بسمه تعالى



-اسم الموضوع: بحار56

............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 1 سطر 1 الى ص 7 سطر 13

[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
( باب )
( تأثير السحر والعين وحقيقتهما زائدا على ما تقدم في باب )
( عصمة الملائكة )
الايات :
البقرة : يعلمون الناس السحر - إلى قوله - فيتعلمون منهما ما يفرقون به
بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا باذن الله . ( 1 )
الاعراف : فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم . ( 2 )
يونس : ولا يفلح الساحرون . ( 3 )
وقال تعالى : وقال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل
المفسدين . ( 4 )
يوسف : وقال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما
اغني عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون
ولمادخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شئ إلا حاجة في نفس يعقوب
( هامش صفحة 1 ) ( 1 ) البقرة : 102 .
( 2 ) الاعراف : 116 .
( 3 ) يونس 77 .
( 4 ) يونس : 81 .
[ 2 ]
قضيها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 1 ) .
طه : قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى
- إلى قوله تعالى - إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ( 2 ) .
القلم : وإن يكاد الذين كفروا ليز لقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون
إنه لمجنون . وما هو إلا ذكر للعالمين ( 3 ) .
الفلق : ومن شر النفاثات في العقد . ومن شرن حاسد إذا حسد " ( 4 ) .
تفسير : قال الطبرسى - رحمه الله - في قوله تعالى " يعلمون الناس السحر "
السحر والكهانة والحيلة نظائر ، يقال : سحره يسحره سحرا . وقال صاحب العين :
السحر عمل يقرب إلى الشياطين ، ومن السحر الاخذة التيي تأخذ العين حتى تظن
أن الامر كما ترى وليس الامر كما ترى . فالسحر عمل خفي لخفاء سببه ، يصور
الشئ بخلاف صورته ، ويقلبه عن جنسه في الظاهر ، ولا يقلبه عن جنسه في الحقيقة
، ألا ترى إلى قوله تعالى " يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى " ( 5 ) .
وقال في قوله : " ما يفرقون به " : فيه وجوه : أحدها أنهم يوجدون أحدهما
على صاحبه ويبغضونه إليه فيؤدي ذلك إلى الفرقة عن قتادة . وثانيها : أنهم يغوون
أحد الزوجين ويحملونه على الكفر والشرك بالله تعالى فيكون بذلك قد فارق زوجه
الآخر المؤمن المقيم على دينه ، فيفرق بينهما على اختلاف النحلة وتباين الملة . و
ثالثها أنهم يسعون بين الزوجين بالنميمة والوشاية حتى يؤول أمرهما إلى الفرقة و
المباينة . " إلا بإذن الله " أي يعلم الله فيكون تهديدا أو بتخلية الله ( 6 ) .
( هامش صفحه 2 ) ( 1 ) يوسف 467 ، 68 .
( 2 ) طه : 66 - 69 .
( 3 ) القلم : 51 - 52 .
( 4 ) الفلق : 4 ، 5 .
( 5 ) مجمع البيان : ج 1 ص 17 .
( 6 ) مجمع البيان : ج 1 ص 176 ( بتلخيص ) .
[ 3 ]
وقال البيضاوي : اللمراد بالسحر ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما
لا يستقل به اللانسان ، وذلك لا يستتب إلا لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس ،
فإن التناسب شرط في التضام والتعاون ، وبهذا يميز الساحر عن النبيي والوليي .
وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات والادوية أو يريه صاحب
خفة اليد فغير مذموم ، وتسميته سحرآ على التجوز ، أو لما فيه من الدقة لانه
في اللاصل لما خفي سببه ( 1 ) .
وقال الشيخ - قدس سره - في التبيان : قيل في معنى السحر أربعة أقوال : أحدها
أنه خدع ومخاريق وتمويهات لا حقيقة لها ، يخيل إلى المسحور أن لها حقيقة .
والثاني أنه أخذ بالعين على وجه الحيلة . والثالث أنه قلب الحيوان من صورة إلى
صورة ، وإنشاء الاجسام على وجه الاختراع ، فيمكن الساحر أن يقلب الانسان حمارا
وينشئ أجساما . والرابع أنه ضرب من خدمة الجن . وأقرب الاقوال الاول لان
كل شئ خرج عن العادة الجارية فإنه سحر لا يجوز أن يتأتى من الساحر ، ومن
جوز شيئا من هذا فقد كفر ، لانه لا يمكن مع ذلك العلم بصحة المعجزات الدالة
على النبوات ، لانه أجازمثله على جهة الحيلة والسحر ( 2 ) .
وقال النيسابوري : السحر في اللغة عبار عن كل ما لطف مأخذه وخفي سببه ،
ومنه الساحر العالم ، وسحره خدعه ، والسحر الرئة . وفي الشرع مختص بكل أمر
يختفي سببه ويتخيل على غير حقيقته ، ويجري مجرى التمويه والخداع . وقد
يستعمل مقيدا فيما يمدح ويحمد ، وهو السحر الحلال . قال صلى الله عليه وآله : إن من البيان
لسحرا .
ثم السحر على أقسام : منها سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر ، وهم
قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم ، ومنها تصدر الخيرات
( هامش صفحه 3 ) ( 1 ) أنوار التنزيل : ج 1 ، ص 102 .
( 2 ) التبيان 1 : 374 .
[ 4 ]
والشرور والسعادة والنحوسة ، ويستحدثون الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية
بالقوى الارضية ، وهم الذين بعث الله إبراهيم عليه السلام مبطلا لمقالتهم .
ومنها سحر أصحاب الاوهام والنفوس القوية ، بدليل أن الجذع الذي يتمكن
الانسان من المشي عليه لو كان موضوعا على الارض ، لا يمكنه المشي عليه لو كان
كالجسر ، وما ذاك إلا لان تخيل السقوط متى قوي أوجبه . وقد اجتمعت الاطباء
على نهي المرعوف عن النظر إلى الاشياء الحمر ، والمصروع عن النظر إلى الاشياء
القوية اللمعان والدوران ، وما ذلك إلا لان النفوس خلقت مطيعة للاوهام واجتمعت
الامم على أن الدعاء مظنة الاجابة ، وأن الدعاء باللسان من غير طلب نفساني قليل
الاثر ، والاصابة بالعين مما اتفق عليه العقلاء .
ومنها سحر من يستعين بالارواح الارضية ، وهو المسمى بالعزائم وتسخير الجن .
ومنها التخييلات الآخذة بالعيون ، وتسمى بالشعبدة . ( 1 )
ومنها الاعمال العجيبة التي تظهر من الآلات المركبة على النسب الهندسية ،
أو لضرورة الخلاء . ومن هذا الباب صندوق الساعات وعلم جر الاثقال . وهذا لا يعد
من السحر عرفا لان لها أسبابا معلومة يقينية .
ومنها الاستعانة بخواص الادوية والاحجار .
ومنها تعليق القلب ، وهو أن يدعى الساحر أنه قد عرف الاسم الاعظم ، و
أن الجن ينقادون له في أكثر الامور ، فاذا اتفق أن كان السامع ضعيف العقل قليل
التمييز اعتقد أنه حق وتعلق قلبه بذلك ، وحصل في قلبه نوع من الرعب وحينئذ
تضعف القوى الحساسة فيتمكن الساحر من أن يفعل فيه ما شاء .
ومنها السعي بالنميمة والتضريب من وجوه خفية لطيفة - انتهى - .
وهذا فذلكة مما نقلنا عن الرازي في باب عصمة الملائكة .
( هامش صفحه 4 ) ( 1 ) بالشعوذة ( خ ) .
[ 5 ]
وقال أيضا في قوله " فيتعلمون " : أي فيتعلم الناس من الملكين ما
يفرقون به بين المرء وزوجه ، إما لانه إذا اعتقد أن السحر حق كفر فبانت منه
امرأته ، وإما لانه يفرق بينهما بالتمويه والاحتيال ، كالنفث في العقد ونحو ذلك
مما يحدث الله عنده الفرك والنشوز ابتلاء منه ، لان السحر له أثر في نفسه بدليل
قوله " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " أي بإراداته وقدرته ، لانه إن شاء
أحدث عند ذلك شيئا من أفعاله ، وإن شاء لم يحدث . وكان الذي يتعلمون منهما لم
يكن مقصورا على هذه الصورة ، ولكن سكون المرء وركونه إلى زوجه لما كان أشد
خصت بالذكر ليدل بذلك على أن سائر الصور بتأثير السحر فيها أولى - انتهى - .
وقد مر من تفسير الامام عليه السلام " فيتعلمون " يعني طالبي السحر " منهما "
يعني مما كتبت الشياطين على ملك سليمان من النيرنجات ، ومما انزل على الملكين
ببابل هاروت وماروت ، يتعلمون من هذين الصنفين " ما يفرقون به بين المرء وزوجه "
هذا من يتعلم للاضرار بالناس ، يتعلمون التضرب بضروب الحيل والنمائم والايهام
أنه قد دفن في موضع كذا وعمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل ، والرجل إلى المرأة ،
أو يؤدي إلى الفراق بينهما . " وما هم بضارين به " أي ما المتعلمون لذلك بضارين
به " من أحد إلا بإذن الله " يعني بتخلية الله وعلمه ، فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر .
وقال الطبرسي - رحمه الله - في قوله تعالى " فلما ألقوا " أي فلما ألقى السحرة
ما عندهم من السحر احتالوا في تحريك العصي والحبال بما جعلوا فيها من الزئبق ،
حتى تحركت بحرارة الشمس وغير ذلك من الحيل وأنواع التمويه والتلبيس ، وخيل
إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية . وإنما سحروا أعين الناس لانهم
أروهم شيئا لم يعرفوا حقيقته ، وخفي ذلك عليهم لبعده منهم ، لانهم لم يخلوا الناس
يدخلون فيما بينهم . وفي هذا دلالة على أن السحر لا حقيقة له ، لانه لو صارت
حيات حقيقة لم يقل الله سبحانه " سحروا أعين الناس " بل كان يقول " فلما ألقوا
صارت حيات " - انتهى - ( 1 ) .
( هامش صفحه 5 ) ( 1 ) مجمع البيان : ج 4 ، ص 461 .
[ 6 ]
وقال الرازي : احتج القائلون بأن السحر محض التمويه بهذه الآية . قال
القاضي : لو كان السحر حقا لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم ، فثبت أن المراد أنهم
تخيلوا أحوالا عجيبة ، مع أن الامر في الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوه .
قال الواحدي : بل المراد سحروا أعين الناس أي قلبوها عن صحة إدراكها
بسبب تلك التمويهات ( 1 ) .
وقال الطبرسي : " ولا يفلح الساحرون " أي لا يظفرون بحجة ، ولا يأتون
على ما يدعونه ببينة ، وإنما هو تمويه على الضعفة .
" ما جئتم به السحر " أي الذين جئتم به من الحبال والعصي السحر ، لا ما جئت
به . " إن الله سيبطل هذا السحر الذي عظمتموه ( 2 ) . " إن الله لا يصلح عمل
المفسدين " إن الله لا يهيئ عمل من قصد إفساد الدين ولا يمضيه ، ويبطله حتى
يظهر الحق من الباطل ( 3 ) .
وقال في قوله " لا تدخلوا من باب واحد " خاف عليهم العين ، لانهم كانوا
ذوي جمال ، وهيئة وكمال ، وهم إخوة ، أولاد رجل واحد ، عن ابن عباس والحسن
وقتادة والضحاك والسدي وأبومسلم . وقيل : خاف عليهم حسد الناس إياهم ، وأن
يبلغ الملك قوتهم وبطشهم ، فيحبسهم أو يقتلهم خوفا على ملكه ، عن الجبائي ،
وأنكر العين وذكر أنه لم يثبت بحجة ، وجوزه كثير من المحققين ، ورووا فيه الخبر
عن النبي صلى الله عليه وآله " إن العين حق تستنزل الحالق " والحالق المكان المرتفع من الجبل
وغيره ، فجعل عليه السلام العين كأنها تحط ذروة الجبل ، من قوة أخذها ، وشدة بطشها .
وورد في الخبر أنه صلى الله عليه وآله كان يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام بأن يقول " اعيذكما
بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة " وروي أن إبراهيم
( هامش صفحه 6 ) تفسير الرازى ج 14 : 203 .
( 2 ) في المصدر : فعلتموه .
( 3 ) مجمع البيان : ج 5 : ص 126 .
[ 7 ]
عليه السلام عوذ ابنيه ، وأن موسى عليه السلام عوذ ابني هارون بهذه العوذة ، وروي أن بني
جعفر بن أبيطالب كانوا غلمانا بيضا ، فقالت أسماء بنت عميس : يا رسول الله ، إن
العين إليهم سريعة ، أفأسترقي لهم من العين ؟ فقال صلى الله عليه وآله : نعم . وروي أن جبرئيل
عليه السلام رقى رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمه الرقية ، وهي : " بسم الله أرقيك من كل عين حاسد
الله يشفيك " وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : لو كان شي ء يسبق القدر لسبقته العين .
ثم اختلفوا في وجه تأثير الاصابة بالعين ، فروي عن عمرو بن بحر الجاحظ أنه
قال : لا ينكر أن ينفصل من العين الصائبة إلى الشئ المستحسن أجزاء لطيفة تتصل به
وتؤثر فيه ، ويكون هذا المعنى خاصة في بعض الاعين كالخواص في بعض الاشياء .
وقد اعترض على ذلك بأنه لو كان كذلك لما اختص ذلك ببعض الاشياء دون بعض ،
ولان الاجزاء تكون جواهر ، والجواهر متماثلة ، ولا يؤثر بعضها في بعض . وقال
أبوهاشم : إنه فعل الله بالعادة لضرب من المصلحة ، وهو قول القاضي .
ورأيت في شرح هذا للشريف الاجل الرضي الموسوي - قدس الله روحه -
كلاما أحببت إيراده في هذا الموضع . قال : إن الله يفعل المصالح بعباده على حسب


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 7 سطر 14 الى ص 15 سطر 2

ما يعلمه من الصلاح لهم في تلك الافعال التي يفعلها ، فغير ممتنع أن يكون تغييره
نعمة زيد مصلحة لعمرو ، وإذا كان تعالى يعلم من حال عمرو أنه لو لم يسلب زيدا
نعمته أقبل على الدنيا بوجهه ، ونأى عن الآخرة بعطفه . وإذا سلب نعمة زيد للعلة
التي ذكرناها عوضه ( 3 ) عنها ، وأعطاه بدلا منها عاجلا وآجلا ، فيمكن أن يتأول
قوله عليه السلام " العين حق " على هذا الوجه . على أنه قد روي عنه عليه السلام ما يدل على
أن الشئ إذا عظم في صدور العباد وضع الله قدره ، وصغر أمره ، وإذا كان الامر على
هذا فلا ينكر تغيير حال بعض الاشياء عند نظر بعض الناظرين إليه ، واستحسانه له ،
وعظمه في صدره ، وفخامته في عينه ، كما روي أنه قال - لما سبقت ناقته العضباء ،
وكانت إذا سوبق بها لم تسبق - : " ما رفع العباد من شئ إلا وضع الله منه " ويجوز
( هامش صفحه 7 ) ( 1 ) فيه عوضه غيرها وأعطاه بدلا منها عاجلا أو آجلا .
[ 8 ]
أن يكون ما أمر به المستحسن للشئ عند الرؤية من تعويذه بالله والصلاة على رسول الله
صلى الله عليه وآله قائما في المصلحة مقام تغيير حالة الشئ المستحسن ، فلا تغيير ( 1 ) عند
ذلك ، لان الرائي لذلك قد أظهر الرجوع إلى الله تعالى والاعاذة به فكأنه غير راكن
إلى الدنيا ، ولا مغتر بها - انتهى كلامه رضي الله عنه - .
" وما اغني عنكم من الله من شئ " أي وما أدفع من قضاء الله من شئ ، إن
كان قد قضا عليكم الاصابة بالعين أو غير ذلك . " إن الحكم إلا لله " أي ما الحكم
إلا لله . " عليه توكلت " فهو القادر على أن يحفظكم من العين ، أو من الحسد ، ويردكم
علي سالمين .
" وعليه فليتوكل المتوكلون " أي ليفوضوا امورهم ( 2 ) إليه وليثقوا به . " ولما
دخلوا مصر من حيث أمرهم أبوهم " أي من أبواب متفرقة كما أمرهم [ أبوهم ]
يعقوب " ما كان يغني عنهم - إلخ - " أي لم يكن دخولهم مصر كذلك يغني عنهم ( 3 )
أي يدفع عنهم شيئا أراد إيقاعه ، من حسد أو إصابة عين ، وهو عليه السلام كان عالما
بأنه لا ينفع حذر من قدر ، ولكن كان ما قاله لبنيه حاجة في قلبه ، فقضى يعقوب
تلك الحاجة ، أي أزال به اضطراب قلبه ، لان لا يحال على العين مكروه يصيبهم .
وقيل : معناه أن العين لو قدر أن تصيبهم لاصابتهم وهم متفرقون ، كما تصيبهم
مجتمعين .
قال : " وحاجة " استثناء ليس من الاول بمعنى ولكن حاجة " وإنه لذوعلم "
أي لذو يقين ومعرفة بالله " لما علمناه " من أجل تعليمنا إياه ، أو يعلم ما علمناه فيعمل
به " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " مرتبة يعقوب في العلم ( 4 ) .
( هامش صفحه 8 ) ( 1 ) فلا يغتر ( خ ) .
( 2 ) أمرهم ( خ ) .
( 3 ) في المصدر : أو .
( 4 ) مجمع البيان : ج 5 ، ص 249 - 250 .
[ 9 ]
قال البيضاوي : لا يعلمون سر القدر ، وأنه لا يغني عنه الحذر ( 1 ) .
وقال الرازي : قال جمهور المفسرين إنه خاف من العين عليهم ، ولنا ههنا
مقامان :
المقام الاول إثبات أن العين حق . والذي يدل عليه وجهان : الاول
إطباق المتقدمين من المفسرين على أن المراد من هذه الآية ذلك . والثاني ما روي
أن النبي صلى الله عليه وإله كان يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام . ثم ذكر بعض ما مر من الاحبار
- إلى أن قال - : والخامس دخل رسول الله صلى الله عليه وآله بيت ام سلمة وعندها صبي يشتكي
فقال ( 2 ) : يا رسول الله أصابته العين ، فقال صلى الله عليه وآله : أما تسترقون له من العين ؟
السادس قوله صلى الله عليه وآله " العين حق ، ولو كان شئ يسبق القدر لسبقت العين القدر " .
السابع قالت عائشة : كان يأمر العاين أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين الذي اصيب
بالعين .
المقام الثاني في الكشف عن ماهيته ، فنقول : إن الجبائي أنكر هذا المعنى
إنكارا بليغا ، ولم يذكر في إنكاره شبهة فضلا عن حجة . وأما الذين اعترفوا به وأقروا
بوجوده فقد ذكروا فيه وجوها :
الاول قال الجاحظ : تمتد من العين أجزاء ، فتتصل بالشخص المستحسن ،
فتؤثر وتسري فيه كتأثير اللسع والسم والنار ، وإن كان مخالفا في وجه التأثير لهذه
الاشياء . قال القاضيي : وهذا ضعيف ، لانه لو كان الامر كما قال لوجب أن يؤثر
في الشخص الذي لا يستحسن كتأثيره في المستحسن .
واعلم أن هذا الاعتراض ضعيف ، وذلك لانه إذا استحسن شيئا فقد يحب بقاءه
كما إذا استحسن ولد نفسه وبستان نفسه ، وقد يكره بقاءه ، كما إذا استحسن الحاسد
بحصول شئ حسن لعدوه ، فإن كان الاول فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان خوف
( هامش صفحه 9 ) ( 1 ) أنوار التنزيل : ج 1 ، ص 603 .
( 2 ) فقالت ( ظ ) .
[ 10 ]
شديد من زواله ، والخوف الشديد يوجب انحصار الروح في داخل القلب ، فحينئذ
يسخن القلب والروح جدا ، وتحصل في الروح الباصر كيفية قوة مسخنة ، وإن كان
الثاني فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان حسد شديد وحزن عظيم بسبب حصول تلك
النعمة لعدوه ، والحزن أيضا يوجب انحصار الروح في داخل القلب وتحصل فيه سخونة
شديدة .
فثبت أن عند الاستحسان القوي يسخن الروح جدا فيسخن شعاع العين ،
بخلاف ما إذا لم يستحسن فإنه لا تحصل هذه السخونة ، فظهر الفرق بين الصورتين .
ولهذا السبب أمر الرسول صلى الله عليه وآله العاين بالوضوء ، ومن أصابته العين بالاغتسال .
اقول : على ما ذكره ، إذا عاين شيئا عند استحسان شئ إخر وحصول تلك
الحالة فيه أو عند حصول غضب شديد على رجل آخر ، أو حصول هم شديد من مصيبة
أو خوف عظيم من عدو أو يؤثر نظره إليه وإى كل شئ يعاينه ، ومعلوم أنه ليس
كذلك .
ثم قال الرازي : الثاني قال أبوهاشم وأبوالقاسم البلخي : لا يمتنع أن يكون
العين حقا ، ويكون معناه أن صاحب العين إذا شاهد الشئ واعجب به استحسانا
كانت المصلحة له في تكليفه أن يغير الله تعالى ذلك الشخص أو ذلك الشئ حتى لا يبقى
قلب ذلك المكلف متعلقا به ، فهذا التغيير غير ممتنع . ثم لا يبعد أيضا أنه لو ذكر
ربه عند تلك الحالة وبعد عن الاعجاب وسأل ربه فعنده تتغير المصلحة ، والله سبحانه
يبقيه ولا يفنيه ، ولما كانت هذه العادة مطردة لاجرم قيل : " العين حق " .
الوجه الثالث : هو قول الحكماء . قالوا : هذا الكلام مبنى على مقدمة ،
وهي أنه ليس من شرط المؤثر أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة ،
أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، بل قد يكون التأثير نفسانيا ومحضا ، ولا
تكون القوى الجسمانية لها تعلق به والذى يدل عليه أن اللوح الذي يكون قليل
العرض إذا كان موضوعا على الارض قدر الانسان على المشي عليه ، ولو كان موضوعا
فيما بين جدارين عاليين لعجز الانسان عن المشي عليه ، وما ذاك إلا لان خوفه من
[ 11 ]
السقوط منه يوجب سقوطه منه ، فعلمنا أن التأثيرات النفسانية موجودة .
وأيضا إن الانسان إذا تصور كون فلان مؤذيا له حصل في قلبه ، وسخن
مزاجه ، فمبدء تلك السخونة ليس إلا ذاك التصور النفساني . ولان مبدء الحركات
البدنية ليس إلا التصورات النفسانية . ولما ثبت أن تصور النفس يوجب تغير بدنه
الخاص لم يبعد أيضا أن يكون بعض النفوس تتعدى تأثيراتها إلى سائر الابدان .
فثبت أنه لا يمتنع في العقل كون النفس مؤثرة في سائر الابدان . وأيضا جواهر النفوس
مختلفة بالماهية ، فلا يمتنع أن تكون بعض النفوس بحيث يؤثر في تغيير بدن حيوان
آخر بشرط أن تراه وتتعجب منه . فثبت أن هذا المعنى أمر محتمل ، والتجارب من الزمن
الاقدم ساعدت عليه ، والنصوص النبوية نطقت به ، فعند هذا لا يبقى في وقوعه
شك . وإذا ثبت هذا ثبت أن الذي أطبق عليه المتقدمون من المفسرين في تفسير هذه
الآية بإصابة العين كلام حق لا يمكن رده . ( 1 )
قوله تعالى : " يخيل " قال الطبرسي : الضمير ( 2 ) راجع إلى موسى عليه السلام وقيل :
إلى فرعون ، أي يرى الحبال والعصي من سحرهم أنها تسعى ( 3 ) وتعدو مثل سير
الحيات . وإنما قال " يخيل إليه " لانها لم تكن تسعى حقيقة ، وإنما تحركت
لانهم جعلوا داخلها الزئبق ، فلما حميت الشمس طلب الزئبق الصعود فحركت الشمس
ذلك فظن أنها تسعى ( 4 ) .
" إنما صنعوا " أي إن الذي صنعوه أو إن صنيعهم " كيد ساحر " أي مكره و
حيلته . " ولا يفلح الساحر " أي لا يظفر ببغيته ، إذ لا حقيقة للسحر " حيث أتى "
أي حيث كان من الارض ، وقيل : لا يفوز الساحر حيث أتى بسحره ، لان الحق
يبطله ( 5 ) .
( هامش صفحه 11 ) ( 1 ) تفسير الرازي 18 : 172 - 174 .
( 2 ) في المصدر : الضمير في " اليه " .
( 3 ) فيه : تسير وتعدو .
( 4 ) مجمع البيان : ج 7 ، ص 18 .
( 5 ) المصدر : ج 7 ، ص 20 .
[ 12 ]
وقال - قدس سره - في قوله تعالى " وإن يكاد الذين كفروا " : " إن " هي
المخففة من الثقيلة ( 1 ) " ليز لقونك " أي ( 2 ) يقتلونك ويهلكونك ، عن ابن عباس
وكان يقرأها كذلك . وقيل : ليصرعونك ، عن الكلبي . وقيل : يصيبونك بأعينهم ، عن
السدي . والكل يرجع في المعنى إلى الاصابة بالعين ، والمفسرون كلهم على أنه
المراد في الآية ، وأنكر الجبائي ذلك وقال : إن إصابة العين لا تصح .
وقال الرماني : وهذا الذي ذكره غير صحيح ، لانه غير ممتنع أن يكون
الله تعالى أجرى العادة بصحة ذلك لضرب من المصلحة ، وعليه إجماع المفسرين ، وجوزه
العقلاء فلا مانع منه . وقيل : إن الرجل منهم كان إذا أراد أن يصيب صاحبه بالعين
تجوع ثلاثة أيام ، ثم كان يصفه فيصرعه بذلك ، وذلك بأن يقول الذي ( 3 ) أراد أن
يصيبه بالعين : لا أرى كاليوم إبلا أو شاتا أو ما أراد ، أي كإبل أراها اليوم . فقالوا
للنبي صلى الله عليه وآله كما كانوا يقولون ( 4 ) لما أرادوا أن يصيبوه بالعين ، عن الفراء والزجاج .
وقيل : معناه أنهم ينظرون إليك عند تلاوة القرآن والدعاء إلى التوحيد نظر عداوة
وبغض وانكار لما يسمعونه وتعجب منه فيكادون يصرعونك بحدة نظرهم ويزيلونك
عن موضعك .
وهذا مستعمل في الكلام ، يقولون : نظر إلى فلان نظرا
يكاد يصرعنى ونظرا يكاد ياكلنى فيه . وتاويله كله أنه نظر لو أمكنه معه أكلي أو أن يصرعني
لفعل ، عن الزجاج .
" لما سمعوا الذكر " يعني القرآن " ويقولون " مع ذلك " إنه لمجنون وما هو "
أي القرآن " إلا ذكر " أي شرف " للعالمين " إلى أن تقوم الساعة ، أو مذكر لهم . قال
( هامش صفحه 12 ) ( 1 ) المثقلة ( خ ) .
( 2 ) فيه : ليزهقونك .
( 3 ) في المصدر : للذى يريد .
( 4 ) فيه : لما يريدون .
[ 13 ]
الحسن : دواء إصابة العين أن يقرأ الانسان هذه الآية انتهى ( 1 ) .
قوله " أي كإبل " كأنه حمل قوله " أوما أراد " على تغيير تركيب الكلام ، ولا
يخفى بعده ، بل الظاهر أن المعنى : أو ما أراد أن يصيبه بالعين سوى الابل ، فيذكره
مكانهما .
وقال رحمه الله في نزول سورة الفلق : قيل : إن لبيد بن أعصم اليهودي
سحر ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه وآله ثم دس ذلك في بئر لبني زريق ، فمرض رسول الله صلى الله عليه وآله فبينما
هو نائم إذ أتاه ملكان ، فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ، فأخبراه بذلك وأنه
في بئر ذروان في جف طلعة تحت راعوفة والجف قشر الطلع ، والراعوفة حجر في أسفل
البئر يقف عليه المائح ( 3 ) .
فانتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وبعث عليا عليه السلام والزبير وعمارا فنزحوا ،
ماء تلك البئر ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف ، فإذا فيه مشاطة رأس وأسنان
من مشطة ، وإذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالابر ، فنزلت هاتان
السورتان ، فجعل كلما يقرء آية انحلت عقدة ، ووجد رسول الله خفة ، فقام فكأنما
انشط من عقال .
وجعل جبرئيل عليه السلام يقول : " بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك ، من حاسد
وعين ، والله يشفيك " . ورووا ذلك عن عائشة وابن عباس . وهذا لا يجوز ، لان
من وصف بأنه مسحور فكأنه قد خبل عقله ، قد أبى الله سبحانه ذلك في قوله " وقال
الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا " ( 4 )
ولكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته على ما روي اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا
عليه واطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج وكان ذلك دلالة
( هامش صفحه 13 ) ( 1 ) مجمع البيان : ج 10 ، ص 341 .
( 2 ) فيه : لرسول الله .
( 3 ) ماح يميح ميحا وميحوحة : اغترف الماء بكفه .
[ 14 ]
على صدقه صلى الله عليه وآله كيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم ؟ ! ولو قدروا على ذلك لقتلوه
وقتلا كثيرا من المؤمنين مع شده عداوتهم لهم !
وقال في قوله سبحانه " ومن شر النفاثات في العقد " معناه : ومن شر النساء
الساحرات اللاتي ينفثن في العقد . وإنما امر بالتعوذ من شر السحرة لايهامهم أنهم
يمرضون ويصحون ويفعلون أشياء ( 1 ) من النفع والضرر والخير والشر وعامة الناس
يصدقونهم ، فيعظم بذلك الضرر في الدين ، ولانهم يموهون ( 2 ) أنهم يخدمون الجن
ويعلمون الغيب ، وذلك فساد في الدين ظاهر ، فلاجل هذا الضرر امر بالتعوذ
من شرهم .
وقال أبومسلم : النفاثات النساء اللاتي يملن آراء الرجال ويصرفنهم عن
مرادهم ويردونهم إلى آرائهن ، لان العزم والرأي يعبر عنهما بالعقد ، فعبر عن
حلهما بالنفث ، فإن العادة جرت أن من حل عقدا نفث فيه .
" ومن شر حاسد إذا حسد " فإنه يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود ،
فامر بالتعوذ من شره . وقيل : إنه أراد من شر نفس الحاسد ومن شر عينه
فإنه ربما أصاب بهما فعان وضر . وقد جاء في الحديث أن العين حق . وقد مضى
الكلام فيه .
وروي أن العضباء ناقة النبي صلى الله عليه وآله لم تكن تسبق ، فجاء أعرابي على قعود له
فسابق بها فسبقها ، فشق ذلك على الصحابة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : حق على الله أن لا يرفع
شيئا من الدنيا إلا وضعه ، وروى أنس أن النبيي صلى الله عليه وآله قال : من رأى شيئا يعجبه فقال :
" الله الصمد ، ما شاء الله لا قوة إلا بالله " لم يضر شيئا . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وآله
كان كثيرا ما يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام بهاتين السورتين انتهى ( 3 ) .
( هامش 14 ) ( 1 ) فيه : شيئا .
( 2 ) فيه : يوهمون .
( 3 ) مجمع البيان : ج 10 ، ص 568 569 .
[ 15 ]
وأقول : قال في النهاية : في حديث سحر النبي صلى الله عليه وآله " بئر ذروان " بفتح الذال
وسكون الراء ، بئر لبني زريق بالمدينة .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 15 سطر 3 الى ص 23 سطر 3

وقال : الراعوفة هي صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت تكون ناتئة هناك ،
فأذا أرادوا تنقية البئر جلس عليها المنقي .
وقيل : هي حجر يكون على رأس البئر يقوم المستقي عليه ، ويروى بالثاء المثلثة
بمعناها . وقال : في حديث سحر النبي صلى الله عليه وآله أنه جعل في جف طلعة . الجف وعاء
الطلع ، وهو الغشاء الذي يكون فوقه ، يروى في جب طلعة أي في داخلها .
وقال : القعود من الدواب ما يقتعده الرجل للركوب والحمل ، ولا يكون إلا
ذكرا ، والقعود من الابل ما أمكن أن يركب .
وقال البيضاوي : " ومن شر النفاثات في العقد " ومن شر النفوس أو النساء
السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها . والنفث بالفتح النفخ مع
ريق ، وتخصيصه لما روي أن يهوديا سحر النبي صلى الله عليه وآله في إحدى عشرة عقدة في وتر
دسه في بئر ، فمرض عليه السلام ، فنزلت المعوذتان وأخبره جبرئيل بموضع السحر ، فأرسل
عليا عليه السلام فجاء به ، فقرأهما عليه ، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد بعض
الخفة .
ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في أنه مسحور ، لانهم أرادوا به أنه مجنون
بواسطة السحر . وقيل : المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل ، مستعار
من تليين العقدة بنفث الريق ليسهل حلها .
" ومن شر حاسد إذا حسد " إذا أظهر حسده ، وعمل بمقتضاه ( 1 ) .
وقال الرازي : اختلفوا في أنه هل يجوز الاستعاذة المتقدم - وغيرها ومن الناس من
منع من الرقى ، لما روي عن جابر ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الرقى . وقال عليه السلام :
( هامش 15 ) ( 1 ) أنوار التنزيل : ج 2 ، ص 627 .
[ 16 ]
إن لله عبادا لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون . وقال عليه السلام : لم يتوكل
على الله من اكتوى واسترقى ؟ !
واختلفوا في التعليق أيضا ، فمنهم من منع لبعض الاخبار ، ومنهم من جوز .
سئل الباقر عليه السلام عن التعويذ يعلق على الصبيان فرخص فيه . واختلفوا في النفث أيضا
فمنهم من أنكر ، عن عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد إلى
آخر ما قال ( 1 ) .
1 تفسير على بن ابراهيم في هجرة جعفر بن أبيطالب وأصحابه إلى الحبشة
وبعثت ( 2 ) قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النجاشي ليردهم وساق الخبر
الطويل إلى أن قال وكانت على رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه ، فنظرت إلى
عمارة وكان فتى جميلا فأحبته ، فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله قال لعمارة :
لو راسلت جارية الملك ! فراسلها ، فأجابته ، فقال عمرو : قل لها تبعث إليك من طيب
الملك شيئا .
فقال لها فبعثت إليه ، فأخذ عمرو من ذلك الطيب وأدخله على النجاشي
وأخبره بما جرى بين عمارة وبين الوصيفة ، ثم وضع الطيب بين يديه . فغضب النجاشي
وهم بقتل عمارة ، ثم قال : لا يجوز قتله ، فأنهم دخلوا بلادي بأمان ، فدعا السحرة
فقال لهم : اعملوا ( به ) شيئا أشد عليه من القتل ، فأخذوه فنفخوا ( 3 ) في إحليله الزئبق
فصار مع الوحش يغدو ويروح ، وكان لا يأنس بالناس ، فبعثت قريش بعد ذلك :
فكمنوا له في موضع حتى ورد الماء مع الوحش ، فأخدوه فما زال يضطرب في أيديهم و
يصيح حتى مات الخبر ( 4 ) .
2 جنة الامان : في رواية أدعية السر القدسية : يا محمد ! ، إن السحر لم
( هامش 16 ) ( 1 ) مفاتيح الغيب : ج 32 ، ص 190 .
( 2 ) بعث ( خ ) .
( 3 ) ونفخوا ( خ ) .
( 4 ) تفسير القمى : 165 .
[ 17 ]
يزل قديما وليس يضر شيئا إلا بإذني ، فمن أحب أن يكون من أهل عافيتي من
السحر فليقل : " اللهم رب موسى الدعاء " فإنه إذا قال ذلك لم يضره سحر
ساحر جني ولا إنسي أبدا .
3 ومنه : روي عن النبي صلى الله عليه وآله أن العين حق ، وأنها تدخل الجمل
والثور التنور .
وفي كتاب الغرة أن رجلا عيانا ( 1 ) رأى رجلا راكبا ، فقال : ما أحسنه !
فسقطت الدابة وماتت ومات الرجل .
وعن أبي الحسن المخلدي قال : كان لي أكار ( 2 ) ردئ العين ، فأبصر بيدي
خاتما فقال : ما أحسنه ! فسقط الفص ، فحملته فقال : ما أحسنه ! فانشق بنصفين .
وعن الاصمعي قال : كان عندنا عيانان ، فمر أحدهما بحوض من حجارة ،
فقال : بالله ما رأيت كاليوم مثله . فانصدع فلقين ، فضبب بحديد ، فمر عليه ثانيا
فقال راسلا ( 3 ) : لعلك ما ضررت أهلك ( 4 ) فيك ! فتطاير أربع فلقات . وسمع الثاني
صوت بول من وراء الحائط ، فقال : إنك لشر شخب ! فقيل : هو ابنك ، فقال :
وا انقطاع ظهراه ! والله لا يبول بعدها ، فمات من ساعته . وسمع أيضا صوت شخب
بقرة فأعجبه ، فقال : أيتهن هذه ؟ فوري باخرى ، فهلكتا جميعا : المورى بها ،
والمورى عنها . وقصة البعير والاعرابي مشهورة معروفة .
4 وفى زبدة البيان أن يعقوب عليه السلام خاف على بنيه من العين لجمالهم ،
فقال : " يا بني لا تدخلوا من باب واحد الآية " .
5 وفيه عن النبي صلى الله عليه وآله : العين تنزل الحالق وهو ذروة الجبل من قوة أخذها وشدة بطشها .
( هامش 17 ) ( 1 ) العيان بتشديد الياء : الشديد الاصابة بالعين .
( 2 ) الاكار : الحراث ، والجمع " الاكرة " قال الجوهرى : كأنه جمع " آكر "
في التقدير .
( 3 ) في بعض النسخ : فقال : رأسك .
( 4 ) في بعضها : بأهلك .
[ 18 ]
6 ومنه : ذكر عبدالكريم بن محمد بن المظفر السمعاني في كتابه أن
جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله فرآه مغتما ، فساله عن غمه ، فقال له : إن
الحسنين عليهما السلام أصابتهما عين . فقال له : يامحمد ، العين حق فعوذهما بهذه العوذة ،
وذكرها .
7 الدعائم : عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجلس
الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ، ثم يقول : اعيذكما بكلمات
الله التامة ، من شر كل شيطان ( و ) هامة ، ومن شر ( كل ) عين لامة " ثم يقول :
هكذا كان إبراهيم أبي عليه السلام يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام .
8 وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نهى عن الرقى بغير كتاب الله عزوجل وما
يعرف من ذكره . وقال : إن هذه الرقى مما أخذه سليمان بن داود عليهما السلام على الجن
والهوام .
9 وعنه عليه السلام أنه قال : لا رقى إلا في ثلاث : في حمة ، أو عين ، أو دم
لا يرقأ ( 1 ) . والحمة السم .
10 وعنه عليه السلام أنه قال : لا عدوى ولا طيرة ولا هام ، والعين حق ، والفأل
حق ، فإذا نظر أحدكم إلى إنسان أو دابة أو إلى شئ حسن فأعجبه فليقل " آمنت
بالله وصلى الله على محمد وآله " فإنه لا يضره عينه .
11 وعنه صلى الله عليه وآله نهى عن التمائم والتول . فالتمائم ما يعلق من الكتب
والخرز وغير ذلك ، والتول ما تتحبب به النساء إلى أزواجهن كالكهانة وأشباهها ،
ونهى عن السحر .
توضيح : في النهاية : فيه أنه كان يتفأل ولا يتطير . الفأل مهموز فيما يسر
ويسوء ، والطيرة لا يكون إلا فيما يسوء . وربما استعملت فيما يسر ، وقد أولع الناس
بترك الهمزة تخفيفا . وإنما أحب الفأل الناس إذا أملوا فائدة الله ورجوا عائدته
عند كل سبب ضعيف أو قوي فهم على خير ، ولو غلطوا في جهة الرجاء فإن الرجاء
( هامش 18 ) ( 1 ) اى لا ينقطع .
[ 19 ]
لهم خير ، وإذا قطعوا أملهم أو رجاءهم من الله كان ذلك من الشر . وأما الطيرة فإن
فيها سوء الظن بالله وتوقع البلاء . ومعنى التفأل مثل أن يكون رجل مريض فيتفأل
بما يسمع من كلام ، فيسمع آخر يقول " يا سالم " أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر
يقول " يا واجد " فيقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه ، أو يجد ضالته .
وقال : في حديث عبدالله " التمائم والرقى من الشرك " التمائم جمع تميمة ،
وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم ، فأبطله
اللاسلام . وإنما جعلها شركا لانهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم ، فطلبوا
دفع الاذى من غير الله الذي هو دافعه . وقال : في حديت عبدالله " التولة من الشرك "
التولة بكسر التاء وفتح الواو ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره ،
جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى .
وفي القاموس : التولة كهمزة : السحر أو شبهه ، وخرز تتحبب معها المرأة
إلى زوجها كالتولة كعنبة فيهما .
12 الشهاب : عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا رقية إلا من حمة أو عين .
الضوء : " عين " مصدر عانه إذا أصابه بعينه إذا نظر إليه نظر معجب حاسد
مستعظم . والحمة السم ، وأصلها حمو وحمى ، والهاء عوض فيها عن الساقط ، وبهذا
الكلام يشير إلى ما كانت نساء العرب يدعينه من تأخيذ الرجال عن الازواج ، وكانت
لهن رقى تضحك الثكلان ، فقال صلى الله عليه وآله " لا رقية " أي لا تصح تأثير الرقية إلا في
العين التي تعين الشئ ، إي تصيبه . وإصل ذلك إنها تستحسنه فيغيره الله تعالى عند ( 1 )
ذلك ، لما للناظر إليه فيه من اللطف ، أو لغيره من المعتبرين ، إذا رآه غب اللطافة
والطراوة والاعجاب بخلاف ما رآه ، فيستدل بذلك على أنه لا بقاء لما في الدنيا ، وأن
نعيمها زائل .
وأما ما يذكر من أن العاين ينظر إلى الشئ فيتصل به شعاع هو المؤثر فيه ،
فلا تلتفت إليه ، لانا نعلم قطعا أن الشعاع اللطيف لا يعمل في الحديد والحجر وغير
( هامش 19 ) عن ( خ ) .
[ 20 ]
ذلك ، بل ذلك كله من فعل الله تعالى على سبيل اللطف والاعلام بأن نعيم الدنيا إلى
انقراض . والرقيه ( 1 ) التي فيها اسم الله تعالى أو اسم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو آية من كتاب
الله تعالى يشفيه ، وكذلك من السموم التي يستضر بها الانسان من لسع الهوام . وهذا
غير مدفوع ، وما سوى ذلك فمخاريق يجلبون بها أموال الناس . وليس قوله صلى الله عليه وآله
" لا رقيقة " إلى آخره قطعا لان تكون رقية الحق ناجعة في غير ذلك من الادواء ،
بل المعنى إن الرقية لها تأثير قوي فيهما كما في قوله " لا سيف إلا ذو الفقار "
وروي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله ، ما لقيت من عقرب
لدغتني البارحة ! قال : أما إنك لو قلت حين أمسيت " أعوذ بكلمات الله التامات من
شر ما خلق " لم تضرك . وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلمنا من
الاوجاع كلها أن نقول " بسم الله الاكبر ، أعوذ بالله العظيم ، من شر عرق نعار ( 2 )
ومن شر حر النار " وفائدة الحديث أن الرقية في غير العين والحمة لا تنجع ، وراوي
الحديث جابر رضي الله عنه .
13 الشهاب : قال صلى الله عليه وآله : إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل ( 3 )
القدر .
الضوء : قد تقدم الكلام فيه ، وأن المؤثر فيما يعينه العاين قدرة الله عز
وجل الذي يفعل ما يشاء ، ويغير المستحسن من الاشياء عن حاله ، اعتبارا للناظر ،
وإعلاما أن الدنيا لا يدوم نعيمها ، ولا يبقى ما فيها على وتيرة واحدة . والعين ماذا
تكاد تفعل بنظرها ليت شعري ؟ ! ولو كان للعين نفسها أثر لكان يصح أن ينظر العاين
إلى بعض أعدائه الذين يريد إهلاكهم وقلعهم ، فيهلكهم بالنظر ، وهذا باطل والعين
كالجماد إذا انفردت عن الجملة فماذا تصنع ؟ ! وللفلاسفة في هذا كلام لا اريد أن
أطواه . وفائدة الحديث إعلام أن الله تعالى قد يغير بعض ما يستحسنه الانسان أظهارا
( هامش 20 ) ( 1 ) فالرقبة ( خ ) .
( 2 ) النعار . العرق الذى يفور منه الدم .
( 3 ) في بعض النسخ " وتدخل الجمل " .
[ 21 ]
لقدرته ، واعتبارا للمعتبر من خليقته ، وراوي الحديث جابر .
14 الاحتجاج : سأل الزنديق أبا عبدالله عليه السلام فيما سأله فقال : إخبرني
عن السحر ما أصله ؟ وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه وما يفعل ؟ قال إن السحر على وجوه شتى : وجه منها بمنزلة الطب ، كما أن الاطباء وضعوا لكل
داء دواء فكذلك علم السحر احتالوا لكل صحة آفة ، ولكل عافية عاهة ، ولكل
معنى حلية . ونوع ( 1 ) منه آخر خطفة وسرعة ومخاريق وخفة . ونوع ( 2 ) منه ما يأخذ
أولياء الشياطين عنهم . قال : فمن أين علم الشياطين السحر ؟ قال : من حيث عرف
الاطباء الطب وبعضه تجربة ، وبعضه علاج . قال : فما تقول في الملكين : هاروت
وماروت ، وما يقول الناس بأنما يعلمان ( الناس ) السحر ؟ قال : إنهما موضع ابتلاء
وموقف فتنة ، تسبيحهما اليوم لو فعل الانسان كذا وكذا لكان كذا ، ولو يعالج بكذا
وكذا لصار كذا ، أصناف سحر ( 3 ) ، . فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما ، فيقولان لهم :
أنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم .
قال : أفيقدر الساحر أن يجعل الانسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو
غير ذلك ؟ قال : هو أعجز من ذلك ، وأضعف من أن يغير خلق الله ! إن من أبطل
ما ركبه الله وصوره غيره فهو شريك لله ( 4 ) ( في خلقه ) تعالى عن ذلك علوا كبيرا !
لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم والآفة والامراض ، ولنفى البياض
عن رأسه والفقر عن ساحته .
وإن من أكبر السحر النميمة ! يفرق بها بين المتحابين ، ويجلب العداوة على
المتصافيين ، ويسفك بها الدماء ويهدم بها الدور ، ويكشف بها الستور . والنمام أشر
من وطئ على الارض بقدم ! فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب .
إن الساحر عالج فامتنع من مجامعة النساء ، فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك
( هامش 21 ) ( 1 و 2 ) في المصدر : نوع آخر منه .
( 3 ) في المصدر : السحر .
( 4 ) فيه : شريك الله في خلقه ، تعالى الله عن ذلك . .
[ 22 ]
العلاج فأبرأ ( 1 ) .
15 تفسير الفرات : عن عبدالرحمان بن محمد العلوي ومحمد بن عمرو الخزاز ،
عن إبراهيم بن محمد بن ميمون ، عن عيسى بن محمد ، عن جده ، عن أمير المؤمنين عليه السلام
قال : سحر لبيد بن أعصم اليهودي وام عبدالله اليهودية رسول الله صلى الله عليه وآله ( 2 ) فعقدوا
له في إحدى عشرة عقدة ، وجعلوه في جف من طلع ( 3 ) ، ثم أدخلوه في بئر بواد
بالمدينة في مراقي البئر تحت ( 4 ) حجر ، فأقام النبي صلى الله عليه وآله لا يأكل ولا يشرب ولا
يسمع ولا يبصر ولا يأتي النساء . فنزل ( 5 ) جبرئيل عليه السلام وأنزل معه المعوذات ، فقال
له : يا محمد ، ما شأنك ؟ قال : ما أدري ، أنا بالحال الذي ترى . قال : فإن ام
عبدالله ولبيد بن آعصم سحراك ، وأخبره بالسحر . وحيث هو . ثم قرأ جبرئيل " بسم الله
الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذاك ، فانحلت عقدة ، ثم
لم يزل يقرأ آية ويقرأ ( 6 ) رسول الله صلى الله عليه وآله . وتنحل عقدة ، حتى قرأها عليه إحدى
عشرة آية وانحلت إحدى عشرة عقدة ، وجلس النبي ودخل أمير المؤمنين عليه السلام فأخبره
بما أخبره جبرئيل عليه السلام وقال : انطلق وائتني ( 7 ) بالسحر ، فجاء به فأمر به النبي
صلى الله عليه وآله فنقض ، ثم تفل عليه وأرسل إلى لبيد ( 8 ) وام عبدالله ، فقال :
ما دعاكم إلى ما صنعتما ؟ ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله على لبيد وقال : لا أخرجك الله من
( هامش 22 ) ( 1 ) الاحتجاج : 185 .
( 2 ) في المصدر : في عقد من قز أحمر وأخضر وأصفر فعقدوا . .
( 3 ) فيه : ثم جعلوه في جف من طلع يعنى قشور اللوز .
( 4 ) فيه : تحت راعوفة يعنى الحجر الخارج فأقام النبى صلى الله عليه وآله ثلاثا لا يأكل . .
( 5 ) فيه : فنزل عليه جبرئيل ونزل معه بالعمعوذات .
( 6 ) فيه : النبى صلى الله عليه وآله .
( 7 ) فيه : فائتنى بالسحر ، فخرج على ( ع ) فجاء به ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله . .
( 8 ) في المصدر : إلى لبيد بن أعصم وام عبدالله اليهودية .
[ 23 ]
الدنيا سالما . قال : وكان موسرا كثير المال ، فمر به غلام ( 1 ) في اذنه قرط قيمته دينار
فجذبه ( 2 ) ، فخرم اذن الصبي وأخذه فقطعت يده فيه ( 3 ) .
بيان : في القاموس : الجف بالضم وعاء الطلع .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 23 سطر 4 الى ص 31 سطر 4

