بسمه تعالى

-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 1 سطر 1 إلى صفحه 9 سطر 19

[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
( باب 19 ) * ( عفو الله تعالى وغفرانه وسعة رحمته ونعمه على العباد ) *
الايات البقرة " 2 " فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين 64
" وقال تعالى " : إن الله غفور رحيم " في موضعين " 173 و 182 " وقال تعالى " :
والله رؤف بالعباد 207 " وقال تعالى " : والله غفور رحيم 218 " وقال تعالى " : والله
يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون 221 " وقال
تعالى " : والله غفور حليم 225 " وقال تعالى " : فإن الله غفور رحيم 226 " وقال " :
واعلموا أن الله غفور حليم 235 " وقال " : ولكن الله ذو فضل على العالمين 251 .
آل عمران " 3 " والله رؤف بالعباد 30 " وقال تعالى " : قل إن الفضل بيدالله
يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم 73 - 74
" وقال تعالى " : ولله ما في السموات وما في الارض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله
غفور رحيم 129 " وقال " : والله ذو فضل على المؤمنين 152 " وقال " : ولقد عفا الله عنهم
إن الله غفور حليم 155 " وقال تعالى " : والله ذو الفضل عظيم 174 .
النساء " 4 " إن كان غفورا رحيما 23 " وقال " : والله غفور رحيم 25 " وقال " :
والله يريد أن يتوب عليكم 27 " وقال " : يريد الله أن يخفف عنكم 28 " وقال " إن الله
كان بكم رحيما 29 " وقال " إن الله كان عفوا غفورا 43 " وقال تعالى " : إن الله لا يغفر
أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء 48 " وقال " : لوجدوا الله توابا رحيما 64
" وقال " : فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا 99 .
[ 2 ]
المائدة " 5 " فإن الله غفور رحيم 3 " وقال " : يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء 18
" وقال تعالى " فاعلموا أن الله غفور رحيم 34 " وقال تعالى " : ألم تعلم أن الله له ملك
السموات والارض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شئ قدير 40 .
الانعام " 6 " فقل ربكم ذو رحمة واسعة 147 .
الاعراف " 7 " قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها
للذين يتقون 156 .
الانفال " 8 " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف 38 .
التوبة " 9 " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم
ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين 80 " وقال تعالى " : وآخرون
اعترفوا بذبوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور
رحيم 102 " وقال تعالى " : وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم
والله عليم حكيم 106 " وقال تعالى " : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين
ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم 113 " وقال تعالى " :
إنه بهم رؤف رحيم 117 " وقال تعالى " : إن الله لا يضيع أجر المحسنين 120 " وقال تعالى " :
ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون 121 .
يوسف " 12 " قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين 92 .
ابراهيم " 14 " يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى 10 .
الحجر " 15 " نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب
الاليم 49 - 50 .
الاسرى " 17 " ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحكم أو إن يشأ يعذبكم 54 .
النور " 24 " ولو لا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم 10 " وقال تعالى " :
ولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤف رحيم 20 " وقال تعالى " : ألا تحبون أن
يغفر الله لكم والله غفور رحيم 22 .
القصص " 28 " من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين
عملوا السيئات إلا ما كانوا يعلمون 84 .
[ 3 ]
الاحزاب " 33 " وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا 47 .
فاطر " 35 " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن
يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا 45 .
الزمر " 39 " قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن
الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم 53 .
المؤمن " 40 " إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون 61 .
حمعسق " 42 " ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور 23 .
الفتح " 48 " ولله ملك السموات والارض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء و
كان الله غفورا رحيما 14 .
الحجرات " 49 " والله غفور رحيم 5 .
النجم " 53 " إن ربك واسع المغفرة 32 .
الحديد " 57 " وإن الله بكم لرؤف رحيم 9 " وقال تعالى " : ويغفر لكم والله غفور
* لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله وأن الفضل بيد الله
يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 28 - 29 .
1 - ن : القطان والنقاش والطالقاني ، عن أحمد الهمداني ، عن علي بن الحسن
ابن فضال ، عن أبيه قال : قال الرضا عليه السلام في قول الله عزوجل : " إن أحسنتم أحسنتم
لانفسكم وإن أسأتم فلها " قال : إن أحسنتم أحسنتم لانفسكم ، وأن أسأتم فلها رب
يغفر لها . " ص 163 "
بيان : قيل : اللام بمعنى على ، أي إن أسأتم فعلى أنفسكم ، وقيل : أي فلها
الجزاء والعقاب ، وما في الخبر مبني على الاكتفاء ببعض الكلام وهو شائع .
2 - ما : المفيد ، عن عمر بن محمد ، عن الحسين بن إسماعيل ، عن عبدالله بن شبيب
عن أبي العينا ، عن محمد بن مسعر قال : كنت عند سفيان بن عيينة فجاءه رجل فقال له : روي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : إن العبد إذا أذنب ذنبا ثم علم أن الله عزوجل يطلع عليه
غفر له ، فقال ابن عيينة : هذا كتاب الله عزوجل قال الله تعالى : " وما كنتم تستترون أن
[ 4 ]
يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما
تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرديكم " ( 1 ) فإذا كان الظن هو المردي
كان ضد هو المنجي . " 33 "
3 - ما : المفيد ، عن الحسين بن علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد المقري ، عن
يعقوب بن إسحاق ، عن عمرو بن عاصم ، عن معمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عثمان
النهدي ( 2 ) عن جندب ( 3 ) الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن رجلا قال يوما : والله
لا يغفر الله لفلان ، قال الله عزوجل : من ذا الذي تألى على أن لا أغفر لفلان ؟ فإني
قد غفرت لفلان ، وأحبطت عمل المتألي بقوله : لا يغفر الله لفلان . " 36 - 37 "
بيان : قال الجزري : فيه : من يتألى على الله يكذبه أي من حكم عليه وحلف
كقولك : والله ليدخلن الله فلانا النار ، وهو من الالية : اليمين ، يقال : آلى يؤلي
أيلاءا ، وتألي يتألي تأليا ، والاسم الالية ، ومنه الحديث : من المتألي على الله ؟ .
4 - ما المفيد ، عن الحسين بن محمد التمار ، عن محمد بن القاسم الانباري ، عن أبيه ،
عن الحسين بن سليمان الزاهد قال : سمعت أبا جعفر الطائي الواعظ يقول : سمعت وهب
ابن منبه يقول : قرأت في زبور داود أسطرا : منها ما حفظت ، ومنها ما نسيت ، فما حفظت
قوله : يا داود اسمع مني ما أقول - والحق أقول - من أتاني وهو يحبني أدخلته الجنة ،
* ( هامش ) * ( 1 ) حم السجدة : 22 - 23 أرداكم أي أهلككم ، نسب الهلاك إلى الظن لانه كان سببا
لهلاكهم ، وإنما أهلكهم الله سبحانه جزاءا على أفعالهم القبيحة ، وظنونهم السيئة .
( 2 ) بفتح النون وسكون الهاء ، هو عبدالرحمن بن مل - بلام ثقيلة والميم مثلثة - قال ابن حجر
في التقريب : مشهور بكنيته ، مخضرم ، من كبار الثانية ، ثقة ، ثبت ، عابد ، مات سنة 95 وقيل :
بعدها ، وعاش 130 سنة ، وقيل : أكثر .
( 3 ) بضم الجيم ، وسكون النون ، وفتح الدال المهملة ، هو جندب بن جنادة ، أبوذر الغفارى ،
الصحابى الكبير ، أول من حيى رسول الله صلى الله عليه وآله بتحية الاسلام ، وفيه قال النبى
صلى ا لله عليه وآله وسلم : ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء على ذى لهجة أصدق من أبى ذر ،
كثيرة جدا ، نفاه عثمان إلى الربذة فمات فيها سنة 32 وصلى الله عليه ابن مسعود ، له خطبة يشرح فيها
الامور بعد النبى صلى الله عليه وآله . [ * ]
[ 5 ]
ياداود اسمع مني ما أقول - والحق أقول - من أتاني وهو مستحي من المعاصي التي
عصاني بها غفرتها له وأنسيتها حافظيه ، ياداود اسمع مني ما أقول - والحق أقول -
من أتاني بحسنة واحدة أدخلته الجنة . قال داود : يارب وما هذه الحسنة ؟ قال :
من فرج عن عبد مسلم ، فقال داود : إلهي لذلك لا ينبغي لمن عرفك أن ينقطع ( 1 ) رجاءه
منك . " ص 65 "
5 - ما : المفيد ، عن الجعابي ، عن ابن عقدة ، عن جعفر بن محمد بن هشام ، عن
محمد بن إسماعيل البزاز ، عن إلياس بن عامر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير
قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إذا دخل أهل الجنة الجنة بأعمالهم فأين عتقاء الله
من النار ؟ . ( 2 ) " ص 112 "
6 - ين : فضيل بن عثمان ، عن أبي عبيدة قال : قلت : جعلت فداك ادع الله لي فإن
لي ذنوبا كثيرة ، فقال : مه يا أبا عبيدة لا يكون الشيطان عونا على نفسك ، ( 3 ) إن عفو الله
لا يشبهه شئ .
7 - ين : ابن محبوب ، عن الثمالي ، عن أبي إسحاق قال : قال علي عليه السلام لاحدثنكم
بحديث يحق على كل مؤمن أن يعيه ، ( 4 ) فحدثنا به غداة ونسيناه عشية ، قال :
فرجعنا إليه فقلنا له : الحديث الذي حدثتناه به غداة نسيناه وقلت : هو حق كل
مؤمن أن يعيه فأعده علينا ، فقال : إنه ما من مسلم يذنب ذنبا فيعفو الله عنه في الدنيا إلا
كان أجل وأكرم من أن يعود عليه بعقوبة في الآخرة ، وقد أجله في الدنيا ، وتلا هذه
الآية : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " . ص 94
8 - ما : ابن مخلد ، عن الرزاز ، عن محمد بن الهيثم القاضي ، عن محمد بن إسماعيل بن
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : كذلك لا ينبغى لمن عرفك ان يقطع .
( 2 ) في المصدر بعد ذلك : ان لله عتقاءا من النار . م
( 3 ) أى عونا على هلاك نفسك بيأسك وقنوطك عن رحمة الله .
( 4 ) أى جدير لكل مسلم وحقيق عليه أن يقبله ويتدبره ويحفظه . [ * ]
[ 6 ]
عباس ، عن أبيه ، عن صمصم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد قال : كان جبير بن نفير ( 1 )
يحدث أن رجالا سألوا النواس بن سمعان ( 2 ) فقالوا : ما أرجى شئ سمعت لنا من
رسول الله صلى الله عليه واله ؟ فقال النواس : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : من مات وهو لا يشرك بالله
عزوجل شيئا فقد حلت له مغفرته ، إن شاء أن يغفر له ، قال نواس عند ذلك : إني لارجو
أن لا يموت أحد تحل له مغفرة الله عزوجل إلا غفر له . " 249 - 250 "
9 - ثو : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن محمد بن بكر ، عن زكريا بن محمد ، عن
محمد بن عبدالعزيز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه واله : قال الله
جل جلاله : من أذنب ذنبا فعلم أن لي أن اعذبه وأن لي أن أعفو عنه عفوت
عنه . " ص 173 " سن : أبي ، عمن ذكره ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم مثله . " ص 27 "
10 - ين : بعض أصحابنا ، عن حنان بن سدير ، عن رجل يقال له : روزبه ، وكان
من الزيدية ، عن الثمالي قال : قال أبوجعفر عليه السلام : ما من عبد يعمل عملا لا يرضاه الله
إلا ستره الله عليه أولا ، فإذا ثنى ستر الله ، فإذا ثلث أهبط الله ملكا في صورة آدمي
يقول للناس : فعل كذا وكذا .
11 - شى : عن حسين بن هارون - شيخ من أصحاب أبي جعفر - عنه عليه السلام قال :
سمعته يقرأ هذ الآية : " وآتيكم من كل ما سألتموه " قال : ثم قال أبوجعفر عليه السلام :
الثوب والشئ لم تسأله إياه أعطاك .
12 - يج : قال أبوهاشم : سمعت أبا محمد يقول : إن الله ليعفو يوم القيامة عفوا
يحيط على العباد ، ( 3 ) حتى يقول أهل الشرك : " والله ربنا ما كنا مشركين " فذكرت
* ( هامش ) * ( 1 ) بالنون والفاء مصغرا ، هو جبير بن نفير بن مالك الحضرمي ، وثقه ابن حجر وقال : جليل من
الثانية ، مخضرم ولابيه صحبة ، مات سنة 80 وقيل : بعدها .
( 2 ) بالنون المفتوحة والواو المشددة ، هو ابن سمعان بن خالد الكلابى أو الانصارى ،
صحابى مشهور ، سكن الشام ، قاله ابن حجر . ويوجد ذكره في باب أصحاب النبى صلى الله عليه و
آله وسلم من رجال الشيخ .
( 3 ) في الخرائج المطبوع هكذا : عفوا لا يخطر على بال العباد . [ * ]
[ 7 ]
في نفسى حديثا حدثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة : أن رسول الله صلى الله عليه واله قرأ ( 1 ) :
" إن الله يغفر الذنوب " فقال الرجل : ومن أشرك ؟ ( 2 ) فأنكرت ذلك وتنمرت ( 3 )
للرجل فأنا أقول في نفسي إذ أقبل علي فقال : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء " بئسما قال هذا ، ( 4 ) وبئسما روى ! . " ص 109 "
13 - شى : عن أبي معمر السعدي قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام في قوله :
" إن ربي على صراط مستقيم " : يعني أنه على حق يجزي بالاحسان إحسانا وبالسيئ
سيئا ، يعفو عمن يشاء ويغفر سبحانه وتعالى .
14 - نوادر الراوندى : بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله قال الله : إني لاستحيي من عبدي وأمتى يشيبان في الاسلام ثم اعذبهما .
15 - دعوات الراوندى : روي أن في العرش تمثالا لكل عبد فإذا اشتغل العبد
بالعبادة رأت الملائكه تمثاله ، وإذا اشتغل العبد بالمعصية أمر الله بعض الملائكة حتى
يحجبوه بأجنحتهم لئلا تراه الملائكة ، فذلك معنى قوله صلى الله عليه واله : يامن أظهر الجميل وستر
القبيح .
16 - وقال الصادق عليه السلام : سمعت الله يقول : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث
الله من يموت " أفتراك يجمع بين أهل القسمين في دار واحدة وهي النار ؟ .
17 - عدة : عن النبي صلى الله عليه واله قال : ينادي مناد يوم القيامة تحت ا لعرش : يا امة
محمد ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم ، وقد بقيت التبعات ( 5 ) بينكم فتواهبوا وادخلوا
الجنة برحمتي .
أقول : سيأتي الاخبار في ذلك في أبواب الحشر .
فائدة : قال العلامة الدواني في شرح العقائد : المعتزلة والخوارج أوجبوا عقاب
صاحب الكبيرة إذا مات بلا توبة ، وحرموا عليه العفو ، واستدلوا عليه بأن الله تعالى
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : قد قرأ . م ( 2 ) في نسخة : ومن المشرك .
( 3 ) أى تنكرت وتغيرت . وفى الخرائج المطبوع : وهمزت للرجل ، وانتهرت الرجل خ ل .
( 4 ) في المصدر : قال ذلك الرجل : م
( 5 ) التبعة : ما يترتب على الفعل من الخير أو الشر ، الا أن استعماله في الشر أكثر ، وهو المراد ههنا . [ * ]
[ 8 ]
أو عد مرتكب الكبيرة بالعقاب ، فلو لم يعاقب لزم الخلف في وعده والكذب في خبره ،
وهما محالان . ثم قال بعد ذكر أجوبة مردودة : الوجه في الجواب ما أشرنا إليه سابقا
من أن الوعد والوعيد مشروطان بقيود وشروط معلومة من النصوص ، فيجوز التخلف
بسبب انتفاء بعض تلك الشروط ، وأن الغرض منها إنشاء الترغيب والترهيب .
ثم قال : واعلم أن بعض العلماء ذهب إلى أن الخلف في الوعيد جائز على الله
تعالى ، وممن صرح به الواحدي في التفسير الوسيط في قوله تعالى في سورة النساء : " ومن
يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم " ( 1 ) الآية ، حيث قال : والاصل في هذا أن الله تعالى
يجوز أن يخلف الوعيد وإن كان لا يجوز أن يخلف الوعد ، وبهذا وردت السنة عن رسول
الله صلى الله عليه واله فيما أخبرنا أبوبكر أحمد بن محمد الاصبهاني ، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي ،
وأبوجعفر السلمي ، وأبويعلى الموصلى قالوا : حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا سهل بن
أبي حزم ، حدثنا ابن الميالي ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه واله قال : من وعده
الله على عمله ثوابا فهو منجز له ، ومن أوعده على عمله عقابا فهو بالخيار .
وأخبرنا أبوبكر ، حدثنا محمد بن عبدالله بن حمزة ، حدثنا أحمد بن الخليل الاصمعي ،
قال : جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء وقال : يا أبا عمرو يخلف الله ما وعده ؟ قال : لا
قال : أفرأيت من أوعده الله على عمل عقابا أيخلف الله وعيده فيه ؟ فقال أبوعمرو : من
العجمة أتيت يا أبا عثمان ، إن الوعد غير الوعيد ، إن العرب لا يعد عيبا ولا خلفا أن يعد شرا
ثم لم يفعله ، بل يرى ذلك كرما وفضلا ، وإنما الخلف أن يعد خيرا ثم لم يفعله . ( 2 ) قال :
فأوجدني هذا العرب ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :
* ( هامش ) * ( 1 ) النساء : 93 .
( 2 ) وهذا مما اشتبه فيه الامر على أبى عمرو فعد حكم المعنى حكما للفظ حتى أنشد فيه الشعر
مع أن البحث عقلى لا لفظى واى ربط لمسألة خلف الوعيد باللغة حتى يختلف الحكم بالعربية والعجمية ؟
ولهذا الاشتباه نظائر كثيرة في الابحاث الكلامية يعثر عليه المتتبع ، وحقيقة الامر أن الوفاء بالوعد
واجب بحسب قضاء الفطرة غير أن كرامة النفس ونشر الرحمة ربما يحكمان على هذا الحكم بحسب
المصلحة فيقدمان عليه أثرا وهو العفو عند المجازاة من غير أن يبطلا أصل الامر والنهى حتى يعود إلى
التناقض أو ما يشبهه فافهم ذلك . ط [ * ]
[ 9 ]
وإني إذا أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
والذي ذكره أبوعمرو مذهب الكرام ، ومستحسن عند كل أحد خلف الوعيد ،
كما قال السري الموصلي :
إذا وعد السراء أنجز وعده * وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه
وأحسن يحيى بن معاذ في هذا المعنى حيث قال : الوعد والوعيد حق ، فالوعد
حق العباد على الله تعالى ، إذ من ضمن أنهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم كذا فالوفاء حقهم
عليه ، ومن أولى بالوفاء من الله ؟ والوعيد حق على العباد ، قال : لا تفعلوا كذا فاعذبكم ،
ففعلوا فإن شاء عفا وإن شاء أخذ لانه حقه وهو أولى بالعفو والكرم ، إنه غفور
رحيم . انتهى لفظه .
وقيل : إن المحققين على خلافه ، كيف وهو تبديل للقول ؟ وقد قال الله تعالى " ما يبدل
القول لدي وما أنا بظلام للعبيد " . ( 1 )
قلت : إن حمل آيات الوعيد على إنشاء التهديد فلا خلف لانه حينئذ ليس خبرا
بحسب المعنى ، وإن حمل على الاخبار كما هو الظاهر فيمكن أن يقال : بتخصيص المذنب
المغفور عن عمومات الوعيد بالدلائل المنفصلة ، ولا خلف على هذا التقدير أيضا ، فلا يلزم
تبدل القول ، وأما إذا لم نقل بأحد هذين الوجهين فيشكل التفصي عن لزوم التبدل
والكذب ، اللهم إلا أن يحمل آيات الوعيد على استحقاق ما أوعد به ، لا على وقوعه
بالفعل وفي الآية المذكورة إشارة إلى ذلك حيث قال : " فجزاؤه جهنم خالدا فيها " انتهى .
وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب العيون والمحاسن : حكى أبوالقاسم
الكعبي في كتاب الغرر عن أبي الحسين الخياط قال : حدثني أبومجالد قال : مر


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 9 سطر 20 إلى صفحه 17 سطر 2

أبوعمرو بن العلاء بعمرو بن عبيد وهو يتكلم في الوعيد قال : إنما أتيتم من العجمة لان
العرب لا يرى ترك الوعيد ذما ، وإنما يرى ترك الوعد ذما ، وأنشد :
وإني وإن أوعدته ووعدته * لاخلف إيعادي وانجز موعدي
قال : فقال له عمرو : أفليس تسمى تارك الايعاد مخلفا ؟ قال : بلى ، قال : فتسمي
* ( هامش ) * . ( 1 ) ق : 29 . [ * ]
[ 10 ]
الله تعالى مخلفا إذا لم يفعل ما أوعده ؟ قال : لا ، قال : فقد أبطلت شهادتك .
قال الشيخ رحمه الله : ووجدت أبا القاسم قد اعتمد على هذا الكلام واستحسنه
ورأيته قد وضعه في أماكن شتى من كتبه ، واحتج به على أصحابنا الراجئة ، فيقال له
إن عمرو بن عبيد ذهب عن موضع الحجة في الشعر ، وغالط أبا عمرو بن العلاء ، وجهل
موضع المعتمد من كلامه وذلك أنه إذا كانت العرب والعجم وكل عاقل يستحسن العفو
بعد الوعيد ولا يعقلون بصاحبه ذما فقد بطل أن يكون العفو من الله تعالى مع الوعيد
قبيحا لانه لو جاز أن يكون منه قبيحا ما هو حسن في الشاهد عند كل عاقل لجاز أن
يكون منه حسنا ما هو قبيح في الشاهد عند كل عاقل ، وهذا نقض العدل والمصير إلى
قول أهل الجور والجبر ، مع أنه إذا كان العفو مستحسنا مع الخلف فهو أولى بأن يكون
حسنا مع عدم الخلف ، ونحن إذا قلنا : إن الله سبحانه يعفو مع الوعيد فإنما نقول :
إنه توعد بشرط يخرجه من الخلف في وعيده لانه حكيم لا يبعث ، وإذا كان حسن
العفو في الشاهد منا يغمر قبح الخلف حتى يسقط الذم عليه ، وهو لو حصل في موضع لم
يجزيه العفو ، أو ما حاصل في معناه من الحسن لكان الذم عليه قائما ، ويجعل وجود
الخلف كعدمه في ارتفاع اللوم عليه فهو في إخراج الشرط المشهور عن القبح إلى صفة
الحسن وإيجاب الحمد والشكر لصاحبه أحرى وأولى من إخراجه الخلف عما كان يستحق
عليه من الذم عند حسن العفو وأوضح في باب البرهان ، وهذا بين لمن تدبره .
وشئ آخر وهو أنا لا نطلق على كل تارك للايعاد الوصف بأنه مخلف لانه
يجوز أن يكون قد شرط في وعيده شرطا أخرجه به عن الخلف ، وإن أطلقنا ذلك في
البعض فلاحاطة العلم به ، أو عدم الدليل على الشرط فنحكم على الظاهر ، فإن كان أبو
عمرو بن العلاء أطلق القول في الجواب إطلاقا فإنما أراد به الخصوص دون العموم ، وتكلم
على معنى البيت الذي استشهد به ، وما رأيت أعجب من متكلم يقطع على حسن معنى
مع مضامته لقبيح ويجعل حسنه مسقطا للذم على القبيح ، ثم يمتنع من حسن ذلك المعنى
مع تعريه من ذلك القبيح ثم يفتخر بهذه النكتة عند أصحابه ويستحسن احتجاجه
المؤدي إلى هذه المناقضة ، ولكن العصبية ترين القلوب .
[ 11 ]
( باب 20 )
* ( التوبة وأنواعها وشرائطها ) *
الايات ، البقرة " 2 " فتلقى آدم من ربه كلمات ( 1 ) فتاب عليه إنه هو التواب
الرحيم 37 " وقال تعالى " : وإذ قال موسى لقومه ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم
العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم
إنه هو التواب الرحيم 54 " وقال " : وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
128 " وقال تعالى " : إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فاولئك أتوب عليهم وأنا التواب
الرحيم 160 " وقال تعالى " : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين 222 " وقال تعالى " :
وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم 279 .
آل عمران " 3 " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم 89
" وقال تعالى " : ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون 128 .
النساء " 4 " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن
الله كان توابا رحيما * إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون
من قريب فاولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما * وليست التوبة للذين
يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون
وهم كفار اولئك أعتدنا لهم عذابا اليما 16 - 18 " وقال تعالى " : يريد الله ليبين لكم و
يهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله حكيم * والله يريد أن يتوب
عليكم 26 - 27 " وقال تعالى " : إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله
فاولئك مع المؤمنين 146 .
المائدة " 5 " ولهم في الآخرة عذاب عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم
فاعلموا أن الله غفور رحيم 33 - 34 " وقال تعالى " : فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن
* ( هامش ) * ( 1 ) تلقى الكلمات : استقبالها بالاخذ والقبول والعمل بها ، أى أخذها من ربه على سبيل الطاعة
ورغب إلى الله فيها . وياتى الكلمات في محله . [ * ]
[ 12 ]
الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم 39 " وقال تعالى " : وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا
وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون 71 " وقال
تعالى " : أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم 74 .
الانعام " 6 " وإذا جائك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم
على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور
رحيم 54 .
الاعراف " 7 " فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين 143
" وقال تعالى " : والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها
لغفور رحيم 153 .
التوبة " 9 " فإن تبتم فهو خير لكم 3 " وقال تعالى " : فإن تابوا وأقاموا الصلوة و
آتوا الزكوة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم 5 " وقال تعالى " : فإن تابوا وأقاموا
الصلوة وآتوا الزكوة فإخوانكم في الدين " وقال عزوجل : ويتوب الله على من يشاء 15
" وقال تعالى " : فإن يتوبوا يك خيرا لهم 74 " وقال سبحانه " : وآخرون اعترفوا
بذبوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم 102
" وقال جل شأنه " : ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات
وإن الله هو التواب الرحيم 104 " وقال تعالى " : وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم
وإما يتوب عليهم 106 " وقال سبحانه " : التائبون العابدون 112 " وقال تعالى " : ثم
تاب عليهم إنه بهم رؤف رحيم 117 " وقال سبحانه " ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو
التواب الرحيم 118 .
هود " 11 " وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل
مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله 3 " وقال تعالى - ناقلا عن هود - " : ويا قوم استغفروا
ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم 52 " وقال
- ناقلا عن صالح عليه السلام - " : فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربى قريب مجيب 61 .
[ 13 ]
النحل " 6 " ثم إن ربك للذين عملو السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك
وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم 119 .
مريم " 19 " إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون
شيئا 60 .
طه " 20 " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى 82 " وقال سبحانه " :
ثم اجتبيه ربه فتاب عليه وهدى 122 .
النور " 24 " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم 5
" وقال سبحانه " : ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم 10 " وقال تعالى :
وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون 31 .
الفرقان " 25 " إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات
وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا 70 - 71 .
القصص " 28 " قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور
الرحيم 16 " وقال تعالى " : فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من
المفلحين 67 .
التنزيل " 32 " قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون 29 .
الاحزاب " 32 " ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما 24
" وقال تعالى " : ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله
على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما 73 .
الزمر " 39 " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم
لا تنصرون 54 .
المؤمن " 40 " غافر الذنب وقابل التوب 3 " وقال تعالى " : فاغفر للذين تابوا
واتبعوا سبيلك 7 .
حمعسق " 42 " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم
ما تفعلون 25 .
[ 14 ]
الاحقاف " 46 " إني تبت إليك وإني من المسلمين 15 .
الحجرات " 49 " ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون 11 " وقال تعالى " : واتقوا الله
إن الله تواب رحيم 12 .
المجادلة " 58 " فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم 13 .
التحريم " 66 " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ( 1 ) 4 " وقال تعالى " : قانتات
تائبات 5 " وقال سبحانه " : يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم
أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار 8 .
المزمل " 73 " علم أن لن تحصوه فتاب عليكم 20 .
البروج " 85 " إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب
جهنم 10 .
النصر " 110 " واستغفره إنه كان توابا 3 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " إلا الذين تابوا " أي ندموا على ما قدموا
وأصلحوا نياتهم فيما يستقبل من الاوقات ، " وبينوا " اختلف فيه : فقال أكثر المفسرين :
بينوا ما كتموه من البشارة بالنبي صلى الله عليه واله ، وقيل : بينوا التوبة وإصلاح السريرة بالاظهار
لذلك ، فإن من ارتكب المعصية سرا كفاه التوبة سرا ، ومن أظهر المعصية يجب عليه أن
يظهر التوبة . وقيل : بينوا التوبة بإصلاح العمل " فاولئك أتوب عليهم " أي أقبل توبتهم
" وأنا التواب الرحيم " هذه اللفظة للمبالغة ، إما لكثرة ما يقبل التوبة ، وإما لانه لا يرد
تائبا منيبا أصلا ، ووصفه نفسه بالرحيم عقيب التواب يدل على أن إسقاط العقاب بعد التوبة
تفضل من الله سبحانه ورحمة من جهته على ما قاله أصحابنا ، وإنه غير واجب عقلا على ما ذهب
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الطبرسى رحمه الله : ثم خاطب سبحانه عائشة وحفصة فقال : " إن تتوبا إلى الله " من
التعاون على النبى صلى الله عليه وآله بالايذاء والتظاهر عليه فقد حق عليكما التوبة ووجب
عليكما الرجوع إلى الحق ، فقد " صغت " أى مالت " قلوبكما " إلى الاثم عن ابن عباس ومجاهد .
وقيل : معناه : ضاقت قلوبكما عن سبيل الاستقامة وعدلت عن الثواب إلى ما يوجب الاثم . وقيل :
تقديره : إن تتوبا إلى الله يقبل توبتكما . وقيل : إنه شرط في معنى الامر ، أى توبا إلى الله فقد
صغت قلوبكما . [ * ]
[ 15 ]
إليه المعتزلة ، فإن قالوا : قد يكون الفعل الواجب نعمة إذا كان منعما بسببه كالثواب
والعوض لما كان منعما بالتكليف وبالآلام التي يستحق بها الاعواض جاز أن يطلق
عليهما اسم النعمة ، فالجواب أن ذلك إنما قلناه في الثواب والعوض ضرورة ، ولا ضرورة
ههنا تدعو إلى ارتكابه .
وقال رحمه الله في قوله تعالى " إنما التوبة " : معناه لا توبة مقبولة على الله ، أي
عند الله إلا " للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب " واختلف في معنى قوله
بجهالة على وجوه : أحدها أن كل معصية يفعلها العبد جهالة وإن كانت على سبيل العمد
لانه يدعو إليها الجهل ويزينها للعبد ، عن ابن عباس وعطاء ومجاهد وقتادة ، وهو
المروي عن أبي عبدالله عليه السلام .
وثانيها أن معنى قوله تعالى : " بجهالة " أنهم لا يعلمون كنه ما فيه من العقوبة كما
يعلم الشئ ضرورة ، عن الفراء .
وثالثها أن معناه أنهم يجهلون أنها ذنوب ومعاص فيفعلونها ، إما بتأويل
يخطؤون فيه ، وإما بأن يفرطوا في الاستدلال على قبحها عن الجبائي . وضعف الرماني
هذا القول لانه بخلاف ما أجمع عليه المفسرون ، ولانه يوجب أن لا يكون لمن علم أنها
ذنوب توبة لان قوله : " إنما التوبة " يفيد أنها لهؤلاء دون غيرهم . وقال أبوالعالية وقتادة
أجمعت الصحابة على أن كل ذنب أصابه العبد فبجهالة . وقال الزجاج : إنما قال :
بجهالة لانهم في اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية جهال فهو جهل في الاختيار
ومعنى " يتوبون من قريب " أي يتوبون قبل الموت لان ما بين الانسان وبين الموت قريب ،
فالتوبة مقبولة قبل اليقين بالموت . وقال الحسن والضحاك وابن عمر : القريب ما لم يعاين
الموت . وقال السدي : هو ما دام في الصحة قبل المرض والموت .
وروي عن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه أنه قيل : فإن عاد وتاب مرارا ؟ قال :
يغفر الله له ، قيل : إلى متى ؟ قال : حتى يكون الشيطان هو المحسور . وفي كتاب من لا
يحضره الفقيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله في آخر خطبة خطبها : من تاب قبل موته بسنة
تاب الله عليه ، ثم قال : وإن السنة لكثيرة من تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه ، ثم قال
[ 16 ]
وإن الشهر لكثير من تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه ، ثم قال : وإن يوما لكثير
من تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه ، ثم قال : وإن الساعة لكثيرة ، من تاب وقد بلغت
نفسه هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - تاب الله عليه . " ص 32 "
وروى الثعلبي بإسناده عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه واله هذا الخبر بعينه
إلا أنه قال في آخره : وإن الساعة لكثيرة من تاب قبل أن يغرغر بها تاب الله عليه .
وروى أيضا بإسناده عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : لما هبط إبليس
قال : وعزتك وجلالك وعظمتك لا افارق ابن آدم حتى تفارق روحه جسده ، فقال
الله سبحانه : وعزتي وجلالي وعظمتي لا أحجب التوبة عن عبدي حتى يغرغر بها .
" فاولئك يتوب الله عليهم " أي يقبل توبتهم ، " وكان الله عليما " بمصالح العباد " حكيما "
فيما يعاملهم به ، " وليست التوبة " المقبولة التي تنفع صاحبها " للذين يعملون
السيئات " أي المعاصي ويصرون عليها ويسوفون التوبة " حتى إذا حضر أحدهم الموت "
أي أسبابه : من معاينة ملك الموت ، وانقطع الرجاء من الحياة وهو حال اليأس التي لا يعلمها
أحد غير المحتضر " قال إني تبت الآن " أي فليس عند ذلك توبة . وأجمع أهل التأويل
على أن هذه قد تناولت عصاة أهل الاسلام ، إلا ما روي عن الربيع أنه قال : إنها في
المنافقين ، وهذا لا يصح لان المنافقين من جملة الكفار ، وقد بين الكفار بقوله :
" ولا الذين يموتون وهم كفار " أي وليست التوبة أيضا للذين يموتون على الكفر
ثم يندمون بعد الموت " اولئك أعتدنا " أي هيأنا " لهم عذابا أليما " أي موجعا . إنما
لم يقبل الله عز اسمه التوبة في حال البأس واليأس من الحياة لانه يكون العبد
ملجئا هناك إلى فعل الحسنات وترك القبائح فيكون خارجا من حد التكليف إذ لا يستحق
على فعله المدح ولا الذم ، وإذا زال عنه التكليف لم تصح منه التوبة ، ولهذا لم يكن
أهل الآخرة مكلفين ولا تقبل توبتهم . انتهى كلامه رفع الله مقامه .
أقول : قال بعض المفسرين : ومن لطف الله بالعباد أن أمر قابض الارواح بالابتداء
في نزعها من أصابع الرجلين ، ثم يصعد شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى الصدر ، ثم تنتهي
إلى الحلق ليتمكن في هذه المهلة من الاقبال بالقلب على الله تعالى ، والوصية والتوبة ما
[ 17 ]
لم يعاين والاستحلال وذكر الله تعالى ، فيخرج روحه وذكر الله على لسانه فيرجى بذلك
حسن خاتمته ، رزقنا الله ذلك بمنه وكرمه .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 17 سطر 3 إلى صفحه 25 سطر 3

قوله تعالى : " قل يوم الفتح " قال المفسرون : أي يوم القيامة فإنه يوم نصر
المسلمين على الكفرة ، والفصل بينهم . وقيل : يوم بدر ، أو يوم فتح مكة ، والمراد
بالذين كفروا المقتولون منهم فيه فإنه لا ينفعهم إيمانهم حال القتل ولا يمهلون .
ثم اعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير التوبة النصوح على أقوال :
منها أن المراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى أن يأتوا بمثلها ، لظهور آثارها
الجميلة في صاحبها ، أو ينصح صاحبها فيقلع عن الذنوب ثم لا يعود إليها أبدا .
ومنها أن النصوح ما كانت خالصة لوجه الله سبحانه من قولهم ، عسل نصوح :
إذا كان خالصا من الشمع ، بأن يندم على الذنوب لقبحها ، وكونها خلاف رضى الله
تعالى لا لخوف النار مثلا
ومنها أن النصوح من النصاحة وهي الخياطة لانها تنصح من الدين ما مزقته
الذنوب ، أو يجمع بين التائب وبين أوليائه وأحبائه ، كما تجمع الخياطة بين قطع
الثوب . ( 1 )
ومنها أن النصوح وصف للتائب ، وإسناده إلى التوبة من قبيل الاسناد المجازي
أي توبة تنصحون بها أنفسكم بأن تأتوا بها على أكمل ما ينبغي أن تكون عليه ، حتى
تكون قالعة لآثار الذنوب من القلوب بالكلية ، وسيأتي في الاخبار تفسيرها ببعض
تلك الوجوه .
* ( هامش ) * ( 1 ) أو من نصح الغيث البلد : إذا سقاه حتى اتصل نبته فلم يكن فيه فضاء ، لان التوبة تسقى
وتحيى القلب الميت بارتكاب المعاصى والمحرمات ، وتصفيه من الكدورات العارضة من مزاولة
القبائح والمنكرات ، وتصقله وتجلوه عن رين الشبهات ، فتحيط به وتشغله ولم تترك فيه محلا للعزم
على الرجوع ، والعود إلى المحظور . وقيل : توبة نصوح أى صادقة . وقال الجزرى في النهاية :
وفى حديث ابي : سألت النبى صلى الله عليه وآله وسلم عن التوبة النصوح ، فقال : هى الخالصة
التى لا يعاود بعدها الذنب . وفعول من أبنية المبالغة يقع على الذكر والانثى ، فكأن الانسان
بالغ في نصح نفسه بها .
[ 18 ]
ثم اعلم أن من القوم من استدل بالخبر الذي نقله من الفقيه على جواز النسخ
قبل الفعل لانه عليه السلام نسخ السنة بالشهر ، والشهر باليوم ، وفيه نظر إذ يمكن أن يكون
هذا التدريج لبيان اختلاف مراتب التوبة ، فإن التوبة الكاملة هي ما كانت قبل الموت
بسنة ليأتي منه تدارك لما فات منه من الطاعات ، وإزالة لما أثرت فيه الذنوب من
الكدورات والظلمات ، ثم إن لم يتأت منه ولم يمهل لذلك فلابد من شهر لتدارك
شئ مما فات ، وإزالة قليل من آثار السيئات وهكذا ، وأما توبة وقت الاحتضار فهي
لاهل الاضطرار . والغرغرة : تردد الماء وغيره من الاجسام المائعة في الحلق ، والمراد هنا
تردد الروح وقت النزع .
1 - ك : أبي ، عن سعد ، وعبدالله بن جعفر الحميري ، عن أيوب بن نوح ، عن الربيع
ابن محمد المسلي ، وعبدالله بن سليمان العامري ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما زالت الارض
إلا ولله تعالى ذكره فيها حجة يعرف الحلال والحرام ، ويدعو إلى سبيل الله عزوجل ،
ولا تنقطع الحجة من الارض إلا أربعين يوما قبل القيامة ، فإذا رفعت الحجة
اغلقت أبواب التوبة ، ولم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجة ،
اولئك شرار من خلق الله وهم الذين تقوم عليهم القيامة . " ص 133 "
2 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن بكير ، عن أبي
عبدالله ، أو عن أبي جعفر عليهما السلام قال : إن آدم عليه السلام قال : يارب سلطت علي الشيطان و
اجريته مني مجرى الدم ( 1 ) فاجعل لي شيئا ، فقال : يا آدم جعلت لك أن من هم من
* ( هامش ) * ( 1 ) روى العامة أيضا ( ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم ) قال بعضهم : ذهب قوم
ممن ينتمى إلى ظاهر العلم إلى أن المراد به أن الشيطان لا يفارق ابن آدم ما دام حيا ، كما
لا يفارقه دمه ، وحكى هذا عن الازهرى ، وقال : هذا طريق ضرب المثل ، والجمهور من علماء
الامة أجروا ذلك على ظاهره ، وقالوا : إن الشيطان جعل له هذا القدر من التطرق إلى باطن
الادمي بلطافة هيئته ، لمحنة الابتلاء ، ويجري في العروق التي هي مجاري الدم من الادمي إلى
ان يصل إلى قلبه فيوسوسه على حسب ضعف إيمان العبد وقلة ذكره وكثرة غفلته ، ويبعد عنه ويقل
تسلطه وسلوكه إلى باطنه بمقدار قوة إيمانه ويقظته ودوام ذكره وإخلاص عمله ، وما رواه المفسرون
عن ابن عباس قال : ( ان الله جعل الشياطين من بنى آدم مجرى الدم ، وصدور بنى آدم مساكن لهم ) * [ * ]
[ 19 ]
ذريتك بسيئة لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت عليه سيئة ، ومن هم منهم بحسنة فإن
لم يعملها كتبت له حسنة ، وإن هو عملها كتبت له عشرا . قال : يارب زدني ، قال :
جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفر غفرت له ، قال : يارب زدني ، قال : جعلت
لهم التوبة وبسطت لهم التوبة ( 1 ) حتى تبلغ النفس هذه ، قال : يارب حسبي . " ج 2 ص 44 "
ين : ابن أبي عمير مثله .
3 - يه : سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عزوجل : " وليست التوبة للذين يعملون
السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن " قال : ذلك إذا عاين أمر
الآخرة . " ص 32 "
4 - كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته ، ثم قال : إن السنة
لكثيرة من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته ، ثم قال : إن الشهر لكثير من تاب قبل
موته بجمعة قبل الله توبته ، ثم قال : إن الجمعة لكثيرة من تاب قبل موته بيوم قبل
الله توبته ، ثم قال : إن اليوم لكثير ( 2 ) من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته . " ج 2 ص 44 "
5 - دعوات الراوندى : قال النبي صلى الله عليه واله إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر ،
توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا ، وبادروا بالاعمال الزاكية قبل أن تشتغلوا ، وصلوا الذي
بينكم وبينه بكثرة ذكركم إياه .
6 - ف ، لى : عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لا شفيع أنجح من التوبة .
" ص 93 ، ص 193 "
* ( هامش ) * * يؤيد لما ذهب إليه الجمهور ، وهم يسمون وسوسته لمة الشيطان . ومن ألطافه تعالى أنه هيأ ذوات
الملائكة على ذلك الوصف من أجل لطافتهم ، وأعطاهم قوة الحفظ لبنى آدم وقوة الالمام في بواطنهم
وتلقين الخير لهم في مقابلة لمة الشيطان ، كما روى أن للملك لمة بابن آدم ، وللشيطان لمة ،
لمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق ، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق . قاله المصنف
في شرحه على الكافى .
( 1 ) في الكافي : أو قال : بسطت .
( 2 ) في المصدر : إن يوما لكثير . م [ * ]
[ 20 ]
لى : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن المغيرة ، عن طلحة بن زيد ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : مر عيسى بن مريم عليه السلام على قوم يبكون فقال : على ما يبكي هؤلاء ؟
فقيل : يبكون على ذنوبهم ، قال : فليدعوها يغفر لهم . " ص 297 "
ثو : أبي ، عن محمد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن
الحسين بن سعيد ، عن محمد بن خالد ، عن ابن المغيرة مثله . " ص 129 "
8 - فس : الحسين بن محمد ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه السلام في قول الله :
" يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا " قال : يتوب العبد ثم لا يرجع فيه ،
وأحب ( 1 ) عباد الله إلى الله المتقي التائب . ( 2 ) " ص 688 "
9 - ل : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن علي الجهضمي ، عن
أبي جعفر عليه السلام قال : كفى بالندم توبة . " ج 1 ص 11 "
بيان : إذ الندامة الصادقة تستلزم العزم على الترك في المستقبل غالبا ، أو المعنى
أنه فرد من التوبة وإن لم يؤثر ما تؤثر التوبة الكاملة .
10 - ل : حمزة العلوي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن معبد ، عن عبدالله بن القاسم ،
عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه واله : يلزم لامتي
في أربع : يحبون التائب ، ويرحمون الضعيف ، ويعينون المحسن ، ويستغفرون
للمذنب . ( 3 ) ج 1 ص 114
11 - ل : أبي ، عن سعد ، عن النهدي ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن
الحلبي قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن المؤمن لا تكون سجيته ( 4 ) الكذب ،
ولا البخل ، ولا الفجور ، ولكن ربما ألم ( 5 ) بشئ من هذا لا يدوم عليه . فقيل له :
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : وان احب .
( 2 ) في نسخة : المفتن التواب . وفى اخرى : المتقى الثابت .
( 3 ) في نسخة : للذنب .
( 4 ) السجية : الطبيعة والخلق .
( 5 ) ألم : باشر اللمم أى صغار الذنوب . [ * ]
[ 21 ]
أفيزني ؟ قال نعم ، هو مفتن تواب ، ولكن لا يولد له من تلك النطفة . " ج 1 ص 64 "
12 - ل : العسكري ، عن بدر بن الهيثم ، عن علي بن منذر ، عن محمد بن الفضيل
عن أبي الصباح قال : قال جعفر بن محمد عليهما السلام ، من اعطي أربعا لم يحرم أربعا : من اعطي
الدعاء لم يحرم الاجابة ، ومن اعطي الاستغفار لم يحرم التوبة ، ومن اعطي الشكر لم
يحرم الزيادة ، ومن اعطي الصبر لم يحرم الاجر . " ج 1 ص 94 "
13 - ل : العطار : عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن يونس ، عن عمرو بن
أبى المقدام ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
أربع من كن فيه كان في نور الله الاعظم : من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا
الله وأني رسول الله ، ومن إذا أصابته مصيبة قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ومن
إذا أصاب خيرا قال : الحمد لله رب العالمين ، ومن إذا أصاب خطيئة قال : أستغفر الله و
أتوب إليه . " ج 1 ص 105 - 106 "
14 - ل : الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام : توبوا إلى الله عزوجل
وادخلوا في محبته ، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، والمؤمن
تواب . " ج 2 ص 162 "
15 - ن : بالاسانيد الثلاثة عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول
الله صلى الله عليه واله : مثل المؤمن عند الله عزوجل كمثل ملك مقرب ، وإن المؤمن عند الله
عزوجل أعظم من ذلك ، وليس شئ أحب إلى الله من مؤمن تائب ، أو مؤمنة
تائبة . " ص 198 "
صح : عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام مثله .
16 - ن : بالاسناد إلى دارم ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله : التائب من الذنب كمن لا ذنب له . " ص 230 "
17 - ما : المفيد ، عن محمد بن الحسين المقري ، عن عبدالله بن محمد البصري ، عن
عبدالعزيز بن يحيى ، عن موسى بن زكريا ، عن أبي خالد ، عن العيني ، عن الشعبي قال
[ 22 ]
سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : العجب ممن يقنط ومعه الممحاة ! فقيل له : وما
الممحاة ؟ قال : الاستغفار . " ص 54 "
18 - ما : بإسناد أخي دعبل ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين
عليه السلام تعطروا بالاستغفار لا تفضحكم روائح الذنوب . " ص 237 "
19 - مع : أبي ، عن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن فضال ، عن ابن عقبة ، عن
أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل " تم تاب عليهم " قال : هي
الاقالة . ( 1 ) " ص 65 "
20 - مع : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن أحمد بن هلال قال : سألت
أبا الحسن الاخير عليه السلام عن التوبة النصوح ما هي ؟ فكتب عليه السلام : أن يكون الباطن
كالظاهر وأفضل من ذلك . " ص 54 "
21 - مع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن موسى بن القاسم ، عن
البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " توبوا إلى الله توبة
نصوحا " قال : هو صوم الاربعاء ( 2 ) والخميس والجمعة . " ص 54 "
قال الصدوق رحمه الله : معناه أن يصوم هذه الايام ثم يتوب .
22 - مع : ابن المتوكل ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن يونس ، عن
عبدالله بن سنان وغيره ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : التوبة النصوح هو أن يكون باطن الرجل
كظاهره وأفضل . " ص 54 "
23 - وقد روي أن توبة النصوح ( 3 ) هو أن يتوب الرجل من ذنب وينوي أن لا يعود
إليه أبدا . " ص 54 "
24 - فس : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه
* ( هامش ) * ( 1 ) أي هى الصفح عنه والاعراض عن ذنبه .
( 2 ) في المصدر : يوم الاربعاء ويوم في الخميس ويوم في الجمعة . م
( 3 ) في المصدر . ان التوبة النصوح . م [ * ]
[ 23 ]
ولعنه وأعد له عذابا عظيما " قال : من قتل مؤمنا على دينه لم تقبل توبته ، ومن قتل
نبيا أو وصي نبي فلا توبة له لانه لا يكون مثله فيقاد به ، ( 1 ) وقد يكون الرجل بين
المشركين واليهود والنصارى يقتل رجلا من المسلمين على أنه مسلم فإذا دخل في الاسلام
محاه الله عنه لقول رسول الله صلى الله عليه واله : الاسلام يجب ما كان قبله - أي يمحوا - لان
أعظم الذنوب عند الله هو الشرك بالله ( 2 ) فإذا قبلت توبته في الشرك قبلت فيما سواه ، فأما
قول الصادق عليه السلام ليست له توبة فإنه عنى من قتل نبيا أو وصيا فليست له توبة لانه
لا يقاد أحد بالانبياء وبالاوصياء إلا الاوصياء والانبياء ، والانبياء والاوصياء لا يقتل
بعضهم بعضا ، وغير النبي والوصي لا يكون مثل النبي والوصي فيقاد به ، وقاتلهما لا يوفق
بالتوبة . " ص 136 " .
25 - ع ، ن : ابن عبدوس ، عن ابن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن إبراهيم بن
محمد الهمدانى قال : قلت للرضا عليه السلام : لاي علة أغرق الله فرعون وقد آمن به وأقر
بتوحيده ؟ قال : لانه آمن عند رؤية البأس ، والايمان عند روية البأس غير مقبول ،
وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف ، قال الله عزوجل : " فلما رأوا بأسنا قالوا
آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا " وقال
عزوجل : " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت
في إيمانها خيرا " وهكذا فرعون لما أدركه الغرق قال : " آمنت أنه لا إله إلا الذي
آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين " فقيل له : " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين "
الخبر " ص 31 ، ص 232 - 233 "
26 - لى : الطالقاني ، عن أحمد الهمداني ، عن أحمد بن صالح ، عن موسى بن
داود ، عن الوليد بن هشام ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري ،
عن عبدالرحمن بن غنم الدوسي قال : دخل معاذ بن جبل على رسول الله صلى الله عليه واله باكيا
فسلم فرد عليه السلام ثم قال : ما يبكيك يامعاذ ؟ فقال : يا رسول الله إن بالباب شابا
* ( هامش ) * ( 1 ) في النهاية : اى لا يكون مثله فيقتل به بدلا منه . م
( 2 ) في المصدر : الا ان اعظم الذنوب عند الله هو الشرك بالله . م [ * ]
[ 24 ]
طري الجسد ، ( 1 ) نقي اللون ، حسن الصورة ، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها ،
يريد الدخول عليك ، فقال النبي صلى الله عليه واله : ادخل علي الشاب يا معاذ ، فأدخله عليه فسلم
فرد عليه السلام ، ثم قال : ما يبكيك ياشاب ؟ قال : كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا ( 2 ) إن
أخذني الله عزوجل ببعضها أدخلني نار جهنم ؟ ولا أراني إلا سيأخذني بها ولا يغفر لي
أبدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : هل أشركت بالله شيئا : قال : أعوذ بالله أن اشرك بربي
شيئا ، قال : أقتلت النفس التي حرم الله ؟ قال : لا ، فقال النبي صلى الله عليه واله : يغفر الله لك ذنوبك
وإن كانت مثل الجبال الرواسي ، ( 3 ) فقال الشاب : فإنها أعظم من الجبال الرواسي ،
فقال النبي صلى الله عليه واله : يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الارضين السبع وبحارها ورمالها
وأشجارها وما فيها من الخلق ، قال : فإنها أعظم من الارضين السبع وبحارها ورمالها
وأشجارها وما فيها من الخلق ! فقال النبي صلى الله عليه واله : يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل
السماوات ونجومها ومثل العرش والكرسي ، قال : فإنها أعظم من ذلك ، قال : فنظر
النبي صلى الله عليه واله إليه كهيئة الغضبان ثم قال : ويحك ( 4 ) ياشاب ذنوبك أعظم أم ربك ؟
فخر الشاب لوجهه وهو يقول : سبحان ربي ما شئ أعظم من ربي ، ربي أعظم يانبي الله
من كل عظيم ، فقال النبي صلى الله عليه واله : فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم ؟ قال الشاب :
لا والله يا رسول الله ، ثم سكت الشاب فقال له النبي صلى الله عليه واله : ويحك ياشاب ألا تخبرني
بذنب واحد من ذنوبك ؟ قال : بلى اخبرك : إني كنت أنبش القبور سبع سنين ، أخرج
الاموات ، وأنزع الاكفان ، فماتت جارية من بعض بنات الانصار فلما حملت إلى قبرها
ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليهم الليل أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها
ونزعت ما كان عليها من أكفانها وتركتها متجردة على شفير قبرها ، ومضيت منصرفا
* ( هامش ) * ( 1 ) طرى الغصن أو اللحم غضا لينا فهو طرى .
( 2 ) أى اقترفتها .
( 3 ) الرواسي : الجبال الثوابت الرواسخ .
( 4 ) كلمة ترحم وتوجع ، وقد يأتى بمعنى المدح والتعجب ، وقيل : إنها بمعنى الويل ، تقول :
ويح لزيد ، وويحا لزيد ، وويحه ، على الابتداء أو باضمار فعل ، كأنك قلت : ألزمه الله ويحا . [ * ]
[ 25 ]
فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ، ويقول : أما ترى بطنها وبياضها ؟ أما ترى وركيها ؟ ( 1 )
فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ، ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها
مكانها ، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول : ياشاب ويل ( 2 ) لك من ديان يوم الدين ،


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 25 سطر 4 إلى صفحه 33 سطر 4

يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ، ونزعتنى من حفرتي وسلبتنى
أكفاني ، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابى ، فويل لشبابك من النار ! . فما أظن أني
أشم ريح الجنة أبدا فما ترى لي يارسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه واله : تنح عني يافاسق ،
إني أخاف أن أحترق بنارك ، فما أقربك من النار ! ثم لم يزل عليه السلام يقول ويشير إليه
حتى امعن من بين يديه ، فذهب فأتى المدينة فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد
فيها ، ولبس مسحا ( 3 ) وغل يديه جميعا إلى عنقه ، ونادى : يارب هذا عبدك بهلول ، ( 4 )
بين يديك مغلول ، يارب أنت الذي تعرفني ، وزل مني ما تعلم سيدي ! يارب أصبحت ( 5 )
من النادمين ، وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا ، فأسألك باسمك وجلالك
وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي ، سيدي ! ولا تبطل دعائي ولا تقنطنى من رحمتك .
فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة ، تبكي له السباع والوحوش ، فلما تمت له
أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء ، وقال : اللهم ما فعلت في حاجتي ؟ إن كنت
استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى نبيك ، وإن لم تستجب لي دعائي ولم
تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني ، أو عقوبة في الدنيا تهلكني ،
وخلصني من فضيحة يوم القيامة . فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه واله : " والذين
إذا فعلوا فاحشة " يعني الزنا " أو ظلموا أنفسهم " يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ،
* ( هامش ) * ( 1 ) الورك بالفتح والكسر وككتف : ما فوق الفخذ ، والجمع أوراك .
( 2 ) الويل : حلول الشر . الهلاك . ويدعى به لمن وقع في هلكة يستحقها ، وكلمة عذاب وواد في
جهنم ، أو بئر أو باب لها .
( 3 ) بكسر الميم وسكون السين ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد .
( 4 ) لعله بمعنى المبتهل والمتضرع ، أو بمعنى الملعون ، أو كان الرجل يسمى بذلك . وأما ما في
المعاجم وكتب اللغة من أنه بمعنى الضحاك والسيد الجامع لكل خير فلا يناسب المقام .
( 5 ) في المصدر : انى اصبحت . م [ * ]
[ 26 ]
ونبش القبور ، وأخذ الاكفان " ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " يقول : خافوا الله فعجلوا
التوبة " ومن يغفر الذنوب إلا الله " يقول عزوجل : أتاك عبدي يا محمد تائبا فطردته ،
فأين يذهب ؟ وإلى من يقصد ؟ ومن يسأل أن يغفر له ذنبا غيري ؟ ثم قال عزوجل : " ولم
يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " يقول : لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ
الاكفان " اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين
فيها ونعم أجر العاملين " فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه واله خرج وهو يتلوها
ويتبسم ، فقال لاصحابه : من يدلني على ذلك الشاب التائب ؟ فقال معاذ : يارسول
الله بلغنا أنه في موضع كذا وكذا ، فمضى رسول الله صلى الله عليه واله بأصحابه حتى انتهوا إلى
ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين ، مغلولة
يداه إلى عنقه ، قد اسود وجهه ، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء ، وهو يقول : سيدي :
قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي ، فليت شعري ماذا تريد بي ؟ أفي النار تحرقني ؟
أو في جوارك تسكنني ؟ اللهم إنك قد أكثرت الاحسان إلي وأنعمت علي ، فليت شعري
ماذا يكون آخر أمري ؟ إلى الجنة تزفني ؟ ( 1 ) أم إلى النار تسوقني ؟ اللهم إن خطيئتي
أعظم من السماوات والارض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم ، فليت شعري تغفر
خطيئتي أم تفضحنى بها يوم القيامة ؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب
على رأسه ( 2 ) وقد أحاطت به السباع ! وصفت فوقه الطير ! وهم يبكون لبكائه ! فدنا
رسول الله صلى الله عليه واله فأطلق يديه من عنقه ، ونفض التراب عن رأسه ، وقال : يا بهلول !
أبشر فإنك عتيق الله من النار . ثم قال عليه السلام لاصحابه : هكذا تداركوا الذنوب كما
تداركها بهلول . ثم تلا عليه ما أنزل الله عزوجل فيه وبشره بالجنة . " ص 26 - 29 "
27 - ما : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن محمد بن خالد ، عن أحمد بن النضر ،
عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان غلام من اليهود يأتي النبي صلى الله عليه واله
كثيرا حتى استخفه وربما أرسله في حاجته ، وربما كتب له الكتاب إلى قومه ،
* ( هامش ) * ( 1 ) من زف العروس إلى زوجها أى أهداها .
( 2 ) أى يصب التراب على رأسه . [ * ]
[ 27 ]
فافتقده أياما ، فسأل عنه فقال له قائل : تركته في آخر يوم من أيام الدنيا ، فأتاه
النبي صلى الله عليه واله في اناس من أصحابه - وكان له عليه السلام بركة لا يكلم أحدا إلا أجابه -
فقال : يا فلان ( 1 ) ففتح عينه وقال : لبيك يا أبا القاسم ! قال : قل : أشهد أن لا إله إلا
الله ، وأني رسول الله ، فنظر الغلام إلى أبيه فلم يقل له شيئا ، ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه واله
ثانية وقال له مثل قوله الاول ، فالتفت الغلام إلى أبيه فلم يقل له شيئا ، ثم ناداه
رسول الله صلى الله عليه واله الثالثة فالتفت الغلام إلى أبيه ، فقال : إن شئت فقل وإن شئت فلا ، فقال
الغلام : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، ومات مكانه . فقال رسول الله صلى الله عليه واله
لابيه : اخرج عنا ، ثم قال عليه السلام لاصحابه : اغسلوه وكفنوه ، وآتوني به اصلي عليه ،
ثم خرج وهو يقول : الحمد لله الذي أنجى بي اليوم نسمة من النار . " ص 280 "
28 - ف : عن كميل بن زياد قال : قلت لامير المؤمنين عليه السلام : ياأمير المؤمنين العبد
يصيب الذنب فيستغفر الله منه فما حد الاستغفار ؟ قال يابن زياد : التوبة ، قلت : بس ؟ ( 2 )
قال : لا ، قلت : فكيف ؟ قال : إن العبد إذا أصاب ذنبا يقول : استغفر الله بالتحريك ،
قلت : وما التحريك ؟ قال : الشفتان واللسان يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة ، قلت : وما
الحقيقة ؟ قال : تصديق في القلب وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه ، قال
كميل : فإذا فعل ذلك فإنه من المستغفرين ؟ ( 3 ) قال : لا ، قال كميل : فكيف ذاك ؟
قال : لانك لم تبلغ إلى الاصل بعد ، قال كميل : فأصل الاستغفار ما هو ؟ قال : الرجوع
إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه ، وهي أول درجة العابدين ، وترك الذنب ،
والاستغفار اسم واقع لمعان ست :
أولها الندم على ما مضى ، والثاني العزم على ترك العود أبدا ، والثالث أن تؤدي
حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم ، والرابع أن تؤدي حق الله في كل فرض ، والخامس
أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت والحرام حتى يرجع الجلد إلى عظمه ، ثم
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ياغلام . م
( 2 ) أى حسب وكفاية ، كلمة مأخوذة من الفارسية .
( 3 ) في المصدر : فاذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين ؟ . م [ * ]
[ 28 ]
تنشئ فيما بينهما لحما جديدا ، والسادس أن تذيق البدن ألم الطاعات كما أذقته لذات
المعاصي . " ص 197 "
29 - عدة : روي عن العالم عليه السلام أنه قال : والله ما اعطي مؤمن قط خير الدنيا
والآخرة إلا بحسن ظنه بالله عزوجل ، ورجائه له ، وحسن خلقه ، والكف عن اغتياب
المؤمنين ، والله تعالى لا يعذب عبدا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه ، وتقصيره في
رجائه لله عزوجل ، وسوء خلقه ، واغتيابه المؤمنين . الخبر .
30 - ثو : ابن المتوكل ، عن محمد بن جعفر ، عن موسى بن عمران ، عن الحسين بن
يزيد ، عن البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أوحى الله عزوجل إلى
داوود النبي على نبينا وآله وعليه السلام : يا داوود إن عبدي المؤمن إذا أذنب ذنبا
ثم رجع وتاب من ذلك الذنب واستحيى مني عند ذكره غفرت له ، وأنسيته الحفظة ،
وأبدلته الحسنة ، ولا ابالي وأنا أرحم الراحمين . " ص 125 "
31 - ثو : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن معاوية
ابن وهب قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إذا تاب العبد المؤمن توبة نصوحا أحبه
الله ، فستر عليه في الدنيا والآخرة ، قلت : وكيف يستر عليه ؟ قال : ينسي ملكيه ما كتبا
عليه من الذنوب ، وأوحى إلى جوارحه : اكتمي عليه ذنوبه ، وأوحى إلى بقاع الارض :
اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب ، فيلقى الله حين يلقاه وليس شئ يشهد
عليه بشئ من الذنوب . ( 1 ) " ص 165 - 166 "
32 - ثو : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أسباط ،
عن يحيى بن بشير ، عن المسعودي قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : من تاب تاب الله عليه ،
وامرت جوارحه أن تستر عليه ، وبقاع الارض أن تكتم عليه ، وانسيت الحفظة ما
كانت تكتب عليه . ( 2 ) " ص 173 "
33 - ثو أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن سلمة بياع
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : عليه بالذنوب . م
( 2 ) في نسخة : ما كانت كتبت عليه . [ * ]
[ 29 ]
السابري ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من تاب في سنة
تاب الله عليه ، ثم قال : إن السنة لكثيرة ، ثم قال : من تاب في شهر تاب الله عليه ، ثم
قال : إن الشهر لكثير ، ثم قال : من تاب في يومه تاب الله عليه ، ثم قال : إن يوما لكثير ،
ثم قال : من تاب إذا بلغت نفسه هذه - يعني حلقه - تاب الله عليه . " ص 173 "
ين : ابن أبي عمير ، عن سلمة ، عن جابر ، عنه عليه السلام مثله .
34 - ثو : ماجيلويه ، عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن
الصادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : إن لله عزوجل فضولا من رزقه
ينحله من يشاء من خلقه ، ( 1 ) والله باسط يديه عند كل فجر لمذنب الليل هل يتوب فيغفر له ؟
ويبسط يديه ( 2 ) عند مغيب الشمس لمذنب النهار هل يتوب فيغفر له ؟ " ص 173 - 174 "
35 - سن : أبي رفعه قال : إن أميرالمؤمنين عليه السلام صعد المنبر بالكوفة فحمد الله
وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ! إن الذنوب ثلاثة ، ثم أمسك ، فقال له حبة
العرني : ( 3 ) يا أمير المؤمنين ( 4 ) فسرها لي ، فقال : ما ذكرتها إلا وأنا اريد أن
افسرها ، ولكنه عرض لي بهر ( 5 ) حال بيني وبين الكلام ، نعم الذنوب ثلاثة : فذنب
مغفور ، وذنب غير مغفور ، وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه . قيل : يا أميرالمؤمنين
فبينها لنا ، قال : نعم ، أما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله تعالى على ذنبه في الدنيا فالله
أحكم وأكرم أن يعاقب عبده مرتين ، وأما الذنب الذي لا يغفر فظلم العباد بعضهم
* ( هامش ) * ( 1 ) أى يعطيه من يشاء .
( 2 ) بسط اليد هنا كناية عن البذل والاعطاء .
( 3 ) هو حبة - بالحاء المفتوحة والباء المشددة المفتوحة - ابن جوين - بالنون مصغرا كما في
رجال الشيخ وتقريب ابن حجر ، أو بالراء كما في القاموس - أبوقدامة العرنى - بضم العين المهملة
وفتح الراء ، منسوب إلى عرينة كجهينة قبيلة من العرب - عده الشيخ والعلامة وغيرهما من أصحاب
أميرالمؤمنين عليه السلام من اليمن ، وقال ابن حجر في التقريب بعد عنوانه وضبطه : صدوق ، له
أغلاط ، وكان غاليا في التشيع ، من الثانية ، مات سنة ست وقيل : تسع وسبعين .
( 4 ) في المصدر : يا أميرالمؤمنين قلت : الذنوب ثلاثة ثم امسكت ، فقال له : ما ذكرتها ا ه . م
( 5 ) البهر بضم الباء وسكون الهاء : انقطاع النفس من الاعياء . [ * ]
[ 30 ]
لبعض ، إن الله تبارك وتعالى إذا برز لخلقه أقسم قسما على نفسه فقال : وعزتي وجلالي
لا يجوزني ظلم ظالم ولو كف بكف ، ولو مسحة بكف ، ونطحة ( 1 ) ما بين الشاة القرناء
إلى الشاة الجماء ، فيقتص الله للعباد بعضهم من بعض ، حتى لا يبقى لاحد عند أحد
مظلمة ، ثم يبعثهم الله إلى الحساب ، وأما الذنب الثالث فذنب ستره الله على عبده و
رزقه التوبة فأصبح خاشعا من ذنبه ، راجيا لربه فنحن له كما هو لنفسه نرجو له الرحمة
ونخاف عليه العقاب . " ص 7 "
بيان : لعل المراد بالكف أولا المنع والزجر ، وبالثاني اليد ، ويحتمل أن
يكون المراد بهما معا اليد أي تضرر كف إنسان بكف آخر بغمز وشبهه ، أو تلذذ كف
بكف ، والمراد بالمسحة بالكف ما يشتمل على إهانة وتحقير أو تلذذ ، ويمكن حمل
التلذذ في الموضعين على ما إذا كان من امرأة ذات بعل ، أو قهرا بدون رضي الممسوح ،
ليكون من حق الناس ، والجماء : التي لا قرن لها . قال في النهاية : فيه : إن الله ليدين
الجماء من ذوات القرن . الجماء التي لا قرن لها . ويدين أي يجزي انتهى .
وأما الخوف بعد التوبة فلعله لاحتمال التقصير في شرائط التوبة .
36 - ف : عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال : تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف
حيرة ، والاعتلال على الله هلكة ، والاصرار على الذنب أمن لمكر الله ، ولا يأمن مكر الله
إلا القوم الخاسرون " ص 456 "
37 - يج : روي أن أبا جعفر عليه السلام كان في الحج ومعه ابنه جعفر عليه السلام فأتاه رجل
فسلم عليه وجلس بين يديه ثم قال : إنى اريد أن أسألك ، قال : سل ابني جعفرا ،
قال : فتحول الرجل فجلس إليه ثم قال : أسألك ؟ قال : سل عما بدالك ، قال : أسألك
عن رجل أذنب ذنبا عظيما ، قال : أفطر يوما في شهر رمضان متعمدا ؟ قال : أعظم من
ذلك ، قال : زنى في شهر رمضان ؟ قال : أعظم من ذلك ، قال : قتل النفس ؟ قال : أعظم من
ذلك ، قال : إن كان من شيعة علي عليه السلام مشى إلى بيت الله الحرام وحلف أن لا يعود ، و
إن لم يكن من شيعته فلا بأس ، فقال له الرجل : رحمكم الله يا ولد فاطمة - ثلاثا - هكذا
* ( هامش ) * ( 1 ) نطح الثور ونحوه : أصابه بقرنه . [ * ]
[ 31 ]
سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله . ثم إن الرجل ذهب فالتفت أبوجعفر فقال : عرفت الرجل ؟
قال : لا ، قال : ذلك الخضر إنما أردت أن اعرفكه .
بيان ، لعل في الخبر سقطا وإنما أوردته كما وجدته ، ويحتمل أن يكون
السائل غرضه السؤال عن حال من جمع بين تلك الاعمال ، ويكون سؤاله عليه السلام على
الاعجاز ، لعلمه بالمراد ، ويكون المراد بالجواب أن المقتول إن كان من الشيعة فليمش
إلى البيت لكمال قبول التوبة وإلا فلا بأس ، ولو كان الضمير راجعا إلى القاتل فلابد من
ارتكاب تكلف في قوله عليه السلام : فلا بأس به .
38 - مص : قال الصادق عليه السلام : التوبة حبل الله ومدد عنايته ، ولابد للعبد من
مداومة التوبة على كل حال ، وكل فرقة من العباد لهم توبة ، فتوبة الانبياء من اضطراب
السر ، وتوبة الاصفياء من التنفس ، وتوبة الاولياء من تلوين الخطرات ، وتوبة
الخاص من الاشتغال بغير الله ، وتوبة العام من الذنوب ، ولكل واحد منهم معرفة وعلم
في أصل توبته ومنتهى أمره ، وذلك يطول شرحه ههنا ، فأما توبة العام فأن يغسل
باطنه بماء الحسرة ، والاعتراف بالجناية دائما ، واعتقاد الندم على ما مضى ، والخوف
على ما بقي من عمره ، ولا يستصغر ذنوبه فيحمله ذلك إلى الكسل ، ويديم البكاء والاسف
على ما فاته من طاعة الله ، ويحبس نفسه عن الشهوات ، ويستغيث إلى الله تعالى ليحفظه
على وفاء توبته ، ويعصمه عن العود إلى ما سلف ويروض نفسه في ميدان الجهد والعبادة ،
ويقضي عن الفوائت من الفرائض ، ويرد المظالم ، ويعتزل قرناء السوء ، ويسهر ليله ، و
يظمأ نهاره ، ويتفكر دائما في عاقبته ، ويستهين بالله سائلا منه الاستقامة في سرائه و
ضرائه ، ويثبت عند المحن والبلاء كيلا يسقط عن درجة التوابين ، فإن في ذلك طهارة
من ذنوبه ، وزيادة في عمله ، ورفعة في درجاته ، قال الله عزوجل : " وليعلمن الله الذين
صدقوا وليعلمن الكاذبين " .
بيان : من التنفس أي بغير ذكر الله ، وفي بعض النسخ على بناء التفعيل من تنفيس
الهم أي تفريجه أي من الفرح والنشاط ، والظاهر أنه مصحف ، وتلوين الخطرات :
إخطار الامور المتفرقة بالبال ، وعدم اطمينان القلب بذكر الله . [ * ]
[ 32 ]
39 - شى : عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : رحم الله عبدا لم
يرض من نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه ، وفي كتاب الله نجاة من الردى ، وبصيرة
من العمى ، ودليل إلى الهدى ، وشفاء لما في الصدور ، فيما أمركم الله به من الاستغفار
مع التوبة قال الله : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا
لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " وقال : " ومن
يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " فهذا ما أمر الله به من
الاستغفار ، واشترط معه بالتوبة والاقلاع عما حرم الله ، فإنه يقول : " إليه يصعد
الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " وهذه الآية تدل على أن الاستغفار لا يرفعه إلى
الله إلا العمل الصالح والتوبة .
40 - شى : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله : " ومن يغفر الذنوب إلا الله
ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " قال : الاصرار أن يذنب العبد ولا يستغفر ولا
يحدث نفسه بالتوبة ، فذلك الاصرار .
41 - شى : عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " وإني لغفار
لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " قال : لهذه الآية تفسير ، يدل ذلك التفسير
على أن الله لا يقبل من عمل عملا إلا ممن لقيه بالوفاء منه بذلك التفسير ، وما اشترط فيه
على المؤمنين ، وقال : " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة " يعني كل ذنب
عمله العبد وإن كان به عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه ، وقد قال في ذلك
تبارك وتعالى - يحكي قول يوسف لاخوته - : " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم
جاهلون " فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله .
42 - شى : عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " وليست التوبة للذين
يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن " قال : هو الفرار تاب
حين لم ينفعه التوبة ولم يقبل منه .
43 - شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا بلغت النفس هذه - وأهوى
بيده إلى حنجرته - لم يكن للعالم توبة ، وكانت للجاهل توبة .
ين : ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عنه عليه السلام مثله .
[ 33 ]
بيان : ظاهره الفرق بين العالم والجاهل في قبول التوبة عند مشاهدة أحوال الآخرة
وهو مخالف لما ذهب إليه المتكلمون من عدم قبول التوبة في ذلك الوقت مطلقا ، وعدم
الفرق في التوبة مطلقا بين العالم والجاهل ، ويمكن توجيهه بوجهين : الاول أن يكون
المراد بالعالم من شاهد أحوال الآخرة ، وبالجاهل من لم يشاهدها لان بلوغ النفس


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 33 سطر 5 إلى صفحه 41 سطر 5

إلى الحنجرة قد ينفك عن المشاهدة .
الثاني أن يكون المراد نفي التوبة الكاملة عن العالم في هذا الوقت دون
الجاهل ، مع حمل تلك الحالة على عدم المشاهدة ، إذ العالم غير معذور في تأخيرها إلى
هذا الوقت .
44 - شى : عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه واله قال : كان إبليس أول من ناح ، وأول من
من تغنى ، وأول من حدا ، قال : لما أكل آدم من الشجرة تغنى ، قال : فلما اهبط
حدا به ، قال : فلما استقر على الارض ناح فأذكره ما في الجنة ، فقال آدم : رب !
هذا الذي جعلت بيني وبينه العداوة ، لم أقو عليه وأنا في الجنة ، وإن لم تعني عليه
لم أقوا عليه ، فقال الله : السيئة بالسيئة ، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ، قال :
رب زدني ، قال : لا يولد لك ولد إلا جعلت معه ملكا أو ملكين يحفظانه ، قال : رب
زدني ، قال : التوبة معروضة ( 1 ) في الجسد ما دام فيها الروح ، قال : رب ! زدني ، قال
أغفر الذنوب ولا ابالي ، قال حسبي .
45 - شى : عن أبى عمرو الزبيري ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : رحم الله عبدا
تاب إلى الله قبل الموت ، فإن التوبة مطهرة من دنس الخطيئة ، ومنقذة من شفا ( 2 )
الهلكة ، فرض الله بها على نفسه لعباده الصالحين ، فقال : " كتب ربكم على نفسه الرحمة
إنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم ومن يعمل
سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما .
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : مفروضة .
( 2 ) شفا كعصا : طرف كل شئ وجانبه ، ويضرب به المثل في القرب من الهلاك . [ * ]
[ 34 ]
46 - م : أتى أعرابي إلي النبي صلى الله عليه واله فقال : أخبرني عن التوبة إلى متى تقبل ؟
فقال صلى الله عليه واله : إن بابها مفتوح لابن آدم لا يسد حتى تطلع الشمس من مغربها ، وذلك
قوله : " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك "
وهي طلوع الشمس من مغربها " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن
آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " .
47 - شى : عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول - في قوله : إنه كان
للاوابين غفورا - : قال هم التوابون المتعبدون .
48 - شى : عن أبى بصير قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فقال له رجل : بأبي و
امي إني أدخل كنيفا لي ولي جيران ، وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود ، فربما
أطلت الجلوس استماعا مني لهن ، فقال : لا تفعل ، فقال الرجل : والله ما هو شئ آتيه
برجلي إنما هو سماع أسمعه باذني ! فقال له " أنت أما سمعت الله : " إن السمع والبصر
والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا " ؟ قال : بلى والله ، فكأني لم أسمع هذه الآية
قط من كتاب الله من عجمي ولا من عربي ، لا جرم ( 1 ) إني لا أعود إن شاء الله ، وإني أستغفر الله
فقال له : قم فاغتسل وصل ما بدالك ، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسرأ حالك
لو مت على ذلك ! احمد الله وسله التوبة من كل ما يكره ، إنه لا يكره إلا القبيح ، ( 2 ) والقبيح
دعه لاهله فإن لكل أهلا .
49 - ين : بعض أصحابنا ، عن علي بن شجرة ، عن عيسى بن راشد ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : سمعته يقول : ما من مؤمن يذنب ذنبا إلا اجل سبع ساعات ، فإن
استغفر الله غفر له ، وإنه ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة فيستغفر الله فيغفر له ، وإن الكافر
لينسى ذنبه لئلا يستغفر الله .
50 - ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن الفضل بن إبراهيم
* ( هامش ) * ( 1 ) لا جرم بفتح الجيم والراء ، أو بضم الجيم وسكون الراء ، أو ككرم أى لابد ، أو لا محالة
أو حقا ، وقد تحول إلى معنى القسم فيقال : لا جرم لافعلن .
( 2 ) في نسخة : إلا كل القبيح . [ * ]
[ 35 ]
الاشعري ، عن علي بن حسان ، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن الصادق ، عن آبائه
عن الحسن بن علي عليهم السلام في خبر طويل احتج فيه على معاوية قال : فأما القرابة فقد نفعت
المشرك وهي والله للمؤمن أنفع ، قال رسول الله صلى الله عليه واله لعمه أبي طالب - وهو في الموت - :
لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه واله يقول له ويعد إلا ما
يكون منه على يقين ، وليس ذلك لاحد من الناس كلهم غير شيخنا - أعني أبا طالب -
يقول الله عزوجل : " وليست التوبة للذين يعلمون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت
قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار اولئك أعتدنا لهم عذابا أليما "
الخبر . " ص 14 "
بيان : لعل هذا للالزام على العامة لقولهم بكفر أبي طالب عليه السلام ، ويحتمل أن
يكون المراد أنه لما كان السؤال في ذلك الوقت مع علمه صلى الله عليه واله بإيمانه لعلم الناس
بإيمانه ، فلو لم يكن للايمان في هذا الوقت فائدة لم يحصل الغرض .
51 - جع : قال النبي صلى الله عليه واله : التائب إذا لم يستبن أثر التوبة فليس بتائب : يرضي
الخصماء ، ويعيد الصلوات ، ويتواضع بين الخلق ، ويتقي نفسه عن الشهوات ، ويهزل رقبته
بصيام النهار ، ويصفر لونه بقيام الليل ، ويخمص بطنه ( 1 ) بقلة الاكل ، ويقوس ظهره
من مخافة النار ، ويذيب عظامه شوقا إلى الجنة ، ويرق قلبه من هول ملك الموت ، و
يجفف جلده على بدنه بتفكر الاجل ، فهذا أثر التوبة ، وإذا رأيتم العبد على هذه الصورة
فهو تائب ناصح لنفسه .
52 - وقال رسول الله صلى الله عليه واله : أتدرون من التائب ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : إذا تاب
العبد ولم يرض الخصماء فليس بتائب ، ومن تاب ولم يزد في العبادة فليس بتائب ، ومن
تاب ولم يغير لباسه فليس بتائب ، ومن تاب ولم يغير رفقاءه فليس بتائب ، ومن تاب
ولم يغير مجلسه ( 2 ) فليس بتائب ، ومن تاب ولم يغير فراشه ووسادته ( 3 ) فليس بتائب
* ( هامش ) * ( 1 ) خمص بطنه : فرغ وضمر .
( 2 ) في نسخة : مجلسه وطعامه .
( 3 ) مثلثة الواو : المخدة أو أعم منها كما في ففه اللغة للثعالبي ، فانه قال : المصدغة والمخدة * [ * ]
[ 36 ]
ومن تاب ولم يغير خلقه ونيته فليس بتائب ، ومن تاب ولم يفتح قلبه ولم يوسع كفه
فليس بتائب ، ومن تاب ولم يقصر أمله ولم يحفظ لسانه فليس بتائب ، ومن تاب ولم يقدم ( 1 )
فضل قوته بدنه فليس بتائب ، وإذا استقام على هذه الخصال فذاك التائب .
53 - نبه : جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبار ك وتعالى :
" ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " قال : الاصرار أن يذنب ولا يحدث نفسه بتوبة ،
فذاك الاصرار .
54 - سيف بن يعقوب ، ( 2 ) عن أبي عبدالله عليه السلام : المقيم على الذنب وهو منه مستغفر
كالمستهزئ .
55 - ابن فضال عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا والله ما أراد الله من
الناس إلا خصلتين : أن يقروا له بالنعم فيزيدهم ، وبالذنوب فيغفرها لهم .
56 - وعنه عليه السلام قال : والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به . ( 3 )
57 - وعن جعفر بن محمد عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من أذنب ذنبا وهو
ضاحك دخل النار وهو باك .
58 - نهج : ما كان الله ليفتح على عبد باب الشكر ويغلق عنه باب الزيادة ، ولا ليفتح
على عبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الاجابة ، ولا ليفتح على عبد باب التوبة ويغلق عنه
باب المغفرة .
59 نهج : قال عليه السلام - لقائل بحضرته : أستغفر الله - : ثكلتك امك ، أتدري
ما الاستغفار ؟ إن الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان ، أولها الندم
* ( هامش ) * * للرأس المنبذة التى تنبذ أى تطرح للزائر وغيره . النمرقة واحدة النمارق وهى التى تصف ،
- وقد نطق بها القرآن - المسند : الوسادة التى يستند إليها ، المسورة : التى يتكأ عليها ، الحسبانة
ما صغر منها ، الوسادة تجمعها كلها .
( 1 ) في النسخ كلها : " ولم يقدم " بالقاف ، ولعله بالفاء من قولهم : فدم الابريق وعلى الابريق
وضع الفدام عليه ، والفدام مصفاة صغيرة أو خرقة تجعل على فم الابريق ليصفى بها ما فيه .
( 2 ) الظاهر : يوسف بن يعقوب .
( 3 ) يأتى الحديث مسندا تحت رقم 66 عن الاحمسى عمن ذكره . [ * ]
[ 37 ]
على ما مضى ، والثاني العزم على ترك العود إليه أبدا ، والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين
حقوقهم حتى تلقى الله أملس ( 1 ) ليس عليك تبعة ، والرابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك
ضيعتها فتؤدي حقها ، والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت ( 2 ) فتذيبه
بالاحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، والسادس أن تذيق الجسم
ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : أستغفر الله .
بيان : ما سوى الاولين عند جمهور المتكلمين من شرائط كمال التوبة كما ستعرف .
60 - نهج : وقال عليه السلام لرجل سأله أن يعظه : لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير
العمل ، ويرجئ التوبة ( 3 ) بطول الامل - وساق الكلام إلى أن قال عليه السلام - : إن عرضت
له شهوة أسلف المعصية ، وسوف التوبة . ( 4 )
61 - نهج : وقال عليه السلام من اعطي أربعا لم يحرم أربعا : من اعطي الدعاء لم يحرم
الاجابة ، ومن اعطي التوبة لم يحرم القبول ، ومن اعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة
ومن اعطي الشكر لم يحرم الزيادة ، وتصديق ذلك في كتاب الله سبحانه ، قال الله عز
وجل في الدعاء : " ادعوني أستجب الكم " وقال في الاستغفار : " ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه
ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " وقال في الشكر : " إن شكرتم لازيدنكم "
وقال في التوبة : " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب
فاولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما " .
ما : الحسين بن إبراهيم ، عن محمد بن وهبان ، عن محمد بن أحمد بن زكريا ،
عن الحسن بن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبي كهمش ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي
عبدالله عليه السلام مثله . ( 5 ) " ص 47 "
* ( هامش ) * ( 1 ) الاملس : ضد الخشن ، قال ابن ميثم : استعار لفظ ألاملس لنفاء الصحيحة من الاثام .
( 2 ) بالضم : المال من كسب حرام ، وقال الثعالبي في فقه اللغة : كل حرام قبيح الذكر يلزم
منه العار كثمن الكلب فهو سحت .
( 3 ) يرجئ بالتشديد أى يؤخر المعصية .
( 4 ) أسلف : قدم ، وسوف : أخر . والموعظة بتمامه في ص 181 من ج 2 ط مصر .
( 5 ) إلى قوله : وتصديق ذلك اه . م [ * ]
[ 38 ]
62 - نهج : وسئل عليه السلام عن الخير ماهو ؟ فقال : ليس الخير أن يكثر مالك و
ولدك ولكن الخير أن يكثر علمك ، ( 1 ) ويعظم حلمك ، وأن تباهي الناس بعبادة ربك ،
فإن أحسنت حمدت الله ، وإن أسأت استغفرت الله ، ولا خير في الدنيا إلا لرجلين : رجل
أذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتوبة ، ورجل يسارع في الخيرات . ( 2 ) ولا يقل عمل مع التقوى
وكيف يقل ما يتقبل ؟ .
63 - ين : النضر ، عن ابن سنان ، عن حفص قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول :
ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا إلا أجله الله سبع ساعات من النهار ، فإن هو تاب لم يكتب
عليه شيئا وإن لم يفعل كتبت عليه سيئة ، فأتاه عباد البصري فقال له : بلغنا أنك قلت :
ما من عبد يذنب ذنبا إلا أجله الله سبع ساعات من النهار ؟ فقال : ليس هكذا قلت : ولكني
قلت : ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا إلا أجله الله سبع ساعات من نهاره ، هكذا قلت .
64 - ين : فضالة ، عن القاسم بن يزيد ، عن محمد بن مسلم قال : قال أبوجعفر عليه السلام
إن من أحب عباد الله إلى الله المفتن التواب . ( 3 )
65 - ين : ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
من عمل سيئة اجل فيها سبع ساعات من النهار ، فإن قال : " أستغفر الله الذي لا إله
إلا هو الحي القيوم " ثلاث مرات لم يكتب عليه .
66 - ين : ابن أبي عمير ، عن علي الاحمسي ، عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام إنه
قال : والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به .
67 - ين : علي بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت
أبا جعفر عليه السلام : ألا إن الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب من رجل ضلت راحلته في
أرض قفر وعليها طعامه وشرابه ، فبينما هو كذلك لا يدري ما يصنع ولا أين يتوجه
حتى وضع رأسه لينام فأتاه آت فقال له : هل لك في راحلتك ؟ قال : نعم ، قال : هوذه
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : علمك وعملك .
( 2 ) الظاهر أن ما يأتى بعد كلام آخر له ، وليس ملحقا بما قبله .
( 3 ) في نسخة : المحسن التواب . [ * ]
[ 39 ]
فاقبضها ، فقام إليها فقبضها ، فقال أبوجعفر عليه السلام : والله أفرح بتوبة عبده حين يتوب من
ذلك الرجل حين وجد راحلته . ( 1 )
68 - كا : العدة ، عن البرقي ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن الكناني
قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل ، " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله
توبة نصوحا " قال : يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود فيه . قال محمد بن الفضيل سألت عنها
أبا الحسن عليه السلام فقال : يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه ، وأحب العباد إلى الله المفتنون
التوابون . " ج 2 ص 432 "
69 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير قال :
قلت لابي عبدالله عليه السلام : " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا " قال : هو
الذنب الذي لا يعود فيه أبدا ، قلت : وأينا لم يعد ؟ فقال : يا أبا محمد إن الله يحب من
عباده المفتن ( 2 ) التواب . " ج 2 ص 432 "
ين ابن أبي عمير مثله .
70 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا رفعه قال : إن الله عز
وجل أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطى خصلة منها جميع أهل السماوات والارض لنجوا بها :
قوله عزوجل : " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " فمن أحبه الله لم يعذبه ،
وقوله : " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون
للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم
وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته
وذلك هو الفوز العظيم " وقوله عزوجل " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون
النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب
* ( هامش ) * ( 1 ) يأتى الحديث باسناد آخر عن ابى عبيدة تحت رقم 73 .
( 2 ) قال الجزرى في النهاية : " إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات " قال : فتنوهم بالنار ، أى
امتحنوهم وعذبوهم ، ومنه الحديث " المؤمن خلق مفتنا " أى ممتحنا يمتحنه الله بالذنب ثم يتوب ، ثم يعود
ثم يتوب ، يقال : فتنته افتنه فتنا وفتونا : إذا امتحنته . ويقال فيها : أفتنته أيضا ، وهو قليل . [ * ]
[ 40 ]
يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم
حسنات وكان الله غفورا رحيما " . " ج 2 ص 432 - 433 "
71 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء ، عن محمد بن
مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له ،
فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة ، أما والله إنها ليست إلا لاهل الايمان .
قلت : فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في التوبة ؟ فقال : يا محمد بن
مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر الله تعالى منه ويتوب ثم لا يقبل الله
توبته ؟ قلت : فإنه فعل ذلك مرارا يذنب ثم يتوب ويستغفر ، فقال : كلما عاد المؤمن
بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة وإن الله غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ،
فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله . " ج 2 ص 434 " .
72 - كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة
ابن ميمون ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل :
" وإذا مسهم طائف ( 1 ) من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " قال : هو العبد يهم
بالذنب ثم يتذكر فيمسك فذلك قوله : " تذكروا فإذا هم مبصرون " . ج 2 ص 434 - 435 "
73 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن أبي عبيدة قال :
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته
وزاده في ليلة ظلماء فوجدها فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحتله حين
وجدها . ( 2 ) " ج 2 ص 435 "
74 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن عبدالله
ابن عثمان ، عن أبي جميلة قال : قال أبوعبدالله : إن الله يجب المفتن التواب ( 3 )
* ( هامش ) * ( 1 ) الطوف : المشى حول الشئ ، ومنه الطائف : لمن يدور حول البيت حافظا ، ومنه استعير
الطائف من الجن والخيال والحادثة وغيرها ، قال تعالى : " إذا مسهم طائف من الشيطان " وهو الذى
يدور على الانسان من الشيطان يريد اقتناصه . قاله الراغب في مفرداته .
( 2 ) تقدم الحديث باسناد آخر عن أبى عبيدة تحت رقم 67 أبسط من هذا .
( 3 ) في المصدر : العبد المفتن التواب . م [ * ]
[ 41 ]
ومن لا يكون ذلك ( 1 ) منه كان أفضل . " ج 2 ص 435 " .
75 - كا : محمد ، عن أحمد ، عن علي بن النعمان ، عن محمد بن سنان ، عن يوسف بن
أبي يعقوب بياع الارز ، ( 2 ) عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : التائب من
الذنب كمن لا ذنب له ، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ . " ج 2 ص 435 "
76 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن زرارة قال :


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 41 سطر 6 إلى صفحه 49 سطر 6

سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن العبد إذا أذنب ذنبا اجل من غداة إلى الليل فإن
استغفر الله لم يكتب عليه . " ج 2 ص 437 "
ين : ابن أبي عمير مثله .
77 - كا ، علي ، عن أبيه ، وأبوعلي الاشعري ، ومحمد بن يحيى جميعا ، عن
الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة ، عن عبدالصمد بن بشير ، عن
أبى عبدالله عليه السلام قال : العبد المؤمن إذا أذنب ذنبا أجله الله سبع ساعات فإن استغفر الله
لم يكتب عليه ، ( 3 ) وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتبت عليه سيئة ، وإن المؤمن
ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له ، وإن الكافر لينساه من ساعته .
" ج 2 ص 437 "
78 - كا : علي ، عن أبيه ، والعدة ، عن سهل ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد
جميعا ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن النعمان الاحول ، عن سلام بن المستنير قال : كنت
عند أبي جعفر عليه السلام فدخل عليه حمران بن أعين وسأله عن أشياء ، فلما هم حمران بالقيام
قال لابي جعفر عليه السلام : اخبرك أطال الله بقاءك لنا وأمتعنا بك ( 4 ) : أنا نأتيك فما نخرج
* ( هامش ) * ( 1 ) أى المراجعة إلى الذنب بعد التوبة
( 2 ) هو يوسف بن السخت ، أورده العلامة في القسم الثانى من الخلاصة وترجمه بقوله : يوسف بن
السخت - بالسين المهملة ، والخاء المعجمة ، والتاء المنقطة فوقها النقطتين - بصرى ، ضعيف ، مرتفع
القول ، استثناء القميون من نوادر الحكمة . انتهى . وأضاف الفاضل المامقانى إلى الضبط ضم السين
وسكون الخاء ، وحكى أن الوحيد مال إلى إصلاح حاله .
( 3 ) في المصدر : عليه شئ .
( 4 ) أى صيرنا ننتفع ونلتذ بك زمانا طويلا . [ * ]
[ 42 ]
من عندك حتى ترق قلوبنا ، وتسلو أنفسنا عن الدنيا ، ويهون علينا ما في أيدي الناس
من هذه الاموال ، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا ! قال : فقال أبوجعفر عليه السلام : إنما هي القلوب ( 1 ) مرة تصعب ، ومرة تسهل ، ثم قال
أبوجعفر عليه السلام : أما إن أصحاب محمد صلى الله عليه واله قالوا : يارسول الله نخاف علينا النفاق ،
قال : فقال : ولم تخافون ذلك ؟ قالوا : إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلنا ونسينا
الدنيا وزهدنا حتى كأننا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك ، فإذا خرجنا
من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الاولاد ورأينا العيال والاهل يكاد أن نحول عن
الحالة التي كنا عليها عندك ، حتى كأنا لم نكن على شئ ، أفتخاف علينا أن يكون
ذلك نفاقا ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله : كلا إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم
في الدنيا ، والله لو تدومو على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة
ومشيتم على الماء ولولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق الله خلقا حتى يذنبوا
ثم يستغفروا لله فيغفر لهم ، إن المؤمن مفتن تواب ، أما سمعت قول الله عزوجل : " إن
الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " وقال : " استغفروا ربكم ثم توبوا إليه " .
" ج 2 ص 423 - 424 "
* ( اختتام فيه مباحث رائقة ) *
الاول : في وجوب التوبة ، ولا خلاف في وجوبها في الجملة ، والاظهر أنها إنما
تجب لما لم يكفر من الذنوب ، كالكبائر والصغائر التي أصرت عليها ، فإنها ملحقة
بالكبائر ، والصغائر التي لم يجتنب معها الكبائر ، فأما مع اجتناب الكبائر فهي مكفرة
إذا لم يصر عليها ولا يحتاج إلى التوبة عنها ، لقوله تعالى : " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون
عنه نكفر عنكم سيئاتكم " وسيأتي تحقيق القول في ذلك في باب الكبائر إن شاء الله تعالى .
قال المحقق الطوسي قدس الله روحه في التجريد : التوبة واجبة لدفعها الضرر .
ولوجوب الندم على كل قبيح أو إخلال بواجب .
* ( هامش ) * ( 1 ) قال المصنف قدس سره في شرح الحديث في كتابه مرآت العقول : إنما هي القلوب أى
إنما سمى بالقلب لتقلب أحواله ، مرة تصعب اه . [ * ]
[ 43 ]
وقال العلامة رحمه الله في شرحه : التوبة هي الندم على المعصية لكونها معصية ،
والعزم على ترك المعاودة في المستقبل لان ترك العزم يكشف عن نفي الندم ، وهي واجبة
بالاجماع ، لكن اختلفوا فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنها تجب من الكبائر المعلوم
كونها كبائر أو المظنون فيها ذلك ، ولا تجب من الصغائر المعلوم أنها صغائر ، وقال
آخرون : إنها لا تجب من ذنوب تاب عنها من قبل ، وقال آخرون : إنها تجب من
كل صغير وكبير من المعاصي ، أو الاخلال بالواجب ، سواء تاب منها قبل أو لم يتب .
وقد استدل المصنف على وجوبها بأمرين : الاول أنها دافعة للضرر الذي
هو العقاب أو الخوف فيه ، ودفع الضرر واجب . الثاني أنا نعلم قطعا وجوب الندم على
فعل القبيح أو الاخلال بالواجب ، إذا عرفت هذا فنقول : إنها تجب من كل ذنب ، لانها
تجب من المعصية لكونها معصية ، ومن الاخلال بواجب لكونه كذلك ، وهذا عام في كل
ذنب وإخلال بواجب . انتهى .
أقول : ظاهر كلامه وجوب التوبة عن الذنب الذي تاب منه ، ولعله نظر إلى أن
الندم على القبيح واجب في كل حال وكذا ترك العزم على الحرام واجب دائما ، وفيه
أن العزم على الحرام ما لم يأت به لا يترتب عليه إثم ، كما دلت عليه الاخبار الكثيرة ،
إلا أن يقول : إن العفو عنه تفضلا لا ينافي كونه منهيا عنه كالصغائر المكفرة ، وأما الندم
على ما صدر عنه فلا نسلم وجوبه بعد تحقق الندم سابقا وسقوط العقاب ، وإن كان
القول بوجوبه أقوى .
الثانى : اختلف المتكلمون في أنه هل تتبعض التوبة أم لا ، والاول أقوى لعموم
النصوص وضعف المعارض .
قال المحقق في التجريد : ويندم على القبيح لقبحه ، وإلا انتفت ، وخوف النار
إن كان الغاية فكذلك ، وكذا الاخلال ، فلا تصح من البعض ، ولا يتم القياس على
الواجب ، ولو اعتقد فيه الحسن صحت وكذا المستحقر ، والتحقيق أن ترجيح الداعي
إلى الندم عن البعض يبعث عليه ، وإن اشترك الداعي في الندم على القبيح كما في الداعي
إلى الفعل ، ولو اشترك الترجيح اشترك وقوع الندم ، وبه يتأول كلام أمير المؤمنين وأولاده
[ 44 ]
عليهم السلام ، وإلا لزم الحكم ببقاء الكفر على التائب منه ، المقيم على صغيرة .
وقال العلامة : اختلف شيوخ المعتزلة هنا فذهب أبوهاشم ( 1 ) إلى أن التوبة لا تصح
من قبيح دون قبيح ، وذهب أبوعلي ( 2 ) إلى جواز ذلك ، والمصنف رحمه الله استدل على
مذهب أبي هاشم بأنا قد بينا بأنه يجب أن يندم على القبيح لقبحه ، ولولا ذلك لم
تكن مقبولة ، والقبح حاصل في الجميع ، فلو تاب من قبيح دون قبيح كشف ذلك عن كونه
تائبا عنه لا لقبحه ، واحتج أبوعلي بأنه لو لم تصح التوبة من قبيح دون قبيح لم يصح
الاتيان بواجب دون واجب ، والتالي باطل ، بيان الشرطية أنه كما يجب عليه ترك
القبيح لقبحه كذا يجب عليه فعل الواجب لوجوبه فلو لزم من اشتراك القبائح في القبح
عدم صحة التوبة من بعضها لزم من اشتراك الواجبات في الوجوب عدم صحة الاتيان
بواجب دون آخر ، وأما بطلان التالي فبإلاجماع ، إذ لا خلاف في صحة صلاة من أخل
بالصوم .
وأجاب أبوهاشم بالفرق بين ترك القبيح لقبحه ، وفعل الواجب لوجوبه بالتعميم في
الاول دون الثاني ، فإن من قال لا آكل الرمانه لحموضتها فإنه لا يقدم على أكل كل
حامض لاتحاد الجهة في المنع ، ولو أكل الرمانة لحموضتها لم يلزم أن يأكل كل رمانة
حامضة فافترقا .
وإليه أشار المصنف رحمه الله ، ولا يتم القياس على الواجب أي لا يتم قياس ترك
القبيح لقبحه على فعل الواجب لوجوبه ، وقد تصح التوبة من قبيح دون قبيح إذا اعتقد
التائب في بعض القبائح أنها حسنة وتاب عما يعتقده قبيحا ، فإنه تقبل توبته لحصول الشرط
فيه ، وهو ندمه على القبيح لقبحه ، وإذا كان هناك فعلان أحدهما عظيم القبح والآخر
صغيره وهو مستحقر بالنسبة إليه حتى لا يكون معتدا به ، ويكون وجوده بالنسبة إلى
* ( هامش ) * ( 1 ) هو عبدالسلام بن أبى على محمد بن عبدالوهاب ، يلقب هو وأبوه أبوعلى بالجبائى ، وكلاهما
من رؤساء المعتزلة ولهما مقالات في الكلام على مذهب الاعتزال ، توفى أبوهاشم سنة 321 .
وكانت ولادته سنة 247 .
( 2 ) أى محمد بن عبدالوهاب الجبائى المتوفى سنة 303 ، وقد أوعزنا سابقا إلى ترجمته . [ * ]
[ 45 ]
العظيم كعدمه حتى تاب فاعل القبيح عن العظيم فإنه تقبل توبته ، ومثال ذلك أن
الانسان إذا قتل ولد غيره وكسر له قلما ثم تاب وأظهر الندم على قتل الولد دون كسر
القلم فإنه تقبل توبته ، ولا يعتد العقلاء بكسر القلم وإن كان لابد من أن يندم على جميع
إساءته ، وكما أن كسر القلم حال قتل الولد لا يعد إساءة فكذا العزم .
ثم قال رحمه الله : ولما فرغ من تقرير كلا م أبي هاشم ذكر التحقيق في هذا المقام ،
وتقريره أن نقول : الحق أنه يجوز التوبة عن قبيح دون قبيح لان الافعال تقع بحسب
الدواعي ، وتنتفي الصوارف فإذا ترجح الداعي وقع الفعل . إذا عرفت هذا فنقول : يجوز
أن يرجح فاعل القبائح دواعيه إلى الندم على بعض القبائح دون بعض ، وإن كانت القبائح
مشتركة في أن الداعي يدعو إلى الندم عليها ، وذلك بأن يقترن ببعض القبائح قرائن
زائدة كعظم الذنب ، أو كثرة الزواجر عنه ، أو الشناعة عند العقلاء عند فعله ، ولا تقترن
هذه القرائن ببعض القبائح فلا يندم عليها ، وهذا كما في دواعي الفعل فإن الافعال
الكثيرة قد تشترك في الدواعي ، ثم يؤثر صاحب الدواعي بعض تلك الافعال على بعض ،
بأن يترجح دواعيه إلى ذلك الفعل بما يقترن به من زيادة الدواعي ، فلا استبعاد في
كون قبح الفعل داعيا إلى العدم ثم يقترن ببعض القبائح زيادة الدواعي إلى الندم عليه
فيرجح لاجلها الداعي إلى الندم على ذلك البعض ، ولو اشتركت القبائح في قوة
الدواعي اشتركت في وقوع الندم عليها ولم يصح الندم على البعض دون الآخر ، وعلى هذا
ينبغي أن يحمل كلام أميرالمؤمنين علي عليه السلام وكلام أولاده كالرضا وغيره عليهم السلام حيث نقل
عنهم نفي تصحيح التوبة عن بعض القبائح دون بعض ، لانه لولا ذلك لزم خرق الاجماع
والتالى باطل فالمقدم مثله ، بيان الملازمة أن الكافر إذا تاب عن كفره وأسلم وهو مقيم
على الكذب إما أن يحكم بإسلامه وتقبل توبته من الكفر أولا ، والثاني خرق الاجماع
لاتفاق المسلمين على إجراء حكم المسلم عليه ، والاول هو المطلوب ، وقد التزم أبو هاشم
استحقاقه عقاب الكفر وعدم قبول توبته وإسلامه ، ولكن لا يمتنع إطلاق اسم
الاسلام عليه .
[ 46 ]
الثالث : اعلم أن العزم على عدم العود إلى الذنب فيما بقي من العمر لابد منه في
التوبة كما عرفت ، وهل إمكان صدوره منه في بقية العمر شرط ، حتى لو زنى ثم جب ( 1 )
وعزم على أن يعود إلى الزنا على تقدير قدرته عليه لم تصح توبته ، أم ليس بشرط فتصح ؟
الاكثر على الثاني ، بل نقل بعض المتكلمين إجماع السلف عليه ، وأولى من هذا بصحة
التوبة من تاب في مرض مخوف غلب على ظنه الموت فيه وأما التوبة عند حضور الموت
وتيقن الفوت وهو المعبر عنه بالمعاينة فقد انعقد الاجماع على عدم صحتها ، وقد مر
ما يدل عليه من الآيات والاخبار .
الرابع : في أنواع التوبة ، قال العلامة رحمه الله : التوبة إما أن تكون من ذنب
يتعلق به تعالى خاصة ، أو يتعلق به حق الآدمي .
والاول إما أن يكون فعل قبيح كشرب الخمر والزنا ، أو إخلالا بواجب كترك
الزكاة والصلاة ، فالاول يكفى في التوبة منه الندم عليه والعزم على ترك العود إليه .
وأما الثاني فتختلف أحكامه بحسب القوانين الشرعية ، فمنه ما لابد مع التوبة
من فعله أداءا كالزكاة ، ومنه ما يجب معه القضاء كالصلاة ، ومنه ما يسقطان عنه
كالعيدين ، وهذا الاخير يكفي فيه الندم والعزم على ترك المعاودة كما في فعل القبيح ،
وأما ما يتعلق به حق الآدمي فيجب فيه الخروج إليهم منه ، فإن كان أخذ مال وجب
رده على مالكه أو ورثته إن مات ، ولو لم يتمكن من ذلك وجب العزم عليه ، وكذا إن
كان حد قذف ، وإن كان قصاصا وجب الخروج إليهم منه ، بأن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول
فإما أن يقتلوه أو يعفوا عنه بالدية أو بدونها ، وإن كان في بعض الاعضاء وجب تسليم
نفسه ليقتص منه في ذلك العضو إلى المستحق من المجني عليه أو الورثة ، وإن كان إضلالا
وجب إرشاد من أضله ورجوعه مما اعتقده بسببه من الباطل إن أمكن ذلك . واعلم
إن هذه التوابع ليست أجزاءا من التوبة فإن العقاب سقط بالتوبة ، ثم إن قام المكلف
بالتبعات كان ذلك إتماما للتوبة من جهة المعنى لان ترك التبعات لا يمنع من سقوط العقاب
بالتوبة عما تاب منه ، بل يسقط العقاب ويكون ترك القيام بالتبعات بمنزلة ذنوب
مستأنفة يلزمه التوبة منها ، نعم التائب إذا فعل التبعات بعد إظهار توبته كان ذلك دلالة
* ( هامش ) * ( 1 ) أى استؤصل ذكره وخصياه . [ * ]
[ 47 ]
على صدق الندم ، وإن لم يقم بها أمكن جعله دلالة على عدم صحة الندم . ثم قال رحمه الله
المغتاب إما أن يكون قد بلغه اغتيابه أولا ، ويلزم الفاعل للغيبة في الاول الاعتذار عنه إليه
لانه أوصل إليه ضرر الغم فوجب عليه الاعتذار منه والندم عليه ، وفي الثاني لا يلزمه
الاعتذار ولا الاستحلال منه لانه لم يفعل به ألما ، وفي كلا القسمين يجب الندم
لله تعالى لمخالفة النهي ، والعزم على ترك المعاودة
وقال المحقق في التجريد ، وفي إيجاب التفصيل مع الذكر إشكال . وقال العلامة
ذهب قاضي القضاة ( 1 ) إلى أن التائب إن كان عالما بذنوبه على التفصيل وجب عليه التوبة
عن كل واحدة منها مفصلا وإن كان يعلمها على الاجمال وجب عليه التوبة كذلك مجملا ،
وإن كان يعلم بعضها على التفصيل وبعضها على الاجمال وجب عليه التوبة عن المفصل بالتفصيل
وعن المجمل بالاجمال ، واستشكل المصنف رحمه الله إيجاب التفصيل مع الذكر لامكان
الاجتزاء بالندم على كل قبيح وقع منه وإن لم يذكره مفصلا .
ثم قال المحقق رحمه الله : وفي وجوب التجديد إشكال ، وقال العلامة قدس سره
إذا تاب المكلف عن معصية ثم ذكرها هل يجب عليه تجديد التوبة ؟ قال أبوعلي : نعم
بناءا على أن المكلف القادر بقدرة لا ينفك عن الضدين ، إما الفعل ، أو الترك ، فعند
ذكر المعصية إما أن يكون نادما عليها ، أو مصرا عليها ، والثاني قبيح فيجب الاول .
وقال أبوهاشم : لا يجب لجواز خلو القادر بقدرة عنهما .
ثم قال المحقق : وكذا المعلول مع العلة . وقال الشارح : إذا فعل المكلف العلة
قبل وجود المعلول هل يجب عليه الندم على المعلول ، أو على العلة ، أو عليهما ؟ مثاله الرامي
إذا رمي قبل الاصابة ، قال الشيوخ : عليه الندم على الاصابة لانها هي القبيح ، وقد صارت
في حكم الموجود ، لوجوب حصوله عند حصول السبب ، وقال القاضي : يجب عليه ندمان
أحدهما على الرمي لانه قبيح ، والثاني على كونه مولدا للقبيح ، ولا يجوز أن يندم
على المعلول ، لان الندم على القبيح إنما هو لقبحه ، وقبل وجوده لا قبح .
* ( هامش ) * ( 1 ) هو عبد الجبار المعتزلى ، ابن احمد بن عبدالجبار الهمدانى الاسد آبادي ، شيخ معتزلة
عصره ، المتوفي سنه 415 . [ * ]
[ 48 ]
الخامس : اعلم أنه لا خلاف بين المتكلمين في وجوب التوبة سمعا ، واختلفوا في
وجوبها عقلا ، فأثبته المعتزلة لدفعها ضرر العقاب . قال الشيخ البهائي رحمه الله : هذا لا
يدل على وجوب التوبة عن الصغائر ممن يجتنب الكبائر لكونها مكفرة ، ولهذا ذهبت
البهشمية ( 1 ) إلى وجوبها عن الصغائر سمعا لا عقلا ، نعم الاستدلال بأن الندم على
القبيح من مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين ، وأما فورية الوجوب فقد صرح بها
المعتزلة ، فقالوا : يلزم بتأخيرها ساعة إثم آخر ، تجب التوبة منه أيضا ، حتى أن من
أخر التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة فقد فعل كبيرتين ، وساعتين أربع كبائر : الاولتان
وترك التوبة عن كل منهما ، وثلاث ساعات ثمان كبائر وهكذا ، وأصحابنا يوافقونهم
على الفورية ، لكنهم لم يذكروا هذا التفصيل فيما رأيته من كتبهم الكلامية .
السادس : سقوط العقاب بالتوبة مما أجمع عليه أهل الاسلام ، وإنما الخلاف في
أنه هل يجب على الله حتى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما ، أو هو تفضل يفعله سبحانه
كرما منه ورحمة بعباده ؟ فالمعتزلة على الاول ، والاشاعرة على الثاني ، وإلى الثاني
ذهب شيخ الطائفة في كتاب الاقتصاد ، والعلامة الحلي رحمه الله في بعض كتبه الكلامية
وتوقف المحقق الطوسي طاب ثراه في التجريد ، ومختار الشيخين هو الظاهر من الاخبار
وأدعية الصحيفة الكاملة وغيرها ، وهو الذي اختاره الشيخ الطبرسي رحمه الله ، ونسبه
إلى أصحابنا كما عرفت ، ودليل الوجوب ضعيف مدخول ، كما لا يخفى على من
تأمل فيه .
أقول : أثبتنا بعض أخبار التوبة في باب الاستغفار ، وباب صفات المؤمن ، وباب
صفات خيار العباد وباب جوامع المكارم ، وسيأتي تحقيق الكبائر والصغائر والذنوب
وأنواعها وحبط الصغائر بترك الكبائر في أبوابها إن شاءالله تعالى .
* ( هامش ) * ( 1 ) اتباع أبى على وأبى هاشم الجبائيين ، وهؤلاء فرقة من المعتزلة ، انفردوا عنهم بامور
كاتبات إرادات حادثة لا في محل يكون البارى تعالى بها موصوفا ، وتعظيما لا في محل إذا أراد أن
يعظم ذاته ، وفناء لا في محل إذا أراد أن يفنى العالم ، وقالا : بأنه تعالى متكلم بكلام يخلقه في
محل وحقيقة الكلام أصوات مقطعة ، وحروف منظومة ، والمتكلم من فعل الكلام ، وقالا بأنه تعالى
لا يرى بالابصار في دار القرار ، وإن المعرفة وشكر المنعم ومعرفة الحسن والقبح واجبات عقلية وأن
الذم والعقاب ليسا على الفعل ، وإن التوبة لا تصح من العاجز بعد العجز عن مثله إلى غير ذلك مما هو
مذكور في تراجم الفرق ، وكتب الملل والنحل ، كالملل للشهرستانى ، والفرق بين الفرق للبغدادي . [ * ]
[ 49 ]
( باب 21 )
* ( نفى العبث وما يوجب النقص من الاستهزاء والسخرية والمكر ) *
* ( والخديعة عنه تعالى وتأويل الايات فيها ) *
الايات البقرة " 2 " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون 15 .
النساء " 4 " يخادعون الله وهو خادعهم 142 .
الانفال " 8 " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين 30 .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 49 سطر 7 إلى صفحه 57 سطر 7

