( 1 ) .
بيان : أقول : رواه العياشي ، عن ابن أبي يعفور ، وساقه إلى قوله : يعني لحوم
الابل والبقر والغنم ، وقال : إن إسرائيل كان إذا أكل من لحم البقر ، إلى آخر الخبر .
ولعله إنما أسقط الزوائد لاعضالها وعدم استقامة معناها بلا تكلف ، والذي سنح لي
في حله أنه عليه السلام قرأ : " حرمنا عليهم " بالتخفيف ، أي جعلناهم محرومين من تلك
الطيبات ، وإنما عدي بعلى بتضمين معنى السخط ونحوه ، والحاصل أنهم لما ظلموا
أنفسم بارتكاب المحرمات سلبنا عنهم اللطف والتوفيق حتى ابتدعوا وحرموا
الطيبات على أنفسهم .
ثم استدل عليه السلام على أن هذه القراءة أولى وهذا المعنى أحرى بأن ظلم اليهود
كان بعد موسى على نبينا وآله وعليه السلام ، ولم ينسخ التوراة كتاب بعده سوى
الانجيل ، واليهود لم يعملوا بحكم الانجيل ، فتعين أن يكون التحريم من قبل أنفسهم
فقوله ثم يحرمه بعد ما أحله أي في غير هذا الكتاب وبعد ذهاب النبي الذي نزل عليه
الكتاب ، فلا ينافي نسخ الكتاب بالكتاب وبالسنة ، ثم سأل السائل عن قوله :
" حرمنا عليهم شحومهما " فقال عليه السلام : هنا أيضا كذلك بالتخفيف بهذا المعنى ، وأما
قوله تعالى : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " فهو بالتشديد لانه مصرح بأنه إنما
حرم على نفسه بفعله ولم يحرمه الله عليه ، ويحتمل على بعد أن يكون المعنى أنه عليه السلام
( هامش ص 196 ) ( 1 ) تفسير القمى : 146 - 147 .
[197]
لما استشهد بالآية على أن الله تعالى قد يذهب ببعض النعم لمعاصي العباد عرف السائل
بأن المراد بالتحريم ههنا ما يناسب هذا المعنى وهو ابتلاؤهم ببلاء لم يمكنهم الانتفاع
بها ، إما بآفة ، أو بأن يستولي الشيطان عليهم فيحرموها على أنفسهم ، ثم أكد ذلك
بقوله : هكذا أنزلها الله ، أي بهذا المعنى وإن لم يختلف اللفظ فاقرؤوها هكذا ، أي
قاصدين هذا المعنى لا ما فهمه الناس ، والاول أصوب ، وأما قوله : " ولم يأكله " فالظاهر
أن المراد به موسى على نبينا وآله وعليه السلام ، أي لم يحرمه موسى على نبينا و
آله وعليه السلام ، أو الكتاب ، ولم يأكله موسى تنزها ، أو لاشتراك العلة بينه وبين
إسرائيل ، ويحتمل أن يكون المعنى أنه نزل في التوراة أن إسرائيل لم يحرمه ولم
يأكله .
47 - شى : عن عبدالله بن سليمان قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام قوله : قد جاءكم
برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا " قال : البرهان محمد صلى الله عليه وآله ، والنور علي
عليه السلام ، قال : قلت : قوله : " صراطا مستقيما " قال : الصراط المستقيم علي
عليه السلام . ( 1 )
48 - فس : " ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم " قال : عنى ( 2 ) أن
عيسى بن مريم عبد مخلوق فجعلوه ربا " ونسوا حظا مما ذكروا به " .
قوله : " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من
الكتاب ويعفو عن كثير " قال : يبين النبي صلى الله عليه وآله ( 3 ) ما أخفيتموه مما في االتوراة من
أخباره ويدع كثيرا لا يبينه " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين " يعني بالنور أمير
المؤمنين والائمة عليهم السلام .
قوله : " قد جاءكم رسولنا يبين لكم " مخاطبة لاهل الكتاب " يبين لكم على
فترة من الرسل " قال : على انقطاع من الرسل ، ثم احتج عليهم فقال : " أن تقولوا "
أي لئلا تقولوا . ( 4 )
( هامش ص 197 ) ( 1 ) مخطوط .
( 2 ) هكذا في نسخ الكتاب ، وفى المصدر : قال : على أن عيسى . وهو أصح .
( 3 ) في المصدر : يبين لكم النبى صلى الله عليه وآله .
( 4 ) تفسير القمى : 152 .
[198]
قوله : " واذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا " يعني
في بني إسرائيل لم يجمع الله لهم النبوة والملك في بيت واحد ، ثم جمع الله لنبيه صلى الله عليه وآله .
49 - شى : عن يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله : " قالت
اليهود يد الله مغلولة " قال : فقال لي : كذا - وقال : وأومأ بيده إلى عنقه - ولكنه قال :
قد فرغ من الاشياء . وفي رواية اخرى يعني قولهم : فرغ من الامر .
وعن حماد عنه عليه السلام قال : يعنون أنه قد فرغ مما هو كائن " لعنوا بما قالوا "
قال الله عزوجل : " بل يداه مبسوطتان " . ( 1 )
50 - شى : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " كلما أوقدوا نارا للحرب
أطفأها الله " كلما أراد جبار من الجبابرة هلكة آل محمد قصمه الله . ( 2 )
51 - شى : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " ولو أن أهل
الكتاب أقاموا التورية والانجيل وما انزل إليهم من ربهم " قال : الولاية . ( 3 )
52 - شى : عن أبي الصهباء البكري قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام ودعا
رأس الجالوت واسقف النصارى فقال : إني سائلكما عن أمر وأنا أعلم به منكما فلا
تكتماني ، ثم دعا اسقف النصارى فقال : انشدك بالله الذي أنزل الانجيل على عيسى ،
وجعل على رجله البركة ، وكان يبرئ الاكمه والابرص ، وأبرأ أكمه العين وأحيى
الميت ، وصنع لكم من الطين طيورا ، وأنبأكم بما تأكلون وما تدخرون ، فقال : دون
هذا صدق ، فقال علي عليه السلام : بكم افترقت بنو إسرائيل بعد عيسى ؟ فقال : لا والله إلا
فرقة واحدة ، فقال علي : كذبت والذي لا إله إلا هو ، لقد افترقت على اثنين وسبعين
فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة ، إن الله يقول : " منهم امة مقتصدة وكثير منهم
ساء ما كانوا يعملون " فهذه التي تنجو . ( 4 )
53 - شى : عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى : " يا أهل
الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التورية والانجيل وما انزل إليكم من ربكم و
ليزيدن كثيرا منهم ما انزل إليك من ربك طغيانا وكفرا " قال هو ولاية أمير المؤمنين
عليه السلام . ( 5 )
( هامش ص 198 ) ( 1 و 2 و 3 و 4 و 5 ) مخطوط .
[199]
54 - فس : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " الآية ، قال : قالوا : قد فرغ الله من
الامر لايحدث الله غير ما قدره في التقدير الاول ، فرد الله عليهم فقال : " بل يداه
مبسوطتان ينفق كيف يشاء " أي يقدم ويؤخر ويزيد وينقص وله البداء والمشية .
قوله : " ولو أنهم أقاموا التورية والانجيل وما انزل إليهم من ربهم " يعني اليهود
والنصارى " لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " قال : من فوقهم المطر ، ومن تحت
أرجلهم النبات . قوله : " ومنهم امة مقتصدة " قال : قوم من اليهود دخلوا في الاسلام
فسماهم الله مقتصدة . ( 1 )
55 - شى : عن مروان ، ( 2 ) عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ذكر
النصارى وعداوتهم ، فقلت : قول الله تعالى : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا
وأنهم لا يستكبرون " قال : اولئك كانوا قوما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله ينتظرون مجئ
محمد صلى الله عليه وآله . ( 3 )
56 - شى : عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " ما جعل الله
من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " قال : إن أهل الجاهلية كانوا إذا ولدت الناقة
ولدين في بطن قالوا : وصلت فلا يستحلون ذبحها ولا أكلها ، وإذا ولدت عشرا جعلوها
سائبة فلا يستحلون ظهرها ولا أكلها ، والحام فحل الابل لم يكونوا يستحلون ،
فأنزل الله : إن الله لم يحرم شيئا من هذا . وعن أبي عبدالله عليه السلام قال : البحيرة إذا ولدت
ولد ولدها بحرت . ( 4 )
57 - فس : قوله : " ما جعل الله من بحيرة " الآية ، فإن البحيرة كانت إذا
وضعت الشاة خمسة أبطن ففي السادسة قالت العرب : قد بحرت ، فجلوها للصنم ولا
تمنع ماء ولا مرعى ، والوصيلة إذا وضعت الشاة خمسة أبطن ثم وضعت في السادسة
جديا وعناقا في بطن واحد جعلوا الانثى للصنم وقالوا : وصلت أخاها ، وحرموا
لحمها على النساء ، والحام كان إذا كان الفحل من الابل جد الجد قالوا : حمى ظهره
( هامش ص 199 ) ( 1 ) تفسير القمى : ص 159 .
( 2 ) في النسخة المقروءة على المصنف : عن عمران .
( 3 و 4 ) مخطوط .
[200]
فسموه حاما ، فلا يركب ولا يمنع ماء ولا مرعى ولا يحمل عليه شئ ، فرد الله عليهم فقال :
" ما جعل الله من بحيرة " إلى قوله : " وأكثرهم لا يعقلون " . ( 1 )
58 - فس : " وإذ قال الله يا عيسى بن مريمءأنت قلت للناس اتخذوني وامي
إلهين من دون الله " فلفظ الآية ماض ومعناه مستقبل ، ولم يقله بعد وسيقوله ، وذلك
أن النصارى زعموا أن عيسى قال لهم : إني وامي إلهان من دون الله ، فإذا كان
يوم القيامة يجمع الله بين النصارى وبين عيسى فيقول له : " ءأنت قلت للناس اتخذوني
وامي إلهين " ( 2 ) فيقول عيسى : " سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن
كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب " إلى
قوله : " وأنت على كل شهيد " والدليل على أن عيسى لم يقل لهم ذلك قوله :
" هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " . ( 3 )
59 - شى : عن ثعلبة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك
وتعالى لعيسى : " ءأنت قلت للناس اتخذوني وامي إلهين من دون الله " قال : لم يقله
وسيقوله ، إن الله إذا علم أن شيئا كائن أخبر عنه خبر ما كان .
وعن سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال :
إن الله إذا أراد أمرا أن يكون قصه قبل أن يكون كأن قد كان . ( 4 )
60 - شى : عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " تعلم ما في نفسي
ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب " قال : إن الاسم الاكبر ثلاثة وسبعون حرفا
فاحتجب الرب تبارك وتعالى منها بحرف ، فمن ثم لا يعلم أحد ما نفسه عزوجل
أعطى آدم اثنين وسبعين حرفا من الاسم توارثتها الانبياء حتى صارت إلى عيسى ، فذلك
قول عيسى : " تعلم ما في نفسي " يعني اثنين وسبعين حرفا من الاسم الاكبر ، يقول : أنت
علمتنيها فأنت تعلمها " ولا أعلم ما في نفسك " يقول : لانك احتجبت من خلقك بذلك
الحرف فلا يعلم أحد ما في نفسك . ( 5 )
( هامش ص 200 ) ( 1 ) تفسير القمى : 175 .
( 2 ) في المصدر : أنت قلت لهم ما يدعون عليك ؟ فيقول عيسى .
( 3 ) تفسير القمى : 177 .
( 4 و 5 ) تفسير العياشى : مخطوط .
[201]
61 - فس : قال تعالى حكاية عن قريش : " وقالوا لولا انزل عليه ملك " يعني
على رسول الله صلى الله عليه وآله " ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون " فأخبر عزوجل أن
الآية إذا جاءت والملك إذا نزل ولم يؤمنوا هلكوا . فاستعفى النبي صلى الله عليه وآله من الآيات
رأفة منه ورحمة على امته وأعطاه الله الشفاعة ، ثم قال الله : " ولو جعلناه ملكا لجعلناه
رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا
منهم ما كانوا به يستهزءون " أي نزل بهم العذاب ، ثم قال : " قل " لهم يا محمد " سيروا في
الارض " أي انظروا في القرآن وأخبار الانبياء " فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ( 1 )
ثم قال : " قل " لهم " لمن ما في السموات والارض " ثم رد عليهم فقال : " قل " لهم " لله كتب
على نفسه الرحمة " يعني أوجب الرحمة على نفسه . ( 2 )
62 - شى : عن ابن أبي يعفور قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : لبسوا عليهم لبس الله
عليهم ، فإن الله يقول : " وللبسنا عليهم ما يلبسون " .
63 - فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " قل
أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم " وذلك أن مشركي أهل مكة قالوا :
يا محمد ما وجد الله رسولا يرسله غيرك ؟ ! ما نرى أحدا يصدقك بالذي تقول ، وذلك في
أول ما دعاهم وهو يومئذ بمكة ، قالوا : ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه
ليس لك ذكر عندهم ، فأتنا بمن يشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال رسول الله : " الله شهيد
بيني وبينكم " الآية ، قال : " أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة اخرى " يقول الله
لمحمد صلى الله عليه وآله : " فإن شهدوا فلا تشهد معهم " قال : " قل لا أشهد قل إنما هم إله واحد
وإنني برئ مما تشركون " . ( 3 )
64 - شى : عن زرارة وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام في قوله :
( هامش ص 201 ) ( 1 ) في المصدر : " سيروا في الارض ثم انظروا " أى انظروا في القرآن وأخبار الانبياء كيف
كان عاقبة المكذبين .
( 2 ) تفسير القمى : 181 .
( 3 ) تفسير القمى : 182 .
[202]
" واوحي إلي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ " يعني الائمة من بعده وهم ينذرون
به الناس .
وعن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : من بلغ أن يكون إماما
من ذريته الاوصياء فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله . ( 1 )
65 - شى : عن عمار بن ميثم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قرأ رجل عند أمير
المؤمنين : " فإنهم لا يكذبوك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " فقال : بلى والله لقد
كذبوه أشد المكذبين ( 2 ) ولكنها مخففة ، لا يكذبونك : لا يأتون بباطل يكذبون به
حقك .
وعن الحسين بن المنذر ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " فإنهم لا
يكذبونك " قال : لا يستطيعون إبطال قولك . ( 3 )
66 - فس : قوله : " قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون " الآية ، فإنها قرئت
على أبي عبدالله عليه السلام فقال : بلى والله لقد كذبوه أشد التكذيب ، وإنما نزلت : لا
يكذبونك ، أي لا يأتون بحق يبطلون حقك .
حدثني أبي ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص
ابن غياث قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : يا حفص إن من صبر صبر قليلا ، وإن من جزع
جزع قليلا ، ثم قال : عليك بالصبر في جميع امورك ، فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله وأمره
بالصبر والرفق فقال : " واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا " وقال : " ادفع
بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " فصبر رسول


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 202 سطر 19 الى ص 210 سطر 18

الله صلى الله عليه وآله حتى قابلوه بالعظام ورموه بها ، فضاق صدره فأنزل الله : " ولقد نعلم أنك
يضيق صدرك بما يقولون " ثم كذبوه ورموه فحزن لذلك فأنزل الله : قد نعلم
إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله
يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذو حتى ( أتيهم ؟ )
( هامش ص 202 ) ( 1 و 3 ) تفسير العياشى : مخطوط .
( 2 ) في نسخة : أشد التكذيب ، وهو الظاهر ، ويؤيده ما يأتى عن القمى .
[203]
نصرنا " فألزم نفسه الصبر فقعدوا ( 1 ) وذكروا الله تبارك وتعالى وكذبوه ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله : لقد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكرهم إلهي ، فأنزل
الله تعالى : " ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من
لغوب * فاصبر على ما يقولون " فصبر صلى الله عليه وآله في جميع أحواله ، ثم بشر في الائمة من
عترته ووصفوا بالصبر فقال : " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا
يوقنون " فعند ذلك قال صلى الله عليه وآله : " الصبر من الايمان كالرأس من البدن " فشكر الله له
ذلك فأنزل الله عليه : " وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا
ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون " فقال : آية بشرى وانتقام ، فأباح الله
قتل المشركين حيث وجدوا ، فقتلهم على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأحبائه ، وعجل له
ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " وإن كان كبر
عليك إعراضهم " قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب إسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن
عبد مناف دعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وجهد به أن يسلم ، فغلب عليه الشقاء فشق ذلك على
رسول الله فأنزل الله تعالى : " وإن كان كبر عيك إعراضهم " إلى قوله : " نفقا في الارض "
يقول : سربا
وقال علي بن إبراهيم في قوله : " نفقا في الارض أو سلما في السماء " : قال : إن
قدرت أن تحفر الارض أو تصعد السماء ، أي لا تقدر على ذلك ، ثم قال : " ولو شاء
الله لجمعهم على الهدى " أي جعلهم كلهم مؤمنين .
وقوله : " فلا تكونن من الجاهلين " مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى للناس ، ثم قال
" إنما يستجيب الذين يسمعون " يعني يعقلون ويصدقون " والموتى يبعثهم الله " أي
يصدقون بأن الموتى يبعثهم الله " وقالوا لولا نزل عليه آية " أي هلا نزل عليه آية
قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعملون " قال : لا يعلمون أن
الآية إذا جاءت ولم يؤمنوا بها لهلكوا ( يهلكوا خ ل ) .
( هامش ص 203 ) ( 1 ) في نسخة : فتعدوا .
[204]
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " إن الله قادر
على أن ينزل آية " وسيريكم في آخر الزمان آيات ، منها : دابة الارض ، والدجال ،
ونزول عيسى بن مريم ، وطلوع الشمس من مغربها . ( 1 )
76 - فس : قل لهم يا محمد " أرأيتكم بإن ( أتيكم ؟ ) عذاب الله أو أتتكم
الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين " ثم رد عليهم فقال : " بل إياه تدعون فيكشف
ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون " قال : تدعون الله إذا أصابكم ضر ، ثم
إذا كشف عنكم ذلك تنسون ما تشركون ، أي تتركون الاصنام . ( 2 )
68 - فس : قوله : " قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم
من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون " قال الله تعالى :
قل لقريش : " إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله " يردها
عليكم إلا الله " ثم هم يصدفون " أي يكذبون .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " أرأيتم إن
أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم " يقول : أخذ الله منكم الهدى " ثم
هم يصدفون " يقول : يعرضون . ( 3 )
قوله تعالى : " قل أرأيتكم إن ( أتيكم ؟ ) عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم
الظالمون " فإنها نزلت لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ، وأصاب أصحابه
الجهد والعلل والمرض ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله : " قل يا محمد
" أرأيتكم إن ( أتيكم ؟ ) عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون " أي إنه لا
يصيبكم إلا الجهد والضر في الدنيا ، فأما العذاب الاليم الذي فيه الهلاك لا يصيب
إلا القوم الظالمين . ( 4 )
( هامش ص 204 ) ( 1 ) تفسير القمى : 184 - 186 .
( 2 ) تفسير القمى : 187 .
( 3 ) في المصدر : يقول : أخذ الله منكم الهدى " من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف
الايات ثم هم يصدفون " يقول : يعرضون .
( 4 ) تفسير القمى : 188 و 189 .
[205]
69 - فس : قوله تعالى : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم "
قال : السلطان الجائر " أومن تحت أرجلكم " قال : السفلة ومن لا خير فيه " أو يلبسكم
شيعا " قال : العصبية " ويذيق بعضكم بأس بعض " قال : سوء الجوار .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " قل هو القادر على أن
يبعث عليكم عذابا من فوقكم " قال : هو الدجال والصيحة ( 1 ) " أو من تحت
أرجلكم " وهو الخسف " أو يلبسكم شيعا " وهو اختلاف في الدين ، وطعن بعضكم
على بعض " ويذيق بعضكم بأس بعض " وهو أن يقتل بعضكم بعضا ، وكل هذا في أهل
القبلة يقول الله : " انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون * وكذب به قومك " وهم
قريش . قوله : " لكل نبأ مستقر " يقول : لكل نبأ حقيقة " وسوف تعلمون " .
وقوله : " لعلهم يفقهون " أي كي يفقهون . قوله : " وكذب به قومك وهو الحق "
يعني القرآن كذبت به قريش . قوله : " لكل نبأ مستقر " أي لكل خبر وقت . قوله
" وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا " يعني الذين يكذبون بالقرآن ويستهزؤون به .
قوله : " كالذي استهوته الشياطين " أي خدعته . قوله : " له أصحاب يدعونه إلى الهدى
ائتنا " يعني ارجع إلينا ، وهو كناية عن إبليس . ( 2 )
70 - شى : عن ربعي بن عبدالله ، عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله :
" وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا " قال : الكلام في الله والجدال في القرآن " فأعرض
عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره " قال : منه القصاص . ( 3 )
بيان : قوله : منه القصاص أي ناقلوا القصص والاكاذيب ، والمراد علماء
المخالفين ورواتهم .
71 - فس : قوله سبحانه : " وما قدروا الله حق قدره " قال : لم يبلغوا من عظمة
الله أن يصفوه بصفته " إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ " وهم قريش واليهود ، فرد
( هامش ص 205 ) ( 1 ) هكذا في المطبوع ، وفى نسخة : هو الدجال ، والظاهر على ما في المصدر ونسخ من الكتاب
هو مصحف الدخان ، وهو هكذا : قال : هو الدخان والصيحة .
( 2 ) تفسير القمى : 192 و 193 . ( 3 ) تفسير العياشى : مخطوط .
[206]
الله عليهم واحتج وقال : " قل " لهم يا محمد " من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا و
هدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها " يعني تقرون ببعضها " وتخفون كثيرا " يعني من
أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله " وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في
خوضهم يلعبون " يعني فيما خاضوا فيه من التكذيب ، ثم قال : " وهذا كتاب " يعني
القرآن " أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه " يعني التوراة والانجيل والزبور
" ولتنذر ام القرى ومن حولها " يعني مكة ، وإنما سميت ام القرى لانها خلقت أول
بقعة ( 1 ) " والذين لا يؤمنون بالآخرة يؤمنون به " أي بالنبي والقرآن . ( 2 )
72 - شى : عن عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله تعالى :
" قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها "
قال : كانوا يكتمون ما شاؤوا ويبدون ما شاؤوا .
في رواية اخرى عنه عليه السلام قال : كانوا يكتبونه في القراطيس ثم يبدون ما شاؤوا
ويخفون ما شاؤوا ، وقال : كل كتاب انزل فهو عند أهل العلم . ( 3 )
73 فس : قوله تعالى : " ومن عمي فعليها " يعني على النفس ، وذلك لاكتسابها
المعاصي قوله : " وليقولوا درست " قال : كانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وآله : إن الذي
تخبرنا به من الاخبار تتعلمه من علماء اليهود وتدرسه . قوله : " وأعرض عن المشركين "
منسوخة بقوله : " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " قوله : " وأقسموا بالله جهد
أيمانهم " يعني قريشا . قوله : " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم " يقول : وننكس قلوبهم .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم "
يقول : وننكس قلوبهم فيكون أسفل قلوبهم أعلاها ، ونعمي أبصارهم فلا يبصرون الهدى
" كما لم يؤمنوا به أول مرة " يعني في الذر والميثاق " ونذرهم في طغيانهم يعمهون " أي
يضلون ، ثم عرف الله نبيه صلى الله عليه وآله ما في ضمائرهم وأنهم منافقون فقال : " ولو أننا
نزلنا إليهم الملائكة " إلى قوله : " قبلا " أي عيانا ، الآية . قوله : " وهو الذي
( هامش ص 206 ) ( 1 ) في المصدر : لانها أول بقعة خلقت في وجه الارض .
( 2 ) تفسير القمى : 197 و 198 .
( 3 ) تفسير العياشى : مخطوط . وأراد بأهل العلم العلماء من آل محمد عليهم السلام .
[207]
أنزل إليكم الكتاب مفصلا " يعني يفصل بين الحق والباطل . قوله : " قالوا
لن نؤمن لك حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله " قال : قال الاكابر : لن نؤمن
حتى نؤتى مثل ما اوتي الرسل من الوحي والتنزيل . قوله : " بما كانوا يمكرون "
أي يعصون الله في السر . ( 1 )
74 - فس : قوله : " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا " إلى قوله
تعالى : " ساء ما يحكمون " فإن العرب كانت إذا زرعوا زرعا قالوا : هذا لله وهذا
لآلهتنا ، وكانوا إذا سقوها فخرق الماء من الذي لله في الذي للاصنام لم يسدوه و
قالوا : الله أغنى ، وإذا خرق من الذي للاصنام في الذي لله سدوه وقالوا : الله أغنى ،
وإذا وقع شئ من الذي لله في الذي للاصنام لم يردوه وقالوا : الله أغنى ، وإذا
وقع شئ من الذي للاصنام في الذي لله ردوه وقالوا : الله أغنى ، فأنزل الله في
ذلك على نبيه صلى الله عليه وآله وحكى فعلهم وقولهم فقال : " وجعلوا لله " الآية .
قوله : " وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " قال : يعني
أسلافهم زينوا لهم قتل أولادهم " ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم " يعني يغروهم و
يلبسوا عليهم دينهم . قوله : " وقالوا هذه أنعام وحرث حجر " قال : الحجر : المحرم
" لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم " قال : كانوا يحرمونها على قوم " وأنعام حرمت ظهورها "
يعني البحيرة والسائبة والوصيلة والحام .
" وقالوا ما في بطون هذه الانعام " قال : كانوا يحرمون الجنين الذي يخرجونه
من بطون الانعام على النساء ، فإذا كان ميتا تأكله الرجال والنساء ، ثم قال : " قد
خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم " أي بغير فهم " وحرموا ما رزقهم الله " وهم
قوم يقتلون أولادهم من البنات للغيرة ، وقوم كانوا يقتلون أولادهم من الجوع . ( 2 )
75 - فس : " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر " يعني اليهود حرم الله
عليهم لحوم الطير وحرم عليهم الشحوم - وكانوا يحبونها - إلا ما كان على ظهور الغنم
( هامش ص 207 ) ( 1 ) تفسير القمى : ص 200 - 203 .
( 2 ) : 205 و 206 .
[208]
أو في جانبه خارجا من البطن ، وهو قوله : " حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت
ظهورهما أو الحوايا " يعني في الجنين " أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم " أي
كان ملوك بني إسرائيل يمنعون فقراءهم من أكل لحوم الطير والشحوم فحرم الله ذلك
عليهم ببغيهم على فقرائهم . ( 1 )
76 - فس : قوله : " أن تقولوا إنما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا " يعني
اليهود والنصارى ، وإن كنا لم ندرس كتبهم " أو تقولوا لو أنا انزل علينا الكتاب
لكنا أهدى منهم " يعني قريشا ، قالوا : لو انزل علينا الكتاب لكنا أهدى وأطوع منهم
" فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة " يعني القرآن " سنجزي الذين يصدفون عن
آياتنا " أي يدفعون ويمنعون عنها . ( 2 )
77 - فس : قوله : " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " قال : فارقوا أمير المؤمنين
عليه السلام وصاروا أحزابا ، حدثني أبي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ،
عن المعلى بن خنيس ، ( 3 ) عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " إن الذين فارقوا ( 4 )
دينهم وكانوا شيعا " قال : فارق القوم والله دينهم . ( 5 )
78 - شى : عن كليب الصيداوي ( 6 ) قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله :
" إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " قال : كان علي عليه السلام يقرؤها " فارقوا دينهم "
قال : فارق والله القوم دينهم .
( هامش ص 208 ) ( 1 ) تفسير القمى : 207 . في المصدر : ومعنى قوله : " جزيناهم ببغيهم " انه كان ملوك بنى
اسرائيل اه
( 2 ) تفسير القمى : 209 .
( 3 ) بالتصغير كزبير .
( 4 ) هكذا فيما عندنا من نسخ الكتاب ، وفى المصدر المطبوع في طبعيه : إن الذين فرقوا .
( 5 ) تفسير القمى : 211 .
( 6 ) كليب كزبير ، والصيداوى ، منسوب إلى صيدا ، واسمه عمرو بن قعين بن الحارث بن
ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة ، والرجل هو كليب بن معاوية بن جبلة الصيداوى الاسدى أبومحمد ،
وقيل أبوالحسين ، روى عن أبى جعفر وأبى عبدالله عليهما السلام ، وله ابن يسمى محمد بن كليب
روى عن أبى عبدالله عليه السلام ، ترجمه الشيخ والنجاشى في فهرستهما ، وقد ذكر الكشى في
رجاله روايات في مدحه .
[209]
79 - فس : " المص كتاب انزل إليك " مخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله " فلا يكن في
صدرك حرج منه " أي ضيق " لتنذر به وذكرى للمؤمنين " حدثني أبي ، عن ابن
محبوب ، عن ابن رئاب ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إن حيي بن
أخطب وأبا ياسر بن أخطب ونفرا من اليهود من أهل نجران أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله
فقالوا له : أليس فيما تذكر فيماانزل إليك " الم " ؟ قال : بلى ، قالوا : أتاك بها
جبرئيل عليه السلام من عند الله ؟ قال : نعم ، قالوا : لقد بعث أنبياء قبلك ما نعلم نبيا منهم
أخبرنا مدة ملكه وما أكل امته غيرك ! قال : فأقبل حيي بن أخطب على أصحابه فقال
لهم : الالف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ، فعجب
ممن يدخل في دين مدة ملكه وأكل امته إحدى وسبعون سنة ! قال : ثم أقبل على
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له : يا محمد هل مع هذا غيره ! قال : نعم ، قال : هاته ، قال : " المص "
قال : هذا أثقل وأطول ، الالف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد تسعون ،
فهذه مائة وإحدى وستون سنة ، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وآله : هل مع هذا غيره ؟ قال :
نعم ، قال : هات ، قال : " الر " قال : هذا أثقل وأطول ، الالف واحد ، واللام
ثلاثون ، والراء مائتان ، ثم قال : فهل مع هذا غيره ؟ قال : نعم ، قال : هات ، قال :
" المر " قال : هذا أثقل وأطول ، الالف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ،
الراء مائتان ، ثم قال : هل مع هذا غيره ؟ قال : نعم ، قالوا : لقد التبس علينا أمرك فما
ندري ما اعطيت ، ثم قاموا عنه ، ثم قال أبوياسر لحيي أخيه وما يدريك لعل محمدا
قد جمع له فيهم هذا كله وأكثر منه ، فقال أبوجعفر عليه السلام : إن هذه الآيات انزلت فيهم :
" منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات " وهي تجري في وجوه اخر
على غير ما تأول حيي بن أخطب وأخوه وأصحابه ، ثم خاطب الله الخلق فقال :
" اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء " غير محمد " قليلا ما
تذكرون " . ( 1 )
80 - فس : " وإذا فعلوا فاحشة قالوا " أي عبدة الاصنام . وفي رواية أبي الجارود :
( هامش ص 209 ) ( 1 ) تفسير القمى : 210 و 211 .
[210]
قوله : " كما بدأكم تعودون " قال : خلقهم حين خلقهم مؤمنا وكافرا وشقيا وسعيدا ،
وكذلك يعودون يوم القيامة مهتد وضال . ( 1 )
81 - فس : قوله تعالى : " لما يحييكم " قال : الحياة : الجنة " واعلموا أن الله
يحول بين المرء وقلبه " أي يحول بين ما يريد الله وبين ما يريده .
حدثنا أحمد بن محمد ، عن جعفر بن عبدالله ، عن كثير بن عياش ، عن أبي الجارود ،
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما
يحييكم " يقول : ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإن اتباعكم إياه وولايته أجمع
لامركم وأبقى للعدل فيكم .
وأما قوله : " واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " يقول : يحول بين المرء
المؤمن ومعصيته أن تقوده إلى النار ، ( 2 ) ويحول بين الكافر وبين طاعته أن يستكمل
بها الايمان . ( 3 )
82 - فس : " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " الآية ،
فإنها نزلت لما قال رسول الله لقريش : إن الله بعثني أن أقتل جميع ملوك الدنيا وأجر
الملك إليكم فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه تملكوا بها العرب ، وتدين لكم بها العجم ،
وتكونوا ملوكا في الجنة ، فقال أبوجهل : " اللهم إن كان هذا " الذي يقول محمد
" هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " حسدا لرسول
الله صلى الله عليه وآله ، ثم قال : كنا وبني هاشم كفرسي رهان ، نحمل إذا حملوا ، ونظعن إذا
ظعنوا ، ( 4 ) ونوقد إذا أوقدوا ، فلما استوى بنا وبهم الركب قال قائل منهم : منا نبي ،


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 210 سطر 19 الى ص 218 سطر 18

لا نرضى بذلك أن يكون في ( من خ ل ) بني هاشم ، ولا يكون في ( من خ ل ) بني مخزوم ، ثم
( هامش ص 210 ) ( 1 ) تفسير القمى : 214 .
( 2 ) أى يحول بين المؤمن ومعصيته بالتوفيق والتسديد على الترك . ويحول بين الكافر والطاعة
بالخذلان والتخلية بينه وبين نفسه الامارة ، لا أنه يجبرهما ويلجئهما إلى ذلك . وفى النسخة المقروءة
على المصنف بعد ذلك ، واعلموا أن الاعمال بخواتيمها .
( 3 ) تفسير القمى : 248 .
( 4 ) في المصدر : ونطعن إذا طعنوا .
[211]
قال : غفرانك اللهم ، فأنزل الله في ذلك : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم
وهم يستغفرون " حين قال : غفرانك اللهم ، فلما هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجوه
من مكة قال الله : " وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا
أولياه " يعني قريشا ما كانوا أولياء مكة " إن أولياؤه إلا المتقون " أنت وأصحابك
يا محمد ، فعذبهم الله بالسيف يوم بدر فقتلوا . ( 1 )
83 - فس : لما اجتمعت قريش أن يدخلوا على النبي ليلا فيقتلوه ، وخرجوا
إلى المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت فأنزل الله : " وما كان صلوتهم عند
البيت إلا مكاء وتصدية " فالمكاء : التصفير ، والتصدية : صفق اليدين . ( 2 )
84 - فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم " أما المسيح فعصوه وعظموه
في أنفسهم حين زعموا أنه إله وأنه ابن الله ، وطائفة منهم قالوا : ثالث ثلاثة ، وطائفة
منهم قالوا : هو الله ، وأما أحبارهم ورهبانهم فإنهم أطاعوا وأخذوا بقولهم واتبعوا
ما أمروهم به ودانوا بما دعوهم إليه ، فاتخذوهم أربابا بطاعتهم لهم وتركهم أمر الله
وكتبه ورسله فنبذوه وراء ظهورهم ، وما أمرهم به الاحبار و الرهبان اتبعوهم و
أطاعوهم وعصوا الله ، وإنما ذكر هذا في كتابنا لكي نتعظ بهم ، ( 3 ) فعير الله بني
إسرائيل بما صنعوا يقول الله : " وما امروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه
عما يشركون " . ( 4 )
85 - فس : " إنا النسي ء زيادة في الكفر " الآية ، فإنه كان سبب نزولها أن
رجلا من كنانة ( 5 ) كان يقف في الموسم فيقول : قد أحللت دماء المحلين : طي وخثعم في
( هامش ص 211 ) ( 1 ) تفسير القمى : 253 .
( 2 ) تفسير القمى : 252 . قلت : والترتيب يقتضى إيراده قبل الاية المتقدمة .
( 3 ) في المصدر : لكى يتعظ بهم .
( 4 ) تفسير القمى : 264 .
( 5 ) تقدم ذكر الخلاف فيه ، نقل الطبرسى عن الفراء أنه كان يسمى نعيم بن تغلبة ، وعن ابن مسلم
أنه رجل من كنانة يقال له القلمس ، وأن الذى كان ينسأها حين جاء الاسلام جنادة بن عوف بن
امية الكنانى ، وأول من سن ذلك عمرو بن لحى .
[212]
شهر المحرم وأنسأته ، وحرمت بدله صفر ، فإذا كان العام المقبل يقول : قد أحللت
صفر وأنسأته ، وحرمت بدله شهر المحرم ، فأنزل الله : " إنما النسئ زيادة في الكفر "
إلى قوله : " زين لهم سوء أعمالهم " . ( 1 )
86 - شى : عن يزيد بن عبدالملك ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنه لن يغضب الله
لشئ كغضب الطلح والسدر ، إن الطلح كانت كالاترج ، والسدر كالبطيخ ، فلما قالت
اليهود : " يد الله مغلولة " نقصتا حملها فصغر فصار له عجم واشتد العجم ، فلما أن قالت
النصارى : " المسيح ابن الله " زعرتا فخرج لهما هذا الشوك ونقصتا حملهما وصار السدر
إلى هذا الحمل ، وذهب حمل الطلح فلا يحمل حتى يقوم قائمنا ، وقال : من سقى طلحة
أو سدرة فكأنما سقى مؤمنا من ظمأ . ( 2 )
بيان : قيل : الطلح : شجر الموز ، وقيل : ام غيلان ، وقيل : كل شجر عظيم كثير
الشوك ، والخبر ينفي الاول ، ويمكن أن يكون غضبهما مجازا عن ظهور الغضب فيهما
وكفى ذلك في شرفهما .
87 - شى : عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " قال : ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما
أجابوهم ، ولكنهم أحلوا لهم حلالا وحرموا عليهم حراما فأخذوا به فكانوا أربابهم
من دون الله .
وفي رواية اخرى : فكانوا يعبدونهم من حيث لا يشعرون . ( 3 )
88 - فس : " أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام " أي يمرضون . قوله : " نظر
بعضهم إلى بعض " يعني المنافقين " ثم انصرفوا " أي تفرقوا " صرف الله قلوبهم " عن الحق
إلى الباطل باختيارهم الباطل على الحق . ( 4 )
89 - فس : أبي ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبدالله عليه السلام
في قوله : " قدم صدق عند ربهم " قال : هو رسول الله صلى الله عليه وآله . ( 5 )
( هامش ص 212 ) ( 1 ) تفسير القمى : 265 . ( 2 ) تفسير العياشى : مخطوط .
( 3 ) تفسير العياشى : مخطوط . ( 4 ) تفسير القمى : 283 .
( 5 ) تفسير القمى : 284 .
[213]
90 - فس : " قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا " فإن قريشا
قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله : ائتنا بقرآن غير هذا فإن هذا شئ تعلمته من اليهود و
النصارى . قوله : " فقد لبثت فيكم عمرا من قبله " أي قد لبثت فيكم أربعين سنة قبل
أن يوحى إلي لم آتكم بشئ منه حتى اوحي إلي ، وأما قوله : " أو بدله " فإنه
أخبرني الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي السفاتج ، عن أبي
عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " ائت بقرآن غير هذا أو بدله " يعني أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب عليه السلام " قل ما يكون لي أن ابدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى
إلي " يعني في علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام .
قوله : " ويعبدونه من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا
عند الله " قال : كانت قريش يعبدون الاصنام ويقولون : إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله
زلفى ، فإنا لا نقدر على عبادة الله ، فرد الله عليهم وقال : " قل " لهم يا محمد " أتنبؤن الله
بما لا يعلم " أي ليس له شريك يعبد . ( 1 )
91 - فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " أفمن
يهدي إلى الحق أحق أن يتبع " الآية ، فأما من يهدي إلى الحق فهو محمد وآل محمد
من بعده ، وأما من لا يهدي إلا أن يهدى فهو من خالف من قريش ، وغيرهم أهل
بيته من بعده .
وفي رواية أبي الجارود عنه عليه السلام قوله : " قل أرأيتم إن ( أتيكم ؟ ) عذابه بياتا "
يعني ليلا أو نهارا " ماذا يستعجل منه المجرمون " فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان
على فسقة أهل القبلة وهم يجحدون نزول العذاب عليهم . قوله وما أنا بوكيل "
أي لست بوكيل عليكم أحفظ أعمالكم ، إنما علي أن أدعوكم . ( 2 )
92 - فس في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام " الر كتاب احكمت
آياته " قال : هو القرآن " من لدن حكيم خبير " قال : من عند حكيم خبير " وأن استغفروا
ربكم " يعني المؤمنين ، قوله : " ويؤت كل ذي فضل فضله " فهو علي بن أبي طالب عليه السلام .
( هامش ص 213 ) ( 1 ) تفسير القمى : 285 .
( 2 ) : 487 و 488 و 496 .
[214]
قوله : " وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير " يعني الدخان والصيحة ، قوله :
" ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه " يقول : يكتمون ما في صدروهم من بغض
علي عليه السلام ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن آية المنافق بغض علي عليه السلام ، فكان قوم يظهرون
المودة لعلي عليه السلام عند النبي صلى الله عليه وآله ويسرون بغضه ، فقال : " ألا حين يستغشون ثيابهم "
فإنه كان إذا حدث بشئ من فضل علي أو تلا عليهم ما أنزل الله فيه نفضوا ثيابهم ثم
قاموا ، يقول الله : " يعلم ما يسرون وما يعلنون " حين قاموا " إنه عليم بذات الصدور "
قوله : " ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى امة معدودة " قال : إن متعناهم في هذه
الدنيا إلى خروج القائم - عجل الله فرجه - فنردهم ونعذبهم " ليقولن ما يحبسه " أي
يقولون : أما لا يقوم القائم ولا يخرج ؟ على حد الاستهزاء ، فقال الله : " ألا يوم يأتيهم ليس
مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون " . قوله : " أفمن كان على بينة من ربه "
حدثني أبي ، عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس ، عن أبي بصير والفضيل ، عن أبي جعفر
عليه السلام قال : إنما انزلت : " أفمن كان على بينة من ربه " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله
" ويتلوه شاهد منه " يعني أمير المؤمنين ( 1 ) " إماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى اولئك
يؤمنون به " فقدموا وأخروا في التأليف . ( 2 )
بيان : تفسير الاستغشاء بالنفض غريب لم أظفر به في اللغة .
93 - فس : قوله : " وكأين من آية في السموات والارض " قال : الكسوف
والزلزلة والصواعق . قوله : " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " فهذا شرك
الطاعة ، أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن
بكر ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى : " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا
وهم مشركون " قال : شرك طاعة ليس بشرك عبادة ، والمعاصي التي يرتكبون فهي
شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره ، وليس بإشراك عبادة
أن يعبدوا غير الله .
( هامش ص 214 ) ( 1 ) المصدر خال عن قوله : يعني امير المؤمنين ، ولعله سقط عن الطبع .
( 2 ) تفسير القمى : ص 297 و 298 و 300 .
[215]
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " قل هذه سبيلي أدعو
إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " يعني نفسه ، ومن اتبعه علي بن أبي طالب عليه السلام
وآل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين . ( 1 )
94 - فس : قوله : " هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا " يعني يخافه قوم و
يطمع فيه قوم أن يمطروا " وينشئ السحاب الثقال " يعني يرفعها من الارض " ويسبح
الرعد " أي الملك الذي يسوق السحاب " وهو شديد المحال " أي شديد الغضب .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " والذين يدعون من
دونه لا يستجيبون لهم بشئ " فهذا ( 2 ) مثل ضربه الله للذين يعبدون الاصنام ، والذين
يعبدون الآلهة من دون الله لا يستجيبون ( 3 ) لهم بشئ ولا ينفعهم إلا كباسط كفيه
إلى الماء ليتناوله من بعيد ولا يناله . ( 4 )
وحدثني أبي ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر
عليه السلام قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله رأيت أمرا
عظيما ، فقال : وما رأيت ؟ قال : كان لي مريض ونعت له ماء من بئر الاحقاف يستشفى
به في برهوت ، قال : فتهيأت ( 5 ) ومعي قربة وقدح لآخذ من مائها وأصب في القربة ،
إذا شئ ( بشئ خ ل ) قد هبط من جو السماء كهيئة السلسلة وهو يقول : يا هذا اسقني
الساعة الساعة أموت ، فرفعت رأسي ورفعت إليه القدح لاسقيه فإذا رجل في عنقه سلسلة ،
فلما ذهبت اناوله القدح اجتذب مني حتى علق بالشمس ، ثم أقبلت على الماء أغترف إذا
أقبل الثانية وهو يقول : العطش العطش يا هذا اسقني الساعة أموت ، فرفعت القدح
لاسقيه فاجتذب مني حتى علق بالشمس ، حتى فعل ذلك الثالثة ، وشددت قربتي
ولم أسقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ذاك قابيل بن آدم الذي قتل أخاه ، وهو قوله عزوجل :
( هامش ص 215 ) ( 1 ) تفسير القمى : 334 .
( 2 ) في المصدر : " لا يستجيبون لهم بشئ الا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه " فهذا ا ه .
( 3 ) في المصدر : والذين يعيدون آلهة من دون الله فلا يستجيبون ا ه .
( 4 ) تفسير القمى : 337 . وفيه : من بعد ولا يناله .
( 5 ) في المصدر : فانتهيت .
[216]
" والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء " الآية .
قوله : " ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو
والآصال " قال : بالعشي ، قال : ظل المؤمن يسجد طوعا ، وظل الكافر يسجد كرها ،
وهو نموهم وحركتهم وزيادتهم ونقصانهم .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " ولله يسجد من في السموات
والارض " الآية ، قال : أما من يسجد من أهل السماوات طوعا فالملائكة يسجدون
طوعا ، ومن يسجد من أهل الارض فمن ولد في الاسلام فهو يسجد له طوعا ، وأما من
يسجد له كرها فمن جبر على الاسلام ، وأما من لم يسجد فظله يسجد له بالغداة
والعشي .
وقوله : " هل يستوي الاعمى والبصير " يعني المؤمن والكافر " أم هل تستوي الظلمات
والنور " أما الظلمات فالكفر ، وأما النور فهو الايمان . وقوله : " أنزل من السماء ماء فسالت
أودية بقدرها " يقول : الكبير على قدر كبره ، والصغير على قدر صغره . قوله : " الله أنزل من
السماء ماء " يقول : أنزل الحق من السماء فاحتملته القلوب بأهوائها : ذو اليقين على قدر
يقينه ، وذو الشك على قدر شكه ، فاحتمل الهوى باطلا كثيرا وجفاء ، فالماء هو الحق ،
والاودية هي القلوب ، والسيل هو الهوى ، والزبد هو الباطل ، والحلية والمتاع هو الحق ،
قال الله : " كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس
فيمكث في الارض " فالزبد وخبث الحلية هو الباطل ، والمتاع والحلية هو الحق ، من
أصاب الزبد وخبث الحلية في الدنيالم ينتفع به ، وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة
لا ينتفع به ، وأما الحلية والمتاع فهو الحق من أصاب الحلية والمتاع في الدنيا انتفع به ،
وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينفعه " كذلك يضرب الله الامثال " .
قوله : " زبدا رابيا " أي مرتفعا " ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية " يعني ما
يخرج من الماء من الجواهر وهو مثل ، أى يثبت الحق في قلوب المؤمنين ، وفي قلوب
الكفار لا يثبت " فأما الزبد فيذهب جفاء " يعني يبطل " وأما ما ينفع الناس فيمكث
في الارض " وهذا مثل المؤمنين والمشركين فقال الله عزوجل : " كذلك يضرب الله الامثال
[217]
للذين استجابوا لربهم الحسنى " إلى قوله : " وبئس المهاد " فالمؤمن إذا سمع الحديث
ثبت في قلبه رجاء ربه وآمن به ، ( 1 ) وهو مثل الماء الذي يبقى في الارض فينبت النبات ،
والذي لا ينتفع به يكون مثل الزبد الذي تضربه الرياح فيبطل . قوله : " وبئس المهاد "
قال : يتمهدون في النار . قوله : " اولو الالباب " أي اولو العقول . ( 2 )
95 - فس : قوله : " ولو أن قرآنا " الآية ، قال : لو كان شئ من القرآن
كذلك لكان هذا . قوله : " قارعة " أي عذاب .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " ولا يزال الذين
كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة " وهي النقمة " أو تحل قريبا من دارهم " فتحل بقوم
غيرهم ، فيرون ذلك ويسمعون به ، والذين حلت بهم عصاة كفار مثلهم ولا يتعظ بعضهم
ببعض ولن يزالوا كذلك " حتى يأتي وعد الله " الذي وعد المؤمنين من النصر ويخزي
الكافرين .
وقال علي بن إبراهيم في قوله : " فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم " : أي طولت
لهم الامل ثم أهلكتهم . ( 3 )
96 - فس : " الر كتاب أنزلناه إليك " يا محمد " لتخرج الناس من الظلمات
إلى النور بإذن ربهم " يعني من الكفر إلى الايمان " إلى صراط العزيز الحميد " والصراط
الطريق الواضح ، وإمامة الائمة عليهم السلام . قوله : " مثل الذين كفروا " الآية قال : من لم
يقر بولاية أمير المؤمنين عليه السلام بطل عمله مثل الرماد الذي تجئ الريح فتحمله . ( 4 )
97 - فس : أبي ، عن ابن محبوب ، عن أبي جعفر الاحول ، عن سلام بن مستنير
عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول الله تعالى : " مثل كلمة طيبة " الآية ، قال :
( هامش ص 217 ) ( 1 ) في المصدر المطبوع في سنة 1315 : فالمؤمن إذا سمع الحديث ثبت في قلبه وأجابه
وآمن به . وفى طبعه الاخر " حاربه " بدل " أجابه " فهو لا يخلو عن تصحيف .
( 2 ) تفسير القمى : ص 338 - 340 .
( 3 ) تفسير القمى : 342 .
( 4 ) تفسير القمى : 344 و 345 .
[218]
الشجرة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ونسبه ثابت في بني هاشم ، وفرع الشجرة علي بن أبي
طالب عليه السلام ، وغصن الشجرة فاطمة عليها السلام ، وثمراتها الائمة من ولد علي وفاطمة عليهما السلام ،
وشيعتهم ورقها ، وإن المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة ، وإن
المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة ، قلت : أرأيت قوله : " تؤتي اكلها كل حين بإذن
ربها " ؟ قال : يعني بذلك ما يفتي الائمة شيعتهم في كل حج وعمرة من الحلال والحرام ،
ثم ضرب الله لاعداء آل محمد مثلا فقال : " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من
فوق الارض ما لها من قرار " .
في رواية أبي الجارود قال : كذلك الكافرون لا تصعد أعمالهم إلى السماء و
بنو امية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد أعمالهم إلى السماء إلا
قليل منهم . ( 1 )
98 - فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : سألته عن قول الله تعالى : " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا " قال : نزلت
في الافجرين من قريش : بني امية ، وبني المغيرة ، فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم
يوم بدر وأما بنو امية فمتعوا إلى حين ، ثم قال : نحن والله نعمة الله التي أنعم الله بها
على عباده ، وبنا يفوز من فاز . ( 2 )
99 - شى : عن عمرو بن سعيد ( 3 ) قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله :
" الذين بدلوا نعمة الله كفرا " قال : فقال : ما تقولون في ذلك ؟ فقال : نقول هما الافجران
من قريش : بنو امية ، وبنو المغيرة ، فقال : بلى هي قريش قاطبة ، إن الله خاطب نبيه