أقول : قد مر الكلام في تاثير السحر في الانبياء والائمة عليه السلام وأن
المشهور عدمه .
دعائم الاسلام ؟ عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام مثله
إلى قوله وجعلاه في مراقي البئر بالمدينة ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله لا يسمع ولا
يبصر ولا يفهم ولا يتكلم ولا يأكل ولا يشرب ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام بمعوذات
وساق نحوه إلى قوله فقطعت يده فكوي منها فمات .
16 طب الائمة : عن محمد بن جعفر البرسي ، عن أحمد بن يحيى الارمني
عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين
عليه السلام : إن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال : يا محمد ، قال لبيك يا جبرئيل
قال : إن فلانا اليهودي سحرك ، وجعل السحر في بئر بني فلان ، فابعث إليه يعني
إلى البئر أثق الناس عندك ، وأعظمهم في عينك ، وهو عديل نفسك ، حتى يأتيك
بالسحر .
وقال : فبعث النبي صلى الله عليه وآله علي بن إبيطالب عليه السلام وقال : انطلق إلى بئر
" ذروان " فإن فيها سحرا سحرني به لبيد بن أعصم اليهودي ، فائتني به . قال على
عليه السلام : فانطلقت في حاجة رسول الله صلى الله عليه وآله فهبطت فإذا ماء البئر قد صار كأنه
ماء الحناء من السحر ، فطلبته مستعجلا حتى انتهيت إلى أسفل القليب ( 4 ) ولم أظفر
( هامش 23 ) ( 1 ) فيه : غلام يسعى .
( 2 ) فيه : فجاذبه فخرم اذن الصبى فأخذه وقطعت يده فمات من وقته .
( 3 ) تفسير فرات : 233 .
( 4 ) فلم ( خ ) .
[ 24 ]
به . قال الذين معي : ما فيه شئ فاصعد ، فقلت : لا والله ، ما كذبت ( 1 ) ولا كذبت ، وما
يقيني به مثل يقينكم يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ثم طلبت طلبا بلطف ، فاستخرجت
حقا ، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فقال : افتحه ، ففتحته فإذا في الحق قطعة كرب النخل ، في
وتر عليها إحدى وعشرون عقدة .
وكان جبرئيل عليه السلام أنزل يومئذ المعوذتين على النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي
صلى الله عليه وآله : يا على اقرأهما على الوتر ، فجعل أمير المؤمنين كلما قرأ آية
انحلت عقدة حتى فرغ منها وكشف الله عزوجل عن نبيه ما سحر به وعافاه .
ويروى أن جبرئيل وميكائيل عليهما السلام أتيا إلى النبي صلى الله عليه وآله فجلس أحدهما عن
يمينه والآخر عن شماله ، فقال جبرئيل لميكائيل : ما وجع الرجل ؟ فقال ميكائيل
هو مطبوب ، فقال جبرئيل عليه السلام : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي ، ثم ذكر
الحديث إلى آخره ( 2 ) .
بيان : في القاموس : الكرب بالتحريك اصول السعف الغلاظ . وفي النهاية
رجل مطبوب أي مسحور ، كنوا بالطب عن السحر تفألا بالبرء .
17 الطب : عن إبراهيم بن البيطار ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد
الرحمان ويقال له يونس المصلي لكثرة صلاته عن ابن مسكان ، عن زرارة ، قال :
قال أبوجعفر الباقر عليه السلام : إن السحرة لم يسلطوا على شئ إلا العين ( 3 ) .
18 وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام : أنه سئل عن المعوذتين : أنهما من
القرآن ؟ فقال الصادق عليه السلام : هما من القرآن . فقال الرجل : أنهما ليستا من القرآن
في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه . فقال أبوعبدالله عليه السلام : أخطأ ابن مسعود أو قال :
كذب ابن مسعود هما من القرآن . قال الرجل : فأقرأبهما يا ابن رسول الله في المكتوبة ؟
قال : نعم ، وهل تدري ما معنى المعوذتين وفي أي شئ نزلتا ؟ إن رسول الله سحره
( هامش 24 ) ( 1 ) في المصدر : ما كذب وما كذبت .
( 2 ) الطب : 113 114 .
( 3 ) الطب : 114 .
[ 25 ]
لبيد بن أعصم اليهودي .
فقال إبو بصير لابي عبدالله عليه السلام : وما كان ( 1 ) ذا ؟ وما عسى أن يبلغ من
سحره ؟ ! فقال أبوعبدالله الصادق عليه السلام : بلى ، كان البني صلى الله عليه وآله يرى يجامع وليس
يجامع ، وكان يريد الباب ولا يبصره حتى يلمسه بيده والسحر حق وما سلط السحر
إلا على العين والفرج . فأتاه جبرئيل عليه السلام فأخبره بذلك ، فدعا عليا عليه السلام وبعثه
ليستخرج ذلك من بئر ( 2 ) ازوان ، وذكر الحديث بطوله إلى آخره ( 3 ) .
19 ومنه : عن محمد بن سليمان بن مهران ، عن زياد بن هارون العبدي ، عن
عبدالله بن محمد البجلي ، عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : من أعجبه شئ من
أخيه المؤمن ( 4 ) فليثمد عليه ، فإن العين حق ( 5 ) .
20 ومنه : عن محمد بن ميمون المكي ، عن عثمان بن عيسى ، عن الحسين بن
المختار ، عن صفوان الجمال عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنه قال : لو نبش لكم عن
القبور لرأيتم أن أكثر موتاهم بالعين ، لان العين حق ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال :
العين حق ، فمن أعجبله من أخيه شئ فليذكر الله في ذلك ، فأنه أذا ذكر الله لم
يضره ( 6 ) .
21 ومنه : عن سهل بن محمد بن سهل ، عن عبد ربه بن محمد بن إبراهيم ، عن
ابن اورمة ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن النشرة
للمسحور ، فقال : ما كان أبي عليه السلام يرى بها بأسا ( 7 ) .
22 المكارم : عن معمر بن خلاد ، قال : كنت مع الرضا عليه السلام بخراسان
( هامش 25 ) ( 1 ) في المصدر : وما كاد أو عسى .
( 2 ) فيه : ذروان .
( 3 ) الطب : 114 .
( 4 ) في المصدر : فليكبر .
( 5 و 6 ) الطب : 121 .
( 7 ) المصدر : 114 .
[ 26 ]
على نفقاته ، فأمرني أن أتخذ له غالية ، فلما اتخذتها فاعجب بها فنظر أليها فقال لي :
يا معمر ، إن العين حق فاكتب في رقعة الحمد وقل هو الله أحد والمعوذتين وآية
الكرسي واجعلها في غلاف القارورة ( 1 ) .
23 ومنه : روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : العين حق ، وليس تأمنها
منك على نفسك ولا منك على غيرك ، فإذا خفت شيئا من ذلك فقل : " ما شاء الله ( لا
حول و ) لا قوة إلا بالله العلي العظيم " ثلاثا ( 2 ) .
24 وعنه عليه السلام قال : من أعجبه من أخيه شئ فليبارك عليه ، فإن العين
حق ( 3 ) .
25 ومنه : قال النبي صلى الله عليه : إن العين ليدخل الرجل القبر ، والجمل
القدر ( 4 ) .
وقال صلى الله عليه وآله : لا رقية إلا من حمة والعين ( 5 ) .
27 ومنه : عن الصادق عليه السلام : لو كان شئ يسبق القدر لسبقه العين ( 6 ) .
28 الخصال : بإسناده عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليه السلام أن
النبي صلى الله عليه وآله قال : لا رقى إلا في ثلاثة : في حمة ، أو عين ، أو دم لا يرقأ ( 7 )
29 جامع الاخبار : قال رسول الله صلى الله : إن العين لتدخل الرجل القبر
وتدخل الجمل القدر ( 8 ) .
30 وجاء في الخبر أن أسماء بنت عميس قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن بني
( هامش 26 ) ( 1 ) مكارم الاخلاق : 445 .
( 2 و 4 ) مكارم الاخلاق : 445 .
( 5 ) المصدر : 446 ، وفيه " والعين حق " .
( 6 ) " : 479 .
( 7 ) الخصال : 74 .
( 8 ) جامع الاخبار : 157 طبعة الحيدرية .
[ 27 ]
جعفر تصيبهم العين ، فأسترقي لهم ؟ قال : نعم ، فلو كان شئ يسبق القدر لسبقت
العين ( 1 ) .
31 نوادر الراوندى : بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليه السلام قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما رفع الناس أبصارهم إلى شئ إلا وضعه الله ( 2 ) .
32 النهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ما قال الناس لشئ طوبى له إلا وقد خبأ
الدهر له يوم سوء ( 3 ) .
بيان : " طوبى " كلمة تستعمل في مقام المدح والاستحسان والتعجب من حسن
الشئ وكماله . وخبأت الشئ أخبوه : أخفيته . " يوم سوء " بالفتح إي يوم نقص
وبلية وزوال . وإخفاء الدهر ذلك اليوم كناية عن جهل الناس بأسبابه وأنه يأتيهم
بغته ، أو غفلتهم عن عدم ثبات زخارف الدنيا وسرعة زوالها .
ثم إنه يحتمل أن يكون ما ورد في هذا الخبر والخبر السابق إشارة إلى تأثير
العيو كما مر ، أو إلى أن من لوازم الدنيا أنه إذا انتهت فيها حال شخص في الرافعة
والعزة إلى غاية الكمال فلا بد أن يرجع إلى النقص والزوال ، فقولهم طوبى له
واستحسانهم إياه ورفع أبصارهم إليه من شواهد الرفعة والكمال ، وهو علامة الاخذ
في الهبوط والاضمحلال .
وقد يخطر بالبال أن ما ورد في العين وتأثيرها يمكن أن يكون إشارة إلى هذا
المعنى ، وإن كان بعيدا من بعض الآيات والاخبار ، ويمكن تأويلها إليه وتطبيقها
عليه كما لا يخفى على أولي الابصار ، وما ورد من ذكر الله والدعاء عند ذلك لا ينافيه
بل يؤيده ، فإن أمثال ذلك موجبة لدوام النعمة واستمرارها ، والله يعلم حقائق الامور
ودقائق الاسرار .
( هامش 27 ) ( 1 ) جامع الاخبار : 157 فيه . أفاسترقى .
( 2 ) نوادر الراوندى : 17 .
( 3 ) نهج البلاغة : ج 2 ، ص 205 .
[ 28 ]
نقل وتحقيق
اعلم أن أصحابنا والمخالفين اختلفوا في حقيقة السحر ، وأنه هل له حقيقة
أو محض توهم . ولنذكر بعض كلماتهم في ذلك .
قال الشيخ قدس سره في الخلاف : السحر له حقيقة ، ويصح منه أن يعقد
ويؤثر ويسحر فيقتل ويمرض ويكوع ( 1 ) الايدي ويفرق بين الرجل وزوجته ، و
يتفق له أن يسحر بالعراق رجلا بخراسان فيقتله عند أكثر أهل العلم وأبي حنيفة
وأصحابه ومالك والشافعي .
وقال أبوجعفر الاسترآبادي : لا حقيقة له ، وإنما هو تخييل وشعبدة . وبه قال
المغربي من أهل الظاهر ، وهو الذي يقوى في نفسي . ويدل عليه قوله تعالى " فإذا
حبالهم الآية " ( 2 ) وذلك أن القوم جعلوا من الحبال كهيئات الحيات ، وطلوا عليها
الزيبق وأخذوا الموعد على وقت تطلع فيه الشمس ، حتى إذا وقعت على الزيبق تحرك
فخيل لموسى عليه السلام أنها حيات ولم يكن لها حقيقة ، وكان هذا في أشد وقت الحر
فألقى موسى عصاه فأبطل عليهم السحر ، فآمنوا به .
وأيضا فإن الواحد منا لا يصح أن يفعل في غيره وليس بينه وبينه اتصال
ولا اتصال بما يتصل بما يفعل فيه ، فكيف يفعل من هو ببغداد فيمن هو بالحجاز وأبعد
منها ؟ ! ولا يفني هذا قوله تعالى " ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر " ( 3 )
لان ذلك لا نمنع منه ، وإنما الذي منعنا منه أن يؤثر الساحر الذي يدعونه ، فأما
أن يفعلوا ما يتخيل عنه أشياء فلا نمنع منه .
ورووا عن عائشة . .
أقول : ثم ذكر نحوا مما مر من سحر اليهودي النبي صلى الله عليه وآله ثم قال : وهذه
أخبار آحاد لا يعمل عليها في هذا المعنى ، وقد روي عن عائشة أنها قالت : سحر
( هامش 28 ) ( 1 ) كوع كسمع : عظم كوعه وهو طرف الزند الذى يلى الابهام واعوج .
( 2 ) طه : 76 .
( 3 ) البقرة : 102 ) .
[ 29 ]
رسول الله صلى الله عليه وآله فما عمل فيه السحر ، وهذا معارض ذلك .
ثم قال قدس سره : إذا أقر أنه سحر فقتل بسحره متعمدا لا يجب عليه
القود ، وبه قال أبوحنيفة ، وقال الشافعى : يجب عليه القود . دليلنا أن الاصل براءة
الذمة ، وأن هذا مما يقتل به يحتاج إلى دليل .
وأيضا فقد بينا أن الواحد لا يصح أن يقتل غيره بما لا يباشره به ، إلا أن
يسقيه ما يقتل به على العادة مثل السم ، وليس السحر بشئ من ذلك .
وقد روى أصحابنا أن الساحر يقتل ، والوجه فيه أن هذا فساد في الارض
والسعي فيها به ، فلاجل ذلك وجب فيه ( 1 ) القتل .
وقال العلامة نور الله مرقده في التحرير : السحر عقد ورمي كلام يتكلم
به أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة ، وقد
يحصل به القتل والمرض والتفريق بين الرجل والمرأة وبغض أحدهما لصاحبه ومحبة
أحد الشخصين للآخر ، وهل له حقيقة أم لا ؟ فيه نظر .
ثم قال : والسحر الذي يجب فيه ( 2 ) القتل هو ما يعد في العرف سحرا ، كما
نقل الاموي في مغازيه أن النجاشي دعا السواحر فنفخن في إحليل عمارة بن الوليد
فهام مع الوحش ، فلم يزل معها إلى أمارة عمر بن الخطاب ، فأمسكه إنسان ، فقال :
خلني وإلا مت ، فلم يخله فمات من ساعته .
وقيل : إن ساحرة أخذها بعض الامراء ، فجاء زوجها كالهائم ، فقال قولوا لها
تخل عني ، فقالت : ائتوني بخيوط وباب ، فأتوا بذلك فجلست وجعلت تعقد ، فطار
بها الباب فلم يقدروا عليها ، وأمثال ذلك . وأما الذي يعزم على المصروع ويزعم أنه
يجمع الجن ويأسرها فتطيعه ، فلا يتعلق به حكم ، والذي يحل السحر بشئ من
القرآن والذكر والاقسام فلا بإس به ، وإن كان بالسحر حرم على إشكال .
وقال في موضع آخر منه : الذي اختاره الشيخ رحمه الله أنه لا حقيقة
( هامش 29 ) ( 1 ) به ( خ ) .
( 2 ) الخلاف 2 : 423 و 424 .
[ 30 ]
للسحر ، وفي الاحاديث ما يدل على أن له حقيقة ، فعلى ما ورد في الاخبار لو سحره
فمات بسحره ففي القود إشكال ، والاقرب الدية إلى آخر ما قال .
وقال في المنتهى نحوا من أول الكلام ، ثم قال : واختلف في أنه له حقيقة أم
لا . قال الشيخ رحمه الله : لا حقيقة له : وإنما هو تخييل ، وهو قول بعض الشافعية
وقال الشافعي : له حقيقة ، وقال ، أصحاب أبي حنيفة : إن كان يصل إلى بدن المسحور
كدخان ونحوه جاز أن يحصل منه ما يؤثر في نفس المسحور من قتل أو مرض أو أخذ
الرجل عن امرأته فيمنعه وطيها أو يفرق بينهما أو يبغض أحدهما إلى الآخر أو
يحببه إليه ، فأما أن يحصل المرض والموت من غير أن يصل إلى بدنه شئ فلا يجوز
ذلك .
ثم ذكر رحمه الله احتجاج الطرفين بآية " يخيل إليه " وسورة الفلق ، ثم
قال : وروى الجمهور عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله سحر حتى يرى أنه يفعل الشئ ولا
يفعله ، وأنه قال لها ذات يوم : أشعرت أن الله تعالى أفتاني فيما استفتيته إنه أتاني
ملكان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال : ما وجع الرجل ؟ فقال :
مطبوب ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي في مشط ومشاطة في جف
طلعة في بئر ذي أزوان . رواه البخاري . وجف الطلعة وعاؤها ، والمشاطة الشعر
الذي يخرج من شعر الرأس وغيره إذا مشط ، فقد أثبت لهم سحرا . وهذا القول عندي
باطل ، والروايات ضيعفة ، خصوصا رواية عائشة ، لاستحالة تطرق السحر إلى الانبياء
عليهم السلام .
ثم قال : إن كان للسحر حقيقة فهو ما يعد في العرف سحرا ، ثم ذكر القصتين
للنجاشي والساحرة . ثم قال : فهذا وأمثاله مثل أن يعقد الرجل المزوج فلا يطيق
وطي امر ، ته هو السحر المختلف فيه ، فأما الذي يقال من العزم على المصروع فلا
يدخل تحت هذا الحكم ، وهو عندي باطل لا حقيقة له ، وإنما هو من الخرافات .
وقال الشهيد رفع الله درجته في الدروس : تحرم الكهانة والسحر بالكلام
والكتابة والرقية والدخنة بعقاقير الكواكب وتصفية النفس والتصوير والعقد والنفث
[ 31 ]
والاقسام والعزائم بما لا يفهم معناه ويضر بالغير فعله . ومن السحر الاستخدام للملائكة
والجن واستنزال الشياطين في كشف الغائب وعلاج المصاب ، ومنه الاستحضار بتلبيس
الروح ببدن منفعل كالصبي والمرأة وكشف الغائب عن لسانه .
ومنه النير نجات ، وهي إظهار غرائب خواص الامتزاجات وأسرار النيرين .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 31 سطر 5 الى ص 39 سطر 5

وتلحق به الطلسمات ، وهي تمزيج القوى العالية الفاعلة بالقوى السافلة المنفعلة ،
ليحدث عنها فعل غريب . فعمل هذا كله والتكسب به حرام ، والاكثر على أنه لا
حقيقة له ، بل هو تخييل ، وقيل : أكثره تخييل ، وبعضه حقيقي ، لانه تعالى وصفه
بالعظمة في سحرة فرعون ، ومن التخييل إحداث خيالات لا وجود لها في الحس المشترك
للتأثير في شئ آخر ، وربما ظهر إلى الحس .
وتلحق به الشبعذة ، وهي الافعال العجيبة المرتبة على سرعة اليد بالحركة ،
فيلبس على الحس ، وقيل : الطلسمات كانت معجزات للانبياء .
وأما الكيمياء فيحرم المسمى بالتكليس بالزيبق والكبريت والزاج والتصدية
وبالشعر والبيض والمرار والادهان كما تفعله الجهال ، أما سلب الجواهر خواصها .
وإفادتها خواص اخرى بالدواء المسمى بالاكسير أو بالنار الملينة الموقدة على أصل
الفلزات أو المراعاة نسبها في الحجم والوزن ، فهذا مما لا يعلم صحته ، وتجنب ذلك
كله أولى وأحرى ( 1 ) .
وقال الشهيد الثاني رفع الله مقامه : السحر هو كلام أو كتابة أو رقية
أو أقسام وعزائم ونحوها يحدث بسببها ضرر على الغير ، ومنه عقد الرجل عن زوجته
بحيث لا يقدر على وطيها ، وإلقاء البغضاء بينهما ، ومنه استخدام الملائكة والجن
واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب ، واستحضارهم وتلبسهم ببدن
صبي أو امرأة وكشف الغائب على لسانه ، فتعلم ذلك وأشباهه وعمله وتعليمه كله حرام
والتكسب به سحت ، ويقتل مستحله . ولو تعلمه ليتوقى به أو ليدفع به المتنبي
بالسحر فالظاهر جوازه ، وربما وجب على الكفاية كما هو خيرة الدروس ، ويجوز
( هامش 31 ) ( 1 ) الدروس : كتاب المكاسب .
[ 32 ]
حله بالقرآن والاقسام كما ورد في رواية القلا .
وهل له حقيقة ، وهو تخييل ؟ الاكثر على الثاني ، ويشكل بوجدان أثره في
كثير من الناس على الحقيقة ، والتأثر بالوهم إنما بتم لو سبق للقابل علم بوقوعه ،
ونحن نجد أثره فيمن لا يشعر به أصلا حتى يضر به ، ولو حمل تخييله على ما تظهر
من تأثيره في حركات الحيات والطيران ونحوهما أمكن ، لا في مطلق التأثير وإحضار
الجان وشبه ذلك فإنه أمر معلم لا يتوجه دفعه .
ثم قال : والكهانة عمل بوجوب طاعة بعض الجان له واتباعه ( له ) بحيث يأتيه
بالاخبار ، وهو قريب من السحر . ثم قال : والشعبذة عرفوها بأنها الحركات السريعة
التي تترتب عليها الافعال العجيبة ، بحيث يتلبس ( 1 ) على الحس الفرق بين الشئ
وشبهه لسرعة الانتقال منه إلى شبهه .
أقول : ونحو ذلك قال المحقق الاردبيلي روح الله روحه في شرح الارشاد
وقال : الظاهر أن له حقيقة بمعنى أنه يؤثر بالحقيقة لا أنه إنما يتأثر بالوهم فقط
ولهذا نقل تأثيره في شخص لم يعرف ولا يشعر بوقوعه فيه ، نعم يمكن أن لا حقيقة له
بمعنى أن لا يوجد حيوان بفعله ، بل يتخيل ، كقوله تعالى " يخيل إليه من سحرهم
أنها تسعى " ( 2 ) مع أنه لا ثمرة في ذلك ، إذ لا شك في عقابه ولزوم الدية وعوض ما
يفوت بفعل الساحر عليه .
وقال ابن حجر في " فتح الباري " في العين تقول : عنت الرجل أصبته بعينك ،
فهو معيون ومعين ، ورجل عاين ومعيان وعيون . والعين يضر باستحسان مشوب بحسد
من حيث الطبع يحصل للمبصور منه ضرر . وقد استشكل ذلك على بعض الناس فقال :
كيف يعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون ؟ والجواب أن طبائع الناس
تختلف ، فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العاين في الهواء إلى بدن المعيون .
وقد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال : إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت
( هامش 32 ) ( 1 ) يلتبس .
( 2 ) طه : 66 .
[ 33 ]
حرارة تخرج من عيني ! ويقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد ،
ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد ، وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من العروش من
غير أن تمسها . ومن ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمد فيرمد ، ويتثأب ( 1 )
بحضرته فيتثأب هو ، أشار إلى ذلك ابن بطال .
وقال الخطابي : في الحديث أن للعين تأثيرا في النفوس ، وأبطال قول الطباعيين
إنه لا شئ إلا ما تدركه الحواس الخمس ، وما عدا ذلك لا حقيقة له .
وقال المازري : زعم بعض الطباعيين أن العاين تنبعث من عينه قوة سمية
تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد ، وهو كإصابة السم من نظر الافعى ، وأشار إلى منع
الحصر في ذلك مع تجويزه ، وأن الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما
تضر عند نظر العاين بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضر عند مقابلة شخص لآخر
وهل ثم جواهر خفية أولا ، هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا نفيه .
ومن قال ممن ينتمي إلى الاسلام من أصحاب الطبائع بالقطع بأن جواهر لطيفة
غير مرئية تنبعث من العاين فتتصل بالمعيون وتتخلل مسام جسمه فيخلق البارئ
الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السموم ، فقد أخطأ بدعوى القطع ، ولكنه
جائز أن يكون عادة ليست ضرورة ولا طبيعة انتهى .
وهو كلام سديد ، وقد بالغ ابن العربي في إنكاره فقال : ذهبت الفلاسفة إلى
أن الاصابة بالعين صادرة عن تأئير النفس بقوتها فيه ، فأول ما يؤثر في نفسها ثم
يؤثر في غيرها .
وقيل : إنما هو سم في عين العاين يصيبه بلفحه ( 2 ) عند التحديق إليه ، كما
يصيب لفح سم الافعى من يتصل به .
ثم رد الاول بأنه لو كان كذلك لما تخلفت الاصابة في كل حال ، والواقع
بخلافه . والثاني بأن سم الافعى جزء منها ، وكلها قاتل ، والعاين ليس يقتل منه
( هامش 33 ) ( 1 ) التثاؤب معروف ، وهو أن يسترخى فيفتح فمه بلا قصد ، والاسم الثؤباء .
( 2 ) لفحت النار أو السموم فلانا : أصاب حرها وجهه وأحرقه .
[ 34 ]
شئ في قولهم إلا بصره ، وهو معنى خارج عن ذلك . قال : والحق أن الله يخلق عند
بصر العاين إليه وإعجابه ( به ) إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة ، وقد يصرفه قبل وقوعه
بالاستعاذة أو بغيرها ، وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية أو بالاغتسال أو بغير ذلك انتهى
كلامه .
وفيه : ( بعض ) ما يتعقب ، فإن الذي مثل بالافعى لم يرد أنها تلامس
المصاب حتى يتصل به من سمها ، وإنما أراد أن جنسا من الافاعي اشتهر أنها إذا
وقع بصرها على الانسان هلك ، فكذلك العاين . وليس مراد الخطابي بالتأثير المعنى
الذي تذهب إليه الفلاسفة ، بل ما أجرى الله به العادة من حصول الضرر للمعيون . وقد
أخرج البزاز بسند حسن عن جابر رفعه قال : أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره
بالنفس . قال الراوي : يعني بالعين . وقد أجرى الله العادة بوجود كثير من القوى
والخواص في الاجسام والارواح ، كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل ،
فترى في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل ذلك ، وكذا الاصفرار عند روية من يخافه ،
وكثير من الناس يسقم بمجرد النظر إليه ويضعف قواه ، وكل ذلك بواسطة ما خلق
الله تعالى في الارواح من التأثيرات ، ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين ،
وليست هي المؤثرة ، وإنما التأثير للروح . والارواح مختلفة في طبائعها وقواها
وكيفياتها وخواصها ، فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به ،
لشدة خبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة .
والحاصل أن التأثير بأرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصورا على الاتصال
الجسماني ، بل يكون تارة به ، وتارة بالمقابلة ، واخرى بمجرد الرؤية ، واخرى
بتوجه الروح كالذي يحدث من الادعية والرقى والالتجاء إلى الله تعالى ، وتارة يقع
ذلك بالتوهم والتخيل . والذي يخرج من عين العاين سهم معنوي إن صادف بدنا
لاوقاية له أثر فيه ، وإلا لم ينفذ السهم بل ربما رد على صاحبه كالسهم الحسي سواء .
وقال في بيان السحر : قال الراغب وغيره : السحر يطلق على معان : أحدها
[ 35 ]
ما دق ولطف ، ومنه سحرت الصبي : خدعته واستملته ، فكل من استمال شيئا فقد
سحره : إطلاق الشعراء سحر العيون لاستمالتها النفوس : ومنه قول الاطباء
" الطبيعة ساحرة " ومنه قوله تعالى " بل نحن قوم مسحورون ( 1 ) " أي مصروفون عن
المعرفة : ومنه حديث " إن من البيان لسحرا " .
الثانى ما يقع بخداع وتخييلات لا حقيقة لها ، نحو ما يفعله المشعبد من صرف
الابصار عما يتعاطاه بخفة يده ، وإلى ذلك الاشارة بقوله تعالى " يخيل إليه من سحرهم
أنها تسعى " ( 2 ) وقوله تعالى " سحروا أعين الناس " ( 3 ) ومن هناك سموا موسى عليه السلام
ساحرا ، وقد يستعان في ذلك بما يكون فيه خاصية كحجر المقناطيس .
الثالث : ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم ، وإلى ذلك
الاشارة بقوله تعالى " ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر " ( 4 ) .
الرابع : ما يحصل بمخاطبة الكواكب واشتراك روحانياتها بزعمهم ، قال ابن
حزم : ومنه ما يؤخذ من الطلسمات كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر
في العقرب ، فيفنع من لدغة العقرب ، وقد يجمع بعضهم بين الامرين : الاستعانة بالشياطين
ومخاطبة الكواكب ، فيكون ذلك أقوى بزعمهم .
ثم السحر يطلق ويراد به الآلة التي يسحر بها ، ويطلق ويراد به فعل الساحر
والآلة تارة تكون معنى من المعاني فقط كالرقى والنفث ، وتارة تكون من المحسوسات
كتصوير صورة على صورة المسحور ، وتارة يجمع الامرين الحسي والمعنوي ، وهو
أبلغ .
واختلف في السحر فقيل : هو تخييل فقط ولا حقيقة له ، وقال النووي : والصحيح
أن له حقيقة ، وبه قطع الجمهور ، وعليه عامة العلماء ، ويدل عليه الكتاب والسنة
( هامش 35 ) ( 1 ) الحجر : 15 .
( 2 ) طه : 66 .
( 3 ) الاعراف : 116 .
( 4 ) البقرة : 102 .
[ 36 ]
المشهورة انتهى .
لكن محل النزاع أنه هل يقع بالسحر انقلاب عين أولا ، فمن قال إنه تخييل
فقط منع من ذلك ، ومن قال له حقيقة اختلفوا [ في أنه ] هل له تأثير فقط بحيث يغير
المزاج فيكون نوعا من الامراض ، أو ينتهي إلى الاحالة بحيث يصير الجماد حيوانا
مثلا وعكسه . فالذي عليه الجمهور هو الاول ، وذهبت طائفة قليلة إلى الثاني ، فإن
كان بالنظر إلى القدرة الالهية فمسلم ، وإن كان بالنظر إلى الواقع فهو محل الخلاف
فإن كثيرا ممن يدعي ذلك لا يستطيع إقامة البرهان عليه .
ونقل الخطابي أن قوما أنكروا السحر مطلقا ، وكأنه عنى القائلين بأنه تخييل
فقط ، وإلا فهي مكابرة .
وقال المازري : جمهور العلماء على إثبات السحر ، وأن له حقيقة ونفى بعضهم
حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة ، وهو مردود لورود النقل بإثبات السحر
ولان العقل لا ينكر أن الله تعالى قد يخرق العادة عند نطق الساحر بكلام ملفق
وتركيب أجسام أو مزج بين قوى على ترتيب مخصوص ، ونظير ما يقع من حذاق
الاطباء من مزج بعض العقاقير ببعض حتى ينقلب الضار منها بمفرده فيصير بالتركيب
نافعا ، وقيل : لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله تعالى في قوله " ما يفرقون به بين
المرء وزوجه " ( 1 ) لكون المقام مقام تهويل ، فلو جاز أن يقع أكثر من ذلك لذكره .
قال المازري : والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك
قال : والآية ليست نصا في منع الزيادة ولو قلنا إنها ظاهرة في ذلك .
ثم قال : والفرق بين السحر والمعجزة والكرامة أن السحر يكون بمعاناة أقوال
وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد ، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنما تقع غالبا
انفاقا ، وأما المعجزة فتمتاز من الكرامة بالتحدي .
ونقل إمام الحرمين الاجماع على أن السحر لا يظهر إلا عن فاسق ، والكرامة
( هامش 36 ) ( 1 ) البقرة : 102 .
[ 37 ]
لا تظهر عن ( 1 ) الفاسق . ونقل النووي في زيادات الروضة عن المستولى ( 2 ) نحو ذلك
وينبغي أن يعتبر بحال من يقع الخارق منه ، فإن كان متمسكا بالشريعة متجنبا
للموبقات فالذي يظهر على يده من الخوارق كرامة ، وإلا فهو سحر ، لانه ينشأ عن
أحد أنواعه كاعانة الشياطين .
وقال القرطبي : السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب ، غير أنها
لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس . ومادتها الوقوف على خواص الاشياء ، والعلم
بوجوه تركيبتها وأوقاته ، وأكثرها تخييلات بغير حقيقة ، وإيهامات بغير ثبوت ، فيعظم
عند من لا يعرف ذلك ، كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون " وجاؤا بسحر عظيم " ( 3 )
مع أن حبالهم وعصيهم لم تخرج عن كونها حبالا وعصيا .
ثم قال : والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرا في القلوب ، كالحب والبغض
وإلقاء الخير والشر في الابدان بالالم والسقم ، وإنما المنكر أن الجماد ينقلب
حيوانا وعكسه بسحر الساحر ونحو ذلك انتهى .
وقال شارح المقاصد : السحر إظهار أمر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة
بمباشرة أعمال مخصوصة يجري فيها التعلم والتلمذ ، وبهذين الاعتبارين يفارق المعجزة
والكرامة ، وبأنه لا يكون بحسب اقتراح المعترض ، وبأنه يختص ببعض الازمنة
أو الامكنة أو الشرائط ، وبأنه قد يتصدى لمعارضته ويبذل الجهد في الاتيان بمثله
وبأن صاحبه ربما يعلن بالفسق ، ويتصف بالرجس في الظاهر والباطن ، والخزي في
الدنيا والآخرة ، إلى غير ذلك من وجوه المفارقة . وهو عند أهل الحق جائز عقلا
ثابت سمعا وكذلك الاصابة بالعين .
وقالت المعتزلة : هو مجرد إراءة مالا حقيقة له بمنزلة الشعبدة التي سببها خفة
حركات اليد أو خفاء وجه الحيلة فيه .
( هامش 37 ) ( 1 ) في إكثر النسخ : على فاسق .
( 2 ) المستوفى ( خ ) .
( 3 ) الاعراف : 116 .
[ 38 ]
لنا على الجواز ما مر في الاعجاز ، من إمكان الامر في نفسه وشمول قدرة الله
له ، فإنه هو الخالق ، وإنما الساحر فاعل وكاسب . وأيضا إجماع الفقهاء ، وإنما
اختلفوا في الحكم . وعلى الوقوع وجوه :
منها قوله تعالى " يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت
وماروت إلى قوله فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين
به من أحد إلا بإذن الله " ( 1 ) وفيه إشعار بأنه ثبات حقيقة ، ليس مجرد إراءة وتمويه
وبأن المؤثر والخالق هو الله تعالى وحده .
ومنها سورة الفلق ، فقد اتفق جمهور المسلمين على أنها نزلت فيما كان من سحر
لبيد بن أعصم اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى مرض ثلاث ليال .
ومنها ما روي أن جارية سحرت عايشة ، وأنه سحر ابن عمر حتى تكوعت
يده .
فإن قيل : لوصح السحر لاضرت السحرة بجميع الانبياء والصالحين ، ولحصلوا
لانفسهم الملك العظيم ، وكيف يصح أن يسحر النبي صلى الله عليه وآله وقد قال الله " والله يعصمك
من الناس " ( 2 ) " ولا يفلح الساحر حيث أتى " وكانت الكفرة يعيبون النبي صلى الله عليه وآله
بأنه مسحور ، مع القطع بأنهم كاذبون .
قلنا : ليس الساحر يوجد في كل عصر وزمان ، وبكل قطر ومكان ، ولا ينفذ
حكمه كل أوان ، ولاله يد في كل شئ ( 3 ) والنبي صلى الله عليه وآله معصوم من أن يهلكه الناس
أو يوقع خللا في نبوته ، لا أن يوصل ضررا وألما إلى بدنه ، ومراد الكفار بكونه
مسحورا أنه مجنون أزيل عقله بالسحر حيث ترك دينهم .
فان قيل : قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام " يخيل إليه من سحرهم أنها
( هامش 38 ) ( 1 ) البقرة : 102 .
( 2 ) المائدة : 67 .
( 3 ) شان ( خ ) .
[ 39 ]
تسعى " ( 1 ) يدل على أنه لا حقيقة للسحر ، وإنما هو تخييل وتمويه .
قلنا : يجوز أن يكون سحرهم إيقاع ذلك التخيل وقد تحقق ، ولو سلم فكون
أثره في تلك الصورة هو التخييل لا يدل على أنه لا حقيقة له أصلا .
وأما الاصابة بالعين وهو أن يكون لبعض النفوس خاصية أنها إذا استحسنت
شيئا لحقه الآفة ، فثبوتها يكاد يجري مجرى المشاهدات التي لا تفتقر إلى حجة .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 39 سطر 6 الى ص 47 سطر 6

وقد قال النبي صلى الله عليه وآله " العين حق يدخل الرجل القبر والجمل القدر " وقد ذهب كثير
من المفسرين إلى أن قوله تعالى " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما
سمعوا الذكر ويقولون ( 2 ) الآية " نزلت في ذلك .
وقالوا : كان العين في بني أسد ، فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام ، فلا
يمر به شئ يقول فيه " لم أركاليوم " إلا عانه ، فالتمس الكفار من بعض من كانت له
هذه الصنعة أن يقول في رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك ، فعصمه الله .
واعترض الجبائي أن القوم ما كانوا ينظرون إلى النبي صلى الله عليه واله نظر استحسان
بل مقت ونقص .
والجواب أنهم كانوا يستحسنون منه الفصاحة وكثيرا من الصفات ، وإن كانوا
يبغضونه من جهة الدين .
ثم للقائلين بالسحر والعين اختلاف في جواز الاستعانة بالرقى والعوذ ، وفي جواز
تعليق التمائم ، وفي جواز النفث والمسح . ولكل من الطرفين أخبار وآثار ، والجواز
هو الارجح ، والمسألة بالفقهيات أشبه انتهى .
وأقول : الذي ظهر لنا مما مضى من الآيات والاخبار والآثار أن . للسحر
تأثيرا ما في بعض الاشخاص والابدان ، كإحداث حب أو بغض أو هم أو فرح ، وأما
تأثيره في إحياء شخص ، أو قلب حقيقة إلى أخرى ، كجعل الانسان بهيمة ، فلا ريب
في نفيهما ، وأنهما من المعجزات . وكذا في كل ما يكون من هذا القبيل ، كإبراء
( هامش 39 ) ( 1 ) طه : 66 .
( 2 ) القلم : ( 51 ) .
[ 40 ]
الاكمه والابرص ، وإسقاط يد بغير جارحة ، أو وصل يد مقطوع ، أو إجراء الماء
الكثير من بين الاصابع أو من حجر صغير وأشباه ذلك .
والظاهر أن الاماتة أيضا كذلك ، فإنه بعيد أن يقدر الانسان على أن يقتل
رجلا بغير ضرب وجرح وسم وتأثير ظاهر في بدنه ، وإن أمكن أن يكون الله تعالى
جعل لبعض الاشياء تأثيرا في ذلك ونهى عن فعله ، كما أنه سبحانه جعل الخمر مسكرا
ونهى عن شربه ، وجعل الحديد قاطعا ومنع من استعماله في غير ما أحله ، وكذا التمريض ، لكنه أقل استبعادا .
فان قيل : مع تجويز ذلك يبطل كثير من المعجزات ، ويحتمل فيه السحر .
قلنا : قد مر أن المعجزة تحدث عند طلبها بلا آلات وأدوات ومرور زمان
يمكن فيه تلك الاعمال ، بخلاف السحر ، فإنه لا يحصل إلا بعد استعمال تلك الامور
ومرور زمان . وأيضا الفرق بين السحر والمعجز [ ة ] بين عند العارف بالسحر وحقيقته
ولذا حكم بعض الاصحاب بوجوب تعلمه كفاية . ويروى عن شيخنا البهائي قدس الله
روحه أنه لو كان خروج الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وآله مع قبض يده وصم أصابعه
إلى كفه كان يحتمل السحر ، وأما مع بسط الاصابع وتفريجها فلا يحتمل السحر ،
وذلك واضح وعند من له دربة ( 1 ) في صناعة السحر .
وأيضا معجزات الانبياء لا تقع على وجه تكون فيه شبهة لاحد ، إلا أن يقول
معاند بلسانه ما ليس في قلبه ، فإن الساحر ربما يخيل ويظهر قطرات من الماء من
بين أصابعه أو كفه أن من حجرصغير ، وأما أن يجري أنهار كبيرة بمحض ضرب العصا
أو يروي كثيرا من الناس والدواب بما يجري من بين أصابعه بلا معاناة عمل أو استعانة
بآلة ، فهذا مما يعرف كل عاقل أنه لا يكون من السحر . وكذا إذا دعا على أحد
فمات أو مرض من ساعته ، فإن مثل هذا لا يكون سحرا بديهة .
وأما جهة تأثيره فما كان من قبيل التخييلات والشعبدة فأسبابها ظاهرة عند
العاملين بها تفصيلا ، وعند غيرهم إجمالا ، كما مر في سحر سحرة فرعون ، واستعانتهم
( هامش 40 ) ( 1 ) درب دربا ودربة : كان حاذقا في صناعته .
[ 41 ]
بالزئبق أو إرائتهم أشياء بسرعة اليد لا حقيقة لها .
وأما حدوث الحب والبغض والهم وأمثالها ، فالظاهر أن الله تعالى جعل لها
تأثيرا وحرمها كما أومانأ إليه ، وهذا مما لا ينكره العقل ، ويحتمل أن يكون
للشياطين أيضا مدخلا ( 1 ) في ذلك . ويقل أو يبطل تأثيرها بالتوكل والدعاء والآيات
والتعويذات .
ولذا كان شيوع السحر والكهانة وأمثالهما في الفترات بين الرسل وخفاء آثار
النبوة واستيلاء الشياطين أكثر ، وتضعف وتخفى تلك الامور عند نشر آثار الانبياء
وسطوع أنوارهم كأمثال تلك الازمنة ، فإنه ليس من دار ولا بيت إلا وفيه مصاحف
كثيرة وكتب جمة من الادعية والاحاديث ، وليس من أحد إلا ومعه مصحف أو عوذة
أو سورة شريفة ، وقلوبهم وصدورهم مشحونة بذلك ، فلذا لا نرى منها أثرا بينا في
تلك البلاد إلا نادرا في البلهاء والضعفاء والمنهمكين في المعاصي ، وقد نسمع ظهور
بعض آثارها في أقاصي البلاد ، لظهور آثار الكفر وندور أنوار الايمان فيها ، كأقاصي
بلاد الهند والصين والترك .
وأما تأثير السحر في النبي والامام صلوات الله عليهما فالظاهر عدم وقوعه
وإن لم يقم برهان على امتناعه إذا لم ينته إلى حد يخل بغرض البعثة ، كالتخبيط
والتخليط ، فإنه إذا كان الله سبحانه أقدر الكفار لمصالح التكليف على حبس الانبياء
والاوصياء عليه السلام وضربهم وجرحهم وقتلهم بأشنع الوجوه فأي استحالة على أن يقدروا
على فعل يؤثر فيهم هما ومرضا ؟
لكن لما عرفت أن السحر يندفع بالعوذ والآيات والتوكل ، وهم عليهم السلام معادن
جميع ذلك ، فتأثيره فيهم مستبعد ، والاخبار الواردة في ذلك أكثرها عامية أو ضعيفة
ومعارضة بمثلها ، فيشكل التعويل عليها في إثبات مثل ذلك .
وأما ما يذكر من بلاد الترك أنهم يعملون ما يحدث به السحب والامطار
فتأثير أعمال مثل هؤلاء الكفرة في الآثار العلوية وما به نظام العالم مما يأبى عنه العقول
( هامش 41 ) ( 1 ) كذا .
[ 42 ]
السليمة ، والافهام القويمة ، ولم يثبت عندنا بخبر من يوثق بقوله .
وأما العين فالظاهر من الآيات والاخبار أن لها تحققا أيضا ، إما بأن جعل الله
تعالى لذلك تأثيرا وجعل علاجه التوكل والتوسل بالآيات والادعية الواردة في ذلك
أو بأن الله تعالى يفعل في المعين فعلا عند حدوث ذلك لضرب من المصلحة ، وقد أو مأنا
إلى وجه آخر فيما مر .
وبالجملة لا يمكن إنكار ذلك رأسا ، لما يشاهد من ذلك عينا ، وورود الاخبار
به مستفيضا ، والله يعلم وحججه عليه السلام حقائق الامور .
2 باب
( حقيقة الجن واحوالهم ) ( 1 )
الايات الانعام : وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير
علم سبحانه وتعالى عما يصفون ( 2 ) .
وقال تعالى : ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال
أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار
مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم وكذلك نولي بعض الظالمين
بعضا بما كانوا يكسبون يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم
( هامش 42 ) ( 1 ) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه
محمد وآله . يقول افقر العباد إلى رحمة ربه البارى عبدالرحيم الربانى الشيرازى عفى عنه
وعن والديه : هذه تعليقة وجيزة عملت فيها ايضاح بعض غرائب اللغة ومشكلاتها مما لم يذكره
المصنف قدس سره وخرجت الاحاديث من مصادرها وقابلت نصوصها عليها ، وذكرت ما
اختلف فيها وربما شرحت بعض الاحاديث واسانيدها مستعينا من الله الموفق الصواب والسداد
وراجيا منه العفو يوم الحساب انه ولى التوفيق وعليه التكلان . ( 2 ) الانعام : 100 .
[ 43 ]
آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحيوة الدنيا و
شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ( 1 ) .
الاعراف : فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم ( 2 ) .
الحجر : والجان خلقناه من قبل من نار السموم ( 3 ) .
الشعراء : هل انبئكم على من تنزل الشياطين ، تنزل على كل أفاك أثيم
يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ( 4 ) .
النمل : وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون ( 5 ) .
وقال تعالى : قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني
عليه لقوي أمين ( 6 ) .
التنزيل : لاملئن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( 7 ) .
سبأ : ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه
من عذاب السعير ، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور
راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور فلما قضينا عليه الموت ما
دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا
يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( 8 ) .
وقال سبحانه : بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ( 9 ) .
( هامش 43 ) ( 1 ) الانعام : 128 130 .
( 2 ) الاعراف : 116 .
( 3 ) الحجر : 27 .
( 4 ) الشعراء : 121 123 .
( 5 ) النمل : 17 .
( 6 ) النمل : 39 .
( 7 ) السجدة : 13 .
( 8 ) سبأ : 12 14 .
( 9 ) سبأ : 41 .
[ 44 ]
الاحقاف : أولئك الذين حق عليهم القول في امم قد خلت من قبلهم من الجن
والانس إنهم كانوا خاسرين ( 1 ) .
وقال سبحانه : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه
قالوا أنصتوا فلما قضي ولو إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا انزل من
بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقم يا قومنا أجيبوا
داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب
داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين ( 2 ) .
الرحمن وخلق الجان من مارج من نار ( 3 ) .
وقال عزوجل : يا معشر الجن والانس إن استطعتهم أن تنفذوا من أقطار السموات
والارض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ( 4 ) .
وقال سبحانه : ولمن خاف مقام ربه جنتان ( 5 ) .
وقال تعالى : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ( 6 ) في موضعين .
الجن : قل اوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ( 7 )
إلى آخر السورة .
تفسير : " وجعلوا الله شركاء الجن " قال الرازي في تفسيره : إن الذين أثبتوا
الشريك لله فرق وطوائف :
فالاولى عبدة الاصنام فهم يقولون : الاصنام شركاء لله في المعبودية ولكنهم
( هامش 44 ) ( 1 ) الاحقاف : 18 .
( 2 ) الاحقاف : 29 32 .
( 3 ) الرحمن : 15 .
( 4 ) الرحمن : 33 .
( 5 ) الرحمن : 46 .
( 6 ) الرحمن : 56 و 74 .
( 7 ) الجن : 1 28 .
[ 45 ]
يعترفون ( 1 ) بأن هذه الاصنام لا قدرة لها على الخلق والايجاد والتكوين .
والثانية الذين يقولون مدبر هذا العالم هو الكواكب ، وهؤلاء فريقان منهم من
يقول : إنها واجبة الوجود لذواتها ( 2 ) ، ومنهم من يقول إنها ممكنة الوجود محدثة ( 3 )
وخالقها هو الله تعالى ، إلا أنه سبحانه فوض تدبير هذا العالم الاسفل إليها وهم الذين
ناظرهم الخليل ( 4 ) .
والثامنة من المشركين الذين قالوا : لجملة هذا العالم بما فيه من السماوات
والارض إلهان : أحدهما فاعل الخير ، وثانيهما فاعل الشر ، والمقصود من هذه الآية
حكاية مذهب هؤلاء ، فروي عن ابن عباس أنه قال قوله تعالى " وجعلوا لله شركاء الجن
نزلت في الزنادقة الذين قالوا إن الله وإبليس أخوان ، فالله تعالى خالق النار والدواب
والانعام والخيرات ، وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب والشرور .
واعلم أن هذا القول الذي ذكره ابن عباس أحسن الوجوه المذكورة في هذه الآية
لان بهذا الوجه يحصل لهذه الآية مزيد فائدة لما سبق ذكره في الآيات المتقدمة
قال ابن عباس : والذي يقوي هذا الوجه قوله تعالى " وجعلوا بينه وبين الجنة
نسبا ( 5 ) " وإنما وصف بكونه من الجن لان لفظ الجن مشتق من الاستتار ، والملئكة
والروحانيون لا يرون بالعيون ، فصارت كأنها مستترة من العيون فبهذا ( 6 ) اطلق
لفظ الجن عليها :
( هامش 45 ) ( 1 ) في المصدر : معترفون .
( 2 ) في المصدر : لذاتها .
( 3 ) في المصدر : ممكنة الوجود لذواتها محدثة .
( 4 ) في المصدر : وهؤلاءهم الذين حكى الله عنهم أن الخليل صلى الله عليه وآله ناظرهم
بقوله : لا احب الافلين .
( 5 ) الصافات : 158 . قد سقطت هذه الاية عن قلمه الشريف ، وكان يلزم أن يذكرها تلو الايات .
( 6 ) في المصدر : فبهذا التأويل .
[ 46 ]
وأقول : هذا مذهب المجوس وإنما قال ابن عباس : هذا قول الزنادقة ، لان
المجوس يلقبون بالزنادقة لان الكتاب الذي زعم زردشت ( 1 ) أنه نزل عليه من عند
الله مسمى بالزند والمنسوب إليه يسمى بالزندي ( 2 ) ثم عرب فقيل زنديق ، ثم جمع
فقيل زنادقة .
واعلم أن المجوس قالوا : كل ما في هذا العالم من الخيرات فهو من يزدان
وكل ما فيه من الشرور من أهرمن ، وهو المسمى بابليس في شرعنا ، ثم اختلفوا
فالاكثرون منهم على أن أهرمن محدث ، ولهم في كيفية حدوثه أقوال عجيبة ، والاقلون
منهم قالوا إنه قديم أزلي ، وعلى القولين فقد اتفقوا على أنه شريك لله في تدبير العالم
فخيرات هذا العالم من الله وشروره من إبليس .
فان قيل : فعلى هذا التقدير القوم أثبتوا لله شريكا واحدا وهو إبليس ، فكيف
حكى الله عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء ؟ والجواب أنهم يقولون عسكر الله هم الملائكة
وعسكر إبليس هم الشياطين ، والملائكة فيهم كثرة عظيمة ، وهم أرواح طاهرة مقدسة
وهي ( 3 ) تلهم الارواح البشرية بالخيرات والطاعات ، والشياطين أيضا فيهم كثرة
عظيمة وهي تلقي الوسواس الخبيثة إلى الارواح البشرية ، والله مع عسكره من الملائكة
يحاربون إبليس مع عسكره من الشياطين ، فلهذا السبب حكى الله عنهم أنهم أثبتوا الله
شركاء من الجن .
فاذا عرفت هذا فقوله " وخلقهم " إشارة إلى الدليل القاطع الدال على فساد
كون إبليس شريكا لله في ملكه ، وتقريره من وجهين :
الاول أنا نقلنا عن المجوس أن الاكثرين منهم معترفون بأن إبليس ليس
بقديم بل هو محدث وكل محدث فله خالق وما ذاك إلا الله سبحانه ، فيلزمهم القطع
( هامش ص 46 ) ( 1 ) في المصدر : زرادشت .
( 2 ) في المصدر : بالزندى .
( 3 ) في المصدر : وهم يلهمون تلك الارواح .
[ 47 ]
بأن خالق إبليس هو الله تعالى ، ولما كان إبليس أصلا لجميع الشرور والقبائح ( 1 )
فيلزمهم أن إله العالم هو الخالق لما هو أصل الشرور والمفاسد ، وإذا كان كذلك امتنع
عليهم أن يقولوا لابد من إلهين يكون أحدهما فاعل الخيرات ، والثاني فاعلا للشرور
وبهذا الطريق ثبت أن إله الخير هو بعينه الخالق لهذا الذي هو الشر الاعظم .
والثاني ما بينا في كتبنا ( 2 ) أن ما سوى الواحد ممكن لذاته ، وكل ممكن
لذاته فهو محدث ، ينتج أن ما سوى الواحد الاحد الحق فهو محدث ، فيلزم القطع


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 47 سطر 7 الى ص 55 سطر 7

بأن إبليس وجميع جنوده موصوفون بالحدوث ، وحصول الوجود بعد العدم ، فيعود
الالزام المذكور على ما قررنا .
وقيل : المراد بالآية أن الكفار كانوا يقولون الملائكة بنات الله وأطلق الجن
عليهم لكونهم مستترين عن الاعين ، وقال الحسن وطائفة : إن المراد أن الجن دعوا
الكفار إلى عبادة الاصنام ، وإلى القول بالشرك فقبلوا من الجن هذا القول ، وأطاعوهم
فصاروا من هذا الوجه قائلين بكون الجن شركاء لله ، والحق هو القول الاول ( 3 ) .
" وخرقوا له بنين " قال الفراء : معنى خرقوا : افتعلوا وافتروا ، فاما الذين
أثبتوا البنين فهم النصارى ، وقوم من اليهود ، وأما الذين أثبتوا البنات فهم العرب ،
قالوا الملائكة بنات الله ، وقوله : بغير علم " كالتنبيه على ما هو الدليل القاطع على
فساد هذا القول ، لان الولد ( 4 ) يشعر بكونه متولدا عن جزء من أجزاء الوالد ،
( هامش 47 ) ( 1 ) في المصدر : لجميع الشرور والافات والمفاسد والقبائح . والمجوس سلموا ان
خالقه هو الله تعالى فحينئذ قد سلما ان اله العالم هو الخالق لما هو اصل الشرور والقبائح والمفاسد .
( 2 ) في المصدر : في هذا الكتاب وفى كتاب الاربعين في اصول الدين .
( 3 ) التفسير الكبير 13 : 112 115 ، اختصره رحمه الله في بعض المواضع .
( 4 ) ذكر الرازى في فساد هذا القول وجوه ، والذى ذكره المصنف هو الوجه
الثالث اما الاولان فقال الرازى : الحجة الاولى : ان الاله يجب ان يكون واجب الوجود
لذاته فولده اما ان يكون واجب الوجود لذاته اولا يكون ، فان كان واجب الوجود لذاته
[ 48 ]
وذلك إنما يعقل في حق من يكون مركبا ويمكن انفصال بعض أجزائه عنه ، وذلك
في حق الاحد ( 1 ) الفرد محال .
فحاصل الكلام أن من علم أن الاله ما حقيقته ، استحال أن يقول : له ولد ،
فقوله : " بغير علم " إشارة إلى هذه الدقيقة ، وسبحانه " تنزيه لله عن كل مالا
يليق به " وتعالى " أي هو متعال عن كل اعتقاد باطل ( 2 ) ، وقول فاسد ( 3 ) .
قوله سبحانه " ويوم يحشرهم جميعا " أي جميع الخلق أو الانس والجن " يا معشر
الجن " أي يا جماعة الجن " قد استكثرتم من الانس " أي من إغوائهم وإضلالهم ، أو
منهم بأن جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم " وقال أولياؤهم من الانس " الذين أطاعوهم
" ربنا استمتع بعضنا ببعض " أي انتفع الانس بالجن بأن دلوهم على الشهوات وما
يتوصل به إليها ، والجن بالانس بأن أطاعوهم وحصلوا مرادهم وقيل استمتاع الانس
بهم أنهم كانوا يعوذون بهم في المفاوز عند المخاوف واستمتاعهم بالانس اعتراف بأنهم
يقدرون على إجارتهم .
" وبلغنا أجلنا الذي أجلت " أي البعث " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا "
( هامش ص 47 ) كان مستقلا بنفسه قائما بذاته لا تعلق له في وجوده بالاخر ، ومن كان كذلك لم يكن والد
له البتة لان الولد مشعر بالفرعية والحاجة ، واما ان كان ذلك الولد ممكن الوجود لذاته
فحينئذ يكون وجوده بايجاد واجب الوجود لذاته ، ومن كان كذلك فيكون عبدالله لا والدا له
فثبت ان من عرف ان الاله ما هو امتنع منه ان يثبت له البنات والبنين .
الحجة الثانية ان الولد يحتاج اليه ان يقوم مقامه بعد فنائه ، وهذا يعقل في حق
من يفنى ، اما من تقدس عن ذلك لم يعقل الولد في حقه .
( 1 ) في المصدر : في حق الواحد الفرد الواجب لذاته محال .
( 2 ) فيه اختصار والموجود في المصدر : واما قوله : ( وتعالى ) فلا شك انه لا يفيد
العلو في المكان ، لان المقصود هاهنا تنزيه الله تعالى عن هذه الاقوال الفاسدة والعلو في
المكان لا يفيد هذا المعنى فثبت ان المراد هاهنا التعالى عن كل اعتقاد باطل وقول فاسد .
( 3 ) التفسير الكبير 13 : 116 و 117 .
[ 49 ]
أي نكل بعضهم إلى بعض ، أو يجعل ( 1 ) بعضهم يتولى بعضا فيغويهم أو أولياء بعض
وقرنائهم في العذاب ، كما كانوا في الدنيا .
" ألم يأتكم رسل منكم " قال الطبرسي رحمه الله : قوله " منكم " وإن كان
خطابا لجميعهم والرسل من الانس خاصة فانه يحتمل أن يكون لتغليب أحدهما على
الآخر ، كما قال سبحانه : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( 2 ) " وإن كان اللؤلؤ
يخرج من الملح دون العذاب ، وكما يقال أكلت الخبز واللبن ، وإنما يأكل الخبز
ويشرب اللبن ، وهو قول أكثر المفسرين ، وقيل : إنه أرسل رسلا إلى الجن كما
أرسل إلى الانس عن الضحاك ، وعن الكلبى كان الرسل يرسلون إلى الانس ثم بعث
محمد صلى الله عليه وآله إلى الانس والجن وقال ابن عباس إنما بعث الرسول من الانس ثم كان
يرسل هو إلى الجن رسولا من الجن ، وقال مجاهد الرسل من الانس والنذر من
الجن ( 3 ) .
وأقول : قد مر تفسير الآيات في كتاب المعاد .
وقال الرازي في قوله تعالى : " سحروا أعين الناس " : احتج بهذه الآية
القائلون بأن السحر محض التمويه :
قال القاضي لو كان السحر حقا لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم فثبت أن
المراد أنهم تخيلوا أحوالا عجبية مع أن الامر في الحقيقة ما كان على ما وفق
ما تخيلوه ( 4 ) .
" والجان " قال البيضاوي : أي الجن .
وقيل : إبليس ويجوز أن يراد به كون الجنس بأسره مخلوقا منها ، وانتصابه
بفعل يفسره " خلقناه من قبل " أي من قبل خلق الانسان " من نار السموم " أي من
( هامش ص 49 ) ( 1 ) في المخطوطة : أو نجعل .
( 2 ) الرحمن : 22 .
( 3 ) مجمع البيان 4 : 367 . أقول : هذه كلها اقوال من غير دليل .
( 4 ) التفسير الكبير 14 : 203 .
[ 50 ]
نار الحر الشديد النافذ في المسام ، ولا يمتنع خلق الحياة في الاجرام البسيطة كما
لا يمتنع خلقها في الجواهر المجردة ، فضلا عن الاجساد المؤلفة التي الغالب فيها
الجزء الناري ، فانها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الارضي ، وقوله : " من
نار " باعتبار الجزء الغالب كقوله " خلقكم من تراب " ( 1 ) .
وقال الرازي : اختلفوا في أن الجان من هو ؟ قال عطاء : عن ابن عباس :
يريد إبليس ، وهو الحسن ومقاتل وقتادة .
وقال ابن عباس في رواية أخرى : الجان هو أبوالجن ، وهو قول الاكثرين
وسمي جانا لتواريه عن الاعين كما سمي الجن جنا لهذا السبب ( 2 ) ، والجنين
متوار في بطن امه ، ومعنى الجان في اللغة الساتر من قولك جن الشئ إذا ستره
فالجان المذكور هنا يحتمل أن يكون جانا لانه يستر نفسه عن بني ( 3 ) آدم أو يكون
من باب الفاعل الذي يراد به المفعول ، كما تقول في لابن وتامر وماء دافق وعيشة
راضية ، واختلفوا في الجن فقال بعضهم إنه جنس غير الشياطين ، والاصح أن
الشياطين قسم من الجن ، فكل من كان منهم مؤمنا فانه لا يسمى بالشيطان ، وكل
من كان منهم كافرا يسمى بهذا الاسم .
والدليل على صحة ذلك أن لفظ الجن مشتق من الاجتنان بمعنى الاستتار
فكل من كان كذلك كان من الجن .
والسموم في اللغة الريح الحارة تكون بالنهار ، وقد تكون بالليل ، وعلى هذا
فالريح الحارة فيها نار ولها لهب ، على ما ورد في الخبر أنها من فيح جهنم ( 4 ) قيل :
سميت سموما لانها بلطفها تدخل مسام البدن ، وهي الخروق الخفية التي تكون
( هامش ص 50 ) ( 1 ) انوار التنزيل 1 : 647 فيه : ابا الجن .
( 2 ) في المصدر : كما سمى الجنين جنينا لهذا السبب .
( 3 ) في المصدر : عن اعين بنى آدم .
( 4 ) في المصدر : فالريح الحارة فيها نار ولها لفح وأوار على ما ورد في الخبر انها لفح جهنم .
[ 51 ]
في جلد الانسان يبرز منها عرقه وبخار باطنه .
قال ابن مسعود : هذا السموم جزء من سبعين جزءا " من السموم التي منها الجان ( 1 )
وتلا هذه الاية .
فان قيل : كيف يعقل حصول الحيوان ( 2 ) من النار ؟ قلنا هذا على مذهبنا ظاهر
لان البنية عندنا ليست شرطا لا مكان حصول الحياة ، فإنه تعالى قادر على خلق الحياة
والعقل والعلم في الجوهر الفرد ، وكذلك يكون قادرا على خلق الحياة والعقل في الجسم
الحار ( 3 ) .
" هل انبئكم " قال البيضاوي : لما بين أن القرآن لا يصح أن يكون مما
تنزلت به الشياطين أكد ذلك بأن بين أن محمدا " صلى الله عليه وآله لا يصح أن يتنزلوا عليه من
وجهين أحدهما أنه إنما يكون ( 4 ) على شرير كذاب كثير الاثم فان اتصال الانسان
بالغائبات لما بينهما من التناسب والتواد ، وحال محمد صلى الله عليه وآله على خلاف ذلك ، وثانيهما
قوله : " يلقون السمع وأكثرهم كاذبون " أي الافاكون يلقون السمع إلى الشياطين
فيتلقون منهم ظنونا وأمارات لنقصان علمهم فينضمون إليها على حسب تخيلاتهم
أشياء لا يطابق أكثرها كما جاء في الحديث الكلمة يختطفها الجني فيقرؤها ( 5 ) في اذن وليه
فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة ولا كذلك محمد صلى الله عليه وآله فانه أخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى
وقد طابق كلها .
وقد فسر الاكثر بالكل ، كقوله " كل أفاك " والاظهر أن الاكثرية
باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني وقيل
الضماير للشياطين أي يلقون السمع إلى الملاء الاعلى قبل أن رجموا فيختطفون منهم بعض المغيبات .
( هامش ص 51 ) ( 1 ) في المصدر : خلق الله بها الجان .
( 2 ) في المصدر : خلق الجان .
( 3 ) التفسير الكبير 19 : 180 و 181 .
( 4 ) في المصدر : لا يصلح لان تنزلوا عليه من وجهين احدهما انه يكون .
( 5 ) في المصدر : فيقرها .
[ 52 ]
" يوحون ( 1 ) إلى أوليائهم " أي يلقون مسموعهم منهم إلى أوليائهم " وأكثرهم
كاذبون " فيما يوحون به إليهم إذ يسمعونهم لا على نحو ما تكلمت به الملائكة لشرارتهم
أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو أفهامهم ( 2 ) .
قال " عفريت " قال البيضاوي : خبيث مارد " من الجن " بيان له لانه يقال
للرجل الخبيث المنكر المعفر أقرانه وكان اسمه ذكوان أو صخر ( 3 ) " قبل أن تقوم من
مقامك " مجلسك للحكومة ، وكان يجلس إلى نصف النهار " وإني عليه " على حمله
" لقوي أمين " لا أختزل منه شيئا ولا ابد له انتهى ( 4 ) .
قوله تعالى : " من الجنة " يدل على أن الجن مكلفون ومعذبون بالنار مع
سائر الكفار .
" ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه " قال الطبرسي رحمه الله : المعنى
وسخرنا له من الجن من يعمل ( 5 ) بحضرته وأمام عينه ما يأمرهم به من الاعمال كما
يعمل الآدمي بين يدي الآدمي بأمر ربه تعالى ، وكان يكلفهم الاعمال الشاقة مثل
عمل الطين وغيره :
وقال ابن عباس : سخرهم الله لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به ، وفي
هذا دلالة على أنه قد كان من الجن من هو غير مسخر له .
" ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير " أي ومن يعدل من هؤلاء
الجن الذين سخرناهم لسليمان عما أمرناهم به من طاعة سليمان " نذقه من عذاب
السعير " أي عذاب النار في الآخرة عن أكثر المفسرين .
وفي هذا دلالة على أنهم قد كانوا مكلفين .
( هامش ص 52 ) ( 1 ) في المصدر : يوحون به .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 190 .
( 3 ) في المصدر : او صخرا .
( 4 ) انوار التنزيل : 2 : 199 .
( 5 ) في المصدر : من يعمل له .
[ 53 ]
وقيل : معناه : نذيقه العذاب في الدنيا ، وأن الله سبحانه وكل بهم ملكا بيده
سوط من نار ، فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ضربه ضربة أحرقته .
" يعملون له ما يشاء من محاريب " وهي بيوت الشريعة .
وقيل : هي القصور والمساجد يتعبد فيها ، وكان مما عملوه بيت المقدس " وتماثيل "
يعني صورا من نحاس وشبه ، وزجاج ، ورخام ، كانت الجن تعملها .
وقال بعضهم ( 1 ) كانت صورا للحيوانات .
وقال آخرون : كانوا يعملون صور السباع والبهائم على كرسيه ليكون
أهيب له .
قال الحسن : ولم يكن يومئذ التصاوير محرمة ، وهي محظورة في شريعة نبيا
صلى الله عليه وآله .
وقال ابن عباس : كانوا يعملون صور الانبياء والعباد في المساجد ليقتدي
بهم ، وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال : والله ماهي تماثيل الرجال والنساء ، ولكنها
الشجر وما أشبهه .
" وجفان كالجواب " أي صحاف كالحياض يجبى فيها الماء أي : يجمع .
وقيل : إنه كان يجتمع على كل جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه " وقدور
راسيات " أي ثابتات لا تزلن عن أمكنتهن لعظمتهن " فلما قضينا عليه الموت " أي
فلما حكمنا على سليمان بالموت .
وقيل : معناه أوجبنا على سليمان ( 2 ) " مادلهم على موته إلا دابة الارض تأكل
منسأته " أي ما دل الجن على موته إلا الارضة ، ولم يعلموا موته حتى أكلت عصاه
فسقط فعلموا أنه ميت .
وروى أبوبصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن سليمان أمر الشياطين فعملوا له
قبة من قوارير فبينما هو قائم متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف يعملون
( هامش ص 53 ) ( 1 ) في المصدر : ثم اختلفوا فقال بعضهم .
( 2 ) في المصدر : على سليمان الموت .
[ 54 ]
وهم ينظرون إليه لا يصلون إليه إذا رجل معه في القبة ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا
الذي لا أقبل الرشى ، ولا أهاب الملوك ، فقبضه وهو قائم متكئ على عصاه في القبة .
قال : فمكثوا سنة يعملون له حتى بعث الله الارضة فأكلت منسأته .
وفي حديث آخر عن أبي عبدالله عليه السلام قال : فكان آصف يدبر أمره حتى دبت
الارضة " فلماخر " أي سقط سليمان ميتا " تبينت الجن " أي ظهرت الجن فانكشفت ( 1 )
للناس " أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " معناه في الاعمال الشاقة .
وقيل : إن المعنى تبينت عامة الجن وضعفاؤهم أن رؤساءهم لا يعلمون الغيب
لانهم كانوا يوهمونهم أنهم يعلمون الغيب .
وقيل معناه : تبينت الانس أن الجن كانوا لا يعلمون الغيب فانهم كانوا يوهمون
الانس أنا نعلم الغيب ، وإنما قال : " تبينت الجن " كما يقول من يناظر غيره
ويلزمه الحجة : هل تبين لك أنك باطل ؟ ( 2 )
ويؤيده قراءة علي بن الحسين ، وأبي عبدالله عليه السلام ، وابن عباس ، والضحاك
" تبينت الانس " ( 3 )
وأما الوجه في عمل الجن تلك الاعمال العظيمة ، فهو أن الله تعالى زاد في
أجسامهم وقوتهم وغير خلقهم عن خلق الجن الذين لا يرون للطافتم ورقة أجسامهم
على سبيل الاعجاز الدال على نبوة سليمان ، فكانوا بمنزلة الاسراء في يده ، وكانوا
يتهيألهم الاعمال التي كان يكلفها إياهم ، ثم لما مات عليه السلام جعل الله خلقهم على ما
كانوا عليه فلا يتهيأ لهم في هذا الزمان من ذلك شئ ( 4 ) .
وقال في قوله تعالى : " بل كانوا يعبدون الجن " بطاعتهم إياهم فيما دعوهم
إليه من عبادة الملائكة .
( هامش ص 54 ) ( 1 ) في المصدر : فانكشف .
( 2 ) في المصدر على باطل .
( 3 ) ذكر الطبرسى هذه القراءة في بحث القراءة .
( 4 ) مجمع البيان 8 : 380 و 382 384 .
[ 55 ]
وقيل : المراد بالجن إبليس وذريته وأعوانه . " أكثرهم بهم مؤمنون " مصدقون
بالشياطين مطيعون لهم ( 1 ) .
وقال في قوله تعالى : " فحق عليهم القول ( 2 ) " أي كلمة العذاب " في امم "
أي مع امم " قد خلت من قبلهم من الجن والانس " على مثل حالهم واعتقادهم .
قال قتادة : قال الحسن : الجن لا يموتون ، فقلت : " اولئك الذين حق عليهم
القول في امم " الآية تدل على خلافه ( 3 ) .
قوله تعالى : " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن " قال الرازي في كيفية هذه