التوبة " 9 " فيسخرون منهم سخر الله منهم 79 .
يونس " 10 " قل الله أسرع مكرا 21 .
الرعد " 13 " وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا 42 .
النمل " 27 " ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون 50 .
الطارق " 86 " إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا * فمهل الكافرين أمهلهم
رويدا 15 - 17 .
تفسير : قال البيضاوي : " الله يستهزئ بهم " ( 1 ) : يجازيهم على استهزائهم ، سمي جزاء
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الرضى رضوان الله عليه في تلخيص البيان في مجازات القرآن : وهاتان استعارتان :
فالاولى منهما إطلاق صفة الاستهزاء على الله سبحانه ، والمراد بها أنه يجازيهم على استهزائهم
بارصاد العقوبة لهم فسمى الجزاء على الاستهزاء باسمه ، إذ كان واقعا في مقابلته ، وإنما قلنا :
إن الوصف بحقيقة الاستهزاء غير جائز عليه تعالى لانه عكس أوصاف الحكيم وضد طرائق الحليم .
والاستعارة الاخرى قوله تعالى : " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " إى يمد لهم كأنه يخليهم ، والامتداد
عمههم والجماح في غيهم إيجابا للحجة وانتظارا للمراجعة ، تشبيها بمن أرخى الطول للفرس
أو الراحلة ليتنفس خناقها ويتسع مجالها . وربما حمل قوله سبحانه : " يخادعون الله والذين آمنوا "
على أنه استعارة في بعض الاقوال ، وهو أن يكون المعنى : أنهم يمنون أنفسهم أن لا يعاقبوا وقد
علموا أنهم مستحقون للعقاب ، فقد أقاموا أنفسهم بذلك مقام المخادعين ، ولذلك قال سبحانه : " وما
يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون " لان الله تعالى لا يجوز عليه الخداع ولا تخفى عنه الاسرار ، و
إذا حمل قوله سبحانه : " يخادعون الله " على أن المراد به يخادعون رسول الله كان من باب إسقاط
المضاف ، وجرى مجرى قوله : " واسئل القرية " وأراد أهل القرية . [ * ]
[ 50 ]
الاستهزاء باسمه كما سمي جزاء السيئة سيئة إما لمقابلة اللفظ باللفظ ، أو لكونه مماثلا له
في القدر ، أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم ، فيكون كالمستهزئ بهم ، أو ينزل بهم الحقارة
والهوان الذي هو لازم الاستهزاء والغرض منه ، أو يعاملهم معاملة المستهزئ : أما في الدنيا
فبإجراء أحكام المسلمين عليهم ، واستدراجهم بالامهال وزيادة في النعمة على التمادي في
الطغيان ، وأما في الآخرة فبأن يفتح لهم وهم في النار بابا إلى الجنة فيسرعون نحوه ،
فإذا صاروا إليه سد عليهم الباب ، وذلك قوله تعالى : " فاليوم الذين آمنوا من الكفار
يضحكون " . " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " من مد الجيش وأمده : إذا زاده وقواه ،
لا من المد في العمر ، فإنه يعدى باللام ، والمعتزلة قالوا : لما منعهم الله ألطافه التي
يمنحها المؤمنين وخذلهم بسبب كفرهم وإصرارهم وسدهم طريق التوفيق على أنفسهم
فتزايدت بسببه قلوبهم رينا وظلمة ، وتزايد قلوب المؤمنين انشراحا ونورا ، أو مكن
الشيطان من إغوائهم فزادهم طغيانا ، اسند ذلك إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى المسبب ،
وأضاف الطغيان إليهم لئلا يتوهم أن إسناد الفعل إليه على الحقيقة ، ومصداق ذلك
أنه لما أسند المد إلى الشياطين أطلق الغي ، وقال : " وإخوانهم يمدونهم في الغي " وقيل :
أصله : نمد لهم بمعنى نملي لهم ، ونمد في أعمارهم كي ينتبهوا ويطيعوا ، فما زادوا إلا طغيانا
وعمها ، فحذفت اللام وعدي الفعل بنفسه ، كما في قوله تعالى : " واختار موسى قومه " أو التقدير : يمدهم استصلاحا وهم مع ذلك يعمهون في طغيانهم .
وقال في قوله تعالى : " يخادعون الله " : الخدع أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه
من المكروه لتنزله عما هو بصدده ، وخداعهم مع الله ليس على ظاهره لانه لا تخفى عليه
خافية ، ولانهم لم يقصدوا خديعته ، بل المراد إما مخادعة رسوله على حذف المضاف
أو على أن معاملة الرسول معاملة الله من حيث إنه خليفته كما قال : " ومن يطع الرسول
فقد أطاع الله " وإما أن صورة صنعهم مع الله من إظهار الايمان واستبطان الكفر وصنع الله
معهم بإجراء أحكام المسلمين عليهم استدراجا لهم ، وامتثال الرسول والمؤمنين أمر الله
في إخفاء حالهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين .
وقال في قوله تعالى : " ويمكر الله " : برد مكرهم ، أو بمجازاتهم عليه ، أو بمعاملة
[ 51 ]
الماكرين معهم ، بأن أخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم
فقتلوا . " والله خير الماكرين " إذ لا يؤبه بمكرهم دون مكره ، وإسناد أمثال هذا إنما يحسن
للمزاوجة ، ولا يجوز إطلاقها ابتداءا لما فيه من إيهام الذم . وقال في قوله : " سخر الله
منهم " : جازاهم على سخريتهم .
1 - يد ، مع ، ن : المعاذي ، عن أحمد الهمداني ، عن علي بن الحسن بن فضال
عن أبيه قال : سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل : " سخر الله منهم " وعن قوله : " الله
يستهزئ بهم " وعن قوله : " ومكروا ومكر الله " وعن قوله : " يخادعون الله وهو خادعهم "
فقال : إن الله عزوجل لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع ولكنه عزوجل
يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء وجزاء المكر والخديعة ، تعالى الله عما يقول
الظالمون علوا كبيرا . " يد ص 154 ، ن ص 71 - 72 "
ج : مرسلا مثله . " ص 224 "
2 - م : " يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون " قال
موسى بن جعفر عليهما السلام : لما نصب النبي صلى الله عليه واله عليا عليه السلام يوم غدير خم ( 1 ) وأمر عمر وتمام
تسعة من رؤساء المهاجرين والانصار أن يبايعوه بإمرة المؤمنين ففعلوا ذلك وتواطؤوا
بينهم أن يدفعوا هذا الامر عن علي عليه السلام وأن يهلكوهما ، كان من مواطاتهم أن قال
أولهم : ما اعتددت بشئ كاعتدادي بهذه البيعة ولقد رجوت أن يفسح الله بها لي في قصور
الجنان ويجعلني فيها من أفضل النزال والسكان ! . وقال ثانيهم : بأبي أنت وأمي
يارسول الله ما وثقت بدخول الجنة والنجاة من النار إلا بهذه البيعة والله ما يسرني
إن نقضتها أو نكثت بعدما اعطيت وإن لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلي رطبة
وجواهر فاخرة . وقال ثالثهم : والله يارسول الله لقد صرت من الفرح بهذه البيعة ومن
السرور الفسيح من الآمال في رضوان الله ما أيقنت أنه لو كانت ذنوب أهل الارض كلها
علي لمحصت عني بهذه البيعة - وحلف على ما قال من ذلك - ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار
من بعدهم من الجبابرة والمتمردين ، فقال الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه واله : " يخادعون الله
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الفيروز آبادى في القاموس : غدير خم : موضعه على ثلاثة أميال من الجحفة بين الحرمين . [ * ]
[ 52 ]
يعني يخادعون رسول الله صلى الله عليه وآله بأيمانهم خلاف ما في جوانحهم " والذين
آمنوا " كذلك أيضا الذين سيدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب عليه السلام . ثم قال :
" وما يخدعون إلا أنفسهم " ما يضرون بتلك الخديعة إلا أنفسهم فإن الله غني عنهم وعن
نصرتهم ، ولولا إمهاله لهم ما قروا على شئ من فجورهم وطغيانهم " وما يشعرون "
أن الامر كذلك وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم وكذبهم وكفرهم ويأمره بلعنهم في
لعنة الظالمين الناكثين ، وذلك اللعن لا يفارقهم ، في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله ، وفي
الآخرة يبتلون بشدائد عقاب الله " وإذا لقوا الذين آمنوا " إلى قوله : " يعمهون "
قال موسى عليه السلام : وإذا لقي هؤلاء الناكثون للبيعة ، المواطؤن ( 1 ) على مخالفة علي عليه السلام
ودفع الامر عنه ، الذين آمنوا قالوا آمنا كإيمانكم ، إذا لقوا سلمان والمقداد و
أباذر وعمار قالوا آمنا بمحمد وسلمنا له بيعة علي وفضله كما آمنتم ، وأن أولهم
وثانيهم وثالثهم إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه
فإذا لقوهم اشمأزوا منهم وقالوا : هؤلاء أصحاب الساحر والاهوج - يعنون محمدا و
عليا عليهما السلام - فيقول أولهم : انظروا كيف أسخر منهم وأكف عاديتهم عنكم ، فإذا
التقوا قال أولهم : مرحبا بسلمان بن الاسلام ، ويمدحه بما قال النبي صلى الله عليه واله فيه ، وكذا
كان يمدح تمام الاربعة ، فلما جازوا عنهم كان يقول الاول كيف رأيتم سخريتي لهؤلاء
وكفي عاديتهم عني وعنكم ، فيقول له : لا نزال بخير ما عشت لنا ، فيقول لهم : فهكذا
فلتكن معاملتكم لهم إلى أن تنتهزوا الفرصة فيهم مثل هذا ، فإن اللبيب العاقل من
تجرع على الغصة حتى ينال الفرصة ، ثم يعودون إلى أخدانهم من المنافقين المتمردين
المشاركين لهم في تكذيب رسول الله صلى الله عليه واله فيما أداه إليهم عن الله عزوجل من ذكر
تفضيل أميرالمؤمنين عليه السلام ونصبه إماما على كافة المسلمين ، قالوا لهم : إنا معكم فيما
واطأناكم عليه من دفع علي عن هذا الامر إن كانت لمحمد كائنة ، فلا يغرنكم ولا
يهولنكم ما تسمعونه منا من تقريظهم وترونا نجترئ عليهم من مداراتهم فإنا نحن
مستهزؤون بهم ، فقال الله عزوجل : " الله يستهزئ بهم " يجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا
* ( هامش ) * ( 1 ) أى الموافقون والمساهمون . [ * ]
[ 53 ]
والآخرة " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " يمهلهم ويتأتى بهم ويدعوهم إلى التوبة ، ويعدهم
إذا تابوا المغفرة ، وهم يعمهون لا يرعوون عن قبيح ولا يتركون أذى بمحمد وعلي
يمكنهم إيصاله إليهما إلا بلغوه .
قال العالم عليه السلام : أما استهزاء الله بهم في الدنيا فهو إجراؤه إياهم على ظاهر
أحكام المسلمين لاظهارهم السمع والطاعة ، وأما استهزاؤه بهم في الآخرة فهو أن الله
عزوجل إذا أقرهم في دار اللعنة والهوان وعذبهم بتلك الالوان العجيبة من العذاب
وأقر هؤلاء المؤمنين في الجنان بحضرة محمد صفي الله الملك الديان أطلعهم على هؤلاء
المستهزئين بهم في الدنيا حتى يروا ما هم فيه من عجائب اللعائن وبدائع النقمات فيكون
لذتهم وسرورهم بشماتتهم كلذتهم وسرورهم بنعيمهم في جنان ربهم ، فالمؤمنون
يعرفون اولئك الكافرين المنافقين بأسمائهم وصفاتهم ، والكافرون والمنافقون ينظرون
فيرون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا بهم في الدنيا يسخرون لما كانوا من موالاة محمد وعلي و
آلهما يعتقدون ، فيرونهم في أنواع الكرامة والنعيم ، فيقول هؤلاء المؤمنون المشرفون على
هؤلاء الكافرين المنافقين : يافلان ! ويا فلان ! ويا فلان ! - حتى ينادوهم بأسمائهم -
ما بالكم في مواقف خزيكم ماكثون ؟ هلموا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتخلصوا من
عذابكم وتلحقوا بنا ، فيقولون : ياويلنا أنى لنا هذا ؟ فيقول المؤمنون : انظروا إلى هذه
الابواب ، فينظرون إلى أبواب من الجنان مفتحة يخيل إليهم أنها إلى جهنم التي
فيها يعذبون ، ويقدرون أنهم يتمكنون من أن يخلصوا إليها فيأخذون في السباحة
في بحار حميمها ، وعدوا من بين أيدي زبانيتها ، ( 1 ) وهم يلحقونهم يضربونهم بأعمدتهم و
مرزباتهم ( 2 ) وسياطهم فلا يزالون هكذا يسيرون هناك ، وهذه الاصناف من العذاب
تمسهم حتى إذا قدروا أن قد بلغوا تلك الابواب وجدوها مردومة ( 3 ) عنهم ، و
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الجوهرى : الزبانية عند العرب : الشرط . وسموا بها بعض الملائكة لدفعهم أهل
النار إليها . ( 2 ) جمع ( المرزبة ) وقد يشدد الباء : عصية من حديد .
( 3 ) أى مسدودة . [ * ]
[ 54 ]
تدهدههم الزبانية ( 1 ) بأعمدتها فتنكسهم إلى سواء الجحيم ، ويستلقي اولئك المؤمنون
على فرشهم في مجالسهم يضحكون منهم ، مستهزئين بهم ، فذلك قول الله عزوجل :
" فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الارائك ينظرون " .
بيان : قال في القاموس : الهوج محركة : طول في حمق وطيش وتسرع ، والهوجاء :
الناقة المسرعة .
أقول : سيأتي تمام الخبر في موضعه إن شاء الله تعالى .
( باب 22 )
* ( عقاب الكفار والفجار في الدنيا ) *
الايات ، الرعد " 13 " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم 11 .
الكهف " 18 " واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين . الآيات 32 - 44
طه " 20 " فإن لك في الحيوة أن تقول لا مساس 97 . ( 2 )
حمعسق " 42 " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير *
وما أنتم بمعجزين في الارض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير 30 - 31 .
ن " 68 " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين *
ولا يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم * فتنادوا
مصبحين * أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين * فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا
يدخلنها اليوم عليكم مسكين * وغدوا على حرد قادرين * فلما رأوها قالوا إنا
لضالون * بل نحن محرومون * قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون * قالوا سبحان
ربنا إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون * قالوا ياويلنا إنا كنا
* ( هامش ) * ( 1 ) أى وتدحرجهم الزبانية .
( 2 ) أى لا مماسة ولا مخالطة ، لا أمس ولا امس ، عوقب السامرى في الدنيا بالمنع من مخالطة
الناس ، وحرم عليهم مكالمته ومخالطته ومجالسته ومؤاكلته ، فاذا اتفق أن يماس أحدا حم الماس
والممسوس ، فكان يهيم في البرية مع الوحش ، وإذا لقى أحدا قال : لا مساس ، أى لا تقربنى ولا تماسنى . [ * ]
[ 55 ]
طاغين * عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون * كذلك العذاب ولعذاب
الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 17 - 33 .
تفسير : " ليصرمنها " أي ليقطعنها " ولا يستثنون " أي لا يقولون إن شاء الله " طائف "
أي بلاء طائف " كالصريم " أى كالبستان الذي صرمت ثماره ( 1 ) " وهم يتخافتون " أي
يتشاورون بينهم خفية " على حرد " ( 2 ) أي نكد ، من حردت السنة : إذا لم يكن فيها
مطر " قادرين " عند أنفسهم على صرامها . وسيأتي تفسير ساير الآيات وتأويلها في مواضعها .
فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " ولا يزال الذين كفروا
تصيبهم بما صنعوا قارعة " وهي النقمة " أو تحل قريبا من دارهم " فتحل بقوم غيرهم فيرون
ذلك ويسمعون به ، والذين حلت بهم عصاة كفار مثلهم ، ولا يتعظ بعضهم ببعض ، ولن
يزالوا كذلك حتى يأتي وعد الله الذي وعد المؤمنين من النصر ويخزي الكافرين . " ص 342 "
2 - فس : " واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من أعناب و
حففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا " قال : نزلت في رجل كان له بستانان كبيران ،
عظيمان ، كثير الثمار - كما حكى الله عزوجل - وفيهما نخل وزرع وماء ، وكان له جار
فقير فافتخر الغني علي الفقير ، وقال له : " أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا " ثم دخل بستانه
وقال : " ما أظن أن تبيد ( 3 ) هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لاجدن
خيرا منها منقلبا " فقال له الفقير " أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك
رجلا لكنا هو الله ربي لا اشرك بربي أحدا " ثم قال الفقير للغني : فهلا " إذ دخلت جنتك
قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا " ثم قال الفقير : " فعسى
* ( هامش ) * ( 1 ) وقيل : الصريم : الليل اى صارت سوداء كالليل لاحتراقها .
( 2 ) قال الشيخ في التبيان : " وغدوا على حرد " فالحرد : القصد ، قال الحسن : معناه على جهة
من الفاقة . وقال مجاهد : معناه على جد من أمرهم . وقال سفيان : معناه على حنق . وقيل معناه على منع ،
من قولهم : حاردت السنة : إذا منعت قطرها ، والاصل القصد ، وقوله : " قادرين " معناه : مقدرين
أنهم يصرمون ثمارها ، ويجوز أن يكون المراد : وغدوا على حرد قادرين عند أنفسهم على صرام
جنتهم . ( 3 ) أى أن تهلك . [ * ]
[ 56 ]
ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا ( 1 ) من السماء فتصبح صعيدا زلقا " ( 2 )
أي محترقا " أو يصبح ماؤها غورا " . فوقع فيها ما قال الفقير في ذلك ( 3 ) الليلة " فأصبح "
الغني " يقلب كفيه " ( 4 ) على ما أنفق فيها " وهي خاوية ( 5 ) على عروشها ويقول ياليتني لم اشرك
بربي أحدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا " وهذه عقوبة الغني . ( 6 )
" ص 396 - 397 "
3 - عن سليمان بن عبدالله قال : كنت عند أبي الحسن موسى عليه السلام قاعدا فاتي
بامرأة قد صار وجهها قفاها ، فوضع يده اليمنى في جبينها ويده اليسرى من خلف ذلك
ثم عصر وجهها عن اليمين ، ثم قال : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
فرجع وجهها ، فقال احذري أن تفعلي كما فعلت ، قالوا : يابن رسول الله وما فعلت ؟
فقال : ذلك مستور إلا ان تتكلم به ، فسألوها فقالت : كانت لي ضرة فقمت اصلي
فظننت أن زوجي معها فالتفتت إليها فرأيتها قاعدة وليس هو معها ، فرجع وجهها على
ما كان .
4 - شى : عن أبي عمرو المدائني ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن أبي كان يقول :
إن الله قضى قضاءا حتما : لا ينعم على عبده بنعمة فيسبلها إياه قبل أن يحدث العبد ما
يستوجب بذلك الذنب سلب تلك النعمة ، وذلك قول الله : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى
يغيروا ما بأنفسهم " .
5 - شى : عن أحمد بن محمد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في قول الله " إن الله لا يغير
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الحاء ، قال الراغب في مفرداته : قيل : نارا وعذابا وإنما هو في الحقيقة ما يحاسب عليه
فيجازى بحسبه انتهى . وقيل : أصل السهام التى ترمى لتجرى في طلق واحد وكان ذلك من رمى
الاساورة ، والحسبان : المرامى الكثيرة . وقيل : بردا .
( 2 ) أرض زلق : لمساء ليس بها شئ .
( 3 ) في المصدر : في تلك الليلة . م
( 4 ) تقليب الكف عبارة عن الندم ذكرا لحال ما يوجد عليه النادم ، أى فاصبح يصفق ندامة .
( 5 ) خاوية أى ساقطة من خوى النجم : إذا سقط ، أو خالية من خلى المنزل : إذا خلى من أهله
وكل مرتفع أظلك من سقف أو كرم أو بيت فهو عرش .
( 6 ) في المصدر : فهذه عقوبة البغى . م [ * ]
[ 57 ]
ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وإذا أرأد الله بقوم سوء فلا مرد له " فصار الامر
إلى الله تعالى .
6 - شى : عن الحسين بن سعيد المكفوف كتب إليه في كتاب له : جعلت فداك
ياسيدي علم مولاك : ما لا يقبل لقائله دعوة وما لا يؤخر لفاعله دعوة ؟ وما حد الاستغفار
الذي وعد عليه نوح ؟ والاستغفار الذي لا يعذب قائله ؟ وكيف يلفظ بهما ؟ وما معنى
قوله : " ومن يتق الله ، ومن يتوكل على الله " ؟ وقوله : " ومن اتبع هداي ، ومن أعرض عن
ذكري ، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ؟ وكيف تغيير القوم ما بأنفسهم


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 57 سطر 8 إلى صفحه 65 سطر 8

حتى يغير ما بأنفسهم ؟ .
فكتب صلوات الله عليه : كافاكم الله عني بتضعيف الثواب والجزاء الحسن الجميل
وعليكم جميعا السلام ورحمة الله وبركاته ، الاستغفار ألف ، والتوكل من توكل على الله
فهو حسبه ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، وأما قوله :
" ومن اتبع هداي " من قال : بالامامة واتبع أمركم بحسن طاعتهم ، وأما التغير إنه
لا يسئ إليهم حتى يتولوا ذلك بأنفسهم بخطاياهم وارتكابهم ما نهي عنه . وكتب بخطه .
نهج : وأيم الله ما كان قوم قط في غض نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذبوب
اجترحوها ، لان الله تعالى ليس بظلام للعبيد ، ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم و
تزول عنهم النعم فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم ووله من قلوبهم لرد عليهم كل
شارد وأصلح لهم كل فاسد .
توضيح : في غض نعمة أي في نعمة غضة طرية ناضرة . والوله بالتحريك :
الحزن والخوف ، والشارد : النافر .
8 - دعوات الراوندي : قال الصادق عليه السلام : اتقوا الذنوب وحذروها إخوانكم
فوالله ما العقوبة إلى أحد أسرع منها إليكم ، لانكم لا تؤاخذون بها يوم القيامة .
9 - وقال زين العابدين عليه السلام : ما من مؤمن تصيبه رفاهية في دولة الباطل إلا
ابتلي قبل موته ببدنه أو ماله حتى يتوفر حظه في دولة الحق .
[ 58 ]
( باب 23 )
* ( علل الشرايع والاحكام ) *
الايات ، المائدة " 5 " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم
وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون 6 .
الاعراف " 7 " قل إن الله لا يأمر بالفحشاء 28 .
حمسعق " 42 " الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان 17 .
الرحمن " 55 " والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان 7 - 8 .
تفسير : قد فسر جماعة من المفسرين الميزان في الآيتين بالشرع ، وبعضهم بالعدل
وبعضهم بالميزان المعروف . وأما الاخبار ففيها ثلاثة فصول :
الفصل الاول العلل التي رواها الفضل بن شاذان .
1 - ن ، ع : حدثني عبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور
في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاث مائة ، قال : حدثني أبوالحسن علي بن محمد بن
قتيبة النيسابوري قال : قال أبومحمد الفضل بن شاذان ، وحدثنا الحاكم أبوجعفر محمد بن
نعيم بن شاذان رحمه الله ، عن عمه أبي عبدالله محمد بن شاذان قال : قال الفضل بن شاذان
النيسابوري : إن سأل سائل فقال : أخبرني هل يجوز أن يكلف الحكيم ( 1 ) عبده فعلا
من الافاعيل لغير علة ولا معنى ؟ قيل له : لا يجوز ذلك لانه حكيم غير عابث ولا جاهل .
فإن قال : فأخبرني لم كلف الخلق ؟ قيل : لعلل .
فإن قال : فأخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة هي أم غير معروفة ولا موجودة ؟
قيل : بل هي معروفة وموجودة عند أهلها .
فإن قال : أتعرفونها أنتم أم لا تعرفونها ؟ قيل لهم : منها ما نعرفه ، ومنها ما لا نعرفه .
فإن قال : فما أول الفرائض ؟ قيل : ( 2 ) الاقرار بالله عزوجل ( وبرسوله و
حجته ع ) وبما جاء من عند الله عزوجل .
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : هل يكلف الحكيم . م ( 2 ) في العيون : قيل له . م . [ * ]
[ 59 ]
فإن قال : لم أمر الله الخلق ( 1 ) بالاقرار بالله وبرسله ( 2 ) وحججه وبما جاء من
عند الله عزوجل ؟ قيل : لعلل كثيرة : منها أن من لم يقر بالله عزوجل لم يجتنب معاصيه
ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ، ولم يراقب أحدا فيما يشتهي ويستلذ من الفساد و
الظلم ، فإذا فعل الناس هذه الاشياء وارتكب كل إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة
لاحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين ، ووثوب بعضهم على بعض ، فغصبوا الفروج والاموال
وأباحوا الدماء والنساء ( والسبي ع ) وقتل بعضهم بعضا من غير حق ولا جرم ، فيكون
في ذلك خراب الدنيا ، وهلاك الخلق ، وفساد الحرث والنسل .
ومنها أن الله عزوجل حكيم ، ولا يكون الحكيم ولا يوصف ( 3 ) بالحكمة إلا
الذي يحظر الفساد ، ويأمر بالصلاح ، ويزجر عن الظلم ، وينهى عن الفواحش ، ولا يكون
حظر الفساد والامر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلا بعد الاقرار بالله عزوجل ومعرفة
الآمر والناهي ، فلو ترك الناس بغير إقرار بالله ولا معرفته لم يثبت أمر بصلاح ، ولا نهي
عن فساد إذ لا آمر ولا ناهي .
ومنها أنا وجدنا الخلق قد يفسدون بامور باطنة ، مستورة عن الخلق ، فلولا
الاقرار بالله عزوجل وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحدا
في ترك معصية ، وانتهاك حرمة ، وارتكاب كبيرة ، إذا كان فعله ذلك مستورا ( 4 ) عن الخلق ،
غير مراقب لاحد ، وكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين ، فلم يكن قوام الخلق و
صلاحهم إلا بالاقرار منهم بعليم خبير ، يعلم السر وأخفى ، آمر بالصلاح ، ناه عن الفساد ،
لا تخفى عليه خافية ، ليكون في ذلك انزجار لهم عما يخلون ( 5 ) به من أنواع الفساد .
فإن قال : فلم وجب عليهم ( 6 ) معرفة الرسل والاقرار بهم والاذعان لهم بالطاعة ؟
قيل : لانه لما لم يكن ( 7 ) في خلقهم وقولهم وقواهم ما يكملون لمصالحهم ، ( 8 ) وكان
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : لم امر الخلق . م ( 2 ) في العلل : برسوله . م
( 3 ) في المصدر : ولا يكون حكيما ولا يوصف . م
( 4 ) في العلل : اذا فعل ذلك مستورا . م ( 5 ) في العلل عما يحلون به . م
( 6 ) في العلل : فان قال قائل : فلم وجب عليكم . م
( 7 ) في العيون : لما إن لم يكن ، وفى العلل : لما لم يكتف . م
( 8 ) في العلل بعد قوله : وقواهم : ما يثبتون به لمباشرة الصانع عزوجل حتى يكلمهم ويشافههم
وكان الصانع اه . م [ * ]
[ 60 ]
الصانع متعاليا عن أن يرى ، ( 1 ) وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهرا لم يكن بد ( 2 )
من رسول بينه وبينهم ، معصوم يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه ، ويقفهم على ما يكون
به إحراز منافعهم ( 3 ) ودفع مضارهم ، إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون
إليه من منافعهم ومضارهم ، فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته لم يكن لهم في مجئ
الرسول منفعة ولا سد حاجة ، ولكان يكون إتيانه عبثا لغير منفعة ولا صلاح ، وليس هذا
من صفة الحكيم الذي أتقن كل شئ .
فإن قال : فلم جعل اولي الامر وأمر بطاعتهم ؟ قيل : لعلل كثيرة :
منها أن الخلق لما وقعوا على حد محدود وامروا أن لا يتعدوا ذلك الحد ( تلك
الحدودع ) لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا
يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم لانه لو لم يكن ذلك ( 4 ) كذلك لكان أحد
لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره ، فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد ، ويقيم فيهم
الحدود والاحكام .
ومنها أنا ( 5 ) لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم و
رئيس لما لابد لهم ( 6 ) منه في أمر الدين والدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق
مما يعلم أنه لابد لهم منه ولا قوام لهم إلا به ، فيقاتلون به عدوهم ، ويقسمون به ( 7 )
فيئهم ، ويقيم ( 8 ) لهم جمعتهم وجماعتهم ، ويمنع ظالمهم من مظلومهم .
ومنها أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة ،
وذهب الدين ، وغيرت السنة والاحكام ، ولزاد فيه المبتدعون ، ونقص منه
الملحدون ، وشبهوا ذلك على المسلمين ، لانا قد وجدنا ( 9 ) الخلق منقوصين محتاجين ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : متعاليا عن أن يرى ويباشر . م ( 2 ) في المصدرين : لم يكن بد لهم . م
( 3 ) في العلل : اجتلاب منافعهم . م ( 4 ) في العلل : ذلك لو لم يكن لكان . م
( 5 ) في العلل لم نجد . م ( 6 ) في العيون : ولما لابد لهم . م
( 7 ) ليس في العيون لفظة ( به ) . م ( 8 ) في العلل ويقيمون به . م
( 9 ) في العلل : اذ قد وجدنا . م [ * ]
[ 61 ]
غير كاملين ، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم ، ( 1 ) فلو لم يجعل لهم
قيما حافظا ( 2 ) لما جاء به الرسول صلى الله عليه واله لفسدوا على نحو ما بينا ، وغيرت الشرائع و
السنن والاحكام والايمان ، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين .
فإن قيل : فلم لا يجوز أن يكون في الارض إمامان في وقت واحد أو أكثر
من ذلك ؟ قيل : لعلل :
منها أن الواحد لا يختلف فعله وتدبيره ، والاثنين لا يتفق فعلهما وتدبيرهما ، و
ذلك أنا لم نجد اثنين إلا مختلفي الهم والارادة ، فإذا كانا اثنين ثم اختلف همهما
وإرادتهما وتدبيرهما وكانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولى
بالطاعة من صاحبه ، فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق والتشاجر والفساد ، ثم لا
يكون أحد مطيعا لاحدهما إلا وهو عاص للآخر فتعم المعصية أهل الارض ، ثم لا
يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة والايمان ، ويكونون إنما أتوا في ذلك من قبل
الصانع الذي وضع لهم باب الاختلاف ( 3 ) والتشاجر ( 4 ) إذ أمرهم باتباع المختلفين .
ومنها أنه لو كانا إمامين كان لكل من الخصمين أن يدعو إلى غير ما يدعو ( 5 )
إليه صاحبه في الحكومة ، ثم لا يكون أحدهما أولى بأن يتبع من صاحبه فتبطل الحقوق
والاحكام والحدود .
ومنها أنه لا يكون واحد من الحجتين أولى بالنطق ( 6 ) والحكم والامر والنهي
من الآخر ، فإذا كان هذا كذلك وجب عليهما أن يبتدئا بالكلام ، وليس لاحدهما
أن يسبق صاحبه بشئ إذا كانا في الامامة شرعا واحدا ، فإن جاز لاحدهما السكوت
جاز ( 7 ) السكوت للآخر مثل ذلك ، وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والاحكام
وعطلت الحدود ، وصارت ( 8 ) الناس كأنهم لا إمام لهم .
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : حالاتهم . م
( 2 ) في العلل : لم يجعل فيها حافظا . م ( 3 ) في العلل بعد ذلك : وسبب التشاجر اذ امرهم . م
( 4 ) في العيون بعد ذلك : والفساد . م ( 5 ) في العلل : إلى غير الذى يدعو . م
( 6 ) في العلل : بالنظر . م ( 7 ) في العلل : جاز للاخر . م
( 8 ) في العلل : وحار ( صار خ ل ) الناس . م [ * ]
[ 62 ]
فإن قال : فلم لا يجوز أن يكون الامام من غير جنس الرسول عليه السلام ؟ قيل : لعلل :
منها أنه لما كان الامام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه ويتميز
بها من غيره ، وهي القرابة المشهورة ، والوصية الظاهرة ليعرف من غيره ويهتدى
إليه بعينه .
ومنها أنه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسل
إذ جعل أولاد الرسل أتباعا لاولاد أعدائه ، كأبي جهل وابن أبي معيط ، لانه قد يجوز
بزعمه أن ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين ، فيصير أولاد الرسول تابعين ، وأولاد
أعداء الله وأعداء رسوله متبوعين ، وكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره وأحق .
ومنها أن الخلق إذا أقروا للرسول بالرسالة وأذعنوا له بالطاعة لم يتكبر أحد
منهم عن أن يتبع ولده ويطيع ذريته ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس ، وإذا كان في غير
جنس الرسول كان كل واحد منهم في نفسه أنه أولى به من غيره ، ودخلهم من ذلك الكبر ،
ولم تسخ ( 1 ) أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم ، فكان يكون في ذلك داعية لهم إلى
الفساد والنفاق والاختلاف .
فإن قال : فلم وجب عليهم الاقرار والمعرفة بأن الله تعالى واحد أحد ؟ قيل :
لعلل : منها أنه لو لم يجب عليهم الاقرار والمعرفة لجاز ( 2 ) أن يتوهموا مدبرين أو
أكثر من ذلك ، وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره لان كل إنسان منهم
كان لا يدري لعله إنما يعبد غير الذي خلقه ، ويطيع غير الذي أمره ، فلا يكونون
على حقيقة من صانعهم وخالقهم ، ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناه ، إذ لا يعرف
الآمر بعينه ولا الناهي من غيره .
ومنها أنه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يعبد ويطاع
من الآخر ، وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع الله ، وفي أن لا يطاع ( 3 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في العيون المطبوع ولم تسبح . م
( 2 ) في العلل : لو لم يجب ذلك عليهم لجاز لهم . م
( 3 ) في العيون : وفى اجازة ان لا يطاع الله . م [ * ]
[ 63 ]
الله عزوجل الكفر بالله وبجميع كتبه ورسله ، وإثبات كل باطل ، وترك كل حق ،
وتحليل كل حرام ، وتحريم كل حلال ، والدخول في كل معصية ، والخروج من كل
طاعة ، وإباحة كل فساد ، وإبطال لكل حق . ( 1 )
ومنها أنه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لابليس أن يدعي أنه ذلك
الآخر ، حتى يضاد الله تعالى في جميع حكمه ، ويصرف العباد إلى نفسه ، فيكون في ذلك
أعظم الكفر وأشد النفاق .
فإن قال : فلم وجب عليهم الاقرار لله بأنه ليس كمثله شئ ؟ قيل : لعلل :
منها أن يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره ، غير مشتبه عليهم أمر ربهم
وصانعهم ورازقهم . ( 2 )
ومنها أنهم لو لم يعلموا أنه ليس كمثله شئ لم يدروا لعل ربهم وصانعهم هذه
الاصنام ( 3 ) التي نصبتها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران إذا كان جائزا أن يكون
عليهم مشبهة ، ( 4 ) وكان يكون في ذلك الفساد ، وترك طاعاته كلها ، وارتكاب معاصيه
كلها ، على قدر ما يتناهي إليهم من أخبار هذه الارباب وأمرها ونهيها .
ومنها أنه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أن ليس كمثله شئ لجاز عندهم أن يجري
عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل والتغيير والزوال والفناء والكذب و
الاعتداء ، ومن جازت عليه هذه الاشياء لم يؤمن فناؤه ولم يوثق بعدله ، ولم يحقق قوله
وأمره ونهيه ، ووعده وعيده وثوابه وعقابه ، وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية .
فإن قال : لم أمر الله تعالى العباد ونهاهم ؟ قيل : لانه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم
إلا بالامر والنهي والمنع عن الفساد والتغاصب .
فإن قال : فلم تعبدهم ؟ قيل : لئلا يكونوا ناسين لذكره ، ولا تاركين لادبه ،
ولا لاهين عن أمره ونهيه ، إذ كان فيه صلاحهم وقوامهم ، فلو تركوا بغير تعبد لطال عليهم
الامد فقست قلوبهم .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدرين : وإبطال كل حق . م
( 2 ) في العيون بعد ذلك : بهذا الاصنام . م
( 3 ) في نسخة : لعل ربهم وضع لهم هذه الاصنام . ( 4 ) في نسخة : مشبها . [ * ]
[ 64 ]
فإن قال : فلم امروا بالصلاة ؟ قيل : لان في الصلاة الاقرار بالربوبية ، وهو
صلاح عام لان فيه خلع الانداد ، والقيام بين يدي الجبار بالذل والاستكانة والخضوع ،
والاعتراف وطلب الاقالة من سالف الذنوب ، ووضع الجبهة على الارض كل يوم وليلة ،
ليكون العبد ذاكرا لله تعالى غير ناس له ، ويكون خاشعا ، وجلا ، متذللا ، طالبا ،
راغبا في الزيادة للدين والدنيا ، مع ما فيه من الانزجار عن الفساد ، وصار ذلك عليه
في كل يوم وليلة لئلا ينسى العبد مدبره وخالقه فيبطر ( 1 ) ويطغى ، وليكون في ذكر
خالقه والقيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي ، وحاجزا ومانعا عن أنواع الفساد .
فإن قال : فلم امروا بالوضوء وبدئ به ؟ قيل : لان يكون العبد طاهر إذا
قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه ، مطيعا له فيما أمره ، نقيا من الادناس و
النجاسة ، مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس ، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي
الجبار .
فإن قال : لم وجب ذلك على الوجه واليدين والرأس والرجلين ؟ قيل : لان العبد
إذا قام بين يدي الجبار فإنما ( 2 ) ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء ،
وذلك أنه بوجهه يسجد ويخضع ، وبيده يسأل ويرغب ( ويرهب ويتبتل ع ) وينسك ، ( 3 )
وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده ، وبرجليه يقوم ويقعد .
* ( هامش ) * ( 1 ) بطر يبطر بطرا : أخذته دهشة وحيرة عند هجوم النعمة . طغى بالنعمة أو عندها فصرفها
إلى غير وجهها . بطر الحق : تكبر عنه ولم يقبله .
( 2 ) في العلل : قائما . م
( 3 ) أصل الراغبة : السعة في الشئ يقال : رغب الشئ : اتسع ، والرغبة والرغب والرغبى : السعة
في الارادة ، قال تعالى : ويدعوننا رغبا ورهبا ، قاله الراغب . وفى لسان العرب : الرغب ( بفتح الراء
وضمها ) والرغب ( بفتح الراء والغين ) والرغبة ، والرغبوت ، والرغبى ( بفتح الراء وضمها )
والرغباء : الضراعة والمسألة ، وفى حديث الدعاء : رغبة ورهبة إليك . وفيه أن الرهبة الخوف والفزع .
وقال الراغب : الرهبة والرهب : مخافة مع تحرز واضطراب . والتبتل : الانقطاع إلى الله في العبادة
وإخلاص النية انقطاعا يختص به ، وأصله من بتل الشئ : قطعه وأبانه من غيره ، وسميت فاطمة عليها
سلام الله البتول لانقطاعها إلى الله ، وعن نساء زمانها ونساء الامة عملا وحسبا ودينا . والنسك :
العبادة والتطوع بقربة ، وفى الحديث الرغبة : تبسط يديك وتظهر باطنهما ، والرهبة : تبسط يديك
تظهر ظهرهما . والتبتل : تحرك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلا وتضعها ، كل ذلك في حال
الدعاء والتضرع . [ * ]
[ 65 ]
فإن قال : فلم وجب الغسل على الوجه واليدين ، وجعل المسح على الرأس و
الرجلين ، ولم يجعل ذلك غسلا كله أو مسحا كله ؟ قيل : لعلل شتى : منها أن العبادة
العظمى إنما هي الركوع والسجود ، وإنما يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين
لا بالرأس والرجلين .
ومنها أن الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس والرجلين ويشتد ذلك عليهم
في البرد والسفر والمرض وأوقات من الليل والنهار ، وغسل الوجه واليدين أخف من
غسل الرأس والرجلين ، وإنما وضعت الفرائض على قدر أقل الناس طاقة من أهل
الصحة ثم عم فيها القوي والضعيف .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 65 سطر 9 إلى صفحه 73 سطر 9

ومنها أن الرأس والرجلين ليسا هما في كل وقت باديين ظاهرين كالوجه و
اليدين ، لموضع العمامة والخفين وغير ذلك .
فإن قال : فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون سائر
الاشياء ؟ قيل : لان الطرفين هما طريق النجاسة ، وليس للانسان طريق تصيبه النجاسة
من نفسه إلا منهما ، فامروا بالطهارة عندما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم ، وأما
النوم فإن النائم ( 1 ) إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه ( واسترخى ع ) وكان أغلب الاشياء
عليه في الخروج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلة .
فإن قال : فلم لم يؤمروا بالغسل من هذه النجاسة كما امروا بالغسل من الجنابة ؟
قيل : لان هذا شئ دائم غير ممكن للخلق الاغتسال منه كلما يصيب ذلك ، ولا يكلف الله
نفسا إلا وسعها ، والجنابة ليس ( 2 ) هي أمرا دائما ، إنما هي شهوة يصيبها إذاأراد ،
ويمكنه تعجيلها وتأخيرها الايام الثلاثة والاقل والاكثر ، وليس ذلك هكذا .
فإن قال : فلم امروا بالغسل من الجنابة ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء وهو
أنجس من الجنابة وأقذر ؟ قيل : من أجل أن الجنابة من نفس الانسان وهو شئ يخرج
من جميع جسده ، والخلاء ليس هو من نفس الانسان إنما هو غذاء يدخل من باب و
يخرج من باب .
* ( هامش ) * ( 1 ) في العيون : فلان النائم . م ( 2 ) في المصدرين ليست . م [ * ]
[ 66 ]
أقول : في بعض نسخ علل الشرائع زيادة هي هذه : فإن قال : فلم صار الاستنجاء
فرضا ؟ قيل : لانه لا يجوز للعبد أن يقوم بين يدي الجبار وشئ من ثيابه وجسده نجس
قال مصنف هذا الكتاب : غلط الفضل وذلك لان الاستنجاء به ليس بفرض ، و
إنما هو سنة . ( 1 ) رجعنا إلى كلام الفضل انتهى .
ولنرجع إلى المشترك بين الكتابين : فإن قال : أخبرني عن الاذان لم امروا به ؟
قيل : لعلل كثيرة : منها أن يكون تذكيرا للساهي ، وتنبيها للغافل ، وتعريفا لمن جهل
الوقت واشتغل عن الصلاة ، وليكون ذلك داعيا إلى عبادة الخالق ، مرغبا فيها ، مقرا له
بالتوحيد ، مجاهرا بالايمان ، معلنا بالاسلام ، موذنا لمن نسيها ، ( 2 ) وإنما يقال :
مؤذن ، لانه يؤذن بالصلاة .
فإن قال : فلم بدئ فيه بالتكبير قبل التسبيح والتهليل والتحميد ؟ ( 3 ) قيل : لانه
أراد أن يبدأ بذكره واسمه لان اسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف ، وفي التسبيح
والتهليل والتحميد اسم الله في آخر الحرف فبدئ بالحرف الذي اسم الله في أوله لا
في آخره .
فإن قال : فلم جعل مثنى مثنى ؟ قيل : لان يكون مكررا في آذان المستمعين ،
مؤكدا عليهم ، إن سها أحد عن الاول لم يسه عن الثاني ، ولان الصلاة ركعتان ركعتان
فلذلك جعل الاذان مثنى مثنى .
فإن قال : فلم جعل التكبير في أول الاذان أربعا ؟ قيل : لان أول الاذان إنما
يبدو غفلة ، وليس قبله كلام يتنبه المستمع له فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده
في الاذان .
فإن قال : فلم جعل بعد التكبير شهادتين ؟ قيل : لان أول الايمان التوحيد
والاقرار بالله عزوجل بالوحدانية ، والثاني الاقرار بالرسول بالرسالة ، وأن طاعتهما
* ( هامش ) * ( 1 ) الظاهر عدم ورود هذا الاشكال كما يأتى عن المصنف قدس سره في البيان الاتى .
( 2 ) في العلل : لمن يتناهي . م
( 3 ) في العيون وبعض نسخ الكتاب ذكر التهليل فقط وكذا فيما يأتى بعده . م [ * ]
[ 67 ]
ومعرفتهما مقرونتان ، وأن أصل الايمان إنما هو الشهادة ، فجعل شهادتين ( 1 ) في الاذان
كما جعل في سائر الحقوق شهادتين ، فإذا أقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة
فقد أقر بجملة الايمان ، لان أصل الايمان إنما هو الاقرار بالله وبرسوله .
فإن قال : فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة ؟ قيل : لان الاذان إنما
وضع لموضع الصلاة وإنما هو نداء إلى الصلاة ، فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الاذان
فقدم المؤذن قبلها أربعا : التكبيرتين والشهادتين ، وأخر بعدها أربعا يدعو إلى الفلاح
حثا على البر والصلاة ، ثم دعا إلى خير العمل ، مرغبا فيها وفي عملها وفي أدائها ، ثم
نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها أربعا ، كما أتم قبلها أربعا ، وليختم كلامه بذكر
الله تعالى كما فتحه بذكر الله تعالى . ( 2 )
فإن قال : فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أولها
التكبير ؟ قيل : لان التهليل اسم الله في آخره فأحب الله تعالى أن يختم الكلام باسمه
كما فتحه باسمه .
فإن قال : فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح أو التحميد واسم الله في آخرهما ؟ ( 3 )
قيل : لان التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الانداد من دون الله ، وهو أول
الايمان وأعظم التسبيح والتحميد .
فإن قال : فلم بدئ في الاستفتاح والركوع والسجود والقيام والقعود بالتكبير ؟
قيل : للعلة التي ذكرناها في الاذان .
فإن قال : فلم جعل الدعاء في الركعة الاولى قبل القراءة ؟ ولم جعل في الركعة
الثانية القنوت بعد القراءة ؟ قيل : لانه أحب أن يفتح قيامه لربه وعبادته بالتحميد
والتقديس والرغبه والرهبة ، ويختمه بمثل ذلك ، ليكون في القيام عند القنوت طول ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : فجعلت شهادتين شهادتين كما جعل ا ه . م
( 2 ) في العلل : بذكر الله وتحميده تعالى كما فتحه بذكر الله وتحميده تعالى . م
( 3 ) في العلل : في آخر الحرف من هذين الحرفين . م
( 4 ) في العلل : بعض الطول . م [ * ]
[ 68 ]
فأحرى أن يدرك المدرك الركوع فلا تفوته الركعة ( 1 ) في الجماعة .
فإن قال : فلم امروا بالقراءة في الصلاة ؟ قيل : لئلا يكون القرآن مهجورا
مضيعا ، وليكون محفوظا ( 2 ) فلا يضمحل ولا يجهل .
فإن قال : فلم بدئ بالحمد في كل قراءة دون سائر السور ؟ قيل : لانه ليس
شئ من القرآن ( 3 ) والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد ،
وذلك أن قوله : " الحمد لله " إنما هو أداء لما أوجب الله تعالى على خلقه من الشكر ، وشكر
لما وفق عبده للخير " رب العالمين " تمجيد له وتحميد وإقرار بأنه هو الخالق المالك
لا غيره " الرحمن الرحيم " استعطاف وذكر لآلائه ونعمائه ( 4 ) على جميع خلقه ، " مالك
يوم الدين " إقرار بالبعث والحساب والمجازاة ، وإيجاب له ملك الآخرة كما أوجب له
ملك الدنيا ، " إياك نعبد " رغبة وتقرب إلى الله عزوجل وإخلاص بالعمل له دون
غيره " وإياك نستعين " استزادة من توفيقه وعبادته واستدامة لما أنعم عليه ونصره ،
" اهدنا الصراط المستقيم " استرشاد لادبه واعتصام بحبله واستزادة في المعرفة بربه
وبعظمته وكبريائه " صراط الذين أنعمت عليهم " توكيد في السؤال والرغبة ، وذكر
لما قد تقدم من نعمه على أوليائه ، ورغبة في ذلك النعم ( 5 ) " غير المغضوب عليهم " استعاذة من
أن يكون من المعاندين الكافرين ، المستخفين به وبأمره ونهيه " ولا الضالين "
اعتصام من أن يكون من الضالين الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة ، وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة في أمر الآخرة والدنيا
ما لا يجمعه شئ من الاشياء .
فإن قال : فلم جعل التسبيح في الركوع والسجود ؟ قيل : لعلل : منها أن يكون
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : الركعتان . م
( 2 ) في العلل : بل يكون محفوظا مدروسا . م
( 3 ) في العيون : في القرآن . م
( 4 ) في العلل : وذكر لربه ونعمائه . م
( 5 ) في نسخة : تلك النعم . وفى العلل : مثل ذلك النعم . [ * ]
[ 69 ]
العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبده وتورعه واستكانته وتذلله وتواضعه وتقربه
إلى ربه مقدسا له ، ممجدا ، مسبحا ، معظما ، ( 1 ) شاكرا لخالقه ورازقه ، وليستعمل
التسبيح والتحميد كما استعمل التكبير والتهليل ، وليشغل قلبه وذهنه بذكر الله فلا
يذهب به الفكر والاماني إلى غير الله .
فإن قال : فلم جعل أصل الصلاة ركعتين ؟ ولم زيد على بعضها ركعة وعلى بعضها
ركعتان ولم يزد على بعضها شئ ؟ قيل : لان أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة لان
أصل العدد واحد ، فإذا نقصت ( 2 ) من واحد فليست هي صلاة ، فعلم الله عزوجل أن
العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقل منها بكمالها وتمامها والاقبال
عليها ، فقرن إليها ركعة ليتم بالثانية ما نقص من الاولى ، ففرض الله عزوجل أصل الصلاة
ركعتين ، ثم علم رسول الله صلى الله عليه واله أن العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما امروا به
وكماله فضم إلى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ، ليكون فيهما تمام
الركعتين الاوليين ، ثم علم أن صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها أكثر للانصراف
إلى الاوطان ( الافطار خ ل ) والاكل والوضوء والتهيئة للمبيت ، فزاد فيها ركعة
واحدة ليكون أخف عليهم ، ولان تصير ركعات الصلاة في اليوم والليلة فردا ، ثم
ترك الغداة على حالها لان الاشتغال في وقتها أكثر ، والمبادرة إلى الحوائج فيها أعم
ولان القلوب فيها أخلا من الفكر لقلة معاملات الناس بالليل ، ولقلة الاخذ و
الاعطاء ، فالانسان فيها أقبل على صلاته منه في غيرها من الصلوات لان ( 3 ) الفكر أقل
لعدم العمل من الليل .
فإن قال : فلم جعل ( 4 ) التكبير في الاستفتاح سبع مرات ؟ قيل : ( 5 ) لان الفرض
* ( هامش ) * ( 1 ) في العيون : مطيعا . م
( 2 ) في العيون : فان انقضت . م
( 3 ) في العيون : لان الذكر قد تقدم العمل من الليل . م
( 4 ) في العلل : فلم جعل في الاستفتاح سبع تكبيرات ؟ قيل انما جعل ذلك لان التكبير في
الصلاة الاولى التى هى الاصل اه . م
( 5 ) في العيون وبعض نسخ الكتاب : قيل : انما جعل ذلك الخ . م [ * ]
[ 70 ]
منها واحد ، وسائرها سنة ، وإنما جعل ذلك لان التكبير في الركعة الاولى التي هي
الاصل كله سبع تكبيرات : تكبيرة الاستفتاح ، وتكبيرة الركوع ، وتكبيرتي السجود ،
وتكبيرة أيضا للركوع ، وتكبيرتين للسجود ، فإذا كبر الانسان أول الصلاة سبع
تكبيرات فقد أحرز التكبير كله ، ( 1 ) فإن سها في شئ منها أو تركها لم يدخل عليه نقص
في صلاته .
أقول : وفي العلل كما قال أبوجعفر وأبوعبدالله عليهما السلام : من كبر أول صلاته
سبع تكبيرات أجزأه ويجزي تكبيرة واحدة ، ثم إن لم يكبر في شئ من صلاته أجزأه
عنه ذلك وإنما عنى بذلك إذا تركها ساهيا أو ناسيا ، قال مصنف هذا الكتاب : غلط
الفضل إن تكبيرة الافتتاح فريضة وإنما هي سنة واجبة . رجعنا إلى كلام الفضل .
أقول : رجعنا إلى المشترك : فإن قال : فلم جعل ركعة وسجدتين ؟ ( 2 ) قيل :
لان الركوع من فعل القيام ، والسجود من فعل القعود ، وصلاة القاعد على النصف من
صلاة القيام ، فضوعف السجود ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما تفاوت لان الصلاة إنما
هي ركوع وسجود .
فإن قال : فلم جعل التشهد بعد الركعتين ؟ قيل : لانه كما قدم قبل الركوع
والسجود الاذان والدعاء والقراءة فكذلك أيضا أمر ( 3 ) بعدها بالتشهد والتحميد
والدعاء .
فإن قال : فلم جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدله تكبيرا أو تسبيحا ،
أو ضربا آخر ؟ قيل : لانه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين و
التوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها ، وابتداء المخلوقين
بالكلام إنما هو بالتسليم .
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : فقد علم اجزاء التكبير كله . م
( 2 ) في العلل : ركعة بركوع وسجدتين . م
( 3 ) في العلل : اخر . م [ * ]
[ 71 ]
فإن قال : فلم جعل القراءة في الركعتين الاوليين والتسبيح في الاخريين ؟ قيل :
للفرق بين ما فرضه الله عزوجل من عنده وما فرضه من عند رسوله .
فإن قال : فلم جعلت الجماعة ؟ قيل : لان لا يكون الاخلاص والتوحيد والاسلام و
العبادة لله إلا ظاهرا مكشوفا مشهودا ، لان في إظهاره حجة على أهل الشرق والغرب لله
عزوجل ، وليكون المنافق المستخف مؤديا لما أقر به يظهر الاسلام ( 1 ) والمراقبة ، ولتكون
شهادات الناس بالاسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة ، مع ما فيه من المساعدة على البر
والتقوى والزجر عن كثير من معاصي الله عزوجل .
فإن قال : فلم جعل الجهر في بعض الصلاة ولم يجعل في بعض ؟ قيل : لان الصلوات
التي يجهر فيها إنما هي صلوات تصلى في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ، لان
يمر المار فيعلم أن ههنا جماعة ، فإن أراد أن يصلي صلى ، ولانه إن لم ير جماعة تصلي
سمع وعلم ذلك من جهة السماع ، والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما فإنهما بالنهار ،
وفي أوقات مضيئة فهي تدرك من جهة الرؤية ، فلا يحتاج فيها إلى السماع .
فإن قال : فلم جعلت الصلوات في هذه الاوقات ولم تقدم ولم تؤخر ؟ قيل :
لان الاوقات المشهورة المعلومة التي تعم أهل الارض فيعرفها الجاهل والعالم أربعة :
غروب الشمس معروف ( 2 ) تجب عنده المغرب ، وسقوط الشفق مشهور تجب عنده العشاء
الآخرة ، وطلوع الفجر مشهور معلوم تجب عنده الغداة ، وزوال الشمس مشهور معلوم
تجب عنده الظهر ، ولم يكن للعصر وقت معروف مشهور مثل هذه الاوقات الاربعة
فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها ، ( 3 ) وعلة اخرى أن الله عزوجل أحب أن
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدرين : بظاهر الاسلام . م
( 2 ) في العلل : مشهور معرفتها . م
( 3 ) الموجود في العلل هكذا : وزوال الشمس وإيفاء الفئ معلوم فوجب عنده الظهر ، ولم
يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الاوقات الاربعة فجعل وقتها الفراغ من الصلاة التى قبلها
إلى أن يصير الظل من كل شئ أربعة أضعافه انتهى . والظاهر أن الجملة الاخيرة سقطت من قلم
النساخ من المتن ، لما أن المصنف سيشير في شرحه للحديث إليها . [ * ]
[ 72 ]
يبدأ الناس في كل عمل أولا بطاعته وعبادته ، فأمرهم أول النهار أن يبدؤوا بعبادته ثم ينتشروا
فيما أحبوا من مرمة ( 1 ) دنياهم ، فأوجب صلاة الغداة عليهم ، فإذا كان نصف النهار و
تركوا ما كانوا فيه من الشغل ( 2 ) وهو وقت يضع الناس فيه ثيابهم ، ويستريحون ،
ويشتغلون بطعامهم وقيلولتهم ، فأمرهم أن يبدؤوا أولا بذكره وعبادته فأوجب
عليهم الظهر ، ثم يتفرغوا لما أحبوا من ذلك ، فإذا قضوا وطرهم ( 3 ) وأرادوا الانتشار
في العلم لآخر النهار بدؤوا أيضا بعبادته ، ثم صاروا إلى ما أحبوا من ذلك فأوجب
عليهم العصر ، ثم ينتشرون فيما شاؤوا من مرمة دنياهم فاذا جاء الليل ووضعوا
زينتهم وعادوا إلى أوطانهم ابتدؤوا أولا بعبادة ربهم ، ثم يتفرغون ( 4 ) لما أحبوا
من ذلك فأوجب عليهم المغرب ، فإذا جاء وقت النوم وفرغوا مما كانوا به مشتغلين
أحب أن يبدؤوا أولا بعبادته وطاعته ثم يصيرون إلى ما شاؤوا أن يصيروا إليه من
ذلك فيكونوا قد بدؤوا في كل عمل بطاعته وعبادته ، فأوجب عليهم العتمة فإذا فعلوا ذلك
لم ينسوه ولم يغفلوا عنه ولم تقس قلوبهم ولم تقل رغبتهم .
فإن قال : فلم إذا لم يكن للعصر وقت مشهور مثل تلك الاوقات أوجبها بين
الظهر والمغرب ، ولم يوجبها بين العتمة والغداة ، أو بين الغداة والظهر ؟ قيل : لانه ليس وقت
على الناس أخف ولا أيسر ولا أحرى أن يعم فيه الضعيف ( 5 ) والقوي بهذه الصلاة من هذا
الوقت ، وذلك أن الناس عامتهم يشتغلون في أول النهار بالتجارات والمعاملات والذهاب
في الحوائج ، وإقامة الاسواق ، فأراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم ومصلحة دنياهم
وليس يقدر الخلق كلهم على قيام الليل ولا يشعرون به ( 6 ) ولا ينتبهون لوقته لو كان
واجبا ، ولا يمكنهم ذلك فخفف الله تعالى عنهم ، ولم يجعلها في أشد الاوقات عليهم ،
ولكن جعلها في أخف الاوقات عليهم كما قال الله عزوجل : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد
بكم العسر " .
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : من مؤونة . م ( 2 ) في العلل : ما كانوا من شغل . م
( 3 ) في العلل : ظهرهم . م ( 4 ) في العلل : يتضرعون . م
( 5 ) في العلل : ولا اثر فيه للضعيف . م ( 6 ) في العلل وفى نسخة من الكتاب : ولا يشتغلون به . م [ * ]
[ 73 ]
فإن قال : فلم يرفع اليدان في التكبير ؟ قيل : لان رفع اليدين هو ضرب من
الابتهال والتبتل والتضرع ، فأوجب الله ( 1 ) عزوجل أن يكون العبد في وقت ذكره متبتلا
متضرعا ، مبتهلا ، ولان في وقت رفع اليدين احضار النية وإقبال القلب على ما قال وقصد .
أقول : في العلل : لان الفرض من الذكر إنما هو الاستفتاح وكل سنة فإنما
تؤدى على جهة الفرض ، فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب
أن يؤدوا السنة على جهة ما يؤدون الفرض . ولنرجع إلى المشترك .
فإن قال : فلم جعل صلاة السنة أربعا وثلاثين ركعة ؟ قيل : لان الفريضة سبع
عشر ركعة فجعلت السنة مثلي الفريضة ، كمالا للفريضة .
فإن قال : فلم جعل صلاة السنة في أوقات مختلفة ، ولم تجعل في وقت واحد ؟


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 73 سطر 10 إلى صفحه 81 سطر 10

قيل : لان أفضل الاوقات ثلاثة : عند زوال الشمس ، وبعد المغرب ، وبالاسحار ،
فأحب ( 2 ) أن يصلى له في كل هذه الاوقات الثلاثة ، لانه إذا فرقت السنة في أوقات شتى
كان أداؤها أيسر وأخف من أن تجمع كلها في وقت واحد .
فإن قال : فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الامام ركعتين ، وإذا كانت بغير
إمام ركعتين وركعتين ؟ قيل : لعلل شتى :
منها أن الناس يتخطون إلى الجمعة ( 3 ) من بعد ، فأحب الله عزوجل أن يخفف
عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه .
ومنها أن الامام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة ، ومن انتظر الصلاة فهو
في صلاة ( 4 ) في حكم التمام .
ومنها أن الصلاة مع الامام أتم وأكمل لعلمه وفقهه وعدله وفضله .
ومنها أن الجمعة عيد وصلاة العيد ركعتان ، ولم تقصر لمكان الخطبتين .
فإن قال : فلم جعلت الخطبة ؟ قيل : لان الجمعة مشهد عام ، فأراد أن يكون
الامام سببا لموعظتهم ( للامير سبب إلى موعظتهم خ ل ) وترغيبهم في الطاعة ، وترهيبهم من
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدرين فاحب الله . م ( 2 ) في العلل : فاوجب . م
( 3 ) أين يتجاوزون ويتسابقون إليها . ( 4 ) في العلل : في الصلاة . م [ * ]
[ 74 ]
المعصية ، وتوفيقهم على ما أراد ( 1 ) من مصلحة دينهم ودنياهم ، ويخبرهم بما ورد عليهم
من الآفات ومن الاهوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة . ( 2 )
فإن قال : فلم جعلت خطبتين ؟ قيل : لان يكون واحدة للثناء والتمجيد و
والتقديس لله عزوجل ، والاخرى للحوائج والاعذار والانذار والدعاء ، وما يريد أن
يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه ( 3 ) الصلاح والفساد .
فإن قال : فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة ، وجعلت في العيدين بعد
الصلاة ؟ قيل : لان الجمعة أمر دائم ، وتكون في الشهر مرارا وفي السنة كثيرا ، ( 4 )
فإذا كثر ذلك على الناس ملوا وتركوا ولم يقيموا عليه وتفرقوا عنه فجعلت قبل الصلاة
ليحتبسوا على الصلاة ولا يتفرقوا ولا يذهبوا ، وأما العيدين فإنما هو في السنة مرتين ( 5 )
وهو أعظم من الجمعة والزحام فيه أكثر ، والناس فيه أرغب ، فإن تفرق بعض الناس
بقي عامتهم ، وليس هو بكثير فيملوا ويستخفوا به .
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله : جاء هذا الخبر هكذا : والخطبتان في الجمعة
والعيدين بعد الصلاة ، لانهما بمنزلة الركعتين الاخراوين ، ( 6 ) وأول من قدم الخطبتين
عثمان بن عفان لانه لما أحدث ما أحدث لم يكن الناس يقفون ( 7 ) على خطبته ، ويقولون :
ما نصنع بمواعظه وقد أحدث ما أحدث ؟ فقدم الخطبتين ليقف الناس انتظارا للصلاة ( 8 ) فلا
يتفرقوا عنه .
فإن قال : فلم وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك ؟
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : ارادوا . م
( 2 ) في العلل بعد هذه العبارة : ولا يكون الصائر في الصلاة منفصلا وليس بفاعل غيره ممن يؤم
الناس في غير يوم الجمعة . م
( 3 ) في العيون : بما فيه . م ( 4 ) ويكون في الشهور والسنة كثيرا . م
( 5 ) في العيون : واما العيدان فانما هو في السنة مرتان . وهو الموافق للقواعد . م
( 6 ) في العيون : الاخيرتين . م ( 7 ) في العلل : ليقفوا . م
( 8 ) ليس في العلل بعد قوله : " للصلاة " شئ . م [ * ]
[ 75 ]
قيل : لان ما يقصر فيه الصلاة بريدان ( 1 ) ذاهبا أو بريد ذاهبا وجائيا ، والبريد أربعة فراسخ
فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير ، وذلك أنه يجئ
فرسخين ( 2 ) ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر .
فإن قال : فلم زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات ؟ قيل : تعظيما لذلك
اليوم وتفرقة بينه وبين سائر الايام .
فإن قال : فلم قصرت الصلاة في السفر ؟ قيل : لان الصلاة المفروضة أولا إنما
هي عشر ركعات ، والسبع إنما زيدت فيها ( 3 ) بعد ، فخفف الله عنه ( 4 ) تلك الزيادة
لموضع سفره ( 5 ) وتعبه ونصبه ، واشتغاله بأمر نفسه وظعنه ( 6 ) وإقامته ، لئلا يشتغل عما
لابد له من معيشته ، رحمة من الله تعالى وتعطفا عليه ، إلا صلاة المغرب فإنها لم تقصر
لانها صلاة مقصرة ( 7 ) في الاصل .
فإن قال : فلم يجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر ؟ قيل :
لان ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والاثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم .
فإن قال : فلم وجب التقصير في مسيرة يوم ؟ ( 8 ) قيل : لانه لو لم يجب في مسيرة
يوم لما وجب في مسيرة سنة ، ( 9 ) وذلك أن كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير
هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما .
فإن قال : قد يختلف السير ( 10 ) فلم جعلت أنت ( 11 ) مسيرة يوم ثمانية فراسخ ؟ قيل :
لان ثمانية فراسخ هي مسير الجمال والقوافل ( 12 ) وهو السير الذي يسيره الجمالون
والمكارون .
* ( هامش ) * ( 1 ) في العيون : بريدان ذاهب وكذا في الفقرة الاخرى . م
( 2 ) في المصدرين : على فرسخين . ( 3 ) في العيون : عليها . م
( 4 ) في العيون : عنهم . وفى العلل : فخفف الله نلك ا ه . ( 5 ) في العيون : لموضع السفر . م
( 6 ) الظعن : السير والترحال . ( 7 ) في المصدرين : مقصورة . م
( 8 ) في العيون : في مسيرة يوم لا اكثر . م ( 9 ) في العلل : مسيرة الف سنة . م
( 10 ) في العلل ههنا زيادة وهى هذه : وذلك ان سير البقر إنما هو أربعة ، وسير الفرس عشرين
فرسخا . ( 11 ) في العيون : جعلت مسيرة . م
( 12 ) في العلل بعد هذه الفقرة : وهو الغالب على المسير وهو اعظم السير الذى يسيره الجمالون
والمكارون . م [ * ]
[ 76 ]
فإن قال : فلم ترك ( 1 ) تطوع النهار ولا يترك تطوع الليل ؟ قيل : لان كل
صلاة لا تقصير فيها فلا تقصير في تطوعها ، وذلك أن المغرب لا تقصير ( 2 ) فيها فلا تقصير
فيما بعدها من التطوع ، وكذلك الغداة لا تقصير فيما قبلها من التطوع .
فإن قال : فما بال العتمة مقصرة وليس تترك ركعتاها ؟ قيل : إن تلك الركعتين
ليستا من الخمسين ، وإنما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من
الفريضة ركعتين من النوافل . ( 3 )
فإن قال : فلم جاز للمسافر والمريض أن يصليا صلاة الليل في أول الليل ؟ قيل
لاشتغاله وضعفه ليحرز صلاته ، فيستريح ( 4 ) المريض في وقت راحته ، ويشتغل المسافر
بأشغاله وارتحاله وسفره .
فإن قال : فلم امروا بالصلاة على الميت ؟ قيل : ليشفعوا له ويدعوا له بالمغفرة
لانه لم يكن في وقت من الاوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلب ( 5 ) والاستغفار من
تلك الساعة .
فإن قال : فلم جعلت خمس تكبيرات دون أن يكبر أربعا أو ستا ؟ ( 6 ) قيل : إن
الخمس إنما اخذت من الخمس الصلوات في اليوم والليلة .
أقول : في العلل : وذلك أنه ليس في الصلاة تكبيرة مفروضة إلا تكبيرة الافتتاح
فجمعت التكبيرات المفروضات في اليوم والليلة فجعلت صلاة على الميت . ولنرجع على
المشترك .
فإن قال : فلم لم يكن فيها ركوع وسجود ؟ قيل : لانه ( 7 ) إنما يريد بهذه
الصلاة الشفاعة لهذا العبد الذي قد تخلى مما خلف ( 8 ) واحتاج إلى ما قدم .
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : ترك في السفر . م
( 2 ) في العلل : لا تقصر وكذا في الفقرتين الاخروين . م
( 3 ) في المصدرين : من التطوع . م ( 4 ) في العلل : فيشرع م
( 5 ) في العلل : والدعاء . م ( 6 ) في العلل : دون ان تصير اربعا أو ستا . م
( 7 ) في العلل ههنا زيادة وهى قوله : لم يكن يريد بهذه الصلاة التذلل والخضوع إنما اريد بها الشفاعة .
( 8 ) في المصدرين عما خلف . م [ * ]
[ 77 ]
فإن قال : فلم أمر بغسل الميت ؟ قيل : لانه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة
والآفة والاذي ، فأحب أن يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه
ويماسونه فيما بينهم نظيفا ، موجها به إلى الله عزوجل ، ( 1 ) وليس من ميت يموت
إلا خرجت منه الجنابة ، فلذلك أيضا وجب الغسل .
فإن قال : فلم امروا بكفن الميت ؟ قيل : ليلقى ربه عزوجل طاهر الجسد ،
ولئلا تبدو عورته لمن يحمله ويدفنه ، ولئلا يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره ( 2 )
ولئلا يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك للعاهة والفساد ، وليكون أطيب لانفس
الاحياء ، ولئلا يبغضه حميم فيلقي ذكره ومودته فلا يحفظه فيما خلف وأوصاه وأمره به
وأحب ( 3 )
فإن قال : فلم امروا بدفنه ؟ قيل : لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره
وتغير ريحه ولا يتأذى به الاحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة ( 4 ) والفساد ، وليكون
مستورا عن الاولياء والاعداء فلا يشمت عدو ولا يحزن صديق . ( 5 )
فإن قال : فلم أمر من يغسله بالغسل ؟ قيل : لعلة الطهارة مما أصابه من نضح
الميت لان الميت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته . ( 6 )
فإن قال فلم لم يجب الغسل على من مس شيئا من الاموات غير الانسان كالطير
والبهائم والسباع وغير ذلك ؟ قيل : لان هذه الاشياء كلها ملبسة ريشا وصوفا وشعرا
ووبرا وهذا كله ذكي ( 7 ) ولا يموت ، وإنما يماس منه الشئ الذي هو ذكي من
الحي والميت .
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل هكذا : وقد روى عن بعض الائمة عليهم السلام أنه قال : ليس من ميت الخ .
( 2 ) في العيون بعد هذه الفقرة : وتغير ريحه . م
( 3 ) قد اضطربت النسخ في هذه الجملة ففى العيون : وامر به واجبا كان او ندبا . وفى العلل :
امر به واحب . وفى بعض نسخ الكتاب : امر به بواجب . م
( 4 ) في العلل بعد قوله الافة : والدنس . م
( 5 ) في العيون فلا يشمت عدوه ولا يحزن صديقه . م
( 6 ) في العلل هنا زيادة وهى هذه : ولئلا يلهج الناس به وبمماسته ، إذ قد غلبت عليه علة
النجاسة والافة .
( 7 ) في العيون : ذكى طاهر . م [ * ]
[ 78 ]
أقول : في العلل : الذي قد ألبسه وعلاه ، فإن قال : فلم جوزتم الصلاة على الميت
بغير وضوء ؟ قيل لانه ليس فيها ركوع ولا سجود ، وإنما هي دعاء ومسألة ، وقد يجوز
أن تدعو الله عزوجل وتسأله على أي حال كنت ، وإنما يجب الوضوء في الصلاة التي
فيها ركوع وسجود . ( 1 ) ولنرجع إلى المشترك .
فإن قال : فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر ؟ قيل : لان هذه
الصلاة إنما تجب في وقت الحضور والعلة ، وليست هي موقتة كسائر الصلوات ، وإنما
هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للانسان فيه اختيار ، وإنما هو حق يؤدى
وجائز أن يؤدى الحقوق في أي وقت كان ، إذا لم يكن الحق موقتا .
فإن قال : فلم جعلت للكسوف صلاة ؟ قيل : لانه آية من آيات الله عزوجل
لا يدرى ألرحمة ظهرت أم لعذاب ؟ فأحب النبى صلى الله عليه واله أن تفزع امته إلى خالقها و
راحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها ، كما صرف عن قوم يونس حين
تضرعوا إلى الله عزوجل .
فإن قال : فلم جعلت عشر ركعات ؟ قيل : لان الصلاة التي نزل فرضها من السماء
إلى الارض أولا في اليوم والليلة فإنما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات ههنا ،
وإنما جعل فيها السجود لانه لا يكون صلاة فيها ركوع إلا وفيها سجود ، ولان
يختموا صلاتهم أيضا بالسجود والخضوع ، ( 2 ) وإنما جعلت أربع سجدات لان كل صلاة
نقص سجودها من أربع سجدات لا تكون صلاة لان أقل الفرض من السجود في الصلاة
لا يكون إلا على أربع سجدات .
فان قال : فلم لم يجعل بدل الركوع سجودا ؟ قيل : لان الصلاة قائما أفضل من
الصلاة قاعدا ، ولان القائم يرى الكسوف والانجلاء والساجد لا يرى .
فإن قال : فلم غيرت عن أصل الصلاة التي افترضها الله ؟ قيل : لانه صلى لعلة
* ( هامش ) * ( 1 ) ظاهر العبارة ان قوله : الذى قد البسه إلى قوله : ركوع وسجود مختص بالعلل وليس في
العيون ، ولكن في العيون المطبوع لم يسقط شئ غير قوله : الذى قد البسه وعلاه . م
( 2 ) في العلل : بالسجود والخضوع والخشوع . م [ * ]
[ 79 ]
تغير أمر من الامور وهو الكسوف ، فلما تغيرت العلة تغير المعلول .
فإن قال : فلم جعل يوم الفطر العيد ؟ قيل : لان يكون للمسلمين مجمعا يجتمعون
فيه ، ويبرزون إلى الله عزوجل فيحمدونه على ما من عليهم ، فيكون يوم عيد ، ويوم
اجتماع ، ويوم فطر ، ويوم زكاة ، ويوم رغبة ، ويوم تضرع ، ولانه أول يوم من السنة يحل
فيه الاكل والشرب ، لان أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان فأحب الله
عزوجل أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدسونه .
فإن قال : فلم جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصلوات ؟ قيل : لان
التكبير إنما هو تعظيم لله وتمجيد على ما هدى وعافا ، كما قال الله عزوجل : " ولتكملوا
العدة ( 1 ) ولتكبروا الله على ما هديكم ولعلكم تشكرون " .
فإن قال : فلم جعل فيها اثنا عشر تكبيرة ؟ قيل : لانه يكون في ركعتين ( 2 )
اثنا عشر تكبيرة ، فلذلك جعل فيها اثنا عشر تكبيرة .
فإن قال : فلم جعل سبع في الاولى وخمس في الآخرة ( 3 ) ولم يسو بينهما ؟
قيل : لان السنة في صلاة الفريضة أن يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك بدئ ههنا بسبع
تكبيرات ، وجعل في الثانية خمس تكبيرات لان التحريم من التكبير في اليوم والليلة
خمس تكبيرات ، وليكون التكبير في الركعتين جميعا وترا وترا .
فإن قال : فلم امروا بالصوم ؟ قيل : لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش
فيستدلوا ( 4 ) على فقر الآخرة ، وليكون الصائم خاشعا ، ذليلا ، مستكينا ، مأجورا ،
محتسبا ، عارفا ، صابرا لما أصابه من الجوع والعطش ، فيستوجب الثواب مع ما فيه
من الانكسار عن الشهوات ، وليكون ذلك واعظا لهم في العاجل ، ورائضا لهم على أداء
* ( هامش ) * ( 1 ) ليست هذه الجملة موجودة في العلل .
( 2 ) في العلل : الركعتين ، وفى العيون : كل ركعتين . م
( 3 ) في العلل : في الاولى سبع وخمس في الثانية ، وفى العيون : سبع تكبيرات في الاولى
وخمس في الثانيه . م
( 4 ) في العلل : ويستدلوا ، وفى العيون : فليستدلوا . م [ * ]
[ 80 ]
ما كلفهم ودليلا ( 1 ) في الآجل ، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة
في الدنيا فيؤدوا إليهم ما افترض الله تعالى لهم في أموالهم .
فإن قال : لم جعل الصوم في شهر رمضان خاصة دون سائر الشهور ، قيل : لان
شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فيه القرآن ، وفيه فرق بين الحق والباطل ،
كما قال الله تعالى : " شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من
الهدى والفرقان " وفيه نبئ محمد صلى الله عليه واله ، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وفيها
يفرق كل أمر حكيم ، وهي رأس السنة ، يقدر فيها ما يكون في السنة من خير ، أو شر ،
أو مضرة ، أو منفعة ، أو رزق ، أو أجل ، ولذلك سميت ليلة القدر .
فإن قال : فلم امروا بصوم شهر رمضان لا أقل من ذلك ولا أكثر ؟ قيل : لانه
قوة العباد التي يعم فيها القوي والضعيف ، وإنما أوجب الله تعالى الفرائض على أغلب
الاشياء وأعم القوى ، ( 2 ) ثم رخص لاهل الضعف ورغب أهل القوة في الفضل ، ولو كانوا
يصلحون على أقل من ذلك لنقصهم ، ولو احتاجوا إلى أكثر من ذلك لزادهم .
فإن قال : فلم إذا حاضت المرأة لا تصوم ولا تصلي ؟ قيل : لانها في حد النجاسة
فأحب أن لا تعبد إلا طاهرا ، ( 3 ) ولانه لا صوم لمن لا صلاة له .
فإن قال : فلم صارت تقضي الصيام ( 4 ) ولا تقضي الصلاة ؟ قيل : لعلل شتى :
فمنها أن الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها ، وإصلاح بيتها والقيام
بامورها ، ( 5 ) والاشتغال بمرمة معيشتها ، والصلاة تمنعها من ذلك كله ، لان الصلاة
تكون في اليوم والليلة مرارا فلا تقوى على ذلك ، والصوم ليس كذلك .
ومنها أن الصلاة فيها عناء وتعب واشتغال الاركان ، وليس في الصوم شئ من
ذلك ، وإنما هو الامساك عن الطعام والشراب وليس فيه اشتغال الاركان .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدرين : ودليلا لهم . م
( 2 ) في نسخة : القوم .
( 3 ) في العلل : فاحب ان لا يتعبد إلا طاهرة ، وفى العيون : فاحب الله أن لا تعبده إلا طاهرا . م
( 4 ) في العيون : الصوم . م
( 5 ) في العيون : بامرها . م [ * ]
[ 81 ]
ومنها أنه ليس من وقت يجئ إلا تجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها وليلتها
وليس الصوم كذلك ، لانه ليس كلما حدث يوم وجب عليها الصوم ، وكلما حدث وقت
الصلاة وجب عليها الصلاة .
فإن قال : فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم
يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للاول وسقط
القضاء ، فإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء ؟ قيل : لان ذلك
الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في ذلك الشهر ، فأما الذي لم يفق فإنه لما أن
مر ( 1 ) عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائه سقط عنه ، و
كذلك كلما غلب الله تعالى عليه مثل المغمى الذي يغمى عليه يوما وليلة فلا يجب عليه
قضاء الصلاة كما قال الصادق عليه السلام : كلما غلب الله على العبد فهو أعذر له ، لانه


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 81 سطر 11 إلى صفحه 89 سطر 11

دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا سنته للمرض الذي كان فيه ،
ووجب عليه الفداء لانه بمنزلة من وجب عليه صوم فلم يستطع أداءه فوجب عليه
الفداء ، كما قال الله عزوجل : " فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فإطعام ستين
مسكينا " وكما قال الله عزوجل : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " فأقام الصدقة
مقام الصيام إذا عسر عليه .
فإن قال : فإن لم يستطيع إذ ذاك فهو الآن يستطيع . قيل له : لانه لما أن
دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي ، لانه كان بمنزلة من وجب
عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء ، وإذا وجب الفداء سقط الصوم ،
والصوم ساقط والفداء لازم ، فإن أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه
والصوم لاستطاعته .
فإن قال : فلم جعل صوم السنة ؟ قيل : ليكمل به صوم الفرض .
فإن قال : فلم جعل في كل شهر ثلاثة أيام ، وفي كل عشرة أيام يوما ؟ قيل :
لان الله تبارك وتعالى يقول : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " فمن صام في كل
* ( هامش ) * ( 1 ) في العيون : مرت . م [ * ]
[ 82 ]
عشرة أيام يوما فكأنما صام الدهر كله كما قال سلمان الفارسي رحمة الله عليه : " صوم
ثلاثة أيام في الشهر صوم الدهر كله فمن وجد شيئا غير الدهر فليصمه " .
فإن قال : فلم جعل أول خميس من العشر الاول ، وآخر خميس من العشر
الآخر ، وأربعاء في العشر الاوسط ؟ قيل : أما الخميس فإنه قال الصادق عليه السلام :
" يعرض كل خميس أعمال العباد إلى الله ( 1 ) " فأحب أن يعرض عمل العبد على الله تعالى
وهو صائم .
فإن قال : فلم جعل آخر خميس ؟ قيل : لانه إذا عرض عمل ثمانية أيام والعبد
صائم كان أشرف وأفضل من أن يعرض عمل يومين وهو صائم ، وإنما جعل أربعاء في
العشر الاوسط لان الصادق عليه السلام أخبر أن الله عزوجل خلق النار في ذلك اليوم وفيه
أهلك الله القرون الاولى ، وهو يوم نحس مستمر ، فأحب أن يدفع العبد عن نفسه
نحس ذلك اليوم بصومه .
فإن قال : فلم وجب في الكفارة على من لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج
والصلاة وغيرهما ؟ قيل : لان الصلاة والحج وسائر الفرائض مانعة للانسان من التقلب
في أمر دنياه ومصلحة معيشته ، مع تلك العلل التي ذكرناها في الحائض التي تقضي
الصيام ولا تقضي الصلاة .
فإن قال : فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين ، دون أن يجب عليه شهر واحد
أو ثلاثة أشهر ؟ قيل : لان الفرض الذي فرضه الله عزوجل على الخلق هو شهر واحد
فضوعف هذا الشهر في الكفارة ( 2 ) توكيدا وتغليظا عليه .
فإن قال : فلم جعلت متتابعين ؟ قيل : لئلا يهون عليه الاداء فيستخف به ، لانه
إذا قضاه متفرقا عليه القضاء .
فإن قال : فلم امر بالحج ؟ قيل : لعلة الوفادة إلى الله عزوجل ، وطلب
الزيادة ، والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى ، مستأنفا لما يستقبل ، مع
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : على الله .
( 2 ) في العيون : في كفارته . م [ * ]
[ 83 ]
ما فيه من إخراج الاموال وتعب الابدان ، والاشتغال عن الاهل والولد ، وحظر الانفس
عن اللذات ، شاخصا في الحر والبرد ، ثابتا ذلك عليه ، دائما مع الخضوع والاستكانة
والتذلل ، مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع .
أقول : في العلل : كل ذلك لطلب الرغبة إلى الله والرهبة منه ، وترك قساوة القلب
وخسارة الانفس ، ونسيان الذكر ، وانقطاع الرجاء والامل ، وتجديد الحقوق ، وحظر
الانفس عن الفساد ، مع ما في ذلك من المنافع لجميع من " المشترك " في شرق الارض و
غربها ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لا يحج : من بين تاجر ، وجالب ، وبائع
ومشترى ، وكاسب ، ومسكين ، ومكاري ، وفقير ، وقضاء حوائج أهل الاطراف في المواضع
الممكن لهم الاجتماع فيها ، مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الائمة عليهم السلام إلى كل
صقع وناحية ، كما قال الله عزوجل : " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في
الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ، وليشهدوا منافع لهم " .
فإن قال : فلم امروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك ؟ قيل : لان الله عزوجل
وضع الفرائض على أدنى القوم قوة ، ( 1 ) كما قال عزوجل : " فما استيسر من الهدي "
يعني شاة ليسع له القوي والضعيف ، وكذلك سائر الفرائض إنما وضعت على أدنى
القوم قوة ، وكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ، ثم رغب بعد أهل القوة
بقدر طاقتهم .
فإن قال : فلم امروا بالتمتع إلى الحج ؟ ( 2 ) قيل : ذلك تخفيف من ربكم و
رحمة لان يسلم الناس من إحرامهم ولا يطول ذلك عليهم فيدخل ( 3 ) عليهم الفساد وأن
يكون الحج والعمرة واجبين جميعا فلا تعطل العمرة ولا تبطل ، ولا يكون الحج مفردا
من العمرة ويكون بينهما فصل وتمييز ، وقال النبي صلى الله عليه واله : " دخلت العمرة في الحج
* ( هامش ) * ( 1 ) في العيون : مرة . م
( 2 ) في العيون : بالتمتع بالعمرة إلى الحج ، وفى العلل بالتمتع في الحج .
( 3 ) في العيون : فيتداخل . م [ * ]
[ 84 ]
إلى يوم القيامة " ولولا أنه صلى الله عليه واله كان ساق الهدي ولم يكن له أن يحل حتى يبلغ الهدي
محله لفعل كما أمر الناس ، ولذلك قال : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما
أمرتكم ، ولكني سقت الهدي ، وليس لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله "
فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله نخرج حجاجا ورؤوسنا تقطر من ماء الجنابة ، فقال :
إنك لن تؤمن بهذا أبدا .
أقول : ليس في العلل قوله : وقال النبي صلى الله عليه واله إلى قوله : لن تؤمن بهذا ، وهو
موجود في العيون ، وفي العلل مكانه زيادة ليست فيه وهي هذه : ويكون بينهما فصل و
تمييز ، وأن لا يكون الطواف بالبيت محظورا لان المحرم إذا طاف بالبيت قد أحل إلا
لعلة ، فلولا التمتع لم يكن للحاج أن يطوف لانه إن طاف أحل وفسد إحرامه ويخرج
منه قبل أداء الحج ، ولان يجب على الناس الهدي والكفارة فيذبحون وينحرون و
يتقربون إلى الله جل جلاله فلا تبطل هراقة الدماء والصدقة على المسلمين . ولنرجع إلى
المشترك بين الكتابين :
فإن قال : فلم جعل وقتها عشر ذي الحجة ؟ قيل : لان الله تعالى أحب أن يعبد
بهذه العبادة في أيام التشريق فكان أول ما حجت إليه الملائكة وطافت به في هذا الوقت
فجعله سنة ووقتا إلى يوم القيامة ، فإما النبيون آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى
ومحمد صلوات الله عليهم وغيرهم من الانبياء إنما حجوا في هذا الوقت فجعلت سنة في
أولادهم إلى يوم القيامة .
فإن قال : فلم امروا بالاحرام ؟ قيل : لان يخشعوا قبل دخول حرم الله عزوجل
وأمنه ، ولئلا يلهوا ويشتغلوا بشئ من أمر الدنيا وزينتها ولذاتها ، ويكونوا جادين
فيما فيه ، قاصدين نحوه ، مقبلين عليه بكليتهم ، مع ما فيه من التعظيم لله عزوجل
ولنبيه ( 1 ) والتذلل لانفسهم عند قصدهم إلى الله عزوجل ووفادتهم إليه ، راجين ثوابه
* ( هامش ) * ( 1 ) في العيون ولبيته واعلم أنه كان بين المصدرين وبينهما مع نسخ الكتاب اختلافات جزئية
عدا ما ذكرنا ، وزوائد ونواقص لا يعبأ بها ، أعرضنا عن التعرض لذكرها لعدم اختلال المعنى وتغيره
بتركها . م [ * ]
[ 85 ]
راهبين من عقابه ، ماضين نحوه ، مقبلين إليه بالذل والاستكانة والخضوع ، والله الموفق
وصلى الله على محمد وآله وسلم . " 248 - 264 - ص 94 - 101 "
ع ، ن : حدثنا عبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه ،
قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري ، قال : قلت للفضل بن شاذان - لما سمعت
منه هذه العلل - : أخبرني عن هذه العلل ، أذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهي
من نتائج العقل ، أو هي مما سمعته ورويته ؟ فقال لي : ما كنت لاعلم مراد الله عزوجل بما
فرض ، ولا مراد رسول الله صلى الله عليه واله بما شرع وسن ، ولا علل ( 1 ) ذلك من ذات نفسي ، بل سمعتها
من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام المرة بعد المرة والشئ بعد الشئ
فجمعتها . فقلت : فاحدث بها عنك عن الرضا عليه السلام ؟ قال : نعم " ص 101 ، ص 264 "
ن : وحدثنا الحاكم أبومحمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري رضي الله عنه ،
عن عمه أبي عبدالله محمد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان أنه قال : سمعت هذه العلل من
مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام متفرقة فجمعتها وألفتها . " 264 "
بيان : قوله : منها أن من لم يقر أقول : لعل الفرق بين الوجه الاول والثاني هو
أن المحذور في الوجه الاول عدم تحقق الافعال الحسنة ، وعدم ترك الافعال القبيحة
وفي ذلك فساد الخلق وعدم بقائهم واختلال نظامهم ، وفي الثاني المحذور عدم تحقق الامر
والنهي اللذين هما مقتضى حكمة الحكيم ، فلو فرض الاتيان بالافعال الحسنة والانتهاء
عن الاعمال الفاحشة بدون أمر الله تعالى ونهيه أيضا لتم الوجه الثاني بدون الاول ، و
الفرق بين الاول والثالث هو أن الاول جار في الامور الظاهرة بخلاف الثالث ، فإنه
مختص بالامور الباطنة ، فلو فرض أن يكون للناس حياء يردعهم عن إظهار الفواحش
والظلم والفساد لتم الوجه الثالث أيضا بخلاف الاول .
قوله : فلو لم يجب عليهم معرفته أي الرسول . قوله ثم اختلف همهما ، أقول :
لعل المقصود نفي امامة من كان في عصر الائمة عليهم السلام من أئمة الضلال إذ كانت آراؤهم
مخالفة لآراء أئمتنا ، وأفعالهم مناقضة لافعالهم . ويحتمل أن يكون إلزاما على المخالفين
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدرين : ولا اعلل . [ * ]
[ 86 ]
إذ هم قائلون باجتهاد النبي والامام في الاحكام ، والاجتهاد مظنة الاختلاف كما يقولون
في أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية . ثم اعلم أن المراد بالامامين الاميران على طائفة واحدة
أو اللذان تكون لهما الرئاسة العامة وإلا فينتقض باجتماع الانبياء الكثيرين في عصر
واحد في زمن بني إسرائيل . قوله : منها أن يكونوا قاصدين أقول : لعل المنظور في الوجه
الاول عدم تعيين شئ للعبادة ، لانه يحتمل أن يكون كل شئ ربهم حتى الاشياء التي
لم يعبدها أحد ، وفي الثاني إضلال الناس بعبادة الاصنام وأشباهها باحتمال أن تكون
هي ربهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالوجه الاول هو أنه لابد لهم من معرفة
ربهم لتصح العبادة له ولا يمكنهم المعرفة بالكنه ، وأقرب الوجوه التي تصل إليها
عقول الخلق هو معرفته تعالى بأنه لا يشبه شيئا من الاشياء في ذاته وصفاته ، ويحتمل
إن يكون غرض السائل من الاقرار بأنه ليس كمثله شئ الاقرار بجميع الصفات الثبوتية
والسلبية فإن جميعها راجعة إليه ، داخلة فيه إجمالا ، ولعل هذا أظهر .
قوله : لان في الصلاة الاقرار بالربوبية أقول : إما لانها مشتملة على الاقرار
بالربوبية في رب العالمين ، وعلى التوحيد في التشهد ، وعلى الاخلاص في إياك نعبد و
إياك نستعين ، وإما لان أصل عبادته تعالى دون غيره خلع للانداد وإقرار بالربوبية ،
وأما الزجر عن الفساد فلان من خواص الصلاة أنها تصلح صاحبها وتزجره عن الفساد ،
كما قال تعالى : " إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر " ( 1 ) ولا أقل إنه في حال الصلاة
ينزجر عن المعاصي وبعدها يستحيي عن ارتكاب كثير منها . واسم كان الضمير الراجع إلى
المصلي ، وخبره الظرف ، وزاجرا وحاجزا منصوبان بالحالية . ( 2 )
قوله عليه السلام : ليسا هما في كل وقت باديين أي لا يحصل فيهما الكثافة والقذارة
مثل ما يحصل في الوجه واليدين . قوله : وذلك لان الاستنجاء به ليس بفرض أقول :
لم يقد الفضل الاستنجاء بالماء حتى يرد عليه إيراد الصدوق ، مع أنه يمكن تخصيصه
* ( هامش ) * ( 1 ) العنكبوت ، 45 .
( 2 ) ويحتمل زيادة كلمة ( في ) اشتباها من النساخ ، أو كان في الاصل ( زاجرا وحاجزا ومانعا )
مرفوعات . [ * ]
[ 87 ]
بالمتعدي ، أو يقال : إن مراده الاعم من الوجوب التخييري ، ويمكن توجيه كلامه بأن
الفرض في عرف الحديث ما ثبت وجوبه بالقرآن ، والاستنجاء لم يثبت وجوبه بنص
القرآن حتى يكون فرضا ، ويرد عليه : أن استعمال الفرض في الوجوب بالمعنى
الاعم أيضا شائع ، غاية الامر أن يكون مجازا في عرفهم وارتكابه لتوجيه الكلام
مجوز .
قوله : وتعريفا لمن جهل الوقت يمكن تخصيصه بمن لا يمكنه العلم بدخول الوقت
ويحتمل أن يكون المراد أنه يتنبه لاحتمال دخول الوقت فيحصل العلم به ، مع أنه
سيأتي كثير من الاخبار الدالة على جواز الاعتماد على المؤذنين في دخول الوقت .
قوله : مجاهرا بالايمان أي الصلاة كما قال الله تعالى : " وما كان الله ليضيع
إيمانكم " ( 1 ) أو للتكلم بالكلمتين . ( 2 ) قوله : فجعل الاولين ، يفهم منه أن التكبيرتين
الاوليين ليستامن الاذان ، وإنما هما من المقدمات الخارجة عنه ، وبه يمكن الجمع
بين الاخبار المختلفة في ذلك . قوله : ليكون لعل الاظهر : وليكون .
قوله : إنما هو أداء أي علمهم طريق الشكر أو حمد نفسه بدلا عن خلقه . وقوله :
وشكر تخصيص بعد التعميم . قوله : وإقرار بأنه هو الخالق لان المراد بالعالم ما يعلم
به الصانع وهو كل ما سوى الله ، وجمع ليدل على جميع أنواعه فإذا كان تعالى خالق الجميع
ومدبرهم فيكون هو الواجب تعالى وغيره آثاره .
قوله عليه السلام : استعطاف لان ذكره تعالى بالرحمانية والرحيمية نوع من طلب
الرحمة بل أكمل أفراده .
قوله : لان التكبير في الركعة الاولى في العلل : في الصلوات الاول وهو الصواب
أي التكبيرات الافتتاحية ، إذ الاولى افتتاح للقراءة ، والثانية افتتاح للركوع ، والثالثة
للسجود الاول ، والرابعة للسجود الثاني ، وهكذا إلى تمام الركعتين ، وليست
التكبيرات التي للرفع من الركوع والسجود بافتتاحية .
* ( هامش ) * ( 1 ) البقرة : 143 .
( 2 ) أى الشهادتين . ويحتمل أن يكون المراد بالايمان مجموع الشهادتين والدعوة إلى الصلاة
وإلى خير العمل . [ * ]
[ 88 ]
قوله : غلط الفضل أقول : بل اشتبه على الصدوق رحمه الله إذ الظاهر أن تكبيرة
الافتتاح فريضة لقوله تعالى : " وربك فكبر " ( 1 ) ولذا تبطل الصلاة بتركها عمدا
وسهوا ، على أنه يحتمل أن يكون مراده بالفرض الواجب كما مر ، والعجب من الصدوق
أنه مع ذكره في آخر الخبر أن هذا العلل كلها مأخوذة عن الرضا عليه السلام وتصريحه
في سائر كتبه بأنها مروية عنه عليه السلام كيف يجترئ على الاعتراض عليها ؟ ولعله ظن
أن الفضل أدخل بينها بعض كلامه ، فما لا يوافق مذهبه يحمله على أنه من كلام الفضل
ويعترض عليه ، وفيه أيضا ما لا يخفى .
قوله : إلى أن يصير في كل شئ أربعة أضعافه أقول : هذه العبارة غير موجودة
في العيون ، وفيه أنه لا يوافق شيئا من الاخبار المختلفة الواردة في آخر وقت العصر ،
فإنه لم يرد في شئ من الاخبار أكثر من المثلين ، ولعل فيه تصحيفا ، ولذا أسقطه
في العيون .
قوله : ولان في وقت رفع اليدين أقول : لعل المعنى أن في وقت ذكر الله تعالى
يناسب التضرع والابتهال ، خصوصا في وقت هذا الذكر المخصوص لانه وقت إحضار
النية وإقبال القلب فيكون التضرع والابتهال أنسب ، ولما كان هذا الوجه إنما يناسب
تكبيرة الاستفتاح ذكر لاطراده في سائر التكبيرات وجها آخر على ما في العلل ، ولعل
التضرع والابتهال في رفع اليدين إنما هو لدلالته على اختصاص الكبرياء بالله ونفيه
عما سواه وأنه تعالى لا يدرك بالاخماس والحواس الظاهرة والباطنة ، كما سيأتي في
علل الصلاة .
قوله عليه السلام : فجعلت السنة مثلي الفريضة قال الوالد العلامة رحمه الله : لان الغالب
في أحوال الناس أنهم لا يمكنهم لتشبثهم بعلائقهم إحضار القلب في أكثر من ثلث الصلاة ،
فلما صارت النافلة مثلي الفريضة أمكن تحصيل ثلث المجموع وهو يساوي عدد الفريضة .
قوله عليه السلام : ولم تقصر لمكان الخطبتين الاظهر أنه لا يختص بالوجه الاخير ،
بل الغرض دفع توهم أنها صلاة مقصورة كصلاة السفر ، وذلك لان الخطبتين
فيها بمنزلة الركعتين فليست بمقصورة ، أو الغرض بيان عدم جواز إيقاعها في السفر بتوهم
* ( هامش ) * ( 1 ) المدثر : 3 . [ * ]
[ 89 ]
أنها صلاة مقصورة ، إذ الخطبة من شرائطها فلا يتحقق بدونها ، ومعها ليست بمقصورة
لانها بمنزلة الركعتين ، ويمكن أن يقرأ ( لم ) بكسر اللام استفهاما أي إنما تقصر
العيد لمكان خطبيه .
قوله عليه السلام : والمنفعة أقول : كأنها معطوفة على الاهوال ، ولا يبعد أن يكون
الاهوال تصحيف الاحوال ، وبعد ذلك في نسخ العلل زيادة ليست في العيون ، وهي
هذه : ولا يكون الصائر في الصلاة منفصلا وليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة .
ولعله لاغلاقه وعدم وضوح معناه أسقطه عن العيون ، ويمكن توجيهه بوجوه .
الاول : أن يكون المراد بيان كون حالة الخطبة حالة متوسطة بين حالة الصلاة
وغيرها فيكون تقدير الكلام : أنه لا يكون الصائر في الصلاة أي المتلبس بها منفصلا عنها
في غير يوم الجمعة ، وفي يوم الجمعة في حال الخطبة كذلك لانه كالداخل في الصلاة
لاشتراط كثير من أحكام الصلاة فيها وكونها عوضا عن الركعتين ، وليس بداخل حقيقة