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 218 سطر 19 الى ص 226 سطر 18

فقال : إني فضلت قريشا على العرب ، وأنعمت عليهم نعمتي ، وبعثت إليهم رسولا ،
فبدلوا نعمتي وكذبوا رسولي .
100 - فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن رفاعة ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد من عند الله : لا يدخل الجنة إلا
( هامش ص 218 ) ( 1 ) تفسير القمى : 347 .
( 2 ) : 347 .
( 3 ) الظاهر أنه عمرو بن سعيد بن هلال الثقفى .
[219]
مسلم ، فيومئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . قوله : " ويلههم الامل " أي يشغلهم
قوله : " كتاب معلوم " أي أجل مكتوب . قوله : " لو ما تأتينا " أي هلا تأتينا . قوله :
" وما كانوا إذا منظرين " قالوا لو أنزلنا الملائكة لم ينظروا وهلكوا . قوله : " ولقد
آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " يعني فاتحة الكتاب . قوله : " الذين جعلوا
القرآن عضين " قال : قسموا القرآن ولم يؤلفوه على ما أنزله الله . ( 1 )
101 - شى : عن حماد ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهما السلام في قول الله :
" لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم " قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزل به ضيفه
فاستسلف من يهودي ، فقال اليهودي : والله يا محمد لا ثاغية ولا راغية فعلى ما أسلفه ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إني لامين الله في سمائه وأرضه ولو ائتمنتني على شئ لاديته
إليك ، قال : فبعث بدرقة له فرهنها عنده فنزلت عليه : " ولا تمدن عينيك إلى ما
متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا " . ( 2 )
بيان : الثاغية : الغنم . والراغية : الناقة . والدرقة بالتحريك : الترس إذا كان
من جلود ليس فيه خشب .
102 - شى عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام
في قوله : " الذين جعلوا القرآن عضين " قال : هم قريش . ( 3 )
103 - شى : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " ولاتجهر بصلاتك
ولاتخافت بها " قال : نسختها : " فاصدع بما تؤمر " ( 4 )
104 - شى : عن أبان بن عثمان رفعه قال : كان المستهزؤون خمسة من قريش :
الوليد بن المغيرة المخزومي ، والعاص بن وائل السهمي ، والحارث بن حنظلة ، و
الاسود بن عبد يغوث بن وهب الزهري ، والاسود بن المطلب بن أسد ، فلما قال الله
تعالى : " إنا كفيناك المستهزئين " علم رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قد أخزاهم ، فأماتهم الله بشر
ميتات . ( 5 )
( هامش ص 219 ) ( 1 ) تفسير القمى : 348 و 349 و 353 .
( 2 و 3 و 4 و 5 ) تفسير العياشى مخطوط .
[220]
105 - فس : " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " قال : نزلت لما سألت قريش رسول
الله صلى الله عليه وآله أن ينزل عليهم العذاب .
قوله : " ينزل الملائكة بالروح من أمره " يعني بالقوة التي جعلها الله فيهم ، و
في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " على من يشاء من عباده أن
أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون " يقول : بالكتاب والنبوة . ( 1 )
بيان : تأويل الروح بالقوة غريب ، ( 2 ) وسيأتي في الاخبار أنه خلق أعظم من
الملائكة ، ولعله من بطون الآية ، وقوله : يقول بالكتاب إما تفسير للروح أيضا كما
ذكره المفسرون ، أو متعلق بالانذار .
106 - فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيمة "
الآية ، قال : يعني يحملون آثامهم - يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام - وآثام كل
من اقتدى بهم . ( 3 ) قوله : " في تقلبهم " قال : إذا جاؤوا وذهبوا في التجارات وفي أعمالهم
فيأخذهم في تلك الحالة " أو يأخذهم على تخوف " قال : على تيقظ .
قوله : " سجدا لله وهم داخرون " قال : تحويل كل ظل ( 4 ) خلقه الله هو سجوده
لله لانه ليس شئ إلا له ظل يتحرك بتحريكه ، وتحركه سجوده . قوله : " وله الدين
واصبا " أي واجبا . قوله : " تجأرون " أي تفزعون وترجعون " ويجعلون لما لا يعلمون
نصيبا مما رزقناهم " هو الذي وصفناه مما كانت العرب يجعلون للاصنام نصيبا في زرعهم
( هامش ص 220 ) ( 1 ) تفسير القمى : 356 .
( 2 ) قد فسر الروح هنا بالوحى ، وبالقرآن ، وبالنبوة ، وأما ما فسره على بن ابراهيم فهو معنى
حسن أقرب من معنى الروح ، ولكن غريب ، لان الظاهر من نظائرها كقوله تعالى : " وكذلك
أوحينا إليك روحا من امرنا " خلاف ذلك ، وعليه فيحتمل أن يكون " من " في قوله : " من أمره "
بمعنى الباء ، أى ينزل الملائكة بالقوة التى جعلها الله فيهم بأمره ووحيه على من يشاء ، وأما قوله :
بالكتاب والنبوة فهو تفسير آخر من الامام عليه السلام للروح ، ويحتمل أن يكون تفسيرا لقوله :
من أمره بمعنى الذى قلناه .
( 3 ) أضاف في المصدر بعد ذلك : وهو قول الصادق عليه السلام : والله ما اهريقت محجمة من
دم ولا قرع عصا بعصا ولا غصب فرج حرام ولا اخذ مال من غير حل الا وزر ذلك في أعناقهم ، من
غير أن ينقص من أوزار العاملين شئ . راجع تفسير القمى ص 358 .
( 4 ) في طبعة من المصدر : تحريك كل ظل .
[221]
وإبلهم وغنمهم " وتجعلون لله البنات " قال : قالت قريش : إن الملائكة هم بنات الله ،
فنسبوا ما لا يشتهون إلى الله ، فقال الله تعالى سبحانه : " ولهم ما يشتهون " ( 1 ) يعني من البنين ،
قوله : " أيمسكه على هون " أي يستهين به . قوله : " وإنهم مفرطون " أي معذبون . قوله :
" فما الذين فضلوا برادي رزقهم " قال : لا يجوز للرجل أن يخص نفسه بشئ من المأكول
دون عياله .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : التي نقضت غزلها امرأة
من بني تميم بن مرة ويقال لها رابطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن كعب بن لوي بن
غالب ، ( 2 ) كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته ، فقال الله : " كالتي
نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم " قال : إن الله تعالى
أمر بالوفاء ونهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلا .
قوله : " وإذا بدلنا آية مكان آية " قال : كان إذا نسخت آية قالوا لرسول
الله صلى الله عليه وآله : " أنت مفتر " فرد الله عليهم فقال : " قل " لهم يامحمد " نزله روح القدس من
ربك بالحق " يعني جبرئيل . وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله :
" روح القدس " قال هو جبرئيل عليه السلام ، والقدس : الطاهر " ليثبت الله الذين آمنوا "
هم آل محمد صلى الله عليه وآله .
قوله : " لسان الذي يلحدون إليه أعجمي " قال : هو لسان أبي فكيهة مولى ابن
الخضرمي ( 3 ) كان أعجمي اللسان وكان قد اتبع نبي الله وآمن به وكان من أهل
الكتاب ، فقالت قريش : إنه يعلم محمدا علمه بلسانه . ( 4 )
( هامش ص 221 ) ( 1 ) في المصدر : فقال الله عزوجل : ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون .
( 2 ) هكذا في النسخ ، وفى المصدر : ريطة وكذا في مجمع البيان الا أنه قال : ريطة بنت عمرو
بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة .
( 3 ) هكذا في بعض النسخ والمصدر ، ولكن في نسخ اخرى من الكتاب وكذا في مجمع البيان :
ابن الحضرمى .
( 4 ) تفسير القمى : 360 - 362 و 364 - 366 .
[222]
107 - شى : عن سماعة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن قول الله : " وله
الدين واصبا " قال : واجبا . ( 1 )
108 - فس : " ولا تجعل مع الله إلها آخر " مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى
للناس ، وهو قول الصادق عليه السلام : إن الله بعث نبيه بإياك أعني واسمعي يا جارة
قوله : " إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا " قال : لو كانت الاصنام آلهة كما يزعمون
لصعدوا إلى العرش .
قوله : " وإذ هم نجوى " أي إذ هم في سر يقولون : هو ساحر . قوله : " ظهيرا "
أي معينا . قوله : " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا " فإنها
نزلت في عبدالله بن أبي امية أخي ام سلمة رحمة الله عليها ، وذلك أنه قال هذا
لرسول الله صلى الله عليه وآله بمكة قبل الهجرة ، فلما خرج رسول الله إلى فتح مكة استقبل عبدالله
ابن أبي امية فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يرد السلام عليه فأعرض عنه ولم يجبه
بشئ ، وكانت اخته ام سلمة مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فدخل إليها وقال :
يا اختي إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبل إسلام الناس كلهم ورد إسلامي ، فليس يقبلني كما
قبل غيري ، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على ام سلمة قالت : بأبي أنت وامي يا رسول الله
سعد بك جميع الناس إلا أخي من بين قريش والعرب ، رددت إسلامه وقبلت إسلام الناس
كلهم إلا أخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا ام سلمة إن أخاك كذبني تكذيبا لم يكذبني
أحد من الناس ، هو الذي قال لي : " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا " إلى قوله :
" كتابا نقرؤه " قالت ام سلمة : بأبي أنت وامي يا رسول الله ألم تقل : إن الاسلام
يجب ما كان قبله ؟ ( 2 ) قال : نعم ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله إسلامه .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " حتى تفجر لنا من الارض
( هامش ص 222 ) ( 1 ) مخطوط .
( 2 ) أى يمحو ما كان قبله من الكفر والمعاصى والذنوب ، من الجب وهو القطع .
[223]
ينبوعا " أي عينا " أو تكون لك جنة " أي بستان " من نخيل وعنب فتفجر الانهار
خلالها تفجيرا " من تلك العيون " أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا " وذلك أن
رسول الله صلى الله عليه وآله : قال : إنه سيسقط من السماء كسفا لقوله : " وإن يروا كسفا من السماء
ساقطا يقولوا سحاب مركوم " وقوله : " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا " والقبيل :
الكثير " أو يكون لك بيت من زخرف " المزخرف بالذهب " أو ترقى في السماء ولن
نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " يقول : من الله إلى عبدالله بن أبي امية
أن محمدا صادق ، وإني أنا بعثته ، ويجئ معه أربعة من الملائكة يشهدون أن الله هو
كتبه ، فأنزل الله : " قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا " .
قوله : " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى " قال : قال الكفار : لم لم
يبعث الله إلينا الملائكة ؟ فقال الله : لو بعثنا إليهم ملكا لما آمنوا ولهلكوا ، ولو كانت
الملائكة في الارض يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم ملكا رسولا .
قوله : " قل لو أنتم تملكون " الآية ، قال : لو كانت الاموال بيد الناس لما أعطوا
الناس شيئا مخافة الفناء " وكان الانسان قتورا " أي بخيلا . قوله : " على مكث " أي
على مهل . ( 1 )
109 - فس : " ولم يجعل له عوجا قيما " قال : هذا مقدم ومؤخر ، لان
معناه : الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا ، فقد قدم حرفا على
حرف " لينذر بأسا شديدا من لدنه " يعني يخوف ويحذرهم من عذاب الله عزوجل .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " فلعلك باخع نفسك "
يقول : قاتل نفسك " على آثارهم " . قوله : " أسفا " أي حزنا . ( 2 )
110 - فس : قوله : " لقد جئتم شيئا إدا " أي عظيما . قوله : " قوما لدا " قال
أصحاب الكلام والخصومة . ( 3 )
111 - فس : " أفتأتون السحر وأنتم تبصرون " أي تأتون محمدا صلى الله عليه وآله وهو ساحر
( هامش ص 223 ) ( 1 ) تفسير القمى : 380 و 382 و 387 و 388 - 391 .
( 2 ) : 391 و 392 .
( 3 ) : 415 .
[224]
ثم قال : " قل " لهم يا محمد : " ربي يعلم القول في السماء والارض " يعني ما يقال في السماء
والارض ، ثم حكى الله قول قريش فقال : " بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه " أي هذا
الذي يخبرنا محمد يراه في النوم ، وقال بعضهم : " بل افتراه " أي يكذب ، وقال بعضهم : " بل
هو شاعر فليأتنا بآية كما ارسل الاولون " فرد الله عليهم فقال : " ما آمنت قبلهم
من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون " قال : كيف يؤمنون ولم يؤمن من كان قبلهم بالآيات
حتى هلكوا ؟ .
قوله : " فاسئلوا أهل الذكر " قال : آل محمد . ( 1 ) قوله : " وما جعلنا لبشر من
قبلك الخلد " فإنه لما أخبر الله نبيه بما يصيب أهل بيته بعده وادعاء من ادعى
الخلافة دونهم اغتم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأنزل الله عزوجل : " وما جعلنا لبشر من قبلك
الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة "
أي نختبرهم . ( 2 )
قوله : " ولقد كتبنا في الزبور من بعدالذكر " قال : الكتب كلها ذكر " أن
الارض يرثها عبادي الصالحون " قال : القائم عجل الله فرجه وأصحابه ، قال : والزبور
فيه ملاحم وتحميد وتمجيد ودعاء .
قوله : " وقل رب احكم بالحق " قال : معناه : لا تدع الكفار ، والحق : الانتقام
من الظالمين . ( 3 )
112 - فس : " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير "
قال : نزلت في أبي جهل " ثاني عطفه " قال : تولى عن الحق " ليضل عن سبيل الله "
قال : عن طريق الله والايمان . قوله : " ومن الناس من يعبد الله على حرف " قال : على
شك " فإن أصابه خير اطمأن به " الآية ، فإنه حدثني أبي ، عن يحيى بن أبي عمران ،
عن يونس ، عن حماد ، عن ابن طيار ، ( 4 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : نزلت هذه الآية
( هامش ص 224 ) ( 1 ) في المصدر : قال : آل محمد هم اهل الذكر . راجع التفسير : 426 .
( 2 ) تفسير القمى : 428 .
( 3 ) : 434 .
( 4 ) الظاهر أنه حمزة بن محمد الطيار .
[225]
في قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله ، وخرجوا من الشرك ، ولم يعرفوا أن
محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله ، فهم يعبدون الله على شك في محمد وما جاء به ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه واله
فقالوا : ننظر فإن كثرت أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا علمنا أنه صادق وأنه
رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإن كان غير ذلك نظرنا ، فأنزل الله : " فإن أصابه خير اطمأن به وإن
أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين * يدعو
من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه " انقلب مشركا يدعو غير الله ويعبد الله غيره ، فمنهم من
يعرف ويدخل الايمان قلبه فهو مؤمن ، ويصدق ويزول عن منزلته من الشك إلى
الايمان ، ومنهم من يلبث على شكه ، ومنهم من ينقلب إلى الشرك ، وأما قوله : " من
كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة " فإن الظن في كتاب الله على وجهين :
ظن يقين ، وظن شك ، فهذا ظن شك ، قال : من شك أن الله لا يثيبه في الدنيا و
الآخرة " فليمدد بسبب إلى السماء " أي يجعل بينه وبين الله دليلا ، والدليل على أن
السبب هو الدليل قول الله في سورة الكهف : " وآتيناه من كل شئ سببا فأتبع سببا "
أي دليلا ، وقال : " ثم ليقطع " أي يميز ، والدليل على أن القطع هو التمييز قوله :
" وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا امما " أي ميزناهم ، فقوله : " ثم ليقطع " أي يميز
" فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ " أي حيلته ، والدليل على أن الكيد هو الحيلة قوله
تعالى : " كذلك كدنا ليوسف " أي احتلنا له حتى حبس أخاه ، وقوله يحكي قول فرعون :
" فأجمعوا كيدكم " أي حيلتكم ، قال : فإذا وضع لنفسه سببا وميز دله على الحق ، و
أما العامة فإنهم رووا في ذلك أنه من لم يصدق بما قال الله فليلق حبلا إلى سقف
البيت ثم ليختنق . ( 1 )
113 - فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " اولئك
يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون " يقول : هو علي بن أبي طالب لم يسبقه أحد ،
وقوله : " بل قلوبهم في غمرة من هذا " يعني من القرآن " ولهم أعمال من دون ذلك "
يقول : ما كتب عليهم في اللوح ما هم لها عاملون قبل أن يخلقوا هم لذلك الاعمال المكتوبة
عاملون .
( هامش ص 225 ) ( 1 ) تفسير القمى : 436 .
[226]
وقال علي بن إبراهيم في قوله : " ولدينا كتاب ينطق بالحق " أي عليكم ، ثم
قال : " بل قلوبهم في غمزة من هذا " أي في شك مما يقولون " حتى إذا أخذنا مترفيهم "
أي كبراءهم بالعذاب " إذا هم يجأرون " أي يضجون ، فرد الله عليهم " لا تجأروا اليوم "
إلى قوله : " سامرا تهجرون " أي جعلتموه سمرا وهجرتموه .
قوله : " أم يقولون به جنة " يعني برسول الله صلى الله عليه وآله . قوله : " ولو اتبع الحق
أهواءهم " قال : الحق رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام ، والدليل على ذلك قوله : " قد جاءكم
الرسول بالحق من ربكم " يعني ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ( 1 ) ومثله كثير ، والدليل
على أن الحق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام قول الله عزوجل : " ولو اتبع
رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام قريشا ( 2 ) لفسدت السموات والارض ومن فيهن "
ففساد السماء إذا لم تمطر ، وفساد الارض إذا لم تنبت ، وفساد الناس في ذلك .
قوله : " وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم " قال : إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام
قال : " وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون " قال : عن الامام
لحادون . ( 3 ) ثم رد على الثنوية الذين قالوا بإلهين فقال : " ما اتخذ الله من ولد وما
كان معه من إله " ( 4 ) قال : لو كان إلهين من دون الله كما زعمتم لكانا يختلفان : فيخلق
هذا ولا يخلق هذا ، ويريد هذا ولا يريد هذا ، ولطلب كل واحد منهم الغلبة ، ( 5 )
وإذا أراد أحدهما خلق إنسان وأراد الآخر خلق بهيمة فيكون إنسانا وبهيمة في حالة
( هامش ص 226 ) ( 1 ) في المصدر هنا زيادة وهى : وقوله : " ويستنبؤنك " أى يا محمد أهل مكة في على " أحق
هو " إمام هو ؟ " قل إى وربى انه لحق " أى لامام .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 226 سطر 19 الى ص 234 سطر 18

( 2 ) الظاهر ان قوله : رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام تفسير للحق ، وإلا
فيستلزم التحريف الذى يخالفه معظم الامامية بل جلهم ، وعلى فكلامه لا يخلو عن اشكال .
( 3 ) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في المصدر : لحائدون أى مائلون وعادلون عنه . وهنا
في المصدر زيادة وهى هكذا : ثم حكى الله قول الدهرية : " قالواءإذا متنا وكنا ترابا وعظاماءإنا
لمبعوثون " إلى قوله : " أساطير الاولين " يعنى أحاديث الاولين ، فرد الله عليهم فقال : " بل
أتيناهم بالحق وانهم لكاذبون " .
( 4 ) ذكر الاية في المصدر إلى قوله : " على بعض " .
( 5 ) في المصدر : ويطلب كل واحد منهما الغلبة .
[227]
واحدة وهو محال ، ( 1 ) فلما بطل هذا ثبت التدبير والصنع لواحد ، ودل أيضا التدبير
وثباته وقوام بعضه ببعض على أن الصانع واحد جل جلاله ، ( 2 ) ثم قال آنفا : " سبحان
الله عما يصفون " .
قوله : " وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين " قال : ما يقع في القلب من
وسوسة الشيطان . ( 3 )
114 - فس : قوله : " ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا " إلى قوله : " وما
اولئك بالمؤمنين " فإنه حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعثمان ، وذلك أنه
كان بينهما منازعة في حديقة ، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ترضى برسول الله صلى الله عليه وآله ؟
فقال عبدالرحمن بن عوف لعثمان : لا تحاكمه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه يحكم له عليك ،
ولكن حاكمه إلى ابن شيبة اليهودي ، فقال عثمان لامير المؤمنين عليه السلام : لا أرضى إلا
بابن شيبة اليهودي ، فقال ابن شيبة لعثمان : تأتمنون محمدا على وحي السماء وتتهمونه في
الاحكام ؟ فأنزل الله على رسوله : " وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم " إلى قوله
" بل اولئك هم الظالمون " ثم ذكر أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال : " إنما كان قول
المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا " إلى قوله :
" فاولئك هم الفائزون " . ( 4 )
115 - فس : قوله : " وأعانه عليه قوم آخرون " قالوا : إن هذا الذي يقرؤه
محمد ويخبرنا به ( 5 ) إنما يتعلمه من اليهود ويستكتبه من علماء النصارى ، ويكتب عن
( هامش ص 227 ) ( 1 ) في المصدر : " وهذا غير موجود " بدل " وهو محال " .
( 2 ) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا : وذلك قوله : " ما اتخذ الله من ولد " إلى قوله :
" بعضهم إلى بعض " .
( 3 ) تفسير القمى : 447 .
( 4 ) تفسير القمى : 460 .
( 5 ) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا : ويخبرنا بانه من الله .
[228]
رجل يقال له : ابن قبطة ( قبيطة خ ل ) ينقله عنه بالغداة والعشي . ( 1 )
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " إفك افتراه " قال :
الافك : الكذب " وأعانه عليه قوم آخرون " يعني أبا فهيكة ( 2 ) وحبرا وعداسا وعابسا
موسى حويطب .
قوله : " أساطير الاولين اكتتبها " فهو قول النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة
قال : " أساطيرالاولين اكتتبها " محمد " فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " . ( 3 )
116 - فس : قوله : " لعلك باخع نفسك " أي خادع . ( 4 ) قوله : " إن نشأ ننزل
عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " فإنه حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ،
عن هشام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : تخضع رقابهم - يعني بني امية - وهي الصيحة من
السماء باسم صاحب الامر عجل الله فرجه .
قوله : " وإنه لتنزيل رب العالمين " أي القرآن ، وحدثني أبي ، عن
حسان ، ( 5 ) عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " وإنه لتنزيل رب العالمين " إلى قوله :
" من المنذرين " قال : الولاية التي نزلت لامير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير .
قوله : " ولو نزلناه على بعض الاعجمين " قال الصادق عليه السلام : لو نزل
القرآن على العجم ما آمنت به العرب ، وقد نزل على العرب فآمنت به العجم ، فهذه
فضيلة العجم .
( هامش ص 228 ) ( 1 ) في المصدر هنا زيادة وهى : فحكى قولهم ورد عليهم فقال : " وقال الذين كفروا إن
هذا إلا إفك افتراه " إلى قوله : " بكرة وأصيلا " فرد الله عليهم فقال : " قل " لهم يا محمد
" انزله الذى يعلم السر في السموات والارض انه كان غفورا رحيما " .
( 2 ) هكذا في النسخ ، وفى المصدر : أبا فكيهة ، وهكذا تقدم قبل ذلك أيضا .
( 3 ) تفسير القمي : 463 .
( 4 ) بخع نفسه : انهكها وكاد يهلكها من غضب أو غم ، وأما المعنى الذى ذكره على بن
ابراهيم فغريب لم نجده في اللغة ، وقد فسره قبل ذلك بقوله : قاتل نفسك ، وهو الصحيح راجع
رقم 124 .
( 5 ) في نسخة : ( حيان ) وفى المصدر المطبوع في 1313 : حنان .
[229]
وحدثني محمد بن الوليد ، عن محمد بن الفرات ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
" الذي يراك حين تقوم " في النبوة " وتقلبك في الساجدين " قال : في أصلاب
النبيين . ( 1 )
117 - فس : قوله : " وقالوا إن نتبع الهدى معك " قال : نزلت في قريش حين
دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاسلام والهجرة قالوا : " إن نتبع الهدى معك نتخطف من
أرضنا " . ( 2 )
118 - فس : قوله : " جعل فتنة الناس كعذاب الله " قال : إذا أذاه إنسان أو
أصابه ضر أو فاقة أو خوف من الظالمين دخل معهم في دينهم ، فرأى أن ما يفعلونه
هو مثل عذاب الله الذي لا ينقطع .
قوله : " وإذا جاءهم نصر من ربك " ( 3 ) يعني القائم عجل الله فرجه . قوله :
" ولنحمل خطاياكم " قال : كان الكفار يقولون للمؤمنين : كونوا معنا فإن الذي
تخافون أنتم ليس بشئ ، فإن كان حقا فنحمل ( نتحمل خ ل ) نحن ذنوبكم ، فيعذبهم
الله مرتين : مرة بذنوبهم ، ومرة بذنوب غيرهم .
ثم ضرب الله مثلا فيمن اتخذ من دون الله وليا ( أولياء خ ل ) فقال : " مثل الذين
اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا " وهو الذي نسجه العنكبوت
على باب الغار الذي دخله رسول الله صلى الله عليه واله ، وهو أوهن البيوت ، فكذلك من اتخذ
من دون الله وليا .
" وما يعقلها إلا العالمون " يعني آل محمد عليهم السلام . قوله : ولا تجادلوا أهل الكتاب "
قال : اليهود والنصارى " إلا بالتي هي أحسن " قال : بالقرآن . قوله : " فالذين آتيناهم
الكتاب يؤمنون به " يعني آل محمد عليهم السلام " ومن هؤلاء من يؤمن به " يعني أهل الايمان
من أهل القبلة . قوله : " في صدور الذين اوتوا العلم " قال : هم الائمة عليهم السلام . ( 4 )
119 - فس : قوله : " ضرب لكم مثلا من أنفسكم " فإنه كان سبب نزولها
( هامش ص 229 ) ( 1 ) تفسير القمى : 469 و 474 . ( 2 ) تفسير القمى : 490 .
( 3 ) هكذا في النسخ والصحيح كما في المصدر والمصحف الشريف : ولئن جاء نصر من ربك .
( 4 ) تفسير القمى : 495 - 497 .
[230]
أن قريشا والعرب كانوا إذا حجوا يلبون وكانت تلبيتهم : لبيك اللهم لبيك لبيك
لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك . وهي تلبية إبراهيم
عليه السلام والانبياء عليهم السلام ، فجاءهم إبليس في صورة شيخ فقال : ليست هذه تلبية
أسلافكم ، قالوا : وما كانت تلبيتهم ؟ قال : كانوا يقولون : لبيك اللهم لبيك ، لا شريك
لك إلا شريك هو لك ، فنفرت قريش من هذا القول فقال لهم إبليس : على رسلكم ( 1 )
حتى آتي على آخر كلامي ، فقالوا : ما هو ؟ فقال : إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ( 2 )
ألا ترون أنه يملك الشريك وما ملك ؟ ( 3 ) فرضوا بذلك وكانوا يلبون بهذا قريش خاصة
فلما بعث الله رسوله أنكر ذلك عليهم وقال : هذا شرك ، فأنزل الله : " ضرب لكم مثلا
من أنفسكم " الآية ، أي ترضون أنتم فيما تملكون أن يكون لكم فيه شريك ؟ وإذا
لم ترضوا أنتم أن يكون لكم فيما تملكونه شريك فكيف ترضون أن تجعلوا لي شريكا
فيما أملك ؟ . قوله : " ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " أي لا يغضبنك . ( 4 )
120 فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " ومن
الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم " فهو النضر بن الحارث
ابن علقمة بن كلدة من بني عبدالدار بن قصي ، وكان النضر بن راوية لاحاديث الناس و
أشعارهم .
قوله : " هذا خلق الله " أي مخلوقة ، ( 5 ) لان الخلق هو الفعل والفعل لا يرى ( 6 )
قوله : " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله " فهو النضر بن الحارث قال له رسول الله صلى الله عليه وآله :
" اتبع ما انزل إليك من ربك " قال : بل أتبع ما وجدت عليه آبائي . قوله : " فمنهم
مقتصد " أي صالح . و " الختار " : الخداع . ( 7 )
( هامش ص 230 ) ( 1 ) الرسل - بكسر الراء - : الرفق والتمهل ، اى استقروا على رفقكم .
( 2 ) في المصدر : وما يملك . ( 3 ) في المصدر : وما ملكه .
( 4 ) تفسير القمى : 500 و 504 . ( 5 ) : أى مخلوق الله .
( 6 ) في المصدر : هنا زيادة وهى : وانما أشار إلى المخلوق وإلى السماء والارض والجبال
وجميع الحيوان ، فأقام الفعل مقام المفعول .
( 7 ) تفسير القمى : 505 و 509 و 510 .
[231]
121 - فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " قل ما سألتكم
من أجر فهو لكم " وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله سأل قومه أن يودوا أقاربه ولا يؤذونهم
وأما قوله : " فهو لكم " يقول : ثوابه لكم . ( 1 )
122 - فس : احتج الله على عبدة الاصنام فقال : " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم
ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيمة يكفرون بشرككم " يعني يجحدون بشرككم
لهم يوم القيامة . قوله : " وما يستوي الاعمى والبصير " مثل ضربه الله للمؤمن والكافر " وما
أنت بمسمع من في القبور " قال : هؤلاء الكفار لا يسمعون منك كما لا يسمع أهل القبور .
قوله : " وإن من امة إلا خلا فيها نذير " قال : لكل زمان إمام ، ثم حكى عزوجل
قول قريش فقال : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى
الامم " يعني الذين هلكوا " فلما جاءهم نذير " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله . ( 2 )
123 - فس : قال الصادق عليه السلام : " يس " اسم رسول الله صلى الله عليه وآله ( 3 ) " على صراط
مستقيم " قال : على الطريق الواضح " تنزيل العزيز الرحيم " قال : القرآن " لقد حق
القول على أكثرهم " يعني لمن نزل به العذاب . قوله : " ومن نعمره ننكسه في الخلق
أفلا يعقلون " فإنه رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد ، ويقولون : إن الرجل
إذا نكح المرأة وصارت النطفة في الرحم تلقته أشكال من الغذاء ، ودار عليه الفلك ، و
مر عليه الليل والنهار فيولد الانسان بالطبائع من الغذاء ومرور الليل والنهار ،
فنقض الله عليهم قولهم في حرف واحد فقال : " ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون "
قال : لو كان هذا كما يقولون ينبغي أن يزيد الانسان أبدا ما دامت الاشكال قائمة ،
والليل والنهار قائمان ، والفلك يدور ، فكيف صار يرجع إلى النقصان كلما اذداد في
الكبر إلى حد الطفولية ونقصان السمع والبصر والقوة والفقه والعلم والمنطق حتى
ينقص وينتكس في الخلق ؟ ولكن ذلك من خلق العزيز العليم وتقديره .
( هامش ص 231 ) ( 1 ) تفسير القمى : 541 .
( 2 ) تفسير القمى 545 و 546 .
( 3 ) في المصدر زيادة وهى : والدليل على ذلك قوله : " انك لمن المرسلين " .
[232]
قوله : " وما علمناه الشعر وما ينبغي له " قال : كانت قريش تقول : إن هذا الذي
يقوله محمد - صلى الله عليه وآله - شعر ، فرد الله عليهم فقال : " وما علمناه الشعر " ولم يقل رسول الله
صلى الله عليه وآله شعرا قط . قوله : " لينذر من كان حيا " يعني مؤمنا حي القلب
" ويحق القول على الكافرين " يعني العذاب .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " واتخذوا
من دون الله آلهة " إلى قوله : " لا يستطيعون نصرهم " أي لا يستطيع الآلهة لهم نصرا " وهم
لهم " للآلهة " جند محضرون " . ( 1 )
124 - فس : قوله : " من طين لازب " يعنى يلزق باليد . ( 2 ) قوله : " فاستفتهم
ألربك البنات " قال : قالت قريش إن الملائكة هم بنات الله فرد الله عليهم " فاستفتهم "
الآية إلى قوله : " سلطان مبين " أي حجة قوية على مايزعمون . قوله : " وجعلوا بينه
وبين الجنة نسبا " يعني أنهم قالوا : إن الجن بنات الله ، فقال : " ولقد علمت الجنة
إنهم لمحضرون " يعني أنهم في النار .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " وإن كانوا ليقولون لو
أن عندنا ذكرا من الاولين لكنا عباد الله المخلصين " فهم كفار قريش كانوا يقولون :
" لو أن عندنا ذكرا من الاولين " قاتل الله اليهود والنصارى كيف كذبوا أنبياءهم ؟
أما والله لو كان عندنا ذكر من الاولين لكنا عباد الله المخلصين ، يقول الله : " فكفروا
به " حين جاءهم محمد صلى الله عليه وآله .
قوله : " فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين " يعني العذاب إذا نزل ببني
امية وأشياعهم في آخر الزمان . قوله : " فتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون "
فذلك إذا أتاهم العذاب أبصروا حين لا ينفعهم البصر ، فهذه في أهل الشبهات والضلالات
من أهل القبلة . ( 3 )
125 - فس : قوله تعالى : " في عزة وشقاق " يعني في كفر . قوله : " فنادوا ولات
( هامش ص 232 ) ( 1 ) تفسير القمى : 548 و 553 .
( 2 ) في طبعة من المصدر : يلصق باليد .
( 3 ) تفسير القمى : 555 و 560 .
[233]
حين مناص " أي ليس هو وقت مفر . قوله : " إلا اختلاق " أي تخليط . قوله : " من
الاحزاب " يعني الذين تحزبوا عليك يوم الخندق . ( 1 )
حدثنا سعيد بن محمد ، عن بكر بن سهل ، عن عبدالغني ، عن موسى بن عبدالرحمن
عن ابن جريح ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله تعالى : " قل " يا محمد " ما أسئلكم عليه "
أي على ما أدعوكم إليه من مال تعطونيه " وما أنا من المتكلفين " يريد ما أتكلف هذا
من عندي " إن هو إلا ذكر " يريد موعظة " للعالمين " يريد الخلق أجمعين " ولتعلمن " يا
معشر المشركين " نبأه بعد حين " يريد عند الموت وبعد الموت يوم القيامة . ( 2 )
126 - فس : قوله : " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " وذلك أن قريشا
قالت : إنما نعبد الاصنام ليقربونا إلى الله زلفى ، فإنا لا نقدر أن نعبد الله حق عبادته
فحكى الله قولهم على لفظ الخبر ومعناه حكاية عنهم .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " قل إن الخاسرين
الذين خسروا أنفسهم " يعني غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة . ( 3 )
127 - فس : قوله : " ما يجادل في آيات الله " هم الائمة عليهم السلام . قوله : " و
الاحزاب من بعدهم " هم أصحاب الانبياء الذين تحزبوا " وهمت كل امة برسولهم
ليأخذوه " يعني يقتلوه " وجادلوا بالباطل " أي خاصموا " ليدحضوا به الحق " أي يبطلوه
ويدفعوه . ( 4 )
128 - فس : قوله : " فصلت آياته " أي بين حلالها وحرامها وأحكامها وسننها
" بشيرا ونذيرا " أي يبشر المؤمنين وينذر الظالمين " فأعرض أكثرهم " يعني عن القرآن .
قوله : " في أكنة ( 5 ) مما تدعونا إليه " أي تدعونا إلى ما لا نفهمه ولا نعقله . قوله :
" فاستقيموا إليه " أي أجيبوه . قوله : " وويل للمشركين " هم الذين أقروا بالاسلام و
أشركوا بالاعمال ، أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي
( هامش ص 233 ) ( 1 ) تفسير القمى : 561 و 562 .
( 2 ) : 574 .
( 3 ) : 574 و 577 .
( 4 ) : 582 .
( 5 ) في المصدر : " في أكنة " قال : في غشاوة .
[234]
جميلة ، عن أبان بن تغلب قال : قال لي أبوعبدالله عليه السلام : يا أبان أترى أن الله طلب من
المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به حيث يقول : " وويل للمشركين الذين لا
يؤتون الزكوة وهم بالآخرة هم كافرون " ؟ قلت له : كيف ذاك جعلت فداك فسره لي ؟
فقال : ويل للمشركين الذين أشركوا بالامام الاول وهم بالائمة الآخرين كافرون ،
يا أبان إنما دعا الله العباد إلى الايمان به فإذا آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم
الفرائض . قوله : " إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم " يعني نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى
والنبيين " ومن خلفهم " أنت . قوله : " والغوا فيه " أي صيروه سخرية ولغوا .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " إن الذين كفروا
بالذكر لما جاءهم " يعني القرآن " لا يأتيه الباطل من بين يديه " قال : لا يأتيه من قبل التوراة
ولا من قبل الانجيل والزبور ، وأما " من خلفه " لا يأتيه من بعده كتاب يبطله .
قوله : " لولا فصلت آياته أعجمي وعربي " قال : لو كان هذا القرآن أعجميا لقالوا :
كيف نتعلمه ولساننا عربي وأتيتنا بقرآن أعجمي ؟ فأحب الله أن ينزل بلسانهم . ( 1 )
129 - فس : قوله تعالى : " أن أقيموا الدين " أي تعلموا الدين يعني التوحيد
وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والسنن والاحكام التي
في الكتب والاقرار بولاية أمير المؤمنين عليه السلام " ولا تتفرقوا فيه " أي لا تختلفوا فيه " كبر
على المشركين ما تدعوهم إليه " من ذكر هذه الشرائع ، ثم قال : " الله يجتبي إليه من
يشاء " أي يختار " ويهدي إليه من ينيب " وهم الائمة الذين اجتباهم الله واختارهم .
قال : " وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " قال : لم يتفرقوا بجهل


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 234 سطر 19 الى ص 242 سطر 18