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 55 سطر 8 الى ص 63 سطر 8

الواقعة قولان : الاول : قال سعيد بن جبير : كانت الجن تستمع فلما رجموا قالوا :
هذا الذي حدث في السماء إنما حدث لشئ حدث في الارض ، فذهبوا يطلبون السبب .
وكان قد اتفق أن النبي صلى الله عليه وآله لما آيس من أهل مكة أن يجيبوه خرج إلى
الطائف ليدعوهم إلى الاسلام ، فلما انصرف إلى وكان ببطن نخلة ( 4 ) أقام به
يقرأ القرآن ، فمر به نفر من أشراف جن نصيبين كان ابليس بعثهم ليعرف ( 5 ) السبب
الذي أوجب حراسة السماء بالرجم فتسمعوا ( 6 ) القرآن وعرفوا أن ذلك السبب .
الثاني : أن الله أمر رسوله أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ عليهم
القرآن ، فصرف الله تعالى إليه نفرا من الجن ليسمعوا ( 7 ) القرآن وينذروا قومهم .
( هامش 55 ) ( 1 ) مجمع البيان 8 : 395 .
( 2 ) هكذا في النسخ المطبوعة ، والمخطوطة خيالة عنه ، والصحيح : [ حق عليهم ] كما
في المصحف الشريف .
( 3 ) مجمع البيان 9 : 78 .
( 4 ) في المصدر : قام يقرأ القرآن في صلاة الفجر .
( 5 ) في المصدر : ليعرفوا .
( 6 ) في النسخة المطبوعة بتبريز : [ فتستمعوا ] وفى المصدر : فسمعوا القرآن
وعرفوا ان ذلك هو السبب .
( 7 ) في المصدر : ليستمعوا منه .
[ 56 ]
ويتفرع على ما ذكره فروع :
الاول : نقل القاضي في تفسيره عن الجن : أنهم كانوا يهودا لان في الجن
مللا كما في الانس من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الاوثان ( 2 ) وأطبق المحققون
على أن الجن مكلفون ، سئل ابن عباس هل للجن ثواب ؟ قال : نعم لهم ثواب
وعليهم عذاب ، ( 3 ) يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها .
الثاني : قال صاحب الكشاف : النفر : دون العشرة ويجمع أنفارا ، ثم روى
ابن جرير الطبري عن ابن عباس أن اولئك الجن كانوا سبعة أنفار من أهل نصيبين
فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وآله رسلا إلى قومهم .
وعن زر بن حبيش ، كانوا تسعة أحدهم زوبعة ( 4 ) .
الثالث : اختلفوا في أنه هل كان عبدالله بن مسعود مع النبي صلى الله عليه وآله ليلة الجن
أم لا ؟ والروايات فيه مختلفة .
الرابع : روى القاضي في تفسيره عن أنس قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وآله في جبال
مكة إذ أقبل شيخ متوكئ على عكازة فقال صلى الله عليه وآله : مشية جني ونغمته ، فقال :
أجل ، فقال : من أي الجن أنت ؟ فقال : أن هامة بن هيم بن لاقيس بن إبليس ، فقال :
لا أرى بينك وبين إبليس إلا أبوين ، فكم أتى عليك ؟
قال : أكلت عمر الدنيا إلا أقلها ، وكنت وقت قابيل وهابيل ( 5 ) أمشي بين الآكام
وذكر كثيرا مما مر به ، وذكر في جملته أن قال : قال لي عيسى : إن لقيت محمدا " صلى الله عليه وآله
( هامش ص 56 )
( 1 ) في المصدر : نقل عن القاضى في تفسيره الجن .
( 2 ) في المصدر : عبدة الاصنام .
( 3 ) في المصدر : وعليهم عقاب .
( 4 ) في المخطوطة : [ ذويقة ] وفى المصدر : [ ذويعة ] ولعل الصحيح مافى المتن
وهو يناسب معناه اللغوى وهو هيجان الارياح وتصاعدها إلى السماء يقال له بالفارسية :
كرباد .
( 5 ) في المصدر : وقت قتل قابيل .
[ 57 ]
فاقرأه عني السلام ، وقد بلغت سلامه وآمنت بك ( 1 ) فقال : إن موسى عليه السلام علمني
التوارة وعيسى عليه السلام علمني الانجيل ، فعلمني القرآن ! فعلمه عشر سور ، وقبض
رسول الله صلى الله عليه وآله ولم تتمه ( 2 ) .
واختلفوا في تفسير قوله : " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن " فقال بعضهم : لما
لم يقصد الرسول قراءة القرآن عليهم فهو تعالى ألقى في قلوبهم ميلا إلى القرآن وداعية
إلى استماعه . فلهذا السبب قال : " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن " .
" فلما حضروه " الضمير للقرآن أو للرسول " قالوا " أي قال بعضهم لبعض :
" انصتوا " أي اسكتوا مستمعين ، فلما فرغ من القراءه " ولوا إلى قومهم منذرين "
ينذرونهم ، وذلك لا يكون إلا بعد إيمانهم ، لانهم لا يدعون غيرهم إلى استماع
القرآن والتصديق به إلا وقد آمنوا بوعيده ( 3 ) . " قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا "
الخ وصفه ( 4 ) بوصفين :
الاول : كونه مصدقا لكتب الانبياء عليه السلام ، فهو يماثل سائر الكتب الالهية
في الدعوة إلى المطالب العالية الشريفة .
والثاني : أن هذه المطالب حقة في أنفسها ( 5 ) ، يعلم كل أحد بصريح عقله
( هامش 57 ) ( 1 ) زاد في المصدر بعد ذلك : فقال عليه السلام : وعلى عيسى السلام وعليك يا هامة ،
ما حاجتك .
( 2 ) في المخطوطة : [ ولم يتمه ] وفى المصدر : ولم ينعه قال عمر بن الخطاب :
ولا اراه الاحيا .
( 3 ) في المصدر : [ فعنده ] مكان بوعيده .
( 4 ) في المصدر : ووصفوه .
( 5 ) الموجود في المصدر هكذا : الاول : كونه مصدقا لما بين يديه ، اى مصدقا
لكتب الانبياء ، والمعنى ان كتب سائر الانبياء كانت مشتملة على الدعوة إلى التوحيد والنبوة
والمعاد والامر بتطهير الاخلاق فكذلك هذا الكتاب مشتمل على هذه المعانى . الثانى قوله :
[ يهدى إلى الحق والى طريق مستقيم ] واعلم ان الوصف الاول يفيد ان هذا الكتاب يماثل
[ 58 ]
كونها كذلك . وإنما قالوا : " من بعد موسى " لانهم كانوا على اليهودية .
وعن ابن عباس : أن الجن ما سمعت أمر عيسى ، فلذا قالوا : " من بعد موسى " .
" أجيبوا داعي الله " أي الرسول ، أو الواسطة الذي يبلغ عنه .
ويدل على أنه كان مبعوثا إلى الجن كما كانم مبعوثا إلى الانس ، قال مقاتل :
ولم يبعث الله نبيا إلى الانس والجن قبله ( 1 ) .
واختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا ؟ قيل : لا ثواب لهم إلا النجاة من
النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا مثل البهائم ، واحتجوا بقوله تعالى : " ويجركم
من عذاب أليم " وهو قول أبي حنيفة ، والصحيح أنهم في حكم بني آدم فيستحقون
الثواب على الطاعة ، والعقاب على المعصية ، وهذا قول أبي ليلي ( 2 ) ومالك ، وجرت
بينه وبين أبي حنيفة في هذا الباب مناظرة ، قال الضحاك : يدخلون الجنة ويأكلون
ويشربون .
والدليل على صحة هذا القول : كل دليل دل على أن البشر يستحقون
الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حق الجن والفرق بين البابين بعيد جدا انتهى ( 3 ) .
وقال البيضاوي في قوله : " يغفر لكم من ذنوبكم " : وهو بعض ذنوبكم وهو
ما يكون في خالص حق الله ، فان المظالم لا يغفر بالايمان . " ويجركم من عذاب
أليم " هو معد للكفار " فليس بمعجز في الارض " إذ لا ينجي منه مهرب " وليس له
من دونه أولياء " يمنعونه منه " في ضلال مبين " حيث اعترضوا عن إجابة من هذا
شأنه ( 4 ) .
( هامش ص 57 ) سائر الكتب الالهية في الدعوة إلى هذه المطالب العالية الشريفة ، والوصف الثانى يفيد ان
هذه المطالب التى اشتمل القرآن عليها مطلب حقة صدق في انفسها .
( هامش ص 58 ) ( 1 ) اختصر المصنف كلام الرازى .
( 2 ) الصحيح كما في المصدر : ابن ابى ليلى .
( 3 ) التفسير الكبير 28 : 31 33 .
( 4 ) انوار التنزيل 2 : 432 .
[ 59 ]
وقال الطبرسي رحمه الله : قوله تعالى : " وخلق الجان " أي أبا الجن ، قال
الحسن : هو إبليس أبوالجن ، وهو مخلوق من لهب النار كما أن آدم مخلوق من
طين " من مارج من نار " أي نار مختلط أحمر وأسود وأبيض عن مجاهد .
وقيل : المارج : الصافي من لهب النار الذي لا دخان فيه ( 1 ) . " سنفرغ لكم
أيها الثقلان " أي سنقصد لحسابكم أيها الجن والانس ، والثقلان أصله من
الثقل ، وكل شئ له وزن وقدر فهو ثقل ، وإنما سميا " ثقلين " لعظم خطرهما
وجلالة شأنهما بالاضافة إلى ما في الارض من الحيوانات ، ولثقل وزنهما بالعقل
والتمييز .
وقيل : لثقلهما على الارض أحياء وأمواتا " ، ومنه قوله تعالى : " وأخرجت
الارض أثقالها " أي أخرجت ما فيها من الموتى .
" أن تنفذوا " أي تخرجوا هاربين من الموت " من أقطار السماوات والارض "
أي جوانبهما ونواحيهما " فانفذوا " أي فاخرجوا فلن تستطيعوا أن تهربوا منه " لا
تنفذون إلا بسلطان " أي حيث توجهتم فثم ملكي ولا تخرجون من سلطاني فأنا آخذكم
بالموت ( 2 ) .
وقيل : أي لا تخرجون إلا بقدرة من الله وقوة يعطيكموها بأن يخلق لكم
مكانا آخر سوى السماوات والارض ويجعل لكم قوة تخرجون بها إليه ( 3 ) .
" لم يطمثهن " أي لم يقتضهن ، والاقتضاض : النكاح بالتدمية ( 4 ) أي لم يطأهن
ولم يغشهن " إنس قبلهم ولا جان " فهن أبكار لانهن خلقن في الجنة .
فعلى هذا القول هؤلآء من حور الجنة .
وقيل : هن من نسآء الدنيا لم يمسسهن منذ أنشأن خلق ، قال الزجاج :
( هامش ص 59 ) ( 1 ) مجمع البيان 9 : 201 .
( 2 ) ويحتمل أن يكون ذلك جملة مستانفة .
( 3 ) مجمع البيان 9 : 204 و 205 .
( 4 ) في المصدر : لم يقتضهن ، والاقتضا من : النكاح بالتدمية .
[ 60 ]
وفيها دلالة على أن الجني يغشى كما يغشى الانسي ، وقال ضمرة بن حبيب : وفيها
دليل على أن للجن ثوابا وأزواجا من الحور ، فالانسيات للانس والجنيات للجن .
وقال البلخي : والمعنى أن ما يهب الله لمؤمني الانس من الحور لم يطمثهن
إنس ، وما يهب الله لمؤمني الجن من الحور لم يطمثهن جان انتهى ( 1 ) .
وقال الرازي في قوله تعالى : " فبأي آلاء ربكما " : الخطاب للانس والجن
أو الذكر والانثى . أو المراد التكرار للتأكيد .
أو المراد العموم ، لان العام يدخل فيه قسمان كالحاضر وغير الحاضر ، والسواد
وغير السواد ، والبياض وغيره وهكذا ، أو القلب واللسان ، فان التكذيب قد يكون
بالقلب وقد يكون باللسان ، أو التكذيب للدلائل السمعية والعقلية ، والظاهر منها
الثقلان لقوله : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " وقوله : " يا مشعر الجن والانس "
وقوله : " خلق الانسان وخلق الجان " ( 2 ) .
وقال في قوله تعالى : " لم يطمثهن " إلى آخره : ما الفائدة في ذكر الجان مع
أن الجان لا يجامع ؟
نقول : ليس كذلك بل الجن لهم أولاد وذرية ، وإنما الخلاف في أنهم هل
يواقعون الانس أم لا ؟ والمشهور أنهم يواقعون ، ولما كانت الجنة فيها الانس والجن
كانت مواقعة الانس إياهن كمواقعة الجن ، فوجبت الاشارة إلى نفيهما انتهى ( 3 ) .
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " : جنة للخائف
( هامش ص 60 ) ( 1 ) مجمع البيان 9 : 208 :
بيانه انه تعالى لما بين انهم لا يمكن لهم أن يهربوا من الموت بالامر التعجيزى
بالانفاذ من اقطار السماوات والارض استأنف الكلام ببيان أن النفوذ إلى اقطار السماوات
والارض لا يمكن الا بسلطان العلم والقدرة .
( 2 ) التفسير الكبير 29 : 94 و 95 . واختصره المصنف .
( 3 ) التفسير الكبير 29 : 130 فيه : والا لما كان في الجنة احساب ولا انساب
فكان مواقعة الانس اياهن كمواقعة الجن من حيث الاشارة إلى نفيها .
[ 61 ]
الانسي ، والاخرى للخائف الجني ، فان الخطاب للفريقين .
والمعنى لكل خائفين منكما . أو لكل واحد جنة لعقيدته ، واخرى لعمله ،
أو جنة لفعل الطاعات ، واخرى لترك المعاصي ، أو جنة يثاب بها ، واخرى يتفضل
بها عليه ، أو روحانية وجسمانية ( 1 ) .
وقال في قوله تعالى : " أنه استمع نفر من الجن " : النفر : ما بين الثلاثة
والشعرة ، والجن أجسام عاقلة خفية تغلب عليهم النارية أو الهوائية .
وقيل : نوع من الارواح المجردة ، وقيل : نفوس بشرية مفارقة عن أبادنها ،
وفيه دلالة على أنه صلى الله عليه وآله ما رآهم ولم يقرأ عليهم وإنما اتفق حضورهم في بعض
أوقات قراءته فسمعوها فأخبر الله به رسوله ، فقالوا : " إنا سمعنا قرآنا " كتابا " عجبا "
بديعا مباينا لكلام الناس في حسن نظمه ودقة معناه ، وهو مصدر وصف به للمبالغة .
" يهدي إلى الرشد " إلى الحق والصواب " فآمنا به " بالقرآن " ولم نشرك بربنا
أحدا " على ما نطق به الدلائل القاطعة على التوحيد .
" وأنه تعالى جد ربنا " قرأ ابن كثير والبصريان بالكسر على أنه من جملة
المحكي بعد القول وكذا ما بعد إلا قوله : " وأن لو استقاموا . وأن المساجد . وأنه لما
قام " فانه من جملة الموحى به ، ووافقهم نافع وأبوبكر إلا في قوله : " إنه لما قام "
على أنه استئناف أو مقول ، وفتح الباقون الكل إلا ما صدر بالفاء على أن ما كان
من قولهم فمعطوف على محل الجار والمجرور في " به " كأنه قيل : صدقناه وصدقنا
" أنه تعالى جد ربنا " أي عظمته ، من جد فلان في عيني : إذإ عظم ( 2 ) أو سلطانه
أو غناه ، مستعار من الجد الذي هو البخت .
والمعنى : وصفه بالتعالي عن الصاحبة والولد لعظمته أو سلطانه أو لغناه ، وقوله :
" ما اتخذ صاحبة ولا ولدا " بيان لذلك " وأنه كان يقول سفيهنا " إبليس أو مردة
الجن " على الله شططا " قولا ذا شطط وهو البعد ومجاوزة الحد ، أو هو شطط لفرط
( هامش ص 61 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 487 .
( 2 ) في المصدر : اى عظم ملكه وسلطانه .
[ 62 ]
ما أشط فيه وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله تعالى .
" وأنا ظننا أن لن يقول الانس والجن على الله كذبا " اعتذار عن اتباعهم
للسفيه في ذلك لظنهم أن أحدا لا يكذب على الله و " كذبا " نصب على المصدر لانه
نوع من القول ، أو الوصف بمحذوف أي قولا مكذوبا فيه .
" وأنه كان رجال من الانس يعوذن برجال من الجن " فان الرجل كان إذا
مشى بقفر قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه " فزادوهم " فزادوا الجن
باستعاذتهم بهم " رهقا " كبرا وعتوا " ، أو فزاد الجن الانس غيا " بأن أضلوهم حتى
استعاذوا بهم ، والرهق في الاصل ، غشيان الشي ء .
" وأنهم " وأن الانس " ظنوا كما ظننتم " أيها الجن أو بالعكس ، والايتان
من كلام الجن بعضهم لبعض ، أو استيناف كلام من الله ، ومن فتح " أن " فيهما جعلهما
من الموحى به " أن لن يبعث الله أحدا " ساد مسد مفعولى " ظنوا " .
" وأنا لمسنا السماء " طلبنا بلوغ السماء ، أو خبرها ، واللمس مستعار من
المس للطلب كالحس يقال : لمسه وألمسه وتلمسه ، كطلبه وأطلبه وتطلبه " فوجدناها
ملئت حرسا شديدا " حرسا اسم جمع كالخدم " شديدا " قويا " ، وهم الملائكة الذين
يمنعونهم عنها " وشهبا " جمع شهاب وهو المضئ المتولد من النار .
" وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع " مقاعد خالية عن الحرس والشهب أو
صالحة للرصد ( 1 ) والاستماع " وللسمع " صلة " لنقعد " أو صفة " لمقاعد " .
" فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " أي شهابا راصدا له ، ولاجله يمنعه
عن الاستماع بالرجم ، أوذي شهاب راصدين على أنه اسم جمع للراصد " وأنا لاندري
أشر اريد بمن في الارض " بحراسة السماء " أم أراد بهم ربهم رشدا " خيرا " وأنا
منا الصالحون " المؤمنون الابرار " ومنا دون ذلك " قوم دون ذلك ، فحذف الموصوف
وهم المقتصدون " كنا طرائق " ذوي طرائق ، أي مذاهب أو مثل طرائق في اختلاف
( هامش ص 62 ) ( 1 ) في المصدر : او صالحة للترصد .
[ 63 ]
الاحوال ، أو كانت طرائقنا طرائق " قددا " متفرقة مختلفة جمع " قدة " من قد :
إذا قطع .
" وأنا ظننا " علمنا " أن لن نعجز الله في الارض " كائنين في الارض أينما
كنا ( 1 ) " ولن نعجزه هربا " هاربين منها إلى السماء أو لن نعجزه في الارض إن أراد
بنا أمرا ، أو لن نعجزه هربا إن طلبنا " وأنا لما سمعنا الهدى " أي القرآن " آمنا به
فمن يؤمن بربه فلا يخاف " فهو لا يخاف " بخسا ولا رهقا " نقصا في الجزاء ولا أن
ترهقه ذلة أو جزاء نقص ( 2 ) لانه لم يبخس حقا ولم يرهق ظلما ، لان من حق
الايمان بالقرآن أن يجتنب ذلك .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 63 سطر 9 الى ص 71 سطر 9

" وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " الجائرون عن طريق الحق وهو الايمان
والطاعة " فمن أسلم فاولئك تحروا رشدا " توخوا رشدا " عظيما " يبلغهم إلى دار الثواب
" وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا " توقد بهم كما توقد بكفار الانس " وأن لو
استقاموا أي أن الشأن لو استقام الانس أو الجن أو كلاهما " علي الطريقة لاسقتناهم
ماء غدقا " على الطريقة المثلى لو سعنا عليهم الرزق ، وتخصيص الماء الغدق وهو
الكثير بالذكر لانه أصل المعاش والسعة ، وعزة وجوده بين العرب " لنفتنهم فيه "
لنختبرهم كيف يشكرونه .
وقيل : معناه وأن لو استقام الجن على طريقتهم القديمة ولم يسلموا باستماع
القرآن لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين بهم لنوقعهم في الفتنة ونعذبهم في كفرانهم
" ومن يعرض عن ذكر ربه " عن عبادته أو موعظته أو وحيه " يسلكه " أي يدخله
" عذابا صعدا " شاقا " يعلو المعذب ويغلبه ، مصدر وصف به " وأن المساجد لله " مختصة
به " فلا تدعوا مع الله أحدا " فلا تعبدوا فيها غيره .
وقيل : اراد بالمساجد الارض كلها ، وقيل : مسجد الحرام لانه قبلة المساجد
( هامش ص 63 ) ( 1 ) في المصدر : اينما كنا فيها .
( 2 ) في المصدر : او جزاء بخس ولا راهق .
[ 64 ]
ومواضع السجود ( 1 ) على أن المراد النهي عن السجود لغير الله ، وأراد به ( 2 ) السبعة
والسجدات على أنه جمع مسجد .
" وأنه لما قام عبدالله " أي النبي ، وإنما ذكر لفظ " العبد " للتواضع لانه
واقع موقع كلامه عن نفسه والاشعار بما هو المقتضي لقيامه " يدعوه " يعبده " كادوا "
كاد الجن " يكونون عليه لبدا " متراكمين من ازدحامهم عليه تعجبا مما رأوا من
عبادته وسمعوا من قراءته ، أو كاد الانس والجن يكونون عليه مجتمعين لا بطال أمره
وهو جمع " لبدة " وهي ما تلبد بعضه على بعض كلبدة الاسد .
أقول : قد مضى تفسير الآيات على وجه آخر في أبواب معجزات الرسول صلى الله عليه وآله
وغيرها .
1 دلائل الطبرى : عن محمد بن عبدالله العطار ، عن محمد بن الحسن ، يرفعه
إلى معتب مولى أبي عبدالله عليه السلام ، قال : إنى لواقف يوما خارجا من المدينة ، وكان
يوم التروية ، فدنا مني رجل فناولني كتابا طينه رطب ، والكتاب من أبي عبدالله
عليه السلام وهو بمكة حاج ، ففضضته وقرأته فاذا فيه " إذا كان غدا افعل كذا وكذا "
ونظرت إلى الرجل لاسأله متى عهدك به فلم أرشيئا ، فلما قدم أبوعبدالله عليه السلام سألته
عن ذلك ، فقال ذلك من شيعتنا من مؤمني الجن إذا كانت لنا حاجة مهمة أرسلناهم فيها
( 3 ) .
2 مجالس الصدوق : عن محمد بن موسى عن السعد آبادي عن أحمد البرقي
عن أبيه عن فضالة عن زيد الشحام عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث طويل ذكر فيه
مرض النبي صلى الله عليه وآله ، وأنه عاده الحسنان عليهما السلام ، فافتقدهما وطلبهما حتى أتى حديقة
نبي النجار ، فاذا هما نائمان قد اعتنق كل واحد منهما صاحبه ( 4 ) ، وقد اكتنفتهما
( هامش ص 64 ) ( 1 ) في المصدر : او مواضع السجود .
( 2 ) في المصدر : او اراد به السبعة والسجدات .
( 3 ) دلائل الطبرى : 132 .
( 4 ) في المصدر : وقد تقشعت السماء فوقهما كطبق فهى تمطر كاشد مطر ما رآه
الناس قط وقد منع الله عزوجل المطر منهما في البقعة التى هما فيها نائمان لا يمطر عليهما
قطرة وقد اكتنفتهما .
[ 65 ]
حية لها شعرات كآجام القصب ، وجناحان : جناح قد غطت به الحسن ، وجناح قد
غطت به الحسين عليهما السلام .
فلما أن بصر بهما النبي صلى الله عليه وآله تنحنح فانسابت الحية وهي تقول : اللهم إني
اشهدك واشهد ملائكتك أن هذين شبلا نبيك قد حفظتهما عليه ودفعتهما إليه سالمين
صحيحين .
فقال لها النبي : أيتها الحية فمن أنت ( 1 ) ؟ قالت : أنا رسول الجن إليك ،
فقال : وأي الجن ؟ قالت : جن نصيبين نفر من بني مليح ، نسينا آية من كتاب الله
عزوجل ، فبعثوني إليك لتعلمنا ما نسينا من كتاب الله .
فلما بلغت هذا الموضع سمعت مناديا ينادي : أيتها الحية إن هذين شبلا
نبيك ( 2 ) فاحفظهما من العاهات والآفات ، ومن طوارق الليل والنهار ، وقد حفظتهما ( 3 )
وسلمتهما إليك سالمين صحيحين ، وأخذت الحية الآية وانصرفت الخبر ( 4 ) .
ومنه باسناده ( 5 ) عن حبيب بن أبي ثابت عن ام سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله قالت :
ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي صلى الله عليه وآله إلا الليلة ( 6 ) ، ولا أراني إلا وقد اصبت
بابني ، قالت : وجاءت الجنية منهم تقول :
ألا يا عين فانهملي بجهد * فمن يبكي على الشهداء بعدي ؟
على رهط تقودهم المنايا * إلى متجبر في ملك عبد ( 7 )
( هامش 65 ) ( 1 ) في المصدر : ممن أنت ؟
( 2 ) في المصدر : هذان شبلا رسول الله .
( 3 ) في المصدر : فقد حفظتهما .
( 4 ) مجالس الصدوق : 266 و 267 والحديث طويل .
( 5 ) والاسناد هكذا : محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله عن محمد بن
الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن ابى الخطاب عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد
عن عمرو بن ثابت عن حبيب بن ابى ثابت .
( 6 ) اى ليلة عاشوراء ، والمراد بابنها هو الحسين بن على عليه السلام .
( 7 ) مجالس الصدوق : 85 .
[ 66 ]
4 الكافى : عن محمد بن يحيي وأحمد بن محمد عن محمد بن الحسن ( 1 ) عن إبراهيم
ابن هاشم عن عمرو بن عمثان عن إبراهيم بن أيوب عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي
جعفر عليه السلام قال : بينما ( 2 ) أمير المؤمنين على المنبر إذ أقبل ثعبان من ناحية باب من
أبواب المسجد ، فهم الناس أن يقتلوه ، فأرسل أمير المؤمنين عليه السلام أن كفوا ، فكفوا .
وأقبل الثعبان ينساب ( 3 ) حتى انتهى إلى المنبر فتطاول فسلم على أمير المؤمنين
فأشار امير المؤمنين عليه السلام إليه : أن يقف حتى يفرغ من خطبته ، ولما فرغ من
خطبته أقبل عليه ، فقال : من أنت ، فقال : أنا عمرو بن عثمان خليفتك على الجن ، وإن
أبي مات وأوصاني أن آتيك فأستطلع رأيك ، وقد أتيتك يا أمير المؤمنين ، فما تأمرني
به ؟ وما ترى ؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أوصيك بتقوى الله ، وأن تنصرف فتقوم مقام أبيك
في الجن ، فانك خليفتي عليهم ، قال : فودع عمرو أمير المؤمنين عليه السلام وانصرف فهو
حليفته على الجن ، فقلت له : جعلت فداك فيأتيك عمرو ، وذاك الواجب عليه ؟ قال :
نعم ( 4 ) .
5 ومنه : عن على . بن محمد بن سهل بن زياد عن علي بن حسان عن إبراهيم
ابن إسماعيل عن ابن جبل عن أبي عبدالله عليه السلام قال كنا ببابه فخرج علينا قوم أشباه
الزط ( 5 ) عليهم ازر وأكسية ، فسألنا أبا عبدالله عليه السلام ، فقال : هؤلاء إخوانكم
من الجن ( 6 ) .
( هامش ص 66 ) في بعض نسخ المصدر : محمد بن حسين .
( 2 ) في المصدر : بينا . ( 3 ) انساب : جرى ومشى مسرعا .
( 4 ) اصول الكافى 1 : 296 .
( 5 ) الزط بالضم : جيل من الهند معرب جت بالفتح والقياس يقتضى فتح معربه ايضا
قاله الفيروز آبادى .
( 6 ) اصول الكافى 1 : 394 .
[ 67 ]
6 ومنه : عن علي بن محمد ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد عمن ذكره عن
محمد بن حجرش ( 1 ) قال : حدثتني حكيمة بنت موسى قالت : رأيت الرضا عليه السلام واقفا
على باب بيت الحطب وهو يناجي ، ولست أرى أحدا " .
فقلت : يا سيدي لمن تناجي ؟ فقال : هذا عامر الزهرائي ، أتاني يسألني
ويشكو إلي ، فقلت : يا سيدي احب أن أسمع كلامه ، فقال لي : إنك إن سمعت
كلامه ( 2 ) حممت سنة ، فقلت : يا سيدي احب أن أسمعه ، فقال لي : اسمعي فاستمعت
فسمعت شبه الصفير وركبتني الحمى فحممت سنة ( 3 ) .
بيان : لعل لخصوص المتكلم أو السامع صنفا أو شخصا مدخلا في الحمى .
7 البصائر : عن علي بن حسان عن موسى بن بكر ( 4 ) عن رجل عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : يوم الاحد للجن ليس تظهر فيه لاحد غيرنا ( 5 ) .
8 ومنه : عن أحمد بن محمد عن القاسم بن يحيى عن الحسن بن راشد عن يعقوب
ابن إبراهيم الجعفري ( 6 ) قال : سمعت إبراهيم بن وهب وهو يقول : خرجت وأنا اريد
أبا الحسن بالعريض ، فانطلقت حتى أشرفت على قصر بنى سراة ، ثم انحدرت الوادي
فسمعت صوتا لا أرى شخصه وهو يقول : يا أبا جعفر : صاحبك خلف القصر عند السدة
فاقرأه مني السلام .
( هامش 67 ) ( 1 ) كذا في النسخ ، وفى المصدر : ( جحرش ) بتقديم الجيم . قال في القاموس
جحرش كجعفر : غليظ مجتمع الخلق .
( 2 ) في المصدر : ان سمعت به .
( 3 ) اصول كافى 1 : 395 و 396 .
( 4 ) في المصدر : [ موسى بن بكير ] والظاهر انه مصحف وانه موسى بن بكر
الواسطى .
( 5 ) بصائر الدرجات : 27 و 95 ( ط 2 ) .
( 6 ) في المصدر : [ يعقوب بن ابراهيم بن محمد بن عبدالله بن جعفر بن ابى طالب ]
وفى الكافى في باب مولد ابى الحسن موسى عليه السلام : يعقوب بن جعفر بن ابراهيم .
[ 68 ]
فالتفت فلم أر أحدا " ، ثم رد علي الصوت باللفظ الذي كان ، ثم فعل ذلك
ثلاثا ، فاقشعر جلدي ، ثم انحدرت في الوادي حتى أتيت قصد الطريق الذي خلف
القصر ثم أتيت السد نحو السمرات ، ثم انطلقت قصد الغدير ، فوجدت خمسين حيات
روافع ( 1 ) من عند الغدير .
ثم استمعت فسمعت كلاما " ومراجعة ، فطفقت ( 2 ) بنعلي ليسمع وطئي ، فسمعت
أبا الحسن عليه السلام يتنحنح ، فتنحنحت وأجبته . ثم هجمت ( 3 ) فاذا حية متعلقة بساق
شجرة ، فقال : لا تخشي ( 4 ) ولا ضائر ، فرمت بنفسها ثم نهضت على منكبه ، ثم أدخلت
رأسها في اذنه فأكثرت من الصفير فأجاب : بلى قد فصلت بينكم ، ولا يبغي ( 5 ) خلاف ما
أقول إلا ظالم ، ومن ظلم في دنياه فله عذاب النار في آخرته مع عقاب شديد ، اعاقبه
إياه وآخذ ماله ( 6 ) إن كان له حتى يتوب " .
فقلت : بأبي أنت وامي ألكم عليهم طاعة ؟ فقال : نعم والذي أكرم محمدا " صلى الله عليه وآله
بالنبوة ، وأعز عليا عليه السلام بالوصية والولاية ، إنهم لاطوع لنا منكم يا معشر الانس
وقليل ماهم ( 7 ) .
بيان : السراة بالفتح اسم جمع للسرى بمعنى الشريف ، واسم لمواضع " والسمرة "
بضم الميم شجرة معروفة ، " روافع " بالفاء والعين المهملة ، أي رفعت رؤوسها ، أو بالغين
المعجمعة من الرفع ، وهو سعة العيش أي مطمئنة غير خائفة ، أو بالقاف والعين المهملة
أي ملونة بألوان مختلفة .
( هامش ص 68 ) ( 1 ) في الطبعة الثانية : روافع ، وفى نسخة بدله : رواقع .
( 2 ) في نسخة من الكتاب ومن المصدر : فصفقت .
( 3 ) في المصدر : ثم نظرت وهجمت .
( 4 ) في نسخة : [ لا عسى ] وهو مصحف .
( 5 ) اى لا يطلب .
( 6 ) في نسخة : مالا .
( 7 ) بصائر الدرجات : 29 و 103 ( ط 2 ) .
[ 69 ]
ويحتمل أن يكون في الاصل بالتاء والعين المهملة ، أي ترتع حول الغدير
" فطفقت " بنعلي أي شرعت أضرب به . والظاهر : أنه بالصاد كما في بعض النسخ .
والصفق : الضرب يسمع له صوت ، " لا تخشي ولا ضائر " أي لا تخافي فانه ليس
هنا أحد يضرك ، يقال : ضاره أي ضره ، وفي بعض النسخ " لا عسى " وهو تصحيف
" وقليل ماهم " أي المطيعون من الانس ، أو من الجن بالنسبة إلى غيرهم من المخلوقات .
9 تفسير الفرات : باسناده عن قبيصة ( 1 ) قال : دخلت على الصادق عليه السلام
وعنده جماعة فلسمت وجلست وقلت : يابن رسول الله أين كنتم قبل أن يخلق الله سماء
مبينة ، وأرضا مدحية ، أو ظلمة أو نورا ؟ قال : يا قبيصة ( 2 ) لم سألتني عن هذا
الحديث في مثل هذا الوقت ؟ أما علمت أن حبنا قد اكتتم وبغضنا قد فشا ، وإن لنا
أعداء من الجن ( 3 ) يخرجون حديثنا إلى أعدائنا من الانس ، وإن الحيطان لها آذان
كآذان الناس . الخبر ( 4 ) .
10 تفسير على بن ابراهيم : في قوله تعالى : " وكذلك جلعنا لكل نبي
عدوا شياطين الانس والجن " الآية قال : يعني ما بعث الله نبيا إلا وفي امته شياطين
الانس والجن " يوحي بعضهم إلى بعض " أي يقول بعضهم لبعض : لا تؤمنوا بزخرف
القول غرورا ، فهذا وحي كذب ( 5 ) .
11 تفسير النعمانى : باسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال : وأما ما
حرف من الكتاب فقوله : " فلما خر تبينت الانس أن لو كانت الجن يعلمون الغيب
( هامش 69 ) ( 1 ) في المصدر : [ فيضة بن يزيد الجعفى ] ولم يذكرهما الرجاليون . وفيه : قال :
دخلت على الصادق جعفر بن محمد عليه السلام وعنده البوس بن ابى الدرس وابن ظبيان والقاسم
ابن الصيرفى .
( 2 ) في المصدر : يا فيضة .
( 3 ) لعله تعريض بجلساء المجلس .
( 4 ) تفسير فرات : 207 .
( 5 ) تفسير القمى : 202 و 201 .
[ 70 ]
ما لبثوا في العذاب المهين " ( 1 ) .
12 الكافي : بسنده الصحيح ( 2 ) عن الوليد بن صبيح عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : إن الله عزوجل أوحى إلى سليمان بن داود عليه السلام : أن آية موتك أن شجرة
تخرج من بيت المقدس ، يقال لها : الحزنوبة ، قال : فنظر سليمان يوما : فاذا الشجرة
الحزنوبة قد طلعت في بيت المقدس ، فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : الحزنوبة قال : فولى
سليمان مدبرا إلى محرابه ، فقام فيه متكائا على عصاه ، فقبض روحه من ساعته ، قال :
فجعلت الانس والجن يخدمونه ، ويسعون في أمره كما كانوا ، وهم يظنون أنه حي
لم يمت ، يغدون ويروحون وهو قائم ثابت ، حتى دنت ( 3 ) الارضة من عصاه فأكلت
منسأته ( 4 ) فانكسرت وخر سليمان إلى الارض ، أفلا تسمع لقوله عزوجل : " فلما
خر تبيت الجن " الآية ( 5 ) .
13 العلل والعيون : باسناده ( 6 ) ، عن الرضا عليه السلام قال : كان ( 7 ) نقش
خاتم سليمان بن داود : سبحان من ألجم الجن بكلماته ( 8 ) .
14 تفسير على بن ابراهيم : في قصة بلقيس قال : فارتحلت وخرجت نحو
سليمان ، فلما علم سليمان قدومها ( 9 ) إليه قال للجن والشياطين : " أيكم يأتيني بعرشها
( هامش 70 ) ( 1 ) المحكم والمتشابه : 34 فيه : " تيبنت الجن والانس ] ولعله مصحف .
( 2 ) الاسناد على ما في المصدر هكذا : محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن ابن
محبوب عن جميل بن صالح عن الوليد بن صبيح .
( 3 ) في المصدر : [ حتى دبت ] أقول : الارضة : دويبة تأكل الخشب .
( 4 ) المنسأة : العصا .
( 5 ) روضة الكافى : 144 ذكرت الاية فيه بتمامه .
( 6 ) الاسناد على ما في المصدر هكذا : حدثنا ابى رضى الله عنه قال : حدثنا سعد بن
عبدالله عن احمد بن محمد بن خالد عن محمد بن على الكوفى عن الحسن بن ابى عقبة
الصيرفى عن الحسين بن خالد الصيرفى .
( 7 ) في الوسائل : وكان نقش خاتم سليمان عليه السلام حرفين اشتقهما من الزبور :
سحان اه .
( 8 ) عيون اخبار الرضا : 218 .
( 9 ) في المصدر : وارتحلت نحو سليمان فلما على سليمان باقبالها نحوه .
[ 71 ]
قبل أن يأتوني مسلمين . قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني
عليه لقوي أمين " قال سليمان : اريد أسرع من ذلك فقال آصف بن برخيا : " أنا آتيك
به قبل أن يرتد إليك طرفك " القصة ( 1 ) .
15 الكافى : عن علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد
ابن عيسى جميعا عن ابن أبي عمير عن إسماعيل البصري عن الفضيل بن يسار قال : سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول : إن نفرا من المسلمين خرجوا إلى سفر فضلوا الطريق فأصابهم
عطش شديد فتكفنوا ( 2 ) ولمزموا اصول الشجر ، فجاءهم شيخ عليه ثياب بيض فقال :
قوموا فلا بأس عليكم ، فهذا الماء ، فقاموا وشربوا وارتووا ، فقالوا : من أنت يرحمك
الله ؟ فقال : أنا من الجن الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 71 سطر 10 الى ص 79 سطر 10

يقول : " المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله " فلم تكونوا تضيعوا بحضرتي ( 3 ) .
بيان : " فتكفنوا " أي لفوا أثوابهم على أنفسهم بمنزلة الكفن ، ووطنوا أنفسهم
على الموت ، وفي بعض النسخ بتقديم النون على الفاء ، أي ذهب كل منهم إلى كنف
وجانب ( 4 ) .
15 الكافى : عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن زكريا المؤمن عن أبي
سعيد المكارى عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت عند حوض زمزم فأتاني رجل فقال لى :
لا تشرب من هذا الماء يا أبا حمزة ، فإن هذا يشترك فيه الجن والانس وهذا لا يشرك
فيه إلا الانس .
قال : فتعجبت من قوله وقلت : من أين علم هذا ؟ قال : ثم قلت لابي جعفر
عليه السلام : ما كان من قول الرجل لي ، فقال : إن ذلك رجل من الجن أراد
إرشادك ( 5 ) .
( هامش ص 71 ) ( 1 ) تفسير القمى : 477 و 478 .
( 2 ) في نسخة من الكتاب ومصدره : فتكنفوا .
( 3 ) اصول الكافى 1 : 167 .
( 4 ) ويؤيد التوجيه الاول ما سيأتى من خبر المحاسن ، هو بعينه هذا الخبر فتأمل
منه قدس سره .
( 5 ) فروع الكافى 6 : 390 فيه : فقال عليه السلام لى .
[ 72 ]
16 المحاسن : عن أبيه عن محمد بن أبي القاسم عن علي بن سليمان بن رشيد
عن علي بن الحسين القلانسي عن محمد بن سنان عن عمر بن يزيد قال : ضللنا سنة من السنين
ونحن في طريق مكة ، فأقمنا ثلاثة أيام نطلب الطريق فلم نجده ، فلما أن كان في اليوم
الثالث وقد نفد ما كان معنا من الماء عمدنا إلى ما كان معنا من ثياب الاحرام ومن الحنوط
فتحنطنا وتكفنا بإزار إحرامنا .
فقام رجل من أصحابنا فنادى : يا صالح يا أبا الحسن ، فأجابه مجيب من بعد
فقلنا له : من أنت يرحمك الله ؟ فقال : أنا من النفر الذي قال الله في كتابه : " وإذ
صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن " إلى آخر الآية ، ولم يبق منهم غيري
فأنا مرشد الضال إلى الطريق ، قال : فلم نزل نتبع الصوت حتى خرجنا إلى الطريق ( 1 ) .
17 ومنه : عن أبيه عن عبيد الله بن الحسن الزرندي عن علي بن أبي حمزة
عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام ( 2 ) قال : إذا ضللت في الطريق فناد : يا صالح ، يابا
صالح ارشدونا إلى الطريق رحمكم الله ، قال عبيد الله : فأصابنا ذلك فأمرنا بعض من
معنا أن يتنحى وينادي كذلك قال : فتنحى فنادى ثم أتانا فأخبرنا أنه سمع صوتا
برز ( 3 ) دقيقا يقول : الطريق يمنة ، أو قال : يسرة ، فوجدناه كما قال .
وحدثني به أبي أنهم حادوا عن الطريق بالبادية ، ففعلنا ذلك فأرشدونا ، وقال
صاحبنا : سمعت صوتا دقيقا يقال : الطريق يمنة ، فما سرنا إلا قليلا حتى عارضنا
الطريق ( 4 ) .
بيان : في القاموس ، " الرز " بالكسر : الصوت تسمعه من بعيد أو الاعم .
18 الفقيه : لا يجوز الاستنجاء بالروث والعظم ، لان وفد الجن جاؤا إلى
( هامش ص 72 ) ( 1 ) المحاسن : 379 و 380 .
( 2 ) في المصدر : عن ابى عبدالله عليه السلام . وفيه : ويا با صالح ارشدانا إلى الطريق
رحمكما الله .
( 3 ) في المصدر : يرد دقيقا .
( 4 ) المحاسن : 362 و 363 .
[ 73 ]
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا : يا رسول الله متعنا ، فأعطاهم الروث والعظم فلذلك لا ينبغي أن
يستنجي بهما ( 1 ) .
19 التهذيب : باسناده عن موسى بن أكيل عن أبي عبدالله عليه السلام قال : جعل الله
الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة
إلا أن يكون المسلم في قتال عدو فلا بأس به ( 2 ) .
20 قرب الاسناد : عن الحسن بن ظريف عن معمر عن الرضا عن أبيه عليه السلام
قال : إن الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله فمنعت في أوان رسالته
بالرجوم ، وانقضاص النجوم ، وبطلان الكهنة والسحر ، الخبر ( 3 ) .
21 التفسير في قوله تعالى : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " قال : في الظاهر
مخاطبة للجن والانس ، وفي الباطن فلان وفلان ( 4 ) .
22 العلل : باسناده ( 5 ) عن أبي الربيع عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الاكراد
حي من الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطهم ( 6 ) .
( هامش ص 73 ) ( 1 ) الفقية 1 : 20 .
( 2 ) التهذيب 2 : 227 ، في الحديث تقطيع وتمامه يأتى في كتاب الصلاة مع
اسناده .
( 3 ) قرب الاسناد : 133 والحديث طويل .
( 4 ) تفسير القمى : 659 ، لا يناسب ذكره ههنا لانه من كلام القمى وليس بحديث .
( 5 ) اسقط المصنف اسناد الحديث وصدره وهما هكذا : ابى رحمه الله قال : حدثنا
سعد بن عبدالله عن احمد بن محمد عن على بن الحكم عمن حدثه عن ابى الربيع الشامي
قال : سألت ابا عبدالله فقلت له : ان عندنا قوما من الاكراد يجيؤنا بالبيع ونبايعهم فقال :
يا ربيع لا تخالطهم فان الاكراد اه . وروى نحوه ايضا باسناده عن محمد بن الحسن عن
الحسن بن متيل عن محمد بن الحسن عن جعفر بن بشير عن حفص عمن حدثه عن ابى
الربيع .
( 6 ) علل الشرائع : 178 و 2 : 214 ( ط قم )
[ 74 ]
23 ومنه : باسناده ( 1 ) عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا
خلع أحدكم ثيابه فليسم ، لئلا تلبسها الجن ، فانه إن لم يسم عليها لبستها الجن
حتى تصبح ( 2 ) .
24 قرب الاسناد : عن الحسن بن طريف ، عن الحسين بن علوان ، عن جعفر
عن أبيه عليهما السلام قال : كانوا يحبون أن يكون في البيت الشئ الداجن مثل الحمام ، أو
الدجاج ، أو العناق ، ليعبث به صبيان الجن ولا يعبثون بصبيانهم ( 3 ) .
25 طب الائمة : ( 4 ) باسناده عن إبراهيم بن أبي يحيى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من رمى أورمته الجن فليأخذ الحجر الذي رمي به فليرم من حيث رمي وليقل : " حسبي
الله وكفى ، سمع الله لمن دعا ، ليس وراء الله منتهى " وقال صلى الله عليه وآله : أكثروا من الدواجن
في بيوتكم تتشاغل بها عن صبيانكم ( 5 ) .
بيان : في الصحاح : دجن بالمكان : أقام ، تقول : شاة داجن : إذا ألفت البيوت .
26 المكارم : عن أبى جعفر عليه السلام ، أتى رجل ( 6 ) فشكى إليه : أخرجتنا
الجن من منازلنا ، يعني عمار منازلهم ( 7 ) فقال : اجعلوا سقوف بيوتكم سبعة أذرع
واجعلوا الحمام في أكناف الدار ، قال الرجل ، ففعلنا فما رأينا شيئا نكرهه ( 8 ) .
( هامش 74 ) ( 1 ) اسناد الحديث هكذا : ابى قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن احمد
قال : حدثنى ابوجعفر احمد بن ابى عبدالله عن رجل عن على بن اسباط عن عمه يعقوب رفع
الحديث إلى على بن ابى طالب عليه السلام .
( 2 ) علل الشرائع : 194 و 2 : 270 ( ط قم ) والحديث طويل يأتى في موضعه .
( 3 ) قرب الاسناد : 45 .
( 4 ) الاسناد هكذا : حدثنا المظفر بن محمد بن عبدالرحمن قال : حدثنا عبدالرحمن
ابن ابى نجران عن سليمان بن جعفر عن ابراهيم بن ابى يحيى المدنى .
( 5 ) طب الائمة : 117 فيه : يتشاغل بها الشياطين عن صبيانكم .
( 6 ) في المصدر : أتاه رجل [ فشكى اليه ] فقال .
( 7 ) ولعل المراد عوامر البيوت أى الحيات ، وهى المراد من الجن .
( 8 ) مكارم الاخلاق 1 : 146 .
[ 75 ]
27 ومنه : عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ليس من بيت نبي إلا وفيه حمامان ( 1 )
لان سفهاء الجن يعبثون بصبيان البيت فاذا كان فيه حمام عبثوا بالحمام وتركوا
الناس ( 2 ) .
28 مجالس الشيخ : باسناده عن أبي الحسن العسكري عن آبائه عليهم السلام قال :
دخل أشجع السلمي على الصادق عليه السلام فقال : يا سيدي أنا أحصل في المواضع
المفزعة ( 3 ) فعلمني شيئا " ما آمن به على نفسي قال : فاذا خفت أمرا فاترك يمينك على
ام رأسك واقرأ برفيع صوتك " أفغير دين الله يبغون " ( 4 ) الآية .
قال أشجع : فحصلت ( 5 ) في واد فيه الجن فسمعت قائلا يقول : خذوه ، فقرأتها
فقال قائل : كيف نأخذه وقد احتجز بآية طيبة ( 6 ) .
29 منتخب البصائر : باسناده عن المفضل بن عمر في خبر طويل في الرجعة
وأحوال القائم عليه السلام .
قال المفضل : قلت يا سيدي : فمن يخاطبه ؟ قال : الملائكة والمؤمنون من
الجن ، وساق إلى قوله ، قال المفضل : يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس ؟ قال :
( هامش 75 ) ( 1 ) في المصدر : حمام .
( 2 ) مكارم الاخلاق 1 : 149 .
( 3 ) في المطبوع : المواضع المتعددة المفزعة .
( 4 ) في المصدر : افغير دين الله تبغون وله اسلم من في السماوات والارض طوعا
وكرها واليه ترجعون .
( 5 ) في المصدر : فحصلت في دار تعبث فيه الجن .
( 6 ) مجالس الشيخ 1 : 288 . واسناد الحديث هكذا : ابن الشيخ عن ابيه عن
ابى محمد الحسن بن محمد بن يحيى الفحام عن ابى الحسن محمد بن احمد بن عبدالله
الهاشمى المنصورى قال : حدثنى عم ابى ابوموسى بن احمد بن عيسى بن المنصور قال :
حدثنى الامام على بن محمد العسكرى اه وللحديث صدر لم يذكره المصنف لانه لا يناسب
الباب .
[ 76 ]
إي والله يا مفضل ، ويخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته وأهله .
قلت : يا سيدي ويسيرون معه ؟ قال : إي والله يا مفضل ، ولينزلن أرض الهجرة
ما بين الكوفة والنجف ، وعدد أصحابه عليه السلام ستة وأربعون ألفا من الملائكة ، وستة
آلاف من الجن ( 1 ) ، والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا الحديث ( 2 ) .
30 الاحتجاج : عن هشام بن الحكم فيما سأل الزنديق أبا عبدالله عليه السلام قال :
فمن أين يصل ( 3 ) الكهانة ؟ ومن أين يخبر الناس بما يحدث ؟ قال : إن الكهانة
كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل ، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون
إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم فيخبرهم بأشياء تحدث ، وذلك في وجوه ( 4 )
شتى من فراسة العين ، وذكاء القلب ، ووسوسة النفس وفطنة الروح ، مع قذف في قلبه
لان ما يحدث في الارض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤديه إلى الكاهن ويخبره بما يحدث في المنازل والاطراف .
وأما أخبار السماء فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك وهي
لا تحجب ولا ترجم بالنجوم ، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الارض
سبب يشاكل الوحي من خبر السمآء ولبس ( 5 ) على أهل الارض ما جآءهم عن الله
( هامش ص 76 ) ( 1 ) الموجود في المصدر المطبوع : " ومثلها من الجن " والحديث طويل غير خال
من الغرائب منها انه نص فيه على وكالة محمد بن نصير النميرى مع أن الرجل من الغلاة
الملعونين ومن المدعين الكاذبين للبابية ، واسناد الحديث ايضا مشتمل على المجهول والغالى
وهو : الالحسين بن حمدان ( أي الحضيني الفاسد المذهب ) عن محمد بن اسماعيل وعلي
ابن عبدالله الحسنيين عن ابى شعيب محمد بن نصر عن عمر بن الفرات عن محمد بن المفضل
عن المفضل بن عمر .
( 2 ) مختصر بصائر الدرجات : 179 192 راجعه .
( 3 ) في نسخة : اصل .
( 4 ) في المصدر : من وجوه شتى .
( 5 ) في المصدر : سبب تشاكل الوحى من خبر السماء فيلبس .
[ 77 ]
لاثبات الحجة وفي الشبه .
وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السمآء بما يحدث من الله في
خلقه فيختطفها ثم يهبط بها إلى الارض فيقذفها إلى الكاهن ، فاذا قد زاد كلمات من
عنده فيختلط الحق بالباطل ، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما
أداه ( 1 ) إليه شيطانه مما سمعه ، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه ، فمذ منعت
الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة .
واليوم : إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا " للناس مما يتحدثون به وما
يحدثونه ، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق
سرق ، ومن قاتل قتل ، ومن غائب غاب ، وهم بمنزلة الناس أيضا صدوق وكذوب .
فقال ؟ كيف صعدت الشياطين إلى السمآء ، وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة
وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليه السلام من البنآء ما يعجز عنه ولد آدم ؟ قال : غلظوا
لسليمان كما سخروا ، وهم خلق رقيق غذآؤهم التنسم ( 2 ) ، والدليل على ذلك
صعودهم إلى السمآء لاستراق السمع ، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها
إلا بسلم أو سبب ( 3 ) .
31 الخصال : عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن
أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن الحسن بن ظريف عن أبي
عبدالرحمن عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال : الآباء ثلاثة آدم ولد مؤمنا ،
والجان ولد كافرا ( 4 ) ، وإبليس ولد كافرا ، وليس فيهم نتاج إنما يبيض ويفرخ وولده
ذكور ليس فيهم اناث ( 5 ) .
( هامش ص 77 ) ( 1 ) في نسخة : " ما اداه به " وفى المصدر : ما اداه اليه الشيطان .
( 2 ) في المصدر : غذاؤهم النسيم .
( 3 ) الاحتجاج : 185 فيه : او بسبب .
( 4 ) في المصدر : والجان ولد مؤمنا وكافرا .
( 5 ) الخصال 1 : 152 .
[ 78 ]
32 ومنه : عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن عبدالله بن جعفر الحميري
عن أحمد بن محمد بن عيسي ، عن ابن محبوب ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
الجن على ثلاثة أجزاء : فجزء مع الملائكة ، وجزء يطيرون في الهواء وجزء كلاب
وحيات الخبر ( 1 ) .
33 العلل والعيون : عن محمد بن عمر ( 2 ) بن علي البصري ، عن محمد بن عبدالله
ابن أحمد بن جبلة الواعظ ، عن عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي ، عن أبيه ، عن الرضا
عن آبائه عليهم السلام قال : سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن اسم أبي الجن ، فقال :
شومان ( 3 ) ، وهو الذي خلق من مارج من نار ، وسأله : هل بعث الله نبيا إلى الجن ؟
فقال : نعم ، بعث إليهم نبيا " يقال له : يوسف ( 4 ) ، فدعاهم إلى الله عزو جل فقتلوه ( 5 )
34 العلل والعيون : عن أحمد بن زياد الهمداني عن علي بن إبراهيم عن
أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام
عن أبيه موسى بن جعفر بن محمد ، عن أبيه جعفر عليهم السلام ( 6 ) قال : إن سليمان بن داود
عليه السلام قال ذات يوم لاصحابه : إن الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا " لا ينبغي
لاحد من بعدي ، سخر لي الريح والانس والجن والطير والوحوش ، وعلمني منطق
( هامش 78 ) ( 1 ) الخصال 1 : 154 ذيله : والانس على ثلاثة اجزاء فجزء تحت ظل العرش يوم
لا ظل الاظله ، وجزء عليهم الحساب والعذاب وجزء وجوههم وجوه الادميين وقلوبهم
قلوب الشياطين
( 2 ) في نسخة من الكتاب وفى عيون الاخبار : عمرو .
( 3 ) في نسخة : شونان .
( 4 ) لعل المراد به يوسف النبى الذى ورد اسمه في القرآن في سورة المؤمن بقوله
تعالى : " ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فمازلتم في شك مما جاءكم حتى اذا هلك
قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب " منه قدس سره .
( 5 ) علل الشرائع : 198 عيون اخبار الرضا : 134 .
( 6 ) في العيون : عن ابيه جعفر بن محمد عن ابيه محمد بن على .
[ 79 ]
الطير ، وآتاني كل شئ ، ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى
الليل ، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد ، وأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي ، فلا
تأذنوا لاحد علي لئلا يرد علي ما ينغص علي يومي ، قالوا : نعم .
فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره ، ووقف
متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسرورا ( 1 ) بما أوتي ، فرحا بما أعطي ، إذ نظر
إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره .
فلما بصر به ( 2 ) سليمان عليه السلام قال له : من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت
أن أخلو فيه اليوم ؟ فباذن من دخلت ؟ فقال الشاب : أدخلني هذا القصر ربه وباذنه
دخلت ، فقال : ربه أحق به مني ، فمن أنت ؟ قال : أنا ملك الموت ، قال عليه السلام :
وفيما جئت ؟ قال : جئت لآقبض روحك ، قال : امض لما أمرت به ، فهذا يوم سروري