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 89 سطر 12 إلى صفحه 97 سطر 12

فيها ، وليس فاعل غير الصلاة يؤم الناس في غير يوم الجمعة ويوم الجمعة كذلك ، لان
الامام في الخطبة يؤم الناس من حيث يلزمهم الاجتماع إليه والاستماع لكلامه
كالاستماع لقراءته حال الصلاة وليست الخطبة بصلاة ححقيقة ، فالباء في قوله : بفاعل
زائدة والضمير في غيره راجع إلى الصلاة بتأويل الفعل .
الثاني : أن يرجع المعنى إلى الاول ويوجه العبارة بوجه آخر بأن يكون " وليس
بفاعل " عطف تفسير لقوله : منفصلا ، ويكون قوله : " وغيره " حالا للصائر ، وقوله : " ممن
يؤم " صفة لغيره ، أو حالا اخرى للصائر ، وحاصل المعنى : أن الصائر في الصلاة الذي
يكون غير إمام الجمعة ويؤم الناس في غير يوم الجمعة لا يكون منفصلا عن الصلاة ، غير
فاعل لها بخلاف يوم الجمعة ، فإنه كذلك في حال الخطبة ، وليس في هذا الوجه شئ
من التكلفين السابقين .
الثالث : أن يكون ممن يؤم خبر كان وقوله : " منفصلا " وقوله : " ليس بفاعل غيره "
حالين للصائر ، فيكون لبيان علة اخرى للخطبة ، والحاصل أنه إنما جعلت الخطبة
لئلا يكون الصائر في صلاة الجمعة حال كونه منفصلا ممتازا عن سائر الائمة ، ولا يفعلها
[ 90 ]
غيره ممن يؤم الناس في غير الجمعة ، إذ يشترط في الخطبة العلم بما يعظ الناس ويأمرهم
به والعمل بها ، ولا يشترك ذلك في سائر الائمة ، وهذا وجه قريب ، وإن كان فيه بعدما
لفظا ، بل الاظهر عندي أنه كان في الاصل : " ليكون " أي إنما جعلت الخطبة ليكون
الامام في تلك الصلاة منفصلا ممتازا ولا يفعل تلك الصلاة غيره من أئمة الصلوات في سائر
الايام . وفي هذا الوجه وفي قوله : فأراد أن يكون للامير إشعار بأن هذه الصلاة إنما
يفعلها الامراء أو المنصوبون من قبل الامام عليه السلام .
الرابع : أن يكون قوله : ممن يؤم متعلقا بقوله : منفصلا ، ويكون قوله : وليس
بفاعل غيره تفسيرا لقوله : منفصلا ، ويكون حاصل الكلام : أنه إنما جعلت الخطبة
لئلا يكون المصلي في يوم الجمعة منفصلا عن المصلي في غيره بأن يكون صلاته ركعتين ،
فإنها مع الخطبتين بمنزلة أربع ركعات .
قوله : والخطبتان في الجمعة والعيدين بعد الصلاة أقول : لم يذهب إلى هذا
القول فيما علمنا أحد من علمائنا غيره في هذين الكتابين ، وسيأتي القول في ذلك في
بابه . قوله : فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد في مناسبة هذا الاصل الحكم
خفاء ، ولعله مبني على ما لا يصل إليه علمنا من المناسبات الواقعية ، ويمكن أن يقال :
لما كان الغالب في المسافرين الركبان ، والقوافل المحملة المثقلة إنما تقطع في بياض
الايام القصار ثمانية فراسخ والتكليف بحضور صلاة الجمعة يتعلق بالركبان والمشاة ،
والغالب فيهم المشاة ، والماشي يسير غالبا نصف الراكب فلذا جعل هنا نصف ما جعل
للمسافر ، أو أن ليوم الجمعة أعمالا اخرى غير الصلاة فجعل نصفه للصلاة ونصفه لسائر
الاعمال ، فلو وجب عليهم المسير أكثر من فرسخين لم يتيسر له سائر الاعمال والله يعلم .
قوله : ليلقى ربه طاهر الجسد أي لا يصير جسده كثيفا من تراب القبر وغيره
والمراد بملاقات الرب ملاقات ملائكته ورحمته . قوله : لان هذه الاشياء كلها ملبسة ،
لعل المعنى أنه لما كان غالب المماسة فيها هكذا فلذا رفع الغسل من رأس ، فلا يتوهم
منه وجوب الغسل بمس ما تحله الحياة منها . قوله عليه السلام : يرى الكسوف أي آثاره
من ضوء الشمس والقمر .
[ 91 ]
قوله عليه السلام : فلما تغيرت العلة أي المناسب لهذه العلة الدالة على نزول العذاب
زيادة تضرع واستكانة ليست في سائر الصلوات فلذا زيد في ركوعاتها . قوله : لان أول
شهور السنة علة للتقييد بسنة الاكل . قوله : لانه يكون في ركعتين اثنا عشر تكبيرة
أي مع تكبيرة القنوت .
قوله : فلذلك جعل فيها أي في القيام فقط ، وإلا فالمجموع أزيد بعدد ما زيد فيها
ويقال : راض الفرس رياضا ورياضة : ذلله فهو رائض . قوله : وفيه فرق أي في شهر رمضان
بسبب نزول القرآن ، ويحتمل إرجاع الضمير إلى القرآن .
قوله عليه السلام : وفيه نبئ محمد صلى الله عليه واله لعل النبوة والوحي كان في شهر رمضان ، والرسالة
والامر بالتبليغ كان في شهر رجب .
قوله عليه السلام : لانه كان بمنزلة من وجب عليه صوم أقول : لعل التعليل مبني
على أن وقت القضاء هو ما بين الرمضانين ، إذ لا يجوز له التأخير اختيارا عنه ، فلما كان
فيما بين ذلك معذورا سهل الله عليه ، وقبل منه الفداء ، ولم يكن الله ليجمع عليه العوض
والمعوض ، فلذا أسقط القضاء عنه بعد القدرة لانتقال فرضه إلى شئ آخر . قوله : لانه
إذا عرض عمل ثمانية أيام كذا في العيون ، وفي العلل : ثلاثة أيام ، وعلى التقديرين يشكل
فهمه ، أما على الاول فيمكن توجيهه بوجهين : الاول أن يقال : العرض غير مختص
بعمل الاسبوع بل يعرض عمل ما مر من الشهر في كل خميس ، وإذا لم يكن في العشر
الآخر خميسان فليس مورد هذه العلة ، وإذا كان فيه خميسان ففيه ثلاثة احتمالات :
الاول : أن يكون الخميس الاول الحادي والعشرين ، والخميس الثاني الثامن و
العشرين ، الثاني أن يكون الخميس الثاني التاسع والعشرين ، الثالث أن يكون الخميس
الثاني الثلاثين ، وهذا الاخير أيضا ليس بداخل في المفروض ، لان المفروض هو ما علم
دخول خميسين فيه أولا وههنا غير معلوم لاحتمال أن لا يكون للشهر سلخ فبقي
الاحتمالان الاولان ، وفي الثاني منهما يكون استيعاب الخميس الاول لاعمال الشهر
أكثر كالثاني فلذا خصه بالذكر ، فنقول : دخول أعمال الشهر إلى العشرين معلوم فيهما ،
فأما بعده فما يدخل في عرض الخميس الاول منه يومان أي يوم وبعض يوم ، ويدخل في
[ 92 ]
الثاني زائدا على هذا ثمانية أيام أي سبعة أيام وبعض يوم ، فبعض الخميس الاول
حسب من اليومين وبعضه من الثمانية ، فالمراد بقوله : إذا عرض عمل ثمانية أيام أي
زائدا على ما سيأتي من اليومين ، وعلى ما هو المعلوم دخوله فيهما من العشرين ، على أنه
يحتمل أن يكون المعروض في الخميس عمل العشر فلا يحتاج إلى إضافة العشرين ، ويمكن
أن يقال : اخذ في الخميس الاول أكثر محتملاته وفي الخميس الثاني أقل محتملاته استظهارا
وتأكيدا إذ على ما قررنا أكثر محتملات الخميس الاول أن يدخل فيه عرض عمل يومين
من العشر بأن يكون في الثاني والعشرين ، وأقل محتملات الثاني أن يدخل فيه ثمانية
بأن يكون الاول في الحادي والعشرين وعلى هذا يندفع ويرتفع أكثر التكلفات .
الثاني أن يكون المعروض في الخميس عمل الاسبوع فقط ، لكن لما خص كل
عشر بصوم يوم كان الانسب أن يكون ما يعرض في خميس العشر الآخر أكثر استيعابا
لايامه ، فإذا عرض في الخميس الاول فما هو من احتماليه أكثر استيعابا هو أن يشمل
يومين منه كما مر بيانه ، وإذا عرض في الخميس الثاني يستوعب ثمانية أيام من ذلك
العشر على كل احتمال من الاحتمالات فيكون أولى بالصوم ، وأما على الثاني فيمكن
توجيهه أيضا بوجهين : الاول أنه إذا لزمه صوم الخميس الثاني ففي بعض الشهور أي
ما يكون سلخه الخميس يلزمه احتياطا صوم خميسين ، كما ورد في أخبار اخر فيعرض
عمله في ثلاثة أيام وهو صائم في بعض الاحيان ( 1 ) بخلاف ما إذا كان المستحب صوم الخميس
الاول من العشر الآخر فإنه يكون دائما عرض العمل في الشهر في يومين وهو صائم .
الثاني أن يكون المقصود من السؤال بيان علة جعل الخميس الثاني بعد الاربعاء
سواء كان في العشر الوسط أو في العشر الاخير ، وسواء كان الخميس الاول من
العشر الاخير أو الثاني منه ، فالمراد بالجواب أنه إنما جعل هذا الخميس بعد
الاربعاء لان يعرض فيه صوم ثلاثة أيام في هذا الشهر ، مع أنه يكون في يوم العرض
صائما أيضا ، وعلى التقادير لا يخلو من تكلف .
قوله عليه السلام : واستخف بالايمان أي بأعماله ، والمراد هنا الصوم وسائر ما تلزم فيه
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : الايام . [ * ]
[ 93 ]
الكفارة ، ويحتمل أن يكون بفتح الهمزة بناءا على إطلاق اليمين على النذر وأن
كفارته كذلك .
قوله عليه السلام : لعلة الوفادة الوفد : القوم يجتمعون ويردون البلاد ، الواحد وافد
وكذا من يقصد الامراء بالزيادة ، والاسترفاد والانتجاع ، يقال : وفد يفد وفادة .
قوله : ثابتا ذلك عليه دائما أي في مدة مديدة زائدا على أزمنة سائر الطاعات .
قوله عليه السلام : ولان يجب على الناس الهدي لعله مبني على أن هدي التمتع جبران لا نسك ،
فيكون قوله : والكفارة عطف تفسير .
( الفصل الثانى )
* ( ما ورد من ذلك برواية ابن سنان ) *
1 - ع : علي بن أحمد ، عن محمد بن أبي عبدالله ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن
العباس ، عن القاسم بن الربيع الصحاف ، عن محمد بن سنان أن أبا الحسن علي بن موسى
الرضا عليه السلام كتب إليه بما في هذا الكتاب جواب كتابه إليه يسأله عنه : جاءني كتابك
تذكر أن بعض أهل القبلة يزعم أن الله تبارك وتعالى لم يحل شيئا ولم يحرمه لعلة
أكثر من التعبد لعباده بذلك ، قد ضل من قال ذلك ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا
لانه لو كان كذلك لكان جائزا أن يستعبدهم بتحليل ما حرم وتحريم ما أحل حتى
يستعبدهم بترك الصلاة والصيام وأعمال البر كلها ، والانكار له ولرسله وكتبه والجحود
بالزنا والسرقة وتحريم ذوات المحارم وما أشبه ذلك من الامور التي فيها فساد التدبير
وفناء الخلق ، إذ العلة في التحليل والتحريم التعبد لا غيره ، فكان كما أبطل الله عزوجل به
قول من قال ذلك إنا وجدنا كل ما أحل الله تبارك وتعالى ففيه صلاح العباد وبقاؤهم ولهم
إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها ، ووجدنا المحرم من الاشياء لا حاجة للعباد إليه ووجدناه
مفسدا داعيا إلى الفناء والهلاك ، ثم رأيناه تبارك وتعالى قد أحل بعض ما حرم في وقت
الحاجة لما فيه من الصلاح في ذلك الوقت ، نظير ما أحل من الميتة والدم ولحم الخنزير
[ 94 ]
إذا اضطر إليه المضطر ، لما في ذلك الوقت من الصلاح والعصمة ودفع الموت ، فكيف دل
الدليل على أنه لم يحل إلا لما فيه من المصلحة للابدان ، وحرم ما حرم لما فيه من
الفساد ، وكذلك وصف في كتابه وأدت عنه رسله وحججه كما قال أبوعبدالله عليه السلام :
لو يعلم العباد كيف كان بدؤ الخلق ما اختلف اثنان . وقوله عليه السلام : ليس بين الحلال
والحرام إلا شئ يسير ، يحوله من شئ إلى شئ فيصير حلالا وحرام . " ص 197 "
بيان : قوله : بما في هذا الكتاب جواب كتابه إليه هذا كلام الصدوق ولما فرق
في كتاب العلل هذه العلل الواردة في هذا الخبر على الابواب المناسبة لها ذكر صدر
الخبر وأشار إلى أن ما فرقه كلها من تتمة هذا الخبر ، ولعله أسقط هذا مما رواه في
العيون اختصارا أو لم يكن هذا في بعض ما أورده هناك من الاسانيد . قوله عليه السلام :
فكان كما أبطل الله يحتمل أن يكون إنا وجدنا اسم كان ، وكما أبطل الله خبره ، أي
يبطل ذلك وجداننا كما يبطله صريح الآيات الدالة على أن الاحكام الشرعية معللة
بالحكم الكاملة ، ويحتمل أن يكون إنا وجدنا استينافا .
قوله عليه السلام : كيف كان بدؤ الخلق أي لاي علة خلقهم ولاي حكمة كلفهم لم
يختلفوا في أمثال تلك المسائل المتعلقة بذلك . قوله عليه السلام : يحوله من شئ إلى شئ أي
اختلاف الاحوال والاوقات والازمان يوجب تغير الحكم لتبدل الحكمة كحرمة
الميتة في حال الاختيار وحليتها في حال اضطرار ، وكحرمة الاجنبية بدون الصيغة
وحليتها معها فظهر أن دقائق الحكم مرعية في كل حكم من الاحكام .
2 - ن : ما جيلويه ، عن عمه ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن محمد بن سنان ، و
حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ، ومحمد بن أحمد السناني ، وعلي بن عبدالله
الوراق ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنهم ، قالوا : حدثنا
محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن العباس قال : حدثنا
القاسم بن الربيع الصحاف ، عن محمد بن سنان ، وحدثنا علي بن أحمد بن أبي عبدالله
البرقي ، وعلي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة ، وأبوجعفر محمد بن موسى البرقي
[ 95 ]
بالري رضي الله عنهم ، قالوا حدثنا محمد بن علي ما جيلويه ، عن أحمد بن محمد بن خالد ،
عن أبيه ، عن محمد بن سنان أن أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام كتب إليه في جواب
مسائله : علة غسل الجنابة النظافة وتطهير الانسان نفسه مما أصابه من أذاه ، وتطهير
سائر جسده لان الجنابة خارجة من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله ،
وعلة التخفيف في البول والغائط لانه أكثر وأدوم من الجنابة فرضي فيه بالوضوء لكثرته
ومشقته ومجيئه بغير إرادة منه ولا شهوة ، والجنابة لا تكون إلا بالاستلذاذ منهم و
الاكراه لانفسهم ، وعلة غسل العيد والجمعة وغير ذلك من الاغسال لما فيه من تعظيم
العبد ربه ، واستقباله الكريم الجليل وطلب المغفرة لذنوبه ، وليكون لهم يوم عيد
معروف يجتمعون فيه على ذكر الله عزوجل ، فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم ،
وتفضيلا له على سائر الايام ، وزيادة في النوافل والعبادة ، وليكون تلك طهارة له
من الجمعة إلى الجمعة ، وعلة غسل الميت أنه يغسل لانه يطهر وينظف من أدناس
أمراضه ، وما أصابه من صنوف علله لانه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة ، فيستحب
إذا ورد على الله ولقى أهل الطهارة ويماسونه ويماسهم أن يكون طاهرا ، نظيفا ،
موجها به إلى الله عزوجل ليطلب به ويشفع له ، وعلة اخرى أنه يخرج من الاذى ( 1 )
الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له ، وعلة اغتسال من غسله أو مسه فظاهرة لما
أصابه من نضح الميت لان الميت إذا خرجت الروح منه بقي أكثر آفة فلذلك يتطهر
منه ويطهر .
وعلة الوضوء التي من أجلها صار غسل الوجه والذراعين ومسح الرأس والرجلين
فلقيامه بين يدي الله عزوجل ، واستقباله إياه بجوارحه الظاهرة ، وملاقاته بها الكرام
الكاتبين .
فغسل الوجه للسجود والخضوع ، وغسل اليدين ليقلبهما ويرغب بهما ويرهب و
يتبتل ، ومسح الرأس والقدمين لانهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما في حالاته ،
وليس فيهما من الخضوع والتبتل ما في الوجه والذارعين .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : المنى ( الاذى خ ل ) . م [ * ]
[ 96 ]
وعلة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الاغنياء لان الله تبارك وتعالى
كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى ، كما قال عزوجل : " لتبلون في
أموالكم " بإخراج الزكاة ( 1 ) " وفي أنفسكم " بتوطين الانفس على الصبر ، مع ما في ذلك من أداء
شكر نعم الله عزوجل ، والطمع في الزيادة ، مع ما فيه من الرحمة والرأفة لاهل الضعف ،
والعطف على أهل المسكنة ، والحث لهم على المواساة وتقوية الفقراء والمعونة لهم على
أمر الدين ، وهم عظة لاهل الغنى ، وعبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم وما لهم
من الحث في ذلك على الشكر لله عزوجل لما خولهم وأعطاهم والدعاء والتضرع و
الخوف من أن يصيروا مثلهم في امور كثيرة من أداء الزكاة ( 2 ) والصدقات وصلة الارحام
واصطناع المعروف .
وعلة الحج الوفادة إلى الله عزوجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف ،
وليكون تائبا مما مضى ، مستأنفا لما يستقبل ، وما فيه من استخراج الاموال وتعب
الابدان وحظرها عن الشهوات واللذات ، والتقرب بالعبادة إلى الله عزوجل ، والخضوع
والاستكانة والذل ، شاخصا في الحر ( 3 ) والبرد والخوف والامن ، دائبا في ذلك دائما ،
وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرهبة إلى الله عزوجل ومنه ترك قساوة
القلب وجسارة الانفس ونسيان الذكر وانقطاع الرجاء والامل ، وتجديد الحقوق
وحظر النفس عن الف ؟ ؟ اد ، ومنفعة من في شرق الارض وغربها ، ومن في البر والبحر ممن
يحج ومن لا يحج ، من تاجر وجالب وبائع ومشترى وكاسب ومسكين ، وقضاء حوائج
أهل الاطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم .
وعلة فرض الحج مرة واحدة لان الله عزوجل وضع الفرائض على أدنى
القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحد ، ثم رغب أهل القوة على قدر
طاقتهم .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : " لتبلون في اموالكم وانفسكم " في اموالكم باخراج الزكاة ا ه . م
( 2 ) في المصدر : في أداء الزكاة . م
( 3 ) في المصدر : شاخصا اليه في الحر . م [ * ]
[ 97 ]
وعلة وضع البيت وسط الارض أنه الموضع الذي من تحته دحيت الارض ، و
كل ريح تهب في الدنيا فإنها تخرج من تحت الركن الشامي ، وهي أول بقعة وضعت
في الارض ، لانها الوسط ليكون الفرض لاهل الشرق والغرب في ذلك سواء ، وسميت
مكة مكة لان الناس كانوا يمكون فيها ، وكان يقال لمن قصدها : قد مكا ، وذلك قول
الله عزوجل : " وماكان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " فالمكاء : الصفير ، والتصدية :
صفق اليدين .
وعلة الطواف بالبيت أن الله عزوجل قال للملائكة : " إني جاعل في الارض خليفة
قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " فردوا على الله عزوجل هذا الجواب
فندموا فلاذوا بالعرش واستغفروا ، فأحب الله عزوجل أن يتعبد بمثل ذلك العباد
فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش يسمى الضراح ، ثم وضع في السماء الدنيا
بيتا يسمى المعمور بحذاء الضراح ، ثم وضع هذا البيت بحذاء البيت المعمور ، ثم أمر
آدم عليه السلام فطاف به فتاب الله عزوجل عليه فجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 97 سطر 13 إلى صفحه 105 سطر 13

وعلة استلام الحجر أن الله تبارك وتعالى لما أخذ ميثاق بني آدم التقمه الحجر
فمن ثم كلف الناس تعاهد ذلك الميثاق ، ومن ثم يقال عند الحجر : أمانتي أديتها و
ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، ومنه قول سلمان رحمه الله : ليجيئن الحجر يوم القيامة
مثل أبي قبيس له لسان وشفتان يشهد لمن وافاه بالموافاة .
والعلة التي من أجلها سميت منى منى أن جبرئيل عليه السلام قال هناك لابراهيم
عليه السلام : تمن على ربك ما شئت ، فتمنى إبراهيم عليه السلام في نفسه أن يجعل الله مكان
ابنه إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداءا له فاعطي مناه .
وعلة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون العبد ذليلا مستكينا مأجورا
محتسبا صابرا ، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة مع ما فيه من الانكسار له
عن الشهوات ، واعظا له في العاجل ، دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل
الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة .
وحرم قتل النفس لعلة فساد الخلق في تحليله لو أحل وفنائهم وفساد التدبير .
[ 98 ]
وحرم الله عزوجل عقوق الوالدين لما فيه من الخروج عن التوقير ( 1 ) لطاعة الله عزوجل ،
والتوقير للوالدين ، وتجنب كفر النعمة ، وإبطال الشكر وما يدعو من ذلك إلى قلة النسل
وانقطاعه ، لما في العقوق من قلة توقير الوالدين والعرفان بحقهما ، وقطع الارحام ،
والزهد من الوالدين في الولد ، وترك التربية لعلة ترك الولد برهما .
وحرم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الانفس ، وذهاب الانساب ، وترك التربية
للاطفال ، وفساد المواريث ، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد .
وحرم أكل مال اليتيم ظلما لعلل كثيرة من وجوه الفساد ، أول ذلك أنه إذا
أكل الانسان مال اليتيم ظلما فقد أعان على قتله إذ اليتيم غير مستغن ، ولا محتمل لنفسه ،
ولا عليم بشأنه ، ولا له من يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه ، فإذا أكل ماله فكأنه قد قتله
وصيره إلى الفقر والفاقة ، مع ما خوف الله تعالى وجعل من العقوبة في قوله عزوجل :
" وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله " وكقول أبي جعفر
عليه السلام : إن الله وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين : عقوبة في الدنيا ، وعقوبة في الآخرة
ففي تحريم مال اليتيم استغناء اليتيم ( 2 ) واستقلاله بنفسه ، والسلامة للعقب أن يصيبه
ما أصابه ، لما وعد الله تعالى فيه من العقوبة ، مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثاره إذا
أدرك ، ووقوع الشحناء والعداوة والبغضاء حتى يتفانوا .
وحرم الله تعالى الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين ، والاستخفاف
بالرسل ، والائمة العادلة عليهم السلام ، وترك نصرتهم على الاعداء ، والعقوبة لهم على إنكار ما
دعوا إليه من الاقرار بالربوبية وإظهار العدل وترك الجور وإماتة الفساد ، لما في ذلك
من جرأة العدو على المسلمين وما يكون في ذلك من السبي والقتل ، وإبطال دين الله
عزوجل وغيره من الفساد .
وحرم التعرب بعد الهجرة للرجوع عن الدين ، وترك المؤازرة للانبياء والحجج
عليهم السلام ، وما في ذلك من الفساد ، وإبطال حق كل ذي حق لا لعلة سكنى البدو ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : التوفيق .
( 2 ) في المصدر : استبقاء اليتيم . م . [ * ]
[ 99 ]
وكذلك لو عرف الرجل الدين كاملة لم يجز له مساكنة أهل الجهل ، والخوف عليه لانه
لا يؤمن أن يقع منه ترك العلم والدخول مع أهل الجهل والتمادي في ذلك .
وحرم ما اهل به لغير الله عزوجل للذي أوجب الله عزوجل على خلقه من
الاقرار به ، وذكر اسمه على الذبائح المحللة ، ولئلا يسوى بين ما تقرب به إليه ، وبين
ما جعل عبادة للشياطين والاوثان ، لان في تسمية الله عزوجل الاقرار بربوبيته
وتوحيده ، وما في الاهلال لغير الله من الشرك به والتقرب به إلى غيره ، ليكون ذكر الله
تعالى وتسميته على الذبيحة فرقا بين ما أحل الله وبين ما حرم الله ، وحرم سباع الطير
والوحش كلها لاكلها من الجيف ولحوم الناس والعذرة وما أشبه ذلك فجعل الله
عزوجل دلائل ما أحل من الوحش والطير وما حرم كما قال أبي عليه السلام : كل ذي ناب
من السباع وذي مخلب من الطير حرام ، وكلما كانت له قانصة من الطير فحلال . وعلة
اخرى يفرق بين ما احل من الطير وما حرم قوله عليه السلام : كل ما دف ، ولا تأكل
ما صف .
وحرم الارنب لانها بمنزلة السنور ولها مخاليب كمخاليب السنور وسباع
الوحش فجرت مجراها ، مع قذرها في نفسها ، وما يكون منها من الدم كما يكون من
النساء لانها مسخ .
وعلة تحريم الربا إنما نهى الله عنه لما فيه من فساد الاموال لان الانسان إذا
اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما ، وثمن الآخر باطلا ، فبيع الربا
وشراه وكس على كل حال على المشتري وعلى البائع ، فحظر الله عزوجل الربا لعلة فساد
الاموال كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله ، لما يتخوف عليه من إفساده حتى
يؤنس منه رشد ، ( 1 ) فلهذه العلة حرم الله الربا وبيع الدرهم بالدرهمين يدا بيد .
وعلة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم وهي كبيرة
بعد البيان وتحريم الله لها ، ولم يكن ذلك منه إلا استخفافا بالمحرم للحرام ، والاستخفاف
ذلك دخول في الكفر .
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : رشده . م [ * ]
[100]
وعلة تحريم الربا بالنسية لعلة ذهاب المعروف ، وتلف الاموال ، ورغبة الناس
في الربح ، وتركهم القرض ، والقرض من صنائع المعروف ، ولما في ذلك من الفساد
والظلم وفناء الاموال .
وحرم الخنزير لانه مشوه ، جعله الله عزوجل عظة للخلق وعبرة وتخويفا
ودليلا على ما مسخ على خلقته ، ولان غذاءه أقذر الاقذار مع علل كثيرة ، وكذلك
حرم القرد لانه مسخ مثل الخنزير ، وجعل عظة وعبرة للخلق ودليلا على ما مسخ
على خلقته وصورته ، وجعل فيه شيئا من الانسان ( 1 ) ليدل على أنه من الخلق
المغضوب عليه . وحرمت الميتة لما فيها من فساد الابدان والآفة ، ولما أراد الله عزوجل أن
يجعل التسمية سببا للتحليل وفرقا بين الحلال والحرام .
وحرم الله عزوجل الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الابدان ، ولانه يورث
الماء الاصفر ، ويبخر الفم ، وينتن الريح ، ويسيئ الخلق ، ويورث القسوة للقلب ،
وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه .
وحرم الطحال لما فيه من الدم ، ولان علته وعلة الدم والميتة واحدة ، لانه
يجري مجراها في الفساد .
وعلة المهر ووجوبه على الرجال ولا يجب على النساء أن يعطين أزواجهن لان
على الرجال مؤونة المرأة لان المرأة بائعة نفسها ، والرجل مشتر ، ولايكون البيع
إلا بثمن ، ولا الشراء بغير إعطاء الثمن ، مع أن النساء محظورات عن التعامل والمجئ ( 2 )
مع علل كثيرة .
وعلة تزويج الرجل أربع نسوة وتحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد
لان الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه ، والمرأة لو كان لها زوجان
أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو ، إذ هم مشتركون في نكاحها ، وفي ذلك فساد
الانساب والمواريث والمعارف .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : شبها من الانسان . م
( 2 ) في نسخة : المتجر [ * ]
[101]
وعلة تزويج العبد اثنتين لا أكثر منه لانه نصف رجل حر في الطلاق والنكاح ،
لا يملك نفسه ولا له مال إنما ينفق عليه مولاه ، وليكون ذلك فرقا بينه وبين الحر ، وليكون
أقل لاشتغاله عن خدمة مواليه .
وعلة الطلاق ثلاثا لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث ،
أو سكون غضب إن كان ، وليكون ذلك تخويفا وتأديبا للنساء وزجرا لهن عن معصية
أزواجهن ، فاستحقت المرأة الفرقة والمباينة لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها .
وعلة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل له أبدا عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق ،
ولا تستضعف المرأة ، وليكون ناظرا في أمره ، متيقظا معتبرا ، وليكون يأسا لهما من
الاجتماع بعد تسع تطليقات .
وعلة طلاق المملوك اثنتين لان طلاق الامة على النصف فجعله اثنتين احتياطا
لكمال الفرائض ، وكذلك في الفرق في العدة للمتوفى ( 1 ) عنها زوجها .
وعلة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال لضعفهن عن الرؤية ومحاباتهن النساء
في الطلاق ، فلذلك لا يجوز شهادتهن إلا في موضع ضرورة مثل شهادة القابلة ، وما لا
يجوز للرجال أن ينظروا إليه ، كضرورة تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم يوجد غيرهم ،
وفي كتاب الله عزوجل : اثنان ذوا عدل منكم مسلمين ، أو آخران من غيركم كافرين ،
ومثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم .
والعلة في شهادة أربعة في الزنا واثنين في سائر الحقوق لشدة حد المحصن لان
فيه القتل فجعلت الشهادة فيه مضاعفة مغلظة ، لما فيه من قتل نفسه ، وذهاب نسب ولده
ولفساد الميراث .
وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد لان الوالد موهوب
للوالد في قول الله عزوجل : " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور " مع أنه
المأخوذ بمؤونته صغيرا وكبيرا ، والمنسوب إليه والمدعو له لقول الله عزوجل : " ادعوهم
لآبائهم هو أقسط عند الله " وقول النبي صلى الله عليه واله : أنت ومالك لابيك ، وليست الوالدة كذلك
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : المتوفى . [ * ]
[102]
لا تأخذ من ماله إلا بإذنه ، أو بإذن الاب لان الاب مأخوذ بنفقة الولد ، ولا تؤخذ
المرأة بنفقة ولدها .
والعلة في أن البينة في جميع الحقوق على المدعي واليمين على المدعى عليه ما خلا
الدم لان المدعى عليه جاحد ، ولا يمكن إقامة البينة على الجحود لانه مجهول ، وصارت
البينة في الدم على المدعي عليه واليمين على المدعي لانه حوط يحتاط به المسلمون
لئلا يبطل دم امرئ مسلم ، وليكون ذلك زاجرا وناهيا للقاتل ، لشدة إقامة لبينة عليه
لان من يشهد على أنه لم يفعل قليل .
وأما علة القسامة أن جعلت خمسين رجلا فلما في ذلك من التغليظ والتشديد
والاحتياط لئلا يهدر دم امرئ مسلم .
وعلة قطع اليمين من السارق لانه يباشر الاشياء غالبا بيمينه وهي أفضل أعضائه "
وأنفعها له فجعل قطعها نكالا وعبرة للخلق لئلا يبتغوا أخذ الاموال من غير حلها ،
ولانه أكثر ما يباشر السرقة بيمينه .
وحرم غصب الاموال وأخذها من غير حلها لما فيه من أنواع الفساد ، والفساد
محرم لما فيه من الفناء وغير ذلك من وجوه الفساد .
وحرم السرقة لما فيها من فساد الاموال وقتل الانفس لو كانت مباحة ، ولما
يأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد ، وما يدعوا إلى ترك التجارات والصناعات
في المكاسب ، واقتناء الاموال إذا كان الشئ المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد .
وعلة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ الجسد
كله به فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره وهو أعظم الجنايات .
وعلة ضرب القاذف وشارب الخمر ثمانين جلدة لان في القذف نفي الولد ،
وقطع النسل ، وذهاب النسب ، وكذلك شارب الخمر لانه إذا شرب هذى وإذا هذى
افترى فوجب حد المفتري .
وعلة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني والزانية لاستخفافهما وقلة
مبالاتهما بالضرب حتى كأنهما مطلق لهما ذلك الشئ ، وعلة اخرى أن المستخف
بالله وبالحد كافر فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر .
[103]
وعلة تحريم الذكران للذاكران ، والاناث للاناث لما ركب في الاناث ، وما طبع
عليه الذكران ، ولما في إتيان الذكران الذكران والاناث للاناث من انقطاع النسل و
فساد التدبير وخراب الدنيا .
وأحل الله تعالى البقر والغنم والابل لكثرتها وإمكان وجودها ، وتحليل
بقر الوحش وغيرها من أصناف ما يؤكل من الوحش المحللة لان غذاءها غير مكروه
ولا محرم ، ولا هي مضرة بعضها ببعض ، ولا مضرة بالانس ، ولا في خلقها تشويه .
وكرة أكل لحوم البغال والحمير الاهلية لحاجة الناس إلى ظهورها واستعمالها
والخوف من قلتها ، لا لقذر خلقها ولا قذر غذائها .
وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوب بالازواج وإلى غيرهن من النساء لما
فيه من تهييج الرجال ، وما يدعو التهييج إليه من الفساد والدخول فيما لا يحل ولا يجمل ( 1 )
وكذلك ما أشبه الشعور ، إلا الذي قال الله عزوجل : " والقواعد من النساء اللاتي
لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات " أي غير الجلباب ،
فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن .
وعلة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لان المرأة إذا تزوجت
أخذت ، والرجل يعطي فلذلك وفر على الرجال .
وعلة اخرى في إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الانثى في عيال الذكر إن
احتاجت ، وعليه أن يعولها وعليه نفقتها . وليس على المرأة أن تعول الرجل ولا تؤخذ
بنفقته إذا احتاج ، فوفر الله تعالى على الرجال لذلك ، وذلك قول الله عزوجل : " الرجال
قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " .
وعلة المرأة أنها لا ترث من العقار شيئا إلا قيمة الطوب والنقض لان العقار لا
يمكن تغييره وقلبه ، والمرأة يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة ويجوز تغييرها
وتبديلها ، وليس الولد والوالد كذلك ، لانه لا يمكن التفصي منهما ، والمرأة يمكن
الاستبدال بها ، فما يجوز أن يجئ ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره إذ أشبهه
وكان الثابت المقيم على حاله لمن كان مثله في الثبات والقيام " ص 240 - 247 "
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : ولا يحمد . [ * ]
[104]
توضيح : قوله عليه السلام : لانه أكثر الضمير راجع إلى كل واحد من البول و
الغائط . وقوله : وأدوم عطف تفسير لقوله : أكثر . قوله عليه السلام : ومشقته لانه اشتغال
بفعل لا استلذاذ فيه .
قوله عليه السلام : والاكراه لانفسهم أي بإرادتهم ، كأن المريد لشئ يكره نفسه
عليه ، والاظهر أنه تصحيف " ولا إكراه " . ثم اعلم أن الاختيار في الجنابة مبني على
الغالب ، إذ الاحتلام يقع بغير اختيار .
قوله : لما فيه من تعظيم العبد الضمير راجع إلى العيد أو إلى الغسل . قوله عليه السلام :
وزيادة في النوافل أي ثوابها أو هو نفسه زيادة فيها .
قوله عليه السلام : ليطلب به أي ليطلب الناس الاجر بسببه للصلاة عليه وتشييعه و
دفنه ، ويؤيده ما في العلل : ليطلب وجهه أي وجه الله ورضاه ، وفي بعض نسخ العيون :
ليطالب فيه ، فيكون قوله : ويشفع له عطفا تفسيريا له .
قوله عليه السلام : لانهما ظاهران مكشوفان علة لاصل المسح ، وقوله : وليس فيهما
علة للاكتفاء به بدون الغسل .
قوله عليه السلام : وتحصين أموال الاغنياء أي حفظها من الضياع ، فإن أداه الزكاة
يوجب عدم تلفها وضياعها . قوله عليه السلام : والحث لهم أي للاغنياء على المواساة بإعطاء
أصل الزكاة ، أو لان إعطاء الزكاة يوجب تزكية النفس عن البخل ، وهذا أنسب بلفظ
المواساة ، إذ هي المساهمة ، والمساواة في المال بأن يعطي الفقراء مثل ما يأخذ لنفسه . قوله
عليه السلام : من الحث في ذلك أي في الاستدلال والعبرة . قوله عليه السلام : في امور كثيرة
متعلق بقوله : الشكر لله أو بمقدر ، أي تحصل تلك الفضائل في امور كثيرة .
قوله عليه السلام : ومنه متعلق بالرهبة ، كما أن إلى الله متعلق بالرغبة قوله عليه السلام :
وتجديد الحقوق عطف على الترك كما أن ما قبله معطوف على مدخوله .
قوله عليه السلام : وعلة وضع البيت وسط الارض أي لم يقال : إنه وضع وسط الارض ؟
لان الارض دحيت من تحته إلى أطراف الارض فلذا يقال : إنه الوسط ، أو المراد
[105]
بالوسط وسط المعمورة تقريبا لكون بعض العمارة في العرض الجنوبي أيضا ، ويحتمل
على بعد أن يكون الوسط بمعنى الاشرف وعلى الاحتمال الاول يمكن أن يكون هبوب
الريح أيضا علة اخرى لكونه وسطا . قوله عليه السلام : كانوا يمكون فيها هذا لا يساعدة
الاشتقاق إلا أن يقال : كان أصل مكة مكوة فصارت بكثرة الاستعمال هكذا ، أو يقال :
كان أصل المكاء المك فقلبت الكاف الثانية من باب أمليت وأمللت ، أو يقال : إن بيان
ذلك ليس لبيان مبدء الاشتقاق ، بل لبيان أن الذين كان ذلك فعالهم أهلكهم ونقصهم ،
يقال مكه : أهلكه ونقصه ، ويمكن أن يكون مبنيا على الاشتقاق الكبير .
قوله عليه السلام : ليعلم فيه لف ونشر ، فإن العلم بحال أهل الفقر في الدنيا علة لكونه
واعظا ، والعلم بحال أهل الفقر في الآخرة علة لكونه دليلا .
قوله عليه السلام : من قتل الانفس أي للتغاير . قوله عليه السلام : والعقوبة لهم لعلها معطوفة
على نصرتهم أو على الاعداء ، وعلى التقديرين ضمير الجمع راجع إلى الاعداء أو إلى الرسول
والائمة . ودعوا على المعلوم أو على المجهول .
قوله عليه السلام : وكذلك لو عرف الرجل أي أن التعرب بعد الهجرة إنما يحرم


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 105 سطر 14 إلى صفحه 113 سطر 14

لتضمنه ترك نصرة الانبياء والحجج عليهم السلام ، وترك الحقوق الازمة بين المسلمين والرجوع
إلى الجهل لا لخصوص كونه في الاصل من أهل البادية ، إذ يحرم على من كمل علمه من
غير أهل البادية أيضا أن يساكنهم لتلك العلة . أو المعنى : أنه ليس لخصوص سكنى البادية
مدخل في ذلك بل لا يجوز لمن كمن علمه أن يساكن أهل الجهل من أهل القرى والبلاد
أيضا . وفي العلل : ولذلك وهو أظهر . قوله عليه السلام : والخوف عليه كأنه معطوف على
الجهل ، أي مساكنة جماعة يخاف عليه من مجالستهم الضلال وترك الحق ، ويحتمل أن
يكون معطوفا على ذلك إذا كان لذلك ، وعلى التقديرين المراد عدم جواز مساكنة من
يخاف عليه في مجالستهم ( 1 ) ترك الدين أو الوقوع في المحرمات .
قوله عليه السلام : فجعل الله عزوجل المفعول الثاني لجعل قوله : كل ذي ناب أي
لما كانت العلة في حرمتها أكلها اللحوم وافتراسها الحيوانات جعل ضابط الحكم ما
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : من مجالستهم . [ * ]
[106]
يدل عليه من الناب والمخلب . وقوله : وعلة اخرى يمكن أن يكون لبيان قاعدة
اخرى ذكرها استطرادا ويكون المراد بالعلة القاعدة ، ويحتمل أن يكون الصفيف
أيضا من علامات الجلادة والسبعية ، ولا يبعد أن يكون " وعلة اخرى " كلام ابن سنان
أدخلها بين كلامه عليه السلام بقرينة تغيير الاسلوب ، وأما عدم القانصة فمن لوازم سباع
الطير غالبا .
قوله عليه السلام : وكس أي نقص . قوله عليه السلام : على المشتري متعلق بالبيع . وقوله
عليه السلام : على البائع متعلق بالشراء على اللف والنشر . قوله عليه السلام : بالحرام المحرم
أي المبين حرمته .
قوله عليه السلام : ولما أراد الله لما كانت الميتة نوعين : الاول أن يكون موتها بغير
الذبح فيجمد الدم في بدنها ، ويورث أكلها فساد الابدان والآفة ، والثاني أن يكون
ترك التسمية أو الاستقبال فقوله : لما أراد الله لهذا الفرد منها أي العلة فيها أمر آخر
يرجع إلى صلاح أديانهم لا أبدانهم .
قوله عليه السلام : احتياطا لكمال الفرائض أي ليس ثلاث تطليقات نصف لعدم تنصف
الطلاق فإما أن يؤخذ واحد أو اثنان فاختير الاثنان لرعاية الاحتياط .
قوله عليه السلام : ولا تؤخذ المرأة أي مع وجود الوالد وقدرته على الانفاق . قوله
عليه السلام : لما ركب في الاناث أي من الميل إلى الرجال أو من العضو الذي يناسب
وطي الرجال لهن .
وقال في النهاية : الجلباب الازار والرداء ، وقيل : الملحفة ، وقيل : هو كالمقنعة
تغطي به المرأة وظهرها وصدرها ، وقيل : ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء
انتهى . وقد ورد في الاخبار المعتبرة أنها تضع من الثياب الجلباب ، وهذا الخبر
يدل على أنه لا تضعه ، ولعل لفظ " غير " زيد من النساخ كما هو في بعض النسخ ، أو المراد
بالجلباب ما يكشف بوضعه سائر الجسد غير الشعر وما يجوز لهن كشفه إذ قد فسر
بالقميص أيضا .
قوله عليه السلام : وعليه نفقتها لعل المراد أنه يجير الرجال على نفقة النساء كالبنت
[107]
والام وإن كان فقيرا إذا كان قادرا على الكسب بخلاف العكس . والطوب بالضم :
الآجر ، وسيأتي توضيح تلك العلل في الابواب المناسبة لها .
3 - ن : ابن المتوكل ، عن السعدآبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان
قال : سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام يقول : حرم الله الخمر لما فيها من الفساد
ومن تغييرها عقول شاربيها ، وجملها إياهم على إنكار الله عزوجل ، والفرية عليه وعلى
رسله ، وسائر ما يكون منهم من الفساد والقتل : ، والقذف ، والزنا ، وقلة الاحتجاز من
شئ من الحرام ، فبذلك قضينا على كل مسكر من الاشربة أنه حرام محرم ، لانه يأتي
من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر ، فليجتنب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتولانا و
ينتحل مودتنا كل شراب مسكر فإنه لا عصمة بيننا وبين شاربيها . " ص 247 - 248 "
( الفصل الثالث )
* ( في نوادر العلل ومتفرقاتها ) *
1 - ع : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن إسماعيل بن مهران ،
عن أحمد بن محمد بن جابر ، عن زينب بنت علي عليه السلام قالت : قالت فاطمة عليها السلام في خطبتها
في معنى فدك : لله فيكم عهد قدمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله بينة
بصائره ، وآي منكشفة سرائره ، وبرهان متجلية ظواهره ، مديم للبرية استماعه ، و
قائد إلى الرضوان اتباعه ، ومؤد إلى النجاة أشياعه ، فيه تبيان حجج الله المنيرة ، و
محارمه المحرمة ، وفضائله المدونة ، وجمله الكافية ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه
المكتوبة ، وبيناته الجالية ، ففرض الايمان تطهيرا من الشرك ، والصلاة تنزيها من الكبر
والزكاة زيادة في الرزق ، والصيام تثبيتا للاخلاص ، والحج تسلية للدين ، والعدل
مسكا للقلوب ، والطاعة نظاما للملة ، والامامة لما من الفرقة ، والجهاد عزا للاسلام
والصبر معونة على الاستيجاب ، والامر بالمعروف مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية
عن السخط ، ( 1 ) وصلة الارحام منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، والوفاء للنذر
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : من السخط . [ * ]
[108]
تعرضا للمغفرة ، وتوفية المكائيل والموازين تغييرا للبخسة ، واجتناب قذف المحصنات
حجبا عن اللعنة ، واجتناب السرقة إيجابا للعفة ، ومجانبة أكل أموال اليتامى إجارة
من الظلم ، والعدل في الاحكام إيناسا للرعية ، وحرم الله عزوجل الشرك إخلاصا
للربوبية ، فاتقوا الله حق تقاته فيما أمركم به ، وانتهوا عما نهاكم عنه .
قال الصدوق رحمه الله : أخبرنا علي بن حاتم ، عن محمد بن أسلم ، عن عبدالجليل
الباقطاني ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن عبدالله بن محمد العلوي ، عن رجال من
أهل بيته ، عن زينب بنت علي ، عن فاطمة عليها السلام بمثله ، وأخبرني علي بن حاتم أيضا
عن محمد بن أبي عمير ، عن محمد بن عمارة ، عن محمد بن إبراهيم المصري ، عن هارون بن
يحيى الناشب ، عن عبيدالله بن موسى العبسي ، عن عبيدالله بن موسى المعمري ، عن حفص
الاحمر ، عن زيد بن علي ، عن عمته زينب بنت علي ، عن فاطمة عليها السلام بمثله ، وزاد بعضهم
على بعض في اللفظ .
بيان : قولها : وبقية أي من رحمته أقامها مقام نبيكم ، قولها : بصائره أي دلائله
المبصرة الواضحة .
قولها عليها السلام : مديم للبرية استماعه أي ما دام القرآن بينهم لا ينزل عليهم العذاب ،
كما ورد في الاخبار ، هذا إذا قرئ استماعه بالرفع ، وإذا قرئ بالنصب فالمعنى : أنه
يجب على الخلائق استماعه والعمل به إلى يوم القيامة ، أو لا يكرر بتكرر الاستماع
ولا يخلق بكثرة التلاوة .
قولها : اتباعه بصيغة المصدر ليناسب ما تقدمه ، أو الجمع ليوافق ما بعده . وفي
الفقيه : المنورة مكان المنيرة ، والمحدودة مكان المحرمة ، والمندوبة مكان المدونة .
قولها : وشرائعها المكتوبة أي الواجبة أو المقررة . والجالية : الواضحة . قولها :
تثبيتا للاخلاص لانه أمر عدمي ليس فيه رياء . والسناء : الرفعة . قولها : مسكا
للقلوب أي يمسكها عن الخوف والقلق والاضطراب أو عن الجور والظلم .
قولها عليها السلام : والطاعة أي طاعة الله والنبي والامام ، واللم : الاجتماع . قولها
[109]
عليها السلام : معونة على الاستيجاب أي طلب إيجاب المطلوب والظفر به ، وفي بعض
النسخ : الاستنجاب أي طلب نجابة النفس .
قولها عليها السلام : منماة للعدد أي إذا وصلهم أحبوه وأعانوه فيكثر عدد أتباعه
وأحبائه بهم ، أو يزيد الله أولاده وأحفاده ، وسيأتي شرح تمام الخطبة مفصلا في كتاب
الفتن إن شاء الله تعالى .
2 - ع : علي بن حاتم ، عن أحمد بن علي العبدي ، عن الحسن بن إبراهيم الهاشمي ،
عن إسحاق بن إبراهيم الديري ، عن عبد الوراق بن حاتم ، عن معمر بن قتادة ، عن
أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : جاءني جبرئيل فقال لي : يا أحمد الاسلام
عشرة أسهم وقد خاب من لا سهم له فيها : أولها شهادة أن لا إله إلا الله وهي الكلمة
والثانية الصلاة وهي الطهر ، والثالثة الزكاة وهي الفطرة ، والرابعة الصوم وهي الجنة ،
والخامسة الحج وهي الشريعة ، والسادسة الجهاد وهو العز ، والسابعة الامر بالمعروف
وهو الوفاء ، والثامنة النهي عن المنكر وهو الحجة ، والتاسعة الجماعة وهي الالفة ،
والعاشرة الطاعة وهي العصمة .
قال : قال حبيبي جبرئيل ، إن مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابتة ، ( 1 ) الايمان
أصلها ، والصلاة عروقها ، والزكاة ماؤها ، والصوم سعفها ، وحسن الخلق ورقها ،
والكف عن المحارم ثمرها ، فلا تكمل شجرة إلا بالثمر ، كذلك الايمان لا يكمل إلا
بالكف عن المحارم .
ايضاح : قوله صلى الله عليه واله : وهي الكلمة أي هي الكلمة الجامعة التامة التي تستحق
أن تسمى كلمة ، أو هي مع الشهادة بالرسالة التي هي قرينتها كلمة بها يحكم بالاسلام .
قوله صلى الله عليه واله : وهي الطهر أي مطهرة من الذنوب . قوله صلى الله عليه واله : وهي الفطرة
تطلق الفطرة على دين الاسلام لان الناس مفطورون عليه ، والحمل هنا للمبالغة في
بيان اشتراط الايمان بالزكاة .
قوله صلى الله عليه واله : وهي الشريعة أي من أعظم الشرائع ، ولذا سمى الله تعالى تركه
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : نابتة . [ * ]
[110]
كفرا . قوله صلى الله عليه واله : وهو العز أي يوجب عز الدين وغلبته على سائر الاديان . قوله
صلى الله عليه وآله : وهو الوفاء أي بعهد الله حيث أخذ عهودهم على الامر بالمعروف .
قوله صلى الله عليه واله : وهو الحجة أي إتمام الحجة لله على الخلق . قوله صلى الله عليه واله : الجماعة أي
في الصلاة ، أو الاجتماع على الحق . قوله صلى الله عليه واله : وهي العصمة أي تعصم الناس عن الذنوب ،
وعن استيلاء الشيطان ، والسعف بالتحريك : أغصان النخيل .
3 - ع : أبي وابن الوليد ، عن سعد ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ،
عن جميل ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سأله عن شئ من الحلال والحرام فقال : إنه لم
يجعل شئ إلا لشئ .
بيان : أي لم يشرع الله تعالى حكما من الاحكام إلا لحكمة من الحكم ، ولم يحلل
الحلال إلا لحسنه ، ولم يحرم الحرام إلا لقبحه ، لا كما تقوله الاشاعرة من نفي الغرض وإنكار
الحسن والقبح العقليين ، ويمكن أن يعم بحيث يشمل الخلق والتقدير أيضا ، فإنه تعالى
لم يخلق شيئا أيضا إلا لحكمة كاملة وعلة باعثة ، وعلى نسخة الباء أيضا يرجع إلى
ما ذكرنا بأن تكون سببية ، ويحتمل أن تكون للملابسة أي لم يخلق ولم يقدر شيئا في
الدنيا إلا متلبسا بحكم من الاحكام يتعلق به ، وهو مخزون عند أهله من الائمة عليهم السلام .
4 - شى : عن علي بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله : ما من أحد أغير من الله تبارك وتعالى ، ومن أغير ممن حرم الفواحش
ما ظهر منها وما بطن ؟ .
5 - نهج ، قب : قال أمير المؤمنين عليه السلام : فرض الله تعالى الايمان تطهيرا من الشرك
والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيبا للرزق ، والصيام ابتلاءا لاخلاص المحق ،
والحج تقوية للدين ، ( 1 ) والجهاد عزا للاسلام ، والامر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهي
* ( هامش ) * ( 1 ) في النهج : والصيام ابتلاءا لاخلاص الخلق ، والحج تقربة للدين . أي سببا لتقرب أهل الدين
بعضهم من بعض إذ يجتمعون من جميع الاقطار في مقام واحد لغرض واحد . وعلى ما في المتن فالمعنى ظاهر ،
إذا الحج عبادة تستلزم اجتماع أكثر أهل الملة في مجمع واحد على غاية من الذلة والخضوع والانقياد ،
فمن يرى من الملوك وغيرهم هذا المجتمع والمحشد عظم الدين في عينه ولم يطمع فيهم ففى ذلك تقوية
الدين وإعزاز للمسلمين . [ * ]
[111]
عن المنكر ردعا للسفهاء ، وصلة الارحام منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، وإقامة
الحدود إعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل ، ومجانبة السرقة إيجابا
للعفة ، وترك الزنا تحقيقا للنسب ، وترك اللواط تكثيرا النسل ، والشهادات ( 1 ) استظهارا
على المجاحدات ، وترك الكذب تشريفا للصدق ، والسلم أمانا من المخاوف ، والامامة
نظاما للامة ( 2 ) والطاعة تعظيما للسلطان . ( 3 )
6 - قب : مما أجاب الرضا عليه السلام بحضرة المأمون لصباح بن نصر الهندي و
عمران الصابي عن مسائلهما قال عمران : العين نور مركبة أم الروح تبصر الاشياء من
منظرها ؟ قال عليه السلام : العين شحمة وهو البياض والسواد ، والنظر للروح ، دليله أنك
تنظر فيه فترى صورتك في وسطه ، والانسان لا يرى صورته إلا في ماء أو مرآة وما أشبه
ذلك ، قال صباح : فإذا عميت العين كيف صارت الروح قائمة والنظر ذاهب ؟ قال :
كالشمس طالعة يغشاها الظلام ، قالا ( 4 ) : اين تذهب الروح ؟ قال : أين يذهب الضوء الطالع
من الكوة ( 5 ) في البيت إذا سدت الكوة ؟ قال : أوضح لى ذلك ، قال : الروح مسكنها في
الدماغ ، وشعاعها منبث في الجسد بمنزلة الشمس دارتها في السماء وشعاعها منبسط
على الارض ، فإذا غابت الدارة فلا شمس ، وإذا قطعت الرأس فلا روح .
قالا : فما بال الرجل يلتحي دون المرأة ؟ قال عليه السلام ، زين الله الرجال باللحى ،
وجعلها فصلا يستدل بها على الرجال من النساء .
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة من النهج : والشهادة . قيل : هى الموت في نصر الحق ليستعان بذلك على قهر
الجاحدين له فيبطل حجوده . وقيل : هى الاخبار بما شاهده ، وغايتها استظهار المستشهد
على مجاهدة خصمه كى لا يضيع لو لم يكن بينهما شاهد .
( 2 ) وفى نسخة من النهج : والامانات نظاما للامة . قيل : لانه إذا روعيت الامانة في الاعمال
أدى كل عامل ما يجب عليه فتنتظم شؤون الامة ، أما لو كثرت الخياناث فقد فسدت وكثر الاهمال فاختل
النظام .
( 3 ) في النهج : تعظيما للامامة .
( 4 ) في المصدر : قال . م
( 5 ) بضم الكاف وفتحها مع الواو المشددة المفتوحة : الخرق في الحائط . [ * ]
[112]
قال عمران : ما بال الرجل إذا كان مؤنثا والمرأة إذا كانت مذكرة ؟ قال عليه السلام :
علة ذلك أن المرأة إذا حملت وصار الغلام منها في الرحم موضع الجارية كان مؤنثا ، وإذا
صارت الجارية موضع الغلام كانت مذكرة ، وذلك أن موضع الغلام في الرحم مما يلي
ميامنها ، والجارية مما يلي مياسرها ، وربما ولدت المرأة ولدين في بطن واحد فإن
عظم ثدياها جميعا تحمل توأمين ، وإن عظم أحد ثدييها كان ذلك دليلا على أنها تلد واحدا
إلا أنه إذا كان الثدي الايمن أعظم كان المولود ذكرا ، وإذا كان الايسر أعظم كان
المولود انثى ، وإذا كانت حاملا فضمر ( 1 ) ثديها الايمن فإنها تسقط غلاما ، وإذا ضمر
ثديها الايسر فإنها تسقط انثى ، وإذا ضمرا جميعا تسقطهما جميعا . قالا : من أي شئ
الطول والقصر في الانسان ؟ فقال : من قبل النطفة إذا خرجت من الذكر فاستدارت جاء
القصر ، وإن استطالت جاء الطول .
قال صباح : ما أصل الماء ؟ قال عليه السلام : أصل الماء خشية الله ، بعضه من السماء و
يسلكه في الارض ينابيع ، وبعضه ماء عليه ( 2 ) الارضون ، وأصله واحد عذب فرات .
قال : فكيف منها عيون نفط وكبريت وقار ( 3 ) وملح وأشباه ذلك ؟ قال : غيره
الجوهر وانقلبت كانقلاب العصير خمرا ، وكما انقلبت الخمر فصارت خلا ، وكما
يخرج من بين فرث ودم لبنا خالصا .
قال : فمن أين أخرجت أنواع الجواهر ؟ قال : انقلب منها كانقلاب النطفة علقة ثم
مضغة ثم خلقة مجتمعة مبنية على المتضادات الاربع .
قال عمران : إذا كانت الارض خلقت من الماء والماء بارد رطب فكيف صارت
الارض باردة يابسة ؟ قال : سلبت النداوة فصارت يابسة .
قال : الحر أنفع أم البرد ؟ قال : بل الحر أنفع من البرد ، لان الحر من حر الحيات
والبرد من برد الموت وكذلك السموم القاتلة الحار منها أسلم وأقل ضررا من السموم
الباردة .
* ( هامش ) * ( 1 ) أى هزل ودق وقل لحمه . ( 2 ) في نسخة : علته .
( 3 ) في المصدر : فكيف منها عيون نفط وكبريت ومنها قار . والقار مادة سوداء تطلى بها السفن
يقال بالفارسية : قير . [ * ]
[113]
وسألاه عن علة الصلاة فقال : طاعة أمرهم بها ، وشريعة حملهم عليها ، وفي الصلاة
توقير له وتبجيل وخضوع من العبد إذا سجد ، والاقرار بأن فوقه ربا يعبده و
يسجد له .
وسألاه عن الصوم فقال عليه السلام : امتحنهم بضرب من الطاعة كيما ينالوا بها عنده
الدرجات ليعرفهم فضل ما أنعم عليهم من لذة الماء وطيب الخبز ، وإذا عطشوا يوم
صومهم ذكروا يوم العطش الاكبر في الآخرة وزادهم ذلك رغبة في الطاعة .
وسألاه لم حرم الزنا ؟ قال : لما فيه من الفساد ، وذهاب المواريث ، وانقطاع
الانساب ، لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها ؟ ولا المولود يعلم من أبوه ؟ ولا أرحام موصولة ،
ولا قرابة معروفة . " ص 406 - 407 "
بيان : الدارة : الحلقة والشعر المستدير على قرن الانسان ، أو موضع الذؤابة
اطلقت هنا على جرم الشمس مجازا . قوله عليه السلام : خشية الله أي لما نظر الله بالهيبة في
الدرة صارت ماءا كما ورد في الخبر ، والنظر مجاز ، فلذا نسب الماء إلى الخشية
ويحتمل أن يكون تصحيف خلقة الله .
7 - ين : فضالة ، عن أبان ، عن زياد بن أبي رجاء ، ( 1 ) عن أبي عبيدة ، عن أبي


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 113 سطر 15 إلى صفحه 121 سطر 15

سخيلة ، ( 2 ) عن سلمان قال : بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه واله إذا قصد له رجل فقال :
* ( هامش ) * ( 1 ) قال النجاشى في ص 122 من رجاله : زياد بن عيسى أبوعبيدة الحذاء كوفي ، مولى
ثقة ، روى عن أبى جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام ، واخته حمادة بنت رجاء . وقيل : بنت الحسن
روت عن أبى عبدالله ، قاله ابن نوح ، عن أبى سعيد . وقال الحسن بن على بن فضال : ومن أصحاب
أبى جعفر ابوعبيدة الحذاء واسمه زياد ، مات في حياة أبى عبدالله عليه السلام . قال سعد بن عبدالله
الاشعري : ومن أصحاب أبى جعفر أبوعبيدة وهو زياد بن أبى رجاء ، كوفى ، ثقة ، صحيح ، واسم
أبى رجاء منذر ، وقيل : زياد بن أحرم ولم يصح . وقال العقيقى العلوى : أبوعبيدة زياد الحذاء ،
وكان حسن المنزلة عند آل محمد صلى الله عليه وعليهم وكان زامل أبا جعفر عليه السلام إلى مكة ،
وله كتاب يرويه على بن رئاب . انتهى . أقول : الظاهر من كلام النجاشى اتحاد زياد بن أبى رجاء وأبى
عبيدة الحذاء ، فعليه يحتمل إما زيادة كلمة ( عن ) في السند وإرساله لغرابة رواية زياد وهو من أصحاب
الصادقين عليهما السلام عن أبى سخيلة وهو من أصحاب على عليه السلام ، وإما كون أبى عبيدة كنية لشخص
آخر مجهول غير الحذاء ، وفى نسخة من البحار عن عبيدة باسقاط كلمة " أبى " .
( 2 ) مصغرا ، وحكى المامقانى في فصل الكنى عن رجال البرقى أن اسمه عاصم بن طريف ، وأنه
مجهول من أصحاب على عليه السلام . [ * ]
[114]
يارسول الله المملوك ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : ابتلى بك وبليت به لينظر الله عزوجل كيف
تشكر ، وينظر كيف يصبر .
8 - ين : ابن أبى عمير ، عن منصور بن يونس ، عن الثمالي ، عن أحدهما عليهما السلام
قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : إن من عبادي من يسألني الشئ من طاعتي لاحبه
فأصرف ذلك عنه لكي لا يعجبه عمله .
9 - ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم ، عن علي بن
عبدالله بن الحسين بن علي بن الحسين ، عن علي بن القاسم بن الحسين بن زيد ، عن أبيه ، عن
جده الحسين ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله : لولا أن الذنب خير للمؤمن من العجب ما خلى الله عزوجل بين
عبده المؤمن وبين ذنب أبدا . " ص 16 "
* ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن ابن أسباط رفعه
إلى أبى عبدالله عليه السلام مثله .
10 - نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله سبحانه وضع الثواب على طاعته
والعقاب على معصيته زيادة لعباده عن نقمته ، وحياشة لهم إلى الجنة . ( 1 )
11 - وقال عليه السلام في القاصعة : وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة
والجزاء أجزل ، ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الاولين من لدن آدم صلوات الله عليه
إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها
بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ، ثم وضعه بأوعر ( 2 ) بقاع الارض حجرا ، وأقل
نتائق ( 3 ) الدنيا مدرا " إلى قوله " : ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ، و
* ( هامش ) * ( * ) من هنا إلى آخر الباب سقط عن طبع أمين الضرب وهو موجود في نسخة المصنف بخطه الشريف .
( 1 ) من حاش الابل : جمعها وساقها .
( 2 ) الوعر بالتسكين : الصعب : ضد السهل .
( 3 ) النتائق جمع نتيقة : البقاع المرتفعة ، سميت مكة بذلك لارتفاعها وارتفاع بنائها وشهرتها
وعلوها من الارض . [ * ]
[115]
يتعبدهم بألوان المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، أخراجا للتكبر من قلوبهم ، و
إسكانا للتذلل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبوابا فتحا ( 1 ) إلى فضله ، وأسبابا ذللا لعفوه ،
فالله الله في عاجل البغي ، وآجل وخامة الظلم وسوء عاقبة الكبر " إلى قوله عليه السلام " :
وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات ومجاهدة الصيام في الايام
المفروضات تسكينا لاطرافهم ، ( 2 ) وتخشيعا لابصارهم ، وتذليلا لنفوسهم ، وتخفيضا
لقلوبهم ، وإذهابا للخيلاء عنهم ، لما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه ( 3 ) بالتراب
تواضعا ، وإلصاق كرائم الجوارح بالارض تصاغرا ، ولحوق البطون بالمتون ( 4 ) من
الصيام تذللا ، مع ما في الزكاة من صرف ثمرات الارض وغير ذلك إلى أهل المسكنة
والفقر ، انظروا إلى ما في هذه الافعال من قمع نواجم الفخر ، وقدع طوالع الكبر . ( 5 )
إلى آخر ما سيأتي مشروحا في آخر المجلد الخامس . ( 6 )
* ( هامش ) * ( 1 ) بضمتين أى مفتوحة موسعة
( 2 ) المراد بالاطراف هنا الايدى والارجل .
( 3 ) عتاق الوجوه : كرامها وحسانها ، وهو جمع عتيق من عتق : إذا رقت بشرته .
( 4 ) المتون : الظهور . ( 5 ) القمع : القهر . النواجم : الطوالع جمع ناجمة . القدع : الكف والمنع .
( 6 ) وهو كتاب النبوة ، في باب ما ورد بلفظ نبى من الانبياء وبعض نوادر أحوالهم . [ * ]
[116]
( أبواب الموت )
* ( وما يلحقه إلى وقت البعث والنشور ) *
( باب 1 )
* ( حكمة الموت وحقيقته ، وما ينبغي أن يعبر عنه ) *
الايات ، الملك : " 67 " الذي خلق الموت والحياة ليبولكم أيكم أحسن عملا
وهو العزيز الغفور " 3 " .
تفسير : قال الطبرسي : أي خلق الموت للتعبد بالصبر عليه ، والحياة للتعبد
بالشكر عليها ، أو الموت للاعتبار ، والحياة للتزود ، وقيل قدم الموت لانه إلى القهر
أقرب ، أو لانه أقدم . " ليبلوكم " أي ليعاملكم معاملة المختبر بالامر والنهي فيجازي
كلا بقدر عمله ، وقيل : ليبلوكم أيكم أكثر ذكرا للموت ، وأحسن له استعداد ، و
عليه صبرا ، وأكثر امتثالا في الحياة .
1 - لى : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن
سالم قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إن قوما أتوا نبيا لهم فقالوا : ادع لنا ربك ( 1 )
يرفع عنا الموت ، فدعا لهم فرفع الله تبارك وتعالى منهم الموت ، وكثروا حتى ضاقت
بهم المنازل وكثر النسل ، وكان الرجل يصبح فيحتاج أن يطعم أباه وامه وجده
وجد جده ، ويوضيهم ( 2 ) ويتعاعدهم فشغلوا عن طلب المعاش فأتوه فقالوا : سل
ربك أن يردنا إلى آجالنا التي كنا عليها ، فسأل ربه عزوجل فردهم إلى آجالهم .
" ص 305 "
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ربنا . م
( 2 ) أى ينظفهم . وفى المصدر : يرضيهم [ * ]
[117]
كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير مثله . ( 1 ) " في ج 1 ص 72 "
2 - كا : محمد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة ،
عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : الحياة والموت خلقان من
خلق الله ، فإذا جاء الموت فدخل في الانسان لم يدخل في شئ إلا وخرجت ( 2 ) منه
الحياة . " ف ج 1 ص 71 "
3 - كا : العدة ، عن سهل ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن سكين قال : سئل
أبوعبدالله عليه السلام عن الرجل يقول : استأثر الله بفلان ، فقال : ذا مكروه ، فقيل : فلان
يجود بنفسه ، فقال : لا بأس ، أما تراه يفتح فاه عند موته مرتين أو ثلاثا ، فذلك حين يجود
بها لما يرى من ثواب الله عزوجل وقد كان بها ضنينا . " ف ج 1 ص 72 "
بيان : قال الجزري : الاستيثار : الانفراد بالشئ ، ومنه الحديث : إذا استأثر
الله بشئ فاله عنه انتهى . أقول : لعل كراهة ذلك لاشعاره بأنه قبل ذلك لم يكن الله
متفردا بالقدرة والتدبير فيه ، أو لايمائه إلى افتقاره سبحان بذلك وانتفاعه تعالى به .
4 - ع : عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنما صار الانسان يأكل ويشرب بالنار ،
ويبصر ويعمل بالنور ، ويسمع ويشم بالريح ، ويجد الطعام والشراب بالماء ، ويتحرك
بالروح - وساق الحديث إلى أن قال - : فهكذا الانسان خلق من شأن الدنيا وشأن
الآخرة ، فإذا جمع الله بينهما صارت حياته في الارض لانه نزل من شأن السماء إلى الدنيا ،
فإذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت ، ترد شأن الاخرى إلى السماء ، فالحياة في
الارض ، والموت في السماء ، وذلك أنه يفرق بين الارواح والجسد ، فردت الروح
والنور إلى ( 3 ) القدس الاولى ، وترك الجسد لانه من شأن الدنيا ، وإنما فسد
الجسد في الدنيا لان الريح تنشف الماء فييبس فيبقى الطين فيصير رفاتا ويبلى ، ويرجع
* ( هامش ) * ( 1 ) الا أن فيه : فردهم إلى حالهم . م
( 2 ) في المصدر : وقد خرجت . م
( 3 ) في المصدر : إلى القدرة ( القدس خ ل ) الاولى . م [ * ]
[118]
كل إلى جوهره الاول ، وتحركت الروح ( 1 ) بالنفس حركتها من الريح ، فما كان من
نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل ، وما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكر ، ( 2 )
فهذه صورة نار ، وهذه صورة نور ، والموت رحمة من الله لعباده المؤمنين ، ونقمة على
الكافرين . " ج 2 ص 47 "
أقول : سيأتي الخبر بتمامه وأسناده وشرحه في كتاب السماء والعالم .
* 5 - دعوات الراوندي : قال النبي صلى الله عليه واله : لولا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شئ :
المرض ، والموت ، والفقر ، وكلهن فيه وإنه لمعهن وثاب .
( باب 2 )
* ( علامات الكبر وأن ما بين الستين إلى السبعين معترك المنايا ) *
* ( وتفسير ارذل العمر ) *
الايات ، النحل " 16 " والله خلقكم ثم يتوفيكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر
لكيلا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير 70 .
الحج " 22 " يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب
ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام
ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم
من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا 5 .
يس " 36 " ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون 68 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " إلى أرذل العمر " أي أدون العمر وأوضعه ، أي يبقيه
حتى يصير إلى حال الهرم والخوف فيظهر النقصان في جوارحه وحواسه وعقله .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : وحركت ( تحركت خ ل ) الارواح ( الروح خ ل ) .
( 2 ) في المصدر : النكر له . م
( * ) سقط هذا الخبر عن طبع أمين الضرب وهو موجود في نسخة المصنف بخطه الشريف . [ * ]
[119]
وروي عن علي عليه السلام أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة . وروي مثل ذلك عن
النبي صلى الله عليه واله . وعن قتادة تسعون سنة .
" لكيلا يعلم بعد علم شيئا " أي ليرجع إلى حال الطفولية بنسيان ما كان علمه
لاجل الكبر فكأنه لا يعلم شيئا مما كان عليه ، وقيل : ليقل علمه بخلاف ما كان عليه
في حال شبابه .
1 - ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبى عمير ، عن ابن
عبدالحميد ، عن الصباح مولى أبي عبدالله عليه السلام قال : كنت مع أبي عبدالله عليه السلام فلما
مررنا باحد قال : ترى الثقب الذي فيه ؟ قلت : نعم ، قال : أما أنا فلست أراه ، وعلامة
الكبر ثلاث : كلال البصر ، وانحناء الظهر ، ورقة القدم . " ج 1 ص 44 " .
2 - مع : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن ابن عبدالحميد ،
عمن حدثه قال : مات رجل من آل أبي طالب لم يكن حضره أبوالحسن عليه السلام ، فجاءه
قوم فلما جلس أمسك القوم كأن على رؤوسهم الطير ، فكانوا في ذكر الفقراء ( 1 ) والموت
فلما جلس قال ابتداءا منه : قال رسول الله صلى الله عليه واله : ما بين الستين إلى السبعين معترك
المنايا ، ثم قال عليه السلام : الفقراء محن الاسلام . " ص 114 " .
3 - فس : محمد بن جعفر ، عن محمد بن أحمد ، عن العباس ، عن ابن أبي نجران محمد بن القاسم ، عن علي بن المغيرة ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام قال : إذا بلغ العبد
مائة سنة فهي أرذل العمر .
4 - ل : روي أنه إذا بلغ المائة فذلك أرذل العمر . " ج 2 ص 115 " .
5 - وروي : أن أرذل العمر أن يكون عقله عقل ابن سبع سنين . ( 2 ) " ج 2 ص 115 "
6 - ف : عن أبي الحسن الثالث عليه السلام أنه قال يوما : إن أكل البطيخ يورث
الجذام ، فقيل له : أليس قد أمن المؤمن إذا أتى عليه أربعين سنة من الجنون والجذام
والبرص ؟ قال : نعم ، ولكن إذا خالف المؤمن ما امر به ممن آمنه لم يأمن أن تصيبه
عقوبة الخلاف . " 473 "
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : الفقر . وكذا في الفقرة الاخيرة . م
( 2 ) في المصدر : عقل سبع سنين . م [ * ]
[120]
7 - شى : عن أبي بصير قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إذا بلغ العبد ثلاثا وثلاثين
سنة فقد بلغ أشده ، وإذا بلغ أربعين سنة فقد انتهى منتهاه ، وإذا بلغ إحدى وأربعين
فهو في النقصان ، وينبغي لصاحب الخمسين أن يكون كمن هو في النزع .
* 8 - دعوات الراوندي : قال النبى صلى الله عليه واله : المسلم إذا ضعف من الكبر يأمر الله الملك
أن يكتب له في حاله تلك ما كان يعمل وهو شاب نشيط مجتمع .
9 - نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام : العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم
ستون سنة .
( باب 3 )
* ( الطاعون والفرار منه ( 1 ) ) *
الايات ، البقرة " 2 " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت
فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس
لا يشكرون . " ص 243 "
تفسير : قيل : نزلت في أهل داوردان قرية قبل واسط ، وقع فيهم طاعون فخرجوا
هاربين فأماتهم الله ، فمر بهم حزقيل ( 2 ) وقد عريت عظامهم وتفرقت أوصالهم فتعجب
من ذلك ، فأوحى الله إليه : ناد فيهم أن قوموا بإذن الله ، فنادى فقاموا يقولون : سبحانك
اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ، وقيل : نزلت في قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى
الجهاد ففر واحذر الموت فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم .
* ( هامش ) * ( * ) سقط هذا الخبر وتاليه عن طبع أمين الضرب وهما موجودان في نسخة المصنف بخطه الشريف .
( 1 ) الطاعون : مرض معروف ، هو بثر وورم مؤلم جدا ، يخرج مع لهب ، ويسود ما حواليه أو
يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة ، ويحصل معه خفقان القلب والقئ ، ويخرج في المراق و
الاباط غالبا والايدى والاصابع وسائر الجسد . قاله النووى في تهذيب الاسماء واللغات .
( 2 ) هو حزقيل بن بورى ويلقب بابن العجوز ، من سلالة لاوى أحد أنبياء بنى إسرائيل ، يأتى
ذكره في كتاب النبوة . [ * ]
[121]
1 - ن : المفسر ، عن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن أبي محمد العسكري ، عن آبائه
عليهم السلام قال : قيل للصادق عليه السلام : أخبرنا عن الطاعون ، فقال : عذاب الله لقوم ، ( 1 ) ورحمة
لآخرين ، قالوا : وكيف تكون الرحمة عذابا ؟ قال : أما تعرفون أن نيران جهنم عذاب
على الكفار ، وخزنة جهنم معهم فيها فهي رحمة عليهم . " ص 179 "
ع : المفسر ، عن أحمد بن الحسن ، عن الحسن بن علي الناصر ، عن أبيه ، عن
الجواد ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام مثله . " ص 108 "
2 - ن : بالاسانيد الثلاثة ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال علي عليه السلام :
الطاعون ميتة وحية . " ص 207 "
صح : عنه عليه السلام مثله .
بيان : وحية أي سريعة .
3 - ع : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن ابن محبوب ، عن
عاصم بن حميد ، عن علي بن المغيرة قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : القوم يكونون في البلد
يقع فيها الموت ، ألهم أن يتحولوا عنها إلى غيرها ؟ قال : نعم ، قلت : بلغنا أن رسول
الله صلى الله عليه واله عاب قوما بذلك ، فقال : اولئك كانوا رتبة بإزاء العدو فأمرهم رسول الله صلى الله عليه واله
أن يثبتوا في موضعهم ، ولا يتحولوا منه إلى غيره ، فلما وقع فيهم الموت تحولوا من


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 121 سطر 16 إلى صفحه 129 سطر 16

ذلك المكان إلى غيره ، فكان تحويلهم من ذلك المكان إلى غيره كالفرار من الزحف .
" ص 176 "
بيان : في بعض النسخ رئية بالهمزة من الرؤية أي كانوا تيراؤون العدو ويترقبونهم ،
وفي بعضها رتبة بالتاء قبل الباء الموحدة ، أي رتبوا واثبتوا بإزاء العدو .
4 - مع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن
أبان الاحمر قال : سأل بعض أصحابنا أبا الحسن عليه السلام عن الطاعون يقع في بلدة وأنا
فيها ، أتحول عنها ؟ قال : نعم ، قال : ففي القرية وأنا فيها أتحول عنها ؟ قال : نعم ،
قال : ففي الدار وأنا فيها أتحول عنها ؟ قال : نعم ، قلت : فإنا نتحدث أن رسول الله
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : عذاب لقوم . [ * ]
[122]
صلى الله عليه وآله قال : الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه واله
إنما قال هذا في قوم كانوا يكونون في الثغور في نحو العدو . فيقع الطاعون فيخلون
أماكنهم ويفرون منها ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله ذلك فيهم . " ص 74 "
5 - وروي : أنه إذا وقع الطاعون في أهل مسجد فليس لهم أن يفروا منه إلى
غيره . " ص 74 "
بيان : يمكن أن يكون الرواية الاخيرة على تقدير صحتها محمولة على الكراهة
جمعا بينها وبين ما سبق ، والظاهر أن لخصوصية المسجد مدخلا وليس لبيان الفرد
الخفي لما رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل ، عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته
عن الوباء ( 1 ) يقع في الارض هل يصلح للرجال أن يهرب منه ؟ قال : يهرب منه ما لم
يقع في مسجده الذي يصلي فيه ، فإذا وقع في أهل مسجده الذي يصلي فيه فلا يصلح
الهرب منه .
6 - ن : جعفر بن علي بن أحمد ، عن الحسن بن محمد بن علي ، عن محمد بن علي ، عن
محمد بن عمر بن عبدالعزيز ، عمن سمع الحسن بن محمد النوفلي ، عن الرضا عليه السلام قال : إن
قوما من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم الوف حذر الموت فأماتهم الله
في ساعة واحدة ، فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة ( 2 ) فلم يزالوا فيها حتى
نخرت عظامهم ( 3 ) فصاروا رميما ، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم
ومن كثرة العظام البالية ، فأوحى الله عزوجل إليه : أتحب أن احييهم لك فتنذرهم ؟
فقال : نعم يارب ، فأوحى الله عزوجل : أن نادهم ، فقال : أيتها العظام البالية ! قومي
بإذن الله عزوجل ، فقاموا أحياءا أجمعون ينفضون التراب عن رؤرسهم . " ص 90 - 91 "
7 - كا : محمد بن يحيى يرفعه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : دعا نبي من الانبياء
على قومه فقيل : له اسلط عليهم عدوهم ؟ فقال : لا ، فقيل له : فالجوع ؟ فقال : لا ،
* ( هامش ) * ( 1 ) قال ابن منظور في لسان العرب : الوباء : الطاعون بالقصر والمد والهمز ، وقيل : هو
كل مرض عام .
( 2 ) الحظيرة : ما يحاط بالشئ خشبا أو قصبا .
( 3 ) أى بليت وتفتت . [ * ]
[123]
فقيل له : ما تريد ؟ فقال : موت دفيف يحزن القلب ويقل العدد : فأرسل عليهم الطاعون .
" ف ج 1 ص 72 "
8 - فس : " ألم تر إلى الذين خرجوا " الآية قال : إنه كان وقع طاعون بالشام
في بعض المواضع فخرج منهم خلق كثير هربا من الطاعون فصاروا إلى مفازة فماتوا في
ليلة واحدة كلهم ، وكانوا حتى أن المار في تلك الطرق كان ينحي عظامهم برجله عن
الطريق ، ثم أحياهم الله عزوجل وردهم إلى منازلهم وعاشوا دهرا طويلا ثم ماتوا و
دفنوا . " ص 70 "
9 - كا : العدة ، عن سهل ، عن ابن محبوب ، عن عمر بن يزيد ، وغيره عن بعضهم ،
عن أبي عبدالله عليه السلام ، وبعضهم عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل : " ألم تر إلى الذين
خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " فقال : إن
هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام ، وكانوا سبعين ألف بيت ، وكان الطاعون يقع فيهم
في كل أوان فكانوا إذا أحسوا به خرج من المدينة الاغنياء لقوتهم ، وبقي فيها الفقراء
لضعفهم ، فكان الموت يكثر في الذين أقاموا ، ويقل في الذين خرجوا ، فيقول الذين
خرجوا : لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت ، ويقول الذين أقاموا : لو كنا خرجنا لقل فينا
الموت ، قال : فاجمع رأيهم جميعا أنه إذا وقع الطاعون وأحسوا به خرجوا كلهم من
المدينة ، فلما أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا وتنحوا عن الطاعون حذر الموت ، فساروا
في البلاد ما شاء الله ، ثم إنهم مروا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون
فنزلوا بها فلما حطوا رحالهم واطمأنوا بها قال الله عزوجل : موتوا جميعا ، فماتوا من
ساعتهم وصاروا رميما عظاما تلوح وكانوا على طريق المارة فكنستهم المارة فنحوهم
وجمعوهم في موضع ، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له : حزقيل فلما رأى
تلك العظام بكى واستعبر ، ( 1 ) وقال : يارب ! لو شئت لاحييتهم الساعة كما أمتتهم فعمروا
بلادك ، وولدوا عبادك ، وعبدوك مع من يعبدك من خلقك ، فأوحى الله تعالى إليه : أفتحب
* ( هامش ) * ( 1 ) أى جرت عبرته أى دمعته . [ * ]
[124]
ذلك ؟ فقال : نعم يارب فأحيهم ، قال : فأوحى الله عزوجل إليه : قل : كذا وكذا ،
فقال الذي أمره الله عزوجل أن يقوله - فقال أبوعبدالله عليه السلام : وهو الاسم الاعظم -
فلما قال حزقيل ذلك الكلام نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض فعادوا أحياءا ينظر
بعضهم إلى بعض ، يسبحون الله عز ذكره ، ويكبرونه ويهللونه ، فقال حزقيل عند ذلك :
أشهد أن الله على كل شئ قدير . قال عمر بن يزيد : فقال أبوعبدالله عليه السلام : فيهم نزلت
هذه الآية .
10 - دعوات الراوندي ، سئل زين العابدين عليه السلام عن الطاعون : أنبرأ ممن يلحقه
فإنه معذب ؟ فقال عليه السلام : إن كان عاصيا فابرأ منه ، طعن أو لم يطعن ، ( 1 ) وإن كان لله
عزوجل مطيعا فإن الطاعون مما تمحص به ذنوبه ، إن الله عزوجل عذب به قوما ،
ويرحم به آخرين ، واسعة قدرته لما يشاء ، أما ترون أنه جعل الشمس ضياءا لعباده و
منضجا لثمارهم ومبلغا لاقواتهم ؟ وقد يعذب بها قوما يبتليهم بحرها يوم القيامة
بذنوبهم وفي الدنيا بسوء أعمالهم .
( باب 4 )
* ( حب لقاء الله وذم الفرار من الموت ) *
الايات ، البقرة " 2 " قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون
الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم
بالظالمين * ولتجدنهم أحرص الناس على حيوة ومن الذين أشركوا يود أحدهم
لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون 94 - 96 .
آل عمران " 3 " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم
تنظرون 143 " وقال تعالى " : الذين قالوا لاخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل
فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين 168 .
* ( هامش ) * ( 1 ) أى أصابه الطاعون أولا . [ * ]
[125]
النساء " 4 " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة 78 .
يونس " 10 " إن الذين لا يرجون لقائنا ورضوا بالحياة الدنيا وأطمأنوا بها
والذين هم عن آياتنا غافلون * اولئك مأويهم النار بما كانوا يكسبون 7 - 8 .
الاحزاب " 33 " قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون
إلا قليلا . 16
الجمعة " 62 " قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس
فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين *
قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة
فينبئكم بما كنتم تعملون 6 - 8 .
تفسير : " خالصة " أي خاصة بكم ، والخطاب لليهود لقولهم : " لن يدخل الجنة
إلا من كان هودا " . " فتمنوا الموت " لانه من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاقها وأحب
التخلص إليها من الدار ذات الشوائب " بما قدمت أيديهم " أي من موجبات النار ، و
روي أنهم لو تمنوا الموت لغص ( 1 ) كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه
الارض يهودي " ومن الذين أشركوا " أي أحرص منهم ، أو خبر مبتداء محذوف ،
صفته " يود أحدهم " أي ومنهم ناس يود أحدهم ، وعلى هذا أيضا يحتمل أن يكون
المراد بالمشركين اليهود لقولهم : " عزير ابن الله " والزحزحة : التبعيد ، ويحتمل أن
يكون المراد عذاب الآخرة أو الاعم فيكون الزحزحة كناية عن رفعه عنهم ، إذ بمقدار
زيادة العمر يبعد عنهم عذاب البرزخ " ولقد كنتم تمنون الموت " أي الحرب فإنها
من أسباب الموت ، أو الموت بالشهادة ، وهو توبيخ لمن لم يشهد بدرا وتمنى الجهاد
ثم شهد احدا وفر " لا يرجون لقائنا " أي لا يتوقعونه لانكارهم البعث ، أو لا يخافون
عقابنا ، إذ قد يكون الرجاء بمعنى الخوف " فتمنوا الموت " الخطاب وإن توجه ظاهرا
إلى اليهود لكنه تعريض عام لكل من يدعي ولاية الله ويكره الموت .
1 - فس : " فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " قال : إن في التورة مكتوب :
* ( هامش ) * ( 1 ) غص بالطعام أو الماء اعترض في حلقه شئ منه فمنعه التنفس . [ * ]
[126]
أولياء الله يتمنون الموت ، ثم قال : " إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم " .
" ص 679 " .
2 - ين : ابن أبي عمير ، عن الحكم بن أيمن عن داود الابزاري ، عن أبي جعفر
عليه السلام قال : ينادي مناد كل يوم : لد للموت واجمع للفناء وابن للخراب . ( 1 )
3 - ين : ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن أبي عبيدة قال : قلت لابي جعفر عليه السلام :
جعلت فداك حدثني بما أنتفع به ، فقال : يا أبا عبيدة ما أكثر ذكر الموت إنسان إلا زهد
في الدنيا .
4 - ين : علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن داود ، عن زيد بن أبي شيبة
الزهري ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : الموت ، الموت ، جاء الموت
بما فيه ، جاء بالروح والراحة والكرة المباركة إلى جنة عالية لاهل دار الخلود الذين
كان لها سعيهم وفيها رغبتهم ، وجاء الموت بما فيه ، جاء بالشقوة والندامة والكرة
الخاسرة إلى نار حامية ( 2 ) لاهل دار الغرور الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم .
5 - وقال : إذا استحقت ولاية الشيطان والشقاوة جاء الامل بين العينين و
ذهب الاجل وراء الظهر .
6 - قال : وقال : سئل رسول الله صلى الله عليه واله : أي المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم ذكرا
للموت ، وأشدهم استعدادا له .
7 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر ،
والاجل مساق النفس إليه ، والهرب منه موافاته .
أقول : سيأتي شرحه في باب شهادة أميرالمؤمنين عليه السلام . ( 3 )
* ( هامش ) * ( 1 ) اللام في الجمل الثلاثه للعاقبة .
( 2 ) في نسخة : خاصة .
( 3 ) قال رضى الله عنه هناك : قوله : كل امرء لاق في فراره أى من الامور المقدرة الحتمية
كالموت ، قال الله تعالى : " قل إن الموت الذى تفرون منه فانه ملاقيكم " وإنما قال عليه السلام : في
فراره ، لان كل أحد يفر دائما من الموت وإن كان تبعدا ، والمساق مصدر ميمى ، فيحتمل أن يكون
المراد بالاجل منتهى العمر والمساق ما يساق إليه ، وأن يكون المراد به المدة فالمساق زمان السوق * [ * ]
[127]
8 - لي : الدقاق عن محمد بن هارون عن عبيدالله بن موسى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن
محصن ، عن ابن ظبيان ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام قال : لما أراد الله
تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم عليه السلام أهبط الله ملك الموت ، فقال : السلام عليك يا
إبراهيم ! قال : وعليك السلام ياملك الموت أداع أم ناع ؟ قال : بل داع يا إبراهيم ؟
فأجب ، قال إبراهيم : فهل رأيت خليلا يميت خليله ؟ قال : فرجع ملك الموت حتى وقف
بين يدي الله جل جلاله فقال : إلهي قد سمعت ما قال خليلك إبراهيم ، فقال الله جل جلاله
ياملك الموت إذهب إليه وقل له : هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه ؟ إن الحبيب يحب
لقاء حبيبه . " ص 118 "
9 - ل : ابن المغيرة ، عن جده ، عن جده ، عن السكوني ، عن الصادق ، عن أبيه
عليهما السلام قال أتى النبي صلى الله عليه واله رجل فقال : ما لي لا احب الموت ؟ فقال له : ألك
مال ؟ قال نعم ، قال : فقدمته ؟ قال : لا ، قال : فمن ثم لا تحب الموت . " ج 1 ص 10 "
10 - ل : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن حمزة بن حمران ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : لم يخلق الله عزوجل يقينا لاشك فيه أشبه بشك لا يقين فيه
من الموت . " ج 1 ص 10 "
11 - ل : الفامي وابن مسرور معا ، عن ابن بطة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن
أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام قال : سئل أميرالمؤمنين
عليه السلام : بماذا أحببت لقاء الله ؟ قال : لما رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه
علمت أن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحببت لقائه . ج 1 ص 14 "
12 - يد : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن أ بى الجارود
عن أبي جعفر ، عن آبائه عليهم السلام مثله .
* ( هامش ) * * وقوله عليه السلام : والهرب منه موافاته من حمل اللازم على الملزوم ، فان الانسان ما دام يهرب
من موته بحركات وتصرفات يفنى عمره فيها فكان الهرب منه موافاته ، والمعنى : أنه إذا قدر زوال
عمر أو دولة فكل ما يدبره الانسان لرفع ما يهرب منه يصير سببا لحصوله ، إذ تأثير الادوية و
الاسباب باذنه تعالى ، مع أنه عند حلول الاجل يصير أحذق الاطباء أجهلهم ويغفل عما ينفع المريض
وهكذا في سائر الامور انتهى . [ * ]
[128]
13 - ل : الخليل ، عن أبي العباس السراج ، عن قتيبة ، عن عبدالعزيز ، عن
عمرو بن أبي عمرو ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه واله
قال : شيئان يكرههما ابن آدم : يكره الموت والموت راحة للمؤمن من الفتنة ، ويكره
قلة المال وقلة المال أقل للحساب . " ج 1 ص 37 "
14 - ل : أبي ، عن سعد ، عن الاصبهاني ، عن المنقري ، عن غير واحد ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : من أحب الحياة ذل .
15 - ن : المفسر ، عن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن أبي محمد العسكري ،
عن آبائه عليهم السلام قال : جاء رجل إلى الصادق عليه السلام فقال : قد سئمت الدنيا فأتمني على الله
الموت ، فقال : تمن الحياة لتطيع لا لتعصي ، فلان تعيش فتطيع خير لك من أن تموت
فلا تعصي ولا تطيع . " ص 179 "
16 - ما : ابن مخلد ، عن أبي عمرو ، عن الحارث بن محمد ، عن الواقدي محمد بن عمر
عن عبدالله بن جعفر الزهري ، عن يزيد بن الهاد ، عن هند بنت الحارث الفراسية ، ( 1 )
عن ام الفضل ( 2 ) قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه واله على رجل يعوده وهو شاك فتمنى الموت
فقال رسول الله صلى الله عليه واله : لا تتمن الموت فإنك إن تك محسنا تزدد إحسانا إلى إحسانك
وإن كنت ( 3 ) مصيئا فتؤخر لتستعتب فلا تمنوا الموت . " ص 245 "
* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر الفاء وتخفيف الراء بعدها مهملة . ويقال : القرشية ، أوردها ابن حجر في فصل
النساء من التقريب ، ووثقها .
( 2 ) اسمها لبابة بتخفيف الباء ، بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم الهلالية ، زوج العباس
ابن عبدالمطلب ، واخت ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وآله ، عدها الشيخ في رجاله من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله . وقيل : إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة ، حكى عن ابن حبان أنها
ماتت بعد العباس في خلافة عثمان ، وأوردها النسابة البغدادى محمد بن حبيب ابن امية بن عمرو الهاشمى
المتوفى سنة 245 في كتابه المحبر في فصل المنجبات من النساء فقال : ولدت الفضل : الردف ،
وعبدالله الحبر ، وعبيدالله الجواد ، ومعبدا - شهيدا با فريقية - وعبدالرحمن - شهيدا بافريقية - وقثم - شهيدا
بسمرقند - بنى العباس بن عبدالمطلب ، مات الفضل بالشام في طاعون عمواس ، وعبدالله بالطائف ،
وعبيدالله بالمدينة . انتهى .
( 3 ) في المصدر : وان تك . م [ * ]
[129]
17 - مع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن
القاسم بن محمد ، عن عبدالصمد بن بشير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
قلت له : أصلحك الله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ؟ ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه ؟
قال : نعم ، قلت . فوالله إنا لنكره الموت ! فقال : ليس ذاك حيث تذهب ، إنما ذلك
عند المعاينة ، إذا رأى ما يحب فليس شئ أحب إليه من أن يتقدم ، والله يحب لقاءه وهو
يحب لقاء الله حينئذ ، وإذا رأى ما يكره فليس شئ أبغض إليه من لقاء الله عزوجل والله
عزوجل يبغض لقاءه " ص 70 "
ين : القاسم بن محمد مثله .
18 - مع : محمد بن إبراهيم ، عن أحمد بن يونس المعاذي ، عن أحمد الهمداني ، عن
محمد بن محمد بن الاشعث ، عن موسى بن إسماعيل ، عن أبيه ، عن جده ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام
قال : كان للحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما صديق وكان ماجنا فتباطى عليه
أياما فجاءه يوما فقال له الحسن عليه السلام : كيف أصبحت ؟ فقال : يابن رسول الله أصبحت
بخلاف ما احب ويحب الله ويحب الشيطان ، فضحك الحسن عليه السلام ثم قال : وكيف
ذاك ؟ قال : لان الله عزوجل يحب ان اطيعه ولا أعصيه ولست كذلك ، والشيطان
يحب أن أعصي الله ولا اطيعه ولست كذلك ، وأنا احب أن لا أموت ولست كذلك ، فقام
إليه رجل فقال : يابن رسول الله ما بالنا نكره الموت ولا نحبه ؟ قال : فقال الحسن


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 129 سطر 17 إلى صفحه 137 سطر 17