ولكنهم تفرقوا لما جاءهم العلم وعرفوه فحسد بعضهم بعضا وبغى بعضهم على بعض لما رأوا
من تفاضل أمير المؤمنين بأمر الله ، فتفرقوا في المذاهب وأخذوا بالآراء والاهواء ، ثم قال
عزوجل : " ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم " قال : لولا أن الله قد
قدر ذلك أن يكون في التقدير الاول لقضي بينهم إذا اختلفوا ، وأهلكهم ولم ينظرهم ،
( هامش ص 234 ) ( 1 ) تفسيرالقمى : 589 - 594 .
[235]
ولكن أخرهم إلى أجل مسمى المقدور " وإن الذين اورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك
منه مريب " كناية عن الذين نقضوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم قال : " فلذلك فادع واستقم "
يعني لهذه الامور والدين الذي تقدم ذكره وموالات أمير المؤمنين عليه السلام فادع واستقم
كما امرت ، ثم قال عزوجل : " والذين يحاجون في الله " أي يحتجون على الله بعد
ما شاء الله أن يبعث عليهم الرسل ، فبعث الله إليهم الرسل والكتب فغيروا وبدلوا ، ثم
يحتجون يوم القيامة " فحجتهم " على الله " داحضة " أي باطلة " عند ربهم " ثم قال : " قل "
لهم يا محمد " لا أسألكم عليه أجرا " يعني على النبوة " إلا المودة في القربى " قال : حدثني
أبي ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول في قول الله تعالى : " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " يعني في أهل بيته .
قال : جاءت الانصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا : إنا قد آوينا ونصرنا فخذ
طائفة من أموالنا فاستعن به على ما نابك ، فأنزل الله تعالى : " قل لا أسئلكم عليه أجرا "
يعني على النبوة " إلا المودة في القربى " يعني في أهل بيته ، ثم قال : ألا ترى أن الرجل
يكون له صديق وفي نفس ذلك الرجل شئ على أهل بيته فلا يسلم صدره ؟ فأراد الله
أن لا يكون في نفس رسول الله شئ على امته ، فعرض ( ففرض خ ل ) عليهم المودة في
القربى ، فإن أخذوا أخذوا مفروضا ، وإن تركوا تركوا مفروضا ، قال : فانصرفوا من
عنده وبعضهم يقول : عرضنا عليه أموالنا فقال : قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي ، وقالت
طائفة : ما قال هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وجحدوه ، وقالوا كما حكى الله : " أم يقولون افترى
على الله كذبا " فقال الله تعالى : " فإن يشأ الله يختم على قلبك " قال : لو افتريت " ويمح
الله الباطل " يعني يبطله " ويحق الحق بكلماته " يعني بالائمة والقائم من آل محمد
- صلى الله عليه وآله - . ( 1 )
130 - فس : قوله : " أفنضرب عنكم الذكر صفحا " أي ندعكم مهملين لا نحتج
عليكم برسول أو بإمام أو بحجج . قوله : " أشد منهم بطشا " يعني من قريش . قوله :
( هامش ص 235 ) ( 1 ) تفسير القمى : 600 - 602 .
[236]
" وجعلوا له من عباده جزء " قال : قالت قريش : إن الملائكة هم بنات الله . قوله :
" أو من ينشؤ في الحلية " أي في الذهب .
قوله : " على امة " أي على مذهب ، ثم حكى الله عزوجل قول قريش " وقالوا
لولا نزل " أي هلا نزل هذا القرآن " على رجل من القريتين عظيم " وهو عروة بن مسعود
والقريتين : مكة والطائف ، وكان يحتمل الديات ، وكان عم المغيرة بن شعبة ، فرد الله
عليهم فقال : " أهم يقسمون رحمة ربك " يعني النبوة والقرآن حين قالوا : لم لم ينزل
على عروة بن مسعود ؟ . ( 1 )
أقول : سيأتي تفسير قوله : " واسئل من أرسلنا من قبلك " في باب احتجاج
الباقر عليه السلام .
131 - فس : قوله : " ولما ضرب ابن مريم مثلا " الآية ، حدثني أبي ، عن وكيع
عن الاعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي صادق ، عن أبي الاعز ، عن سلمان الفارسي
رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله جالس في أصحابه إذ قال : إنه يدخل عليكم
الساعة شبيه عيسى بن مريم ، فخرج بعض من كان جالسا مع رسول الله ليكون هو
الداخل ، فدخل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال الرجل لبعض أصحابه : أما رضي محمد
أن فضل عليا علينا حتى يشبهه بعيسى بن مريم ؟ والله لآلهتنا التي كنا نعبدها في
الجاهلية أفضل منه ، فأنزل الله في ذلك المجلس : " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك
منه يضجون " فحرفوها " يصدون " " وقالوا ءآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا
بل هم قوم خصمون " ( 2 ) " إن علي إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل "
فمحا اسمه عن هذا الموضع ، ثم ذكر الله خطر أمير المؤمنين وعظم شأنه عنده تعالى
فقال : " وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم " يعني أمير
المؤمنين عليه السلام . قوله : " فأنا أول العابدين " يعني أول الآنفين له أن يكون له
ولد . ( 3 )
( هامش ص 236 ) ( 1 ) تفسير القمى : 606 - 609 .
( 2 ) في نسخة هنا زيادة وهى : خصمون عليا .
( 3 ) تفسير القمى : 611 و 614 .
[237]
132 - فس : " إنا أنزلناه " يعني القرآن " في ليلة مباركة " وهي ليلة القدر ، أنزل
الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ، ثم نزل من البيت المعمور على رسول
الله صلى الله عليه وآله في طول عشرين سنة . قوله : " فارتقب إنهم مرتقبون " أي انتظر إنهم
منتظرون " . ( 1 )
133 - فس : قوله : " ويل لكل أفاك " أي كذاب . قوله : " وإذا علم من
آياتنا شيئا " يعني إذا رأى ، فوضع العلم مكان الرؤية . قوله : " عذاب من رجز أليم "
قال : الشدة والسوء .
حدثنا أبوالقاسم ، عن محمد بن عباس ، عن عبيدالله بن موسى ، عن عبدالعظيم
الحسني ، عن عمر بن رشيد ، عن داود بن كثير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز
وجل : " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " قال : قل للذين مننا عليهم
بمعرفتنا أن يعلموا الذين لا يعلمون ، ( 2 ) فإذا عرفوهم فقد غفروا لهم .
قوله : " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " قال : نزلت في قريش كلما هووا شيئا
عبدوه " وأضله الله على علم " أي عذبه على علم منه فيما ارتكبوا من أمر أمير المؤمنين
عليه السلام ، وجرى ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فيما فعلوه بعده بأهوائهم وآرائهم ، و
أزالوا الخلافة والامامة عن أمير المؤمنين عليه السلام بعد أخذه الميثاق عليهم مرتين
لامير المؤمنين .
وقوله تعالى : " اتخذ إلهه هواه " نزلت في قريش وجرت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
في أصحابه الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام ، واتخذوا إماما بأهوائهم ، ثم عطف على
الدهرية الذين قالوا : لا نحيا بعد الموت فقال : " وقالوا ما هي إلا حيوتنا الدنيا نموت
ونحيا " وهذا مقدم ومؤخر ، لان الدهرية لم يقروا بالبعث والنشور بعد الموت ،
وإنما قالوا : " نحيا ونموت وما يهلكنا إلا الدهر " إلى قوله : " يظنون " فهذا ظن
شك . ( 3 )
( هامش ص 237 ) ( 1 ) تفسير القمى : 615 و 617 . فيه : تهديد من الله ووعيد ، وانتظر إنهم منتظرون .
( 2 ) في المصدر : أن يعرفوا الذين لا يعلمون .
( 3 ) تفسير القمى : 618 و 619 .
[238]
134 - فس : قوله : " والذين كفروا عما انذروا معرضون " يعني قريشا عما
دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم احتج ( الله خ ل ) عليهم فقال : قل لهم يا محمد : " أرأيتم
ما تدعون من دون الله " يعني الاصنام التي كانوا يعبدونها ، ثم قال : " ومن أضل
ممن تدعو من دون الله من لا يستجيب له " ( 1 ) قال : من عبد الشمس والقمر والكواكب و
البهائم والشجر والحجر إذا حشر الناس كانت هذه الاشياء لهم أعداء وكانوا
بعبادتهم كافرين ثم قال : " أم يقولون " يا محمد " افتراه " يعني القرآن أي وضعه من
عنده ، فقل لهم : " إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا " إن أثابني أو عاقبني على
ذلك " هو أعلم بما تفيضون فيه " أي تكذبون ، ثم قال : " قل " لهم " ماكنت بدعا من
الرسل " أي لم أكن واحدا من الرسل فقد كان قبلي أنبياء . ( 2 )
135 - فس : قوله : " ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك "
فانها نزلت في المنافقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن كان إذا سمع شيئا منه لم
يؤمن به ولم يعه ، فإذا خرج قال للمؤمنين : ماذا قال محمد آنفا ؟ . ( 3 )
136 - فس : قوله : " ولكن قولوا أسلمنا " أي استسلمتم بالسيف " ولما يدخل
الايمان في قلوبكم " . قوله : " لا يلتكم " أي لا ينقصكم .
قوله : " يمنون عليك أن أسلموا " نزلت في عثمان يوم الخندق وذلك أنه مر
بعمار بن ياسر وهو يحفر الخندق وقد ارتفع الغبار من الحفر فوضع عثمان كمه على
أنفه ومر ، فقال عمار :
لا يستوي من يبني المساجدا * يظل فيها راكعا وساجدا
كمن يمر بالغبار حائدا * يعرض عنه جاحدا معاندا
فالتفت إليه عثمان فقال : يابن السوداء إياي تعني ؟ ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال له : لم ندخل معك في الاسلام لتسب أعراضنا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : قد أقلتك
إسلامك فاذهب ، فأنزل الله عزوجل : " يمنون عليك أن أسلموا " إلى قوله : " إن كنتم
صادقين " أي ليس هم صادقين . ( 4 )
( هامش ص 238 ) ( 1 ) في المصدر : " لا يستجيب لهم يوم القيمة - إلى قوله - : وكانوا بعبادتهم كافرين " قال : اه
( 2 ) تفسير القمى : 620 . ( 3 ) تفسير القمى : 627 .
( 4 ) : 642 . وفيه : أى لستم بصادقين .
[239]
137 - فس : قوله : " فتول عنهم فما أنت بملوم " قال : هم الله جل ذكره بهلاك
أهل الارض فأنزل على رسوله : " فتول عنهم " يا محمد " فما أنت بملوم " ثم بدا له في
ذلك فأنزل عليه : " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " . ( 1 )
138 - فس : " أم تأمرهم أحلامهم بهذا " قال : لم يكن في الدنيا أحلم من قريش
ثم عطف على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : " أم يقولون " يا محمد " تقوله " يعني
أمير المؤمنين عليه السلام " بل لا يؤمنون " أنه لم يتقوله ولم يقمه برأيه ، ثم قال : " فليأتوا
بحديث مثله " أي رجل مثله من عند الله " إن كانوا صادقين " ثم قال : " أم تسئلهم " يا محمد
" أجرا " فيما آتيتهم به " فهم من مغرم مثقلون " أي أم يقع عليهم الغرم الثقيل .
قوله : " وإن للذين ظلموا " آل محمد صلى الله عليه وآله حقهم " عذابا دون ذلك " قال : عذاب
الرجعة بالسيف . قوله : " فإنك بأعيننا " أي بحفظنا وحرزنا ونعمتنا " وسبح بحمد
ربك حين تقوم " قال : لصلاة الليل " فسبحه " قال : صلاة الليل .
أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه السلام قال :
" إدبار السجود " أربع ركعات بعد المغرب " وإدبار النجوم " ركعتين قبل صلاة
الصبح . ( 2 )
139 - فس : " والنجم إذا هوى " قال : النجم رسول الله صلى الله عليه وآله ( 3 ) " إذا هوى " لما اسري
به إلى السماء وهو في الهواء ، ( 4 ) وهو قسم برسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو فضل له على الانبياء
وجواب القسم " ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى " أي لا يتكلم بالهوى
" إن هو " يعني القرآن " إلا وحي يوحى علمه شديد القوى " ( 5 ) يعني الله عزوجل " ذو
مرة فاستوى " يعني رسول الله صلى الله عليه واله .
( هامش ص 239 ) ( 1 ) تفسير القمى : 648 .
( 2 ) : 650 .
( 3 ) ذكر الطبرسى معان اخر للنجم راجع مجمع البيان : ج 9 : 172 .
( 4 ) في المصدر هنا زيادة وهى : وهذا رد على من انكر المعراج .
( 5 ) قال الطبرسى : يعنى به جبرئيل ، اى القوى في نفسه وخلقته " ذو مرة " قال : أى ذو
قوة وشدة في خلقه ، وقيل : ذو صحة وخلق حسن ، وقيل : ذو مرور في الهواء ذاهبا وجائيا ونازلا *
[240]
قوله : " وهو بالافق الاعلى " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " ثم دنى " يعني الرسول صلى الله عليه وآله
من ربه عزوجل " فتدلى " قال : إنما نزلت : ثم دنا فتدانا " فكان قاب قوسين " قال : كان
من الله كما بين مقبض القوس إلى رأس السية ( 1 ) " أو أدنى " قال : بل أدنى من ذلك " فأوحى
إلى عبده ما أوحى " قال : وحي مشافهة .
قوله : " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قال : لما رفع الحجاب بينه وبين رسول الله
غشى نوره السدرة . قوله : " ما زاغ البصر وما طغى " أي لم ينكر " لقد رأى من آيات
ربه الكبرى " قال : رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل له ستمائة
جناح قد ملا ما بين السماء والارض .
وأما قوله : " أفرأيتم اللات والعزى " قال : اللات : رجل ، والعزى : امرأة .
قوله : " ومنات الثالثة الاخرى " قال : كان صنم بالمسك خارج من الحرم على ستة
أميال يسمى المنات . ( 2 ) قوله : " تلك إذا قسمة ضيزى " أي ناقصة ، ثم قال : " إن هي " يعني
اللات والعزى والمناة . " إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان "
( هامش ص 240 ) وصاعدا " فاستوى " جبرائيل على صورته التى خلق عليها بعد الخدارة إلى محمد ( ص ؟ ) " وهو "
كناية عن جبرائيل " بالافق الاعلى " يعنى افق المشرق ، والمراد بالاعلى جانب المشرق وهو فوق
جانب المغرب في صعيد الارض لا في الهواء ، قالوا : إن جبرائيل كان يأتى النبى ( ص ؟ ) في صورة
الادميين فسأله النبى ( ص ؟ ) أن يريه نفسه على صورته التى خلق عليها ، فاراه نفسه مرتين : مرة في
الارض ومرة في السماء اما في الارض ففى الافق الاعلى ، وذلك ان محمدا ( ص ؟ ) كان بحراء فطلع له
جبرائيل من المشرق فسد الافق إلى المغرب فخر ( النبى ؟ ) ص مغشيا عليه فنزل جبرائيل في صورة
الادميين فضمه إلى نفسه وهو قوله : " ثم دنا فتدلى " وتقديره : ثم تدلى أى قرب بعد بعده وعلوه
في الافق الاعلى فدنا من محمد ( ص ؟ ) ( إلى ان قال : ) وقيل : معناه : استوى جبرائيل ومحمد ( ص ؟ ) بالافق
الاعلى يعنى السماء الدنيا ليلة المعراج " فكان قاب قوسين " أى كان ما بين جبرائيل ورسول الله ( ص ؟ )
قاب قوسين ، والقوس : ما يرمى به ، وقيل : قدر ذراعين ، " فاوحى إلى عبده ما اوحى " أى فاوحى
الله على لسان جبرائيل إلى عبدالله محمد ( ص ؟ ) ما اوحى الله تعالى إليه . " إذ يغشى السدرة ما يغشى "
قيل : يغشاه الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجر .
( 1 ) سية القوس : ما عطف من طرفيها .
( 2 ) تقدم في تفسير الايات معان اخر لها .
[241]
أي من حجة . قوله : " فبأي آلاء ربك تتمارى " أي بأي سلطان تخاصم " هذا نذير " يعني
رسول الله صلى الله عليه وآله " من النذر الاولى أفمن هذا الحديث تعجبون " يعني ما قد تقدم ذكره
من الاخبار " وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون " أي لاهون . ( 1 )
بيان : هوى يكون بمعنى هبط وبمعنى صعد .
140 - فس : قوله : " واتبعوا أهواءهم " أي كانوا يعملون برأيهم ويكذبون
أنبياءهم . قوله : " ما فيه مزدجر " أي متعظ . قوله : " ولقد أهلكنا أشياعكم " أي أتباعكم
في عبادة الاصنام . قوله " وكل شئ فعلوه في الزبر " أي مكتوب في الكتب " وكل صغير
وكبير " يعنى من ذنب " مستطر " أي مكتوب . ( 2 )
141 - فس : قوله : " أفرأيتم ما تمنون " يعني النطفة . قوله : " من المزن " قال :
من السحاب . قوله : " أفرأيتم النار التي تورون " أي توقدونها وتنتفعون بها . قوله :
" للمقوين " أي للمحتاجين . قوله : " فلا اقسم بمواقع النجوم " أي فاقسم .
حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت ، عن الحسن بن محمد بن سماعة وأحمد بن الحسن
القزاز جميعا ، عن صالح بن خالد ، عن ثابت بن شريح ، عن أبان بن تغلب ، عن
عبدالاعلى الثعلبي - ولا أراني إلا وقد سمعته من عبدالاعلى - قال : حدثني أبوعبد
الرحمن السلمي ( 3 ) أن عليا عليه السلام قرأ بهم الواقعة : " وتجعلون شكركم أنكم تكذبون "
فلما انصرف قال : إني عرفت أنه سيقول قائل : لم قرءها هكذا ؟ قرأتها إني سمعت ( 4 )
رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤها كذلك .
وكانوا إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فأنزل الله : " وتجعلون شكركم
أنكم تكذبون " .
وحدثنا علي بن الحسين ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير
عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " قال :
( هامش ص 241 ) ( 1 ) تفسير القمى : 650 - 656 .
( 2 ) : 657 - 658 .
( 3 ) هو عبدالله بن حبيب بن ربيعة السلمى الكوفى المقرى ولابيه صحبة مات بعد السبعين .
( 4 ) كذا فيما عندنا من النسخ ، وفى المصدر : سيقول قائل من قرءها هكذا ؟ قرأتها إنى سمعت اه .
[242]
بل هي : " وتجعلون شكركم أنكم تكذبون " . ( 1 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : قرأ علي عليه السلام وابن عباس وروي عن
النبي صلى الله عليه وآله " وتجعلون شكركم " . ( 2 )
142 - فس : قوله " ألم يأن " يعني ألم يجب " أن تخشع قلوبهم " يعني
الرهب . قوله : " يؤتكم كفلين من رحمته " قال : نصيبين من رحمته : أحدهما أن لا يدخله
النار ، والثانية أن يدخله الجنة . قوله : " ويجعل لكم نورا تمشون به " يعني
الايمان .
أخبرنا الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن الحسن بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن
القاسم بن سليمان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " يوتكم كفلين
من رحمته " قال : الحسن والحسين صلوات الله عليهما " ويجعل لكم نورا تمشون به "
قال : إماما تأتمون به . ( 3 )
143 - فس : قوله : " ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم " قال : نزلت
في الثاني ، لانه مر به رسول الله صلى الله عليه وآله وهو جالس عند رجل من اليهود يكتب خبر
رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأنزل الله جل ثناؤه : " ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم
ما هم منك ولا منهم " فجاء الثاني إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : رأيتك
تكتب عن اليهود وقد نهى الله عن ذلك ، فقال : يا رسول الله كتبت عنه ما في التوراة من
صفتك ، وأقبل يقرء ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو غضبان ، فقال له رجل من الانصار :
ويلك أما ترى غضب النبي صلى الله عليه وآله عليك ؟ فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، إني


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 242 سطر 19 الى ص 250 سطر 18

إنما كتبت ذلك لما وجدت فيه من خبرك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا فلان لو أن موسى
ابن عمران فيهم قائما ثم أتيته رغبة عما جئت به لكنت كافرا بما جئت به . ( 4 )
144 - فس : قوله : " هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم " قال : الاميون
الذين ليس معهم كتاب .
( هامش ص 242 ) ( 1 ) تفسير القمى : 663 . ( 2 ) مجمع البيان 9 : 224 .
( 3 ) : 665 و 667 . ( 4 ) تفسير القمى : 670 .
[243]
قال : فحدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام
في قوله تعالى : " هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم " قال : كانوا يكتبون ولكن
لم يكن معهم كتاب من عند الله ولا بعث إليهم رسولا فنسبهم إلى الاميين . قوله :
" فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " قال : إن في التوراة مكتوبا : أولياء الله يتمنون
الموت . ( 1 )
145 - فس : علي بن الحسين ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن ابن محبوب ، عن أبي
أيوب ، عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله : " فآمنوا بالله و
رسوله والنور الذي أنزلنا " قال : يا أبا خالد النور والله الائمة من آل محمد صلى الله عليه وآله إلى
يوم القيامة ، هم والله نور الله الذي أنزل ، الخبر . قوله : " قد أنزل الله إليكم ذكرا
رسولا " قال : الذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقالوا : نحن أهل الذكر . قوله :
" ذلولا " أي فراشا " فامشوا في مناكبها " أي في أطرافها . ( 2 )
146 - فس : قوله : " ن والقلم وما يسطرون " أي ما يكتبون ، هو قسم وجوابه :
" ما أنت بنعمة ربك بمجنون " قوله : " وإن لك لاجرا غير ممنون " أي لا يمن عليك
فيما يعطيك من عظيم الثواب . ( 3 ) قوله : " ولو تقول علينا بعض الاقاويل " يعني رسول
الله صلى الله عليه وآله " لاخذنا منه باليمين " قال : انتقمنا منه بقوة " ثم لقطعنا منه الوتين " قال :
عرق في الظهر يكون منه الولد ، قال : " فما منكم من أحد عنه حاجزين " يعني لا يحجز
الله أحد ولا يمنعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله . ( 4 )
قوله : " وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا " قال : كان قوم مؤمنون قبل
نوح - على نبينا وآله و عليه السلام - فماتوا فحزن عليهم الناس ، فجاء إبليس فاتخذ لهم
صورهم ليأنسوا بها ، فأنسوا بها ، فلما جاءهم الشتاء أدخلوهم البيوت فمضى ذلك القرن
( هامش ص 243 ) ( 1 ) تفسير القمى : 677 و 678 .
( 2 ) : 683 و 686 و 689 .
( 3 ) : 690 ، وفيه : لا نمن عليك فيما نعطيك اه .
( 4 ) : 695 .
[244]
وجاء القرن الآخر فجاءهم إبليس فقال لهم : إن هؤلاء آلهة كانوا آباؤكم يعبدونها
فعبدوهم وضل منهم بشر كثير ، فدعا عليهم نوح فأهلكهم الله . قوله : " ولاتذرن ودا
ولا سواعا " قال : كانت ود صنما لكلب ، وكانت سواع لهذيل ، ويغوث لمراد ، ويعوق
لهمدان ، ونسر لحصين .
قوله : " قل إني لن يجيرني من الله أحد " إن كتمت ما امرت به " ولن أجد من
دونه ملتحدا " يعني مأوى " إلا بلاغا من الله " ابلغكم ما أمرني الله به من ولاية علي
عليه السلام " ومن يعص الله ورسوله " في ولاية علي عليه السلام " فإن له نار جهنم خالدين
فيها أبدا " . ( 1 )
147 - فس : " يا أيها المدثر " قال : تدثر الرسول صلى الله عليه وآله ، فالمدثر يعني المتدثر
بثوبه ( 2 ) " قم فأنذر " قال : هو قيامه في الرجعة ينذر فيها . قوله : " وثيابك فطهر "
قال : تطهيرها : تشميرها ، ويقال : شيعتنا يطهرون ( 3 ) " والرجز فاهجر " الرجز :
الخبيث . وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : " ولا تمنن
تستكثر " لا تعطي العطية تلتمس أكثر منها . ( 4 )
بيان : قوله : ويقال : شيعتنا يطهرون لعل المعنى أن الثياب كناية عن الشيعة ،
فأمر صلى الله عليه وآله بتطهيرهم عن الذنوب والاخلاق الذميمة ، كما قالوا عليهم السلام لشيعتهم في
مواطن : أنتم الشعار دون الدثار .
148 - فس : قوله : " ذرني ومن خلقت وحيدا " فإنها نزلت في الوليد بن
المغيرة وكان شيخا كبيرا مجربا من دهاة العرب وكان من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله
( هامش ص 244 ) ( 1 ) تفسير القمى : 679 و 699 .
( 2 ) في طبعة من المصدر : يعنى المتزر بثوبه .
( 3 ) لعله كلام مستأنف أورده للتمثيل على استعمال التطهير بمعنى التشمير أى ومنه : شيعتنا
يطهرون ، أى يقصرون الثياب ولا يسبلونها خيلاء . وقد وردت روايات كثيرة في الامر بتطهير
الثياب وفسر بالتقصير والتشمير والنهى عن اسبالها خيلاء .
( 4 ) تفسير القمى : 702 .
[245]
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقعد في الحجر ويقرء القرآن ، فاجتمت قريش إلى الوليد بن
المغيرة فقالوا : يا أبا عبدشمس ما هذا الذي يقول محمد ؟ شعر أم كهانة أم خطب ؟ فقال :
دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد أنشدني من شعرك ، قال :
ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي ارتضاه الملائكة وأنبياؤه ورسله ، فقال : اتل علي
منه شيئا ، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله حم السجدة ، فلما بلغ قوله : " فإن أعرضوا "
يا محمد قريش " فقل " لهم " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " قال : فاقشعر
الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته ، ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك
فمشوا إلى أبي جهل فقالوا : يا أبا الحكم إن أبا عبدشمس صبأ إلى دين محمد ( 1 ) أما تراه
لم يرجع إلينا ؟ فعدا أبوجهل إلى الوليد فقال له : يا عم نكست رؤوسنا وفضحتنا ، و
أشمت بنا عدونا ، وصبوت إلى دين محمد ، قال : ما صبوت إلى دينه ، ولكني سمعت
كلاما صعبا تقشعر منه الجلود ! فقال له أبوجهل : أخطب هي ( هو خ ل ) ؟ قال : لا ، إن
الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضا ، قال : فشعر هو ؟ قال :
لا ، أما أني قد سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها وما هو بشعر ،
قالوا : فما هو ؟ قال : دعني افكر فيه ، فلما كان من الغد قالوا له : يا أبا عبدشمس ما
تقول فيما قلناه ؟ قال : قولوا : هو سحر فإنه أخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله على رسوله
في ذلك : " ذرني ومن خلقت وحيدا " وإنما سمي وحيدا لانه قال لقريش : أنا
أوحد بكسوة البيت سنة وعليكم في جماعكتم سنة ، وكان له مال كثير وحدائق ، و
كان له عشر بنين بمكة ، وكان له عشر عبيد عند كل عبد ألف دينار يتجر بها ، وتلك
القنطار في ذلك الزمان ، ويقال : إن القنطار جلد ثور مملوء ذهبا ، فأنزل الله : " ذرني
ومن خلقت وحيدا " إلى قوله : " صعودا " قال : جبل يسمى صعودا ( الصعود خ ل ) " إنه
فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر " يعني قدره ، كيف سواه وعدله " ثم نظر ثم
عبس وبسر " قال : عبس وجهه وبسر ، قال لوى شدقه ( 2 ) " ثم أدبر واستكبر فقال إن
( هامش ص 245 ) ( 1 ) أى خرج من ديننا إلى دين محمد صلى الله عليه وآله .
( 2 ) الشدق بالكسر والفتح : زاوية الفم من باطن الخدين ، يقال : لوى شدقه لمن توسع في
الكلام من غير احتياط واحتراز ولمن استهزأ بالناس .
[246]
هذا إلا سحر يؤثر " إلى قوله : " سقر " واد في النار . قوله : " فرت من قسورة " يعني
من الاسد .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " بل يريد كل امرئ
منهم أن يؤتى صحفا منشرة " وذلك أنهم قالوا : يامحمد قد بلغنا أن الرجل من بني
إسرائيل كان يذنب الذنب فيصبح وذنبه مكتوب عند رأسه وكفارته ، فنزل جبرئيل
على نبي الله صلى الله عليه وآله وقال : يسألك قومك سنة بني إسرائيل في الذنوب ، فإن شاؤوا
( شئنا خ ل ) فعلنا ذلك بهم وأخذناهم بما كنا نأخذ به بني إسرائيل ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله
كره ذلك لقومه . ( 1 )
149 - فس : " إن علينا جمعه وقرآنه " قال : على آل محمد صلى الله عليه وآله جمع القرآن
وقراءته ( وقرآنه خ ل ) " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " قال : يعني اتبعوا ماذا قرؤوه " ثم
إن علينا بيانه " أي تفسيره . ( 2 ) قوله : " وشددنا أسرهم " يعني خلقهم . قال الشاعر :
وضامرة شد المليك أسرها * أسفلها وظهرها وبطنها ( 3 )
قال : الضامرة يعني فرسه ، شد المليك أسرها أي خلقها ( تكاد مادتها ) قال :
عنقها ( تكون شطرها ) أي نصفها .
بيان : قوله : ( تكاد مادتها تكون شطرها ) مصراع آخر لم يورده أولا ، فذكره
عند التفسير ، وفي بعض النسخ هذا المصراع مذكور بين المصراعين ، والمادة بمعنى
العنق لم نجد في اللغة ، والظاهر أنه كان ( هاديها ) والهادي : العنق ، فيستقيم الوزن
والمعنى .
150 - فس : " ألم نخلقكم من ماء مهين " قال : منتن " فجعلناه في قرار مكين "
قال : في الرحم . قوله : " ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا " قال : الكفات :
( هامش ص 246 ) ( 1 ) تفسير القمى : 702 - 705 .
( 2 ) تفسير القمى : 705 .
( 3 ) في المصدر المطبوع : وضامرة شد المليك أسرها * تكاد ماذنها * اسفلها وظهرها وبطنها
وفى طبعة : تكاد مادتها .
[247]
المساكن ، وقال : نظر أمير المؤمنين عليه السلام في رجوعه من صفين إلى المقابر فقال : هذه
كفات الاموات ، أي مساكنهم ، ثم نظر إلى بيوت الكوفة فقال : هذه كفات الاحياء ،
ثم تلا قوله : " ألم نجعل الارض كفاتا أحياء وأمواتا " . قوله : " وجعلنا فيها رواسي
شامخات " قال : جبالا مرتفعة " وأسقيناكم ماء فراتا " أي عذبا ، وكل عذب من
الماء هو الفرات . ( 1 )
151 - فس : قوله تعالى : " ألم نجعل الارض مهادا " قال : يمهد فيها الانسان
ويهدء ( 2 ) " والجبال أوتادا " أي أوتاد الارض " وجعلنا الليل لباسا " قال : يلبس على النهار
" وجعلنا سراجا وهاجا " قال : الشمس المضيئة " وأنزلنا من المعصرات " قال : من السحاب
" ماء ثجاجا " قال : صبا على صب . قوله : " وجنات ألفافا " قال : بساطين ملتفة
الشجر . ( 3 )
152 - فس : قوله : " وأغطش ليلها " أي أظلم " وأخرج ( ضحيها ؟ ) أي الشمس
" والارض بعد ذلك ( دحيها ؟ ) " أي بسطها " والجبال ( أرسيها ؟ ) " أي أثبتها . ( 4 )
قوله : " قضبا " قال : القضب : القت ( 5 ) " وحدائق غلبا " أي بساطين ملتفة مجتمعة " وفاكهة وأبا " قال : الاب : الحشيش للبهائم .
حدثنا سعيد بن محمد ، عن بكر بن سهل : عن عبدالغني بن سعيد ، عن موسى
ابن عبدالرحمن ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله :
" متاعا لكم ولانعامكم " يريد منافع لكم ولانعامكم . ( 6 )
153 - فس : " فلا اقسم " أي اقسم " بالخنس " وهو اسم النجوم " الجوار الكنس "
( هامش ص 247 ) ( 1 ) تفسير القمى : 708 .
( 2 ) أى يسكن ، ويهدء بالمكان : يقيم بها .
( 3 ) تفسير القمى : 709 .
( 4 ) تفسير القمى : 710 .
( 5 ) القت : الفصفصة " نبات تعلفه الدواب " أو اليابسة منها . حب برى يأكله أهل البادية
بعد دقه وطبخه . ولعله المراد هنا .
( 6 ) تفسير القمى : 712 .
[248]
قال : النجوم تكنس ( 1 ) بالنهار فلا تبين " والليل إذا عسعس " قال : إذا أظلم " والصبح
إذا تنفس " قال : إذا ارتفع ، وهذا كله قسم وجوابه " إنه لقول رسول كريم ذي قوة
عند ذي العرش مكين " يعني ذا منزلة عظيمة عند الله مكين " مطاع ثم أمين " فهذا ما
فضل الله به نبيه صلى الله عليه وآله ولم يعط أحدا من الانبياء مثله .
حدثنا جعفر بن أحمد ، عن عبيدالله بن موسى ، عن ابن البطائني ، عن أبيه ،
عن أبي البصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " ذي قوة عند ذي العرش مكين " قال :
يعني جبرائيل ، قلت : قوله : " مطاع ثم أمين " ؟ قال : يعني رسول الله صلى الله عليه وآله هو المطاع عند
ربه الامين يوم القيامة ، قلت : قوله : " وما صاحبكم بمجنون " ؟ قال : يعني النبي صلى الله عليه وآله
ما هو بمجنون في نصبه أمير المؤمنين عليه السلام علما للناس ، قلت : قوله : " وما هو على الغيب
بضنين " ؟ قال : وما هو تبارك وتعالى على نبيه بغيبه بضنين عليه ، قلت : " وما هو بقول
شيطان رجيم " ؟ قال : يعني الكهنة الذين كانوا في قريش ، فنسب كلامهم إلى كلام
الشياطين الذين كانوا معهم يتكلمون على ألسنتهم ، فقال : " وما هو بقول شيطان
رجيم " مثل اولئك ، قلت : قوله : " فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين " ؟ قال : أين
تذهبون في علي عليه السلام يعني ولايته ، أين تفرون منها ؟ إن هو إ ذكر للعالمين لمن أخذ
الله ميثاقه على ولايته ، قلت : قوله : " لمن شاء منكم أن يستقيم " ؟ قال : أن يستقيم في
طاعة علي عليه السلام والائمة من بعده ، قلت : قوله : " وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب
العالمين " ؟ قال : لان المشية إليه تبارك وتعالى لا إلى الناس . ( 2 )
154 - فس : قوله : " فسواك فعدلك " أي ليس فيك اعوجاج " في أي صورة
ما شاء ركبك " قال : لو شاء ركبك على غير هذه الصورة " كلا بل تكذبون بالدين "
قال : رسول الله صلى الله عليه وآله ( 3 ) وأمير المؤمنين عليه السلام " وإن عليكم لحافظين " قال : الملكان
الموكلان بالانسان " كراما كاتبين " يكتبون الحسنات والسيئات .
( هامش ص 248 ) ( 1 ) كنس الظبى : تغيب واستتر في كناسه ، أى النجوم يستتر بضوء الشمس فلا يشاهد .
( 2 ) تفسير القمى : 714 .
( 3 ) في المصدر : قال : برسول الله صلى الله عليه وآله اه .
[249]
قوله : " فلا اقسم بالشفق " أي الحمرة بعد غروب الشمس " والليل وما وسق "
يقول : إذا ساق كل شئ من الخلق إلى حيث يهلكون بها " والقمر إذا اتسق " إذا
اجتمع " لتركبن طبقا عن طبق " يقول : حالا بعد حال ، يقول : لتركبن سنة من كان
قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، لا تخطؤون طريقهم ولا يخطى ، شبر بشبر ، و
ذراع بذراع ، وباع بباع ، حتى أن لو كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه ،
قالوا : اليهود والنصارى تعني يا رسول الله ؟ قال : فمن أعني ؟ لتنقضن عرى الاسلام عروة
عروة ، فيكون أول ما تنقضون من دينكم الامانة ( 1 ) وآخره الصلاة .
قال علي بن إبراهيم في قوله : " إنه ظن أن لن يحور " : بلى يرجع بعد الموت
" فلا اقسم بالشفق " قسم ( 2 ) وجوابه : " لتركبن طبقا عن طبق " أي مذهبا بعد مذهب
" والله أعلم بما يوعون " أي بما يعي صدورهم " لهم أجر غير ممنون " أي لا يمن
عليهم . ( 3 )
بيان : قوله : يقول : إذا ساق كل شئ بيان لحاصل المعنى مع رعاية الاشتقاق
الكبير في اللفظ أيضا ، والهلاك مجاز عن النوم .
155 - فس : " والسماء ذات الرجع " قال : ذات المطر " والارض ذات الصدع "
أي ذات النبات ، وهو قسم وجوابه : " إنه لقول فصل " يعني ما مضى ، ( 4 ) أي قاطع " وما
هو بالهزل " أي ليس بالسخرية " إنهم يكيدون كيدا " أي يحتالون الحيل " وأكيد
كيدا " فهو من الله العذاب " فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " قال : دعهم قليلا . ( 5 )
بيان : قوله : يعني ما مضى أي الضمير راجع إلى ما مضى من الآيات .
156 فس : " سبح اسم ربك الاعلى " قال : قل : سبحان ربي الاعلى " الذي
( هامش ص 249 ) ( 1 ) في نسخة : الامامة . قلت : القذة بالضم والتشديد : ريش السهم . الباع : قدر مد اليدين .
( 2 ) في المصدر زيادة وهى : وهو الذى يظهر بعد مغيب الشمس ، وهو قسم اه .
( 3 ) تفسير القمى : 715 و 718 .
( 4 ) هكذا في المطبوع ونسخ مخطوطة ، وفى المصدر : ماض أى قاطع . وهو الصحيح فلا يحتاج
إلى تكلف وبيان .
( 5 ) تفسير القمى : 720 .
[250]
خلق فسوى والذي قدر فهدى " قال : قدر الاشياء في التقدير الاول ، ( 1 ) ثم هدى
إليها من يشاء . قوله : " والذي أخرج المرعى " قال : أي النبات " فجعله " بعد إخراجه
" غثاء أحوى " قال : يصير هشيما بعد بلوغه ويسود .
قوله : " سنقرؤك فلا تنسى " أي نعلمك فلا تنسى ، ثم استثنى فقال : " إلا ماشاء
الله " لانه لا يؤمن النسيان ، ( 2 ) لان الذي لا ينسى هو الله " ونيسرك لليسرى فذكر "
يا محمد " إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى " بذكرك إياه ، ( 3 ) ثم قال : " ويتجنبها "
يعني ما يذكر به " الاشقى الذي يصلى النار الكبرى " قال : نار يوم القيامة " ثم لا يموت
فيها ولا يحيى " يعني في النار فيكون كما قال الله : " ويأتيه الموت من كل مكان وما
هو بميت " . ( 4 ) قوله : " قد أفلح من تزكى " قال : زكاة الفطرة فإذا أخرجها قبلت
صلاة العيد " وذكر اسم ربه فصلى " قال : صلاة الفطر والاضحى " إن هذا " يعني ما
قد تلوته من القرآن " لفي الصحف الاولى صحف إبراهيم وموسى " حدثنا سعيد بن محمد
عن بكر بن سهل ، عن عبدالغني بن سعيد ، عن موسى بن عبدالرحمن ، عن ابن جريح ،
عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله تعالى : " إنه يعلم الجهر وما يخفى " يريد ما يكون
إلى يوم القيامة في قلبك ونفسك " ونيسرك " يا محمد في جميع امورك " لليسرى " .
وبهذا الاسناد عن ابن عباس في قوله : " أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت "
يريد الانعام إلى قوله : " وإلى الجبال كيف نصبت " يقول عزوجل : يقدر أحد أن
يخلق مثل الابل ويرفع مثل السماء وينصب مثل الجبال ويسطح مثل الارض
غيري ؟ ويفعل ( 5 ) مثل هذا الفعل أحد سواي ؟ قوله : " فذكر إنما أنت مذكر " أي


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 250 سطر 19 الى ص 258 سطر 18