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 79 سطر 11 الى ص 87 سطر 11

أبى الله عزوجل أن يكون لي سرور دون لقآئه ، فقبض ملك الموت روحه وهو
متكئ على عصاه .
فبقي سليمان متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله والناس ينظرون إليه وهم
يقدرون أنه حي ، فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال : إن سليمان قد بقي متكا "
على عصاه هذه الايام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب ؟ إنه لربنا الذي
يجب علينا أن نعبده ، وقال قوم : إن سليمان ساحر ، وأنه يرينا أنه واقف متكئ
على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك ، فقال المؤمنون : إن سليمان هو عبدالله ونبيه
يدبر الله أمره بما شاء .
فلما اختلفوا بعث الله عزوجل الارضة فدبت في عصاه ( 3 ) فلما أكلت جوفها
انكسرت العصا وخر سليمان من قصره على وجهه ، فشكر الجن للارضة صنيعها ( 4 )
( هامش ص 79 ) ( 1 ) في نسخة : " سرورا " " وكذلك في العلل .
( 2 ) في العلل : " ابصره " وفى العيون : ابصر به .
( 3 ) في المصدر : في عصا سليمان .
( 4 ) في العيون : على صنيعها .
[ 80 ]
فلاجل ذلك لا توجد الارضة في مكان إلا وعندها ماء وطين ، وذلك قول الله عزوجل :
" فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته " يعني عصاه
" فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " .
ثم قال الصادق عليه السلام : والله ما نزلت هذه الآية هكذا ، وإنما نزلت " فلما
خر تبينت الانس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " ( 1 ) .
35 الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عبدالحميد العطار
عن محمد بن راشد البرمكي ، عن عمر بن سهل الاسدي ، عن سهيل بن عزوان البصري
قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن امرأة من الجن كان يقال لها : عفرآء
وكانت تنتاب ( 2 ) النبي صلى الله عليه وآله فتسمع من كلامه ، فتأتي صالحي الجن فيسلمون على
يديها ، وإنها فقدها النبي صلى الله عليه وآله فسأل عنها جبرئيل ، فقال : إنها زارت اختا لها
تحبها في الله .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : طوبى للمتحابين في الله ، إن الله تبارك وتعالى خلق في الجنة
عمودا " من ياقوتة حمرآء عليه سبعون ألف قصر ، في كل قصر سبعون ألف غرفة ، خلقها
الله عزوجل للمتحابين والمتزاورين في الله ، ثم قال : يا عفرآء أي شئ رأيت ؟
قالت : رأيت عجائب كثيرة ، قال : فأعجب ما رأيت ؟ قالت : رأيت إبليس في البحر
الاخضر على صخرة بيضآء ، مادا " يديه إلى السمآء وهو يقول : إلهي إذا بررت قسمك
وأدخلتني نار جهنم ، فأسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، إلا خلصتني
منها وحشرتني معهم .
فقلت : يا حارث ما هذه الاسمآء التي تدعو بها ؟ قال لي : رأيتها على ساق
العرش من قبل أن يخلق الله آدم بسبعة آلاف سنة ، فعلمت أنهم أكرم الخلق على الله
عزوجل ، فأنا أسأله بحقهم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : والله لو أقسم أهل الارض بهذه
( هامش 80 ) ( 1 ) علل الشرائع : 37 عيون اخبار الرضا . 146 . والاية في سبأ : 24 .
( 2 ) في نسخة : [ يأتى ] وكذلك في الخصال المطبوع .
[ 81 ]
الاسمآء لاجابهم ( 1 ) .
بيان : قال في القاموس : انتابهم انتيابا " أتاهم مرة بعد مرة ، لو أقسم أهل الارض
أي جميعهم .
36 تفسير على بن ابراهيم : في قوله تعالى حكاية عن الجن : " يا قومنا
إنا سمعنا " إلى قوله : " اولئك في ضلال مبين " فهو ( 2 ) كله حكاية عن الجن .
وكان سبب نزول هذه الآية ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج من مكة إلى سوق عكاظ
ومعه زيد بن حارثة ، يدعو الناس إلى الاسلام ، فلم يجبه أحد ولم يجد من يقبله ( 3 )
ثم رجع إلى مكة ، فلما بلغ موضعا يقال له : وادي مجنة تهجد بالقرآن في جوف
الليل ، فمر به نفر من الجن ، فلما سمعوا قراءة رسول الله استمعوا له ، فلما سمعوا قراءته
قال بعضهم لبعض : " أنصتوا " يعنى اسكتوا .
" فلما قضى " أي فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من القراءة " ولوا إلى قومهم منذرين
قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا " انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلي الحق
وإلى طريق مستقيم ، يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به " إلى قوله : " اولئك في
ضلال مبين " فجاؤا إلى رسول الله ( 4 ) فأسلموا وآمنوا ، وعلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله شرائع
الاسلام .
فأنزل الله على نبيه : " قل اوحي إلى أنه استمع نفر من الجن " السورة
كلها ، فحكى الله قولهم وولى رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم منهم ، وكانوا يعودون إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله في كل وقت ، فأمر أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن يعلمهم ويفقههم
فمنهم مؤمنون وكافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس وهم والد الجان .
وسئل العالم صلوات الله عليه عن مؤمني الجن : أيدخلون الجنة ؟ فقال : لا ، ولكن
( هامش 81 ) ( 1 ) الخصال 2 : 171 .
( 2 ) في نسخة : [ فهذا ] وهو الموجود في المصدر
( 3 ) في المصدر : ولم يجد احدا يقبله .
( 4 ) في المصدر : فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يطلبون شرائع الاسلام .
[ 82 ]
لله حظائر بين الجنة والنار يكون فيها مؤمنو الجن وفساق الشيعة ( 1 ) .
37 الكافى : عن محمد بن علي بن محبوب ، عن علي بن خالد ، عن أحمد بن
عبدوس ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن ليث ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته
عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود ، قال : أما العظم والروث فطعام الجن
وذلك مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : لا يصلح بشئ من ذلك ( 2 ) .
38 العلل : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر ، عن أبي
جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى لما أحب أن يخلق
خلقا " بيده وذلك بعد ما مضى للجن والنسناس في الارض سبعة آلاف سنة ، قال : ولما
كان من شأن الله أن يخلق آدم للذي أراد من التدبير والتقدير لما هو مكونه في السماوات
والارض وعلمه لما أراده من ذلك كله كشط عن أطباق السماوات ، ثم قال للملائكة :
انظروا إلى أهل الارض من خلقي من الجن والنسناس .
فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الارض بغير
الحق ، عظم ذلك عليهم وغضبوا لله وأسفوا على أهل الارض ولم يملكوا غضبهم أن
قالوا : يا رب أنت العزيز القادر الجابر القاهر العظيم الشأن ، وهذا خلقك الضعيف
الذليل في أرضك يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون ( 3 ) بعافيتك وهم
يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف ولا تغضب ولاتنتقم لنفسك لما تسمع منهم
وترى ، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك .
فلما سمع الله عزوجل ذلك من الملائكة قال : " إني جاعل في الارض خليفة ،
لي عليهم فيكون حجة لي عليهم في أرضي على خلقي ، فقالت الملائكة : " سبحانك
( هامش ص 82 ) ( 1 ) تفسير القمى : 623 و 624 .
( 2 ) لم نجد الحديث في الكافى والظاهر ان المصنف وهم في ذلك والصحيح [ التهذيب ] راجع التهذيب 1 : 101 ( ط 1 ) و 354 ( ط 2 ) .
( 3 ) في نسخة : ويتمتعون .
[ 83 ]
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " وقالوا :
فاجعله منا فانا لا نفسد في الارض ولا نسفك الدماء .
قال الله جل جلاله : يا ملائكتي " إني أعلم ما لا تعلمون " إني اريد أن أخلق
خلقا بيدي أجعل ذريته أنبياء مرسلين ، وعبادا صالحين ، وأئمة مهتدين ، أجعلهم
خلفائي على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معاصي ( 1 ) ، وينذرونهم عذابي ، ويهدونهم
إلى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلى ، وأجعلهم حجة لي عذرا " أو نذرا " ، وابين
النسناس ( 2 ) من أرضي فاطهرها منهم ، وأنقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي
وخيرتي ، واسكنهم في الهواء وفي أقطار الارض لا يجاورون نسل خلقي ، وأجعل بين
الجن وبين خلقي حجابا ، ولا يرى نسل خلقي الجن ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم ( 3 ) ،
فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم لنفسي أسكنتهم مساكن العصاة وأوردتهم
مواردهم ولا أبالي ، فقالت الملائكة : يارب افعل ما شئت " لا علم لنا إلا بما علمتنا ( 4 )
إنك أنت العليم الحكم " الخبر .
أقول : قد مضى تمامه في باب ما به قوام بدن الانسان ( 5 ) .
39 تفسير على بن ابراهيم : في قوله تعالى : " والجان خلقناه من قبل من
نار السموم " قال : أبوإبليس ، وقال : الجن من ولد الجان منهم مؤمنون وكافرون
ويهود ونصارى ، ويختلف أديانهم ، والشياطين من ولد إبليس وليس فيهم مؤمنون
إلا واحد ، اسمه هام بن هيم بن لا قيس بن إبليس ، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فرآه
جسيما عظيما وامرءا " مهولا ، فقال له : من أنت ؟ قال : أناهام بن هيم بن لاقيس بن
إبليس ، كنت يوم قتل هابيل غلام ابن أعوام أنهى عن الاعتصام وآمر بافساد الطعام .
( هامش 83 ) ( 1 ) في المصدر : عن المعاصى .
( 2 ) اى اقطع النسناس من ارضى ، وفى نسخة : [ أبير ] أى اهلكهم .
( 3 ) في نسخة : ولما يجالسونهم .
( 4 ) في المصدر : ما علمتنا .
( 5 ) علل الشرائع 1 : 98 .
[ 84 ]
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : بئس لعمري الشاب المؤمل والكهل المؤمر ، فقال : دع
عنك هذا يا محمد ، فقد جرت توبتي على يد نوح ، ولقد كنت معه في السفينة فعاتبته على
دعائه على قومه ، ولقد كنت مع إبراهيم حيث القي في النار فجعلها الله بردا " وسلاما " ،
ولقد كنت مع موسى حين غرق الله فرعون ونجى بني إسرائيل ، ولقد كنت مع هود
حين دعا على قومه فعاتبته ، ولقد كنت مع صالح ( 1 ) فعاتبته على دعائه على قومه ، ولقد
قرأت الكتب فكلها تبشرني بك والانبياء يقرأونك السلام ويقولون : أنت أفضل
الانبياء وأكرمهم ، فعلمني مما أنزل الله عليك شيئا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام : علمه فقال هام : يا محمد إنا لا نطيع
إلا نبيا " أو وصي نبي ، فمن هذا ؟ قال : هذا أخي ووصيي ووزيري ووارثي
علي بن أبي طالب ، قال : نعم نجد اسمه في الكتب اليا فعلمه أمير المؤمنين ، فلما
كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنين ( 2 ) .
40 دلايل الطبرى والبصائر : عن محمد بن إسماعيل عن علي بن الحكم عن
مالك بن عطية عن أبي حمزة الثمالي ، قال : كنت مع أبي عبدالله عليه السلام فيما بين مكة
والمدينة ، إذا التفت ( 3 ) عن يساره فاذا كلب أسود ، فقال : مالك قبحك الله ما أشد
مسارعتك ؟ فاذا هو شبيه بالطائر ، فقلت : ما هو ( 4 ) جعلت فداك ؟ فقال : هذا عثم بريد
الجن ، مات هشام الساعة فهو يطير ينعاه ( 5 ) في كل بلدة ( 6 ) .
الكافى : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل مثله ( 7 ) .
( هامش 84 ) ( 1 ) في المصدر : ولقد قرأت الكتب مع صالح .
( 2 ) تفسير القمى : 351 .
( 3 ) في الدلائل : فالتفت .
( 4 ) في نسخة : [ ما هذا ] وفى الدلائل : ما هذا جعلنى الله فداك .
( 5 ) في نسخة : [ ينعى به ] وهو الموجود في الدلائل .
( 6 ) دلائل الامامة : 132 بصائر الدرجات : 22 .
( 7 ) فروع الكافى 6 : 553 ( ط آخوندى ) فيه : [ اسودبهيم ] وفيه : [ ما هذا ]
وفيه : غثيم .
[ 85 ]
41 المناقب لابن شهر آشوب : قال : قال أبوجعفر عليه السلام : خد أبوخالد
الكابلي علي بن الحسين عليه السلام دهرا " من عمره ، ثم إنه أراد أن ينصرف إلى أهله فأتى
على بن الحسين عليه السلام وشكى إليه شدة شوقه إلى والديه ، فقال : يا أبا خالد يقدم
غدا " رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير وقد أصاب بنتا " له عارض من أهل الارض ( 1 )
ويريدون أن يطلبوا معالجا يعالجها ، فاذا أنت سمعت قدومه فأته وقل له : أنا اعالجها
لك على أن أشترط لك أني اعالجها على ديتها عشرة آلاف درهم فلا تطمئن إليهم
وسيعطونك ما تطلب منهم .
فلما أصبحوا قدم الرجل ومن معه ، وكان من عظمآء أهل الشام في المال والمقدرة
فقال : أما من معالج يعالج بنت هذا الرجل ؟ فقال له أبوخالد : أنا اعالجها على عشرة
آلاف درهم ، فان أنتم وفيتم وفيت لكم على أن لا يعود إليها أبدا " ، فشرطوا أن يعطوه
عشرة آلاف درهم ، فأقبل إلى علي بن الحسين فأخبره الخبر .
فقال : إنى أعلم أنهم سيغدرون بك ولا يفون لك ، انطلق يا أبا خالد ، فخذ
باذن الجارية اليسرى ثم قل : يا خبيث يقول لك علي بن الحسين : اخرج من هذه
الجارية ولا تعد ، ففعل أبوخالد ما أمره وخرج منها فأفاقت الجارية ، وطلب أبوخالد
الذي شرطوا له فلم يعطوه ، فرجع مغتما " كئيبا ، فقال له علي بن الحسين : مالي أراك
كئيبا " يا أبا خالد ؟ ألم أقل لك : إنهم يغدرون بك ؟ دعهم فانهم سيعودون إليك فاذا
لقوك فقل : لست اعالجها حتى تضعوا المال على يدي علي بن الحسين ( 2 ) .
فعادوا إلى أبي خالد يلتمسون مداواتها ، فقال لهم : إني لا اعالجها حتى تضعوا
المال على يدي علي بن الحسين عليه السلام فانه لي ولكم ثقة ، فرضوا ووضعوا المال على
( هامش 85 ) ( 1 ) في الخرائج : قد اصابها عارض من الجن .
( 2 ) في المصدر : [ على يدى على بن الحسين فانه لى ولكم ثقة ( فاصيبت الجارية
وعادوا اليه وقال : ما امره به فرضوا ) ووضعوا المال على يدى على بن الحسين فرجع ]
والظاهر انه مصحف لان الظاهر ان ابن شهر آشوب اخرج الحديث من رجال الكشى والفاظة
يوافق المتن .
[ 86 ]
يدي علي بن الحسين عليه السلام : فرجع أبوخالد إلى الجارية فأخذ بأذنها اليسرى ، ثم
قال : يا خبيث يقول لك علي بن الحسين عليه السلام : اخرج من هذه الجارية ولا تعرض
لها إلا بسبيل خير فانك إن عدت أحرقتك بنار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة
فخرج منها ، ودفع المال إلى أبي خالد فخرج إلى بلاده ( 1 ) .
الخرائج : عن أبي الصباح الكناني عنه عليه السلام مثله ( 2 ) .
الكشى : وجدت بخط جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عبدالله بن مهران ، عن
محمد بن علي ، عن علي بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن الكناني مثله ( 3 ) .
42 الارشاد للمفيد ، واعلام الورى : جاء في الآثار عن ابن عباس ( 4 )
قال : لما خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى بني المصطلق جنب عن الطريق وأدركه الليل فنزل
بقرب واد وعر ( 5 ) ، فلما كان آخر الليل هبط عليه جبرئيل يخبره أن طائفة من
كفار الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده عليه السلام وإيقاع الشر بأصحابه عند
سلوكهم إياه .
فدعا أمير المؤمنين عليه السلام وقال له : اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من
أعداء الله الجن من يريدك فادفعه بالقوة التي أعطاك الله عزوجل إياها وتحصن
منهم بأسماء الله التي خصك بعلمها ( 6 ) ، وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس ، وقال
( هامش 86 ) ( 1 ) مناقب آل ابى طالب 3 : 386 .
( 2 ) الخرائج والجرائح : 195 فيه اختلافات لفظية كثيرة راجعه .
( 3 ) رجال الكشى : 81 ( ط 1 ) و 112 و 113 ( ط 2 ) فيه : [ ولم يعد اليها ] والفاظه
يوافق ما في الصلب .
( 4 ) رواه المفيد عن محمد بن ابى السرى التيممى عن احمد بن الفرج عن الحسن
ابن موسى النهدى عن ابيه عن وبرة بن الحارث عن ابن عباس .
( 5 ) الوعر : الصعب وزنا ومعنى .
( 6 ) في الارشاد واعلام الورى : خصك بها وبعلمها .
[ 87 ]
لهم : كونوا معه وامتثلوا أمره ، فتوجه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الوادي ، فلما قرب ( 1 )
شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئا حتى يأذن لهم .
ثم تقدم فوقف على شفير الوادي وتعوذ بالله من أعدائه وسمى الله تعالى
بأحسن أسمائه وأومأ إلى القوم الذين اتبعوه أن يقربوا منه ، فقربوا كان بينه وبينهم
فرجة مسافتها غلوة ( 2 ) ، ثم رام الهبوط إلى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد القوم يقعون
على وجوههم لشدتها ولم تثبت أقدامهم على الارض من هول الخصم ومن هول ما لحقهم ( 3 )
فصاح أمير المؤمنين عليه السلام : أنا علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب وصي رسول الله
وابن عمه ، اثبتوا إن شئتم .
وظهر للقوم أشخاص على صور الزط يخيل ( 4 ) في أيديهم شعل النار قد اطمأنوا
بجنبات الوادي فتوغل ( 5 ) أمير المؤمنين عليه السلام بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويؤمي
بسيفه يمينا " وشمالا " ، فمالبث الاشخاص حتى صارت كالدخان الاسود ، وكبر أمير


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 87 سطر 12 الى ص 95 سطر 12

المؤمنين عليه السلام ثم صعد من حيث انهبط ، فقام مع الذين اتبعوه حتى أسفر الموضع
عما اعتراه .
فقال له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله : ما لقيت يا أبا الحسن ؟ فلقد كدنا ( 6 ) أن نهلك
خوفا " وإشفاقا " ( 7 ) عليك أكثر مما لحقنا ، فقال عليه السلام لهم : إنه لما تراءى لي العدو
وجهرت فيهم بأسماء الله فتضاءلوا ( 8 ) وعلمت ما حل بهم من الجزع ، فتوغلت الوادي
( هامش 87 ) ( 1 ) في نسخة : فلما قارب .
( 2 ) الغلوة : رمية سهم ابعد ما تقدر عليه .
( 3 ) في الاعلام : على الارض من هول ما لحقهم .
( 4 ) في الاعلام : تخيل .
( 5 ) توغل في البلاد : ذهب وأبعد .
( 6 ) في نسخة من الكتاب وفى اعلام الورى : فقد كدنا .
( 7 ) في اعلام الورى : واشفاقا عليه فقال .
( 8 ) اى فتصاغروا .
[ 88 ]
غير خائف منهم ، ولو بقوا على هيأتهم لاتيت على آخرهم ، وقد كفى الله كيدهم وكفى
المسلمين شرهم وسيسبقني بقيتهم إلى النبي صلى الله عليه وآله فيؤمنون به ، وانصرف أمير المؤمنين
عليه السلام بمن معه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأخبره الخبر فسري عنه ودعا له بخير ، و
قال له : قد سبقك يا علي إلى من أخافه الله بك فأسلم وقبلت إسلامه ( 1 ) .
43 الارشاد : وهذا الحديث روته العامة كما روته الخاصة ولم يتناكروا
شيئا " منه ، والمعتزلة لميلها إلى مذهب البراهمة تدفعه ، ولبعدها عن معرفة الاخبار
تنكره ، وهي سالكة في ذلك طريق الزنادقة فيما طعنت به في القرآن وما تضمنه من
أخبار الجن وإيمانهم بالله ورسوله ، وما قص الله تعالى من نبأهم في القرآن في سورة
الجن وقولهم : " إنا سمعنا قرآنا " عجبا " إلى آخر ما تضمنه الخبر عنهم في هذه
السورة .
وإذا بطل اعتراض الزنادقة ( 2 ) في ذلك مع إعجاز القرآن والاعجوبة الباهرة فيه
كان مثل ذلك ظهور بطلان طعون المعتزلة في الخبر الذي رويناه لعدم استحالة مضمونه
في العقول ، وفي مجيئه من طريقين مختلفين وبرواية فريقين متباينين برهان صحته
وليس في إنكار من عدل عن الانصاف في النظر من المعتزلة والمجبرة قدح فيما ذكرناه
من وجوب العمل عليه ، كما أنه ليس في جحد الملاحدة وأصناف الزنادقة واليهود
والنصارى والمجوس والصابئين ما جاء في صحته من الاخبار بمعجزات النبي صلى الله عليه وآله
كانشقاق القمر وحنين الجذع وتسبيح الحصى في كفه وشكوى البعير وكلام الذراع
ومجيئ الشجرة وخروج الماء من بين أصابعه عليه السلام في الميضأة ( 3 ) ، إطعام الخلق
الكثير من الطعام القليل قدح في صحتها وصدق رواتها وثبوت الحجة بها .
وساق الكلام إلى قوله : ولازال أجد الجاهل من الناصبة والمعاند يظهر التعجب
من الخبر بملاقاة أمير المؤمنين عليه السلام الجن وكفه شرهم عن النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه ، و
( هامش 88 ) ( 1 ) ارشاد المفيد : 181 ( ط 1 ) و 160 ( ط آخوندى ) اعلام الورى 182 .
( 2 ) في المصدر زيادة : بتجويز العقول وجود الجن وامكان تكليفهم وثبوت ذلك .
( 3 ) الميضاة بالقصر وكسر الميم وقد تمد : م مطهرة كبيرة يتوضأ منها .
[ 89 ]
يتضاحك لذلك وينسب الرواية إلى الخرافات الباطلة ، ويصنع مثل ذلك في الاخبار
الواردة بسوى ذلك من معجزاته عليه السلام ويقول : إنها من موضوعات الشيعة وتخرص من افتراه
منهم للتكسب بذلك أو التعصب .
وهذا بعينه مقال الزنادقة وكافة أعداء الاسلام فيما نطق به القرآن من خبر
الجن وإسلامهم وقولهم ( 1 ) : " إنا سمعنا قرآنا " عجبا " إلى آخره ، وفيما ثبت به الخبر
عن ابن مسعود في قصة ليلة الجن ومشاهدته لهم كالزط وفى غير ذلك من المعجزات
الرسول صلى الله عليه وآله فانهم يظهرون التعجب من جميع ذلك ويتضاحكون عند سماع الخبر
به والاحتجاج بصحته ، ويستهزؤن ويلغطون فيما يسرفون به من سب الاسلام وأهله ( 2 )
ونسبتهم إياهم إلى العجز والجهل ووضع الاباطيل ( 3 ) إلى آخر ما أفاده قدس سره .
بيان : الشفير : ناحية الوادي ، وغلوة السهم : مرماه ، وتوغل في الوادي :
ذهب وبالغ وأبعد ، وتضاءل : تصاغر ، وانسرى الهم عني وسري : انكشف ، كل
ذلك ذكره الفيروز آبادي .
44 كتاب الدلائل للطبرى : عن عبدالله بن أحمد الخازن ، عن محمد بن عمر
التميمي ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، عن إبراهيم بن أحمد بن جيرويه ، عن محمد بن أبي
البهلول ، عن صالح بن أبي الاسود ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر محمد بن علي
الباقر عليه السلام قال : خرج أبومحمد علي بن الحسين عليه السلام إلى مكة في جماعة من مواليه
وناس من سواهم ، فلما بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها ، فلما دنا
علي بن الحسين عليه السلام من ذلك الموضع قال لمواليه : كيف ضربتم في هذا الموضع ؟ وهذا
موضع قوم من الجن هم لنا أولياء ولنا شيعة ، وذلك يضر بهم ويضيق عليهم ( 4 ) .
( هامش 89 ) ( 1 ) في المصدر ، وقوله .
( 2 ) زاد في المصدر : واستحماق معتقديه والناصرين لهم .
( 3 ) ارشاد المفيد 182 184 و 161 163 ( آخوندى ) .
( 4 ) قوله : وهذا موضع إلى هنا ، يوافق نسخة امان الاخطار واما الدلائل فموجود
فيه هكذا : [ انه موضع فيه اولياؤنا من الجن ولنا شيعة وقد ضيقتم مضربهم عليهم فقالوا ]
وفى النجوم : وفيه قوم من الجن وهم اولياء لنا وشيعة وقد اضررنا بهم وضيقنا عليهم فقالوا .
[ 90 ]
فقلنا : ( 1 ) ما علمنا ذلك ، وعزموا ( 2 ) إلى قلع الفسطاط وإذا هاتف يسمع صوته
ولا يرى شخصه وهو يقول : يابن رسول الله لا تحول فسطاطك من موضعه فانا نحتمل
لك ذلك ، وهذا الطف ( 3 ) قد أهديناه إليك ونحب أن تنال منه لنتشرف ( 4 ) بذلك
فاذا جانب الفسطاط طبق عظيم وأطباق معه فيها عنب ورمان وموز وفاكهة كثيرة
فدعا أبومحمد عليه السلام من كان معه فأكل وأكلوا من تلك الفاكهة ( 5 ) .
أمان الاخطار : نقلا من كتاب الدلائل مرسلا مثله ( 6 ) .
النجوم : روينا باسنادنا إلى سعيد بن هبة الله الراوندي يرفعه إلي علي بن
الحسين عليه السلام وذكر مثله ( 7 ) .
بيان : يدل على جواز التصرف فيما أتى به الجن كما يقتضيه الاصل .
45 عيون المعجزات : للسيد المرتضى ( 8 ) من كتاب الانوار عن أحمد بن محمد
ابن عبدويه ( 9 ) عن سليمان بن علي الدمشقي عن أبي هاشم الزبالي ( 10 ) ، عن زاذان
( هامش 90 ) ( 1 ) في المصادر : فقالوا .
( 2 ) في نسخة من الكتاب وامان الاخطار : وعمدوا .
( 3 ) في نسخة : [ لطف ] وفى الدلائل : [ الطبق ] وفى امان الاخطار : [ اللطف ]
وفى النجوم ، شئ بعثنا به اليك فنظروا واذا بجانب الفسطاط طبق عظيم وفيه اطباق من
عنب ورطب ورمان وفواكه كثيرة من الموز وغيره فدعا على بن الحسين عليه السلام رجلا معه
واستحضر الناس فاكلوا وارتحلنا .
( 4 ) في نسخة : [ لنستر ] وفى الدلائل : [ لنتشرف فاذا بجانب ] وفى امان الاخطار :
لنستر بذلك فاذا في جانب .
( 5 ) دلائل الامامة : 93 .
( 6 ) امان الاخطار ، 124 .
( 7 ) فرج المهموم ، 228 .
( 8 ) بل الصحيح انه للشيخ حسين بن عبدالوهاب المعاصر للمرتضى والرضى .
( 9 ) في المصدر : عبد ربه .
( 10 ) في نسخة : [ الزياتى ] وفى المصدر : الرمانى .
[ 91 ]
عن سلمان قال : كان النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم جالسا بالابطح وعنده جماعة من أصحابه
وهو مقبل علينا بالحديث إذ نظرنا إلى زوبعة ( 1 ) قد ارتفعت فأثارت الغبار وما زالت
تدنو والغبار يعلو إلى أن وقف بحذاء النبي صلى الله عليه وآله ثم برز منها شخص
كان فيها .
ثم قال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله إني وافد قومي استجرنا بك فأجرنا وابعث معي
من قبلك من يشرف على قومنا فإن بعضهم قد بغى علينا ليحكم ( 2 ) بيننا وبينم بحكم
الله وكتابه وخذ علي العهود والمواثيق المؤكدة أن أرده إليك سالما في غداة غد إلا أن
تحدث علي حادثة من عند الله .
فقال له النبي صلى الله عليه وآله : من أنت ؟ ومن قومك ؟ قال : أنا عرفطة بن شمراخ ( 3 )
أحد بني نجاح ، وأنا جماعة من أهلي كنا نسترق السمع ، فلما منعنا من ذلك آمنا
ولما بعثك الله نبيا " آمنا بك على ما علمته وقد صدقناك ، وقد خالفنا بعض القوم
وأقاموا على ما كانوا عليه فوقع بيننا وبينهم الخلاف ، وهم أكثر منا عددا " وقوة وقد
غلبوا على الماء والمراعي وأضروا بنا وبدوا بنا ، فابعث معي من يحكم بيننا بالحق .
فقال له النبي صلى الله عليه وآله : فاكشف لنا عن وجهك حتى نراك على هيئتك التي
أنت عليها ، قال : فكشف لنا عن صورته فنظرنا فاذا شخص عليه شعر كثير ، وإذا
رأسه طويل ، طويل العينين عيناه في طول رأسه ، صغير الحدقتين ، وله أسنان كأنها
أسنان السباع ، ثم إن النبي صلى الله عليه وآله أخذ عليه العهد والميثاق على أن يرد عليه في غد
من يبعث به معه .
فلما فرغ من ذلك التفت إلى أبي بكر فقال له : صرمع أخينا عرفطة ( 4 ) وانظر
إلى ما هم عليه واحكم بينهم بالحق ، فقال : يا رسول الله وأين هم ؟ قال : هم تحت
( هامش 91 ) ( 1 ) الزوبعة : هيجان الرياح وتصاعدها إلى السماء .
( 2 ) في المصدر : فيحكم .
( 3 ) في المصدر : غطرفة بن شمراخ .
( 4 ) في المصدر : غطرفة .
[ 92 ]
الارض ، فقال أبوبكر : فكيف أطيق النزول تحت الارض ؟ وكيف أحكم بينهم ولا
احسن ( 1 ) كلامهم ، ثم التفت إلى عمر بن الخطاب فقال له : مثل قوله لابي بكر ، فأجاب
مثل جواب أبي بكر ، ثم أقبل على عثمان ، وقال له مثل قوله لهما فأجابه
كجوابهما .
ثم استدعى بعلي عليه السلام وقال له : يا علي صر مع أخينا عرفطة ( 2 ) وتشرف
على قومه وتنظر إلى ما هم عليه وتحكم بينهم بالحق ، فقام أمير المؤمنين عليه السلام مع
عرفطة وقد تقلد سيفه : قال سلمان رضي الله عنه : فتبعتهما إلى أن صارا إلى الوادي
فلما توسطا ، نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال : قد شكر الله تعالى سعيك يا أبا عبدالله
فارجع ، فوقفت أنظر إليهما فانشقت الارض ودخلا فيها وعدت إلى ما كنت ( 3 ) ورجعت
وتداخلني من الحسرة ما الله أعلم به كل ذلك إشفاقا " على أمير المؤمنين عليه السلام .
وأصبح النبي صلى الله عليه وآله وصلى بالناس الغداة وجاء وجلس على الصفا وحف به
أصحابه ، وتأخر أمير المؤمنين عليه السلام وارتفع النهار وأكثر الكلام إلى أن زالت الشمس
وقالوا : إن الجني احتال على النبي صلى الله عليه وآله وقد أراحنا الله من أبي تراب وذهب
عنا افتخاره بابن عمه علينا ، وأكثروا الكلام إلى أن صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الاولى
وعاد إلى مكانه وجلس على الصفا ، وما زال مع أصحابه بالحديث إلى أن وجبت صلاة
العصر ، وأكثروا القوم الكلام وأظهروا اليأس من أمير المؤمنين عليه السلام .
فصلى النبي صلى الله عليه وآله صلاة العصر وجاء وجلس على الصفا وأظهر الفكر في أمير
المؤمنين عليه السلام وظهرت شماتة المنافقين بأمير المؤمنين عليه السلام وكادت الشمس تغرب فتيقن
القوم أنه قد هلك ، اذا وقد انشق الصفا وطلع أمير المؤمنين منه وسيسفه يقطر دما "
ومعه عرفطة ( 4 ) .
( هامش 92 ) ( 1 ) في نسخة : ولا احس كلامهم .
( 2 ) في المصدر : غطرفة .
( 3 ) في المصدر : وعادت إلى ما كانت .
( 4 ) في المصدر : غطرفة .
[ 93 ]
فقام إليه النبي صلى الله عليه وآله وقبل بين عينيه وجبينيه ، وقال له : ما الذي حبسك
عني إلي هذا الوقت ؟ قال عليه السلام : صرت إلى جن كثير قد بغوا إلى عرفطة ( 1 ) وقومه
من المنافقين ، فدعوتهم إلى ثلاث خصال فأبوا علي ، وذلك أني دعوتهم إلى الايمان
بالله تعالى ، والاقرار بنبوتك ورسالتك فأبوا ، فدعوتهم إلى أداء الجزية فأبوا ، فسألتهم
أن يصالحوا عرفطة ( 2 ) وقومه فيكون بعض المرعى لعرفطة ( 3 ) وقومه وكذلك الماء
فأبوا ذلك كله ، فوضعت سيفي فيهم وقتلت منهم ثمانين ألفا ، ( 4 ) فلما نظروا إلى ما
حل بهم طلبوا الامان والصلح ، ثم آمنوا وصاروا إخوانا ( 5 ) وزال الخلاف ومازلت
معهم إلى الساعة ، فقال عرفطة ( 6 ) : يا رسول الله جزاك الله وأمير المؤمنين عليه السلام عنا
خيرا ( 7 ) .
46 الكافى : عن علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد والحسين بن محمد عن
المعلى ، جميعا " عن الوشاء ، عن ابن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
ليس من بيت فيه حمام إلا لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجن ، إن سفهاء الجن
يعبثون في البيت فيعبثون بالحمام ويدعون الانسان ( 8 ) .
47 ومنه : عن العدة عن أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى عن عبدالله بن محمد
عن علي بن الحكم عن أبان عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال : الكلاب السود البهم
من الجن ( 9 ) .
( هامش 93 ) ( 1 3 ) في المصدر : عطرفة .
( 4 ) في المصدر : زهاء ثمانين الفا .
( 5 ) في نسخة : اعوانا .
( 6 ) في المصدر : عطرفة .
( 7 ) عيون المعجزات : 37 39 .
( 8 ) فروع الكافى 6 : 546 ( ط آخوندى ) فيه : [ ويتركون الانسان ] ونقل في
الهامش عن بعض النسخ : يدعون الانسان .
( 9 ) فروع الكافى 6 : 552 : البهيم من الجن .
[ 94 ]
38 ومنه : عن العدة عن سهل عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبدالله بن
عبدالرحمن عن مسمع عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الكلاب من
ضعفة الجن فاذا أكل أحدكم طعاما ( 1 ) وشئ منها بين يديه فليطعمه أو ليطرده فان
لها أنفس سوء ( 2 ) .
49 ومنه : عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عبدالرحمن بن أبي هاشم
عن سالم بن أبي سلمة عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سئل عن الكلاب فقال : كل أسود
بهيم ، وكل أحمر بهيم ، وكل أبيض بهيم فذلك ( 3 ) خلق من الكلاب من الجن ، وما
كان أبلق فهو مسخ من الجن والانس ( 4 ) .
بيان : يحتمل أن يكون المعنى أن أصل خلق الكلب من الجن لما سيأتي أنه
خلق من بزاق إبليس ، أو أنه في الصفات شبيه بهم ، أو أن الجن يتصور بصورتهم ، أو
أنه لما كان الكلب من المسوخ فبعضهم مسخوا من الانس وبعضهم من الجن .
50 الاختصاص : عن المعلى بن محمد عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد
الله عليه السلام قال : إن الله عزوجل خلق الملائكة من أنوار ( 5 ) ، وخلق الجان من نار
وخلق الجن صنفا " من الجان من الريح ، وخلق الجن صنفا " من الجن من الماء ( 6 ) .
أقول : تمامه في باب قوام بدن الانسان .
51 تقريب المعارف : لابي الصلاح الحلبي نقلا " من تاريخ الواقدي عن
عبدالله بن السائب قال . لما قتل عثمان اتى حذيفة وهو بالمدائن فقيل : يا أبا عبدالله
لقيت رجلا آنفا " على الجسر فحدثني أن عثمان قتل ، قال : هل تعرف الرجل ؟ قلت :
أظنني أعرفه وما أثبته ، قال حذيفة : إن ذلك عيثم الجني وهو الذي يسير بالاخبار
( هامش 94 ) ( 1 ) في المصدر : الطعام .
( 2 و 4 ) فروع الكافى 6 : 553 .
( 3 ) في نسخة : فلذا .
( 5 ) في نسخة : [ من نور ] وفى المصدر : من النور وخلق الجان من النار .
( 6 ) الاختصاص : 109 .
[ 95 ]
فحفظوا ذلك اليوم ووجدوه ( 1 ) قتل في ذلك اليوم ( 2 ) .
51 العلل لمحمد بن على بن ابراهيم : العلة في الجن أنهم لا يدخلون
الجنة أنهم خلقوا من النار ، والجنة هي نور فلا تجتمع النار والنور ، وسئل العالم
عليه السلام فقيل له ، فاذا لم يدخلوا الجنة فأين يكونون ؟ فقال : إن الله جعل
حظائر بين الجنة والنار يكونون فيها مؤمنوا الجن ( 3 ) وفساق الشيعة ( 4 ) .
53 تفسير علي بن ابراهيم : في قوله تعالى : " خلق السماوات والارض
في ستة أيام " قال : وخلق الجان وهو ابوالجن وانواع الطيور يوم الاربعاء ( 5 )
54 - الاحتجاج : مرسلا " عن أبي بصير ، عن أبى جعفر عليه السلام في أجوبته عن
مسائل طاووس اليماني قال : فلم سمي الجن جنا ؟ قال : لانهم استجنوا فلم يروا ( 6 ) .
55 تفسير الامام : قيل له : لم يكن إبليس ملكا ؟ قال : لا ، بل كان من
الجن ، أما تسمعان الله يقول : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس
كان من الجن " وهو الذي قال الله : " والجان خلقناه من قبل من نار السموم " ( 7 ) .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 95 سطر 13 الى ص 103 سطر 13

56 تفسير الفرات : عن عبدالله بن محمد بن هاشم ، منعنا " عن محمد بن علي
عن آبائه عليهم السلام قال : هبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وهو في منزل ام
( هامش 95 ) ( 1 ) في نسخة : فوجدوه .
( 2 ) تقريب المعارف : مخطوط لم نجد نسخته .
( 3 ) في نسخة : ويكونون فيها مؤمنى الجن .
( 4 ) العلل : مخطوط لم نظفر بنسخته .
( 5 ) تفسير القمى : 298 فيه : وهو ابوالجن في يوم السبت وخلق الطير في يوم
الاربعاء .
( 6 ) الاحتجاج : 179 .
( 7 ) التفسير المنسوب إلى الامام العسكرى عليه السلام : 194 فيه : [ قالا : قلنا له : فعلى
هذا لم يكن ] وفيه : [ اما تسمعان ان الله ] وفيه : [ كان من الجن فاخبر انه كان من الجن
وهو ] والاية الاولى في البقرة : 24 والثانية في الحجر : 27 .
[ 96 ]
سلمة فقال : يا محمد ملا ملائكة السماء الرابعة ( 1 ) يجادلون في شئ حتى كثر بينهم
الجدال فيه وهم ( 2 ) من الجن من قوم إبليس الذين قال الله في كتابه : " إلا إبليس كان
من الجن ففسق عن أمر ربه " .
فأوحى الله تعالى إلى الملائكة قد كثر جدالكم ، فتراضوا بحكم من الآدميين
يحكم بينكم ، قالوا : قد رضينا بحكم من امة محمد صلى الله عليه وآله ، فأوحى الله إليهم بمن
ترضون من أمة محمد صلى الله عليه وآله : قالوا : رضينا بعلي بن أبي طالب عليه السلام ، فأهبط الله ملكا من
ملائكة السماء الدنيا ببساط وأريكتين فهبط إلى النبى صلى الله عليه وآله فأخبره بالذي
جاء فيه .
فدعا النبي صلى الله عليه وآله بعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وأقعده على البساط ووسده
بالاركتين ثم تفل في فيه ، ثم قال : يا علي ثبت الله قلبك وجعل حجتك بين عينيك
ثم عرج به إلى السماء ، فاذا نزل قال : يا محمد الله يقرأك السلام ويقول لك : " نرفع
درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم " ( 3 ) .
57 الكافي : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن
صفوان بن يحيى عن خالد بن إسماعيل عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل عن أبي
جعفر عليه السلام قال : ذكرت المجوس وإنهم يقولون : نكاح كنكاح ولد آدم ، وأنهم
يحاجون بذلك ، فقال : أما إنهم ( 4 ) لا يحاجونكم به ، لما أدرك هبة الله قال آدم :
يا رب زوج هبة الله ، فأهبط الله له حوراء فولدت أربعة غلمة ، ثم رفعها الله .
فلما أدرك ولد هبة الله قال : يا رب زوج ولد هبة الله ، فأوحى الله إليه أن
يخطب إلى رجل من الجن وكان مسلما أربع بنات له على ولد هبة الله ، فزوجهن
( هامش 96 ) ( 1 ) في المصدر : ان ملكا من ملائكة السماء .
( 2 ) ظاهره ان الضمير يرجع إلى الملائكة ، فاطلق لفظة الملائكة على الجن مجازا .
( 3 ) تفسير فرات : 70 و 71 والاية الاولى في الكهف : 50 والثانية في يوسف : 76 .
( 4 ) في المصدر : اما انتم فلا يحاجونكم به .
[ 97 ]
فما كان من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنبوة ، وما كان من سفه أو حدة فمن
الجن ( 1 ) .
58 العياشى : عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن آدم
ولد له أربعة ذكور ، فأهبط الله إليهم أربعة من الحور العين ، فزوج كل واحد منهم
واحدة فتوالدوا ، ثم إن الله رفعهن ، وزج هؤلاء الاربعة أربعة من الجن فصار
النسل فيهم ، فما كان من حلم فمن آدم ، وما كان من جمال فمن قبل الحور العين ،
وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن ( 2 ) .
59 الفقيه : عن أبيه ، عن الحميري ، عن هارون بن مسلم ، عن القاسم بن
عروة ، عن بريد ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل على آدم
حوراء من الجنة فزوجها أحد ابنيه ، وتزوج الآخر ابنة الجان ، فما كان في الناس
من جمال كثير أو حسن خلق فهو من الحوراء ، وما كان من سوء خلق فهو من ابنة
الجان ( 3 ) .
60 الاحتجاج : عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليه وعليهم السلام في أجوبة
أمير المؤمنين عليه السلام عن مسائل اليهودي في فضل محمد صلى الله عليه وآله على جميع الانبيآء إلى أن
قال : قال له اليهودي : فان هذا سليمان سخرت له الشياطين يعملون له ما يشآء
من محاريب وتماثيل .
قال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ولقد اعطي محمد صلى الله عليه وآله أفضل من هذا ،
إن الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها ، ولقد سخرت لنبوة محمد صلى الله عليه وآله
الشياطين بالايمان ، فأقبل إليه الجن التسعة من أشرافهم ، من جن نصيبين واليمن
( هامش 97 ) ( 1 ) فروع الكافى 5 : 569 .
( 2 ) تفسير العياشى 1 : 215 .
( 3 ) الفقيه 3 : 240 ( ط آخوندى ) فيه : " وروى القاسم بن عروة " ولم يذكر
فيه صدر الاسناد ، وفيه : وما كان فيهم من سوء .
[ 98 ]
من بني عمرو بن عامر ( 1 ) من الاحجة منهم شصاه ، ومصاه ( 2 ) ، والهملكان ، والمرزبان
والمازمان ، ونضاه ، وهاصب ، وهاضب ( 3 ) ، وعمرو ، وهم الذين يقول الله تبارك اسمه
فيهم : " وإذ صرفنا إليك نفرا " من الجن " وهم تسعة " يستمعون القرآن " فأقبل إليه
الجن والنبي صلى الله عليه وآله ببطن النخل ، فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث
الله احدا " .
ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا " منهم فبايعوه على الصوم والصلاة والزكاة والحج
ووالجهاد ونصح المسلمين ، واعتذروا بأنهم قالوا : على الله شططا ، وهذا أفضل مما اعطي
سليمان ، سبحان ( 4 ) من سخرها لنبوة محمد صلى الله عليه وآله بعد أن كانت تتمرد وتزعم أن لله
ولدا ، فلقد ( 5 ) شمل مبعثه من الجن والانس مالا يحصى ( 6 ) .
61 تفسير على بن ابراهيم : عن علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبدالله عن
الحسين بن سعيد عن النضر عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الجن :
" وأنه تعالى جد ربنا " فقال : شئ كذبه الجن فقصه الله تعالى كما قال .
وعنه : عن أحمد بن الحسين ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، قال :
سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى : " وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال
من الجن فزادوهم رهقا " " قال : كان الرجل ينطلق إلى الكاهن الذي يوحي إليه
الشيطان فيقول : قل لشيطانك : فلان ( 7 ) قد عاذبك .
وقال علي بن إبراهيم في قوله : " وأنه كان رجال " الاية ، قال : كان الجن
( هامش 98 ) ( 1 ) في المصدر : واحد من جن نصيبين والثمان من بنى عمرو بن عامر .
( 2 ) في المصدر : شضاة ومضاة ( شصاة ومصاة خ ل ) .
( 3 ) في المصدر : هاضب وهضب .
( 4 ) في المصدر : فسبحان .
( 5 ) في المصدر : ولقد شمل .
( 6 ) الاحتجاج : 118 .
( 7 ) في المصدر : ان فلانا .
[ 99 ]
ينزلون على قوم من الانس ويخبرونهم الاخبار التي يسمعونها في السمآء من قبل مولد
رسول الله صلى الله عليه وآله ، فكان الناس يكهنون بما خبرهم الجن ، وقوله : " فزادوهم رهقا "
أي خسرانا " ، وقال : البخس : النقصان ، والرهق : العذاب ، وقوله : " كنا طرائق
قددا " " أي على مذاهب مختلفة ( 1 ) .
62 بضائر الدرجات : عن إبراهيم بن هاشم ، عن إبراهيم بن اسحاق ، عن
عبدالله بن حماد ، عن عمر بن يزيد بياع السابري قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : بينا
رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالس ، إذ أتاه رجل طويل كأنه نخلة فسلم عليه ، فرد
عليه السلام وقال : يشبه ( 2 ) الجن وكلامهم ، فمن أنت يا عبدالله ؟ فقال : أنا الهام بن
الهيم بن لاقيس بن إبليس ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ما بينك وبين إبليس إلا أبوان ؟
فقال : نعم يا رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : فكم أتى لك ؟ قال : أكلت عمر الدنيا إلا أقله ،
أنا أيام قتل قابيل هابيل غلام أفهم الكلام وأنهى عن الاعتصام وأطوف الاجسام ( 3 ) وآمر بقطيعة الارحام وافسد الطعام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : بئس سيرة الشيخ
المتأمل والغلام المقبل .
فقال : يا رسول الله صلى الله إني تائب ، قال صلى الله عليه وآله : على يد من جرى ( 4 ) توبتك
من الانبيآء ؟ قال : على يدي نوح وكنت معه في سفينته وعاتبته على دعائه على قومه
حتى بكى وأبكاني ، وقال : لا جرم إني على ذلك من النادمين ، وأعوذ بالله أن أكون
من الجاهلين .
ثم كنت مع هود عليه السلام في مسجده مع الذين آمنوا معه فعاتبته على دعائه على
قومه حتى بكى وأبكاني ، وقال : لا جرم إني على ذلك من النادمين وأعوذ بالله أن
أكون من الجاهلين ، ثم كنت مع إبراهيم حين كاده قومه فألقوه في النار فجعلها الله
( هامش 99 ) ( 1 ) تفسير القمى : 698 و 699 .
( 2 ) في نسخة من الكتاب وفى المصدر : بشبه الجن .
( 3 ( ) هكذا في الكتاب والمصدر ، ولعل الصحيح : واطوف الاجام .
( 4 ) في نسخة : جرت .
[100]
عليه بردا " وسلاما ، ثم كنت مع يوسف عليه السلام حين حسده إخوته فألقوه في الجب
فبادرته إلى قعر الجب فوضعته وضعا " رفيقا " ، ثم كنت معه في السجن أؤنسه فيه حتى
أخرجه الله منه .
ثم كنت مع موسى عليه السلام وعلمني سفرا " من التوارة وقال : إن أدركت عيسى عليه السلام
فاقرأه مني السلام ، فلقيته وأقرأته من موسى عليه السلام السلام ، وعلمني سفرا " من الانجيل
وقال : إن أدركت محمدا " صلى الله عليه وآله فاقرأه مني السلام ، فعيسى عليه السلام يا رسول الله صلى الله عليه وآله
يقرأ عليك السلام ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : وعلى عيسى روح الله وكلمته وجميع أنبيآء الله
ورسله ما دامت السماوات والارض السلام ، عليك يا هام بما بلغت السلام ، فارفع
إلينا حوائجك .
قال : حاجتي أن يبقيك الله لامتك ويصلحهم لك ويرزقهم الاستقامة لوصيك
من بعدك ، فان الام السالفة إنما هلكت بعصيان الاوصيآء وحاجتي يا رسول الله أن
تعلمني سورا " من القرآن اصلي بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي
علم الهام وارفق به ، فقال هام : يا رسول الله صلى الله عليه وآله من هذا الذي ضممتني إليه ؟ فإنا
معاشر الجن قد امرنا أن لا نكلم ( 1 ) إلا نبيا " أو وصي نبي .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا هام من وجدتم في الكتاب وصي " آدم ؟ قال :
شيث بن آدم ، قال : من وجدتم وصي نوح ؟ قال : سام بن نوح ، قال : فمن كان
وصي هود ؟ قال : يوحنا بن خزان ( 2 ) ابن عم هود ، قال : فمن كان وصي إبراهيم ؟
قال : إسحاق بن إبراهيم ( 3 ) ، قال فمن كان وصي موسى ؟ قال : يوشع بن نون ،
قال : فمن كان وصي عيسى عليه السلام ؟ قال : شمعون بن حمون الصفا ابن عم مريم .
( هامش 100 ) ( 1 ) في نسخة : ان لا نطيع .
( 2 ) في المصدر : " يوحنا بن حنان " وذكر في اثبات الوصية وغيره ان وصى هود
ابنه فالغ .
( 3 ) ذكر المسعودى في اثبات الوصية : 28 ، ان وصى ابراهيم اسماعيل وبعده قام
اسحاق مقامه .
[101]
قال : فمن وجدتم في الكتاب وصي محمد صلى الله عليه وآله ؟ قال : هو في التوراة " اليا "
قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا " اليا " هو علي وصيي ، قال الهام : يا رسول الله صلى الله عليه وآله
فله اسم غير هذا ؟ قال : نعم هو حيدرة ، فلم تسألني عن ذلك ؟ قال : إنا وجدنا في
كتاب الانبيآء أنه في الانجيل " هيدارا " قال : هو " حيدرة " قال : فعلمه علي عليه السلام
سورا " من القرآن ، فقال هام : يا علي يا وصي محمد صلى الله عليه وآله أكتفي بما علمتني من
القرآن ؟ قال : نعم يا هام قليل القرآن ( 1 ) كثير ، ثم قام هام إلى النبي صلى الله عليه وآله
فودعه فلم يعد إلى النبي صلى الله عليه وآله حتى قبض ( 2 ) صلى الله عليه وآله .
بيان : قد يستدل بقوله : " قد امرنا أن لا نكلم " الخ ، على أن ما يخبر به
الناس من كلام الجن كذب ولا يسمع كلامهم غير الانبيآء والاوصيآء عليهم السلام ، وفيه
نظر لان كونهم مأمورين بذلك لا يدل على عدم وقوع خلافه ، إذ الجن والشياطين
ليسوا بمعصومين ، مع أن في بعض روايات هذه القصة " لا نطيع " مكان " لا نكلم "
وأيضا " الروايات الكثيرة مما أوردنا في هذا الباب وغيرها دلت على وقوع التكم مع
سائر الناس ، فلا بد من تأويل فيه ، إما بحمله على الكلام على وجه الطاعة والانقياد
أو معاينة مع معرفة كونهم من الجن ، أو بالتخصيص ببعض الانواع منهم أو غير ذلك .
63 البصائر : عن عبدالله بن محمد عن محمد بن إبراهيم عن بشر عن فضالة عن
محمد بن مسلم عن المفضل بن عمر قال : حمل إلى أبي عبدالله عليه السلام مال من خراسان مع
رجلين من أصحابه لا يزالا يتفقدان المال حتى مرا بالري فدفع إليهما رجل من
أصحابهما كيسا فيه ألف ( 3 ) درهم فجعلا يتفقدان في كل يوم الكيس حتى دنيا من
المدينة ، فقال أحدهما لصاحبه : تعال حتى ننظر ما حال المال ، فنظرا فاذا المال على
حاله ما خلا كيس الرازي ، فقال أحدهما لصاحبه : الله المستعان ، ما نقول الساعة
لابي عبدالله عليه السلام ؟ فقال أحدهما : إنه كريم ، وأنا أرجو أن يكون علم ما نقول
( هامش 101 ) ( 1 ) في المصدر : قليل من القرآن .
( 2 ) بصائر الدرجات : 28 قوله : حتى قبض اى رسول الله صلى الله عليه وآله .
( 3 ) في المصدر : فيه الفا درهم .
[102]
عنده ، فلما دخلا المدينة قصدا إليه فسلما إليه المال ، فقال لهما : أين كيس الرازي ؟
فأخبراه بالقصة ، فقال لهما : إن رأيتما الكيس تعرفانه ؟ قالا : نعم ، قال : يا جارية
علي بكيس كذا وكذا ، فأخرجت الكيس فرفعه أبوعبدالله عليه السلام إليهما ، فقال :
أتعرفانه ؟ قالا : هو ذاك ، قال : إنى احتجت في جوف الليل إلى مال فوجهت رجلا "
من الجن من شيعتنا فأتاني بهذا الكيس من متاعكما ( 1 ) .
64 ومنه : عن الحسن بن علي بن عبدالله عن الحسن بن علي بن فضال عن
بعض أصحابنا عن سعد الاسكاف قال : أتيت أبا جعفر عليه السلام اريد الاذن عليه فاذا
رواحل على الباب مصفوفة ، وإذا أصوات قد ارتفعت ، فخرجت علي قوم معتمون
بالعمائم يشبهون الزط .
قال : فدخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت : جعلت فداك يابن رسول الله أبطأ
إذنك اليوم ؟ وقد رأيت قوما " خرجوا علي معتمين بالعمائم فأنكرتهم ، فقال : أو
تدري من أولئك يا سعد ؟ قال : قلت : لا ، قال : إخوانك من الجن يأتوننا يسألوننا
عن حلالهم وحرامهم ومعالم دينهم ( 2 ) .
65 ومنه : عن محمد بن الحسين ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن عمار
السجستاني قال : كنت لا أستأذن عليه ، يعني أبا عبدالله عليه السلام فجئت ذات يوم وليلة
فجلست في فسطاطه بمنى ، قال : فاستوذن لشباب كأنهم رجال الزط ، فخرج عيسى شلقان فذكرنا له فأذن لي .
قال : فقال لي : يا أبا عاصم متى جئت ؟ قلت : قبل أولئك ( 3 ) الذين دخلا
عليك وما رأيتهم خرجوا ، قال : اولئك قوم من الجن فسألوا عن مسائلهم ثم ذهبوا ( 4 ) .
66 البصائر ودلائل الامامة للطبرى : عن محمد بن الحسين عن إبراهيم
ابن أبي البلاد عن سدير الصيرفي قال : أوصاني أبوجعفر عليه السلام بحوائج له بالمدينة ،
( هامش 102 ) ( 1 و 2 ) بصائر الدرجات : 28 .
( 3 ) في المصدر : قبيل اولئك .
( 4 ) بصائر الدرجات : 28 .
[103]
فبينا أنا في فج الروحآء على راحلتي إذا إنسان يلوي بثوبه ، قال : فقمت له ( 1 ) وظننت
أنه عطشان فناولته الاداوة فقال : لا حاجة لي بها ، وناولني كتابا " طينه رطب ، فنظرت
إلى الخاتم فاذا خاتم أبي جعفر عليه السلام ، فقلت له : متى عهدك بصاحب الكتاب ؟ قال :
الساعة .
قال : فاذا فيه أشيآء يأمرني بها ، قال : ثم " التفت " فاذا ليس عندي أحد ، قال :
فقدم أبوجعفر عليه السلام فلقيته فقلت له : جعلت فداك رجل أتاني بكتاب وطينه رطب ،
فقال : إذا عجل بنا أمر أرسلت بعضهم يعني الجن . ( 2 ) ، وفي رواية اخرى : إنا
أهل البيت أعطينا أعوانا من الجن إذا عجلت بنا الحاجة بعثناهم فيها ( 3 ) .
67 الدلائل : عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم وعلي بن جرير عن
منصور بن حازم عن سعد الاسكاف قال : طلبت الاذن على أبي جعفر عليه السلام مع أصحاب
لنا لندخل عليه ( 4 ) فاذا ثمانية نفر كأنهم من أب وام عليهم ثياب زرابي وأقبية طاقية
وعمآئم صفر دخلوا فما احتبسوا حتى خرجوا ( 5 ) ، فقال لي : يا سعد رأيتهم ؟ قلت :
نعم جعلت فداك من هؤلاء ؟ قال : إخوانكم من الجن ، أتونايستفتونا في حلالهم