عليه السلام : إنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم ، فأنتم تكرهون النقلة من العمران
إلى الخراب . " ص 10 "
توضيح : الماجن : من لا يبالي قولا وفعلا .
19 - مع : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب
عن شعيب العقرقوفي ( 1 ) قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : شئ يروى عن أبي ذر رحمه الله
* ( هامش ) * ( 1 ) بالعين المهملة والقاف المثناة المفتوحتين ، ثم الراء المهملة الساكنة ، ثم القاف والواو ،
ثم الفاء الموحدة ، ثم الياء ، نسبة إلى عقرقوف ، وهو على ما حكى عن مراصد الاطلاع قرية من
نواحى نهر عيسى ، بينها وبين بغداد أربع فراسخ ، إلى جانبها تل عظيم يرى من خمسة فراسخ أو
اكثر ، وفي وسطه بناء باللبن والقصب ، والرجل هو شعيب بن يعقوب ابن اخت يحيى بن القاسم أبى بصير ،
روى عن أبيعبد الله وأبى الحسن عليهما السلام ، ثقة ، عين ، له كتاب يرويه حماد بن عيسى وغيره . [ * ]
[130]
أنه كان يقول : ثلاثة يبغضها الناس وأنا احبها : احب الموت ، واحب الفقر ، واحب
البلاء . فقال : إن هذا ليس على ما تروون ( 1 ) إنما عنى : الموت في طاعة الله أحب إلي من
الحياة في معصية الله ، والفقر في طاعة الله أحب إلى من الغنى في معصية الله ، والبلاء في طاعة
الله أحب إلي من الصحة في معصية الله . " ص 52 "
جا : أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، عن
ابن فضال مثله .
20 - مع : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن محمد بن علي ، عن الحارث بن الحسن
الطحان ، عن إبراهيم بن عبدالله ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا
يبلغ أحدكم حقيقة الايمان حتى يكون فيه ثلاث خصال : يكون الموت أحب إليه
من الحياة ، والفقر أحب إليه من الغنى ، والمرض أحب إليه من الصحة ، قلنا : ومن يكون
كذلك ؟ قال : كلكم ، ثم قال : أيما أحب إلى أحدكم : يموت في حبنا ، أو يعيش
في بغضنا ؟ فقلت : نموت والله في حبكم أحب إلينا ، قال : وكذلك الفقر والغنى والمرض
والصحة ؟ قلت : إي والله . " ص 58 "
21 - لي : عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : أكيس الناس من كان
أشد ذكرا للموت . " ص 14 "
22 - لي : ابن المغيرة بإسناده عن السكوني ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم
السلام قال : قال علي عليه السلام : ما أنزل الموت حق منزلته من عد غدا من
أجله . " ص 66 - 67 "
23 - ين : حماد بن عيسى ، عن حسين بن المختار رفعه إلى سلمان الفارسي
رضي الله عنه أنه قال : لولا السجود لله ومجالسة قوم يتلفظون طيب الكلام كما يتلفظ
طيب التمر لتمنيت الموت .
24 - لي : ما جيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن خلف بن حماد ، عن
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : على ما يرون . [ * ]
[131]
أبي الحسن العبدي ، عن الاعمش ، عن عباية بن ربعي ( 1 ) قال : إن شابا من الانصار كان
يأتي عبدالله بن العباس ، وكان عبدالله يكرمه ويدينه ( 2 ) فقيل له : إنك تكرم هذا
الشاب وتدينه وهو شاب سوء ! يأتي القبور فينبشها بالليالي ! فقال عبدالله بن العباس
إذا كان ذلك فأعلموني ، قال : فخرج الشاب في بعض الليالي يتخلل القبور فاعلم عبدالله
ابن العباس بذلك فخرج لينظر ما يكون من أمره ووقف ناحية ينظر إليه من حيث لا
يراه الشاب ، قال : فدخل قبرا قد حفر ، ثم اضطجع في اللحد ، ونادى بأعلى صوته يا ويحي
إذا دخلت لحدي وحدي ، ونطقت الارض من تحتي فقالت : لا مرحبا ولا أهلا
قد كنت ابغضك وأنت على ظهري ، فكيف وقد صرت في بطني ؟ ! بل ويحي إذا نظرت
إلى الانبياء وقوفا والملائكة صفوفا ، فمن عدلك غدا من يخلصني ؟ ومن المظلومين من
يستنقذني ؟ ومن عذاب النار من يجيرني ؟ عصيت من ليس بأهل أن يعصى ، عاهدت ربي مرة
بعد اخرى فلم يجد عندي صدقا ولا وفاءا . وجعل يردد هذا الكلام ويبكي فلما خرج
من القبر التزمه ابن عباس وعانقه ثم قال له : نعم النباش ، نعم النباش ، ما أنبشك
للذنوب والخطايا ! ثم تفرقا . " ص 199 "
25 - ب : اليقطيني ، عن القداح ، عن الصادق ، عن أبيه عليهما السلام قال : قال
النبي صلى الله عليه واله : استحيوا من الله حق الحياء ، قالوا : وما نفعل يارسول الله ؟ قال :
فإن كنتم فاعلين فلا يبيتن أحدكم إلا وأجله بين عينيه ، وليحفظ الرأس وما وعى ، و
البطن وما حوى ، وليذكر القبر والبلى ، ومن أراد الآخرة فليدع زينة الحياة
الدنيا . " ص 13 "
بيان : وما وعى أي وليحفظ ما وعاه الرأس من البصر والسمع واللسان وغيرها
من المشاعر عن ارتكاب ما يسخط الله ، وليحفظ البطن وما حواه من الطعام والشراب
أن يكونا من حرام ، ويمكن أن يعم البطن بحيث يشمل الفرج أيضا .
* ( هامش ) * ( 1 ) عباية بفتح العين وتخفيف الباء وفتح الياء ، وربعى بكسر الراء وسكون الباء والعين
المهملة المكسورة ثم الياء هو عباية بن عمرو بن ربعى ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين
والحسن عليهما السلام ، وعده البرقى - على ما حكى - من خواص على عليه السلام .
( 2 ) أى يحسن إليه . [ * ]
[132]
ل : الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام : عليه السلام : أكثروا ذكر الموت ، ويوم خروجكم
من القبور ، وقيامكم بين يدي الله عزوجل تهون عليكم المصائب . " ج 2 ص 158 "
27 - ن : المفسر ، عن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن أبي محمد العسكري ، عن
آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه وإنما هو
كفنه ، ويبني بيتا ليسكنه وإنما هو موضع قبره . " ص 165 "
28 - ن : بالاسناد إلى دارم ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله :
أكثروا من ذكر هادم اللذات . " ص 228 "
29 - ما : فيما أوصى به أميرالمؤمنين عليه السلام عند وفاته : قصر الامل ، واذكر
الموت ، وازهد في الدنيا ، فإنك رهن موت ، وغرض بلاء ، وصريع سقم . ( 1 ) " ص 5 "
30 - ما : فيما كتب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن أبي بكر : عباد الله ! إن
الموت ليس منه ( 2 ) فوت فاحذروا قبل وقوعه وأعدوا له عدته ، فإنكم طرد الموت
إن أقمتم له أخذكم وإن فررتم منه أدرككم ، وهو ألزم لكم من ظلكم ، الموت معقود
بنواصيكم ، والدنيا تطوي خلفكم ، فأكثروا ذكر الموت عندما تنازعكم إليه أنفسكم
من الشهوات ، وكفى بالموت واعظا ، وكان رسول الله صلى الله عليه واله كثيرا ما يوصي أصحابه
بذكر الموت فيقول : أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات ، حائل بينكم وبين
الشهوات . " ص 17 - 18 "
31 - ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن أحمد بن عبدالله بن عمار ، عن علي بن
محمد بن سليمان ، عن محمد بن الحارث بن بشير ، عن القاسم بن الفضيل ، عن عباد المنقري ( 3 )
* ( هامش ) * ( 1 ) قوله : " رهن موت " شبه عليه السلام الموت للزومه الانسان وعدم انفكاك الانسان منه
بالرهن في يد المرتهن . والغرض : الهدف . والصريع بمعنى مصروع أى المطروح على الارض
والساقط عليها ، لان طبيعة الانسان دائما يصارع المرض والسقم ويدافعه حتى تضعف ويغلب عليه
المرض والسقم فيصرعها ويطرحها على الارض ، فهو إما زمن مقعد على فراشه ، وإما راكب على
سريره ونعشه .
( 2 ) في نسخة : فيه .
( 3 ) نسبة إلى منقر وزان منبر ، أبى بطن من سعد وهو منقر بن عبيد بن مقاعس . [ * ]
[133]
عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : لو أن البهائم يعلمون من الموت
ما تعلمون أنتم ما أكلتم منها سمينا . " ص 289 "
بيان : لا ينافي هذا الخبر ما سيأتي من الاخبار في أن الموت مما لم تبهم عنه
البهائم ، إذ المعنى فيه : لو علموا كما تعلمون من خصوصيات الموت وشدائده ، فلا ينافي
علمهم بأصل الموت ، أو المراد : أنهم لو كانوا مكلفين وعلموا ما أوعد الله من العقاب
لما كانوا غافلين كغفلتكم ، ولذا قال صلى الله عليه واله : من الموت .
32 - مص : قال الصادق عليه السلام : ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ، ويقلع
منابت الغفلة ، ويقوي القلب بمواعد الله ، ويرق الطبع ، ويكسر أعلام الهوى ، و
يطفئ نار الحرص ، ويحقر الدنيا ، وهو معنى ما قال النبي صلى الله عليه واله : فكر ساعة خير من
عبادة سنة ، وذلك عندما يحل أطناب خيام الدنيا ، ويشدها في الآخرة ، ولا يشك بنزول
الرحمة على ذاكر الموت بهذه الصفة ، ومن لا يعتبر بالموت وقلة حيلته وكثرة عجزه و
طول مقامه في القبر وتحيره في القيامة فلا خير فيه .
* قال النبي صلى الله عليه واله : اذكروا هادم اللذات ، فقيل : وما هو يا رسول الله ؟ فقال :
الموت ، فما ذكره عبد على الحقيقة في سعة إلا ضاقت عليه الدنيا ، ولا في شدة إلا اتسعت
عليه ، والموت أول منزل من منازل الآخرة ، وآخر منزل من منازل الدنيا ، فطوبى
لمن اكرم عند النزول بأولها ، وطوبى لمن احسن مشايعته في آخرها ، والموت اقرب
الاشياء من بني آدم وهو يعده أبعد ، فما أجرأ الانسان على نفسه ! وما أضعفه من
خلق ! وفي الموت نجاة المخلصين وهلاك المجرمين ، ولذلك اشتاق من اشتاق إلى الموت
وكره من كره .
قال النبي صلى الله عليه واله : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره
الله لقاءه .
* ( هامش ) * ( * ) يحتمل أن يكون ذلك والحديث الاتى بعده من بقية كلام الامام الصادق عليه السلام استشهد
بهما على ما قال أولا من الترغيب في ذكر الموت ، أو يكونان خبرين مرسلين من جامع المصباح
والظاهر من المصنف الاول . [ * ]
[134]
بيان : قوله عليه السلام : وذلك أي فكر الساعة الذي هو خير من عبادة سنة . وحل
أطناب خيام الدنيا كناية عن قطع العلائق عنها وعن شهواتها ، وكذا شدها في الآخرة
عبارة عن جعل ما يأخذه ويدعه في الدنيا لتحصيل الآخرة .
33 - شى : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : أخبرني عن
الكافر الموت خير له أم الحياة ؟ فقال : الموت خير للمؤمن والكافر ، قلت : ولم ؟ قال :
لان الله يقول : " وما عند الله خير للابرار " ويقول : ولا تحسبن الذين كفروا أنما
نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين " .
34 - سر : من كتاب أبي القاسم بن قولويه رحمه الله قال : قال أبو عبدالله عليه السلام :
بلغ أمير المومنين عليه السلام موت رجل من أصحابه ثم جاء خبر آخر أنه لم يمت ، فكتب
إليه : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنه قد كان أتانا خبر ارتاع له إخوانك ، ( 1 ) ثم جاء
تكذيب الخبر الاول ، فأنعم ذلك إن سررنا ، وإن السرور وشيك الانقطاع ( 2 ) يبلغه
عما قليل تصديق الخبر الاول ، فهل أنت كائن كرجل قد ذاق الموت ثم عاش بعده
فسأل الرجعة ( 3 ) فاسعف بطلبته فهو متأهب بنقل ما سره من ماله إلى دار قراره ، لا يرى
أن له مالا غيره ؟ واعلم أن الليل والنهار دائبان ( 4 ) في نقص الاعمار وإنفاد الاموال و
طي الآجال ، هيهات هيهات قد صبحا عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا فأصبحوا قد
وردوا على ربهم وقدموا على أعمالهم ، والليل والنهار غضان جديدان لا يبليهما ما مرا
به يستعدان لمن بقي بمثل ما أصابا من مضى ، ( 5 ) واعلم أنما أنت نظير إخوانك وأشباهك
مثلك كمثل الجسد قد نزعت قوته فلم يبق إلا حشاشة نفسه ، ينتظر الداعي فنعوذ بالله
مما نعظ به ثم نقصر عنه .
* ( هامش ) * ( 1 ) ارتاع منه وله : فزع وتفزع .
( 2 ) أى سريع الانقطاع وقريبه .
( 3 ) في السرائر المطبوع : قد ذاق الموت وعاين ما بعده يسأل الرجعة .
( 4 ) دأب في العمل : جد وتعب واستمر عليه فهو دائب . وفى السرائر المطبوع : واعلم أن
الليل والنهار لم يزالا دائبين في قصر ( نقص خ ل ) الاعمار .
( 5 ) في نسخة : يستعدان لمن بقى أن يصيباه ما أصابا من مضى . [ * ]
[135]
بيان : فأنعم ذلك أي أقر عيون إخوانك ، يقال : نعم الله بك عينا ، وأنعم الله
بك عينا ، وأنعم صباحا ، ويقال : ما أنعمنا بك أي ما أقدمك فسررنا بلقائك ، وأنعمت
على فلان أي أصرت إليه نعمة . والحشاش والحشاشة بضمهما : بقية الروح في الجسد
في المرض .
35 - ضه : قال رسول الله صلى الله عليه واله : أكيس الناس من كان أشد ذكرا للموت .
36 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته : فإن الغاية أمامكم ، وإن وراءكم
الساعة تحدوكم ، تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر بأولكم آخركم .
( 1 ) * ( هامش ) * ( 1 ) قال السيد في نهج البلاغة بعد ايراده هذا الكلام : إن هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه
وبعد كلام رسول الله صلى الله عليه وآله بكل كلام لمال به راجحا وبرز عليه سابقا ، فأما قوله عليه السلام :
" تخففوا تلحقوا " فما سمع كلام أقل منه مسموعا ولا أكثر محصولا وما أبعد غورها من كلمة ! ، وأنقع
نطفتها من حكمة ! وقد نبهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها وشرف جوهرها انتهى . منه
أقول : وقال بعض الشارحين ، الغاية : الثواب والعقاب ، والنعيم والشقاء ، فعليكم أن تعدوا للغاية
ما يصل بكم إليها ، ولا تستبطؤها فان الساعة التى تصيبونها فيها - وهى القيامة - آزفة إليكم فكأنها
في تقربها نحوكم وتقليل المسافة بينها وبينكم بمنزلة سائق يسوقكم إلى ما تسيرون إليه ، سبق
السابقون بأعمالهم إلى الحسنى فمن أراد اللحاق بهم فعليه أن يتخفف من أثقال الشهوات وأوزار
العناء في تحصيل اللذات ، ويحفز بنفسه عن هذه الفانيات فيلحق بالذين فازوا بعقبى الدار ، وأصله
الرجل يسعى وهو غير مثقل بما يحمله يكون أجدر أن يلحق الذين سبقوه . قال ابن ميثم : كون
الساعة وراءهم فلان الانسان لما كان بطبعه ينفر من الموت ويفر منه وكانت العادة في الهارب من
الشئ أن يكون وراءه المهروب منه وكانت الموت متأخرا عن وجود الانسان ولاحقا تأخرا و
لحوقا عقليا أشبه المهروب منه المتأخر اللاحق هربا وتأخرا ولحوقا حسيا فلا جرم استعير لفظ
المحسوسة وهى الوراء . وأما كونهم تحدوهم فلان الحادى لما كان من شأنه سوق الابل بالحداء وكان
تذكر الموت وسماع نواد به مزعجا للنفوس إلى الاستعداد للامور الاخرة والاهبة للقاء الله سبحانه
فهو يحملها على قطع عقبات طريق الاخرة ، كما يحمل الحادى الابل على قطع الطريق البعيدة الوعرة
لا جرم أشبه الحادى فاسند الحداء إليه . قوله : " تخففوا تلحقوا " لما نبههم بكون الغاية أمامهم و
أن الساعة تحدوهم في سفر واجب وكان السابق إلى الغاية من ذلك السفر هو الفائز برضوان الله وقد
علم أن التخفيف وقطع العلائق في الاسفار سبب للسبق والفوز بلحوق السابقين لا جرم أمرهم * [ * ]
[136]
37 - وقال أيضا في خطبته : فما ينجو من الموت من يخافه ، ولا يعطى البقاء من
أحبه ، ومن جرى في عنان أمله عثر به أجله ، وإذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما
أسرع الملتقى ! الحذر الحذر ! فوالله لقد ستر حتى كأنه غفر .
38 - وتبع أمير المؤمنين جنازة فسمع رجلا يضحك فقال : كأن الموت فيها على
غيرنا كتب ، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب ، وكأن الذي نرى من الاموات سفر
عما قليل إلينا راجعون نبوؤهم أجداثهم ونأكل تراثهم ، قد نسينا كل واعظ وواعظة ،
ورمينا بكل جائحة ، وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى الموت ! ومن أكثر ذكر الموت رضي
من الدنيا باليسير . ( 1 )
39 - قال الصادق عليه السلام مكتوب في التوراة : نحنا لكم فلم تبكوا ، وشوقناكم
فلم تشتاقوا ، أعلم القتالين أن الله سيفا لا ينام وهو جهنم ، أبناء الاربعين أوفوا للحساب ،
أبناء الخمسين زرع قد دنا حصاده ، أبناء الستين ماذا قدمتم وماذا أخرتم ؟ أبناء السبعين
عدوا أنفسكم في الموتى ، أبناء الثمانين تكتب لكم الحسنات ولا تكتب عليكم
السيئات ، أبناء التسعين أنتم اسراء الله في أرضه ! ثم قال : ما يقول كريم أسر رجلا ؟ ماذا
يصنع به ؟ قلت : يطعمه ويسقيه ويفعل به ، فقال : ما ترى الله صانعا بأسيره ؟ .
بيان : الغاية : الموت أو الجنة والنار . قوله عليه السلام : ينتظر بأولكم أي إنما
ينتظر ببعث الاولين ونشرهم مجئ الآخرين وموتهم . لقد ستر أي الذنوب حتى
* ( هامش ) * * بالتخفيف لغاية اللحوق في كلمتين فالاولى منهما قوله : " تخففوا " وكنى بهذا الامر عن الزهد الحقيقى
الذى هو أقوى أسباب السلوك إلى الله سبحانه ، وهو عبارة عن حذف كل شاغل عن التوجه إلى القبلة
الحقيقة ، والاعراض عن متاع الدنيا وطيباتها ، فان ذلك تخفيف للاوزار المانعة عن الصعود في
درجات الابرار ، والموجبة لحلول دار البوار ، وهى كناية باللفظ المستعار وهذا الامر في معنى
الشرط . والثانية قوله : " تلحقوا " وهو جزاء الشرط ، أى إن تتخففوا تلحقوا إلى آخر كلامه
ومن شاء فليراجعه .
( 1 ) أورده السيد في نهج البلاغة في باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام . والسفر بفتح
السين وسكون الفاء : مسافرون . نبوؤهم أى ننزلهم . في أجداثهم أى قبورهم . الجائحة : الافة
تهلك الاصل والفرع . [ * ]
[137]
كأنه قد غفرها ، فاحذروا عقاب ما ستره واشكروه على هذا الستر ، ويحتمل على بعد
أن يكون المعنى ستر الموت عن الخلائق بحيث يظنون أنه رفع عنهم لكثرة غفلتهم عنه .
قوله : أوفوا أي أكملوا وسلموا ما طلب منكم من الاعمال لانكم تحاسبون عليها .
قوله : زرع أي أنتم أو أعمالكم .
40 - تم : في كتاب محمد بن محمد بن الاشعث باسناده أن مولانا عليا عليه السلام قال :
ما رأيت إيمانا مع يقين أشبه منه بشك على هذا الانسان ، إنه كل يوم يودع إلى القبور ،
ويشيع ، وإلى غرور الدنيا يرجع ، وعن الشهوة والذنوب لا يقلع ، فلو لم يكن لابن آدم
المسكين ذنب يتوكفه ولا حساب يقف عليه إلا موت يبدد شمله ويفرق جمعه ويؤتم
ولده لكان ينبغي له أن يحاذر ما هو فيه بأشد النصب والتعب ، ولقد غفلنا عن الموت
غفلة أقوام غير نازل بهم ، وركنا إلى الدنيا وشهواتها ركون أقوام قد أيقنوا بالمقام ، و
غفلنا عن المعاصي والذنوب غفلة أقوام لا يرجون حسابا ولا يخافون عقابا .
بيان : لعل الضمير في قوله عليه السلام : منه راجع إلى الموت المتقدم ذكره في الرواية ،
أو المعلوم بقرينة المقام ، وقوله : على الانسان متعلق بقوله : أشبه ، والظاهر أنه سقط منه
شئ ، والتوكف : التوقع ، أي يتوقع وينتظر عقابه .
41 - جع : قال النبي صلى الله عليه واله : أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت ، وأفضل العبادة
ذكر الموت ، وأفضل التفكر ذكر الموت ، فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من
رياض الجنة .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 137 سطر 18 إلى صفحه 145 سطر 18

42 - وقال رجل لابي ذر رحمه الله : ما لنا نكره الموت ؟ قال : لانكم عمرتم الدنيا
وخربتم الآخرة فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب ، قيل له : فكيف ترى قدومنا
على الله ؟ قال : أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسئ فكالآبق يقدم على
مولاه ، قيل : فكيف ترى حالنا عند الله ؟ قال : أعرضوا أعمالكم على كتاب الله تبارك و
تعالى : " إن الابرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم " قال الرجل : فأين رحمة الله ؟
قال : إن رحمة الله قريب من المحسنين .
43 - كتاب الدرة الباهرة : قيل لاميرالمؤمنين عليه السلام : ما الاستعداد للموت ؟
[138]
فقال : أداء الفرائض واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم ، ثم لا يبالي أوقع على
الموت أو وقع الموت عليه ؟ والله لا يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت أم وقع الموت عليه ؟ .
44 - دعوات الراوندي : قال رسول الله صلى الله عليه واله : لا يتمنين أحدكم الموت لفتر
نزل به .
45 - وقال : لا تتمنوا الموت فإن هول المطلع شديد ، وإن من سعادة المرء أن
يطول عمره ، ويرزقه الله الانابة إلى دار الخلود .
46 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام : بقية عمر المرء لا قيمة له ، يدرك بها ما قد فات ،
ويحيي ما مات .
أقول : سيأتي أخبار الاستعداد للموت في باب موضوع له في كتاب المكارم .
تحقيق مقام لرفع شكوك وأوهام : ربما يتوهم التنافي بين الآيات والاخبار الدالة
على حب لقاء الله ، وبين ما يدل على ذم طلب الموت ، وما ورد في الادعية من استدعاء
طول العمر وبقاء الحياة ، وما روي من كراهة الموت عن كثير من الانبياء والاولياء ،
ويمكن الجواب عنه بوجوه : الاول ما ذكره الشهيد رحمه الله في الذكرى من أن حب
لقاء الله غير مقيد بوقت ، فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحب ، واستشهد لذلك
بما مر من خبر عبدالصمد بن بشير . ( 1 )
الثاني : أن الموت ليس نفس لقاء الله فكراهته من حيث الالم الحاصل منه لا يستلزم
كراهة لقاء الله ، وهذا لا ينفع في كثير من الاخبار .
الثالث : أن ما ورد في ذم كراهة الموت فهي محمولة على ما إذا كرهه لحب الدنيا
وشهواتها والتعلق بملاذها ، وما ورد بخلاف ذلك على ما إذا كرهه لطاعة الله تعالى
وتحصيل مرضاته وتوفير ما يوجب سعادة النشأة الاخرى ، ويؤيده خبر سلمان . ( 2 )
الرابع : أن كراهة الموت إنما تذم إذا كانت مانعة من تحصيل السعادات الاخروية
بأن يترك الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهجران الظالمين لحب الحياة
* ( هامش ) * ( 1 ) الواقع تحت رقم 17 .
( 2 ) الواقع تحت رقم 23 . [ * ]
[139]
والبقاء ، والحاصل أن حب الحياة الفانية الدنيوية إنما يذم إذا آثرها على ما يوجب
الحياة الباقية الاخروية ، ويدل عليه خبر شعيب العقرقوني ، وفضيل بن يسار ، ( 1 ) وهذا
الوجه قريب من الوجه الثالث .
الخامس : أن العبد يلزم أن يكون في مقام الرضا بقضاء الله ، فإذا اختار الله له الحياة
فيلزمه الرضا بها والشكر عليها ، فلو كره الحياة والحال هذه فقد سخط ما ارتضاه الله
له وعلم صلاحه فيه ، وهذا مما لا يجوز ، وإذا اختار الله تعالى له الموت يجب أن يرضى
بذلك ، ويعلم أن صلاحه فيما اختاره الله له فلو كره ذلك كان مذموما ، وأما الدعاء
لطلب الحياة والبقاء لامره تعالى بذلك فلا ينافي الرضاء بالقضاء ، وكذا في الصحة
والمرض والغنى والفقر وسائر الاحوال المتضادة يلزم الرضا بكل منها في وقته ، وأمرنا
بالدعاء لطلب خير الامرين عندنا ، فما ورد في حب الموت إنما هو إذا أحب الله تعالى
ذلك لنا ، وأما الاقتراح عليه في ذلك وطلب الموت فهو كفر لنعمة الحياة ، غير ممدوح
عقلا وشرعا كطلب المرض والفقر وأشباه ذلك ، وهذا وجه قريب ، ويؤيده كثير من
الآيات والاخبار والله تعالى يعلم .
( باب 5 )
* ( ملك الموت واحواله واعوانه وكيفية نزعه للروح ) *
الايات ، الانعام " 6 " وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم خفظة حتى إذا جاء
أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون 61 .
الاعراف " 7 " حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من
دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين 37 .
يونس " 10 " ولكن اعبدوا الله الذي يتوفيكم 104 .
النحل " 16 " الذين تتوفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم 28 " وقال تعالى " : الذين
تتوفيهم الملائكة طيبين 32 .
* ( هامش ) * ( 1 ) الواقعان تحت رقمى 19 و 10 . [ * ]
[140]
التنزيل " 32 " قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم
ترجعون 11 .
الزمر " 39 " الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك
الذي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى إلى أجل مسمى 42 .
تفسير : " وهو القاهر " أي المقتدر المستولي على عباده " ويرسل عليكم حفظة "
أي ملائكة يحفظون أعمالكم ويحصونها عليكم " توفته " أي تقبض روحه " رسلنا "
يعني أعوان ملك الموت " وهم لا يفرطون " لا يضيعون ولا يقصرون فيما امروا به من
ذلك " حتى إذا جاءتهم رسلنا " أي ملك الموت وأعوانه " يتوفونهم " أي يقبضون
أرواحهم ، وقيل : معناه : حتى إذا جاءتهم الملائكة لحشرهم يتوفونهم إلى النار يوم
القيامة " قالوا ضلوا عنا " أي ذهبوا عنا وافتقدناهم فلا يقدرون على الدفع عنا وبطلت
عبادتنا إياهم .
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل
بكم : " أي وكل بقبض أرواحكم ، عن ابن عباس قال : جعلت الدنيا بين يدي ملك الموت
مثل جام يأخذ منها ما شاء إذا قضى عليه الموت من غير عناء ، وخطوته ما بين المشرق
والمغرب . وقيل : إن له أعوانا كثيرة من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فعلى هذا
المراد بملك الموت الجنس ويدل عليه قوله : " توفته رسلنا " وقوله : " تتوفيهم الملائكة "
وأما إضافة التوفي إلى نفسه في قوله : " يتوفى الانفس حين موتها " فلانه سبحانه خلق
الموت ولا يقدر عليه أحد سواه .
1 - ج : في خبر الذنديق المدعي للتناقض في القرآن قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله
تعالى : " الله يتوفى الانفس حين موتها " وقوله : " يتوفيكم ملك الموت ، وتوفته رسلنا ،
وتتوفيهم الملائكة طيبين ، والذين تتوفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم " : فهو تبارك وتعالى
أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه ، وفعل رسله وملائكته فعله ، لانهم بأمره
يعملون ، فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين
قال الله فيهم : " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس " فمن كان من أهل الطاعة
[141]
تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولى ( 1 ) قبض روحه
ملائكة النقمة ، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره ،
وفعلهم فعله ، وكل ما يأتونه منسوب إليه ، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ، وفعل
ملك الموت فعل الله لانه يتوفى الانفس على يد من يشاء ، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب
على يد من يشاء ، وإن فعل امنائه فعله ، كما قال : " وما تشاؤن إلا أن يشاء الله " .
" ص 129 - 130 " 2 - فس : ( 2 ) أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
قال رسول الله صلى الله عليه واله : لما اسري بي إلى السماء رأيت ملكا من الملائكة بيده لوح
من نور لا يلتفت يمينا ولا شمالا مقبلا عليه ، ثبه كهيئة الحزين ، فقلت : من هذا ياجبرئيل ؟ !
فقال : هذا ملك الموت ، مشغول في قبض الارواح ، فقلت : ادنني منه ياجبرئيل
لاكلمه ، فأدناني منه فقلت له : يا ملك الموت أكل من مات أو هو ميت فيما بعد أنت
تقبض روحه ؟ قال : نعم ، قلت : وتحضرهم بنفسك ؟ قال : نعم ، ما الدنيا كلها عندي فيما
سخرها الله لي ومكنني منها إلا كدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء ، وما من
دار في الدنيا إلا وأدخلها في كل يوم خمس مرات ، ( 3 ) وأقول إذا بكى أهل البيت
على ميتهم : لا تبكوا عليه فإن لي إليكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد ، قال
رسول الله : كفى بالموت طامة ( 4 ) يا جبرئيل ! فقال جبرئيل : ما بعد الموت أطم ( 5 )
وأعظم من الموت ! " ص 370 "
3 - ن : بالاسانيد الثلاثة ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : تولت . م .
( 2 ) في المطبوع " ن " وهو وهم من النساخ والصحيح " فس " أى تفسير على بن إبراهيم .
( 3 ) أى في أوقات الصلوات ، على ما في حديث آخر يأتى تحت رقم 44 من الباب الاتى .
( 4 ) الطامة : الداهية تفوق ما سواها .
( 5 ) أى أعظم وأفقم . [ * ]
[142]
صلى الله عليه وآله : لما اسري بي إلى السماء رأيت في السماء الثالثة رجلا قاعدا :
رجل له في المشرق ، ورجل ( 1 ) في المغرب ، وبيده لوح ينظر فيه ، ويحرك رأسه ، فقلت :
يا جبرئيل من هذا ؟ فقال : ملك الموت عليه السلام . ( 2 ) " ص 200 " 4 - ن : بهذا الاسناد قال رسول الله صلى الله عليه واله : إذا كان يوم القيامة يقول الله عزوجل
لملك الموت : يا ملك الموت وعزتي وجلالي وارتفاعي في علوي لاذيقنك طعم الموت كما
أذقت عبادي . " ص 200 "
5 - ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن علي بن محمد ، عن داود ، عن الرضا
عن آبائه عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه واله مثله . ( 3 ) " ص 214 "
6 - يد : القطان ، عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب ، عن أحمد بن يعقوب بن مطر ،
عن محمد بن الحسن بن عبدالعزيز ، عن أبيه ، عن طلحة بن زيد ، عن عبدالله بن عبيد ،
عن أبي معمر السعدانى - في خبر من أتى أمير المؤمنين عليه السلام مدعيا للتناقض في القرآن -
قال عليه السلام : أما قوله : " قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم ( 4 ) " وقوله : " الله
يتوفى الانفس حين موتها " وقوله : " توفته رسلنا وهم لا يفرطون " وقوله : " الذين
تتوفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم " وقوله : " الذين تتوفيهم الملائكة طيبين يقولون
سلام عليكم " فإن الله تبارك وتعالى يدبر الامور كيف يشاء ، ويوكل من خلقه من يشاء
بما يشاء ، أما ملك الموت فإن الله عزوجل يوكله بخاصته من يشاء من خلقه ، ويوكل
رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه تبارك وتعالى والملائكة الذين سماهم الله
عزوجل وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه ، إنه تبارك وتعالى ( 5 ) يدبر الامور كيف
يشاء ، وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس ، لان منهم القوي
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ورجل له . م .
( 2 ) في المصدر : قال : هذا ملك الموت . م .
( 3 ) الا ان فيه : وارتفاعى في علو مكانى . م .
( 4 ) في الصمدر بعد هذه الجملة : ثم إلى ربكم ترجعون . م .
( 5 ) ليس في المصدر قوله : إنه تبارك وتعالى . م [ * ]
[143]
والضعيف ، ولان منه ما يطاق حمله ، ومنه ما لا يطاق حمله إلا من يسهل الله له ( 1 ) حمله
وأعانه عليه من خاصة أوليائه ، وإنما يكفيك أن تعلم أن الله المحيي المميت ، وأنه
يتوفى الانفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم . " ص 275 - 276 "
أقول : تمامه في كتاب القرآن .
7 - شي : عن حمران قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله : " إذا جاء أجلهم
فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " قال : هو الذي سمي لملك الموت عليه السلام في
ليلة القدر .
8 - جع : قال إبراهيم الخليل عليه السلام لملك الموت : هل تستطيع أن تريني صورتك
التي تقبض فيها روح الفاجر ؟ قال : لا تطيق ذلك ، قال : بلى ، قال : فأعرض عني ، فأعرض
عنه ثم التفت فإذا هو برجل أسود ، قائم الشعر ، منتن الريح ، أسود الثياب ، يخرج
من فيه ومناخره لهيب النار والدخان ، فغشي على إبراهيم ثم أفاق ، فقال : لو لم يلق
الفاجر عند موته إلا صورة وجهك لكان حسبه .
9 - نهج : من خطبة له عليه السلام ذكر فيها ملك الموت : هل تحس به إذا دخل
منزلا ؟ أم هل تراه إذا توفى أحدا ؟ بل كيف يتوفى الجنين في بطن امه : أيلج عليه
من بعض جوارحها ؟ أم الروح أجابته بإذن ربها ؟ أم هو ساكن معه في أحشائها ؟
كيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله ؟ .
10 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم قال : قال أبوعبدالله
عليه السلام : ما من أهل بيت شعر ولا وبر إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم خمس
مرات . " ف ج 1 ص 70 "
بيان : لعل الاظهر " مدر " مكان " وبر " .
11 - كا : محمد بن يحيى : عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن
علوان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن لحظة ملك
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : الا ان يسهل الله له . [ * ]
[144]
الموت ، قال : أما رأيت الناس يكونون جلوسا فتعتريهم السكتة ( 1 ) فما يتكلم أحد
منهم ؟ فتلك لحظة ملك الموت حيث يلحظهم . " ف ج 1 ص 71 "
ين : ابن علوان مثله .
12 - كا : علي ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن المفضل بن صالح ، عن زيد
الشحام قال : سئل أبوعبدالله عليه السلام عن ملك الموت يقال : ( 2 ) الارض بين يديه كالقصعة
يمد يده حيث يشاء ، فقال : نعم . " ف ج 1 ص 70 "
13 - يه : قال الصادق عليه السلام : قيل لملك الموت عليه السلام : كيف تقبض الارواح وبعضها
في المغرب وبعضها في المشرق في ساعة واحدة ؟ فقال : أدعوها فتجيبني . قال : وقال ملك
الموت عليه السلام : إن الدنيا بين يدي كالقصعة بين يدي أحدكم ، يتناول منها ما يشاء ،
والدنيا عندي كالدرهم في كف أحدكم يقلبه كيف شاء . " ص 32 - 33 "
14 - ل : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد ، عن أبي عبدالله الرازي ، عن
ابن أبي عثمان ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله :
إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ أربعة ، اختار من الملائكة جبرئيل وميكائيل
وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام . " ج 1 ص 107 "
15 - يه : سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عزوجل : " الله يتوفى الانفس حين
موتها " وعن قول الله عزوجل : " قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم " وعن قول
الله عزوجل : " الذين تتوفيهم الملائكة طيبين ، والذين تتوفيهم الملائكة ظالمي
أنفسهم " وعن قول الله عزوجل : " توفته رسلنا " وعن قول الله عزوجل : " ولو ترى إذ يتوفى
الذين كفروا الملائكة " وقد يموت في الساعة الواحدة في جميع الآفاق ما لا يحصيه إلا
الله عزوجل فكيف هذا ؟ فقال : إن الله تبارك وتعالى جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة
يقبضون الارواح بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الانس يبعثهم في حوائجهم فتتوفاهم
الملائكة ويتوفاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو ، ويتوفاه الله عزوجل
من ملك الموت . " ص 33 "
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : السكينة ( السكتة خ ل ) . م
( 2 ) في المصدر : فقال الارض . والظاهر ان النسخة مغلوطة لتكرر الجواب بناءا عليه . م [ * ]
[145]
16 - كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن ابن فضال ، عن علي
ابن عقبة ، عن أسباط بن سالم مولى أبان قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : جعلت فداك
يعلم ملك الموت بقبض من يقبض ؟ قال : لا إنما هي صكاك ( 1 ) تنزل من السماء : اقبض
نفس فلان بن فلان . " ف ج 1 ص 70 " ما : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن محمد بن أحمد بن زكريا ،
عن الحسن بن فضال ، عن علي بن عقبة مثله . " ص 74 "
17 - كا : محمد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن علي
ابن إسماعيل الميثمي ، عن عبدالاعلى مولى آل سام قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : قول
الله عزوجل : " إنما نعد لهم عدا " قال : فما هو ( 2 ) عندك ؟ قلت : عدد الايام ، قال :
إن الآباء والامهات يحصون ذلك ، لا ولكنه عدد الانفاس . " ف ج 1 ص 72 "
18 - كا : علي ، عن أبيه ، عن بكر بن محمد الازدي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : " إن
الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم " إلى قوله : " تعملون " قال : تعد ( 3 ) السنين ،
ثم تعد الشهور ، ثم تعد الايام ، ثم تعد الساعات ، ثم يعد النفس ، فإذا جاء أجلهم فلا
يستأخرون ساعة ولا يستقدمون . " ف ج 1 ص 72 "
ب : ابن سعد ، عن الازدي مثله . " ص 20 "
( باب 6 )
* ( سكرات الموت وشدائده وما يلحق المؤمن والكافر عنده ) *
الايات ، النساء " 4 " إن الذين توفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم
قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 145 سطر 19 إلى صفحه 153 سطر 18

مأويهم جهنم وساءت مصيرا 97 .
* ( هامش ) * ( 1 ) وزان بحار جمع الصك وهو الكتاب .
( 2 ) في المصدر : ما هو عندك ؟ . م
( 3 ) في المصدر : بعد السنين ثم بعد الشهور ، وهكذا . م [ * ]
[146]
الانفال " 8 " ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم و
أدبارهم وذوقوا عذاب الحريق 50 .
يونس " 10 " الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي
الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم 63 - 64 .
الاحزاب " 33 " تحيتهم يوم يلقونه سلام 44 .
السجدة " 41 " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا
تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون 30 .
محمد " 47 " فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم 27 .
ق " 50 " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد 19 . ( 1 )
الواقعة " 56 " فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه
منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنت صادقين * فأما
إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان من أصحاب اليمين ،
فسلام لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم *
وتصلية جحيم 83 - 94 .
المنافقين " 63 " وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب
لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين 10 .
القيامة " 75 " كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق *
والتفت الساق بالساق * ( 2 ) إلى ربك يومئذ المساق 26 - 30 .
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الرضى رحمه الله : هذه استعارة ، والمراد بكسرة الموت ههنا الكرب الذى يتغشى
المحتضر عند الموت فيفقد تمييزه ويفارق معه معقوله ، فشبه تعالى بالسكرة من الشراب ، إلا أن تلك
السكرة منعمة ، وهذه السكرة مؤلمة . وقوله : " بالحق " يحتمل معنيين : إحداهما أن يكون وجاءت
بالحق من أمر الاخرة حتى عرفه الانسان اضطرارا ورآه جهارا ، والاخر أن يكون المراد بالحق
ههنا أى بالموت الذى هو الحق . تلخيص البيان ص 228 .
( 2 ) قال السيد الرضى رضوان الله عليه في ص 268 من تلخيص البيان : هذه استعارة على أكثر
الاقوال والمراد به - والله أعلم - صفة الشدتين المجتمعين على المرء من فراق الدنيا ولقاء أسباب
الاخرة ، وقد ذكرنا فيما تقدم مذهب العرب في العبارة عن الامر الشديد والخطب الفظيع بذكر * [ * ]
[147]
الفجر " 89 " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية *
فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي 27 - 30 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " توفيهم " أي تقبض أرواحهم الملائكة : ملك
الموت أو ملك الموت وغيره ، فإن الملائكة تتوفى ، وملك الموت يتوفى ، والله يتوفى ،
وما يفعله ملك الموت أو الملائكة يجوز أن يضاف إلى الله تعالى إذا فعلوه بأمره ، وما
تفعله الملائكة جاز أن يضاف إلى ملك الموت إذا فعلوه بأمره " فيم كنتم " أي في أي شئ
كنتم من دينكم على وجه التقرير لهم والتوبيح لفعلهم " قالوا كنا مستضعفين في الارض "
يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا ، ويمنعوننا من الايمان بالله واتباع رسوله ،
ولو ترى يا محمد " إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة " أي يقبضون أرواحهم عند الموت
" يضربون وجوههم وأدبارهم " يريد إستاههم ، ولكن الله سبحانه كنى عنها ، وقيل :
وجوههم ما أقبل منهم ، وأدبارهم ما أدبر منهم ، والمراد : يضربون أجسادهم من قدامهم
ومن خلفهم ، والمراد بهم قتلى بدر . وقيل : معناه : سيضربهم الملائكة عند الموت
" وذوقوا عذاب الحريق " أي وتقول الملائكة للكفار استخفافا بهم : ذوقوا عذاب
الحريق بعد هذا في الآخرة . وقيل : إنه كان مع الملائكة يوم بدر مقامع من حديد
كلما ضربوا المشركين بها التهبت النار في جراحاتهم فذلك قوله : " وذوقوا عذاب
الحريق " .
" الذين آمنوا " أي صدقوا بالله ووحدانيته " وكانوا يتقون " مع ذلك معاصيه
" لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الآخرة " قيل : فيه أقوال :
أحدهما : أن البشرى في الحياة الدنيا هي ما بشرهم الله تعالى به في القرآن على
* ( هامش ) * * الكشف عن الساق والقيام على ساق ، وقد يجوز أيضا أن يكون الساق ههنا جمع ساقة كما قالوا :
حاجة وحاج ، وغاية وغاى ، والساقة : هم الذين يكونون في أعقاب الناس يحفزونهم على السير ،
وهذا في صفة أحوال الاخرة وسوق الملائكة للناس إلى القيامة ، فكأنه تعالى وصف الملائكة السابقين
بالكثرة ( بالكرة خ ) حتى يلتف بعضهم ببعض من شدة الحفز وعنيف السير والسوق ، ومما يقوى ذلك
قوله تعالى : " إلى ربك يومئذ المساق " والوجه الاول أقرب ، وهذا الوجه أغرب . انتهى . أقول :
قوله : الملائكة السابقين هكذا في النسخ ولعل الصحيح " السائقين " . [ * ]
[148]
الاعمال الصالحة ، ونظيره قوله تعالى : " وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم "
وقوله : " يبشرهم ربهم برحمة منه " .
وثانيها : أن البشارة في الحياة الدنيا بشارة الملائكة للمؤمنين عند موتهم : ألا
تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون .
وثالثها : أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة ، يراها المؤمن لنفسه أو ترى له ، وفي
الآخرة الجنة وهي ما تبشرهم الملائكة عند خروجهم من القبور وفي القيامة إلى أن
يدخلوا الجنة يبشرونهم بها حالا بعد حال ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام ، وروي
ذلك في حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه واله .
وروى عقبة بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم
القيامة إلا هذا الدين الذي أنتم عليه ، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينه إلا
أن تبلغ نفسه إلى هذه - وأومأ بيده إلى الوريد - الخبر بطوله ، ثم قال : إن هذا في
كتاب الله وقرأ هذه الآية . وقيل : إن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة في قبره فيشاهد
ما اعد له في الجنة قبل دخولها " لا تبديل لكلمات الله " أي لا خلف لما وعد الله ولا خلاف .
وفي قوله تعالى : " تحيتهم يوم يلقونه سلام " روي عن البراء ( 1 ) أنه قال : يوم
يلقون ملك الموت لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه .
وفي قوله : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " أي استمروا على أن الله
ربهم وحده لم يشركوا به شيئا ، أو ثم استقاموا على طاعته وأداء فرائضه . وروى محمد
ابن الفضيل قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الاستقامة فقال : هي والله ما أنتم
عليه " تتنزل عليهم الملائكة " يعني عند الموت ، وروي ذلك عن أبي عبدالله عليه السلام . وقيل :
تستقبلهم الملائكة إذا خرجوا من قبورهم في الموقف بالبشارة من الله تعالى . وقيل : إن
البشرى تكون في ثلاثة مواطن : عند الموت ، وفي القبر ، وعند البعث " ألا تخافوا ولا
تحزنوا " أي يقولون لهم : لا تخافوا عقاب الله ولا تحزنوا لفوت الثواب . وقيل : لا تخافوا
ما أمامكم من امور الآخرة ، ولا تحزنوا على ما وراءكم وعلى ما خلفتم من أهل وولد . * ( هامش ) * ( 1 ) بالباء المفتوحة والراء المهملة ، والالف والهمزة . [ * ]
[149]
وقيل : لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم ، فإني أغفرها لكم . وقيل : إن الخوف يتناول
المستقبل ، والحزن يتناول الماضي أي لا تخافوا فيما يستقبل من الاوقات ، ولا تحزنوا
على ما مضى .
" وجاءت سكرة الموت " أي غمرة الموت ( 1 ) وشدته التي تغشي الانسان وتغلب
على عقله " بالحق " أي أمر الآخرة حتى عرفه صاحبه واضطر إليه . وقيل : معناه : جاءت
سكرة الموت بالحق الذي هو الموت " ذلك " أي ذلك الموت " ما كنت منه تحيد " أي تهرب
وتميل .
" فلولا إذا بلغت الحلقوم " أي فهلا إذا بلغت النفس الحلقوم عند الموت وأنتم يا أهل
الميت " حينئذ تنظرون " أي ترون تلك الحال وقد صار إلى أن يخرج نفسه . وقيل :
معناه : تنظرون لا يمكنكم الدفع ولا تملكون شيئا " ونحن أقرب إليه منكم " بالعلم و
القدرة " ولكن لا تبصرون " ذلك ولا تعلمونه . وقيل : معناه : ورسلنا الذين يقبضون
روحه أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون رسلنا " فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها "
يعني فهلا ترجعون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم وتردونها إلى موضعها إن كنتم
غير مجزيين بثواب وعقاب وغير محاسبين . وقيل : أي غير مملوكين . وقيل : أي غير
مبعوثين ، والمرد أن الامر لو كان كما تقولونه من أنه لا بعث ولا حساب ولا جزاء ولا إله
يحاسب ويجازي فهلا رددتم الارواح والنفوس من حلوقكم إلى أبدانكم إن كنتم
صادقين في قولكم ، فإذا لم تقدروا على ذلك فاعلموا أنه من تقدير مقدر حكيم و
تدبير مدبر عليم .
" فأما إن كان " ذلك المحتضر " من المقربين " عند الله " فروح " أي فله روح وهو
الراحة والاستراحة من تكاليف الدنيا ومشاقها . وقيل : الروح : الهواء الذي تستلذه
النفس ويزيل عنها الهم " وريحان " يعني الرزق في الجنة . وقيل : هو الريحان المشموم
من ريحان الجنة يؤتى به عند الموت فيشمه .
وقيل : الروح : الرحمة ، والريحان : كل نباهة وشرف . وقيل : الروح : النجاة
* ( هامش ) * ( 1 ) غمرة الشئ : شدته ومزدحمه ، غمرة الموت : مكارهه وشدائده . [ * ]
[150]
من النار ، والريحان : الدخول في دار القرار . وقيل : روح في القبر ، وريحان في الجنة .
وقيل : روح في القبر ، وريحان في القيامة .
" فسلام لك من أصحاب اليمين " أي فترى فيهم ما تحب لهم من السلامة من المكاره
والخوف . وقيل : معناه : فسلام لك أيها الانسان الذي هو من أصحاب اليمين من عذاب
الله ، وسلمت عليك ملائكة الله ، قال الفراء : فسلام لك إنك من أصحاب اليمين ، فحذف
إنك . وقيل : معناه : فسلام لك منهم في الجنة لانهم يكونون معك ويكون " لك " بمعنى
عليك .
" فنزل من حميم " أي فنزلهم الذي اعد لهم من الطعام والشراب من حميم جهنم
" وتصلية جحيم " أي إدخال نار عظيمة " كلا " أي ليس يؤمن الكافر بهذا . وقيل : معناه :
حقا " إذا بلغت " أي النفس أو الروح " التراقي " أي العظام المكتنفة بالحلق ، وكني بذلك
عن الاشفاء على الموت . وقيل : " من راق " أي وقال من حضره : هل من راق أي من طيب
شاف يرقيه ويداويه فلا يجدونه ، أو قالت الملائكة : من يرقي بروحه ؟ أملائكة الرحمة
أم ملائكة العذاب ؟ وقال الضحاك : أهل الدنيا يجهزون البدن وأهل الآخرة يجهزون
الروح " وظن إنه الفراق " أي وعلم عند ذلك أنه الفراق من الدنيا والاهل والمال
والولد ، وجاء في الحديث أن العبد ليعالج كرب الموت وسكراته ، ومفاصله يسلم بعضها
على بعض تقول : عليك السلام تفارقني وافارقك إلى يوم القيامة .
" والتفت الساق بالساق " فيه وجوه : أحدها التفت شدة أمر الآخرة بأمر الدنيا ،
والثاني التفت حال الموت بحال الحياة ، والثالث التفت ساقاه عند الموت لانه تذهب القوة
فتصير كجلد بعضه ببعض ، وقيل : هو أن يضطرب فلا يزال يمد إحدى رجليه و
يرسل الاخرى ويلف إحداهما بالاخرى . وقيل : هو التفاف الساقين في الكفن ، والرابع
التفت ساق الدنيا بساق الآخرة وهو شدة كرب الموت بشدة هول المطلع ، والمعنى في
الجميع أنه تتابعت عليه الشدائد فلا يخرج من شدة إلا جاء أشد منها .
" إلى ربك يومئذ المساق " أي مساق الخلائق إلى المحشر الذي لا يملك فيه الامر
[151]
والنهي إلا الله تعالى . وقيل : يسوق الملك بروحه إلى حيث أمر الله به ، إن كان من أهل
الجنة فإلى عليين ، وإن كان من أهل النار فإلى سجين .
" يا أيتها النفس المطئمنة " بالايمان ، المؤمنة ، الموقنة بالثواب والبعث . وقيل :
المطمئنة الآمنة بالبشارة بالجنة عند الموت ويوم البعث . وقيل : النفس المطمئنة التي
يبيض وجهها وتعطى كتابها بيمينها فحينئذ تطمئن " ارجعي إلى ربك " أي يقال لها عند
الموت وقيل : عند البعث : ارجعي إلى ثواب ربك وما أعده لك من النعيم . وقيل :
ارجعي إلى الموضع الذي يختص الله سبحانه بالامر والنهي فيه دون خلقه . وقيل : إن
المراد : ارجعي إلى صاحبك وجسدك فيكون الخطاب للروح أن ترجع إلى الجسد
" راضية " بثواب الله " مرضية " أعمالها التي عملتها . وقيل : راضية عن الله بما أعد لها ،
مرضية رضي عنها ربها بما عملت من طاعته . وقيل : راضية بقضاء الله في الدنيا حتى
رضي الله عنها ورضي باعتقادها وأفعالها " فادخلى في عبادي " أي في زمرة عبادي
الصالحين المصطفين الذين رضيت عنهم " وادخلي جنتي " التي وعدتكم بها وأعددت
نعيمكم فيها . ( 1 )
1 - ل : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن
عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : الناس اثنان :
واحد أراح ، وآخر استراح ، فأما الذي استراح فالمؤمن إذا مات استراح من الدنيا
وبلائها ، وأما الذي أراح فالكافر إذا مات أراح الشجر والدواب وكثيرا من
الناس " ج 1 ص 17 " .
2 - مع : ما جيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض
أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله . " ص 47 "
3 - جا ، ما : المفيد ، عن الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ،
عن أبيه ، ومحمد بن سنان معا ، عن محمد بن عطية ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول
الله صلى الله عليه واله : الموت كفارة لذنوب المؤمنين . " ما 68 "
* ( هامش ) * ( 1 ) سيأتى في تفسير الاية حديث عن الكافى في باب ما يعاين المؤمن عند الموت تحت رقم 50 . [ * ]
[152]
4 - ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن
محبوب ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فذكر عنده
المؤمن وما يجب من حقه ، فالتفت إلي أبوعبدالله عليه السلام فقال لي : يا أبا الفضل ألا
احدثك بحال المؤمن عند الله ؟ فقلت : بلى فحدثني جعلت فداك ، فقال : إذا قبض الله
روح المؤمن صعد ملكاه إلى السماء فقالا : يارب عبدك ونعم العبد ، كان سريعا إلى
طاعتك ، بطيئا عن معصيتك ، وقد قبضته إليك ، فما تأمرنا من بعده ؟ فيقول الجليل
الجبار : اهبطا إلى الدنيا وكونا عند قبر عبدي ومجداني وسبحاني وهللاني وكبراني
واكتبا ذلك لعبدي حتى أبعثه من قبره . " ص 122 "
أقول : سيأتي تمامه في باب قضاء حاجة المؤمن .
5 - ما : المفيد ، عن عمرو بن محمد الصيرفي ، عن محمد بن همام ، عن الفزاري ، عن
سعيد بن عمر ، عن الحسن بن ضوء ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال علي بن الحسين
زين العابدين عليه السلام : قال الله عزوجل : ما من شئ أتردد عنه ترددي عن قبض
روح المؤمن ، ( 1 ) يكره الموت وأنا أكره مساءته ، فإذا حضره أجله الذي لا يؤخر
فيه ( 2 ) بعثت إليه بريحانتين من الجنة ، تسمى إحداهما المسخية ، والاخرى المنسية ،
فأما المسخية فتسخيه عن ماله ، ( 3 ) وأما المنسية فتنسيه أمر الدنيا . " ص 264 "
6 - ن : المفسر ، عن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن أبي محمد العسكري ، عن
آبائه عليهم السلام قال : قيل للصادق عليه السلام : صف لنا الموت ، قال عليه السلام : للمؤمن كأطيب
ريح يشمه فينعس ( 4 ) لطيبه وينقطع التعب والالم كله عنه ، وللكافر كلسع الافاعي ولدغ
العقارب أو أشد . قيل : فإن قوما يقولون : إنه أشد من نشر بالمناشير ! ( 5 ) وقرض
بالمقاريض ! ورضخ بالاحجار ! وتدوير قطب الارحية على الاحداق ، قال : كذلك هو على
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : اتردد فيه مثل ترددى عند قبض روح المؤمن . م
( 2 ) في المصدر : لا تاخير فيه . م
( 3 ) كأنه من سخوت نفسى عن الشئ اى تركته ولم تنازعنى إليه نفسى .
( 4 ) أى تأخذه فترة في حواسه فقارب النوم .
( 5 جمع المنشار وهى آلة ذات أسنان ينشر بها الخشب ونحوه . [ * ]
[153]
بعض الكافرين والفاجرين ، ألا ترون منهم من يعاين تلك الشدائد ؟ فذلكم الذي هو أشد
من هذا لا من عذاب الآخرة فإنه أشد من عذاب الدنيا ، قيل : فما بالنا نرى كافرا
يسهل عليه النزع فينطفئ وهو يحدث ويضحك ويتكلم ، وفي المؤمنين أيضا من يكون
كذلك ، وفي المؤمنين والكافرين من يقاسي عند سكرات الموت هذه الشدائد ؟ فقال :
ما كان من راحة للمؤمن هناك فهو عاجل ثوابه ، وما كان من شديدة فتمحيصه من
ذنوبه ليرد الآخرة نقيا ، نظيفا ، مستحقا لثواب الابد ، لا مانع له دونه ، وما كان من
سهولة هناك على الكافر فليوفى أجر حسناته في الدنيا ليرد الآخرة وليس له إلا ما يوجب
عليه العذاب ، وما كان من شدة على الكافر هناك فهو ابتداء عذاب الله له بعد نفاد
حسناته ( 1 ) ذلكم بأن الله عدل لا يجور . " ص 151 - 152 "
ع ، مع : المفسر ، عن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن الحسن بن علي الناصري ، عن
أبيه ، عن أبي جعفر الثاني ، عن أبيه ، عن جده ، عن الصادق عليهم السلام مثله . " ص 108 ص 83 "
7 - مع : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن أبي محمد الانصاري - وكان خيرا -
عن عمار الاسدي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : لو أن مؤمنا أقسم
على ربه عزوجل أن لا يميته ما أماته أبدا ، ولكن إذا حضر أجله بعث الله عزوجل إليه
ريحين : ريحا يقال له : المنسية ، وريحا يقال له : المسخية ، فأما المنسية فإنها تنسيه
أهله وماله ، فأما المسخية فإنها تسخي نفسه عن الدنيا حتى يختار ما عند الله تبارك
وتعالى . " ص 47 "
8 - ل : الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام : تمسكوا بما أمركم الله به ، فما


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 153 سطر 19 إلى صفحه 161 سطر 18

بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى ما يحب إلا أن يحضره رسول الله صلى الله عليه واله ، وما عند الله
خير وأبقى ، وتأتيه البشارة من الله عزوجل فتقر عينه ويحب لقاء الله . " ص 157 "
بيان : الاغتباط : كون الانسان على حال يغبطه الناس ويتمنون حاله .
9 - مع : المفسر ، عن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن الحسن بن علي الناصري ،
عن أبيه ، عن أبي جعفر الجواد ، عن آبائه عليهم السلام قال : قيل لامير المؤمنين عليه السلام : صف
* ( هامش ) * ( 1 ) ليس في المصدر قوله : بعد نفاد حسناته . م . [ * ]
[154]
لنا الموت ، فقال : على الخبير سقطتم ، هو أحد ثلاثة امور يرد عليه : إما بشارة بنعيم
الابد ، وإما بشارة بعذاب الابد ، وإما تحزين ( 1 ) وتهويل وأمره مبهم ، لا تدري من
أي الفرق هو ، فأما ولينا المطيع لامرنا فهو المبشر بنعيم الابد ، وأما عدونا الخالف
علينا فهو المبشر بعذاب الابد ، وأما المبهم أمره الذي لا يدرى ما حاله فهو المؤمن
المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول إليه حاله ، يأتيه الخبر مبهما مخوفا ، ثم لن يسويه
الله عزوجل بأعدائنا لكن يخرجه من النار بشفاعتنا ، فاعملوا وأطيعوا ولا تتكلوا ( 2 )
ولا تستصغروا عقوبة الله عزوجل فإن من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب
ثلاثمائة ألف سنة .
وسئل الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام : ما الموت الذي جهلوه ؟ قال : أعظم
سرور يرد على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الابد ، وأعظم ثبور يرد على
الكافرين إذا نقلوا عن جنتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد .
وقال علي بن الحسين عليهما السلام : لما اشتد الامر بالحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام
نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم لانهم كلما اشتد الامر تغيرت ألوانهم و
ارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم ، وكان الحسين صلوات الله عليه وبعض من معه من
خصائصه تشرق ألوانهم ، وتهدئ جوارحهم ، وتسكن نفوسهم ، فقال بعضهم لبعض :
انظروا لا يبالي بالموت ! فقال لهم الحسين عليه السلام : صبرا بني الكرام ! فما الموت إلا قنطرة
يعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسطة والنعيم الدائمة ، فأيكم يكره أن
ينتقل من سجن إلى قصر ؟ وما هو لاعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ،
إن أبي حدثني عن رسول الله صلى الله عليه واله أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، والموت
جسر هؤلاء إلى جنانهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، ما كذبت ولا كذبت .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : تخوين ( تخويف خ ل ) . م
( 2 ) في المصدر : فاعلموا واطيعوا ولا تتكلموا . م
( 3 ) في المصدر : الدنيا . [ * ]
[155]
وقال محمد بن علي عليه السلام : قيل لعلي بن الحسين عليه السلام : ما الموت ؟ قال : للمؤمن
كنزع ثياب وسخة قملة ، وفك قيود وأغلال ثقيلة ، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها
روائح ، وأوطئ المراكب ، وآنس المنازل ، وللكافر كخلع ثياب فاخرة ، والنقل عن منازل أنيسة ، والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها ، وأوحش المنازل وأعظم العذاب .
وقيل لمحمد بن علي عليه السلام : ما الموت ؟ قال : هو النوم الذي يأتيكم كل ليلة ،
إلا أنه طويل مدته ، لا ينتبه منه إلا يوم القيامة ، فمن رأى في نومه من أصناف الفرح
ما لا يقادر قدره ومن أصناف الاهوال ما لا يقادر قدره فكيف حال فرح في النوم ووجل فيه ؟
هذا هو الموت فاستعدوا له . " ص 83 "
بيان : النكد الشدة والعسر . والثبور : الهلاك :
10 - مع : المفسر ، عن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن أبي محمد العسكري ، عن
آبائه عليهم السلام قال : دخل موسى بن جعفر عليه السلام على رجل قد غرق في سكرات الموت وهو
لا يجيب داعيا فقالوا له : يابن رسول الله وددنا لو عرفنا كيف الموت وكيف حال صاحبنا ؟
فقال : الموت هو المصفاة تصفي المؤمنين من ذنوبهم فيكون آخر ألم يصيبهم كفارة آخر
وزر بقي عليهم ، وتصفي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذة أو راحة تلحقهم هو
آخر ثواب حسنة تكون لهم ، وأما صاحبكم هذا فقد نخل ( 1 ) من الذنوب نخلا وصفي
من الآثام تصفية ، وخلص حتى نقي كما ينقى الثوب من الوسخ ، وصلح لمعاشرتنا أهل
البيت في دارنا دار الابد . " ص 83 - 84 "
11 - مع : بهذا الاسناد ، عن محمد بن علي عليه السلام قال : مرض رجل من أصحاب
الرضا عليه السلام فعاده فقال : كيف تجدك ؟ قال : لقيت الموت بعدك - يريد ما لقيه من شدة
مرضه - فقال : كيف لقيته ؟ فقال : أليما شديدا ، فقال : ما لقيته إنما لقيت ما ينذرك
به ، ويعرفك بعض حاله ، إنما الناس رجلان : مستريح بالموت ، ومستراح به منه ،
* ( هامش ) * ( 1 ) نخل الدقيل : غربله وأزال نخالته ، ونخل الشئ : اختاره وصفاه . [ * ]
[156]
فجدد الايمان بالله وبالولاية تكن مستريحا ، ففعل الرجل ذلك ، والحديث طويل
أخذنا منه موضع الحاجة . ( 1 ) " ص 84
12 - مع : بهذا الاسناد ، عن علي بن محمد عليه السلام قال : قيل لمحمد بن علي بن موسى
صلوات الله عليه : ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت ؟ قال : لانهم جهلوه فكرهوه
ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله عزوجل لاحبوه ولعلموا أن الآخرة خير لهم من الدنيا .
ثم قال عليه السلام : يا أبا عبدالله ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المنقي لبدنه والنافي
للالم عنه ؟ قال : لجهلهم بنفع الدواء ، قال : والذي بعث محمدا بالحق نبيا إن من
استعد للموت حق الاستعداد فهو ( 2 ) أنفع له من هذا الدواء لهذا المتعالج ، أما إنهم
لو عرفوا ما يؤدي إليه الموت من النعيم لاستدعوه وأحبوه أشد ما يستدعي العاقل الحازم
الدواء لدفع الآفات واجتلاب السلامة . " 84 "
13 - مع : بهذا الاسناد عن الحسن بن علي عليه السلام قال : دخل علي بن محمد عليه السلام على
مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت ، فقال له : يا عبدالله تخاف من الموت
لانك لا تعرفه ، أرأيتك إذا اتسخت وتقذرت وتأذيت من كثرة القذر والوسخ عليك
وأصابك قروح وجرب وعلمت أن الغسل في حمام يزيل ذلك كله أما تريد أن تدخله
فتغسل ذلك عنك ؟ أو تكره أن تدخله فيبقى ذلك عليك ؟ قال : بلى يابن رسول الله ،
قال : فذلك الموت هو ذلك الحمام ، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك و
تنقيتك من سيئاتك ، فإذا أنت وردت عليه وجاورته فقد نجوت من كل غم وهم و
أذى ، ووصلت إلى كل سرور وفرح ، فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمض عين نفسه
ومضى لسبيله . وسئل الحسن بن علي بن محمد عليه السلام عن الموت ما هو ؟ فقال : هو التصديق
بما لا يكون . حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الصادق عليه السلام قال : إن المؤمن إذا
مات لم يكن ميتا ، فإن الميت هو الكافر ، إن الله عزوجل يقول : " يخرج الحي من
الميت ويخرج الميت من الحي " يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن . " ص 74 " .
* ( هامش ) * ( 1 ) يأتى الحديث مرسلا في باب ما يعاين المؤمن تحت رقم 46 عن دعوات الراوندى في صورة
مفصلة .
( 2 ) في المصدر : لهو . م [ * ]
[157]
بيان قوله عليه السلام : هو التصديق بما لا يكون أي هو ما يستلزم التصديق بامور لا
تكون بزعمه أي لا يتوقع حصولها ما يشاهده من غرائب أحوال النشأة الآخرة ، أو
المعنى : أن الموت أمر ، التصديق به تصديق بما لا يكون ، إذ المؤمن لا يموت بالموت ، و
الكافر أيضا لا يموت بالموت بل كان ميتا قبله ، ففيه حذف مضاف أي التصديق بالموت
تصديق بما لا يكون .
14 - ل : الاربعمائة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ما من الشيعة عبد يقارف أمرا
نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه ، إما في مال ، وإما في ولد ، و
إما في نفسه حتى يلقى الله عزوجل وماله ذنب ، وإنه ليبقى عليه الشئ من ذنوبه فيشدد
به عليه عند موته . " ج 2 ص 162 "
15 - ع : أبي ، عن علي بن محمد ما جيلويه ، عن الكوفي ، عن محمد بن سنان ، عن
المفضل قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : يا مفضل إياك والذنوب ، وحذرها شيعتنا ، فوالله ما هي
إلى أحد أسرع منها إليكم ، إن أحدكم لتصيبه المعرة من السلطان وما ذاك إلا بذنوبه ، وإنه
ليصيبه السقم وما ذاك إلا بذنوبه ، وإنه ليحبس عنه الرزق وما هو إلا بذنوبه ، وإنه
ليشدد عليه عند الموت وما هو إلا بذنوبه ، حتى يقول من حضره : لقد غم بالموت ، فلما
رأى ما قد دخلني قال : أتدري لم ذاك يا مفضل ؟ قال : قلت : لا أدري جعلت فداك ، قال :
ذاك والله إنكم لا تؤاخذون بها في الآخرة وعجلت لكم في الدنيا . " ص 108 "
بيان : قال الفيروز آبادي : المعرة : الاثم ، والاذى ، والغرم ، والدية ، والخيانة .
قوله عليه السلام : لقد غم بالموت أي صار مغموما متألما بالموت غاية الغم لشدته ، وقال
الجوهري : غم يومنا بالفتح ، فهو يوم غم : إذا كان يأخذ بالنفس من شدة الحر .
16 - مع : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن يحيى بن المبارك ، عن علي بن
الصلت ، ( 1 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كنا معه في جنازة فقال بعض القوم : بارك الله
* ( هامش ) * ( 1 ) أقول : الموجود في نسخة المصنف والمطبوع ونسخة مخطوطة اخرى من البحار ( على بن الصلت )
والظاهر أنه لا يصح لان على بن الصلت لم يدرك أبا عبدالله عليه السلام ، ولعله تصحيف ( على بن
الصامت ) كما في معانى الاخبار المطبوع ، فليراجع الحديث في ص 108 منه . [ * ]
[158]
لي في الموت وفيما بعد الموت ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام : فيما بعد الموت فضل ، إذا بورك
لك في الموت فقد بورك لك فيما بعده . " ص 108 "
17 - ع : علي بن حاتم ، عن القاسم بن محمد ، عن حمدان بن الحسين ، عن الحسين
ابن الوليد ، عن عمران بن الحجاج ، عن عبدالرحمن ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت
لاي علة إذا خرج الروح من الجسد وجد له مسا ، وحيث ركبت لم يعلم به ؟ قال :
لانه نما عليها البدن . " ص 111 " .
بيان : قوله عليه السلام : لانه نما عليها البدن أي أن الالم إنما هو لالفة الروح
بالبدن لنموه عليها لا لمحض الاخراج حتى يكون لادخال الروح أيضا ألم ، أو أنه
لما نما عليها البدن وبلغ حدا يعرف الآلام والاوجاع فلذا يتألم بإخراج الروح ،
بخلاف حالة الادخال فإنه قبل دخول الروح ما كان يجد شيئا لعدم الحياة ، وبعده
لا ألم يحس به ، ويحتمل وجها ثالثا وهو أن السائل لما توهم أن الروح يدخل حقيقة في
البدن سأل عن الحكمة في عدم تأثر البدن بدخول الروح وتأثره بالخروج ، مع أن
العكس أنسب ، فأجاب عليه السلام بأن الروح الحيواني لا يدخل من خارج في البدن ، بل
إنما تتولد فيه وينمو البدن عليها . ( 1 ) والمس أول ما يحس به من التعب والالم منه .
18 - ن ، ل : ابن الوليد ، عن سعد ، عن أحمد بن حمزة الاشعري ، عن ياسر الخادم
قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم
يولد ويخرج من بطن امه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم
يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا ، وقد سلم الله عزوجل على يحيى عليه السلام في
هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال : " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث
حيا " وقد سلم عيسى بن مريم عليه السلام على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال : " والسلام
علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا " . " ص 142 ج 1 ص 35 "
* ( هامش ) * ( 1 ) لو بدل رحمه الله الروح الحيوانى بالروح الانسانى انطبق على الحركة الجوهرية القائلة
بكون الروح الانسانى إحدى مراتب البدن الاستكمالية كما يدل عليه قوله تعالى : " ثم انشأناه
خلقا آخر " الاية والمدرك للذة والالم هو النفس فيتم البيان ، فالروح حدوثه كمال للبدن وهو
نفسه فلا يشعر به ، ومفارقته مفارقة ما أنس به بالتعلق والتصرف فيوجب التألم . ط [ * ]
[159]
19 - ل : أبي ، عن سعد ، عن الاصبهاني ، عن المنقري عن عبدالرزاق ، عن معمر
عن الزهري قال : قال علي بن الحسين عليهما السلام : أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات : الساعة
التي يعاين فيها ملك الموت ، والساعة التي يقوم فيها من قبره ، والساعة التي يقف فيها
بين يدي الله تبارك وتعالى فإما إلى الجنة وإما إلى النار . ثم قال : إن نجوت يابن آدم
عند الموت فأنت أنت وإلا هلكت ، وإن نجوت يابن آدم حين توضع في قبرك فأنت أنت
وإلا هلكت ، وإن نجوت حين يحمل الناس على الصراط فأنت أنت وإلا هلكت ،
وإن نجوت حين يقوم الناس لرب العالمين فأنت أنت وإلا هلكت . ثم تلا : " ومن ورائهم
برزخ إلى يوم يبعثون " قال : هو القبر ، وإن لهم فيه لمعيشة ضنكا ، والله إن القبر لروضة
من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار . ثم أقبل على رجل من جلسائه فقال له : قد
علم ساكن السماء ساكن الجنة من ساكن النار فأى الرجلين أنت ؟ وأي الدارين
دارك ؟ . " ج 1 ص 59 "
20 - لي : أبي ، عن سعد ، عن النهدي ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ،
عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل : " وقيل من راق "
قال : ذاك قول ابن آدم إذا حضره الموت ، قال : هل من طبيب ؟ هل من دافع ؟ ( 1 ) قال :
" وظن أنه الفراق " يعني فراق الاهل والاحبة عند ذلك ، قال : " والتفت الساق بالساق "
قال : التفت الدنيا بالآخرة ، قال : " إلى ربك يومئذ المساق " إلى رب العالمين يومئذ
المصير . " ص 185 "
21 - كا : علي ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن المفضل بن صالح ، عن جابر
عن أبي جعفر عليه السلام مثله . ( 2 ) " ف ج 1 ص 71 "
22 - لي ، ن : الطالقاني ، عن ابن عقدة ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه
عن الرضا عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : لما حضرت الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة بكى
فقيل : يابن رسول الله أتبكي ومكانك من رسول الله صلى الله عليه واله مكانك الذي أنت به ( 3 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في الامالى المطبوع : هل من طبيب ؟ هل من راق ؟ الخ .
( 2 ) مع اختلاف في الالفاظ م
( 3 ) في الامالى : ومكانك من رسول الله صلى الله عليه وآله الذى انت به . م [ * ]
[160]
وقد قال فيك رسول الله صلى الله عليه واله ما قال ، وقد حججت عشرين حجة ماشيا ، وقد قاسمت
ربك مالك ثلاث مرات حتى النعل والنعل ؟ فقال عليه السلام : إنما أبكي لخصلتين :
لهول المطلع ، وفراق الاحبة . " ص 133 - 134 ص 168 "
23 - ين : النضر ، عن ابن سنان ، عمن سمع أبا جعفر عليه السلام مثله ، وفيه : وقد
حججت عشرين حجة راكبا ، وعشرين حجة ماشيا . وما في رواية الصدوق أظهر .
24 - سن : ابن فضال ، عن ابن فضيل ، عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت
أبا عبدالله عليه السلام يقول : قال الله تبارك وتعالى : ما ترددت عن شئ أنا فاعله كترددي عن
المؤمن ، فإني احب لقاءه ويكره الموت ، فأزويه عنه ، ولو لم يكن في الارض إلا
مؤمن واحد لاكتفيت به عن جميع خلقي ، وجعلت له من إيمانه انسا لا يحتاج معه إلى
أحد . " ص 160 "
25 - سن : ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي قال : قال أبوعبدالله عليه السلام :
قال الله تبارك وتعالى : ليأذن بحرب مني مستدل عبدي المؤمن ، وما ترددت عن شئ
كترددي في موت المؤمن ، إنى لاحب لقاءه ويكره المو فأصرفه عنه ، وإنه ليدعوني
في أمر ( 1 ) فأستجيب له لما هو خير له ، ( 2 ) ولو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي
مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي ، ولجعلت له من إيمانه انسا لا يستوحش فيه إلى
أحد . " ص 160 "
بيان : قوله تعالى : فأستجيب له لما هو خير له أي اعطيه عوضا عما يسألني من الامور الفانية ما أعلمه أنه خير له من اللذات الباقية .
26 - سن : أبي ، عمن حدثه ، عن أبي سلام النحاس ، عن محمد بن مسلم قال :
قال أبوعبدالله عليه السلام : والله لا يصف عبد هذا الامر فتطعمه النار ، قلت : إن فيهم من
يفعل ويفعل ! فقال : إنه إذا كان ذلك ابتلى الله تبارك وتعالى أحدهم في جسده فإن
كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيق الله عليه في رزقه ، فإن ذلك كفارة لذنوبه
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : في الامر . م
( 2 ) ليست هذه الجملة إلى قوله : عن جميع خلقى موجودة في المصدر ، وفيه ايضا : " اجعل له "
بدل " لجعلت له " . م [ * ]
[161]
وإلا شدد الله عليه عند موته حتى يأتي الله ولا ذنب له ، ثم يدخله الجنة . " ص 172 "
27 - سن : ابن محبوب ، عن محمد بن القاسم ، عن داود بن فرقد ، عن يعقوب بن
شعيب قال : لابي عبدالله عليه السلام : رجل يعمل بكذا وكذا - فلم أدع شيئا إلا
قلته - وهو يعرف هذا الامر ، فقال : هذا يرجى له والناصب لا يرجى له ، وإن كان
كما تقول لا يخرج من الدنيا حتى يسلط الله عليه شيئا يكفر الله عنه به ، إما فقرا وإما
مرضا . " ص 172 "
28 - جع : قال رسول الله صلى الله عليه واله : فوالذي نفس محمد بيده لو يرون مكانه و
يسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على نفوسهم ، حتى إذا حمل الميت على
نعشه رفرف روحه فوق النعش ، وهو ينادي : ياأهلي وياولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما
لعبت بي فجمعت المال من حله وغير حله ، ثم خلفته لغيري فالمهنأ له والتبعة علي ، فاحذروا
مثل ما حل بي . وقيل : ما من ميت يموت حتى يتراءى له ملكان الكاتبان عمله فإن
كان مطيعا قالا له : جزاك الله عنا خيرا ، فرب مجلس صدق أجلستنا ، وعمل صالح قد
أحضرتنا ، وإن كان فاجرا قالا : لا جزاك الله عنا خيرا فرب مجلس سوء قد أجلستنا ،
وعمل غير صالح قد أحضرتنا ، وكلام قبيح قد أسمعتنا .
29 - وقال النبي صلى الله عليه واله : إذا رضي الله عن عبد قال : ياملك الموت اذهب إلى
فلان فأتني بروحه ، حسبي من عمله ، قد بلوته فوجدته حيث احب ، فينزل ملك الموت و
معه خمسمائة من الملائكة معهم قضبان الرياحين واصول الزعفران ، كل واحد منهم
يبشره ببشارة سوى بشارة صاحبه ، ويقوم الملائكة صفين لخروج روحه ، معهم الريحان


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 161 سطر 19 إلى صفحه 169 سطر 18

فإذا نظر إليهم إبليس وضع يده على رأسه ثم صرخ ، فيقول له جنوده : مالك ياسيدنا ؟
فيقول : أما ترون ما اعطي هذا العبد من الكرامة ؟ أين كنتم عن هذا ؟ قالوا : جهدنا
به فلم يطعنا .
30 - كنز : أبوطاهر المقلد بن غالب ، عن رجاله بإسناده المتصل إلى علي بن
أبي طالب عليه السلام : وهوساجد يبكي علا نحيبه وارتفع صوته بالبكاء ، فقلنا : يا أمير
[162]
المؤمنين لقد أمرضنا بكاؤك وأمضنا وشجانا ، ( 1 ) وما رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل
قط ، فقال : كنت ساجدا أدعوا ربي بدعاء الخيرات في سجدتي فغلبني عيني فرأيت رؤيا
هالتني وأقلقتني ، رأيت رسول الله صلى الله عليه واله قائما وهو يقول : يا أبا الحسن طالت غيبتك فقد
اشتقت إلى رؤياك ، وقد أنجز لي ربي ما وعدني فيك . فقلت يارسول الله وما الذي
أنجز لك في ؟ قال : أنجز لي فيك وفي زوجتك وابنيك وذريتك في الدرجات العلى في
عليين ، قلت : بأبي أنت وامي يا رسول الله فشيعتنا ؟ قال : شيعتنا معنا ، وقصورهم
بحذاء قصورنا ، ومنازلهم مقابل منازلنا ، قلت : يارسول الله فما لشيعتنا في الدنيا ؟
قال : الامن والعافية ، قلت : فما لهم عند الموت ؟ قال : يحكم الرجل في نفسه ويؤمر
ملك الموت بطاعته ، قلت : فما لذلك حد يعرف ؟ قال : بلى ، إن أشد شيعتنا لنا حبا
يكون خروج نفسه كشرب أحدكم في يوم الصيف الماء البارد الذي ينتقع به القلوب
وإن سائرهم ليموت كما يغبط أحدكم على فراشه كأقر ما كانت عينه بموته .
31 - فر : أبوالقاسم العلوي معنعنا عن أبي بصير قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام
جعلت فداك يستكره المؤمن على خروج نفسه ؟ قال : فقال : لا والله ، قال : قلت : وكيف
ذاك ، قال : إن المؤمن إذا حضرته الوفاة حضر رسول الله صلى الله عليه واله وأهل بيته : أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وجميع الائمة عليهم الصلاة والسلام ،
- ولكن أكنوا عن اسم فاطمة - ويحضره جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ( 2 )
عليهم السلام ، قال : فيقول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : يارسول الله إنه كان
ممن يحبينا ويتولانا فأحبه ، قال فيقول رسول الله صلى الله عليه واله : ياجبرئيل إنه ممن كان يحب
عليا وذريته فأحبه ، وقال جبرئيل لميكائيل وإسرافيل عليهم السلام مثل ذلك ، ثم يقولون
جميعا لملك الموت : إنه ممن كان يحب محمدا وآله ويتولى عليا وذريته فارفق به
قال فيقول ملك الموت : والذي اختاركم وكرمكم واصطفى محمدا صلى الله عليه واله بالنبوة ،
وخصه بالرسالة لانا أرفق به من والد رفيق ، وأشفق عليه من أخ شفيق ، ثم قام إليه
* ( هامش ) * ( 1 ) أمضه الامر : أحرقه وشق عليه . أمضه الجرح ونحوه : أوجعه . وشجا الرجل : أحزنه .
( 2 ) في المصدر : وعزرائيل وملك الموت . م [ * ]
[163]
ملك الموت فيقول : يا عبدالله أخذت فكاك رقبتك ؟ أخذت رهان أمانك ؟ فيقول : نعم ،
فيقول الملك : فبماذا ؟ فيقول : بحبي محمدا وآله ، وبولايتي علي بن أبي طالب وذريته ،
فيقول : أما ما كنت تحذر فقد آمنك الله منه ، وأما ما كنت ترحو فقد أتاك الله به ،
افتح عينيك فانظر إلى ما عندك ، قال : فيفتح عينيه فينظر إليهم واحدا واحدا ، ويفتح
له باب إلى الجنة فينظر إليها ، فيقول له : هذا ما أعد الله لك ، وهؤلاء رفقاؤك ، أفتحب
اللحاق بهم أو الرجوع إلى الدنيا ؟ قال : فقال أبوعبدالله عليه السلام : أما رأيت شخوصه ( 1 )
ورفع حاجبيه إلى فوق من قوله : لا حاجة لي إلى الدنيا ولا الرجوع إليها ؟ ويناديه
مناد من بطنان العرش يسمعه ويسمع من بحضرته : يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد
ووصية والائمة من بعده ارجعي إلى ربك راضية بالولاية ، مرضية بالثواب ، فادخلي
في عبادي مع محمد وأهل بيته وادخلي جنتى غير مشوبة . " ص 210 "
بيان : قوله عليه السلام : ولكن أكنوا عن اسم فاطمة أي لا تصرحوا باسمها عليها السلام
لئلا يصير سببا لانكار الضعفاء من الناس .
قوله عليه السلام : من قوله : لا حاجة أي رفع حاجبيه إشارة إلى الاباء والامتناع عن
الرجوع إلى الدنيا . قوله عليه السلام : غير مشوبة أي حال كون الجنة غير مشوبة بالمحن
والآلام .
32 - فر : محمد بن عيسى بن زكريا الدهقان ، معنعنا عن محمد بن سليمان الديلمي ،
عن أبيه قال : سمع الافريقي يقول : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المؤمن : أيستكره على قبض
روحه ؟ قال : لا والله ، قلت : وكيف ذاك ؟ قال : لانه إذا حضره ملك الموت جزع ،
فيقول له ملك الموت : لا تجزع فوالله لانا أبر بك وأشفق ( 2 ) من والد رحيم لو حضرك ،
افتح عينيك وانظر ، قال : ويتهلل له رسول الله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن و
الحسين والائمة من بعدهم والزهراء عليهم الصلاة والسلام ، قال : فينظر إليهم فيستبشر بهم ،
* ( هامش ) * ( 1 ) شخص الشئ : ارتفع . شخص بصره : فتح عينيه فلم يطرف ، شخص الميت بصره وببصره :
رفعه . وفى المصدر : شخصه .
( 2 ) في المصدر : واشفق عليك . م [ * ]
[164]
فما رأيت شخوصه ؟ ( 1 ) قلت : بلى ، قال : فإنما ينظر إليهم قال : قلت : جعلت فداك
قد يشخص المؤمن والكافر ، قال : ويحك إن الكافر يشخص منقلبا إلى خلفه لان ملك
الموت إنما يأتيه ليحمله من خلفه ، والمؤمن أمامه ، وينادي روحه مناد من قبل رب
العزة من بطنان العرش فوق الافق الاعلى ويقول : يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد
وآله - صلوات الله عليهم - ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، فادخلي في عبادي وادخلي
جنتي ، فيقول ملك الموت : إني قد امرت أن اخيرك الرجوع إلى الدنيا والمضي ،
فليس شئ أحب إليه من إسلال روحه . ( 2 ) " ص 210 "
33 - نهج : لا ينزجر من الله بزاجر ، ولا يتعظ منه بواعظ ، وهو يرى المأخوذين
على الغرة ( 3 ) حيث لا إقالة ولا رجعة كيف نزل بهم ما كانوا يجهلون ، وجاءهم من
فراق الدنيا ما كانوا يأمنون ، ( 4 ) وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون ، فغير موصوف
ما نزل بهم ، ( 5 ) اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت ، ففترت لها أطرافهم ، و
تغيرت لها ألوانهم ، ثم ازداد الموت فيهم ولوجا فحيل بين أحدهم وبين منطقه ، وإنه لبين أهله ينظر ببصره ويسمع باذنه على صحة من عقله وبقاء من لبه ، ويفكر فيم
أفنى عمره ؟ وفيم أذهب دهره ؟ ويتذكر أموالا جمعها أغمض في مطالبها ، ( 6 ) وأخذها
من مصرحاتها ( 7 ) ومشتبهاتها ، قد لزمته تبعات جمعها ، ( 8 ) وأشرف على فراقها ، تبقى
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : شخصه . م
( 2 ) من سل الشئ من الشئ : إذا انتزعه وأخرجه برفق .
( 3 ) بكسر الغين المعجمة أى بغتة وعلى غفلة .
( 4 ) من الموت وما بعده ، لان الغافل حال انهماكه في لذات الدنيا واشتغاله باللهو واللعب
فيها لا يعرض له خوف الموت ، بل يكون آمنا منه وغافلا عنه .
( 5 ) أى لا يمكن توصيف ما نزل بهم من الاهوال والحسرات حقيقة ، بل كل ما يقال في ذلك تمثيل
يقرب ذلك إلى ذهن الفاهم .
( 6 ) أى تساهل في وجوه اكتسابها ، لم يفرق بين حلالها وحرامها ، فكأنه أغمض عينيه وأطبق
جفنيها فلم ينظر إلى حرامها ومشتبهها .
( 7 ) الصرح : الخالص من كل شئ .
( 8 ) تبعات بفتح فكسر : ما يطالبه به الناس من حقوقهم فيها أو ما يحاسبه به الله من منع حقه
منها وتخطى حدود شرعه في جمعها . [ * ]
[165]
لمن وراءه ينعمون بها ( 1 ) فيكون المهنأ لغيره ، ( 2 ) والعبء على ظهره ، والمرء قد غلقت
رهونه بها ، يعض يده ندامة على ما اصحر له عند الموت من أمره ، ويزهد فيما كان
يرغب فيه أيام عمره ، ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه ،
فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط سمعه ، ( 3 ) فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ولا
يسمع بسمعه ، يردد طرفه بالنظر في وجوههم ، يرى حركات ألسنتهم ولا يسمع رجع
كلامهم ، ثم ازداد الموت التياطا فقبض بصره كما قبض سمعه ، وخرجت الروح من
جسده فصار جيفة بين أهله ، قد أوحشوا من جانبه ، وتباعدوا من قربه ، لا يسعد باكيا
ولا يجيب داعيا ، ثم حملوه إلى مخط من الارض ، ( 4 ) وأسلموه فيه إلى عمله ، وانقطعوا
عن زورته حتى إذا بلغ الكتاب أجله . إلى آخر ما سيأتي في باب صفة المحشر .
بيان : ما كانوا يجهلون أي من تفصيل أهواله وسكراته أو لعدم استعدادهم له
كأنهم جاهلون ، والولوج : الدخول : والمصرحات : يحتمل الحلال الصريح والحرام
الصريح ، والعبء بالكسر : الحمل ، ( 5 ) ويقال : غلق الرهن يغلق غلوقا : إذا بقي في
يد المرتهن لا يقدر راهنه على فكه ، على ما اصحر له أي انكشف ، وأصله الخروج إلى
الصحراء ، والضمير في أمره راجع إلى الموت أو المرء ، ولا يسمع رجع كلامهم أي ما
يتراجعونه بينهم من الكلام ، والالتياط : الالتصاق ، قد أوحشوا من جانبه أي وجعلوا
مستوحشين ، والمستوحش : المهموم الفزع .
34 - كا : العدة ، عن سهل ، ( 6 ) عن محمد بن الفضيل ، عن أ بي حمزة قال : سمعت
* ( هامش ) * ( 1 ) الموجود في النهج : ينعمون فيها ويتمتعون بها .
( 2 ) المهنأ : ما أتاك بلا مشقة .
( 3 ) في النهج : حتى خالط لسانه سمعه . أى شارك السمع اللسان عن أداء وظيفته ، وفيه إشارة
إلى أن ما تبطل أولا من الاعضاء اللسان ، ثم السمع ، ثم البصر .
( 4 ) المخط : موضع الخط : كناية عن القبر ، يخط أولا ثم يحفر . ويروى بالحاء ، ومحط
القوم : منزلهم ، قاله ابن ميثم .
( 5 ) والثقل .
( 6 ) الصحيح كما في الكافى والمرآت : سهل بن زياد ، عن محمد بن على ، عن محمد بن الفضيل . [ * ]
[166]
أبا جعفر عليه السلام يقول : إن آية المؤمن إذا حضره الموت يبيض وجهه أشد من بياض لونه ،
ويرشح جبينه ، ويسيل من عينيه كهيئة الدموع فيكون ذلك خروج نفسه ، وإن الكافر
تخرج نفسه سيلا من شدقه ، ( 1 ) كزبد البعير ، أو كما تخرج نفس البعير . " ف ج 1 ص 38 "
35 - كا : علي ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن إدريس القمي قال :
سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن الله عزوجل يأمر ملك الموت فيرد نفس المؤمن ليهون
عليه ويخرجها من أحسن وجهها فيقول الناس : لقد شدد على فلان الموت ، وذلك تهوين
من الله عزوجل عليه . وقال : يصرف عنه إذا كان ممن سخط الله عليه ، أو ممن أبغض الله أمره
أن يجذب الجذبة التي بلغتكم بمثل السفود من الصوف المبلول ، فيقول الناس : لقد هون
على فلان الموت . " ف ج 1 ص 38 "
بيان : قوله عليه السلام : فيرد نفس المؤمن أي يرد الروح إلى بدنه بعد قرب النزع
مرة بعد اخرى لئلا يشق عليه مفارقة الدنيا دفعة ، والكافر يصرف عنه ذلك ، وقيل :
يراه منزله في الجنة ثم يرد إليه الروح كاملا ليرضى بالموت ويهون عليه ، أو يرد عليه
روحه مرة بعد اخرى ليخفف بذلك سيئاته ويهون عليه أمر الآخرة ، والاول
أظهر . والسفود بالتشديد : الحديدة التي يشوى بها اللحم .
36 - فس : في قوله تعالى : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " أي على ولاية
أمير المؤمينين عليه السلام " نتنزل عليهم الملائكة " قال : عند الموت " ألا تخافوا ولا تحزنوا و
أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا " قال : كنا نحرسكم
من الشياطين " وفي الآخرة " أي عند الموت " ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما
تدعون " يعني في الجنة " نزلا من غفور رحيم " . " ص 592 - 593 "
37 - كا : علي ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : إن الميت إذا حضره الموت أوثقه ملك الموت ولولا ذلك ما استقر . ( 2 ) " ف ج 1 ص 68 - 69 "
* ( هامش ) * ( 1 ) الشدق : جانب الفم .
( 2 ) قال المصنف قدس الله روحه في كتابه مرآت العقول - بعد تضعيفه الحديث - : الايثاق إما * [ * ]
[167]
38 - يه : سئل رسول الله صلى الله عليه واله : كيف يتوفى ملك الموت المؤمن ؟ فقال : إن
ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى فيقوم هو وأصحابه
لا يدنو منه حتى يبدأ ( 1 ) بالتسليم ويبشره بالجنة . " ص 33 "
39 - لى : بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من صام
من رجب أربعة وعشرين يوما فإذا نزل به ملك الموت تراءى له في صورة شاب ، عليه
حلة من ديباج أخضر ، على فرس من أفراس الجنان ، وبيده حرير أخضر ممسك بالمسك
الاذفر ، وبيده قدح من ذهب مملوء من شراب الجنان ، فسقاه إياه عند خروج نفسه
يهون عليه سكرات الموت ، ثم يأخذ روحه في تلك الحرير فيفوح منها رائحة يستنشقها
أهل سبع سماوات فيظل في قبره ريان حتى يرد حوض النبي صلى الله عليه واله . " ص 321 "
أقول : سيأتي الحديث بإسناده في كتاب الصوم .
40 - ما : المفيد ، عن الجعابي ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن سلمة ، عن إبراهيم بن
محمد ، عن الحسن بن حذيفة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : مرض رجل من أصحاب سلمان
رحمه الله فافتقده فقال : أين صاحبكم ؟ قالوا : مريض ، قال : امشوا بنا نعوده ، فقاموا معه
فلما دخلوا على الرجل إذا هو يجود بنفسه ، فقال سلمان : يا ملك الموت ارفق بولى الله ،
فقال ملك الموت بكلام سمعه من حضر : يا أبا عبدالله إني أرفق بالمؤمنين ، ولو ظهرت
لاحد لظهرت لك . " ص 80 "
عد : الاعتقاد في الموت قيل لامير المؤمنين عليه السلام : صف لنا الموت ، فقال : على
الخبير سقطتم ، وساق الحديث إلى آخر ما رويناه من كتاب معاني الاخبار عن كل إمام
في ذلك . ( 2 ) وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرحه : ترجم الباب بالموت وذكر غيره
وقد كان ينبغي أن يذكر حقيقة الموت ، أو يترجم الباب بمآل الموت وعاقبة الاموات
* ( هامش ) * * على الحقيقة وإن لم ترا الوثاق ، أو هو كناية عن أن بعد رؤيته لا تبقى له قوة تقدر على الحركة ،
وقال الوالد رحمه الله : يوثقه بالبشارة بما أعد الله له ، أو باراءة الجنة ومراتبها المعدة له : أو
بمشاهدته ، كما ترى أنه إذا رأى الشخص أسدا كأنه يتوثق ولا يمكنه الحركة ، أو بأنياب المنية ،
أو بغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى وحججه عليهم السلام .
( 1 ) في المصدر : حتى يبدأه . م
( 2 ) تقدم الحديث تحت رقم 9 . [ * ]
[168]
فالموت هو مضاد الحياة ، يبطل معه النمو ، ويستحيل معه الاحساس ، وهو من فعل الله
تعالى ، ليس لاحد فيه صنع ، ولا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى ، قال الله سبحانه :
" وهو الذي يحيى ويميت " ( 1 ) فأضاف الاحياء والاماتة إلى نفسه ، وقال : " الذي خلق
الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا " ( 2 ) فالحياة ما كان بها النمو والاحساس ،
ويصح معها القدرة والعلم ، والموت ما استحال معه النمو والاحساس ، ولم يصح معه
القدرة والعلم ، وفعل الله تعالى الموت بالاحياء لنقلهم من دار العمل والامتحان إلى دار
الجزاء والمكافاة ، وليس يميت الله عبدا إلا وإماتته أصلح له من بقائه ، ولا يحييه إلا
وحياته أصلح له من موته ، وكل ما يفعله الله تعالى بخلقه فهو أصلح لهم وأصوب في
التدبير ، وقد يمتحن الله تعالى كثيرا من خلقه بالالآم الشديدة قبل الموت ويعفي آخرين
من ذلك ، وقد يكون الالم المتقدم للموت ضربا من العقوبة لمن حل به ، ويكون
استصلاحا له ولغيره ، ويعقبه نفعا عظيما وعوضا كثيرا ، وليس كل من صعب عليه خروج
نفسه كان بذلك معاقبا ، ولا كل من سهل عليه الامر في ذلك كان به مكرما مثابا ، وقد
ورد الخبر ( 3 ) بأن الآلام التي تتقدم الموت تكون كفارات لذنوب المؤمنين ، وتكون
عقابا للكافرين ، وتكون الراحة قبل الموت استدراجا للكافرين ، وضربا من ثواب
المؤمنين ، وهذا أمر مغيب عن الخلق ، لم يظهر الله تعالى أحدا من خلقه على إرادته
فيه ، تنبيها له حتى يميز له حال الامتحان من حال العقاب ، وحال الثواب من حال
الاستدراج ، تغليظا للمحنة ليتم التدبير الحكمي في الخلق .
فأما ما ذكره أبوجعفر من أحوال الموتى بعد وفاتهم فقد جاءت الآثار به على
التفصيل ، وقد أورد بعض ما جاء في ذلك إلا أنه ليس مما ترجم به الباب في شئ ، و
الموت على كل حال أحد بشارات المؤمن ، إذ كان أول طرقه إلى محل النعيم ، وبه
يصل إلى ثواب الاعمال الجميلة في الدنيا ، وهو أول شدة تلحق الكافر من شدائد العقاب
* ( هامش ) * ( 1 ) المؤمن : 68 .
( 2 ) الملك : 2 .
( 3 ) تقدم في الباب أخبار عديدة تدل على ذلك . [ * ]
[169]
وأول طرقه إلى حلول العقاب إذ كان الله تعالى جعل الجزاء على الاعمال بعده ، وصيره
سببا لنقله من دار التكليف إلى دار الجزاء ، وحال المؤمن بعد موته أحسن من حاله
قبله ، وحال الكافر بعد موته أسوء من حاله قبله ، إذ المؤمن صائر إلى جزائه بعد مماته ،
والكافر صائر إلى جزائه بعد مماته .
41 - وقد جاء الحديث من آل محمد عليهم السلام أنهم قالوا : الدنيا سجن المؤمن ، والقبر
بيته ، والجنة مأواه ، والدنيا جنة الكافر ، والقبر سجنه ، والنار مأواه .
42 - وروي عنهم عليهم السلام أنهم قالوا : الخير كله بعد الموت ، والشر كله بعد الموت .
ولا حاجة بنا مع نص القرآن بالعواقب إلى الاخبار ، وقد ذكر الله جزاء الصالحين فبينه ،
وذكر عقاب الفاسقين ففصله ، وفي بيان الله وتفصيله غنى عما سواه انتهى .
أقول : سيأتي خبر طويل يشتمل على تكلم سلمان مع الاموات في باب أحواله
رضي الله عنه .
43 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن
النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن سليمان بن داود ، عن أبي بصير قال : قلت لابي
عبدالله عليه السلام قوله عزوجل : " فلولا إذا بلغت الحلقوم " إلى قوله : " إن كنتم صادقين " فقال
إنها إذا بلغت الحلقوم اري ( 1 ) منزله في الجنة فيقول : ردوني إلى الدنيا حتى اخبر
أهلي بما أرى ، فيقال له : ليس إلى ذلك سبيل . " ف ج 1 ص 38 "
44 - كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الهيثم بن واقد ،
عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : دخل رسول الله صلى الله عليه واله على رجل من أصحابه وهو


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 169 سطر 19 إلى صفحه 177 سطر 18