( هامش ص 250 ) ( 1 ) في نسخة من الكتاب والمصدر : بالتقدير الاول .
( 2 ) في هامش النسخة المقروءة على المصنف وكذا المصدر زيادة وهى : النسيان اللغوى هو الترك .
وفى طبعة من المصدر : لا يؤمن النسيان وهو الترك .
( 3 ) في طبعة من المصدر هكذا : قال : تذكرته اياه ما يتذكر به . والظاهر أنه مصحف :
بذكرك اياه أو بتذكرتك اياه .
( 4 ) إبراهيم : 17 .
( 5 ) في نسخة : أو يفعل .
[251]
فعظ يا محمد إنما أنت واعظ . قال علي بن إبراهيم في قوله : " لست عليهم بمصيطر " :
قال : لست بحافظ ولا كاتب عليهم .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " إلا من تولى
وكفر " يقول : من لم يتعظ ولم يصدقك وجحد ربوبيتي وكفر نعمتي " فيعذبه الله
العذاب الاكبر " يريد العذاب الشديد الدائم " إن إلينا إيابهم " يريد مصيرهم " ثم إن
علينا حسابهم " أي جزاءهم . ( 1 )
157 - فس : " لا اقسم بهذا البلد " أي مكة " وأنت حل بهذا البلد " قال :
كانت قريش لا يستحلون أن يظلموا أحدا في هذا البلد ويستحلون ظلمك فيه " ووالد
وما ولد " قال : آدم وما ولد من الانبياء والاوصياء " لقد خلقنا الانسان في كبد "
أي منتصبا ولم يخلق مثله شئ " يقول أهلكت مالا لبدا " أي مجتمعا .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " يقول أهكت مالا لبدا "
قال : هو عمرو بن عبدود حين عرض عليه علي بن أبي طالب عليه السلام الاسلام يوم الخندق و
قال : فأين ما أنفقت فيكم مالا لبدا ؟ وكان قد أنفق مالا في الصد عن سبيل الله ، فقتله
علي عليه السلام .
وأخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن
إسماعيل بن عباد ، عن الحسين بن أبي يعقوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر عليه السلام
في قوله تعالى : " أيحسب أن لن يقدر عليه أحد " يعني نعثل في قتله ابنة النبي صلى الله عليه وآله
" يقول أهلكت مالا لبدا " يعني الذي جهز به النبي صلى الله عليه وآله في جيش العسرة " أيحسب
أن لم يره أحد " قال : في فساد كان في نفسه " ألم نجعل له عينين " رسول الله صلى الله عليه وآله
" ولسانا " يعني أمير المؤمنين عليه السلام " وشفتين " يعني الحسن والحسين " وهديناه النجدين "
إلى ولايتهما " فلا اقتحم العقبة وما ( أدريك ؟ ) ما العقبة " يقول : ما أعلمك ، وكل شئ في
القرآن ما أدراك فهو ما أعلمك " يتيما ذا مقربة " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ، والمقربة :
( هامش ص 251 ) ( 1 ) تفسير القمى : 721 و 722 و 723 .
[252]
قرباه " أو مسكينا ذا متربة " يعني أمير المؤمنين عليه السلام مترب بالعلم . ( 1 )
بيان : نعثل هو عثمان ، قال الجوهري : نعثل اسم رجل كان طويل اللحية
وكان عثمان إذا نيل منه وعيب شبه بذلك الرجل لطول لحيته . قوله : ما أعلمك
لعله جعل ما للتعجب ، ويحتمل على بعد أن يكون إشارة إلى ما قيل : إن كل موضع
في القرآن فيه " ما أدراك " فهو ما قد بينه الله وما كان " ما يدريك " لم يبينه . قوله : مترب
بالعلم على بناء الفاعل أى مستغن ، يقال : أترب الرجل : إذا استغنى كأنه صار له من
المال بقدر التراب ، ذكر الجوهري .
158 - فس : أحمد بن محمد الشيباني ، عن محمد بن أحمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن
محمد بن علي ، عن عثمان بن يوسف ، عن عبدالله بن كيسان ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد اقرء فقال : وما أقرء ؟ قال : " اقرء
باسم ربك الذي خلق " يعني خلق نورك الاقدم قبل الاشياء " خلق الانسان من علق
يعني خلقك من نطفة وشق منك عليا " اقرء وربك الاكرم الذي علم بالقلم " يعني
علم علي بن أبي طالب عليه السلام " علم الانسان ما لم يعلم " يعني علم عليا من الكتابة لك
ما لم يعلم قبل ذلك .
قال علي بن إبراهيم في قوله : " اقرء باسم ربك " قال : اقرء باسم الله الرحمن
الرحيم " الذي خلق خلق الانسان من علق " قال : من دم " اقرء وربك الاكرم الذي
علم بالقلم " قال : علم الانسان الكتابة التي بها يتم امور الدنيا في مشارق الارض و
مغاربها ، ثم قال : " كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى " قال : إن الانسان إذا
استغنى يكفر ويطغى وينكر " إن إلى ربك الرجعى " قوله : " أرأيت الذي ينهى عبدا
إذا صلى " قال : كان الوليد بن المغيرة ينهى الناس عن الصلاة وأن يطاع الله ورسوله فقال الله
تعالى : " أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى " قوله : " لنسفعا بالناصية " أي لنأخذه بالناصية
فنلقيه في النار .
قوله : " فليدع ناديه " قال : لما مات أبوطالب عليه السلام فنادى أبوجهل والوليد
عليهما لعائن الله : هلم فاقتلوا محمدا فقد مات الذي كان ناصره ، ( 2 ) فقال الله : " فليدع
( هامش ص 252 ) ( 1 ) تفسير القمى : 725 و 726 .
( 2 ) في المصدر : هلموا فاقتلوا محمدا فقد مات الذى كان ينصره .
[253]
ناديه سندع الزبانية " قال : كما دعا إلى قتل رسول الله صلى الله عليه وآله نحن أيضا ندع الزبانية
ثم قال : " كلا لا تطعه واسجد واقترب " أي لم يطيعوه ( 1 ) لما دعاهم إليه ، لان رسول
الله صلى الله عليه وآله أجاره مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، ولم يجسر عليه أحد . ( 2 )
بيان : أي لم يطيعوه على هذا التأويل لعله خبر في صورة النهي ، أي قلنا
بالخطاب العام : " لا تطعه " ولم نوفقهم لذلك .
159 - فس : " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " يعنى قريشا " والمشركين
منفكين " ( 3 ) قال : هم في كفرهم " حتى تأتيهم البينة " .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : البينة : محمد صلى الله عليه وآله .
وقال علي بن إبراهيم في قوله : " وما تفرق الذين اوتوا الكتاب إلا من بعد
ما جاءتهم البينة " قال : لما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرآن خالفوه وتفرقوا بعده .
قوله : حنفاء " أي طاهرين . قوله : " وذلك دين القيمة " أي دين قيم قوله :
" إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم " قال : أنزل الله عليهم القرآن
فارتدوا وكفروا وعصوا أمير المؤمنين عليه السلام " اولئك هم شر البرية " . قوله : " إن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية " قال : نزلت في آل محمد عليهم السلام . ( 4 )
160 - فس : " أرأيت الذي يكذب بالدين " قال : نزلت في أبي جهل وكفار
قريش " فذلك الذي يدع اليتيم " أي يدفعه ، يعني عن حقه " ولا يحض على طعام
المسكين " أي لا يرغب في إطعام المسكين . ( 5 )
161 - فس : أبي ، عن ابن أبي عمير قال : سأل أبوشاكر أبا جعفر الاحول عن قول الله :
" قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد
( هامش ص 253 ) ( 1 ) في المصدر : لا يطيعون ، وفى طبعة : لا تطيعوه .
( 2 ) تفسير القمى : 730 و 731 .
( 3 ) في المصدر المطبوع في سنة 1315 : " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين "
يعنى قريشا " منفكين " قال : هم في كفرهم .
( 4 ) تفسير القمى : 732 .
( 5 ) تفسير القمى : 740 .
[254]
ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد " فهل يتكلم الحكيم بمثل هذا القول ويكرره
مرة بعد مرة ؟ فلم يكن عند أبي جعفر الاحول في ذلك جواب ، فدخل المدينة فسأل
أبا عبدالله عليه السلام عن ذلك ، فقال : كان سبب نزولها وتكرارها أن قريشا قالت لرسول
الله صلى الله عليه وآله : تعبد إلهنا ( 1 ) سنة ونعبد إلهك سنة ، وتعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة ،
فأجابهم الله بمثل ما قالوا ، فقال فيما قالوا : تعبد إلهنا سنة : " قل يا أيها الكافرون لا
أعبد ما تعبدون " وفيما قالوا : ونعبد إلهك سنة : " ولا أنتم عابدون ما أعبد " وفيما قالوا :
تعبد إلهنا سنة : " ولا أنا عابد ما عبدتم " وفيما قالوا : ونعبد إلهك سنة " ولا أنتم عابدون
ما أعبد لكم دينكم ولي دين " قال : فرجع أبوجعفر الاحول إلى أبي شاكر فأخبره
بذلك ، فقال أبوشاكر : هذا حملته الابل من الحجاز . ( 2 )
أقول : سيأتي كثير من تفاسير تلك الآيات في الابواب الآتية .
( هامش ص 254 ) ( 1 ) في المصدر : آلهتنا ، وكذا فيما يأتى .
( 2 ) تفسير القمى : 741 .
[255]
} أبواب احتجاجات الرسول صلى الله عليه وآله {
} باب 1 {
* ( ما احتج صلى الله عليه وآله به على المشركين والزنادقة وسائر ) *
* ( أهل الملل الباطلة ) *
1 - م : قوله عزوجل : : " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى
تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين * بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن
فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " قال الامام عليه السلام : قال أمير المؤمنين
عليه السلام : " وقالوا " يعني اليهود والنصارى . قالت اليهود : " لن يدخل الجنة إلا من
كان هودا " أي يهوديا ، وقوله : " أو نصارى " يعني وقالت النصارى : لن يدخل الجنة
إلا من كان نصرانيا ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : وقد قال غيرهم قالت الدهرية : الاشياء
لا بدء لها وهي دائمة ، من خالفنا ضال مخطئ مضل ، وقالت الثنوية : النور والظلمة
هما المدبران ، من خالفنا فقد ضل ، وقالت مشركوا العرب : إن أوثاننا آلهة من
خالفنا في هذا ضل ، فقال الله تعالى : " تلك أمانيهم " التي يتمنونها " قل " لهم " هاتوا
برهانكم " على مقالتكم " إن كنتم صادقين " .
وقال الصادق عليه السلام وقد ذكر عنده الجدال في الدين ، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله
والائمة عليهم السلام قد نهوا عنه فقال الصادق عليه السلام : لم ينه عنه مطلقا ، ولكنه نهى عن
الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون الله يقول : " ولا تجادلو أهل الكتاب إلا بالتي
هي أحسن " ؟ وقوله تعالى : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتي هي أحسن " ؟ .
فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين ، والجدال بغير التي
هى أحسن محرم حرمه الله على شيعتنا ، وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول :
[256]
" وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " قال الله تعالى : " تلك أمانيهم
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " ؟ فجعل علم الصدق الاتيان بالبرهان ، وهل يؤتى
بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن ؟ قيل : يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي
هي أحسن والتي ليست بأحسن ؟ .
قال : أما الجدال الذي بغير التي هي أحسن فأن تجادل مبطلا فيورد عليك
باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله ، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك
المبطل أن يعين به باطله ، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة ، لانك لا تدري كيف المخلص منه ، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء
إخوانهم وعلى المبطلين ، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته
وضعف ما ( من خ ل ) في يده حجة له على باطله ، وأما الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم ( 1 )
لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل .
وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من
جحد البعث بعد الموت وإحياءه له ، فقال الله تعالى حاكيا عنه : " وضرب لنا مثلا و
نسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم " فقال الله تعالى في الرد عليه : " قل " يا محمد
" يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر
الاخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال :
كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم ؟ فقال الله : " قل يحييها الذي أنشأها أول
مرة " أفيعجز من ابتدأ به لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلى ؟ بل ابتداؤه أصعب عندكم
من إعادته ، ثم قال : " الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا " أي إذا كان قد كمن
النار ( 2 ) الحارة في الشجر الاخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة من
بلي أقدر ، ثم قال : " أوليس الذي خلق السموات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم
بلى وهو الخلاق العليم " أي إذا كان خلق السموات والارض أعظم وأبعد في أوهامكم
( هامش ص 256 ) ( 1 ) في المصدر وكذا في الاحتجاج : إذا تعاطى مجادلتهم وضعف ما في يده حجة له على باطلهم
وأما الضعفاء فتغم قلوبهم .
( 2 ) كمن الشئ : أخفاه .
[257]
وقدركم ( وقدرتكم خ ل ) أن يقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق
الاعجب عندكم والاصعب لديكم ، ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة
البالي ؟ .
قال الصادق عليه السلام : فهذا الجدال بالتي هي أحسن ، لان فيها قطع عذر الكافرين
وإزالة شبههم ، وأما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق
بينه وبين باطل من تجادله ، وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق ، فهذا هو
المحرم لانك مثله ، جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر .
وقال أبومحمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام : فقام إليه رجل آخر فقال : يابن
رسول الله أفجادل رسول الله ؟ فقال الصادق عليه السلام : مهما ظننت برسول الله صلى الله عليه وآله
من شئ فلا تظنن به مخالفة الله ، أليس الله قد قال : " وجادلهم بالتي هي أحسن " وقال :
" قل يحييها الذي أنشأها أول مرة " لمن ضرب لله مثلا ، أفتظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله خالف
ما أمره الله به ، فلم يجادل ما أمر الله به ، ولم يخبر عن الله بما أمره أن يخبر به ؟ ولقد حدثني
أبي الباقر ، عن جدي علي بن الحسين زين العابدين ، عن أبيه الحسين سيد الشهداء ، عن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه اجتمع يوما عند رسول الله صلى الله عليه وآله
أهل خمسة أديان : اليهود ، والنصارى ، والدهرية ، والثنوية ، ومشركو العرب ،
فقالت اليهود : نحن نقول : عزير ابن الله ، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول ، فإن
اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك .
وقالت النصارى : نحن نقول : المسيح ابن الله اتحد به ، وقد جئناك لننظر ما
تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك .
وقالت الدهرية : نحن نقول : الاشياء لا بدء لها وهي دائمة ، وقد جئناك لننظر
ما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك .
وقالت الثنوية : نحن نقول : إن النور والظلمة هما المدبران ، وقد جئناك
لننظر ما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا
خصمناك .
[258]
وقالت مشركو العرب : نحن نقول : إن أوثاننا آلهة وقد جئناك لننظر ما تقول ،
فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : آمنت بالله وحده لا شريك له ، وكفرت بالجبت وبكل
معبود سواه ، ثم قال لهم : إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا حجة على
العالمين ، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره ، ثم قال لليهود : أجئتموني لاقبل قولكم
بغير حجة ؟ قالوا : لا ، قال : فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله ؟ قالوا :
لانه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ماذهبت ، ولم يفعل بها هذا إلا لانه ابنه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاءهم
بالتوراة ورئي منه من المعجزات ما قد علمتم ؟ فإن كان عزير ابن الله لما أظهر من
الكرامة بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة أحق وأولى ، ولئن كان هذا المقدار
من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل
من البنوة ، وإن كنتم إنما تريدون ( 1 ) بالبنوة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في
دنياكم هذه من ولادة الامهات الاولاد بوطي آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه
بخلقه ، وأوجبتم فيه صفات المحدثين ، ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا ، وأن
يكون له خالق صنعه وابتدعه ، قالوا : لسنا نعني هذا ، فإن هذا كفر كما ذكرت ،
ولكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة ، كما يقول بعض
علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة ( 2 ) عن غيره : يا بني ، وإنه ابني ، لا على
إثبات ولادته منه ، لانه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب بينه وبينه ، وكذلك


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 258 سطر 19 الى ص 266 سطر 18

لما فعل الله بعزير ما فعل كان قد اتخده ابنا على الكرامة لا على الولادة ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله : فهذا ما قلته لكم : إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإن
هذه المنزلة لموسى أولى ، وإن الله يفضح كل مبطل بإقراره ويقلب عليه حجته .
( هامش ص 258 ) ( 1 ) في المصدر : لانكم إن كنتم انما تريدون اه .
( 2 ) في نسخة : بمنزلته .
[259]
وأما ما احتججتم به ( 1 ) يؤديكم إلى ماهو أكبر مما ذكرته لكم ، لانكم قلتم : إن
عظيما من عظمائكم قد يقول لاجنبي لا نسب بينه وبينه : يا بني ، وهذا ابني ، لا على
طريق الولادة ، فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لاجنبي آخر : هذا أخي ، ولآخر : هذا
شيخي وأبي ، ( 2 ) ولآخر : هذا سيدي ويا سيدي على سبيل الاكرام ، وإن من زاده في
الكرامة زاده في مثل هذا القول ، فإذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو
أبا أو سيدا لانه قد زاده في الاكرام مما لعزير ، كما أن من زاد رجلا في الاكرام قال
له ياسيدي ويا شيخي ويا عمي ويا رئيسي على طريق الاكرام ، وإن من زاده في
الكرامة زاده في مثل هذا القول ، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله ، أو شيخا ،
أو عما أو رئيسا ، أو سيدا ، أو أميرا ؟ لانه قد زاده في الاكرام على من قال له : يا شيخي
أو يا سيدي ، أو يا عمي ، أو يا أميري ، أو يا رئيسي ، قال : فبهت القوم وتحيروا و
قالوا : يا محمد أجلنا ( 3 ) نتفكر فيما قلته لنا ، فقال : انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف
يهدكم الله .
ثم أقبل صلى الله عليه وآله على النصارى فقال : وأنتم قلتم : إن القديم عزوجل اتحد بالمسيح
ابنه ، فما الذي أردتموه بهذا القول ؟ أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي
هو عيسى ؟ أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو الله ؟ أو معنى
قولكم : إنه اتحد به أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه ؟ فإن أردتم أن القديم
تعالى صار محدثا فقد أبطلتم ، لان القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا ، وإن أردتم
أن المحدث صار قديما فقد أحلتم ، لان المحدث أيضا محال أن يصير قديما ، وإن أردتم
أنه اتحد به بأن اختصه واصطفاه على سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث
المعنى الذي اتحد به من أجله ، لانه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به بأن
أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين ، وهذا
( هامش ص 259 ) ( 1 ) في نسخة وفى الاحتجاج : وان ما احتججتم به .
( 2 ) في المصدر : ولاخر هذا أبى .
( 3 ) في النسخة المقروءة على المصنف : خلنا .
[260]
خلاف ما بدأتم تقولونه ، قال : فقالت النصارى : يا محمد إن الله تعالى لما أظهر على يد
عيسى من الاشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة . فقال لهم
رسول الله صلى الله عليه وآله : قد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه ، ثم أعاد صلى الله عليه وآله ذلك
كله ، فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم قال له : يا محمد أولستم تقولون : إن إبراهيم خليل الله ؟
قال : قد قلنا ذلك ، فقال إذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول : إن عيسى ابن الله ؟ .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنهما لم يشتبها ، لان قولنا : إن إبراهيم خليل الله
فإنما هو مشتق من الخلة أو الخلة ، فأما الخلة فإنما معناها الفقر والفاقة ، وقد
كان خليلا إلى ربه فقيرا ، وإليه منقطعا ، وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا ، وذلك
لما اريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالى جبرئيل عليه السلام وقال له :
أدرك عبدي ، فجاءه فلقيه في الهواء فقال : كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك ، فقال :
بل حسبي الله ونعم الوكيل ، إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه ، فسماه خليله أي
فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه . وإذا جعل معنى ذلك من الخلة ( الخلل خ ل )
وهو أنه قد تخلل معانيه ( 1 ) ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به
وباموره ، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه ، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن
خليله ؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله ؟ وأن من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه
لم يخرج عن أن يكون ولده ؟ لان معنى الولادة قائم ، ثم إن وجب لانه قال : إبراهيم
خليلي أن تقيسوا ( 2 ) أنتم فتقولوا : إن عيسى ابنه وجب أيضا أن تقولوا له ولموسى :
إنه ابنه ، فإن الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى ، فقولوا : إن
موسى أيضا ابنه ، وإنه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى : إنه شيخه وسيده وعمه و
رئيسه وأميره كما ذكرته لليهود . فقال بعضهم لبعض : وفي الكتب المنزلة أن عيسى
قال : أذهب إلى أبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون ( 3 ) فإن
فيه : أذهب إلى أبي وأبيكم ، فقولوا : إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما
( هامش ص 260 ) ( 1 ) في المصدر : وهو انه قد تخلل به معانيه .
( 2 ) في نسخة : ثم ان من اوجب أن يقول على قول ابراهيم خليله أن تقيسوا ا ه .
( 3 ) في نسخة : تعلمون .
[261]
كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه ، ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل عليكم
هذا الذي زعمتم أن عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له ، لانكم قلتم : إنما قلنا :
إنه ابنه لانه اختصه بما لم يختص به غيره ، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى
لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى : أذهب إلى أبي وأبيكم ، فبطل أن يكون
الاختصاص لعيسى ، لانه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى
وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها ، لانه إذا قال : أبي وأبيكم
فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه ، ( 1 ) وما يدريكم لعله عنى : أذهب إلى آدم أو إلى
نوح إن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم ، وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح ، بل ما أراد
غير هذا ، فسكتت النصارى وقالوا : ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما وسننظر
في امورنا .
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الدهرية فقال : وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول
بأن الاشياء لا بدء لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال ؟ فقالوا : لانا لا نحكم إلا بما نشاهد
ولم نجد للاشياء محدثا ( 2 ) فحكمنا بأنها لم تزل ، ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا
بأنها لا تزال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أفوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاء أبد الابد ؟ ( 3 )
فإن قلتم : إنكم وجدتم ذلك أثبتتم ( 4 ) لانفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم ( 5 ) وعقولكم
بلا نهاية ولا تزالون كذلك ، ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون الذين
يشاهدونكم ، قالوا : بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الابد ، ( 6 ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما ؟ لانكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضاءها أولى
من تارك التميز لها مثلكم ، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع ، لانه لم يشاهد لها
( هامش ص 261 ) ( 1 ) في هامش المصدر : تأولتموه ( خ ل ) .
( 2 ) في نسخة : وفى الاحتجاج حدثا .
( 3 ) في المصدر : أبدا الاباد .
( 4 ) في نسخة : وفى الاحتجاج : أنهضتم لانفسكم .
( 5 ) في نسخة : لم تزالوا على ذهنكم وعقولكم .
( 6 ) في المصدر : ابد الاباد .
[262]
قدما ولا بقاء أبد الابد ، ( 1 ) أولستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر ؟
فقالوا : نعم ، فقالوا : أفترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟ فقالوا : نعم ، قال : أفيجوز عندكم
اجتماع الليل والنهار ؟ فقالوا : لا ، فقال عليه السلام : فإذا ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق
أحدهما ويكون الثاني جاريا بعده ، ( 2 ) فقالوا : كذلك هو ، فقال : قد حكمتم بحدوث
ما تقدم من ليل ونهار ولم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرة ( قدرته خ ل ) ثم قال عليه السلام :
أتقولون ما قبلكم ( 3 ) من الليل والنهار متناه أم غير متناه ؟ فإن قلتم : غير متناه فقد وصل
إليكم آخر بلا نهاية لاوله ، وإن قلتم : إنه متناه فقد كان ولا شئ منهما ، ( 4 ) قالوا : نعم ،
قال لهم : أقلتم : إن العالم قديم غير محدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما
جحدتموه ؟ قالوا : نعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فهذا الذي نشاهده من الاشياء بعضها إلى
بعض مفتقر ، لانه لا قوام للبعض إلا بما يتصل به ، كما ترى البناء محتاجا بعض أجزائه
إلى بعض وإلا لم يتسق ولم يستحكم ، وكذلك سائر ما نرى ، ( 5 ) قال : فإذا كان هذا
المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه ( 6 ) هو القديم فأخبروني أن لو كان ( محدثا ؟ ) كيف كان
يكون ؟ وماذا كانت تكون صفته ؟ قال : فصمتوا وعلموا ( 7 ) أنهم لا يجدون للمحدث
صفة يصفونه بها إلا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم ، فوجموا ( 8 ) وقالوا :
سننظر في أمرنا .
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الثنوية الذين قالوا : النور والظلمة هما المدبران
( هامش ص 262 ) ( 1 ) في المصدر : أبد الاباد .
( 2 ) في المصدر : ويكون الثاني حادثا بعده .
( 3 ) في هامش المصدر : ماتقدم ( خ ل ) .
( 4 ) في المصدر : فقد كان حادثا ولا شئ منها بقديم .
( 5 ) : وكذلك سائر ماترون .
( 6 ) : لقوامه وتمامه .
( 7 ) في نسخة وفى الاحتجاج : فبهتوا وعلموا ، وفى المصدر : فبهتوا ( وتحيروا خ ل ) وعلموا .
( 8 ) وجم : سكت وعجز عن التكلم من شدة الغيظ أو الخوف . عبس وجهه وأطرق لشدة الحزن .
وجم من الامر : أمسك عنه وهو كاره .
[263]
فقال : وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا ؟ فقالوا : لانا قد وجدنا العالم
صنفين : خيرا وشرا ، ووجدنا الخير ضدا للشر ، فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل
الشئ وضده . ( 1 ) بل لكل واحد منهما فاعل ، ألا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما
أن النار محال أن تبرد ، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين : ظلمة ونورا ، فقال لهم رسول
الله صلى الله عليه وآله : أفلستم قد وجدتم سوادا وبياضا وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة ؟ وكل واحد
ضد لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منها في محل واحد ، كما كان الحر والبرد ضدين
لاستحالة اجتماعهما في محل واحد ؟ قالوا : نعم ، قال : فهلا أثبتتم بعدد كل لون صانعا
قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الالوان غير فاعل الضد الآخر ؟ ! قال :
فسكتوا .
ثم قال : وكيف اختلط هذا النور والظلمة وهذا من طبعه الصعود وهذا من
طبعه النزول ؟ أرأيتم لو أن رجلا أخذ شرقا يمشي إليه والآخر غربا يمشي إليه
أكان يجوز أن يلتقيا ما داما سائرين على وجوههما ؟ قالوا : لا ، فقال : وجب أن
لا يختلط النور والظلمة ، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر ، فكيف حدث
هذا العالم من امتزاج ما محال أن يمتزج ؟ بل هما مدبران جميعا مخلوقان ، فقالوا :
سننظر في امورنا .
ثم أقبل على مشركي العرب وقال : وأنتم فلم عبدتم الاصنام من دون الله ؟ فقالوا :
نتقرب بذلك إلى الله تعالى ، فقال : أو هي سامعة مطيعة لربها ، عابدة له ، حتى تتقربوا
بتعظيمها إلى الله ؟ فقالوا : لا ، قال : فأنتم الذين نحتتموها ( 2 ) بأيديكم فلان تعبدكم
هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من
هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم ، قال : فلما قال رسول
الله صلى الله عليه وآله هذا اختلفوا فقال بعضهم . إن الله قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور
فصورنا هده الصور ( 3 ) نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا .
( هامش ص 263 ) ( 1 ) في هامش المصدر : فانكرنا أن يكون فاعل الشئ وضده واحدا ( خ ل ) .
( 2 ) هكذا في النسخ وفى المصدر : فانتم الذين تنحتونها .
( 3 ) في المصدر : كانوا على هذه الصور التى صورناها فصورنا هذه نعظمها .
[264]
وقال آخرون منهم : إن هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا ، فمثلنا
صورهم وعبدناها تعظيما لله .
وقال آخرون منهم : إن الله لما خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له كنا نحن
أحق بالسجود لآدم من الملائكة ، ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا له تقربا إلى
الله تعالى كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى ، وكما امرتم بالسجود
بزعمكم إلى جهة مكة ( كعبة خ ل ) ففعلتم ، ثم نصبتم في ذلك البلد بأيديكم محاريب
سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاريبكم ، وقصدكم بالكعبة إلى الله عز وجل
لا إليها .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أخطأتم الطريق وضللتم ، أما أنتم وهو يخاطب الذين
قالوا : إن الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها ، فصورنا
هذه نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا فقد وصفتم ربكم بصفة
المخلوقات ، أو يحل ربكم في شئ حتى يحيط به ذلك الشئ ؟ فأي فرق بينه إذا
وبين سائر ما يحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته ؟ ولم
صار هذا المحلول فيه ( 1 ) محدثا وذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما ؟
وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال وهو عزوجل كما لم يزل ؟ ( 2 ) وإذا
وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال ، ( 3 ) أما
ما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء ، ( 4 ) لان ذلك أجمع من صفات الحال و
المحلول فيه ، وجميع ذلك يغير الذات ، فإن كان لم يتغير ( 5 ) ذات الباري عزوجل
بحلوله في شئ جاز أن لا يتغير ( 6 ) بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر و
( هامش ص 264 ) ( 1 ) في هامش المصدر : هذا الحال فيه محدثا ( خ ل ) .
( 2 ) في المصدر : وهو عزوجل لا يزال كما لم يزل .
( 3 ) في المصدر : بالزوال والحدوث .
( 4 ) في نسخة : وما وصفتموه بالزوال والحدوث وصفتموه بالفناء . وفى الاحتجاج مثل ذلك
إلا أن فيه : فصفوه بالفناء .
( 5 ) في المصدر : فان جاز أن يتغير .
( 6 ) في المصدر : جاز ان يتغير .
[265]
يصفر وتحله الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات
المحدثين ، ويكون محدثا - عز الله تعالى عن ذلك - ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فإذا بطل
ما ظننتموه من أن الله يحل في شئ فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم ، قال : فسكت القوم
وقالوا : سننظر في امورنا .
ثم أقبل على الفريق الثاني فقال : أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله
فسجدتم له وصليتم فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذي أبقيتم
لرب العالمين ؟ أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوى به عبده ؟
أرأيتم ملكا أو عظيما إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون
في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير ؟ فقالوا : نعم ، قال : أفلا
تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب
العالمين ؟ ( 1 ) قال : فسكت القوم بعد أن قالوا : سننظر في امورنا .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله للفريق الثالث : لقد ضربتم لنا مثلا وشبهتمونا بأنفسكم
ولا سواء ، وذلك أنا عباد الله ( 2 ) مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا ، وننزجر عما
زجرنا ، ونعبده من حيث يريده منا ، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد
إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا ، لانا لا ندري لعله أراد منا الاول وهو يكره
الثاني ، وقد نهانا أن نتقدم بين يديه ، فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا
ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا ، فلم نخرج
في شئ من ذلك عن اتباع أمره ، والله عزوجل حيث أمرنا بالسجود لآدم لم يأمر
بالسجود لصورته التي هي غيره ، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه ، لانكم لا تدرون
لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به ، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : أرأيتم لو أذن لكم
رجل في دخول داره يوما بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره ؟ أو لكم أن
تدخلوا دارا له اخرى مثلها بغير أمره ؟ أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه أو عبدا من
( هامش ص 265 ) ( 1 ) أى تعيبون عليه وتضعون من حقه .
( 2 ) في نسخة وكذا في الاحتجاج : وذلك أنا عباد الله .
[266]
عبيده أو دابة من دوابه ألكم أن تأخذوا ذلك ؟ فإن لم تأخذوه ( 1 ) أخذتم آخر مثله
قالوا : لا ، لانه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن لنا في الاول ، قال : فأخبروني : الله
أولى بأن لا يتقدم على ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين ؟ قالوا : بل الله أولى بأن
لا يتصرف في ملكه بغير إذنه ، قال : فلم فعلتم ، ومتى أمركم أن تسجدوا لهذه الصور ؟
قال : فقال القوم : سننظر في امورنا وسكتوا .
وقال الصادق عليه السلام : فو الذي بعثه بالحق نبيا ما أتت على جماعتهم إلا ثلاثة
أيام حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلموا ، وكانوا خمسة وعشرين رجلا من كل
فرقة خمسة ، وقالوا : ما رأينا مثل حجتك يا محمد ، نشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وآله .
وقال الصادق عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام : فأنزل الله تعالى : " الحمد لله
الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم
يعدلون " فكان في هذه الآية ردا على ثلاثة أصناف منهم ، لما قال : " الحمد لله الذي
خلق السموات والارض " فكان رد على الدهرية الذين قالوا : الاشياء لا بدء لها وهي
دائمة ، ثم قال : " وجعل الظلمات والنور " فكان ردا على الثنوية الذين قالوا : إن
النور والظلمة هما المدبران ، ثم قال : " ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " فكان ردا
على مشركي العرب الذين قالوا : إن أوثاننا آلهة ، ثم أنزل الله تعالى : " قل هو الله
أحد " إلى آخرها ، فكان ردا على من ادعى من دون الله ضدا أو ندا .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه : قولوا : " إياك نعبد " أي نعبد واحدا لا
نقول كما قالت الدهرية : إن الاشياء لا بدء لها وهي دائمة ، ولا كما قالت الثنوية


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 266 سطر 19 الى ص 274 سطر 18

الذين قالوا : إن النور والظلمة هما المدبران ، ولا كما قال مشركوا العرب : إن أوثاننا
إلهة ، فلا نشرك بك شيئا ، ولا ندعي من دونك إلها ( 2 ) كما يقول هؤلاء الكفار ، و
لا نقول كما قالت اليهود والنصارى : إن لك ولدا ، تعاليت عن ذلك . قال : فذلك
قوله : " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " وقال غيرهم من هؤلاء
( هامش ص 266 ) ( 1 ) في الاحتجاج هنا زيادة وهى : قالوا نعم . قال : فان لم تأخذوه اه .
( 2 ) في المصدر والاحتجاج : ولا ندعو من دونك الها .
[267]
الكفار ما قالوا قال الله : يا محمد " تلك أمانيهم " التي يتمنونها بلا حجة " قل هاتوا
برهانكم " وحجتكم على دعواكم " إن كنتم صادقين " كما أتى محمدا ببراهينه التي
سمعتموها ، ثم قال : " بلى من أسلم وجهه لله " يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا
برسول الله صلى الله عليه وآله لما سمعوا براهينه وحججه " وهو محسن " في عمله لله " فله أجره " ثوابه
" عند ربه " يوم فصل القضاء " ولا خوف عليهم " حين يخاف الكافرون ما ( مما خ ل )
يشاهدونه من العذاب " ولا هم يحزنون " عند الموت لان البشارة بالجنان تأتيهم عند
ذلك . ( 1 )
ج : بإسناده إلى أبي محمد عليه السلام قال : ذكر عند الصادق عليه السلام الجدال في الدين
وأن رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام قد نهوا عنه . وساق الحديث إلى قوله : وقالوا :
ما رأينا مثل حجتك يا محمد نشهد أنك رسول الله . ( 2 )
بيان : قوله صلى الله عليه وآله : ( من الخلة أو الخلة ) والاولى بالفتح وهي بمعنى الفقر و
الحاجة ، والثانية بالضم وهي بمعنى غاية الصداقة والمحبة ، اشتق من الخلال ، لان
المحبة تخللت قلبه فصارت خلاله ، أي في باطنه ، وقد ذكر اللغويون أنه يحتمل
كون الخليل مشتقا من الخلة بالفتح أو الضم .
قوله صلى الله عليه وآله : ( قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار ) تدرج عليه السلام في
الاحتجاج فنزلهم أولا عن مرتبة الانكار إلى مدرجة الشك بهذا الكلام ، وحاصله
أنكم كثيرا ما تحكمون بأشياء لم تروها كحكمكم هذا بعدم اجتماع الليل والنهار فيما
سبق من الازمان ، فليس لكم أن تجعلوا عدم مشاهدتكم لشئ حجة للجزم بإنكاره .
( فلا تنكروا لله قدرة ) أي فلا تنكروا أن الاشياء مقدورة لله تعالى وأن الله خالقها
أولا تنكروا قدرة الله على إحداثها من كتم العدم ومن غير مادة ، ثم أخذ صلى الله عليه وآله في
إقامة البرهان على حدوثها وهو يحتمل وجهين :
الاول : أن يكون إلى آخر الكلام برهانا واحدا ، حاصله أنه لا يخلو من أن
يكون الليل والنهار أي الزمان غير متناه من طرف الازل منتهيا إلينا ، أو متناهيا من
( هامش ص 267 ) ( 1 ) تفسير العسكرى : 218 - 226 .
( 2 ) بل ذكره بتمامه ، راجع الاحتجاج : 7 - 13 .
[268]
طرف الازل أيضا ، فعلى الثاني فالاشياء لحدوثها لا بد لها من صانع يتقدمها ضرورة
فهذا معنى قوله : ( فقد كان ولا شئ منهما ) أي كان الصانع قبل وجود شئ منهما ، ثم
أخذ صلى الله عليه وآله في إبطال الشق الاول بأنكم إنما حكمتم بقدمها لئلا تحتاج إلى صانع ،
والعقل السليم يحكم بأن القديم الذي لا يحتاج إلى صانع لا بد أن يكون مباينا في
الصفات والحالات للحادث الذي يحتاج إلى الصانع ، مع أن ما حكمتم بقدمه لم يتميز
عن الحادث في شئ من التغيرات والصفات والحالات ، أو المعنى أن ما يوجب الحكم
في الحادث بكونه محتاجا إلى الصانع من التركب واعتوار الصفات المتضادة عليه و
كونها في معرض الانحلال والزوال كلها موجودة فيما حكمتم بقدمه وعدم احتياجه
إلى الصانع ، فيجب أن يكون هذا أيضا حادثا مصنوعا .
الثاني : أن يكون قوله : ( أتقولون ) إلى قوله : ( قال لهم أقلتم ) برهانا واحدا
بأن يكون قوله : ( فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لاوله ) إبطالا للشق الاول بالاحالة
على الدلائل التي اقيمت على إبطال الامور الغير المتناهية المترتبة ، بناء على عدم
اشتراط وجودها معا في إجرائها كما زعمه أكثر المتكلمين ، ويكون بعد ذلك دليلا
واحدا كما مر سياقه ، ويمكن أن يقرر ما قبله أيضا برهانا ثالثا على إثبات الصانع
بأن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وآله : ( حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار ) لبيان أن
حكمهم بحدوث كل ليل ونهار يكفي لاحتياجها إلى الصانع ولا ينفعكم قدم طبيعة
الزمان ، فإن كل ليل وكل نهار لحدوثه بشخصه يكفي لاثبات ذلك .
قوله صلى الله عليه وآله : ( وكيف اختلط هذا النور والظلمة ) إشارة إلى ما ذكره المانوية من
الثنوية وهو أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين : أحدهما نور ، والآخر ظلمة ،
وأنهما أبديان لم يزلا ولا يزالان ، ثم اختلفوا في المزاج وسببه فقال بعضهم : كان ذلك
بالخبط والاتفاق ، وقال بعضهم وجوها ركيكة اخرى ، وقالوا : جميع أجزاء النور أبدا
في الصعود والارتفاع ، وأجزاء الظلمة أبدا في النزول والتسفل ، فرد النبي صلى الله عليه وآله عليهم
بأنكم إذا اعترفتم بأن النور يقتضي بطبعه الصعود والظلمة تقتضي بطبعها النزول ولا
تعترفون بصانع يقسرهما على الاجتماع والامتزاج فمن أين جاء امتزاجهما واختلاطهما
[269]
ليحصل هذا العالم ؟ وكيف يتأتى الخبط والاتفاق مع كون الطبيعتين قاسرتين لهما
على الافتراق ؟ وتفصيل القول وبسط الكلام في أمثال ذلك يوجب الخروج عن موضوع
الكتاب ، وإنما نكتفي بإشارات مقنعة لاولي الالباب في كل باب .
2 - م ، ج : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري عليه السلام أنه قال : قلت لابي علي بن
محمد عليهما السلام : هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم ؟
قال : بلى مرارا كثيرة : منها ما حكى الله تعالى من قولهم : " وقالوا مال هذا الرسول
يأكل الطعام ويمشي في الاسواق لولا انزل عليه ملك " إلى قوله : " رجلا مسحورا "
" وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " " وقالوا لن نؤمن لك حتى
تفجر لنا من الارض ينبوعا " إلى قوله : " كتابا نقرؤه " ثم قيل له في آخر ذلك : لو
كنت نبيا كموسى لنزلت علينا الصاعقة ( 1 ) في مسألتنا إليك ، لان مسألتنا أشد من
مسائل قوم موسى لموسى .
قال : وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذا
اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم : الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأبوالبختري بن
هشام ، وأبوجهل بن هشام ، والعاص بن وائل السهمي ، وعبدالله بن أبي امية المخزومي
وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ، ورسول الله صلى الله عليه وآله في نفر من أصحابه يقرء عليهم كتاب
الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه ، فقال المشركون بعضهم لبعض : لقد استفحل
أمر محمد ( 2 ) وعظم خطبه ، فتعالوا : نبدء بتقريعه وتبكيته ( 3 ) وتوبيخه والاحتجاج عليه
وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم ، فلعله أن ينزعه عما
هو فيه ( 4 ) من غيه وباطله وتمرده وطغيانه ، فإن انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر .
قال أبوجهل : فمن الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ ( 5 ) قال عبدالله بن أبي امية
( هامش ص 269 ) ( 1 ) في الاحتجاج : لو كنت نبيا كموسى أنزلت علينا كسفا من السماء ونزلت علينا الصاعقة .
( 2 ) استفحل الامر : تفاقم أى عظم ولم يجر على استواء .
( 3 ) التقريع والتبكيت : التعنيف .
( 4 ) في الاحتجاج : فلعله ينزع عما هو فيه .
( 5 ) في التفسير : فمن الذى يلى مكالمته ومجادلته .
[270]
المخزومي : أنا إلى ذلك ، أفما ترضاني له قرنا حسيبا ومجادلا كفيا ؟ قال أبوجهل
بلى فأتوه بأجمعهم ، فابتدأ عبدالله من أبي امية المخزومي فقال : يا محمد لقد ادعيت
دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا ، زعمت أنك رسول رب العالمين ، وماينبغي لرب
العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله ! بشرا مثلنا ، تأكل كما نأكل ، ( 1 )
وتمشي في الاسواق كما نمشي ، فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا
إلا كثير مال عظيم حال ، ( 2 ) له قصور ودور وفساطيط ( 3 ) وخيام وعبيد وخدام ، و
رب العالمين فوق هؤلاء كلهم وهم عبيده ، ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك و
نشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ما
أنت يا محمد إلا مسحورا ولست بنبي .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هل بقي من كلامك شئ ؟ قال : بلى لو أراد الله أن يبعث
إلينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا وأحسنه حالا ، فهلا نزل هذا القرآن
الذي تزعم أن الله أنزله عليك وانبعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم : إما
الوليد بن المغيرة بمكة ، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
هل بقي من كلامك شئ يا عبدالله ؟ فقال : بلى ، لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض
ينبوعا بمكة هذه فإنها ذات أحجار وعرة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها وتجري
فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون ، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها
وتطعمنا فتفجر الانهار خلالها خلال تلك النخيل والاعناب - تفجيرا ، أو تسقط
السماء كما زعمت علينا كسفا ، فإنك قلت لنا : " وإن يروا كسفا من السماء ساقطا
يقولوا سحاب مركوم " فلعلنا نقول ذلك ، ثم قال : أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ، تأتي
به وبهم وهم لنا مقابلون ، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا
نطغى ، فإنك قلت لنا : " كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى " ثم قال : أو ترقى
( هامش ص 270 ) ( 1 ) زاد في الاحتجاج : وتشرب كما نشرب .
( 2 ) في المصدرين : كثير المال عظيم الحال .
( 3 ) في التفسير : ودور وبساتين وفساطيط .
[271]
في السماء ، أي تصعد في االسماء ، ولن نؤمن لرقيك ، أي لصعودك حتى تنزل علينا
كتابا نقرؤه : من الله العزيز الحكيم إلى عبدالله بن أبي امية المخزومي ومن معه
بأن آمنوا بمحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ، فإنه رسولي فصدقوه في مقاله ، فإنه
من عندي ، ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله اومن بك أولا اومن بك ، بل لو رفعتنا
إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا : إنما سكرت أبصارنا أو سحرتنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عبدالله أبقي شئ من كلامك ؟ فقال : يا محمد أوليس
فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ؟ ما بقي شئ ، فقل : ما بدا لك وافصح عن نفسك إن
كانت لك حجة ، وأتنا بما سألناك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : اللهم أنت السامع لكل صوت ، والعالم بكل شئ ، تعلم
ما قاله عبادك ، فأنزل الله عليه : يامحمد " وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في
الاسواق " إلى قوله : " رجلا مسحورا " ثم قال الله تعالى : " انظر كيف ضربوا لك
الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " ثم قال : يا محمد " تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا
من ذلك جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا " وأنزل عليه : يا محمد
" فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك " الآية ، وأنزل عليه : يا محمد
" وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر " إلى قوله : " وللبسنا عليهم
ما يلبسون " فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عبدالله أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما
تأكلون ، وزعمت أنه لا يجوز لاجل هذه أن أكون لله رسولا ؟ فإنما الامر لله ، يفعل
ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود ، وليس لك ولا لاحد الاعتراض عليه بلم وكيف
ألا ترى أن الله كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا ، وأعز بعضا وأذل بعضا ، وأصح بعضا وأسقم
بعضا ، وشرف بعضا ووضع بعضا ، وكلهم ممن يأكل الطعام ، ثم ليس للفقراء أن يقولوا :
لم أفقرتنا وأغنيتهم ؟ ولا للوضعاء أن يقولوا : لم وضعتنا وشرفتهم ، لا للزمنى والضعفاء
أن يقولوا : لم أزمنتنا وأضعفتتنا وصححتهم ؟ ولا للاذلاء أن يقولوا : لم أذللتنا و
أعززتهم ؟ ولا لقباح الصور أن يقولوا لم أقبحتنا وجملتهم ؟ بل إن قالوا ذلك كانوا
على ربهم رادين ، وله في أحكامه منازعين وبه كافرين ، ولكان جوابه لهم : أنا
[272]
الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم ، وأنتم العبيد ليس لكم
إلا التسليم لي والانقياد لحكمي ، فإن سلمتم كنتم عبادا مؤمنين ، وإن أبيتم كنتم
بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين ، ثم أنزل الله عليه : يا محمد " قل إنما أنا بشر مثلكم "
يعني آكل الطعام " يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد " يعني قل لهم : أنا في البشرية
مثلكم ، ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم ؟ كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة
والجمال دون بعض البشر ، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وأما قولك : هذا ملك الروم وملك الفرس لايبعثان
رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ، ورب
العالمين فوق هؤلاء كلهم فإنهم عبيده ، فإن الله له التدبير والحكم ، لا يفعل على ظنك
وحسبانك ولا باقتراحك ، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود ، ياعبدالله إنما
بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ، ويكد نفسه في ذلك آناء ليله و
نهاره ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت
الرسالة تضيع والامور تتباطأ ؟ أوما ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد و
القبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون ؟ يا عبدالله إنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم
قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله . لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته ، فهذا
أبين في قدرته وفي عجزكم ، وسوف يظفرني الله بكم فاوسعكم قتلا وأسرا ، ثم
يظفرني الله ببلادكم ، ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على
دينكم .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وأما قولك : ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك
ونشاهده ، بل لو أراد أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث لنا ملكا لا بشرا مثلنا ،
فالملك لا تشاهده حواسكم ، لانه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ، ولو شاهدتموه
بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم : ليس هذا ملكا ، بل هذا بشر ، لانه إنما كان
يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده ،
فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق ؟ بل إنما بعث الله بشرا وأظهر على
[273]
يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم ، فتعلمون
بعجزكم عما جاء به أنه معجزة ، وأن ذلك شهادة من الله بالصدق له ، ولو ظهر لكم
ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في
طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا ، ألا ترون أن الطيور التي
تطير ليس ذلك منها بمعجز لان لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ، ولو أن آدميا
طار كطيرانها كان ذلك معجزا ، فالله عزوجل سهل عليكم الامر ، وجعله بحيث يقوم
عليكم حجته ، وأنتم تقترحون علم الصعب ( 1 ) الذي لا حجة فيه .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وأما قولك : ما أنت إلا رجل مسحور فكيف أكون
كذلك وقد تعلمون أني في صحة التمييز والعقل فوقكم ؟ فهل جربتم علي منذ نشأت
إلى أن استكملت أربعين سنة خزية أو ذلة أو كذبة أو جناية ( خناء خ ل ) أو خطأ من القول ،
أوسفها من الرأي ؟ أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها
أو بحول الله وقوته ؟ وذلك ما قال الله تعالى : " انظر كيف ضربوا لكم الامثال فضلوا
فلا يستطيعون سبيلا " إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي
يبين عليك التحصيل بطلانها .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وأما قولك : لولا نزل هذا القرآن على رجل من
القريتين عظيم : الوليد بن المغيرة بمكة ، أو عروة بالطائف ، فإن الله ليس يستعظم مال
الدنيا كما تستعظمه أنت ، ولا خطر له عنده كما له عندك ، بل لو كانت الدنيا عنده
تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء ، وليس قسمة رحمة الله إليك ، بل الله
هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه ، وليس هو عزوجل ممن يخاف
أحدا كما تخافه أنت لماله وحاله ، فعرفته ( فتعرفه خ ل ) بالنبوة لذلك ، ولا ممن يطمع
في أحد في ماله أو حاله كما تطمع فتخصه بالنبوة لذلك ، ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى
كما تحب فيقدم من لا يستحق التقديم ، وإنما معاملته بالعدل فلا يؤثر لافضل مراتب
الدين وخلاله ( 2 ) إلا الافضل في طاعته والاجد في خدمته ، وكذا لا يؤخر في مراتب
( هامش ص 273 ) ( 1 ) في نسخة : عمل الصعب .
( 2 ) في الاحتجاج : فلا يؤثر الا بالعدل لافضل مراتب الدين وجلاله .
[274]
الدين وخلاله ( 1 ) إلا أشدهم تباطئا عن طاعته ، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال
ولا إلى حال ، بل هذا المال والحال من تفضله ، وليس لاحد من عباده عليه ضريبة
لازمة ، ( 2 ) فلا يقال له : إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا ،
لانه ليس لاحد إكراهه على خلاف مراده ، ولا إلزامه تفضلا ، لانه تفضل قبله
بنعمة ، ألا ترى يا عبدالله كيف أغنى واحدا وقبح صورته ؟ وكيف حسن صورة واحد
وأفقره ؟ وكيف شرف واحدا وأفقره ؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه ؟ ثم ليس لهذا
الغني أن يقول : هلا اضيف إلى يساري جمال فلان ؟ ولا للجميل أن يقول : هلا اضيف
إلى جمالي مال فلان ؟ ولا للشريف " أن يقول : هلا اضيف إلى شرفي مال فلان ؟ ولا
للوضيع أن يقول : هلا اضيف إلى ضعتي شرف فلان ؟ ولكن الحكم لله ، يقسم كيف
يشاء ، ويفعل كما يشاء ، وهو حكيم في أفعاله ، محمود في أعماله ، وذلك قوله : " وقالوا
لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " قال الله تعالى : " أهم يقسمون رحمة
ربك " يا محمد " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا " فأحوجنا بعضا ( بعضهم خ ل )
إلى بعض : أحوج ( أحوجنا خ ل ) هذا إلى مال ذلك ، وأحوج ( أحوجنا خ ل ) ذلك إلى سلعة
هذا وإلى خدمته ، ( 3 ) فترى أجل الملوك وأغنى الاغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب
من الضروب : إما سلعة معه ليست معه ، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن
يستغني إلا به ، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير
الذي يحتاج ( 4 ) إلى مال ذلك الملك الغني وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه
أو معرفته ، ثم ليس للملك أن يقول : هلا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير ؟ ولا للفقير أن يقول :