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 103 سطر 14 الى ص 111 سطر 14

وحرامهم كما تأتونا وتستفتونا في حلالكم وحرامكم ، فقلت : جعلت فداك ويظهرون
لكم ؟ قال : نعم ( 6 ) .
البصائر : عن محمد بن إسماعيل عن ابن سنان عن ابن مسكان عن سعد مثله ( 7 ) .
( هامش 103 ) ( 1 ) في البصائر : فملت اليه . وفى الدلائل : اذا انا بانسان يتلونى فقمت إلى الاداوة
( 2 ) بصائر الدرجات : 27 دلائل الائمة : 100 فيه خلاصة من الحديث .
( 3 ) بصائر الدرجات : 27 ، الموجود فيه هكذا : وزاد فيه محمد بن الحسين بهذا
الاسناد : يا سدير اما لنا خدما من الجن فاذا اردنا السرعة بعثناهم .
( 4 ) في المصدر : مع اصحاب لى فدخلت عليه . فاذا عن يمينه نفر
( 5 ) في المصدر : وعمائم صفر فما لبثوا أن خرجوا .
( 6 ) دلائل الائمة 101 .
( 7 ) بصائر الدرجات : 27 . ذكر الصفار في البصائر روايتين عن سعد الاسكاف فالتى -
[104]
68 الاختصاص : أبومحمد عن صباح المزني عن الحارث بن حصرة عن
الاصبغ بن نباته قال : كنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الجمعة في
المسجد بعد العصر إذ أقبل رجل طوال كأنه بدوي فسلم عليه ، فقال له علي عليه السلام :
ما فعل جنيك الذي كان يأتيك ؟ قال : إنه ليأتيني إلى أن وقفت بين يديك يا أمير
المؤمنين ، قال علي عليه السلام : فحدث القوم بما كان منه ، فجلس وسمعنا له فقال : إني
لراقد باليمن قبل أن يبعث الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، فاذا جني أتاني نصف الليل فرفسني ( 1 )
برجله وقال : اجلس ، فجلست ذعرا " ، فقال : اسمع ، قلت : وما أسمع ؟ قال :
عجبت للجن وإبلاسها * وركبها العيس بأحلاسها ( 2 )
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما طاهر الجن كأنجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * وارم بعينيك إلى رأسها ( 3 ) لي ،
( هامش 104 ) - يوافق متنها به هو رواية محمد بن اسماعيل عن على بن حديد عن منصور بن حازم عن سعد
الاسكاف الا انه لم يذكر فيها ذيله : فقلت الخ .
واما الرواية التى أورد المصنف اسنادها هنا فهى هكذا ، سعد الاسكاف قال : طلبت
الاذن عن ابى جعفر عليه السلام فبعث إلى لا تعجل فان عندى قوما من اخوانكم فلم البث ان
خرج على اثنا عشر رجلا يشبهون الزط عليهم اقبية طبقين وخفاف فسلموا ومروا ودخلت
على ابى جعفر عليه السلام قلت : جعلت فداك من هؤلاء الذين خرجوا من عندك ؟ قال : هؤلاء
قوم من اخوانكم من الجن ، قلت : ويظهرون لكم ؟ قال : نعم .
( 1 ) رفسه : ضربه في صدره .
( 2 ) العيس بالكسر : الابل البيض يخالط بياضها شئ من الشقرة . والاحلاس جمع
حلس وهو كساء يطرح على ظهر البعير .
( 3 ) الضمير يرجع إلى القبيلة .
( 4 ) اى ما بين مراده ولا اوضحه .
[105]
وإني لارجو أن يفصح لي ، فأرقت ( 1 ) ليلتي وأصبحت كئيبا ، فلما كان من القابلة
أتاني نصف الليل وأنا راقد فرفسني برجله وقال : اجلس فجلست ذعرا " ، فقال : اسمع
فقلت : وما أسمع ؟ قال :
عجبت للجن وأخبارها * وركبها العيس بأكوارها ( 2 )
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنوا الجن ككفارها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين روابيها ( 3 ) وأحجارها
فقلت : والله لقد حدث في ولد هاشم أو يحدث ، وما أفصح لي وإني لارجو أن
يفصح لي ، فأرقت ليلتي وأصبحت كئيبا ، فلما كان من القابلة أتاني نصف الليل وأنا
راقد فرفسني برجله وقال : اجلس فجلست وأنا ذعر ، فقال : اسمع ، قلت : وما أسمع ؟ قال :
عجبت للجن وإلبابها * وركبها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما صادقو الجن ككذابها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * أحمد إذ هو خير أربابها ( 4 )
قلت : عدو الله ( 5 ) أفصحت ، فأين هو ؟ قال : ظهر بمكة يدعو إلى شهادة أن
لا إله إلا الله ، وأن محمدا " رسول الله ، فأصبحت ورحلت ناقتي ووجهتها قبل مكة فأول
ما دخلتها لقيت أبا سفيان ، وكان شيخا ضالا فسلمت عليه وسألته عن الحي ، فقال :
والله إنهم مخصبون إلا أن يتيم أبي طالب قد أفسد علينا ديننا ، قلت : وما اسمه ؟ قال :
محمد ، أحمد ، قلت : وأين هو ؟ قال : تزوج بخديجة ابنة ( 6 ) خويلد فهو عليها نازل
( هامش 105 ) ( 1 ) ارق : ذهب عنه النوم في الليل .
( 2 ) الاكوار جمع الكور بالضم وهو الرحل باداته .
( 3 ) الروابى جمع الرابية : ما ارتفع من الارض .
( 4 ) في نسخة : ليس قداماها كاذبا بها .
( 5 ) في المصدر : قلت : قد والله افصحت .
( 6 ) في نسخة : بنت .
[106]
فأخذت بخطام ناقتي ثم انتهيت إلى بابها فعقلت ناقتي ثم ضربت الباب فأجابتني : من
هذا ؟ فقلت : أنا أردت محمدا " ، فقالت : اذهب إلى عملك ( 1 ) ، فقلت : يرحمك الله إني
رجل أقبلت من اليمن وعسى الله أن يكون من علي به فلا تحرميني النظر إليه ، و
كان صلى الله عليه وآله رحيما " فسمعته يقول : يا خديجة افتحي الباب ، ففتحت ، فدخلت فرأيت النور
في وجهه ساطعا " نور في نور ثم درت خلفه فاذا أنا بخاتم النبوة معجون ( 2 ) على كتفه
الايمن فقبلته ، ثم قمت بين يديه وأنشأت أقول :
اتاني نجي ( 3 ) بعد هدء ورقدة * ولم يك فيما قد تلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لوءي بن غالب
فشمرت من ذيلي الازار ووسطت * بي الذعلب الوجناء بين السباسب ( 4 )
فمرنا بما يأتيك يا خير قادر * وإن كان فيما جاء شيب الذوائب ( 5 )
وأشهد أن الله لا شئ غيره * وأنك مأمون ( 6 ) على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة * إلى الله يابن الاكرمين الاطائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة * إلى الله يغني عن سواد بن قارب
وكان اسم الرجل سواد بن قارب ( 7 ) فرحت والله مؤمنا " به صلى الله عليه وآله ثم " خرج إلى صفين
( هامش 106 ) ( 1 ) في المصدر وفى ابواب المعجزات : اذهب إلى عملك ما تذرون محمدا يأويه
ظل بيت قد طردتموه وهربتموه وحصنتموه اذهب إلى عملك . قلت .
( 2 ) في المصدر : مختوم .
( 3 ) النجى : المحدث ، وفى المصدر : [ بجنى ] والهدء : السكون .
( 4 ) الذعلب : الناقة القوية . والوجناء : الناقة الصلبة . والسباسب جمع سبسب وهو
القفر والمفازة .
( 5 ) في المصدر : [ فيما جاتشيب الذوائب ] فعليه : جا مخفف جاء ، والمعنى اى قبلنا
وصدقنا بما يأتيك به الوحى من الله وان كان فيه امور شداد تشيب منها الذوائب والذوائب
جمع الذؤابة اى الناصية .
( 6 ) في نسخة من الكتاب وفى المصدر : مأمور .
( 7 ) التفسير من صاحب كتاب الاختصاص او من الروات .
[107]
فاستشهد مع أمير المؤمنين ( 1 ) عليه السلام .
أقول : قد مر شرحه في المجلد السادس في أبواب المعجزات ( 2 ) .
69 ووجدته في كتاب مسلم بن محمود مرويا " عن ابن عباس قال : فد سوادة
ابن قارب على عمر بن الخطاب وسلم عليه فرد عليه السلام وقال عمر : يا سوادة ما بقي من
كهانتك ؟ فغضب وقال : ما أظنك استقبلت بهذا الكلام غيري ، فلما رأي عمر الكراهة
في وجهه قال : يا سوادة إن الذي كنا عليه من عبادة الاوثان أعظم من الكهانة ، فحدثني
بحديث كنت أشتهي أن أسمعه منك ، قال : نعم بينا أنا في إبلي بالسراة وكان لي نجي
من الجن يأتيني بالاخبار ، وإنى لنائم ذات ليلة إذ وكرني برجله ، فقال : قم يا سوادة
فقد ظهر الداعي إلى الحق ، وإلى طريق مستقيم ، فقلت : أنا ناعس ، فرجع عني وهو يقول :
عجبت للجن وتسيارها * وشدها العيس بأكوارها
إلى قوله : وأحجارها ، فلما كان في الليلة الثانية أتاني فقال لي : مثل ذلك ( 3 )
فقلت : أنا ناعس ( 4 ) فولى عني وأنشأ يقول :
عجبت للجن وقطرابها ( 5 ) * وحملها العيس بأقتابها
إلى قوله : من هاشم * ليس قداماها كأذنابها .
فلما كانت في الليلة الثالثة ، قال لي : مثل مقالته الاولى فقلت : أنا ناعس فتولى
عني وهو يقول :
( هامش 107 ) ( 1 ) الاختصاص : 181 183 . وفى نسخة منه : فرجعت .
( 2 ) المجلد 18 : 98 100 من طبعنا هذا .
( 3 ) في نسخة : مثل ذلك القول .
( 4 ) نعس الرجل : أخذته فترة في حواسه فقارب النوم .
( 5 ) في نسخة : [ وتطرابها ] والقطرب : ذكر الغيلان وصغارالجن ، وقطرب :
أسرع .
[108]
عجبت للجن وتحساسها ( 1 ) * وشدها العيس بأحلاسها
إلى قوله : إلى رأسها .
فلما أصبحت أنفذت إلى راحلة من إبلي فركبت عليها حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله
فمثلت بين يديه وأنشأت أقول :
أتاني نجي بعد هدء ورقدة * ولم يك فيما قد عهدت بكاذب
إلى قوله : غالب .
فشمرت عن ساقي الازار وأرقلت * بي الذعبل الوجناء بين السباسب
فمرني بما أحببت يا خير مرسل * ولو كان فيما قلت شيب الذوائب
إلى قوله : لا ذو شفاعة * سواك بمغن عن سواد بن قارب ( 2 )
70 كتاب محمد بن المثني بن القاسم : عن عبدالسلام بن سالم عن ابن أبي
البلاد ( 3 ) عن عمار بن عاصم السجستاني قال : جئت إلى باب أبي عبدالله وأردت أن لا
أستأذن عليه فأقعد فأقول : ( 4 ) لعله يراني بعض من يدخل فيخبره فيأذن لي ، قال :
فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه شباب ادم في ازر وأردية ثم لم أرهم خرجوا ، فخرج
عيسى شلقان فرآني فقال : يا أبا عاصم أنت ههنا ؟ فدخل فاستأذن لي فدخلت عليه ،
فقال أبوعبدالله عليه السلام : منذ متى أنت ههنا يا عمار ؟ قال : فقلت : من قبل أن يدخل
عليك الشباب الادم ، ثم لم أرهم خرجوا ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : هؤلاء قوم من الجن
جاؤا يسألون عن أمر دينهم .
71 الدر المنثور : عن أبي عامر المكي قال : خلق الملائكة من نور ، وخلق
( هامش 107 ) ( 1 ) ذكره المصنف قبلا في ابواب المعجزات عن رواية اخرى وفيها : تجساسها .
( 2 ) كتاب مسلم بن محمود ليس عندى . وذكر القصة المصنف في ابواب المعجزات
بصورة اخرى راجعها .
( 3 ) في المصدر : عن ابى البلاد .
( 4 ) في المصدر : وأقول .
( 5 ) الاصول الستة عشر : 92 .
[109]
الجان من نار ، وخلق البهائم من ماء ، وخلق آدم من طين ، فجعل الطاعة في الملائكة
والبهائم ( 1 ) ، وجعل المعصية في الانس والجن ( 2 ) .
72 تفسير النيسابورى : روى الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام قال :
بينا النبي صلى الله عليه وآله جالس في نفر من أصحابه إذ رمي بنجم فاستنار فقال : ما كنتم تقولون
في الجاهلية إذا حدث مثل هذا ؟ قالوا : كنا نقول : يولد عظيم أو يموت عظيم ، فقال
النبي صلى الله عليه وآله : لا يرمى لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا تعالى إذا قضى الامر في
السماء سبحت حملة العرش ثم سبح أهل السماء وسبح كل سماء حتى ينتهي التسبيح
إلى هذه السماء ، ويستخبر أهل السماء حملة العرش ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ، ولا
يزال ينتهي ذلك الخبر من سماء إلى سماء إلى أن ينتهي الخبر إلى هذه السماء ، ويتخطف
الجن فيرمون ، فما جاؤا به فهو حق ولكنهم يزيدون ( 3 ) .
73 كتاب زيد الزراد : قال : حججنا سنة فلما صرنا في خرابات المدينة
بين الحيطان افتقدنا رفيقا لنا من إخواننا ، فطلبناه فلم نجده ، فقال لنا الناس بالمدينة :
إن صاحبكم اختطفته الجن ، فدخلت على أبي عبدالله عليه السلام وأخبرته بحاله وبقول
أهل المدينة ، فقال : اخرج إلى المكان الذي اختطف ، أو قال : افتقد ، فقل بأعلى صوتك
يا صالح بن علي ، إن جعفر بن محمد يقول لك : أهكذا عاهدت وعاقدت الجن علي
ابن طالب ؟ اطلب فلانا حتى تؤديه إلى رفقائه ، ثم قل : يا معشر الجن عزمت عليكم
بما عزم عليكم علي بن أبي طالب عليه السلام لما خليتم عن صاحبي وأرشدتموه
إلى الطريق .
قال : ففعلت ذلك فلم ألبث إذا بصاحبي قد خرج علي من بعض الخرابات فقال :
( هامش 109 ) ( 1 ) اقتصر في المصدر بذكر الملائكة ، ولعل لفظة : البهائم ، اسقطت عن
المطبوع .
( 2 ) الدر المنثور 1 : 51 فيه : اخرج ابن ابى حاتم عن محمد بن عامر المكى قال خلق الله .
( 3 ) تفسير النيسابورى . . ليست نسخته عندى .
[110]
إن شخصا تراءى لي ما رأيت صورة إلا وهو أحسن ( 1 ) منها ، فقال : يافتى أظنك
تتولى آل محمد صلى الله عليه وآله ؟ فقلت : نعم فقال : إن هيهنا رجل من آل محمد صلى الله عليه وآله هل لك أن
توجر وتسلم عليه ؟ فقلت : بلى ، فأدخلني من هذه الحيطان ( 2 ) وهو يمشي أمامي .
فلما أن سار غير بعيد نظرت فلم أرشيئا " وغشي على فبقيت مغشيا علي لا أدري
أين أنا من أرض الله حتى كان الآن ، فاذا قد أتاني آت وحملني حتى أخرجني إلى
الطريق ، فأخبرت أبا عبدالله عليه السلام بذلك فقال : ذلك الغوال ، ( 3 ) أو الغول نوع من
الجن يغتال الانسان ، فاذا رأيت الشخص الواحد فلا تسترشده وإن أرشدكم فخالفوه ( 4 )
وإذا رأيته في خراب وقد خرج عليك أو في فلاة من الارض فأذن في وجهه وارفع
صوتك وقل : " سبحان الذي جعل في السماء نجوما رجوما ( 5 ) للشياطين ، عزمت
عليك يا خبيث بعزيمة الله التي عزم بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ورميت
بسهم الله المصيب الذي لا يخطئ ، وجعلت سمع الله على سمعك وبصرك ، وذللتك بعزة
الله ، وقهرت سلطانك بسلطان الله ، يا خبيث لا سبيل لك " فانك تقهره إن شاء
الله وتصرفه عنك .
فاذا ضللت الطريق فأذن بأعلى صوتك وقل : " يا سيارة الله دلونا على
الطريق يرحمكم الله أرشدونا يرشدكم الله " فإن اصبت وإلا فناد : " يا عتاة الجن
ويا مردة الشياطين أرشدوني ودلوني على الطريق وإلا أشرعت ( 6 ) لكم بسهم الله
المصيب إياكم عزيمة علي أبي طالب ، يا مردة الشياطين " إن استطعتم أن تنفذوا
من أقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان مبين " الله غالبكم
( هامش 110 ) ( 1 ) في المصدر : احسن منه .
( 2 ) في المصدر : بين هذه الحيطان .
( 3 ) هكذا في الكتاب ومصدره ولعله مصحف والصحيح : ذلك الغول .
( 4 ) في نسخة من المصدر : فخالفه .
( 5 ) في المصدر : ورجوما .
( 6 ) في المصدر : انتزعت ( اسرعت خ ل ) .
[111]
بجنده الغالب ، وقاهركم بسلطانه القاهر ، ومذللكم بعزته المتين ، فان تولوا فقل
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم " وارفع صوتك بالاذان
ترشد وتصيب الطريق إن شاء الله ( 1 ) .
74 ومنه : قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام فقلت : الجن يخطفون الانسان ؟ فقال :
مالهم إلى ذلك سبيل ، لمن تكلم بهذه الكلمات وذكر الدعاء ( 2 ) .
75 الدر المنثور : عن طارق بن ( 3 ) حبيب قال : كنا جلو سامع عبدالله
عمرو بن العاص في الحجر ، إذ قلص ( 4 ) الظل وقامت المجالس إذا نحن ببريق أيم
طالع من هذا الباب يعني باب بني شيبة والايم : الحية الذكر فاشرأبت له
أعين الناس ، فطاف بالبيت سبعا " وصلى ركعتين ورآء المقام فقمت إليه فقلنا : أيها
المعتمر قد قضى الله نسكك ، وإنما بأرضنا عبيد ( 5 ) وسفهاء ، وإنما نخشى عليك
منهم ، فكوم برأسه كومة بطحاء فوضع ذنبه عليها فسما في السماء حتى ما نراه ( 6 ) .
76 وأخرج الازرقي عن أبي الطفيل قال : كانت امرأة من الجن في الجاهلية
تسكن ذاطوى وكان لها ابن ولم يكن لها ولد غيره فكانت تحبه حبا " شديدا " وكان شريفا "
في قومه فتزوج وأتى زوجته ، فلما كان يوم سابعة قال لامه : يا امه إني اريد أن


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 111 سطر 15 الى ص 119 سطر 15

أطوف بالكعبة سبعا " نهارا " ، قالت له امه : أي " بني " إني أخاف عليك سفهاء قريش
فقال : أرجو السلامة فأذنت له فولى في صورة جان فمضى نحو الطواف فطاف بالبيت
( هامش 111 ) ( 1 ) الاصول الستة عشر : 11 و 12 .
( 2 ) الاصول الستة عشرة : 9 والدعاء طويل .
( 3 ) في المصدر : طلق بن حبيب ، وهو الصحيح ترجمه ابن حجر في تقريب التهذيب
وتهذيب التهذيب وقال : طلق بسكون اللام ابن حبيب العنزى بصرى صدوق عابد رمى
بالارجاء مات بعد التسعين .
( 4 ) قلص الظل : انقبض .
( 6 ) في المصدر : وان بارضنا عبيدا وسفهاء .
( 6 ) الدر المنثور 1 : 120 .
[112]
سبعا " وصلى خلف المقام ركعتين ثم أقبل منقلبا فعرض له شاب من بني سهم فقتله فثارت
بمكة غبرة حتى لم تبصر لها الجبال ، قال أبوالطفيل : وبلغنا أنه إنما تثور تلك
الغبرة عن موت عظيم ( 1 ) من الجن ، قال : فأصبح من بني سهم على فرشهم موتى كثير من
قتلى الجن فكان فيهم سبعون شيخا أصلع سوى الشباب ( 2 ) .
77 وعن ابن مسعود قال : خرج رجل من الانس فلقيه رجل من الجن فقال :
هل لك أن تصارعني ؟ فان صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخله
شيطان ، فصارعه فصرعه الانسي ، فقال : تقرأ آية الكرسي ، فانه لا يقرأها أحد إذا
دخل بيته إلا خرج الشيطان له خبج كخبج الحمار ( 3 ) .
78 وعن معاذ بن جبل ( 4 ) قال : ضم إلي رسول الله صلى الله عليه وآله تمر الصدقة
فجعلته في غرفة لي فكنت أجد فيه كل يوم نقصانا فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال لي : هو عمل الشيطان فارصده ، فرصدته ليلا ، فلما ذهب هوي من الليل أقبل
على صورة الفيل فلما انتهى إلى الباب دخل من خلل الباب على غير صورته فدنا من
التمر فجعل يلتقمه ، فشددت على ثيابي فتوسطته فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن
محمدا عبده ورسوله ، يا عدو الله وثبت إلى تمر الصدقة فاخذته وكانوا أحق به منك
لارفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فيفضحك ، فعاهدني أن لايعود .
فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ما فعل أسيرك ؟ فقلت : عاهدني أن لا يعود ؟
فقال : إنه عائد فارصده ، فرصدته الليلة الثانية ففعل مثل ذلك ( 5 ) فعاهدني أن لا يعود
( هامش 112 ) ( 1 ) في المصدر : عند موت .
( 2 ) الدر المنثور 1 : 120 .
( 3 ) الدر المنثور 1 : 323 فيه : اخرج ابوعبيد في فضائله والدارمى والطبرانى و
ابونعيم في دلائل النبوة والبيهقى عن ابن مسعود .
( 4 ) في المصدر : اخرج ابن ابى الدنيا في مكائد الشيطان ومحمد بن نصر والطبرانى
والحاكم وابونعيم والبيهقى كلاهما في الدلائل عن معاذ بن جبل .
( 5 ) في المصدر : فصنع مثل ذلك وصنعت مثل ذلك فعاهدنى .
[113]
فخليت سبيله ، ثم غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته فقال : إنه عائد فارصده ، فرصدته
الليلة الثالثة فصنع مثل ذلك وصنعت مثل ذلك فقلت : يا عدو الله عاهدتني مرتين
وهذه الثالثة .
فقال : إني ذو عيال وما أتيتك إلا من نصيبين ولو أصبت شيئا " دونه ما أتيتك
ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بعث صاحبكم فلما نزلت عليه آيتان نفرنا ( 1 ) منها
فوقعنا بنصيبين ، ولا يقرأن في بيت إلا لم يلج فيها شيطان ثلاثا ، فان خليت سبيلي
علمتكهما ، قلت : نعم ، قال : آية الكرسي وآخر سورة البقرة : " آمن الرسول " إلى
آخرها ، فخليت سبيله ، قم غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بما قال ، فقال : صدق
الخبيث وهو كذوب ، قال : فكنت أقرأهما عليه بعد ذلك فلا أجد فيه نقصانا " ( 2 ) .
79 وعن ابن عباس ( 3 ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله نازلا " على أبي أيوب
في غرفة وكان طعامه في سلة في المخدع ، فكانت تجئ من الكوة كهيئة السنور تأخذ
الطعام من السلة ، فشكى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : تلك الغول ، فاذا جاءت فقل :
" عزم عليك رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا تبرحي " فجاءت فقال لها أبوأيوب : " عزم عليك
رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا تبرحي " فقالت : يا أبا أيوب دعني هذه المرة فو الله لا أعود ،
فتركها .
ثم قالت : هل لك أن اعلمك كلمات إذا قلتهن لايقرب بيتك شيطان تلك
الليلة وذلك اليوم ومن الغد ؟ قلت : نعم ، قالت : اقرأ آية الكرسي ، فأتى رسول الله
صلى الله عليه وآله فأخبره فقال : صدقت وهي كذوب ( 4 ) .
80 وعن حمزة الزيات ( 5 ) قال : خرجت ذات ليلة اريد الكوفة فآواني
( هامش 113 ) ( 1 ) في المصدر : انفرتنا منها .
( 2 ) الدر المنثور 1 : 324 .
( 3 ) في المصدر : اخرج الحاكم عن ابن عباس .
( 4 ) الدر المنثور 1 : 325 ، وذكر فيه حكايات أخر .
( 5 ) في المصدر : اخرج ابوالشيخ في العظمة عن حمزة .
[114]
الليل إلى خرابة فدخلتها فبينما ، أنا فيها إذ دخل علي عفريتان من الجن فقال أحدهما
لصاحبه : هذا حمزة بن حبيب الزيات الذي يقرئ الناس بالكوفة ، قال : نعم والله
لاقتلنه ، قال : دعه المسكين يعيش ، قال : لاقتلنه ، فلما أزمع على قتلي قلت :
" بسم الله الرحمن الرحيم شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة " إلى قوله : " العزيز
الحكيم وأنا على ذلك من الشاهدين " فقال له صاحبه : دونك الآن فاحفظه راغما " إلى
لصباح ( 1 ) .
81 وعن ابن عباس قال : الخلق أربعة : فخلق في الجنة كلهم ، وخلق في
النار كلهم ، وخلقان في الجنة والنار ، فأما الذين في الجنة كلهم فالملائكة ، وأما
الذين في النار كلهم فالشياطين ، وأما الذين في الجنة والنار فالجن والانس لهم
الثواب وعليهم العقاب ( 2 ) .
82 وعن أبي ثعلبة ( 3 ) ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : الجن ثلاثة أصناف :
صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون ( 4 )
83 وعن وهب ( 5 ) أنه سئل عن الجن هل يأكلون ويشربون ، أو يموتون
أو يتناكحون ؟ قال : هم أجناس ، أما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون
ولا يموتون ولا يتوالدون .
ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون وهي هذه التي منها
( هامش 114 ) ( 1 ) الدر المنثور 2 : 12 .
( 2 ) الدر المنثور 3 : 46 فيه : اخرج ابوالشيخ عن ابن عباس .
( 3 ) في المصدر : واخرج الحكيم الترمذى في نوادر الاصول وابن ابى حاتم وابو
الشيخ والطبرانى والحاكم واللالكانى في السنة والبيهقى في الاسماء والصفات عن ابى ثعلبة
الخشنى .
( 4 ) الدر المنثور 3 : 46 .
( 5 ) في المصدر : اخرج ابن جرير عن وهب ابن منبه . وفيه : ويموتون
ويتناكحون فقال .
[115]
السعالى والغول وأشباه ذلك ( 1 ) .
84 وعن يزيد بن جابر قال : ما من أهل بيت من المسلمين إلا وفي سقف
بيتهم أهل بيت من الجن من المسلمين ، إذا وضع غداؤهم نزلوا وتغدوا ، وإذا وضع
عشآؤهم نزلوا فتعشوا معهم ( 2 ) .
85 وعن عكرمة بن خالد قال : بينما أنا ليلة في جوف الليل عند زمزم
جالس إذا نفز يطوفون عليهم ثياب بيض لم أر بياض ثيابهم بشئ قط ، فلما فرغوا
صلوا قريبا مني ، فالتفت بعضهم فقال لاصحابه : اذهبوا بنا نشرب من شراب الابرار
فقاموا فدخلوا زمزم فقلت : والله لو دخلت على القوم فسألتهم ، فقمت فدخلت فاذا
ليس فيها أحد من البشر ( 3 ) .
86 وعن الزبير في قوله تعالى : " وإذ صرفنا إليك نفرا " من الجن يستمعون
القرآن " قال : بنخلة رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي العشآء الآخرة كادوا يكونون عليه
لبدا " .
87 وعن ابن مسعود قال : هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وهو يقرأ القرآن ببطن
نخلة ، فلما سمعوه قالوا : " أنصتوا ( 4 ) " وكانوا تسعة أحدهم زوبعة فأنزل الله " وإذ
صرفنا إليك نفرا " الآية ( 5 ) .
88 وعن ابن عباس قال : كانوا تسعة نفر من أهل يصيبين فجعلهم رسول الله
( هامش 115 ) ( 1 ) الدر المنثور 3 : 47 .
( 2 ) الدر المنثور 3 : 47 فيه : اخرج ابوالشيخ عن يزيد بن جابر . أقول :
يوجد فيه حكايات أخر .
( 3 ) الدر المنثور 6 : 46 فيه : اخرج احمد وابن ابى حاتم وابن مردويه عن الزبير .
( 4 ) في المصدر : قالوا : انصتوا قالوا : صه .
( 5 ) الدر المنثور 6 : 44 : فيه اخرج ابن ابى شيبه وابن منيع والحاكم وصححه
وابن مردويه وابونعيم والبيهقى معافى الدلائل عن ابن مسعود .
[116]
صلى الله عليه وآله رسلا إلى قومهم ( 1 ) .
89 وعنه أيضا قال : صرفت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مرتين وكانوا أشراف
الجن بنصيبين ( 2 ) .
90 وعن ابن مسعود أنه سئل أين قرأ رسول الله على الجن ؟ قال : قرأ عليهم
بشعب يقال له : الحجون ( 3 ) .
91 وعن عكرمة قال : كانوا اثني عشر ألفا جآؤا من جزيرة الموصل ( 4 ) .
92 وعن صفوان بن المعطل قال : خرجنا حجاجا فلما كان بالعرج إذا نحن
بحية تضطرب ، فما لبثت أن ماتت فلفها رجل في خرقة فدفنها ، ثم قدمنا مكة فانا
لبالمسجد الحرام إذ وقف علينا شخص فقال : أيكم صاحب عمرو ؟ قلنا : ما نعرف
عمرا ، قال : أيكم صاحب الجان ؟ قالوا : هذا ، قال : أما إنه آخر التسعة موتا
الذين أتوا رسول الله يستمعون القرآن ( 5 ) .
93 وعن كعب الاحبار قال : لما انصرف النفر التسعة من أهل نصيبين من
بطن نخلة ( 6 ) جاؤا قومهم منذرين ، فخرجوا بعد وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهم
( هامش 116 ) ( 1 ) الدر المنثور 6 : 44 فيه : اخرج ابن جرير والطبرانى وابن مردويه عن ابن
عباس واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن الاية قال .
( 2 ) الدر المنثور 6 : 44 فيه : واخرج الطبرانى في الاوسط وابن مردويه عن
ابن عباس .
( 3 ) الدر المنثور 6 : 44 فيه : اخرج ابن مردويه والبيهقى في الدلائل عن
ابن مسعود .
( 4 ) الدر المنثور 6 : 45 فيه : اخراج ابن ابى حاتم عن عكرمة في قوله : واذ
صرفنا اليك نفرا من الجن قال .
( 5 ) الدر المنثور 6 : 45 فيه : اخرج الطبرانى والحاكم وابن مردويه عن صفوان
ابن المعطل .
( 6 ) في المصدر ؟ وهم فلان وفلان وفلان والاردوانيان والاحقب .
[117]
ثلاثمائة فانتهوا إلى الحجون فجاء الاخضب ( 1 ) فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : إن
قومنا قد حضروا الحجون يلقوك ، فواعده رسول الله لساعة من الليل بالحجون ( 2 ) .
94 وعن جابر بن عبدالله قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله على أصحابه فقرأ
عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا ، فقال : ما لي أراكم سكوتا ؟ لقد
قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم ، كلما أتيت على قوله :
" فبأي آلاء ربكما تكذبان " فقالوا : ولا بشئ من نعمك ربنا نكذب فلك
الحمد ( 3 ) .
وعن ابن عمر أيضا مثله ( 4 ) .
95 وعن عبدالملك قال : لم تحرس الجن في الفترة بين عيسى ومحمد ، فلما
بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله حرست السماء الدنيا ورميت الجن بالشهاب واجتمعت إلى إبليس
فقال : لقد حدث في الارض حدث ، فتعرفوا فأخبرونا ما هذا الحدث ، فبعث هؤلاء
النفر إلي تهامة وإلى جانب اليمن وهم أشراف الجن وسادتهم فوجدوا النبي صلى الله عليه وآله يصلي
صلاة الغداة بنخلة ، فسمعوه يتلوا القرآن ، فلما حضروه قالوا : " أنصتوا ، فلما قضى "
يعني بذلك أنه فرغ من صلاة الصبح " ولوا إلى قومهم منذرين " مؤمنين لم يشعربهم
حتى نزل : " قل اوحي إلي أنه استمع نفر من الجن " يقال : سبعة من أهل نصيبين ( 5 ) .
( هامش 117 ) ( 1 ) في المصدر : " فجاء الاحقب " وفيه : يلقونك .
( 2 ) الدر المنثور 6 : 45 فيه : " اخرج الواقدى وابونعيم عن كعب " أقول :
يوجد فيه حكايات اخر لم يذكرها المصنف .
( 3 ) الدر المنثور 6 : 140 فيه : اخرج الترمذى وابن المنذر وابوالشيخ في
العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى في الدلائل عن جابر بن عبدالله .
( 4 ) الدر المنثور 6 : 140 فيه : اخرج البزاز وابن جرير وابن المنذر والدار
قطنى في الافراد وابن مردويه والخطيب في تاريخه بسند صحيح عن ابن عمر . وفيه :
لا بشئ من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد .
( 5 ) الدر المنثور 6 : 270 فيه : اخرج ابن المنذر عن عبدالملك
[118]
96 وعن سهل بن عبدالله قال : كنت في ناحية ديار عاد إذ رأيت مدينة من حجر
منقور في وسطها قصر من حجارة تأويه الجن ، فدخلت فاذا شيخ عظيم الخلق يصلي
نحو الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة ، فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبي من
طراوة جبته ، فسلمت عليه فرد علي السلام ، وقال : يا سهل إن الابدان لا تخلق الثياب
وإنما تخلقها روائح الذنوب ومطاعم السحت ، وإن هذه الجبة علي منذ سبعمائة سنة
لقيت بها عيسى ومحمدا صلى الله عليه وآله فآمنت بهما ، فقلت له : ومن أنت ؟ قال : أنا من الذين
نزلت فيهم : " قل اوحي إليي أنه استمع نفر من الجن " ( 1 ) .
97 وعن عبدالله بن مسعود في قوله : " قل اوحى إلي أنه استمع نفر من الجن "
قال : كانوا من جن نصيبين ( 2 ) .
98 وعن كردم ابن أبي السسائب الانصاري قال : خرجت مع أبي إلى المدينة
في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة ، فآويت إلى راعي غنم ( 3 ) فلما
انتصف الليل جآء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال : يا عامر الوادي جارك ( 4 )
فنادى منادلا نراه : ياسرحان أرسل ، فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم ، وأنزل
الله على رسوله بمكة " وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن " الآية ( 5 ) .
99 وعن ابن عباس أن رجلا من بني تميم كان جريا على الليل والرمال ( 6 )
( هامش 118 ) ( 1 ) الدر المنثور 6 : 270 فيه : اخرج ابن الجوزى في كتاب صفوة الصفوة بسنده عن
سهل .
( 2 ) الدر المنثور 6 : 270 قد سقط الحديث من المطبوع وبقى قوله : قال : كانوا
من جن نصيبين .
( 3 ) في المصدر : فآوانا المبيت إلى راعى غنم .
( 4 ) في المصدر : انا جار دارك . وفيه : ارسله .
( 5 ) الدر المنثور 6 : 271 فيه اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم والعقيلى في الضعفاء
والطبرانى وابوالشيخ في العظمة وابن عساكر عن كردم .
( 6 ) في المصدر [ جريئا على الليل والرجال ] أقول : لعل الصحيح : الرجال .
[119]
وأنه سار ليلة فنزل في أرض مجنة فاستوحش فعقل راحلته ثم توسد ذراعها وقال :
" أعوذ بأعز أهل هذا الوادي ( 1 ) من شر أهله " فأجاره شيخ منهم وكان فيهم شاب وكان
سيدا في الجن فغضب الشاب لما أجاره الشيخ ، فأخذ حربة له قد سقاها السم لينحر بها
ناقة الرجل ، فتلقاه الشيخ دون الناقة ، فقال :
يا مالك بن مهلهل مهلا * فذلك محجري وإزاري
عن ناقة الانسان لا تعرض لها * فاكفف يمينك راشدا عن جاري ( 2 )
تسعى إليه بحربة مسمومة * اف لقربك يا أبا القيطار ( 3 )
وأنشد أبياتا أخر في ذلك ، فقال الفتى :
أردت أن تعلو وتخفض ذكرنا * في غير مرزية أبا الغيراري ( 4 )
متنحلا أمرا لغير فضيلة * فارحل فان المجد للمراري ( 5 )
من كان منكم سيدا في ما مضى * إن الخيارهم بنو الاخيار
فاقصد لقصدك يا معيكر إنما * كان المجير مهلهل بن دياري
فقال الشيخ : صدقت كان أبوك سيدنا وأفضلنا ، دع هذا الرجل لا أنازعك بعده
أحدا ، فتركه فأتى الرجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وقص عليه القصة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
إذا أصاب أحدا منكم وحشة أو نزل بأرض مجنة فليقل : " أعوذ بكلمات الله التامات


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 119 سطر 16 الى ص 127 سطر 16

( هامش 119 ) ( 1 ) في المصدر : ذراعيها ، وقال : اعوذ بسيد هذا الوادى .
( 2 ) في المصدر هكذا :
عن ناقة الانسان لا تعرض لها * واختر اذا ورد المها اثوارى
انى ضمنت له سلامة رحله * فاكفف يمينك راشدا عن جارى
ولقد اتيت إلى مالم احتسب * الارعيت قرابتى وجوارى
( 3 ) ذكر في المصدر بيتا آخر هو :
لولا الحياء وان اهلك جيرة * لنمزقنك بقوة اظفارى
( 4 ) في المصدر : أتريد . وفيه : أبا العيزار .
( 5 ) في المصدر : للمرار . فيه : بنو الاخيار وفيه : مهلهل بن وبار .
[120]
التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السمآء
وما يعرج فيها ومن فتن الليل ومن طوارق النهار إلا طارقا يطرق بخير " فأنزل الله في
ذلك : " وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " .
قال أبونصر : غريب جدا لم نكتبه إلا من هذا الوجه ( 1 ) .
100 وعن سعيد بن جبير أن رجلا من بني تميم يقال له : رافع بن عمير
حدث عن بدء إسلامه قال : إني لاسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبني النوم فنزلت عن
راحلتي وأنختها ونمت وقد تعوذت قبل نومي ، وقلت : " أعوذ بعظيم هذا الوادي
من الجن " فرأيت في منامى رجلا بيده حربة يريد أن يضعها في نحر ناقتي ، فانتبهت
فزعا فالتفت يمينا وشمالا فلم أرشيئا ، فقلت : هذا حلم ، ثم عدت فغفوت ( 2 ) فرأيت
مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتي فلم أرشيئا ، فاذا ناقتي ترعد ، ثم غفوت فرأيت
مثل ذلك .
فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب ، والتفت فاذا برجل شاب كالذي رأيته في المنام
بيده حربة ، ورجل شيخ ممسك بيده يرده عنها ، فبينما هما يتنازعان إذا طلعت ثلاثة
أثوار من الوحش ، فقال الشيخ للفتى : قم فخذ أيها شئت فداء لناقة جاري الانسي
فقام الفتى فأخذ منها ثورا ( 3 ) وانصرف ، ثم التفت إلي الشيخ وقال : يا هذا إذا نزلت
واديا من الاودية فخفت هوله فقل : " أعوذ بالله رب محمد صلى الله عليه وآله من هول هذا الوادي "
ولا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها ، فقلت له : ومن محمد هذا ؟ قال : نبي عربي
لا شرقي ولا غربي بعث يوم الاثنين ، قلت : أين مسكنه ؟ قال : يثرب ذات النخل .
فركبت راحلتي حين ترقى لى الصبح ( 4 ) ، وجددت السير حتى أتيت المدينة
( هامش 120 ) ( 1 ) الدر المنثور 6 : 271 فيه : اخرج ابونصر السجزى في الابانة من طريق
مجاهد عن ابن عباس .
( 2 " ) غفا يغفو : نعس . نام نومة خفيفة .
( 3 ) في المصدر : ثورا عظيما .
( 4 ) في المخطوطة : [ حين ترقى لى الصبح ] وفى المصدر : حين برق الصبح .
[121]
فرآني رسول الله صلى الله عليه وآله فحدثني بالحديث قبل أن أذكر له منه شيئا ، ودعاني إلى الاسلام
فأسلمت ، قال سعيد بن جبير : وكنا نرى أنه هو الذي أنزل الله فيه " وأنه كان رجال
من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " ( 1 ) .
101 وعن ابن عباس في قوله : " وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال
من الجن " قال : كان رجال من الانس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول :
أعوذ بعزيز هذا الوادي " فزادوهم رهقا ( 2 ) .
102 وعن الحسن في قوله : " وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من
الجن " قال : كان أحدهم فاذا نزل الوادي قال : " أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر
سفهاء قومه " فيأمن في نفسه يومه وليلته ( 3 ) .
103 وعن ربيع بن أنس : " وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من
الجن فزادوهم رهقا " قال : كانوا يقولون : فلان رب هذا لوادي من الجن ، فكان أحدهم
إذا دخل ذلك الوادي يعوذ برب الوادي من دون الله فيزيده بذلك رهقا ، أي
خوفا ( 4 ) .
104 وعن ابن عباس قال : كانت الشياطين لهم مقاعد في السماء يسمعون فيها
الوحي ، فاذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا ، فأما الكلمة فتكون حقا ، وأما ما زاد
فيكون باطلا ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله منعوا مقاعدهم فذكروا ذلك لابليس ولم تكن
النجوم يرمى بها قبل ذلك فقال لهم : ما هذا إلا من أمر ( 5 ) حدث في الارض ، فبعث
( هامش 121 ) ( 1 ) الدر المنثور 6 : 272 فيه : اخرج الخرائطى في كتاب الهواتف عن سعيد
ابن جبير .
( 2 ) الدر المنثور 6 : 272 فيه : اخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس .
( 3 ) الدر المنثور 6 : 272 فيه : اخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن
وفيه : اذا نزل .
( 4 ) الدر المنثور 6 : 272 فيه : اخرج عبد بن حميد عن الربيع بن انس .
( 5 ) في المصدر : ما هذا الامر الا لامر حدث .
[122]
جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وآله قائما يصلي بين جبلين بمكة ( 1 ) فأتوه فأخبروه ، فقال :
هذا الحدث الذي حدث في الارض ( 2 )
105 وعن ابن عباس قال : لم يكن السماء الدنيا تحرس في الفترة بين عيسى
ومحمد صلى الله عليه وآله ، وكانوا يقعدون منها مقاعد للسمع ، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله حرست
السماء الدنيا حرسا شديدا ورجمت الشياطين فأنكروا ذلك فقالوا : " لا ندري أشر اريد
بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا " .
فقال إبليس : لقد حدث في الارض حدث فاجتمعت إليه الجن فقال : تفرقوا
في الارض فأخبروني ما هذا الحدث الذي حدث في السماء ، وكان أول بعث بعث
ركب من أهل نصيبين وهم أشراف الجن وسادتهم فبعثهم إلى تهامة فاندفعوا حتى ( 3 )
تلقوا الوادي وادي نخلة ، فوجدوا نبي الله صلى الله عليه وآله يصلي صلاة الغداة ببطن نخلة
فاستمعوا ، فلما سمعوه يتلو القرآن قالوا : " أنصتوا " ولم يكن نبي الله صلى الله عليه وآله يعلم
أنهم استمعوا له وهو يقرأ القرآن " فلما قضي " يقول : فلما فرغ من الصلاة " ولوا
إلى قومهم منذرين " يقول : مؤمنين ( 4 ) .
106 وعن ابن عمر قال : لما كان اليوم الذى تنبأ فيه رسول الله صلى الله عليه وآله منعت
الشياطين من السماء ورموا بالشهب ( 5 ) .
107 وعن ابن عباس قال : كانت الجن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وآله يستمعون
( هامش 122 ) ( 1 ) في المصدر : بين جبلى نخلة .
( 2 ) الدر المنثور 6 : 273 فيه : اخرج ابن ابى شيبة واحمد وعبد بن حميد
والترمذى وصححه والنسائى وابن جرير والطبرانى وابن مردويه وابونعيم والبيهقى
معا في دلائل النبوة عن ابن عباس .
( 3 ) في المصدر : حتى بلغوا .
( 4 ) الدر المنثور 6 : 273 فيه : اخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقى في
الدلائل عن ابن عباس قال : لم تكن .
( 5 ) الدر المنثور : 6 : 273 فيه : اخرج الواقدى وابونعيم في الدلائل عن ابن عمرو .
[123]
من السماء ، فلما بعث حرست فلم يستطيعوا أن يستمعوا فجاؤا إلى قومهم يقول للذين ( 1 )
لم يستمعوا فقالوا : " إنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا " وهم الملائكة
" وشهبا " وهي الكواكب " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد
له شهابا رصدا " يقول : نجما قد أرصد له يرمى به ، قال : فلما رموا بالنجوم قالوا
لقومهم : " أنا لا ندري أشر اريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا " ( 2 ) .
108 وعن الاعمش قال : قالت الجن : يا رسول الله أتأذن لنا فنشهد معك
الصلوات في مسجدك ؟ فأنزل الله : " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " يقول :
صلوا لا تخالطوا الناس ( 3 ) .
109 وعن سعيد بن جبير قال : قالت الجن للني صلى الله عليه وآله : كيف لنا أن نأتي
المسجد ونحن ناؤن عنك ؟ وكيف نشهد الصلاة ونحن ناؤن عنك ؟ فنزلت : " وأن
المساجد لله " الآيه ( 4 ) .
110 وعن ابن مسعود قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الهجرة إلى نواحى
مكة فخط لي خطا وقال : لا تحدثن شيئا حتى آتيك ثم قال : لا يهولنك شئ
تراه فتقدم شيئا ثم جلس فاذا رجال سود كأنهم رجال الزط وكانوا كما قال الله : " كادوا
يكونون عليه لبدا " ( 5 ) .
111 وعن ابن عباس في قوله : " وانه لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون
عليه لبدا " قال : لما سمعوا النبي صلى الله عليه وآله يتلوا القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما
سمعوه ، ( 6 ) فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرأ : " قل اوحي إلي أنه استمع
( هامش 123 ) ( 1 ) في المصدر : يقولون .
( 2 ) الدر المنثور 6 : 273 فيه : اخرج ابن مردويه عن ابن عباس .
( 3 ) الدر المنثور 6 : 274 فيه : اخرج ابن ابى حاتم عن الاعمش .
( 4 ) الدر المنثور 6 : 274 فيه : اخرج ابن جرير عن سعيد . وفيه : او كيف .
( 5 ) الدر المنثور 6 : 274 فيه : اخرج ابونعيم في الدلائل عن ابن مسعود .
( 6 ) في المصدر : لما سمعوه يتلو القرآن ودنوا منه فلم يعلم .
[124]
نفر من الجن " ( 1 ) .
112 وعن ابن عباس في قوله : " وأنه لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون
عليه لبدا " قال : لما أتى الجن على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي بأصحابه يركعون
بركوعه ويسجدون بسجوده فعجبوا من طواعية أصحابه له ، فقالوا لقومهم : لما قام
عبدالله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ( 2 ) .
113 وعن ابن مسعود قال : انطلقت مع النبي صلى الله عليه وآله ليلة الجن حتى أتى
الحجون فخط علي خطا ثم تقدم إليهم فازدادوا عليه ( 3 ) ، فقال سيدهم يقال له :
وردان : ألا أرحلهم عنك يا رسول الله ؟ فقال : إنه لن يجيرني من الله أحدا ( 4 ) .
بيان : قال الفيروز آبادي : الايم ككيس ، الحية الابيض اللطيف ، أو عام
كالايم بالكسر ، وقال : اشرأب إليه : مد عنقه لينظر أو ارتفع ، وقال : كوم التراب
تكويما : جعله كومة كومة ، بالضم : أي قطعة قطعة ورفع رأسها ، وقال في النهاية :
في حديث عمر : إذا اقيمت الصلاة ولى الشيطان وله خبج ، " الخبج " بالتحريك :
الضراط ، ويروى بالحاء المهملة ، وفي حديث آخر : من قرأ آية الكرسي خرج
الشيشطان وله خبج كخبج الحمار .
وقال : الهوي بالفتح : الحين الطويل من الزمان ، وقيل : هو مختص بالليل
" فتوسطته " أي دخلت وقمت وسط البيت ، وفي النهاية : المخدع هو البيت الصغير
الذي يكون داخل البيت الكبير وتضم ميمه وتفتح .
( هامش 124 ) ( 1 ) الدر المنثور 6 : 275 فيه : اخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس .
( 2 ) الدر المنثور 6 : 275 فيه : اخرج عبد بن حميد والترمذى والحاكم وصححاه
وابن جرير وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس .
( 3 ) في المصدر : فازد حموا عليه .
( 4 ) الدر المنثور 6 : 275 فيه : اخرج ابن مردويه والبيهقى في الدلائل عن ابن
مسعود . اقول : وقد ذكر فيه حكايات وروايات كثيرة لم يذكرها المصنف .
[125]
وقال : فيه لا غول ولا صفر ولكن السعالى ، هي جمع سعلاة وهم سحرة الجن
أي أن الغول لا تقدر على أن تغول أحدا أو تضله ، ولكن في الجن سحرة كسحرة
الانس لهم تلبيس وتخييل ، وفي القاموس : الزوبعة " اسم شيطان أو رئيس للجن ، و
منه سمي الاعصار زوبعة ، وقال : " الحجون " جبل بمعلاة مكة .
114 حياة الحيوان : روى البيهقي في دلائل النبوة عن أبي دجانة واسمه
سماك بن خرشة قال : شكوت إلى النبي صلى الله عليه وآله أني نمت في فراشي فسمعت صريرا
كصرير الرحا ، ودويا كدوي النحل ، ولمعانا كلمع البرق ، فرفعت رأسي فاذا أنا بظل
أسود يعلو ويطول بصحن داري ، فمسست جلده فاذا هو كجلد القنفذ فرمى في وجهي
مثل شرر النار ، فقال صلى الله عليه وآله : عامر دارك يا أبا دجانة ، ثم طلب دواة وقرطاسا ، وأمر
عليا على السلام أن يكتب " بسم الله الرحمن الرحيم .
هذا كتاب من رسول رب العالمين إلى من طرق الدار ( 1 ) من العمار والزوار إلا
طارقا يطرق بخير ، أما بعد : فان لنا ولكم في الحق سعة فان يكن عاشقا مولعا أو
فاجر مقتحما فهذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم
تعملون ، إن رسلنا ( 2 ) يكتبون ما يمكرون ، اتركوا صاحب كتابي هذا وانطلقوا إلى
عبدة الاصنام وإلى من يزعم أن مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا
وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون ، حم لا يبصرون ، حمعسق ، تفرق أعداء الله ، وبلغت
حجة الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فسيكفيكهم الله وهو السميع
العليم " .
قال أبودجانة : فأخذت الكتاب وأدرجته وحملته إلى داري وجعلته تحت رأسي
فبت ليلتي فما انتبهت إلا من صراخ صارخ يقول : يا أبا دجانة أحرقتنا بهذه الكلمات
فبحق صاحبك إلا ما رفعت عنا هذا الكتاب ، فلا عود لنا في دارك ولا في جوارك ولا
( هامش 125 ) ( 1 ) في المصدر : يطرق .
( 2 ) في المصدر : ورسلنا .
[126]
في موضع يكون فيه هذا الكتاب ، قال أبودجانة : ( 1 ) لا أرفعه حتى أستأذن رسول الله
صلى الله عليه وآله .
قال أبودجانة : ولقد طالت علي ليلتي مما سمعت من أنين الجن وصراخهم
وبكائهم حتى أصبحت ، فغدوت فصليت الصبح مع رسول الله وأخبرته بما سمعت من
الجن ليلتي وما قلت لهم ، فقال : يا أبا دجانة ارفع عن القوم ، فو الذي بعثني بالحق
نبيا إنهم ليجدون ألم العذاب إلى يوم القيامة ، ورواه الوابلي الحافظ في كتاب الابانة
والقرطبي في كتاب التذكرة ( 2 ) .
15 الفردوس : عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا رأيت حية في الطريق فاقتلها فاني قد شرطت على الجن أن لا يظهروا في صورة
الحيات ، فمن ظهر ظهر فقد أحل بنفسه ( 3 ) .
بيان : قال في النهاية : فيه أحل بمن أحل بك ، أي من ترك إحرامه وأحل
بك فقاتلك فاحلل أنت أيضا به وقاتله ، وقيل : معناه إذا أحل رجل ما حرم الله عليه
منك فادفعه أنت من نفسك بما قدرت عليه ، وفي كتاب أبي عبيد عن النخعي في المحرم
يعدو عليه السبع أو اللص أحل بمن أحل بك ، وفيه أنت محل بقومك ، أي أنك
قد أبحت حريمهم وعرضتهم للهلاك .
116 وأقول : مما يناسب ذلك ويؤيده ما ذكره شارح ديوان أمير المؤمنين
في فواتحه حيث قال : نقل أستادنا العلامة مولانا جلال الدين محمد الدواني ، عن الشيخ
العالم العامل النقي الكامل السيد صفي الدين عبد الرحمن الايجي أنه قال : ذكر لي
الفاضل العالم المتقي شيخ ابوبكر ، عن الشيخ برهان الدين الموصلي ، وهو رجل
( هامش 126 ) ( 1 ) في المصدر : فقلت : والله لا أرفعه .
( 2 ) حياة الحيوان : في القنفذ . وفيه : قال البيهقى : وقد ورد في حرزابى دجانة
حديث طويل غير هذا موضع لا تحل روايته ، وهذا الذى رواه البيهقى رواه الديلمى الحافظ
( 3 ) فردوس الاخبار : لم يطبع وليست عندى نسخته .
[127]
عالم فاضل صالح ورع ، أنا توجهنا من مصر إلى مكة نريد الحج فنزلنا منزلا وخرج
علينا ثعبان فثار الناس إلى قتله ، فقتله ابن عمي : فاختطف ونحن نرى سعيه وتبادر
الناس على الخيل والركاب يريدون رده فلم يقدروا على ذلك ، فحصل لنا من ذلك
أمر عظيم .
فلما كان آخر النهار جاء وعليه السكينة والوقار فسألناه ما شأنك ؟ فقال : ما
هو إلا أن قتلت هذاالثعبان الذي رأيتموه فصنع بي ما رأيتم ، وإذا أنا بين قوم من
الجن يقول بعضهم : قتلت أبي ، وبعضهم قتلت أخي ، وبعضهم قتلت ابن عمي ، فتكاثروا
علي وإذا رجل لصق بي وقال لي : قل : أنا أرضى بالله وبالشريعة المحمدية ، فقلت :
ذلك ، فأشار إليهم : أن سيروا إلى الشرع .
فسرنا حتى وصلنا إلى شيخ كبير على مصطبة ، فلما صرنا بين يديه قال : خلوا
سبيله وادعوا عليه ، فقال الاولاد : ندعي عليه أنه قتل أبانا ، فقلت : حاش لله إنا
نحن وفد بيت الله الحرام نزلنا هذا المنزل فخرج علينا ثعبان فتبادر الناس إلى قتله
فضربته فقتلته ، فلما سمع الشيخ مقالتي قال : خلوا سبيله ، سمعت ببطن نخلة عن
النبي صلى الله عليه وآله : من تزيى بغير زيه فقتل فلادية ولا قود انتهى .
وأقول : أخبرني والدي قدس سره ، عن الشيخ الاجل البهي الشيخ بهاء الدين
محمد العاملي روح الله روحه ، عن المولى الفاضل جمال الدين محمود رحمه الله ، عن استاده


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 127 سطر 17 الى ص 135 سطر 17