يجود بنفسه فقال : ياملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن ، فقال : أبشر يا محمد فإني
بكل مؤمن رفيق ، واعلم يا محمد إني أقبض روح ابن آدم فيجزع أهله فأقوم في ناحية
من دارهم فأقول : ما هذا الجزع فوالله ما تعجلناه قبل أجله ، وماكان لنا في قبضه من
ذنب ، فإن تحتسبوه وتصبروا تؤجروا ، وإن تجزعوا تأثموا وتوزروا ، واعلموا أن
لنا فيكم عودة ثم عودة ، فالحذر الحذر ! إنه ليس في شرقها ولا في غربها ( 2 ) أهل بيت
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ثم ارى . م .
( 2 ) الضمير في الكلمتين يرجع إلى الارض ، ولم يذكرها اعتمادا على القرينة . [ * ]
[170]
مدر ولا وبر ( 1 ) إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات ، ولانا أعلم بصغيرهم و
كبيرهم منهم بأنفسهم ، ولو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليها حتى يأمرني ربي
بها . فقال رسول الله صلى الله عليه واله : إنما يتصفحهم في مواقيت الصلاة ، فإن كان ممن يواظب
عليها عند مواقيتها لقنه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ونحى عنه ملك
الموت إبليس . " ف ج 1 ص 38 "
45 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن المفضل بن صالح ، عن جابر ،
عن أبي جعفر عليه السلام مثله بأدني تغيير . " ف ج 1 ص 38 "
بيان : استدل بهذا الخبر على أن القابض لارواح غير الانسان من الحيوانات
أيضا هو ملك الموت عليه السلام ، وفيه نظر .
46 - كا : علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال ، إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه اشتكى عينه فعاده النبي صلى الله عليه واله فإذا هو يصيح ،
فقال له النبي ( 2 ) أجزعا أم وجعا ؟ فقال : يا رسول الله ما وجعت وجعا قط أشد
منه ! فقال : يا علي إن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفود من نار فنزع
روحه به فتصيح جهنم ، فاستوى علي عليه السلام جالسا فقال : يارسول الله أعد علي حديثك
فقد أنساني وجعي ما قلت ، ثم قال : هل يصيب ذلك أحدا من امتك ؟ قال : نعم
حاكم جائر ، وآكل مال اليتيم ظلما ، وشاهد زور . " ف ج 1 ص 70 "
47 - كا : على بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن الحكم ، عن ربيع بن
محمد ، عن عبدالله بن سليم العامري ، عن ابي عبدالله عليه السلام قال : إن عيسى بن مريم عليه السلام
جاء إلى قبر يحيى بن زكريا عليهما السلام وكان سأل ربه أن يحييه له ، فدعاه فأجابه وخرج
إليه من القبر ، فقال له : ما تريد مني ؟ فقال له : اريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا ،
فقال له : يا عيسى ما سكنت عني حرارة الموت ( 3 ) وأنت تريد أن تعيدني إلى
* ( هامش ) * ( 1 ) أراد من أهل بيت المدر أهل القرى ، ومن أهل بيت الوبر أهل البوادي وأهل الفساطيط والخيم .
( 2 ) في المصدر : فقال النبي . م
( 3 ) في نسخة من الكافي : مرارة السوق . وفى الوافى : حزازة السوق . وهو وجع في القلب
من الغيظ ونحوه . والسوق بالفتح : النزع كأن روح الانسان تساق لتخرج من بدنه . [ * ]
[171]
الدنيا وتعود علي حرارة الموت ، فتركه فعاد إلى قبره . " ف ج 1 ص 72 "
بيان : لعل ذوق حرارة الموت إنما يكون بعد استمرار التعيش في الدنيا و
عود التعلقات كما كانت .
48 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن يزيد الكناسي
عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن فتية من أولاد ملوك بني إسرائيل كانوا متعبدين ، وكانت
العبادة في أولاد ملوك بني إسرائيل ، وأنهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا فمروا
بقبر على ظهر الطريق ( 1 ) قد سفى عليه السافي ، ليس يتبين منه إلا رسمه ، ( 2 ) فقالوا :
لو دعونا الله الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فساءلناه كيف وجد طعم الموت ؟ فدعوا
الله ، وكان دعاؤهم الذي دعوا الله به : أنت إلهنا ياربنا ، ليس لنا إله غيرك ، والبديع
الدائم ، غير الغافل ، الحي الذي لا يموت ، لك في كل يوم شأن ، تعلم كل شئ بغير
تعليم ، انشر لنا هذا الميت بقدرتك . قال : فخرج من ذلك القبر رجل أبيض الرأس و
اللحية ينفض رأسه من التراب فزعا ، شاخصا بصره إلى السماء ، فقال لهم : ما يوقفكم
على قبري ؟ فقالوا : دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت ؟ فقال لهم : لقد سكنت ( 3 )
في قبري تسعة وتسعين سنة ، ما ذهب عني ألم الموت وكربه ، ولا خرج مرارة طعم الموت من
حلقى ، فقالوا له : مت يوم مت وأنت على ما نرى أبيض الرأس واللحية ؟ قال : لا ، ولكن
لما سمعت الصيحة : " اخرج " اجتمعت تربة عظامي إلى روحى ، فبقيت فيه فخرجت
فزعا ، شاخصا بصري ، مهطعا ( 4 ) إلى صوت الداعي ، فابيض لذلك رأسي ولحيتي .
" ف ج 1 ص 72 "
توضيح : قال الجزري : السافي : الريح التي تسفي التراب .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : على ظهر طريق ( الطريق خ ل ) . م
( 2 ) في المصدر : ليس منه الا رسمه . م
( 3 ) في المصدر : سكنت ( مكثت خ ل ) . م
( 4 ) هطع كمنع هطعا وهطوعا : أسرع مقبلا خائفا ، وأقبل ببصره على الشئ ولا يقلع عنه ،
وأهطع : مد عنقه وصوب رأسه . [ * ]
[172]
49 - محص : عن منصور ، عن معاوية ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول
الله صلى الله عليه واله : قال الله تعالى : ما من عبد اريد أن ادخله الجنة إلا ابتليته في جسده ،
فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا سلطت عليه سلطانا ، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه
وإلا ضيقت عليه في رزقه ، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا شددت عليه عند الموت
متى ؟ يأتيني ولا ذنب له ثم أدخله الجنة ، وما من عبد اريد أن ادخله النار إلا
صححت له جسمه ، فإن كان ذلك تمام طلبته عندي وإلا آمنت خوفه من سلطانه
فإن كان ذلك تمام طلبته عندي وإلا وسعت عليه رزقه ، فإن كان ذلك تمام طلبته
عندي وإلا يسرت عليه عند الموت حتى يأتيني ولا حسنة له ثم ادخله النار .
أقول : سيأتي مثله بأسانيد في باب شدة ابتلاء المؤمن وباب علة ابتلائه .
50 - ما : الغضائري ، عن علي بن محمد العلوي ، عن الحسن بن علي بن صالح
الصوفي ، عن أحمد بن الحسن الحسيني ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن
موسى ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام قال : قيل للصادق جعفر بن محمد عليه السلام : صف لنا الموت ،
قال : للمؤمن كأطيب طيب يشمه فينعس لطيبه وينقطع التعب والالم عنه ، والكافر ( 1 )
كلسع الافاعي ولدغ العقارب وأشد . " ص 55 "
51 - ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبدالله بن محمد بن قيس ، عن أبي الحسن
الثالث ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : الناس اثنان : رجل أراح ، ورجل
استراح ، فأما الذي استراح ( 2 ) فالمؤمن استراح من الدنيا ونصبها ، وافضي إلى رحمة الله
وكريم ثوابه ، وأما الذي أراح فالفاجر أراح ( 3 ) منه الناس والشجر والدواب و
افضي إلى ما قدم " ص 106 - 107 "
52 - دعوات الراوندي : روي بأن المحتضر يحضره صف من الملائكة عن
يمينه عليهم ثياب خضر ، وصف عن يساره عليهم ثياب سود ، ينتظر كل واحد من
الفريقين في قبض روحه ، والمريض ينظر إلى هؤلاء مرة وإلى هؤلاء اخرى ، ويبعث الله
* ( هامش ) * ( 1 ) كذا في النسخ والظاهر : للكافر . ( 2 ) ليس في المصدر جملة " فاما الذي استراح " . م
( 3 ) في المصدر : راح . [ * ]
[173]
ملكا إلى المؤمن يبشره ، ويأمر ملك الموت أن يتراءى له في أحسن صورة ، فإذا أخذ
في قبض روحه وارتقى إلى ركبتيه شفع إلى جبرئيل وقد أمره الله أن ينزل إلى عبده
أن يرخص له في توديع أهله وولده ، فيقول له : أنت مخير بين أن أمسح عليك جناحي ، أو تنظر إلى ميكائيل ، فيقول : أين ميكائيل ؟ فإذا به وقد نزل في جوق من الملائكة
فينظر إليه ويسلم عليه ، فإذا بلغت الروح إلى بطنه وسرته شفع إلى ميكائيل أن
يمهله فيقول له : أنت مخير بين أن أمسح عليك جناحي ، أو تنطر إلى الجنة ، فيختار
النظر إلى الجنة فيتضاحك ، ويأمر الله ملك الموت أن يرفق به ، فإذا فارقته روحه تبعاه
الملكان اللذان كانا موكلين به يبكيان ويترحمان عليه ، ويقولان : رحم الله هذا العبد كم
أسمعنا الخير ، وكم أشهدنا على الصالحات ، وقالا : يا ربنا إنا كنا موكلين به وقد
نقلته إلى جوارك فما تأمرنا ؟ فيقول تعالى : تلزمان قبره وتترحمان عليه وتستغفران
له إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة أتياه بمركب فأركباه ومشيا بين يديه إلى
الجنة وخدماه في الجنة .
( باب 7 )
* ( ما يعاين المؤمن والكافر عند الموت وحضور الائمة عليهم السلام ) *
* ( عند ذلك وعند الدفن ، وعرض الاعمال عليهم صلوات الله عليهم ) *
1 - م : إن المؤمن الموالي لمحمد وآله الطيبين ، والمتخذ لعلي بعد محمد إمامه
الذي يحتذي مثاله ، وسيده الذي يصدق أقواله ويصوب أفعاله ويطعيه بطاعته من
يندبه من أطائب ذريته لامور الدين وسياسته ، إذا حضره من أمر الله تعالى ما لا يرد
ونزل به من قضائه ما لا يصد ، وحضره ملك الموت وأعوانه وجد عند رأسه محمدا رسول
الله ، ومن جانب آخر عليا سيد الوصيين ، وعند رجليه من جانب الحسن سبط سيد
النبيين ، ومن جانب آخر الحسين سيد الشهداء أجمعين ، وحواليه بعدهم خيار خواصهم
ومحبيهم ، الذين هم سادة هذه الامة بعد ساداتهم من آل محمد ، ينظر العليل المؤمن إليهم
فيخاطبهم - بحيث يحجب الله صوته عن آذان حاضريه كما يحجب رؤيتنا أهل البيت
[174]
ورؤية خواصنا عن أعينهم ليكون إيمانهم بذلك أعظم ثوابا لشدة المحنة عليهم - .
فيقول المؤمن : بأبي أنت وامي يا رسول رب العزة ، بأبي أنت وامي ياوصي
رسول رب الرحمة ، بأبي أنتما وامي ياشبلي محمد وضرغاميه ، ياولديه ، وسبطيه ، يا
سيدى شباب أهل الجنة المقربين من الرحمة والرضوان ، مرحبا بكم معاشر خيار
أصحاب محمد وعلي وولديهما ، ما كان أعظم شوقي إليكم ! وما أشد سروري الآن
بلقائكم ! يا رسول الله هذا ملك الموت قد حضرني ولا أشك في جلالتي في صدره لمكانك
ومكان أخيك .
فيقول رسول الله صلى الله عليه واله : كذلك هو ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه واله على ملك الموت فيقول :
ياملك الموت استوص بوصية الله في الاحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا ،
فيقول له ملك الموت : يارسول الله مره أن ينظر إلى ما أعد الله له في الجنان ، فيقول له
رسول الله صلى الله عليه واله : لينظر إلى العلو فينظر إلى ما لا يحيط به الالباب ، ( 1 ) ولا يأتى عليه العدد
والحساب .
فيقول ملك الموت : كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه ، وهذا محمد وأعزته زواره ؟
يارسول الله لولا أن الله جعل الموت عقبة ( 2 ) لا يصل إلى تلك الجنان إلا من قطعها لما
تناولت روحه ، ولكن لخادمك ومحبك هذا اسوة ( 3 ) بك وبسائر أنبياء الله ورسله و
أوليائه الذين اذيقوا الموت لحكم الله تعالى .
ثم يقول محمد : يا ملك الموت هاك أخانا قد سلمناه إليك فاستوص به خيرا ، ثم
يرتفع هو ومن معه إلى روض الجنان وقد كشف من الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن
العليل فيراهم المؤمن هناك بعد ما كانوا حول فراشه فيقول : يا ملك الموت الوحى
الوحى ، ( 4 ) تناول روحي ولا تلبثني ههنا ، فلا صبر لي عن محمد وأعزته ، وألحقني بهم ،
* ( هامش ) * ( 1 ) الموجود في التفسير المطبوع هكذا : فيقول له رسول الله صلى الله عليه واله : انظر ،
فينظر إلى العلو وينظر إلى ما لا يحيط به الالباب .
( 2 ) العقبة : المرقى الصعب من الجبال . ( 3 ) الاسوة بضم الهمزة وكسرها وسكون السين : القدوة .
( 4 ) كلمة تقال في الاستعجال والمعنى : البدار البدار . [ * ]
[175]
فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلها كما يسل الشعرة من الدقيق ، وإن كنتم ترون
أنه في شدة فليس هو في شدة بل هو في رخاء ولذة ، فإذا ادخل قبره وجد جماعتنا هناك .
وإذا جاءه منكر ونكير قال أحدهما للآخر : هذا محمد وعلي والحسن والحسين
وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا فلنتضع لهما ( 1 ) فيأتيان فيسلمان على محمد سلاما
مفردا ، ثم يسلمان على علي سلاما مفردا ، ثم يسلمان على الحسنين سلاما يجمعانهما
فيه ، ثم يسلمان على سائر من معنا من أصحابنا ، ثم يقولون : قد علمنا يا رسول الله
زيارتك في خاصتك لخادمك ومولاك ، ولولا أن الله يريد إظهار فضله لمن بهذه
الحضرة من الملائكه ومن يسمعنا من ملائكته بعدهم لما سألناه ، ولكن أمر الله لابد
من امتثاله ، ثم يسألانه فيقولان : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ومن إمامك ؟
وما قبلتك ؟ ومن شيعتك ؟ ومن إخوانك ؟
فيقول : الله ربى ، ومحمد نبيي ، وعلي وصي محمد إمامي ، والكعبة قبلتي ، و
المؤمنون الموالون لمحمد وعلي وآلهما وأوليائهما المعادون لاعدائهما إخواني ،
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأن أخاه
عليا ولي الله ، وأن من نصبهم للامامة من أطائب عترته وخيار ذريته خلفاء الامة
وولاة الحق والقوامون بالصدق ، فيقولان : على هذا حييت ، وعلى هذا مت ، وعلى
هذا تبعث إن شاء الله تعالى ، وتكون مع من تتولاه في دار كرامة الله ومستقر رحمته .
قال رسول الله صلى الله وعليه واله : وإن كان لاوليائنا معاديا ولاعدائنا مواليا ولاضدادنا
بألقابنا ملقبا فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه مثل الله عزوجل لذلك الفاجر سادته
الذين اتخذهم أربابا من دون الله ، عليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه
ولا يزال يصل إليه من حر عذابهم ما لا طاقة له به ، فيقول له ملك الموت : ياأيها الفاجر
الكافر تركت أولياء الله إلى أعدائه ، فاليوم لا يغنون عنك شيئا ، ولا تجد إلى مناص ( 2 )
سبيلا ، فيرد عليه من العذاب ما لو قسم أدناه على أهل الدنيا لاهلكهم ، ثم إذا دلي في * ( هامش ) * ( 1 ) اى فلنتذلل ولنتخشع لهما .
( 2 ) المناص : الملجأ والمفر . [ * ]
[176]
قبره رأى بابا من الجنة مفتوحا إلى قبره يرى منه خيراتها ، فيقول له منكر ونكير : انظر
إلى ما حرمت من تلك الخيرات ، ثم يفتح له في قبره باب من النار يدخل عليه منه من
عذابها فيقول : رب لا تقم الساعة يارب لا تقم الساعة .
بيان : الضرغام بالكسر الاسد .
2 - م : قوله عزوجل " الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم " ( 1 ) الذين يقدرون
أنهم يلقون ربهم اللقاء الذي هو أعظم كراماته ، وإنما قال : يظنون لانهم لا يرون
بماذا يختم لهم ، والعاقبة مستورة عنهم " وأنهم إليه راجعون " إلى كراماته ، ونعيم
جنانه ، لايمانهم وخشوعهم ، لا يعلمون ذلك يقينا لانهم لا يأمنون أن يغيروا ويبدلوا ،
قال رسول الله صلى الله عليه واله : لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة ، لا يتيقن الوصول إلى
رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له .
وذلك أن ملك الموت يرد على المؤمن وهو في شدة علة ، وعظيم ضيق صدره ،
بما يخلف من أمواله ، ولما هو عليه من اضطراب أحواله في معامليه وعياله ، وقد بقيت
في نفسه مرارتها وحسراتها ، واقتطع دون أمانيه فلم ينلها ، فيقول له ملك الموت :
مالك تجرع غصصك ؟ قال : لاضطراب أحوالي واقتطاعك لي دون آمالي ، فيقول له
ملك الموت : وهل يحزن عاقل من فقد درهم زائف واعتياض ألف ألف ضعف الدنيا ؟
فيقول : لا ، فيقول ملك الموت : فانظر فوقك ، فينظر فيرى درجات الجنة وقصورها
التي يقصر دونها الاماني ، فيقول ملك الموت : تلك منازلك ونعمك وأموالك و
أهلك وعيالك ، ومن كان من أهلك ههنا وذريتك صالحا فهم هناك معك ، أفترضى
به بدلا مما هناك ؟ فيقول : بلى والله .
ثم يقول : انظر فينظر فيرى محمدا وعليا والطيبين من آلهما في أعلا عليين ،
فيقول : أو تراهم ؟ هؤلاء ساداتك وأئمتك ، هم هناك جلاسك وآناسك ، ( 2 ) أفما ترضى
* ( هامش ) * ( 1 ) البقرة : 46 .
2 ) الجلاس جمع الجليس . الاناس جمع الانس : من تأنس به . [ * ]
[177]
بهم بدلا ممن تفارق ههنا ؟ بلى وربي ، فذلك ما قال الله تعالى : " إن الذين
قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا " فما أمامكم
من الاهوال كفيتموها ، ولا تحزنوا " على ما تخلفونه من الذراري والعيال ، فهذا الذي
شاهدتموه في الجنان بدلا منهم ، وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون هذه منازلكم و
هؤلاء ساداتكم آناسكم وجلاسكم .
3 - ين : القاسم ، عن كليب الاسدي ( 1 ) قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : جعلني الله
فداك ، بلغنا عنك حديث ، قال : وما هو ؟ قلت : قولك : إنما يغتبط صاحب هذا الامر
إذا كان في هذه - وأومأت بيدك إلى حلقك - فقال : نعم ، إنما يغتبط أهل هذا الامر
إذا بلغت هذه - وأومأ بيده إلى حلقه - أما ما كان يتخوف من الدنيا فقد ولى عنه
وأمامه رسول الله صلى الله عليه واله وعلي والحسن والحسين ، صلوات الله عليهم . ( 2 )
4 - ين : النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن أيوب قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام
يقول : إن أشد ما يكون عدوكم كراهية لهذا الامر حين تبلغ نفسه هذه - وأومأ بيده
إلى حنجرته - ثم قال : إن رجلا من آل عثمان كان سبابة لعلى عليه السلام فحدثتني مولاة له
كانت تأتينا قالت : لما احتضر قال : مالي ولهم ؟ قلت : جعلني الله فداك ماله قال هذا ؟
فقال : لما اري من العذاب ، أما سمعت قول الله تبارك وتعالى : " فلا وربك لا يؤمنون حتى
يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ؟
هيهات هيهات ! لا والله حتى يكون ثبات الشئ في القلب وإن صلى وصام .
5 - شى : عن عبدالرحيم قال : قال أبوجعفر عليه السلام : إنما أحدكم حين يبلغ


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 177 سطر 19 إلى صفحه 185 سطر 18

نفسه ههنا ينزل عليه ملك الموت فيقول : أما ما كنت ترجو فقد اعطيته ، وأما كنت
تخافه فقد أمنت منه ، ويفتح له باب إلى منزله من الجنة ، ويقال له : انظر إلى مسكنك
* ( هامش ) * ( 1 ) كليب وزان ( زبير ) هو كليب بن معاوية بن جبلة الصيداوى الاسدى ، أبومحمد ، وقيل
أبوالحسين ، روى عن أبى جعفر وأبى عبدالله عليهما السلام ، له كتاب . أورد ترجمته النجاشى في
ص 223 من رجاله ، وفى سائر كتب التراجم يوجد ترجمته وبيان حاله فليراجع .
( 2 ) تأتى صورة اخرى للحديث تحت رقم 14 . [ * ]
[178]
في الجنة ، وانظر هذا رسول الله وعلي والحسن والحسين عليهما السلام رفقاؤك ، وهو قول الله :
" الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الآخرة " .
6 - شى : عن أبي حمزة الثمالي قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : ما يصنع بأحدنا
عند الموت ؟ قال : أما والله يا أبا حمزة ما بين أحدكم وبين أن يرى مكانه من الله ومكانه
منا إلا أن يبلغ نفسه ههنا - ثم أهوى بيده إلى نحره - ألا ابشرك يا أبا حمزة ؟ فقلت :
بلى جعلت فداك ، فقال : إذا كان ذلك أتاه رسول الله صلى الله عليه واله وعلي عليه السلام معه ، يقعد
عند رأسه ، فقال له - إذا كان ذلك - رسول الله صلى الله عليه واله : أما تعرفني ؟ أنا رسول الله هلم
إلينا ، فما أمامك خير لك مما خلفت ، أما ما كنت تخاف فقد أمنته ، وأما ما كنت
ترجو فقد هجمت عليه ، ( 1 ) أيتها الروح اخرجي إلى روح الله ورضوانه ، ويقول له علي
عليه السلام : مثل قول رسول الله صلى الله عليه واله . ثم قال : يا أبا حمزة ؟ ألا اخبرك بذلك من كتاب
الله ؟ قول الله : " الذين آمنوا وكانوا يتقون " الآية .
7 - جا : علي بن محمد بن الزبير ، عن محمد بن علي بن مهدي ، عن محمد بن علي بن عمرو
عن أبيه ، عن جميل بن صالح ، عن أبي خالد الكابلي ، عن الاصبغ بن نباتة قال : دخل
الحارث الهمداني على أميرالمؤمنين علي عليه السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم ، فجعل
الحارث يتئد في مشيته ويخبط الارض بمحجنه وكان مريضا ، فأقبل عليه أميرالمؤمنين
عليه السلام - وكانت له منه منزلة - فقال : كيف تجدك يا حارث ؟ فقال : نال الدهر
ياأمير المؤمنين مني ، وزادني أوبا غليلا اختصام أصحابك ببابك ، قال : وفيم خصومتهم ؟
قال : فيك وفي الثلاثة من قبلك ، ( 2 ) فمن مفرط منهم غال ، ومقتصد تال ، ومن متردد
مرتاب ، لا يدري أيقدم أم يحجم ؟ ! فقال : حسبك يا أخا همدان ، ألا إن خير شيعتي
النمط ( 3 ) الاوسط ، إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالى ، فقال له الحارث : لو كشفت
- فداك أبى وامي - الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا ، قال : قدك
* ( هامش ) * ( 1 ) اين انتهيت إليه بقتة على غفلة منك . ( 2 ) في كشف الغمة 123 هكذا : قال : في شأنك والبلية من قبلك . وفى ذيل ص 3 من
الامالى للمفيد جعله بدلا عما في المتن .
( 3 ) النمط : جماعة من الناس أمرهم واحد . [ * ]
[179]
فإنك امرؤ ملبوس عليك ، إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فاعرف الحق
تعرف أهله .
يا حارث إن الحق أحسن الحديث والصادع ( 1 ) به مجاهد ، وبالحق اخبرك
فارعني سمعك ، ثم خبر به من كانت له حصانة من أصحابك ، ألا إني عبدالله ، وأخو
رسوله ، وصديقه الاول قد صدقته وآدم بين الروح والجسد ، ثم إني صديقة الاول
في امتكم حقا فنحن الاولون ، ونحن الآخرون ، ونحن خاصته يا حارث وخالصته
وأنا صفوه ووصيه ووليه ، وصاحب نجواه وسره ، اوتيت فهم الكتاب ، وفصل الخطاب
وعلم القرون والاسباب ، واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب ، يفضي
كل باب إلى ألف ( 2 ) عهد ، وايدت واتخذت وامددت بليلة القدر نفلا ، وإن ذلك
ليجري لي ولمن تحفظ ( 3 ) من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الارض
ومن عليها ، وابشرك ياحارث لتعرفني عند الممات ، وعند الصراط ، وعند الحوض ، وعند
المقاسمة .
قال الحارث ، وما المقاسمة ؟ قال : مقاسمة النار اقاسمها قسمة صحيحة ، أقول :
هذا وليي فاتركيه ، وهذا عدوي فخذيه . ثم أخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيد الحارث فقال :
يا حارث أخذت بيدك كما أخذ رسول الله صلى الله عليه واله بيدي ، فقال لي - وقد شكوت إليه
حسد قريش والمنافقين لي - : إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل الله وبحجزته - يعني
عصمته - من ذي العرش تعالى ، وأخذت أنت يا علي بحجزتي ، وأخذ ذريتك بحجزتك
وأخذ شيعتكم بحجزكم ، فماذا يصنع الله بنبيه ؟ وما يصنع نبيه بوصيه ؟ خذها إليك
ياحارث قصيرة من طويلة ، أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت - يقولها ثلاثا - فقام
الحارث يجر رداءه ويقول : ما ابالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني . قال جميل بن
صالح : وأنشدني أبوهاشم السيد الحميري رحمه الله فيما تضمنه هذا الخبر :
قول علي لحارث عجب * كم ثم اعجوبة له حملا
* ( هامش ) * ( 1 ) صدع بالحق . تكلم به جهارا . ( 2 ) في نسخة : الف الف . ( 3 ) في نسخة : استحفظ . [ * ]
[180]
ياحار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه * بنعته ( 1 ) واسمه وما عملا
وأنت عند الصراط تعرفني * فلا تخف عثرة ولا زللا
أسقيك من بارد على ظمأ * تخاله في الحلاوة العسلا
أقول للنار حين توقف للعرض * دعيه لا تقتلي الرجلا
دعيه لا تقربيه إن له * حبلا بحبل الوصي متصلا
ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن علي بن مهدي ، وغيره ، عن محمد بن علي
ابن عمرو مثله . " ص 402 - 403 " ( 2 )
بيان : يتئد أي يتثبت ويتأني ، من التؤدة ، وفي " ما " يتأود أي يتعوج . وخبطه :
ضربه شديدا . والمحجن كمنبر : العصا المعوجة . وأوب كفرح : غضب ، وفي " ما "
اوارا وغليلا ، والاوار بالضم : حرارة الشمس ، وحرارة العطش ، والغليل : الحقد
والضغن ، وحرارة الحب والحزن ، وأحجم عنه : كف أو نكص هيبة ، وقد إذا كانت
اسمية تكون على وجهين : اسم فعل مرادفة ليكفي ، نحو قولهم : قدني درهم ، واسم
مرادف لحسب ، ذكره الفيروزآبادي ، وقال : أرعني سمعك وراعني : استمع لمقالي .
قوله عليه السلام : نفلا أي زائدا على ما اعطيت من الفضائل والكرائم . قوله عليه السلام :
قبلا أي مقابلة وعيانا . وقوله عليه السلام : تخاله أي تظنه .
8 - فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما
يموت موال لنا مبغض لاعدائنا إلا ويحضره رسول الله صلى الله عليه واله وأمير المؤمنين والحسن
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : بعينه
( 2 ) أورده الطبرى أيضا في ص 4 من بشارة المصطفى باختلاف يسير باسناده عن أبى البقاء
إبراهيم بن الحسين البصرى ، عن أبى طالب محمد بن الحسين بن عتبة ، عن محمد بن الحسن بن
الحسين بن أحمد الفقيه ، عن حمويه أبى عبدالله بن على بن حمويه ، عن محمد بن عبدالله بن المطلب
الشيبانى ، عن محمد بن على بن مهدى . إلا أن فيه : أقول للنار حين توقف للعرض * على حرها دعى
الرجلا . وزاد في آخره : هذا لنا شيعة وشيعتنا * أعطانى الله فيهم الاملاء . وأورده أيضا الاربلى
في ص 123 من كشف الغمة وفيه : دعيه لا تقربى ( لا تقبل ) الرجلا . [ * ]
[181]
والحسين صلوات الله عليهم فيرونه ويبشرونه ، وإن كان غير موال لنا يراهم بحيث يسؤوه
والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام لحارث الهمداني :
ياحار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا . " ص 593 "
9 - ما : المفيد ، عن المراغي ، عن محمد بن صالح السبيعي ، عن صالح بن أحمد ، عن
عيسى بن عبدالرحمن ، عن الحسن بن الحسين العرني ، عن يحيى بن على ، عن أبان بن
تغلب ، عن أبي داود الانصاري ، عن الحارث الهمداني قال : دخلت على أميرالمؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ما جاء بك ؟ فقلت : حبي لك يا أميرالمؤمنين ، فقال :
ياحارث أتحبني ؟ قلت : نعم والله يا أمير المؤمنين ، قال : أما لو بلغت نفسك الحلقوم رأيتني
حيث تحب ، ولو رأيتني وأنا أذود ( 1 ) الرجال عن الحوض ذود غريبة الابل لرأيتني حيث
تحب ، ولو رأيتني وأنا مار على الصراط بلواء الحمد بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله لرأيتني
حيث تحب . ( 2 ) " ص 30 - 31 "
ما : المفيد ، عن المرزباني ، عن عبدالله بن الحسن ، عن محمد بن رشيد ، قال آخر
شعر قاله السيد بن محمد رحمه الله قبل وفاته بساعة ، وذلك أنه اغمي عليه واسود لونه ثم
أفاق وقد ابيض وجهه وهو يقول :
احب الذي من مات من أهل وده * تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك
ومن مات يهوي غيره من عدوه * فليس له إلا إلى النار مسلك
أبا حسن ! تفديك نفسي واسرتى * ومالي وما أصبحت في الارض أملك
أبا حسن ! إني بفضلك عارف * وإنى بحبل من هواك لممسك
* ( هامش ) * ( 1 ) ذاد الابل عن الماء : دفعه وطرده .
( 2 ) أورد الشاعر المضمون في سبيكة النظم والقريض في قوله :
لنحن على الحوض ذواده * نذود وتسعد وراده
وما فاز من فاز إلا بنا * وما خاب من حبنا زاده
ومن سرنا نال منا السرور * ومن ساءنا ساء ميلاده
ومن كان ظالمنا حقنا * فان القيامة ميعاده
أورده الطبرى في ص 136 من بشارة المصطفى باسناد له عن أحمد بن زياد الهمدانى قال : رأيت
صبيا صغيرا يكون سباعيا أو ثمانيا بالمدينة ينشد ، فقلت : يا فتى لمن هذه الابيات ؟ فقال : لمنشدها
فقلت : من الفتى ؟ قال : علوى فاطمى ، إيها عنك . [ * ]
[182]
وأنت وصي المصطفى وابن عمه * وإنا نعادي مبغضيك ونترك
مواليك ناج ، مؤمن ، بين الهدى * وغاليك معروف الضلالة ، مشرك
ولاح لحانى في علي وحزبه * فقلت لحاك الله إنك أعفك
ومعنى أعفك أحمق . ( 1 ) " ص 30 "
توضيح : لحا الله فلانا : قبحه ولعنه ، ولحيت الرجل ألحاه لحيا : لمته ، والملاحاة :
المنازعة .
10 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن فضالة ،
عن معاوية بن وهب ، عن يحيى بن سابور قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول في الميت
تدمع عينه عند الموت فقال : ذلك عند معاينة رسول الله صلى الله عليه واله يرى ما يسره ، قال : ثم
قال : أما ترى الرجل إذا يرى ما يسره فتدمع عينه ويضحك ؟ . " ص 110 "
كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب
مثله . ( 2 ) " ف ج 1 ص 36 "
ين : فضالة مثله .
مع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة
مثله . ( 3 ) " ص 70 "
11 - فس : " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال :
إذا حضر المؤمن الوفاة نادى مناد من عند الله يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي راضية بولاء علي
* ( هامش ) * ( 1 ) أورده الطبرى في ص 92 من كتابه بشارة المصطفى باسناده عن الحسن بن الحسين بن بابويه
عن محمد بن الحسن الطوسى ، عن المفيد ، وفيه ثلاثة عشر بيتا .
( 2 ) باختلاف يسير . م
( 3 ) باختلاف يسير . م [ * ]
[183]
مرضية بالثواب ، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ، فلا يكون له همة إلا اللحوق
بالنداء . " ص 725 "
12 - ل : الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام : تمسكوا بما أمر كم الله به ،
فما بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى ما يحب إلا أن يحضره رسول الله صلى الله عليه واله ، وما عند الله
خير وأبقى ، وتأتيه البشارة من الله عزوجل فتقر عينه ويحب لقاء الله . " ج 2 ص 157 "
13 - ير : أحمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن عبدالكريم بن يحيى الخثعمي ، عن
بريد ( 1 ) بن معاوية العجلي قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : " اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله
والمؤمنون " فقال : مامن مؤمن يموت ولا كافر فيوضع في قبره حتى يعرض عمله على
رسول الله صلى الله عليه واله وعلى علي عليه السلام فهلم جرا إلى آخر من فرض الله طاعته على العباد .
" ص 126 "
14 - سن : أبي ، عن حمزة بن عبدالله ، عن جميل بن دراج ، عن كليب بن معاوية
الاسدي قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : ما بين من وصف هذا الامر وبين أن يغتبط ويرى
ما تقر به عينه إلا أن تبلغ نفسه هذه ، فيقال : أما ما كنت ترجو فقد قدمت عليه ، وأما
ما كنت تتخوف فقد أمنت منه ، وإن إمامك لامام صدق أقدم على رسول الله صلى الله عليه واله و
علي والحسن والحسين عليهم السلام . ( 2 ) " ص 174 "
15 - سن : ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، ( 3 ) عن عبدالله بن الوليد النخعي قال :
سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : أشهد على أبي عليه السلام أنه كان يقول : ما بين أحدكم وبين
* ( هامش ) * ( 1 ) بريد - وزان زبير - بن معاوية العجلى ، أبوالقاسم ، عربى ، روى عن أبيعبد الله وأبى جعفر
عليهما السلام ، مات في حياة أبى عبدالله عليه السلام وقيل : في سنة 150 ، والرجل وجه من وجوه
أصحابنا ، وفقيه من أكابر فقهائنا ، له محل عند الائمة عليهم السلام ، قال الكشى : إنه ممن اتفقت
العصابة على تصديقه ، وممن انقادوا له بالفقه ، وروى أخبارا كثيرة في فضله وتوثيقه عن الائمة ،
يوجد ترجمته في ص 155 من رجال الكشى ، وفى ص 81 من النجاشى ، وفصل الفاضل المامقانى
ترجمته في ج 1 ص 164 فليراجع .
( 2 ) تقدم الحديث بألفاظ اخرى تحت رقم 3 مع ضبط كليب .
( 3 ) عقبة بضم العين وسكون القاف . [ * ]
[184]
أن يغتبط ويرى ما تقر به عينه إلا أن تبلغ نفسه هذه - وأومأ بيده إلى حلقه - وقد قال
الله تبارك وتعالى : " ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية " فنحن
والله ذرية رسول الله صلى الله عليه واله . " ص 174 "
16 - سن : أبي ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن شجرة ( 1 ) أخي بشير النبال
قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : ما بين أحدكم وبين أن يعاين ما تقر به عينه إلا أن تبلغ نفسه
هذه - وأومأ بيده إلى حلقه - . " ص 174 - 175 "
17 - سن : ابن فضال ، عن حماد بن عثمان ، عن عبدالحميد بن عواض قال :
سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إذا بلغت نفس أحدكم هذه قيل له : أما ما كنت تحزن
من هم الدنيا وحزنها فقد أمنت منه ، ويقال له : أمامك رسول الله وعلي وفاطمة
عليهم السلام . ( 2 ) " ص 175 "
سن : ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبدالله عليه السلام
مثله ، وزاد فيه الحسن والحسين عليهما السلام . " ص 175 "
18 - سن : أبي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن عبدالحميد الطائي
قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إن أشد ما يكون عدوكم كراهة لهذا الامر إذا بلغت نفسه
هذه - وأشار بيده إلى حلقه - وأشد ما يكون أحدكم اغتباطا بهذا الامر إذا بلغت
نفسه هذه ( 3 ) - وأومأ بيده إلى حلقه - فينقطع عنه أهوال الدنيا وما كان يحاذر منها
ويقال : أمامك رسول الله وعلي وفاطمة ، ثم قال : أما فاطمة فلا تذكرها . " ص 175 "
ين : النضر مثله ، وفي آخره : ويقال له : أمامك رسول الله صلى الله عليه واله وعلي و
الائمة .
19 - سن : ابن فضال ، عن محمد بن فضيل ، عن ابن أبي يعفور قال : قال لي أبو
عبدالله عليه السلام : قد استحييت مما اردد هذا الكلام عليكم : ما بين أحدكم وبين أن
* ( هامش ) * ( 1 ) هو شجرة بن ميمون بن أبى أراكة النبال الوابشى ، مولاهم الكوفى ، ثقة ومن وجوه
الاصحاب وأجلائهم .
( 2 ) رواه الكلينى كما يأتى تحت رقم 55 .
( 3 ) في المصدر : إلى هذه . م [ * ]
[185]
يغتبط إلا أن تبلغ نفسه هذه - وأهوى بيده إلى حنجرته - يأتيه رسول الله صلى الله عليه واله وعلي
عليه السلام فيقولان له : أما ما كنت تخاف فقد آمنك الله منه ، وأما ما كنت ترجو
فأمامك " ص 175 "
20 - سن : ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه قال : دخلنا على أبي عبدالله
عليه السلام أنا والمعلى بن خنيس فقال : يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا
الذي أنتم عليه ، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينه إلا أن تبلغ نفسه هذا
- وأومأ بيده إلى الوريد - قال : ثم اتكأ وغمز إلي المعلى أن سله فقلت : يابن رسول
الله إذا بلغت نفسه هذه فأي شئ يرى ؟ - فردد عليه بضعة عشر مرة أي شئ يرى ؟ - ( 1 )
فقال في كلها : يرى ، لا يزيد عليها ، ثم جلس في آخرها فقال : يا عقبة قلت : لبيك و
سعديك ، فقال : أبيت إلا أن تعلم ؟ فقلت : نعم يابن رسول الله ، إنما ديني مع دمي
فإذا ذهب دمي كان ذلك ، وكيف بك يابن رسول الله كل ساعة ؟ وبكيت ، فرق لي
فقال : يراهما والله ، قلت : بأبي أنت وامى من هما ؟ فقال : ذاك رسول الله صلى الله عليه واله و
علي عليه السلام ، يا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتى تراهما ، قلت : فإذا نظر إليهما
المؤمن أيرجع إلى الدنيا ؟ قال : لا بل يمضي أمامه ، فقلت له : يقولان شيئا جعلت فداك ؟
فقال : نعم يدخلان جميعا على المؤمن فيجلس رسول الله صلى الله عليه واله عند رأسه ، وعلي عند
رجليه ، فيكب عليه رسول الله صلى الله عليه واله فيقول : ياولي الله أبشر أنا رسول الله ، إني
خير لك مما تترك من الدنيا ، ثم ينهض رسول الله فيقوم عليه ( 2 ) علي صلوات الله عليهما
حتى يكب عليه فيقول : ياولي الله ابشر أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبني


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 185 سطر 19 إلى صفحه 193 سطر 18

أما لانفعك ، ( 3 ) ثم قال أبوعبدالله عليه السلام : أما إن هذا في كتاب الله عزوجل ، قلت : أين
هذا جعلت فداك من كتاب الله ؟ قال : في سورة يونس قول الله تبارك وتعالى ههنا :
" الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكمات
الله ذلك هو الفوز العظيم " . " ص 175 - 176 "
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافى : فقلت له بضع عشر مرة : أى شئ يرى ؟ .
( 2 ) في المصدر : فيقدم عليه . م
( 3 ) في المصدر : لانفعنك . م [ * ]
[186]
شى : عن عقبة بن خالد مثله .
بيان : إنما ديني مع دمي المراد بالدم الحياة أي لا أترك طلب الدين ما دمت
حيا ، فإذا ذهب دمي أي مت كان ذلك أي ترك الطلب ، أو المعني : أنه إنما يمكنني
تحصيل الدين ما دمت حيا ، فقوله : فإذا ذهب دمي استفهام إنكاري أي بعد الموت كيف
يمكنني طلب الدين ؟ وفي " شي " : فإذا ذهب ديني كان ذلك ، فالمعنى : إن ديني مقرون
بحياتي فمع عدم الدين فكأني لست بحي ، فقوله : كان ذلك أي كان الموت وفي
" الكافي " : ( 1 ) إنما ديني مع دينك فإذا ذهب ديني كان ذلك . أي إن ديني إنما يستقيم
إذا كان موافقا لدينك فإذا ذهب ديني لعدم علمي بما تعتقده كان ذلك أي الخسران و
الهلاك والعذاب الابدي ، أشار إليه مبهما لتفخيمه ، وأما استشهاده عليه السلام بالآية
فالظاهر أنه فسر البشرى في الحياة الدنيا بما يكون عند الموت ، ويحتمل أن يكون
عليه السلام فسر البشرى في الآخرة بذلك لان تلك الحالة من مقدمات النشأة الآخرة ،
فالبشرى في الحياة الدنيا بالمنامات الحسنة كما ورد في أخبار اخر ، أو بما بشر الله في
كتبه وعلى لسان أنبيائه ، والاول أظهر .
21 - سن : محمد بن علي ، عن محمد بن أسلم ، عن الخطاب الكوفي ، ومصعب الكوفي ،
عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال لسدير : ( 2 ) والذي بعث محمدا بالنبوة وعجل روحه إلى
الجنة ما بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى سرورا ( 3 ) أو تبين له الندامة والحسرة إلا
أن يعاين ما قال الله عزوجل في كتابه : " عن اليمين وعن الشمال قعيد " وأتاه ملك
الموت بقبض ( 4 ) روحه فينادي روحه فتخرج من جسده ، فأما المؤمن فما يحس
بخروجها ، وذلك قول الله سبحانه وتعالى : " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى
ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتى " ثم قال : ذلك لمن كان ورعا
* ( هامش ) * ( 1 ) في ج 1 ص 36 من فروعه ، في باب ( ما يعاين المؤمن والكافر ) باسناده عن العدة ، عن
سهل بن زياد ، عن ابن فضال .
( 2 ) وزان شريف هو سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفى .
( 3 ) في المصدر : السرور . م
( 4 ) في المصدر : يقبض . م [ * ]
[187]
مواسيا لاخوانه ، وصولا لهم ، ( 1 ) وإن كان غير ورع ولا وصول ( 2 ) لاخوانه قيل له : ما
منعك من الورع والمواساة لاخوانك ؟ أنت ممن انتحل المحبة بلسانه ولم يصدق ذلك
بفعل وإذا لقى رسول الله صلى الله عليه واله وأميرالمؤمنين عليه السلام لقاهما معرضين ، مقطبين في
وجهه ، غير شافعين له ، قال سدير : من جدع الله أنفه ، قال أبوعبدالله عليه السلام : فهو
ذاك . ( 3 ) " ص 177 "
بيان جدع الانف أي قطعه ، كناية عن المذلة ، أي من أذله الله يكون كذلك ،
ويحتمل أن يكون " من " استفهاما ، أي من يكون كذلك ؟ فقوله : جدع الله أنفه جملة
دعائية فأجاب عليه السلام بأنه هو الذي ذكرت لك سابقا .
22 - سن : ابن محبوب ، عن العلاء ، عن محمد قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :
اتقوا الله واستعينوا على ما أنتم عليه بالورع والاجتهاد في طاعة الله ، فإن أشد ما يكون
أحدكم اغتباطا بما هو عليه لو قد صار في حد الآخرة وانقطعت الدنيا عنه ، فإذا كان في
ذلك الحد عرف أنه قد استقبل النعيم والكرامة من الله ، والبشرى بالجنة ، وأمن ممن
كان يخاف ، وأيقن أن الذي كان عليه هو الحق ، وأن من خالف دينه على باطل
هالك . " ص 178 "
23 - سن : أبي ، عن النضر ، عن يحيى ، عن قتيبة الاعشى ، ( 4 ) عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : أما إن أحوج ما تكونون فيه ألى حبنا حين تبلغ نفس أحدكم هذه
- وأومأ بيده إلى نحره - ثم قال : لا بل إلى ههنا - وأهوى بيده إلى حنجرته فيأتيه
البشير فيقول : أما ما كنت تخافه فقد أمنت منه . " ص 177 "
* ( هامش ) * ( 1 ) أى كثير الاعطاء لهم .
( 2 ) في المصدر : ولا وصولا . م ) في المصدر : فهو ذلك . م
( 4 ) قتيبة مصغرا ، وأعشى بفتح الهمزة ، وسكون العين ، وفتح الشين ، بعدها الف مقصورة ،
قال النجاشى في ص 223 من رجاله : قتيبة بن محمد الاعشى المؤدب ، أبومحمد المقرى ، مولى
الازد ، ثقة ، عين ، روى عن أبي عبدالله عليه السلام ، له كتاب يرويه عدة من أصحابنا اه . [ * ]
[188]
24 - سن : بالاسناد عن يحيى الحلبي ، عن بشير الكناسي قال : دخلنا على
أبي عبدالله عليه السلام فقال : حدث أصحابكم أن أبي كان يقول : ما بين أحدكم وبين أن يغتبط
إلا أن تبلغ نفسه هذه - وأومأ بيده إلى حلقه - . " ص 177 "
25 - صح : عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام :
من أحبني وجدني عند مماته بحيث يحب ، ومن أبغضني وجدني عند مماته بحيث يكره .
26 - شي : محمد ، عن يونس ، عن بعض أصحابنا ، قال : قال لي أبوجعفر عليه السلام :
" كل نفس ذائقة الموت ومبشورة " كذا نزل بها على محمد صلى الله عليه واله ، إنه ليس أحد من هذه
الامة إلا يستبشرون ، فأما المؤمنون فيبشرون إلى قرة عين ، وأما الفجار فيبشرون
إلى خزي الله إياهم .
27 - شى : عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " وإن من
أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا " قال : هو
رسول الله صلى الله عليه واله .
27 - شى : عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله في عيسى عليه السلام :
" وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا " فقال :
إيمان أهل الكتاب إنما هو لمحمد صلى الله عليه واله .
29 - شى : عن المشرقي ، عن غير واحد في قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن
به قبل موته " يعني بذلك محمدا صلى الله عليه واله ، إنه لا يموت يهودي ولا نصراني أبدا حتى
يعرف أنه رسول الله صلى الله عليه واله ، وأنه قد كان به كافرا .
30 - شى : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا
ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا " قال : ليس من أحد من جميع الاديان
يموت إلا رأى رسول الله صلى الله عليه واله وأميرالمؤمنين حقا من الاولين والآخرين .
31 - شى : عن صفوان بن مهران ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الشيطان
ليأتي الرجل من أوليائنا عند موته ، يأتيه عن يمينه وعن يساره ليصده عما هو عليه
[189]
فيأبي الله له ذلك ، وكذلك قال الله : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة
الدنيا وفي الآخرة " .
32 - ين : صفوان ، عن ابن مسكان . عن أبي عمرو البزاز ( 1 ) قال : كنا عند أبي
جعفر عليه السلام جلوسا فقام فدخل البيت وخرج فأخذ بعضادتي الباب ( 2 ) فسلم فرددنا
عليه السلام ، ثم قال : والله إني لاحب ريحكم وأرواحكم ، وإنكم لعلى دين الله
ودين ملائكته ، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينه إلا أن تبلغ نفسه ههنا
- وأومأ بيده إلى حنجرته - وقال : فاتقوا الله وأعينوا على ذلك بورع .
33 - م : " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار اولئك عليهم لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون " قال الامام عليه السلام : قال الله
تعالى : " إن الذين كفروا " بالله في ردهم نبوة محمد صلى الله عليه واله ، وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام
وآلهما عليهم السلام " وماتوا " على كفرهم " وهم كفار اولئك عليهم لعنة الله " يوجب الله
تعالى لهم البعد من الرحمة والسحق من الثواب " والملائكة " وعليهم لعنة الملائكة يلعنونهم
" والناس أجمعين " كل يلعنهم ، لان كلا من المأمورين المنتهين يلعنون الكافرين والكافرون
أيضا يقولون : لعن الله الكافرين ، فهم في لعن أنفسهم أيضا " خالدين فيها " في اللعنة ، في نار
جهنم " لا يخفف عنهم العذاب " يوما ولا ساعة " ولا هم ينظرون " لا يؤخرون ساعة إلا يحل
* ( هامش ) * ( 1 ) هو حفص بن سليمان الاسدى الكوفى الغاضرى - بمعجمتين - وهو حفص بن أبى داود
القارى ، صاحب عاصم ، ويقال له : حفيص ، أورده هكذا ابن حجر في ص 118 من التقريب و
قال بعد ذلك : متروك الحديث مع إمامته في القراءة ، من الثامنة ، مات سة ثمانين وله تسعون
انتهى . وفى هامش التقريب : وهو ثبت في القراءة عند ابن معين وأحمد ، ومتروك في الحديث عند
البخارى وغيره ، وثقة وكيع ، قال الذهبى : هو في نفسه صادق غير أنه لم يتقين الحديث ، قال
حنبل بن اسحاق ، عن أحمد قال : ما به بأس ، وروى أبوعلى الصواف ، عن عبدالله ، عن أبيه قال :
هو صالح اه . أقول : أورده الشيخ بالعنوان في اصحاب الصادق عليه السلام وقال : أسند عنه
وأورده أيضا في باب الكنى من أصحاب الباقر عليه السلام .
( 2 ) عضادتا الباب : خشبتاه من جانبيه . [ * ]
[190]
بهم العذاب . قال علي بن الحسين عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه واله : إن هؤلاء الكاتمين لصفة
رسول الله صلى الله عليه واله والجاحدين لحلية علي ولي الله إذا أتاهم ملك الموت ليقبض أرواحهم أتاهم
بأفظع المناظر وأقبح الوجوه ، فيحيط بهم عند نزع أرواحهم مردة شياطينهم الذين كانوا
يعرفونهم ، ثم يقول ملك الموت : ابشري أيتها النفس الخبيثة الكافرة بربها بجحد نبوة
نبيها صلى الله عليه واله وإمامة علي وصيه عليه السلام بلعنة من الله وغضب ، ثم يقول : ارفع رأسك و
طرفك وانظر ، فيرى دون العرش محمدا صلى الله عليه واله على سرير بين يدي عرش الرحمن ويرى
عليا عليه السلام على كرسي بين يديه ، وسائر الائمة عليهم السلام على مراتبهم الشريفة بحضرته
ثم يرى الجنان قد فتحت أبوابها ، ويرى القصور والدرجات والمنازل التي تقصر عنها
أماني المتمنين ، فيقول له : لو كنت لاوليائك مواليا كانت روحك يعرج بها إلى
حضرتهم ، وكان يكون مأواك في تلك الجنان ، وكانت تكون منازلك ( 1 ) وأولياؤك
ومجاوروك ومقاربوك ، فانظر ، فيرفع حجب الهاوية ( 2 ) فيراها بما فيها من بلاياها ودواهيها
وعقاربها وحياتها وأفاعيها وصروف عذابها ونكالها ، فيقال له : فتلك إذا منازلك . ثم
تمثل له شياطينه هؤلاء الذين كانوا يغوونه ويقبل منهم مقرنين هناك في الاصفاد ( 3 )
والاغلال ، فيكون موته بأشد حسرة وأعظم أسف .
34 - ين : صفوان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ما بين أحدكم وبين
أن يرى ما تقر به عينه إلا أن تبلغ نفسه هذه ، فيأتيه ملك الموت فيقول : أما ما كنت
تطمع فيه من الدنيا فقد فاتك ، فأما ما كنت تطمع فيه من الآخرة فقد أشرقت عليه ،
وأمامك سلف ( 4 ) صدق رسول الله صلى الله عليه واله وعلي وإبراهيم .
* ( هامش ) * ( 1 ) الموجود في التفسير المطبوع هكذا : وكانت تكون منازلك فيها ، وإذ كنت على مخالفتهم
فقد حرمت حضرتهم ومنعت مجاورتهم ، وتلك منازلك ، واولئك مجاوروك ومقاربوك فانظر إلخ .
وهو الصحيح . فليراجع ص 238 من تفسير الامام المطبوع سنة 1315 وص 223 من المطبوع في
هامش تفسير على بن إبراهيم .
( 2 ) من أسماء جهنم ، معرفة ممنوعة من الصرف ، وتدخلها أل للمح الصفة فيقال : الهاوية .
( 3 ) قرنه أى جمعه وشدده يقال : قرنت الاسارى في الحبال . والاصفاد : ما يوثق به الاسير
من قد أو قيد أو غل .
( 4 ) السلف : كل من تقدمك بالموت من آبائك وذوى قرابتك ولذا سمى الصدر الاول بالسلف
الصالح ، ومنه الحديث : ابشر بالسلف الصالح مرافقة رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى وفاطمة
عليهما السلام ، قاله الطريحى في المجمع . [ * ]
[191]
35 - ين : صفوان ، عن قتيبة الاعشى قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول :
عاديتم فينا الآباء والابناء والازواج ، وثوابكم على الله ، إن أحوج ما تكونون فيه إلى
حبنا إذا بلغت النفس هذه - وأومأ بيده إلى حلقه - .
36 - قب : زريق ، ( 1 ) عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : " لهم البشرى في الحيوة
الدنيا " قال : هو أن يبشراه بالجنة عند الموت ، يعني محمدا وعليا عليهما السلام .
37 - الفضيل بن يسار ، عن الباقرين عليهما السلام قالا : حرام على روح أن تفارق
جسدها حتى ترى محمدا وعليا وحسنا وحسينا بحيث تقر عينها . ( 2 )
38 - الحافظ أبونعيم بالاسناد عن هند الجملي ، عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، وروى
الشعبي وجماعة من أصحابنا عن الحارث الاعور عنه عليه السلام : ولا يموت عبد يحبني إلا رآني
حيث يحب ، ولا يموت عبد يبغضني إلا رآني حيث يكره .
39 - سئل الصادق عليه السلام عن الميت : تدمع عينه عند الموت ، فقال عليه السلام : ذاك
عند معاينة رسول الله صلى الله عليه واله فيرى ما يسر .
40 - لى : حمدويه وإبراهيم معا ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن عاصم
بن حميد ، عن فضيل الرسان ، عن أبي عمرو البزاز ، ( 3 ) عن الشعبي ، ( 4 ) عن الحارث
* ( هامش ) * ( 1 ) اختلف في ضبطه فالنجاشى على تقديم المهملة ، مصغر " رزق " والشيخ بتقديم المعجمة ،
مصغر " زرق "
( 2 ) للحديث ذيل يأتى في خبر 43 .
( 3 ) تقدم ترجمته في الباب تحت رقم 32 فليراجع .
( 4 ) بفتح الشين وسكون العين المهملة نسبة إلى شعب او شعبان ، قال ابن منظور في مادة
" شعب " من لسان العرب " شعبان : بطن من همدان ، تشعب من اليمن ، اليهم ينسب عامر الشعبى على
طرح الزائد . وقيل : شعب جبل باليمن وهو ذو شعبين ، فمن كان منهم بالكوفة يقال لهم : الشعبيون
منهم عامر بن شراحيل الشعبى ، وعداده في الهمدان ، ومن كان منهم بالشام يقال لهم : الشعبانيون ،
ومن كان منهم باليمن يقال لهم : آل ذى شعبين ، ومن كان منهم بمصر والمغرب يقال لهم : الاشعوب .
انتهى . وقال السويدى في صفحة 18 من السبائك : الشعبيون : بطن من ولد عمرو بن حسان ابن عمرو الحميرى
قال الجوهري : كان عمرو بن حسان قد نزل هو وولده جبلا باليمن ذا شعبتين فنسبوا إليه ، ثم تفرقوا * [ * ]
[192]
الاعور قال : أتيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة فقال : يا أعور ما جاء بك ؟ قال : فقلت
يا أميرالمؤمنين جاء بي والله حبك ، قال : أما إني ساحدثك لشكرها ، أما إنه لا
يموت عبد يحبني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحب ، ولا يموت عبد يبغضني فتخرج
نفسه حتى يراني حيث يكره ، قال : ثم قال لي الشعبي بعد : أما إن حبه لا ينفعك ،
وبغضه لا يضرك .
41 - كش : محمد بن مسعود ، عن جعفر بن أحمد بن أيوب ، عن العمركي ، عن
ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار أنه حضر أحد ابني سابور و
كان لهما ورع وإخبات ، فمرض أحدهما - ولا أحسبه إلا زكريا بن سابور قال :
فحضرته عند موته قال : فبسط يده ثم قال : ابيضت يدي يا علي قال : فدخلت على
أبي عبدالله عليه السلام - وعنده محمد بن مسلم - فلما قمت من عنده ظننت أن محمد بن مسلم
أخبره بخبر الرجل فأتبعني برسول فرجعت إليه فقال : أخبرني خبر الرجل الذي حضرته
عند الموت ، أي شئ سمعته يقول ؟ قلت بسط يده فقال : ابيضت يدي يا علي ، فقال
أبوعبدالله عليه السلام : رآه والله رآه والله رآه والله .
كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال مثله . ( 1 ) " ف ج 1 ص 36 " .
42 - كشف : حدث الحسين بن عون قال : دخلت على السيد بن محمد الحميري
عائدا في علته التي مات فيها ، فوجدته يساق به ، ووجدت عنده جماعة من جيرانه وكانوا
* ( هامش ) * * في البلاد فنزلت فرقة منهم بالكوفة فقيل لهم : الشعبيون على الاصل ، وإليهم ينسب عامر الشعبى وان كان
عداده في همدان اه . وقال في شعبان بن عمرو بن زهير بن ابير بن الهميسع بن حمير : فبنو شعبان
بطن من حمير وإليهم ينسب الشعبى إه . والرجل عامر بن شراحيل ، أبوعمرو من فقهاء العامة
وثقه ابن حجر في ص 247 من تقريبه ، وقال : ثقة ، مشهور ، فقيه ، فاضل ، من الثالثة ، قال مكحول فما
رأيت أفقه منه ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين انتهى . أقول : فصل ابن خلكان ترجمته ومدحه وقال :
وكانت ولادته سنة لست سنين خلت من خلافة عثمان ، وقيل : سنة عشرين للهجرة وقيل : إحدى وثلاثين .
وروى عنه أنه قال : ولدت سنة جلولاء وهى سنة تسع عشرة . وتوفى بالكوفة سنة 104 وقيل : 103
وقيل : 107 وقيل 106 وقيل 105 ، وكانت امه من سبى جلولاء .
( 1 ) باختلاف يسير . [ * ]
[193]
عثمانية ، وكان السيد جميل الوجه ، رحب الجبهة ، عريض ما بين السالفين ، فبدت
في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ، ثم لم تزل تزيد وتنمي حتى طبقت وجهه
بسوادها ، فاغتم لذلك من حضره من الشيعة ، وظهر من الناصبة سرور وشماتة ، فلم
يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد أيضا
وتنمي حتى اسفر وجهه وأشرق ، وافتر السيد ( 1 ) ضاحكا مستبشرا فقال : " شعر "
كذب الزاعمون أن عليا * لن ينجى محبه من هنات ( 2 )
قد وربي دخلت جنة عدن * وعفا لي الاله عن سيئاتي
فابشروا اليوم أولياء علي * وتوالوا الوصي حتى الممات
ثم من بعده تولوا بنيه * واحدا بعد واحد بالصفات
ثم أتبع قوله هذا : أشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا ، وأشهد أن محمدا رسول الله
حقا حقا ، وأشهد أن عليا أميرالمؤمنين حقا حقا ، أشهد أن لا إله إلا الله ، ثم اغمض
عينه لنفسه فكأنما كانت روحه زبالة طفئت أو حصاة سقطت . قال علي بن الحسين : قال
لي أبي الحسين بن عون : وكان اذينة حاضرا فقال : الله أكبر ما من شهد كمن لم يشهد ، أخبرني
- وإلا صمتا - الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر وعن جعفر عليهما السلام أنهما قالا : حرام على
روح أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة : محمدا وعليا وفاطمة وحسنا وحسينا بحيث
تقر عينها ، أو تسخن عينها ، فانتشر هذا الحديث في الناس فشهد جنازته والله الموافق
" والمفارق " ص 124 " .
ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن يحيى بن علي بن عبدالجبار ، عن عمه محمد بن


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 193 سطر 19 إلى صفحه 201 سطر 18

عن عبدالجبار ، عن علي ، عن أبيه الحسين بن عون مثله . " ص 43 "
قب : لما احتضر السيد الحميري بدت في وجهه نكتة سوداء ، وساق الحديث مثله
وزاد بعد قوله : واحدا بعد واحد بالصفات ثم قال :
احب الذي من مات من أهل وده * تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك
ومن كان يهوي غيره من عدوه * فليس له إلا إلى النار مسلك
" القصيدة "
* ( هامش ) * ( 1 ) افتر الرجل : ضحك ضحكا حسنا . ( 2 ) الهنات : الداهية . [ * ]
[194]
بيان : قال الجوهري : السالفة : ناحية مقدم العنق من لدن معلق القرط إلى
قلت الترقوة ، والذبالة بالضم : الفتيلة .
43 - بشا : محمد بن أحمد بن شهريار ، عن محمد بن محمد النوسي ، ( 1 ) عن محمد بن علي
القرشي ، عن جعفر بن محمد بن عمر الاحمسي ، ( 2 ) عن عبيد بن كثير الهلالي ، عن يحيى بن
مساور ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ، عن آبائه عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه واله ، قال : يحيى بن
مساور : أخبرنا أبوخالد الواسطي ، عن زيد بن علي ، عن أبيه عليه السلام قالوا : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتى تأكل من
ثمار الجنة أو من شجرة الزقوم ، وحين ترى ملك الموت تراني وترى عليا وفاطمة
وحسنا وحسينا عليهم السلام ، فإن كان يحبنا قلت : يا ملك الموت ارفق به إنه كان يحبني
ويحب أهل بيتي ، وإن كان يبغضنا قلت : ياملك الموت : شدد عليه إنه كان يبغضني
ويبغض أهل بيتي .
44 - فر : عبيد بن كثير معنعنا ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهم السلام قال : قال
رسول الله صلى الله عليه واله : ياعلي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ، قال الله
تعالى : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا "
يا علي إنه لا يموت رجل يفتري على عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حتى يؤمن
به قبل موته ويقول فيه الحق حيث لا ينفعه ذلك شيئا ، وإنك على مثله لا يموت عدوك
حتى يراك عند الموت فتكون عليه غيظا وحزنا حتى يقر بالحق من أمرك ويقول فيك
الحق ، ويقر بولايتك حيث لا ينفعه ذلك شيئا ، وأما وليك فإنه يراك عند الموت فتكون
له شفيعا ومبشرا وقرة عين . " ص 34 "
45 - دعوات الراوندى : عن محمد بن علي عليه السلام قال : مرض رجل من أصحاب
الرضا عليه السلام فعاده فقال : كيف تجدك ؟ قال لقيت الموت بعدك - يريد ما لقيه من شدة
* ( هامش ) * ( 1 ) الموجود في بشارة المصطفى المطبوع : " النرسى " .
( 2 ) الموجود في بشارة المصطفى هكذا : " الاحمسى من اصل خط أبى سعيد بيده قال : أخبرنا
أبوسعيد بن كثير الهلالى التمار " . [ * ]
[195]
مرضه - فقال : كيف لقيته ؟ قال : شديدا أليما ، قال : ما لقيته إنما لقيت ما يبدؤك
به ويعرفك بعض حاله ، إنما الناس رجلان : مستريح بالموت ، ومستراح منه ، فجدد
الايمان بالله وبالولاية تكن مستريحا ، ففعل الرجل ذلك ثم قال : يابن رسول الله
هذه ملائكة ربي بالتحيات والتحف يسلمون عليك وهم قيام بين يديك فأذن لهم
في الجلوس ، فقال الرضا عليه السلام : اجلسوا ملائكة ربي ، ثم قال للمريض : سلهم امروا
بالقيام بحضرتي ؟ فقال المريض : سألتهم فذكروا أنه لو حضرك كل من خلقه الله من
ملائكته لقاموا لك ولم يجلسوا حتى تأذن لهم ، هكذا أمرهم الله عزوجل ، ثم غمض
الرجل عينيه وقال : السلام عليك يابن رسول الله هذا شخصك ماثل لي مع أشخاص
محمد ومن بعده الائمة عليهم السلام ، وقضى الرجل . ( 1 )
46 - وعن الحارث الاعور قال : قال أتيت أميرالمؤمنين عليه السلام ذات يوم نصف النهار
فقال : ما جاء بك ؟ قلت : حبك والله ، قال : إن كنت صادقا لتراني في ثلاث مواطن :
حيث تبلغ نفسك هذه - وأومأ بيده إلى حنجرته - وعند الصراط ، وعند الحوض .
47 - كا : علي بن محمد بن بندار ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن محمد بن علي ،
عن عبدالرحمن بن أبي هاشم ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما من أحد
يحضره الموت إلا وكل به إبليس من شياطينه من يأمره ( 2 ) بالكفر ويشككه في دينه
حتى تخرج نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ، فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة
أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يموت . " ف ج 1 ص 34 "
48 - كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبدالرحمن بن أبي هاشم ،
عن سالم بن أبي سلمة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : حضر رجلا الموت فقيل : يا رسول الله
إن فلانا قد حضره الموت ، فنهض رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه ناس ( 3 ) من أصحابه
حتى أتاه وهو مغمى عليه ، قال : فقال : ياملك الموت كف عن الرجل حتى أسأله ،
* ( هامش ) * ( 1 ) تقدم صدر الحديث مسندا عن كتاب المعانى في باب سكرات الموت تحت رقم 11 .
( 2 ) في المصدر : من شيطانه أن يأمره الخ . م
( 3 ) في المصدر : اناس . م [ * ]
[196]
فأفاق الرجل فقال النبي صلى الله عليه واله : ما رأيت ؟ قال : رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا ، فقال :
فأيهما كان أقرب إليك ؟ فقال : السواد ، فقال النبي صلى الله عليه واله : قل : اللهم اغفر لي الكثير
من معاصيك ، واقبل مني اليسير من طاعتك ، فقال ثم اغمي عليه فقال : ياملك الموت
خفف عنه ساعة حتى أسأله ، ( 1 ) فأفاق الرجل : فقال : ما رأيت ؟ قال : رأيت بياضا
كثيرا وسوادا كثيرا ، قال : فأيهما كان أقرب إليك ؟ فقال ، البياض ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله :
غفر الله لصاحبكم . قال : فقال أبوعبدالله عليه السلام : إذا حضرتم ميتا فقولوا له هذا الكلام
ليقوله . " ف ج 1 ص 35 "
49 - كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه ،
عن سدير الصيرفي قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : جعلت فداك يابن رسول الله هل
يكره المؤمن على قبض روحه ؟ قال : لا والله إنه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه
جزع عند ذلك فيقول له ملك الموت : ياولي الله لا تجزع ، فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه واله لانا
أبر بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك ، افتح عينيك فانظر ، قال : ويمثل له رسول الله
صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ذريتهم عليهم السلام
فيقال له : هذا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والائمة رفقاؤك ،
قال : فيفتح عينيه فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول : يا أيتها النفس
المطمئنة إلى محمد وأهل بيته ارجعي إلى ربك راضية بالولايه ، مرضية بالثواب ،
فادخلي في عبادي - يعني محمد او أهل بيته - وادخلي جنتي ، فما من شئ ( 3 ) أحب إليه
من استلال روحه واللحوق بالمنادي . " ف ج 1 ص 35 - 36 "
50 - كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن خالد بن عمارة ،
عن أبي بصير قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول الله صلى الله عليه واله
ومن شاء الله ، فجلس رسول الله صلى الله عليه واله عن يمينه ، والآخر عن يساره ، فيقول له رسول الله
صلى الله عليه وآله : أما ما كنت ترجو فهو ذا أمامك ، وأما ما كنت تخاف منه فقد أمنت
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : خفف عنه حتى أسأله . م
( 2 ) في الصمدر ، فما شئ . م [ * ]
[197]
منه ، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول : هذا منزلك في الجنة ( 1 ) فإن شئت رددناك
إلى الدنيا ولك فيها ذهب وفضة ، فيقول : لا حاجة في الدنيا ، فعند ذلك يبيض لونه ،
ويرشح جبينه ، وتتقلص شفتاه ، ( 2 ) وتنتشر منخراه ، وتدمع عينه اليسرى ، فأي هذه
العلامات رأيت فاكتف بها ، فإذا خرجت النفس من الجسد فيعرض عليها كما يعرض ( 3 )
عليه وهي في الجسد فيختار الآخرة فيغسله فيمن يغسله ، ويقلبه فيمن يقلبه ، فإذا
ادرج في أكفانه ووضع على سريره خرجت روحه تمشي بين أيدي القوم قدما وتلقاه
أرواح المؤمنين يسلمون عليه ويبشرونه بما أعد الله له جل ثناؤه من النعيم ، فإذا
وضع في قبره رد إليه الروح إلى وركيه ثم يسئل عما يعلم ، فإذا جاء بما يعلم فتح له
ذلك الباب الذي أراه رسول الله صلى الله عليه واله ، فيدخل عليه من نورها وبردها وطيب ريحها ،
قال : قلت : جعلت فداك فأين ضغطة القبر ؟ فقال : هيهات ما على المؤمنين منها شئ ،
والله إن هذه الارض لتفتخر على هذه فتقول ، وطئ على ظهري مؤمن ولم يطأ على
ظهرك مؤمن ، وتقول له الارض ، لقد كنت ( 4 ) احبك وأنت تمشي على ظهري ، فأما
إذا وليتك فستعلم ما أصنع بك ، فيفتح له مد بصره . ( 5 ) " ف ج 1 ص 36 "
بيان : يشكل الجمع بين هذا الخبر وخبر فاطمة بنت أسد وسعد بن معاذ ، إلا
أن يقال : كان ذلك العموم في صدر الاسلام ثم نسخه الله ورفعه عن كمل المؤمنين ، أو يخص
المؤمن في هذا الخبر بالمعصومين ، ( 6 ) ويمكن أن يقال في خبر فاطمة : إن النبي صلى الله عليه واله
إنما فعل ذلك لما وعدها لمزيد اطمئنانها والله يعلم .
51 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان
قال : حدثني من سمع أبا عبدالله عليه السلام يقول : منكم والله يقبل ، ولكم والله يغفر ، إنه
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : من الجنة . م
( 2 ) أى انضمتا ونزوتا إلى علو . م
( 3 ) في المصدر : كما عرض . م
( 4 ) في المصدر : والله لقد كنت . م
( 5 ) في المصدر : فيفسخ له مد بصره . وهو الاصح . م
( 6 ) يبعده مورد الخبر ، ويمكن أن يخصص المؤمنين بمن لم يأتوا ما يوجب الضغطة . [ * ]
[198]
ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور وقرة العين إلا أن تبلغ نفسه ههنا
- وأومأ بيده إلى حلقه - ثم قال : إنه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول الله صلى الله عليه وعلي
وجبرئيل وملك الموت عليهم السلام فيدنو منه علي عليه السلام فيقول : يا رسول الله إن هذا كان
يحبنا أهل البيت فأحبه ، ويقول رسول الله صلى الله عليه واله : ياجبرئيل إن هذا كان يحب الله
ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه ، ويقول جبرئيل لملك الموت إن هذا كان يحب الله
ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه وارفق به ، فيدنو منه ملك الموت فيقول : يا عبدالله
أخذت فكاك رقبتك ؟ أخذت أمان براءتك ؟ تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا ؟
قال : فيوفقه الله عزوجل فيقول : نعم ، فيقول : وما ذاك ؟ فيقول : ولاية علي بن أبي طالب ،
فيقول : صدقت ، أما الذي كنت تحذره فقد آمنك الله عنه ، ( 1 ) وأما الذي كنت
ترجوه فقد أدركته ، ابشر بالسلف الصالح مرافقة رسول الله صلى الله عليه واله وعلي وفاطمة عليهما السلام ،
ثم يسل نفسه سلا رفيقا ، ثم ينزل بكفنه من الجنة ، وحنوطه من الجنة بمسك أذفر ،
فيكفن بذلك الكفن ويحنط بذلك الحنوط ، ثم يكسى حلة صفراء من حلل الجنة ،
فإذا وضع في قبره فتح الله له بابا من أبواب الجنة يدخل عليه من روحها وريحانها ،
ثم يفسح له عن أمامه مسيرة شهر وعن يمينه وعن يساره ، ثم يقال له : نم نومة العروس
على فراشها ، ابشر بروح وريحان وجنة نعيم ورب غير غضبان ، ثم يزور آل محمد في جنان
رضوى ، فيأكل معهم من طعامهم ، ويشرب معهم من شرابهم ، ويتحدث معهم في مجالسهم ،
حتى يقوم قائمنا أهل البيت ، فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبون زمرا زمرا ،
فعند ذلك يرتاب المبطلون ، ويضمحل المحلون - وقليل ما يكونون - هلكت المحاضير ،
ونجا المقربون ، من أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام : أنت أخي ، وميعاد
ما بيني وبينك وادي السلام ، قال : وإذا احتضر الكافر حضره رسول الله صلى الله عليه واله وعلي
وجبرئيل وملك الموت عليهم السلام فيدنو منه علي عليه السلام فيقول : يا رسول الله إن هذا كان
يبغضنا أهل البيت فأبغضه ، ويقول رسول الله صلى الله عليه واله : ياجبرئيل إن هذا كان يبغض الله
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : منه . م [ * ]
[199]
ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه ، ( 1 ) ويقول جبرئيل : ياملك الموت إن هذا كان يبغض الله
ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه ، فيدنو منه ملك الموت فيقول : يا عبدالله
أخذت فكاك رهانك ؟ ( 2 ) أخذت أمان براءتك من النار ؟ تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة
الدنيا ؟ فيقول : لا ، فيقول : ابشر ياعدو الله بسخط الله عزوجل وعذابه والنار ، أما الذي
كنت تحذره فقد نزل بك ، ثم يسل نفسه سلا عنيفا . ثم يوكل بروحه ثلاثمائة شيطان
كلهم يبزق في وجهه ويتأذى بروحه . فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار ( 3 )
فيدخل عليه من قيحها ولهبها . " ف ج 36 - 37 "
ين : محمد بن سنان مثله .
بيان : المحلون : الذين لا يرون حرمة الائمة عليهم السلام ولا يتابعونهم ، قال الفيروز
آبادي : رجل محل : منتهك للحرام ، أو لا يرى للشهر الحرام حرمة ، ويقال : رجل محضير
أي كثير العدو ، والمحاضير جمعه أي الذين يستعجلون في طلب الفرج بقيام القائم عليه السلام ،
والمقربون بفتح الراء أي أهل التسليم والانقياد ، فإنهم المقربون عند الله ، أو بكسر
الراء أي الذين يقولون : الفرج قريب ، ولا يستبطؤنه .
52 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن
سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن عبدالرحيم القصير قال : قلت لابي جعفر
عليه السلام : حدثني صالح بن ميثم ، عن عباية الاسدي أنه سمع عليا عليه السلام يقول :
والله لا يبغصني عبد أبدا يموت على بغضي إلا رآني عند موته حيث يكره ، ولا يحبني عبد
أبدا فيموت على حبي إلا رآني عند موته حيث يحب ، فقال أبوجعفر عليه السلام : نعم ،
ورسول الله صلى الله عليه واله باليمين . " ف ج 1 ص 37 "
ين : النضر مثله .
53 - كا : العدة ، عن سهل ، عن ابن محبوب ، عن عبدالعزيز العبدي ، عن ابن
أبي يعفور قال : كان خطاب الجهني خليطا لنا ، وكان شديد النصب لآل محمد صلى الله عليه واله ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فأبغضه واعنف عليه .
( 2 ) في نسخة : رقبتك . ( 3 ) في المصدر : فتح له من ابواب النار . م [ * ]
[200]
وكان يصحب نجدة الحروري قال : فدخلت عليه أعوده للخلطة والتقية ، فإذا هو مغمى
عليه في حد الموت ، فسمعته يقول : مالي ولك يا علي ؟ فأخبرت بذلك أبا عبدالله عليه السلام ،
فقال أبوعبدالله عليه السلام : رآه ورب الكعبة ، رآه ورب الكعبة ، رآه ورب الكعبة . ( 1 )
" ف ج 1 ص 37 "
54 - كا : العدة ، عن سهل ، عن البزنطي ، عن حماد بن عثمان ، عن عبدالحميد بن
عواض قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إذا بلغت نفس أحدكم هذه قيل له : أما
ما كنت تحذر من هم الدنيا وحزنها فقد أمنت منه ، ويقال له : رسول الله وعلي وفاطمة
عليهم السلام أمامك . " ف ج 1 ص 37 " ( 2 )
55 - ين : النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن سليمان بن داود ، عن أبي بصير قال :
قلت لابي عبدالله عليه السلام : ما معنى قول الله تبارك وتعالى : " لولا إذا بلغت الحلقوم و
أنتم حينئذ تنظرون " الآيات ، قال : إن نفس المحتضر إذا بلغت الحلقوم وكان مؤمنا
رأى منزله من الجنة فيقول : ردوني إلى الدنيا حتى اخبر أهلها بما أرى ، فيقال
له : ليس إلى ذلك سبيل .
56 - ين : حماد بن عيسى ، عن حسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي
عبدالله عليه السلام إنه قال : إن المؤمن إذا مات رأى رسول الله صلى الله عليه واله وعليا بحضرته .
أقول ، قد مر كثير من أخبار هذا الباب في الابواب السابقة ، وسيأتي كثير منها في
باب البرزخ وغيرها .
وقال البرسي في مشارق الانوار : روى المفيد بإسناده عن ام سلمة رضي الله
عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام : يا علي إن محبيك يفرحون في ثلاثة مواطن
عند خروج أنفسهم وأنت هناك تشهدهم ، وعند المسألة في القبور وأنت هناك تلقنهم ،
وعند العرض على الله وأنت هناك تعرفهم .
تذييل : اعلم أن حضور النبي صلى الله عليه واله والائمة صلوات الله عليهم عند الموت مما
قد ورد به الاخبار المستفيضة ، وقد اشتهر بين الشيعة غاية الاشتهار ، وإنكار مثل
* ( هامش ) * ( 1 ) ذكرت هذه الجملة في المصدر مرتين . م
( 2 ) تقدم الحديث عن المحاسن تحت رقم 17 . [ * ]
[201]
ذلك لمحض استبعاد الاوهام ليس من طريقة الاخبار ، وأما نحو حضورهم وكيفيته
فلا يلزم الفحص عنه ، بل يكفي فيه وفي أمثاله الايمان به مجملا على ما صدر عنهم
عليهم السلام ، وما يقال : من أن هذا خلاف الحس والعقل : أما الاول فلانا نحضر
الموتى إلى قبض روحهم ولا نرى عندهم أحدا ، وأما الثاني فلانه يمكن أن يتفق
في آن واحد قبض أرواح آلاف من الناس في مشارق الارض ومغاربها ، ولا يمكن
حضور الجسم في زمان واحد في أمكنة متعددة . فيمكن الجواب عن الاول بوجوه :
الاول ، أن الله تعالى قادر على أن يحجبهم عن أبصارنا لضرب من المصلحة ، كما
ورد في أخبار الخاصة والعامة في تفسير قوله تعالى : " جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون
بالآخرة حجابا مستورا " أن الله تعالى أخفى شخص النبي صلى الله عليه واله عن أعدائه مع أن أولياءه
كانوا يرونه ، وإنكار أمثال ذلك يفضي إلى إنكار أكثر معجزات الانبياء والاوصياء عليهم السلام
وقد مر فيما نقلنا من تفسير العسكري عليه السلام التصريح بهذا الوجه .
الثاني : أنه يمكن أن يكون حضورهم بجسد مثالي لطيف لا يراه غير المحتضر ،
كحضور ملك الموت وأعوانه ، وسيأتي الاخبار في سائر الموتى أن أرواحهم في البرزخ
تتعلق بأجساد مثالية ، وأما الحي من الائمة عليهم السلام فلا يبعد تصرف روحه لقوته في
جسد مثالي أيضا .
الثالث : أنه يمكن أن يخلق الله تعالى لكل منهم مثالا بصورته وهذه الامثلة
يكلمون الموتى ويبشرونهم من قبلهم عليهم السلام كما ورد في بعض الاخبار بلفظ
التمثيل .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 201 سطر 19 إلى صفحه 209 سطر 18

الرابع : أنه يمكن أن يرتسم صورهم في الحس المشترك بحيث يشاهدهم المحتضر
ويتكلم معهم كما في المبرسم .
الخامس : ما ذكره السيد المرتضى رضي الله عنه وهو أن المعنى أنه يعلم في تلك
الحال ثمرة ولايتهم وانحرافه عنهم لان المحب لهم يرى في تلك الحال ما يدله على
أنه من أهل الجنة وكذا المبغض لهم يرى ما يدله على أنه من أهل النار ، فيكون
حضورهم وتكلمهم استعارة تمثيلية ، ولا يخفى أن الوجهين الاخيرين بعيدان عن
[202]
سياق الاخبار ، بل مثل هذه التأويلات رد للاخبار ، وطعن في الآثار . وأما الجواب
عن الوجه الثاني فبأنه إنما يتم الشبهة إذا ثبت وقوع هذا الاتفاق ، ومحض الامكان
لا يكفي في ذلك ، مع أنه إذا قلنا بأن حضورهم في الاجساد المثالية يمكن أن يكون لهم
أجساد مثالية كثيرة لما جعل الله لهم من القدرة الكاملة التي بها امتازوا عن سائر البشر ،
وفي الوجوه الثلاثة الاخيرة على تقدير صحتها اندفاع هذا الايراد ظاهر ، والاحوط
والاولى في أمثال تلك المتشابهات الايمان بها ، وعدم التعرض لخصوصياتها وتفاصيلها
وإحالة علمها إلى العالم عليه السلام كما مر في الاخبار التي أوردناها في باب التسليم ، والله
يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
( باب 8 )
* ( أحوال البرزخ والقبر وعذابه وسؤاله وسائر ما يتعلق بذلك ) *
الايات ، البقرة " 2 " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء و
لكن لا تشعرون 154 .
آل عمران " 3 " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند
ربهم يرزقون * فرحين بما آتيهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم
من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا
يضيع أجر المؤمنين 169 - 171 .
ابراهيم " 4 " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة 27 .
طه " 20 " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشرهم يوم القيامة
أعمى 124 .
المؤمنون " 23 " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعوني لعلي أعمل
صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون 99 - 100 .
المؤمن " 40 " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى
خروج من سبيل 11 .
[203]
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : قوله تعالى : " بل أحياء " فيه أقوال : أحدها - وهو
الصحيح - أنهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة ،
وإليه ذهب الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ، واختاره الجبائي الرماني وجميع
المفسرين .
الثاني : أن المشركين كانوا يقولون : أصحاب محمد يقتلون نفوسهم في الحروب بغير
سبب ، ثم يموتون فيذهبون ، فأعلمهم الله أنه ليس الامر على ما قالوه وأنهم سيحيون
يوم القيامة ويثابون ، عن البلخي ، ولم يذكر ذلك غيره .
والثالث : معناه : لا تقولوا : هم أموات في الدين بل هم أحياء بالطاعة والهدى ، ومثله
قوله سبحانه : " أو من كان ميتا فأحييناه " فجعل الضلال موتا والهداية حياة ، عن الاصم .
والرابع : أن المراد أنهم أحياء لما نالوا من جميل الذكر والثناء ، كما روي عن
أمير المؤمنين عليه السلام من قوله : هلك خزان الاموال والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم
مفقودة ، وآثارهم في القلوب موجودة . والمعتمد هو القول الاول لان عليه إجماع
المفسرين ، ولان الخطاب للمؤمنين وكانوا يعلمون أن الشهداء على الحق والهدى و
أنهم ينشرون ويحيون يوم القيامة ، فلا يجوز أن يقال لهم : " ولكن لا تشعرون " من
حيث إنهم كانوا يشعرون بذلك ويقرون به ، ولان حمله على ذلك يبطل فائدة تخصيصهم
بالذكر ، ولو كانوا أيضا أحياءا بما حصل لهم من جميل الثناء لما قيل أيضا : " ولكن لا
تشعرون " لانهم كانوا يشعرون بذلك ، ووجه تخصيص الشهداء بكونهم أحياءا - وإن
كان غيرهم من المؤمنين قد يكونون أحياءا في البرزخ - أنه على جهة البشارة بذكر
حالهم ثم البيان لما يختصون به من أنهم يرزقون كما في الآية الاخرى ، فإن قيل :
فنحن نرى جثث الشهداء مطروحة على الارض لا يتصرف ولا يرى فيها شئ من علامات
الاحياء ! فالجواب - على مذهب من يقول بأن الانسان هو الروح من أصحابنا - أن
الله تعالى جعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا يتنعمون فيها دون أجسامهم التي
في القبور فإن النعيم والعذاب إنما يصل عنده إلى النفس التي هي الانسان المكلف
عنده ، دون الجثة ويؤيده كثير من الاخبار .
وأما على مذهب من قال من أصحابنا إن الانسان هذه الجثة المشاهدة وأن الروح
[204]
هو النفس المتردد في مخارق الحيوان وهو أجزاء الجو فيقول : إنه يلطف أجزاء من
الانسان لا يمكن أن يكون الحي حيا بأقل منها ، يوصل إليها النعيم ، وإن لم تكن
تلك الجملة بكمالها لانه لا معتبر بالاطراف وأجزاء السمن في كون الحي حيا فإن الحي
لا يخرج بمفارقتها من كونه حيا ، وربما قيل : بأن الجثة يجوز أن تكون مطروحة
في الصورة ولا يكون ميتا فيصل إليها اللذات ، كما أن النائم حي وتصل إليه اللذات
مع أنه لا يحس ولا يشعر بشئ من ذلك ، فيرى في النوم ما يحدثه السرور والالتذاذ ،
حتى أنه يود أن يطول نومه ولا ينتبه ، وقد جاء في الحديث ( 1 ) أنه يفسح له مد بصره
ويقال له : نم نومة العروس ، وقوله : " ولكن لا تشعرون " أي لا تعلمون أنهم أحياء ،
وفي هذه الآية دلالة على صحة مذهبنا في سؤال القبر وإثابة المؤمن فيه وعقاب العصاة
على ما تظاهرت به الاخبار ، وإنما حمل البلخي الآية على حياة الحشر لانكاره عذاب
القبر . انتهى كلامه رفع الله مقامه .
وقال الرازي في تفسير تلك الآية بعد نقل ما ذكره الطبرسي رحمه الله من الاقوال
الاربعة واختيار القول الاول : وهذا قول أكثر المفسرين ، وهذا دليل على أن المطيعين
يصل ثوابهم إليهم وهم في القبر ، فإن قيل : نحن نشاهد أجسادهم ميتة في القبور فكيف
يصح ما ذهبتم إليه ؟ قلنا : أما عندنا فالبنية ليست شرطا في الحياة ، ولا امتناع في أن
الله تعالى يعيد الحياة إلى كل واحد من تلك الذرات والاجزاء الصغيرة من غير حاجة
إلى التركيب والتأليف ، وأما عند المعتزلة فلا يبعد أن يعيد الله الحياة إلى الاجزاء التي
لابد منها في مائية الحياة بغير الاطراف ، ويحتمل أن يحييهم إذا لم يشاهدوا . ثم قال :
وأكثر العلماء على ترجيح هذا القول ، ويدل عليه وجوه : أحدها أن الآيات الدالة
على عذاب القبر كثيرة كقوله تعالى : " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " ( 2 ) و
الموتان لا يحصلان إلا عند حصول الحياة في القبر ، وقال تعالى : " اغرقوا فادخلوا
نارا " ( 3 ) والفاء للتعقيب ، وقال : " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة
* ( هامش ) * ( 1 ) تقدم مسندا تحت رقم 52 .
( 2 ) المؤمن : 11 .
( 3 ) نوح : 25 . [ * ]
[205]
أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " ( 1 ) وإذا ثبت عذاب القبر وجب القول بثواب القبر أيضا
لان العذاب حق الله تعالى على العبد ، والثواب حق العبد على الله تعالى ، فإسقاط
العذاب أحسن من إسقاط الثواب ، فحيث ما أسقط العقاب إلى القيامة بل حققه في القبر
كان ذلك في الثواب أولى .
وثانيها أن المعنى لو كان على ما قيل في سائر الاقوال لم يكن لقوله : " ولكن
لا تشعرون " معنى ، لان الخطاب للمؤمنين وقد كانوا يعلمون أنهم سيحيون يوم القيامة ،
وأنهم ماتوا على هدى ونور .
وثالثها أن قوله : " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم " دليل على حصول الحياة
في البرزخ مثل المبعث .
ورابعها قوله صلى الله عليه واله : القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران
والاخبار في ثواب القبر وعذابه كالمتواترة ، وكان صلى الله عليه واله يقول في آخر صلاته : وأعوذ
بك من عذاب القبر .
وخامسها لو كان المراد بقوله : " إنهم أحياء " أنهم سيحيون فحينئذ لا يبقى لتخصيصهم
بهذا فائدة .
وسادسها أن الناس يزورون قبور الشهداء ويعظمونها وذلك يدل من بعض
الوجوه على ما ذكرناه . واعلم أن في الآية قولا آخر وهو أن ثواب القبر وعذابه
للروح لا للقالب ، وهذا القول مبني على معرفة الروح ، ولنشر إلى حاصل قول هؤلاء ،
فنقول : إنهم قالوا : إنه لا يجوز أن يكون الانسان عبارة عن هذا الهيكل المخصوص
لوجهين : الاول أن أجزاء هذا الهيكل أبدا في النمو والذبول والزيادة والنقصان و
الاستكمال والذوبان ، ( 2 ) ولا شك أن الانسان من حيث هو هو باق من أول عمره إلى
آخره ، والباقي غير ما هو غير باق ، فالمشار إليه عند كل أحد بقوله : " أنا " وجب أن يكون
مغايرا لهذا الهيكل .
* ( هامش ) * ( 1 ) المؤمن : 46 .
( 2 ) الذبول : ذهاب النضارة . والذوبان : الهزال . [ * ]
[206]
الثاني أني أكون عالما بأني " أنا " حال ما أكون غافلا عن هذه الاعضاء الظاهرة
فما دل عليه قولنا : " أنا " مغاير لهذه الاعضاء والابعاض ، ثم اختلفوا عند ذلك في أن
الذي يشير إليه كل أحد بقوله : " أنا " أي شئ هو ؟ والاقوال فيها كثيرة ، إلا أن أشدها
تحصيلا وجهان : أحدهما : أنها أجزاء جسمانية سارية في هذا الهيكل سريان النار في
الفحم ، والدهن في السمسم ، وماء الورد في الورد ، والقائلون بهذا القول فريقان : أحدهما
الذين اعتقدوا تماثل الاجسام فقالوا : إن تلك الاجسام متماثلة لسائر الاجزاء التي منها
يؤلف هذا الهيكل ، إلا أن القادر المختار سبحانه يبقي بعض الاجزاء من أول العمر
إلى آخره فتلك الاجزاء هي التي يشير إليها كل أحد بأنا ، ثم إن تلك الاجزاء حية
بحياة يخلقها الله فيها ، فإذا أزال الحياة عنها ماتت ، وهذا قول أكثر المتكلمين .
وثانيهما : أن الذين اعتقدوا اختلاف الاجسام زعموا أن الاجسام التي هي
باقية من أول العمر إلى آخره أجسام مخالفة بالماهية للاجسام التي منها ائتلف هذا
الهيكل وتلك الاجسام حية لذاتها ، مدركة لذاتها ، نورانية لذاتها ، فإذا خالطت هذا
البدن وصارت سارية في هذا الهيكل سريان النار في الفحم صار هذا الهيكل مستنيرا
بنور ذلك الروح ، متحركا بتحريكه ، ثم إن هذا الهيكل أبدا في الذوبان والتحليل
إلا أن تلك الاجزاء باقية بحالها ، وإنما لا يعرض لها التحليل لانها مخالفة بالماهية
لهذه الاجسام ، فإذا فسد هذا القالب انفصلت تلك الاجسام اللطيفة النورانية إلى
عالم السماوات والقدس والطهارة إن كانت من جملة السعداء ، أو إلى الجحيم وعالم
الافات إن كانت من جملة الاشقياء .
والقول الثاني : إن الذي يشير إليه كل أحد بقوله : " أنا " موجود ليس بمتحيز
ولا قائم بالمتحيز ، وإنه ليس داخل العالم ولا خارجا عنه ، ولا يلزم من كونه كذلك
أن يكون مثلا لله تعالى لان الاشتراك في السلوب لا يوجب الاشتراك في الماهية ، و
قالوا : هذه الارواح بعد مفارقة الابدان تتألم وتلتذ إلى أن يردها الله تعالى إلى
الابدان يوم القيامة ، فهناك يحصل الالتذاذ والتألم للابدان ، فهذا قول قال به عالم
من الناس ، قالوا : وإن لم يقم عليه برهان قاهر على القول به ولكن لم يقم دليل على
[207]
فساده ، وأنه مما يزيل الشكوك والشبهات عما ورد في كتاب الله من ثواب القبر وعقابه
فوجب المصير إليه فهذا هو الانسان في توجيه هذا القول .
أقول : ثم قال الرازي في تفسير آية آل عمران بعد اختيار القول الاول فيها
أيضا : يحتمل أن يكون الروح جسما مخصوصا ساريا في هذه الجثة سريان النار في
الفحم ، ويحتمل أن يكون جوهرا قائما بنفسه ، ليس بجسم ولا حال في الجسم ، وعلى
كلا المذهبين فإنه لا يبعد أنه لما مات البدن انفصل ذلك الشئ حيا ، وإن قلنا
أماته الله إلا أنه تعالى يعيد الحياة إليه ، وعلى هذا التقدير تزول الشبهات بالكلية
عن ثواب القبر كما في هذه الآية ، وعن عذابه كما في قوله تعالى : " اغرقوا فادخلوا
نارا " فثبت أنه لا امتناع في ذلك ، وظاهر الآية دالة عليه ، فوجب المصير إليه ، والذي
يؤكد ما قلناه القرآن والحديث والعقل ، أما القرآن فآيات : إحداها قوله تعالى :
" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك " ( 1 ) الآية ، ولا شك أن المرد بقوله : " ارجعي
إلى ربك " بالموت ، ثم قال : " فادخلي في عبادي " وفاء التعقيب يدل على أن حصول هذه
الحالة يكون عقيب الموت . وثانيها قوله : " حتى إذا جاء أحدهم الموت توفته رسلنا وهم
لا يفرطون " ( 2 ) وهذا عبارة عن موت البدن ، ثم قال : " ثم ردوا إلى الله موليهم الحق " ( 3 )
فقوله " ردوا " ضمير عنهم ، وإنما هوهو بحياته وذاته المخصوصة ، فدل على أن ذلك
باق بعد موت البدن . وثالثها قوله : " فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة
نعيم " ( 4 ) وفاء التعقيب يدل على أن قيامة كل أحد حاصلة بعد موته ، وأما قيامته الكبرى
فهي حاصلة في الوقت المعلوم عند الله .
وأيضا روي أنه صلى الله عليه واله يوم بدر كان ينادي المقتولين ويقول : هل وجدتم ما وعد
ربكم حقا ؟ فقيل : يارسول الله إنهم أموات فكيف تناديهم ؟ فقال صلى الله عليه واله : إنهم أسمع
منكم ، وأيضا قال صلى الله عليه واله : أنبياء الله لا يموتون بل ينقلون من دار إلى دار .
وأما المعقول فمن وجوه : الاول أن وقت النوم يضعف البدن وضعفه لا يقتضي
* ( هامش ) * ( 1 ) الفجر : 27 - 28 .
( 2 ) الانعام : 61 .
( 3 ) الانعام : 62 .
( 4 ) الواقعة : 88 - 89 . [ * ]
[208]
ضعف النفس ، بل النفس تقوى عند النوم فتشاهد الاحوال وتطلع على المغيبات ، فهذا
يقوي الظن في أن موت البدن لا يستعقب موت النفس .
الثاني أن كثرة الافكار سبب لجفاف الدماغ ، وجفافه مؤد إلى الموت ، وهذه
الافكار سبب لاستكمال النفس بالمعارف الالهية ، وهو غاية كمال النفس ، فما هو
سبب لكمال النفس فهو سبب لنقصان البدن ، فهذا يقوي الظن في أن النفس لا تموت
بموت البدن .
الثالث أن أحوال النفس على ضد أحوال البدن ، وذلك لان النفس إنما تفرح
وتبتهج بالمعارف الالهية ، كما قال تعالى : " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " ( 1 ) وقال
صلى الله عليه وآله : أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني . ولا شك أن ذلك الشراب
ليس إلا عبارة عن المعرفة والمحبة والاستنارة بأنوار عالم الغيب ، وأيضا فإنا نرى أن
الانسان إذا غلب عليه الاستبشار بخدمة سلطان أو الفوز بمنصب أو بالوصول إلى معشوق
قد ينسى الطعام والشراب ، وبالجملة فالسعادات النفسانية كالمضادات للسعادات
الجسمانية ، وكل ذلك يغلب على الظن أن النفس مستقلة بذاتها ولا تعلق لها بالبدن
ومتى كان كذلك وجب أن لا تموت النفس بموت البدن وأما قوله تعالى : " يرزقون "
فاعلم أن المتكلمين قالوا : الثواب منفعة خالصة ، دائمة ، مقرونة بالتعظيم ، فقوله :
" يرزقون " إشارة إلى المنفعة ، وقوله : " فرحين " إشارة إلى الفرح الحاصل بسبب
ذلك التعظيم ، وأما الحكماء فإنهم قالوا : إذا أشرقت جواهر الاوراح القدسية
بالانوار الالهية كانت مبتهجة من وجهين : أحدهما بكون ذواتها مستنيرة ، مشرقة ،
متلالئة بتلك المعارف الالهية ، والثاني بكونها ناظرة إلى ينبوع النور ومصدر الرحمة
والجلالة ، قالوا : وابتهاجها بهذا القسم أتم من ابتهاجها بالاول ، فقوله :
" يرزقون " إشارة إلى الدرجة الاولى ، وقوله : " فرحين " إلى الدرجة الثانية ، ولذا
قال : " فرحين بما آتيهم الله من فضله " يعني فرحهم ليس بالرزق ، بل بإيتاء الرزق ،
لان المشغول بالرزق مشغول بنفسه ، والناظر إلى إيتاء الرزق مشغول بالرازق ، ومن
طلب الرزق لغيره فهو محجوب . انتهى .
* ( هامش ) * ( 1 ) الرعد : 28 . [ * ]
[209]
وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله في تفسير تلك الآية : قول " عند ربهم " فيه وجهان
أحدهما أنهم بحيث لا يملك أحد لهم نفعا ولا ضرا إلا ربهم ، وليس المراد في ذلك قرب
المسافة لانه مستحيل عليه سبحانه ، والآخر أنهم عند ربهم أحياء من حيث يعلمهم
كذلك دون الناس .
وروي عن ابن عباس وابن مسعود وجابر أن النبي صلى الله عليه واله قال : لما اصيب
إخوانكم باحد جعل الله أرواحهم في حواصل طيور خضر ترد أنهار الجنة وتأكل
من ثمارها .
وروي عنه صلى الله عليه واله أنه قال لجعفر بن أبي طالب - وقد استشهد في غزاة موتة - :
رأيته له جناحان يطير بهما مع الملائكة في الجنة . وأنكر بعضهم حديث الارواح وقال :
إن الروح عرض لا يجوز أن يتنعم ، وهذا لا يجوز ، لان الروح جسم رقيق هوائي مأخوذ
من الريح ، ويدل على ذلك أنه يخرج من البدن ويرد عليه وهي الحساسة الفعالة ،
دون البدن ، وليست من الحياة في شئ لان ضد الحياة الموت ، وليس كذلك الروح
وهذا قول علي بن عيسى . " يرزقون " من نعيم الجنة غدوا وعشيا . وقيل : يرزقون النعيم
في قبورهم .
" فرحين بما آتيهم الله من فضله " أي مسرورين بما أعطاهم الله من ضروب نعمه
في الجنة ، وقيل : في قبورهم . وقيل : فرحين بما نالوا من الشهادة وجزائها " و
يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " أي يسرون بإخوانهم الذين فارقوهم
وهم أحياء في الدنيا على مناهجهم من الايمان والجهاد ، لعلمهم بأنهم إذا استشهدوا


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 209 سطر 19 إلى صفحه 217 سطر 18