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 274 سطر 19 الى ص 282 سطر 18

هلا اجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني ؟
( هامش ص 274 ) ( 1 ) في المصدر : " جلاله " وكذا فيما تقدم .
( 2 ) في الاحتجاج ونسخة من التفسير : ضريبة لازب . قلت : الضريبة : الجزية . اللازب :
الثابت .
( 3 ) في التفسير : وهذا إلى خدمته .
( 4 ) في المصدر هكذا . هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير ، فهذا الفقير يحتاج اه .
[275]
ثم قال : " ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا " ثم قال : يا محمد قل
لهم : " ورحمة ربك خير مما يجمعون " أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وأما قولك : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض
ينبوعا إلى آخر ما قلته ، فإنك اقترحت على محمد رسول الله أشياء : منها ما لو جاءك به
لم يكن برهانا لنبوته ، ورسول الله يرتفع ( 1 ) أن يغتنم جهل الجاهلين ، ويحتج
عليهم بما لا حجة فيه .
ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك ، وإنما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم
عباد الله الايمان بها لا ليهلكوا بها ، فإنما اقترحت هلاكك ورب العالمين أرحم
بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم بما ( كما خ ل ) يقترحون .
ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ، ورسول رب العالمين يعرفك ذلك
ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته ، ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى
لا يكون لك عند ذلك محيد ولا محيص . ( 2 )
ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد ، لا تقبل حجة ولا تصغى
إلى برهان ، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله ( 3 ) النازل من سمائه أو في جحيمه أو
بسيوف أوليائه .
وأما قولك يا عبدالله : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة
هذه فإنها ذات حجارة وصخور وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها ، وتجري فيها العيون
فإننا إلى ذلك محتاجون ، فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله ، يا عبدالله
أرأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيا ؟ قال : لا ، قال : أرأيت الطائف التي لك
فيها بساتين ؟ أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت
فيها عيونا استنبطتها ؟ قال : بلى ، قال : وهل لك فيها ( في هذا خ ل ) نظراء ؟ قال : بلى ،
قال : أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء ؟ قال : لا ، قال : فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد
( هامش ص 275 ) ( 1 ) في التفسير : ورسول الله يرتفع شأنه عن أن يغتنم اه .
( 2 ) في المصدر : حتى لا يكون عنه محيد ولا محيص .
( 3 ) في نسخة : فجزاؤه عذاب الله .
[276]
لو فعله على نبوته ، فما هو إلا كقولك : لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الارض ،
أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس .
وأما قولك ياعبدالله : أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا
وتفجر الانهار خلالها تفجيرا ، أوليس لاصحابك ولك جنات من نخيل وعنب بالطائف
تأكلون وتطعمون منها ، وتفجرون الانهار خلالها تفجيرا ؟ أفصرتم أنبياء بهذا ؟ قال :
لا ، قال : فما بال اقتراحكم ( 1 ) على رسول الله صلى الله عليه وآله أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت
على صدقه ، بل لو تعاطاها لدل تعاطيها على كذبه ، لانه حينئذ يحتج بما لا حجة
فيه ، ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ، ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عبدالله وأما قولك : أو تسقط السماء كما زعمت علينا
كسفا فإنك قلت : " وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم " فإن
في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم ، فإنما تريد بهذا من رسول الله صلى الله عليه وآله أن
يهلكك ، ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك ، لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج
الله ، وليس حجج الله لنبيه على حسب اقتراح عباده لان العباد جهال بما يجوز من
الصلاح وبما لا يجوز من ( منه خ ل ) الفساد ، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل
وقوعه ، والله لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وهل رأيت
يا عبدالله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم ؟ وإنما يفعل به ما يعلم صلاحه
فيه ، أحبه العليل أو كرهه ، فأنتم المرضى والله طبيبكم ، فإن أنفذتم لدوائه شفاكم ،
وإن تمردتم عليه أسقمكم ، ( 2 ) وبعد فمتى رأيت يا عبدالله مدعي حق من قبل رجل
أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى
عليه ؟ إذا ما كان يثبت لاحد على أحد دعوى ولاحق ، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا
بين صادق وكاذب فرق .
ثم قال : يا عبدالله وأما قولك : أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ، ونعاينهم
( هامش ص 276 ) ( 1 ) اقترح عليه كذا أو بكذا : تحكم وسأله اياه بالعنف ومن غير روية .
( 2 ) في التفسير ونسخة من الكتاب : وان تمردتم اشقاكم .
[277]
فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به ، لان ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجئ و
يذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به ، فقد سألتموه بهذا المحال ، وإنما هذا
الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لاتسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا
تغني عنكم شيئا ولا عن أحد ، ياعبدالله أوليس لك ضياع وجنات بالطائف وعقار بمكة
وقوام عليها ؟ قال : بلى ، قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين
معامليك ؟ قال بسفراء ، قال : أرأيت لو قال معاملوك واكرتك وخدمك لسفرائك : لا
نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبدالله بن أبي امية لنشاهده فنسمع ما تقولون
عنه شفاها كنت تسوغهم هذا ، أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال : لا ، قال : فما الذي
يجب على سفرائك ؟ أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم يجب
عليهم أن يصدقوهم ؟ قال : بلى ، قال : يا عبدالله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم
هذا عاد إليك وقال : قم معي فإنهم قد اقترحوا علي مجيئك معي أليس يكون لك
مخالفا ؟ وتقول له : إنما أنت رسول لا مشير وآمر ؟ قال : بلى ، قال : فكيف صرت
تقترح على رسول رب العالمين ما لا تسوغ على اكرتك ومعامليك أن يقترحوه على
رسولك إليهم ؟ وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم على ربه ( 1 ) بأن
يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى اكرتك وقوامك ؟ هذه
حجة قاطعة لابطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبدالله .
وأما قولك يا عبدالله : أويكون لك بيت من زخرف وهو الذهب أما بلغك
أن لعظيم مصر ( 2 ) بيوتا من زخرف ؟ قال : بلى ، قال : أفصار بذلك نبيا ؟ قال : لا ،
قال : فكذلك لا توجب لمحمد لو كانت له نبوة ( 3 ) ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله .
وأما قولك يا عبدالله : أو ترقى في السماء ، ثم قلت : ولن نؤمن لرقيك حتى
تنزل علينا كتابا نقرؤه ، يا عبدالله الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها ، وإذا
( هامش ص 277 ) ( 1 ) في التفسير : أن يستقدم ( يتقدم خ ل ) إلى ربه .
( 2 ) في السير : لعزيز ( لعظيم خ ل ) مصر .
( 3 ) في الاحتجاج : فكذلك لا يوجب لمحمد نبوة لو كان له بيوت .
[278]
اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول ، ثم قلت : حتى تنزل
علينا كتابا نقرؤه ، ثم من بعد ذلك لا أدري اومن بك أو لا اومن بك ، فأنت يا عبدالله
مقر بأنك تعاند حجة الله عليك ، فلا دواء لك إلا تأديبه على يد أوليائه البشر ، ( 1 ) أو
ملائكته الزبانية ، وقد أنزل الله علي حكمة جامعة ( 2 ) لبطلان كل ما اقترحته ، فقال
تعالى : " قل " يا محمد : " سبحان ربي هل كنت إلابشرا رسولا " ما أبعد ربي عن أن
يفعل الاشياء على ما تقترحه الجهال بما يجوز وبما لا يجوز " وهل كنت إلا بشرا رسولا "
لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني ، وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى
ولا اشير ، فأكون الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن
يفعل بهم ما اقترحوه عليه .
فقال أبوجهل : يا محمد ههنا واحدة ، ألست زعمت أن قوم موسى احترقوا
بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة ؟ قال : بلى ، قال : فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن
أيضا ، فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسى ، لانهم زعمت أنهم قالوا : ( 3 ) " أرنا الله جهرة "
ونحن نقول ( قلنا خ ل ) : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا نعاينهم ! .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبا جهل أما علمت قصة إبراهيم الخليل عليه السلام لما رفع
في الملكوت ؟ وذلك قول ربي : " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض
وليكون من الموقنين " قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الارض ومن
عليها ظاهرين ومستترين ، فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك
فهلكا ، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ( 4 ) ثم رأى آخرين فهم بالدعاء
عليهما فأوحى الله إليه : أن يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي ، فإني أنا الغفور
الرحيم الجبار ( 5 ) الحليم ، لا تضرني ذنوب عبادي وإمائي كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست
( هامش ص 278 ) ( 1 ) في التفسير : اولياءه من البشر .
( 2 ) في التفسير : حكمة ( كلمة خ ل ) جامعة . وفى الاحتجاج : حكمة بالغة جامعة .
( 3 ) كذا في النسخ .
( 4 ) في المصدر اضاف ايضا : ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا .
( 5 ) في التفسير : " الحنان " بدل " جبار " .
[279]
أسوسهم بشفاء الغيظ ( 1 ) كسياستك ، فاكفف دعوتك عن عبادي ، ( 2 ) فإنما أنت عبد
نذير ، لا شريك في المملكة ، ولا مهيمن علي ، ( 3 ) وعبادي معي بين خلال ( 4 ) ثلاث :
إما تابوا إلي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم ، وإما كففت عنهم عذابي
لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون ، فأرفق بالآباء الكافرين ، وأتأنى
بالامهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم ، فإذا تزايلوا
حق بهم ( 5 ) عذابي وحاق بهم بلائي ، وإن لم يكن هذا ولا هذا فإن الذي أعددته
لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم ، فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي ، يا
إبراهيم فخل بيني وبين عبادي ، فإني أرحم بهم منك ، وخل بيني وبين عبادي فإني
أنا الجبار الحليم العلام الحكيم ، ادبرهم بعلمي وانفذ فيهم قضائي وقدري .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله يا أبا جهل إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه
سيخرج من صلبك ذرية طيبة : عكرمة ابنك ، وسيلي من امور المسلمين ما إن أطاع
الله فيه كان عند الله جليلا ، وإلا فالعذاب نازل عليك ، وكذلك سائر قريش السائلين
لما سألوا من هذا إنما امهلوا لان الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد وينال به السعادة
فهو لا يقتطعه عن تلك السعادة ولا يبخل بها عليه ، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه ( 6 )
لايصال ابنه إلى السعادة ، ولولا ذلك لنزل العذاب بكافتكم ، فانظر نحو السماء ،
فنظر إلى أكنافها وإذا أبوابها مفتحة ، وإذا النيران نازلة منها مسامتة ( 7 ) لرؤوس
القوم تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين أكتافهم ، فارتعدت فرائص أبي جهل والجماعة
( هامش ص 279 ) ( 1 ) اى ادبرهم واتولى امرهم بما يشفى غيظى .
( 2 ) في المصدر : عن عبادى وإمائى .
( 3 ) اى ولا الرقيب على وعلى عبادى ولا القائم على عبادى بأعمالهم وارزاقهم وآجالهم .
( 4 ) الخلال : الخصال .
( 5 ) في المصدر : حل بهم عذابى . قلت : تزايلوا أى تفرقوا وخرجوا من أصلابهم . حاق
بهم . أحاط بهم .
( 6 ) أى يمهله .
( 7 ) أى مقابلة وموازاة لرؤوسهم .
[280]
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ولا تروعنكم فإن الله لا يهلككم بها ، وإنما أظهرها عبرة لكم
ثم نطروا وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى أعادتها .
في السماء كما جاءت منها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : بعض هذه الانوار أنوار من قد علم الله
أنه سيسعده بالايمان بي منكم من بعد ، وبعضها أنوار ذرية طيبة ستخرج عن بعضكم
ممن لا يؤمن وهم يؤمنون . ( 1 )
توضيح : استفحل الامر : تفاقم وعظم . قوله : ( تكسح أرضها ) أي تكنسها عن
تلك الاحجار . قوله : ( فلعلنا نقول ذلك ) لعل الاظهر : فلعلنا لا نقول ذلك ، ( 2 ) ويحتمل
أن يكون المعنى : افعل ذلك لعلنا نقول ذلك ، فيكون مصدقا لقولك وحجة لك علينا .
وكذا الكلام في قوله : فلعلنا نطغى . والضريبة : ما يؤدي العبد إلى سيده من الخراج
المقدر عليه . ويقال : استذم الرجل إلى الناس أي أتى بما يذم عليه .
3 - ما : المفيد قال : أخبرني أبومحمد عبدالله بن أبي شيخ إجازة قال : حدثنا
أبومحمد بن أحمد الحكيمي قال : أخبرنا عبدالرحمن بن عبدالله أبوسعيد البصري قال :
حدثنا وهب بن جرير ، عن أبيه قال : حدثنا محمد بن إسحاق بن بشار المدني ( 3 ) قال
حدثني سعيد بن مينا ، عن غير واحد من أصحابه أن نفرا من قريش اعترضوا الرسول
صلى الله عليه وآله منهم : عتبة بن ربيعة ، وامية بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، و
العاص بن سعيد فقالوا : يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، ( 4 ) فنشترك
نحن وأنت في الامر ، فإن يكن الذي نحن عليه الحق فقد أخذت بحظك منه ، و
إن يكن الذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه ، فأنزل الله تبارك وتعالى :
" قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد " إلى آخر السورة
( هامش ص 280 ) ( 1 ) تفسير العسكرى : 203 - 212 . الاحتجاج : 13 - 18 .
( 2 ) بل الاظهر الاول لانه طلب بذلك العذاب .
( 3 ) هكذا في النسخ والصحيح كما في المصدر وأمالى المفيد : محمد بن اسحاق بن يسار المدنى
وهو أبوبكر المدنى امام المغازى نزيل العراق التمرجم في رجال الشيخ ورجال العامة ، المتوفى
سنة 150 ويقال بعدها . والحديث يوجد أيضا في امالى المفيد : 145 .
( 4 ) في المصدر : هلم فلتعبد ما نعبد فنعبد ما تعبد . وفى امالى المفيد مثل ما في المتن .
[281]
ثم مشى ابي بن خلف بعظم رميم ففته ( 1 ) في يده ثم نفخه وقال : أتزعم أن ربك يحيي
هذا بعد ما ترى ؟ فأنزل الله تعالى : " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام
وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " إلى آخر
السورة . ( 2 )
4 - يج : روي أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال : إني اريد أن أسألك عن
أشياء فلا تغضب ، قال : سل عما بدا لك فإن كان عندي أجبتك وإلا سألت جبرئيل ،
فقال : أخبرنا عن الصليعاء ، وعن القريعاء ، وعن أول دم وقع على وجه الارض ، وعن
خير بقاع الارض ، وعن شرها ، فقال : يا أعرابي هذا ما سمعت به ولكن يأتيني
جبرئيل فأسأله ، فهبط فقال : هذه أسماء ما سمعت بها قط ، فعرج إلى السماء ثم هبط
فقال : أخبر الاعرابي أن الصليعاء هي المسباخ التي يزرعها أهلها فلا تنبت شيئا ، و
أما القريعاء فالارض التي يزرعها أهلها فتنبت ههنا طاقة وههنا طاقة فلا يرجع إلى
أهلها نفقاتهم ، وخير بقاع الارض المساجد ، وشرها الاسواق وهي ميادين إبليس
إليها يغدو ، وأن أول دم وقع على الارض مشيمة حواء حين ولدت قابيل بن آدم .
بيان : قال الجزري : في حديث علي عليه السلام : ( إن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وآله عن
الصليعاء والقريعاء ) الصليعاء تصغير الصلعاء : الارض التي لا تنبت ، والقريعاء : أرض
لعنها الله ، إذا أنبت أو زرع فيها نبت في حافيتها ولم ينبت في متنها شئ .
5 - م : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي
الامر وإلى الله ترجع الامور " قال الامام : لما بهرهم ( 3 ) رسول الله صلى الله عليه وآله بآياته ،
وقد رد معاذيرهم بمعجزاته ( 4 ) أبى بعضهم الايمان ، واقترح عليه الاقتراحات الباطلة
وهي ما قال الله تعالى : " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا أو تكون
( هامش ص 281 ) ( 1 ) فت الشى : كسره بالاصابع كسرا صغيرا .
( 2 ) امالى ابن الشيخ : 12 .
( 3 ) أى غلبهم .
( 4 ) في المصدر : وقطع معاذيرهم بمعجزاته .
[282]
لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السماء كما زعمت
علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا " وسائر ما ذكر في الآية ، فقال الله تعالى : يا
محمد " هل ينظرون " أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم الآيات وقطعنا
معاذيرهم بالمعجزات " إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " ويأتيهم الملائكة كما
كانوا اقترحوا ( 1 ) عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا يجوز عليه ،
وإتيان الملائكة ( 2 ) الذين لا يأتون إلا مع زوال هذا التعبد ، وحين وقوع هلاك الظالمين
بظلمهم ، وهذا وقت التعبد ( 3 ) لا وقت مجئ الاملاك بالهلاك ، فهم في اقتراحهم لمجئ
الاملاك جاهلون " وقضي الامر " أي هل ينظرون إلا مجئ الملائكة ، فإذا جاؤوا وكان
ذلك قضي الامر بهلاكهم " وإلى الله ترجع الامور " فهو يتولى الحكم فيما يحكم بالعقاب
على من عصاه ويوجب كريم المآب لمن أرضاه .
قال علي بن الحسين عليهما السلام : طلب هؤلاء الكفار الآيات ولم يقنعوا بما أتاهم به منها
بما فيه الكفاية والبلاغ حتى قيل لهم : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله " أي إذا لم
يقنعوا بالحجة الواضحة الدافعة فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ، وذلك محال ، لان
الاتيان على الله لا يجوز . ( 4 )
* 6 - كنز الكراجكي : جاء في الحديث أن قوما أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا
له : ألست رسول الله ؟ قال : لهم بلى ، قالوا له : وهذا القرآن الذي أتيت به كلام
الله ؟ قال : نعم ، قالوا : فأخبرني عن قوله : " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب
جهنم أنتم لها واردون " إذا كان معبودهم معهم في النار فقد عبدوا المسيح ، أفتقول :


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 282 سطر 19 الى ص 290 سطر 18

إنه في النار ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله سبحانه أنزل القرآن علي بكلام
العرب والمتعارف في لغتها أن ( ما ) لما لا يعقل و ( من ) لمن يعقل ، و ( الذي ) يصلح لهما
( هامش ص 282 ) ( 1 ) في المصدر : فيما كانوا اقترحوا عليك .
( 2 ) : لا يجوز عليه الاتيان والباطل في اتيان الملائكة اه .
( 3 ) : ووقتك هذا وقت التعبد .
( 4 ) تفسير العسكرى : 265 .
( * ) هذا الرواية غير موجودة في بعض النسخ .
[283]
جميعا ، فإن كنتم من العرب فأنتم تعلمون هذا ، قال الله تعالى : " إنكم وما تعبدون "
يريد الاصنام التي عبدوها وهي لا تعقل ، والمسيح عليه السلام لا يدخل في جملتها ، فإنه
يعقل ، ولو كان قال : ( إنكم ومن تعبدون ) لدخل المسيح في الجملة ، فقال القوم : صدقت
يا رسول الله . ( 1 )
} باب 2 {
* ( احتجاج النبى صلى الله عليه وآله على اليهود في مسائل شتى ) *
1 - م ، ج : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري عليه السلام قال : قال جابر بن عبدالله
الانصاري : سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عبدالله بن صوريا - غلام أعور يهودي تزعم اليهود
أنه أعلم يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه - عن مسائل كثيرة ( 2 ) يعنته فيها ، فأجابه
عنها رسول الله صلى الله عليه وآله بما لم يجد إلى إنكار شئ منه سبيلا ، فقال له يا محمد : من يأتيك
بهذه الاخبار عن الله تعالى ؟ قال : جبرئيل ، قال : لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك ،
ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة ، ولو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك
بها لآمنت بك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ولم اتخذتم جبرئيل عدوا ؟ قال : لانه نزل
بالبلاء والشدة على بني إسرائيل ، ودفع دانيال عن قتل بخت نصر ( 3 ) حتى قوي
أمره ، وأهلك بني إسرائيل ، وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها إلا جبرئيل ، وميكائيل
يأتينا بالرحمة .
( هامش ص 283 ) ( 1 ) كنز الكراجكى : ص 285 .
( 2 ) تجد بعض مسائله في الخبر الاتى .
( 3 ) قال الفيروز آبادى أصل بخت بوخت ومعناه : ابن ، ونصر كبقم : صنم ، وكان وجد عند
الصنم ولم يعرف له اب فنسب إليه . انتهى . قلت : هو بخت نصر أوبنو كد نصر ملك الكلدانيين
تولى سنة 607 قبل المسيح ومات سنة 551 أغار بحملاته على مصر وفتح اورشليم ونهبها وأحرق
أمتعتها في 588 وأجلى أهل يهوذا إلى بابل ، ويأتى الايعاز إلى وقائعه اجمالا في محله .
[284]
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ويحك أجهلت أمر الله ؟ وماذنب جبرئيل إن أطاع الله
فيما يريده بكم ؟ أرأيتم ملك الموت أهو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق
الذي أنتم منه ؟ أرأيتم الآباء والامهات إذا أوجروا الاولاد الادوية ( 1 ) الكريهة
لمصالحهم أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك ؟ لا ، ولكنكم بالله جاهلون
وعن حكمته غافلون ، أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان ، وله مطيعان ،
وأنه لا يعادي أحدهما إلا من عادى الآخر ، وأنه من زعم أنه يحب أحدهما ويبغض
الآخر فقد كذب ، وكذلك محمد رسول الله وعلي أخوان ، كما أن جبرئيل و
ميكائيل أخوان ، فمن أحبهما فهو من أولياء الله ، ومن أبغضهما فهو من أعداء الله ، و
من أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب ، وهما منه بريئان ، وكذلك من
أبغض واحدا مني ومن علي ثم زعم أنه يحب الآخر فقد كذب ، وكلانا منه بريئان
والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه برآء . ( 2 )
2 - م : قوله عزوجل : " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك
بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين * من كان عدوا لله وملائكته
ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " قال الامام عليه السلام : قال الحسين ( 3 )
ابن علي بن أبي طالب عليه السلام : إن الله تعالى ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي كان ينفذ
قضاء الله فيهم بما يكرهون ، وذمهم أيضا وذم النواصب في بغضهم لجبرئيل وميكائيل
عليهما السلام وملائكة الله النازلين لتأييد علي بن أبي طالب عليه السلام على الكافرين حتى
أذلهم بسيفه الصارم ، فقال : " قل " يا محمد " من كان عدوا لجبريل " من اليهود لرفعه من
بخت نصر أن يقتله دانيال من غير ذنب كان جناه بخت نصر حتى بلغ كتاب الله في
اليهود أجله وحل بهم ما جرى في سابق علمه ، ومن كان أيضا عدوا لجبرئيل من سائر
الكافرين ومن أعداء محمد وعلي الناصبين لان الله تعالى بعث جبرئيل لعلي عليه السلام مؤيدا
( هامش ص 284 ) ( 1 ) أى جعلوا الدواء فيه .
( 2 ) تفسير العسكرى : ص 164 ، الاحتجاج : ص 23 .
( 3 ) في المصدر : الحسن بن على .
[285]
وله على أعدائه ناصرا ، ومن كان عدوا لجبرئيل لمظاهرته محمدا وعليا عليهما الصلاة
والسلام ومعاونته لهما وإنفاذه لقضاء ربه عزوجل في إهلاك أعدائه على يد من
يشاء من عباده " فإنه " يعني جبرئيل " نزله " يعني نزل هذا القرآن " على قلبك " يامحمد
" بإذن الله " بأمر الله ، وهو كقوله : " نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين
بلسان عربي مبين " " مصدقا لما بين يديه " نزل هذا القرآن جبرئيل على قلبك يا محمد
مصدقا موافقا لما بين يديه من التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وكتب شيث
وغيرهم من الانبياء . ( 1 )
ثم قال : " من كان عدوا لله " لانعامه على محمد وعلي وآلهما الطيبين ، وهؤلاء
الذين بلغ من جهلهم أن قالوا : نحن نبغض الله الذي أكرم محمدا وعليا بما يدعيان و
جبرئيل ، ومن كان عدوا لجبريل لانه جعله ظهيرا لمحمد وعلي عليهما الصلاة و
السلام على أعداء الله وظهيرا لسائر الانبياء والمرسلين كذلك " وملائكته " يعني ومن كان
عدوا لملائكة الله المبعوثين لنصرة دين الله وتأييد أولياء الله ، وذلك قول بعض النصاب
والمعاندين : برئت من جبرئيل الناصر لعلي عليه السلام وهو قوله : " ورسله " ومن كان
عدوا لرسل الله موسى وعيسى وسائر الانبياء الذين دعوا إلى نبوة محمد صلى الله عليه وآله وإمامة
علي عليه السلام ، ( 2 ) ثم قال : " وجبريل وميكال " ومن كان ( 3 ) عدوا لجبرئيل وميكائيل
وذلك كقول من قال من النواصب لما قال النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام : " جبرئيل عن
يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وإسرافيل من خلفه ، وملك الموت أمامه ، والله تعالى من
فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه ناصره " قال بعض النواصب : فأنا أبرء من الله ومن
جبرئيل وميكائيل والملائكة الذين حالهم مع علي عليه السلام ما قاله محمد صلى الله عليه وآله ، فقال : من
كان عدوا لهؤلاء تعصبا على علي بن أبي طالب عليه السلام " فإن الله عدو للكافرين " فاعل
بهم ما يفعل العدو بالعدو من إحلال النقمات وتشديد العقوبات .
( هامش ص 285 ) ( 1 ) قطع من هنا قطعة طويلة في فضيلة القرآن ولعله يخرجها في كتاب القرآن .
( 2 ) في المصدر هنا زيادة وهى : وذلك قول النواصب : برئنا من هؤلاء الرسل الذين دعوا
إلى إمامة على .
( 3 ) في المصدر : أى من كان ا ه .
[286]
وكان سبب نزول هاتين الآيتين ما كان من اليهود أعداء الله من قول سئ في
جبرئيل وميكائيل ، ( 1 ) وما كان من أعداء الله النصاب من قول أسوأ منه في الله وفي
جرئيل وميكائيل وسائر ملائكة الله ، وأما ما كان من النصاب فهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله
لما كان لا يزال يقول في علي عليه السلام الفضائل التي خصه الله عزوجل بها والشرف
الذي أهله الله تعالى له ، وكان في كل ذلك يقول : " أخبرني به جبرئيل عن الله " و
يقول في بعض ذلك : " جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، ويفتخر جبرئيل على
ميكائيل في أنه عن يمين علي عليه السلام الذي هو أفضل من اليسار ، كما يفتخر نديم
ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره
ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه في الخدمة ، ( 2 ) وملك الموت الذي أمامه بالخدمة
وأن اليمين والشمال أشرف من ذلك كافتخار حاشية ( 3 ) الملك على زيادة قرب
محلهم من ملكهم " وكان يقول رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض أحاديثه : " إن الملائكة
أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالب حبا ، وإن قسم الملائكة فيما بينها : والذي
شرف عليا على جميع الورى بعد محمد المصطفى " ويقول مرة : " إن ملائكة السماوات
والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالب كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى
ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم " فكان هؤلاء النصاب
يقولون : إلى متى يقول محمد : جبرئيل وميكائيل والملائكة ، كل ذلك تفخيم لعلي و
تعظيم لشأنه ؟ ويقول : الله تعالى خاص لعلي دون سائر الخلق ؟ برئنا من رب ومن
ملائكة ومن جبرئيل وميكائيل هم لعلي عليه السلام بعد محمد صلى الله عليه وآله مفضلون ، وبرئنا
من رسل الله الذين هم لعلي عليه السلام بعد محمد صلى الله عليه وآله مفضلون .
وأما ما قاله اليهود فهو أن اليهود أعداء الله فإنه لما قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة
أتوه بعبدالله بن صوريا ، فقال : يا محمد كيف نومك ؟ فإنا قد اخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي
في آخر الزمان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : تنام عيني وقلبي يقظان ، قال : صدقت يا محمد ، قال :
( هامش ص 286 ) ( 1 ) في المصدر : وسائر ملائكة الله .
( 2 ) : بالخدمة .
( 3 ) في هامش المصدر : خاصة ( خ ل ) .
[287]
أخبرني يا محمد : الولد يكون من الرجل أو من المرأة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : أما العظام و
العصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة ، قال : صدقت
يا محمد ، ثم قال : يا محمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شئ
ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شئ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيهما علا ماؤه
ماء صاحبه كان الشبه له ، قال : صدقت يامحمد ، فأخبرني عمن لا يولد له ومن يولد له ؟
فقال : إذا مغرت النطفة ( 1 ) لم يولد له أي إذا احمرت وكدرت وإذا كانت صافية ولد
له ، فقال : أخبرني عن ربك ماهو ؟ فنزلت قل هو الله أحد إلى آخرها ، فقال ابن صوريا
صدقت يا محمد ، بقيت خصلة إن قلتها آمنت بك واتبعتك : أي ملك يأتيك بما تقوله
عن الله ؟ قال : جبرئيل ، قال ابن صوريا : كان ذلك عدونا من بين الملائكة ، ينزل
بالقتل والشدة والحرب ، ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء ، فلو كان ميكائيل
هو الذي يأتيك آمنا بك ، لان ميكائيل كان يشد ملكنا ، وجبرئيل كان يهلك ملكنا
فهو عدونا لذلك .
فقال له سلمان الفارسي : فما بدؤ عداوته لك ؟ ( 2 ) قال : نعم يا سلمان عادانا
مرارا كثيرة ، وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب
على يد رجل يقال له : بخت نصر وفي زمانه ، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه ، ( 3 )
والله يحدث الامر بعد الامر فيمحو ما يشاء ويثبت ، فلما بلغنا ذلك الحين ( 4 ) الذي يكون
فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم نبيا كان يعد من
أنبيائهم يقال له دانيال في طلب بخت نصر ليقتلة ، فحمل معه وقر ( 5 ) مال لينفقه في ذلك ،
فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة ( 6 ) فأخذه
( هامش ص 287 ) ( 1 ) مغر الثوب : صبغه بالمغرة ، وهي لون الحمرة ليس بناصع .
( 2 ) في المصدر : فما بدؤ عداوته لكم .
( 3 ) وفى نسخة : أخبرنا بالخبر الذى يخرب به .
( 4 ) : فلما بلغنا ذلك الخبر .
( 5 ) الوقر بالكسر : الحمل الثقيل .
( 6 ) المنعة : القوة التى تمنع من يريد أحدا بسوء .
[288]
صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرئيل ، وقال لصاحبنا : إن كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم
فإنه لا يسلطك عليه ، وإن لم يكن هذا فعلى أي شي ء تقتله ؟ فصدقه صاحبنا وتركه و
رجع إلينا وأخبرنا بذلك ، وقوي بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدس ، فلهذا
نتخذه عدوا ، وميكائيل عدو لجبرئيل .
فقال سلمان : ياابن صوريا بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم ، أرأيتم
أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر الله تعالى في كتبه وعلى ألسنة رسله
أنه يملك ويخرب بيت المقدس ؟ أرادوا تكذيب أنبياء الله تعالى في اخبارهم واتهموهم
في اخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا مغالبة الله ؟ هل كان هؤلاء و
من وجهوه إلا كفارا بالله ؟ وأي عداوة تجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصد عن مغالبة
الله عزوجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى ؟ فقال ابن صوريا : قد كان الله تعالى
أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ، لكنه يمحو ما يشاء ويثبت .
قال سلمان : فإذا لا تثقوا بشئ مما في التوراة من الاخبار عما مضى وما يستأنف
فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت ، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة
وأبطلا في دعوتهما لان الله يمحو ما يشاء ويثبت ، ولعل كل ما أخبراكم أنه يكون
لا يكون ، وما أخبراكم أنه لا يكون يكون ، وكذلك ما أخبراكم عما كان لعله لم يكن ،
وما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان ، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ، ولعل ما توعد به
من العقاب يمحوه فإنه يمحو ما يشاء ويثبت ، إنكم جهلتم معنى يمحو اللله ما يشاء ويثبت ،
فلذلكم أنتم بالله كافرون ، ولاخباره عن الغيوب مكذبون ، وعن دين الله منسلخون .
ثم قال سلمان : فإني أشهد أن من كان عدوا لجبرئيل فإنه عدو لميكائيل ،
وأنهما جميعا عدوان لمن عاداهما ، سلمان لمن سالمهما ، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا
لقول سلمان رحمة الله عليه : " قل من كان عدوا لجبريل " في مظاهرته لاولياء الله على أعدائه
ونزوله بفضائل علي ولي الله من عند الله " فإنه نزله " فإن جبرئيل نزل هذا القرآن
" على قلبك بإذن الله " وأمره " مصدقا لما بين يديه " من سائر كتب الله " وهدى " من
الضلالة " وبشرى للمؤمنين " بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وولاية علي ومن بعده من الائمة بأنهم
[289]
أولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين . ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وآله : ياسلمان إن الله صدق قيلك ووفق رأيك ( 1 ) فإن جبرئيل عن الله يقول :
يا محمد إن سلمان والمقداد أخوان متصافيان ( 2 ) في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك
وصفيك ، وهما في أصحابك كجبرئيل وميكائيل في الملائكة ( 3 ) عدوان لمن أبغض
أحدهما ، وليان لمن والاهما ، ووالى محمدا وعليا ، عدوان لمن عادى محمدا وعليا و
أولياءهما ، ولو أحب أهل الارض سلمان والمقداد كماتحبهما ملائكة السماوات و
الحجب والكرسى والعرش لمحض ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهما لاوليائهما و
معاداتهما لاعدائهما لما عذب الله تعالى أحدا منهم بعذاب البتة . ( 4 )
بيان : قوله : ( إنكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ) لعل مراده رضوان الله عليه
أن البداء إنما يكون فيما لم يخبر به الانبياء والاوصياء عليهم السلام على سبيل الجزم و
الحتم وإلا يلزم تكذيبهم ، وهذا مما كانوا أخبروا به على الحتم ، وأيضا الامر الذي
يكون فيه البداء لا يمكن رفعه بالمغالبة والمعارضة ، بل بما يتوسل به إلى جنابه تعالى
من الدعاء والصدقة والتوبة وأمثالها كما مر تحقيقه في باب البداء . والله يعلم .
3 - ج : عن ابن عباس رضي الله عنه قال : خرج من المدينة أربعون رجلا من
اليهود قالوا : انطلقوا بنا إلى هذا الكاهن الكذاب حتى نوبخه في وجهه ونكذبه
فإنه يقول : أنا رسول رب العالمين ، فكيف يكون رسولا وآدم خير منه ونوح خير
منه ؟ وذكروا الانبياء عليهم السلام ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لعبدالله بن سلام : التوراة بيني وبينكم ،
فرضيت اليهود بالتوراة ، فقالت اليهود : آدم خير منك لان الله تعالى خلقه بيده و
نفخ فيه من روحه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : آدم النبي أبي ، وقد اعطيت أنا أفضل مما
اعطي آدم ، فقالت اليهود : ما ذلك ؟ قال : إن المنادي ينادي كل يوم خمس مرات :
( هامش ص 289 ) ( 1 ) في المصدر : ووثق رأيك .
( 2 ) تصافى القوم : أخلص الود بعضهم لبعض .
( 3 ) في نسخة : وهما في اصحابكما كجبرئيل وميكائيل ، والملائكة عدوان لمن ابغض احدهما .
( 4 ) تفسير العسكري : 182 - 186 ، وللحديث ذيل لم يورده في الباب .
[290]
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ، ولم يقل : آدم رسول الله ، ولواء الحمد بيدي
يوم القيامة وليس بيد آدم ، فقالت اليهود : صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة ،
قال : هذه واحدة .
قالت اليهود : موسى خير منك ، قال النبي صلى الله عليه وآله : ولم ذلك ؟ قالوا : لان الله
عزوجل كلمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشئ ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لقد اعطيت
أنا أفضل من ذلك ، فقالوا : وما ذاك ؟ قال : قوله تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده
ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله " وحملت على جناح
جبرئيل حتى انتهت إلى السماء السابعة فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى حتى
تعلقت بساق العرش ، فنوديت من ساق العرش : إني أنا الله لا إله إلا أنا السلام المؤمن
المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرؤوف الرحيم ، فرأيته بقلبي وما رأيته بعيني ، فهذا
أفضل من ذلك ، فقالت اليهود : صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة ، قال رسول
الله صلى الله عليه وآله : هذان اثنان .
قالوا : نوح خير منك ، قال النبي صلى الله عليه وآله : ولم ذلك ؟ قالوا : لانه ركب السفينة
فجرت على الجودي ، قال النبي صلى الله عليه وآله : لقد اعطيت أنا أفضل من ذلك ، قالوا : وما
ذلك ؟ قال : إن الله عزوجل أعطاني نهرا في السماء مجراه تحت العرش ، عليه ألف ألف
قصر ، لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، حشيشها الزعفران ، ورضراضها ( 1 ) الدر والياقوت ،
وأرضها المسك الابيض ، فذلك خير لي ولامتي ، وذلك قوله تعالى : " إنا أعطيناك
الكوثر " قالوا : صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة ، هذا خير من ذاك ، قال النبي صلى الله عليه وآله :


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 290 سطر 19 الى ص 298 سطر 18