العلامة الدواني ، عن بعض أصحابه أنه جرى عليه تلك الواقعة إلا أنه قال : ذهبت
إلى الخلاء فظهرت لي حية فقتلتها فاجتمع علي جم غفير وأخذوني وذهبوا إلى
ملكهم وهو جالس على كرسي وادعوا علي قتل والدهم وولدهم وقريبهم كما مر
فسألني عن ديني فقلت : أنا من أهل الاسلام فقال : اذهبوا به إلى ملك المسلمين فليس
لي أن أقضي عليهم بعهد من رسول الله .
فذهبوا بي إلى شيخ أبيض الرأس واللحية جالس على سرير ، وقعت حاجباه على
عينيه فرفعهما ، ولما قصصنا عليه القصة قال : اذهبوا به إلى المكان الذي أخذتموه منه
[128]
وخلوا سبيله ، فاني سمعت رسول الله قال : من تزيي بغير زيه فدمه هدر ، فجاؤا بي
إلى هذا المكان وخلوا سبيلي ( 1 ) .
117 وأقول : وجدت في كتاب أخبار الجن للشيخ مسلم بن محمود من قدماء
المخالفين روى باسناده عن دعبل بن علي الخزاعي قال : هربت من الخليفة المعتصم
فبت ليلة بنيسابور وحدي وعزمت على أن أعمل قصيدة في عبدالله بن طاهر في تلك
الليلة ، وإني لفي ذلك إذ سمعت والباب مردود علي : السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته ألج ، يرحمك الله ، فاقشعر بدني من ذلك ونالني أمر عظيم ، فقال : لا ترع
عافاك الله فاني رجل من الجن إخوانك ثم من ساكني اليمن ، طرا إلينا طار من أهل
العراق وأنشدنا قصيدتك وأحببت أن أسمعها منك فأنشدته .
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
اناس علي الخير منهم وجعفر * وحمزة والسجاد ذو الثفنات
إذا فخروا يوما أتوا بمحمد * وجبريل والفرقان والسورات
فأنشدته إلى آخرها ، فبكى حتى خر مغشيا عليه ثم قال : رحمك الله ألا
احدثك حديثا يزيد في نيتك ويعينك على التمسك بمذهبك ؟ قلت : بلى قال : مكثت
حينا أسمع بذكر جعفر بن محمد صلى الله عليه وآله فصرت إلى المدينة فسمعته يقول : حدثني
أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : علي وأهل بيته الفائزون ، ثم ودعني
لينصرف فقلت : رحمك الله إن رأيت أن تخبرني باسمك ، قال : أنا ظبيان بن عامر .
118 ومنه : عن المفضل قال : ركبنا في بحر الخزر حتى إذا كنا غير بعيد
لجج مركبنا وساقته الشمال شهرا في اللجة ثم انكسر بنا فوقعت أنا ورجل من قريش
إلى جزيرة من جزائر البحر ليس بها أنيس ، فجعلنا نطمع في الحياة وأشرفنا على هوة
فاذا بشيخ مستند إلى شجرة عظيمة ، فلما رآنا تحسحس وأناف إلينا ففزعنا منه فدنونا
فقلنا : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فآنسنا به وجلسنا إليه فقال : ما خطبكما ؟
( هامش 128 ) ( 1 ) شرح ديوان : ليست عندى نسخته
[129]
فأخبرناه ، فضحك وقال : ما وطئ هذه الارض من ولد آدم قط أحد إلا أنتما ، فمن
أنتما ؟ قلنا : من العرب ، فقال : بأبي وامي العرب ، فمن أيها أنتما ، فقلت : أما أنا
فرجل من خزاعة ، وأما صاحبي فمن قريش ، قال : بأبي وامي قريشا وأحمدها ، يا أخا
خزاعة من القائل :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر ؟
قلت : نعم ذلك الحارث ابن مصاص الجرهمي ، قال : هو ذلك ، يا أخا قريش
أولد عبدالمطلب بن هاشم ؟ قال : قلت : أين يذهب بك يرحمك الله ؟ فقال : أرى زمانا
قد تقاربت أيامه ، أفولد ابنه عبدالله ؟ قلت : إنك تسأل مسألة من كان من الموتى ( 1 )
قال : فتزايد ، ثم قال : فابنه محمد الهادي عليه السلام ؟ قال : قلت : مات رسول الله صلى الله عليه وآله منذ
أربعين سنة ، فشهق شهقة حتى ظننا أن نفسه خرجت ، وانخفض حتى صار كالفرخ
فأنشأ يقول :
ولرب راج حيل دون رجائه * ومؤمل ذهبت به الآمال
ثم جعل ينوح ويبكي حتى بل دمعه لحيته ، فبكينا لبكائه ، ثم قلنا : أيها
الشيخ قد سألتنا فأخبرناك ، فسألناك بالله إلا أخبرتنا من أنت ؟ قال : أنا السفاح بن
زفرات الجني لم أزل مؤمنا بالله وبرسوله ومصدقا ، وكنت أعرف التوراة والانجيل ،
وكنت أرجو أني أرى محمدا ، وإني لما تعفرتت ( 2 ) الجن وتطلقت الطوالق منها خبأت
نفسي في هذه الجزيرة لعبادة الله وتوحيده وانتصار نبيه محمد صلى الله عليه وآله وآليت على نفسي أن
لا أبرح ههنا حتى أسمع بخروجه ، ولقد تقاصرت أعمار الآدميين بعدي لما صرت في هذه
الجزيرة منذ أربعمائة سنة ، وعبد مناف إذ ذاك غلام يفع ما ظننت أنه ولد له ، وذلك
أنا نجد علم الاحاديث ولا يعلم الآجال إلا الله .
وأما أنتما أيها الرجلان فبينكما وبين الآدميين مسيرة أكثر من سنة ولكن
( هامش 129 ) ( 1 ) في المخطوطة : مسألة من الموتى .
( 2 ) تعفرت : صار عفريتا . والعفريت : الخبيث المنكر . النافذ الامر مع دهاء وذلك
من الجن والانس والشياطين .
[130]
خذ هذا العود وأخرج من تحت رجله عودا فاكتفلاه كالدابة فانه يؤديكما إلى
بلادكما ، فاقرئا على رسول الله صلى الله عليه وآله مني السلام فاني طامع بجوار قبره ، قال : ففعلنا
ما أمرناه به فأصبحنا في آمد ( 1 ) .
بيان : طرا أي أتى من مكان بعيد ، ولجج تلجيجا : خاض اللجة وهي معظم
الماء ، وتحسحس أي تحرك ، وأناف عليه : أشرف وكان فيه تضمينا ، والعفريت بالكسر :
الخبيث ، والنافذ في الامر المبالغ فيه مع دهاء ، وقد تعفرت فهي عفريتة ، وتطلقت
الطوالق أي نجت من الحبس وشرعت في الفساد . في القاموس : الطالقة من الابل ناقة
ترسل في الحي ترعى من جنابهم حيث شاءت .
وقال : الكفل بالكسر : مركب للرجال يؤخذ كساء فيعقد طرفاه فيلقى مقدمه
على الكاهل ومؤخره مما يلي العجز ، أو شئ مستدير يتخذ من خرق وغيرها ويوضع
على سنام البعير ، واكتفل البعير : جعل عليه كفلا ، وقال : آمد : بلد بالثغور .
( هامش 130 ) ( 1 ) اخبار الجن : ليست نسخة عندى .
[131]
3 باب
( ابليس لعنه الله وقصصه وبدء خلقه ومكائده ومصائده و )
( أحوال ذريته والاحتراز عنهم ، اعاذنا الله من شرورهم )
الآيات : البقرة " 2 " : ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين *
إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( 1 ) .
وقال تعالى : الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ( 2 ) .
وقال سبحانه : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان
من المس ( 3 ) .
آل عمران " 3 " : وإنى اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ( 4 ) .
وقال : إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم
مؤمنين ( 5 ) .
النساء " 4 " : ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ( 6 ) .
وقال تعالى : فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ( 7 ) وقال :
( هامش 131 ) ( 1 ) البقرة : 168 و 169 .
( 2 ) البقرة : 268 .
( 3 ) البقرة : 275 .
( 4 ) آل عمران : 26 .
( 5 ) آل عمران : 157 .
( 6 ) النساء : 37 .
( 7 ) النساء : 76 .
[132]
ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلا ( 1 ) ، وقال تعالى : إن يدعون
من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا * لعنه الله وقال : لاتخذن من عبادك
نصيبا مفروضا * ولاضلنهم ولامنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام ولآمرنهم
فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا *
يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * اولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها
محيصا ( 2 ) .
المائدة " 5 " : إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر
والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ( 3 ) .
الانعام " 6 " : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي
بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ( 4 ) وقال : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم
ليجادلوكم ( 5 ) ، وقال تعالى : ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 6 ) .
الاعراف " 7 " : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم
فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك
قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال : فاهبط منها فما يكون لك أن
تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من
المنظرين * قال فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين
أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال
اخرج منها مذؤما مدحورا لمن تبعك منهم لاملان جهنم منكم أجمعين ( 7 ) إلى آخر
( هامش 132 ) ( 1 ) النساء : 83 .
( 2 ) النساء : 117 121 .
( 3 ) المائدة : 91 .
( 4 ) الانعام : 112 .
( 5 ) الانعام : 121 . ( 6 ) الانعام : 142 .
( 7 ) الاعراف : 11 18 .
[133]
ما مر في قصة آدم .
وقال تعالى : وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ( 1 ) .
وقال تعالى : يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة
ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا
الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ( 2 ) * وقال تعالى : إنهم اتخذوا الشياطين أولياء
من دون الله ( 3 ) وقال تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فستعذ بالله إنه سميع
عليم * إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذاهم مبصرون * و
إخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ( 4 ) .
الانفال " 8 " : وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس
وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى
ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ( 5 ) .
يوسف " 13 " : إن الشيطان للانسان عدو مبين ( 6 ) وقال تعالى : فأنساه الشيطان
ذكر ربه ( 7 ) وقال : من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ( 8 ) .
إبراهيم " 14 " : وقال الشيطان لما قضي الامر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم
فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا
أنفسكم ما أنا بمصرخم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن
( هامش 133 ) ( 1 ) الاعراف : 22 .
( 2 ) الاعراف : 27 .
( 3 ) الاعراف : 30 .
( 4 ) الاعراف : 199 201 .
( 5 ) الانفال : 48 .
( 6 ) يوسف : 5 .
( 7 ) يوسف : 42 .
( 8 ) يوسف : 100 .
[134]
الظالمين لهم عذاب أليم ( 1 ) .
الحجر " 15 " : وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه
شهاب مبين ( 2 ) .
وقال سبحانه : وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حماء
مسنون * فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة
كلهم أجمعون * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين * قال يا إبليس مالك أن لا
تكون مع الساجدين * قال لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حماء مسنون *
قال فاخرج منها فانك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني
إلى يوم يبعثون * قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم * قال رب بما أغويتني
لازينن لهم في الارض ولاغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال هذا
صراط علي مستقيم * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين *
وإن جهنم لموعدهم أجمعين ( 3 ) .
النحل " 16 " : فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ( 4 ) ، وقال تعالى :
فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين
آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذينهم به
مشركون ( 5 ) .
الاسرى " 17 " : إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه
كفورا ( 6 ) وقال تعالى : إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للانسان عدوا
( هامش 134 ) ( 1 ) ابراهيم : 22 .
( 2 ) الحجر : 17 و 18 .
( 3 ) الحجر : 28 42 .
( 4 ) النحل : 62 .
( 5 ) النحل : 98 .
( 6 ) الاسراء : 27 .
[135]
مبينا ( 1 ) وقال تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قالءإسجد
لمن خلقت طينا * قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة
لاحتنكن ذريته إلا قليلا * قال اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاء
موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم
في الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إن عبادي ليس لك عليهم
سلطان وكفى بربك وكيلا ( 2 ) .
الكهف " 18 " : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من
الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس
للظالمين بدلا * ما أشهدتهم خلق السماوات والارض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ
المضلين عضدا ( 3 ) وقال تعالى : وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ( 4 ) .
مريم " 19 " : يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * يا أبت
إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ( 5 ) .
وقال تعالى : فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ( 6 )
وقال تعالى : ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ( 7 ) .
طه " 20 " فسجدوا إلا إبليس إلى قوله تعالى : فوسوس إليه الشيطان ( 8 ) .
الانبياء " 21 " : ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا
( هامش 135 ) ( 1 ) الاسراء : 53 .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 135 سطر 18 الى ص 143 سطر 18

( 2 ) الاسراء : 60 65 .
( 3 ) الكهف : 50 و 51 .
( 4 ) الكهف : 63 .
( 5 ) مريم : 44 و 45 .
( 6 ) مريم : 68 .
( 7 ) مريم : 83 .
( 8 ) طه : 116 ) 120 .
[136]
لهم حافظين ( 1 ) .
الحج " 22 " : ويتبع كل شيطان مريد * كتب عليه أنه من تولاه فانه يضله
ويهديهه إلى عذاب السعير ( 2 ) ، وقال تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي
إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلي الشيطان ثم يحكم الله آياته
والله عليم حكيم * ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية
قلوبهم ( 3 ) .
المؤمنون " 23 " : وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن
يحضرون ( 4 ) .
النور " 24 " : يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع
خطوات الشيطان فانه يأمر بالفحشاء والمنكر ( 5 ) .
الشعراء " 26 " : فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون ( 6 ) وقال
تعالى : وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن السمع
لمعزولون إلى قوله تعالى : هل انبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل
أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ( 7 ) .
النمل " 27 " : وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل ( 8 ) .
( هامش 136 ) ( 1 ) الانبياء : 82 .
( 2 ) الحج : 3 و 4 .
( 3 ) الحج : 52 و 53 .
( 4 ) المؤمنون : 97 و 98 .
5 ) النور : 21 .
( 6 ) الشعراء : : 94 و 95 .
( 7 ) الشعراء : 110 123 .
( 8 ) النمل : 24 .
[137]
القصص " 28 " : قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ( 1 ) .
سبأ " 24 " : ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين * وما
كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على
كل شئ حفيظ ( 2 ) .
فاطر " 35 " : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا
من أصحاب السعير ( 3 ) .
يس " 36 " : ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو
مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم * ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا
تعقلون ( 4 ) .
الصافات " 37 " : وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملاء الاعلى
ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة
فأتبعه شهاب ثاقب ( 5 ) وقال تعالى : طلعها كأنه رؤوس الشياطين ( 6 ) .
ص " 38 " : والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الاصفاد ( 7 )
وقال تعالى : إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ( 8 ) .
وقال تعالى : إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين * فاذا سويته
ونفخت من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس
( هامش 137 ) ( 1 ) القصص : 15 .
( 2 ) سبا : 20 و 21 .
( 3 ) فاطر : 6 .
( 4 ) يس : 60 62 .
( 5 ) الصافات : 7 10 .
( 6 ) الصافات : 65 .
( 7 ) ص : 37 و 38 .
( 8 ) ص : 41 .
[138]
استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت
أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاخرج
منها فانك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم
يبعثون * قال فانك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لاغوينهم
أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لاملئن جهنم منك و
ممن تبعك منهم أجمعين ( 1 ) .
السجدة " 41 " : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع
العليم ( 2 ) .
الزخرف " 43 " : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له
قرين ( 3 ) .
وقال تعالى : ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 4 ) .
محمد " 47 " : الشيطان سول لهم وأملى لهم ( 5 ) .
المجادلة " 58 " : استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان
ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ( 6 ) .
الحشر " 59 " : كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك
اني أخاف الله رب العالمين * فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين ( 7 ) .
( هامش 138 ) ( 1 ) ص : 71 85 .
( 2 ) فصلت : 46 .
( 3 ) الزخرف : 26 .
( 4 ) الزخرف : 62 .
( 5 ) محمد : 25 .
( 6 ) المجادلة : 19 .
( 7 ) الحشر : 16 و 17 .
[139]
الملك : " 67 " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا
لهم عذاب السعير * وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير * إذا القوا فيها
سمعوا لها شهيقا وهي تفور * تكاد تميز من الغيظ كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها
ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير * فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم
إلا في ضلال كبير ( 1 ) .
الناس " 114 " : من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس *
من الجنة والناس ( 2 ) .
تفسير : " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " قال البيضاوي : لا تقتدوا به في اتباع
الهوى فتحرموا الحلال وتحللوا الحرام " إنه لكم عدو مبين " ظاهر العداوة عند ذوي
البصيرة وإن كان يظهر الموالاة لمن يغويه ، ولذلك سماه وليا في قوله : " أولياؤهم
الطاغوت " .
" إنما يأمركم بالسوء والفحشاء " بيان لعداوته ووجوب التحرز عن متابعته
واستعير الامر لتزيينه وبعثه لهم على الشر تسفيها لرأيهم وتحقيرا لشأنهم ، والسوء
والفحشآء : ما أنكره العقل واستقبحه الشرع ، والعطف لاختلاف الوصفين فانه سوء لاغتمام
العاقل به ، وفحشآء باستقباحه إياه .
وقيل : السوء يعم القبآئح ، والفحشآء ما يجاوز الحد في القبح من
الكبائر .
وقيل : الاول مالا حد فيه ، والثاني ما شرع فيه الحد . " وأن تقولوا على الله
ما لا تعلمون " كاتخاذ الانداد وتحليل المحرمات وتحريم الطيبات ( 3 ) .
وقال الرازي : اعلم أن أمر الشيطان ووسوسته عبارة عن هذه الخواطر التي نجدها
في أنفسنا ، وقد اختلف الناس في هذه الخواطر من وجوه :
( هامش 139 ) ( 1 ) الملك : 5 9 .
( 2 ) الناس : 4 6 .
( 3 ) انوار التنزيل 1 : 128 .
[140]
أحدها : اختلفوا في ماهياتها ، فقال بعض : إنها حروف وأصوات خفية ، قالت
الفلاسفة ( 1 ) : إنها تصورات الحروف والاصوات وأشباهها وتخيلاتها على مثال الصور المنطبعة
في المرايا فان تلك الصور تشبه تلك الاشياء من بعض الوجوه وإن لم تكن مشابهة لها
من كل الوجوه ، ولقائل أن يقول : صور هذه الحروف وتخيلاتها هل تشبه هذه الحروف في
كونها حروفا أو لا تشبهها ؟ فان كان الاول فتصور ( 2 ) الحروف حروف ، فعاد القول إلى أن
هذه الخواطر أصوات وحروف خفية ، وإن كان الثاني لم يكن تصورات هذه الحروف حروفا
لكني أجد من نفسي هذه الحروف والاصوات مترتبة منتظمة على حسب انتطامها في الخارج
والعربي لا يتكلم في قلبه إلا بالعربية ، وكذا الاعجمي ( 3 ) ، وتصورات هذه الحروف
وتعاقبها وتواليها في الخارج ( 4 ) ، فثبت أنها في أنفسها حروف وأصوات خفية .
وثانيها : أن فاعل هذه الخواطر من هو ؟
أما على أصلنا أن خالق ( 5 ) الحوادث بأسرها هو الله تعالى فالامر ظاهر .
وأما على أصل المعتزلة فهم لا يقولون بذلك .
وأيضا فان المتكلم عندهم من فعل الكلام ، فلو كان فاعل هذه الخواطر هو الله
تعالى وفيها ما يكون كذبا ( 6 ) لزم كون الله تعالى موصوفا بذلك تعالى الله عنه .
ولا يمكن أن يقال أن فاعلها هو العبد ، لان العبد قد يكره حصول تلك الخواطر
ويحتال في دفعها عن نفسه ، مع أنها البتة لا يندفع بل ينجر البعض إلى البعض على سبيل
الاتصال ، فاذا لا بد ههنا من شئ آخر ، وهو إما الملك وإما الشيطان ، فلعلهما متكلمان بهذا
( هامش 140 ) ( 1 ) في المصدر : وقال الفلاسفة .
( 2 ) في المصدر : فصرو الحروف .
( 3 ) في المصدر : وكذا العجمى .
( 4 ) في المصدر : وتواليها لا يكون الاعلى مطابقة تعاقبها وتاليها في الخارج .
( 5 ) في المصدر : وهو ان خالق .
( 6 ) في المصدر : كذبا وسخفا .
[141]
الكلام في أقصى الدماغ ، أو في أقصى القلب ، حتى أن الانسان وإن كان في غاية الصمم
فانه يسمع هذه الحروف والاصوات .
ثم إن قلنا : بأن الشيطان والملك ذوات قائمة بأنفسها غير متحيزة البتة لم يبعد
كونها قادرة على مثل هذه الافعال ، وإن قلنا : بأنها أجسام لطيفة لم يبعد أيضا أن يقال :
إنها وإن كانت لا تتولج بواطن البشر إلا أنهم يقدرون على إيصال هذا الكلام إلى بواطن
البشر .
ولا يبعد أيضا أن يقال : إنها لغاية لطافتها يقدر على النفوذ في مضائق بواطن
البشر ومخارق جسمه ، وتوصل اللام إلى قلبه ودماغه ، ثم إنها مع لطافتها تكون
مستحكمة التركيب بحيث يكون اتصال بعض أجزآئه بالبعض اتصالا لا ينفصل ، فلا
جرم لا يقتضي نفوذها في هذه المضائق والمخارق انفصالها وتفرق أجزائها ، وكل هذه
الاحتمالات مما لا دليل على فسادها ، والامر في معرفة حقائقها عند الله تعالى ، ومما
يدل على إثبات إلهام الملائكة بالخير وقوله تعالى : " إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني
معكم فثبتوا الذين آمنوا ( 1 ) " أي ألهموهم بالثبات ( 2 ) ، ويدل عليه من الاخبار قوله
صلى الله عليه وآله : " للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة " .
وفي الحديث أيضا : " إذا ولد المولود لبني آدم قرن إبليس به شيطانا وقرن الله به
ملكا فالشيطان جاثم على اذن قلبه الايسر ، والملك قائم ( 3 ) على اذن قلبه الايمن فهما
يدعوانه " .
ومن الصوفية والفلاسفة من فسر الملك الداعي إلى الخير بالقوة العقلية ، وفسر
الشيطان الداعي إلى الشر بالقوة الشهوانية والغضبية ، ودلت الآية على أن الشيطان
لا يأمر إلا بالقبائح لان الله تعالى ذكره بكلمة إنما وهي للحصر ، وقال بعض العارفين :
إن الشيطان قد يدعو إلى الخير لكن لغرض أن يجره منه إلى الشر ، وذلك إلى
( هامش 141 ) ( 1 ) الانفال : 12 .
( 2 ) في المصدر : بالثبات وشجعوهم على اعدائهم .
( 3 ) في المصدر : والملك جاثم .
[142]
أنواع : إما أن يجره من الافضل إلى الفاضل السهل أو من السهل إلى الافضل الاشق ( 1 )
ليصير ازدياد المشقة سببا لحصول النفرة عن الطاعة بالكلية ( 2 ) .
وقال في قوله تعالى : " إن الشيطان يعدكم الفقر " اختلفوا في الشيطان فقيل :
إبليس ، وقيل : سآئر الشياطين ، وقيل : شياطين الجن والانس ، وقيل : النفس الامارة
بالسوء ، والوعد يستعمل في الخير والشر ، ويمكن أن يكون هذا محمولا على التهكم
وقد مر الكلام في حقيقة الوسوسة في تفسير الاستعاذة .
وروى ابن مسعود أن للشيطان لمة وهي الايعاد بالشر ، وللملك لمة وهي الوعد
بالخير ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ، ومن وجد الاول فليتعوذ بالله من الشيطان
الرجيم ، وقرأ هذه الآية ، وروى الحسن قال بعض المهاجرين : من سره أن يعلم مكان
الشيطان منه فليتأمل موضعه من المكان الذي منه يجد الرغبة في فعل المنكر .
والفحشاء : البخل ، والفاحش عند العرب : البخل ( 3 ) وقال في قوله تعالى : " إلا
كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " التخبط معناه التصرف على غير استواء
وتخبطه الشيطان : إذا مسه بخبل أو جنون ، وتسمى إصابة الشيطان بالجنون ، و
الخبل : خبطة ، والمس : الجنون ، يقال : مس الرجل فهو ممسوس وبه مس ، وأصله
من المس باليد ، كأن الشيطان يمس الانسان فيجننه ، ثم سمي الجنون مسا كما
أن الشيطان يتخبطه ويطأه برجله فيخبله ، فسمي الجنون خبطة ، فالتخبط بالرجل
والمس باليد .
وقال الجبائي : والناس يقولون : المصروع إنما حدثت به تلك الحالة لان
الشيطان يمسه ويصرعه ، وهذا باطل لان قدرة الشيطان ضعيفة ( 4 ) لا يقدر على صرع
( هامش 142 ) ( 1 ) في المصدر : اما ان يجره من الافضل إلى الفاضل ليتمكن من ان يخرجه من
الفاضل إلى الشر ، واما ان يجره من الفاضل الاسهل إلى الافضل الاشق .
( 2 ) تفسير الرازى 5 : 4 و 5 ( ط مصر بالمطبعة البهية ) .
( 3 ) تفسير الرازى 7 : 68 و 69 وفيه اختصار .
( 4 ) في المصدر : لان الشيطان ضعيف .
[143]
الناس وقتلهم ، ويدل عليه وجوه :
أحدها : قوله تعالى حكاية عن الشيطان : " وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن
دعوتكم فاستجبتم لي " وهذا صريح في أنه ليس للشيطان قدرة على الصرع والقتل والايذاء .
والثاني : أن الشيطان إما أن يقال : إنه كثيف الجسم أو يقال : إنه من الاجسام
اللطيفة ، فان كان الاول وجب أن يرى ويشاهد ، إذ لو جاز فيه أن يكون كثيفا ويحضر ثم
لا يرى لجاز أن يكون بحضرتنا شموس ورعود وبروق وجبال ونحن لا نراها ، وذلك جهالة
عظيمة ، ولانه لو كان جسما كثيفا فكيف يمكنه أن يدخل في باطن بدن الانسان ،
وأما إن كان جسما لطيفا كالهواء فمثل هذا يمتنع أن تكون فيه صلابة وقوة فيمتنع أن
يكون قادرا على أن يصرع الانسان ويقتله .
الثالث : لو كان الشيطان يقدر على أن يصرع الانسان فيقتله لصح أن يفعل مثل
معجزات الانبيآء وذلك يجر الطعن في النبوة .
الرابع : أن الشيطان لو قدر على ذلك فلم لا يصرع جميع المؤمنين ولا يخبطهم ( 1 )
من شدة عداوته مع أهل الايمان ؟ ولم لا يغصب أموالهم ويفسد أحوالهم ويفشي أسرارهم
ويزيل عقولهم ؟ وكل ذلك ظاهر الفساد .
واحتج القائلون بأن الشيطان يقدر على هذه الاشيآء بوجهين :
الاول : ما روي أن الشياطين في زمان سليمان عليه السلام كانوا يعملون الاعمال الشاقة
على ما حكى الله عنهم : إنهم كانوا " يعملون له ما يشآء من محاريب وتماثيل وجفان
كالجواب وقدور راسيات " والجواب عنه أنه تعالى كثف ( 2 ) أجسامهم في زمان سليمان


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 143 سطر 19 الى ص 151 سطر 18

عليه السلام .
والثاني : أن هذه الآية وهي قوله تعالى : " يتخبطه الشيطان من المس " صريح
في أن تخبطه كان من الشيطان ومسه مسببا ( 3 ) عنه .
( هامش 143 ) ( 1 ) في المصدر : لم لا يخبطهم .
( 2 ) في المصدر : انه كلفهم .
( 3 ) في المصدر : صريح في أن يتخبطه الشيطان بسبب مسه .
[144]
والجواب عنه : أن الشيطان يمسه بالوسوسة الموذية التي يحدث عندها الصرع
وهو كقول أيوب " إني مسني الشيطان بنصب وعذاب " وإنما يحدث الصرع عند تلك
الوسوسة ، فلا جرم فيصرع عند تلك الوسوسة ( 1 ) كما يفزع الجبان من الموضع الخالي
وبهذا المعنى ( 2 ) لا يوجد هذا الخبط من الفضلآء الكاملين وأهل الحزم والعقل ، وإنما
يوجد فيمن به نقص في المزاج وخلل في الدماغ ، وهذا جملة كلام الجبائي في هذا
الباب .
وذكر القفال وجها آخر فيه ، وهو أن الناس يضيفون الصرع إلى الشيطان
وإلى الجن فخوطبوا على ما تعارفوه من هذا .
وأيضا من عادة الناس أنهم إذا أرادوا تقبيح شئ يضيفوه إلى الشيطان كما في قوله
تعالى : " طلعها كأنه رؤوس الشياطين "
وقال الطبرسي قدس سره : قيل : إن هذا على وجه التشبيه ، لان الشيطان لا
يصرع الانسان على الحقيقة ، ولكن من غلب عليه المرة السودآء وضعف ( 3 ) ربما يخيل إليه
الشيطان امورا هائلة ويوسوس إليه ، فيقع الصرع عند ذلك من فعل الله تعالى ، ونسب
ذلك إلى الشيطان مجازا لما كان ذلك عند وسوسته عن الجبائي .
وقيل : يجوز أن يكون الصرع من فعل الشيطان في بعض الناس دون بعض عن
أبي الهذيل وابن الاخشيد ، قالا : لان الظاهر من القرآن يشهد به وليس في العقل
ما يمنع منه ولا يمنع الله سبحانه الشيطان عنه امتحانا لبعض الناس وعقوبة لبعض على ذنب
ألم به ولم يتب منه كما يسلط بعض الناس على بعض فيظلمه ويأخذ ماله ولا يمنعه الله منه ( 4 ) .
( هامش 144 ) ( 1 ) في المصدر : وانما يحدث الصرع عند تلك الوسوسة لان الله تعالى خلقه من ضعف
الطباع وغلبة السوداء عليه بحيث عند الوسوسة فلا يجترئ فيصرع عند تلك الوسوسة .
( 2 ) في المصدر : ولهذا المعنى .
( 3 ) في المصدر : او ضعف عقله .
( 4 ) مجمع البيان 2 : 389 .
[145]
" واني اعيذهخا بك " قال البيضاوي : اجيرها بحفظك " الرجيم " : المطرود ،
وأصل الرجم : الرمي بالحجارة ، وعن النبي صلى الله عليه وآله : " ما من مولود يولد إلا والشيطان
يمسه حين يولد فيستهل من مسه إلا مريم وابنها " ومعناه أن الشيطان يطمع في اغواء
كل مولود بحيث يتأثر منه إلا مريم وابنها ، فان الله تعالى عصمها ( 1 ) ببركة هذه
الاستعاذة ( 2 ) .
" إنما ذلك الشيطان يخوف " قال الرازي : قوله : " الشيطان " خبر " ذلكم "
بمعنى إنما ذلكم المثبط هو الشيطان " يخوف أوليآء ، " جملة مستأنفة بيان لشيطنته
أو الشيطان صفة لاسم الاشارة ، ويخوف الخبر ، والمراد بالشيطان الركب ، وقيل : نعيم
بن مسعود وسمي شيطانا لعتوة وتمرده في الكفر ، كقوله : " شياطين الانس والجن "
وقيل : هو الشيطان يخوف أوليآءه بالوسوسة ( 3 ) .
وقال في قوله سبحانه : " إن كيد الشيطان كان ضعيفا " لان الله ينصر أوليآءه
والشيطان ينصر أوليآءه ، ولا شك أن نصرة الشيطان لاوليآئه أضعف من نصرة الله لاوليآئه
ألا ترى أن أهل الخير والدين يبقى ذكرهم الحميد على وجه الدهر وإن كانوا حال
حياتهم في غاية الفقر والذلة ، وأما الملوك والجبابرة فاذا ماتوا انقرضوا ( 4 ) ولا يبقى في الدنيا
رسمهم ولا ظلمهم " والكيد " : السعي في فساد الحال على جهة الحيلة ، وفائدة إدخال
" كان " للتأكيد لضعف كيده ، يعني أنه منذ كان كان موصوفا بالضعف والذلة ( 5 ) .
وقال البيضاوي : " ولولا فضل الله عليكم ورحمته " بارسال الرسول وإنزال
الكتاب " لا تبعتم الشيطان " بالكفر والضلال " إلا قليلا " إلا قليلا منكم تفضل الله عليه
بعقل راجح اهتدى به إلى الحق والصواب وعصمه عن متابعة الشيطان ، كزيد بن نفيل
( هامش 145 ) ( 1 ) في المصدر : عصمهما .
( 2 ) انوار التنزيل 1 : 203 أ .
( 3 ) تفسير الرازى 9 : 102 .
( 4 ) في المصدر : انقرض أثرهم .
( 5 ) تفسير الرازي 10 : 184 .
[146]
وورقة بن نوفل ، أو إلا اتباعا قليلا على الندور ( 1 ) .
وقال في قوله سبحانه : " إن يدعون من دوله إلا إناثا " يعني اللات والعزى
مناة ونحوها ، كان لكل حي صنم يعبدونه ويسمونه انثى بني فلان ، وذلك إما
لتأنيث أسمآئها ، أولانها كانت جمادات ، والجمادات تؤنث من حيث أنها ضاهت
الاناث لا نفعا لها ، ولعله تعالى ذكرها بهذا الاسم تنبيها على أنهم يعبدون ما يسمونه
إناثا لانه ينفعل ولا يفعل ، ومن حق المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل ، ليكون دليلا
على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم .
وقيل : المراد الملائكة لقولهم : بنات الله " وإن يدعون " وإن يعبدون بعبادتها " إلا
شيطانا مريدا " لانه الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها ، فكان طاعته في ذلك عبادة له ،
والمارد والمريد : الذي لا يعلق بخير ، وأصل التركيب للملابسة ، ومنه صرح ممرد ، وغلام
أمرد . وشجرة مردآء للتي تناثر ورقها " لعنه الله " صفة ثانية للشيطان " وقال لاتخذن
من عبادك نصيبا مفروضا " عطف عليه ، أي شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله وهذا
القول الدال على فرط عداوته للناس .
ولاضلنهم " عن الحق " ولا منينهم " الاماني الباطلة كطول ( 2 ) البقاء وأن
لابعث ولا عقاب " ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام " يشقونها لتحريم ما أحله الله وهي
عبارة عما كانت العرب تفعل بالبحائر ( 3 ) والسوائب ، وإشارة إلى تحريم كل ما أحل الله
ونقص كل ما خلق كاملا بالفعل أو بالقوة " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " عن
وجهه صورة أو صفة ، ويندرج فيه ما قيل : من فقء عين الحامي وخصاء العبيد والوشر
والوشم ( 4 ) واللواط والسحق ونحو ذلك ، وعبادة الشمس والقمر ، وتغيير فطرة الله
( هامش 146 ) ( 1 ) انوار التنزيل 1 : 291 .
( 2 ) في المصدر : كطول الحياة .
( 3 ) البحائر جمع البحيرة اى مشقوق الاذان كما كانت العرب تفعلها في الجاهلية بانعامهم .
( 4 ) الوشم : غرز الابره في البدن وذر النيل عليه . يقال له بالفارسية : خال كوبى .
والوشر : تحديد الاسنان وترقيقها .
[147]
التي هي الاسلام ، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالا ولا يوجب
لها من الله زلفا ، وعموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقا ، لكن الفقهاء رخصوا في خصاء
البهائم للحاجة ، والجمل الاربع حكاية عما ذكره الشيطان نطقا أو أتاه فعلا .
" ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله " بايثاره ما يدعوه إليه على ما أمره
الله به ومجاوزته عن طاعة الله إلى طاعته " فقد خسر خسرانا مبينا " إذ ضيع رأس ماله
وبدل مكانه من الجنة بمكان من النار " يعدهم " ما لا ينجز " ويمنيهم " ما لا ينالون
" وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر ، وهذا الوعد إما
بالخواطر الفاسدة أو بلسان أوليائه " ولا يجدون عنها محيصا " معدلا ومهربا ( 1 ) .
وقال الرازي بعد إيراد كلام المفسرين : ويخطر ببالي ههنا وجه آخر في
تخريج الآية على سبيل المعنى وذلك لان دخول الضرر والمرض في الشي ء يكون على
ثلاثة أوجه : التشوش ، والنقصان ، والبطلان ، فادعى الشيطان إلقاء أكثر الخلق في
مرض الدين وضرر الدين وهو قوله : " ولامنينهم " ثم إن هذا المرض لابد وأن
يكون على أحد العلل الثلاثة التي ذكرناها وهي التشوش والنقصان والبطلان .
فأما التشوش فالاشارة إليه بقوله : " ولامنينهم " وذلك لان صاحب الاماني
يستعمل عقله وفكره في استخراج المعاني الدقيقة والحيل والوسائل اللطيفة في تحصيل
المطالب الشهوانية والغضبية ، فهذا مرض روحاني من جنس التشوش .
وأما النقصان فالاشارة إليه بقوله : " ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام "
وذلك لان بتك الآذان نوع من النقصان ، وهذا لان الانسان إذا صار بحيث يستغرق
العقل في طلب الدنيا صار فاتر الرأي ضعيف الحزم في طلب الآخرة .
وأما البطلان فالاشارة بقوله : " فليغيرن خلق الله " وذلك لان التغيير ( 2 ) يوجب
بطلان الصفة الحاصلة في المرة الاولى ، ومن المعلوم أن من بقي مواظبا على طلب
اللذات العاجلة معرضا عن السعادات الروحانية فلا يزال يشتد في قلبه الرغبة في الدنيا
( هامش 147 ) ( 1 ) انوار التنزيل 1 : 303 و 304 .
( 2 ) في المصدر : التغيير .
[148]
والنفرة عن الآخرة ، ولا يزال تتزايد هذه الاحوال إلى أن يتغير القلب بالكلية
فلا يخطر بباله ذكر الآخرة البتة ، ولا يزول عن خاطره حب الدنيا البتة فتكون
حركته وسكونه وقوله ( 1 ) لاجل الدنيا ، وذلك يوجب تغير الخلقة ( 2 ) ، لان الارواح
البشرية إنما دخلت هذا العالم الجسماني على سبيل السفر وهي متوجهة إلى عالم
القيامة .
فاذا نسيت معادها وألفت هذه المحسوسات التي لا بد من انقضائها وفنائها كان
هذا بالحقيقة تغير الخلقة ( 3 ) ، وهو كما قال تعالى : " ولا تكونوا كالذين نسوا الله
فأنساهم أنفسهم " وقال : " فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " ( 4 ) .
وقال في قوله تعالى : " إنما يريد الشيطان " الخ أما وجه العداوة في الخمر
فان الظاهر فيمن يشربها أنه يشربهامع جماعة ويكون غرضه من ذلك الشرب أن
يستأنس برفقائه ويفرح بمحادثتهم ومكالمتهم ، وكان غرضه من ذلك الاجتماع تأكيد
الالفة والمحبة إلا أن ذلك ينقلب في الاغلب إلى الضد ، لان الخمر تزيل العقل
وإذا زال العقل استولت الشهوة والغضب من غير مدافعة العقل ، وعند استيلائهما تحصل
المنازعة بين اولئك الاحباب ، وتلك المنازعة ربما أدت إلى الضرب والقتل والمشافهة
بالفحش وذلك يوجب أشد ( 5 ) العداوة والبغضاء ( 6 ) .
وأما الميسر ففيه بازاء التوسعة على المحتاجين الاجحاف بأرباب الاموال ، لان .
من صار مغلوبا في القمار مرة دعاه ذلك إلى اللجاج فيه على رجاء أنه ربما صار غالبا
( هامش 148 ) ( 1 ) في المصدر : وقوله وفعله .
( 2 ) في المصدر : تغييرا للخلقة .
( 3 ) في المصدر : تغييرا للخلقة .
( 4 ) تفسير الرازى 11 : 49 و 50 .
( 5 ) في المصدر : يورث .
( 6 ) زاد في المصدر : فالشيطان يسول ان الاجتماع على الشرب يوجب تأكيد الالفة
والمحبة ، وبالاخرة انقلب الامر وحصلت نهاية العداوة والبغضاء .
[149]
فيه ، وقد يتفق أن لا يحصل له ذلك إلى أن لا يبقى له شئ من المال وإلى أن يقامر
على لحيته وأهله وولده ، ولا شك أنه يبقى بعد ذلك فقيرا مسكينا ويصير من أعدى
الاعداء لاولئك الذين كانوا غالبين له ، فظهر أن الخمر والميسر سببان عظيمان في
إثارة العداوة والبغضاء بين الناس ، ولاشك أن شدة العداوة والبغضاء تفضي إلى
أحوال مذمومة من الهرج والمرج والفتن وكل ذلك مضار لمصالح العالم . وأشار إلى
المفاسد الدينية بقوله تعالى : " ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ( 1 ) .
قوله : " وذلك جعلنا لكل نبي عدوا " قيل : المراد كما أمرناك بعداوة
قومك من المشركين فقد أمرنا من قبلك بمعاداة أعدائهم من الجن والانس ، ومتى أمر
الله رسوله بسعادة قوم من المشركين فقد جعلهم أعداء له .
وقيل : معناه حكمنا بأنهم أعداء وأخبرنا بذلك ليعاملوهم معاملة الاعداء
في الاحتراز عنهم .
وقيل : أي خلينا بينهم وبين اختيارهم العداوة لم نمنعهم من ذلك جبرا .
وقيل : إنه سبحانه لما أرسل إليهم الرسل وأمرهم بدعائهم إلى الاسلام وخلع
الانداد نصبوا عند ذلك العداوة لانبيائه ، فلذا أضاف تعالى إلى نفسه والمراد بشياطين
الانس والجن مردة الكفار من الفريقين .
وقيل : إن شياطين الانس الذين يغوونهم ، وشياطين الجن الذينهم من ولد
إبليس .
وقال الطبرسي رحمه الله : في تفسير الكلبي عن ابن عباس : ان إبليس جعل جنده
فريقين فبعث فريقا منهم إلى الانس ، وفريقا إلي الجن ، فشياطين الانس والجن أعداء
الرسل والمؤمنين ، فتلقى ( 2 ) شياطين الانس وشياطين الجن في كل حين فيقول بعضهم
لبعض : أضللت صاحبي بكذا فأضل صاحبك بمثلها ، فكذلك يوحي بعضهم إلى بعض ،
( هامش 149 ) ( 1 ) تفسير الرازى 12 : 80 و 81 .
( 2 ) في المصدر فيلتقى .
[150]
وروي عن أبي جعفر عليه السلام أيضا أنه قال : إن الشياطين يلقى بعضهم بعضا فيلقي إليه
ما يغوي به الخلق حتى يتعلم بعضهم من بعض " يوحي " أي يوسوس ويلقي خفية " زخرف
القول " أي المملوه المزين الذي يستحسن ظاهره ولا حقيقة له ولا أصل " غرورا " أي
يغرونهم بذلك غرورا أو ليغروهم بذلك ( 1 ) .
وقال الرازي : اعلم أنه لا يجب أن يكون كل معصية تصدر عن إنسان فانها
تكون بسبب وسوسة شيطان ، وإلا لزم التسلسل أو الدور ( 2 ) ، فوجب الاعتراف بانتهاء
هذه القبائح والمعاصي إلى قبيح أول ومعصية سابقة حصلت لا بوسوسة شيطان آخر ، إذا ثبت
هذا فنقول : إن اولئك الشياطين كما أنهم يلقون الوساوس إلى الانس والجن فقد
يوسوس بعضهم بعضا ، وللناس فيه مذاهب : منهم من قال : الارواح إما فلكية وإما
أرضية ، والارواح الارضية منها طيبة طاهرة ( 3 ) ، ومنها خبيثة قذرة شريرة تأمر بالمعاصي
والقبائح وهم الشياطين .
ثم إن تلك الارواح الطيبة كما أنها تأمر الناس بالطاعات والخيرات فكذلك قد
يأمر بعضهم بعضا بالطاعات ، والارواح الخبيثة كما أنها تأمر الناس بالقبائح والمنكرات
فكذلك قد يأمر بعضهم بعضا بتك القبائح والزيادة فيها ، ومالم يحصل نوع من أنواع
المناسبة بين النفوس البشرية وبين تلك الارواح لم يحصل ذلك الانضمام بالنفوس البشرية
وإذا كانت طاهرة نقية عن الصفات الذميمة كانت في جنس الارواح الخبيثة فتنتظم ( 4 ) إليها .
( هامش مجمع البيان 4 : 352 .
( 2 ) في المصدر : والا لزم دخول التسلسل او الدور في هؤلاء الشياطين .
( 3 ) في المصدر : طاهرة خيرة ، آمرة بالطاعة والافعال الحسنة وهم الملائكة الارضية
( 4 ) هكذا في المصدر المطبوع والمخطوط ، والصحيح كما في المصدر : فالنفوس
البشرية اذا كانت طاهرة نقية عن الصفات الذميمة كانت من جنس الارواح الطاهرة فتنضم
اليها ، واذا كانت خبيثة موصوفة بالصفات الذميمة كانت من جنس الارواح الخبيثة فتنضم اليها
ثم ان صفات الطهارة .
[151]
ثم إن صفات الطهر كثيرة وصفات النقص والخسران ( 1 ) كثيرة وبحسب كل نوع
منها طوائف من البشر وطوائف من الارواح الارضية .
وبحسب تلك المجانسة والمشابهة والمشاكلة ينضم الجنس إلى جنسه ، فان كان
ذلك في أفعال الخير كان الحاصل ( 2 ) عليها ملكا ، وكان تقوية ذلك الخاطر إلهاما ، وإن
كان في باب الشر كان الحاصل ( 3 ) عليها شيطانا ، وكان تقوية ذلك الخاطر وسوسة ، و
يقال ( 4 ) : فلان يزخرف كلامه : إذا زينه بالباطل والكذب ، وكل شئ حسن مموه فهو
مزخرف .
وتحقيقه : أن الانسان ما لم يعتقد في أمر من الامور كونه مشتملا على خير
راجح ونفع زائد فانه لا يرغب فيه ، ولذلك سمي الفاعل المختار مختارا لكونه طالبا
للخير والنفع ، ثم إن كان هذا الاعتقاد مطابقا للمعتقد فهو الحق والصدق والالهام وإن
كان صادرا من الملك ، وإن لم يكن مطابقا للمعتقد فحينئذ يكون ظاهره مزينا لانه
في اعتقاده سبب للنفع الزائد والصلاح الراجح ويكون باطنه فاسدا لان هذا الاعتقاد
غير مطابق للمعتقد فكان مزخرفا ( 5 ) .
قوله تعالى : " وإن الشياطين " قال الطبرسي قدس سره : يعني علمآء الكافرين
ورؤسآءهم المتمردين في كفرهم " ليوحون " أي يوحون ويشيرون " إلى أوليآئهم " الذين
اتبعوهم من الكفار " ليجادلوكم " في استحلال الميتة ، وقال ابن عباس ، معناه وإن
الشياطين من الجن وهم إبليس وجنوده ليوحون إلى أوليآئهم من الانس والوحي : إلقاء
( هامش 151 ) ( 1 ) في المصدر : وصفات الخبيث والنقصان .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 151 سطر 19 الى ص 159 سطر 18

( 2 و 3 ) في المصدر : الحامل عليها .
( 3 ) اختصره المصنف وتمامه : اذا عرفت هذا الاصل فنقول : انه تعالى عبر من هذه
الحالة المذكورة بقوله : [ ويحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ] فيجب علينا تفسير الفاظ
ثلاثة : الاول الوحى وهو عبارة عن الايماء والقول السريع . والثانى الزخرف وهو الذى
يكون باطنه باطلا ، وظاهره مزينا ظاهرا يقال :
( 5 ) تفسير الرازى 13 : 154 و 155 .
[152]
المعنى إلى النفس من وجه خفي ، وهم يلقون الوسوسة إلى قلوب أهل الشرك ( 1 ) .
قوله : " فبما أغويتني " قيل : أي خيبتني من رحمتك وجنتك ، وقيل : أي صرت
سببا لغوايتي بأن أمرتني بالسجود لآدم فغويت عنده ، وقيل : أي أهلكتني بلعنك إياي ،
وقيل : هذا جري على اعتقاد إبليس فانه كان مجبرا " لاقعدن لهم " أي أرصد لهم لاقطع
سبيلهم " صراطك المستقيم " أي دين الحق أو الاعم ، وهو منصوب على الظرفية ، وقيل :
تقديره على صراطك " ثم لآتينهم من بين أيديهم " الخ أي من جميع الجهات ، وبأي
وجه أمكنه .
وقيل : من جهة دنياهم وآخرتهم ومن جهة حسناتهم وسيآتهم عن ابن عباس
وغيره .
وحاصله : إني ازين لهم الدنيا واخوفهم بالفقر وأقول لهم : لاجنة ولا نار
ولا بعث ولا حساب واثبطهم عن الحسنات وأشغلهم عنها واحبب إليهم السيآت وأحثهم
عليها ، قال ابن عباس ، وإنما لم يقل : ومن فوقهم ، لان فوقهم جهة نزول الرحمة
من السمآء ، فلا سبيل له إلى ذلك ، ولم يقل : من تحت أرجلهم لان الاتيان منه
موحش .
وقيل : " من بين أيديهم وعن أيمانهم " من حيث يبصرون ، " ومن خلفهم وعن
شمائلهم " من حيث لا يبصرون ، وروي عن أبي جعفر عليه السلام قال : " ثم لآتينهم من بين
أيديهم " معناه أهون عليه أمر الآخرة " ومن خلفهم " آمرهم بجمع الازال والبخل بها
عن الحقوق لتبقى لورثته " وعن أيمانهم " افسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين
الشبهة " وعن شمائلهم " بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم ( 2 ) .
وقال البيضاوي : " من بين أيديهم " من حيث يعلمون ويقدرون على التحرز
( هامش 152 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 358 .
( 2 ) الظاهر انه يتم إلى ههنا كلام ابى جعفر عليه السلام ، وذكر الاقوال والرواية الطبرسى
في مجمع البيان 4 : 404 .
[153]
عنه " ومن خلفهم " من حيث لا يعلمون ولا يقدرون " وعن أيمانهم وعن شمائلهم "
من حيث يتيسر لهم أن يعلموا أو يتحرزوا ، ولكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم و
احتياطهم ، وإنما عدى الفعل إلى الاولين بحرف الابتدآء لانه منهما متوجه
إليهم وإلى الآخرين بحرف المجاوزة لان الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار
على عرضهم ، ونظيره قولهم : جلست عن يمينه " ولا تجد أكثرهم شاكرين " مطيعين ،
وإنما قاله ظنا لقوله : " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " لما رأى مبدأ الشر فيهم متعددا
ومبدأ الخير واحدا ، وقيل : سمعه من الملائكة " مذؤما " أي مذموما " مدحورا " مطرودا
( 1 ) .
وقال الرازي بعد ذكر بعض هذه الوجوه : أما حكمآء الاسلام فقد ذكروا فيها
وجوها اخرى :
أولها : وهو الاشرف الاقوى أن في البدن قوى أربعا هي الموجبة لفوات السعادات
الروحانية :
فاحداها القوة الخيالية التي تجمع فيها صور المحسوسات ومثلها ، وهي موضوعة
في البطن المقدم من الدماغ ، وصور المحسوسات إنما ترد عليها من مقدمها ، وإليه
الاشارة بقوله : " من بين أيديهم " والقوة الثانية القوة الوهمية التي تحكم في غير
المحسوسات بالاحكام المناسة للمحسوسات ، وهي موضوعة في البطن المؤخر من الدماغ
وإليه الاشارة بقوله : " ومن خلفهم " والقوة الثالثة الشهوة ، وهي موضوعة في الكبد
وهي يمين ( 2 ) البدن ، والقوة الرابعة الغضب ، وهي موضوعة في البطن الايسر من القلب
فهذه القوى الاربع هي التي تتولد منها أحوال توجب زوال السعادة الروحانية ، والشياطين
الخارجية ما لم تستعن بشئ من هذه القوى الاربع لم يقدر على إلقآء الوسوسة ، فهذا
هو السبب في تعيين الجهات الاربع وهو وجه حقيقي شريف .
( هامش 153 ) ( 1 ) انوار التنزيل 1 : 417 .
( 2 ) في المصدر : وهى من يمين البدن .
[154]
وثانيها : أن قوله " لاتينهم من بين أيديهم " المراد منه الشبهات المبنية على التشبيه ،
إما في الذات والصفات مثل شبه المجسمة ، وإما في الافعال مثل شبه المعتزلة في التعديل
والتخويف والتحسين والتقبيح " ومن خلفهم " المراد منه الشبهات الناشئة من التعطيل .
أما الاول : فلان الانسان يشاهد هذه الجسمانيات وأحوالها وهي حاضرة بين
يديه فيعتقد أن الغائب يجب أن يكون مساويا لهذا الشاهد ، وهذا يوجب أن يكون
" من خلفهم " كناية عن التعليل لانه خلافه ، وأما قوله : " عن أيمانهم " فالمراد به
الترغيب في ترك المأمورات " وعن شمائلهم " الترغيب في ترك المنهيات ( 1 ) .
وثالثها : نقل عن شقيق أنه قال : ما من صباح إلا ويأتيني الشيطان من الجهات
الاربع : من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي :
أما بين يدي فيقول : لا تخف فان الله غفور رحيم ، فأقرأ : " وإني لغفار لمن
تاب وآمن وعمل صالحا ( 2 ) " وأما من خلفي فيخوفني من وقوع أولادي في الفقر فأقرأ
" وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ( 3 ) " وأما قبل يميني فيأتني من قبل
النساء ( 4 ) فأقرأ " والعاقبة للمتقين ( 5 ) " وأما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات
فأقرأ " وحيل بينهم وبين ما يشتهون ( 6 ) " ثم قال : فالغرض منه أنه يبالغ في إلقاء الوسوسة
ولا يقصر في وجه من الوجوه الممكنة .
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الاسلام فقال له :
تدع دين آبائك : فعصاه فأسلم ، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال له : تدع ديارك وتتغرب ؟
فعصاه وهاجر ، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له : تقاتل فتقتل فيقسم مالك وتنكح
( هامش 154 ) ( 1 ) في المصدر : في فعل المنهيات .
( 2 ) طه : 82 .
( 3 ) هود : 6 .
( 4 ) في المصدر : من قبل الثناء .
( 5 ) القصص : 83 .
( 6 ) سبأ : 54 .
[155]
امرأتك ؟ فعصاه فقاتل .
فهذا الخبر يدل على أن الشيطان لا يترك جهة من جهات الوسوسة إلا ويلقيها
في القلب .
فان قيل : فلم لم يذكر من فوقهم ومن تحتهم ؟
قلنا : أما في التحقيق فقد ذكرنا أن القوى التي يتولد منها ما يوجب تفوت ( 1 )
السعادات الروحانية فهي موضوعة في هذه الجوانب الاربعة .
وأما في الظاهر فيروى أن الشيطان لما قال هذا الكلام : رقت قلوب الملائكة على البشر
فقالوا : يا إلهنا كيف يتخلص الانسان من الشيطان مع كونه مستوليا عليه من هذه الجهات
الاربع ؟ فأوحى الله تعالى إليهم إنه بقي للانسان جهتان : الفوق والتحت ، فاذا رفع
يديه إلى فوق في الدعاء على سبيل الخضوع أو وضع جبهته على الارض على سبيل
الخشوع غفرت له ذنب سبعين سنة .
وقال في نكتة التعدية " بمن " في الاولين " وبعن " في الآخرين : قد ذكرنا ( 2 )
أن المراد من قوله : " من بين أيديهم ومن خلفهم " الخيال والوهم ، والضرر الناشي
منهما هو حصول العقائد الباطلة وهو الكفر ، ومن قوله : " عن أيمانهم وعن شمائلهم "
الشهوة والغضب وذلك هو المعصية ، ولا شك أن الضرر الحاصل من الكفر لازم لان
عقابه دائم ، وأما الضرر الحاصل من المعصية فسهل لان عقابه منقطع ، فلهذا السبب
خص هذين القسمين بكلمة " عن " تنبيها على أن هذين القسمين في اللزوم والاتصال
دون القسم الاول .
وقال في وجه معرفة إبليس كون أكثرهم غير شاكرين : إنه جعل للنفس تسع ( 3 )
( هامش 155 ) ( 1 ) في المصدر : تفويت .
( 2 ) وقد ذكر قبل ذلك انه اذا قيل : جلس عن يمينه ، معناه انه جلس متجافيا عن
صاحب اليمين غير ملتصق به .
( 3 ) وذكر وجوها اخرى لذلك منها انه رآه في اللوح المحفوظ ، ومنها انه قال
على سبيل الظن .
[156]
عشر قومه ، وكلها تدعو النفس إلى اللذات الجسمانية والطيبات الشهوانية ، فعشرة
منها الحواس الظاهرة والباطنة ، واثنان : الشهوة والغضب ، وسبعة هي القوى الكامنة
وهي الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة ؟ فمجموعها تسعة
عشر ، وهي بأسرها تدعو النفس إلى عالم الجسم وترغبها في طلب اللذات البدنية
وأما العقل فهو قوة واحدة وهي التي تدعو النفس إلى عبادة الله تعالى وطلب السعادة
الروحانية ، ولا شك أن استيلاء تسع عشر قوة أكمل من استيلاء القوة الواحدة ( 1 ) .
قوله تعالى : " إنه يراكم هو وقبيله " قال الطبرسي رحمه الله أي نسله ، يدل
عليه قوله : " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " وقيل : جنوده وأتباعه من الجن
والشياطين " من حيث لا ترونهم " قال ابن عباس : إن الله تعالى جعلهم تجرون من بني
آدم مجرى الدم ، وصدور بني آدم مساكن لهم ، كما قال : " الذي يوسوس في صدور
الناس " فهم يرون بنى آدم وبنو آدم لا يرونهم ( 2 ) ، وإنما لا يراهم البشر لان
أجسامهم شفافة لطيفة يحتاج في رؤيتها إلى فضل شعاع .
وقال أبوبكر بن الاخشيد وأبوالهذيل : يجوز أن يمكنهم الله سبحانه فيتكثفوا
فيراهم حينئذ من يحضرهم ، وإليه ذهب علي بن عيسى ، وقال : إنهم ممكنون من ذلك
وهو الذي نصره الشيخ المفيد أبوعبدالله ، قال الشيخ أبوجعفر قدس الله روحه : وهو
الاقوى عندي ، وقال الجبائي : لا يجوز أن يرى الشياطين والجن لان الله تعالى
قال : " لا ترونهم " وإنما يجوز أن يروا في زمن الانبياء عليهم السلام بأن يكثف الله أجسادهم
علما ( 3 ) للانبياء كما يجوز أن يرى الناس الملائكة في زمن الانبياء " إنا جعلنا الشياطين
أولياء للذين لا يؤمنون " أي حكمنا بذلك لانهم يتناصرون على الباطل ( 4 ) .
وقال الرازي : قال أصحابنا : إنهم يرون الانسان لانه تعالى خلق في عيونهم
( هامش 156 ) ( 1 ) تفسير الرازى 14 ؟ 41 43 .
( 2 ) إلى هنا ينتهى كلام ابن عباس .
( 3 ) في المصدر : اجسادهم على الانبياء .
( 4 ) مجمع البيان 4 : 409 و 410 .
[157]
إدراكا ، والانس لا يرونهم لانه تعالى لم يخلق هذا الادراك في عيون الانس ، وقالت
المعتزلة : الوجه في أن الانس لا يرون الجن لرقة أجسام الجن ( 1 ) ولطافتها والوجه
في رؤية الجن للانس كثافة أجسام الانس ، والوجه في أن يرى بعض الجن بعضا ، أن
الله تعالى يقوى شعاع أبصار الجن ويزيد فيه ، ولو زاد الله في قوة ( 2 ) بصرنا لرأيناهم
كما يرى بعضهم بعضا ، ولو أنه تعالى كثف أجسامهم وبقيت أبصارنا على هذه الحالة
لرأيناهم .
فعلى هذا كون الانس مبصرا للجن موقوف عند المعتزلة إما على ازدياد كثافة
أجسام الجن ، أو على ازدياد قوة أبصار الانس ، وقوله تعالى : " من حيث لا ترونهم "
يدل على أن الانس لا يرون الجن ، لان قوله : " من حيث لا ترونهم " يدل على
أن الانس لا يرون الجن ، لان قوله : " من حيث لا ترونهم " يتناول أوقات الاستقبال
من غير تخصيص ، قال بعض العلماء : لو قدر الجن على تغير ( 3 ) صور أنفسهم بأي
صورة شاؤال أو أرادوا لوجب أن ترتفع الثقة عن معرفة الناس ، فلعل هذا الذي نشاهده
وحكم ( 4 ) عليه بأنه ولدي أو زوجتي جني صور نفسه بصورة ولدي أو زوجتى .
وعلى هذا التقدير يرتفع الوثوق عن معرفة الاشخاص ، وأيضا فلو كانوا قادرين
على تخبيط الناس وإزالة العقل مع أنه تعالى بين العداوة الشديدة بينهم وبين الانس
فلم لا يفعلون ذلك في حق العلمآء والافاضل والزهاد ؟ لان
هذه العداوة بينهم وبين العلمآء والزهاد أكثر وأقوى ، ولما لم يوجد شئ من ذلك
ثبت أنه لا قدرة لهم على البشر بوجه من الوجوه ، ويتأكد هذا بقوله : " ما كان لي عليكم
( هامش 157 ) ( 1 ) في المصدر : رقة اجسام الجن .
( 2 ) في المصدر : أبصارنا لرأيناهم كما يرى بعضنا بعضا .
( 3 ) في المصدر : على تغيير .
( 4 ) في المصدر : [ شاؤا وارادوا ] وفيه : اشاهده واحكم عليه .
[158]
من سلطان إلا أن دعوتكم فاسستجبتم لي " قال مجاهد : قال إبليس : أعطنا ( 1 ) أربع
خصال : نرى ، ولا نرى ، ونخرج من تحت الثرى ، ويعود شيخنا فتى ( 2 ) .
قوله تعالى : " وإما ينزغنك " قال الطبرسي قدس سره : معناه يا محمد إن نالك
من الشيطان وسوسة في القلب .
والنزغ : الازعاج بالاغواء ( 3 ) وأكثرها ما يكون ذلك عند الغضب ، وأصله الازعاج
بالحركة .
وقيل : النزغ : الفساد ، ومنه " نزغ الشيطان بينى وبين إخوتي " أي أفسد قال
الزجاج : النزغ " أدنى حركة تكون ، ومن الشيطان أدنى وسوسة " فاستعذ بالله "
أي سل الله عز اسمه أن يعيذك منه " إنه سميع " للمسموعات " عليم " بالخفيات .
وقيل : سميع لدعائك ، عليم بما عرض لك ، وقيل : النزغ : أول الوسوسة ،
والمس لا يكون إلا بعد التمكن ، ولذلك فصل الله سبحانه بين النبي وغيره فقال للنبي
صلى الله عليه وآله : " وإما ينزغنك " وقال للناس : " إذا مسهم طائف " معناه إذا
وسوس إليهم الشيطان وأغراهم بمعاصيه " تذكروا " ما عليهم من العقاب بذلك فيجتنبونه
ويتركونه ، قال الحسن : يعني إذا طاف عليهم الشيطان بوساوسه ، وقال ابن جبير : هو
الرجل يغضب الغضبة فيتذكر ويكظم غيظه . وقيل : طائف غضب وطيف جنون .
وقيل : معناهما واحد " فاذا هم مبصرون " للرشد " وإخوانهم يمدونهم في الغي " معناه
وإخوان المشركين من شياطين الجن والانس يمدونهم في الضلال والمعاصي ، أي
يزيدونهم فيه ويزينون لهم ما هم فيه " ثم لا يقصرون " ثم لا يكفون يعني الشياطين عن
استغوائهم ولا يرحمونهم ، وقيل : معناه وإخوان الشياطين من الكفار يمدهم الشياطين
في الغي : ثم لا يقصرون هؤلآء ( 4 ) كما يقصر الذين اتقوا ، وقيل : معناه ثم لا يقصر
( هامش 158 ) ( 1 ) في المصدر : اعطينا .
( 2 ) تفسير الرازى 14 : 54 .
( 3 ) في المصدر : وسوسة ونخسة في القلب . والنزع : الازعاج بالاغراء .
( 4 ) في المصدر : ثم لا يقصر هؤلاء مع ذلك .
[159]
الشياطين عن إغوآئهم ولا يقصرونهم عن ارتكاب الفواحش ( 1 ) .
وقال رحمه الله في قوله سبحانه : " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم " أي واذكروا
إذ زين الشيطان للمشركين أعمالهم ، أي حسنها في نفوسهم ، وذلك أن إبليس حسن لقريش
مسيرهم إلى بدر لقتال النبي صلى الله عليه وآله ، " وقال لا غالب لكم اليوم من الناس " أي لا يغلبكم
أحد من الناس لكثرة عددكم وقوتكم " وإني " مع ذلك " جارلكم " أي ناصر لكم
ودافع عنكم السوء ، وإني عاقد لكم ( 2 ) عقد الامان من عدوكم ، " فلما ترآءت الفئتان "
أي التقت الفرقتان " نكص على عقبيه " أي رجع القهقرى منهزما وراءه " وقال إني
برئ منكم إني أرى مالا ترون " أي رجعت عما ضمنت لكم من الامان والسلامة لاني
أرى من الملائكة الذين جاؤا لنصر المسلمين " ما لاترون " وكان إبليس يعرف الملائكة وهم
كانوا يعرفونه " إني أخاف الله " أي أخاف عذاب الله على أيدي من أراهم " والله شديد
العقاب " لا يطاق عقابه .
أقول : ثم ذكر رحمه الله كيفية ظهور الشيطان لهم كما ذكرناه في باب قصة بدر
ثم قال :
ورأيت في كلام الشيخ المفيد أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان ره أنه يجوز
أن يقدر الله تعالى الجن ومن جرى مجراهم على أن يتجمعوا ويعتمدوا ببعض جواهرهم
على بعض حتى يتمكن الناس من رؤيتهم ويتشبهوا بغيرهم من أنواع الحيوان ، لان
أجسامهم من الرقة على ما يمكن ذلك فيها ، وقد وجدنا الانسان يجمع الهوى ويفرقه
ويغير صور الاجسام الرخوة ضروربا من التغيير وأعيانها لم تزد ولم تنقص ، وقد استفاض