لحقوا بهم وصاروا من كرامة الله تعالى إلى مثل ما صاروا إليه ، يقولون : إخواننا يقتلون
كما قتلنا ، فيصيبون من النعيم مثل ما أصبنا .
وقيل : إنه يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من تقدم عليه من إخوانه فيسر بذلك
ويستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا . وقيل : معناه : لم يلحقوا بهم في الفضل
إلا أن لهم فضلا عظيما بتصديقهم وإيمانهم " ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون " أي يستبشرون
بأن لا خوف عليهم ، وذلك لانه بدل من قوله : " الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " لان
[210]
الذين يلحقون بهم مشتملون على عدم الحزن ، والاستبشار هنا إنما يقع بعدم خوف
هؤلاء اللاحقين ، ومعناه : لا خوف عليهم فيمن خلفوه من ذريتهم لان الله تعالى يتولاهم
" ولا هم يحزنون " على ما خلفوا من أموالهم لان الله قد أجزل لهم ما عوضهم . وقيل :
معناه : لا خوف عليهم فيما يقدمون عليه لان الله تعالى محص ذنوبهم بالشهادة ، ولا هم
يحزنون على مفارقة الدنيا فرحا بالآخرة " ويستبشرون " يعني هؤلاء الذين قتلوا
في سبيل " بنعمة من الله وفضل " الفضل والنعمة عبارتان يعبر بهما عن معنى واحد .
وقيل : النعمة : ما استحقوه بطاعتهم ، والفضل : ما زادهم سبحانه من المضاعفة .
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا " أي يثبتهم في كرامته
وثوابه بقولهم الثابت الذي وجد منهم وهو كلمة الايمان ، لانه ثابت بالحجج والادلة .
وقيل : معناه : يثبت الله المؤمنين بسبب كلمة التوحيد وحرمتها في الحياة الدنيا حتى
لا يزلوا ولا يضلوا عن طريق الحق ، ويثبتهم بها في الآخرة حتى لا يزلوا ولا يضلوا عن
طريق الجنة . وقيل : معناه : يثبتهم بالتمكين في الارض والنصرة والفتح في الدنيا ،
وبإسكانهم الجنة في الآخرة . وقال أكثر المفسرين أن المراد بقوله : " في الآخرة " في القبر
والآية وردت في سؤال القبر ، وهو قول ابن عباس وابن مسعود ، وهو المروي عن
أئمتنا عليهم السلام .
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " حتى إذا جاء أحدهم الموت " يعني أن هؤلاء الكفار
إذا أشرفوا على الموت سألوا الله تعالى عند ذلك الرجعة إلى دار التكليف ، فيقول أحدهم :
" رب ارجعون " وفي معناه قولان : أحدهما أنهم استغاثوا أولا بالله ثم رجعوا إلى
مسألة الملائكة فقال لهم : ارجعوني ، أي ردوني إلى الدنيا : والآخر أنه على عادة
العرب في تعظيم المخاطب " لعلي أعمل صالحا فيما تركت " أي في تركتي ، أو في دنياي ،
فإنه ترك الدنيا وصار إلى الآخرة ، أو فيما ضيعت وفرطت أي في صلاتي وصيامي
وطاعاتي ، ثم قال سبحانه في الجواب عن سؤالهم : " كلا " أي لا يرجع إلى الدنيا " إنها "
أي مسألة الرجعة " كلمة هو قائلها " أي كلام يقوله ولا فائدة له في ذلك ، أو كلمة
[211]
يقولها بلسانه وليس لها حقيقة ، مثل قوله : " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( 1 ) " " ومن ورائهم "
أي ومن بين أيديهم " برزخ " أي حاجز بين الموت والبعث في القيامة من القبور . وقيل :
حاجز بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا وهم فيه " إلى يوم يبعثون " وقيل : البرزخ :
الامهال إلى يوم القيامة وهو القبر ، وكل فصل بين شيئين فهو برزخ .
وقال رضي الله عنه في قوله تعالى : " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " :
اختلف في معناه على وجوه : أحدها أن الاماتة الاولى في الدنيا بعد الحياة ،
والثانية في القبر قبل البعث ، والاحياء الاولى في القبر للمسألة ، والثانية في الحشر ،
عن السدي وهو اختيار البلخي .
وثانيها أن الاماتة الاولى حال كونهم نطفا فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم
الموتة الثانية ، ثم أحياهم للبعث ، فهاتان حياتان ومماتان .
وثالثها أن الحياة الاولى في الدنيا ، والثانية في القبر ، ولم يرد الحياة يوم
القيامة ، والموتة الاولى في الدنيا ، والثانية في القبر انتهى .
أقول : اختار الرازي في تفسيره الوجه الاول ، ثم ذكر عليه وجوها من الاعتراض
وأجاب عنها ولا نطيل الكلام بذكرها .
وقال الشيخ البهائي قدس الله روحه : اشتهر الاحتجاج في الكتب الكلامية في
إثبات عذاب القبر بقوله تعالى : - حكاية عن الكفار - " ربنا أمتنا اثنتين " الآية ، وتقريره
أنه سبحانه حكى عنهم على وجه يشعر بتصديق الاعتراف بإماتتين إحيائين ، فإحدى
الاماتتين في الدنيا ، وإلاخرى في القبر بعد السؤال ، وأحد الاحيائين فيه للسؤال ،
والآخر في القيامة ، وأما الاحياء في الدنيا فإنما سكتوا لان غرضهم الاحياء الذي عرفوا
فيه قدرة الله سبحانه على البعث ، ولهذا قالوا : " فاعترفنا بذنوبنا " أي بالذنوب التي
حصلت بسبب إنكار الحشر ، والاحياء في الدنيا لم يكونوا فيه معترفين بذنوبهم .
قال المحقق الشريف في شرح المواقف : إن تفسير هذه الآية على هذا الوجه هو الشائع
المستفيض بين المفسرين ، ثم قال : وأما حمل الاماتة الاولى على خلقهم أمواتا في
أطوار النطفة ، وحمل الاماتة الثانية على الاماتة الطارية على الحياة ، وحمل الاحيائين
* ( هامش ) * ( 1 ) الانعام : 28 . [ * ]
[212]
على الاحياء في الدنيا والحشر فقد رد بأن الاماتة إنما تكون بعد سابقة الحياة ،
ولا حياة في أطوار النطفة ، وبأنه قول شذاد من المفسرين ، والمعتمد هو قول الاكثرين .
انتهى كلامه .
فقد جعل التفسير بالوجه الاول مستفيضا ، وبالوحه الثاني شاذا ، ويخطر
بالبال أن الامر بالعكس فإن الشائع المستفيض بين المفسرين هو ما جعله شاذا ، و
الشاذ النادر هو ما جعله مستفيضا ، ولعل هذا من سهو قلمه ، فإن التفاسير المشهورة
التي عليها المدار في هذه الاعصار هي الكشاف ، ومفاتح الغيب ، ومعالم التنزيل ،
ومجمع البيان ، وجوامع الجامع ، وتفسير النيشابوري ، وتفسير البيضاوي ، ولم يختر
أحد من هؤلاء تفسير الآية بالوجه الاول ، بل أكثرهم إنما اختاروا التفسير الثاني .
وأما التفسير الاول فبعضهم نقله ثم زيفه وبعضهم اقتصر على مجرد نقله من
غير ترجيح ، فلو كان هو الشائع المستفيض كما زعمه السيد المحقق لما كان الحال على
هذا المنوال ، قال في الكشاف : أراد بالاماتتين خلقهم أمواتا أولا ، وإماتتهم عند
انقضاء آجالهم ، وبالاحيائين الاحياء الاولى ، وإحياء البعث .
ثم قال بعد ذلك : فإن قلت : كيف صح أن يسمى خلقهم أمواتا إماتة ؟ قلت : كما
صح أن تقول : سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل ، وقولك للحفار :
ضيق فم الركية ووسع أسفلها ، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر ، ولا من صغر
إلى كبر ، ولا من ضيق إلى سعة ، ولا من سعة إلى ضيق ، وإنما أردت الانشاء على تلك
الصفات ، والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معا على المصنوع الواحد من غير
ترجيح لاحدهما ، وكذلك الضيق والسعة ، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو
متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر ، فجعل صرفه عنه كنقله
منه ، ومن جعل الاماتتين التي بعد حياة الدنيا ، والتي بعد حياة القبر لزمه إثبات
ثلاث إحياءآت وهو خلاف ما في القرآن ، إلا أن يتمحل فيجعل إحداها غير معتد
بها ، أو يزعم أن الله يحييهم في القبور وتستمر بهم تلك الحياة فلا يموتون بعدها و
[213]
يعدهم في المستثنين من الصعقة في قوله تعالى : " إلا من شاء الله " .
فإن قلت : كيف تسبب هذا لقوله : " فاعترفنا بذنوبنا " ؟ قلت : قد أنكروا
البعث فكفروا وتبع ذلك من الذنوب ما لا يحصى لان من لم يخش العاقبة تخرق في
المعاصي ، فلما رأوا الاماتة والاحياء قد تكررا عليهم علموا بأن الله تعالى قادر على
الاعادة قدرته على الانشاء ، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث ، وما تبعه
من معاصيهم . انتهى كلامه .
وقال الشيخ أمين الاسلام في جوامع الجامع : أراد بالاماتتين خلقهم أمواتا
أولا ، وإماتتهم عند انقضاء آجالهم ، وبالاحيائين الاحياء الاولى ، وإحياء البعث .
وقيل : الاماتتان هما التي في الدنيا بعد الحياة ، والتي في القبر قبل البعث ، والاحياءان
هما التي في القبر للمسألة ، والتي في البعث انتهى . وفي كلام هذين الفاضلين كفاية
والله الموفق .
ثم قال رحمه الله : وعساك تقول : إن تفسير الآية على ما هو الشائع المستفيض
كما ذكرته يقتضي سكوت الكفار عن الاحياء والاماتة الواقعين في القبر ، فما السبب
في سكوتهم عنهما ؟ فنقول : إن الحياة في القبر حياة برزخية ناقصة ، ليس معها من
آثار الحياة سوى الاحساس بالالم أو اللذة ، حتى أنه قد توقف بعض الامة في عود
الروح إلى الميت ، فلذلك لم يعتدوا بها في جنب الحياتين الاخريين ، قال في شرح
المقاصد : اتفق أهل الحق على أنه تعالى بعيد إلى الميت في القبر نوع حياة قدر ما
يتألم ويلتذ ، لكن توقفوا في أنه هل يعاد الروح إليه أم لا ؟ وما يتوهم من امتناع
الحياة بدون الروح ممنوع ، وإنما ذلك في الحياة الكاملة التي تكون معها القدرة
والافعال الاختيارية . انتهى كلامه . والحق أن الروح يتعلق به وإلا لما قدر على إجابة
الملكين ، ولكنه تعلق ضعيف ، كما يشعر به ما رواه في الكافي عن الصادق عليه السلام في
حديث طويل : فيدخل عليه ملكا القبر : منكر ونكير فيلقيان فيه الروح إلى حقويه ،
الحديث . وقد يستبعد تعلق الروح بمن أكلته السباع ، أو احرق وتفرقت أجزاؤه يمينا
وشمالا ، ولا استبعاد فيه نظرا إلى قدرة الله سبحانه على حفظ أجزائه الاصلية عن
[214]
التفرق ، أو جمعها بعده ، وتعلق الروح بها تعلقا ما ، وقد روي عن أئمتنا عليهم السلام ما
يدل على أن الاجزاء الاصلية محفوظة إلى يوم القيامة . انتهى كلامه ضاعف الله إكرامه .
أقول : الشيخ الطبرسي رحمه الله وإن اختار في الجوامع التفسير الثاني اختار في
المجمع التفسير الاول حيث قدمه على غيره ، والرازي بالغ في اختيار الاول وذب
عنه قول من أنكره ، وقال : احتج أكثر العلماء بهذه الآية على إثبات عذاب القبر ،
والبيضاوي ذكرهما وقدم الثاني ، لانه يقتص أثر الزمخشري غالبا فظهر أن ما ذكره
السيد الشريف ليس ببعيد عن الصواب في هذا الباب .
1 - فس : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله " الآية ، فإنه حدثني أبي ،
عن ابن محبوب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : هم
والله شيعتنا ، إذا دخلوا الجنة واستقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحق بهم
من إخوانهم من المؤمنين في الدنيا " ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون " وهو رد على
من يبطل الثواب والعقاب بعد الموت . " ص 115 "
2 - فس : " حتى إذا جاء أحدهم الموت " إلى قوله : " إنها كلمة هو قائلها "
فإنها نزلت في مانع الزكاة ( 1 ) قوله : " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " قال :
البرزخ هو أمر بين أمرين ، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ، وهو رد على
من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب قبل يوم القيامة ، ( 2 ) وهو قول الصادق عليه السلام :
والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ ، فأما إذا صار الامر إلينا فنحن أولى بكم .
" ص 447 - 449 "
وقال علي بن الحسين عليهما السلام : إن القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من
حفر النيران .
وأقول : قد مضى خبر علي بن الحسين عليه السلام في باب الموت أنه عليه السلام تلا : " ومن
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : في مانع الزكاة والخمس . م
( 2 ) في المصدر : قبل القيامة . م [ * ]
[215]
ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " قال : هو القبر ، وإن لهم فيه لمعيشة ضنكا ، والله إن القبر
لروضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران . أقول : هذا الخبر يدل على أن
المراد بالمعيشة الضنك في الآية هو عذاب القبر ، ويؤيده ذكر القيامة بعدها ، وإليه
ذهب كثير من المفسرين ، ولا يجوز أن يراد بها سوء الحال في الدنيا لان كثيرا من
الكفار في الدنيا في معيشة طيبة هنيئة غير ضنك ، والمؤمنين بالضد من ذلك .
قال الطبرسي رحمه الله " فإن له معيشة ضنكا " أي عيشا ضيقا ، وهو أن يقتر
الله عليه الرزق ، عقوبة له على إعراضه فان وسع عليه فإنه يضيق عليه المعيشة بأن
يمسكه ولا ينفقه على نفسه ، وإن أنفقه فإن الحرص على الجمع وزيادة الطلب يضيق
المعيشة عليه . وقيل : هو عذاب القبر ، عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري والسدي
ورواه أبوهريرة مرفوعا . وقيل : هو طعام الزقوم والضريع في جهنم لان مآله إليها
وإن كان في سعة من الدنيا وقيل : معناه : أن يكون عيشه منغصا بأن ينفق إنفاق من
لا يوقن بالخلف . وقيل : وهو الحرام في الدنيا والذي يؤدي إلى النار . وقيل : عيشا
ضيقا في الدنيا لقصرها وسائر ما يشوبها ويكدرها ، وإنما العيش الرغد في الجنة .
3 - كا : علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قلت لابي
جعفر عليه السلام : أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة ؟ قال : يتجافى عنه العذاب و
الحساب ما دام العود رطبا ، قال : والعذاب كله في يوم واحد ، في ساعة واحدة ، قدر
ما يدخل القبر ويرجع القوم ، وإنما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب
بعد جفوفهما إن شاء الله . " ف ج 1 ص 42 "
4 - كا : علي ، عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن حريز ، وفضيل وعبدالرحمن
قالوا : قيل لابي عبدالله عليه السلام : لاي شئ يوضع مع الميت الجريدة ؟ قال : إنه يتجافى
عنه ما دامت رطبة . " ج 1 ف ص 42 "
5 - ين : ابن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه واله
أنه قال لبعض أصحابه : كيف أنت إذا أتاك فتانا القبر ؟ فقال : يارسول الله ما فتانا
القبر ؟ قال : ملكان فظان غليظان ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق
[216]
الخاطف ، يطئان في أشعارهما ، ويحفران بأنيابهما ، فيسألانك ، قال : وأنا على مثل
هذه الحال ؟ قال : وأنت على مثل حالك هذه ، قال : إذن أكفيهما .
6 - شف : من تفسير الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي بإسناده رفعه قال : أقبل
صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقال : يا محمد هذا الامر لنا بعدك أم
لمن ؟ قال : يا صخر الامر بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى ، فأنزل الله تعالى :
" عم يتسائلون " يعني يسألك أهل مكة عن خلافة علي بن أبي طالب " عن النبأ العظيم
الذي هم فيه مختلفون " منهم المصدق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذب " كلا " رد عليهم
" سيعلمون " سيعرفون خلافته بعدك إنها حق يكون " ثم كلا سيعلمون " سيعرفون
خلافته وولايته إذ يسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا في
بر ولا في بحر إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت ، يقولان للميت :
من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ومن إمامك ؟ .
7 - كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، ومحمد بن إسماعيل ، عن
الفضل بن شاذان جميعا ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن بن زياد الصيقل ،
عن أبي عبدالله عليه السلام ( 1 ) قال : الجريدة تنفع المؤمن والكافر . " ف ج 1 ص 42 "
8 - ج : في حديث الزنديق الذي سأل الصادق عليه السلام عن مسائل أن قال :
أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره ؟ قال : يذهب فلا يعود ، قال : فما
أنكرت أن يكون الانسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه
أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه إذا انطفأ ؟ قال : لم تصب القياس إن النار في
الاجسام كامنة والاجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد ، فإذا ضرب أحدهما
بالآخر سطعت ( 2 ) من بينهما نار تقتبس منها سراج له الضوء ، فالنار ثابتة في أجسامها
والضوء ذاهب ، والروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا ليس بمنزلة السراج الذي
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : قال : يوضع للميت جريدتان واحدة في اليمين والاخرى في الايسر ، قال : قال :
الجريدة اه . م
( 2 ) في المصدر : سقطت . م [ * ]
[217]
ذكرت ، أن الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف ، وركب فيه ضروبا مختلفة من
عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك هو يحييه بعد موته ويعيده بعد فنائه ،
قال : فأين الروح ؟ قال : في بطن الارض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث ، قال :
فمن صلب أين روحه ؟ قال : في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الارض ، ( 1 ) قال
أفيتلاشي الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق ؟ قال : بل هو باق إلى وقت ينفخ
في الصور ، فعند ذلك تبطل الاشياء وتفنى ، فلا حس ولا محسوس ، ثم اعيدت الاشياء
كما بدأها مدبرها ، وذلك أربعمائة سنة تسبت فيها الخلق ، وذلك بين النفختين
" ص 191 - 192 "
أقول : سيأتي تمام الخبر مشروحا في كتاب الاحتجاجات .
9 - ين : القاسم ، وعثمان بن عيسى ، عن علي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : إن سعدا ( 2 ) لما مات شيعه سبعون ألف ملك ، فقام رسول الله صلى الله عليه واله
على قبره فقال : ومثل سعد يضم ، فقالت امه : هنيئا لك يا سعد وكرامة ، فقال لها
رسول الله : يا أم سعد لا تحتمي على الله ، فقالت : يا رسول الله قد سمعناك وما تقول في
سعد ، فقال : إن سعدا كان في لسانه غلظ على أهله .
10 - وقال أبوبصير : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن رقية بنت رسول الله
صلى الله عليه وآله لما ماتت قام رسول الله صلى الله عليه واله على قبرها ، فرفع يده تلقاء السماء
ودمعت عيناه ، فقالوا له : يارسول الله إنا قد رأيناك رفعت رأسك إلى السماء ودمعت
عيناك ، فقال : إني سألت ربي أن يهب لي رقية من ضمة القبر .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 217 سطر 19 إلى صفحه 225 سطر 18

11 - فس : أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن إسحاق بن
عبدالعزيز ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : " فأما إن كان من المقربين
فروح وريحان " قال : في قبره " وجنة نعيم " قال : في الآخرة " وأما إن كان من المكذبين
الضالين فنزل من حميم " في القبر ( 3 ) " وتصلية جحيم " في الآخرة . " ص 664 "
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر بين قوله : يودعها الارض وقوله : قال : افيتلاشى سؤالان آخران . م
( 2 ) هو سعد بن معاذ ، وتأتى صورة اخرى مفصلة من الحديث تحت رقم 14 .
( 3 ) في المصدر : في قبره . م [ * ]
[218]
12 - فس : وأما الرد على من أنكر الثواب والعقاب فقوله : " يوم يأتي لا تكلم
نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق
خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك ( 1 ) " فإذا قامت القيامة ( 2 )
تبدل السماوات والارض ، وقوله : " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ( 3 ) " فأما الغدو
والعشي إنما يكونان في الدنيا في دار المشركين ، وأما في القيامة فلا يكون غدو ولا
عشي ، وقوله : " لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا " يعني في جنان الدنيا التي ينقل إليها
أرواح المؤمنين ، فأما في جنات الخلد فلا يكون غدو ولا عشي وقوله : " ومن ورائهم
برزخ إلى يوم يبعثون ( 4 ) " فقال الصادق عليه السلام : البرزخ : القبر ، وهو الثواب والعقاب بين
الدنيا والآخرة ، والدليل على ذلك أيضا قول العالم عليه السلام : والله ما يخاف عليكم إلا
البرزخ ، وقوله عزوجل : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند
ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من
خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 5 ) " وقال الصادق عليه السلام : يستبشرون والله في
الجنة بمن لم يلحق بهم من خلفهم من المؤمنين في الدنيا ، ومثله كثير مما هو رد على
من أنكر عذاب القبر . " ص 18 "
13 - ما : فيما كتب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن أبي بكر : يا عباد الله ما بعد الموت
لمن لا يغفر له أشد من الموت ، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته ، إن القبر يقول
كل يوم : أنا بيت الغربة ، أنا بيت التراب ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود والهوام ، والقبر
روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، ( 2 ) إن العبد المؤمن إذا دفن قالت له الارض :
مرحبا وأهلا ، قد كنت ممن احب أن تمشي على ظهري ، فإذا وليتك ( 7 ) فستعلم كيف
* ( هامش ) * ( 1 ) هود : 105 - 107 .
( 2 ) في المصدر : وأما قوله : " ما دامت السموات والارض " انما هو في الدنيا ما دامت السموات
الارض فاذا قامت اه . م
( 3 ) غافر : 46 .
( 4 ) المؤمنون : 100 .
( 5 ) آل عمران : 169 - 171 .
( 6 ) في المصدر : النيران . م
( 7 ) إما من ولى فلانا : دنا منه وقرب ، أو من ولى يلى ولاية الشئ : قام به وملك أمره . [ * ]
[219]
صنيعي ( 1 ) بك ، فيتسع له مد البصر ، وإن الكافر إذا دفن قالت له الارض : لا مرحبا بك
ولا أهلا ، ( 2 ) لقد كنت من أبغض من يمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنيعي بك ،
فتضمه حتى تلتقي أضلاعه ، وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر ، إنه
يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا ( 3 ) فينهشن لحمه ، ويكسرن عظمه ، يترددن
عليه كذلك إلى يوم يبعث ، لو أن تنينا منها نفخ في الارض لم تنبت زرعا ، يا عباد الله إن
أنفسكم الضعيفة وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا ، فإن
استطعتم أن تجزعوا لاجسادكم وأنفسكم بما لا طاقة ( 4 ) لكم به ولا صبر لكم عليه
فاعملوا بما أحب الله واتركوا ما كره الله . " ص 18 "
بيان : قوله عليه السلام : تسعة وتسعين تنينا قال الشيخ البهائي رحمه الله : قال بعض
أصحاب الحال : ولا ينبغي أن يتعجب من التخصيص بهذا العدد ، فلعل عدد هذه
الحيات بقدر عدد الصفات المذمومة من الكبر والريا والحسد والحقد وسائر الاخلاق
والملكات الردية ، فإنها تنشعب وتتنوع أنواعا كثيرة ، وهي بعينها تنقلب حيات في
تلك النشأة . انتهى كلامه . ولبعض أصحاب الحديث في نكتة التخصيص بهذا العدد وجه
ظاهري إقناعي ، محصله أنه قد ورد في الحديث أن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها
دخل الجنة ، ومعنى إحصائها الاذعان باتصافه عز وعلا بكل منها ، وروى الصادق
عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والانس
والبهائم ، وأخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده ، فتبين من الحديث الاول أنه
سبحانه بين لعباده معالم معرفته بهذه الاسماء التسعة والتسعين ، ومن الحديث الثاني
أن لهم عنده في النشأة الاخروية تسعة وتسعين رحمة ، وحيث إن الكافر لم يعرف الله
سبحانه بشئ من تلك الاسماء جعل له في مقابل كل اسم رحمة تنين ينهشه في قبره .
هذا حاصل كلامه وهو كما ترى .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : " صنعى " في الموضعين . م
( 2 ) في المصدر : لا مرحبا ولا أهلا . م
( 3 ) كسكين حية عظيمة .
( 4 ) في المصدر : مما لا طاقة . م [ * ]
[220]
14 - ع ، لى : علي بن الحسين بن الشقير الهمداني ، عن جعفر بن أحمد بن
يوسف ، عن علي بن بزرج الخياط ، عن عمر بن اليسع ، عن عبدالله بن اليسع ، عن ابن
سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : اتي رسول الله صلى الله عليه واله فقيل له : إن سعد بن معاذ قد مات ،
فقام رسول الله صلى الله عليه واله وقام أصحابه معه ، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب ،
فلما أن حنط وكفن وحمل على سريره تبعه رسول الله صلى الله عليه واله بلا حذاء ولا رداء ، ثم كان
يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به إلى القبر ، فنزل رسول
الله صلى الله عليه واله حتى لحده وسوى اللبن عليه ، وجعل يقول : ناولوني حجرا ، ناولوني ترابا
رطبا ، يسد به ما بين اللبن ، فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال رسول
الله صلى الله عليه واله : إني لاعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه ، ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملا
أحكمه ، فلما أن سوى التربة عليه قالت ام سعد : يا سعد هنيئا لك الجنة ، فقال
رسول الله صلى الله عليه واله : يا ام سعد مه ، لا تجزمي على ربك فإن سعدا قد أصابته ضمة ، قال :
فرجع رسول الله صلى الله عليه واله ورجع الناس فقالوا له : يارسول الله لقد رأيناك صنعت على
سعد ما لم تصنعه على أحد ، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء ، فقال صلى الله عليه واله : إن
الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسيت بها ، قالوا : وكنت تأخذ يمنة السرير مرة ،
ويسرة السرير مرة ، قال : كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ ، قالوا : أمرت
بغسله وصليت على جنازته ولحدته في قبره ثم قلت : إن سعدا قد أصابته ضمة ! قال :
فقال صلى الله عليه واله : نعم إنه كان في خلقه مع أهله سوء . " ع ص 111 "
ما : الغضائري عن الصدوق مثله . " ص 272 - 273 "
15 - لى : العطار ، عن أبيه ، عن البرقي ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن
التفليسي ، عن إبراهيم بن محمد ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله :
مر عيسى بن مريم عليه السلام بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به من قابل فإذا هو ليس يعذب ،
فقال : يارب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب ، ثم مررت به العام فإذا
هو ليس يعذب ؟ فأوحى الله عزوجل إليه : ياروح الله إنه أدرك له ولد صالح فأصلح
طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه . " ص 306 "
[221]
16 - ثو ، لى : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن هاشم ، عن النوفلي ، عن
السكوني ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : ضغطة القبر للمؤمن
كفارة لما كان منه من تضييع النعم . " ص 190 ص 322 "
ع : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي مثله . " ص 111 "
17 - لى : ابن الوليد ، عن سعد ، بن البرقي ، عن ابن أبي نجران ، والحسين بن
سعيد معا ، عن حماد ، عن حريز ، عن أبان بن تغلب ، عن الصادق عليه السلام قال : من مات
ما بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين أعاذه الله
من ضغطة القبر . " ص 169 "
ثو : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن علي بن إسماعيل ، عن حماد ،
مثله . " ص 188 "
18 - ع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن السندي بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ،
عن صفوان بن مهران ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : اقعد رجل من الاخيار في قبره ، فقيل له :
إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله ، فقال : لا اطيقها ، فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى
جلدة واحدة فقالوا : ليس منها بد ، قال : فبما تجلدونيها ؟ قالوا : نجلدك لانك صليت
يوما بغير وضوء ، ومررت على ضعيف فلم تنصره ، قال : فجلدوه جلدة من عذاب الله عز
وجل فامتلا قبره نارا . " ص 111 "
19 - ين : فضالة ، عن أبان ، عن بشير النبال قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول :
خاطب رسول الله صلى الله عليه واله قبر سعد فمسحه بيده واختلج بين كتفيه ، فقيل له : يا رسول الله
رأيناك خاطبت واختلج بين كتفيك وقلت : سعد يفعل به هذا ! فقال : إنه ليس من مؤمن
إلا وله ضمة .
20 - ين : علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد قال : سألت
أبا عبدالله عليه السلام عما يلقى صاحب القبر ، فقال : إن ملكين يقال لهما : منكر ونكير
يأتيان صاحب القبر فيسألانه عن رسول الله صلى الله عليه واله فيقولان : ما تقول في هذا الرجل الذي
خرج فيكم ؟ فيقول : من هو ؟ فيقولان : الذي كان يقول : إنه رسول الله ، أحق ذلك ؟
[222]
قال : فإذا كان من أهل الشك قال : ما أدري ؟ قد سمعت الناس يقولون ، فلست أدري
أحق ذلك أم كذب ؟ فيضربانه ضربة يسمعها أهل السماوات وأهل الارض إلا المشركين ،
وإذا كان متيقنا فإنه لا يفزع فيقول : أعن رسول الله تسألاني ؟ فيقولان : أتعلم أنه رسول
الله ؟ فيقول : أشهد أنه رسول الله حقا ، جاء بالهدى ودين الحق ، قال : فيرى مقعده
من الجنة ويفسح له عن قبره ثم يقولان له : نم نومة ليس فيها حلم في أطيب ما
يكون النائم .
21 - ع : علي بن حاتم ، عن أحمد بن محمد الهمداني ، عن المنذر بن محمد ، عن
الحسين بن محمد ، عن علي بن القاسم ، عن أبي خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن
جده ، عن علي عليهم السلام قال : عذاب القبر يكون من النميمة ، والبول ، وعزب الرجل عن
أهله . ( 1 ) " ص 111 "
22 - لى : علي بن حاتم ، عن علي بن الحسين النحوي ، عن البرقي ، عن أبيه ،
عن سليمان بن مقبل ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام قال : إذا مات المؤمن شيعه
سبعون ألف ملك إلى قبره ، فإذا ادخل قبره أتاه منكر ونكير فيقعدانه ويقولان له :
من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : ربي الله ، ومحمد نبيي ، والاسلام ديني ،
فيفسحان له في قبره مد بصره ، ويأتيانه بالطعام من الجنة ، ويدخلان عليه الروح
والريحان ، وذلك قوله عزوجل : " فأما إن كان من المقربين فروح وريحان " يعني
في قبره " وجنة نعيم " يعني في الآخرة ، ثم قال عليه السلام : إذا مات الكافر شيعه سبعون
ألفا من الزبانية ( 2 ) إلى قبره ، وإنه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كل شئ إلا الثقلان
ويقول : لو أن لي كرة فأكون من المؤمنين ، ويقول : ارجعون لعلى أعمل صالحا
فيما تركت ، فتجيبه الزبانية ، كلا إنها كلمة أنت قائلها ، ويناديهم ملك : لورد
لعاد لما نهي عنه ، فإذا ادخل قبره وفارقه الناس أتاه منكر ونكير في أهول صورة فيقيمانه
ثم يقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيتلجلج لسانه ( 3 ) ولا يقدر على
* ( هامش ) * ( 1 ) اى بعده واعتزاله عن أهله ، ولعله كناية عن نشوزه عليها .
( 2 ) الزبانية عند العرب : الشرط وسموا بها بعض الملائكة لدفعهم أهل النار اليها .
( 3 ) اى يثقل لسانه ويتردد في كلامه . [ * ]
[223]
الجواب ، فيضربانه ضربة من عذاب الله يذعر لها كل شئ ، ثم يقولان له : من ربك ؟
وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري فيقولان له : لا دريت ولا هديت ولا أفلحت ، ثم
يفتحان له بابا إلى النار وينزلان إليه من الحميم من جهنم ، وذلك قول الله عزوجل :
" وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم " يعني في القبر " وتصلية جحيم "
يعني في الآخرة . " ص 174 - 175 "
23 - لي : القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه قال :
قال الصادق عليه السلام : من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ، والمسألة في القبر ،
والشفاعة . " ص 177 "
24 - لى : أبي ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن
غالب ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب قال : كان علي بن الحسين صلوات الله عليه
يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ، ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة
في مسجد الرسول صلى الله عليه واله وحفظ عنه وكتب ، كان يقول : أيها الناس اتقوا الله ، واعلموا
أنكم إليه ترجعون ، فتجد كل نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضرا وما عملت من
سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذركم الله نفسه ، ويحك ابن آدم الغافل ! وليس
بمغفول عنه ! ابن آدم إن أجلك أسرع شئ إليك ، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ، ويوشك
أن يدركك ، وكأن قد أوفيت أجلك ، وقبض الملك روحك ، وصرت إلى منزل وحيدا
فرد إليك فيه روحك ، واقتحم عليك فيه ملكاك : منكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك ،
ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده ، وعن نبيك الذي ارسل إليك ،
وعن دينك الذي كنت تدين به ، وعن كتابك الذي كنت تتلوه ، وعن إمامك الذى
كنت تتولاه ، تم عن عمرك فيما أفنيته ؟ ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته ؟ فخذ
حذرك وانظر لنفسك ، وأعد للجواب قبل الامتحان والمسألة والاختبار ، فإن تك مؤمنا
تقيا ، عارفا بدينك ، متبعا للصادقين ، مواليا لاولياء الله لقاك الله حجتك ، وأنطق
لسانك بالصواب فأحسنت الجواب ، فبشرت بالجنة والرضوان من الله ، والخيرات
الحسان ، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان ، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ،
[224]
ودحضت حجتك ، وعميت عن الجواب ، وبشرت بالنار ، واستقبلتك ملائكة العذاب
بنزل من حميم وتصلية جحيم . " ص 301 - 302 "
أقول : تمامه في أبواب المواعظ .
25 - فس : أبي ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن عبدالحميد الطائي ، عن
محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن العبد إذا ادخل قبره أتاه منكر ففزع منه
يسأل عن النبي صلى الله عليه واله فيقول له : ما تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم ؟ فإن
كان مؤمنا قال : أشهد أنه رسول الله جاء بالحق ، فيقال له : ارقد رقدة لا حلم فيها ،
ويتنحى عنه الشيطان ، ويفسح له في قبره سبعة أذرع ، ويرى مكانه من الجنة ، قال :
وإذا كان كافرا قال : ما أدري ، فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق الله إلا الانسان
وسلط عليه الشيطان ، وله عينان من نحاس أو نار كالبرق الخاطف فيقول له : أنا أخوك ،
ويسلط عليه الحيات والعقارب ، ويظلم عليه قبره ، ثم يضغطه ضغطة يختلف أضلاعه
عليه ، ثم قال بأصابعه فشرجها .
بيان : ثم قال بأصابعه القول هنا بمعنى الفعل ، أي أدخل أصابعه بعضها في بعض
لتوضيح اختلاف الاضلاع ، أي تدخل أضلاعه من جانب في أضلاعه من جانب آخر .
وقوله : شرجها ، في أكثر النسخ بالجيم ، قال الفيروز آبادي : الشرج : الفرقة ، والمزج
والجمع ونضد اللبن ، والتشريج : الخياطة المتباعدة ، وتشرج اللحم بالشحم : تداخل .
انتهى . وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي أوضح وبين اختلاف الاضلاع .
26 - فس أبي ، عن علي بن مهزيار ، عن عمرو بن عثمان ، عن المفضل بن صالح ،
عن جابر ، عن إبراهيم بن العلاء ، ( 1 ) عن سويد بن غفلة ، عن أمير المؤمنين صلوات الله
عليه قال : إن ابن آدم كان في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة مثل
له ماله ( 2 ) وولده وعمله ، فيلتفت إلى ماله فيقول : والله إني كنت عليك لحريصا
شحيحا ، فمالي عندك ؟ فيقول : خذ مني كفنك ، ثم يلتفت إلى ولده فيقول :
* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا في النسخ المطبوعة من التفسير ، وفى الامالى والكافى : ابراهيم بن ( عن خ ) عبدالاعلى .
وعلى أى فالرجل مجهول .
( 2 ) في نسخة : مثل له أهله وماله اه . [ * ]
[225]
والله إني كنت لكم لمحبا ، وإني كنت عليكم لمحاميا ، فماذا لي عندكم ؟ فيقولون :
نؤديك إلى حفرتك ونواريك فيها ، ثم يلتفت إلى عمله فيقول : والله إني كنت فيك
لزاهدا ، إنك كنت علي لثقيلا ، فماذا عندك ؟ فيقول : أنا قرينك في قبرك ، ويوم
حشرك حتى اعرض أنا وأنت على ربك ، فإن كان لله وليا أتاه أطيب الناس ريحا ،
وأحسنهم منظرا ، وأزينهم رياشا ، فيقول : ابشر بروح من الله وريحان وجنة نعيم ،
قد قدمت خير مقدم ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك الصالح ، ارتحل من الدنيا إلى
الجنة ، وإنه ليعرف غاسله ، ويناشد حامله أن يعجله ، ( 1 ) فإذا ادخل قبره أتاه
ملكان وهما فتانا القبر ، يجران أشعارهما ، ويبحثان الارض بأنيابهما ، ( 2 ) وأصواتهما
كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، فيقولان له : من ربك ومن نبيك
وما دينك ؟ فيقول : الله ربي ، ومحمد نبيي ، والاسلام ديني ، فيقولان : ثبتك الله فيما تحب
وترضى ، وهو قول الله : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا " الآية ،
فيفسحان له في قبره مد بصره ، ويفتحان له بابا إلى الجنة ، ويقولان له : نم قرير العين
نوم الشاب الناعم ، وهو قوله : " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا "
وإذا كان لربه عدوا فإنه يأتيه أقبح خلق الله رياشا ، ( 3 ) وأنتنه ريحا ، فيقول له :
ابشر ( 4 ) بنزل من حميم ، وتصلية جحيم ، وإنه ليعرف غاسله ، ويناشد حامله أن يحبسه ،
فإذا دخل قبره أتياه ممتحنا ( 5 ) القبر فألقيا عنه أكفانه ، ثم قالا له : من ربك ؟ ومن
* ( هامش ) * ( 1 ) قال المصنف في مرآت العقول : قوله : ارتحل بصيغة الامر ، وفى قوله : وإنه ليعرف
غاسله فعل مقدر يدل عليه السياق ، والواو حالية ، والتقدير : فيرتحل والحال انه ليعرف غاسله ،


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 225 سطر 19 إلى صفحه 233 سطر 18

ويحتمل أن تكون عاطفة على ( أتاه ) فلا تقدير . ويناشد حامله في الصحاح : نشدت فلانا انشده
نشدا : إذا قلت له : نشدتك الله ، أى سألتك بالله ، وملكا القبر : مبشر وبشير .
( 2 ) في الكافى هكذا : أتاه ملكا القبر يجران أشعارهما ويخدان الارض بأقدامهما .
( 3 ) في الكافي : أقبح خلق الله زيا ورؤيا .
( 4 ) في التفسير المطبوع سنة 1315 هكذا : فيقول له : من أنت ؟ فيقول له : أنا عملك ابشر .
( 5 ) في التفسير المطبوع مقتحما . خ ل . [ * ]
[226]
نبيك ؟ وما دينك ؟ فيقول : لا أدري ! فيقولان له : ما دريت ولا هديت ، فيضربانه ( 1 )
بمرزبة ضربة ما خلق الله دابة إلا وتذعر لها ما خلا الثقلين ، ثم يفتحان له بابا إلى النار ،
ثم يقولان له : نم بشر حال ، فهو من الضيق مثل ما فيه القنا من الزج حتى أن دماغه
يخرج من بين ظفره ولحمه ، ويسلط الله عليه حيات الارض وعقاربها وهوامها فتنهشه
حتى يبعثه الله من قبره ، وإنه ليتمنى قيام الساعة مما هو فيه من الشر . " 346 - 347 "
27 - ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن قاسم بن جعفر بن أحمد ، عن عباد بن
أحمد القزويني ، عن عمه ، عن أبيه ، عن جابر ، عن إبراهيم بن عبدالاعلى ، عن سويد بن
غفلة ذكر أن علي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس ذكرا أن ابن آدم إذا كان في آخر يوم
من الدنيا وأول يوم من الآخرة مثل له ماله وولده وعمله . وساق الحديث مثل ما مر .
" ص 221 - 222 "
شي : عن ابن غفلة مثله .
28 - كا : علي ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن
زياد ، عن البزنطي والحسن بن علي جميعا ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن عبدالاعلى ، و
علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن إبراهيم بن عبدالاعلى ، عن
سويد بن غفلة مثله ، وقال في آخره : وقال جابر : قال أبوجعفر عليه السلام : قال النبي صلى الله عليه واله :
إني كنت أنظر إلى الابل والغنم وأنا أرعاها - وليس من نبي إلا وقد رعى الغنم -
وكنت أنظر إليها قبل النبوة وهي متمكنة في المكينة ما حولها شئ يهيجها حتى تذعر
فتطير ، فأقول : ما هذا ؟ وأعجب ، حتى حدثني جبرئيل عليه السلام أن الكافر يضرب ضربة
ما خلق الله شيئا إلا سمعها ويذعر لها إلا الثقلين ، فقلنا : ذلك لضربة الكافر ، فنعوذ بالله
من عذاب القبر . " ف ج 1 ص 63 "
بيان : قوله عليه السلام : مثل له أي صور له كل من الثلاثة بصورة مثالية يخاطبها
وتخاطبه ويجوز أن يراد بالتمثل خطور هذه الثلاثة بالبال وحضور صورها في الخيال ،
وحينئذ يكون المخاطبة بلسان الحال لا بلسان المقال . والشح : البخل مع الحرص ، والزهد في الشئ : ضد الرغبة فيه . الرياش : اللباس الفاخر ، وقال الجزري :
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافى : فيضربان يافوخه . [ * ]
[227]
فيه : تفتنون في القبور . يريد مسألة منكر ونكير من فتنة الامتحان والاختبار .
قوله عليه السلام : يخدان الارض ( 1 ) أي يشقانها ، والقاصف : الشديد الصوت .
قوله عليه السلام : وهو قول الله الضمير عائد إلى قول الملكين : ثبتك الله ، والمضاف
محذوف ، والتقدير : هو مدلول قول الله عزوجل . وقيل : هو عائد إلى تثبيت المؤمن على
ما يجيب به الملكين ، كما يدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه ذكر قبض روح المؤمن
فقال : ثم يعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له : من ربك ؟
وما دينك ؟ فيقول : ربي الله ، وديني الاسلام ، ونبيي محمد ، فينادي مناد من السماء :
أن صدق عبدي . فذلك قوله تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " .
والفسحة بالضم السعة ، والمراد بمد البصر مداه وغايته التي ينتهي إليها ، و
قرة العين : برودتها وانقطاع بكائها ورؤيتها ما كانت مشتاقة إليه ، والقرة بالضم : ضد
الحر ، والعرب تزعم أن دمع الباكي من شدة السرور بارد ، ودمع الباكي من الحزن
حار ، فقرة العين كناية عن الفرح والسرور . والناعم من النعمة بالكسر وهو ما يتنعم
به من المال ونحوه ، أو بالفتح وهي نفس التنعم ، ولعل الثاني أولى .
قوله تعالى : " أصحاب الجنة يومئذ " المراد اليوم المذكور في قوله تعالى :
قبل هذه الآية : " يوم يرون الملائكة لابشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا "
وهذا الحديث يدل على أن المراد بذلك اليوم يوم الموت ، وبالملائكة ملائكة الموت ،
وهو قول كثير من المفسرين ، وفسر بعضهم ذلك اليوم بيوم القيامة ، والملائكة بملائكة
النار ، والمراد بالمستقر المكان الذي يستقر فيه ، وبالمقيل مكان الاستراحة ، مأخوذ من
مكان القيلولة ، قال الشيخ البهائي رحمه الله : ويحتمل أن يراد بأحدهما الزمان أي إن مكانهم
وزمانهم أطيب ما يتخيل من الامكنة والازمان ، ويحتمل المصدرية فيهما ، أو في
أحدهما .
* ( هامش ) * ( 1 ) قد عرفت سابقا أن جملة ( يخدان الارض ) ليست في التفسير ، وأنها موجودة في الكافى ،
ومتن الحديث من الكافى غير مذكور في الكتاب . [ * ]
[228]
ابشر بنزل من حميم البشارة هنا على سبيل التهكم ، والنزل بضمتين : ما يعد
للضيف النازل على الانسان من الطعام والشراب ، وفيه تهكم أيضا . والحميم : الماء
الشديدة الحرارة ، يسقى منه أهل النار ، أو يصب على أبدانهم ، والانسب بالنزل
السقي . والتصلية التلويح على النار . أتاه ممتحنا القبر إضافة اسم الفاعل إما إلى
معموله على حذف المضاف أي ممتحنا صاحب القبر ، أو إلى غير معموله كمصارع مصر
وهذا أولى ، وتخصيص إلقاء الاكفان بعدو الله ظاهر لما فيه من الشناعة المناسبة لحاله .
واليافوخ : هو الموضع الذي يتحرك من رأس الطفل إذا كان قريب عهد بالولادة ، و
المرزبة بالراء المهملة والزاء المعجمة والباء الموحدة : عصاة من حديد . والقنا جمع قناة
وهي الرمح ، والزج : : الحديدة التى في أسفل الرمح .
29 - ما : الحفار ، عن إسماعيل بن علي الدعبلي ، عن أبيه ، عن أخي دعبل ،
عن شعبة بن الحجاج ، عن علقمة بن مزيد ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن ( 1 ) عازب ،
عن النبى صلى الله عليه واله في قوله تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا
وفي الآخرة " قال : في القبر إذا سئل الموتى . " ص 239 - 240 "
أقول : سيأتي في باب الدفن في خبر فاطمة بنت أسد أنه قال النبي صلى الله عليه واله :
والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي .
30 - فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " فالسابقات
سبقا " يعني أرواح المؤمنين ، سبق ( 2 ) أرواحهم إلى الجنة بمثل الدنيا ، وأرواح
الكافرين إلى النار بمثل ذلك . ( 3 ) " ص 710 "
31 - م : قال علي بن أبي طالب عليه السلام : من قوى مسكينا في دينه ، ضعيفا في
معرفته على ناصب مخالف فأفحمه لقنه الله يوم يدلى في قبره أن يقول : الله ربي ، ومحمد
* ( هامش ) * ( 1 ) البراء بالباء المفتوحة ، وعازب بالعين المهملة والزاى المعجمة المكسورة .
( 2 ) في المصدر : تسبق . م
( 3 ) في المصدر : بمثل ذلك النار . م [ * ]
[229]
نبيي ، وعلي وليي ، والكعبة قبلتي ، والقرآن بهجتي وعدتي ، والمؤمنون إخواني ،
والمؤمنات أخواتي ، فيقول الله : أدليت بالحجة ( 1 ) فوجبت لك أعالي درجات الجنة ،
فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة .
32 - ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن محمد بن همام ، عن الحميري ، عن ابن
عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن الحسين بن أحمد ، عن ابن ظبيان
قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فقال : ما يقول الناس في أرواح المؤمنين بعد موتهم ؟
قلت : يقولون : في حواصل طيور خضر ، فقال : سبحان الله المؤمن أكرم على الله من
ذلك ، إذا كان ذلك أتاه رسول الله صلى الله عليه واله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ومعهم
ملائكة الله عزوجل المقربون ، فإن أنطق الله لسانه بالشهادة له بالتوحيد ، وللنبي
صلى الله عليه وآله بالنبوة ، والولاية لاهل البيت شهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وعلي
وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والملائكة المقربون معهم ، وإن اعتقل لسانه خص
الله نبيه صلى الله عليه واله بعلم ما في قلبه من ذلك فشهد به ، وشهد على شهادة النبي علي وفاطمة
والحسن والحسين على جماعتهم من الله أفضل السلام ، ومن حضر معهم من الملائكة ،
فإذا قبضه الله إليه صير تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته فيأكلون ويشربون ،
فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا . " ص 267 - 268 "
33 - لى : ابن سعيد الهاشمي ، عن فرات ، عن محمد بن أحمد بن علي الهمداني ، عن
الحسن بن علي الشامي ، عن أبيه ، عن أبي جرير ، عن عطاء الخراساني رفعه عن عبد
الرحمن بن غنم ( 2 ) قال : لما اسري بالنبي صلى الله عليه واله مر على شيخ قاعد تحت شجرة وحوله
أطفال ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : من هذا الشيخ يا جبرئيل ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم عليه السلام
قال : فما هؤلاء الاطفال حوله ؟ قال : هؤلاء أطفال المؤمنين حوله يغذوهم . " ص 270 "
34 - فس : أبي ، عن سليمان الديلمي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : إن أطفال شيعتنا من المؤمنين تربيهم فاطمة عليهما السلام .
* ( هامش ) * ( 1 ) أدلى بحجته : أحضرها واحتج بها .
( 2 ) ضبطه المامقانى رحمه الله في تنقيح الرجال بضم الغين المعجمة وسكون النون ، وابن حجر
في التقريب بتفح الغين ، وقال : مختلف في صحبته ، ذكره العجلى في كبار ثقات التابعين ، مات
سنة 78 . [ * ]
[230]
35 - ثو : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن مرحوم
عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه
والزكاة عن يساره ، والبر مطل عليه ، ويتنحى الصبر ناحية ، قال : فإذا دخل عليه
الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبر : دونكم صاحبكم ،
فإن عجزتم عنه فأنا دونه . " ص 164 - 165 "
بيان : أطل عليه : أشرف ، وفي بعض النسخ بالظاء المعجمة .
36 - سن : ابن محبوب رفعه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : من مات يوم الجمعة
كتب له براءة من ضغطة القبر . " ص 58 "
37 - سن : ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن ابن طريف ، عن أبي جعفر عليه السلام
قال : من مات ليلة الجمعة كتب الله له براءة من عذاب النار ، ومن مات يوم الجمعة اعتق
من النار . " ص 60 "
38 - وقال أبوجعفر عليه السلام : بلغني أن النبي صلى الله عليه واله قال : من مات يوم الجمعة
أو ليلة الجمعة رفع عنه عذاب القبر . " ص 60 "
39 - ير : سلمة بن خطاب ، عن عبدالله بن محمد ، عن عبدالله بن القاسم ، عن
عيسى بن شلقان ( 1 ) قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام
كانت له خؤولة في بني مخزوم ، وإن شابا منهم أتاه فقال : يا خالي إن أخي وابن أبي مات ،
وقد حزنت عليه حزنا شديدا ، قال : فتشتهي أن تراه ؟ قال : نعم ، قال : فأرني قبره ،
فخرج ومعه برد رسول الله السحاب ، فلما انتهى إلى القبر تململت شفتاه ثم ركضه
برجله فخرج من قبره وهو يقول : رميكا - بلسان الفرس - فقال له علي عليه السلام : ألم تمت
وأنت رجل من العرب ؟ قال : بلى ، ولكنا متنا على سنة فلان وفلان فانقلبت
ألسنتنا .
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الشين المعجمة واللام والقاف هو عيسى بن صبيح العزرمى ، عربى صليب ، روى
عن أبيعبدالله عليه السلام ، وثقه النجاشى وقال : له كتاب . [ * ]
[231]
40 - ير : علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن علاء بن يحيى المكفوف ،
عن عمر بن أبي زياد ، عن عطية الابزاري ( 1 ) قال : طاف رسول الله صلى الله عليه واله بالكعبة فإذا
آدم بحذاء الركن اليماني فسلم عليه رسول الله صلى الله عليه واله ، ثم انتهى إلى الحجر فإذا نوح
عليه السلام بحذائه رجل طويل فسلم عليه رسول الله صلى الله عليه واله .
41 - ير : محمد بن الحسين ، عن الحكم بن بكر ، ( 2 ) عن أبي سعيد المكاري ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن أمير المؤمنين عليه السلام لقي أبابكر فقال له : ما أمرك
رسول الله صلى الله عليه واله أن تطيعني ؟ فقال : لا ولو أمرني لفعلت ، قال : فانطلق بنا إلى مسجد
قبا ، فانطلق معه فإذا رسول الله صلى الله عليه واله يصلي ، فلما انصرف قال علي ، يارسول الله إني
قلت لابي بكر : ما أمرك رسول الله أن تطيعني ؟ فقال : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : بلى
قد أمرتك فأطعه ، قال : فخرج فلقي عمر وهو ذعر ، فقال له ، مالك ؟ فقال : قال رسول
الله صلى الله عليه واله : كذا وكذا ، قال : تبا لامتك ، تترك أمرهم ، ما تعرف سحر بني
هاشم ؟ . " ص 77 "
42 - ير : محمد بن عيسى ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن عبيد بن عبدالرحمن
الخثعمي ، ( 3 ) عن أبي إبراهيم عليه السلام قال : خرجت مع أبي إلى بعض أمواله ، فلما برزنا
إلى الصحراء استقبله شيخ ، أبيض الرأس واللحية ، فسلم عليه فنزل إليه أبي أسمعه يقول
له : جعلت فداك ، ثم جلسنا فتساءلا طويلا ، ثم قام الشيخ وانصرف وودع أبي ، وقام
ينظر في قفاه حتى تواري عنه ، فقلت لابي : من هذا الشيخ الذي سمعتك تقول له ما لم
تقله لاحد ؟ قال : هذا أبي . " ص 79 - 80 "
43 - ير : محمد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عمن أخبره ، عن عباية الاسدي
قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وعنده رجل رث الهيئة ، وأميرالمؤمنين عليه السلام
* ( هامش ) * ( 1 ) عده الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام ، وحاله مجهول . ( 2 ) لم نجد له ذكرا في كتب التراجم ، والموجود في البصائر : عن بكر . وفى طريق آخر للرواية
يوجد في البصائر : محمد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن أبى سعيد . وفى ذيله : تبا لامة
ولوك أمرهم الخ . وفى البصائر روايات اخرى في ذلك .
( 3 ) لم نجد له ذكرا في كتب التراجم . [ * ]
[232]
مقبل عليه يكلمه ، فلما قام الرجل قلت : يا أمير المؤمنين من هذا الذي أشغلك عنا
قال : هذا وصي موسى عليه السلام . " ص 80 "
أقول : قد أوردنا أمثال تلك الاخبار الدالة على الاجساد المثالية في باب
احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على أبي بكر ، وفي باب غصب الخلافة ، وفي باب كفر الثلاثة ،
وفي باب أن الائمة عليهم السلام يظهرون بعد الموت ، وفي أبواب المعجزات ، فلا نوردها هنا
حذرا من الاطالة والتكرار .
44 - ير : ابراهيم بن هاشم ، عن علي بن أسباط ، عن بكر بن جناح ، عن رجل ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما ماتت فاطمة بنت أسد ام أمير المؤمنين ، جاء علي إلى
النبي صلى الله عليه واله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله : يا أبا الحسن مالك ؟ قال : امي ماتت ، قال :
فقال النبي صلى الله عليه واله : وامي والله ، ثم بكى ، وقال : وااماه ثم قال لعلي عليه السلام : هذا
قميصي فكفنها فيه ، وهذا ردائي فكفنها فيه ، فإذا فرغتم فآذنوني ، فلما اخرجت
صلى الله عليها النبي صلى الله عليه واله صلاة لم يصل قبلها ولا بعدها على أحد مثلها ، ثم نزل على
قبرها فاضطجع فيه ، ثم قال لها : يافاطمة ! قالت : لبيك يا رسول الله ، فقال : فهل
وجدت ما وعد ربك حقا ؟ قالت : نعم فجزاك الله خيرا جزاء ، وطالت مناجاته في القبر ،
فلما خرج قيل : يارسول الله لقد صنعت بها شيئا في تكفينك إياها ثيابك ، ودخولك في
قبرها ، وطول مناجاتك ، وطول صلاتك ، ما رأيناك صنعته بأحد قبلها ، قال : أما
تكفيني إياها فإني لما قلت لها : يعرض الناس يوم يحشرن من قبورهم فصاحت وقالت
واسوأتاه ! فلبستها ثيابي وسألت الله في صلاتي عليها أن لا يبلي أكفانها حتى تدخل
الجنة فأجابني إلى ذلك ، وأما دخولي في قبرها فإني قلت لها يوما : إن الميت إذا
ادخل قبره وانصرف الناس عنه دخل عليه ملكان : منكر ونكير فيسألانه ، فقالت : واغوثاه
بالله ، فما زلت أسأل ربي في قبرها حتى فتح لها باب من قبرها إلى الجنة فصار روضة
من رياض الجنة . " ص 81 "
يج مرسلا مثله . ( 1 ) " ص 8 "
* ( هامش ) * ( 1 ) مع اختلاف يسير . م [ * ]
[233]
45 - سن : عثمان بن عيسى ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن جل
عذاب القبر في البول .
46 - خص ، ير : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن أبي الفضل المديني ، عن أبي
مريم الانصاري ، عن منهال بن عمرو ، عن زر بن حبيش ( 1 ) قال : سمعت عليا عليه السلام
يقول : إن العبد إذا ادخل حفرته أتاه ملكان اسمهما : منكر ونكير ، فأول من يسألانه
عن ربه ، ثم عن نبيه ، ثم عن وليه ، فإن أجاب نجا ، وإن عجز عذباه ، فقال له
رجل : ما لمن عرف ربه ونبيه ولم يعرف وليه ؟ فقال : مذبذب ( 2 ) لا إلى هؤلاء ، ولا
إلى هؤلاء ، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ، ذلك لا سبيل له . وقد قيل للنبي صلى الله عليه واله :
من الولي يانبي الله ؟ قال : وليكم في هذا الزمان علي ، ومن بعده وصيه ، ولكل زمان عالم
يحتج الله به لئلا يكون كما قال الضلال قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم : " ربنا لولا أرسلت
إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى " تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات وهم
الاوصياء ، فأجابهم الله : " قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط
السوي ومن اهتدى " وإنما كان تربصهم أن قالوا : نحن في سعة عن معرفة الاوصياء
حتى نعرف إماما ، فعيرهم الله بذلك ، والاوصياء هم أصحاب الصراط ، وقوف عليه ،
لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه لانهم
عرفاء الله ، عرفهم عليهم عند أخذ المواثيق عليهم ، ووصفهم في كتابه فقال عزوجل :
" وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم " هم الشهداء على أوليائهم ، والنبي الشهيد
عليهم ، أخذ لهم مواثيق العباد بالطاعة ، وأخذ النبي صلى الله عليه واله عليهم المواثيق بالطاعة ،


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 233 سطر 19 إلى صفحه 241 سطر 18

* ( هامش ) * ( 1 ) قال ابن حجز في ص 163 من التقريب : زر - بكسر أوله وتشديد الراء - ابن حبيش - بمهملة
وموحدة ومعجمة مصغر - ابن حباشة - بضم المهملة - الاسدى ، الكوفى ، أبومريم ، ثقة ، جليل ،
مخضرم ، مات سنة إحدى أو اثنين ، أو ثلاث وثمانين ، وهو ابن 127 سنة انتهى . أقول : كان
زر عالما بالقرآن ، أعرب الناس ، وكان ابن مسعود يسأله عن العربية ، أورده الشيخ في رجاله في
أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام وقال : كان فاضلا .
( 2 ) المذبذب : المتحير والمتردد بين أمرين . [ * ]
[234]
فجرت نبوته عليهم ، وذلك قول الله : " فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك
على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض ولا
يكتمون الله حديثا " . " ير ص 145 - 146 "
47 - سن : أبي ، عن حمزة بن عبدالله ، عن جميل بن دراج قال : قال أبوعبدالله عليه السلام :
إن المؤمنين إذا أخذوا مضاجعهم أصعد الله بأرواحهم إليه ، فمن قضى له عليه الموت جعله
في رياض الجنة كنوز ( 1 ) رحمته ، ونور عزته ، وإن لم يقدر عليها الموت بعث بها مع
امنائه من الملائكة إلى الابدان التي هي فيها . " ص 178 "
48 - سن : ابن فضال ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليه السلام ( 2 ) قال : ذكر
الارواح : أرواح المؤمنين ، فقال : يلتقون ، قلت : يلتقون ؟ قال : نعم ويتساءلون
ويتعارفون حتى إذا رأيته قلت : فلان . " ص 178 "
49 - سن : ابن محبوب ، عن إبراهيم بن إسحاق الجازي قال : قلت لابي عبدالله
عليه السلام : أين أرواح المؤمنين ؟ فقال : أرواح المؤمنين في حجرات في الجنة ، يأكلون
من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويتزاورون فيها ، ويقولون : ربنا أقم لنا الساعة
لتنجز لنا ما وعدتنا ، قال : قلت : فأين أرواح الكفار ؟ فقال في حجرات النار ، ( 3 ) يأكلون
من طعامها ، ويشربون من شرابها ويتزاورون فيها ، ويقولون : ربنا لا تقم لنا الساعة
لتنجز لنا ما وعدتنا . " ص 178 "
50 - سن : ابن أبي نجران والبزنطي معا ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن
أحدهما عليهما السلام قال : إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور ، فيهن صورة أحسنهن
وجها ، وأبهاهن هيئة ، وأطيبهن ريحا ، وأنظفهن صورة ، قال : فيقف صورة عن يمينه ،
واخرى عن يساره ، واخرى بين يديه ، واخرى خلفه ، واخرى عند رجله ، وتقف
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : في كنوز .
( 2 ) في الصمدر : عن أبى بصير عن ابى عبدالله عليه السلام .
( 3 ) في المصدر : في النار . [ * ]
[235]
التي هي أحسنهن فوق رأسه ، فإن اتي عن يمينه منعته التي عن يمينه ، ثم كذلك
إلى أن يؤتى من الجهات الست ، قال : فتقول أحسنهن صورة : ومن أنتم جزاكم الله
عني خيرا ؟ فتقول التي عن يمين العبد : أنا الصلاة ، وتقول التي عن يساره : أنا الزكاة
وتقول التي بين يديه : أنا الصيام ، وتقول التي خلفه : أنا الحج والعمرة ، وتقول
التي عند رجليه : أنا بر من وصلت من إخوانك ، ثم يقلن : من أنت ؟ فأنت أحسننا
وجها ، وأطيبنا ريحا ، وأبهانا هيئة ، فتقول : أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم
أجمعين . " ص 288 "
51 - يج : روى عبدالله بن طلحة قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الوزغ ،
قال : هو الرجس ، مسخ ، فإذا قتلته فاغتسل - يعني شكرا - وقال : إن أبي كان قاعدا
في الحجر ومعه رجل يحدثه فإذا هو الوزغ يولول بلسانه ، فقال أبي عليه السلام للرجل :
أتدري ما يقول هذا الوزغ ؟ قال الرجل : لا أعلم ما يقول ، قال : فإنه يقول : لئن ذكرت
عثمان لاسبن عليا ، وقال : إنه ليس يموت من بني امية ميت إلا مسخ وزغا ، و
قال عليه السلام : إن عبدالملك لما نزل به الموت مسخ وزغا فكان عنده ولده ولم يدروا كيف
يصنعون ، وذهب ثم فقدوه ، فأجمعوا على أن أخذوا جذعا فصنعوه كهيئة رجل ففعلوا
ذلك ، وألبسوا الجذع ، ثم كفنوه في الاكفان ، لم يطلع عليه احد من الناس إلا
ولده وأنا .
52 - خص : سعد ، عن ابن عيسى ، ومحمد بن عبدالجبار معا ؟ عن ابن بزيع
عن منصور بن يونس ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا يسأل في
القبر إلا من محض الايمان محضا ، أو محض الكفر محضا ، فقلت له : فسائر الناس ؟ فقال :
يلهى عنهم .
53 - شى : عن زيد الشحام قال : سئل أبوعبدالله عليه السلام عن عذاب القبر ، قال :
إن أبا جعفر عليه السلام حدثنا أن رجلا أتى سلمان الفارسي فقال : حدثني ، فسكت
عنه ، ثم عاد فسكت ، فأدبر الرجل وهو يقول ويتلو هذه الآية : " إن الذين يكتمون
ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب " فقال له : أقبل ،
[236]
إنا لو وجدنا أمينا لحدثناه ، ولكن أعد لمنكر ونكير ( 1 ) إذا أتياك في القبر فسألاك
عن رسول الله صلى الله عليه واله ، فإن شككت أو التويت ضرباك على رأسك بمطرقة ( 2 ) معهما
تصير منه رمادا ، قال : فقلت : ثم مه ؟ قال : تعود ، ثم تعذب ، قلت : وما منكر ونكير ؟
قال : هما قعيدا القبر ، قلت : أملكان يعذبان الناس في قبورهم ؟ فقال : نعم .
54 - م : قوله عزوجل : " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم
ثم يحييكم ثم إليه ترجعون " قال الامام عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه واله لكفار قريش
واليهود : كيف تكفرون بالله الذي لدكم على طرق الهدى ، وجنبكم إن أطعتموه
سبل الردى ، وكنتم أمواتا في أصلاب آبائكم وأرحام امهاتكم فأحياكم ، أخرجكم
أحياءا ثم يميتكم في هذه الدنيا ويقبركم ، ثم يحييكم في القبور ، وينعم فيها المؤمنين
بنبوة محمد وولاية علي ، ويعذب فيها الكافرين بهما ، ثم إليه ترجعون في الآخرة بأن
تموتوا في القبور بعد ، ثم تحيوا للبعث يوم القيامة ، ترجعون إلى ما وعدكم من الثواب
على الطاعات إن كنتم فاعليها ، ومن العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها ، فقيل له :
يابن رسول الله ففي القبور نعيم وعذاب ؟ قال : إي والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، و
جعله زكيا ، هاديا ، مهديا ، وجعل أخاه عليا بالعهد وفيا ، وبالحق مليا ولدى الله
مرضيا ، وإلى الجهاد سابقا ، ولله في أحواله موافقا ، وللمكارم حائزا ، وبنصر الله
على أعدائه فائزا ، وللعلوم حاويا ، ولاولياء الله مواليا ، ولاعدائه مناويا ، وبالخيرات
ناويا ، وللقبائح رافضا ، وللشيطان مخزيا ، وللفسقة المردة مقصيا ، ( 3 ) ولمحمد
صلى الله عليه وآله نفسا ، وبين يديه لدى المكاره جنة وترسا ، آمنت به أنا وأبي علي بن
أبي طالب عبد رب الارباب ، المفضل على اولي الالباب ، الحاوي لعلوم الكتاب ، زين
* ( هامش ) * ( 1 ) أى هيأ لمسألتهما .
( 2 ) المطرقة : آلة من حديد ونحوه يضرب بها الحديد ونحوه .
( 3 ) في تفسير العسكرى المطبوع : مغضبا . [ * ]
[237]
من يوافي يوم القيامة في عرصات الحساب بعد محمد صفي الكريم العزيز الوهاب ، إن
في القبر نعيما يوفر الله به حظوظ أوليائه ، وإن في القبر عذابا يشدد الله به على أشقياء
أعدائه .
أقول : تمامه في باب ما يعاين المؤمن والكافر عند الموت من قوله : إن المؤمن
الموالي إلى آخر الخبر .
55 - البرسي في مشارق الانوار : عن الفضل بن شاذان من كتاب صحائف
الابرار إن أميرالمؤمنين عليه السلام اضطجع في نجف الكوفة على الحصى فقال قنبر : يا مولاي
ألا أفرش لك ثوبي تحتك ؟ فقال : لا إن هي إلا تربة مؤمن ، أو مزاحمته في مجلسه ،
فقال الاصبغ بن نباتة : أما تربة مؤمن فقد علمنا أنها كانت أو ستكون ، فما معنى
مزاحمته في مجلسه ؟ فقال : يابن نباتة إن في هذا الظهر أرواح كل مؤمن ومؤمنة
في قوالب من نور على منابر من نور .
56 - شى : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا وضع الرجل في قبره
أتاه ملكان : ملك عن يمينه ، وملك عن شماله ، واقيم الشيطان بين يديه ، عيناه من
نحاس ، فيقال له : كيف تقول في هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم ؟ قال : فيفزع
لذلك ، فيقول - إن كان مؤمنا - : عن محمد تسألاني ؟ فيقولان له عند ذلك : نم نومة
لا حلم فيها ، ويفسح له في قبره سبعة أذرع ، ويرى مقعده من الجنة ، وإن كان كافرا
قيل له : ما تقول في هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم ؟ فيقول : ما أدري ! ويخلى
بينه وبين الشيطان ، ويضرب بمرزبة من حديد يسمع صوته كل شئ ، وهو قول الله :
" يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين
ويفعل الله ما يشاء " .
شى : عن زرارة ، وحمران ، ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام مثله .
58 - قب : كتاب الشيرازي ، سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ،
عن أبي هريرة في قوله : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " يعني بقول : لا إله إلا الله ،
[238]
محمد رسول الله في الحياة الدنيا ، ثم قال : وفي الآخرة ، قال : هذا في القبر يدخلان
عليه ملكان فظان ، غليظان ، يحفران القبر بأنيابهما ، وأصواتهما كالرعد القاصف ، ( 1 )
وأعينهما كالبرق الخاطف ، ومع كل واحد منهما مرزبة فيها ثلاثمائة وستون عقدة ،
في كل عقدة ( 2 ) ثلاثمائة وستون حلقة وزن كل حلقة كوزن حديد الدنيا ، لو اجتمع
عليها أهل السماء والارض أن يقلوها ( 3 ) ما أقلوها ، هي في أيديهم أخف من جناح
بعوض ، فيدخلان القبر على الميت ، ويجلسانه في قبره ، ويسألانه : من ربك ؟ فيقول
المؤمن : الله ربي ، ثم يقولان : فمن نبيك ؟ فيقول المؤمن : محمد نبيي ، فيقولان : ما قبلتك ؟
فيقول المؤمن : الكعبة قبلتي ، فيقولان له : من إمامك ؟ فيقول المؤمن : إمامى علي بن
أبي طالب ، فيقولان له : صدقت . ثم قال : " ويضل الله الظالمين " يعني عن ولاية علي
في القبر ، والله ليسألن عن ولايته على الصراط ، ووالله ليسألن عن ولايته في الحساب ( 4 )
ثم قال سفيان بن عيينة : ومن روى عن ابن عباس أن المؤمن يقول : القرآن إمامى
فقد أصاب أيضا ، وذلك أن الله تعالى بين إمامة علي عليه السلام في القرآن . " ج 2 ص 21 "
58 - جا : علي بن بلال المهلبي ، عن علي بن عبدالله بن أسد الاصفهاني ، عن
إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن إسماعيل بن يسار ، عن عبدالله بن ملح ، عن عبدالوهاب
ابن إبراهيم الازدي ، عن أبي صادق ، عن مزاحم بن عبدالوارث ، عن محمد بن زكريا ،
عن شعيب بن واقد المزني ، عن محمد بن سهل مولى سليمان بن علي بن عبدالله بن العباس
عن أبيه ، عن قيس مولى علي بن أبي طالب عليه السلام قال : إن عليا أميرالمؤمنين عليه السلام كان
قريبا من الجبل بصفين ، فحضرت صلاة المغرب فأمعن ( 5 ) بعيدا ، ثم أذن ، فلما فرغ
عن أذانه إذا رجل مقبل نحو الجبل ، أبيض الرأس واللحية والوجه ، فقال : السلام عليك
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : العاصف .
( 2 ) في المصدر : كل عقد .
( 3 ) قل الشئ : رفعه .
( 4 ) في المصدر : يوم الحساب .
( 5 ) اى فأبعد . [ * ]
[239]
يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، مرحبا بوصي خاتم النبيين ، وقائد الغر المحجلين ،
والاعز المأمون ، والفاضل الفائز بثواب الصديقين ، وسيد الوصيين ، فقال له أمير المؤمنين
عليه السلام : وعليك السلام ، ( 1 ) كيف حالك ؟ فقال : بخير أنا منتظر روح القدس ، ولا أعلم
أحدا أعظم في الله عزوجل اسمه بلاءا ولا أحسن ثوابا منك ، ولا أرفع عند الله مكانا ،
اصبر ياأخي على ما أنت فيه حتى تلقى الحبيب ، فقد رأيت أصحابنا ما لقوا بالامس من
بني إسرائيل ، نشروهم بالمناشير ، وحملوهم على الخشب ، ولو تعلم هذه الوجوه التربة
الشائهة ( 2 ) - وأومأ بيده إلى أهل الشام - ما اعد لهم في قتالك من عذاب وسوء نكال
لاقصروا ، ولو تعلم هذه الوجوه المبيضة - وأومأ بيده إلى أهل العراق - ماذا لهم من
الثواب في طاعتك لودت أنها قرضت بالمقاريض ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
ثم غاب من موضعه ، فقام عمار بن ياسر ، وأبوالهيثم بن التيهان ، وأبوأيوب الانصاري ،
وعبادة بن الصامت ، وخزيمة بن ثابت ، وهاشم المرقال في جماعة من شيعة أميرالمؤمنين
عليه السلام - وقد كانوا اسمعوا كلام الرجل - فقالوا : يا أميرالمؤمنين من هذا الرجل ؟ فقال
لهم ( 3 ) أميرالمؤمنين عليه السلام : هذا شمعون وصي عيسى عليه السلام ، بعثه الله يصبرني على قتال
أعدائه ، فقالوا له : فداك آباؤنا وامهاتنا ، والله لننصرنك ( 4 ) نصرنا لرسول الله صلى الله عليه واله ،
ولا يتخلف عنك من المهاجرين والانصار إلا شقي ، فقال لهم : أميرالمؤمنين عليه السلام :
معروفا . " ص 60 - 62 "
يج : عن علي بن حسان ، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبدالله عليه السلام
مثله . " ص 120 "
59 - فس : في الخبر الطويل في المعراج عن أبي عبدالله عليه السلام ( إلى أن قال : )
فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث وهم يأكلون الخبيث ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) ليست في المصدر جملة " وعليك السلام " .
( 2 ) التربة : الفقيرة ، كأنها لصقت بالتراب . الشائهة : القبيحة المتنكرة .
( 3 ) في المصدر : فقال امير المؤمنين : هذا شمعون .
( 4 ) في المصدر : لننصرك .
( 5 ) في المصدر : ويأكلون الخبيث . [ * ]
[240]
ويدعون الطيب ، فسألت جبرئيل من هؤلاء ؟ ( 1 ) فقال : الذين يأكلون الحرام ويدعون
الحلال من امتك . ( 2 ) قال : ثم مررت بأقوام ( 3 ) لهم مشافر ( 4 ) كمشافر الابل ،
يقرض اللحم من أجسامهم ، ( 5 ) ويلقى في أفواههم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟
فقال : هم ( 6 ) الهمازون اللمازون ، ثم مررت بأقوام ترضخ وجوههم ورؤوسهم
بالصخر ، ( 7 ) فقلت : من هؤلاء ياجبرئيل ؟ فقال : الذين يتركون ( 8 ) صلاة
العشاء ، ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يقذف بالنار في أفواههم فتخرج من أدبارهم ،
فقلت : من هؤلاء ؟ ( 9 ) قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ، إنما يأكلون
في بطونهم نارا ، وسيصلون سعيرا ، ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر
من عظم بطنه ! فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : فهم ( 10 ) الذين يأكلون الربا لا يقومون
إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ، وإنهم لبسبيل آل فرعون ، يعرضون
على النار غدوا وعشيا ، يقولون : ربنا متى تقوم الساعة ؟ ولا يعلمون أن الساعة أدهى
وأمر ، ثم مررت بنساء ( 11 ) معلقات بثديهن ، فقلت : من هؤلاء ياجبرئيل ؟ فقال :
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : فقلت من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء .
( 2 ) في المصدر وهم من امتك يا محمد .
( 3 ) في المصدر : ثم مضيت فاذا انا باقوام .
( 4 ) جمع المشفر : الشفة للبعير .
( 5 ) في المصدر : من جنوبهم .
( 6 ) في المصدر : هؤلاء .
( 7 ) في المصدر : ثم مضيت فاذانا باقوام ترضخ رؤوسهم بالصخر . والرضخ : الدق والكسر ،
ويمكن أن يكون من قولهم : تراضخ القوم بالحجارة : إذا تراموا بها . الصخر : الحجر العظيم الصلب .
( 8 ) في المصدر : هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء .
( 9 ) في المصدر : من هؤلاء ياجبرئيل ؟ .
( 10 ) في المصدر : هؤلاء الذين .
( 11 ) في المصدر : ثم مضيت فاذا أنا بنسوان . [ * ]
[241]
هن اللواتي ( 1 ) يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم . " ص 370 - 371 "
أقول : سيأتي الخبر بإسناده تماما في باب المعراج .
60 - يل ، فض : قيل : لما ماتت فاطمة بنت أسد ام أمير المؤمنين عليه السلام أقبل
علي بن أبي طالب عليه السلام باكيا فقال له النبي صلى الله عليه واله : ما يبكيك ؟ لا أبكى الله عينك ، قال :
توفت والدتي يا رسول الله ، قال له النبي صلى الله عليه واله : بل ووالدتي ياعلي فلقد كانت تجوع
أولادها وتشبعني ، وتشعث أولادها وتدهنني ، والله لقد كان في دار أبي طالب نخلة
فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط ، ثم تجنيه - رضي الله عنها - فإذا خرجوا بنو عمي
تناولني ذلك ، ثم نهض عليه السلام فأخذ في جهازها وكفنها بقميصه صلى الله عليه واله ، وكان في حال
تشييع جنازتها يرفع قدما ويتأنى في رفع الآخر ، وهو حافي القدم ، فلما صلى عليها
كبر سبعين تكبيرة ، ثم لحدها في قبرها بيده الكريمة بعد أن نام في قبرها ، ولقنها
الشهادة ، فلما اهيل عليها التراب ( 2 ) وأراد الناس الانصراف ، جعل رسول الله صلى الله عليه واله
يقول لها : ابنك ، ابنك ، ابنك ، لا جعفر ، ولا عقيل ، ابنك ، ابنك : علي بن أبي طالب ،
قالوا : يا رسول الله فعلت فعلا ما رأينا مثله قط : مشيك حافي القدم ، وكبرت سبعين
تكبيرة ، ونومك في لحدها ، وقميصك عليها ، وقولك لها : ابنك ، ابنك ، لا جعفر ،
ولا عقيل ، فقال صلى الله عليه واله : أما التأني في وضع أقدامي ورفعها في حال التشييع للجنازة
فلكثرة ازدحام الملائكة ، وأما تكبيري سبعين تكبيرة فإنها صلى عليها سبعون صفا
من الملائكة ، وأما نومى في لحدها فإني ذكرت في حال حياتها ضغطة القبر فقالت :
واضعفاه ، فنمت في لحدها لاجل ذلك حتى كفيتها ذلك ، وأما تكفيني لها بقميصي


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 241 سطر 19 إلى صفحه 249 سطر 18

فإني ذكرت لها في حياتها القيامة وحشر الناس عراة فقالت : واسوأتاه ، فكفنتها به ،
لتقوم يوم القيامة مستورة ، وأما قولي لها : ابنك ، ابنك ، لا جعفر ، ولا عقيل فإنها
لما نزل عليها الملكان وسألاها عن ربها فقالت : الله ربي ، وقالا : من نبيك ؟ قالت :
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : هؤلاء .
( 2 ) أى صب عليها التراب . [ * ]
[242]
محمد نبيي ، فقالا : من وليك وإمامك ؟ فاستحيت أن تقول : ولدي ، فقلت لها : قولي :
ابنك علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأقر الله بذلك عينها .
61 - كش : روى أصحابنا أن أبا الحسن الرضا عليه السلام قال بعد موت ابن أبي
حمزة : ( 1 ) إنه اقعد في قبره فسئل عن الائمة عليهم السلام فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إلي
فسئل فوقف ، فضرب على رأسه ضربة امتلا قبره نارا .
62 - كش : محمد بن الحسين ، عن أبي علي الفارسي ، عن محمد بن عيسى ، عن
يونس قال : دخلت على الرضا عليه السلام فقال لي : مات علي بن أبي حمزة ؟ قلت : نعم ، قبل :
قد دخل النار ، قال : ففزعت من ذلك ، قال : أما إنه سئل عن الامام بعد موسى أبي
فقال : لا أعرف إماما بعده ، فقيل : لا ؟ فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره نارا .
بيان : فقيل : لا هذا استفهام إنكاري .
63 - جع : روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : من مات ما بين زوال الشمس من
يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين أعاذه الله من ضغطة القبر .
" ص 204 "
64 - وقال النبي صلى الله عليه واله : إن القبر أول منازل الآخرة ، فإن نجا منه فما بعده
أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده ليس أقل منه .
65 - كتاب المحتضر للحسن بن سليمان قال : روى الفضل بن شاذان في كتاب
القائم عليه السلام عن ابن طريف ، عن ابن نباتة في حديث طويل يذكر فيه أن أمير المؤمنين عليه السلام
خرج من الكوفة ومر حتى أتى الغريين فجازه فلحقناه وهو مستلق على الارض بجسده
ليس تحته ثوب ، فقال له قنبر : يا أميرالمؤمنين ألا أبسط ثوبي تحتك ؟ قال : لا ، هل هي إلا
تربة مؤمن أو مزاحمته في مجلسه ؟ قال الاصبغ : فقلت : يا أمير المؤمنين تربة مؤمن قد
* ( هامش ) * ( 1 ) أى على بن أبى حمزة البطائنى ، قائد أبى بصير يحيى بن القاسم ، روى عن أبى عبدالله وأبى
الحسن عليهما السلام ، ثم وقف على الرضا عليه السلام ، وهو أحد عمد الواقفة ، قيل : كان هو أحد
قوام ابى الحسن عليه السلام ، وكان عنده ثلاثون الف دينار ، ولم يرد المال إلى الرضا عليه السلام ،
وكان ذلك سبب وقوفه وجهوده موته . [ * ]
[243]
عرفناه كانت أو نكون ، فما مزاحمته في مجلسه ؟ فقال : يابن نباتة لو كشف لكم لرأيتم ( 1 )
أرواح المؤمنين في هذا الظهر حلقا يتزاورون ويتحدثون ، إن في هذا الظهر روح كل
مؤمن ، وبوادي ( 2 ) برهوت نسمة كل كافر .
66 - ومن الكتاب المذكور للفضل عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن سنان ، عن
عمار بن مروان ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن أرواح المؤمنين يرون
آل محمد عليهم السلام في جبال رضوى فتأكل من طعامهم ، وتشرب من شرابهم ، وتحدث معهم
في مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت عليه السلام فإذا قام قائمنا بعثهم الله وأقبلوا معه
يلبون زمرا فزمرا ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ، ويضمحل المنتحلون ، وينجو المقربون .
67 - ومن كتاب الشفاء والجلاء عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : إن المؤمن ليقال
لروحه وهو يغسل : أيسرك أن ترد إلى الجسد الذي كنت فيه ؟ فيقول : ما أصنع
بالبلاء والخسران والغم .
68 - كا : بعض أصحابنا ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن عبدالرحمن ، عن
أبي الحسن عليه السلام قال : إن الاحلام لم تكن في ما مضى في أول الخلق ، وإنما حدثت ،
فقلت : وما العلة في ذلك ؟ فقال : إن الله عز ذكره بعث رسولا إلى أهل زمانه فدعاهم
إلى عبادة الله وطاعته فقالوا : إن فعلنا ذلك فمالنا ؟ ما أنت بأكثرنا مالا ولا بأعزنا
عشيرة ، فقال : إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة ، وإن عصيتموني أدخلكم الله النار ،
فقالوا : وما الجنة والنار ؟ فوصف لهم ذلك ، فقالوا : متى نصير إلى ذلك ؟ فقال : إذا متم ،
فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما ورفاتا ، فازدادوا له تكذيبا وبه استخفافا ،
فأحدث الله عزوجل فيهم الاحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك ، فقال :
إن الله عز ذكره أراد أن يحتج عليكم بهذا ، هكذا تكون أرواحكم إذا متم وإن بليت
أبدانكم تصير الارواح إلى عقاب حتى تبعث الابدان .
69 - نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة : حتى إذا انصرف المشيع ورجع
* ( هامش ) * ( 1 ) في المحتضر المطبوع ص 4 : لالفيتم .
( 2 ) في المحتضر المطبوع ص 4 : وفي وادي . [ * ]
[244]
المتفجع اقعد في حفرته نجيا لبهتة السؤال وعثرة الامتحان ، وأعظم ما هنالك بلية
نزل الحميم ، وتصلية الجحيم ، وفورات السعير ، لا فترة مريحة ، ولا دعة مزيحة ،
ولا قوة حاجزة ، ولا موتة ناجزة ، ولا سنة مسلية بين أطوار الموتات وعذاب
الساعات . ( 1 )
بيان : بهته : أخذه بغتة ، وبهت أي دهش وتحير . وفورة الحر : شدته .
70 - نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة : وبادروا الموت في غمراته ، وامهدوا
له قبل حلوله ، وأعدوا له قبل نزوله ، فإن الغاية القيامة وكفى بذلك واعظا لمن عقل ،
ومعتبرا لمن جهل ، وقبل بلوغ الغاية ما تعلمون من ضيق الارماس ، وشدة الابلاس ،
وهول المطلع ، وروعات الفزع ، واختلاف الاضلاع ، واستكاك الاسماع ، وظلمة اللحد ،
وخيفة الوعد ، وغم الضريح ، وردم الصفيح .
بيان : الارماس جمع الرمس وهو القبر ، والابلاس : اليأس والانكسار والحزن .
وقال الجزري ، المطلع : مكان الاطلاع من الموضع العالي ، ومنه الحديث : لافتديت
من هول المطلع أي الموقف يوم القيامة ، أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت ،
فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال . واختلاف الاضلاع : كناية عن ضغطة
القبر ، إذ يحصل بسببها تداخل الاضلاع واختلافها . والضريح : الشق في وسط القبر ،
واللحد في الجانب . والصفيح : الحجر ، والمراد بردمه هنا سد القبر به .
71 - دعوات الراوندى : قال أبوجعفر عليه السلام : من أتم ركوعه لم يدخله
وحشة القبر .
* ( هامش ) * ( 1 ) الفترة : السكون ، أى لا يفتر العذاب حتى يستريح من الالم . والدعة : الراحة وخفض
العيش ، والمزيح : المزيل ، أى لا تكون له راحة تزيل ما أصابه من تعب العذاب وألمه . والحاجز :
المانع . والناجز : الحاضر ، أى لا تكون له موتة حاضرة تذهب باحساسه عن الشعور بتلك الالام .
والسنة بالكسر والتخفيف : فتور يتقدم النوم . والمسلية : المذهلة والملهية عن العذاب والالام .
وأطوار الموتات : أنواعها وألوانها ، وكل نوبة من نوب العذاب كأنها موت لشدتها . أشار
عليه السلام بهذه الجملات إلى شدة العذاب والخلود فهى ، كقوله تعالى : " إن المجرمين في عذاب جهنم
خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون " وفى قوله : ولا موتة ناجزة ، إشارة إلى عدم الفناء . [ * ]
[245]
72 - وروى ابن عباس : عذاب القبر ثلاثة أثلاث : ثلث للغيبة ، وثلث للنميمة ،
وثلث للبول . ( 1 )
73 - وعن النبي صلى الله عليه واله أن لله تعالى ملكين يقال لهما : ناكر ونكير ينزلان على
الميت فيسألانه عن ربه ونبيه ودينه وإمامه ، فإن أجاب بالحق سلموه إلى ملائكة
النعيم ، وإن أرتج عليه ( 2 ) سلموه إلى ملائكة العذاب .
74 - سن : أبي ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال لي : يا أبا محمد إن الميت منكم على هذا الامر شهيد ، قلت :
وإن مات على فراشه ؟ قال : وإن مات على فراشه حي عند ربه يرزق . " ص 164 "
75 - ير : أحمد بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن محمد بن عمار ، عن
أبي بصير قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فركض برجله الارض فإذا بحر فيه سفن من
فضة فركب وركبت معه حتى انتهى إلى موضع فيه خيام من فضة فدخلها ثم خرج ،
فقال : رأيت الخيمة التي دخلتها أولا ؟ فقلت : نعم ، قال : تلك خيمة رسول الله صلى الله عليه واله ،
والاخرى خيمة أمير المؤمنين ، والثالثة خيمة فاطمة ، والرابعة خيمة خديجة ، والخامسة
خيمة الحسن ، والسادسة خيمة الحسين ، والسابعة خيمة علي بن الحسين ، والثامنة
خيمة أبي ، والتاسعة خيمتي ، وليس أحد منا يموت إلا وله خيمة يسكن فيها . " ص 119 "
76 - تفسير النعمانى : فيما سيأتي في كتاب القرآن بإسناده عن أميرالمؤمنين
عليه السلام قال : وأما الرد على من أنكر الثواب والعقاب في الدنيا بعد الموت قبل
القيامة فيقول الله تعالى : " يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما
الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والارض "
الآية " وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا
* ( هامش ) * ( 1 ) أى لعدم التوقى من البول . وقد وردت روايات تدل على النهى عن الاستحقار بالبول وعن
عدم المبالاة باصابة البول الجسد ، راجع أبواب التخلى من الكتاب ومن الوسائل .
( 2 ) اى استغلق عليه الكلام . [ * ]
[246]
ما شاء ربك " يعني السماوات والارض قبل القيامة ، فإذا كانت القيامة بدلت السماوات
والارض ، ومثل قوله تعالى : " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " وهو أمر بين أمرين ،
وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ، ومثله قوله تعالى : " النار يعرضون
عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة " والغدو والعشي لا يكونان في القيامة التي هي
دار الخلود ، وإنما يكونان في الدنيا ، وقال الله تعالى في أهل الجنة : " ولهم رزقهم
فيها بكرة وعشيا " والبكرة والعشي إنما يكونان من الليل والنهار في جنة الحياة
قبل يوم القيامة ، قال الله تعالى : " لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا " ومثله قوله سبحانه :
" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين
بما آتيهم الله من فضله " الآية .
77 - فس : " فيومئذ لا يسئل عن ذنبه ، قال : منكم يعني من الشيعة " إنس
ولا جان " قال : معناه : إنه من تولى أميرالمؤمنين صلوات الله عليه وتبرأ من أعدائه
وأحل حلاله وحرم حرامه ثم دخل في الذنوب ولم يتب في الدنيا عذب لها ( 1 ) في
البرزخ ، ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه يوم القيامة . " ص 660 "
78 - فر : عن أحمد بن علي بن عيسى الزهري رفعه إلى أصبغ بن نباتة قال :
توجهت إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ( 2 ) لاسلم عليه فلم ألبث أن خرج فقمت قائما على
رجلي فاستقبلته فضرب بكفه إلى كفي فشبك أصابعه في أصابعي ثم قال لي : يا أصبغ بن
نباتة قلت : لبيك وسعديك يا أميرالمؤمنين ، فقال : إن ولينا ولي الله ، فإذا مات
كان في الرفيق الاعلى ، وسقاه الله من نهر أبرد من الثلج ، وأحلى من الشهد ، فقلت :
جعلت فداك وإن كان مذنبا ؟ قال : نعم ألم تقرأ كتاب الله : " اولئك يبدل الله سيئاتهم
حسنات وكان الله غفورا رحيما " . " ص 108 "
79 - لى : السحين بن علي بن أحمد ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن أبي بكر ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : عليها . م .
( 2 ) في الصمدر : توجهت نحو امير المؤمنين . م . [ * ]
[247]
عن أحمد بن محمد النوفلي ، عن إسحاق بن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن زرعة بن محمد ،
عن المفضل بن عمر قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : كيف كان ولادة فاطمة عليها السلام ؟ فقال
عليه السلام - وساق الحديث إلى أن قال - : فبينا هي كذلك إذ دخل عليها
أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن ، فقالت
إحديهن : لا تحزني يا خديجة إنا رسل ربك إليك ، ونحن أخواتك ، أنا سارة ،
وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة ، وهذه مريم بنت عمران ، وهذه كلثم ( 2 )
اخت موسى ، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء . الحديث " ص 354 "
80 - ير : عن معاوية بن حكيم ، عن الوشاء قال : قال لي الرضا عليه السلام بخراسان :
رأيت رسول الله صلى الله عليه واله ههنا والتزمته . " ص 76 "
81 - ير : محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، وعلي بن الحكم ، عن الحكم بن
مسكين ، عن أبي عمارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، وعثمان بن عيسى ، عن أبان بن تغلب ،
عن أبي عبدالله عليه السلام إن أميرالمؤمنين عليه السلام لقي أبابكر فاحتج عليه ثم قال له : أما ترضى
برسول الله صلى الله عليه واله بيني وبينك ؟ قال : وكيف لي به ؟ فأخذ بيده وأتى مسجد قبا ، فإذن
رسول الله صلى الله عليه واله فيه فقضى على أبي بكر فرجع أبوبكر مذعورا فلقي عمر فأخبره فقال :
تبا لك ، أما علمت سحر بني هاشم ؟ . " ص 77 "
82 - ختص : علي بن محمد الحجال ، عن اللؤلوئي ، عن محمد بن سنان ، عن
عبدالملك بن عبدالله القمي ، عن أخيه إدريس قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : بينا
أنا وأبي متوجهين إلى مكة وأبي قد تقدمني في موضع يقال له : ضجنان ، إذ جاء
رجل في عنقه سلسلة يجرها فأقبل علي فقال : اسقني اسقني ، فصاح بي أبي : لا تسقه
لا سقاه الله ، قال : وفي طلبه رجل يتبعه فجذب سلسلة جذبة طرحه بها في أسفل درك
من النار .
83 - ختص : ابن عيسى ، عن الاهوازي ، عن الجوهري ، عن أبان بن عثمان ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : كلثوم . م . [ * ]
[248]
عن بشير النبال قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : كنت مع أبي بعسفان ( 1 ) في واد بها أو بضجنان ،
فنفرت بغلته فإذا رجل في عنقه سلسلة ، وطرفها في يد آخر يجره : فقال : اسقني ، فقال
الرجل : لا تسقه لا سقاه الله ، فقلت لابي : من هذا ؟ فقال : هذا معاوية .
84 - ير : عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ،
وحدثني محمد بن الحسين ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : قلت لابي الحسن الرضا
عليه السلام : حدثني عبدالكريم بن حسان ، عن عبيدة بن عبدالله بن بشر الخثعمي ، ( 2 )
عن أبيه أنه قال : كنت ردف أبي وهو يريد العريض ، ( 3 ) فقال : فلقيه شيخ أبيض الرأس
واللحية يمشي قال : فنزل إليه فقبل بين عينيه ، فقال إبراهيم : ولا أعلمه إلا أنه قبل
يده ، ثم جعل يقول له : جعلت فداك ، والشيخ يوصيه ، ( 4 ) قال : وقام أبي حتى توارى
الشيخ ثم ركب ، فقلت : يا أبة من هذا الذي صنعت به ما لم أرك صنعته بأحد ؟ قال :
هذا أبي يا بني . " ص 77 "
85 - ير : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن عبدالله بن بشير ، عن عثمان
بن مروان ، عن سماعة قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام فأطلت الجلوس عنده فقال :
أتحب أن ترى أبا عبدالله عليه السلام فقلت : وددت والله ، فقال : قم وادخل ذلك البيت ، فدخلت
البيت فإذا أبوعبدالله عليه السلام قاعد . " ص 77 "
86 - ير : محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن الحسين بن أبي العلاء ،
عن هارون بن خارجة ، عن يحيى بن ام الطويل قال : صحبت علي بن الحسين عليهما السلام
من المدينة إلى مكة وهو على بغلته وأنا على راحلة ، فجزنا وادي ضجنان فإذا نحن
* ( هامش ) * ( 1 ) عسفان كعثمان : موضع على مرحلتين من مكة . وضجنان كسكران : جبل قرب مكة ، وجبل
آخر بالبادية .
( 2 ) الموجود في رجال الشيخ : عبيد بن عبدالله بن بشر الخثعمى الكوفى ، عده من اصحاب
الصادق عليه السلام .
( 3 ) عريض كزبير : واد بالمدينة به اموال لاهلها .
( 4 ) في المصدر بعد ذلك : فكان في آخر ما قال له : انظر لارتفع فلا ندعها قال : اه . م [ * ]
[249]
برجل أسود في رقبته سلسلة وهو يقول : ياعلي بن الحسين اسقني ، فوضع رأسه على
صدره ثم حرك دابته ، قال : فالتفت فإذا برجل يجذبه وهو يقول : لا تسقه لا سقاه الله ،
قال : فحركت راحلتي ولحقت بعلي بن الحسين عليه السلام فقال لي : أي شئ رأيت ؟ فأخبرته
فقال : ذاك معاوية لعنه الله . " ص 82 "
87 - عد : اعتقادنا في النفوس أنها هي الارواح التي بها الحياة ، وأنها الخلق
الاول ، لقول النبي صلى الله عليه واله : إن أول ما أبدع الله سبحانه وتعالى هي النفوس مقدسة
مطهرة فأنطقها بتوحيده ، ثم خلق بعد ذلك ساتر خلقه . واعتقادنا فيها أنها خلقت
للبقاء ولم تخلق للفناء ، لقول النبي صلى الله عليه واله : ما خلقتم للفناء ، بل خلقتم للبقاء ، وإنما
تنقلون من دار إلى دار ، وإنها في الارض غريبة وفي الابدان مسجونة . " ص 75 "
واعتقادنا فيها : أنها إذا فارقت الابدان فهي باقية ، منها منعمة ، ومنها معذبة ،
إلى أن يردها الله عزوجل بقدرته إلى أبدانها .
وقال عيسى بن مريم للحواريين : بحق أقول لكم : إنه لا يصعد إلى السماء إلا
ما نزل منها . وقال الله جل ثناؤه : " ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الارض واتبع
هواه " فما لم يرفع منها إلى الملكوت فهي تهوى في الهاوية ، وذلك لان الجنة درجات ،
والنار دركات ، وقال عزوجل : " تعرج الملائكة والروح إليه " وقال عزوجل : " إن المتقين
في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر " وقال تعالى : " ولا تحسبن الذين
قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين " إلى آخرها . وقال تعالى :
" ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات " إلى آخرها . وقال النبي صلى الله عليه واله : الارواح جنود


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 249 سطر 19 إلى صفحه 257 سطر 18

مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .
وقال الصادق عليه السلام : إن الله آخا بين الارواح في الاظلة قبل أن يخلق الابدان
بألفي عام ، فلو قد قام قائمنا أهل البيت لورث الاخ الذي آخا بينهما في الاظلة ،
ولم يورث الاخ من الولادة .
وقال عليه السلام : إن الارواح لتلتقي في الهواء فتعارف وتسائل ، فإذا أقبل روح من
[250]
الارض قالوا : دعوه ( 1 ) فقد أفلت من هول عظيم ، ثم سألوه ما فعل فلان ، وما فعل فلان
فكلما قال : قد بقي رجوه أن يلحق بهم ، وكلما قال : قد مات قالوا : هوى هوى .
وقال تعالى : " ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى " وقال تعالى : " وأما من خفت موازينه
فامه هاوية وما أدريك ماهيه نار حامية " ومثل الدنيا كمثل البحر والملاح
والسفينة .
وقال لقمان لابنه : يابني إن الدنيا بحر عميق وقد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل
سفينتك فيها الايمان بالله ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، واجعل شراعها التوكل على
الله ، فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك ، ( 2 ) وأشد ساعاته ( 3 ) يوم يولد ،
ويوم يموت ، ويوم يبعث . ( 4 ) ولقد سلم الله تعالى على يحيى في هذه الساعات فقال الله
تعالى : " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " وقد سلم ( 5 ) عيسى على
نفسه فقال : " والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت " ويوم ابعث حيا " .
والاعتقاد في الروح أنه ليس من جنس البدن ، وأنه خلق آخر لقوله تعالى :
" ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين " .
واعتقادنا في الانبياء والرسل والائمة عليهم السلام أن فيهم خمسة أرواح : روح القدس ،
وروح الايمان ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، وروح المدرج . وفي المؤمنين أربعة
أرواح : روح الايمان ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، وروح المدرج . وفي الكافرين
والبهائم ثلاثة أرواح : روح القوة ، وروح الشهوة ، وروح المدرج . وأما قوله تعالى :
" ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " فإنه خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ،
كان مع رسول الله صلى الله عليه واله ومع ( 6 ) الائمة وهو من الملكوت ( 7 ) . " ص 76 - 77 "
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : فقالت الارواح دعوه .
( 2 ) في المصدر : فبذنوبك لا من الله .
( 3 ) في المصدر : واشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات اه .
( 4 ) في المصدر : يبعث حيا .
( 5 ) في المصدر : وقد سلم فيها .
( 6 ) في المصدر : ومع الملائكة ومع الائمة .
( 7 ) قال الصدوق بعد هذه الكلمات : وانا اصنف في هذا المعنى كتابا اشرع فيه معانى هذه الجمل . [ * ]
[251]
أقول : قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح هذا الكلام : كلام أبي جعفر
في النفس والروح ليس على مذهب التحقيق ، فلو اقتصر على الاخبار ولم يتعاط ذكر
معانيها كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه ، ثم قال رحمه الله : النفس
عبارة من معان : أحدها ذات الشئ ، والآخر الدم السائل ، والآخر النفس الذي
هو الهواء ، والرابع هو الهوى وميل الطبع ، فأما شاهد المعنى الاول فهو قولهم : هذا
نفس الشئ ، أي ذاته وعينه ، وشاهد الثاني قولهم : كلما كانت النفس سائلة فحكمه
كذا وكذا ، وشاهد الثالث قولهم : فلان هلكت نفسه إذا انقطع نفسه ولم يبق في جسمه
هواء يخرج من حواسه ، وشاهد الرابع قول الله تعالى : " إن النفس لامارة بالسوء "
يعني الهوى داع إلى القبيح ، وقد يعبر بالنفس عن النقمة ، قال الله : " ويحذركم الله
نفسه " يريد به نقمته وعقابه . ( 1 ) وأما الروح فعبارة عن معان : أحدها الحياة ، والثاني
القرآن ، والثالث ملك من ملائكة الله ، والرابع جبرئيل عليه السلام ، فشاهد الاول قولهم : كل
ذي روح فحكمه كذا ، يريدون كل ذي حياة ، وقولهم فيمن مات : قد خرجت منه
الروح يعنون الحياة ، وشاهد الثاني قوله تعالى : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا "
يعني القرآن ، وشاهد الثالث قوله : " يوم يقوم الروح والملائكة " وشاهد الرابع قوله
* ( هامش ) * ( 1 ) وللنفس معنى آخر يستعمل كثيرا في الكتاب والسنة كقوله تعالى : " لا اقسم بالنفس اللوامة ،
وياايتها النفس المطئمنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية " وقوله : " ونفس وما سواها فالهمها فجورها
وتقواها " وقوله : " ونهى النفس عن الهوى " وكقول على عليه السلام : من عرف نفسه فقد عرف ربه .
كما ان للروح معنى آخر كقوله تعالى : " يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربى " وقوله : " ونفخنا
فيها من روحنا " وقوله : " ونفخت فيه من روحى " وهو الذى يسمى بالنفس الناطقة والروح الانسانى
وهو جوهر مجرد مدرك للكليات والمعقولات ومبدء لجميع الافاعيل الصادرة عن الانسان ، ليس
داخل العالم الجسماني ولا خارجه ، ولا متصل به ولا منفصل عنه ، لكنه متعلق بالبدن تعلق التدبير
والتصرف ، وهو الذى يشير الانسان اليه بقوله : " انا " وعلى هذا المعنى استقر رأى الفلاسفة الاسلامية
والحكماء الالهيين ، واكثر المتكلمين من المذهب الاسلامية وسيجئ منه ايعاز إلى ذلك ، واشارة
إلى تجرده . [ * ]
[252]
تعالى : " قل نزله روح القدس " يعني جبرئيل عليه السلام . فأما ما ذكره أبوجعفر ورواه أن
الارواح مخلوقة قبل الاجسام بألفي عام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ،
فهو حديث من أحاديث الآحاد ، وخبر من طرق الافراد ، وله وجه غير ما ظنه من لا علم
له بحقائق الاشياء ، وهو أن الله تعالى خلق الملائكة عليهم السلام قبل البشر بألفي عام ، فما
تعارف منها قبل خلق البشر ائتلف عند خلق البشر ، وما لم يتعارف منها إذ ذاك اختلف
بعد خلق البشر ، وليس الامر كما ظنه أصحاب التناسخ ، ودخلت الشبهة فيه على
حشوية الشيعة فتوهموا أن الذوات الفعالة المأمورة المنهية كانت مخلوقة في الذر ،
وتتعارف وتعقل وتفهم وتنطق ، ثم خلق الله لها أجسادا من بعد ذلك فركبها فيها ، ولو كان
ذلك كذلك لكنا نعرف ما كنا عليه ، وإذا ذكرنا به ذكرناه ، ولا يخفى علينا الحال فيه
ألا ترى أن من نشأ ببلد من البلاد فأقام فيها حولا ثم انتقل إلى غيره لم يذهب عنه علم
ذلك ، وإن خفي عليه لسهوه عنه فذكر به ذكره ، ولولا أن الامر كذلك لجاز أن يولد
إنسان منا ببغداد وينشأ بها ويقيم عشرين سنة فيها ثم ينتقل منها إلى مصر آخر فينسى
حاله ببغداد ولا يذكر منها شيئا وإن ذكر به وعدد عليه علامات حاله ومكانه ونشوه ،
وهذا ما لا يذهب إليه عاقل .
والذي صرح به أبوجعفر في معنى الروح والنفس هو قول التناسخية بعينه من
غير أن يعلم أنه قولهم ، فالجناية بذلك على نفسه وغيره عظيمة .
وأما ما ذكره من أن الانفس باقية فعبارة مذمومة ولفظ يضاد ألفاظ القرآن ،
قال الله تعالى : " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والاكرام " والذي
حكاه من ذلك وتوهمه هو مذهب كثير من الفلاسفة الملحدين الذين زعموا أن الانفس
لا يلحقها الكون والفساد وأنها باقية ، وإنما تفنى وتفسد الاجسام المركبة ، وإلى هذا
ذهب بعض أصحاب التناسخ ، وزعموا أن الانفس لم تزل تتكرر في الصور والهياكل لم
تحدث ولم تفن ولم تعدم وأنها باقية غير فانية ، وهذا من أخبث قول وأبعده من الصواب ،
وشنع به الناصبة على الشيعة ونسبوهم به إلى الزندقة ولو عرف مثبته ما فيه لما تعرض له ،
لكن أصحابنا المتعلقين بالاخبار أصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة ، يمرون على
[253]
وجوههم فيما سمعوه من الاحاديث ولا ينظرون في سندها ، ولا يفرقون بين حقها وباطلها ،
ولا يفهمون ما يدخل عليهم في إثباتها ، ولا يحصلون معاني ما يطلقونه منها ، والذي ثبت
من الحديث في هذا الباب أن الارواح بعد موت الاجساد على ضربين : منها ما ينقل
إلى الثواب والعقاب ، ومنها ما يبطل فلا يشعر بثواب ولا عقاب .
وقد روي عن الصادق عليه السلام ما ذكرناه في هذا المعنى وبيناه ، فسئل عمن مات
في هذه الدار أين تكون روحه ؟ فقال : من مات وهو ماحض للايمان محضا أو ماحض
للكفر محضا نقلت روحه من هيكله إلى مثله في الصورة ، وجوزي بأعماله إلى يوم
القيامة ، فإذا بعث الله من في القبور أنشأ جسمه ورد روحه إلى جسده وحشره ليوفيه
أعماله ، فالمؤمن ينتقل روحه من جسده إلى مثل جسده في الصورة فيجعل في جنات من جنان
الدنيا يتنعم فيها إلى يوم المآب ، والكافر ينتقل روحه من جسده إلى مثله بعينه ويجعل
في نار فيعذب بها إلى يوم القيامة ، وشاهد ذلك في المؤمن قوله تعالى : " قيل ادخل
الجنة قال ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي " وشاهد ما ذكرناه في الكافر قوله
تعالى : " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا " فأخبر سبحانه أن مؤمنا قال بعد موته وقد
ادخل الجنة : ياليت قومي يعلمون ، وأخبر أن كافرا يعذب بعد موته غدوا وعشيا
ويوم تقوم الساعة يخلد في النار ، والضرب الآخر من يلهى عنه ويعدم نفسه عنه فساد
جسمه ، فلا يشعر بشئ حتى يبعث ، وهو من لم يمحض الايمان محضا ، ولا الكفر محضا ،
وقد بين الله تعالى ذلك عند قوله : " إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما " فبين أن
قوما عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتى يظن بعضهم أن ذلك كان عشرا ،
أو يظن بعضهم : أن ذلك كان يوما ، وليس يجوز أن يكون ذلك من وصف من عذب
إلى بعثه ونعم إلى بعثه ، لان من لم يزل منعما أو معذبا لا يجهل عليه حاله فيما عومل
به ، ولا يلتبس عليه الامر في بقائه بعد وفاته .
وقد روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : إنما يسأل في قبره من محض الايمان
محضا ، أو محض الكفر محضا ، فأما ما سوى هذين فإنه يلهى عنه ، وقال في الرجعة :
[254]
إنما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم عليه السلام من محض الايمان محضا أو محض الكفر محضا
، فأما ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب . وقد اختلف أصحابنا فيمن ينعم و
يعذب بعد موته فقال بعضهم : المنعم والمعذب هو الروح التي توجه إليها الامر والنهي و
التكليف ، وسموها جوهرا ، وقال آخرون : بل الروح : الحياة جعلت في جسد كجسده
في دار الدنيا ، وكلا الامرين يجوزان في العقل ، والاظهر عندي قول من قال : إنها
الجوهر المخاطب ، وهو الذي تسميه الفلاسفة البسيط ، وقد جاء في الحديث أن الانبياء
صلوات الله عليهم خاصة والائمة عليهم السلام من بعدهم ينقلون بأجسادهم وأرواحهم
من الارض إلى السماء فينعمون في أجسادهم التي كانوا فيها عند مقامهم في الدنيا ، و
هذا خاص بحجج الله دون من سواهم من الناس .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى
علي من بعيد بلغته .
وقال صلى الله عليه وآله : من صلى علي مرة صليت عليه عشرا ، ومن صلى علي عشرا صليت
عليه مائة ، فليكثر امرؤ منكم الصلاة علي أو فليقل . فبين أنه صلى الله عليه واله بعد خروجه
من الدنيا يسمع الصلاة عليه ، ولا يكون كذلك إلا وهو حي عند الله تعالى ، وكذلك أئمة
الهدى صلوات الله عليهم يسمعون سلام المسلم عليهم من قرب ويبلغهم سلامه من بعد ،
وبذلك جاءت الآثار الصادقة عنهم ، وقد قال الله تعالى : " ولا تحسبن الذين قتلوا في
سبيل الله أمواتا بل أحياء " الآية .
وروي عن النبي صلى الله عليه واله أنه وقف على قليب ( 1 ) بدر فقال للمشركين الذين قتلوا
يومئذ وقد القوا في القليب : لقد كنتم جيران سوء لرسول الله صلى الله عليه واله ، أخرجتموه من منزله
وطردتموه ، ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه ، فقد وجدت ما وعدني ربي حقا ، ( 2 ) فقال له
عمر : يا رسول الله ما خطابك لهام قد صديت ؟ ( 3 ) فقال له : مه يابن الخطاب ، فوالله
* ( هامش ) * ( 1 ) القليب : البئر .
( 2 ) في شرح العقائد المطبوع هنا زيادة وهى : فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا .
( 3 ) الهام جمع الهامة : رأس كل شئ . رئيس القوم وسيدهم . وجماعة الناس ، وتطلق على
الجثة أيضا . صديت أى ماتت . [ * ]
[255]
ما أنت بأسمع منهم ، وما بينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع الحديد ( 1 ) إلا أن
أعرض بوجهي هكذا عنهم .
وعن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه أنه ركب بعد انفصال الامر من حرب
البصرة فصار يتخلل بين الصفوف حتى مر على كعب بن سورة - وكان هذا قاضي
البصرة ولاه إياها عمر بن الخطاب فأقام بها قاضيا بين أهلها زمن عمر وعثمان ، فلما
وقعت الفتنة بالبصرة علق في عنقه مصحفا وخرج بأهله وولده يقاتل أميرالمؤمنين عليه السلام
فقتلوا بأجمعهم - فوقف عليه أميرالمؤمنين وهو صريع بين القتلى فقال : أجلسوا كعب بن
سورة ، فاجلس بين نفسين ، فقال : ياكعب بن سورة قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل
وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثم قال : اضجعوا كعبا ، وسار قليلا فمر بطلحة بن عبدالله
صريعا فقال : أجلسوا طلحة ، فأجلسوه ، فقال : يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربي حقا
فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثم قال : اضجعوا طلحة ، فقال له رجل من أصحابه :
يا أميرالمؤمنين ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك ؟ فقال : يا رجل فوالله لقد سمعا كلامي
كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلى الله عليه واله ، وهذا من الاخبار الدالة على أن بعض
من يموت ترد إليه روحه لتنعيمة أو لتعذيبه ، وليس ذلك بعام في كل من يموت بل
هو على ما بيناه . انتهى كلامه رحمه الله .
وأقول : أما تشنيعه على الصدوق رحمه الله بالقول بسبق الارواح فسيأتي في
كتاب السماء والعالم أخبار مستفيضة في ذلك ولا استبعاد فيه ، ولم يقم برهان تام على
نفيه ، وما ذكره من أنه لابد أن يذكر الانسان تلك الحالة فغير مسلم مع بعد العهد
وتخلل حالة الجنينية والطفولية وغيرهما بينهما ، ولا استبعاد في أن ينسيه الله تعالى
ذلك لكثير من المصالح ، مع أنا لا نذكر أكثر أحوال الطفولية فأي استبعاد في نسيان
ما قبلها ؟ وأما القول ببقاء الارواح فقد قال رحمه الله به في بعضها فأي استبعاد في القول
بذلك في جميعها ؟ وما ذكره من الاخبار لا يدل على فناء الارواح الملهو عنهم ، بل على
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : بمقامع من حديد . والمقامع جمع المقمعة ، وهى خشبة أو حديدة يضرب بها
الانسان ليذل . [ * ]
[256]
عدم إثابتها وتعذيبها ، وإن كان الطعن على الصدوق في أنه يتضمن كلامه أنه لا يفني الله
الارواح في وقت من الاوقات فليس كلامه مصرحا بذلك مع أن في إفنائها ايضا كلاما
سيأتي في موضعه .
88 - ما : محمد بن أحمد بن شاذان القمي ، عن أبي عبدالله محمد بن علي ، عن
محمد بن جعفر بن بطة ، عن محمد بن الحسن ، عن حمزة بن يعلى ، عن محمد بن داود النهدي ،
عن علي بن الحكم ، عن الربيع بن محمد المسلمي ( 1 ) عن عبدالله بن سليمان ( 2 ) عن الباقر
عليه السلام قال : سألته عن زيارة القبور ، قال : إذا كان يوم الجمعة فزرهم ، فإنه من كان
منهم في ضيق وسع عليه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يعلمون بمن أتاهم
في كل يوم ، فإذا طلعت الشمس كانوا سدى ، قلت : فيعلمون بمن أتاهم فيفرحون به ؟
قال : نعم ويستوحشون له إذا انصرف عنهم . " ص 71 "
بيان : السدى بالضم ويفتح : المهمل ، ولعل المعنى : أنهم يوم الجمعة بعد طلوع
الشمس أيضا مهملون غير معذبين ، أو المعنى أنه يوسع عليهم في يوم الجمعة أو
الزيارة في يوم الجمعة تصير سببا لذلك . وقوله : ما بين طلوع الفجر استيناف كلام . أي
في كل يوم يطلعون على زوارهم في ذلك الوقت لانهم في القبور فإذا طلعت الشمس يرخص لهم فيخرجون من قبورهم .
89 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : إن المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب ويستر عنه ما يكره ، وإن الكافر ليزور
أهله فيرى ما يكره ويستر عنه ما يحب ، قال : ومنهم من يزور كل جمعة ومنهم من يزور
على قدر عمله . " ف ج 1 ص 62 "
* ( هامش ) * ( 1 ) قال النجاشى : ربيع بن محمد بن عمر بن حسان الاصم المسلى - ومسلية قبيلة من مذحج
وهي مسلية بن عامر بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن ادد - روى عن أبي عبدالله عليه السلام
ذكره أصحاب الرجال في كتبهم ، له كتاب يرويه جماعة اه . قال الفيروز آبادى في القاموس :
مسلية كمحسنة أبوبطن .
( 2 ) لعله عبدالله بن سليمان العامرى الكوفى المذكور في رجال الشيخ في اصحاب الصادق
عليه السلام ، راجع جامع الروات ج 1 ص 486 . [ * ]
[257]
90 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن
أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما من مؤمن ولا كافر إلا وهو يأتي
أهله عند زوال الشمس ، فإذا رأى أهله يعملون بالصالحات حمد الله على ذلك ، وإذا رأى
الكافر أهله يعملون بالصالحات كانت عليه حسرة . " ف ج 1 ص 62 "
91 - كا : العدة ، عن سهل ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن
الاول عليه السلام قال : سألته عن الميت يزور أهله ؟ قال : نعم ، فقلت : في كم يزور ؟ قال :
في الجمعة وفي الشهر وفي السنة على قدر منزلته ، فقلت : في أي صورة يأتيهم ؟ قال : في
صورة طائر لطيف يسقط على جدرهم ويشرف عليهم ، فإن رآهم بخير فرح ، وإن رآهم
بشر وحاجة وحزن اغتم . " ف ج 2 ص 62 - 63 "
92 - كا : العدة ، عن سهل ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست الواسطي
عن إسحاق بن عمار ، عن عبدالرحيم القصير قال : قلت له : المؤمن يزور أهله ؟ فقال :
نعم يستأذن ربه فيأذن له فيبعث معه ملكين فيأتيهم في بعض صور الطير يقع في داره
ينظر إليهم ويسمع كلامهم . " ف ج 1 ص 63 "
93 - كا : العدة ، عن سهل ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار قال : قلت
لابي الحسن الاول عليه السلام : يزور المؤمن أهله ؟ فقال : نعم ، فقلت : في كم ؟ قال على
قدر فضائلهم ، منهم من يزور في كل يوم ، ومنهم من يزور في كل يؤمين ، ومنهم من
يزور في كل ثلاثة أيام ، قال : ثم رأيت في مجرى كلامه يقول : ( 1 ) أدناهم منزلة
يزور كل جمعة ، قال : قلت : في أي ساعة ؟ قال : عند زوال الشمس ومثل ذلك ، قال :