هذه ثلاثة .
قالوا : إبراهيم خير منك ، قال : ولم ذلك ؟ قالوا : لان الله تعالى اتخذه خليلا
قال النبي صلى الله عليه وآله : إن كان إبراهيم عليه السلام خليله فأنا حبيبه محمد ، قالوا : ولم سميت محمدا ؟
قال : سماني الله محمدا ، وشق اسمي من اسمه هو المحمود وأنا محمد وامتي الحامدون ( 2 )
( هامش ص 290 ) ( 1 ) الرضراض : ما صغر ودق من الحصى .
( 2 ) في المصدر : وامتى الحامدون على كل حال .
[291]
قالت اليهود : صدقت يا محمد هذا خير من ذاك ، قال النبي صلى الله عليه وآله : هذه أربعة .
قالت اليهود : عيسى خير منك ، قال : ولم ذاك ؟ قالوا : لان عيسى ابن مريم
كان ذات يوم بعقبة بيت المقدس فجاءته الشياطين ليحملوه ، فأمر الله عزوجل
جبرئيل عليه السلام أن أضرب بجناحك الايمن وجوه الشياطين وألقهم في النار ،
فضرب بأجنحته وجوههم وألقاهم في النار ، قال النبي صلى الله عليه وآله : لقد اعطيت أنا أفضل
من ذلك ، قالوا : وما هو ؟ قال : أقبلت يوم بدر من قتال المشركين وأنا جائع شديد
الجوع ، فلما وردت المدينة استقبلتني امرأة يهودية وعلى رأسها جفنة ، وفي الجفنة
جدي مشوي وفي كمها شئ من سكر ، فقالت : الحمد لله الذي منحك السلامة ،
وأعطاك النصر والظفر على الاعداء ، وإني قد كنت نذرت الله نذرا إن أقبلت سالما غانما
من غزاة بدر لاذبحن هذا الجدي ولاشوينه ولاحملنه إليك لتأكله ، فقال النبي صلى الله عليه وآله
فنزلت عن بغلتي الشهباء ، وضربت بيدي إلى الجدي لآكله فاستنطق الله تعالى الجدي
فاستوى على أربع قوائم وقال : يامحمد لا تأكلني فإني مسموم ، قالوا : صدقت يا محمد
هذا خير من ذلك ، قال النبي صلى الله عليه وآله : هذه خمسة .
قالوا : بقيت واحدة ثم نقوم من عندك ، قال : هاتوه ، قالوا : سليمان خير منك
قال : ولم ذاك ؟ قالوا : لان الله تعالى عزوجل سخر له الشياطين والانس والجن
والرياح والسباع ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : فقد سخر الله لي البراق ، وهو خير من الدنيا
بحذافيرها ، وهي دابة من دواب الجنة ، وجهها مثل وجه آدمي ، وحوافرها مثل حوافر
الخيل ، وذنبها مثل ذنب البقر ، فوق الحمار ودون البغل ، سرجه من ياقوتة حمراء ،
وركابه من درة بيضاء ، مزمومة بسبعين ألف زمام من ذهب ، عليه جناحان مكللان
بالدر والجوهر والياقوت والزبرجد ، مكتوب بين عينيه : لا إله إلا الله وحده لا شريك
له ، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ، قالت اليهود : صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة هذاخير
من ذاك ، يامحمد نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : لقد أقام نوح في قومه ودعاهم ألف سنة إلا خمسين
عاما ، ثم وصفهم الله عزوجل فقللهم فقال : " وما آمن معه إلا قليل " ولقد تبعني في
[292]
سني القليل وعمري اليسير ما لم يتبع نوحا في طول عمره وكبر سنه ، وإن في الجنة
عشرين ومائة صف امتي منها ثمانون صفا ، وإن الله عزوجل جعل كتابي المهيمن
على كتبهم ، الناسخ لها ، ولقد جئت بتحليل ما حرموا وتحريم بعض ما أحلوا ، من ذلك
أن موسى جاء بتحريم صيد الحيتان يوم السبت حتى أن الله تعالى قال لمن اعتدى
منهم : ( 1 ) " كونوا قردة خاسئين " فكانوا ، ولقد جئت بتحليل صيدها حتى صار صيدها
حلالا ، قال الله عزوجل : " احل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم " وجئت بتحليل
الشحوم كلها وكنتم لا تأكلونها ، ثم إن الله عزوجل صلى علي في كتابه قال الله عز
وجل : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما " ثم وصفني الله تعالى بالرأفة والرحمة وذكر في كتابه : " لقد جاءكم رسول
من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم " وأنزل الله عز
وجل ألا يكلموني حتى يتصدقوا بصدقة وما كان ذلك لنبي قط ، قال الله عزوجل :
" يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي ( نجويكم ؟ ) صدقة " ثم وضعها
عنهم بعد أن افترضها عليهم برحمته . ( 2 )
بيان : لعل ذكرهم لعيسى على نبينا وآله وعليه السلام كان من جانب النصارى
وبزعمهم ، وإقباله صلى الله عليه وآله على أكل الجدي كان قبل نزول حرمة ذبائح أهل الكتاب ،
أو كان لظهور المعجزة لا لقصد الاكل ، أو كان اخبر أنه ذبحه مسلم . ( 3 )
4 - ج : عن ثوبان ( 4 ) قال : إن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد
( هامش ص 292 ) ( 1 ) في المصدر : لمن اعتدى منهم في صيدها يوم السبت . ولعل " صيدها " مصحف " صيدهم " .
( 2 ) الاحتجاج : ص 28 .
( 3 ) أو كانت تظهر بكلماتها هذه وهديتها الاسلام .
( 4 ) الظاهر أنه ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو ثوبان بن بجدد ، و
قيل : ابن حجدر يكنى أبا عبدالله ، وقيل : ابو عبدالرحمن . وهو من حمرمن اليمن ، وقيل : هو من السراة
موضع بين مكة واليمن ، وقيل : هو من سعد العشيرة من مذحج ، أصابه سباء فاشتراه رسول الله
صلى الله عليه وآله فأعتقه ، وقال له : إن شئت ان تلحق بمن أنت منهم ، وان شئت أن تكون
منا أهل البيت ، فثبت على ولاء رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم يزل معه سفرا وحضرا إلى
ان توفى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فخرج إلى الشام فنزل إلى الرملة وابتنى بهادارا ، وابتنى *
[293]
أسألك فتخبرني ، فركضه ثوبان برجله وقال : قل : يارسول الله ، فقال : لا أدعوه
إلا بما سماه أهله ، فقال : أرأيت قوله عزوجل : " يوم تبدل الارض غير الارض و
السموات مطويات بيمينه " أين الناس يومئذ ؟ فقال : في الظلمة دون المحشر ، قال :
فما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوها ؟ قال : كبد الحوت ، قال : فما طعامهم على
أثر ذلك ؟ قال : كبد الثور ، قال : فما شرابهم على أثر ذلك ؟ قال : السلسبيل ، قال :
صدقت يا محمد أسألك عن شئ لا يعلمه إلا نبي ، ( 1 ) قال : وما هو ؟ قال : عن شبه الولد
أباه وامه ، قال : ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق ، فإذا علا ماء الرجل
ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله عزوجل ومن قبل ذلك يكون الشبه ، ( 2 ) وإذا
علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد انثى بإذن الله عزوجل ، ومن قبل ذلك يكون
الشبه . ( 3 ) ثم قال صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده ما كان عندي شئ مما سألتني عنه حتى
أنبأنيه الله عزوجل في مجلسي هذا . ( 4 )
ع : الدقاق ، عن حمزة بن القاسم العلوي ، عن علي بن الحسين البزاز ، عن
إبراهيم بن موسى الفراء ، عن محمد بن ثور ، عن معمر بن يحيى ، عن يحيى بن أبي كثير ،
عن عبدالله بن مرة ، عن ثوبان أن يهوديا جاء . الخبر ، إلا أن فيه : " كبد الحوت قال
فما شرابهم " . ( 5 )
( هامش ص 293 ) * بمصر دارا ، وبحمص دارا ، وتوفى بها سنة أربع وخمسين ، وشهد فتح مصر ، روى عن النبى
صلى الله عليه وآله أحاديث ذوات عدد . ترجمه بذلك ابن الاثير في اسد الغابة ج 1 ص 249 ،
وله ترجمة في غيره من كتب التراجم ، وترجمه الشيخ في رجاله في أصحاب النبى صلى الله عليه
وآله وسلم .
( 1 ) في المصدر : أفلا أسألك عن شئ لا يعلمه إلا نبى ؟ .
( 2 ) في المصدر : ومن تشتبه أباه قبل ذلك يكون الشبه .
( 3 ) في المصدر : ومن تشبه امه قبل ذلك يكون الشبه .
( 4 ) الاحتجاج : 29 وفيه : حتى أنبأنيه الله عزوجل في مجلسى هذا على لسان اخى جبرئيل .
( 5 ) علل الشرائع : 43 .
[294]
5 - لى : ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي ،
عن عبدالله بن جبلة ، عن معاوية بن عمار ، عن الحسن بن عبدالله ، عن أبيه ، عن جده الحسن
ابن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يامحمد
أنت الذي تزعم أنك رسول الله وأنك الذي يوحى إليك كما اوحي إلى موسى بن
عمران ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله ساعة ثم قال : نعم أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا
خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ، قالوا : إلى من ؟ إلى العرب أم
إلى العجم أم إلينا ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية " قل " يا محمد " ياأيها الناس إني رسول الله
إليكم جميعا " قال اليهودي الذي كان أعلمهم : يا محمد إني أسألك عن عشر كلمات أعطى
الله موسى بن عمران في البقعة المباركة حيث ناجاه لا يعلمها إلا نبي مرسل أو ملك
مقرب ، قال النبي صلى الله عليه وآله : سلني قال : أخبرني يا محمد عن الكلمات التي اختارهن الله
لابراهيم عليه السلام حيث بنى البيت ، قال النبي صلى الله عليه وآله : نعم " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر " .
قال اليهودي : فبأي شئ بني هذه الكعبة مربعة ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : بالكلمات
الاربع ، قال : لاي شئ سميت الكعبة ؟ قال النبي : لانها وسط الدنيا ، قال اليهودي :
أخبرني عن تفسير " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " قال النبي صلى الله عليه وآله :
علم الله عزوجل أن بني آدم يكذبون على الله فقال : " سبحان الله " تبريا مما
يقولون ، ( 1 ) وأما قوله : " الحمد لله " فإنه علم أن العباد لا يؤدون شكر نعمته فحمد
نفسه قبل أى يحمدوه ، ( 2 ) وهو أول الكلام ، لولا ذلك لما أنعم الله على أحد بنعمته ، فقوله :
" لا إله إلا الله " يعني وحدانيته ، لا يقبل الله الاعمال إلا بها وهي كلمة التقوى يثقل الله
بها الموازين يوم القيامة ، وأما قوله : " الله أكبر " فهي كلمة أعلى الكلمات وأحبها
إلى الله عزوجل ، يعني أنه ليس شئ أكبر مني ، لا تفتتح الصلاة إلا بها ( 3 ) لكرامتها
على الله وهو الاسم الاعز الاكرم ، قال اليهودي : صدقت يا محمد فما جزاء قائلها ؟ قال :
( هامش ص 294 ) ( 1 ) في العلل : براءة مما يقولون .
( 2 ) في هامش النسخة المقروءة على المصنف : أن يحمده العباد . ع
( 3 ) في العلل : ولا تصح الصلاة إلا بها .
[295]
إذا قال العبد : " سبحان الله " سبح معه ما دون العرش فيعطى قائلها عشر أمثالها ، وإذا
قال : " الحمد لله " أنعم الله عليه بنعيم الدنيا موصولا بنعيم الآخرة ، ( 1 ) وهي الكلمة التي
يقولها أهل الجنة إذا دخلوها ، وينقطع الكلام الذي يقولون في الدنيا ما خلا " الحمد لله "
وذلك قوله عزوجل : " دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر ( دعويهم ؟ )
أن الحمد لله رب العالمين " وأما قوله : " لا إله إلا الله " فالجنة جزاؤه ( 2 ) وذلك
قوله عزوجل : " هل جزاء الاحسان إلا الاحسان " يقول : هل جزاء من قال : لا إله
إلا الله إلا الجنة ؟ . ( 3 )
فقال اليهودي : صدقت يا محمد ، قد أخبرت واحدة فتأذن لي أن أسألك الثانية .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : سلني عما شئت ، وجبرئيل عن يمين النبي صلى الله عليه وآله ، وميكائيل عن
يساره يلقنانه .
فقال اليهودي : لاي شئ سميت محمدا وأحمد وأبا القاسم وبشيرا ونذيرا و
داعيا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : أما محمد فإني محمود في الارض ، وأما أحمد فإني محمود
في السماء ، وأما أبوالقاسم فإن الله عزوجل يقسم يوم القيامة قسمة النار ، فمن كفر بي
من الاولين والآخرين ففي النار ، ويقسم قسمة الجنة ، فمن آمن بي وأقر بنبوتي
ففي الجنة ، وأما الداعي فإني أدعو الناس إلى دين ربي ، وأما النذير فإني انذر
بالنار من عصاني ، وأما البشير فإني ابشر بالجنة من أطاعني .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الله لاي شئ وقت هذه الخمس الصلوات في
خمس مواقيت على امتك في ساعات الليل والنهار ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : إن الشمس عند
الزوال لها حلقة تدخل فيها ، فإذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبح كل شئ دون
العرش لوجه ربي ، ( 4 ) وهي الساعة التي يصلي علي فيها ربي ، ففرض الله عزوجل
( هامش ص 295 ) ( 1 ) في العلل بنعم الاخرة وفى ما قبله : بنعم الدنيا .
( 2 ) في العلل : فثمنها الجنة .
( 3 ) ذكر في هامش نسخة هنا زيادة عن الاختصاص وهى هذا : وأما قوله : الله أكبر فهى أكبر
درجات في الجنة وأعلاها منزلة عند الله .
( 4 ) في العلل : بحمد ربى .
[296]
علي وعلى امتي فيها الصلاة ، وقال : " أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل "
وهي الساعة التي يؤتى فيها بجهنم يوم القيامة ، فما من مؤمن يوفق تلك الساعة أن
يكون ساجدا أو راكعا أو قائما إلا حرم الله عزوجل جسده على النار ، وأما صلاة
العصر فهي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة فأخرجه الله تعالى من الجنة فأمر
الله ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة ، واختارها لامتي ، فهي من أحب الصلوات
إلى الله عزوجل ، وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات ، وأما صلاة المغرب فهي الساعة
التي تاب الله فيها على آدم عليه السلام ، وكان بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب
الله تعالى فيها عليه ثلاث مائة سنة من أيام الدنيا ، وفي أيام الآخرة يوم كألف
سنة من وقت صلاة العصر إلى العشاء ، ( 1 ) فصلى آدم ثلاث ركعات : ركعة لخطيئته ،
وركعة لخطيئة حواء ، وركعة لتوبته ، فافترض الله عزوجل هذه الثلاث الركعات
على امتي ، وهي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء ، فوعدني ربي أن يستجيب
لمن دعاه فيها ، وهذه الصلوات التي أمرني بها ربي عزوجل فقال : ( 2 ) " سبحان الله حين
تمسون وحين تصبحون " ، وأما صلاة العشاء الآخرة فإن للقبر ظلمة ، وليوم القيامة
ظلمة ، أمرني الله وامتي بهذه الصلاة في ذلك الوقت لتنور لهم القبور وليعطوا
النور ( 3 ) على الصراط ، وما من قدم مشت إلى صلاة العتمة إلا حرم الله تعالى جسدها
على النار ، وهي الصلاة التي اختارها الله للمرسلين قبلي ، وأما صلاة الفجر فإن الشمس
إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان ( 4 ) فأمرني الله عزوجل أن اصلي صلاة الفجر ( 5 )
قبل طلوع الشمس وقبل أن يسجد لها الكافر فتسجد امتي لله ، وسرعتها أحب إلى الله ،
وهي الصلاة التي تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار .
( هامش ص 296 ) ( 1 ) في العلل : ما بين العصر والعشاء .
( 2 ) : في قوله : سبحان الله .
( 3 ) : وليعطينى وامتى النور اه .
( 4 ) : على قرنى شيطان .
( 5 ) : صلاة الغداة .
[297]
قال : صدقت يا محمد فأخبرني لاي شئ توضأ ( 1 ) هذه الجوارح الاربع وهي
أنظف المواضع في الجسد ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : لما أن وسوس الشيطان إلى آدم ودنا
آدم من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثم قام وهو أول قدم ( 2 ) مشت إلى
الخطيئة ، ثم تناول بيده ، ثم مسها ، فأكل منها ( 3 ) فطار الحلي والحلل عن جسده ،
ثم وضع يده على ام رأسه وبكى ، فلما تاب الله عزوجل عليه فرض الله عزوجل عليه
وعلى ذريته الوضوء على هذه الجوارح الاربع ، ( 4 ) وأمره أن يغسل الوجه لما نظر
إلى الشجرة ، وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين ( 5 ) لما تناول منها ، وأمره بمسح الرأس
لما وضع يده على رأسه ، ( 6 ) وأمره بمسح القدمين لما مشى إلى الخطيئة ( 7 ) ثم سن
على امتي المضمضة لتنقى القلب من الحرام ، والاستنشاق لتحرم عليهم رائحة النار
ونتنها .
قال اليهودي : صدقت يا محمد فما جزاء عاملها ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : أول ما يمس
الماء يتباعد عنه الشيطان ، وإذا تمضمض نور الله قلبه ولسانه بالحكمة ، فإذا استنشق
أمنه الله من النار ورزقه رائحة الجنة ، فإذا غسل وجهه بيض الله وجهه يوم تبيض
فيه وجوه وتسود فيه وجوه ، وإذا غسل ساعديه حرم الله عليه أغلال النار ، وإذا مسح
رأسه مسح الله عنه سيئاته ، وإذا مسح قدميه أجازه الله على الصراط يوم تزل فيه الاقدام .
قال : صدقت يا محمد فأخبرني عن الخامسة : لاي شئ أمر الله بالاغتسال من
الجنابة ( 8 ) ولم يأمر من البول والغايط ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن آدم لما أكل من
( هامش ص 297 ) ( 1 ) ذكره الصدوق أيضا في علل الشرائع : ص 103 .
( 2 ) في العلل : ثم قام ومشى اليها وهى أول قدم اه .
( 3 ) في العلل : ثم تناول بيده منها مما عليها فأكل فطار الحلى اه .
( 4 ) في العلل : غسل هذه الجوارح الاربع .
( 5 ) في العلل بغسل اليدين إلى المرفقين .
( 6 ) في العلل : على ام رأسه .
( 7 ) في العلل : لما مشى بها إلى الخطيئة .
( 8 ) أورده الصدوق أيضا في علل الشرائع : ص 104 إلى قوله : منهما الوضوء .
[298]
الشجرة دب ذلك في عروقه وشعره وبشره ، فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من
كل عرق وشعرة ، فأوجب الله الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة ، و
البول يخرج من فضلة الشراب الذي يشربه الانسان ، والغايط يخرج من فضلة الطعام
الذي يأكله ، فعليهم منهما الوضوء .
قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما جزاء من اغتسل من الحلال ؟ قال
النبي صلى الله عليه وآله : إن المؤمن إذا جامع أهله بسط سبعون ألف ملك جناحه وتنزل الرحمة
فإذا اغتسل بنى الله له بكل قطرة بيتا في الجنة ، وهو سر فيما بين الله وبين خلقه ،
يعني الاغتسال من الجنابة .
قال اليهودي صدقت يا محمد ، فأخبرني عن السادس : عن خمسة أشياء مكتوبات
في التوراة أمر الله بني إسرائيل أن يقتدوا بموسى فيها من بعده . قال النبي صلى الله عليه وآله :
فأنشدتك بالله إن أنا أخبرتك تقر لي ؟ قال اليهودي : نعم يا محمد .
قال : فقال : النبي صلى الله عليه وآله : أول ما في التوراة مكتوب : محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وهي
بالعبرانية " طاب " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية : " يجدونه مكتوبا عندهم في
التوراة والانجيل " " ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " وفي السطر الثاني
اسم وصيي علي بن أبي طالب ، والثالث والرابع سبطي : الحسن والحسين ، وفي السطر
الخامس امهما فاطمة سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها وفي التوراة اسم وصيي
" إليا " واسم السبطين " شبر وشبير " وهما نورا فاطمة عليهم السلام .
قال اليهودي : صدقت يا محمد فأخبرني عن فضلكم أهل البيت . قال النبي صلى الله عليه وآله


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 298 سطر 19 الى ص 306 سطر 18

لي فضل على النبيين ، فما من نبي إلا دعا على قومه بدعوة وأنا أخرت دعوتي لامتي
لاشفع لهم يوم القيامة ، وأما فضل أهل بيتي وذريتي على غيرهم كفضل الماء على كل
شئ ، وبه حياة كل شئ ، وحب أهل بيتي وذريتي استكمال الدين ، وتلا رسول
الله صلى الله عليه وآله هذه الآية : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الاسلام دينا " إلى آخر الآية .
قال اليهودي : صدقت يا محمد فأخبرني بالسابع : ما فضل الرجال على النساء ؟
[299]
قال النبي صلى الله عليه وآله : كفضل السماء على الارض ، وكفضل الماء على الارض ، فبالماء يحيى
الارض ، وبالرجال تحيى النساء ، لولا الرجال ما خلق النساء لقول الله عزوجل :
" الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ( 1 ) " .
قال اليهودي : لاي شئ كان هكذا ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : خلق الله عزوجل
آدم من طين ، ومن فضلته وبقيته خلقت حواء وأول من أطاع النساء آدم ، فأنزله الله
من الجنة ، وقد بين فضل الرجال على النساء في الدنيا ، ألا ترى إلى النساء كيف
يحضن ولا يمكنهن العبادة من القذارة ، والرجال لا يصيبهم شئ من الطمث . ( 2 )
قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فأخبرني لاي شئ فرض الله عزوجل الصوم على
امتك بالنهار ثلاثين يوما ، وفرض على الامم أكثر من ذلك ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : إن
آدم لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ، وفرض ( ففرض خ ل ) الله على ذريته
ثلاثين يوما الجوع والعطش ، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم ،
وكذلك كان على آدم ، ففرض الله على امتي ذلك ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله : هذه الآية :
" كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات " .
قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فما جزاء من صامها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : ما من
مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله له سبع خصال :
أولها : يذوب الحرام في جسده . والثانية : يقرب من رحمة الله . والثالثة : يكون
قد كفر خطيئة أبيه آدم . والرابعة : يهون الله عليه سكرات الموت . والخامسة : أمان
من الجوع والعطش يوم القيامة . والسادسة : يعطيه الله براءة من النار . والسابعة :
يطعمه الله من ثمرات الجنة . ( 3 )
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن التاسعة : لاي شئ أمر الله بالوقوف بعرفات
بعد العصر ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : إن العصر هي الساعة التي عصى فيها آدم ربه ، وفرض
( هامش ص 299 ) ( 1 ) زاد في علل الشرائع : " وبما انفقوا من أموالهم " .
( 2 ) رواه الصدوق في العلل : ص 174 من قوله : ما فضل الرجال على النساء .
( 3 ) : ص 132 الا أنه قال : يذوب الحرام من جسده . وقال : ويطعمه
من طيبات الجنة .
[300]
الله عزوجل على امتي الوقوف والتضرع والدعاء في أحب المواضع إليه ، وتكفل
لهم بالجنة والساعة التي ينصرف فيها الناس هي الساعة التي تلقى فيها آدم من ربه
كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله : والذي بعثني بالحق
بشيرا ونذيرا إن لله بابا في السماء الدنيا يقال له باب الرحمة ، وباب التوبة ، وباب الحاجات ،
وباب التفضل ، وباب الاحسان ، وباب الجود ، وباب الكرم ، وباب العفو ، ولا يجتمع
بعرفات أحد إلا استأهل من الله في ذلك الوقت هذه الخصال ، وإن لله عزوجل مائة ألف
ملك مع كل ملك مائة وعشرون ألف ملك ولله رحمة على أهل عرفات ينزلها على أهل
عرفات ، فإذا انصرفوا أشهد الله ( 1 ) ملائكته بعتق أهل عرفات من النار ، وأوجب الله
عزوجل لهم الجنة ، ونادى مناد : انصرفوا مغفورين ، فقد أرضيتموني ورضيت عنكم .
قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن العاشرة : عن سبع خصال ( 2 )
أعطاك الله تعالى من بين النبيين ، وأعطى امتك من بين الامم . فقال النبي صلى الله عليه وآله :
أعطاني الله عزوجل فاتحة الكتاب ، والاذان ، ( 3 ) والجماعة في المسجد ، ويوم الجمعة
والاجهار في ثلاث صلوات ، والرخص لامتي ( 4 ) عند الامراض والسفر ، والصلاة
على الجنائز ، والشفاعة لاصحاب الكبائر من امتي ، قال اليهودي : صدقت يا محمد ،
فما جزاء من قرء فاتحة الكتاب .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه الله بعدد كل آية انزلت
من السماء فيجزى بها ثوابها . ( 5 )
وأما الاذان فإنه يحشر المؤذنون من امتي مع النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين .
( هامش ص 300 ) ( 1 ) في هامش نسخة : ولله مائة رحمة ينزلها على أهل عرفات ، فاذا انصرفوا أشهد الله تلك
الملائكة ، ختص .
( 2 ) في هامش نسخة : عن تسع خصال . ختص .
( 3 ) زاد : والاقامة . قلت : فعلى نسخة الاختصاص يعد يوم الجمعة خامسا .
( 4 ) في الخصال : والرخصة لامتى .
( 5 ) في الخصال : بعدد كل آية نزلت من السماء ثواب تلاوتها .
[301]
وأما الجماعة فإن صفوف امتي في الارض كصفوف الملائكة في السماء ( 1 )
والركعة في الجماعة أربع وعشرون ركعة ، كل ركعة أحب إلى الله من عبادة أربعين سنة .
وأما يوم الجمعة فيجمع الله فيه الاولين والآخرين للحساب ، فما من مؤمن
مشى إلى الجماعة ( الجمعة خ ل ) إلا خفف الله عزوجل عليه أهوال يوم القيامة ثم يأمر به
إلى الجنة . ( 2 )
وأما الاجهار فإنه يتباعد منه لهب النار بقدر ما يبلغ صوته ، ويجوز على
الصراط ويعطى السرور حتى يدخل الجنة .
وأما السادس ( 3 ) فإن الله عزوجل يخفف أهوال يوم القيامة لامتي كما ذكر
الله عزوجل في القرآن ، وما من مؤمن يصلي على الجنائز إلا أوجب الله له الجنة
إ أن يكون منافقا أو عاقا . وأما شفاعتي فهي لاصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك
والظلم . ( 4 )
قال : صدقت يا محمد ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك عبده ورسوله خاتم
النبيين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين ، فلما أسلم وحسن إسلامه أخرج رقا
أبيض فيه جميع ما قال النبي صلى الله عليه وآله ، وقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا ما
استنسختها إلا من الالواح التي كتبها الله عزوجل لموسى بن عمران ، ولقد قرأت في
التوراة فضلك حتى شككت فيها ، يا محمد ولقد كنت أمحو اسمك منذ أربعين سنة من
التوراة كلما محوته وجدته مثبتا فيها ، ولقد قرأت في التوراة أن هذه المسائل لا
يخرجها غيرك ، وأن في الساعة التي ترد عليك فيها هذه المسائل يكون جبرئيل عن
يمينك وميكائيل عن يسارك ووصيك بين يديك .
( هامش ص 301 ) ( 1 ) في هامش نسخة : في السماء الرابعة . ختص .
( 2 ) في الخصال : ثم يجازيه الجنة .
( 3 ) في هامش نسخة : وأما الرخصة فان الله يخفف أهوال القيامة على من رخص من امتى ،
كما رخص الله في القرآن ، وأما الصلاة على الجنائز فما من مؤمن يصلى على جنازة إلا أن يكون
شافعا مشفعا . ختص .
( 4 ) في هامش نسخة : واما شفاعتى ففى اصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والمظالم . ختص .
[302]
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : صدقت ، هذا جبرئيل عن يميني ، وميكائيل عن يساري
ووصيي علي بن أبي طالب عليه السلام بين يدي ، فآمن اليهودي وحسن إسلامه . ( 1 )
ل : بالاسناد المذكور عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب في حديث طويل
قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله :
أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين إلى آخر الخبر . ( 2 )
ع : بالاسناد المذكور إلى الحسن عليه السلام : قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم فقال له : أخبرني عن تفسير سبحان الله إلى قوله : قال : هل
جزاء من قال : لا إله إلا الله إلا الجنة ؟ فقال اليهودي صدقت يامحمد . ( 3 )
ع : بالاسناد المذكور قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله
أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله أن قال : أخبرني عن الله عزوجل لاي شئ فرض
هذه الخمس صلوات ؟ إلى قوله : تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، قال : صدقت
يا محمد . ( 4 )
ختص : عبدالرحمن بن إبراهيم ، عن الحسين بن مهران ، عن الحسن ( الحسين خ ل )
بن عبدالله ، عن أبيه ، عن جده ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده الحسين بن علي
ابن أبي طالب عليه السلام مثله . ( 5 )
أقول : سيأتي شرح أجزاءالخبر في الابواب المناسبة لها .
6 - ع : وهب اليماني ( 6 ) قال : إن يهوديا سأل النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد
( هامش ص 302 ) ( 1 ) الامالى : ص 112 - 118 .
( 2 ) الخصال 2 : 9 .
( 3 ) علل الشرائع : ص 94 .
( 4 ) علل الشرائع ص : 120 .
( 5 ) الاختصاص : مخطوط : ونسخته غير موجودة عندنا .
( 6 ) هو وهب بن منبه بن كامل اليمانى الابناوى المتوفى في 114 . والابناوى نسبة إلى
الابناء ، كل من ولد باليمن من أبناء الفرس الذين وجههم كسرى مع سيف ين ذى يزن فليس
من العرب ويسمونهم الابناء ، وينسب إليها همام أخو وهب أيضا وطاوس بن كيسان وغيرهم .
[303]
أكنت في ام الكتاب نبيا قبل أن تخلق ؟ قال : نعم ، قال : وهؤلاء أصحابك المؤمنون
المثبتون معك قبل أن يخلقوا ؟ قال : فما شأنك لم تتكلم بالحكمة حين خرجت
من بطن امك كما تكلم عيسى بن مريم على زعمك وقد كنت قبل ذلك نبيا ؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله : إنه ليس أمري كأمر عيسى بن مريم ، إن عيسى بن مريم
خلقه الله من ام ليس له أب ، كما خلق آدم عليه السلام من غير أب ولا ام ، ولو أن عيسى حين خرج
من بطن امه لم ينطق بالحكمة لم يكن لامه عذر عند الناس وقد أتت به من غير أب ،
وكانوا يأخذونها كما يأخذون به مثلها من المحصنات ، فجعل الله عزوجل منطقه
عذرا لامه . ( 1 )
بيان : لعل غرض اليهودي من الكلام بحيث يسمع عامة الناس ، فلذا لم يذكر
صلى الله عليه وآله كلامه الذي خص بسماعه أهله الادنون ، أو لم يتعرض له لعدم إمكان
إثباته على السائل مع إنكاره .
7 - ع : الطالقاني ، عن محمد بن يوسف الحلال ، عن أبي جعفر محمد بن الخليل
المحرمي ، ( 2 ) عن عبدالله بن بكر المسمعي ، ( 3 ) عن حميدالطويل ، عن أنس بن
مالك قال : سمع عبدالله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في أرض يحترث ، فأتى
النبي صلى الله عليه وآله فقال ، إني أسألك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ، أو وصي نبي : ما أول أشراط
الساعة ؟ وما أول طعام أهل الجنة ؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى امه ؟ .
قال صلى الله عليه وآله : أخبرني بهن جبرئيل عليه السلام آنفا . قال : هل أخبرك جبرئيل ؟ قال
نعم ، قال : ذلك عدو اليهود من الملائكة . قال : ثم قرأ هذه الآية : " قل من كان عدوا
( هامش ص 303 ) ( 1 ) علل الشرائع : 38
( 2 ) هكذا في النسخ ، وفى نسخة من العلل : المخزومى ، والصحيح : المخرمى بالخاء المعجمة
والراء المكسورة المشددة منسوب إلى المخرم وهى محلة ببغداد ، نزلها بعض ولد يزيد بن المخرم
فسميت به ، والرجل هو محمد بن الخليل المخرمى البغدادى أبوجعفر الفلاس المتوفى في سنة المائتين
وبضع وستين ، ترجمه ابن حجر في التقريب ص 444 :
( 3 ) في العلل المطبوع : التميمى ( المسمعى خ ل ) .
[304]
لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من
المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ، وإذا سبق
ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إليه ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنك رسول
الله إن اليهود قوم بهت ، وإنهم إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني .
فجاءت اليهود فقال : أي رجل عبدالله بن سلام ؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا و
وسيدنا وابن سيدنا . قال : أرأيتم إن أسلم عبدالله ؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك ، فخرج
عبدالله وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله . قالوا : شرنا وابن شرنا
وانفضوا ( وانقطعوا خ ل ) قال : فقال : هذا الذي كنت أخاف منه يا رسول الله ( 1 )
توضيح : زيادة الكبد : هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد ، وهي أهنأها وأطيبها
ذكره الكرماني في شرح البخاري وقال : نزع الولد إلى أبيه ونحوه : أشبهه . وقال
الجزري : في حديث ابن سلام إنهم قوم بهت جمع بهوت من بناء المبالغة كصبور و
صبر ثم يسكن تخفيفا .
8 - ع : الحسن بن يحيى بن ضريس البجلي ، عن أبيه ، عن أبي جعفر أحمد بن
عبدالله بن يزيد بن سلام بن عبدالله مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ، عن يزيد بن سلام ( 2 ) أنه سأل
رسول الله فقال : لم سمي الفرقان فرقانا ؟ قال : لانه متفرق الآيات والسور ، انزلت
في غير الالواح ، وغيره من الصحف والتوراة والانجيل والزبور انزلت كلها جملة في الالواح
والورق . قال : فما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور ؟ قال : لما خلقهما الله
عزوجل أطاعا ولم يعصيا شيئا ، فأمر الله عزوجل جبرئيل عليه السلام أن يمحو ضوء القمر فمحاه
فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء ، ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم
( هامش ص 304 ) ( 1 ) علل الشرائع : 42 .
( 2 ) الاسناد في المصدر هكذا : الحسين ( الحسن خ ) بن يحيى بن ضريس البجلى قال : حدثنا
أبى ، قال حدثنا ابوجعفر عمارة السكونى السريانى ، قال : حدثنا ابراهيم بن عاصم بقزوين ، قال : حدثنا
عبدالله بن هارون الكرخى ، قال : حدثنا أبوجعفر أحمد بن عبدالله بن يزيد بن سلام بن عبدالله مولى
رسول الله ( ص ؟ ) ، قال : حدثنى ابى عبدالله بن يزيد ، قال : حدثنى يزيد بن سلام .
[305]
يمح لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولا
عرف الناس عدد السنين ، وذلك قول الله عزوجل : " وجعلنا الليل والنهار آيتين
فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين
والحساب " قال : صدقت يا محمد فأخبرني لم سمي الليل ليلا ؟ قال : لانه يلايل الرجال
من النساء ، جعله الله عزوجل الفة ولباسا ، وذلك قول الله عزوجل : " وجعلنا الليل
لباسا وجعلنا النهار معاشا " .
قال صدقت يا محمد فما بال النجوم تستبين صغارا وكبارا ومقدارها سواء ؟
قال : لان بينها وبين السماء الدنيا بحارا يضرب الريح أمواجها فلذلك تستبين صغارا
وكبارا ، ومقدار النجوم كلها سواء . قال : فأخبرني عن الدنيا لم سميت الدنيا ؟ قال :
لان الدنيا دنيئه خلقت من دون الآخرة ، ولو خلقت مع الآخرة لم يفن أهلها كما لا
يفنى أهل الآخرة .
قال : فأخبرني عن القيامة لم سميت القيامة ؟ قال : لان فيها قيام الخلق للحساب .
قال : فأخبرني لم سميت الآخرة آخرة ؟ قال : لانها متأخرة تجئ من بعد الدنيا ،
لا توصف سنينها ، ولا تحصى أيامها ، ولا يموت سكانها .
قال : صدقت يا محمد أخبرني عن أول يوم خلق الله عزوجل ؟ قال : يوم الاحد .
قال : ولم سمي يوم الاحد ؟ قال : لانه واحد محدود . قال فالاثنين ؟ قال هو اليوم
الثاني من الدنيا . قال : فالثلثاء ؟ قال : الثالث من الدنيا ، قال : فالاربعاء ؟ قال : اليوم
الرابع من الدنيا . قال : فالخميس ؟ قال : هو يوم خامس من الدنيا وهو يوم أنيس ، لعن ،
فيه إبليس ، ورفع فيه إدريس عليه السلام ، قال : فالجمعة ؟ قال : هو يوم مجموع له الناس
وذلك يوم مشهود ، وهو يوم شاهد ومشهود . قال : فالسبت ؟ قال : يوم مسبوت ، وذلك
قوله عزوجل في القرآن : " ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام "
فمن الاحد إلى الجمعة ستة أيام ، والسبت معطل .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن آدم لم سمي آدم ؟ قال : لانه خلق من طين
الارض وأديمها . قال : فآدم خلق من الطين كله أو من طين واحد ؟ قال : بل من الطين
[306]
كله ، ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا ، وكانوا على صورة واحدة .
قال : فلهم في الدنيا مثل ؟ قال : التراب فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أصفر ( أشقر خ ل ) وفيه
أغبر وفيه أحمر وفيه أزرق ، وفيه عذب وفيه ملح وفيه خشن وفيه لين وفيه أصهب ، فلذلك
صار الناس فيهم لين وفيهم خشن وفيهم أبيض وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود على
ألوان التراب .
قال : فأخبرني عن آدم خلق من حواء أو خلقت حواء من آدم ؟ قال : بل حواء
خلقت من آدم عليه السلام ، ولو كان آدم خلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء ولم يكن
بيد الرجال . قال : فمن كله خلقت أم من بعضه ؟ قال : بل من بعضه ، ولو خلقت من كله
لجاز القصاص في النساء كما يجوز في الرجال . قال : فمن ظاهره أو باطنه ؟ قال : بل
من باطنه ، ولو خلقت من ظاهره لا نكشفن النساء كما ينكشف الرجال ، فلذلك صارت
النساء مستترات . قال : فمن يمينه أو من شماله ؟ قال : بل من شماله ، ولو خلقت من
يمينه لكان للانثى حظ كحظ الذكر من الميراث ، فلذلك صار للانثى سهم وللذكر
سهمان ، وشهادة امرأتين مثل شهادة رجل واحد . قال : فمن أين خلقت ؟ قال : من الطينة
التي فضلت من ضلعه الايسر .
قال : صدقت يا محمد فأخبرني عن الوادي المقدس لم سمي المقدس ؟ قال : لانه
قدست فيه الارواح ، واصطفيت فيه الملائكة ، وكلم الله عزوجل موسى تكليما . قال :
فلم سميت الجنة جنة ؟ قال : لانها جنينة خيرة نقية وعند الله تعالى ذكره مرضية . ( 1 )
بيان : قوله : ( لانه يلايل الرجال ) يظهر منه أن الملايلة كان في الاصل بمعنى


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 306 سطر 19 الى ص 314 سطر 18