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 159 سطر 19 الى ص 167 سطر 18

الخبر بأن إبليس تراءى الاهل دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد ، وحضر يوم
بدر في صورة سراقة ، وأن جبرئيل عليه السلام ظهر لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في صورة دحية
الكلبي ، قال : وغير محال أيضا أن يغير الله صورهم ويكثفها في بعض الاحوال فيراهم
( هامش 159 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 513 و 514 .
( 2 ) في المصدر : وقيل : واني عاقد لكم .
[160]
الناس لضرب من الامتحان ( 1 ) .
وقال الرازي في قوله تعالى : " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم " في كيفية هذا
التزيين وجهان :
الاول : أن الشيطان زين بوسوسته من غير أن يتحول في صورة إنسان ، وهو
قول الحسن والاصم .
الثاني : أنه ظهر في صورة إنسان ، قالوا : إن المشركين حين أرادوا المسير إلى
بدر خافوا من بني بكر بن كنانة لانهم كانوا قتلوا منهم واحدا فلم يأمنوا أن يأتوهم
من ورائهم ، فتصور لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك بن جعشم من بني بكر بن كنانة و
كان من أشرافهم في جند من الشياطين ومعه رآية وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس
وإني مجيركم من بني كنانة ، ولما رأى إبليس الملائكة تنزل نكص ( 2 ) .
وقيل : كانت يده في يد الحارث بن هشام فلما نكص قال له الحارث : أتخذلنا
في هذه الحال ؟ " فقال إني أرى ما لا ترون " ودفع في صدر الحارث وانهزموا ، وفي هذه
القصة سؤالات :
الاول : ما الفائدة في تغيير صورة إبليس إلى صورة سراقة ؟
والجواب : فيه معجزة عظيمة للرسول ، وذلك لان كفار قريش لما رجعوا إلى
مكة قالوا : هزم الناس سراقة فقال : ( 3 ) ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم
فعند ذلك تبين للقوم أن ذلك الشخص ما كان سراقة بل كان شيطانا .
الثاني : أنه تعالى لما غير صورته إلى صورة البشر فما بقي شيطانا بل صار بشرا .
والجواب : لا نسلم فان الانسان إنما كا إنسانا بجوهر نفسه الناطقة ، ونفوس
الشياطين مخالفة لنفوس البشر ، فلم يلزم من تغيير الصورة تغيير الحقيقة ، وهذا الباب
أحد الدلائل السمعية على أن الانسان ليس إنسان بحسب بنيته الظاهرة وصورته
( هامش 160 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 549 و 550 .
( 2 ) في المصدر : فلما رأى ابليس نزول الملائكة نكص على عقبيه .
( 3 ) في نسخة : فبلغ ذلك سراقة فقال .
[161]
المخصوصة ( 1 ) إلى آخر كلامه في هذا المقام .
قوله تعالى : " من بعد أن نزغ الشيطان بيني " في الكشاف : نزغ : أفسد بيننا
وأغرى ، وأصله من نخس الرائض الدابة وحملها على الجري ( 2 ) .
قوله تعالى : " وقال الشيطان لما قضي الامر " قال الرازي : قال المفسرون :
إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار فيشرع الناس في لوم إبليس ( 3 )
وتقريعه فيقوم فيما بينهم خطيبا ويقول : ما أخبر الله تعالى عنه بقوله : " وقال الشيطان " .
وقيل : إن المراد لما انقضت المحاسبة ، والاول أولى ، والمراد بالشيطان إبليس ، وعن
رسول الله صلى الله عليه وآله أنه إذا جمع الله الخلق وقضي الامر بينهم ( 4 ) ، يقول الكافر : قد وجد
المسلمون من شفع لهم ( 5 ) ، فمن يشفع لنا ؟ ما هو إلا إبليس هو الذي أضلنا ، فيأتونه
ويسألونه فعند ذلك يقول هذا القول ( 6 ) ، " إن الله وعدكم وعد الحق " هو البعث
والجزاء على الاعمال فوفى لكم " ووعدتكم " خلاف ذلك " فأخلفتكم " .
وتقدير الكلام ( 7 ) أن النفس تدعو إلى هذه الاحوال الدنيوية ولا تتصور
كيفية السعادات الاخروية والكمالات النفسانية ، والله يدعو إليها ويرغب فيها كما
قال : " والآخرة خير وأبقى " ( 8 ) وقوله : " وعد الحق " من قبيل إضافة الشئ إلى
( هامش 161 ) ( 1 ) تفسير الرازى 15 : 174 و 175 .
( 2 ) في النهاية : نزغ الشيطان بينهم اى افسد وأغرى ، ونزغه بكلمة سوء اى رماه
بها وطعن فيه ومنه الحديث : صباح المولود حين يقع نزغة من الشيطان ، اى نخسة
وطعنة .
( 3 ) في المصدر : اخذ اهل النار في لوم ابليس .
( 4 ) في المصدر : وقضى بينهم .
( 5 ) في المصدر : من يشفع .
( 6 ) إلى هنا ينتهى الحديث .
( 7 ) في المصدر : وتقرير الكلام .
( 8 ) الاعلى : 17 .
[162]
نعته ( 1 ) : كقوله : " حب الحصيد " ( 2 ) .
وأما قوله : " ما كان لي عليكم من سلطان " أي قدرة ومكنة وتسلط وقهر
فأقهركم على الكفر والمعاصي والجئكم إليها ، " إلا أن دعوتكم " إلا دعائي إليكم إلى
الضلالة ( 3 ) بوسوستي وتزييني ، والاستثناء منقطع أو متصل ، لان قدرة الانسان على حمل
الغير على عمل من الاعمال تارة تكون بالقهر والقسر ، وتارة تكون بتقوية الداعية في
قلبه بالقاء الوساوس إليه ، فهذا نوع من أنواع التسليط ( 4 ) ، إلا أن ظاهر هذه الآية
يدل على أن الشيطان لا قدرة له على تصريع الانسان ، ولا على تعويج أعضائه وجوارحه
ولا على إزالة العقل عنه كما تقوله العوام والحشوية ، ثم قال : " فلا تلوموني ولوموا
أنفسكم " يعني ما كان مني إلا الدعاء والوسوسة وكنتم سمعتم دلائل الله وشاهدتم مجئ
أنبياء الله ، فكان من الواجب عليكم أن لا تغتروا بقولي ولا تلتفتوا إلى ، فلما رجحتم
قولي على الدلائل الظاهرة كان اللوم عليكم لا علي في هذا الباب .
وفي هذه الآية مسألتان : الاولى : قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على أشياء :
الاول : أنه لو كان الكفر والمعصية من الله تعالى لوجب أن يقال : فلا تلوموني
ولا على أنفسكم فان الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه .
والثاني : ظاهر هذه الآية تدل على أن الشيطان لا قدرة له على تصريع الانسان
وعلى تعويج أعضائه ولا على إزالة العقل عنه كما تقوله العوام والحشوية .
والثالث : هذه الآية تدل على أن الانسان لا يجوز ذمه ولومه وعقابه بسبب
فعل الغير ، وعند هذا يظهر أنه لا يجوز عقاب أولاد الكفار بسبب كفر آبائهم .
وأجاب بعض الاصحاب عن هذه الوجوه بأن هذا القول الشيطان فلا يجوز التمسك
( هامش 162 ) ( 1 ) في المصدر : [ إلى نفسه ] والظاهر انه مصحف من الطابع .
( 2 ) ق : 9 .
( 3 ) في المصدر : الا دعائى اياكم إلى الضلالة .
( 4 ) في المصدر : من انواع التسلط .
[163]
به ، وأجاب الخصم عنه بأنه لو كان هذا القول منه باطلا لبين الله تعالى بطلانه وأظهر
إنكاره وأيضا أي فائدة في ذكر هذا الكلام الباطل والقول الفاسد ؟ ألا ترى أن قوله : " إن
الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم " كلام حق ؟ وقوله : " وما كان لي عليكم
من سلطان " قول حق ؟ بدليل قوله : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك
من الغاوين " .
الثانية : هذه الآية تدل على أن الشيطان الاصلي هو النفس ، وذلك لان
الشيطان بين أنه ما أتى إلا بالوسوسة ، فلولا الميل الحاصل بسبب الشهوة والغضب
والوهم والخيال لم يكن لوسوسة تأثير البتة ، فدل هذا على أن الشيطان الاصلي
هو النفس .
فان قال قائل : بينوا لنا حقيقة الوسوسة .
قلنا : الفعل إنما يصدر عن الانسان لحصول ( 1 ) امور أربعة يترتب بعضها على
البعض ترتيبا لازما طبيعيا .
بيانه : أن أعضاء الانسان بحكم السلامة الاصلية والصلاحية الطبيعية صالحة
للفعل والترك والاقدام والاجحام ، فلما لم يحصل في القلب ميل إلى ترجيح الفعل على
الترك أو بالعكس فانه يمتنع صدور الفعل ، وذلك الميل هو الارادة الجازمة والقصد
الجازم ، ثم إن تلك الارادة الجازمة لا تحصل إلا عند حصول علم واعتقاد ( 2 ) أو ظن
بأن ذلك الفعل سبب للنفع أو سبب للضرر ، فان لم يحصل فيه الاعتقاد لم يحصل
ميل ، لا إلى الفعل ولا إلى الترك .
فالحاصل : أن الانسان إذا أحس بشئ ترتب عليه شعور بكونه ملائما له أو
بكونه منافرا له ، أو بكونه غير ملائم ولا منافر ، فان حصل الشعور بكونه ملائما له
ترتب عليه الميل الجازم إلى الفعل ، وإن حصل الشعور بكونه منافرا له ترتب عليه
الميل الجازم إلى الترك ، وإن لم يحصل لا هذا ولاذاك لم يحصل ميل لا إلى الشئ
( هامش 163 ) ( 1 ) في النسخة : [ عن الانسان لامور ] وفى المصدر : عند حصول امور اربعة .
( 2 ) في المصدر : او اعتقاد .
[164]
ولا إلى ضده ، بل بقي الانسان كما كان ، وعند حصول ذلك الميل الجازم يصير القدرة
مع ذلك الميل موجبا للفعل ، إذا عرفت هذا فنقول : صدور الفعل عن مجموعي القدرة
والداعي الخالص أمر واجب فلا يكون للشيطان مدخل فيه ، وصدور الميل عن تصور
كونه خيرا أو تصور كونه شرا أمر واجب ، فلا يكون للشيطان مدخل فيه ، وحصول
تصور كونه خيرا أو تصور كونه شرا غير مطلق الشعور بذاته أمر لازم فلا مدخل للشيطان
فيه ، فلم يبق للشيطان مدخل في هذه المقامات ( 1 ) إلا في أن أذكره شيئا ( 2 ) بأن يلقي إليه
حديثه مثل أن كان الانسان غافلا عن صورة امرأة فيلقي الشيطان حديثها في خاطره ، والشيطان
لا قدرة له إلا في هذا المقام وهو عين ما حكى الله تعالى عنه أنه قال : " وما كان لي
عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي " يعني ما كان مني إلا هجس ( 3 ) هذه
الدعوة ، فأما بقية المراتب ما صدرت مني وما كان لي أثر البتة .
بقي في هذا المقام سؤالان :
الاول : كيف يعقل تمكن الشيطان من النفوذ في داخل أعضاء الانسان وإلقاء
الوسوسة إليه .
والجواب : للناس في الملائكة والشياطين قولان :
الاول : ما سوى الله بحسب القسمة العقلية على أقسام ثلاثة : المتحيز ، والحال
في المتحيز ، والذي لا يكون متحيزا ولا حالا فيه .
وهذا القسم الثالث لم يقم الدليل البتة على فساد القول به ، بل الدلائل الكثيرة
قامت على صحة القول به ، وهذا هو المسمى بالارواح فهذه الارواح إن كانت طاهرة
مقدسة من عالم الروحانيات المقدسة ( 4 ) فهم الملائكة ، وإن كانت خبيثة داعية إلى
( هامش 164 ) ( 1 ) في المصدر : في شئ من هذه المقامات .
( 2 ) في النسخة المخطوطة والمطبوعة بتبريز : [ أن ذكره شيئا ] وفى المصدر : ان
يذكره شيئا .
( 3 ) هجس الشئ في صدره : خطر بباله . وفى المصدر : الا مجرد هذه الدعوة .
( 4 ) في المصدر : الروحانيات القدسية .
[165]
الشرور وعالم الاجساد ومنازل الظلمات فهم الشياطين .
إذا عرفت هذا فنقول : فعلى هذا التقدير الشيطان لا يكون جسما يحتاج إلى الولوج
في داخل البدن ، بل هو جوهر روحاني خبيث الفعل مجبول على الشر ، والنفس الانسانية
أيضا كذلك ، فلا يبعد على هذا التقدير أن يلقي شئ من تلك الارواح أنواعا من الوساوس
والاباطيل إلى جوهر النفس الانسانية .
وذكر بعض العلماء في هذا الباب احتمالا ثانيا وهو أن النفس الناطقة البشرية
مختلفة بالنوع ، فهي طوائف وكل طائفة منها في تدبير روح من الارواح السماوية بعينها ،
فنوع من النفوس البشرية تكون حسنة الاخلاق كريمة الافعال موصوفة بالفرح والسرور
وسهولة الامر ، وهي تكون منتسبة إلى روح معين من الارواح السماوية وطائفة
اخرى منها تكون موصوفة بالحدة والقسوة والغلظة وعدم المبالاة بأمر من الامور
وهى تكون منتسبة إلى روح اخرى من الارواح السماوية ، وهذه الارواح البشرية
كالعون ( 1 ) لتلك الروح السماوي وكالنتائج الحاصلة وكالفروع المتفرعة عليها ، وتلك
الروح السماوية هي التي تتولى إرشادها إلى مصالحها ، وهى التي تخصها ( 2 ) بالالهامات
في حالتي النوم واليقظة ، والقدمآء كانوا يسمون تلك السماوي بالطباع التام
ولا شك أن لتلك الروح السماوية ( 3 ) التي هي الاصل والينبوع شعب كثيرة ونتايج
كثيرة وهي بأسرها تكون من جنس روح هذا الانسان وهي لاجل مشاكلتها ومجانستها
يعين بعضها بعضا على الاعمال اللائقة بها والافعال المناسبة لطبائعها .
ثم إنها إن كان خيرة طاهرة طيبة كانت ملائكة وكانت تلك الاعانة مسماة
بالالهام ، وإن كانت شريرة خبيثة قبيحة الاعمال كانت شياطين ، وكانت تلك الاعانة
مسماة بالوسوسة ، وذكر بعض العلماء أيضا فيه احتمالا ثالثا وهو أن النفوس البشرية
( 1 ) في المصدر : كالاولاد لذلك الروح السماوى .
( 2 ) في المصدر : وذلك الروح هو الذى يتولى ارشادها إلى مصالحها وهو الذى .
( 3 ) في المصدر : [ ذلك الروح السماوى ] وفيه : ولا شك ان لذلك الروح السماوى الذى هو الاصل .
[166]
والارواح الانسانية إذا فارقت أبدانها قويت في تلك الصفات التي اكتسبتها في تلك الابدان
وكملت فيها ، فاذا حدثت نفس اخري مشاكلة لتلك النفس المفارقة في بدن مشاكل لبدن تلك
النفس المفارقة حدث بين تلك النفس المفارقة وبين هذا البدن نوع تعلق بسبب المشاكلة
الحاصلة بين هذا البدن وبين ما كان بدنا لتلك النفس المفارقة تعلق شديد ( 1 ) بهذا البدن
وتصير تلك النفس المفارقة معاونة لهذه النفس المتعلقة بهذا البدن ومعاضدة لها على أفعالها
وأحوالها بسبب هذه المشاكلة .
ثم إن كان هذا المعنى في أبواب الخير والبر كان ذلك إلهاما ، وإن كان من
باب ( 2 ) الشر كان ذلك وسوسة ، فهذه وجوه محتملة تفريعا على القول باثبات جواهر قدسية
مبرأة من الحجمية والتحيز ، ( 3 ) والقول بالارواح الطاهرة والخبيثة كلام مشهور
عند قدمآء الفلاسفة فليس لهم أن ينكروا إثباتها على صاحب شريعتنا صلوات الله عليه .
وأما القول الثاني ، وهو أن الملائكة والشياطين لابد وأن تكون أجساما ، فنقول
على هذا التقدير يمتنع أن يقال : إنها أجسام كثيفة ، بل لابد من القول بأنها أجسام
لطيفة ، والله سبحانه ركبها تركيبا عجيبا ، وهي أن تكون مع لطافتها لا يقبل التفرق
والتمزق والفساد والبطلان ، ونفوذ الاجرام اللطيفة في عمق الاجرام الكثيفة غير
مستبعد ، ألا ترى أن الروح الانسانية جسم لطيف ثم إنه نفذ في داخل عمق البدن ، وإذا
عقل ذلك فكيف يستبعد نفوذ أنواع كثيرة من الاجسام اللطيفة في داخل هذا البدن ؟ أليس
أن جرم الناس سرى في جرم الفحم ، وماء الورد سرى في ورق الورد ، ودهن السمسم سرى
في جسم السمسم فكذا ههنا ( 4 ) فظهر بما قررنا أن القول باثبات الجن والشياطين
( هامش 166 ) ( 1 ) في المصدر : فيصير لتلك النفس المفارقة تعلق شديد بهذا البدن .
( 2 ) في المصدر : وان كان في باب الشر .
( 3 ) في المصدر : مبرأة عن الجسمية والتحيز .
( 4 ) ويمكن ان يستدل لذلك بوجود الاصوات التى نسمعها من المسافات البعيدة
فهى مع لطافتها وعبورها عن مصادمات كثيرة لا نتفرق ولا نتمزق : ولا تدخلها الفساد .
[167]
أمر لا تحيله العقول ولا تبطله الدلائل ، وأن الاصرار على الانكار ليس إلا من نتيجة الجهل وقلة الفطنة .
ولما ثبت أن القول بالشياطين ممكن في الجملة فنقول : الاخلق والاولى
أن يقال : الملائكة على هذا القول مخلوقون من النور وأن الشياطين مخلوقون من
الدخان واللهب كما قال تعالى : " والجان خلقناه من قبل من نار السموم ( 1 ) " وهذا
الكلام من المشهورات عند قدمآء الفلاسفة فكيف يليق بالعاقل أن يستبعده من صاحب
شريعتنا صلوات الله عليه ؟ انتهى ( 2 ) .
وقال البيضاوي : " فلا تلوموني " بوسوستي فان من صرح العداوة لايلام بأمثال
ذلك " ولوموا أنفسكم " حيث أطعتموني إذ دعوتكم ، ولم تطيعوا ربكم لما دعاكم " ما أنا
بمصرحكم " بمغيثكم من العذاب " وما أنتم بمصرخي " بمغيثي " إني كفرت بما
أشركتمون من قبل " ما إما مصدرية وهي متعلقة بأشركتموني ، أي كفرت اليوم باشراككم
إياي من قبل هذا اليوم ، أي في الدنيا بمعنى تبرأت منه واستكبرت ( 3 ) كقوله تعالى : " ويوم
القيامة يكفرون بشرككم " أو موصولة بمعنى " من " ومن متعلقة بكفرت أي كفرت بالذي
أشركمتونيه وهو الله تعالى بطاعتكم إياي فيما دعوتكم إليه من عبادة الاصنام وغيرها من
قبل إشراككم حين رددت أمره بالسجود لآدم .
وأشرك : منقول من شركت زيدا للتعدية إلى مفعول ثان " إن الظالمين " تتمة
كلامه أو ابتداء كلام من الله ( 4 ) .
وقال في قوله سبحانه : " وحفظناها من كل شيطان رجيم " : فلا يقدر أن يصعد إليها
ويوسوس أهلها ويتصرف في أمرها ويطلع على أحوالها " إلا من استرق السمع " بدل


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 167 سطر 19 الى ص 175 سطر 18

من " كل شيطان " واستراق السمع : اختلاسه سرا ، شبه به خطفتهم اليسيرة من قطان
( هامش 167 ) ( 1 ) الحجر : 27 .
( 2 ) تفسير الرازى 19 : 112 114 .
( 3 ) في المصدر : واستنكرته .
( 4 ) انوار التنزيل 1 : 634 .
[168]
السماوات لما بينهم من المناسبة في الجوهر ، أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب
وحركاتها .
وعن ابن عباس : أنهم كانوا لا يحتجبون عن السماوات ، فلما ولد عيسى منعوا
من ثلاث سماوات ، ولما ولد محمد صلى الله عليه وآله منعوا من كلها بالشهب ، ولا يقدح فيه تكونها
قبل المولد لجواز أن تكون لها أسباب أخر .
وقيل : الاستثنآء منقطع : أي ولكن من استرق السمع " فأتبعه " أي فتبعه
ولحقه " شهاب مبين " ظاهر للمبصرين .
والشهاب : شعلة نار ساطعة ، وقد يطلق للكوكب والسنان لما فوقها من
البريق ( 1 ) .
وقال الرازي في قوله : " إلا إبليس " : أجمعوا على أن إبليس كان مأمورا بالسجود
لآدم ، واختلفوا في أنه هل كان من الملائكة أم لا ( 2 ) ؟ وظاهره أن الله تعالى تكلم مع
إبليس بغير واسطة ، وأن إبليس تكلم مع الله بغير واسطة ، فكيف يعقل هذا ؟ مع أن
مكالمة الله تعالى بغير واسطة من أعظم المناصب وأشرف المراتب ، فكيف يعقل حصوله لرأس
الكفر ورئيسهم ؟
لعل الجواب عنه : أن مكالمة الله تعالى إنما كان منصبا عاليا إذا كان على سبيل
الاكرام والاعظام فأما إذا كان على سبيل الاهانة والاذلال فلا ( 3 ) .
قوله : " فاخرج منها " قال البيضاوي : أي من السمآء أو من الجنة ، أو من
زمرة الملائكة ، " فانك رجيم " مطرود عن الخير والكرامة ، فان من يطرد يرجم
بالحجر ، أو شيطان يرجم بالشهب ، وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته ، " وإن عليك
اللعنة " هذا الطرد والابعاد " إلى يوم الدين " فانه منتهى أمد اللعن لانه يناسب أيام
التكليف لازمان الجزاء .
( هامش 168 ) ( 1 ) انوار التنزيل 1 : 645 و 646 .
( 2 ) احال الرازى جوابه إلى ما تقدم في سورة البقرة .
( 3 ) تفسير الرازى 19 : 182 و 183 .
[169]
قيل : وما في قوله : " فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " بمعنى آخر
ينسى عنده هذه .
وقيل : إنما حد اللعن به لانه أبعد غاية يضربها الناس ، أو لانه يعذب فيه
بما ينسي اللعن معه فيصير كالزائل " قال رب فأنظرني " فأخرني ، والفاء متعلقة بمحذوف
دل عليه : فاخرج منها فانك رجيم " إلى يوم يبعثون " أراد أن يجد فسحة في الاغواء
ونجاة عن الموت إذ لاموت بعد وقت البعث ، فأجابه إلى الاول دون الثاني ، " قال فانك
من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " المسمى فيه أجلك عند الله ، أو انقراض الناس
كلهم هو النفخة الاولى عند الجمهور ، ويجوز أن يكون الايام الثلاثة يوم القيامة ( 1 )
واختلاف العبارات لاختلاق الاعتبارات ، فعبر عنه أولا بيوم الجزاء لما عرفت ، وثانيا
بيوم البعث إذ به يحصل العلم بانقطاع التكليف واليأس عن التضليل ، وثالثا بالمعلوم
لوقوعه في الكلامين ولا يلزم منه أن لا يموت فلعله يموت أول اليوم ويبعث الخلائق في
تضاعيفه ( 2 ) .
" قال رب بما أغويتني " البآء للقسم وما مصدرية وجوابه " لازينن لهم
في الارض " والمعنى اقسم باغوائك إياي لازينن لهم المعاصي في الدنيا التي هى
دار الغرور لقوله ( 3 ) : " أخلد إلى الارض ( 4 ) " وقيل : للسببية ، والمعتزلة أو لوا
الاغواء بالنسبة إلى الغي أو التسبب له بأمره إياه بالسجود لآدم عليه السلام أو باضلاله
عن طريق الجنة ( 5 ) .
( هامش 169 ) ( 1 ) في المصدر : ويجوز ان يراد بالايام الثلاثة يوم القيامة .
( 2 ) ثم ذكرنا ما ذكره الرازى قبلا من الوجه لمخاطبة الله اياه فقال : وهذه المخاطبة
وان لم تكن بواسطة لم تدل على علو منصب ابليس لان خطاب الله تعالى له على سبيل الاهانة
والادلال .
( 3 ) في المصدر : كقوله .
( 4 ) الاعراف : 175 .
( 5 ) انوار التنزيل 1 : 648 و 649 .
[170]
وقال الرازي : اعلم أن أصحابنا قد احتجوا بهذه الآية على أنه تعالى قد يريد
خلق الكفر في الكافر ويضله عن الدين ويغويه عن الحق من وجوه : الاول : أن
إبليس استمهل وطلب البقاء إلى يوم القيامة مع أنه صرح بأنه إنما يطلب هذا ( 1 )
لاغواء بني آدم وإضلالهم ، وأنه تعالى أمهله وأجابه إلى هذا المطلوب ، ولو كان تعالى
يراعي صلاح المكلفين في ( 2 ) الدنيا لما أمهله هذا الزمان الطويل ولما أمكنه من الاغواء
والاضلال والوسوسة .
والثاني : أن أكابر الانبيآء والاوليآء مجدون مجتهدون في إرشاد الخلق إلى
الدين الحق وإن إبليس ورهطه وشيعته مجدون مجتهدون في الاغوآء فلو كان مراد الله هو
الارشاد والهداية لكان من الواجب إبقاء المرشدين والمحقين ، وإهلاك المضلين والمغوين
وحيث فعل بالضد علمنا أنه أراد بهم الخذلان والكفر .
ثم قال : أما الاشكال الاول فللمعتزلة فيه طريقان :
الاول وهو طريقة الجبائي أنه تعالى إنما أمهل إبليس تلك المدة الطويلة
لانه تعالى علم أنه لا تتفاوف أحوال الناس بسبب وسوسته في الكفر والمعصية البتة ، علم
أن كل من كفر وعصى عند وسوسته فانه بتقدير ( 3 ) أن لا يوجد إبليس ولا وسوسته فان
ذلك الكافر والعاصي كان يأتي بذلك الكفر والمعصية ، فلما كان الامر كذلك لا جرم
أمهله هذه المدة الطويلة .
الثاني وهو طريقة أبي هاشم أنه لا يبعد أن يقال : إنه تعالى علم أن أقواما
يقعون بسبب وسوسته في الكفر والمعاصي إلا أن وسوسته ما كانت موجبة لذلك الكفر
وتلك المعاصي ، غاية ( 4 ) ما في هذا البأب أن يقال : الاحتراز عن القبائح حال عدم
( هامش 170 ) ( 1 ) في المصدر : هذا الامهال والابقاء .
( 2 ) في المصدر : مصالح المكلفين في الدين .
( 3 ) في المصدر : [ علم انه لا يتفاوت احوال الناس بسبب وسوسته فبتقدير ان لا يوجد
ابليس ] وقد سقط عنه ما بقى ، او كان الزيادة في نسخة المضف من قبل الناسخ .
( 4 ) في المصدر : ما كانت موجبة لذلك الكفر والمعصية بل الكافر والعاصى بسبب
اختياره اختار ذلك الكفر وتلك المعصية ، اقصى ما في الباب .
[171]
الوسوسة أسهل منه حال وجودها إلا أنه على هذا التقدير تصير وسوسته سببا لزيادة
المشقة في أداء الطاعات ، وذلك لا يمنع الحكيم من فعله كما أن إنزال المشاق والمشتبهات
سبب الشبهات ( 1 ) ، ومع ذلك فلم يمتنع فعله فكذا ههنا ، وهذان الطريقان هما بعينهما
الجواب عن السؤال الثاني ( 2 ) .
" إلا عبادك منهم المخلصين " استثناهم لانه علم أن كيده لا يعمل فيهم .
وقرأ ابن كثير وابن عامر بكسر اللام الباقون بالفتح ، فعلى الاول أي الذين
أخلصوا دينهم وعبادتهم من كل شائب يناقض الايمان والتوحيد ، وعلى الثاني معناه
الذين أخلصهم الله بالهداية والايمان .
" هذا صراط علي مستقيم " فيه وجوه :
الاول : أن إبليس لما قال : " إلا عبادك منهم المخلصين " فلفظ " المخلصين "
يدل على الاخلاص فقوله " هذا " عائد إليه ، والمعنى أن الاخلاص طريق علي وإلى
أي يؤدي إلى كرامتي ، وقال الحسن : معناه هذا صراط إلي مستقيم ، وقال آخرون :
هذا صراط من مر عليه ، فكأنه مر على رضواني وكرامتي ، وهو كما يقال : طريقك علي .
الثاني : أن الاخلاص طريق العبودية ، فقوله : " هذا صراط علي مستقيم "
أي هذا الطريق في العبودية طريق على مستقيم قال بعضهم : لما ذكر أن إبليس يغوي
بني آدم إلا من عصمه الله بتوفيقه تضمن هذا الكلام تفويض الامور إلى الله تعالى وإلى إرادته ،
فقال تعالى " هذا صراط علي " أي تفويض الامور إلى إرادتي " طريق مستقيم " .
" إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " اعلم أن إبليس لما قال : " لازينن لهم في
الارض إلا عبادك ( 3 ) منهم المخلصين " أو هم هذا الكلام أن له سلطانا على عباد الله الذين
لا يكونون من المخلصين ، فبين الله تعالى أنه ليس له سلطان على أحد من عبيد الله سواء كانوا
( هامش 171 ) ( 1 ) في المصدر : وانزال المتشابهات صار سببا لمزيد الشبهات .
( 2 ) تفسير الرازى 19 : 182 188 .
( 3 ) في المصدر : لازينن لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين الا عبادك .
[172]
مخلصين أو لم يكونوا مخلصين بل من اتبع منهم ابليس باختياره صار تبعا له ، ولكن حصول
تلك المتابعة أيضا ليس لاجل أن إبليس ( 1 ) أوهم أن له على بعض عباد الله سلطانا فبين
تعالى كذبه وذكر أنه ليس له على أحد منهم سلطان ولا قدرة أصلا ، ونظير هذه
الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس : " وما كان لي عليكم من سلطان " الآية ، وقوله :
" ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين
يتولونه والذينهم به مشركون " وقال الجبائي : هذه الآية تدل على بطلان قول من
زعم أن الشيطان والجن يمكنهم صرع الناس وإزالة عقولهم كما تقوله العامة ، وربما
نسبوا ذلك إلى السحرة ، وقال : ذلك خلاف نص القرآن ، وفي الآية قول آخر : وهو
أن إبليس لما قال : " إلا عبادك منهم المخلصين " فذكر أنه لا يقدر على إغواء المخلصين
صدقه الله وقال : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " فلهذا قال الكلبي : المذكورون
في هذه الآية هم الذين استثناهم إبليس .
واعلم أنه على القول الاول يمكن أن يكون قوله : " إلا من اتبعك " استثناء
لان المعنى أن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ، فان لك
عليهم سلطانا بسبب كونهم منقادين لك في الامر والنهي ، وأما على القول الثاني فيمتنع
أن يكون استثناء بل يكون إلا بمعنى لكن " وإن جهنم لموعدهم أجمعين " قال ابن
عباس : يريد إبليس وأشياعه ومن اتبعه من الغاوين ( 2 ) " فزين لهم الشيطان
أعمالهم " قالت المعتزلة : الآية تدل على فساد قول المجبرة من وجوه ( 3 ) شتى .
( هامش 172 ) ( 1 ) في العبارة سقط والصحيح كما في المصدر : ولكن حصول تلك المتابعة ايضا ليس
لاجل أن ابليس يقهره على تلك المتابعة او يجبره عليها والحاصل في هذا القول ان ابليس
اوهم .
( 2 ) التفاسير مأخوذة من تفسير الرازى باختصار ، راجع تفسير الرازى 19 :
190 و 191 .
( 3 ) ذكر الرازى في تفسيره 20 : 61 وقال : انه اذا كان خالق اعمالهم
هو الله تعالى فلا فائدة في التزيين . والثانى : ان ذلك التزيين لما كان بخلق الله تعالى
[173]
" فهو وليهم اليوم " فيه احتمالات ( 1 ) :
الاول أن المراد منه كفار مكة ، يقول : الشيطان وليهم اليوم يتولى إغواءهم
وصرفهم عنك كما فعل بكفار الامم قبلك .
الثاني : أنه أراد " باليوم " يوم القيامة يقول : فهو ولي اولئك الذين زين
لهم أعمالهم يوم القيامة فلا ولي لهم ذلك اليوم ولا ناصر ( 2 ) .
" فاذا قرأت القرآن " ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الاستعاذة بعد
القراءة ، وأما الاكثرون فقد اتفقوا على أن الاستعاذة متقدمة .
فالمعنى : إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ ، والمراد بالشيطان في هذه الآية
قيل : إبليس ، والاقرب أنه للجنس لان لجميع المردة من الشياطين حظا من الوسوسة
ولما أمر الله رسوله بالاستعاذة من الشيطان وكان ذلك يوهم أن للشيطان قدرة على
التصرف في أبدان الناس ، فأزال الله تعالى هذا الوهم وبين أنه لا قدرة له البتة إلا
على الوسوسة ، فقال : " إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون " .
ويظهر من هذا أن الاستعاذة إنما تفيد إذا خطر في قلب الانسان كونه ضعيفا
وأنه لا يمكنه التحفظ عن وسوسة الشيطان إلا بعصمة الله .
" إنما سلطانه على الذين يتولونه " قال ابن عباس : يطيعونه ، يقال : توليته
أي أطعته ، وتوليت عنه أي أعرضت عنه .
" والذينهم به مشركون " الضمير راجع إلى ربهم أو إلى الشيطان ، أي بسببه
( هامش 173 ) ( هامش ص 172 ) لم يجز ذم الشيطان بسببه ، والثالث : ان التزيين هو الذى يدعو الانسان إلى الفعل واذا
كان حصول الفعل فيه بخلق الله تعالى كان ضروريا فلم يكن التزيين داعيا . والرابع : ان
على قولهم الخالق لذلك اجد ران يكون وليا لهم من الداعى اليه . والخامس : انه تعالى
اضاف التزيين إلى الشيطان ولو كان ذلك المزين هو الله تعالى لكانت اضافته إلى الشيطان كذبا .
( 1 ) الصحيح : فيه احتمالان ، كما في التفسير .
( 2 ) اختصره من تفسير الرازى 20 : 61 و 62 .
[174]
مشركون بالله ( 1 ) " كانوا إخوان الشياطين " المراد من هذه الاخوة التشبه بهم في هذا
الفعل القبيح ، وذلك لان العرب يسمون الملازم للشئ أخا له فيقول : فلان أخو
الكرم والجود وأخو الشعر ، إذا كان مواظبا على هذه الافعال .
وقيل : أي قرناءهم في الدنيا والآخرة ) " وكان الشيطان لربه كفورا " معنى
كون الشيطان كفورا لربه هو أن يستعمل بدنه في المعاصى والافساد في الارض والاضلال
للناس . وكذلك من رزقه الله مالا أوجاها فصرفه إلى غير مرضات الله كان كفورا لنعمة
الله ، والمقصود أن المبذرين موافقون للشياطين في الصفة والفعل ، ثم الشيطان كفور
بربه فلزم كون المبذر كفورا بربه ( 2 ) .
" إن الشيطان ينزغ بينهم " أي يفسد بينهم ويغري بينهم " إن الشيطان كان
للانسان عدوا مبينا " أي العداوة الحاصلة بين الشيطان وبين الانسان عداوة قديمة .
وقال البيضاوي في قوله : " لمن خلقت طينا " : لمن خلقته من طين ، فنصب
بنزع الخافض ، ويجوز أن يكون حالا من الراجع إلى الموصول ، أي خلقته وهو
طين أو منه ، أئ أسجد له وأصله طين ؟ وفيه على الوجوه إيماء بعلة الانكار " قال
أرأيتك هذا الذي كرمت علي " الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الاعراب ، وهذا
مفعول أول ، والذي صفته ، والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه ، والمعنى أخبرني
عن هذا الذي كرمته علي بأمري بالسجود له لم كرمته على ؟ " لئن أخرتن إلى يوم
القيامة " كلام مبتدء واللام موطئة للقسم وجوابه " لاحتنكن ذريته إلا قليلا "
أي لاستأصلنهم بالاغواء إلا قليلا لا أقدر أن اقاوم شكيمتهم ، من احتنك الجراد
الارض : إذا جرد ما عليها أكلا ، مأخوذ من الحنك ، وإنما علم أن ذلك يتسهل
له إما استنباطا من قول الملائكة : " أتجعل فيها من يفسد فيها " ( 3 ) مع التقرير ،
أو تفرسا من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب " قال اذهب " امض لما قصدته ، وهو طرد
( هامش 174 ) ( 1 ) مختصر مما في تفسير الرازى 20 : 114 و 115 .
( 2 ) مختصر مما في تفسير الرازى 20 : 193 و 194 .
[175]
وتخلية بينه وبين ما سولته له نفسه " فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم " جزاؤك
وجزاؤهم ، فغلب المخاطب على الغائب ، ويمكن أن يكون الخطاب للتابعين على
الالتفات " جزاء موفورا " مكملا من قولهم : " فر لصاحبك عرضه " ( 1 ) وانتصاب جزاء
على المصدر باضمار فعله ، أو بما في جزاءكم من معنى تجازون ، أو حال موطئة لقوله :
" موفورا " " واستفزز " واستخف " من استطعت منهم " أن تستفزه . والفز : الخفيف
" بصوتك " بدعائك إلى الفساد ( 2 ) .
وقال الرازي : يقال : أفزه الخوف واستفزه أي أزعجه واستخفه ، وصوته
دعاؤه إلى معصية الله .
وقيل : أراد بصوتك الغناء واللهو واللعب ، والامر للتهديد " وأجلب عليهم "
قال الفراء إنه من الجلبة وهي الصياح ، وقال الزجاج في فعل وأفعل : أجلب على العدو
إجلابا : إذا جمع عليه الخيول ، وقال ابن السكيت : يقال : هم يجلبون عليه ويجلبون عليه
بمعنى أي يعينون عليه ( 3 ) وعن ابن الاعرابي : أجلب الرجل ( 4 ) الرجل : إذا توعده الشر
وجمع عليه الجمع ، فالمعنى على قول الفراء : صح عليهم بخيك ورجلك ، وعلى قول
الزجاج ، أجمع عليهم كل ما تقدر من مكائدك ، فالباء زائدة ، وعلى قول ابن السكيت
أعن عليهم ( 5 ) ، ومفعول الاجلاب محذوف كأنه يستعين على إغوائهم بخيله ورجله
وهذا يقرب من قول ابن الاعرابي ، واختلفوا في تفسير الخيل والرجل ، فروي عن
ابن عباس أنه قال : كل راكب أو راجل في معصية الله فهو من خيل إبليس وجنوده
ويدخل فيه كل راكب وماش في معصية الله ، فخيله ورجله كل من شاركه في الدعاء


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 175 سطر 19 الى ص 183 سطر 18

( هامش 175 ) ( 1 ) يقال : فر لصاحبك عرضه اى اثن عليه ولا تعبد .
( 2 ) انوار التنزيل 1 : 703 و 704 .
( 3 ) في المصدر : بمعنى انهم يعينون عليه .
( 4 ) في المصدر : اجلب الرجل على الرجل .
( 5 ) في المصدر : اعن عليهم بخيلك ورجلك .
[176]
إلى المعصية ، ويحتمل أن يكون لابليس جند من الشياطين بعضهم راكب وبعضهم
راجل . أو المراد منه ضرب المثل ، وهذا أقرب ، والخيل يقع على الفرسان وعلى الافراس
والرجل جمع راجل كالصحب والركب " وشاركهم في الاموال " هي عبارة عن كل تصرف قبيح
في المال ، سواء كان ذلك القبح بسبب أخذه من غير حقه أو وضعه في غير حقه ، ويدخل
فيه الربا والغصب والسرقة والمعاملات الفاسدة ، كذا قاله القاضي ، وقال قتادة : هي
أن جعلوا بحيرة وسائبة ، وقال عكرمة : هي تبكيتهم آذان الانعام .
وقيل : هي أن جعلوا من أموالهم شيئا لغير الله كما قال تعالى : " فقالوا هذ الله
بزعمهم وهذا لشركائنا " والاصوب ما قاله القاضي .
وأما المشاركة في الاولاد : فقالوا : إنه الدعاء إلى الزنا أو أن يسمو أولادهم
بعبد اللات وعبدالعزى ، أو أن يرغبوا أولادهم في الاديان الباطلة ، أو إقدامهم على
قتل الاولاد ووأدهم ، أو ترغيبهم في حفظ الاشعار المشتملة على الفحش ، أو ترغيبهم في
القتل والقتال والحرف الخبيثة الخسيسة .
والضابط أن يقال : إن كل تصرف من المرء في ولده على وجه يتأدى ذلك إلى
ارتكاب منكر وقبيح . فهو داخل فيه .
قوله تعالى عزوجل : " وعدهم " اعلم أنه لما كان مقصود الشيطان الترغيب
في الاعتقاد الباطل والعمل الباطل والتنفير عن اعتقاد الحق وعمل ( 1 ) الحق
ومعلوم أن الترغيب في الشئ لا يمكن إلا بأن يقرر عنده أنه لا ضرر البتة في
فعله ومع ذلك فانه يفيد المنافع العظيمة ، والتنفير عن الشئ لا يمكن إلا بأن
يقرر عنده أنه لا فائدة في فعله ، ومع ذلك فيفيد المضار العظيمة ، فاذا ثبت هذا
فنقول : إن الشيطان إذا دعا إلى المعصية فلا بد وأن يقرر أولا أنه لا مضرة
في فعله البتة ، وذلك لا يمكن إلا إذا قال : لا معاد ولا جنة ولا نار ولا حياة بعد هذه
( هامش 176 ) ( 1 ) في المصدر : الاعتقاد الحق والعمل الحق .
( 2 ) في المصدر : ولا حياة للانسان في هذه الدنيا الا به .
[177]
الحياة ، فبهذا الطريق يقرر عنده أنه لا مضرة البتة في فعل هذه المعاصي ، وإذا فرغ
من هذا المقام قرر عنده أن هذا الفعل يفيد أنواعا من اللذة والسرور ولا حياة
للانسان إلا في هذه الدنيا فتفويتها غبن وخسران ، وأما طريق التنفير عن الطاعة
فهو أن قرر أولا عنده أنه لا فائدة فيه من وجهين ( 1 ) :
الاول أنه لا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب .
والثاني : أن هذه العبادات لا فائدة فيها للعابد ولا للمعبود فكانت عبثا محضا
وإذا فرغ من هذا المقام قال : إنها يوجب التعب والمحنة ، وذلك أعظم المضار ، فهذه
مجامع تلبيس الشيطان ، فقوله : " وعدهم " يتناول كل هذه الاقسام :
قال المفسرون : " وعدهم " ( 2 ) بأنه لا جنة ولا نار ، أو بتسويف التوبة ، أو
بشفاعة الاصنام عند الله ، أو بالانساب الشريفة ، أو إيثار العاجل على الآجل .
وبالجملة فهذه الاقسام كثيرة وكلها داخلة في الضبط الذي ذكرناه " وما يعدهم
الشيطان إلا غرورا " لانه إنما يدعو إلى أحد ثلاثة امور : قضاء الشهوة وإمضاء
الغضب ، وطلب الرياسة والرفعة ( 3 ) ، ولا يدعو البتة إلى معرفة الله ولا إلى خدمته
وتلك الاشياء الثلاثة معيوبة من وجوه كثيرة :
أحدها : أنها في الحقيقة ليست لذات بل هي خلاص عن الآلام .
وثانيها : أنها وإنه كانت لذات ولكنها لذات خسيسة مشترك فيها بين الكلاب
والديدان والخنافس .
وثالثها : أنها سريعة الذهاب والانقضاء والانقراض .
ورابعها : أنها لا تحصل إلا بعد متاعب كثيرة ومشاق عظيمة .
وخامسها : أن لذات البطن والفرج لا يتم إلا بمزاولة رطوبات عفنة
مستقذرة .
( هامش 177 ) ( 1 ) في المصدر : وتقريره من وجهين : الاول أن يقول : لا جنة .
( 2 ) في المصدر : اى بانه لا جنة .
( 3 ) في المصدر : وعلو الدرجة .
[178]
وسادسها : أنها غير باقية بل يمنعها ( 1 ) الموت والهرم والفقر والحسرة على الفوت
والخوف من الموت ، فلما كانت هذه المطالب وإن كانت لذيذة بحسب الظاهر إلا أنها
ممزوجة بهذه الآفات العظيمة والمخافات الجسيمة كانت الترغيب فيها تغريرا " إن
عبادي " أي كلهم أو أهل الفضل والايمان منهم كما مر " وكفى بربك وكيلا " لما
أمن إبليس ( 2 ) بأن يأتي بأقصى ما يقدر عليه في باب الوسوسة وكان ذلك سببا لحصول
الخوف الشديد في قلب الانسان قال : " وكفى بربك وكيلا " ومعناه أن الشيطان وإن
كان قادرا فالله أقدر منه وأرحم بعباده من الل ، فهو تعالى يدفع عنه كيد الشيطان
ويعصمه من إضلاله وإغوائه ، وفيها دلالة على أن المعصوم من عصمه الله ، وأن الانسان
لا يمكنه أن يحترز بنفسه عن مواقع الضلال ( 3 ) .
وقال في قوله تعالى : " إنه كان من الجن " : للناس في هذه المسألة أقوال :
الاول : أنه من الملائكة ولا ينافي ذلك كونه من الجن ، ولهم فيه وجوه :
الاول : أن قبيلة من الملائكة يسمون بذلك بدليل قوله تعالى : " وجعلوا بينه
وبين الجنة نسبا ( 4 ) " وقوله تعالى : " وجعلوا لله شركاء الجن " ( 5 ) .
والثاني : أن الجن سمي جنا للاستتار ، فهم داخلون في الجنة ( 6 ) .
الثالث : أنه كان خازن الجنة فنسب إلى الجنة ، كقولهم : كوفي وبصري
وعن سعيد بن جبير : كان من الجانين الذين يعملون في الجنان جن من الملائكة ( 7 )
يصوغون حلي أهل الجنة مذخلقوا ، رواه القاضي في تفسيره عن هشام عن ابن جبير .
( هامش 178 ) ( 1 ) في المصدر : بل يبتعها .
( 2 ) في المصدر : من أن يأتى .
( 3 ) تفسير الرازى 21 : 5 9 .
( 4 ) الصافات : 158 .
( 5 ) الانعام : 100 .
( 6 ) في المصدر : والملائكة كذلك فهم داخلون في الجن .
( 7 ) في نسخة : [ من جن الملائكة ] وفي المصدر : حى من الملائكة .
[179]
وهو الثاني ( 1 ) أنه مخن الجن الذينهم الشياطين والذين خلقوا من النار
وهو أبوهم .
والثالث : قول من قال : كان من الملائكة فمسخ وغير ( 2 ) .
وقال البيضاوي : " كان من الجن " حخال باضمار " قد " أو استيناف للتعليل
كأنه قيل : ما له لم يسجد ؟ فقيل : كان من الجن " ففسق عن أمر ربه " فخرج عن
أمره بترك السجود ، والفاء للتسبب ، وفيه دليل على أن الملك لا يعصي البتة
وإنما عصى إبليس لانه كان جنيا في أصله ، " أفتتخذونه " أعقيب ما وجد منه
تتخذونه ؟ والهمزة للانكار والتعجب " وذريته " أولاده وأتباعه ، وسماهم ذريته
مجازا " أولياء من دوني " فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي " بئس للظالمين بدلا "
من الله إبليس وذريته " ما أشهدتهم " الخ نفي إحضار إبليس وذريته " خلق السماوات
والارض " وإحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما
صرح به بقوله : " وما كنت متخذ المضلين عضدا " أي أعوانا ردا لاتخاذهم أولياء
من دون الله شركاء له في العبادة ، فان استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك
فيه يستلزم الاشتراك فيها .
وقيل : الضمير للمشركين ، والمعنى ما أشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم
لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا تبعهم الناس كما يزعمون فلا يلتفت ( 3 ) إلى قولهم طمعا
في نصرتهم للدين ، فانه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلين ( 4 ) لديني .
وقال في قوله : " وما أنسانيه " الخ أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان فإن
" أذكره " بدل من الضمير وهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوسواسه ( 5 ) ولعله
( هامش 179 ) ( 1 ) اى الثانى من الاقوال .
( 2 ) تفسير الرازى 21 : 136 نقله باختصار .
( 3 ) في المصدر : فلا تلتفت .
( 4 ) انوار التنزيل 2 : 17 .
( 5 ) في المصدر : بوساوسه والحال وان كانت عجيبة لا ينسى مثلها لكنه لما ضرى
بمشاهدة امثالها عند موسى والفها قل اهتمامه بها .
[180]
نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجذاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من
مشاهدة الآيات الباهرة ، وإنما نسبه إلى الشيطان هضما لنفسه ، أو لان عدم احتمال القوة
للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الآخر يعد من نقصان ( 1 انتهى ، قوله تعالى : " لا
تعبد الشيطان " أي لا تطعه في عبادة الآلهة ، ثم علل ذلك بأن الشيطان عاص الله
والمطاوع للعاصي عاص ، " وليا " أي قرينا في اللعن أو العذاب تليه ويليك ، أو ثابتا
في موالاته فانه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب .
قوله : " والشياطين " قال البيضاوي : عطف أو مفعول معه لما روي أن الكفرة
يحشرون مع قرنائم من الشياطين الذين أغووهم كل مع شيطانه في سلسلة " جثيا " على
ركبهم لما يدهمهم من هول المطلع ، أو لانه من توابع التواقف للحساب ( 2 ) .
" إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين " قال الطبرسي : أي خلينا ( 3 ) بينهم و
بين الشياطين إذا وسوسوا إليهم ودعوهم إلى الضلال حتى أغووهم ولم يحل بينهم وبينهم
بالالجاء ولا بالمنع ، وعبر عن ذلك بالارسال على سبيل المجاز والتوسع ، وقيل :
معناه سلطانهم عليهم ويكون في معنى التخلية أيضا " تؤزهم أزا " أي تزعجهم إزعاجا
من الطاعة إلى المعصية عن ابن عباس .
وقيل : تغريهم إغراء بالشئ ( 4 ) تقول : امض في هذا الامر حتى توقعهم
في النار عن ابن جبير ( 5 ) .
قوله سبحانه : " ومن الشياطين من يغوصون له " قال الرازي : المراد أنهم
يغوصون له في البحار فيستخرجون الجواهر ويتجاوزن ذلك إلى الاعمال المهين ( 6 )
( هامش 180 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 20 .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 43 .
( 3 ) في نسخة : [ ولم يخل ] وفى المصدر : ولم نحل .
( 4 ) في نسخة : [ تغويهم اغواء بالشئ ] وفى المصدر : تغريهم اغراء بالشر .
( 5 ) مجمع البيان 6 : 530 و 531 .
( 6 ) في المصدر : إلى الاعمال والمهن .
[181]
وبناء المدن والقصور واختراع الصنائع العجيبة كما قال : " يعملون له ما يشاء من
محاريب وتماثيل " وأما الصناعات فكاتخاذ الحمام والنورة والطواحين والقوارير
والصابون ، وليس في الظاهر إلا أنه سخرهم ، لكنه قدر روي أنه تعالى سخر كفارهم
دون المؤمنين ، وهو الاقرب من وجهين :
أحدهما ، إطلاق لفظ الشياطين ، والثاني : قوله : " وكنا لهم حافظين " فان
المؤمن إذا سخر في أمر لا يجب أن يحفظ لئلا يفسد ، وإنما يجب ذلك في الكافر .
وفي قوله : " وكنا لهم حافظين وجوه :
أحدها : أنه تعالى وكل بهم جمعا من الملائكة أو جمعا من مؤمني الجن .
وثانيها : سخرهم الله تعالى بأن حبب إليهم طاعته وخوفهم من مخالفته .
وثالثها : قال ابن عباس : يريد وسلطانه مقيم عليهم يفعل بهم ما يشاء .
فان قيل : وعن أي شئ كانوا محفظين ؟ ( 1 ) .
قلنا فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه تعالى كان يحفظهم عليه لئلا يذهبوا ويتركوا
وثانيها كان يحفظهم من أن يهيجوا أحدا في زمانه ، وثالثها : كان يحفظهم من أن
يفسدوا ما عملوا وكان دأبهم أنهم يعملونه في النهارثم يفسدونه في الليل ، وسأل
الجبائي نفسه وقال : كيف يتهيأ لهم هذه الاعمال وأجسامهم رقيقة لا يقدرون على
عمل الثقيل ، وإنما يمكنهم الوسوسة ؟ وأجاب بأنه سبحانه كثف أجسامهم خاصة
وقواهم وزادهم في عظمهم ( 2 ) فيكون ذلك معجزة لسليمان عليه السلام ، فلما مات
سليمان عليه السلام ردهم إلى الخلقة الاولى لانه تعالى لو أبقاهم على الخلقة الثانية لصار
شبهة على الناس ، ولو ادعى متنبئ النبوة وجعله دلالة لكان كمعجزات الرسل ، فلذلك
ردم إلى خلقهم الاولى .
واعلم أن هذا الكلام ساقط من وجوه : أحدها لم قلت : إن الجن من الاجسام
ولم لا يجوز وجود محدث ليس بمتحيز ولا قائم بالمتحيز ويكون الجن منهم ؟
( هامش 181 ) ( 1 ) في المصدر : محفوظين .
( 2 ) في المصدر : وزاد في عظمهم .
[182]
فان قلت : لو كان الامر كذلك لكان مثلا للباري تعالى .
قلت : هذا ضعيف لان الاشتراك في اللوازم السلبية ( 1 ) ، سلمنا أنه جسم لكن
لم لا يجوز حصول القدرة على هذه الاعمال الشاقة في الجسم اللطيف ؟ وكلامه بناء
على أن البنية شرط وليس في يده إلا الاستقراء الضعيف ، سلمنا أنه لابد من تكثيف
أجسامهم لكن لم قلت : إنه لابد من ردها إلى الخلقة الاولى بعد موت سليمان عليه السلام
وقوله : لانه يفضي إلى التلبيس ( 2 ) ، قلنا : التلبيس غير لازم لان المتنبئ إذا جعل
ذلك معجزة لنفسه فللمدعو ( 3 ) أن يقول : لم لا يجوز أن يقال : إن قوة أجسادهم
كانت معجزة لنبي آخر قبلك ؟ ومع قيام هذا الاحتمال لا يتمكن المتنبئ من الاستدلال به ( 4 ) .
وقال البيضاوي : " ويتبع " في المجادلة أو في عامة أحواله " كل شيطان مريد "
متجرد للفساد ، وأصله العري ( 5 ) " كتب عليه " على الشيطان " من تولاه " تبعه والضمير
للشأن " فانه يضله " خبر لمن أو جواب له ، والمعنى كتب عليه إضلال من تولاه لانه
جبل عليه " ويهديه إلى عذاب السعير " بالحمل على ما يؤدي إليه ( 6 ) .
وقال في قوله : " في امنيته " في تشهيه بما يوجب ( 7 ) اشتغاله بالدنيا ، كما قال
( هامش 182 ) ( 1 ) فيه اختصار والموجود في المصدر : لان الاشتراك في اللوازم الثبوتية لا يدل على
الاشتراك في الملزومات فكيف اللوازم السلبية ؟
( 2 ) في المصدر : فان قال : لئلا يفضى إلى التلبيس .
( 3 ) في المصدر : فللمدعى .
( 4 ) تفسير الرازى 22 : 201 203 .
( 5 ) يقال : شجرة مرداء اى لا ورق لها ، ورملة مرداء : لا نبت عليها وغلام أمرد
لم تنبت لحيته . ومردت الغصن : القيت عنه لحاءه .
( 6 ) انوار التنزيل 2 : 95 .
( 7 ) في المصدر : ما يوجب .
[183]
صلى الله عليه وآله : وإنه ليغان ( 1 ) على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة " فينسخ
الله ما يلقي الشيطان " فيبطله ويذهب به بعصمته عن الركون والارشاد إلى ما يزيحه
" ثم يحكم الله آياته " ثم يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة " والله عليم "
بأحوال الناس " حكيم " فيما يفعله بهم " ليجعل ما يلقي الشيطان " علة لتمكين الشيطان
منه " للذين في قلوبهم مرض " شك ونفاق " والقاسية قلوبهم " المشركين ( 2 ) .
أقول : قد مضت الاقوال في نزول الآية في المجلد السادس .
من همزات الشياطين " أي وساوسهم " أن يحضرون " أن يحوموا حولي في شئ
من الاحوال ( 3 ) " فكبكبوا فيها هم والغاوون " أي الآلهة وعبدتهم ، والكبكبة تكرير
الكب ، معناه أنه القي في النار ينكب مرة بعد اخرى حتى يستقر في قعرها " و
جنود إبليس " متبعوه من عصاة الثقلين أو شياطينه ( 4 ) " وما تنزلت به الشياطين "
كما زعمت المشركون أنه من قبيل ما يلقي الشيطان إلى الكهنة " وما ينبغي لهم " وما يصلح
لهم أن ينزلوا به " وما يستطيعون " وما يقدرون " إنهم عن السمع " لكلام الملائكة
" لمعزولون " أي مصروفون عن استماع القرآن من السماء قد حيل بينهم وبين السمع
بالملائكة والشهب .
قيل : وذلك لانه مشروط بمشاركة في صفات الذات وقبول فيضان الحق
( هامش 183 ) ( 1 ) في النهاية : فيه : انه ليغان على قلبى حتى استغفر الله في اليوم سبعين مرة ،
الغين : الغيم وغينت السماء تغان : اذا اطبق عليها الغيم ، وقيل : الغين : شجر ملتف . اراد
ما يغشاه من السهو الذى لا يخلو منه البشر لان قلبه أبدا كان مشغولا بالله تعالى فان عرض له