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 257 سطر 19 إلى صفحه 265 سطر 18

قلت : في أي صورة ؟ قال : في صورة العصفور أو أصغر من ذلك ، يبعث ( 2 ) الله عزو
جل معه ملكا فيريه ما يسره ، ويستر عنه ما يكره ، فيرى ما يسره ويرجع إلى قرة
عين . " ف ج 1 ص 63 "
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : انه يقول .
( 2 ) في المصدر : فيبعث الله . [ * ]
[258]
أقول : روى السيد في سعد السعود من كتاب عبدالواحد بن عبدالله بن يونس
الموصلي قال : أخبرنا محمد بن علي ، عن أبي جعفر بن عبدالجبار ، عن إبراهيم بن عبد
الحميد قال : كان أبوالحسن موسى عليه السلام في دار أبيه فتحول منها بعياله ، فقلت له :
جعلت فداك أتحولت من دار أبيك ؟ فقال : إني أحببت أن اوسع على عيال أبي إنهم كانوا
في ضيق فأحببت أن اوسع عليهم حتى يعلم أني وسعت على عياله ، قلت : جعلت فداك
هذا للامام خاصة أو للمؤمنين ؟ قال : هذا للامام وللمؤمنين ، ما من مؤمن إلا وهو
يلم ( 1 ) بأهله كل جمعة ، فإن رأى خيرا حمد الله عزوجل ، وإن رأى غير ذلك استغفر
واسترجع .
94 - كا : العدة ، عن سهل ، عن الحسن بن على ، عن بشير الدهان ، عن أبي
عبدالله عليه السلام ، وعلي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي جميلة ، عن
جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : إذا حمل
عدو الله إلى قبره نادى حملته : ألا تسمعون يا إخوتاه ، إني أشكوا إليكم ما وقع فيه أخوكم
الشقي : إن عدو الله ( 2 ) خدعني فأوردني ثم لم يصدرني . وأقسم لي إنه ناصح لي فغشني
وأشكو إليكم دنيا غرتني حتى إذا اطمأننت إليها صرعتني ، وأشكو إليكم أخلاء
الهوى منوني ( 3 ) ثم تبرؤوا مني وخذلوني ، وأشكو إليكم أولادا حميت عنهم وآثرتهم
على نفسي فأكلوا مالي وأسلموني ، وأشكو إليكم مالا منعت فيه ( 4 ) حق الله فكان وباله
علي وكان نفعه لغيري ، وأشكو إليكم دارا أنفقت عليها حريبتي وصار سكانها غيري وأشكو
إليكم طول الثوى ( 5 ) في قبري ينادي : أنا بيت الدود ، أنا بيت الظلمة والوحشة والضيق ،
يا إخوتاه فاحبسوني ما استطعتم ، واحذروا مثل ما لقيت ، فإني قد بشرت بالنار والذل
والصغار وغضب العزيز الجبار ، واحسرتاه على ما فرطت في جنب الله ( 6 ) وياطول
* ( هامش ) * ( 1 ) ألم بفلان : أتاه فنزل به .
( 2 ) أراد الشيطان .
( 3 ) أى ابتلونى .
( 4 ) في المصدر : منعت منه . خ ل ضيعت فيه .
( 5 ) الصحيح كما في الكافى الثواء بالمد ، وهو الاقامة .
( 6 ) أى في طاعة الله . [ * ]
[259]
عولتاه ( 1 ) فمالي من شفيع يطاع ، ولا صديق يرحمني ، فلو أن لي كرة ( 2 ) فأكون من
المؤمنين . " ف ج 1 ص 63 - 64 "
95 - كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن جابر ،
عن أبي جعفر عليه السلام مثله . وزاد فيه : فما يفتر ( 3 ) ينادي حتى يدخل قبره ، فإذا ادخل
حفرته ردت الروح في جسده ، وجاء ملكا القبر فامتحناه ، قال : وكان أبوجعفر عليه السلام
يبكي إذا ذكر هذا الحديث . " ف ج 1 ص 64 "
96 - كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عمرو بن شمر ،
عن جابر قال : قال علي بن الحسين عليه السلام : ما ندري كيف نصنع بالناس ؟ ! إن حدثناهم
بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه واله ضحكوا ، وإن سكتنا لم يسعنا . قال : فقال ضمرة بن
مبعد : ( 4 ) حدثنا ، فقال : هل تدرون ما يقول عدو الله إذا حمل على سريره ؟ قال : فقلنا :
لا ، قال : فإنه يقول لحملته : ألا تسمعون ؟ إني أشكو إليكم عدو الله خدعني وأوردني
ثم لم يصدرني ، وأشكو إليكم إخوانا واخيتهم فخذلوني ، ( 5 ) وأشكو إليكم دارا أنفقت
فيها حريبتي فصار سكانها غيري ، فارفقوا بي ولا تستعجلوا . قال ضمرة : يا أبا الحسن
إن كان هذا يتكلم بهذا الكلام يوشك أن يثب على أعناق الذين يحملونه ، قال : فقال
علي بن الحسين عليه السلام : اللهم إن كان ضمرة هزأ من حديث رسولك فخذه أخذ أسف ،
قال : فمكث أربعين يوما ثم مات ، فحضره مولى له قال : فلما دفن أتى علي بن
* ( هامش ) * ( 1 ) العولة والعويل : رفع الصوت بالبكاء وفى المصدر : عويلاه خ ل .
( 2 ) الكرة : الرجوع إلى الدنيا .
( 3 ) أى لا يسكن ولا ينقطع .
( 4 ) في الكافى والمرآت المطبوعين : ضمرة بن معيد ( سعيد خ ل ) ولعله هو ضمرة بن سعيد بن
أبى حنة المترجم في تقريب التهذيب بقوله : ضمرة بن سعيد بن أبى حنة - بمهملة ثم نون ، وقيل :
موحدة - الانصارى المدنى ثقة من الرابعة .
( 5 ) في الكافى المطبوع هنا زيادة وهى هذه : وأشكو إليكم أولادا حاميت عليهم ( عنهم خ ل )
فخذلونى . [ * ]
[260]
الحسين عليه السلام فجلس إليه فقال له : من أين جئت يا فلان ؟ قال : من جنازة ضمرة ،
فوضعت وجهي عليه حين سوي عليه فسمعت صوته والله أعرفه كما كنت أعرفه وهو
حي وهو يقول : ويلك يا ضمرة بن معبد ! اليوم خذلك كل خليل وصار مصيرك إلى
الجحيم فيها مسكنك ومبيتك والمقيل . قال : فقال علي بن الحسين عليهما السلام : أسأل الله العافية ، هذا جزاء من يهزأ من حديث رسول الله صلى الله عليه واله . " ف ج 1 ص 64 "
توضيح : حريبة الرجل ماله الذي يعيش به .
97 - كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن الحجال ، عن ثعلبة
عن أبي بكر الحضرمي قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : لا يسأل في القبر إلا من محض الايمان
محضا ، أو محض الكفر محضا ، والآخرون يلهون عنهم . ( 1 ) " ف ج 1 ص 64 "
98 - كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران
عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنما يسأل في قبره من محض الايمان
والكفر محضا ، وأما ما سوى ذلك فيلهى عنه . " ف ج 1 ص 64 "
99 - كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن محمد بن إسماعيل ،
عن منصور بن يونس ، عن ابن بكير ، عن أبي جعفر عليه السلام مثله ( 2 ) . " ف ج 1 ص 64 "
100 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن
النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن بريد بن معاوية ، عن محمد بن مسلم قال : قال
أبوعبدالله عليه السلام : لا يسأل في القبر إلا من محض الايمان محضا ، أو محض الكفر محضا .
" ف ج 1 ص 64 "
بيان : من محض بفتح الميم اسم موصول ، وبكسر الميم حرف جر وقراءة محض
مصدرا ليكون المعنى : أنه لا يسأل عن الاعمال بل عن العقائد تصحيف يأباه صريح
الاخبار ، بل المعنى : أنه لا يسأل عن المستضعفين المتوسطين بين الايمان والكفر .
101 - كا : بهذا الاسناد ، عن يحيى الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي
بصير قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : يسأل وهو مضغوط " ف ج 1 ص 64 "
* ( هامش ) * ( 1 ) ليس اللهو على معناه الحقيقى ، بل هو كناية عن عدم التعرض لهم بسؤال أو ثواب وعقاب .
( 2 ) في هامش الكافى المطبوع : هذا الحديث لم يوجد في كثير من النسخ . [ * ]
[261]
بيان : لعل المعنى أن الضغطة والسؤال متلازمان ، فكل من لا يضغط لا يسأل
وبالعكس ، أو يسأل في حالة الضغطة ، ويحتمل أن يكون الغرض إثبات الحالتين حسب .
102 - كا : عدة من أصحابنا ، عن البرقي ، عن عثمان بن عيسى ، عن البطائني
عن أبي بصير قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : أيفلت من ضغطه القبر أحد ؟ قال : فقال :
نعوذ بالله منها ، ما أقل من يفلت من ضغطة القبر ! إن رقية لما قتلها عثمان وقت
رسول الله صلى الله عليه واله على قبرها فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه وقال للناس : إني ذكرت
هذه وما لقيت ، فرققت لها واستوهبتها من ضغطة القبر ، ( 1 ) قال : فقال : اللهم هب لي
رقية من ضغطة القبر فوهبها الله له . قال : وإن رسول الله صلى الله عليه واله خرج في جنازة سعد
وقد شيعه سبعون ألف ملك فرفع رسول الله صلى الله عليه واله رأسه إلى السماء ثم قال : مثل سعد يضم ؟
قال : قلت : جعلت فداك إنا نحدث أنه كان يستخف بالبول ، فقال : معاذ الله إنما كان
من زعارة ( 2 ) في خلقه على أهله ، قال : فقالت ام سعد : هنيئا لك يا سعد ، قال : فقال
لها رسول الله صلى الله عليه واله : ياام سعد لا تحتمي على الله . ( 3 ) " ف ج 1 ص 64 "
103 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن
علي ، عن غالب بن عثمان ، عن بشير الدهان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : يجئ الملكان :
منكر ونكير إلى الميت حين يدفن ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق
الخاطف ، يخطان الارض ( 4 ) بأنيابهما ، ويطآن في شعورهما ، فيسألان الميت : من ربك
وما دينك ؟ قال : فإذا كان مؤمنا قال : الله ربي ، وديني الاسلام ، فيقولان له : ما
تقول في هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم ؟ فيقول : أعن محمد رسول الله تسألاني ؟
فيقولان له : تشهد أنه رسول الله صلى الله عليه واله ؟ فيقول : أشهد أنه رسول الله ، فيقولان له : ثم
نومة لا حلم فيها ، ويفسح له في قبره تسعة أذرع ، ويفتح له باب إلى الجنة ويرى
مقعده فيها ، وإذا كان الرجل كافرا دخلا عليه واقيم الشيطان بين يديه ، عيناه من
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافى المطبوع : من ضمة القبر ، وكذا فيما بعده . وهو أيضا بمعنى الضغطة .
( 2 ) الزعارة بتخفيف الراء وتشديدها : سوء الخلق .
( 3 ) أى لا توجبى على الله ، من حتم الشئ عليه : أوجبه .
( 4 ) من يخط القبر أى يحفره . وفى ا لكافى المطبوع : يخدان الارض ، أى يشقان الارض . [ * ]
[262]
نحاس ، فيقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ وما تقول في هذا الرجل الذي قد خرج من
بين ظهرانيكم ، فيقول : لا أدري ، فيخليان بينه وبين الشيطان فيسلط عليه في قبره
تسعة وتسعين تنينا ، ولو أن تنينا واحدا منها نفخ في الارض ما أنبتت شجرا
أبدا ، ويفتح له باب إلى النار ويرى مقعده فيها . " ف ج 1 ص 64 "
ايضاح : قال الجزري : فيه : الرؤيا من الله والحلم من الشيطان : الحلم عبارة
عما يراه النائم في نومه من الاشياء ، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشئ
الحسن ، والحلم على ما يرآه من الشر والشئ القبيح .
104 - كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ،
عن عبدالله بن عبدالرحمن ، عن عبدالله بن القاسم ، عن أبي بكر الحضرمي قال : قلت
لابي جعفر عليه السلام : أصلحك الله من المسؤلون في قبورهم ؟ قال : من محض الايمان ومن
محض الكفر ، قال : قلت : فبقية هذا الخلق ؟ قال : يلهون ( 1 ) والله عنهم ما يعبأ بهم ، قال :
وقلت : وعم يسألون ؟ قال : عن الحجة القائمة بين أظهركم فيقال للمؤمن : ما تقول في
فلان بن فلان ؟ فيقول : ذاك إمامي ، فيقول : نم أنام الله عينيك ، ويفتح له باب من الجنة
فما يزال يتحفه من روحها إلى يوم القيامة ، ويقال للكافر : ما تقول في فلان بن فلان ؟
قال : فيقول : قد سمعت به وما أدري ما هو ! فيقال له : لا دريت ، قال : ويفتح له باب من
النار فلا يزال يتحفه من حرها إلى يوم القيامة . " ف ج 1 ص 64 - 65 "
105 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن حديد ، عن
جميل ، عن عمرو بن الاشعث أنه سمع أبا عبدالله عليه السلام يقول : يسأل الرجل في قبره فإذا
أثبت فسح له في قبره سبعة أذرع وفتح له باب إلى الجنة ، وقيل له : نم نومة العروس
قرير العين . " ف ج 1 ص 65 "
106 - كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ،
عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إذا وضع الرجل
في قبره أتاه ملكان : ملك عن يمينه ، وملك عن يساره ، واقيم الشيطان بين عينيه ، عيناه
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : يلهى . [ * ]
[263]
من نحاس فيقال له : كيف تقول في الرجل الذي كان ( 1 ) بين ظهرانيكم ؟ قال : فيفزع
له فزعة ، فيقول إذا كان مؤمنا : أعن محمد رسول الله صلى الله تسألاني ؟ فيقولان له : نم نومة
لا حلم فيها ، ويفسح له في قبره تسعة أذرع ، ويرى مقعده من الجنة ، وهو قول الله
عزوجل : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة " فإذا ( 2 )
كان كافرا قالا له : من هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم ؟ فيقول : لا أدري ، فيخليان
بينه وبين الشيطان . " ف ج 1 ص 65 "
ين : النضر ، عن عاصم مثله .
107 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم
ابن أبي البلاد ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : يقال للمؤمن في
قبره : من ربك ؟ قال : فيقول : الله ، فيقال له : ما دينك ؟ فيقول : الاسلام ، فيقال : من
نبيك ؟ فيقول : محمد صلى الله عليه واله ، فيقال : من إمامك ؟ فيقول : فلان ، فيقال : كيف علمت بذلك ؟
فيقول : أمر هداني الله له وثبتني عليه ، فيقال له : نم نومة لا حلم فيها نومة العروس ،
ثم يفتح له باب إلى الجنة فيدخل إليه من روحها وريحانها ، فيقول : يارب عجل قيام
الساعة لعلي أرجع إلى أهلي ومالي ، ويقال للكافر . من ربك ؟ فيقول : الله ، فيقال : من
نبيك ؟ فيقول : محمد ، فيقال : ما دينك ؟ فيقول : الاسلام ، فيقال : من أين علمت ذلك ؟
فيقول : سمعت الناس يقولون فقلت ، فيضربانه بمرزبة لو اجتمع عليها الثقلان : الانس
والجن لم يطيقوها ، قال : فيذوب كما يذوب الرصاص ، ثم يعيدان فيه الروح فيوضع
قلبه بين لوحين من نار ، فيقول : يارب أخر قيام الساعة . " ف ج 1 ص 65 "
ين : ابن أبي البلاد مثله .
بيان : هذا الخبر يدل على أن إسلام المخالفين لعدم توسلهم بأئمة الهدى عليهم السلام
ظني تقليدي لم يهدهم الله للرسوخ فيه ، وإنما الهداية واليقين مع متابعتهم عليهم السلام .
108 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ،
* ( هامش ) * ( 1 ) ليست في المصدر : كلمة " كان " .
( 2 ) في الصمدر : واذا . [ * ]
[264]
عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
إن المؤمن إذا اخرج من بيته شيعه ( 1 ) الملائكة إلى قبره يزدحمون عليه ، حتى إذا
انتهي به إلى قبره قالت له الارض : مرحبا بك وأهلا ، أما والله لقد كنت أحب أن يمشي
علي مثلك ، لترين ما أصنع بك ، فيوسع له مد بصره ، ويدخل عليه في قبره ملكا القبر
وهما قعيدا القبر : ( 2 ) منكر ونكير فيلقيان فيه الروح إلى حقويه فيقعدانه ويسألانه
فيقولان : ( 3 ) من ربك ؟ فيقول : الله ، فيقولان : ما دينك ؟ فيقول : الاسلام ، فيقولان :
من نبيك ؟ فيقول : محمد صلى الله عليه واله ، فيقولان : ومن إمامك ؟ فيقول : فلان ، قال : فينادي مناد
من السماء : صدق عبدي ، افرشوا له في قبره من الجنة ، وافتحوا له في قبره بابا إلى الجنة ،
وألبسوه من ثباب الجنة حتى يأتينا ، وما عندنا خير له ، ثم يقال له : نم نومة العروس
نم نومة لا حلم فيها . قال : وإن كان كافرا خرجت الملائكة تشيعه إلى قبره يلعنونه حتى
إذا انتهي إلى قبره قالت له الارض : لا مرحبا بك ولا أهلا ، أما والله لقد كنت ابغض أن
يمشي علي مثلك ، لا جرم لترين ما أصنع بك اليوم ، فتضيق عليه حتى تلتقي جوانحه ، ( 4 )
قال : ثم يدخل عليه ملكا القبر وهما قعيدا القبر : منكر ونكير ، قال أبوبصير : جعلت
فداك يدخلان على المؤمن والكافر في صورة واحدة ؟ فقال : لا ، قال : فيقعدانه ويلقيان فيه
الروح إلى حقويه فيقولان له : من ربك ؟ فيتلجلج ( 5 ) ويقول : قد سمعت الناس يقولون ،
فيقولان له : لا دريت ، ويقولان له ما دينك ؟ فيتلجلج ، فيقولان له : لا دريت ، ويقولان
له : من نبيك ؟ فيقول : قد سمعت الناس يقولون ، فيقولان له : لا دريت ويسأل من
إمام زمانه قال : فينادي مناد من السماء : كذب عبدي ، افرشوا له في قبره من النار ،
وألبسوه من ثياب النار ، وافتحوا له بابا إلى النار حتى يأتينا ، وما عندنا شر له ، فيضربانه
بمرزبة ثلاث ضربات ليس منها ضربة إلا يتطاير قبره نارا ، لو ضرب بتلك المرزبة جبال
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : شيعته .
( 2 ) القعيد فعيل بمعنى الفاعل : الذى يصاحبك في قعودك .
( 3 ) في المصدر : فيقولان له .
( 4 ) الجوانح : الاضلاع مما يلى الصدر ، والواحدة منها جانحة .
( 5 ) اللجلجة والتلجلج : التردد في الكلام . [ * ]
[265]
تهامة لكانت رميما . وقال أبوعبدالله عليه السلام : ويسلط الله عليه في قبره الحيات تنهشه
نهشا ، والشيطان يغمه غما ، قال : ويسمع عذابه من خلق الله إلا الجن والانس ، قال :
وإنه ليسمع خفق نعالهم ونفض أيديهم ، وهو قول الله عزوجل : " يثبت الله الذين آمنوا
بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " .
" ف ج 1 ص 65 "
شى : عن أبي بصير مثله .
بيان : قوله : لا دريت دعاء عليه ، أو استفهام إنكاري أي علمت وتمت الحجة
عليك في الدنيا وإنما جحدت بشقاوتك .
109 - كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن كولوم ،
عن أبي سعيد ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه ،
والزكاة عن يساره ، والبر مطل عليه ، ( 1 ) قال : فيتنحى الصبر ناحية ، فإذا دخل عليه
الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة : دونكما صاحبكم فإن عجزتم
عنه فأنا دونه . " ف ج 1 ص 65 - 66 "
110 - كا : علي بن محمد ، عن أحمد الخراساني ، ( 2 ) عن أبيه قال : قال أبوعبدالله
عليه السلام : إذا وضع الميت في قبره مثل له شخص فقال له : ياهذا كنا ثلاثة ، كان
رزقك فانقطع بانقطاع أجلك ، وكان أهلك فخلفوك وانصرفوا عنك ، وكنت عملك فبقيت
معك ، أما إني كنت أهون الثلاثة عليك . " ف ج 1 ص 66 "
111 - كا : عنه ، عن أبيه رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : يسأل الميت في قبره


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 265 سطر 19 إلى صفحه 273 سطر 18

* ( هامش ) * ( 1 ) أطل عليه : أشرف : وفى المصدر بالظاء المعجمة . وربما يستدل بأمثاله على تجسم
الاعمال في النشأة الاخرة ، ويمكن ان يخلق الله تعالى بازاء كل منها صورة تناسبه ، ويمكن حمله
على الاستعارة التمثيلية أيضا ، لكن عدم التصرف في الظواهر مع عدم الضرورة أحوط وأولى ،
قاله المصنف في كتابه مرآت العقول .
( 2 ) في المصدر : عن محمد بن أحمد الخراسانى ، عن ابيه . [ * ]
[266]
عن خمس : عن صلاته ، وزكاته ، وحجه ، وصيامه ، وولايته إيانا أهل البيت ، فتقول
الولاية عن جانب القبر للاربع : ما دخل فيكن من نقص فعلي تمامه . " ف ج 1 ص 66 "
112 - كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس قال : سألته عن
المصلوب : يعذب عذاب القبر ؟ قال : فقال : نعم إن الله عزوجل يأمر الهواء أن يضغطه .
" ف ج 1 ص 66 "
وفي رواية أخرى : سئل أبوعبدالله عليه السلام عن المصلوب يصيبه عذاب القبر ؟ فقال :
إن رب الارض هو رب الهواء ، فيوحي الله عزوجل إلى الهواء فيضغطه ضغطة أشد من
ضغطة القبر . " ف ج 1 ص 66 "
113 - كا : حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان ،
عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما السلام قال : لما ماتت رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه واله قال رسول
الله صلى الله عليه واله : الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه ، قال : وفاطمة عليها السلام على
شفير القبر تنحدر دموعها في القبر ، ورسول الله صلى الله عليه واله بتلقاه ( 1 ) بثوبه قائم ( 2 ) يدعو ،
قال : إني لاعرف ضعفها وسألت الله عزوجل أن يجيرها من ضمة القبر . " ف ج 1 ص 66 "
114 - كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبدالرحمن بن أبي هاشم ، عن
سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما من قبر إلا وهو ينطق كل يوم ثلاث مرات : أنا بيت
التراب ، أنا بيت البلى ، ( 3 ) أنا بيت الدود ، قال : فإذا دخله عبد مؤمن قال : مرحبا و
أهلا ، أما والله لقد كنت احبك وأنت تمشي على ظهري فيكف إذا دخلت بطني ؟ ! فسترى
ذلك ( 4 ) قال : فيفسح له مد البصر ( 5 ) ويفتح له باب يرى مقعده من الجنة ، قال : ويخرج
من ذلك رجل لم تر عيناه شيئا أحسن منه فيقول : ياعبدالله ما رأيت شيئا قط أحسن
* ( هامش ) * ( 1 ) اى يحفظ دموعه .
( 2 ) في المصدر : قائما . ( 3 ) في المصدر : البلاء .
( 4 ) في نسخة من الكافى : فسترى مالك .
( 5 ) في المصدر : مد بصره . [ * ]
[267]
منك ، فيقول : أنا رأيك الحسن الذي كنت عليه وعملك الصالح الذي كنت تعمله ، قال : ثم
تؤخذ روحه فتوضع في الجنة حيث رأى منزله ، ثم يقال له : نم قرير العين ، فلا تزال نفحة
من الجنة تصيب جسد ، يجد لذتها وطيبها حتى يبعث ، قال : وإذا دخل الكافر قالت :
لا مرحبا بك ولا أهلا ، أما والله لقد كنت ابغضك وأنت تمشي على ظهري ، فكيف إذا
دخلت بطني ؟ سترى ذلك ، فتضم عليه فتجعله رميما ويعادكما كان ، ويفتح له باب إلى النار
فيرى مقعده من النار ، ثم قال : ثم إنه يخرج منه رجل أقبح من رأى قط قال : فيقول :
يا عبدالله من أنت ؟ ما رأيت شيئا أقبح منك ! قال : فيقول : أنا عملك السيئ الذي كنت
تعمله ، ورأيك الخبيث ، قال : ثم تؤخذ روحه فتوضع حيث رأى مقعده من النار ، ثم
لم تزل نفحة من النار تصيب جسده فيجد ألمها وحرها إلى يوم البعث ، ويسلط ( 1 ) على
روحه تسعة وتسعون تنينا تنهشه ليس فيها تنين تنفخ على ظهر الارض ( 2 ) فتنبت
شيئا . " ف ج 1 ص 66 "
115 - كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي ، عن
غالب بن عثمان ، عن بشير الدهان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن للقبر كلاما في كل
يوم ، يقول : أنا بيت الغربة ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود ، أنا القبر ، أنا روضة من رياض
الجنة أو حفرة من حفر النار . " ف ج 1 ص 66 "
116 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد
الرحمن بن حماد ، عن عمرو بن يزيد قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : إني سمعتك وأنت
تقول : كل شيعتنا في الجنة على ما كان فيهم ، قال صدقتك ، كلهم والله في الجنة ، قال :
قلت : جعلت فداك إن الذنوب كثيرة كبائر ، فقال : أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة
النبي المطاع أو وصي النبي ، ولكني والله أتخوف عليكم في البرزخ ، قلت : وما
البرزخ ؟ قال : القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة . " ف ج 1 ص 66 "
117 - كا : علي بن محمد ، عن علي بن الحسن ، عن الحسين بن راشد ، عن المرتجل بن
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : فيجد ألمها وحرها في جسده إلى يوم يبعث ويسلط الله . اه
( 2 ) في المصدر : على وجه الارض خ ل . [ * ]
[268]
معمر ، عن ذريح المحاربي ، عن عباية الاسدي ، عن حبة العرني قال : خرجت مع
أمير المؤمنين عليه السلام إلى الظهر فوقف بوادي السلام كأنه مخاطب لاقوام فقمت بقيامه
حتى أعييت ، ثم جلست حتى مللت ، ثم قمت حتى نالني مثل ما نالني أولا ، ثم جلست
حتى مللت ، ثم قمت وجمعت ردائي فقلت : يا أمير المؤمنين إني قد أشفقت عليك من
طول القيام فراحة ساعة ، ثم طرحت الرداء ليجلس عليه فقال : ياحبة إن هو إلا محادثة
مؤمن أو مؤانسته ، قال : قلت : يا أميرالمؤمنين وإنهم لكذلك ؟ قال : نعم ولو كشف لك
لرأيتهم حلقا حلقا محتبين ( 1 ) يتحادثون ، فقلت أجسام أم أرواح ؟ فقال : أرواح ، وما من
مؤمن يموت في بقعة من بقاع الارض إلا قيل لروحه : الحقي بوادي السلام ، وإنها لبقعة
من جنة عدن . " ف ج 1 ص 66 - 67 "
118 - كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن على ، عن أحمد بن
عمر رفعه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : إن أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها ،
فقال : ما تبالي حيثما مات ، أما إنه لا يبقى مؤمن في شرق الارض وغربها إلا حشره الله
روحه ( 2 ) إلى وادي السلام ، فقلت له : وأين وادي السلام ؟ قال : ظهر الكوفة ، أما إني
كأني بهم حلق حلق قعود يتحدثون . " ف ج 1 ص 67 "
119 - كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاد
الحناط ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك يروون أن أرواح المؤمنين
في حواصل طيور خضر حول العرش ، فقال : لا ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل
روحه في حوصلة طير ، ( 3 ) لكن ( 4 ) في أبدان كأبدانهم . " ف ج 1 ص 67 "
120 - كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ،
عن مثنى الحناط عن أبي بصير قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إن أرواح المؤمنين لفي شجرة
من الجنة يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويقولون : ربنا أقم لنا الساعة ،
وأنجز لنا ما وعدتنا ، وألحق آخرنا بأولنا . " ف ج 1 ص 67 "
* ( هامش ) * ( 1 ) احتبى بالثوب : اشتمل به . جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها .
( 2 ) في المصدر : حشر الله روحه .
( 3 ) حوصلة بتخفيف اللام وتشديدها من الطير بمنزلة المعدة للانسان . ( 4 ) في المصدر : ولكن . [ * ]
[269]
121 - كا : سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست بن أبي منصور ،
عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الارواح في صفة الاجساد
في شجرة في الجنة تعارف وتسائل ، فإذا قدمت الروح على الارواح تقول : دعوها
فإنها قد أفلتت من هول عظيم ، ثم يسألونها : ما فعل فلان ؟ وما فعل فلان ؟ فإن قالت
لهم ، تركته حيا ارتجوه ، وإن قالت لهم : قد هلك قالوا : قد هوى هوى . ( 1 ) " ف ج 1 ص 67 "
122 - كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن عثمان ، عن
أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أرواح المؤمنين فقال :
في حجرات في الجنة ، يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويقولون : ربنا
أقم لنا الساعة ، ( 2 ) وأنجز لنا ما وعدتنا ، وألحق آخرنا بأولنا . " ف ج 1 ص 67 "
ين : ابن أبي عمير ، عن علي ، عن أبي بصير مثله .
123 - كا : علي ، عن أبيه ، عن محسن بن أحمد ، عن محمد بن حماد ، عن يونس بن
يعقوب ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إذا مات الميت اجتمعوا عنده يسألونه عمن مضى و
عمن بقي فإن كان مات ولم يرد عليهم قالوا : قد هوى هوى ، ( 3 ) ويقول بعضهم لبعض :
دعوه حتى يسكن مما مر عليه من الموت . " ف ج 1 ص 67 "
124 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد ، عن
القاسم بن محمد ، عن الحسين بن أحمد ، عن يونس بن ظبيان قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام
فقال : ما يقول الناس في أرواح المؤمنين ؟ فقلت : يقولون : تكون في حواصل طيور خضر
في قناديل تحت العرش ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : سبحان الله ! المؤمن أكرم على الله من أن
يجعل روحه في حوصلة طير ، يايونس إذا كان ذلك أتاه محمد صلى الله عليه واله وعلي وفاطمة و
الحسن والحسين والملائكة المقربون عليهم السلام فإذا قبضه الله عزوجل صير تلك الروح
* ( هامش ) * ( 1 ) هوى يهوى هويا : سقط من علو إلى أسفل ، أى سقط إلى دركات الجحيم ، إذ لو كان من
السعداء لكان يلحق بنا . ( 2 ) في المصدر : اقم الساعة لنا .
( 3 ) في المصدر : هوى بدون التكرير . [ * ]
[270]
في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة
التي كانت في الدنيا . " ف ج 1 ص 67 "
ين : القاسم مثله .
125 - كا : محمد بن أحمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة ،
عن أبي بصير قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : إنا نتحدث عن أرواح المؤمنين أنها في
حواصل طير خضر ترعى في الجنة وتأوى إلى قناديل تحت العرش ، فقال : لا ، إذا ما هي
في حواصل الطير ، قلت : فأين هي ؟ قال : في روضة كهيئة الاجساد في الجنة . " ف ج 1 ص 67 "
126 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن عثمان ، عن أبي بصير ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن أرواح المشركين ، فقال : في النار يعذبون ، يقولون :
ربنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ، ولا تلحق آخرنا بأولنا . " ف ج 1 ص 67 "
ين : ابن أبي عمير : عن علي ، عن أبي بصير مثله .
127 - كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبدالرحمن بن أبي
نجران ، عن مثنى ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن أرواح الكفار في
نار جهنم يعرضون عليها يقولون : ربنا لا تقم لنا الساعة ، ولا تنجز لنا ما وعدتنا ،
ولا تلحق آخرنا بأولنا . " ف ج 1 ص 67 "
128 - دعوات الراوندى : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ليس بيننا وبين الجنة
أو النار إلا الموت .
فذلكة : اعلم أن الذي ظهر من الآيات لكثيرة والاخبار المستفيضته والبراهين
القاطعة هو أن النفس باقية بعد الموت ، إما معذبة إن كان ممن محض الكفر ، أو منعمة
إن كان ممن محض الايمان ، إو يلهى عنه إن كان من المستضعفين ، ويرد إليه الحياة في
القبر إما كاملا إو إلى بعض بدنه كما مر في بعض الاخبار ، ويسأل بعضهم عن بعض
العقائد وبعض الاعمال ، ويثاب ويعاقب بحسب ذلك ، وتضغط أجساد بعضهم ، وإنما
السؤال والضغطة في الاجساد الاصلية ، وقد يرتفعان عن بعض المؤمنين كمن لقن كما
سيأتي ، أو مات في ليلة الجمعة أو يومها أو غير ذلك مما مر وسيأتي في تضاعيف أخبار
[271]
هذا الكتاب ، ثم تتعلق الروح بالاجساد المثالية اللطيفة الشبيهة بأجسام الجن و
الملائكة ، المضاهية في الصورة للابدان الاصلية فينعم ويعذب فيها ، ولا يبعد أن يصل
إليه الآلام ببعض ما يقع على الابدان الاصلية لسبق تعلقه بها ، وبذلك يستقيم جميع
ما ورد في ثواب القبر وعذابه واتساع القبر وضيقه ، وحركة الروح وطيرانه في الهواء
وزيارته لاهله ، ورؤية الائمة عليهم السلام بأشكالهم ، ومشاهدة أعدائهم معذبين ، وسائر
ما ورد في أمثال ذلك مما مر وسيأتي ، فالمراد بالقبر في أكثر الاخبار ما يكون الروح
فيه في عالم البرزخ ، وهذا يتم على تجسم الروح وتجرده ، وإن كان يمكن تصحيح
بعض الاخبار بالقول بتجسم الروح أيضا بدون الاجساد المثالية ، لكن مع
ورود الاجساد المثالية في الاخبار المعتبرة المؤيدة بالاخبار المستفيضة لا محيص عن
القول بها ، وليس هذا من التناسخ الباطل في شئ ، إذ التناسخ لم يتم دليل عقلي على
امتناعة إذ أكثرها عليلة مدخولة ولو تمت لا تجري أكثرها فيما نحن فيه كما لا يخفى
على من تدبر فيها ، والعمدة في نفيه ( 1 ) ضرورة الدين وإجماع المسلمين ، وظاهر أن
هذا غير داخل فيما انعقد الاجماع والضرورة على نفيه ، كيف وقد قال به كثير من المسلمين
كشيخنا المفيد قدس الله روحه وغيره من علمائنا المتكلمين والمحدثين ؟ بل لا يبعد
القول بتعلق الروح بالاجساد المثالية عند النوم أيضا كما يشهد به ما يرى في المنام ،
وقد وقع في الاخبار تشبيه حالة البرزخ وما يجري فيها بحالة الرؤيا وما يشاهد فيها
كما مر ، بل يمكن أن يكون للنفوس القوية العالية أجساد مثالية كثيرة كأئمتنا
صلوات الله عليهم حتى لا نحتاج إلى بعض التأويلات والتوجيهات في حضورهم عند كل
ميت ، وسائر ما سيأتي في كتاب الامامة في غرائب أحوالهم من عروجهم إلى السماوات
كل ليلة جمعة وغير ذلك .
ثم اعلم أن عذاب البرزخ وثوابه مما اتفقت عليه الامة سلفا وخلقا ، وقال به
* ( هامش ) * ( 1 ) العمدة في نفى التناسخ لزوم رجوع الشئ بعد الفعلية إلى القوة وهو من الممتنعات بالضرورة
لكنها لا تجرى الا في البدن العنصرى دون المثالى الذى هو من شؤون النفس ومراتبها ولوازم
وجودها . ط [ * ]
[272]
أكثر أهل الملل ولم ينكره من المسلمين إلا شرذمة قليلة لا عبرة بهم ، وقد انعقد الاجماع
على خلافهم سابقا ولاحقا ، والاحاديث الواردة فيه من طرق العامة والخاصة متواترة
المضمون ، وكذا بقاء النفوس بعد خراب الابدان مذهب أكثر العقلاء من المليين و
الفلاسفة ، ولم ينكره إلا فرقة قليلة كالقائلين بأن النفس هي المزاج وأمثاله ممن لا
يعبأ بهم ولا بكلامهم ، وقد عرفت ما يدل عليه من الاخبار الجلية وقد اقيمت عليه
البراهين العقلية ، ولنذكر بعض كلمات علماء الفريقين في المقامين .
قال نصير الملة والدين قدس الله روحه في التجريد : عذاب القبر واقع لامكانه
وتواتر السمع بوقوعه .
وقال العلامة الحلي نور الله ضريحه في شرحه : نقل عن ضرار أنه أنكر عذاب
القبر ، والاجماع على خلافه .
وقال الشيخ المفيد رحمه الله في أجوبة المسائل السروية - حيث سئل : ما قوله
أدام الله تأييده في عذاب القبر وكيفيته ؟ ومتى يكون ؟ وهل ترد الارواح إلى الاجساد
عند التعذيب أم لا ؟ وهل يكون العذاب في القبر أو يكون بين النفختين ؟ - الجواب :
الكلام في عذاب القبر طريقه السمع دون العقل .
وقد ورد عن أئمة الهدى عليهم السلام أنهم قالوا : ليس يعذب في القبر كل ميت ، وإنما
يعذب من جملتهم من محض الكفر محضا ، ولا ينعم كل ماض لسبيله ، وإنما ينعم منهم
من محض الايمان محضا ، فأما ما سوى هذين الصنفين فإنه يلهى عنهم ، وكذلك روي
أنه لا يسأل في قبره إلا هذان الصنفان خاصة ، فعلى ما جاء به الاثر من ذلك يكون
الحكم ما ذكرناه ، فأما عذاب الكافر في قبره ونعيم المؤمنين فيه فإن الخبر أيضا قد ورد
بأن الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا في جنة من جناته ينعمه
فيها إلى يوم الساعة ، فإذا نفخ في الصور أنشأ جسده الذي بلي في التراب وتمزق ثم
أعاده إليه وحشره إلى الموقف ، وأمر به إلى جنة الخلد ، فلا يزال منعما ببقاء الله عزوجل
غير أن جسده الذي يعاد فيه لا يكون على تركيبه في الدنيا ، بل تعدل طباعه ، وتحسن
صورته ، فلا يهرم مع تعديل الطباع ، ولا يمسه نصب في الجنة ولا لغوب ، والكافر يجعل
[273]
في قالب كقالبه في الدنيا في محل عذاب يعاقب به ، ونار يعذب بها حتى الساعة ، ثم
انشئ جسده الذي فارقه في القبر ويعاد إليه ، ثم يعذب به في الآخرة عذاب الابد ،
ويركب أيضا جسده تركيبا لا يفنى معه ، وقد قال الله عزوجل اسمه : " النار يعرضون
عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " وقال في قصة
الشهداء : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "
فدل على أن العذاب والثواب يكونان قبل يوم القيامة وبعدها ، والخبر وارد بأنه
يكون مع فراق الروح الجسد من الدنيا ، والروح ههنا عبارة عن الفعال الجوهر
البسيط ، وليس بعبارة عن الحياة التي يصح معها العلم والقدرة لان هذه الحياة عرض
لا يبقى ولا يصح الاعادة فيه فهذا ما عول عليه بالنقل وجاء به الخبر على ما بيناه .
ثم سئل رحمه الله : ما قوله أدام الله تمكينه في معنى قول الله تعالى : " ولا تحسبن الذين
قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " أهم أحياء في الحقيقة على ما تقتضيه
الآية أم الآية مجاز ؟ وأن أجسادهم الآن في قبورهم أم في الجنة ؟ فإن المعتزلة من
أصحاب أبي هاشم يقولون : إن ا لله تعالى ينزع من جسد كل واحد منهم أجزاءا قدر
ما يتعلق به الروح ، وأنه تعالى يرزقهم على ما نطقت به الآية ، وما سوى هذا من أجزاء
أبدانهم فهي في قبورهم كأجساد سائر الموتى .
الجواب : هذا المحكي عن أصحاب أبي هاشم لان المحفوظ عنه الانسان المخاطب
المأمور المنهي هو البنية التي لا تصح الحياة إلا بها وما سوى ذلك من الجسد ليس
بإنسان ولا يتوجه إليه أمر ولا نهي ولا تكليف ، وإن كان القوم يزعمون أن تلك


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 273 سطر 19 إلى صفحه 281 سطر 18

البنية لا تفارق ما جاورها من الجسد فيعذب أو ينعم فهو مقال يستمر على أن البنية
التي ذكروها هو المكلف المأمور المنهي ، وباقي جسده في القبر ، إلا أنهم لم يذكروا
كيف يعذب من عذب ويثاب من اثيب ؟ أفي دار غير الدنيا أم فيها ؟ وهل يحيى بعد الموت
أو تفارق الجملة في الدنيا فلا يلحقه موت ؟ ثم لم يحك عنهم في أي محل يعذبون ويثابون ؟
وفيما قالوه من ذلك فليس به أثر ولا يدل عليه العقل ، وإنما هو يخرج منهم على الظن
والحساب ، ومن بنى مذهبه على الظن في مثل هذا الباب كان بمقالته مفتريا ، ثم الذي
[274]
يفسد قولهم من بعد مادل على أن الانسان المأمور المنهي هو الجوهر البسيط ، وأن
الاجزاء المؤلفة لا يصح أن تكون فعالة ، ودلائل ذلك يطول بإثباتها الكتاب ، وفيما
أومأنا إليه منها كفاية فيما تعلق به السؤال وبالله التوفيق .
وسئل عنه قدس الله روحه في المسائل العكبرية عن قول الله تعالى : " ولا تحسبن
الذين قتلوا في سبيل الله " الآية ، هل يكون الرزق لغير جسم ؟ وما صورة هذه الحياة ؟
فإنا مجمعون على أن الجواهر لا تبلى شيئا ، فما الفرق حينئذ في الحياة بين المؤمن
والكافر ؟ فأجاب رحمه الله بأن الرزق لا يكون عندنا إلا للحيوان ، والحيوان عندنا ليسوا
بأجسام بل ذوات اخرجوا في هذه الدار إلى الاجساد ، وتعذر عليهم كثير من الافعال
إلا بها ، فإن اغنوا عنها بعد الوفات جاز أن يرزقوا مع عدمها رزقا يحصل لهم به اللذات ،
وإن افتقروا إليها كان الرزق لهم حينئذ بحسبه في الدنيا على السواء ، فأما قوله :
ما صورة هذه الحياة ؟ فالحياة لا صورة لها لانها عرض من الاعراض وهي تقوم بالذات
الفعالة دون الاجساد التي تقوم بها حياة النمو دون الحياة التي هي شرط في العلم
والقدرة ونحوهما من الاعراض ، وقوله : إنا مجمعون على أن الجواهر لا تبلى شيئا
فليس ذلك كما ظن ، ولو كان كما توهم لم يمتنع أن توجد الحياة لبعض الجواهر وترفع
عن بعض ، كما توجد حياة النمو لبعض الاجساد وترفع من بعض بالاتفاق ، ولو قلنا :
إن الحياة بعد النقلة من هذه الدار تعم أهل الكفر والايمان لم يفسد ذلك علينا أصلا
في الدين ، فكانت الحياة لاهل الايمان شرطا في وصول اللذات إليهم ، والحياة لاهل
الكفر شرطا في وصول الآلام إليهم بالعقاب انتهى .
وقال شارح المقاصد : اتفق الاسلاميون على حقيقة سؤال منكر ونكير في
القبر وعذاب الكفار وبعض العصاة فيه ، ونسب خلافه إلى بعض المعتزلة ، قال بعض
المتأخرين منهم : حكي إنكار ذلك عن ضرار بن عمرو ، وإنما نسب إلى المعتزلة
- وهم برآء منه - لمخالطة ضرار إياهم ، وتبعه قوم من السفهاء من المعاندين للحق و
نحوه ، قال في المواقف : وقال المحقق الدواني في شرح العقائد العضدية : عذاب
القبر للمؤمن والفاسق والكافر حق لقوله تعالى : " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا "
[275]
الآية ، وقوله : " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " ولقوله صلى الله عليه واله : إن أحدكم
إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن الجنة ، وإن
كان من أهل النار فمن النار ، فيقال : هذا مقعدك حتى نبعثك يوم القيامة . وقوله
صلى الله عليه وآله : استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه . وقوله صلى الله عليه واله : القبر
إما روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران . ونقل العلامة التفتازاني عن السيد
أبي الشجاع أن الصبيان يسألون وكذا الانبياء عليهم السلام . وقيل : إن الانبياء لا يسألون لان
السؤال على ما ورد في الحديث عن ربه وعن دينه وعن نبيه ، ولا يعقل السؤال عن
النبي صلى الله عليه واله من نفس النبي ، وأنت خبير بأنه لا يدل على عدم السؤال مطلقا بل عدم
السؤال عن نبيه فقط ، وذلك أيضا في الذي لا يكون على ملة نبي آخر . واختلف
الناس في عذاب القبر فأنكره قوم بالكلية وأثبته آخرون ، ثم اختلف هؤلاء فمنهم من
أثبت التعذيب وأنكر الاحياء وهو خلاف العقل ، وبعضهم لم يثبت العذاب بالفعل بل
قال : تجتمع الآلام في جسده فإذا حشر أحس بها دفعة ، وهذا إنكار لعذاب القبر حقيقة ،
ومنهم من قال بإحيائه لكن من غير إعادة الروح ، ومنهم من قال بالاحياء وإعادة الروح
ولا يلزم أن يرى أثر الحياة فيه حتى أن المأكول في بطن الحيوانات يحيى ويسأل وينعم
ويعذب ولا ينبغي أن ينكر لان من أخفى النار في الشجر الاخضر قادر على إخفاء العذاب
والنعيم . قال الامام الغزالي في الاحياء :
اعلم أن لك ثلاث مقامات في التصديق بأمثال هذا :
أحدها - وهو الاظهر والاصح - أن تصدق بأن الحية مثلا موجودة تلدغ الميت
ولكنا لا نشاهد ذلك ، فإن ذلك العين لا يصلح لمشاهدة تلك الامور الملكوتية ، و
كل ما يتعلق بالآخرة فهو من عالم الملكوت ، أما ترى أن الصحابة كيف كانوا يؤمنون
بنزول جبرئيل عليه السلام ، وما كانوا يشاهدونه ، ويؤمنون أنه صلى الله عليه واله يشاهده ؟ فإن كنت
لا تؤمن بهذا ، فتصحيح الايمان بالملائكة والوحي عليك أوجب ، وإن آمنت به وجوزت
أن يشاهد النبي صلى الله عليه واله ما لا تشاهده الامة فيكف لا تجوز هذا في الميت ؟ .
المقام الثانى أن تتذكر أمر النائم فإنه يرى في نومه حية تلدغه وهو يتألم
[276]
بذلك حتى يرى في نومه يصيح ويعرق جبينه ، وقد ينزعج من مكانه ، كل ذلك يدرك
من نفسه ويتأذى به كما يتأذى اليقظان ، وأنت ترى ظاهره ساكنا ولا ترى في حواليه
حية ، والحية موجودة في حقه ، والعذاب حاصل ، ولكنه في حقك غير مشاهد ، و
إن كان العذاب ألم اللدغ فلا فرق بين حية تتخيل أو تشاهد .
المقام الثالث أن الحية بنفسها لا تؤلم بل الذي يلقاك منها هو السم ثم السم ليس
هو الالم ، بل عذابك في الاثر الذي يحصل فيك من السم ، فلو حصل مثل ذلك من غير سم
فكان ذلك العذاب قد توفر ، وقد لا يمكن تعريف ذلك النوع من العذاب إلا بأن يضاف
إلى السبب الذي يفضي إليه في العادة ، والصفات المهلكات تنقلب موذيات ومولمات في
النفس عند الموت فتكون آلامها كآلام لدغ الحيات من غير وجود الحيات .
فإن قلت : ما الصحيح من هذه المقامات الثلاثة ؟ فاعلم أن من الناس من لم
يثبت إلا الثالث ، وإنما الحق الذي انكشف لنا من طريق الاستبصار أن كل ذلك
في حيز الامكان ، وأن من ينكر بعض ذلك فهو لضيق حوصلته وجهله باتساع قدرة
الله وعجائب تدبيره منكر من أفعال الله تعالى ما لم يأنس به ولم يألفه ، وذلك جهل
وقصور ، بل هذه الطرق الثلاثة في التعذيب ممكن ، والتصديق بها واجب ، ورب عبد
يعاقب بنوع واحد من هذه الانواع الثلاثة ، هذا هو الحق فصدق به .
ثم قال : وسؤال منكر ونكير حق لقوله صلى الله عليه واله : إذا اقبر الميت أتاه ملكان
أسودان أزرقان يقال لاحدهما : منكر ، وللآخر : نكير ، يقولان : ما كنت تقول في
هذا الرجل ؟ فإن كان مؤمنا فيقول : هو عبدالله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، و
أشهد أن محمدا رسول الله ، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ، ثم يفسح في قبره
سبعين ذراعا في سبعين ذراعا ، ثم ينور له فيه ، ثم يقال له : نم ، فيقول : أرجع إلى
أهلي فأخبرهم ؟ فيقولان : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله ، حتى يبعثه
الله من مضجعة ذلك ، وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون فقلت مثله ، لا أدري !
فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك ، فيقال للارض : التئمي عليه ، فتلتئم عليه فتختلف
أضلاعه ، فلا يزال فيه معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك . وأنكر الجبائي وابنه و
[277]
البلخي تسمية الملكين منكرا ونكيرا ، وقالوا : إنما المنكر ما يصدر من الكافر عند
تلجلجه إذا سئل ، والنكير إنما هو تقريع الكافر ، وهو خلاف ظاهر الحديث ، والاحاديث
الصحيحة الدالة على عذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين أكثر من أن تحصر بحيث
يبلغ قدره المشترك حد التواتر وإن كان كل منها خبر الآحاد ، واتفق عليه السلف
الصالح قبل ظهور المخالف ، وأنكره مطلقا ضرار بن عمرو وأكثر متأخري المعتزلة ،
وبعض الروافض متمسكين بأن الميت جماد فلا يعذب ، وما سبق حجة عليهم ، ومن
تأمل عجائب الملك والملكوت وغرائب صنعه تعالى لم يستنكف عن قبول أمثال هذا ،
فإن للنفس نشآت ، وفي كل نشأة تشاهد صورا تقتضيها تلك النشأة ، فكما أنها تشاهد
في المنام امورا لم تكن تشاهد في اليقظة فكذا تشاهد في حال الانخلاع عن البدن امورا
لم تكن تشاهد في الحياة ، وإلى هذا يشير من قال : الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا .
انتهى كلامه .
ولايخفى على أحد أن ما نسبه هو وغيره إلى الشيعة في هذا الباب فرية بلا مرية ،
ولا يوجد من ذلك في كتبهم عين ولا أثر ، وقد سمعت بعض كلماتهم في ذلك ، ولعله رأى
ذلك في بعض كتب الملاحدة من الاسماعيلية وغيرهم الملصقين بهذه الفرقة المحقة فنسب
ذلك إليهم مجملا ، وهذا تدليس قبيح ولا سيما من الفضلاء .
ثم اعلم أنه روى العامة في كتبهم عن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه واله قال : إذا
مات أحدكم وسويتم عليه التراب فليقم أحدكم عند قبره ثم ليقل : يافلان بن فلانة
فإنه يسمع ولا يجيب ، ثم ليقل : يافلان بن فلانة - الثانية - فيستوي قاعدا ، ثم ليقل : يا
فلان بن فلانة ، فإنه يقول : أرشدنا رحمك الله ، فيقول : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا :
شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنك رضيت بالله ربا ، وبالاسلام
دينا ، وبمحمد نبيا ، وبالقرآن إماما ، فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما
فيقول : انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ؟ فقال : يارسول الله ، فإن لم يعرف
امه ؟ قال : فلينسبه إلى حواء .
وقال الشيخ البهائي قدس الله روحه : قد يتوهم أن القول بتعلق الارواح بعد
[278]
مفارقة أبدانها العنصرية بأشباح اخر كما دلت عليه الاحاديث قول بالتناسخ ، وهذا
توهم سخيف لان التناسخ الذي أطبق المسلمون على بطلانه هو تعلق الارواح بعد
خراب أجسادها بأجسام اخر في هذا العالم ، إما عنصرية كما يزعم بعضهم ويقسمه
إلى النسخ والمسخ والفسخ والرسخ ، أو فلكية ابتداءا أو بعد ترددها في الابدان العنصرية
على اختلاف آرائهم الواهية المفصلة في محلها ، وأما القول بتعلقها في عالم آخر بأبدان
مثالية مدة البرزخ إلى أن تقوم قيامتها الكبرى فتعود إلى أبدانها الاولية بإذن
مبدعها إما بجمع إجزائها المتشتتة أو بإيجادها من كتم العدم كما أنشأها أول مرة
فليس من التناسخ في شئ ، وإن سميته تناسخا فلا مشاحة في التسمية إذا اختلف المسمى ،
وليس إنكارنا على التناسخية وحكمنا بتكفيرهم بمجرد قولهم بانتقال الروح من بدن
إلى آخر ، فإن المعاد الجسماني كذلك عند كثير من أهل الاسلام ، بل بقولهم بقدم
النفوس وترددها في أجسام هذا العالم وإنكارهم المعاد الجسماني في النشأة الاخروية .
قال الفخر الرازي في نهاية العقول : إن المسلمين يقولون بحدوث الارواح و
ردها إلى الابدان لا في هذا العالم ، والتناسخية يقولون بقدمها وردها إليها في هذا
العالم ، وينكرون الآخرة والجنة والنار ، وإنما كفروا من أجل هذا الانكار انتهى
كلامه ملخصا . فقد ظهر البون البعيد بين القولين ، انتهى كلامه زاد الله في إكرامه .
ثم اعلم أن مقتضى قواعد العدلية وظواهر النصوص الماضية والآتية أنه إنما
يسأل في القبر المكلفون الكاملون لا الاطفال والمجانين والمستضعفون ، وأما الانبياء
والائمة عليهم السلام وإن كان المفهوم من فحوى عدم سؤال من لقن وأمثالهم وما مر أنه
يسأل وهو مضغوط على بعض محتملاته وغيره مما يدل على رفعة شأنهم عدم السؤال
عنهم ، لكن لما لم نر فيه نصا صريحا فالاولى عدم التعرض ليه نفيا وإثباتا ، ولذا لم
يتعرض له علماؤنا رضوان الله عليهم .
قال صاحب المحجة البيضاء في مذهب آل العباء : اختلف أهل السنة في أن الانبياء
عليهم السلام هل يسألون في القبر أم لا ؟ وكذا في الاطفال ، فقيل : الاصح أن الانبياء عليهم السلام
لا يسألون . وقال الصفار : ليس في هذا نص ولا خبر ولا دليل فانتفي ذلك عنهم ، وما
روي عنه صلى الله عليه واله من الاستعاذة عن عذاب القبر فذلك للمبالغة في إظهار الافتقار إلى الله
[279]
تعالى ، وقيل : هو تحكم محض لجواز أن يقال : آمن الرسول بما انزل إليه من ربه
فكما جاز أن يسأل المؤمن عما آمن به فيقال : من ربك وما دينك ؟ فكذا الرسول
يسأل عما آمن به ، فعلم أن حمل الاستعاذة على المبالغة تحكم بغير دليل ، ولان النبي
صلى الله عليه وآله صاحب عهدة عظيمة لانه إنما بعث لبيان الشرائع وصرف القلوب
إلى الله تعالى فلم لا يجوز أن يسأل عما كان في عهدته ؟ حتى قيل : وسؤالهما الانبياء
بهذه العبارة : على ماذا تركتم امتكم ؟ والحق أن الائمة كالانبياء صلوات الله عليهم
أجمعين في هذه الامور كلها ، ولم أر في كتب الامامية هذه المسألة لا نفيا ولا إثباتا ،
والذي يطمئن إليه قلبي أنهم مع الائمة سلام الله عليهم مستثنون من هذه الاحكام . انتهى .
وقال الصدوق رحمه الله في رسالة العقائد : اعتقادنا في المسألة في القبر أنها حق
لابد منها ، فمن أجاب بالصواب فإذا بروح وريحان في قبره وبجنة نعيم في الآخرة
ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره وتصليه جحيم في الآخرة ، وأكثر ما
يكون عذاب القبر من النميمة وسوء الخلق والاستخفاف بالبول ، وأشد ما يكون عذاب
القبر على المؤمن مثل اختلاج العين أو شرطة حجام ، ويكون ذلك كفارة لما بقي عليه
من الذنوب التي تكفرها الهموم والغموم والامراض وشدة النزف عند الموت ، فإن
رسول الله صلى الله عليه واله كفن فاطمة بنت أسد في قميصه بعدما فرغت النساء من غسلها ، وحمل
جنازتها على عاتقه حتى أوردها قبرها ، ثم وضعها ودخل القبر واضطجع فيه ثم قام فأخذها
على يديه ووضعها في قبرها ، ثم انكب عليها يناجيها طويلا ويقول لها : ابنك ابنك ، ثم
خرج وسوى عليها التراب ، ثم انكب على قبرها فسمعوه وهو يقول : اللهم إني أودعتها
إياك ، ثم انصرف ، فقال له المسلمون : يارسول الله إنا رأيناك صنعت اليوم شيئا لم
تصنعه قبل اليوم ، فقال : اليوم فقدت بر أبي طالب إنها كانت يكون عندها الشئ
فتؤثرني به على نفسها وولدها ، وإني ذكرت القيامة وأن الناس يحشرون عراة فقالت
واسوأتاه ! فضمنت لها أن يبعثها الله تعالى كاسية ، وذكرت ضغطة القبر فقالت : واضعفاه !
فضمنت لها أن يكفيها الله تعالى ذلك فكفنتها بقميصى واضطجعت في قبرها لذلك
وانكببت عليها فلقنتها ما تسأل عنه ، وإنما سئلت عن ربها فقالت : الله ، وسئلت عن
[280]
نبيها فأجابت ، وسئلت عن وليها وإمامها فارتج عليها ، فقلت لها : ابنك ابنك .
أقول : وقال الشيخ المفيد نور الله ضريحه في شرح هذا الكلام : جاءت الاخبار
الصحيحة عن النبي صلى الله عليه واله أن الملائكة تنزل على المقبورين فتسألهم عن أديانهم ، وألفاظ
الاخبار بذلك متقاربة ، فمنها أن ملكين لله تعالى يقال لهما : ناكر ونكير ينزلان
على الميت فيسألانه عن ربه ونبيه ودينه وإمامه فإن أجاب بالحق سلموه إلى ملائكة
النعيم ، وإن ارتج عليه سلموه إلى ملائكة العذاب ، وقيل في بعض الاخبار : إن اسمي
الملكين اللذين ينزلان على المؤمن مبشر وبشير ، وقيل : إنه إنما سمي ملكا الكافر
ناكرا ونكيرا لانه ينكر الحق ، وينكر ما يأتيانه به ويكرهه ، وسمي ملكا المؤمن
مبشرا وبشيرا لانهما يبشرانه من الله تعالى بالرضا والثواب المقيم ، وإن هذين
الاسمين ليسا بلقب لهما ، وإنهما عبارة عن فعلهما ، وهذه امور تتقارب بعضها من بعض
ولا تستحيل معانيها والله أعلم بحقيقة الامر فيها ، وقد قلنا فيما سلف : إنما ينزل
الملكان على من محض الايمان محضا ، أو محض الكفر محضا ، ومن سوى هذين فيلهى عنه ،
وبينا أن الخبر جاء بذلك فمن جهته قلنا فيه ما ذكرناه .
فصل : وليس ينزل الملكان إلا على حي ولا يسألان إلا من يفهم المسألة ويعرف
معناها ، وهذا يدل على أن الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمسألة ، ويديم حياته
بنعيم إن كان يستحقه ، أو بعذاب إن كان يستحقه ( 1 ) - نعوذ بالله من سخطه ونسأله التوفيق
لما يرضيه برحمته - والغرض من نزول الملكين ومسألتهما العبد أن الله يؤكل بالعبد
بعد موته ملائكة النعيم وملائكة العذاب ، وليس للملائكة طريق إلى ما يستحقه العبد
إلا بإعلام الله تعالى ذلك لهم ، فالملكان اللذان ينزلان على العبد أحدهما من ملائكة
النعيم ، والآخر من ملائكة العذاب ، فإذا هبطا لما وكلا به استفهما حال العبد بالمسألة
* ( هامش ) * ( 1 ) لعل المراد أن الانسان لا يبطل بعد الموت ولا ينعدم بالكلية بل له نوع من الحياة غير الحياة
الحسية التى يفقدها بالموت ، قال صلى الله عليه وآله : وإنما تنتقلون من دار إلى دار الحديث . وأما
الروايات الدالة على إدخال الروح فيه إلى حقويه في القبر فهى تمثيل للمسألة كما أن الروايات الدالة
على قولهما له : نم نومة العروس وإنا متهما له وغير ذلك تمثيل لمكثه في القبر في انتظار البعث . ط [ * ]
[281]
فإن أجاب بما يستحق به النعيم قام بذلك ملك النعيم وعرج عنه ملك العذاب ، وإن
ظهرت فيه علامة استحقاقه العذاب وكل به ملك العذاب وعرج عنه ملك النعيم ، وقد
قيل : إن الملائكة الموكلين بالنعيم والعقاب غير الملكين الموكلين بالمسألة ، وإنما يعرف
ملائكة النعيم وملائكة العقاب ما يستحقه العبد من جهة ملكي المسألة ، فإذا سائلا
العبد وظهر منه ما يستحق به الجزاء تولى منه ذلك ملائكة الجزاء ، وعرج ملكا المسألة
إلى مكانهما من السماء ، وهذا كله جائز ولسنا نقطع بأحد دون صاحبه ، إذ الاخبار
فيه متكافئة ، والعادة لنا في معنى ما ذكرناه التوقف والتجويز .
فصل : وإنما وكل الله تعالى ملائكة المسألة وملائكة العذاب والنعيم بالخلق تعبدا
لهم بذلك ، كما وكل الكتبة من الملائكة عليهم السلام بحفظ أعمال الخلق وكتبها ونسخها ورفعها
تعبدا لهم بذلك ، وكما تعبد طائفة من الملائكة بحفظ بني آدم وطائفة منهم بإهلاك الامم ،
وطائفة بحمل العرش ، وطائفة بالطواف حول البيت المعمور ، وطائفة بالتسبيح ، وطائفة
بالاستغفار للمؤمنين ، وطائفة بتنعيم أهل الجنة ، وطائفة بتعذيب أهل النار والتعبد لهم
بذلك ليثيبهم عليها ، ولم يتعبد الله الملائكة بذلك عبثا كما لم يتعبد البشر والجن
بما تعبدهم به لعبا بل تعبد الكل للجزاء ، وما تقتضيه الحكمة من تعريفهم نفسه تعالى
والتزامهم شكر النعمة عليهم ، وقد كان الله تعالى قادرا على أن يفعل العذاب بمستحقه
من غير واسطة وينعم المطيع من غير واسطة ، لكنه علق ذلك على الوسائط لما ذكرناه
وبينا وجه الحكمة فيه ووصفناه ، وطريق مسألة الملكين الاموات بعد خروجهم من
الدنيا بالوفات هو السمع ، وطريق العلم برد الحياة إليهم عند المسألة هو العقل ، إذ


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 281 سطر 19 إلى صفحه 289 سطر 18

لا تصح مسألة الاموات واستخبار الجمادات ، وإنما يحسن الكلام للحي العاقل لما
يكلم به ، وتقريره وإلزامه بما يقدر عليه ، مع أنه قد جاء في الخبر أن كل مسأل ترد
اليه الحياة عند مساءلتهم ليفهم ما يقال له ، فالخبر بذلك أكد ما في العقل ، ولو لم يرد
بذلك خبر لكفى حجة العقل فيه على ما بيناه . انتهى كلامه رحمه الله .
وأقول : لما كانت هذه المسألة من أعظم الاصول الاسلامية وقد أكثرت المتفلسفة
والملاحدة الشبه فيها ورام بعض من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه تأويلها وتحريفها
[282]
أطنبت الكلام فيها بعض الاطناب ، وأرجو من فضل ربي أن يوفقني لان أعمل في ذلك
رسالة مفردة عن هذا الكتاب ، والله الموفق لكل خير وصواب . وقد أثبتنا الاخبار
النافعة في هذا المقصد الاقصى في باب الاحتضار ، وباب الجريدتين ، وباب الدفن ، وباب
التلقين وغيرها من أبواب الجنائز ، وباب أحوال أولاد آدم ، وأبواب معجزات الائمة عليهم السلام
وغرائب أحوالهم ، وسيأتي خبر طويل في تكلم سلمان مع بعض الاموات في باب
أحواله رضي الله عنه ، وسيأتي في أكثر الابواب ما يناسب الباب لاسيما في باب فضل
فاطمة بنت أسد رضي الله عنها ، وباب فضل ليلة الجمعة ويومها ، وأبواب المواعظ ، و
أبواب فضائل الاعمال وغيرها مما تطول الاشارة إليها فكيف ذكرها .
( باب 9 آخر )
* ( في جنة الدنيا ونارها وهو من الباب الاول ) *
الايات ، مريم " 19 " جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده
مأتيا * لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا 61 - 62 .
الحج " 22 " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا
حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم 58 - 59 .
يس " 36 " إني آمنت بربكم فاسمعون * قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي
يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين 25 - 27 .
المؤمن " 40 " وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها غدوا
وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب 45 - 46 .
نوح " 71 " مما خطيئاتهم اغرقوا فادخلوا نارا 25 .
تفسير : " جنات عدن " أي جنات إقامة " التي وعد الرحمن عباده بالغيب " أي وعدها
إياهم وهي غائبة عنهم ، أو وهم غائبون عنها ، أو وعدهم بإيمانهم بالغيب " إنه كان
وعده " الذي هو الجنة " مأتيا " يأتيها أهلها الموعود لهم . وقيل : المفعول بمعنى الفاعل
أي آتيا " لا يسمعون فيها لغوا " أي فضول كلام " إلا سلاما " أي ولكن يسمعون قولا يسلمون
[283]
فيه من العيب والنقيصة ، أو إلا تسليم الملائكة عليهم ، أو تسليم بعضهم على بعض على
الاستثناء المنقطع .
" ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا " قال الطبرسي رحمه الله : قال المفسرون :
ليس في الجنة شمس ولا قمر فيكون لهم بكرة وعشي ، والمراد : أنهم يؤتون رزقهم
على ما يعرفونه من مقدار الغداة والعشي ، وقيل : كانت العرب إذا أ صاب أحدهم الغداء
والعشاء أعجب به وكانت تكره الاكلة الواحدة في اليوم فأخبر الله تعالى أن لهم في الجنة
رزقهم بكرة وعشيا على قدر ذلك الوقت ، وليس ثم ليل وإنما هو ضوء ونور . وقيل :
إنهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وفتح الابواب انتهى .
أقول : سيأتي نقلا من تفسير علي بن إبراهيم أن هذا في جنة الدنيا ، فلا يحتاج
إلى هذه التكلفات . ( 1 )
قوله تعالى : " ليرزقنهم الله رزقا حسنا " قيل : هذا في جنة الدنيا كقوله تعالى
في الآية الاخرى : " بل أحياء عند ربهم يرزقون " وقال الطبرسي في قصة مؤمن آل
يس عند قوله تعالى : " إني آمنت بربكم فاسمعون " : عن ابن مسعود قال : إن قومه لما
سمعوا ذلك القول منه وطؤه بأرجلهم حتى مات فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزق
وهو قوله : " قيل ادخل الجنة " وقيل : رجموه حتى قتلوه ، وقيل : إن القوم لما أرادوا أن
يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنة ولا يموت إلا بنفاء الدنيا وهلاك الجنة عن الحسن
ومجاهد ، وقالا : إن الجنة التي دخلها يجوز هلاكها ، وقيل : إنهم قتلوه إلا أن الله
سبحانه أحياه وأدخله الجنة فلما دخلها قال : " ياليت قومي يعلمون " الآية . وفي هذا
دلالة على نعيم القبر لانه إنما قال ذلك وقومه أحياء ، وإذا جاز نعيم القبر جاز عذاب
القبر فإن الخلاف فيهما واحد .
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " وحاق بآل فرعون " : أي أحاط ونزل بهم " سوء العذاب "
أي مكروهه وما يسوء منه ، وسوء العذاب في الدنيا الغرق وفي الآخرة النار ، وذلك
قوله : " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا " أي يعرض آل فرعون على النار في قبورهم
* ( هامش ) * ( 1 ) انظر ما يأتى تحت رقم 4 . [ * ]
[284]
صباحا ومساءا فيعذبون ، وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه واله قال : إن أحدكم
إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة من الجنة ، وإن
كان من أهل النار فمن النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ، أورده
البخاري ومسلم في الصحيحين . وقال أبوعبدالله عليه السلام : ( 1 ) ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة
لان نار القيامة لا تكون غدوا وعشيا ، ثم قال : إن كانوا إنما يعذبون غدوا وعشيا
ففيما بين ذلك هم من السعداء ولكن هذا في نار البرزخ قبل يوم القيامة ، ألم تسمع
قوله عزوجل : " ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " .
وقال البيضاوي : " مما خطيئاتهم " أي من أجل خطيئاتهم ، و " ما " مزيدة للتأكيد
والتفخيم " اغرقوا " بالطوفان " فادخلوا " نارا ، المراد عذاب القبر أو عذاب الآخرة
والتعقيب لعدم الاعتداد بما بين الاغراق والادخال ، أو لان المسبب كالمتعقب للسبب
وإن تراخى عنه لفقد شرط أو وجود مانع .
1 - ل : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن ابن حميد ، عن ابن قيس ،
عن أبي جعفر عليه السلام قال : سأل الشامي الذي بعثه معاوية ليسأل عما بعث إليه ابن الاصفر
الحسين بن علي عليه السلام عن العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فقال : هي عين يقال لها :
سلمى . الخبر " ج 2 ص 56 - 57 "
ج : مرسلا مثله . ( 2 ) " ص 144 "
2 - ع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن هاشم ، عن عثمان ، عن الحسين بن
بشار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن جنة آدم فقال : جنة من جنان الدنيا تطلع
فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها أبدا .
كا : علي ، عن أبيه ، عن البزنطي ، عن الحسين بن ميسر ، عنه عليه السلام مثله .
" ف ج 1 ص 68 "
* ( هامش ) * ( 1 ) راجع الحديث تحت رقم 6 .
( 2 ) عبارة الكتابين هكذا : عين يقال لها : برهوت ، واما العين التى تأوى اليها ارواح
المؤمنين فهى عين يقال لها : سلمى . م [ * ]
[285]
3 - فس : أبي رفعه قال : سئل الصادق عليه السلام عن جنة آدم أمن جنان ( 1 ) الدنيا
كانت أم من جنان الآخرة ؟ فقال : كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ،
ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا ( 2 ) الخبر . " ص 35 - 36 "
4 - فس : " ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا " قال : ذلك في جنات الدنيا قبل
القيامة ، والدليل على ذلك قوله : " بكرة وعشيا " فالبكرة والعشي لا تكونان في
الآخرة في جنان الخلد ، ( 3 ) وإنما يكون الغدو والعشي في جنان الدنيا التي تنقل
إليها أرواح المؤمنين ، ( 4 ) وتطلع فيها الشمس والقمر . " ص 412 "
5 - فس : " وما نؤخره إلا لاجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم
شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت
السموات والارض " فهذا هو في نار الدنيا قبل القيامة ، ( 5 ) وأما الذين
سعدوا ففي الجنة خالدين فيها " يعني في جنان الدنيا التي تنقل إليها أرواح المؤمنين
" ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ " يعني غير مقطوع من
نعيم الآخرة في الجنة يكون متصلا به . " ص 314 "
6 - فس : " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا " قال : ذلك في الدنيا قبل القيامة
وذلك أن في القيامة لا يكون غدوا ولا عشيا ، ( 6 ) لان الغدو والعشاء إنما يكون في
الشمس والقمر وليس في جنان الخلد ونيرانها شمس ولا قمر ، قال : وقال رجل لابي
عبدالله عليه السلام : ما تقول في قول الله عزوجل : " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا " ؟ فقال
أبوعبدالله عليه السلام : مايقول الناس فيها ؟ فقال : يقولون : إنها في نار الخلد وهم لا يعذبون
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : جنات . وكذا في الفقرتين الاخيرتين . م
( 2 ) في المصدر : ما اخرج منها ابدا . م
( 3 ) في المصدر : جنات . وكذا في الفقرة الاخرى . م
( 4 ) في المصدر : تنتقل ارواح المؤمنين اليها . م
( 5 ) في المصدر بعد ذلك : ما دامت السماوات والارض واما قوله اه . م
( 6 ) في المصدر : غدو ولا عشى . م [ * ]
[286]
فيما بين ذلك ، فقال عليه السلام : فهم من السعداء ، ( 1 ) فقيل له : جعلت فداك فكيف هذا ؟
فقال : إنما هذا في الدنيا فأما في نار الخلد ( 2 ) فهو قوله : " ويوم تقوم الساعة أدخلوا
آل فرعون أشد العذاب " . " ص 586 "
7 - فس : أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن ضريس ( 3 ) الكناسي
عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ما حال الموحدين المقرين بنبوة
محمد صلى الله عليه واله من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم ؟
فقال : أما هؤلاء فإنهم في حفرهم لا يخرجون منها فمن كان له عمل صالح ولم يظهر
منه عداوة فإنه يخد له خدا إلى الجنة التي خلقها الله بالمغرب ، فيدخل عليه الروح
في حفرته إلى يوم القيامة حتى يلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته ، فإما إلى الجنة وإما
إلى النار فهؤلاء الموقوفون لامر الله ، قال : وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والاطفال
وأولاد المسلمين الذين لم يبلغ الحلم ، وأما النصاب من أهل القبلة فإنه يخد لهم خدا
إلى النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل عليهم اللهب ( 4 ) والشرر والدخان و
فورة ( 5 ) الحميم إلى يوم القيامة ، ثم بعد ذلك مصيرهم إلى الجحيم . " ص 588 "
8 - فس : الحسين بن عبدالله السكيني عن أبي سعيد البجلي ، ( 6 ) عن
عبدالملك بن هارون ، عن أبي عبدالله عليه السلام عن آبائه صلوات الله عليهم قال : كان فيما
سأل ملك الروم الحسن بن علي عليهما السلام أن سأله عن أرواح المؤمنين أين يكونون إذا
ماتوا ؟ قال : تجتمع عند صخرة بيت المقدس في ليلة الجمعة ، وهو عرش الله الادنى
* ( هامش ) * ( 1 )
في المصدر بعد ذلك : فهم سعداء ، بحذف قوله : فقال عليه السلام . م
( 2 ) في المصدر : في الخلد . م
( 3 ) وزان زبير .
( 4 ) في المصدر : عليهم منها اللهب . م
( 5 ) الظاهر : وفورة الجحيم . والفورة من الحر : حدته .
( 6 ) كنية ثابت البجلى الكوفى المذكور في رجال الشيخ في باب أصحاب الصادق عليه السلام
ولكن لم ينص هو ولا غيره على توثيقه . [ * ]
[287]
منها يبسط الله الارض وإليها يطويها وإليه المحشر ومنها استوى ربنا إلى السماء ( 1 )
والملائكة ، ثم سأل عن أرواح الكفار أين تجتمع ؟ قال : تجتمع في وادي حضرموت
وراء مدينة اليمن . " ص 588 "
9 - ختص ، ير : الحسن بن أحمد ، عن سلمة ، عن الحسن بن علي بن بقاح ( 2 ) عن
ابن جبلة ، عن عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الحوض فقال لي : حوض ما
بين بصرى إلى صنعاء أتحب أن تراه ؟ قلت : نعم جعلت فداك ، قال : فأخذ بيدي وأخرجني
إلى ظهر المدينة ثم ضرب رجله فنظرت إلى نهر يجري لا تدرك حافيته إلا الموضع الذي أنا فيه
قائم ، فإنه شبيه بالجزيرة فكنت أنا وهو وقوفا فنظرت إلى نهر يجري من جانبه هذا
ماء أبيض من الثلج ، ومن جانبه هذا لبن أبيض من الثلج ، وفي وسطه خمر أحسن من
الياقوت ، فما رأيت شيئا أحسن من تلك الخمر بين اللبن والماء ، فقلت له : جعلت
فداك من أين يخرج هذا ؟ ومن أين مجراه ؟ فقال : هذه العيون التي ذكرها الله في
كتابه أنهار في الجنة ، عين من ماء ، وعين من لبن ، وعين من خمر تجري في هذا النهر ،
ورأيت حافيته عليهما شجر ( 3 ) فيهن حور متعلقات برؤوسهن شعر ما رأيت شيئا أحسن منهن
وبأيديهن آنية مارأيت آنية أحسن منها ليست من آنية الدنيا ، فدنا من إحديهن
فأومأ إليها بيده لتسقيه فنظرت إليها وقد مالت لتغرف من النهر فمال الشجر معها
فاغترفت ثم ناولته فشرب ثم ناولها وأومأ إليها فمالت لتغرف فمالت الشجرة معها
فاغترفت ثم ناولته فناولني فشربت فما رأيت شرابا كان ألين منه ولا ألذ منه ، وكانت
رائحته رائحة المسك ، فنظرت في الكأس فإذا فيه ثلاثة ألوان من الشراب ، فقلت له :
جعلت فداك ما رأيت كاليوم قط ، ولا كنت أرى أن الامر هكذا ، فقال لي : هذا أقل
ما أعده الله لشيعتنا ، إن المؤمن إذا توفى صارت روحه إلى هذا النهر ورعت في رياضه
وشربت من شرابه ، وإن عدونا إذا توفى صارت روحه إلى وادي برهوت فاخلدت
في عذابه ، واطعمت من زقومه ، واسقيت من حميمه ، فاستعيذوا بالله من ذلك الوادي .
" ير ص 129 - 130 "
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر بعد ذلك : أى استولى إلى السماء والملائكة اه . م
( 2 ) بفتح الباء وتشديد القاف .
( 3 ) في نسخة : ورأيت حافاته عليها شجر . [ * ]
[288]
10 - مل : محمد الحميري ، عن أبيه ، عن علي بن محمد بن سليمان ، عن محمد بن خالد ،
عن عبدالله بن حماد ، عن عبدالله الاصم ، عن عبدالله بن بكر الارجاني قال : صحبت
أبا عبدالله عليه السلام في طريق مكة من المدينة فنزلنا منزلا يقال له : عسفان ثم مررنا بجبل أسود
عن يسار الطريق موحش ، فقلت له : يابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل ! ما رأيت في
الطريق مثل هذا ، فقال لي : يابن بكر تدري أي جبل هذا ؟ قلت : لا ، قال : هذا جبل
يقال له : الكمد وهو على واد من أودية جهنم ، وفيه قتلة أبي : الحسين عليه السلام ، استودعهم
فيه ، تجري من تحتهم مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم ، وما يخرج من
جب الحوي ، ( 1 ) وما يخرج من الفلق من آثام ، ( 2 ) وما يخرج من طينة الخبال ، وما يخرج
من جهنم ، وما يخرج من لظى من الحطمة ، وما يخرج من سقر ، وما يخرج من الجحيم ،
وما يخرج من الهاوية ، وما يخرج من السعير - وفي نسخة اخرى : وما يخرج من جهنم ،
وما يخرج من لظى ومن الحطمة ، وما يخرج من سقر ، وما يخرج من الحميم - وما مررت
بهذا الجبل في سفري فوقفت به إلا رأيتهما يستغيثان إلى ، وإني لانظر إلى قتلة أبي فأقول
لهما : هؤلاء إنما فعلوا ما أسستما لم ترحمونا إذ وليتم ، وقتلتمونا وحرمتمونا ، ووثبتم
على حقنا ، واستبددتم بالامر دوننا ، فلا رحم الله من يرحمكما ، ذوقا وبال ما قدمتما ،
وما الله بظلام للعبيد ، فقلت له : جعلت فداك أين منتهى هذا الجبل ؟ قال : إلى الارض
السادسة وفيها جهنم على واد من أوديته ، عليه حفظته أكثر من نجوم السماء وقطر المطر
وعدد ما في البحار وعدد الثرى ، قدو كل كل ملك منهم بشئ وهو مقيم عليه لا يفارقه .
بين : تمامه في باب غرائب أحوال الائمة عليهم السلام . وجب الحوى لعله تصحيف
جب الحزن لما روي أن النبي صلى الله عليه واله قال : تعوذوا بالله من جب الحزن ، وهو اسم جب
في جهنم .
11 - كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد بإسناد له قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام :
* ( هامش ) * ( 1 ) في كامل الزيارة المطبوع : من جب الجوى ، أى المتغير المنتن .
( 2 ) في هامش الكامل المطبوع ، وفى رواية شيخنا المفيد : وما يخرج من آثام . [ * ]
[289]
شر بئر في النار برهوت ( 1 ) الذي فيه أرواح الكفار . " ف ج 1 ص 67 "
12 - كا : العدة عن سهل وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن جعفر بن محمد
الاشعري ، عن القداح ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين صلوات
الله عليه : شر ماء على وجه الارض ماء برهوت ، وهو الذي بحضرموت يرده هام
الكفار " ف ج 1 ص 76 "
13 - كا : علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : شر اليهود يهود بيسان ، ( 2 ) وشر النصارى نصارى نجران ، ( 3 )
وخير ماء على وجه الارض ماء زمزم ، وشر ماء على وجه الارض ماء برهوت ، وهو واد
بحضرموت ترد عليه هام الكفار وصداهم . " ف ج 1 ص 76 "
بيان : قال الجزري : فيه : لا عدوى ولا هامة ، الهامة : الرأس ، واسم طائر ، وهو
المراد في الحديث ، وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها ، وهي من طير الليل ، وقيل : هي
البومة ، وقيل : إن العرب كانت تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثاره تصير هامة فتقول :
اسقوني اسقوني ، فإذا أدرك بثاره طارت ، وقيل : كانوا يزعمون أن عظام الميت - وقيل :
روحه - تصير هامة فتطير ويسمونه الصدر فنفاه الاسلام ونهاهم عنه انتهى . والمراد بالهام
والصدى في الخبر أرواح الكفار ، وإنما عبر عنها بهما لانهم كانوا هكذا يعبرون
عنها ، وإن كان ما زعموه في ذلك باطلا .
14 - كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، وسهل بن زياد ، وعلي بن إبراهيم ، عن
أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ضريس الكناسي قال : سألت أبا جعفر


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 289 سطر 19 إلى صفحه 297 سطر 18

* ( هامش ) * ( 1 ) في النهاية : في حديث على عليه السلام شر بئر في الارض برهوت . هو بفتح الباء والراء
بئر عميقة بحضر موت لا يستطاع النزول إلى قعرها ، ويقال : برهوت بضم الباء وسكون الراء ،
وتكون تاؤها على الاول زائدة ، وعلى الثانى أصلية انتهى . وفى القاموس : برهوت كحلزون :
واد أو بئر بحضر موت . أخرجه الهروى عن على عليه السلام ، وأخرجه الطبرانى في المعجم عن ابن
عباس عن النبى صلى الله عليه واله .
( 2 ) في القاموس : بيسان : بلدة بالشام .
( 3 ) في النهاية : نجران : موضع معروف بين الحجاز والشام واليمن . [ * ]
[290]
عليه السلام أن الناس يذكرون أن فراتنا ( 1 ) يخرج من الجنة ، فكيف هو وهو يقبل من
المغرب وتصب فيه العيون والاودية ؟ قال : فقال أبوجعفر عليه السلام - وأنا أسمع - : إن لله جنة
خلقها الله في المغرب وماء فراتكم هذه يخرج منها ، ( 2 ) وإليها تخرج أرواح المؤمنين من
حفرهم عند كل مساء ، فتسقط على ثمارها وتأكل منها وتتنعم فيها وتتلاقى وتتعارف ،
فإذا طلع الفجر هاجت من الجنة فكانت في الهواء فيما بين السماء والارض تطير ذاهبة
وجائية وتعهد حفرها إذا طلعت الشمس وتتلاقى في الهواء وتتعارف ، قال : وإن لله نارا
في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفار ، ويأكلون من زقومها ، ويشربون من حميمها
ليلهم ، فإذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن يقال له : برهوت أشد حرا من نيران
الدنيا كانوا فيه يتلاقون ويتعارفون ، فإذا كان المساء عادوا إلى النار فهم كذلك إلى
يوم القيامة ، قال : قلت : أصلحك الله ما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد صلى الله عليه واله من
المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم ؟ فقال : أما هؤلاء
فإنهم في حفرهم لا يخرجون منها ، فمن كان منهم له عمل صالح ولم تظهر منه عداوة
فإنه يخد له خدا إلى الجنة التي خلقها الله في المغرب فيدخل عليه منها الروح في
حفرته إلى يوم القيامة ، فيلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته ، فإما إلى الجنة ، إو
إلى نار ، فهؤلاء موقوفون لامر الله ، قال : وكذلك يفعل الله بالمستضعفين والبله والاطفال
وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم ، فأما النصاب من أهل القبلة فإنهم يخد لهم
خد إلى النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل عليهم منها اللهب والشرر والدخان
وفورة الحميم إلى يوم القيامة ، ثم مصيرهم إلى الحميم ثم في النار يسجرون ثم قيل
* ( هامش ) * ( 1 ) الفرات نهر عظيم مبدء نبعه في أرمينية إحدى الممالك الجمهورية في روسيا ، ثم يجرى في
جبال طوروس من تركيا ، ثم يجتاز السورية والعراق ، ثم يتحد بدجلة فيكون منهما شط العرب
فينصب في بحر العمان ، وللتوراة الموجودة عناية في شأن هذا النهر وتبريكه وتقديسه وانها من انهار
الجنة ، وهذا مما يؤكد احتمال الدس في هذه الرواية وما يقرب منها مضمونا ، ولو كان صحيحة
مقبولة كان المراد بكون جنة الدنيا في ارمينية مثال كون نار الدنيا في برهوت ، والجنة والنار في
حفرة القبر كناية عن نحو من التعلق بها . ط
( 2 ) في المصدر : وماء فراتكم يخرج منها . م [ * ]
[291]
لهم : أين ما كنتم تدعون من دون الله ؟ أين إمامكم الذي اتخدتموه دون الامام الذي
جعله الله للناس إماما . " ف ج 1 ص 68 " 15 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن بعض
أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن من وراء اليمن واديا يقال له : وادي برهوت ،
ولا يجاور ذلك الوادي إلا الحيات السود والبوم من الطير ، في ذلك الوادي بئر يقال لها :
بلهوت يغدى ويراح إليها بأرواح المشركين يسقون من ماء الصديد .
16 - فس : أبي ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر
عليه السلام قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه واله فقال : يارسول الله رأيت أمرا عظيما ،
فقال : وما رأيت ؟ قال : كان لي مريض ونعت له من ماء بئر الاحقاف يستشفى به في
برهوت ، ( 1 ) قال : فتهيأت ومعي قربة وقدح لآخذ ( 2 ) من مائها وأصب في القربة
إذا شئ قد هبط من جو السماء كهيئة السلسلة وهويقول : ياهذا اسقني ، الساعة
أموت ، فرفعت رأسي ورفعت إليه القدح لاسقيه فإذا رجل في عنقه سلسلة فلما
ذهبت اناوله القدح اجتذب حتى علق بالشمس ، ثم أقبلت على الماء أغترف إذ
أقبل الثانية وهو يقول : العطش العطش ياهذا اسقني الساعة أموت ، فرفعت القدح
لاسقيه فاجتذب حتى علق بعين الشمس ( 3 ) حتى فعل ذلك الثالثة ، وشددت قربتي ولم أسقه
فقال رسول الله صلى الله عليه واله : ذاك قابيل بن آدم قتل أخاه ، وهو قوله عزوجل : " والذين يدعون
من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما
دعاء الكافرين إلا في ضلال " . ( 2 ) " ص 238 "
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : نستسقى في برهوت . م
( 2 ) في المصدر : قال : فانتهيت ومعى قربة لاخذ اه . م
( 3 ) في المصدر : علق بالشمس . م
( 4 ) يشكل الخبر بأن ما ذكر فيه من القصة اولا لا ينطبق على ما ذكر من الاية أخيرا ، على أن
أخبار تعذيب قابيل في عين الشمس ومنها هذا الخبر موضوعة وسنبين ذلك إن شاء الله فيما سيجئ
من قصة هابيل وقابيل من كتاب قصص الانبياء . ط [ * ]
[292]
بيان : سيأتي أمثال هذا الخبر بطرق متعددة في أبواب أحوال الائمة عليهم السلام ،
وباب أحوال أولاد آدم عليه السلام وغيرها .
17 - ير : محمد بن الحسين ، عن البزنطي ، عن عبدالكريم ، عن محمد بن مسلم ،
عن أبي جعفر عليه السلام قال : جاء أعرابي إلى أبي جعفر عليه السلام فقال : من أين جئت ياأعرابي
قال : من الاحقاف أحقاف عاد ، قال : رأيت واديا مظلما فيه الهام والبوم لا يبصر قعره
قال : وتدري ما ذاك الوادي ؟ قال : لا والله ما أدري ، قال : ذاك برهوت فيه نسمة ( 1 )
كل كافر . ( 2 ) " ص 148 "
18 - كتاب زيد النرسي : عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : إذا كان يوم
الجمعة ويوما العيدين أمر الله رضوان خازن الجنان أن ينادي في أرواح المؤمنين وهم
في عرصات الجنان : إن الله قد أذن لكم الجمعة بالزيارة إلى أهاليكم وأحبائكم من أهل
الدنيا ، ثم يأمر الله رضوان أن يأتي لكل روح بناقة من نوق الجنة عليها قبة من
زبرجد خضراء غشاؤها من ياقوتة رطبة صفراء ، على النوق جلال وبراقع من سندس
الجنان وإستبرقها ، فيركبون تلك النوق ، عليهم حلل الجنة ، متوجون بتيجان الدر
الرطب تضئ كما تضئ الكواكب الدرية في جو السماء من قرب الناظر إليها لا من البعد ،
فيجتمعون في العرصة ، ثم يأمر الله جبرئيل من أهل السماوات أن تستقبلوهم فتستقبلهم
ملائكة كل سماء وتشيعهم ملائكة كل سماء إلى السماء الاخرى فينزلون بوادي السلام
وهو واد بظهر الكوفة ، ثم يتفرقون في البلدان والامصار حتى يزوروا أهاليهم الذين كانوا
معهم في دار الدنيا ، ومعهم ملائكة تصرفون وجوههم عما يكرهون النظر إليه إلى ما
يحبون ، ( 3 ) ويزورون حفر الابدان حتى ما إذا صلى الناس وراح أهل الدنيا إلى
منازلهم من مصلاهم نادى فيهم جبرئيل بالرحيل إلى غرفات الجنان فيرحلون ، قال :
فبكى رجل في المجلس فقال : جعلت فداك هذا للمؤمن فما حال الكافر ؟ فقال أبو
* ( هامش ) * ( 1 ) النسمة : الروح .
( 2 ) اسقط رحمه الله صدر الخبر وذيله . م
( 3 ) في كتاب زيد النرسى المطبوع : فيصرفرن وجوههم عما يكرهون النظر إليه إلى ما يحبون . [ * ]
[293]
عبدالله عليه السلام : أبدان ملعونة تحت الثرى في بقاع النار ، وأرواح خبيثة مسكونة
بوادي برهوت من بئر الكبريت في مركبات الخبيثات الملعونات ، يؤدي ذلك الفزع و
الاهوال إلى الابدان الملعونة الخبيثة تحت الثرى في بقاع النار ، فهي بمنزلة النائم إذا
رأى الاهوال ، فلا تزال تلك الابدان فزعة زعرة ، وتلك الارواح معذبة بأنواع العذاب
في أنواع المركبات المسخوطات الملعونات المصفوفات ( 1 ) مسجونات فيها لا ترى روحا
ولا راحة إلى مبعث قائمنا ، فيحشرها الله من تلك المركبات فترد في الابدان ، وذلك
عند النشرات ( 2 ) فتضرب أعناقهم ، ثم تصير إلى النار أبد الآبدين ودهر الداهرين .
بيان : ظاهره كون أرواح السعداء في عالم البرزخ في الجنة التي في السماء ،
ويمكن تخصيصها ببعض المقربين ، والمراد بالمركبات الخبيثات الاجساد المثالية
المناسبة لارواحهم الملعونة ، ويدل على أن للاجساد الاصلية أيضا حظا من
العذاب .
( باب 10 )
* ( ما يلحق الرجل بعد موته من الاجر ) *
1 - ل : أبي ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، ابن رئاب ،
عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ليس يتبع الرجل بعد موته من الاجر إلا ثلاث
خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجرى بعد موته إلى يوم القيامة ، صدقة موقوفة لا
تورث ، أو سنة هدى سنها وكان يعمل بها وعمل بها من بعده غيره ، أو ولد صالح
يستغفر له . " ج 1 ص 73 "
2 - ل : أبي ، عن سعد ، عن اليقطيني ، عن محمد بن شعيب ، عن الهيثم ، عن أبي
كهمش ، ( 3 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ست خصال ينتفع بها المؤمن من بعد موته : ولد
* ( هامش ) * ( 1 ) في كتاب زيد النرسى المطبوع : المصفدات .
( 2 ) في كتاب زيد النرسى المطبوع : النشرات ( النبشات خ ل ) .
( 3 ) هكذا في النسخ ولكن الصحيح الهيثم أبى كهمس . [ * ]
[294]
صالح يستغفر له ، ومصحف يقرأ فيه ، وقليب ( 1 ) يحفره ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء
يجريه ، وسنة حسنة يؤخذ بها بعده . " ج 1 ص 157 "
3 - ما : المفيد ، عن أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ،
عن يونس ، عن السري بن عيسى ، عن عبدالخالق بن عبد ربه قال : قال أبوعبدالله عليه السلام :
خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاثة : ولد بار يستغفر له ، وسنة خير يقتدى به فيها ، و
صدقة تجري من بعده .
4 - لى : محمد بن على ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن منصور ، عن
هشام بن سالم ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال : ليس يتبع الرجل بعد موته من
الاجر إلا ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته ، وسنة هدى
سنها فهي تعمل بها بعد موته ، وولد صالح يستغفر له . " ص 22 "
5 - سن : أبي ، عن أبان بن عثمان ؟ عن معاوية بن عمار قال : قلت لابي عبدالله
عليه السلام : أي شئ يلحق الرجل بعد موته ؟ قال : يلحقه الحج عنه ، والصدقة عنه ،
والصوم عنه . " 72 "
* ( هامش ) * ( 1 ) القليب : البئر . [ * ]
[295]
( أبواب المعاد )
* ( وما يتبعه ويتعلق به ) *
( باب 1 )
* ( أشراط الساعة ، وقصة يأجوج ومأجوج ) *
الايات ، الانعام " 6 " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي
بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من
قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون 158 .
الكهف " 18 " حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون
يفقهون قولا * قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض فهل نجعل
لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( 1 ) * قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني
بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ( 2 ) * آتوني زبر ( 3 ) الحديد حتى إذا ساوى بين
الصدفين ( 4 ) قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني افرغ عليه قطرا ( 5 ) * فما
اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا * قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي
* ( هامش ) * ( 1 ) السد بالفتح والضم بمعنى واحد وهو الحاجز بين الشيئين ، وقيل : السد بالضم ما كان خلقة
وبالفتح ما كان صنعة .
( 2 ) الردم : سد الثلمة بالحجر ، ويستعمل في الحاجز الحصين ، وهو اكبر من السد .
( 3 ) الزبر : قطع عظيمة من الحديد ، مفردها زبرة ،
( 4 ) الصدفين . جانبى جبلين متقابلين ، اى ما بين الناحيتين من الجبلين ، مفردها صدف ، وهو
منقطع الجبل او ناحيته .
( 5 ) القطر : النحاس المذاب . [ * ]
[296]
جعله دكاء ( 1 ) وكان وعد ربي حقا * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في
الصور فجمعناهم جمعا 93 - 99 .
الانبياء " 21 " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون *
واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا في غفلة من
هذا بل كنا ظالمين 96 - 97 " وقال " : وإن أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون 109 .
النمل " 27 " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم أن
الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون 82 .
الزخرف " 43 " وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم 61 .
الدخان " 44 " يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم *
ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون * أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين *
ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون * إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون * يوم
نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون 11 - 16 .
محمد " 47 " فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها ( 2 ) فأنى
لهم إذا جاءتهم ذكريهم 18 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " هل ينظرون " أي ما ينتظر هؤلاء الكفار " إلا أن
تأتيهم الملائكة " لقبض أرواحهم ، وقيل : لانزال العذاب والخسف بهم ، وقيل : لعذاب
القبر " أو يأتي ربك " أي أمر ربك بالعذاب فحذف المضاف ، أو يأتي ربك بجلائل آياته
فيكون حذف الجار فوصل الفصل ثم حذف المفعول لدلالة الكلام عليه لقيام الدليل في
العقل عليه ، أو المعنى : أو يأتي إهلاك ربك إياهم بعذاب عاجل أو آجل بالقيامة كما يقال :
قد أتاهم فلان أي قد أوقع بهم " أو يأتي بعض آيات ربك " وذلك نحو خروج الدابة
أو طلوع الشمس من مغربها .
وروي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : بادروا بالاعمال ستا : طلوع الشمس من
* ( هامش ) * ( 1 ) اى مدكوكا ، مستويا ، مبسوطا .
( 2 ) اى علاماتها . [ * ]
[297]
مغربها ، والدابة ، والدجال ، والدخان ، وخريصة أحدكم - أي موته - وأمر العامة
يعني القيامة " يوم يأتي بعض آيات ربك " الذي يضطرهم إلى المعرفة ويزول التكليف
عندها " لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل " لانه ينسد باب التوبة بظهور آيات
القيامة . " أو كسبت في إيمانها خيرا " عطف على قوله : آمنت ، وفيه أقوال :
أحدها : أنه إنما قال ذلك على جهة التغليب لان أكثر من ينتفع بإيمانه حينئذ
من كسب في إيمانه خيرا .
وثانيها : أنه لا ينفع أحدا فعل الايمان ولا فعل خير في تلك الحال لانه حال زوال
التكليف ، فالمعنى أنه لا ينفعه إيمانه حينئذ وإن كسب في إيمانه خيرا .
وثالثها : أنه للابهام في أحد الامرين ، والمعني : أنه لا ينفع في ذلك اليوم إيمان
نفس إذا لم تكن آمنت قبل ذلك اليوم أو ضمت إلى إيمانها أعمال الخير ، فإنها إذا آمنت
قبل نفعها إيمانها ، وكذلك إذا ضمت إلى الايمان طاعة نفعتها أيضا وهذا أقوى .
وقال رحمه الله في قوله : " إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض " : فسادهم أنهم
كانوا يخرجون فيقتلونهم ويأكلون لحومهم ودوابهم ، وقيل : كانوا يخرجون أيام
الربيع فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه ، ولا يابسا إلا احتملوه ، عن الكلبي .
وقيل : إنهم أرادوا سيفسدون في المستقبل عند خروجهم ، وورد في الخبر
عن حذيفة قال : سألت رسول الله صلى الله عليه واله عن يأجوج ومأجوج ، قال : يأجوج امة ، و
مأجوج امة ، كل امة أربعمائة امة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر
من صلبه كل قد حمل السلاح ، قلت : يارسول الله صفهم لنا ، قال : هم ثلاثة أصناف :