الملابسة أو نحوها ، وليس هذا المعنى فيما عندنا من كتب اللغة . قال الفيروزآبادي :
لايلته : استجرته لليلة ، وعاملته ملايلة كمياومة . قوله صلى الله عليه وآله : ( من دون الآخرة )
أي في الرتبة أو بعدها زمانا . قوله صلى الله عليه وآله : ( يوم مسبوت ) قال الجزري : قيل : سمي يوم
السبت لان الله تعالى خلق العالم في ستة أيام آخرها الجمعة وانقطع العمل فسمي
اليوم السابع يوم السبت .
( هامش ص 306 ) ( 1 ) علل الشرائع : 160 .
[307]
وقال الفيروزآبادي : السبت : الراحة والقطع . وقال : الاشقر من الدواب :
الاحمر في مغرة حمرة يحمر منها العرف والذنب ، ومن الناس من تعلو بياضه
حمرة . وقال : الصهب محركة : حمرة ، أو شقرة في الشعر ، والاصهب بعير ليس
بشديد البياض . قوله صلى الله عليه وآله : ( لانها جنينة ) أي مستورة عن الخلق ولا يستر إلا
ما كان خيرة .
9 - ص : الصدوق ، عن عبدالله بن حامد ، عن محمد بن حمدويه ، عن محمد بن
عبدالكريم ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبدالله بن عبدالرحمن
بن أبي الحسين ، عن شهر بن حوشب قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة أتاه رهط
من اليهود فقالوا : إنا سائلوك عن أربع خصال ، فإن أخبرتنا عنه صدقناك وآمنا بك
فقال : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ؟ قالوا : نعم قال : سلوا عما بدا لكم .
قالوا : عن الشبه كيف يكون من المرأة وإنما النطفة للرجل ؟ فقال : انشدكم
بالله أتعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة ؟ وأن نطفة المرأة حمراء رقيقة ؟ فأيتهما
غلبت صاحبتها كانت لها الشبه ؟ قالوا : اللهم نعم .
قالوا : فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ قال :
انشدكم بالله هل تعلمون أن أحب الطعام والشراب إليه لحوم الابل وألبانها فاشتكا
شكوى ، فلما عافاه الله منها حرمها على نفسه ليشكر الله به ؟ قالوا : اللهم نعم .
فقالوا : أخبرنا عن نومك كيف هو ؟ قال : انشدكم بالله هل تعلمون من صفة
هذا الرجل الذي تزعمون أني لست به تنام عينه وقلبه يقظان ؟ قالوا : اللهم نعم .
قال : وكذا نومي . قالوا : فأخبرنا عن الروح . قال : انشدكم بالله هل تعلمون أنه
جبرئيل عليه السلام ؟ قالوا : اللهم نعم ، وهو الذي يأتيك وهو لنا عدو ، وهو ملك إنما
يأتي بالغلظة وشدة الامر ولولا ذلك لاتبعناك . فأنزل الله تعالى : " قل من كان عدوا
لجبريل " إلى قوله : " أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم " . ( 1 )
10 - م : قوله عزوجل : " ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم
( هامش ص 307 ) ( 1 ) قصص الانبياء ، مخطوط .
[308]
تعملون * وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين * أتأمرون الناس بالبر
وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون * واستعينوا بالصبر والصلوة و
إنها لكبيرة إلا على الخاشعين * الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون *
يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين * واتقوا
يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم
ينصرون * وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم و
يستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم " .
قال الامام عليه السلام : خاطب الله بها قوما يهودا لبسوا الحق بالباطل بأن زعموا أن
محمدا صلى الله عليه وآله نبي ، وأن عليا وصي ، ولكنهما يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنة ،
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : أترضون التوراة بيني وبينكم حكما ؟ قالوا : بلى .
فجاؤوا بها وجعلوا يقرؤون منها خلاف ما فيها ، فقلب الله عزوجل الطومار
الذي منه كانوا يقرؤون وهو في يد قارئين منهم ، مع أحدهما أوله ومع الآخر
آخره ، فانقلب ثعبانا لها رأسان وتناول كل رأس منهما يمين من هو في يده وجعلت
( جعل خ ل ) ترضضه وتهشمه ، ( 1 ) ويصيح الرجلان ويصرخان ، وكانت هناك طوامير
آخر فنطقت وقالت : لا تزالان في هذا العذاب حتى تقرآ ما فيها من صفة محمد صلى الله عليه وآله
ونبوته وصفة علي عليه السلام وإمامته على ما أنزل الله فيه ، فقرآه صحيحا وآمنا برسول الله
صلى الله عليه وآله واعتقدا إمامة علي ولي الله ووصي رسول الله ، فقال الله تعالى : " ولا تلبسوا الحق
بالباطل " بأن تقروا بمحمد وعلي من وجه وتجحدوا من وجه " وتكتموا الحق " من
نبوة هذا وإمامة هذا " وأنتم تعلمون " أنكم تكتمونه وتكابرون علومكم ( حلومكم خ ل )
وعقولكم ، فإن الله إذا كان قد جعل أخباركم حجة ثم جحدتم لم يضيع هو حجته
بل يقيمها من غير حجتكم ، فلا تقدروا أنكم تغالبون ربكم وتقاهرونه . ( 2 )
ثم قال عزوجل لقوم من مردة اليهود ومنافقيهم المحتجنين لاموال الفقراء ، المستأكلين
( هاش ص 308 )
( 1 ) رضضه : بالغ في رضه ، أى دقه وجرشه . هشم الشى : بالغ في هشمه أى كسره .
( 2 ) في المصدر هنا قطعة طويلة في فضل الصلاة وغيرها ترك ذكرها .
[309]
للاغنياء ، الذين يأمرون بالخير ويتركونه ، وينهون عن الشر ويرتكبونه ، فقال يا
معاشر اليهود : " أتأمرون الناس بالبر " بالصدقات وأداء الامانات " وتنسون أنفسكم "
فلا تفعلون ما به تأمرون " وأنتم تتلون الكتاب " : التوراة الآمرة بالخيرات ، الناهية
عن المنكرات ، المخبرة عن عقاب المتمردين ، وعن عظيم الشرف الذي يتطول الله به
على الطائعين المجتهدين " أفلا تعقلون " ما عليكم من عقاب الله تعالى في أمركم بما به
لا تأخذون ، وفي نهيكم عما أنتم فيه منهمكون ، وكان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود و
علمائهم احتجنوا أموال الصدقات والمبرات فأكلوها واقتطعوها ، ثم حضروا رسول
الله صلى الله عليه وآله وقد حرشوا ( 1 ) عليه عوامهم ، يقولون : إن محمدا قد تعدى طوره وادعى
ما ليس له ، فجاؤوا بأجمعهم إلى حضرته وقد اعتقد عامتهم أن يقعوا برسول الله
صلى الله عليه وآله فيقتلوه . ولو أنه في جماهير من أصحابه لايبالون بما أتاهم به الدهر
فلما حضروه وكانوا بين يديه قال له رؤساؤهم وقد واطؤوا عوامهم على أنهم إذا أفحموا
محمدا وضعوا عليه سيوفهم ، فقال رؤساؤهم : جئت يامحمد تزعم أنك رسول رب العالمين
نظير موسى و ( سائر خ ل ) الانبياء المتقدمين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أما قولي : إني
رسول الله فنعم ، وأما أن أقول : إني نظير موسى والانبياء فما أقول هذا ، وما كنت
لاصغر ما قد عظمه الله تعالى من قدري ، بل قال ربي : يامحمد إن فضلك على جميع
النبيين والمرسلين والملائكة المقربين كفضلي وأنا رب العزة على سائر الخلق
أجمعين وكذلك قال الله تعالى لموسى عليه السلام لما ظن أنه قد فضل على
جميع العالمين ، فغلظ ذلك على اليهود وهموا أن يقتلوه فذهبوا يسلون سيوفهم فما
منهم أحد إلا وجد يديه إلى خلفه كالمكتوف يابسا لا يقدر أن يحركهما وتحيروا ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وقد رأى ما بهم من الحيرة : لا تجزعوا فخير ( 2 ) أراد الله تعالى
بكم ، منعكم من الوثوب على وليه وحبسكم على استماع حجته في نبوة محمد ووصية
أخيه علي .
( هامش ص 309 ) ( 1 ) حرش بين القوم : أغرى بعضهم ببعض . وفى المصدر : وقد حشروا عليه عوامهم .
( 2 ) في نسخة : فخيرا اراده الله تعالى بكم .
[310]
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا معاشر اليهود هؤلاء رؤساؤكم كافرون ، ولاموالكم
محتجنون ، ولحقوقكم باخسون ، ولكم في قسمة من بعد ما اقتطعوه ظالمون ( 1 ) يخفضون
ويرفعون .
فقالت رؤساء اليهود : حدث عن مواضع الحجة : حجة نبوتك ووصية علي
أخيك ، هذا دعواك الاباطيل وإغراؤك قومنا بنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ولكن الله ( 2 )
عزوجل قد أذن لنبيه أن يدعو بالاموال التي خنتموها هؤلاء الضعفاء ومن يليهم
فيحضرها ههنا بين يديه ، وكذلك يدعو حسباناتكم فيحضرها لديه ويدعو من
واطأتموه على اقتطاع أموال الضعفاء فتنطق باقتطاعهم جوارحهم ، وكذلك تنطق باقتطاعكم
جوارحكم . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا ملائكة ربي ( 3 ) احضروني أصناف الاموال
التي اقتطعها هؤلاء الظالمون لعوامهم ، فإذا الدراهم في الاكياس والدنانير وإذا الثياب
والحيوانات وأصناف الاموال منحدرة عليهم من حالق حتى استقرت بين أيديهم .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ايتوني بحسبانات هؤلاء الظالمين الذين غالطوا بها هؤلاء
الضعفاء ( 4 ) فإذا الادراج تنزل عليهم ، فلما استقرت على الارض قال : خذوها ، فأخذوها
وقرؤوا فيها : نصيب كل قوم كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا ملائكة ربي اكتبوا
تحت اسم كل واحد من هؤلاء ما سرقوه منه وبينوه ، فظهرت كتابة بينه : لا بل نصيب
كل قوم ( واحد خ ل ) كذا وكذا ، فإذا أنهم قد خانوهم عشرة أضعاف ( أمثال خ ل )
ما دفعوا إليهم ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا ملائكة ربي ميزوا بين هذه الاموال
الحاضرة كل ما فضل عما بينه هؤلاء الظالمون لنؤدي إلى مستحقه ، فاضطربت تلك
الاموال وجعلت ينفصل بعض من بعض حتى تميزت أجزاء كما ظهرت في الكتاب
المكتوب وبين أنهم سرقوه واقتطعوه ، فدفع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى من حضر من عوامهم
نصيبه وبعث إلى من غاب منهم فأعطاه وأعطى ورثة من قد مات ، وفضح الله اليهود الرؤساء
وغلب الشقاء على بعضهم وبعض العوام ، ووفق الله بعضهم .
( هامش ص 310 ) ( 1 ) في نسخة : ولكم في قسمة ما اقتطعوه ظالمون .
( 2 ) في المصدر : لا ولكن الله .
( 3 ) في نسخة : يا ملائكة الله .
( 4 ) في نسخة وفى المصدر : هؤلاء الفقراء .
[311]
فقال له الرؤساء الذين هموا بالاسلام : نشهد يا محمد أنك النبي الافضل وأن أخاك
هذا وصيك هو الوصي الاجل الاكمل ، فقد فضحنا الله بذنوبنا ، أرأيت إن تبنا مما
اقتطعنا ( أقلعنا خ ل ) ماذا يكون حالنا ؟ .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا أنتم في الجنان رفقاؤنا ، وفي الدنيا وفي دين الله إخواننا
ويوسع الله أرزاقكم ، وتجدون في مواضع هذه الاموال التي اخذت منكم أضعافها
وينسى هؤلاء الخلق فضيحتكم حتى لا يذكرها أحد منهم .
فقالوا : فإنا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك يا محمد عبده
ورسوله وصفيه وخليله ، وأن عليا أخوك ووزيرك والقيم بدينك والنائب عنك
والمناضل دونك ، وهو منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا بني بعدك ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله : فأنتم المفلحون . ( 1 )
ثم قال الله تعالى : " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " أن بعثت
موسى وهارون إلى أسلافكم بالنبوة فهديناهم إلى نبوة محمد صلى الله عليه وآله وصية علي عليه السلام
وإمامة عترته الطيبين ، وأخذنا عليكم بذلك العهود والمواثيق التي إن وفيتم بها كنتم
ملوكا في جنابه ، مستحقين لكراماته ورضوانه " وأني فضلتكم على العالمين " هناك ،
أي فعلته بأسلافكم فضلتهم دينا ودنيا ، أما تفضيلهم في الدين فلقبولهم ولاية محمد وعلي
وآلهما الطيبين ، وأما في الدنيا فبأن ظللت عليهم الغمام ، وأنزلت عليهم المن والسلوى
وسقيتهم من حجر ماء عذبا ، وفلقت لهم البحر فأنجيتهم وأغرقت أعداءهم فرعون وقومه
وفضلتهم بذلك على عالمي زمانهم الذين خالفوا طرائقهم وحادوا عن سبيلهم .
ثم قال عزوجل لهم : فإذا كنت قد فعلت هذا بأسلافكم في ذلك الزمان لقبولهم
ولاية محمد صلى الله عليه وآله فبالاحرى ( 2 ) أن أزيدكم فضلا في هذا الزمان إذا أنتم وفيتم
بما اخذ من العهد والميثاق عليكم ، ثم قال الله عزوجل : " واتقوا يوما لا تجزي
( هامش ص 311 ) ( 1 ) في المصدر هنا قطعة طويلة لم يذكرها المصنف .
( 2 ) في نسخة : فبالحرى .
[312]
نفس عن نفس شيئا " لا تدفع عنه ( عنها خ ل ) عذابا قد استحقه عند النزع " ولا تقبل
منها شفاعة " ولا تشفع لها بتأخير الموت عنها " ولا يؤخذ منها عدل " لا يقبل فداء مكانه
يمات ويترك هو .
قال الصادق عليه السلام : وهذا يوم الموت فإن الشفاعة والفداء لا يغني عنه ، وأما في
القيامة فإنا أوهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء . ( 1 )
بيان : قوله : ( احتجنوا ) بالنون قال الجوهري : حجنت الشئ واحتجنة : إذا
جذبته بالمحجن إلى نفسك ، ومنه قول قيس ابن عاصم : عليكم بالمال واحتجانه
هو ضمكه إلى نفسك وإمساكك إياه .
وقال الجزري : فيه : ( ما أقطعك العقيق لتحتجنه ) أي تملكه دون الناس ، والاحتجان
جمع الشئ وضمه إليك ، ومنه : واحتجناه دون غيرنا انتهى .
وفى بعض النسخ بالباء ، أى احتجبوا بالاموال ، والاول أظهر . ويقال : اقتطع
من ماله قطعة : أخذه . والحالق : الجبل المرتفع ، ويقال : جاء من حالق أي من مكان
مشرف .
قوله عليه السلام : ( ماسرقوه منه وبينوه ) أي وما بينوه وأظهروه وأعطوه مستحقه ،
أو هو بصيغة الامر خطابا للملائكة وهو أظهر . والمناضلة : المراماة : والمراد هنا مطلق
الجهاد . قوله : ( وحادوا ) أي مالوا .
11 - م : قوله عزوجل : " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد
قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء
وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون " قال الامام عليه السلام :
قال الله عزوجل : " ثم قست قلوبكم " عست ( 2 ) وجفت ويبست من الخير والرحمة
قلوبكم معاشر اليهود " من بعد ذلك " من بعد ما بينت من الآيات الباهرات في
زمان موسى ، ومن الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمد صلى الله عليه وآله
( هامش ص 312 ) ( 1 ) تفسير العسكري عليه السلام : 92 - 96 . وللحديث ذيل لم يورده المصنف هنا .
( 2 ) في المصدر : عمت .
[313]
" فهي كالحجارة " اليابسة لا ترشح برطوبة ولا ينتفض منها ما ينتفع به ، أي أنكم
لا حق الله تؤدون ، ولا من أموالكم ولا من حواشيها تتصدقون ، ولا بالمعروف
تتكرمون وبه تجودون ، ولا الضيف تقرون ، ولا مكروبا تغيثون ، ولا بشئ من
الانسانية تعاشرون وتعاملون " أو أشد قسوة " إنما هي في قساوة الاحجار
أو أشد قسوة أبهم على السامعين ولم يبين لهم ، كما يقول القائل : أكلت خبزا
أو لحما ، وهو لا يريد به أني لا أدري ما أكلت ، بل يريد أن يبهم على السامع حتى
لا يعلم ماذا أكل وإن كان يعلم أنه ما قد أكل ، وليس معناه : بل أشد قسوة ، لان هذا
استدراك غلط ، وهو عزوجل يرتفع أن يغلط في خبر ثم يستدرك على نفسه الغلط ، لانه
العالم بما كان وبما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون ، وإنما يستدرك الغلط
على نفسه المخلوق المنقوص ، ولا يريد به أيضا : فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، أي وأشد
قسوة ، لان هذا تكذيب الاول بالثاني ، لانه قال : فهي كالحجارة في الشدة لا
أشد منها ولا ألين ، فإذا قال بعد ذلك : أو أشد فقد رجع عن قوله الاول ، لانه ليس
بأشد ، وهذا مثل لمن يقول : لا يجئ من قلوبكم خير لا قليل ولا كثير ، ( 1 ) فأبهم عز و
جل في الاول حيث قال : " أو أشد " وبين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة
لا بقوله : " أو أشد قسوة " بل بقوله تعالى : " وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار "
أي فهي في القساوة بحيث لا يجئ منها الخير ، وفي الحجارة ما يتفجر منه الانهار
فيجئ بالخير والغياث لبني آدم " وإن منها " من الحجارة " لما يشقق فيخرج منه الماء "
وهو ما يقطر منها الماء ، فهو خير منها دون الانهار التي يتفجر من بعضها ، وقلوبهم
لا يتفجر منها الخيرات ولا يشقق فيخرج منها قليل من الخيرات وإن لم يكن كثيرا ،
ثم قال عزوجل : " وإن منها " يعني من الحجارة " لما يهبط من خشية الله " إذا اقسم
عليها باسم الله وبأسماء أوليائه : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من
( هامش ص 313 ) ( 1 ) في المصدر هكذا : ولا يريد به أيضا فهى كالحجارة في الشدة لا أشد منها ولا ألين : فاذا
قال بعد ذلك : أو أشد فقد رجع عن قوله الاول : انها ليست بأشد ، هذا مثل أن يقول : لا يجئ
من قبلك خير لا قليل ولا كثير . وفى المصدر المطبوع بهامش تفسير على بن ابراهيم مثل ما
في المتن .
[314]
آلهم صلى الله عليهم ، وليس في قلوبكم شئ من هذه الخيرات " وما الله بغافل عما تعملون "
بل عالم به يجازيكم عنه بما هو به عادل عليكم وليس بظالم لكم ، يشدد حسابكم
ويؤلم عقابكم ، وهذا الذي وصف الله تعالى به قلوبهم ههنا نحو ما قال في سورة النساء
" أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا " وما وصف به الاحجار ههنا نحو ما
وصف في قوله تعالى : " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية
الله " وهذا التقريع من الله تعالى لليهود والناصب ، واليهود جمعوا الامرين واقترفوا
الخطيئتين ، فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله صلى الله عليه وآله .
فقال جماعة من رؤسائهم وذوي الالسن والبيان منهم : يا محمد إنك تهجونا و
تدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه ، إن فيها خيرا كثيرا : نصوم ونتصدق و
نواسي الفقراء .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنما الخير ما اريد به وجه الله تعالى وعمل على ما أمر
الله تعالى به ، وأما ما اريد به الرياء والسمعة ومعاندة رسول الله صلى الله عليه وآله وإظهار العناد
له والتمالك والشرف عليه فليس بخير ، بل هو الشر الخالص ، وبال على صاحبه يعذبه
الله به أشد العذاب .
فقالوا له : يامحمد أنت تقول هذا ونحن نقول : بل ما ننفقه إلا لابطال أمرك و
دفع رياستك ولتفريق أصحابك عنك ، وهو الجهاد الاعظم نؤمل به من الله الثواب
الاجل الاجسم ، وأقل أحوالنا أنا تساوينا في الدعوى معك ، فأي فضل لك علينا ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا إخوة اليهود إن الدعاوي يتساوى فيها المحقون والمبطلون


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 314 سطر 19 الى ص 322 سطر 18

ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم فتكشف عن تمويه المبطلين ، وتبين عن حقائق
المحقين ، ورسول الله محمد لا يغتنم جهلكم ولا يكلفكم التسليم له بغير حجة ،
ولكن يقيم عليكم حجة الله التي لا يمكنكم دفاعها ولا تطيقون الامتناع من موجبها ،
ولو ذهب محمد يريكم آية من عنده لشككتم وقلتم : إنه متكلف مصنوع محتال فيه
معمول أو متواطأ عليه ، وإذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا :
معمول أو متواطأ أو متأتى بحيلة ومقدمات ، فما الذي تقترحون ؟ فهذا رب
[315]
العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم ، ويزيد
في بصائر المؤمنين منكم .
قالوا : قد أنصفتنا يا محمد ، فإن وفيت بما وعدت من نفسك من الانصاف وإلا
فأنت أول راجع من دعواك النبوة ، وداخل في غمار الامة ، ومسلم لحكم التوراة
لعجزك عما نقترحه عليك وظهور باطل دعواك ( 1 ) فيما ترومه من جهتك . فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله : الصدق بيني وبينكم لا الوعيد ، ( 2 ) اقترحوا ما أنتم مقترحون ، ( 3 )
ليقطع معاذيركم فما تسألون .
فقالوا له : يامحمد زعمت أنه ما في قلوبنا شئ من مواساة الفقراء ومعاونة الضعفاء
والنفقة في إبطال الباطل وإحقاق المحق ، وأن الاحجار ألين من قلوبنا ، وأطوع لله
منا ، وهذه الجبال بحضرتنا فهلم بنا إلى بعضها فاستشهده على تصديقك وتكذيبنا ،
فإن نطق بتصديقك فأنت المحق يلزمنا اتباعك ، وإن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد
جوابك فاعلم أنك المبطل في دعواك المعاند لهواك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : نعم هلموا
بنا إلى أيها شئتم فاستشهده ليشهد لي عليكم ، فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه .
فقالوا : يا محمد هذا الجبل فاستشهده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للجبل : إني أسألك
بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ( 4 ) ثمانية
من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم غير الله ( 5 )
عزوجل ، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم وغفر
خطيئته وأعاده إلى مرتبته ، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال الله
بهم رفع إدريس في الجنة مكانا عليا لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على
هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم وتكذيبهم في جحدهم لقول محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ،
( هامش ص 315 ) ( 1 ) في المصدر : وظهور الباطل في دعواك .
( 2 ) في المصدر وفى نسخة : الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد .
( 3 ) في المصدر : اقترحوا بما أنتم مقترحون .
( 4 ) جمع الكاهل : أعلى الظهر مما يلى العنق .
( 5 ) في نسخة : إلا الله .
[316]
فتحرك الجبل وتزلزل وفاض عنه الماء ونادى : يا محمد أشهد أنك رسول رب العالمين ،
وسيد الخلائق أجمعين ، وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة
لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجرا ، ( 1 ) وأشهد أن هؤلاء
كاذبون عليك فيما به يقذفونك من الفرية على رب العالمين . ( 2 )
توضيح : أقول : تمامه في أبواب معجزات النبي صلى الله عليه وآله . ويقال : عسا الشئ :
إذا يبس وصلب . قوله : ( الصدق بيني وبينكم ) أي يجب أن نصدق فيما نقول ونأتي به
ولا نكتفي بالوعد والوعيد ، وفي بعض النسخ : ينبئ عنكم وهو أظهر .
12 - م : قوله تعالى : " أفتطمعون أن يؤمنوا لكم " الآية ، قال الامام عليه السلام :
فلما بهر رسول الله صلى الله عليه وآله هؤلاء اليهود بمعجزته وقطع معاذيرهم بواضح دلالته لم يمكنهم
مراجعته في حجته ولا إدخال التلبيس عليه في معجزاته قالوا : يا محمد قد آمنا بأنك
الرسول الهادي المهدي ، وأن عليا أخوك هو الوصي والولي ، وكانوا إذا خلوا
باليهود الآخرين يقولون لهم : إن إظهارنا له الايمان به أمكن لنا من مكروهه ، و
أعون على اصطلامه واصصلام أصحابه ، لانهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على
أسرارهم ولا يكتموننا شيئا ، فنطلع عليهم أعداءهم فيقصدون أذاهم بمعاونتنا و
مظاهرتنا في أوقات اشتغالهم واضطرابهم وأحوال تعذر المدافعة والامتناع من الاعداء
عليهم ، وكانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود الاخبار للناس عما كانوا يشاهدونه
من آياته ويعاينونه من معجزاته ، فأظهر الله محمدا رسوله على قبح اعتقادهم وسوء
دخيلاتهم ( 3 ) ( دخلاتهم خ ل ) وعلى إنكارهم على من اعترف بمشاهده من آيات محمد و
واضح بيناته وباهر معجزاته ، فقال عزوجل : " أفتطمعون " أنت وأصحابك من علي
عليه السلام وآله الطيبين " أن يؤمنوا لكم " هؤلاء اليهود الذين هم بحجج الله قد
بهرتموهم ، وبآيات الله ودلائله الواضحة قد قهرتموهم " أن يؤمنوا لكم " ويصدقونكم
( هامش ص 316 ) ( 1 ) في المصدر أو تفجيرا .
( 2 ) تفسير العسكرى : 113 - 115 .
( 3 ) في المصدر : على سوء اعتقادهم وقبح اخلاقهم . وفى طبعه الاخر أضاف : ودخلاتهم .
[317]
بقلوبهم ويبدوا في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم " وقد كان فريق منهم " يعني
من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل " يسمعون كلام الله " في أصل جبل طور سيناء و
أوامره ونواهيه " ثم يحرفونه " عما سمعوه إذا أدوه إلى من وراءهم من سائر بني
إسرائيل " من بعد ما عقلوه " وعلموا أنهم فيما يقولونه كاذبون " وهم يعلمون " أنهم
في قيلهم كاذبون . ( 1 )
ثم أظهر الله على نفاقهم الآخر فقال : " وإذا لقوا الذين آمنوا " كانوا إذا لقوا
سلمان والمقداد وأباذر وعمارا قالوا : " آمنا " كإيمانكم إيمانا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله
مقرونا بالايمان بإمامة أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وبأنه أخوه الهادي ، ووزيره
المؤاتي ، ( 2 ) وخليفته على امته ، ومنجز عدته والوافي بذمته ، ( 3 ) والناهض بأعباء
سياسته ، وقيم الخلق ، الذاب لهم عن سخط الرحمن ، الموجب لهم إن أطاعوه رضى
الرحمن ، وأن خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة ، ( 4 ) والاقمار النيرة ، والشمس
المضيئة الباهرة ، وأن أولياءهم أولياؤالله ، وأن أعداءهم أعداؤالله ، ويقول بعضهم :
نشهد أن محمدا صاحب المعجزات ، ومقيم الدلالات الواضحات وساق الحديث كما
سيأتي في أبواب معجزات الرسول صلى الله عليه وآله ، وباب غزوة بدر إلى قوله : فلما أفضى
بعض هؤلاء اليهود إلى بعض قالوا : أي شئ صنعتم ؟ أخبرتموهم ( 5 ) بما فتح الله عليكم
( هامش ص 317 ) ( 1 ) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا : وذلك أنهم لما صاروا مع موسى إلى الجبل فسمعوا
كلام الله ووقفوا على أوامره ونواهيه ، ورجعوا فأدوه إلى من بعد هم فشق عليهم ، فاما المؤمنون
منهم فثبتوا على إيمانهم وصدقوا في نياتهم ، وأما أسلاف هؤلاء اليهود الذين نافقوا رسول الله
في هذا القصة فانهم قالوا لنبى إسرائيل : إن الله تعالى قال لنا هذا وأمرنا بما ذكرناه لكم و
نهانا ، واتبع ذلك بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن لا تفعلوه وإن صعب عليكم
بما عنه نهيتكم فلا عليكم أن ترتكبوه وتواقعوه ، وهم يعلمون أنهم يقولون ( بقولهم خ ل ) هذا
كاذبون ، ثم أظهر الله على نفاقهم الاخر مع جهلم فقال اه اه .
( 2 ) في المصدر : ووزيره الموالى . ( الموافى خ ل ) . قلت : المؤاتى : الموافق .
( 3 ) في هامش المصدر : ( بدينه خ ل ) .
( 4 ) في المصدر : هم النجوم الظاهرة .
( 5 ) في المصدر : أى شئ صنعتم " أتحدثونهم " أخبرتموهم اه .
[318]
من الدلالات على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وإمامة أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام " ليحاجوكم
به عند ربكم " بأنكم كنتم قد علمتم هذا وشاهدتموهم فلم تؤمنوا به ولم تطيعوه ،
وقدروا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن له عليهم حجة في غيرها ،
ثم قال عزوجل : " أفلا تعقلون " أن هذا الذي يخبرونهم به مما فتح الله عليكم من
دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وآله حجة عليكم عند ربكم ، قال الله تعالى : " أولا يعلمون " يعني
أولا يعلم هؤلاء القائلون لاخوانهم : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم " أن الله يعلم ما
يسرون " من عداوة محمد صلى الله عليه وآله ويضمرونه من أن إظهارهم الايمان به أمكن لهم من
اصطلامه وإبادة أصحابه ( 1 ) " وما يعلنون " من الايمان ظاهرا ليؤنسوهم ويقفوا به
على أسرارهم فيذيعونها بحضرة من يضرهم ، وأن الله لما علم ذلك دبر لمحمد صلى الله عليه وآله
تمام أمره ببلوغ غاية ما أراده الله ببعثه ، وأنه يتم أمره وأن نفاقهم وكيدهم
لا يضره .
قوله تعالى : " ومنهم اميون " الآية ، قال الامام عليه السلام : ثم قال الله تعالى :
يا محمد ومن هؤلاء اليهود اميون لا يقرؤون الكتاب ولا يكتبون كالامي ، منسوب
إلى الام ( امة خ ل ) أي هو كما خرج من بطن امه لا يقرء ولا يكتب ، لا يعلمون
الكتاب المنزل من السماء ولا المتكذب به ( 2 ) ولا يميزون بينهما " إلا أماني " أي إلا أن
يقرأ عليهم ويقال لهم : إن هذا كتاب الله وكلامه ، ولا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف
ما فيه " وإن هم إلا يظنون " أي ما يقول لهم ( 3 ) رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وآله في
نبوته وإمامة علي عليه السلام سيد عترته يقلدونهم ( 4 ) مع أنه محرم عليهم تقليدهم . ( 5 )
ثم قال عزوجل : " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم " الآية ، قال
( هامش ص 318 ) ( 1 ) الابادة : الاهلاك .
( 2 ) في المصدر : ولا المكذوب به .
( 3 ) في نسخة : إن ما يقول لهم .
( 4 ) في المصدر : إلا ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد في نبوته وإمامة على سيد
عترته وهم يقلدونهم .
( 5 ) قطع من هنا قطعة طويلة .
[319]
الامام عليه السلام : قال الله عزوجل لقوم من هؤلاء اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة
النبي صلى الله عليه وآله وهو خلاف صفته ، وقالوا للمستضعفين : هذه صفة النبي المبعوث في
آخر الزمان : إنه طويل ، عظيم البدن والبطن ، أصهب الشعر ، ومحمد بخلافه ، وهو
يجئ بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة ، وإنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم
رياستهم ، وتدوم لهم منهم إصاباتهم ، ويكفوا أنفسهم مؤونة خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله و
خدمة علي عليه السلام وأهل خاصته ، فقال الله عزوجل : " فويل لهم مما كتبت أيديهم "
من هذه الصفات المحرفات المخالفات لصفة محمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام ، الشدة لهم من
العذاب في أسوأ بقاع جهنم " وويل لهم " الشدة من العذاب ثانية لهم مضافة إلى
الاولى " مما يكسبونه " من الاموال التي يأخذونها إذ أثبتوا عوامهم على الكفر بمحمد
رسول الله صلى الله عليه وآله ، والجحد لوصية أخيه علي ولي الله عليه السلام .
وقالوا : " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " الآية ، قال الامام عليه السلام : قال الله
عزوجل : " وقالوا " يعني اليهود المظهرين للايمان ، المسرين للنفاق ، المدبرين ( 1 )
على رسول الله صلى الله عليه وآله ( 2 ) وذويه بما يظنون أن فيه عطبهم ( 3 ) " لن تمسنا النار إلا أياما
معدودة " وذلك أنه كان لهم أصهار وإخوة رضاع من المسلمين يسرون كفرهم عن
محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وإن كانوا به عارفين ، صيانة لهم لارحامهم وأصهارهم ، قال لهم
هؤلاء : ولم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط عليكم
معذبون ؟ أجابهم ذلك اليهود بأن مدة ذلك العذاب نعذب به لهذه الذنوب أياما
معدودة تنقضي ، ثم نصير بعد في النعمة في الجنان ، فلا نتعجل المكروه في الدنيا للعذاب
الذي هو بقدر أيام ذنوبنا ، فإنها تفنى وتنقضي ، ونكون قد حصلنا لذات الحرية
من الخدمة ولذات نعمة الدنيا ، ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد ، فإنه إذا لم يكن دائما
فكأنه قد فنى .
فقال الله عزوجل : " قل " يا محمد " أتخذتم عند الله عهدا " أن عذابكم على كفركم
( هامش ص 319 ) ( 1 ) في نسخة : يعنى اليهود المظهرون للايمان ، المسرون للنفاق ، المدبرون اه .
( 2 ) في المصدر : اليهود المصرون المظهرون للايمان المسرون للنفاق المدبرون على رسول الله .
( 3 ) أى يظنون أن فيه هلاكهم .
[320]
بمحمد صلى الله عليه وآله ودفعكم لآياته في نفسه وفي علي عليه السلام وسائر خلفائه وأوليائه منقطع
غير دائم ؟ بل ما هو إلا عذاب دائم لا نفاد له ، فلا تجتروا على الآثام والقبائح من الكفر
بالله وبرسوله وبوليه المنصوب بعده على امته ، ليسوسهم ويرعاهم سياسة الوالد
الشفيق الرحيم الكريم لولده ، ورعاية الحدب المشفق على خاصته " فلن يخلف الله
وعده " عهده ، فلذلك أنتم ( 1 ) بما تدعون من فناء عذاب ذنوبكم هذه في حرز " أم
تقولون على الله ما لا تعلمون " بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون . ( 2 )
13 - م : " ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل " الآية ، قال
الامام عليه السلام : قال الله عزوجل وهو يخاطب هؤلاء اليهود الذين أظهر محمد صلى الله عليه
وآله الطيبين المعجزات لهم عند تلك الجبال ويوبخهم : " ولقد آتينا موسى الكتاب "
التوراة المشتمل على أحكامنا وعلى ذكر فضل محمد وآله الطيبين ، وإمامة علي بن
أبي طالب وخلفائه بعده ، وشرف أحوال المسلمين له ، وسوء أحوال المخالفين عليه " وقفينا
من بعده بالرسل " وجعلنا رسولا في أثر رسول " وآتينا " أعطينا " عيسى بن مريم البينات "
الآيات الواضحات : إحياء الموتى ، وإبراء الاكمه والابرص ، والانباء بما يأكلون وما
يدخرون في بيوتهم " وأيدناه بروح القدس " وهو جبرئيل عليه السلام ، وذلك حين رفعه
من روزنة بيته إلى السماء ، وألقى شبهه على من رام قتله فقتل بدلا منه ، وقيل : هو
المسيح . ( 3 )
14 - م : قوله عزوجل : " وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما
يؤمنون " قال الامام عليه السلام : قال الله تعالى : " وقالوا " يعني اليهود الذين أراهم رسول
الله صلى الله عليه وآله المعجزات المذكورات عند قوله : " فهي كالحجارة " الآية : " قلوبنا غلف "
أوعية للخير ، والعلوم قد أحاطت بها واشتملت عليها ، ثم هي مع ذلك لا نعرف لك يا
محمد فضلا مذكورا في شئ من كتب الله ، ولا على لسان أحد من أنبياء الله ، فقال الله
تعالى ردا عليهم : " بل " ليس كما يقولون أوعية للعلوم ولكن قد " لعنهم الله " أبعدهم
( هامش ص 320 ) ( 1 ) في المصدر : فكذلك انتم .
( 2 ) تفسير العسكرى : 216 - 223 .
( 3 ) تفسير العسكرى : 148 ، وللحديث ذيل .
[321]
الله من الخير " فقليلا ما يؤمنون " قليل إيمانهم ، يؤمنون ببعض ما أنزل الله ويكفرون
ببعض ، فإذا كذبوا محمدا في سائر ما يقول فقد صار ما كذبوا به أكثر وما صدقوا به أقل ،
وإذا قرئ " غلف " فإنهم قالوا : قلوبنا غلف ، في غطاء فلا نفهم كلامك وحديثك ،
نحو ما قال الله تعالى : " وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن
بيننا وبينك حجاب " وكلا القراءتين حق ، وقد قالوا بهذا وبهذا جميعا .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : معاشر اليهود أتعاندون رسول رب العالمين ؟ و
تأبون الاعتراف بأنكم كنتم بذنوبكم من الجاهلين ؟ إن الله لا يعذب بها أحدا ولا
يزيل عن فاعل هذا عذابه أبدا ، إن آدم عليه السلام لم يقترح على ربه المغفرة لذنبه إلا
بالتوبة ، فكيف تقترحونها أنتم مع عنادكم ؟ . ( 1 )
توضيح : قال الطبرسي رحمه الله : القراآت المشهورة " غلف " بسكون اللام ،
وروي في الشواذ " غلف " بضم اللام عن أبي عمرو ، فمن قرأ بتسكين اللام فهو جمع
الاغلف ، يقال للسيف إذا كان في غلاف : أغلف ، ومن قرأ بضم اللام فهو جمع غلاف
فمعناه : أن قلوبنا أوعية العلم فما بالها لا تفهم ؟ .
15 - م : قوله عزوجل : " قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة " إلى
قوله : " والله بصير بما يعملون " قال الامام عليه السلام : قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام
إن الله تعالى لما وبخ هؤلاء اليهود على لسان رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وقطع معاذيرهم ، و
أقام عليهم الحجج الواضحة بأن محمدا صلى الله عليه وآله سيد النبيين وخير الخلائق أجمعين ، وأن
عليا عليه السلام سيد الوصيين ( 2 ) وخير من يخلفه بعده من المسلمين ، وأن الطيبين من
آله هم القوام بدين الله والائمة لعباد الله عزوجل ، وانقطعت معاذيرهم وهم لا يمكنهم
إيراد حجة ولا شبهة فجاؤوا إلى أن كابروا ( 3 ) فقالوا : لا ندري ما تقول ، ولكنا نقول :
إن الجنة خالصة لنا من دونك يا محمد ودون علي ودون أهل دينك وامتك ،
( هامش ص 321 ) ( 1 ) تفسير العسكرى : 156 وللحديث ذيل .
( 2 ) في نسخة : وأن عليا أمير المؤمنين .
( 3 ) في نسخة : إلى ان تكابروا .
[322]
وإنا بكم مبتلون وممتحنون ، ونحن أولياؤ الله المخلصون وعباده الخيرون ، و
مستجاب دعاؤنا غير مردود علينا بشئ من سؤالنا ربنا ، فلما قالوا ذلك قال الله تعالى
لنبيه عليه الصلاة والسلام : " قل " يا محمد لهؤلاء اليهود " إن كانت لكم الدار الآخرة "
الجنة ونعيمها " خالصة من دون الناس " محمد وعلي والائمة عليهم الصلاة والسلام
وسائر الاصحاب ومؤمني الامة وإنكم بمحمد وذريته ممتحنون ، وإن دعاءكم
مستجاب غير مردود " فتمنوا الموت " للكاذبين منكم ( 1 ) ومن مخالفيكم ، فإن محمدا
وعليا وذريتهما ( 2 ) يقولون : إنهم أولياء الله عزوجل من دون الناس الذين يخالفونهم
في دينهم ، وهم المجاب دعاؤهم ، فإن كنتم معاشر اليهود كما تدعون فتمنوا الموت
للكاذبين منكم ( 3 ) ومن مخالفيكم " إن كنتم صادقين " بأنكم أنتم المحقون ، المجاب
دعاؤكم على مخالفيكم ، فقولوا : اللهم أمت الكاذب منا ومن مخالفينا ، ليستريح منه
الصادقون ، ولتزداد حجتك ( 4 ) وضوحا بعد أن قد صحت ووجبت ( 5 ) .
ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما عرض هذا عليهم : لا يقولها أحد منكم إلا
قد غص بريقه فمات مكانه وكانت اليهود علماء بأنهم هم الكاذبون ، وأن محمدا صلى الله عليه وآله وعليا
عليه السلام ومصدقيهما هم الصادقون فلم يجسروا أن يدعوا بذلك لعلمهم بأنهم إن
دعوا فهم الميتون ، فقال تعالى : " ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم " يعني اليهود
لن يتمنوا الموت للكاذب بما قدمت أيديهم من الكفر بالله ، وبمحمد رسوله و
نبيه وصفيه ، وبعلي أخي نبيه ووصيه ، وبالطاهرين من الائمة المنتجبين ، قال
الله تعالى : " والله عليم بالظالمين " اليهود إنهم لا يجسرون أن يتمنوا الموت للكاذب


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 322 سطر 19 الى ص 330 سطر 18

لعلمهم أنهم هم الكاذبون ، ولذلك أمرك أن تبهرهم بحجتك ، وتأمرهم أن يدعوا على
الكاذب ليمتنعوا من الدعاء ويتبين للضعفاء أنهم هم الكاذبون . ثم قال : يا محمد
" ولتجدنهم " يعني هؤلاء اليهود " أحرص الناس على حيوة " وذلك لاياسهم من نعيم
( هامش ص 322 ) ( 1 ) في نسخة : للكذاب منكم .
( 2 ) في نسخة : فان محمدا وعليا وذويهما .
( 3 ) في نسخة : للكذاب منكم .
( 4 ) في المصدر : ولتزداد حجتكم وضوحا .
( 5 ) في النسخة المقروءة على المصنف . ووجهت .
[323]
الآخرة لانهماكهم في كفرهم الذين ( 1 ) يعلمون أنهم لا حظ لهم معه في شئ من خيرات الجنة
" ومن الذين أشركوا " قال تعالى : هؤلاء اليهود أحرص الناس على حياة ، وأحرص من الذين
أشركوا على حياة ، يعني المجوس لانهم لا يرون النعيم إلا في الدنيا ، ولا يؤملون خيرا في
الآخرة ، فلذلك هم أشد الناس حرصا على حياة ، ثم وصف اليهود فقال : " يود أحدهم "
يتمنى أحدهم " أن يعمر ألف سنة وما هو " أى التعمير ألف سنة " بمزحزحه " بمباعده
من العذاب " أن يعمر " تعميره ، وإنما قال : " وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر "
ولم يقل : وما هو بمزحزحه فقط ؟ لانه لو قال : وما هو بمزحزحه من العذاب والله
بصير لكان يحتمل أن يكون وما هو يعني وده وتمنيه بمزحزحه ، فلما أراد وماتعميره
قال : وما هو بمزحزحه أن يعمر ، ثم قال : " والله بصير بما يعملون " فعلى حسبه
يجازيهم ويعدل عليهم ولايظلمهم .
قال الحسن بن علي عليه السلام : لما كاعت اليهود عن هذا التمني وقطع الله معاذيرهم
قالت طائفة منهم وهم بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كاعوا وعجزوا : يامحمد فأنت والمؤمنون
المخلصون لك مجاب دعاؤكم ؟ وعلي أخوك ووصيك أفضلهم وسيدهم ؟ قال رسول
الله صلى الله عليه وآله : بلى .
قالوا : يا محمد فإن كان هذا كما زعمت فقل لعلي يدعوا الله لابن رئيسنا
هذا فقد كان من الشباب جميلا نبيلا وسيما قسميا : لحقه برص وجذام وقد صار حمى لايقرب ،
ومهجورا لا يعاشر ، يناول الخبز على أسنة الرماح . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ايتوني به ،
فاتي به ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه منه إلى منظر فظيع سمج قبيح كريه ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبا حسن ادع الله له بالعافية ، فإن الله يجيبك فيه ، فدعا له فلما
كان بعد ( عند خ ل ) فراغه من دعائه إذا الفتى قد زال عنه كل مكروه وعاد إلى
أفضل ما كان عليه من النبل والجمال والوسامة والحسن في المنظر .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للفتى : يافتى آمن بالذي أغاثك من بلائك . قال الفتى :
قد آمنت وحسن إيمانه فقال أبوه : يا محمد ظلمتني وذهبت مني بابني ، ياليته كان أجذم
( هامش ص 323 ) ( 1 ) في نسخة : لانهماكهم في كفرهم الذى .
[324]
أبرص كما كان ولم يدخل في دينك ، فإن ذلك كان أحب إلي .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لكن الله عزوجل قد خلصه من هذه الآفة وأوجب له نعيم
الجنة . قال أبوه : يامحمد ما كان هذا لك ولا لصاحبك ، ( 1 ) إنما جاء وقت عافيته فعوفي ،
فإن كان صاحبك هذا يعني عليا مجابا في الخير فهو أيضا مجاب في الشر فقل له :
يدعو علي بالجذام والبرص ، فإني أعلم أنه لا يصيبني ، ليتبين لهؤلاء الضعفاء الذين
قد اغتروا بك أن زواله عن ابني لم يكن بدعائه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يايهودي اتق الله وتهنأ بعافية الله إياك ، ولا تتعرض للبلاء
ولما لا تطيقه ، وقابل النعمة بالشكر ، فإن من كفرها سلبها : ومن شكرها امترى
مزيدها . فقال اليهودي : من شكر نعم الله تكذيب عدو الله المفتري عليه ، وإنما
اريد بهذا أن اعرف ولدي أنه ليس مما قلت له وادعيته قليل ولا كثير ، وأن الذي
أصابه من خير لم يكن بدعاء علي صاحبك .
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : يا يهودي هبك قلت : إن عافية ابنك لم يكن بدعاء
علي عليه السلام ، وإنما صادف دعاؤه وقت مجئ عافيته ، أرأيت لو دعا علي عليه السلام عليك
بهذا البلاء الذي اقترحته فأصابك أتقول : إن ما أصابني لم يكن بدعائه ، ولكنه صادف
دعاؤه وقت بلائي ؟ قال : لا أقول هذا ، لان هذا احتجاج مني على عدو الله في دين الله
واحتجاج منه علي ، والله أحكم من أن يجيب إلى مثل هذا فيكون قد فتن عباده و
دعاهم إلى تصديق الكاذبين .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فهذا في دعاء علي عليه السلام لابنك كهو في دعائه عليك ،
لا يفعل الله تعالى ما يلبس به على عباده دينه ويصدق به الكاذب عليه ، فتحير اليهودي
لما بطلت عليه شبهته وقال : يا محمد ليفعل علي هذا بي إن كنت صادقا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا أبا حسن قد أبى الكافر إلا عتوا وتمردا
وطغيانا ، فادع عليه بما اقترح ، وقل : اللهم ابتله ببلاء ابنه من قبل ، فقالها فأصاب
اليهودي داء ذلك الغلام مثل ما كان فيه الغلام من الجذام والبرص ، واستولى عليه الالم
( هامش ص 324 ) ( 1 ) في نسخة : ولا لاصحابك .
[325]
والبلاء ، وجعل يصرخ ويستغيث ويقول : يامحمد قد عرفت صدقك فأقلني .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لو علم الله صدقك لنجاك ، ولكنه عالم بأنك لا تخرج عن
هذا الحال إلا ازددت كفرا ، ولو علم أنه إن نجاك آمنت به لجاد عليك بالنجاة ، فإنه
الجوادالكريم .
ثم قال عليه السلام : فبقي اليهودي في ذلك الداء والبرص أربعين سنة آية للناظرين ،
وعبرة للمعتبرين ، وعلامة وحجة بينة لمحمد صلى الله عليه وآله باقية للغابرين ، وعبرة
للمتكبرين ، وبقي ابنه كذلك معافى صحيحح الاعضاء والجوارح ثمانين سنة عبرة
للمعتبرين ، وترغيبا للكافرين في الايمان ، وتزهيدا لهم في الكفر والعصيان .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله حين حل البلاء باليهودي بعد زوال البلاء عن ابنه : عبادالله
وإياكم والكفر لنعم الله ( 1 ) فإنه مشوم على صاحبه ، ألا وتقربوا إلى الله بالطاعات
يجزل لكم المثوبات ، وقصروا أعماركم في الدنيا بالتعرض لاعداء الله في الجهاد لتنالوا
طول أعمار الآخرة ( 2 ) في النعيم الدائم الخالد ، وابذلوا أموالكم في الحقوق اللازمة
ليطول غناؤكم في الجنة . فقام ناس فقالوا : يا رسول الله نحن ضعفاء الابدان قليلو الاعمار
الاموال لا نفي بمجاهدة الاعداء ، ولا تفضل أموالنا عن نفقات العيالات ، فماذا نصنع ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا فليكن صدقاتكم من قلوبكم وألسنتكم .
قالوا : كيف يكون ذلك يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله : أما القلوب فتقطعونها
( فتعقدونها خ ل ) على حب الله وحب محمد رسول الله وحب علي ولي الله ووصي رسول الله ،
وحب المنتجبين للقيام بدين الله ، وحب شيعتهم ومحبيهم ، وحب إخوانكم المؤمنين ،
والكف عن اعتقادات العداوات والشحناء والبغضاء ، وأما الالسنة فتطلقونها بذكر
الله تعالى بما هو أهله ، والصلاة على نبيه محمد وآله الطيبين ، فإن الله تعالى بذلك
يبلغكم أفضل الدرجات وينيلكم به المراتب العاليات . ( 3 )
( هامش ص 325 ) ( 1 ) في نسخة : بنعم الله .
( 2 ) في نسخة : طول الاعمار في الاخرة .
( 3 ) تفسير العسكرى : 179 - 182 .
[326]
بيان : كاع عنه أي هاب وجبن . والوسيم : الحسن الوجه ، وكذا القسيم
بمعناه . ويقال : هذا شئ حمى على فعل أي محظور لا يقرب ، ويقال : امترى الريح
السحاب أي استدره .
16 - م : قوله عزوجل : " ولقد أنزلنا إليك آيات بينات ومايكفر بها إلا الفاسقون "
قال الامام عليه السلام : قال الله تعالى : " ولقد أنزلنا إليك " يامحمد " آيات بيينات " دالات
على صدقك في نبوتك ، مبينات عن إمامة علي عليه السلام أخيك ووصيك وصفيك ،
موضحات عن كفر من شك فيك أو في أخيك أو قابل أمر واحد منكما بخلاف القبول
والتسليم . ثم قال : " وما يكفر بها " بهذه الآيات الدالات على تفضيلك وتفضيل علي عليه السلام
بعدك على جميع الورى " إلا الفاسقون " الخارجون عن دين الله وطاعته من اليهود الكاذبين ،
والنواصب المتسمين بالمسلمين .
قال الامام عليه السلام : قال علي بن الحسين عليهما السلام : وذلك أن رسول الله صلى الله وعليه وآله لما
آمن به عبدالله بن سلام بعد مسائله التي سألها رسول الله صلى الله عليه وآله وجوابه إياه عنها قال
له : يا محمد بقيت واحدة وهي المسألة الكبرى والغرض الاقصى : من الذي يخلفك بعدك
ويقضي ديونك وينجز عداتك ويؤدي أماناتك ويوضح عن آياتك وبيناتك ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : اولئك أصحابي قعود ، فامض إليهم فسيدلك النور
الساطع في دائرة غرة ولي عهدي وصفحة خديه ، وسينطق طومارك بأنه هو الوصي
وستشهد جوارحك بذلك .
فصار عبدالله بن سلام إلى القوم فرأى عليا عليه السلام يسطع من وجهه نور يبهر
نور الشمس ، ونطق طوماره وأعضاء بدنه كل يقول : يا ابن سلام هذا علي بن أبي طالب
عليه السلام المالئ جنان الله بمحبيه ونيرانه بشانئيه ، الباث دين الله في أقطار الارض
وآفاقها ، والنافي الكفر عن نواحيها وأرجائها ، فتمسك بولايته تكن سعيدا ، وأثبت
على التسليم له تكن رشيدا .
فقال عبدالله بن سلام : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا
صلى الله عليه وآله عبده ورسوله المصطفى ، وأمينه المرتضى ، وأميره على جميع الورى ،
[327]
وأشهد أن عليا عليه السلام أخوه وصفيه ، ووصيه القائم بأمره ، المنجز لعداته ، المؤدي
لاماناته ، الموضح لآياته وبيناته ، الدافع للاباطيل بدلائله ومعجزاته ، وأشهد
أنكما اللذان بشر بكما موسى ومن قبله من الانبياء ، ودل عليكما المختارون من
الاصفياء ، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وآله : قد تمت الحجج وانزاحت العلل وانقطعت المعاذير
فلا عذر لي إن تأخرت عنك ، ولا خير في إن تركت التعصب لك .
ثم قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهت ، وإنهم إن سمعوا بإسلامي وقعوا
في ، فاخبأني عندك ، ( 1 ) وإذا جاؤوك فسلهم عني لتسمع قولهم في قبل أن يعلموا
بإسلامي وبعده لتعلم أحوالهم ، فخبأه رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته ثم دعا قوما من اليهود
فحضروه وعرض عليهم أمره فأبوا ، فقال : بمن ترضون حكما بيني وبينكم ؟ قالوا :
بعبدالله بن سلام . قال : وأي رجل هو ؟ قالوا : رئيسنا وابن رئيسنا ، وسيدنا وابن
سيدنا ، وعالمنا وابن عالمنا ، وورعنا وابن ورعنا ، وزاهدنا وابن زاهدنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أرأيتم إن آمن بي أتؤمنون ؟ قالوا : قد أعاذه الله من ذلك
ثم أعادها وأعادوها . فقال : اخرج عليهم يا عبدالله وأظهر ما قد أظهره الله لك من أمر
محمد صلى الله عليه وآله ، فخرج عليهم وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله المذكور في التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر
كتب الله ، المدلول فيها عليه وعلى أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلما سمعوه يقول
ذلك قالوا : يامحمد سفيهنا وابن سفيهنا ، وشرنا وابن شرنا ، وفاسقنا وابن فاسقنا ، و
جاهلنا وابن جاهلنا ، كان غائبا عنا فكرهنا أن نغتابه .
فقال عبدالله : هذا الذي كنت أخافه يا رسول الله ، ثم إن عبدالله حسن إسلامه و
لحقه القصد الشديد من جيرانه من اليهود ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في حمارة القيظ في
مسجده يوما إذ دخل عليه عبدالله بن سلام وقد كان بلال أذن للصلاة والناس بين قائم
( هامش ص 327 ) ( 1 ) في نسخة : واغتابونى عندك ، والموجود في المصدر هكذا : وانهم ان سمعوا باسلامى
لانكروا بمرتبتى في علم التوراة وتعظيمهم بى وسندية قولى عندهم ، فأخبأنى عندك فاطلبهم فاذا جاؤوك
فاسألهم عن حالى ورتبتى بينهم لتسمع اه .
[328]
وقاعد وراكع وساجد فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى وجه عبدالله فرآه متغيرا وإلى عينيه
دامعتين ، فقال : مالك يا عبدالله ؟ فقال : يارسول الله قصدتني اليهود وأساءت جواري ،
وكل ماعون لي استعاروه مني وكسروه وأتلفوه ، وما استعرت منهم منعونيه ، ثم زاد
أمرهم بعد هذا فقد اجتمعوا وتؤاطؤوا وتحالفوا على أن لا يجالسني منهم أحد ، ولا
يبايعني ولا يشاريني ( 1 ) ولا يكلمني ولا يخالطني ، ( 2 ) وقد تقدموا بذلك إلى من في
منزلي ، فليس يكلمني أهلي ، وكل جيراننا يهود وقد استوحشت منهم ، فليس لي
انس بهم ، والمسافة ما بيننا وبين مسجدك هذا ومنزلك بعيدة ، فليس يمكنني في كل
وقت يلحقني ضيق صدر منهم أن أقصد مسجدك أو منزلك ، فلما سمع ذلك
رسول الله صلى الله عليه وآله غشيه ما كان يغشاه عند نزول الوحي عليه من تعظيم أمر الله تعالى ،
ثم سري عنه ( 3 ) وقد انزل عليه : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون * ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا
فإن حزب الله هم الغالبون " .
قال : يا عبدالله بن سلام " إنما وليكم الله " وناصركم على اليهود القاصدين
بالسوء لك " ورسوله " ( 4 ) إنما وليك وناصرك ( 5 ) " والذين آمنوا الذين " صفتهم أنهم
" يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون " أي وهم في ركوعهم ، ثم قال : يا عبدالله
بن سلام " ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا " من تولاهم ووالى أولياءهم وعادى
أعداءهم ولجأ عند المهمات إلى الله ثم إليهم " فإن حزب الله " جنده " هم الغالبون "
لليهود وسائر الكافرين ، أي فلا يهمنك ياابن سلام ، فإن الله تعالى وهؤلاء أنصارك ،
وهو كافيك شرور أعدائك وذائد عنك مكائدهم ، فقال رسول الله صلى الله وآله وسلم : يا عبدالله بن
( هامش ص 328 ) ( 1 ) في المصدر : ولا يشاورنى .
( 2 ) في نسخة : ولا يخاطبنى .
( 3 ) سرى عنه أى زال عنه ما كان يجده .
( 4 ) في المصدر : انما وليكم الله وناصركم على اليهود القاصدين بالسوء لك الله ورسوله ، انما
وليكم وناصركم والذين آمنوا .
( 5 ) في نسخة : أى انما وليك وناصرك .
[329]
سلام ابشر فقد جعل الله لك أولياء خيرا منهم : الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون .
فقال عبدالله : من هؤلاء الذين آمنوا ؟ فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى سائل فقال : هل
أعطاك أحد شيئا الآن ؟ قال : نعم ذلك المصلي ، أشار إلي بإصبعه : أن خذ الخاتم ، فأخذته
فنظر إليه وإلى الخاتم فإذا هو خاتم علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الله أكبر هذا وليكم
بعدي وأولى الناس بعدي ( 1 ) علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : ثم لم يلبث عبدالله إلا يسيرا
حتى مرض بعض جيرانه وافتقر وباع داره فلم يكن لها مشتريا غير عبدالله ، واسر آخر
من جيرانه فالجئ إلى بيع داره فلم يجد لها مشتريا غير عبدالله ، ثم لم يبق من جيرانه
من اليهود أحد إلا دهته داهية ( 2 ) واحتاج من أجلها إلى بيع داره ، فملك عبدالله تلك
المحلة ، وقلع الله تعالى شأفة اليهود ( 3 ) وحول عبدالله إلى تلك الدور قوما من خيار
المهاجرين وكانو له اناسا وجلاسا ، ورد الله كيد اليهود في نحورهم ، وطيب الله عيش
عبدالله بإيمانه برسوله وموالاته لعلي ولي الله عليه السلام .
قوله عزوجل : " أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون "
قال الامام عليه السلام : قال الباقر عليه السلام : قال الله تعالى وهو يوبخ هؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم
وعنادهم وهؤلاء النصاب الذين نكثوا ما اخذ من العهد عليهم فقال : " أوكلما عاهدوا
عهدا " وواثقوا وعاقدوا ليكونن لمحمد طائعين ولعلي بعده مؤتمرين وإلى أمره
صابرين " نبذه " نبذ العهد " فريق منهم " وخالفه ، قال الله تعالى : " بل أكثرهم " أكثر
هؤلاء اليهود والنواصب " لا يؤمنون " في مستقبل أعمارهم لا يرعون ولا يتوبون مع
مشاهدتهم للآيات ومعاينتهم للدلالات .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : اتقوا الله عباد الله ، واثبتوا على ما أمركم به رسول الله صلى الله عليه وآله
( هامش ص 329 ) ( 1 ) في نسخة : وأولى الناس بالناس بعدى .
( 2 ) أي أصابته داهية .
( 3 ) الشأفة : الاصل . العداوة . يقال : استأصل شأفته أى أزاله من أصله . واستأصل الله
شأفتهم أى عداوتهم .
[330]
من توحيد الله ومن الايمان بنبوة محمد صلى الله عليه وآله رسول الله ، ومن الاعتقاد بولاية
علي عليه السلام ولي الله ، ولا يغرنكم صلاتكم وصيامكم وعبادتكم السالفة إنما تنفعكم
إن وافيتم العهد والميثاق ، ( 1 ) فمن وفا وفي له وتفضل بالافضال عليه ، ومن نكث
فإنما ينكث على نفسه والله ولي الانتقام منه ، وإنما الاعمال بخواتيمها ، هذه وصية
رسول الله صلى الله عليه وآله لكل أصحابه وبها أوصى حين صار إلى الغار . ( 2 )
بيان : حمارة القيظ بتشديد الراء : شدة حره . وفي المثل : استأصل الله شأفته
أي أذهبه الله .
17 - م : قوله عزوجل : " ولما جاءهم رسول من عند الله " إلى قوله : " لمثوبة من
عند الله خير لو كانوا يعلمون " قال الامام عليه السلام : قال الصادق عليه السلام : " ولما جاءهم " جاء
اليهود ومن يليهم من النواصب " رسول من عند الله " مصدق لما معهم القرآن مشتملا
على فضل محمد وعلي عليهما السلام ، وإيجاب ولايتهما وولاية أوليائهما وعداوة أعدائهما " نبذ
فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله " اليهود التوراة وكتب أنبياء الله عليهم الصلاة
والسلام " وراء ظهورهم " تركوا العمل بما فيها وحسدوا محمدا صلى الله عليه وآله على نبوته ، و
عليا على وصيته ، وجحدوا ما وقفوا عليه من فضائلهما كأنهم لا يعلمون ، وفعلوا فعل
من جحد ذلك والرد له ، فعل من لا يعلم ، مع علمهم بأنه حق " واتبعوا " هؤلاء اليهود
والنواصب " ما تتلو " ما تقرء " الشياطين على ملك سليمان " وزعموا أن سليمان بذلك
السحر والتدبير والنيرنجات نال ما ناله من الملك العظيم فصدوهم به عن سبيل الله ،
وذلك أن اليهود الملحدين والنواصب المشركين ( المشاركين خ ل ) لهم في إلحادهم لما