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 297 سطر 19 إلى صفحه 305 سطر 18

صنف منهم أمثال الارز ، ( 1 ) قلت : يارسول الله وما الارز ؟ قال شجر بالشام طويل ،
وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد ، وصنف
منهم يفترش أحدهم إحدى اذنيه ويلتحف بالاخرى ، ولا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل
* ( هامش ) *
( 1 ) بالفتح ثم السكون . [ * ]
[298]
ولا خنزير إلا أكلوه ، من مات منهم أكلوه ، مقدمتهم بالشام ، وساقتهم ( 1 ) بخراسان ،
يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية . ( 2 )
قال وهب ومقاتل : إنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك ، وقال السدي : الترك
سرية من يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت خارجة ،
وقال قتادة : إن ذا القرنين بنى السد على أحد وعشرين قبيلة ، وبقيت منهم قبيلة دون
السد فهم الترك . وقال كعب : هم نادرة من ولد آدم ، وذلك أن آدم احتلم ذات يوم
وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء والتراب يأجوج ومأجوج فهم متصلون
بنا من جهة الاب دون الام وهذا بعيد . ( 3 )
" فما اسطاعوا أن يظهروه " أي يعلوه ويصعدوه " وما استطاعوا له نقبا " أي لم يستطيعوا
أن ينقبوا أسفله لكثافة وصلابته ، فنفى بذلك كل عيب يكون في السد ، وقيل : إن
هذا السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرهما البحر المحيط ، وقيل : إنه
وراء دربند وخزران من ناحية أرمينية وآذربيجان ، وقيل : إن مقدار ارتفاع السد
مائتا ذراع ، وعرض الحائط نحو من خمسين ذراعا .
قال ذوالقرنين : " هذا رحمة من ربي " أي هذا السد نعمة من الله لعباده أنعم
بها عليهم في دفع شر يأجوج ومأجوج عنهم " فإذا جاء وعد ربي " يعني إذا جاء وقت
أشراط الساعة ووقت خروجهم الذي قدره الله تعالى " جعله دكاء " أي جعل السد
مستويا مع الارض مدكوكا أو ذا دك ، وإنما يكون ذلك بعد قتل عيسى بن مريم
الدجال عن ابن مسعود ، وجاء في الحديث أنهم يدأبون في حفره نهارهم حتى إذا
أمسوا وكادوا لا يبصرون شعاع الشمس قالوا : نرجع غدا ونفتحه ولايستثنون فيعودون
من الغد وقد استوى كما كان حتى إذا جاء وعد الله قالوا : غدا نخرج ونفتح إن شاء الله
فيعودون إليه وهو كهيئة حين تركوه بالامس فيخرقونه فيخرجون على الناس فينشفون
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : مؤخرتهم .
( 2 ) الحديث عامى . وكذا ما يأتى بعد ذلك ضمن التفسير .
( 3 ) بل يشبه الاساطير . والاعاجيب التى حكيت فيهم ، لم ترد في الكتاب العزيز ولا في
أثر صحيح . [ * ]
[299]
المياه ، وتتحصن الناس في حصونهم منهم ، فيرمون سهامهم إلى السماء فترجع وفيها كهيئة
الدماء فيقولون : قد قهرنا أهل الارض وعلونا أهل السماء فيبعث الله نغفا ( 1 ) في أقفائهم
فتدخل في آذانهم فيهلكون بها ، فقال النبي صلى الله عليه واله : والذي نفس محمد بيده إن دواب
الارض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرا ، ( 2 ) وفي تفسير الكلبي : إن الخضر واليسع
يجتمعان كل ليلة على ذلك السد يحجبان يأجوج ومأجوج عن الخروج
" وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض " أي وتركنا يأجوج ومأجوج يوم انقضاء
أمر السد يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم ويكون حالهم كحال الماء الذي يتموج
باضطراب أمواجه ، وقيل : إنه أراد سائر الخلق الجن والانس أي تركنا الناس يوم
خروج يأجوج ومأجوج يختلط بعضهم ببعض لان ذلك علم للساعة .
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج " أي فتحت
جهتهم ، والمعنى انفرج سدهم بسقوط أو هدم أوكسر وذلك من أشراط الساعة " وهم
من كل حدب ينسلون " أي من كل نشز ( 3 ) من الارض يسرعون ، يعني أنهم يتفرقون
في الارض فلا ترى أكمة ( 4 ) إلا وقوم منهم يهبطون منها مسرعين " واقترب الوعد الحق "
أي الموعود الصدق وهو قيام الساعة ، فإذا هى شاخصة أبصار الذين كفروا أي لا تكاد
تطرف من شدة ذلك اليوم وهوله ، " يقولون ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا " أي
اشتغلنا بامور الدنيا ، وغفلنا من هذا اليوم فلم نتفكر فيه ، بل كنا ظالمين بأن عصينا
الله تعالى وعبدنا غيره .
وقال في قوله تعالى : " وإذا وقع القول عليهم " أي وجب العذاب والوعيد عليهم ،
وقيل : معناه : إذا صاروا بحيث لا يفلح أحد منهم ولا أحد بسببهم . وقيل : إذا غضب الله
عليهم ، وقيل : إذا نزل العذاب بهم عند اقتراب الساعة فسمي المقول قولا " أخرجنا لهم
* ( هامش ) * ( 1 ) النغفة : دود يكون في انوف الابل والغنم .
( 2 ) أى تمتلئ ضرعها لبنا . وفى مجمع البيان المطبوع : وتسكر من لحومهم سكرا . ولعله
مصحف .
( 3 ) النشز : المكان المرتفع .
( 4 ) أكمة : التل . [ * ]
[300]
دابة من الارض " تخرج بين الصفا والمروة فتخبر المؤمن بأنه مؤمن ، والكافر بأنه كافر
وعند ذلك يرتفع التكليف ولا تقبل التوبه ، وهو علم من أعلام الساعة وقيل : لا يبقى
مؤمن إلا مسحته ، ولا يبقى منافق إلا حطمته ، تخرج ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى ،
عن ابن عمر ، وروى محمد بن كعب قال : سئل على عليه السلام عن الدابة فقال : أما والله مالها
ذنب وإن لها للحية ، وفي هذا إشارة إلى أنها من الانس .
وروى ابن عباس أنها دابة من دواب الارض لها زغب ( 1 ) وريش ولها أربع قوائم .
وعن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه واله قال : دابة الارض طولها ستون ذراعا ، لا يدركها
طالب ، ولا يفوتها هارب ، فتسم المؤمن بين عينيه وتكتب بين عينيه : مؤمن ، وتسم
الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه : كافر ، ومعها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فتجلو
وجه المؤمن بالعصا ، وتخطم أنف الكافر بالخاتم ، حتى يقال : يامؤمن ، وياكافر .
وروي عن النبي صلى الله عليه واله أنه تكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر : فتخرج
خروجا بأقصى المدينة فيفشو ذكرها بالبادية ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة ، ثم
تمكث زمانا طويلا ، ثم تخرج خرجة اخرى قريبا من مكة فيفشو ذكرها في البادية
ويدخل ذكرها القرية يعني مكة ، ثم صار الناس يوما في أعظم المساجد على الله حرمة
وأكرمها على الله عزوجل يعني المسجد الحرام لم ترعهم إلا وهي في ناحية المسجد
تدنو وتدنو كذا ما بين الركن الاسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من
ذلك فيرفض الناس عنها ، وتثبت لها عصابة عرفوا أنهم لن يعجزوا الله ، فخرجت عليهم
تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت عن وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب
الدرية ، ثم ولت في الارض لا يدركها طالب ، ولا يعجزها هارب ، حتى أن الرجل
يقوم فيتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول : يافلان الآن تصلي ؟ فيقبل عليها بوجه
فتسمه في وجهه فيتجاور الناس في ديارهم ، ويصطحبون في أسفارهم ، ويشتركون في
الاموال ، يعرف المؤمن من الكافر فيقال للمؤمن : يامؤمن ، وللكافر : ياكافر . وروي
عن وهب أنه قال : وجهها وجه رجل ، وسائر خلقها خلق الطير . ومثل هذا لا يعرف
إلا من النبوات الالهية .
* ( هامش ) * ( 1 ) الزغب : أول ما يبدو من الشعر او الريش . [ * ]
[301]
وقوله : " تكلمهم " أي تكلمهم بما يسوؤهم ، وهو أنهم يصيرون إلى النار بلسان
يفهمونه ، وقيل : تحدثهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر ، وقيل : تكلمهم بأن تقول لهم : بأن
الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، وهو الظاهر ، وقيل : " بآياتنا " معناه بكلامها وخروجها .
وقال في قوله تعالى : " وإنه لعلم للساعة " يعني أن نزول عيسى عليه السلام من أشراط
الساعة يعلم به قربها " فلا تمترن بها " أي بالساعة لا تكذبوا بها ولا تشكوا فيها ، وقال
ابن جريح أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يقول : سمعت النبي صلى الله عليه واله يقول : كيف
أنتم إذا نزل ( 1 ) عيسى بن مريم فيقول أميرهم : تعال صل بنا فيقول : لا ؟ إن بعضكم
على بعض امراء تكرمة من الله لهذه الامة . أورده مسلم في الصحيح . وفي حديث آخر :
كيف بكم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم ؟ وقيل : إن الهاء يعود إلى القرآن
ومعناه : إن القرآن لدلالته على قيام الساعة والبعث يعلم به ، وقيل : معناه : إن القرآن
لدليل الساعة ، لانه آخر الكتب انزل على آخر الانبياء .
وقال في قوله : " يوم تأتي السماء بدخان مبين " : وذلك أن رسول الله صلى الله عليه واله دعا على
قومه لما كذبوه ( 2 ) فأجدبت الارض فأصابت قريشا المجاعة وكان الرجل لما به من
الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان ، وقيل : إن الدخان آية من أشراط الساعة تدخل
في مسامع الكفار والمنافقين وهو لم يأت بعد ، وإنه يأتي قبل قيام الساعة فيدخل
أسماعهم ، حتى أن رؤوسهم تكون كالرأس الحنيذ ( 3 ) ويصيب كل مؤمن منه مثل الزكمة
وتكون الارض كلها كبيت اوقد فيه ليس فيه خصاص ( 4 ) ويمكث ذلك أربعين يوما
عن ابن عباس وابن عمر والحسن والجبائي .
* ( هامش ) * ( 1 ) ليست جملة : ( كيف أنتم إذا ) في المجمع والصحيح المطبوعين ، والموجود في
الاول هكذا : سمعت النبى صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ينزل عيسى إه . وفى الثانى هكذا : سمعت
النبى صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال طائفة من امتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة
قال : فينزل عيسى إه . راجع مجمع البيان ج 8 ص 54 وصحيح المسلم ج 1 ص 95 .
( 2 ) في المجمع هنا جملة وهي : فقال : اللهم سنين كسنى يوسف .
( 3 ) أى المشوى من قولهم : حنذ اللحم : إذا شواه وأنضجه بين حجرين ، فاللحم حنيذ . ويمكن
أن يكون من حنذ الفرس أى أجراه ليعرق ، فالفرس محنوذ وحنيذ .
( 4 ) الخصاص بفتح الخاء : الفرجة والخلة . [ * ]
[302]
" يغشى الناس " يعني أن الدخان يعم جميع الناس ، وعلى القول الاول المراد
بالناس أهل مكة ، فقالوا ، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون بمحمد صلى الله عليه واله والقرآن
قال سبحانه : " أنى لهم الذكرى " أي من أين لهم التذكر والاتعاظ ، وقد جاءهم رسول
مبين أي وحالهم أنهم قد جاءهم رسول ظاهر الصدق والدلالة " ثم تولوا عنه " أي أعرضوا
عنه ولم يقبلوا قوله وقالوا : " معلم مجنون " ثم قال سبحانه : " إنا كاشفوا العذاب " أي الجوع
والدخان " قليلا " أي زمانا يسيرا إلى يوم بدر " إنكم عائدون " في كفركم وتكذيبكم ، أو
عائدون إلى العذاب الاكبر وهو عذاب جهنم ، والقليل مدة بين العذابين " يوم نبطش
البطشه الكبرى " أي واذكر ذلك اليوم يعني يوم بدر على القول الاول وعلى القول الآخر
يوم القيامة ، والبطش : هو الاحذ بشدة " إنا منتقمون " منهم ذلك اليوم .
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " فهل ينظرون إلا الساعة " : أي فليس ينتظرون إلا
القيامة " أن تأتيهم بغتة " أي فجاءة " فقد جاء أشراطها " أي علاماتها " فأنى لهم إذا جائتهم
ذكراهم أي " فمن أين لهم الذكرى والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة ؟ .
وقال الرازي في تفسيره : إن موضع السدين في ناحية الشمال ، وقيل : جبلان
بين أرمينية وبين آذربيجان ، وقيل : هذا المكان في مقطع عرض الترك .
وحكى محمد بن جرير الطبري في تاريخه أن صاحب آذربيجان أيام فتحها وجه
إنسانا من ناحية الخزر فشاهده ووصف أنه بنيان رفيع وراء خندق عميق وثيق متسع .
وذكر ابن خرداد في كتاب المسالك والممالك أن الواثق بالله رأى في المنام كأنه
فتح هذا الردم فبعث بعض الخدم إليه ليعاينوه فخرجوا من باب الابواب حتى وصلوا إليه و
شاهدوه ، فوصفوا أنه بناء من اللبن من حديد مشدود بالنحاس المذاب ، وعليه باب
مقفل ، ثم إن ذلك الانسان لما حاول الرجوع أخرجهم الدليل إلى البقاع المحاذية
لسمرقند .
قال أبوالريحان : مقتضى هذا أن موضعه في الربع الشمالي في الغربي من المعمورة
والله أعلم بحقيقة الحال . ثم قال : عند الخروج من وراء السد يموجون مزدحمين في
البلاد يأتون البحر فيشربون ماءه ، ويأكلون دوابه ، ثم يأكلون الشجر ، ويأكلون
[303]
لحوم الناس ، ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة وبيت المقدس ، ثم يبعث الله عليهم
حيوانات فتدخل آذانهم فيموتون .
أقول : قال في النهاية : فيه تخرج الدابة وعصا موسى وخاتم سليمان فتجلى
وجه المؤمن بالعصا وتخطم وجه أنف الكافر بالخاتم أي تسمه بها ، من خطمت البعير :
إذا كريته خطما من الانف إلى أحد خديه ، وتسمى تلك السمة الخطام ، ومنه حديث
حذيفة : تأتي الدابة المؤمن فتسلم عليه ، وتأتي الكافر فتخطمه .
1 - ل : عبدالله بن حامد ، عن محمد بن أحمد بن عمرو ، عن تميم بن بهلول ، عن
عثمان ، عن وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن فرات القزاز ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة
ابن أسيد ( 1 ) قال : اطلع علينا رسول الله صلى الله عليه واله من غرفة له - ونحن نتذاكر الساعة - فقال :
لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات : الدجال ، والدخان ، وطلوع الشمس من
مغربها ، ودابة الارض ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، و
خسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى
المحشر تنزل معهم إذا نزلوا ، وتقبل معهم إذا أقبلوا . ( 2 )
2 - ل : الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري ، عن عبدالله بن محمد بن حكيم
القاضي ، عن الحسين بن عبدالله بن شاكر قال : حدثنا إسحاق بن حمزة البخاري وعمي
قالا : حدثنا عيسى بن موسى غنجار ، ( 3 ) عن أبي حمزة بن رقبة وهو ابن مصقلة الشيباني
عن الحكم بن عتيبة ، ( 4 ) عمن سمع حذيفة بن أسيد يقول : سمعت النبي صلى الله عليه واله يقول :
* ( هامش ) * ( 1 ) وزان أمير هو حذيفة بن أسيد أبوسريحة - بمهملتين مفتوحة الاولى - صحابى من أصحاب
الشجرة ، مات سنة 42 قاله ابن حجر في التقريب ص 98 .
( 2 ) لم نجد الحديث في الخصال المطبوع والظاهر سقوط واحدة من الايات وهو نزول عيسى
بن مريم ، والحديث مذكور في صحيح مسم ، وراجع ج 8 ص 179 .
( 3 ) بضم الغين وسكون النون ، هو عيسى بن موسى البخارى أبوأحمد الازرق ، لقبه غنجار ،
قال ابن حجر : صدوق ربما أخطا وربما دلس ، مكثر من الحديث ، عن المتروكين ، من الثامنة ، مات
سنة 87 .
( 4 ) بالتاء ثم الياء مصغرا أبومحمد الكندى الكوفى ، قال ابن حجر : ثقة ثبت فقيه إلا أنه
ربما دلس ، من الخامسة ، مات سنة ثلاث عشرة ( أى 113 ) أو بعدها وله نيف وستون انتهى .
وعده الشيخ في رجاله زيديا تبريا ، وقال توفى سنة 114 وقيل : 115 ويوجد في رجال الكشى
روايات تدل على ذمه . [ * ]
[304]
عشر آيات بين يدى الساعة ، خمس بالمشرق ، وخمس بالمغرب ، فذكر الدابة والدجال
وطلوع الشمس من مغربها وعيسى بن مريم عليهما السلام ويأجوج ومأجوج وأنه يغلبهم و
يغرقهم في البحر ، ولم يذكر تمام الآيات . " ج 2 ص 59 "
3 - ل : محمد بن أحمد بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله الوراق محمد بن عبدالله بن الفرج
عن علي بن بنان المقري ، عن محمد بن سابق ، عن زائدة ، عن الاعمش قال : حدثنا فرات
القزاز ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : كنا
جلوسا في المدينة في ظل حائط ، قال : وكان رسول الله صلى الله عليه واله في غرفة فاطلع علينا فقال
فيم أنتم ؟ فقلنا : نتحدث ، قال : عم ذا ؟ قلنا : عن الساعة ، فقال : إنكم لا ترون الساعة
حتى تروا قبلها عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الارض
وثلاثة خسوف تكون في الارض : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة
العرب ، وخروج عيسى بن مريم عليه السلام ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وتكون في آخر
الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الارض لا تدع خلفها أحدا تسوق الناس إلى المحشر
كلما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر . ( 1 ) " ج 2 ص 60 - 61 "
4 - ل : الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري ، عن محمد بن عبدالله البزاز ، عن
أحمد بن محمد بن إبراهيم العطار ، عن أبي الربيع سليمان بن داود ، عن فرج بن فضالة ، عن
يحيى بن سعيد ، عن محمد بن الحنفية ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول
الله صلى الله عليه واله : إذا عملت امتى خمسة عشر خصلة حل بها البلاء ، قيل : يارسول الله وما
هي ؟ قال : إذا كانت المغانم دولا ، والامانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وأطاع الرجل
زوجته ، وعق امه ، وبر صديقه ، وجفا أباه ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، والقوم
أكرمه ( 2 ) مخافة شره ، وارتفعت الاصوات في المساجد ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا
* ( هامش ) * ( 1 ) لم يذكر في الحديث آية منها وهى الدخان . والحديث مذكور في صحيح مسلم وغيره
من كتب العامة ، راجع الصحيح ج 8 ص 179 .
( 2 ) في المصدر : واكرمه القوم . وفى نسخة مخطوطة منه : واكرم الرجل مخافة شره . م [ * ]
[305]
القينات ، وضربوا بالمعازف ( 1 ) ولعن آخر هذه الامة أولها فليرتقب عند ذلك ثلاثة :
الريح الحمراء ، أو الخسف ، أو المسخ . ( 2 ) " ج 2 ص 91 "
5 - ل : محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر ، عن أبي يحيى البزاز
النيشابوري ، عن محمد بن خشنام ( 3 ) البلخي ، عن قتيبة بن سعيد ، عن فرج بن فضالة مثله .
قال الصدوق رضي الله عنه : يعني بقوله : ولعن آخر الامة أولها الخوارج الذين
يلعنون أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو أول الامة إيمانا بالله عزوجل وبرسوله صلى الله عليه واله
" ج 2 ص 91 - 92 "
بيان : قال الجزري : في حديث أشراط الساعة : إذا كان المغنم دولا جمع دولة
بالضم وهو ما يتداول من المال ، فيكون لقوم دون قوم . والزكاة مغرما أي يرى رب
المال أن إخراج زكاته غرامة يغرمها انتهى . قوله عليه السلام : والامانة مغنما أي يتصرف
فيها كالغنيمة ولا يردها على مالكها ، أو يحرص على أخذها لانه لا ينوي ردها ،
يقال : فلان يتغنم الامر أي يحرص عليه كما يحرث على الغنيمة . وقال ابن الاثير في
جامع الاصول : أي يعد الخيانة من الغنيمة .
6 - فس : " فهل ينظرون إلا الساعة " يعني القيامة " أن تأتيهم بغتة فقد جاء
أشراطها " فإنه حدثني أبي ، عن سليمان بن مسلم الخشاب ، ( 4 ) عن عبدالله بن
* ( هامش ) * ( 1 ) القينات جمع القينة وهى المغنية ، وكثيرا ما تطلق على المغنية من الاماء ، قال في النهاية :
نهى عن بيع القينات أى الاماء المغنيات . وقال : المعازف هى الدفوف وغيرها مما يضرب . قلت :
تشمل الطنبور والعود والقيثارة وغيرها من آلات الطرب .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 305 سطر 19 إلى صفحه 313 سطر 18

( 2 ) غير خفى ان تلك الخصال المعدودة في هذه الرواية لا تتجاوز عن اربع عشر خصلة وهكذا
كانت فيما رأيناه من نسخ المصدر مطبوعة ومخطوطة . م
( 3 ) بضم الخاء وسكون النون : لقب عجمى ، وفى الخصال المطبوع : محمد بن حسام بن
عمران البلخى .
( 4 ) بفتح الخاء وتشديد الشين : بياع الخشب . والخبر يشتمل على الانباء بجلائل من الامور
التى تقع بعده صلى الله عليه وآله التى لا يطلع عليه إلا من له صلة بعالم الغيب وعلام الغيوب ،
ففيه من أعلام النبوة وآيات الرسالة ما يبصر كل ناظر ويرشده إلى الايمان بنبوة خاتم النبيين
صلى الله عليه وآله . [ * ]
[306]
جريح المكي ، عن عطاء بن أبي رياح ، عن عبدالله بن عباس قال : حججنا مع رسول
الله صلى الله عليه واله حجة الوداع فأخذ باب الكعبة ( 1 ) ثم أقبل علينا بوجهه فقال : ألا اخبركم
بأشراط الساعة ؟ - وكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رضي الله عنه - فقال : بلى يارسول
الله ، فقال : إن من أشراط القيامة إضاعة الصلاة ، واتباع الشهوات ، والميل مع الاهواء
وتعظيم المال ، ( 2 ) وبيع الدين بالدنيا ، فعندها يذاب قلب المؤمن وجوفه كما يذوب
الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستيطيع أن يغيره . قال سلمان : وإن هذا لكائن
يارسول الله ؟ قال : إي والذي نفسي بيده .
ياسلمان إن عندها امراء جورة ، ووزراء فسقة ، وعرفاء ظلمة ، وامناء خونة ،
فقال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال : إي والذي نفسي بيده .
ياسلمان إن عندها يكون المنكر معروفا ، والمعروف منكرا ، وائتمن الخائن ( 3 )
ويخون الامين ، ويصدق الكاذب ، ويكذب الصادق ، قال سلمان : وإن هذا لكائن
يارسول الله ؟ قال : إي والذي نفسي بيده .
ياسلمان فعندها إمارة النساء ، ومشاورة الاماء ، وقعود الصبيان على المنابر ،
ويكون الكذب طرفا ، والزكاة مغرما ، والفيئ مغنما ، ويجفو الرجل والديه ، و
يبر صديقه ، ويطلع الكوكب المذنب ، قال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟
قال : أي والذي نفسي بيده .
ياسلمان وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ، ويكون المطر قيظا ، و
يغيظ الكرام غيظا ، ويحتقر الرجل المعسر ، فعندها يقارب الاسواق إذا قال هذا : لم
أبع شيئا ( 4 ) وقال هذا : لم أربح شيئا فلا ترى إلا ذاما لله ، قال سلمان : وإن هذا
لكائن يارسول الله ؟ قال : إي والذي نفسي بيده .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : بحلقة باب الكعبة م
( 2 ) في المصدر : وتعظيم اصحاب المال . م
( 3 ) في المصدر : ويؤتمن الخائن . م
( 4 ) في المصدر : لم ابع يقينا . م [ * ]
[307]
ياسلمان فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم ، وإن سكتوا استباحوهم
ليستأثروا بفيئهم ( 1 ) ، وليطؤن حرمتهم ، وليسفكن دماءهم ، ولتملان قلوبهم رعبا ، فلا
تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين ، قال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟
قال إي والذي نفسي بيده .
ياسلمان : إن عندها يؤتى بشئ من المشرق وشئ من المغرب يلون امتي ( 2 )
فالويل لضعفاء امتي منهم ، والويل لهم من الله ، لا يرحمون صغيرا ، ولا يوقرون كبيرا
ولا يتجاوزون عن مسئ ، أخبارهم خناء ، جثتهم جثة الآدميين ( 3 ) وقلوبهم قلوب
الشياطين ، قال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال : إي والذي نفسي بيده .
ياسلمان ، وعندها تكتفي الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، ويغار على
الغلمان ( 4 ) كما يغار على الجارية في بيت أهلها ، ويشبه الرجال بالنساء ، والنساء
بالرجال ، ويركبن ذوات الفروج السروج فعليهن من امتي لعنة الله ، قال سلمان : وإن
هذا لكائن يارسول الله ؟ فقال صلى الله عليه واله : إي والذي نفسي بيده .
ياسلمان إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس ، ( 5 ) و
يحلى المصاحف ، وتطول المنارات ، وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة ،
قال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه واله : إي والذي نفسي بيده .
وعندها تحلى ذكور امتي بالذهب ، ويلبسون الحرير والديباج ، ويتخذون
جلود النمور صفافا ، ( 6 ) قال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه واله : إي
والذي نفسي بيده .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ليستأثرن يفيئهم . م
( 2 ) أى تختلف أخلاقهم ، فلا ترى فيهم الخلق الاسلامية .
( 3 ) في المصدر : ولا يتجافون عن شئ ، جثثهم جثت اه . م
( 4 ) أغار عليهم : هجم وأوقع بهم .
( 5 ) بيع كعنب : معابد النصارى ، مفردها بيعة بالكسر . وكنائس : معابد اليهود والنصارى
مفردها كنيسة .
( 6 ) في المصدر : صفافا . م [ * ]
[308]
ياسلمان وعندها يظهر الربا ، ويتعاملون بالغيبة والرشاء ، ( 1 ) ويوضع الدين ، و
ترفع الدنيا ، قال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ فقال صلى الله عليه واله : إي والذي
نفسي بيده .
ياسلمان وعندها يكثر الطلاق ، فلا يقام لله حد ، ولن يضر الله شيئا ،
قال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله : إي والذي
نفسي بيده .
ياسلمان وعندها تظهر القينات والمعازف ، ويليهم أشرار امتي ، قال سلمان :
وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه واله : إي والذي نفسي بيده .
ياسلمان وعندها تحج أغنياء امتي للنزهة ، وتحج أوساطها للتجارة ، وتحج
فقراؤهم للرياء والسمعة ، فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله ، ويتخذونه
مزامير ، ويكون أقوام يتفقهون لغير الله ، ويكثر أولاد الزنا ، ويتغنون بالقرآن ،
ويتهافتون بالدنيا ، ( 2 ) قال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه واله : إي والذي
نفسي بيده .
ياسلمان ذاك إذا انتهكت المحارم ، واكتسبت المآثم ، وسلط الاشرار على
الاخيار ، ويفشو الكذب ، وتظهر اللجاجة ، ويفشو الحاجة ، ( 3 ) ويتباهون في اللباس
ويمطرون في غير أوان المطر ، ويستحسنون الكوبة والمعازف ، وينكرون الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذل من الامة ( 4 ) ويظهر
قراؤهم وعبادهم فيما بينهم التلاوم ، فاولئك يدعون في ملكوت السماوات : الارجاس
والانجاس ، قال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟ فقال صلى الله عليه واله : إي والذي
نفسي بيده .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : بالعينة والرشاء . م
( 2 ) أى يتساقطون بها . وأكثر استعماله في الشر .
( 3 ) في المصدر : ويفشو الفاقة . م
( 4 ) في المصدر : اذل من في الامة . م [ * ]
[309]
ياسلمان فعندها لا يخشى الغني إلا الفقر ( 1 ) حتى أن السائل ليسأل فيما بين
الجمعتين لا يصيب أحدا يضع في يده شيئا ، قال سلمان : وإن هذا لكائن يارسول الله ؟
قال صلى الله عليه واله ، إي والذي نفسي بيده .
ياسلمان عندها يتكلم الرويبضة ، فقال : وما الرويبضة يارسول الله فداك أبي
وامي ؟ قال صلى الله عليه واله : يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم ، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى
تخور الارض خورة ، فلا يظن كل قوم إلا أنها خارت في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله
ثم ينكتون في مكثهم فتلقي لهم الارض أفلاذ كبدها - قال : ذهب وفضة - ثم أومأ بيده
إلى الاساطين فقال : مثل هذا ، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة ، فهذا معنى قوله :
" فقد جاء أشراطها " . " ص 627 - 629 "
بيان : قوله صلى الله عليه واله : ويكون الكذب طرفا أي يستطرفه الناس ويعجبهم ، والكوكب
المذنب : ذو الذنب . وقال الجزري : يوم قائظ : شديد الحر ، ومنه حديث أشراط
الساعة : يكون الولد غيظا ، والمطر قيظا ، لان المطر إنما يراد للنبات وبرد الهواء ، والقيظ
ضد ذلك انتهى . ويقال : استباحهم أي استأصلهم .
قوله صلى الله عليه واله : يلون امتي من اللون أي يتلونون ويتزينون بألوان مختلفة مما
يؤتى إليهم من المشرق والمغرب .
قوله صلى الله عليه واله : ويتخذون جلود النمور صفاقا أي يرققونها ويلبسونها ، والثوب
الصفيق : ضد السخيف ، أو يعملونها للدف والعود وسائر آلات اللهو يقال : صفق العود
أي حرك أوتاره ، والصفق : الضرب يسمع له صوت . والقينة : الامة المغنية : والمعازف :
الملاهي كالعود والطنبور .
قوله صلى الله عليه واله : يتخذونه مزامير أي يتغنون به ، قال الجزرى : في حديث أبي موسى :
سمعه النبي صلى الله عليه واله يقرأ فقال : لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود : شبه حسن
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : لا يخشى الغنى إلا الفقير وهكذا في المصدر . م [ * ]
[310]
صوته وحلاوة نغمته بصوت المزمار انتهى . والتهافت : التساقط ، والكوبة بالضم : النرد
والشطرنج والطبل الصغير المخصر والبربط .
وقال الجزري : في حديث أشراط الساعة أن ينطق الرويبضة في أمر العامة ،
قيل : وما الرويبضه يارسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ، والرويبضة
تصغير الرابضة وهو العاجز الذى ربض عن معالي الامور وقعد عن طلبها ، وزيادة التاء
للمبالغة ، والتافة : الحقير الخسيس . وقال صلى الله عليه واله في أشراط الساعة : تقئ الارض أفلاذ
كبد ها أي تخرج كنوزها المدفونة فيها ، وهو استعارة ، والافلاذ جمع فلذ ، والفلذ
جمع فلذة ، وهي القطعة المقطوعة طولا ، ومثله قوله تعالى : " وأخرجت الارض أثقالها "
انتهى . وخار الثور : صاح .
وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الغرر : روى أبوهريرة عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال : تقئ الارض أفلاذ كبدها مثل الاسطوان من الذهب
والفضة ، فيجئ القاتل فيقول : في مثل هذا قتلت ، ويجئ القاطع للرحم فيقول : في
مثل هذا قطعت رحمي ، ويجئ السارق فيقول : في هذا قطعت يدي ، ثم يتركونه ولا
يأخذون منه شيئا . معنى تقئ أي تخرج ما فيها من الذهب والفضة ، وذلك من علامات
قرب الساعة ، وقوله : تقئ تشبيه واستعارة من حيث كان إخراجا وإظهارا ، وكذلك
تسمية ما في الارض من الكنوز كبدا تشبيها بالكبد التي في بطن البعير وغيره ، وللعرب
في هذا مذهب معروف ، واختلف أهل اللغة في الافلاذ فقال يعقوب بن السكيت : الفلذ
لا يكون إلا للبعير ، وهو قطعة من كبده ، ولا يقال فلذ الشاة ، ولا فلذ البقر إلى آخر
ما ذكره رحمه الله ونقله .
7 - ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبدالله بن سعيد بن يحيى ، عن إسماعيل بن
عبدالله بن خالد القاضي قال أبوالمفضل : وحدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حماد ، عن
الربيع بن تغلب قال : حدثنا فرج بن فضالة ، قال : وحدثني محمد بن يوسف بن بشير ،
عن علي بن عمرو بن خالد ، عن أبيه ، عن فرج ، عن يحيى بن سعيد الانصاري ، عن
[311]
محمد بن علي ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : وقال أبوخيثمة : ( 1 ) عن محمد بن علي ،
عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه واله قال : إذا صنعت - وقال
أحدهم : إذا فعلت - امتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء : إذا صارت الدنيا عندهم
دولا وقال أحدهم : إذا كان المال فيهم دولا - والخيانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وأطاع
الرجل زوجته ، وعق امه ، وبر صديقه ، وجفا أباه ، وارتفعت الاصوات في المساجد ،
واكرم الرجل مخافة شره ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، ولبس الحرير ، وشرب الخمور ،
واتخذت القيان ، ( 2 ) وضرب بالمعازف ، ولعن آخر هذه الامة أولها فارتقبوا إذا عملوا
ذلك ثلاثا : ريحا حمراء ، وخسفا ، ومسخا . " ص 328 - 329 "
8 - ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن القاسم بن جعفر المعروف بابن الشامي ،
عن عباد بن أحمد القزويني ، عن عمه ، عن أبيه ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن أبي رافع ،
عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلى الله عليه واله عن أهل يأجوج ومأجوج قال : إن القوم لينقرون
بمعاولهم دائبين ، فإذا كان الليل قالوا : غدا نفرغ فيصبحون وهو أقوى من الامس حتى
يسلم منهم رجل حين يريد الله أن يبلغ أمره فيقول المؤمن : غدا نفتحه إن شاء الله فيصبحون
ثم يغدون عليه فيفتحه الله ، فوالذي نفسي بيده ليمرن الرجل منهم على شاطئ الوادي
الذي بكوفان وقد شربوه حتى نزحوه فيقول : والله لقد رأيت هذا الوادي مرة وإن
الماء ليجري في أرضه ، قيل : يارسول الله ومتى هذا ؟ قال : حين لا يبقى من الدنيا إلا
مثل صبابة الاناء . ( 3 )
بيان : قال الجزري : الصبابة : البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الاناء .
9 - ع : في خبر عبدالله بن سلام أنه سأل النبي صلى الله عليه واله عن أول أشراط الساعة ،
فقال : نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب .
10 - ك : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن إبراهيم بن فهد ، عن محمد بن عقبة ،
* ( هامش ) * ( 1 ) بالخاء المضمومة ثم الياء الساكنة ، ثم الثاء المفتوحة .
( 2 ) قيان ككتاب جمع القينة : الامة المغنية .
( 3 ) الحديث عامى . [ * ]
[312]
عن حسين بن حسن ، عن إسماعيل بن عمر ، عن عمر بن موسى الوجيهي ، عن المنهال بن
عمر ، عن عبدالله بن الحارث قال : قلت لعلي عليه السلام : يا أميرالمؤمنين أخبرني بما يكون
من الاحداث بعد قائمكم ؟ قال : يابن الحارث ذلك شئ ذكره موكول إليه ، وإن
رسول الله صلى الله عليه واله عهد إلي أن لا اخبر به إلا الحسن والحسين .
11 - ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن سنان ، عن الصادق عليه السلام
قال : قال عيسى عليه السلام لجبرئيل : متى قيام الساعة ؟ فانتفض جبرئيل انتفاضة اغمي عليه
منها فلما أفاق قال : ياروح الله ما المسؤول أعلم بها من السائل ، وله من في السماوات
والارض لا تأتيكم إلا بغتة .
12 - شى : عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام
قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الناس يوشكون أن ينقطع بهم العمل ويسد عليهم
باب التوبة ، فلا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا .
13 - شى : عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام
في قوله تعالى : " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها " قال : طلوع الشمس
من المغرب ، وخروج الدابة ، والدخان ، والرجل يكون مصرا ولم يعمل على الايمان
ثم تجئ الآيات فلا ينفعه إيمانه .
14 - شى : عن عمرو بن شمر ، عن أحدهما عليهم السلام في قوله : " أو كسبت في إيمانها
خيرا " قال : المؤمن حالت المعاصي بينه وبين إيمانه : كثرت ذنوبه وقلت حسناته فلم
يكسب في إيمانه خيرا .
15 - كا : علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : قال النبي صلى الله عليه واله : من أشراط الساعة أن يفشو الفالج وموت الفجأة . " ف ج 1 ص 72 "
16 - كا : علي ، عن أبيه والقاساني جميعا ، عن الاصفهاني ، عن المنقري ، عن
فضيل بن عياض ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام قال : بعث الله محمدا صلى الله عليه واله بخمسة أسياف :
ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها ، ولن تضيع الحرب أوزارها حتى
تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك
[313]
اليوم ، فيؤمئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا .
17 - كا : عن حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام مثله .
18 - فس : أبي ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله : " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت
من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " قال : نزل : أو اكتسبت في إيمانها خيرا " قل انتظروا
إنا منتظرون " قال : إذا طلعت الشمس من مغربها فكل من آمن في ذلك اليوم لا ينفعه
إيمانه . " ص 209 "
19 - ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن فضال ، عن ظريف
ابن ناصح ، عن أبي الحصين قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : سئل رسول الله صلى الله عليه واله عن
الساعة فقال : عند إيمان بالنجوم ، وتكذيب بالقدر . " ج 1 ص 32 "
20 - ك : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن محمد بن عطية ، عن عبدالله بن عمر بن
سعيد ، عن هشام بن جعفر بن حماد ، عن عبدالله بن سليمان - وكان قاريا للكتب - قال :
قرأت في بعض كتب الله أن ذا القرنين - وساق الحكاية الطويلة في ذي القرنين وعمله السد
على يأجوج ومأجوج إلى أن قال - : فيأجوج ومأجوج ينتابونه في كل سنة مرة و
ذلك أنهم يسيحون في بلادهم حتى إذا وقعوا إلى ذلك الردم حبسهم فيرجعون فيسيحون
في بلادهم فلا يزالون كذلك حتى نقرب الساعة وتجئ أشراطها ، فإذا جاء أشراطها وهو
قيام القائم عليه السلام فتحه الله عزوجل لهم ، وذلك قوله عزوجل : " حتى إذا فتحت يأجوج
ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون " .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 313 سطر 19 إلى صفحه 321 سطر 18

21 - فس : في قوله تعالى : " ويسألونك عن ذي القرنين " في بيان عمل السد عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : فحال بين يأجوج ومأجوج وبين الخروج ، ثم قال ذو القرنين :
" هذا رحمة من ربي فاذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا " قال : إذا كان
قبل يوم القيامة انهدم السد ( 1 ) وخرج يأجوج ومأجوج إلى العمران ( 2 ) وأكلوا الناس
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : اذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدام اه . م
( 2 ) في المصدر : إلى الدنيا . م [ * ]
[314]
- وساق الحديث إلى أن قال : فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه واله قريشا عما سألوا قالوا :
قد بقيت مسألة واحدة : أخبرنا متى تقوم الساعة ؟ فأنزل الله سبحانه : " يسئلونك عن الساعة
أيان مرسيها قل إنما علمها عند ربي " إلى قوله تعالى - : " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " .
" ص 402 - 406 - "
22 - ع : علي بن أحمد ، عن الاسدي ، عن سهل ، عن عبدالعظيم الحسني قال :
سمع علي بن محمد العسكري عليه السلام يقول : عاش نوح ألفين وخمسمائة سنة ، وكان
يوما في السفينة نائما فهبت ريح فكشفت عورته ( 1 ) فضحك حام ويافث فزجرهما سام
عليه السلام ونهاهما عن الضحك ، وكان كلما غطى سام شيئا تكشفه الريح كشفه حام
ويافث ، فانتبه نوح عليه السلام فرآهم وهم يضحكون فقال : ما هذا ؟ فأخبره سام بما كان
فرفع نوح عليه السلام يده إلى السماء يدعو ويقول : اللهم غير ماء صلب حام حتى لا يولد له
إلا السودان ، اللهم غير ماء صلب يافث ، فغير الله ماء صلبهما فجميع السودان حيث
كانوا من حام ، وجميع الترك والصقالبة ( 2 ) ويأجوج ومأجوج والصين من يافث حيث
كانوا ، وجميع البيض سواهم من سام . " ص 22 "
23 - كا : الحسين بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن العباس بن العلاء ، عن
مجاهد ، عن ابن عباس قال : سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الخلق فقال : خلق الله ألفا
ومائتين في البر ، وألفا ومائتين في البحر ، وأجناس بني آدم سبعون جنسا ، والناس ولد
آدم ما خلا يأجوج ومأجوج .
بيان : الخبر الاول الدال على كون يأجوج ومأجوج من ولد آدم أقوى سندا ،
ويمكن حمل هذا الخبر على أن المعنى أنه ليس غير الناس من ولد آدم ما خلا يأجوج
ومأجوج فإنهم ليسوا من الناس وهم من ولد آدم .
24 - نوادر الراوندى : بأسناده عن موسى بن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم السلام
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : عن عورته . م
( 2 ) الصقالبة : جيل تتاخم بلادهم بلاد الخزر بين بلغر وقسطنطنية ، ثم انتشروا منها إلى بلاد
سواها من اروبا . [ * ]
[315]
قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : القرون أربعة : أنا في أفضلها قرنا ، ثم الثاني ، ثم الثالث ،
فإذا كان الرابع اتقى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، فقبض الله كتابه من صدور
بني آدم ، فيبعث الله ريحا سوداء ثم لا يبقى أحد - سوى الله تعالى - إلا قبضه الله إليه .
25 - وبهذا الاسناد قال رسول الله صلى الله عليه واله : لا يزداد المال إلا كثرة ، ولا يزداد
الناس إلا شحا ، ( 1 ) ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق .
26 - وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : بعثت والساعة كهاتين - وأشار
بإصبعيه صلى الله عليه واله : السبابة والوسطى - ثم قال : والذي بعثني بيده إني لاجد الساعة
بين كتفي .
27 - وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : بعثت والساعة كفرسي رهان
يسبق أحدهما صاحبه باذنه إن كانت الساعة لتسبقني إليكم .
28 - وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : لا تقوم الساعة حتى يطفر
الفاجر ، ( 2 ) ويعجز المنصف ، ويقرب الماجن ، ( 3 ) ويكون العبادة استطالة على الناس ،
ويكون الصدقة مغرما ، والامانة مغنما ، والصلاة منا . ( 4 )
29 - وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : اذا طففت امتي مكيالها و
ميزانها واختانوا وخفروا الذمة وطلبوا الآخرة فعند ذلك يزكون أنفسهم ويتورع منهم .
30 - وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : لا تقوم الساعة حتى يذهب
الحياء من الصبيان والنساء ، وحتى تؤكل المغاثير كما تؤكل الخضر .
* ( هامش ) * ( 1 ) الشح مثلثة : البخل والحرص .
( 2 ) طفر : وثب في ارتفاع كما يطفر الانسان على الحائط .
( 3 ) مجن يمجن مجونا ومجنا : مزح وقل حياؤه ، كأنه صلب وجهه فهو ماجن .
( 4 ) في نهج البلاغة : يأتى على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل ، ولا يظرف فيه إلا الفاجر ،
ولا يضعف فيه إلا المنصف ، يعدون الصدقة فيه غرما ، وصلة الرحم منا ، والعبادة استطالة على
الناس ، فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء وإمارة الصبيان وتدبير الخصيان انتهى . الماحل :
الساعى في الناس بالوشاية عند السلطان . ولا يظرف : أى لا يعد ظريفا ، ولا يضعف اى لا يعد
ضعيفا . الغرم بالضم : الغرامة . الاستطالة على الناس : التفوق والتزيد عليهم في الفضل . [ * ]
[316]
بيان : قال في القاموس : المغثر كمنبر : شئ ينضحه الثمام والعشر والرمث كالعسل
والجمع مغاثير .
31 - دعوات الراوندى : قال النبي صلى الله عليه واله : إذا تقارب الزمان انتقى الموت
خيار امتي كما ينتقي أحدكم خيار الرطب من الطبق .
32 - نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنه سيأتي عليكم زمان يكفئ فيه الاسلام
كما يكفئ الاسلام بما فيه .
( باب 2 )
* ( نفخ الصور وفناء الدنيا وأن كل نفس تذوق الموت ) *
الايات ، آل عمران " 3 " كل نفس ذائقة الموت 185 . ( 1 )
اسرى " 17 " وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيمة أو معذبوها عذابا
شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا 58 .
الكهف " 18 " وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ( 2 ) ونفخ في الصور فجمعناهم
جمعا 99 .
طه " 20 " يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا 102 .
الانبياء " 21 " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل
نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون 35 .
* ( هامش ) * ( 1 ) قال السيد الرضى في مجازات القرآن : هذه استعارة ، لان حقيقة الذوق ما ادرك بحاسة
وإنما حسن وصف النفس بذلك لما تحسه به من كرب الموت وعلزه فكانها تحسه بذوقه انتهى .
اقول : العلز بالتحريك : القلق والهلع .
( 2 ) قال السيد قدس سره : هذه استعارة لان أصل الموجان من صفات الماء الكثير ، وإنما عبر
سبحانه بذلك عن شدة اختلاطهم ، ودخول بعضهم في بعض لكثرة أعدادهم ، تشبيها بموج البحر
المتلاطم والتفات الدبا المتعاظل . [ * ]
[317]
المؤمنون " 23 " ثم إنكم بعد ذلك لميتون 15 " وقال تعالى " : فإذا نفخ في
الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون 101 .
النمل " 27 " ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الارض إلا
من شاء الله وكل أتوه داخرين * ( 1 ) وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب
صنع الله الذي أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون 87 - 88 .
العنكبوت " 29 " كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون 57 .
يس " 36 " ويقولون متى هذا لوعد إن كنتم صادقين * ما ينظرون إلا صيحة
واحدة تأخذهم وهم يخصمون * فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون * و
نفخ في الصور فإذا هم من الاجداث إلى ربهم ينسلون * قالوا ياويلنا من بعثنا من
مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون * إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع
لدينا محضرون * فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون 48 - 54 .
ص " 38 " وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق 15 . ( 2 )
الزمر : " 39 " إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم
تختصمون 30 - 31 " وقال تعالى " : وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم
القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون * ( 3 ) ونفخ في الصور
* ( هامش ) * ( 1 ) أى أذلاء .
( 2 ) قال السيد في المجازات : وقرئ فواق بالضم ، وقد قيل : إنهما لغتان ، وذلك قول الكسائى .
وقال أبوعبيدة : من فتح أراد ما لها من راحة ، ومن ضم أراد ما لها في اهلاكهم من مهلة بمقدار
فواق الناقة ، وهي الوقفة التى بين الحلبتين ، والموضع الذى يحقق فيه الكلام بالاستعارة على
قراءة من قرأ " من فواق " بالفتح أن يكون سبحانه وصف تلك الصيحة بأنها لا إفاقة من سكرتها ولا
استراحة من كربتها كما يفيق المريض من علته والسكران من نشوته ، والمراد أنه لا راحة للقوم
منها ، فجعل تعالى الراحة لها على طريق المجاز والاتساع .
( 3 ) وقال : معنى قبضته ههنا أى ملك له خالص ، قد ارتفعت عنه أيدى المالكين من بريته و
المتصرفين فيه من خليقته ، وقد ورث تعالى عباده ما كان في ملكهم في دار الدنيا من ذلك ، فلم يبق
ملك إلا انتقل ولا مالك إلا بطل . وقيل أيضا : معنى ذلك : أن الارض في مقدوره كالذى يقبض * [ * ]
[318]
فصعق من في السموات ومن في الارض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فإذا هم قيام
ينظرون * وأشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وجيئ بالنبيين والشهداء
وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون * ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما
يفعلون 67 - 70 .
ق " 50 " ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد * وجاءت كل نفس معها سائق و
شهيد * لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد 20 - 22
" وقال " : واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب * يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك
يوم الخروج * إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير * يوم تشقق الارض عنهم سراعا
ذلك حشر علينا يسير 41 - 44 .
الرحمن " 55 " كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام 26 - 27 .
المدثر " 74 " فإذا نقر في الناقور * ( 1 ) فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين
غير يسير 8 - 10 .
تفسير : قال البيضاوي : " إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيمة " بالموت والاستيصال
" أو معذبوها عذابا شديدا " بالقتل وأنواع البلية " كان ذلك في الكتاب " في اللوح المحفوظ
" مسطورا " مكتوبا .
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " ونفخ في الصور " : اختلف في الصور فقيل :
هو قرن ينفخ فيه ، وقيل : هو جمع صورة فإن الله يصور الخلق في القبور كما صورهم
في أرحام الامهات ، ثم ينفخ فيهم الارواح كما نفخ وهم في أرحام امهاتهم ، وقيل :
إنه ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات : النفخة الاولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة
الصعق التي يصعق من في السماوات والارض بها فيموتون ، والثالثة نفخة القيام لرب
* ( هامش ) * * عليه القابض ويستولى عليه كفه ويحوزه ملكه ولا يشاركه فيه غيره ، ومعنى قوله : " والسموات
مطويات بيمينه " أى مجموعات في ملكه ، مضمونات بقدرته ، واليمين ههنا بمعنى الملك ، وقد
يعبرون عن القوة أيضا باليمين فيجوز على هذا التأويل أن يكون معنى قوله تعالى : " مطويات بيمينه " أى يجمع أقطارها ويطوى انتشارها بقوته ، كما قال سبحانه : " يوم نطوى السماء كطى السجل
للكتب " إ ه .
( 1 ) الناقور : الصور أو البوق . [ * ]
[319]
العالمين فيحشر الناس بها من قبورهم " فجمعناهم جمعا " أي حشرنا الخلق كلهم يوم القيامة
في صعيد واحد .
وفي قوله تعالى : " أفإن مت " : أي على ما يتوقعونه وينتظرونه " فهم الخالدون "
أي إنهم يخلدون بعدك يعني مشركي مكة حين قالوا : نتربص بمحمد ريب المنون .
وفي قوله تعالى : " فإذا نفخ في الصور " : قيل : إن المراد به نفخة الصعق عن ابن
عباس ، وقيل : نفخة البعث عن ابن مسعود ، والصور جمع صورة عن الحسن ، وقيل :
قرن ينفخ فيه إسرافيل بالصوت العظيم الهائل على ما وصفه الله تعالى علامة لوقت
إعادة الخلق عن أكثر المفسرين . " فلا أنساب بينهم يومئذ " أي لا يتواصلون
بالانساب ولا يتعاطفون بها مع معرفة بعضهم بعضا ، أي لا يرحم قريب قريبه لشغله عنه ،
وقيل : معناه : لا يتفاخرون بالانساب ، والمعنى : أنه لا يفضل بعضهم بعضا يومئذ بنسب ،
وإنما يتفاضلون بأعمالهم ، وقال النبي صلى الله عليه واله : كل حسب ونسب منقطع يوم القيامة
إلا حسبي ونسبي " ولا يتسائلون " أي ولا يسأل بعضهم بعضا عن حاله وخبره كما كانوا
يسألون في الدنيا لشغل كل واحد بنفسه ، وقيل : لا يسأل بعضهم بعضا أن يحمل عنه
ذنبه ، ولا تنافي بينها وبين قوله : " فأقبل بعضهم على بعض يتسائلون " لان للقيامة
أحوالا ومواطن فمنها : حال يشغلهم عظم الامر فيها عن المسألة ، ومنها : حال يلتفتون
فيها فيتساءلون ، وهذا معنى قول ابن عباس لما سئل عن الآيتين فقال : هذه تارات يوم
القيامة . وقيل : إنما يتساءلون بعد دخول الجنة .
وفي قوله تعالى : " ففزع من في السموات ومن في الارض " أي ماتوا لشدة
الخوف والفزع كما قال : " فصعق من في السموات " وقيل : هي ثلاث نفخات كما مر
" إلا من شاء الله " من الملائكة الذين يثبت الله قلوبهم وهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل
وعزرائيل ، وقيل : هم الشهداء فإنهم لا يفزعون في ذلك اليوم ، روي ذلك في خبر
مرفوع " وكل " من الاحياء الذين ماتوا ثم أحيوا " أتوه " أي يأتونه في المحشر " داخرين "
أي أذلاء صاغرين " وترى الجبال تحسبها جامدة " أي واقفة مكانها لا تسير ولا تتحرك في مرأى
[320]
العين " وهي تمر مر السحاب " أي تسير سيرا حثيثا سير السحاب ، والمعنى : أنك لا ترى
سيرها لبعد أطرافها كما لا ترى سير السحاب إذا انبسط لبعد أطرافه ، وذلك إذا ازيلت
الجبال عن أماكنها للتلاشي " صنع الله " أي صنع الله ذلك صنعا " الذي أتقن كل شئ " أي
خلق كل شئ على وجه الاتقان .
وفي قوله : " ما ينظرون " أي ما ينتظرون " إلا صيحة واحدة " يريد النفخة الاولى
يعني أن القيامة تأتيهم بغتة " تأخذهم " الصيحة " وهم يخصمون " أي يختصمون في
امورهم ، ويتبايعون في الاسواق ، وفي الحديث : تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما
يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم ، والرجل يرفع اكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى
تقوم ، والرجل يليط حوضه ( 1 ) ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم ، وقيل : وهم
يختصمون هل ينزل بهم العذاب أم لا ؟ " فلا يستطيعون توصية " يعني أن الساعة إذا
أخذتهم بغتة لم يقدروا على الايصاء بشئ " ولا إلى أهلهم يرجعون " أي ولا إلى منازلهم
يرجعون من الاسواق ، وهذا إخبار عما يلقونه في النفخة الاولى عند قيام الساعة ،
ثم أخبر سبحانه عن النفخة الثانية فقال : " ونفخ في الصور فإذا هم من الاجداث " وهي
القبور " إلى ربهم " أي إلى الموضع الذي يحكم الله فيه لا حكم لغيره هناك " ينسلون "
أي يخرجون سراعا فلما رأوا أهوال القيامة " قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا " أي
من حشرنا من منامنا الذي كنا فيه نياما ؟ ثم يقولون : " هذا ما وعد الرحمن وصدق
المرسلون " فيما أخبرونا عن هذا المقام ، وهذا البعث . قال قتادة : أول الآية للكافرين
وآخرها للمسلمين ، قيل : إنهم لما عاينوا أهوال القيامة عدوا أحوالهم في قبورهم
بالاضافة إلى تلك رقادا ، قال قتادة : هي النومة بين النفختين لا يفتر عذاب القبر إلا
فيما بينهما فيرقدون ، ثم أخبر سبحانه عن سرعة بعثهم فقال : " إن كانت إلا صيحة واحدة "
أي لم تكن المدة إلا مدة صيحة واحدة " فإذا هم جميع لدينا محضرون " أي فإذا الاولون
والآخرون مجموعون في عرصات القيامة " فاليوم لا تظلم نفس شيئا أي لا ينقص من له
حق شيئا من حقه من الثواب أو غير ذلك ، ولا يفعل به ما لا يستحقه من العذاب ، بل
* ( هامش ) * ( 1 ) أى مدره لئلا ينشف الماء . [ * ]
[321]
الامور جارية على مقتضى العدل وذلك قوله : " ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " .
وفي قوله : " ما لها من فواق " أي لا يكون لتلك الصيحة إفاقة بالرجوع إلى
الدنيا ، وقيل : معناه : مالها مثنوية أي صرف ورد ، وقيل : مالها من فتور كما يفتر
المريض .
وفي قوله تعالى : " وما قدروا الله حق قدره " أي ما عظموا الله حق عظمته
" والارض جميعا قبضته يوم القيمة " القبضة في اللغة : ما قبضت عليه بجميع كفك ، أخبر
الله سبحانه عن كمال قدرته فذكر أن الارض كلها مع عظمها في مقدوره كالشئ الذي
يقبض عليه القابض بكفه فيكون في قبضته ، وهذا تفهيم لنا على عادة التخاطب فيما
بيننا لانا نقول : هذا في قبضة فلان وفي يد فلان إذا هان عليه التصرف فيه وإن لم يقبض
عليه ، وكذا قوله : " والسموات مطويات بيمينه " أي يطويها بقدرته كما يطوي أحد
منا الشئ المقدور له طيه بيمينه ، وذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار والتحقيق للملك ،
كما قال تعالى : " أو ما ملكت أيمانكم " وقيل : معناه إنها محفوظات مصونات بقوته ،
واليمين : القوة " سبحانه وتعالى عما يشركون " أي عما يضيفونه إليه من الشبيه والمثل
" ونفخ في الصور " وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل ، ووجه الحكمة في ذلك أنها علامة
جعلها الله ليعلم بها العقلاء آخر أمرهم في دار التكليف فشبه ذلك بما يتعارفونه من
بوق الرحيل والنزول " فصعق من في السموات والارض " أي يموت من شدة تلك
الصيحة التى تخرج من الصور جميع من في السموات والارض ، يقال : صعق فلان :
إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة العظيمة " إلا من شاء الله " قيل : هم جبرئيل و


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 321 سطر 19 إلى صفحه 329 سطر 18

ميكائيل وإسرافيل وملك الموت وهو المروي ، وقيل : هم الشهداء " ثم نفخ فيه اخرى "
يعني نفخة البعث وهي النفخة الثانية ، قال قتادة في حديث رفعه : إن ما بين النفختين
أربعين سنة ، وقيل : إن الله تعالى يفني الاجسام كلها بعد الصعق وموت الخلق ثم يعيدها
" فإذا هم قيام " إخبار عن سرعة إيجادهم لانه سبحانه إذا نفخ الثانية أعادهم عقيب
ذلك ، فيقومون من قبورهم أحياءا " ينظرون " أي ينتظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به
" وأشرقت الارض بنور ربها " أي أضاءت الارض بعدل ربها يوم القيامة لان نور
[322]
الارض بالعدل ، وقيل : بنور يخلقه الله عزوجل يضئ به الارض يوم القيامة من غير
شمس ولا قمر " ووضع الكتاب " أي كتب الاعمال التي كتبتها الملائكة على بني آدم
توضع في أيديهم ليقرؤوا منها أعمالهم " وجيئ بالنبيين والشهداء " هم الذين يشهدون
للانبياء على الامم بأنهم قد بلغوا ، وأن الامم قد كذبوا ، وقيل : هم الذين استشهدوا
في سبيل الله ، وقيل : هم عدول الآخرة يشهدون على الامم بما شاهدوا ، وقيل : هم
الحفظة من الملائكة ، وقيل : هم جميع الشهداء من الجوارح والمكان والزمان وهي
قوله تعالى : " ذلك يوم الوعيد " أي ذلك اليوم يوم وقوع الوعيد الذي خوف الله به عباده .
" وجاءت كل نفس " أي تجئ كل نفس من المكلفين في يوم الوعيد " ومعها سائق "
من الملائكة يسوقها أي يحثها على السير إلى الحساب " وشهيد " من الملائكة يشهد
عليها بما يعلم من حالها وشاهد بما كتبه لها وعليها ، فلا يجدوا إلى الهرب ولا إلى
الجحود سبيلا ، وقيل : السائق من الملائكة ، والشهيد الجوارح تشهد عليه " لقد كنت
في غفلة " أي يقال له : لقد كنت في سهو ونسيان من هذا اليوم في الدنيا " فكشفنا عنك
غطاءك " الذي كان في الدنيا يغشى قلبك وسمعك وبصرك حتى ظهر لك الامر " فبصرك
اليوم حديد " أي فعينك اليوم حادة النظر لا يدخل عليها شك ولا شبهة ، وقيل : معناه :
فعلمك بما كنت فيه من أحوال الدنيا نافذ ، ولا يراد به بصر العين كما يقال : فلان بصير
بالنجوم والفقه .
وفي قوله تعالى : " واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب " أي اصغ إلى النداء
وتوقعه يعني صيحة يوم القيامة والبعث والنشور ، ينادي به المنادي وهي النفخة الثانية
ويجوز أن يكون المراد : واستمع ذكر حالهم يوم ينادي المنادي ، وقيل : إنه ينادي
مناد من صخرة بيت المقدس : أيتها العظام البالية والاوصال المنقطعة واللحوم المتمزقة
قومي لفصل القضاء وما أعد الله لك من الجزاء ، وقيل : إن المنادي إسرافيل عليه السلام يقول :
يامعشر الخلائق قوموا للحساب عن مقاتل ، وإنما قال : " من مكان قريب " لانه
يسمعه الخلائق كلهم على حد واحد فلا يخفى على أحد قريب ولا بعيد فكأنهم نودوا
من مكان يقرب منهم " يوم يسمعون الصيحة بالحق " الصيحة المرة الواحدة من الصوت
[323]
الشديد ، وهذه الصيحة هي النفخة الثانية ، وقوله : " بالحق " أي بالبعث ، وقيل : يعني
إنها كائنة حقا " ذلك يوم الخروج " من القبور إلى أرض الموقف ، وقيل : هو اسم من
أسماء القيامة " إنا نحن نحيي ونميت " أخبر سبحانه عن نفسه أنه هو الذي يحيي
الخلق بعد أن كانوا جمادا أمواتا ، ثم يمتيهم بعد أن كانوا أحياءا ، ثم يحييهم يوم القيامة ،
وهو قوله : " وإلينا المصير " " يوم تشقق " أي تتشقق " الارض عنهم " وتتصدع فيخرجون
منها " سراعا " يسرعون إلى الداعي بلا تأخير " ذلك حشر " الحشر : الجمع بالسوق من كل
جهة " علينا يسير " أي سهل علينا غير شاق مع تباعد ديارهم وقبورهم .
وفي قوله تعالى : " كل من عليها فان " أي كل من على الارض من حيوان فهو
هالك يفنون ، ويخرجون من الوجود إلى العدم " ويبقى وجه ربك " أي ويبقى ربك
الظاهر بالادلة ظهور الانسان بوجهه " ذو الجلال " أي ذو العظمة والكبرياء واستحقاق
الحمد والمدح " والاكرام " يكرم أنبياءه وأولياءه بألطافه .
وفي قوله تعالى : " فإذا نقر في الناقور " معناه : إذا نفخ في الصور هي كهيئة البوق ،
وقيل : إن ذلك في النفخة الاولى وهو أول الشدة الهائلة العامة ، وقيل : النفخة
الثانية ، وعندها يحيي الله الخلق وتقوم القيامة ، وهي صيحة الساعة " فذلك يومئذ
يوم عسير " أي شديد على الكافرين لنعم الله ، الجاحدين لآياته " غير يسير " غير هين ، وهو
بمعنى قوله : عسير ، إلا أنه أعاده بلفظ آخر للتأكيد ، وقيل : معناه : عسير في نفسه غير
عسير على المؤمنين لما يرون من حسن العاقبة .
1 - فس : قوله : " ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " إلى قوله :
" يخصمون " قال : ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون
فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله ، ولا يوصي بوصية ، وذلك قوله :
" فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " .
قال علي بن إبراهيم : ثم ذكر النفخة الثانية فقال : " إن كانت إلا صيحة واحدة
فإذا هم جميع لدينا محضرون " . " ص 551 - 552 "
[324]
2 - فس : قوله : " ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض إلا من
شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فإذا هم قيام ينظرون " فإنه حدثني أبي ، عن الحسن بن
محبوب ، عن محمد بن النعمان الاحول ، عن سلام بن المستنير ، عن ثوير بن أبي فاختة ، عن
علي بن الحسين عليهما السلام قال : سئل عن النفختين كم بينهما ؟ قال : ما شاء الله ، فقيل له :
فأخبرني يابن رسول الله كيف ينفخ فيه ؟ فقال : أما النفخة الاولى فإن الله يأمر إسرافيل
فيهبط إلى الدنيا ومعه صور ، ( 1 ) وللصور رأس واحد وطرفان ، وبين طرف كل رأس
منهما ما بين السماء والارض ، قال : فإذا رأت الملائكة إسرافيل وقد هبط إلى الدنيا ( 2 )
ومعه الصور قالوا : قد أذن الله في موت أهل الارض وفي موت أهل السماء ، قال : فيهبط
إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ( 3 ) ويستقبل الكعبة ، فإذا رأوا ( 4 ) أهل الارض قالوا :
أذن الله في موت أهل الارض ، قال : فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي
يلي الارض فلا يبقى في الارض ذو روح إلا صعق ومات ، ويخرج الصوت من
إسرافيل ، قال : فيقول الله لاسرافيل : ياإسرافيل مت ، فيموت إسرافيل ، فيمكثون في
ذلك ما شاء الله ، ثم يأمر الله السماوات فتمور ، ويأمر الجبال فتسير ، وهو قوله : " يوم
تمور السماء مورا ( 6 ) وتسير الجبال سيرا " يعني تبسط ، و " تبدل الارض غير الارض " يعني
بأرض لم يكتسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها الجبال ( 7 ) ولا نبات ، كما دحاها أول
مرة ، ويعيد عرشه على الماء كما كان أول مرة مستقلا بعظمته وقدرته ، قال : فعند ذلك
ينادي الجبار جل جلاله بصوت جهوري ( 8 ) يسمع أقطار السماوات والارضين : " لمن الملك
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ومعه الصور . م
( 2 ) في المصدر : إلى الارض . م
( 3 ) في المصدر : بحضرة بيت المقدس . م
( 4 ) في المصدر : فاذا رأوه . م
( 5 ) في المصدر : السماء . م
( 6 ) المور : الجريان السريع .
( 7 ) في المصدر : جبال . م
( 8 ) في المصدر : بصوت من قبله جهورى اه . م [ * ]
[325]
اليوم " ؟ فلا يجيبه مجيب ، فعند ذلك ينادي الجبار جل جلاله مجيبا لنفسه : " لله الواحد
القهار " وأنا قهرت الخلائق كلهم وأمتهم ، إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي ، لا شريك
لي ولا وزير ، ( 1 ) وأنا خلقت خلقي بيدي وأنا أمتهم بمشيتي ، وأنا احييهم بقدرتي ،
قال : فنفخ الجبار نفخة في الصور يخرج ( 2 ) الصوت من أحد الطرفين الذي يلي
السماوات فلا يبقى في السماوات أحد إلا حي وقام كما كان ، ويعود حملة العرش ، ويحضر
الجنة والنار ، ويحشر الخلائق للحساب ، قال : فرأيت علي بن الحسين صلوات الله
عليهما يبكي عند ذلك بكاءا شديدا . " ص 580 - 581 "
بيان : قوله عليه السلام : مستقلا بعظمته أي بلا حامل . والجهوري : العالي .
أقول : سئل عن المفيد رحمه الله في المسائل السروية عن قوله تعالى : " لمن الملك
اليوم " إن هذا خطاب منه لمعدوم لانه يقوله عند فناء الخلق ثم يجيب نفسه فيقول :
" لله الواحد القهار " وكلام المعدوم سفه لا يقع من حكيم ، وجوابه عن سؤاله لمعدوم أو
تقريره إياه خلاف الحكمة في المعقول ، فأجاب المفيد رحمه الله : بأن الآية غير متضمنة
للخبر عن خطاب معدوم ، وهو قوله عزوجل : " لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا
يخفى على الله منهم شئ " ويوم التلاق هو يوم المحشر عند التقاء الارواح والاجساد ،
وتلاقي الخلق بالاجتماع في صعيد واحد ، وقوله : " يوم هم بارزون " تأكيد لذلك ، إذ كان
البروز لا يكون إلا لموجود ، ثم ليس في الآية أن الله هو القائل لذلك فيحتمل أن يكون
القائل ملكا امر بالنداء فأجابه أهل الموقف ، ويحتمل أن يكون الله تعالى هو القائل
مقررا غير مستخبر والمجيبون هم البشر المبعوثون ، أو الملائكة الحاضرون ، ووجه
آخر وهو أن قوله : " لمن الملك " يفيد وقوعه في حال إنزال الآية دون المستقبل ألا ترى
إلى قوله : " لتنذر يوم التلاق " الآية ، فكان : قوله : " لمن الملك اليوم " تنبيها على أن الملك لله
تعالى وحده يومئذ ، ولم يقصد به إلى تقرير والا استخبار ، وقوه تعالى : " لله الواحد
القهار " تأكيد للتنبيه والدلالة على تفرده تعالى بالملك دون من سواه انتهى .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ولا وزير لى ، انا اه . م
( 2 ) في المصدر : فيخرج . م [ * ]
[326]
أقول : هذه الاخبار دافعة لتلك الاحتمالات ، والشبهة مندفعة بأن الخطاب قد
يصدر من الحكيم من غير أن يكون الغرض إفهام المخاطب أو استعلام شئ ، بل لحكمة
اخرى كما هو الشائع بين العرب من خطاب التلال والاماكن والمواضع ، لاظهار الشوق
أو الحزن ، أو غير ذلك ، فلعل الحكمة ههنا اللطف للمتكلفين من حيث الاخبار به
قبل وقوعه ليكون أدعى لهم إلى ترك الدنيا وعدم الاغترار بملكها ودولاتها ، وإلى
العلم بتفرد الصانع بالتدبير وغير ذلك من المصالح للمكلفين . ( 1 )
3 - فس : قوله : " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " قال : حدثني أبي ، عن
ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، عن عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول :
إذا أمات الله أهل الارض لبث كمثل ما خلق الخلق ، ومثل ما أماتهم وأضعاف ذلك ،
ثم أمات أهل السماء الدنيا ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الارض
وأهل السماء الدنيا وأضعاف ذلك ، ثم أمات أهل السماء الثانية ثم لبث مثل ما
خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الارض وأهل السماء الدنيا والسماء الثانية وأضعاف
ذلك ، ثم أمات أهل السماء الثالثة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الارض
وأهل السماء الدنيا والسماء الثانية والسماء الثالثة وأضعاف ذلك ، في كل سماء مثل ذلك
وأضعاف ذلك ، ثم أمات ميكائيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف
ذلك ، ثم أمات جبرئيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك وأضعاف ذلك ، ثم أمات
إسرافيل ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ، ثم أمات ملك
الموت ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ، ثم يقول الله عزوجل :
" لمن الملك اليوم " فيرد على نفسه : " لله الواحد القهار " أين الجبارون ؟ أين الذين ادعوا
* ( هامش ) * ( 1 ) الاخبار إنما تدل على إفناء الاشياء وإماتتها بمعنى نزع الروح من كل بدن ذى روح و
قطع العلقة بين كل نفس ومتعلقها ، وأما إبطال الارواح وإعدام النفوس من أصلها فلا دليل عليه
من جهة الروايات فمن الممكن أن يكون المجيب والمسؤول بعض هذه الارواح كما في بعض الروايات
أنه يجيبه أرواح الانبياء وغيرهم ، وأما ما في بعض الروايات من التعبير بفناء الاشياء فيفسره ما
سيأتي في رواية 12 أن المراد بالاهلاك والافناء الاماتة والقتل ونحوهما . ط [ * ]
[327]
معي إلها ؟ ( 1 ) اين المتكبرون ؟ ونحوهما ، ( 2 ) ثم يبعث الخلق . قال عبيد بن زرارة : فقلت :
إن هذا الامر كله كائن ؟ طولت ذلك ! فقال : أرأيت ما كان هل علمت به ؟ فقلت : لا ،
قال : فكذلك هذا . " ص 584 - 585 "
ين : ابن أبي عمير مثله .
4 - كتاب زيد النرسى : عنه ، عن عبيد بن زرارة ، عنه عليه السلام مثله إلى قوله : ومثل
ما أمات أهل الارض والسماء الدنيا والسماء الثانية والسماء الثالثة وأضعاف
ذلك ، ثم أمات أهل السماء الرابعة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل
الارض وأهل السماء الدنيا والسماء الثانية والسماء الثالثة والسماء الرابعة و
أضعاف ذلك ، ثم أمات أهل السماء الخامسة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما
أمات أهل الارض وأهل السماء الدنيا والثانية والثالثة والرابعة والخامسة وأضعاف
ذلك ، ثم أمات أهل السماء السادسة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات
أهل الارض وأهل السماء الدنيا والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة و
أضعاف ذلك ، ثم أمات أهل السماء السابعة ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات
أهل الارض وأهل السماوات إلى السماء السابعة وأضعاف ذلك ، ثم أمات ميكائيل .
- وساق الحديث إلى قوله : أين المتكبرون ؟ ونحو هذا - ثم يلبث مثل ما خلق الخلق
ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ، ثم يبعث الخلق أو ينفخ في الصور . قال عبيد بن زرارة :
قلت : هذا الامر كائن ؟ طولت ذلك ! فقال : أرأيت ما كان قبل أن يخلق الخلق أطول
أو ذا ؟ قال : قلت : ذا ، قال : فهل علمت به ؟ قال : قلت : لا ، قال : فكذلك هذا .
بيان : كأن المراد بقول الراوي : " ذا " الاشارة إلى الزمان قبل خلق الخلق لانه
غير متناه ، وإن كان مراده هذه الازمنة لم ينبهه عليه السلام على حطائه وأجاب بوجه آخر
رفع استبعاده ، وظاهره أنهم لا يحسون بتلك الازمنة الطويلة إما لانعدامهم بالمرة كما
سيأتي أو لكونهم منعمين لا يضرهم طول الازمنة والاول أظهر ، ثم إنه ينافي ظواهر
الآيات والاخبار الدالة على أن موت أهل السموات بالفخة دفعة ، ويمكن التوفيق بينهما
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : إلها آخر . م ( 2 ) في المصدر : ونحوهم . م [ * ]
[328]
بتكلفات بعيدة ، لكن هذا الخبر لجهالة النرسي لا يصلح لمعارضة تلك الآيات والاخبار .
5 - فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : " يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة " :
قال : تنشق الارض بأهلها ، والرادفة : الصيحة ، والزجرة : النفخة الثانية في الصور .
" ص 710 "
6 - فس : كيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا " قال : يشيب
الولدان من الفزع حيث يسمعون الصيحة . " ص 702 "
7 - ن : بالاسانيد الثلاثة عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله :
إذا كان يوم القيامة يقول الله عزوجل لملك الموت : ياملك الموت وعزتي وجلالي
وارتفاعي وعلوي ( 1 ) لاذيقنك طعم الموت كما أذقت عبادي " ص 200 "
صح : عنه ، عن أبائه عليهم السلام مثله .
ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن علي بن محمد ، عن داود ، عن الرضا عليه السلام
مثله . وفيه : في علو مكاني . " ص 214 "
8 - ن : بالاسانيد الثلاثة عنه عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله لما نزلت هذه
الآية : " إنك ميت وإنهم ميتون " قلت : يارب أيموت الخلائق ويبقى الانبياء ؟ فنزلت :
" كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون " . " ص 200 "
صح : عنه عليه السلام مثله . وفيه : وتبقى الملائكة .
بيان : الصواب ما في صحيفة الرضا عليه السلام ، وما في العيون لا يستقيم إلا بتكلفات بعيدة .
9 - يد : ابن المتوكل ، عن محمد العطار ، عن محمد بن أحمد ، عن عبدالله بن محمد ،
عن علي بن مهزيار قال : كتب أبوجعفر عليه السلام إلى رجل بخطه وقرأته في دعاء كتب
به أن يقول : ياذا الذي كان قبل كل شئ ، ثم خلق كل شئ ، ثم يبقى ويفنى كل
شئ . الخبر . " ص 35 "
10 - ع : علي بن حبشي بن قوني ، عن حميد بن زياد ، عن القاسم بن إسماعيل ، عن
محمد بن سلمة ، عن يحيى بن أبي العلاء الرازي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : يوم الوقت المعلوم
يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت إبليس ما بين النفخة الاولى والثانية . الخبر .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : وارتفاعى في علوى . م [ * ]
[329]
11 - شى : عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى : " وإن
من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيمة أو معذبوها عذابا شديدا " قال : إنما امة
محمد من الامم ، فمن مات فقد هلك .
12 - شى : عن ابن سنان : عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " وإن من قرية إلا
نحن مهلكوها قبل يوم القيمة " قال : هو الفناء بالموت أو غيره . وفي رواية اخرى عنه :
قال : بالقتل والموت وغيره .
13 - م : إن الله ينزل بين نفختي الصور بعد ما ينفخ النفخة الاولى من دوين
سماء الدنيا من البحر المسجور الذي قال الله : " والبحر المسجور " وهي من مني كمني
الرجل ، فيمطر ذلك على الارض فيلقى الماء المني مع الاصوات البالية فينبتون من الارض
ويحيون .
14 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن
فضالة بن أيوب ، عن أبي المغرا قال : حدثني يعقوب الاحمر قال : دخلنا على أبي
عبدالله عليه السلام نعزيه بإسماعيل ، فترحم عليه ثم قال : إن الله عزوجل نعى إلى نبيه صلى الله عليه واله
نفسه فقال : " إنك ميت وإنهم ميتون " وقال : " كل نفس ذائقة الموت " ثم أنشأ يحدث
فقال : إنه يموت أهل الارض حتى لا يبقى أحد ، ثم يموت أهل السماء حتى لا يبقى
أحد إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل ، قال : فيجئ ملك الموت حتى
يقوم بين يدي الله عزوجل فيقال له : من بقي ؟ - وهو أعلم - فيقول : يارب لم يبق إلا
ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل ، فيقال : قل لجبرئيل وميكائيل : فليموتا


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 6 من صفحه 329 سطر 19إلى صفحه 337 سطر 12

فيقول الملائكة عند ذلك ، يارب رسولاك وأميناك ، فيقول : إني قد قضيت على كل
نفس فيها الروح الموت ، ثم يجئ ملك الموت حتى يقف بين يدي الله عزوجل فيقال
له : من بقي ؟ - وهو أعلم - فيقول : يارب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش ، فيقول :
قل لحملة العرش : فليموتوا ، قال : ثم يجئ كئيبا حزينا لا يرفع طرفه ، فيقال له : من
بقي ؟ فيقول : يارب لم يبق إلا ملك الموت ، فيقال له : مت ياملك الموت فيموت ، ثم
يأخذ الارض بيمينه والسماوات بيمينه ، ويقول : أين الذين كانوا يدعون معي شريكا ؟
أين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر ؟ . " ف ج 1 ص 71 "
[330]
ين : فضالة مثله ، وفيه : والسماوات بيمينه فيهزهن هزا مرات ، ثم يقول .
15 - ج : عن هشام بن الحكم في خبر الزنديق الذي سأل الصادق عليه السلام عن
مسائل إلى أن قال : أيتلاشي الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق ؟ قال : بل هو باق إلى
وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الاشياء وتفنى ، فلا حس ولا محسوس ، ثم اعيدت
الاشياء كما بدأها مدبرها ، وذلك أربعمائة سنة تسبت فيها الخلق وذلك بين
النفختين . " 192 "
بيان : هذا الخبر يدل على فناء الاشياء وانعدامها بعد نفخ الصور ، وعلى أن
الزمان أمر مرهوم وإلا فلا يمكن تقديره بأربعمائة سنة بعد فناء الافلاك ( 1 ) ويمكن
أن يكون المراد ما سوى الافلاك ، أو ما سوى فلك واحد يتقدر به الازمان .
16 - نهج : هو المفني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها ، وليس فناء
الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها ، وكيف ولو اجتمع جميع حيوانها
من طيرها وبهائمها وما كان من مراحها وسائمها وأصناف أسناخها وأجناسها ومتبلدة
اممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها ، ولا عرفت كيف السبيل إلى
إيجادها ؟ ولتحيرت عقولها في علم ذلك ، وتاهت وعجزت قواها ، وتناهت ورجعت
خاسئة حسيرة عارفة بأنها مقهورة ، مقرة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضعف عن
إفنائها وأنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شئ معه كما كان قبل ابتدائها كذلك
* ( هامش ) * ( 1 ) ظاهر الخبر بطلان الاشياء وفناؤها بذواتها وآثارها ، فيشكل حينئذ أولا بأن بطلان
الاشياء وحركاتها يوجب بطلان الزمان فما معنى التقدير بأربعمائة سنة ؟ وثانيا أن فرض بطلان
الاشياء مع يطلان الزمان لا يبقى معنى للاعاة إذ مع بطلان . الزمان وانقطاع اتصال ما فرض أصلا
وما فرض معادا يبطل نسبة السابقية واللاحقية بينهما ولا معنى للاعادة حينئذ . واما ما ذكره المؤلف
قدس سره الشريف اولا من احتمال كون الزمان أمرا موهوما فلا يدفع الاشكال لاستلزامه بطلان كل
تقدم وتأخر زمانى في العالم حتى قبل نفخ الصور ولا يمكن الالتزام به ، وما ذكره ثانيا : أن المراد
بطلان ما سوى الافلاك فهو مما يأبى عنه لسان الخبر والخبر الاتى ، على أن ما اعتمد عليه في ثبوت
وجود الافلاك لو تم لدل على وجوب اشتمال الفلك على عالم العناصر في جوفه . وما ذكره من كون
المراد بطلان الاشياء ما سوى فلك واحد يتقدر بها الزمان يشكل عليه ما يشكل على سابقه ويزيد
أن هذه الفلك على فرض وجودها تقدر الزمان بحركتها الوضعية ولا معنى للحركة الوضعية مع انعدام
الاشياء الخارجة من الفلك . وهو ظاهر . على أن فرضية وجود الافلاك البطلميوسية مما اتضح فسادها
في هذا العصر ، والرواية مع ذلك كله غير مطروحة ولبيان معناها الدقيق محل آخر ذو مجال وسعة . ط . [ * ]
[331]
يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلك الآجال والاوقات ،
وزالت السنون والساعات ، فلا شئ إلا الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الامور
بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، وبغير امتناع منها كان فناؤها ، ولو قدرت على الامتناع
لدام بقاؤها لم يتكأده صنع شئ منها إذ صنعه ، ولم يؤده منها خلق ما خلقه وبرأه ،
ولم يكونها لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانة بها على
ند مكاثر ، ولا للاحتراز بها من ضد مثاور ، ولا للازدياد بها في ملكه ، ولا لمكاثرة
شريك في شركه ، ولا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها ، ثم هو يفنيها بعد
تكوينها لا لسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها ، ولا لراحة واصلة إليه ، ولا لثقل شئ
منها عليه ، لم يمله طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها ، لكنه سبحانه دبرها بلطفه
وأمسكها بأمره ، وأتقنها بقدرته ، ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها ، ولا
استعانة بشئ منها عليها .
أقول : قد مرت الخطبة بتمامها وشرحها في كتاب التوحيد .
تتميم : اعلم أن ظاهر هذا الخبر فناء جميع المخلوقات عند انقضاء العالم كما هو
مذهب جماعة من المتكلمين ، قال شارح المواقف : قد سبقت في مباحث الجسم إشارة
إلى أن الاجسام باقية غير متزايلة على ما يراه النظام ، وقابلة للفناء غير دائمة البقاء
على ما يراه الفلاسفة قولا بأنها أزلية أبدية ، والجاحظ وجمع من الكرامية قولا
بأنها أبدية غير أزلية ، وتوقف أصحاب أبي الحسين في صحة الفناء ، واختلف القائلون
بها في أن الفناء بإعدام معدم أو بحدوث ضد أو بانتفاء شرط ، أما الاول فذهب
القاضي وبعض المعتزلة إلى أن الله تعالى يعدم العالم بلا واسطة فيصير معدوما كما
أوجده كذلك فصار موجودا ، وذهب أبوالهذيل إلى أنه تعالى يقول له : افن فيفنى ،
كما قال له : كن فكان ، وأما الثاني فذهب جمهور المعتزلة إلى أن فناء الجوهر بحدوث
ضدله هو الفناء ، فذهب ابن اخشيد إلى أن الفناء وإن لم يكن متحيزا لكنه
يكون حاصلا في جهة معينة ، فإذا أحدثه الله تعالى فيها عدمت الجواهر بأسرها ،
وذهب ابن شبيب إلى أن الله تعالى يحدث في كل جوهر فناءا ثم ذلك الفناء يقتضي عدم
الجوهر في الزمان الثاني ، وذهب أبوعلي وأتباعه إلى أنه يخلق بعدد كل جوهر فناءا
[332]
لا في محل فتفنى الجواهر ، وقال أبوهاشم وأشياعه : يخلق فناءا واحدا لا في محل فينفي
به الجواهر بأسرها ، وأما الثالث وهو أن فناء الجوهر بانقطاع شرط وجوده فزعم
بشر أن ذلك الشرط بقاء يخلقه الله تعالى لا في محل ، فإذا لم يخلقه الله تعالى عدم الجوهر ،
وذهب الاكثرون من أصحابنا والكلبي من المعتزلة إلى أنه بقاء قائم به يخلقه الله حالا
فحالا ، فإذا لم يخلقه الله تعالى فيه انتفى الجوهر ، وقال إمام الحرمين : إنها الاعراض
التي يجب اتصاف الجسم بها ، فإذا لم يخلقها الله تعالى فيه فنى ، وقال القاضي في
أحد قوليه : هو الاكوان التي يخلقها الله في الجسم حالا فحالا ، فمتى لم يخلقها الله
فيه انعدم ، وقال النظام : إنه ليس بباق بل يخلق الله حالا فحالا فمتى لم يخلق فنى ،
وأكثر هذه الاقاويل من قبيل الاباطيل ، سيما القول بكون الفناء أمرا محققا في
الخارج ضد اللبقاء قائما بنفسه أو بالجوهر ، وكون البقاء موجودا لا في محل ، ولعل
وجه البطلان غني عن البيان . ثم القائلون بصحة الفناء وبحقية حشر الاجساد اختلفوا
في إن ذلك بالايجاد بعد الفناء أو بالجمع بعد تفرق الاجزاء ؟ والحق التوقف ،
وهو اختيار إمام الحرمين حيث قال : يجوز عقلا أن تعدم الجواهر ثم تعاد ، وأن تبقى
وتزول أعراضها المعهودة ثم تعاد بنيتها ولم يدل قاطع سمعي على تعيين أحدهما ، فلا
يبعد أن يغير أجساد العباد على صفة أجسام التراب ، ثم يعاد تركيبها إلى ما عهد ، ولا
يحيل أن يعدم منها شئ ثم يعاد ، والله أعلم .
احتج الاولون بوجوه : الاول الاجماع على ذلك قبل ظهور الخالفين كبعض
المتأخرين من المعتزلة وأهل السنة ، ورد بالمنع كيف وقد أطبقت معتزلة بغداد على
خلافه ؟ نعم كان الصحابة يجمعون على بقاء الحق وفناء الخلق بمعنى هلاك الاشياء
وموت الاحياء وتفرق الاجزاء لا بمعنى انعدام الجواهر بالكلية لان الظاهر أنهم لم
يكونوا يخوضون في هذه التدقيقات .
الثانى هو قوله تعالى : " هو الاول والآخر " ( 1 ) أي في الوجود ، ولا يتصور
ذلك إلا بانعدام ما سواه ، وليس بعد القيامة وفاقا فيكون قبلها ، واجيب بأنه يجوز أن
* ( هامش ) * ( 1 ) الحديد : 3 . [ * ]
[333]
يكون المعنى : هو مبدء كل موجود وغاية كل مقصود ، أو هو المتوحد في الالوهية ،
أو في صفات الكمال ، كما إذا قيل لك : هذا أول من زارك أو آخرهم ؟ فتقول : هو
الاول والآخر ، وتريد أنه لا زائر سواه ، أو هو الاول والآخر بالنسبة إلى كل
حي ، بمعنى أنه يبقى بعد موت جميع الاحياء ، أو هو الاول خلقا والآخر رزقا ، كما
قال : " خلقكم ثم رزقكم " ( 1 ) وبالجملة فليس المراد أنه آخر كل شئ بحسب الزمان
للاتفاق علي أبدية الجنة ومن فيها .
الثالث قوله تعالى : " كل شئ هالك إلا وجهه " ( 2 ) فإن المراد به الانعدام ،
لا الخروج عن كونه منتفعا به لان الشئ بعد التفرق يبقى دليلا على الصانع ، وذلك
من أعظم المنافع . واجيب بأن المعنى أنه هالك في حد ذاته لكونه ممكنا لا يستحق
الوجود إلا بالنظر إلى العلة ، أو المراد بالهلاك الموت ، أو الخروج عن الانتفاع المقصود
به اللائق بحاله كما يقال : هلك الطعام إذا لم يبق صالحا للاكل وإن صلح لمنفعة
اخرى ، ومعلوم أن ليس مقصود الباري تعالى من كل جوهر الدلالة عليه وإن صلح لذلك
كما أن من كتب كتابا ليس بكل كلمة الدلالة على الكاتب ، أو المراد الموت
كما في قوله تعالى : " إن امرؤ هلك " وقيل : معناه : كل عمل لم يقصد به وجه الله تعالى
فهو هالك أي غير مثاب عليه .
الرابع قوله تعالى : " وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده ( 3 ) كما بدأنا أول خلق
نعيده ( 4 ) " والبدؤ من العدم فكذا العود ، وأيضا إعادة الخلق بعد إبدائه لا يتصور بدون
تخلل العدم ، واجيب بأنا لا نسلم أن المراد بإبداء الخلق الايجاد والاخراج عن
العدم ، بل الجمع والتركيب على ما يشعر به قوله تعالى : " وبدأ خلق الانسان من طين "
ولهذا يوصف بكونه مرئيا مشاهدا كقوله تعالى : " أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق " ( 5 )
" أو لم يسيروا في الارض فينظروا كيف بدء الخلق " وأما القول بأن الخلق حقيقة في
التركيب تمسكا بمثل قوله تعالى : " خلقكم من تراب " ( 6 ) أي ركبكم " وتخلقون
إفكا " ( 7 ) أي تركبونه ، فلا يكون حقيقة في الايجاد دفعا للاشتراك فضعيف جدا ، لاطباق
* ( هامش ) * ( 1 ) الروم : 40 . ( 2 ) القصص : 88 . ( 3 ) الروم : 27 . ( 4 ) الانبياء : 104 .
( 5 ) العنكبوت : 19 . ( 6 ) فاطر : 13 . ( 7 ) العنكبوت : 17 . [ * ]
[334]
أهل اللغة على أنه إحداث وإيجاد مع تقدير ، سواء كان عن مادة كما في خلقكم
من تراب ، أو بدونه كما في خلق الله العالم .
الخامس قوله تعالى : " كل من عليها فان " ( 1 ) والفناء هو العدم ، واجيب
بالمنع بل هو خروج الشئ من الصفة التي ينتفع به عندها كما يقال : فنى زاد القوم
وفنى الطعام والشراب ، ولذا يستعمل في الموت مثل أفناهم الحرب ، وقيل : معنى الآية :
كل من على وجه الارض من الاحياء فهو ميت ، قال الامام : ولو سلم كون الفناء
والهلاك بمعنى العدم فلابد في الآيتين من تأويل ، إذ لو حملتا على ظاهرهما لزم كون
الكل هالكا فانيا في الحال وليس كذلك ، وليس التأويل بكونه آئلا إلى العدم على
ما ذكرتم أولى من التأويل بكونه قابلا له ، وهذه منه إشارة إلى ما اتفق عليه أئمة
العربية من كون اسم الفاعل ونحوه مجازا في الاستقبال ، وأنه لابد من الاتصاف
بالمعنى المشتق منه ، وإنما الخلاف في أنه هل يشترط بقاء ذلك المعنى ؟ وقد توهم
صاحب التلخيص أنه كالمضارع يشترك بين الحال والاستقبال ، فاعترض بأن حمله على
الاستقبال ليس تأويلا وصرفا عن الظاهر .
واحتج الآخرون بوجوه : الاول : أنه لو كان كذلك لما كان الجزاء واصلا
إلى مستحقه ، واللازم باطل عندنا سمعا للنصوص الواردة في أن الله لا يضيع أجر من
أحسن عملا ، وعقلا عند المعتزلة لما سبق من وجوب ثواب المطيع وعقاب العاصي ، و
بيان اللزوم أن المنشأ لا يكون هو المبتدأ بل مثله لامتناع إعادة المعدوم بعينه . ورد
بالمنع وقد مر بيان ضعف أدلته ، ولو سلم فلا يقوم على من يقول ببقاء الروح أو الاجزاء
الاصلية وإعدام البواقي ثم إيجادها وإن لم يكن الثاني هو الاول بعينه بل مغايرا له
في وصفه الابتداء والاعادة أو بأعتبار آخر ، ولاشك أن العمدة في الاستحقاق هو
الروح على ما مر ، وقد يقرر بأنها لو عدمت لما علم إيصال الجزاء إلى مستحقه لانه
لا يعلم أن ذلك المحشور هو الاول اعيد بعينه أم مثل له خلق على صفته ، أما على
تقدير الفناء بالكلية فظاهر ، وأما على تقدير بقاء الروح والاجزاء الاصلية فلانعدام
التركيب والهيئات والصفات التي بها يتمايز المسلمون سيما على قول من يجعل
* ( هامش ) * ( 1 ) الرحمن : 26 . [ * ]
[335]
الروح أيضا من قبيل الاجسام ، واللازم منتف لان الادلة قائمة على وصول الجزاء
إلى المستحق .
لا يقال : لعل الله يحفظ الروح والاجزاء الاصلية عن التفرق والانحلال ، بل
الحكمة تقتضي ذلك ليعلم وصول الحق إلى المستحق لانا نقول : المقصود إبطال
رأي من يقول بفناء الاجساد بجميع الاجزاء بل أجسام العالم بأسرها ثم الايجاد وقد
حصل ولو سلم فقد علمت أن العمدة في الحشر هو الاجزاء الاصلية لا الفضلية وقد
سلمتم أنها لا تتفرق فضلا عن الانعدام بالكلية ، بل الجواب أن المعلوم بالادلة هو أن
الله تعالى يوصل الجزاء إلى المستحق ولا دلالة على أنا نعلم ذلك عند الايصال البتة
وكفى بالله عليما . ولو سلم فلعل الله تعالى يخلق علما ضروريا أو طريقا جليا جزئيا
أو كليا .
الثانى وهو للمعتزلة أن فعل الحكيم لابد أن يكون لغرض لامتناع العبث عليه
ولا يتصور له غرض في الاعدام إذ لا منفعة فيه لاحد لانها إنما تكون مع الوجود
بل الحياة ، وليس به أيضا جزاء المستحق كالعذاب والسؤال والحساب ونحو ذلك و
هذا ظاهر ، ورد بمنع انحصار الغرض في المنفعة والجزاء ، فلعل لله في ذلك حكما و
مصالح لا يعلمها غيره ، على أن في الاخبار بالاعدام لطفا للمكلفين وإظهارا لغاية
العظمة والاستغناء والتفرد بالدوام والبقاء ، ثم الاعدام تحقيق لذلك وتصديق .
الثالث النصوص الدالة على كون النشور بالاحياء بعد الموت والجمع بعد التفريق
كقوله تعالى : " وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى " الآية ، ( 1 ) وكقوله
تعالى : " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد
موتها " - إلى قوله - : " وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما " ( 2 ) وكقوله
تعالى : " و " كذلك النشور " ( 3 ) " وكذلك تخرجون " ( 4 ) و " كما بدأكم تعودون " ( 5 )
بعد ما ذكر بدء الخلق من الطين وعلى وجه نرى ونشاهد مثل " أولم يروا كيف يبدئ
الله الخلق " ( 6 ) " أولم يسيرو في الارض فينظروا كيف بدء الخلق " وكقوله تعالى :
* ( هامش ) * ( 1 ) البقرة : 263 . ( 2 ) البقرة : 262 . ( 3 ) فاطر : 9 .
( 4 ) الروم : 19 . ( 5 ) الاعراف : 29 . ( 6 ) العنكبوت : 19 . [ * ]
[336]
" يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش " ( 1 ) إلى غير ذلك
من الآيات المشعرة بالتفريق دون الاعدام .
والجواب أنها لا تنفي الانعدام وإن لم تدل عليه ، وإنما سيقت لكيفية الاحياء
بعد الموت والجمع بعد التفريق لان السؤال وقع عن ذلك ، ولانه أظهر في بادئ
النظر والشواهد عليه أكثر ، ثم هي معارضة بالآيات المشعرة بالاعدام والفناء
انتهى كلامه .
والحق أنه لا يمكن الجزم في تلك المسألة بأحد الجانبين لتعارض الظواهر
فيها ، وعلى تقدير ثبوته لا يتوقف انعدامها على شئ سوى تعلق إرادة الرب تعالى
بإعدامها ، وأكثر متكلمي الامامية على عدم الانعدام بالكلية لاسيما في الاجساد ( 2 )
قال المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد : والسمع دل عليه ويتأول في المكلف بالتفريق
كما في قصة إبراهيم عليه السلام انتهى .
وأما الصور فيجب الايمان به على ما ورد في النصوص الصريحة ، وتأويله
بأنه جمع للصورة كما مر من الطبرسي وقد سبقه الشيخ المفيد رحمه الله فهو خروج عن
ظواهر الآيات بل صريحها ، إذ لا يتأني ذلك في النفخة الاولى ، ويأبى عنه أيضا توحيد
الضمير في قوله تعالى : " ونفخ فيه اخرى " وإطراح للنصوص الصحيحة الصريحة من
غير حاجة ، وقد قال سيد الساجدين صلوات الله عليه في الدعاء الثالث من الصحيفة
الكاملة : وإسرافيل صاحب الصور الشاخص الذي ينتظر منك الاذن وحلول الامر
فينبه بالنفخة صرعى رهائن القبور .
* ( هامش ) * ( 1 ) القارعة : 4 و 5 .
( 2 ) لما كان انعدام كل شئ الا الله سبحانه يبطل التقدم والتأخر وكل معنى حقيقى ويبطل به
النسبة بين الدنيا والاخرة والمبتدء والمعاد وجميع المعارف الالهية المبينة تلو ذلك في الكتاب
والسنة القطعية لم يكن مجال لاحتماله ، وما ظاهره ذلك من النصوص مبين بما يعارضه ، وأما أحاديث
الصور فهى آحاد لا تبلغ حد التواتر ولا يؤيد الكتاب تفاصيل ما فيها من صفة الصور والامور المذكورة
مع نفخه ولا دليل على حجية الاحاد في غير الاحكام الفرعية من المعارف الاصلية لا من طريق سيرة
العقلاء ولا من طريق الشرع على ما بين في الاصول ، فالواجب هو الايمان باجمال ما اريد من الصور
لوروده في كتاب الله ، وأما الاخبار فالواجب تسليمها وعدم طرحها لعدم مخالفتها الكتاب والضرورة
وارجاع علمها إلى الله ورسوله والائمة من أهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين . ط [ * ]
[337]
إلى هنا تم الجزء السادس من كتاب بحار الانوار من هذه الطبعة المزدانة
بتعاليق نفيسة قيمة وفوائد جمة ثمينة ، ويحوي هذا الجزء 501 حديثا في 17 بابا .
وقد بالغنا في تصحيح الكتاب وقابلناه بنسخة المصنف قدس سره الشريف ، والنسخة
لخزانة كتب فضيلة الفقيد ثقة الاسلام والمحدثين الحاج السيد ( صدر الدين الصدر
العاملي ) الخطيب الشهير الاصفهاني رضوان الله عليه ، وأتحفنا إياها ولده المعظم
العالم العامل الحاج السيد ( مهدي الصدر العاملي ) نزيل طهران ، فمن واجبنا أن
نقدم إليه ثناءنا العاطر وشكرنا الجزيل . ولا ننسى الثناء على الشريف الجليل ، المحقق
الفاضل ، السيد جلال الدين المحدث - أدام الله تأييده - فإنه لم يضن علينا بنفائس
مخطوطات كتاب البحار التي تعد من أعلاق اصوله القيمة ، وفقه الله تعالى وإيانا
لجميع مرضاته إنه ولى التوفيق .
يحيى عابدي