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 330 سطر 19 الى ص 338 سطر 18

سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله فضائل علي وشاهدوا منه ومن علي عليه السلام المعجزات التي
أظهرها الله تعالى لهم على أيديهما أفضى بعض اليهود والنصاب إلى بعض وقالوا : ما محمد
إلا طالب الدنيا بحيل ومخاريق وسحر ونير نجات تعلمها وعلم عليا بعضها ، فهو
( هامش ص 330 ) ( 1 ) في المصدر : إنها لا تنفعكم ان خالفتم العهد والميثاق .
( 2 ) تفسير العسكرى : 187 - 189 . وللحديث ذيل لعله يخرجه في حديث الغار .
( 3 ) وفى نسخة : كتاب من عند الله . وفى المصدر : كتاب من عند الله القرآن مشتملا على
فضل محمد اه .
[331]
يريد أن يتملك علينا حياته ، ( 1 ) ويعقد الملك لعلي بعده ، وليس ما يقوله عن الله بشئ ،
إنما هو تقوله ، ( 2 ) فيعقد علينا وعلى ضعفاء عباد الله بالسحر والنيرنجات التي تعلمها ، ( 3 )
وأوفر الناس حظا من هذا السحر سليمان بن داود الذي ملك بسحره الدنيا كلها
من الجن والانس والشياطين ، ونحن إذا تعلمنا بعض ما كان تعلمه سليمان بن داود
تمكنا من إظهار مثل ما أظهره محمد وعلي ، وادعينا لانفسنا ما يجعله محمد لعلي ،
وقد استغنينا عن الانقياد لعلي ، فحينئذ ذم الله الجميع من اليهود والنواصب فقال
عزوجل : " نبذوا كتاب الله " الآمر بولاية محمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام " وراء ظهورهم "
فلم يعملوا به " واتبعوا ما تتلو " كفرة " الشياطين " من السحر والنيرنجات " على
ملك سليمان " الذين يزعمون أن سليمان ملك به ، ونحن أيضا به نظهر العجائب حتى
تنقاد لنا الناس ونستغني عن الانقياد لعلي ، قالوا : وكان سليمان كافرا وساحرا
ماهرا ، بسحره ملك ما ملك وقدر على ما قدر ، فرد الله تعالى عليهم وقال : " وما كفر
سليمان " ولا استعمل السحر كما قاله هؤلاء الكافرون " ولكن الشياطين كفروا
يعلمون الناس السحر " أي بتعليمهم الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان كفروا . ( 4 )
18 - م : قوله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا
واسمعوا وللكافرين عذاب أليم " قال الامام عليه السلام : قال : موسى بن جعفر عليهما السلام : إن
رسول الله صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة وكثر حوله المهاجرون والانصار وكثرت عليه المسائل
وكانوا يخاطبونه بالخطاب الشريف العظيم الذي يليق به صلى الله عليه وآله ، وذلك أن الله تعالى كان
قال لهم " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول
كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " وكان رسول الله صلى الله عليه وآله بهم
رحيما ، وعليهم عطوفا ، وفي إزالة الآثام عنهم مجتهدا ، حتى أنه كان ينظر إلى كل من
كان يخاطبه فيعمل على أن يكون صوته مرتفعا ( 5 ) على صوته ليزيل عنه ما توعده الله به
( هامش ص 331 ) ( 1 ) في المصدر : فهو يريد أن يتملك علينا في حياته .
( 2 ) في المصدر وفى نسخة : إنما هو قوله . وفى المصدر : ليعقد .
( 3 ) في المصدر : يستعملها .
( 4 ) تفسير العسكرى : 191 و 192 .
( 5 ) في نسخة : فيعمد أن يكون صوته مرتفعا .
[332]
من إحباط أعماله ، حتى أن رجلا أعرابيا ناداه يوما وهو خلف حائط بصوت له جهوري :
يا محمد ، فأجابه صلى الله عليه وآله بأرفع من صوته ، يريد أن لا يأثم الاعرابي بارتفاع صوته ، فقال
له الاعرابي : أخبرني عن التوبة إلى متى تقبل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أخا العرب
إن بابها مفتوح لابن آدم لا ينسد ( يسد خ ل ) حتى تطلع الشمس من مغربها ، وذلك
قوله تعالى : " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي بعض آيات ربك
يوم يأتي بعض آيات ربك " وهو طلوع الشمس من مغربها " لا ينفع نفسا إيمانها لم
تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " .
وقال موسى بن جعفر عليهما السلام : فكانت ( وكانت خ ) هذه اللفظة : " راعنا من ألفاظ
المسلمين الذين يخاطبون بها رسول الله صلى الله عليه وآله يقولون : راعنا ، أي أرع أحوالنا واسمع
منا نسمع منك ، وكان في لغة اليهود : اسمع لا سمعت ، فلما سمع اليهود المسلمين
يخاطبون بها رسوالله يقولون : راعنا ويخاطبون بها قالوا : كنا نشتم ( 1 ) محمدا صلى الله عليه وآله
إلى الآن سرا فتعالوا الآن نشتمه جهرا ، وكانوا يخاطبون رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون :
راعنا ، يريدون شتمه ، فتفطن لهم سعد بن معاذ الانصاري فقال : يا أعداء الله عليكم
لعنة الله ، أراكم تريدون سب رسول الله توهمونا أنكم تجرون في مخاطبته مجرانا
والله لا سمعتها ( أسمعها خ ل ) من أحد منكم إلا ضربت عنقه ، ولولا أني أكره أن أقدم
عليكم قبل التقدم والاستيذان له ولاخيه ووصيه علي بن أبي طالب عليه السلام القيم بامور
الامة ( 2 ) نائبا عنه لضربت عنق من قد سمعته منكم يقول هذا ، فأنزل الله تعالى : يا محمد
" من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير
مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع و
انظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا " وأنزل :
" ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم "
لا تقولوا : راعنا فإنها لفظة يتوصل بها أعداؤكم من اليهود إلى سب رسول الله صلى الله عليه وآله
( هامش ص 332 ) ( 1 ) في المصدر : إنا كنا نشتم .
( 2 ) في نسخة : القيم بامور امته .
[333]
وسبكم وشتمكم ، وقولوا : انظرنا ، أي قولوا بهذه اللفظة لا بلفظة راعنا فإنه ليس
فيها ما في قولكم : راعنا ، ولا يمكنهم أن يتوصلوا بها إلى الشتم كما يمكنهم بقولكم :
راعنا " واسمعوا " إذا قال لكم رسول الله صلى الله عليه وآله قولا وأطيعوا " وللكافرين " يعني اليهود
الشاتمين لرسول الله صلى الله عليه وآله " عذاب أليم " وجيع في الدنيا إن عادوا لشتمهم ، وفي الآخرة
بالخلود في النار .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عباد الله هذا سعد بن معاذ من خيار عباد الله آثر رضى
الله على سخط قراباته وأصهاره من اليهود ، أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، و
غضب لمحمد صلى الله عليه وآله رسول الله ولعلي ولي الله ووصي رسول الله صلى الله عليه وآله أن يخاطبا بما لا
يليق بجلالتهما ، فشكر الله له لتعصبه ( لغضبه خ ل ) لمحمد صلى الله عليه وآله وعلي وبوأه في الجنة
منازل كريمة وهيأ له فيها خيرات واسعة لا تأتي الالسن على وصفها ولا القلوب على
توهمها ( 1 ) والفكر فيها ، ولسلكة من مناديل موائده في الجنة ( 2 ) خير من الدنيا
بما فيها وزينتها ولجينها وجواهرها وسائر أموالها ونعيمها ، فمن أراد أن يكون فيها
رفيقه وخليطه فليتحمل غضب الاصدقاء والقرابات وليؤثر لهم رضى الله في الغضب لمحمد
رسول الله صلى الله عليه وآله ، وليغضب إذا رأى الحق متروكا ورأى الباطل معمولا به ، وإياكم و
الهوينا فيه ( 3 ) مع التمكن والقدرة وزوال التقية ، فإن الله لا يقبل لكم عذرا عند
ذلك . ( 4 )
19 - م : قوله عزوجل : " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين
أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم "
قال الامام عليه السلام : قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام : إن الله ذم اليهود والمشركين و
( هامش ص 333 ) ( 1 ) في هامش المصدر : ( على توسمها خ ل ) .
( 2 ) في نسخة : ولسلكة من فرائده في الجنة . وفى المصدر : من مناديل موائد نعمتها في الجنة .
( 3 ) في المصدر : وإياكم والتهون ( والهوينا خ ل ) فيه .
( 4 ) تفسير العسكرى : ص 194 - 196 ، وللحديث ذيل في عقاب تارك الامر بالمعروف و
النهى عن المنكر وغيره .
[334]
النواصب . ( 1 ) فقال : " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب " اليهود والنصارى " ولا
المشركين " ولا من المشركين الذين هم نواصب يغتاظون لذكر الله وذكر محمد وفضائل
علي عليه السلام ، وإبانته عن شريف فضله ومحله " أن ينزل عليكم من خير من ربكم "
من الآيات الزائدات في شرف محمد وعلي وآلهما الطيبين عليهم صلوات الله وسلامه ،
ولا يودون أن ينزل دليل معجز من السماء يبين عن محمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام ، ( 2 ) فهم
لاجل ذلك يمنعون أهل دينهم من أن يحاجوك مخافة أن تبهرهم حجتك ( 3 ) وتفحمهم
معجزاتك فيؤمن بك عوامهم أو يضطربون على رؤسائهم ، فلذلك يصدون من يريد
لقاءك يا محمد ، ليعرف أمرك ( 4 ) بأنه لطيف خلاق ساحر اللسان ، لا تراك ولا يراك خير
لك ، وأسلم لدينك ودنياك ، فهم بمثل هذا يصدون العوام عنك .
ثم قال الله عزوجل : " والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم " ( 5 )
على من يوفقه لدينه ويهديه إلى موالاتك وموالاة أخيك علي بن أبي طالب عليه السلام . قال
فلما قرعهم بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله حضره منهم جماعة فعاندوه ( فكذبوه خ ل ) وقالوا : يا
محمد إنك تدعي على قلوبنا خلاف ما فيها ، ما نكره أن ينزل عليك حجة تلزم الانقياد
لها فننقاد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أما إن عاندتم محمدا ههنا فستعاندون رب العالمين إذا
أنطق صحائفكم بأعمالكم ، وتقولون : ظلمتنا الحفظة وكتبوا علينا ما لم نجترمه
( نجزمه خ ) فعند ذلك يستشهد جوارحكم فتشهد عليكم .
فقالوا : لا تبعد شاهدك فإنه فعل الكذابين ، بيننا وبين القيامة بعد ، أرنا في
أنفسنا ما تدعي لنعلم صدقك ، ولن تفعله لانك من الكذابين .
( هامش ص 334 ) ( 1 ) في المصدر : ان الله تعالى ذم اليهود والنصارى والمشركين والنواصب .
( 2 ) أضاف في المصدر : وآلهما .
( 3 ) في نسخة : أن تقهرهم بحجتك .
( 4 ) في نسخة : ليعرفوهم أمرك . وفى نسخة ليغروهم بك .
( 5 ) الموجود في المصدر هكذا : " والله يختص برحمته " وتوفيقه لدين الاسلام وموالاة محمد
وعلى " من يشاء والله ذو الفضل العظيم " على من يوفقه لدينه .
[335]
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : استشهد جوارحهم ، فاستشهدها علي عليه السلام
فشهدت كلها عليهم أنهم لا يودون أن ينزل على امة محمد صلى الله عليه وآله على لسان محمد صلى الله عليه وآله
خير من عند ربكم ( ربهم خ ل ) آية بينة وحجة معجزة لنبوته وإمامة أخيه علي عليه السلام
مخافة أن تبهرهم حجته ، ويؤمن به عوامهم ، ويضطرب عليه كثير منهم . ( 1 )
فقالوا : يامحمد لسنا نسمع هذه الشهادة التي تدعي أنها تشهد بها جوارحنا .
فقال صلى الله عليه وآله : يا علي هؤلاء من الذين قال الله : " إن الله حقت عليهم كلمة ربك
لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية " ادع عليهم بالهلاك ، فدعا عليهم علي عليه السلام بالهلاك ،
فكل جارحة نطقت بالشهادة على صاحبها انفتقت حتى مات مكانه .
فقال قوم آخرون حضروا من اليهود : ما أقساك يا محمد قتلتهم أجمعين ! فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله : ما كنت ألين على من اشتد عليه غضب الله ، أما إنهم لو سألوا الله
بمحمد وعلي وآلهما الطيبين أن يمهلهم ويقيلهم لفعل بهم ، كما كان فعل بمن كان
قبل من عبدة العجل لما سألوا الله بمحمد وعلي وآلهما الطيبين ، وقال لهم ( 2 ) على
لسان موسى : لو كان دعا بذلك على من قتل لاعفاه الله من القتل كرامة لمحمد وعلي
وآلهما الطيبين عليهم السلام . ( 3 )
20 - ختص : عن ابن عباس قال : لما بعث محمد صلى الله عليه وآله أن يدعو الخلق إلى شهادة
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فأسرع الناس إلى الاجابة ، وأنذر النبي صلى الله عليه وآله
الخلق ، فأمره جبرئيل عليه السلام أن يكتب إلى أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى
ويكتب كتابا وأملى جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله كتابه ، وكان كاتبه يومئذ سعد بن
أبي وقاص ، فكتب إلى يهود خيبر :
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبدالله الامي رسول الله إلى يهود خيبر ، أما بعد
فإن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
( هامش ص 335 ) ( 1 ) في نسخة : ويضطرب على كثير منهم . وفى المصدر : ويضطرب عليهم كثير منهم .
( 2 ) في المصدر : وقال الله لهم .
( 3 ) تفسير العسكرى : ص 200 .
[336]
العظيم ، ثم وجه الكتاب إلى يهود خيبر ، فلما وصل الكتاب إليهم حملوه وأتوابه
رئيسا لهم يقال له عبدالله بن سلام ، إن هذا كتاب محمد إلينا فاقرأه علينا ، فقرأه فقال
لهم : ما ترون في هذا الكتاب ؟
قالوا : نرى علامة وجدناها في التوراة ، فإن كان هذا محمد الذي بشر به موسى
وداود وعيسى عليهم السلام سيعطل التوراة ويحل لنا ما حرم علينا من قبل ، فلو كنا
على ديننا كان أحب إلينا .
فقال عبدالله بن سلام : يا قوم اخترتم الدنيا على الآخرة والعذاب على الرحمة ؟
قالوا : لا . قال : وكيف لا تتبعون داعي الله ؟ قالوا : ياابن سلام وماعلمنا أن محمدا صادق
فيما يقول : ؟
قال : فإذا نسأله عن الكائن والمكون والناسخ والمنسوخ ، فإن كان نبيا كما
يزعم فإنه سيبين كما يبين الانبياء من قبل . قالوا : يا ابن سلام سر إلى محمد حتى
تنقض كلامه وتنظر كيف يرد عليك الجواب ؟ .
فقال : إنكم قوم تجهلون ، لو كان هذا محمد الذي بشر به موسى وعيسى بن مريم
وكان خاتم النبيين فلو اجتمع الثقلان : الانس والجن على أن يردوا على محمد حرفا
واحدا أو آية ما استطاعوا بإذن الله .
قالوا : صدقت يابن سلام فما الحيلة ؟ قال : علي بالتوراة فحملت التوراة إليه
فاستنسخ منها ألف مسألة وأربع مسائل ، ثم جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله حتى دخل
عليه يوم الاثنين بعد صلاة الفجر ، فقال : السلام عليك يا محمد .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : وعلى من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته ، من أنت ؟ فقال :
أنا عبدالله بن سلام من رؤساء بني إسرائيل وممن قرأ التوراة وأنا رسول اليهود إليك مع
آيات من التوراة ، تبين لنا ما فيها نراك من المحسنين .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : الحمد لله على نعمائه ، ياابن سلام جئتني سائلا أو متعنتا ؟
قال : بل سائلا يا محمد : قال : على الضلالة أم على الهدى ؟ قال : بل على الهدى يامحمد .
[337]
فقال النبي صلى الله عليه وآله : فسل عما تشاء . قال : أنصفت يامحمد ، فأخبرني عنك أنبي
أنت أم رسول ؟ قال : أنا نبي ورسول ، ذلك قوله تعالى في القرآن : " منهم من قصصنا
عليك ومنهم من لم نقصص عليك " .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني كلمك الله قبلا ؟ قال : ما لعبد أن يكلمه الله إلا
وحيا أو من وراء حجاب . قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني تدعو بدينك أم بدين الله ؟ قال
بل أدعو بدين الله وما لي دين إلا ما ديننا الله .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني إلى ما تدعو ؟ قال : إلى الاسلام والايمان بالله .
قال : وما الاسلام ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده
ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني كم دين لرب العالمين ؟ قال : دين واحد ، والله
تعالى واحد لا شريك له . قال : وما دين الله ؟ قال : الاسلام . قال : وبه دان النبيون
من قبلك ؟ قال : نعم قال : فالشرائع ؟ قال : كانت مختلفة وقد مضت سنة الاولين .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أهل الجنة يدخلون فيها بالاسلام أو بالايمان
أو بالعمل ؟ قال : منهم من يدخل بالثلاثة يكون مسلما مؤمنا عاملا فيدخل الجنة
بثلاثة أعمال ، أو يكون نصرانيا أو يهوديا أو مجوسيا فيسلم بين الصلاتين ويؤمن بالله
ويخلع الكفر من قلبه فيموت على مكانه ولم يخلف من الاعمال شيئا فيكون من أهل
الجنة ، فذلك إيمان بلا عمل ، ويكون يهوديا أو نصرانيا يتصدق وينفق في غير ذات
الله فهو على الكفر والضلالة يعبد المخلوق دون الخالق ، فإذا مات على دينه كان فوق
( مع خ ل ) عمله في النار يوم القيامة لان الله لا يتقبل إلا من المتقين .
قال : صدقت يا محمد . قال : فأخبرني هل انزل عليك كتابا ؟ قال : نعم . قال : و
أي كتاب هو ؟ قال : الفرقان . قال : ولم سماه فرقانا ؟ قال : لانه متفرق الآيات و
السور ، انزل في غير الالواح وغير الصحف ، والتوراة والانجيل والزبور انزلت كلها
جملا في الالواح والاوراق .
فقال صدقت يا محمد ، فأخبرني أي شئ مبتدؤ القرآن ؟ وأي شئ مؤخره ؟
[338]
قال : مبتدؤه " بسم الله الرحمن الرحيم " ومؤخره " أبجد " قال : ما تفسير أبجد ؟ قال :
الالف : آلاء الله ، والباء : بهاء الله ، والجيم : جمال الله ، والدال : دين الله وإدلاله على
الخير ، هوز : الهاوية ، حطي : حطوط الخطايا والذنوب ، سعفص : صاعا بصاع ، حقا
بحق ، فصا بفص ، يعني جورا بجور ، قرشت : سهم الله المنزل في كتابه المحكم .
بسم الله الرحمن الرحيم سنة الله سبقت رحمة الله غضبه ، قال : لما عطس آدم صلى الله عليه قال :
الحمد لله رب العالمين ، فأجابه ربه : يرحمك ربك يا آدم ، فسبقت له ذلك الحسنى من
ربه من قبل أن يعصى الله في الجنة .
فقال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أربعة أشياء خلقهن الله تعالى بيده . قال : خلق
الله جنات عدن بيده ، ونصب شجرة طوبى في الجنة بيده ، وخلق آدم عليه السلام بيده ،
وكتب التوراة بيده .
قال : صدقت يا محمد : قال : فمن أخبرك بهذا ؟ قال : جبرئيل عليه السلام . قال :
جبرئيل عمن ؟ قال : عن ميكائيل . قال : ميكائيل عمن ؟ قال : عن إسرافيل . قال :
إسرافيل عمن ؟ قال : عن اللوح المحفوظ . قال : اللوح عمن ؟ قال : عن القلم ، قال : القلم
عمن ؟ قال : عن رب العالمين .
قال صدقت يا محمد ، قال : فأخبرني عن جبرئيل في زي الاناث أم في زي الذكور ؟
قال : في زي الذكور ليس في زي الاناث . قال : فأخبرني ما طعامه ؟ قال : طعامه
التسبيح ، وشرابه التهليل .
قال : صدقت يامحمد ، فأخبرني ما طول جبرئيل ؟ قال : إنه على قدر بين الملائكة


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 9 من ص 338 سطر 19 الى ص 346 سطر 13

ليس بالطويل العالي ، ولا بالقصير المتداني ، له ثمانون ذؤابة ، وقصته جعدة ، وهلال
بين عينيه ، أغر ، أدعج محجل ، ( 1 ) ضوؤه بين الملائكة كضوء النهار عند ظلمة الليل ،
( هامش ص 338 ) ( 1 ) الذؤابة : شعر في مقدم الرأس . القصة : شعر الناصية : كل خصلة من الشعر . الاغر : الحسن . الابيض من كل شئ . دعجت العين : صارت شديدة السواد مع سعتها ، فصاحبها أدعج .
وفى الحديث : امتى الغر المحجلون أى بيض مواضع الوضوء من الايدى والاقدام . والخيل المحجل
الذى يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد ويجاوز الارساغ ولا يجاوز الركبتين . قاله
الجزرى في النهاية .
[339]
له أربع وعشرون جناحا خضرا مشتبكة بالدر والياقوت ، مختمة باللؤلؤ ، وعليه وشاح ( 1 )
بطانته الرحمة ، إزاره الكرامة ، ( 2 ) ظهارته الوقار ، ريشه الزعفران ، واضح الجبين ،
أقنى الانف ، ( 2 ) سائل الخدين ، ( 3 ) مدور اللحيين ، حسن القامة ، لا يأكل ولا يشرب ،
ولا يمل ولا يسهو ، قائم بوحي الله إلى يوم القيامة .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما الواحد ؟ وما الاثنان ؟ وما الثلاثة ؟ وما الاربعة ؟
وما الخمسة ؟ وما الستة ؟ وما السبعة ؟ وما الثمانية ؟ وما التسعة ؟ وما العشرة ؟ وما
الاحد عشر ؟ وما الاثنا عشر ؟ وما الثلاثة عشر ؟ وما الاربعة عشر ؟ وما الخمسة عشر ؟
وما الستة عشر ؟ وما السبعة عشر ؟ وما الثمانية عشر ؟ وما التسعة عشر ؟ وما العشرون ؟
وما الاحد وعشرون ؟ وما الاثنان وعشرون ؟ وثلاثة وعشرون ؟ وأربعة وعشرون ؟
وخمسة وعشرون ؟ وستة وعشرون ؟ وسبعة وعشرون ؟ وثمانية وعشرون ؟ وتسعة
وعشرون ؟ وما الثلاثون ؟ وما الاربعون ؟ وما الخمسون ؟ وما الستون ؟ وما السبعون ؟
وما الثمانون ؟ وما التسعة والتسعون ؟ وما المائة ؟ .
قال : نعم ياابن سلام ، أما الواحد : فهو الله الواحد القهار لا شريك له ولا
صاحبة ولا ولد له ، يحيي ويميت ، بيده الخير وهو على كل شئ قدير .
وأما الاثنان : فآدم وحواء كانا زوجين في الجنة قبل أن يخرجا منها .
وأما الثلاثة : فجبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، وهم رؤساء الملائكة وهم على
وحي رب العالمين .
وأما الاربعة : فالتوراة والانجيل والزبور والفرقان .
وأما الخمسة : انزل علي وعلى امتي خمس صلوات لم تنزل على من قبلي ،
ولا تفترض على امة بعدي لانه لا نبي بعدى .
وأما الستة : خلق الله السموات والارض في ستة أيام .
( هامش ص 339 ) ( 1 ) الوشاح : شبه قلادة من نسيج عريض يرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحيها .
( 2 ) قنى الانف : ارتفع وسط قصبته وضاق منخراه فهو أقنى .
( 3 ) في النهاية : في صفته صلى الله عليه وآله : سائل الاطراف أى ممتدها .
[340]
وأما السبعة : فسبعة سماوات شداد وذلك قوله تعالى : " وبنينا فوقكم
سبعا شدادا " .
وأما الثمانية : يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون .
وأما التسعة : آتينا موسى تسع آيات بينات .
وأما العشرة : تلك عشرة كاملة .
وأما الاحد عشر : قول يوسف لابيه : يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا .
وأما الاثنا عشر : فالسنة تأتي كل عام اثنا عشر شهرا جديدا .
وأما الثلاثة عشر كوكبا : فهم إخوة يوسف . وأما الشمس والقمر فالام
والاب . ( 1 )
وأما الاربعة عشر : فهو أربعة عشر قنديلا من نور معلقا بين العرش والكرسي
طول كل قنديل مسيرة مائة سنة .
وأما الخمسة عشر : فإن القرآن ( الفرقان خ ل ) انزل علي آيات مفصلات في
خمسة عشر يوما خلا من شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من
الهدى والفرقان .
وأما الستة عشر فستة عشر صفا من الملائكة حافين من حول العرش وذلك
قوله تعالى : " حافين من حول العرش " .
وأما السبعة عشر : فسبعة عشر اسما من أسماء الله تعالى مكتوبا بين الجنة و
النار ، ولولا ذلك لزفرت جهنم زفرا فتحرق من في السماوات ومن في الارض .
وأما الثمانية عشر فثمانية عشر حجابا من نور معلق بين الكرسي والحجب ،
ولولا ذلك لذابت صم الجبال الشوامخ ، فاحترقت الانس والجن من نور الله .
قال : صدقت يا محمد .
( هامش ص 340 ) ( 1 ) تفسير لقول يوسف : " يا ابت إنى رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين "
فالمجموع ثلاثة عشر منه احدى عشر كوكبا وهم إخوة يوسف والاثنان منه وهو الشمس والقمر أبوه
وامه . وفى نسخة : واما الثلاثة عشر كوكبا فهم اخوة يوسف ( وابواه ظ ) .
[341]
قال : وأما التسعة عشر : فهي سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها
تسعة عشر .
وأما العشرون : انزل الزبور على داود في عشرين يوما خلون من شهر رمضان
وذلك قوله تعالى في القرآن : " وآتينا داود زبورا " .
وأما أحد وعشرون : فتلا سليمان بن داود وسبحت معه الجبال .
وأما الاثنان والعشرون : تاب الله على داود وغفر له ذنبه ولين الحديد
يتخذ منه السابغت وهي الدروع .
وأما الثلاثة والعشرون : انزل المائدة فيه من شهر الصيام على عيسى عليه السلام .
وأما الاربعة والعشرون : كلم الله موسى تكليما .
وأما الخمسة والعشرون : فلق الحر لموسى ولبني إسرائيل .
وأما الستة والعشرون : أنزل الله على موسى التوراة .
وأما السبعة والعشرون : ألقت الحوت يونس بن متى من بطنها .
وأما الثمانية والعشرون : رد الله بصر يعقوب عليه .
وأما التسعة والعشرون : رفع الله إدريس مكانا عليا .
وأما الثلاثون : وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه
أربعين ليلة .
وأما الخمسون : يوما كان مقداره خمسين ألف سنة .
وأما الستون : فالارض لها ستون عرقا ، والناس خلقوا على ستين يوما
( نوعا خ ل ) .
وأما السبعون : فاختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا .
وأما الثمانون : فشارب الخمر يجلد بعد تحريمه ثمانين سوطا .
وأما التسعة والتسعون : له تسعة وتسعون نعجة .
وأما المائة : فالزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة .
قال صدقت يا محمد ، فأخبرني عن آدم عليه السلام كيف خلق ؟ ومن أي شئ خلق ؟
[342]
قال : نعم إن الله سبحانه وبحمده وتقدست أسماؤه ولا إله غيره خلق آدم من الطين ،
والطين من الزبد ، والزبد من الموج ، والموج من البحر ، والبحر من الظلمة ، والظلمة
من النور ، والنور من الحرف ، والحرف من الآية ، والآية من السورة ، والسورة من
الياقوتة ، والياقوتة من كن ، وكن من لا شئ .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني كم لعبد من الملائكة ؟ قال : لكل عبد ملكان :
ملك عن يمينه وملك عن شماله ، الذي عن يمينه يكتب الحسنات ، والذي عن
شماله يكتب السيئات . قال : فأين يقعد الملكان ؟ وما قلمهما ؟ وما دواتهما ؟ وما
لوحهما ؟ قال : مقعدهما كتفاه ، وقلمهما لسانه ، ودواتهما حلقه ، ومدادهما ريقه ،
ولوحهما فؤاده ، يكتبون أعماله إلى مماته .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما خلق الله بعد ذلك ؟ قال : ن والقلم . قال : وما
تفسير ن والقلم . قال : النون : اللوح المحفوظ ، والقلم : نور ساطع ، وذلك قوله تعالى :
" ن والقلم وما يسطرون " .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني ما طوله ؟ وما عرضه ؟ وما مداده ؟ وأين مجراه ؟
قال : طول القلم خمسمائة سنة ، وعرضه مسيرة ثمانين سنة ، يخرج المداد من بين أسنانه
يجري في اللوح المحفوظ بأمر الله وسلطانه .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن اللوح المحفوظ مما هو ؟ قال : من زمردة
خضراء أجوافه اللؤلؤ ، بطانته الرحمة .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني كم لحظة لرب العالمين في اللوح في كل يوم وليلة ؟
قال : ثلاث مائة وستون لحظة .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني أين هبط آدم عليه السلام ؟ قال : بالهند . قال : حواء ؟
قال : بجدة . قال : إبليس ؟ قال : بإصفهان . قال : فما كان لباس آدم حيث انزل من
الجنة ؟ قال ورقات من ورق الجنة ، كان متزرا بواحدة ، مرتديا بالاخرى ،
ومعتما بالثالث . قال : فما كان لباس حواء ؟ قال : شعرها كان يبلغ الارض . قال : فأين
اجتمعا ؟ قال : بعرفات .
[343]
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أول ركن وضع الله تعالى في الارض . قال :
الركن الذي بمكة وذلك قوله تعالى في القرآن : " إن أول بيت وضع للناس للذي
ببكة مباركا " .
قال : صدقت يا محمد . قال : فأخبرني عن آدم خلق من حواء ، أو حواء خلقت من
آدم ؟ قال : بل خلقت حواء من آدم ، ولو أن آدم خلق من حواء لكان الطلاق بيد
النساء ولم يكن بيد الرجال . قال : من كله أو بعضه ؟ قال : بل من بعضه ، ولو خلقت
حواء من كله لجاز القصاص في النساء كما يجوز في الرجال قال : فمن ظاهره أو من
باطنه ؟ قال : بل من باطنه ، ولو خلقت من ظاهره لكشفت النساء كما ينكشف الرجال ،
فلذلك النساء مستترات . قال : من يمينه أو من شماله ؟ قال : بل من شماله ، ولو خلقت
من يمينه لكان حظ الذكر والانثى واحدا ، لذلك للذكر سهمان ، وللانثى سهم ،
وشهادة امرأتين برجل واحد . قال : فمن أي موضع خلقت من آدم ؟ قال صلى الله عليه وآله : من
ضلعه الايسر .
قال : من سكن الارض قبل آدم ؟ قال : الجن . قال : وبعد الجن ؟ قال : الملائكة .
قال : وبعد الملائكة ؟ قال : آدم . قال : فكم كان بين الجن وبين الملائكة ؟ قال :
سبعة آلاف سنة . قال : فبين الملائكة وبين آدم ؟ قال : ألفي ألف سنة .
قال صدقت يا محمد ، فأخبرني عن آدم حج البيت ؟ قال : نعم . قال : من حلق رأس
آدم ؟ قال : جبرئيل . قال : من ختن آدم ؟ قال : اختتن بنفسه . قال : ومن اختتن بعد
آدم ؟ قال : إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام .
قال : صدقت يامحمد ، فأخبرني عن رسول لا من الانس ولا من الجن ولا من
الوحش . قال : بعث الله غرابا يبحث في الارض .
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن بقعة أضاءته الشمس مرة ولا تعود اخرى إلى
يوم القيامة ؟ قال : لما ضرب موسى البحر بعصاه انفلق البحر باثني عشر قطعة ، وأضاءت
الشمس على أرضه ، فلما غرق الله فرعون وجنوده أطبق البحر ولا تضئ الشمس إلى
تلك البقعة إلى يوم القيامة .
[344]
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن بيت له اثنا عشر
رزقا لاثني عشر ولدا . قال : لما دخل موسى البحر مر بصخرة بيضاء مربعة كالبيت ،
فشكا بنو إسرائيل العطش إلى موسى فضربها بعصاه فانفجرت منها اثنا عشر عينا من
اثني عشر بابا . ( 1 )
أقول : إلى هنا انتهى ما وجدنا من الخبر ، وقد كان سقط منه أشياء في المنقول
منه ، وكان فيه بعض التصحيف فنقلنا كما وجدنا .
بيان : قوله صلى الله عليه وآله : ( منهم من قصصنا ) كأنها نقلت بالمعنى ، وفي القرآن هكذا :
" ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك " أي كل من هؤلاء رسول
نبي مثلي .
قوله صلى الله عليه وآله : ( ومؤخره أبجد ) لعل المراد بالتأخر التأخر بحسب الرتبة ، أو
أنه يلزم تعلم معانيه بعد تعلم القرآن ، وأكثر ما في الخبر على ما كان مشهورا
بين أهل الكتاب ومن خصائصهم لايعلمها إلا الانبياء والاوصياء عليهم السلام ومن أخذ عنهم .
} باب 3 نادر { 1 - ب : هارون ، عن ابن زياد ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام قال : مر بعض الصحابة
براهب فكلمه بشئ فقال له الراهب : يا عبدالله إن دينك جديد وديني خلق ، فلو قد
خلق دينك لم يكن شئ أحب إليك من مثلها . ( 2 )
( هامش ص 344 ) ( 1 ) الاختصاص : مخطوط ونسخته غير موجودة عندنا .
( 2 ) قرب الاسناد : ص 40 .
[346]
بسمه تعالى
إلى هنا تم الجزء التاسع من كتاب بحار الانوار من
هذه الطبعة المزدانة بتعاليق نفيسة وقيمة وفوائد جمة ثمينة ، و
يحوي هذا الجزء 188 حديثا في أربعة أبواب ويتلوه الجزء العاشر
وسيصدر قريبا بعون الله تعالى .
وقد قوبل هذا الجزء من هذا الكتاب القيم بعدة نسخ
مخطوطة ومطبوعة ، منها نسخة ثمينة نفيسة مقروءة على المصنف
قدس سره الشريف وقد أتحفنا إياها الاستاذ المعظم
السيد محمد مشكوة - أطال الله بقاه فمن الواجب أن نقدم إليه
ثناءنا العاطر وشكرنا الجزيل ، وفقه الله تعالى وإيانا لجميع
مرضاته إنه ولي التوفيق .
يحيى العابدى الزنجانى