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 183 سطر 19 الى ص 191 سطر 18

وقتا ما عارض بشرى يشغله : من امور الامة والملة ومصالحهما عد ذلك ذنبا وتقصيرا فيفزع
إلى الاستغفار انتهى أقول : لعل الصحيح انه اراد توجهه إلى الخلق إلى المأكل والمشرب
ولوازمها وما يطرأ على الانسان من اللوازم البشرية .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 107 و 108
( 3 ) انوار التنزيل : 127 و 128 .
( 4 ) انوار التنزيل : 182 .
[184]
ونفوسهم حينئذ ظلمانية شريرة ( 1 ) ثم لما بين سبحانه أن القرآن لا يصح أن يكون
مما تنزلت به الشياطين أكد ذلك ببيان من تنزلت عليه فقال : " هل انبئكم " إلى
قوله : " على كل أفاك أثيم " أي كذاب شديد الاثم " يلقون السمع وأكثرهم كاذبون "
أي الافاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنونا وأمارات لنقصان
علمهم فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق ، كذا قيل ( 2 ) .
وفي الكافي في خبر طويل عن الباقر عليه السلام قال : ليس من يوم وليلة إلا وجميع
الجن والشياطين تزور أئمة الضلال ، ويزور أئمة الهدى عددهم من الملائكة حتى
إذا أتت ليلة القدر ، فهبط ( 3 ) فيها من الملائكة إلى اولي الامر خلق الله ، أو قال
: قيض الله من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالافك والكذب حتى
لعله يصبح فيقول : رأيت كذا وكذا فلو سأل ولي الامر عن ذلك لقال : رأيت شيطانا
أخبرك بكذا وكذا حتى يفسر له تفسيرا ويعلمه الضلالة التي هو عليها ( 4 ) .
" ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " صدق في ظنه وهو قوله : " لاضلنهم
ولاغوينهم " وقرئ بالتشديد أي حققه " إلا فريقا من المؤمنين " أي إلا فريقا هم المؤمنون
لم يتبعوه ، وتقليلهم بالاضافة إلى الكفار ، أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه
في العصيان وهم المخلصون " من سلطان " أي من تسلط واستيلاء " إلا لنعلم " الخ أي
( هامش 184 ) ( 1 ) ذكره البيضاوى في تفسيره 1 : 189 فيه : وقبول فيضان الحق والانتقاش بالصور
الملكوتية ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لا تقبل ذلك والقرآن مشتمل على حقائق
ومغيبات لا يمكن تلقيها الا من الملائكة .
( 2 ) القائل هو البيضاوى في انوار التنزيل 2 : 190 وفيه : اكد ذلك بأن بين ان
محمدا صلى الله عليه وآله لا يصلح لان تنزلوا عليه من وجهين : احدهما انه يكون على شرير
كذاب كثير الاثم فان اتصال الانسان بالغائبات لما بينهما من التناسب والتواد وحال محمد
صلى الله عليه وسلم على خلاف ذلك ، وثانيهما قوله يلقون اه .
( 3 ) في المصدر : فيهبط .
( 4 ) اصول الكافى 1 : 253 .
[185]
إلا ليتعلق علمنا بذلك تعلقا يترتب عليه الجزاء ، أو ليتميز المؤمن من الشاك ، والمراد من
حصول العلم حصول متعلقة مبالغة ( 1 ) .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال : كان تأويل هذه الآية ، لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله
والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله : " إنه ينطق عن الهوى " فظن بهم
إبليس ظنا فصدقوا ظنه ( 2 ) .
وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام قال : لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن
ينصب أمير المؤمنين عليه السلام للناس في قوله : " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك "
في علي بغدير خم ، قال : " من كنت مولاه فعلي مولاه " فجاءت الابالسة إلى إبليس
الاكبر وحثوا التراب على رؤوسهم فقال لهم إبليس : مالكم ؟ قالوا : إن هذا الرجل
قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شئ إلى يوم القيامة ، فقال لهم إبليس : كلا إن الذين
حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني ، فأنزل الله عزوجل على رسوله : " ولقد
صدق عليهم إبليس ظنه " الآية ( 3 ) .
" إن الشيطان لكم عدو " عداوة عامة قديمة ، " فاتخذوه عدوا " في عقائدكم
وأفعالم وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم " إنما يدعوا " الخ تقدير لعداوته
وبيان لغرضه ( 4 ) .
" ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان " هو من جملة ما يقال لهم
يوم القيامة تقريعا وإلزاما للحجة ، وعهده إليهم ما نصب لهم من الدلائل العقلية
والسمعية الآمرة بعبادته الزاجرة عن عبادة غيره ، وجعلها عبادة الشيطان لانه الآمر بها
المزين لها .
( هامش 185 ) ( 1 ) اختصره من انوار التنزيل 2 : 288 و 289 .
( 2 ) الحديث طويل رواه الكلينى في الروضة : 345 .
( 3 ) تفسير القمى : 538 رواه عن ابيه عن ابن ابى عمير عن ابن سنان .
( 4 ) انوار التنزيل 2 : 297 .
[186]
" إنه لكم عدو مبين " تعليل للمنع عن عبادته بالطاعة فيما يحملهم عليه " وأن
اعبدوني " عطف على أن لا تعبدوا " هذا صراط مستقيم " إشارة إلى ما عهد إليهم ، أو
إلى عبادته بالطاعة فيما يحملهم عليه ، والجملة استيناف لبيان المقتضي للعهد " ولقد
أضل منكم جبلا كثيرا " رجوع إلى بيان معاداة الشيطان مع ظهور عداوته وضوح
إضلاله لمن له أدنى عقل ورأي ، والجبل : الخلق ( 1 ) .
قوله سبحانه : " وحفظا من كل شيطان مارد " قال البيضاوي : " حفظا " منصوب
باضمار فعله أو العطف على زينة باعتبار المعنى ، كأنه قال : إنا خلقنا الكواكب زينة
للسمآء وحفظا من كل شيطان مارد ، خارج عن الطاعة برمي الشهب ( 2 ) .
قال الرازي : قال ابن عباس : يريد حفظ السمآء بالكواكب ( 3 ) من كل
شيطان تمرد على الله ، قال المفسرون : الشياطين يصعدون ( 4 ) إلى قرب السمآء فربما
سمعوا كلام الملائكة وعرفوا به ما سيكون من الغيوب ، وكانوا يخبرون به ضعفآء هم
ويوهمونهم أنهم يعلمون الغيب ، فمنعهم الله تعالى عن الصعود إلى قرب السمآء بهذه
الشهب ، فانه تعالى يرميهم بها فيحرقهم بها .
وبقي ههنا سؤآلات :
الاول هذه الشهب هل هي من الكواكب التي زين الله السماء بها أم لا ؟ و
الاول باطل لان هذه الشهب تبطل وتضمحل ، فلو كانت هذه الشهب تلك الكواكب
الحقيقية لوجب أن يظهر نقصان كثير في أعداد كواكب السماء ، ومعلوم أن هذا المعنى
لم يوجد البتة ، وأيضا فجعلها رجوما للشياطين مما يوجب النقصان في زينة السماء
فكان الجمع بين هذين المقصودين كالمتناقض .
وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : هذه الشهب جنس آخر غير الكواكب المركوزة
( هامش 186 ) ( 1 ) أخذه من انوار التنزيل 2 : 315 .
( 2 ) انوار التنزيل : 2 : 320 .
( 3 ) إلى هنا انتهى كلام ابن عباس .
( 4 ) في المصدر : الشياطين كانوا يصعدون .
[187]
في الفلك ، فهذا أيضا مشكل لانه تعالى قال في سورة تبارك : " ولقد زينا السماء الدنيا
بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين " والضمير عائد إلى المصابيح .
والجواب أن هذه الشهب غير تلك الثواقب الباقية ، وأما قوله : " ولقد زينا "
الخ فنقول : كل منير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لاهل الارض إلا أن تلك
المصابيح منها باقية على وجه الدهر آمنة من التغير والفساد ، ومنها ما لا يكون كذلك
وهي هذه الشهب التي يحدثها الله تعالى ويجعلها رجوما للشياطين ( 1 ) .
الثاني : كيف يجوز أن يذهب الشياطين إلى السمآء حيث يعلمون بالتجربة أن
الشهب تحرقهم ولا يصلون إلى مقصودهم البتة ؟ وهل يمكن أن يصدر مثل هذا الفعل
عن عاقل فكيف من الشاطين الذين لهم مزية في معرفة الحيل الدقيقة ؟
والجواب : أن حصول هذه الحالة ليس له موضع معين ، وإلا لم يذهبوا إليه
وإنما يمنعون من المصير إلى مواضع الملائكة ، ومواضعها مختلفة ، فربما أن صاروا إلى
موضع تصيبهم الشهب ، وربما صاروا إلى غيره ولا يصادفون الملائكة فلا تصيبهم الشهب
فلما هلكوا في بعض الاوقات وسلموا في بعضها ، جاز أن يصيروا إلى مواضع يغلب على
ظنونهم أنه لا تصيبهم الشهب فيها ، كما يجوز فيمن يسلك البحر أن يسلكه في موضع
يغلب على ظنه حصول النجاة ، هذا ما ذكره الجبائي في تفسيره .
ولقائل أن يقول : إنهم إذا صعدوا فاما أن يصلوا إلى مواضع الملائكة أو إلى
غير ذلك الموضع ، فان وصلوا إلى مواضع الملائكة احترقوا ، وإن وصلوا إلى غيرها لم
يفوزوا بمقصود أصلا ( 2 ) ، فبعد هذه التجزية وجب أن يمتنعوا عن هذا العمل .
( هامش 187 ) ( 1 ) ويمكن ان يقال : ان تلك الشهب هى الاحجار السماوية التى تقطعت عن كوكب
او قطع من بقايا كوكب متهشم موجودة في جهة من الجو مجذوبة للشمس متى مرت الارض
بجانبها وصارت في متناول جاذبيتها انجذبت اليها واحترقت من سرعة هويها ولم يصل الارض
منها شئ ، وربما وصلت قطعة فغارت في الارض على ما قيل .
( 2 ) في المصدر : لم يفوزوا بمقصودهم اصلا .
[188]
والاقرب في الجواب أن نقول : هذه الواقعة إنما تتفق في الندرة فلعلها لم يشتهر
بين الشياطين .
الثالث : قالوا : دلت التواريخ المتواترة على أن حدوث الشهب كان حاصلا قبل
مجئ النبي صلى الله عليه وآله ، ولذلك ( 1 ) فان الحكماء الذين كانوا موجودين قبل مجئ النبي
صلى الله عليه وآله بزمان طويل ذكروا ذلك وتكلموا في سبب حدوثه .
وأجاب القاضي بأن الاقرب أن هذه الحالة كانت موجودة قبل النبي لكنها
كثرت في زمانه صلى الله عليه وآله فصار بسبب الكثرة معجزا ( 2 ) انتهى .
وأقول : يمكن أن يقال في الجواب عن السؤال الاول : أما أولا فبأنه على
تقدير كون المراد بالمصابيح الكواكب نمنع عدم التغير في أعدادها ، لان جميعها غير
مرصودة لا سيما على القول بأن المجرة مركبة من الكواكب الصغيرة .
وأما ثانيا فبأن يقال : يجوز أن يخلق الله تعالى في موضع الكوكب الذي يرمى
به الشياطين كوكبا آخر فلا يحس بزواله .
وأما ثالثا فبأن يقال : لعله ينفصل من الكوكب جسم يحرق الشياطين ويهلكهم
مع بقاء الكوكب ، كما ينفصل عن النار شعل محرقة مع بقائها ، والشهاب في الاصل
شعلة نار ساطعة ، ومنه قوله تعالى : " آتيكم بشهاب قبس " .
وأما السؤال الثاني فأجاب الشيخ رحمه الله في التبيان عنه بأنهم ربما جوزوا أن
يصادفوا موضعا يصعدون منه ليس فيه ملك يرميهم بالشهب ، أو اعتقدوا أن ذلك غير
صحيح ولم يصدقوا من أخبرهم أنهم رموا حين أرادوا الصعود .
وقيل في الجواب : إذا جاء القضاعمي البصر ، فاذا قضى الله عليه شيطان بالحرق
قبض ( 3 ) الله من نفسه ما يبعثه على الاقدام على الهلكة ، وربما غفل عن التجربة لشدة
حرصه على درك المقصود ، وقد يقال في الجواب عن الثالث : بأن ما حدث بولادته صلى الله عليه وآله
( هامش 188 ) ( 1 ) لم يذكر في الرازي قوله : ولذلك .
( 2 ) تفسير الرازى 26 : 120 و 121 .
( 3 ) هكذا في النسخ ولعل الصحيح : فيض الله ، اى قدر الله .
[189]
وبعثه هو طرد الشياطين بالشهب الثواقب لا وجودها ، مع أن طائفة زعموا أن هذه الشهب
ما كانت موجودة قبل البعث ، ورووه عن ابن عباس وأبي بن كعب قالوا : لم يرم بنجم
منذ رفع عيسى بن مريم عليه السلام حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وآله فرمي بها ، فرأت قريش أمرا
مارأوه قبل ذلك فجعلوا يسيبون أنعامهم ويعتقون رقابهم يظنون إبان الفنآء ، فبلغ
ذلك بعض أكابرهم فقال : لم فعلتم ذلك ؟ فقالوا : رمي بالنجوم فرأينا تتهافت في السمآء
فقال : اصبروا فان تكن نجوم معروفة فهو وقت فناء الدنيا ، وإن كانت نجوم لا تعرف
فهو أمر حدث ، فنظروا فاذا هي لا تعرف فأخبروه فقال : في الامر مهلة ، وهذا عند ظهور
نبي فما مكثوا إلا يسيرا حتى قدم أبوسفيان على أخواله وأخبر أولئك الاقوام أنه
ظهر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله ويدعي أنه نبي مرسل ، وهؤلآء زعموا أن كتب الاوائل قد
توالت عليها التحريفات ، فلعل المتأخرين ألحقوا هذه المسألة بها طعنا منهم في هذه
المعجزة ، وكذا الاشعار المنسوبة إلى أهل الجاهلية لعلها مختلقة عليهم لذلك .
قوله تعالى : " لا يسمعون إلى الملا الاعلى " قال البيضاوي : كلام مبتدأ لبيان
حالهم بعد ما حفظ السماء عنهم ، ولا يجوز جعله صفة " لكل شيطان " فانه يقتضي
أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون ، والضمير لكل باعتبار المعنى ، وتعدية السماع
بالى لتضمنه معنى الاصغاء مبالغة لنفيه وتهويلا لما يمنعهم ، ويدل عليه قراءة حمزة و
الكسائي وحفص بالتشديد من التسمع وهو طلب السماع ، والملا الاعلى الملائكة أو أشرافهم
" ويقذفون " يرمون " من كل جانب " من السمآء إذا قصدوا صعوده " دحورا " علة أي
للدحور وهو الطرد ، أو مصدر لانه والقذف متقاربان ، أو حال بمعنى مدحورين أو
منزوع عنه الباء جمع دحر وهو ما يطرد به ، ويقويه القراءة بالفتح ، وهو يحتمل أيضا
أن يكون مصدرا كالقبول أو صفة له ، أي قذفا دحورا " ولهم عذاب واصب " أي عذاب
آخر دائم أو شديد وهو عذاب الآخرة " إلا من خطف الخطفة " استثناء من " واو " يسمعون
ومن بدل منه ، والخطف : الاختلاس ، والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة و " أتبع "
بمعنى تبع والثاقب المضئ ( 1 ) .
( هامش 189 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 320 و 321 وفيه اختصار .
[190]
أقول : وقد مر بعض الكلام في بعض هذه الآيات .
وقال البيضاوي : " طلعها " أي حملها : مستعار من طلع الثمر لمشاركته إياه في
الشكل أو لطلوعه من الشجر " كأنها رؤوس الشياطين " في تناهي القبح والهول وهو
تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق في الحسن بالملك ، وقيل : الشياطين حيات هائلة قبيحة
المنظر لها أعراف ، ولعلها سميت بها لذلك ( 1 ) .
وقال : " والشياطين " عطف على الريح " كل بنآء وغواص " بدل منه " وآخرين
مقرنين في الاصفاد " عطف على " كل " كأنه فصل الشياطين إلى عملة استعملهم في
الاعمال الشاقة كالبناء والغوص ، ومردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن
الشر ، ولعل أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى ، ويمكن تقييدها ، هذا والاقرب أن
المراد تمثيل كفهم عن الشرور بالاقران في الصفد وهو القيد ( 2 ) .
وقال الرازى : وههنا بحث وهو أن هذه الآيات دالة على أن الشياطين لها
قوة عظيمة وبسبب تلك القوة قدروا على بناء الابنية القوية التي لا يقدر عليها
البشر وقدروا على الغوص في البحار ، واحتاج سليمان عليه السلام إلى قيدهم ، ولقائل
أن يقول : هذه الشياطين إما أن تكون أجسادهم كثيفة أو لطيفة ، فان كان الاول وجب
أن يراهم من كان صحيح الحاسة ، إذ لو جاز أن لا نراهم مع كثافة أجسادهم فليجز أن
يكون بحضرتنا جبال عالية وأصوات هائلة لا نراها ولا نسمعها ، وذلك دخول في السفسطة
فان كان الثاني : وهو أن أجسادهم ليست كثيفة بل لطيفة رقيقة ، فمثل هذا يمتنع أن
يكون موصوفا بالقوة الشديدة ، وأيضا لزم أن تتفرق أجسادهم وأن تتمزق بسبب
الرياح القوية وأن يموتوا في الحال ، وذلك يمنع وصفهم بالآلات القوية ( 3 ) .
وأيضا الجن والشياطين إن كانو موصوفين بهذه الشدة والقوة فلم لا يقتلون العلمآء
والزهاد في زماننا ؟ ولم لا يخربون ديار الناس مع أن المسلمين مبالغون في إظهار لعنتهم
وعداوتهم ، وحيث لا يحس شئ من ذلك علمنا أن القول باثبات الجن والشياطين ضعيف .
( هامش 190 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 326 ، ( 2 ) انوار التنزيل 2 : 346 .
( 3 ) في المصدر : وذكل يمنع من وصفهم ببناء الابنية القوية .
[191]
واعلم أن أصحابنا يجوزون أن تكون أجسامهم كثيفة مع أنا لا نراها ، وأيضا
لا يبعد أن يقال : أجسامهم لطيفه بمعنى عدم اللون ، ولكنها صلبة بمعنى أنها لا تقبل
التفرق ، وأما الجبائي فقد سلم أنها كانت كثيفة الاجسام ، وزعم أن الناس كانوا
يشاهدونهم في زمن سليمان عليه السلام ، ثم إنهم لما توفي سليمان عليه السلام أمات الله تلك الجن
والشياطين وخلق نوعا آخر من الجن والشياطين ، والموجود في زماننا ليس إلا من هذا
الجنس ( 1 ) والله أعلم انتهى ( 2 ) .
قال الطبرسي رحمه الله : " وآخرين " أي وسخرنا له آخرين من الشياطين مشددين ( 3 )
في الاغلال والسلاسل من الحديد ، وكان يجمع بين اثنين وثلاثة منهم في سلسلة لا يمتنعون
عليه إذا أراد ذلك بهم عند تمردهم .
وقيل : إنه إنما كان يفعل ذلك بكفارهم فاذا آمنوا أطلقهم ( 4 ) .
" بنصب وعذاب " أي بتعب ومكروه ومشقة وقيل : بوسوسة ، فيقول له : طال
مرضك ولا يرحمك ربك انتهى ( 5 ) .
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " فاذا سويته " عدلت خلقته " استكبر " تعظم
و " كان " أي وصار ، أو في علم الله " فبعزتك " فبسلطانك وقهرك " فالحق والحق أقول "
أي فأحق الحق وأقوله .
وقيل : الحق الاول اسم الله تعالى ، ونصب بحذف حرف القسم وجوابه " لاملئن
جهنم منك وممن تبعك منهم أجعين " وما بينهما اعتراض ، وهو على الاول جواب
محذوف ، والجملة تفسير للحق المقول ، وقرأ عاصم وحمزة برفع الاول على الابتداء


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 191 سطر 19 الى ص 199 سطر 18

( هامش 191 ) ( 1 ) في المصدر : من الجن والشياطين تكون اجسامهم في غاية الرقة ولا يكون لهم
شئ من القوة والموجود في زماننا من الجن والشياطين ليس الا من هذا الجن .
( 2 ) تفسر الرازى 26 : 210 و 211 .
( 3 ) في المصدر : مشدودين .
( 4 ) مجمع البيان 8 : 477 .
( 5 ) مجمع البيان 8 : 478 .
[192]
أي الحق يميني أو قسمي أو الخبر أي أنا الحق ( 1 ) " إما ينزغنك من الشيطان نزغ "
أي نخس به شبه وسوسته لانها بعث على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوأ ، وجعل
النزغ نازغا على طريقة جد جده ، أو اريد به نازغ وصفا للشيطان بالمصدر " فاستعذ
بالله إنه هو السميع " لا ستعاذتك " العليم " بنيتك أو بصلاحك ( 2 ) ومن يعش عن ذكر
الرحمن " يتعامى ( 3 ) ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات أو انهماكه في الشهوات
" نقيض " نقدر ونسبب له " شيطانا فهو له قرين " يوسوسه ويغويه ( 4 ) دائما .
أقول : وفي الخصال عن أميرالمؤمنين عليه السلام : من تصدى بالاثم أعشى عن ذكر الله
تعالى ، ومن ترك الاخذ عمن أمر الله بطاعته قيض له شيطانا فهو له قرين ( 5 ) .
" سول لهم " قيل أي سهل لهم اقتراف الكبائر ، وقيل : حملهم على الشهوات
" وأملى لهم " أي وأمد لهم في الآمال والاماني أو أمهلهم الله ولم يعاجلهم بالعقوبة ( 6 )
" استحوذ عليهم الشيطان " أي استولى عليهم وهو مما جآء على الاصل " فأنساهم ذكر الله "
لا يذكرونه بقلوبهم ولا بألسنتهم " اولئك حزب الشيطان " جنوده وأتباعه " ألا إن حزب
الشيطان هم الخاسرون " لانهم فوتوا على أنفسهم النعيم المؤبد وعرضوها للعذاب
المخلد ( 7 ) .
" كمثل الشيطان " قال البيضاوي : أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال
كمثل الشيطان " إذ قال للانسان اكفر " أغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور " فلما
( هامش 192 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 350 و 351 .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 389 .
( 3 ) في المصدر : [ يتعام ] وهو الصحيح .
( 4 ) انوار التنزيل 2 : 408 .
( 5 ) الخصال 2 : 633 و 634 طبعة الغفارى وفيها : [ من صدئ ] وفيها : [ قيض
الله له ] والحديث من أجزاء حديث اربعمائة .
( 6 ) انوار التنزيل 2 : 438 .
( 7 ) انوار التنزيل 2 : 507 .
[193]
كفر قال إني برئ منك " تبرأ عنه مخافة أن يشاركه في العذاب ولا ينفعه ذلك كما قال :
" إني أخاف الله رب العالمين " إلى قوله : " جزآء الظالمين " والمراد من الانسان الجنس
وقيل : أبوجهل قال له إبليس يوم بدر : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
الآية ، وقيل : راهب حمله على الفجور والارتداد ( 1 ) .
ولقد زينا " أقول : قد مر الكلام فيها في باب السماوات .
" من شر الوسواس الخناس " قال الطبرسي رحمه الله فيه أقوال :
أحدها : أن معناه من شر الوسوسة الواقعة من الجنة التي يوسوسها في صدور
الناس ، فيكون فاعل يوسوس ضمير الجنة ، وإنما ذكر لان الجنة والجن واحد
وجازت الكناية عنه وإن كان متأخرا لانه في نية التقدم .
وثانيها : أن معناه من شر ذي الوسواس وهو الشيطان ، كما جآء في الاثر " أنه
يوسوس فاذا ذكر ربه خنس " .
ثم وصفه الله تعالى بقوله : " الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس "
أي بالكلام الخفى الذي يصل مفهومه إلى قلوبهم من غير سماع ، ثم ذكر أن هذا
الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة وهم الشياطين كما قال سبحانه : " إلا
إبليس كان من الجن ( 2 ) " ثم عطف بقوله : " والناس " على الوسواس ، والمعنى من
شر الوسواس ، ومن شر الناس كأنه أمر أن يستعيذ من شر الجن والانس .
وثالثها : أن معناه من شر ذي الوسواس الخناس ، ثم فسره بقوله : " من الجنة
والناس " كما تقول نعوذ بالله من شر كل ما رد من الجن والانس ، وعلى هذا فيكون
وسواس الجنة هو وسواس الشيطان ، وفي وسواس الانس وجهان :
أحدهما أنه وسوسة الانسان نفسه .
والثاني إغواء من يغويه من الناس ، ويعدل عليه قوله : " شياطين الانس والجن " ( 3 )
( هامش 193 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 511 و 512 .
( 2 ) الكهف : 51 .
( 3 ) الانعام : 112 .
[194]
فشيطان الجن يوسوس ، وشيطان الانس يأتي علانية ويري أنه ينصح وقصده الشر ، قال
مجاهد : الخناس : الشيطان إذا ذكر الله سبحانه خنس وانقبض ، وإذا لم يذكر الله
انبسط على القلب ، ويؤيده ما روي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن
الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فاذا ذكر الله سبحانه خنس ، وإن نسي التقم
قلبه ، فذلك الوسواس الخناس .
وقيل : الخناس معناه الكثير الاختفآء بعد الظهور وهو المستتر المختفي عن أعين
الناس لانه يوسوس من حيث لا يرى بالعين ، وروى العياشي باسناده ، عن أبان بن
تغلب ، عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما من مؤمن إلا ولقلبه في
صدره اذنان : اذن ينفث فيها الملك ، واذن ينفث فيها الوسواس الخناس ، فيؤيد الله
المؤمن بالملك ، وهو قوله سبحانه : " وأيدهم بروح منه ( 1 ) " .
1 تفسير علي بن إبراهيم : قوله تعالى : " والشياطين كل بنآء وغواص " أي
في البحر " وآخرين مقرنين في الاصفاد " يعنى مقيدين قد شد بعضهم إلى بعض ، وهم
الذين عصوا سليمان عليه السلام حين سلبه الله ملكه ، قال الصادق عليه السلام : جعل الله عزوجل ملك
سليمان في خاتمه ، فكان إذا لبسه حضرته الجن والانس والشياطين وجميع الطير والوحش
وأطاعوه ويبعث الله ( 2 ) رياحا تحمل الكرسى بجميع ما عليه من الشياطين والطير والانس
والدواب والخيل ، فتمر بها في الهوآء إلى موضع يريده سليمان ، وكان يصلي الغداة
بالشام والظهر بفارس ، وكان يأمر الشياطين أن يحملوا الحجارة من فارس يبيعونها بالشام
فلما مسح أعناق الخيل وسوقها بالسيف سلبه الله ملكه فجاء شيطان فأخذ من خادمه خاتمه
حيث دخل الخلاء ( 3 ) وساق الحديث إلى قوله : فلما رد عليه الخاتم ولبسه ( 4 ) حوت
( هامش 194 ) ( 1 ) مجمع البيان 10 : 570 و 571 .
( 2 ) في المصدر : وأطاعوه فيقعد على كرسيه ويبعث الله .
( 3 ) في المصدر : [ سلبه الله ملكه وكان اذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من
يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه واخذ من يده الخاتم فلبسه اه ] والحديث طويل فيه غرابة
شديدة . بل فيه ما يخالف ضرورة المذهب راجعه .
( 4 ) في المصدر : [ فخرت ] وما قبل ذلك نقل بالمعنى راجع المصدر .
[195]
عليه الشياطين والجن والانس والطير والوحوش ورجع إلى ما كان ، فطلب ذلك بالشيطان
وجنوده الذين كانوا معه ، فقيدهم وحبس بعضهم في جوف المآء وبعضهم في جوف الصخر
بأسامي الله ، فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة ( 1 ) .
2 القصص : بسنده عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان سليمان عليه السلام
يأمر الشياطين فتحمل له الحجارة من موضع إلى موضع فقال لهم ابليس : كيف أنتم ؟ قالوا :
ما لنا طاقة بما نحن فيه ، فقال إبليس : أليس تذهبون بالحجارة وترجعون فراغا ؟
قالوا : نعم قال : فأنتم في راحة ، فأبلغت الريح سليمان ما قال إبليس للشياطين ، فأمرهم
يحملون الحجارة ذاهبين ويحملون الطين راجعين إلى موضعها ، فتراءى لهم إبليس
فقال : كيف أنتم ؟ فشكوا إليه فقال : ألستم تنامون بالليل ؟ قالوا : بلى ، قال : فأنتم
في راحة ، فبلغت الريح ما قالت الشياطين وإبليس ، فأمرهم أن يعملوا بالليل والنهار
فما لبثوا إلا يسيرا حتى مات سليمان صلوات الله عليه ( 2 ) .
3 العيون والعلل : باسناده عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : سأل الشامي أمير
المؤمنين عليه السلام عن اسم ابليس ما كان في السمآء ؟ فقال : كان اسمه الحارث ، وسأله عن
أول من كفر ، فقال : إبليس لعنه الله ( 3 ) .
4 التفسير : قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : " فاستعذ بالله من الشيطان
الرجيم " قال : الرجيم أخبث الشياطين ، قيل : ولم سمي رجيما ؟ قال : لانه يرجم ( 4 )
5 القصص للراوندي : باسناده عن عبدالله بن عمر قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله
( هامش 195 ) ( 1 ) تفسير القمى : 566 .
( 2 ) قصص الانبياء : مخطوط . واخرجه المصنف بتمامه مع اسناده في كتاب النبوة .
راجع ج 14 : 72 .
( 3 ) عيون اخبار الرضا : 133 135 علل الشرائع : 197 198 والحديث
طويل رواه الصدوق باسناده عن ابى الحسن محمد بن عمرو بن على بن عبدالله البصرى عن
ابى عبدالله محمد بن عبدالله بن احمد بن جبلة الواعظ عن ابى القاسم عبدالله بن احمد بن عامر
الطائى عن ابيه عن على بن موسى الرضا عليه السلام .
( 4 ) تفسير القمى : 365 .
[196]
عن ذي الكفل ، فقال كان رجلا من حضرموت واسمه عويد ابن أديم ، وكان في زمن
نبي من الانبيآء ( 1 ) قال : من يلي ( 2 ) أمر الناس بعدي على أن لا يغضب ؟ فقام فتى فقال :
أنا ، فلم يلتفت إليه ، ثم قال : كذلك ، فقام الفتى ، فمات ذلك النبي وبقي ذلك الفتى
وجعله الله نبيا ، وكان الفتى يقضي أول النهار فقال إبليس لاتباعه : من له ؟ فقال واحد
منهم يقال له : الابيض : أنا ، فقال إبليس : فاذهب إليه لعلك تغضبه ، فلما انتصف النهار
جاء الابيض إلى ذي الكفل وقد أخذ مضجعه فصاح وقال : إني مظلوم ، فقال : قل له :
تعالى ! فقال : لا أنصرف ، قال : فأعطاه خاتمه فقال : اذهب وأتني بصاحبك ، فذهب حتى إذا
كان من الغد جاء تلك الساعة التي أخذ هو مضجعه فصاح إني مظلوم وإن خصمى لم يلتفت
إلى خاتمك ، فقال له الحاجب : ويحك دعه ينم فانه لم ينم البارحة ولا أمس ، قال :
لا أدعه ينام وأنا مظلوم ، فدخل الحاجب وأعلمه فكتب له كتابا وختمه ودفعه إليه ، فذهب
حتى إذا كان من الغد حين أخذ مضجعه جاء فصاح فقال : ما التفت إلى شئ من أمرك
ولم يزل يصيح حتى قام وأخذ بيده في يوم شديد الحر لو وضعت فيه بضعة لحم على
الشمس لنضجت ، فلما رأى الابيض ذلك انتزع يده من يده ويئس منه أن يغضب ، فأنزل
الله جل وعلا قصته على نبيه ليصبر على الاذى كما صبر الانبياء صلوات الله عليهم على
البلاء ( 3 )
بيان : كأنه سقط من أول الخبر شي ء ( 4 ) ، والقائل : هو ( 5 ) نبي آخر غير ذي
( هامش 196 ) ( 1 ) في كتاب النبوة : فقيل له : ما كان ذو الكفل ؟ فقال : كان رجل من حضرموت
واسمه عويديا بن ادريم قال : من يلى .
( 2 ) اى ذلك النبى .
( 3 ) اخرجه المصنف مسندا في كتاب النبوة في باب قصص ذى الكفل ، راجع ج 13 :
405 وذكر الطبرسى في مجمع البيان ان اسمه عدويا بن ادارين .
( 4 ) الحديث على النسخة التى ذكرت ههنا ليس فيها غموض لان الضمير في كان يرجع
إلى ذى الكفل واسمه عويديا ، ولكن النسخة التى ذكرت في كتاب النبوة فيها اشكال
حيث ان الظاهر ان عويديا غير ذى الكفل وعلى ذلك لا يحتاج ههنا إلى بيان .
( 5 ) اى القائل : من يلى والقائل الثانى هو الذى قال : انا .
[197]
الكفل ، والقائل : هو عليه السلام كما بيناه في المجلد الخامس .
6 مجالس الصدوق : عن أبيه ، عن عبدالله الحميري ، عون موسى بن جعفر
ابن وهب ، عن علي بن سليمان النوفلي ( 1 ) عن فطر بن خليفة ، عن الصادق جعفر بن
محمد عليه السلام قال : لما نزلت هذه الآية : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا
الله فاستغفروا لذنوبهم " ( 2 ) صعد إبليس جبلا بمكة يقال له : ثور ، فصرخ بأعلى صوته
بعفاريته فاجتمعوا إليه ، فقالوا : يا سيدنا لم دعوتنا ؟ قال : نزلت هذه الآية ، فمن
لها ؟ فقام عفريت من الشياطين فقال : أنا لها بكذا وكذا ، قال : لست لها ، فقام آخر
فقال : مثل ذلك ، فقال : لست لها ، فقال الوسواس الخناس : أنا لها ، قال : بماذا ؟
قال : أعدهم وامنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فاذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار ،
فقال : أنت لها ، فوكله بها إلى يوم القيامة ( 3 ) .
بيان : في القاموس : رجل عفر وعفرية وعفريت بكسرهن خبيث منكر
والعفريت : النافذ في الامر المبالغ فيه مع دهاء .
7 العلل : باسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن الخناس
قال : إن إبليس يلتقم القلب فاذا ذكر الله خنس فلذلك سمي الخناس ( 4 ) .
8 تفسير الفرات ( 5 ) : باسناده عن الحسن عليه السلام فيما سأل كعب الاحبار
( هامش 197 ) ( 1 ) هكذا في نسخة امين الضرب وفى غيرها : [ موسى بن جعفر بن وهب عن على بن
وهب عن على بن سليمان النوفلى ] وفى المصدر : موسى بن جعفر بن وهب البغدادى عن على بن
معبد عن على بن سليمان النوفلى .
( 2 ) آل عمران : 135 .
( 3 ) مجالس الصدوق : 287 ( م 71 ) .
( 4 ) علل الشرائع : 178 وج 2 : 213 ( ط قم ) رواه باسناده عن ابيه عن سعد
ابن عبدالله عن ابى بصير .
( 5 ) في النسخة المطبوعة : الخصال وتفسير الفرات ، ولم نجد الحديث في الخصال .
والظاهر أن الزيادة من الطابع .
[198]
أمير المؤمنين عليه السلام قال : لما أراد الله تعالى خلق آدم بعث جبرئيل فأخذ من أديم
الارض قبضة فعجنه بالماء العذب والمالح وركب فيه الطبايع قبل أن ينفخ فيه الروح ، فخلقه
من أديم الارض فطرحه كالجبل العظيم ، وكان إبليس يومئذ خازنا على السماء الخامسة
يدخل في منخر آدم ثم يخرج من دبره ، ثم يضرب بيده على بطنه فيقول : لاي أمر
خلقت ؟ لئن جعلت فوقي لا أطعتك ، ولئن جعلت أسفل مني لاعينك ( 1 ) فمكث في
الجنة ألف سنة ما بين خلقه إلى أن ينفخ فيه الروح الحديث ( 2 ) .
9 الكافى : باسناده عن مسعدة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام وسئل عن الكفر
والشرك أيهما أقدم ؟ فقال : الكفر أقدم ؟ وذلك أن إبليس أول من كفر وكان كفره
غير شرك لانه لم يدع إلى عبادة غير الله ، وإنما دعا ( 3 ) إلى ذلك بعد فأشرك ( 4 ) .
10 ومنه : باسناده عن عبدالحميد أبي العلاء ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
قال لي : يا أبا محمد والله لو أن ابليس سجد لله بعد المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه
ذلك ، ولا قبله الله عزوجل منه ما لم يسجد لآدم كما أمره الله أن يسجد له الحديث ( 5 ) .
11 العلل : باسناده قال : دخل أبوحنيفة على أبي عبدالله عليه السلام فقال له :
يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس ؟ قال نعم : أنا أقيس ، قال : ويلك لا تقس إن أول
من قاس إبليس ، قال : " خلقتني من نار وخلقته من طين " قاس ما بين النار والطين
( هامش 198 ) ( 1 ) في المصدر : لا ابقيتك .
( 2 ) تفسير فرات : 67 .
( 3 ) في المصدر : وانما دعى .
( 4 ) اصول الكافى 2 : 386 رواه باسناده عن على بن ابراهيم عن هارون بن مسلم
عن مسعدة بن صدقة .
( 5 ) روضة الكافى . 270 ، رواه الكلينى باسناده عن محمد بن يحيى عن احمد بن
محمد وعدة من اصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن
عبدالحميد بن ابى العلاء . وللحديث صدر وذيل لم يذكرهما المصنف .
[199]
ولو قاس نورية آدم بنور النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدها على الآخر ( 1 ) .
12 العياشى : عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : إبليس أول من تغنى ، وأول
من ناح ، لما أكل آدم من الشجرة تغنى ( 2 ) .
13 العلل : باسناده عن يزيد بن سلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : الخميس يوم
خامس من الدنيا وهو يوم أنيس لعن فيه إبليس ورفع فيه إدريس ( 3 ) الخبر .
14 الكافى : باسناده عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان إبليس يوم
بدر يقلل المسلمين في أعين الكفار ويكثر الكفار في أعين المسلمين ، فشد عليه
جبرئيل بالسيف فهرب منه وهو يقول : يا جبرئيل إني مؤجل ، حتى وقع في البحر
قال زرارة : فقلت لابي جعفر عليه السلام : لاي شئ كان يخاف وهو مؤجل ؟ قال : على
أن يقطع بعض أطرافه ( 4 ) .
15 ومنه ( 5 ) : باسناده عن علي عليه السلام : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تؤووا
( هامش 199 ) ( 1 ) علل الشرائع : 40 و 82 ( ط قم ) والحديث طويل لم يذكر تمامه رواه الصدوق
باسناده عن ابيه عن سعد بن عبدالله عن احمد بن ابى عبدالله البرقى عن محمد بن على عن
عن عيسى بن عبدالله القرشى رفعه قال : دخل .
( 2 ) تفسير العياشى 1 : 40 فيه : [ جابر بن عبدالله ] وفيه : [ كان ابليس ] وفيه
واول من ناح واول من حدا ، لما اكل من الشجرة تغنى ، فلما هبط حدا فلما استتر على
الارض ناح يذكره ما في الجنة .
( 3 ) علل الشرائع : 161 و 2 : 155 ( ط قم ) والحديث طويل رواه الصدوق باسناده


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 199 سطر 19 الى ص 207 سطر 18

عن الحسين بن يحيى بن ضريس البجلى عن أبيه عن ابى جعفر عمارة عن ابراهيم ابن عاصم عن
عبدالله بن هارون الكرخى عن ابى جعفر احمد بن عبدالله بن يزيد بن سلام بن عبيد الله عن
ابيه عن يزيد بن سلام .
( 4 ) الروضة : 277 ، اورده المصنف باسناده في غزوة بدر الكبرى راجع ج 19 : 304 .
( 5 ) الظاهر ان الضمير يرجع إلى الكافى ، ولم نجده بتمامه في الكافى نعم يوجد
الحكم الاول في باب النوادر من الاطعمة والاشربة والحكم الثانى في باب النوادر من الزى
[200]
منديل اللحم في البيت فانه مربض الشيطان ، ولا توووا التراب خلف الباب فانه مأوى
الشيطان ، فاذا بلغ ( 1 ) أحدكم باب حجرته فليسم فانه يفر الشيطان ، وإذا سمعتم
نياح الكلاب ونهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فانهم يرون ولا ترون
فافعلوا ما تؤمرون الخبر ( 2 ) .
16 العلل : باسناده عن عبدالعظيم الحسني قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام
أسأله عن علة الغائط ونتنه ، قال : إن الله تعالى خلق آدم وكان جسده طيبا وبقي
أربعين سنة ملقى تمر به الملائكة فتقول : لامر ما خلقت ، وكان إبليس يدخل في فيه
ويخرج من دبره فلذلك صار ما في جوف آدم منتنا خبيثا غير طيب ( 3 ) .
17 العلل : عن ما جيلويه عن عمه عن أحمد البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير
عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنما كانت بلية أيوب التي
ابتلي بها في الدنيا لنعمة أنعم الله بها عليه فأدى شكرها ، وكان إبليس في ذلك الزمان
لا يحجب دون العرش ، فلما صعد عمل أيوب بأداء شكر النعمة حسده إبليس فقال :
يا رب إن أيوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ، فلوحلت بينه
وبين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة ، فسلطني على دنياه تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة
فقال : قد سلطتك على دنياه ، فلم يدع له دنيا ولا ولدا إلا أهلك ذلك ( 4 ) وهو يحمد
( بقية هامش ص 199 ) والتجمل ، والصحيح ان يرجع الضمير إلى العلل فانه ذكر الحديث فيه في ص 194 وفى
ج 2 : 270 مفصلا مع احكام اخر لم يذكرها المصنف ههنا ، والحديث مروى فيه باسناده عن
ابيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن احمد عن ابى جعفر احمد بن ابى عبدالله
عن رجل عن على بن اسباط عن عمه يعقوب رفع الحديث إلى على بن ابى طالب عليه السلام .
( هامش 200 ) ( 1 ) في العلل : [ واذا ] وفيه : فانهن يرون .
( 2 ) فروع الكافى 6 : 299 و 531 .
( 3 ) علل الشرايع : 101 وج 1 : 261 ( ط قم ) رواه عن على بن احمد بن محمد
عن محمد بن ابى عبدالله الكوفى عن سهل بن زياد الادمى عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسنى
قال : كتبت إلى ابى جعفر محمد بن على بن موسى عليه السلام .
( 4 ) في المصدر : الا اهلكه . كل ذلك .
[201]
الله عزوجل .
ثم رجع إليه فقال : يا رب إن أيوب يعلم أنك سترد عليه دنياه التي
أخذتها منه فسلطني على بدنه حتى تعلم أنه لا يودي شكر نعمة ، قال عزوجل :
قد سلطتك على بدنه ما عدا عينيه وقلبه ولسانه وسمعه ، فقال أبوبصير : قال أبوعبد
الله عليه السلام : فانقض مبادرا خشية أن تدركه رحمة الله عزوجل فيحول بينه وبينه فنفخ
في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطا نقطا ( 1 ) .
18 الكافى : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عثمان
النواعمن ذكره عن أبى عبدالله عليه السلام قال : إن الله عزوجل يبتلي المؤمن بكل
بلية ويميته بكل ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله ، أما ترى أيوب كيف سلط إبليس
على ماله وعلى ولده وعلى أهله وعلى كل شئ منه ولم يسلط على عقله ؟ ترك له
يوحد الله به ( 2 ) .
19 الفقيه : قال الصادق عليه السلام : إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله فان من
لم يذكر الله عند الجماع فكان ( 3 ) منه ولد كان شرك شيطان ويعرف ذلك بحبنا وبغضنا ( 4 ) .
20 ومنه : قال أبوجعفر عليه السلام : إذا انكشف أحدكم لبول أو لغير ذلك فليقل :
بسم الله فان الشيطان يغض بصره عنه حتى يفرغ ( 5 ) .
21 ومنه : باسناده عن علي بن أسباط ، عن الرضا عليه السلام قال : قال لي :
إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل : بسم الله آمنت بالله توكلت على الله ما شاء
( هامش 201 ) ( 1 ) علل الشرائع : 36 وج 1 : 71 ( ط قم ) .
( 2 ) اصول الكافى 2 : 256 فيه : ليوحد الله به .
( 3 ) في المصدر : وكان .
( 4 ) الفقيه 3 : 256 ( ط آخوندى ) .
( 5 ) الفقيه 1 : 18 فيه : بسم الله وبالله .
[202]
الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ( 1 ) ، فتلقاه الشياطين فتضرب الملائكة وجوهها
وتقول : ما سبيلكم عليه وقد سمى الله وآمن به وتوكل على الله ؟ وقال : ما شاء الله
لا حول ولا قوة إلا بالله ( 2 ) .
22 الكافى : باسناده عن حفص بن القاسم قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إن
على ذروة كل جسر شيطانا ، فاذا انتهيت إليه فقل : " بسم الله " يرحل عنك ( 3 ) .
23 التهذيب : باسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الرجل
إذا أتى المرأة ( 4 ) وجلس مجلسه حضره الشيطان فإن هو ذكر اسم الله تنحى الشيطان
عنه ، وإن فعل ولم يسم أدخل الشيطان ذكره فكان العمل منهما جميعا والنطفة واحدة
قلت : فبأي شئ يعرف هذا جعلت فداك ؟ قال : بحبنا وبغضنا ( 5 ) .
24 ومنه : باسناده عن أبي حمزة قال : قال علي بن الحسين عليه السلام : يا ثمالي
إن الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان إلى قرين الامام فيقول : هل ذكر ربه ؟ فان قال :
نعم ذهب ، وإن قال : لا ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا ، قال : فقلت :
جعلت فداك ليس يقرأون القرآن ؟ قال : بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي إنما هو
الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ( 6 ) .
( هامش 202 ) ( 1 ) لم يرد في المصدر قوله : العلى العظيم .
( 2 ) الفقيه 2 : 177 و 178 ( ط آخوندى )
( 3 ) فروع الكافى 4 : 287 رواه عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ابن أبى عمير عن قاسم
الصيرفى عن حفص بن القاسم ورواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه عن جعفر بن القاسم
والبرقى في المحاسن : 373 عن ابيه عن ابن ابى عمير .
( 4 ) في المصدر : اذا دنا من المرأة .
( 5 ) تهذيب الاحكام 7 : 407 ( ط الاخوندى ) الحديث طويل رواه عن احمد بن
محمد بن عيسى عن على بن الحكم عن مثنى بن الوليد الحناط عن ابى بصير ورواه الكلينى
والصدوق ايضا في الكافى والفقيه .
( 6 ) تهذيب الاحكام 2 : 290 ، رواه عن احمد بن محمد عن ابن ابى نجران عن
صباح الحذاء عن رجل عن ابى حمزة .
[203]
بيان : قرين الامام : الملك الذي يحفظ عمله ، أو الشيطان الذي وكل به .
25 المحاسن : باسناده عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إذا أكلت الطعام فقل :
بسم الله في أوله وفي آخره ، فان العبد إذا سمى في طعامه قبل أن يأكل لم يأكل معه
الشيطان ( 1 ) وإذا سمى بعد ما يأكل وأكل الشيطان منه تقيأ ما كان أكل ( 2 ) .
16 ومنه : باسناده عن محمد بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إذا وضع
الغداء والعشاء فقل : " بسم الله " فان الشيطان يقول لاصحابه : اخرجوا فليس هنا
عشاء ولا مبيت ، وإن هو نسي أن يسمي قال لاصحابه : تعالوا فان لكم هنا عشاء
ومبيتا ( 3 ) .
27 وقال عليه السلام : في خبر آخر إذا توضأ أحدكم ولم يسم كان للشيطان في وضوئه
شرك ، وإن أكل أو شرب أو لبس ( 4 ) لباسا ينبغي أن يسمي عليه ، فان لم يفعل كان
للشيطان فيه شرك ( 5 ) .
28 الفقيه : في وصايا النبي صلى الله عليه وآله لعلي : يا علي النوم على أربعة : نوم
الانبياء على أقفيتهم ، ونوم المؤمنين على أيمانهم ، ونوم الكفار والمنافقين على يسارهم
ونوم الشياطين على وجوههم ( 6 ) .
( هامش 203 ) ( 1 ) زاد في المصدر : واذا لم يسم اكل معه الشيطان .
( 2 ) المحاسن : 432 رواه عن ابى ايوب المدائنى عن محمد بن ابى عمير عن حسين
ابن مختار عن رجل عن ابى عبدالله عليه السلام .
( 3 ) المحاسن : 432 رواه عن ابن فضال عن ابى جميلة عن محمد بن مروان ورواه
ايضا عن محمد بن سنان عن العلاء بن فضيل عن ابى عبدالله عليه السلام ورواه ايضا عن محمد بن
سنان عن حماد بن عثمان عن ربعى بن عبدالله عن الفضيل عن ابى عبدالله عليه السلام مثله وزاد
فيه : فقال : اذا توضأ . إلى آخر الحديث الاتى .
( 4 ) في المصدر : او لبس وكل شئ صنعه ينبغى .
( 5 ) المحاسن : 432 و 433 .
( 6 ) الفقيه 4 : 264 .
[204]
29 تفسير الامام : قال عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تعوذوا بالله من الشيطان
الرجيم فان من تعوذ بالله أعاذه الله ، وتعوذوا من همزاته ونفخاته ونفثاته ، أتدرون
ماهي ؟ أما همزاته : فما يلقيه في قلوبكم من بغضنا أهل البيت ، قالوا : يارسول الله
وكيف نبغضكم بعد ماعرفنا محلكم من الله ومنزلتكم ؟ قال : أن تبغضوا ( 1 ) أولياءنا
وتحبوا أعداءنا .
قيل : يا رسول الله وما نفخاتهم ؟ قال : هي ما ينفخون به عند الغضب في الانسان
الذي يحملونه على هلاكه في دينه ودنياه ، وقد ينفخون في غير حال الغضب بما يهلكون
به ، أتدرون ما أشد ما ينفخون ؟ وهو ( 2 ) ما ينفخون بأن يوهموا أن أحدا من هذه
الامة فاضل علينا أو عدل لنا أهل البيت ، وأما نفثاته : فانه يرى أحدكم أن شيئا بعد
القرآن أشفى له من ذكرنا أهل البيت ومن الصلاة علينا ( 3 ) .
30 العلل : باسناده عن جابر الانصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : اغلقوا
أبوابكم ( 4 ) وخمروا آنيتكم وأوكئوا أسقيتكم ، فان الشيطان لا يكشف غطاء ولا
يحل وكاء ( 5 ) .
31 الكافى : باسناده عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال :
قال رسول الله : إذا ركب الرجل الدابة فسمى ردفه ملك يحفظه حتى ينزل ، وإذا
ركب ولم يسم ردفه شيطان فيقول له : تغن ، فان قال له : لا احسن قال له : تمن
( هامش 204 ) ( 1 ) في المصدر : بأن تبغصوا .
( 2 ) في المصدر : [ هو ما ينفخون ] بلاعاطف .
( 3 ) التفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليه السلام : 244 ، اختصره المصنف .
( 4 ) في المصدر : [ اجيفوا ابوابكم ] أقول : اجاف الباب : رده ، وخمروا آنيتكم
اى غطوها . والوكاء : ما يشد به .
( 5 ) علل الشرائع : 194 و 2 : 269 ( ط قم ) رواه عن ابيه عن محمد بن يحيى
العطار عن محمد بن احمد عن محمد بن عبدالحميد عن يونس بن يعقوب عمن ذكره عن
ابى عبدالله عليه السلام عن ابيه عن جابر بن عبدالله الانصارى . وللحديث ذيل لم يذكره
المصنف هنا .
[205]
فلا يزال يتمنى حتى ينزل ( 1 ) .
32 العيون : باسناده عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
في أول يوم من شهر رمضان تغل مردة الشياطين ( 2 ) .
33 العلل : عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن
على بن أسباط ( 3 ) عن أبي عبدالرحمن قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : ربما ( 4 ) حزنت
فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد ، وربما فرحت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد
فقال : إنه ليس من أحد إلا ومعه ملك وشيطان فاذا كان فرحه كان دنو الملك منه
وإذا كان حزنه كان دنوا الشيطان منه ، وذلك قول الله تبارك وتعالى ( 5 ) " الشيطان
يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم " ( 6 ) .
بيان : كأن المراد أن هذا الهم لاجل وساوس الشيطان لكنه لا يتفطن به
الانسان فيظن أنه بلا سبب .
أو المراد : أنه لما كان شأن الشيطان ذلك يصير محض دنوه سببا للهم ، أو أراد
السائل عدم كونه لفوت تلك الامور في الماضي ويجري جميع الامور في الملك أيضا .
34 الكافى : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي
عبدالله عليه السلام قال : ما من قلب إلا وله اذنان على أحدهما ملك مرشد ، وعلى الاخرى
( هامش 205 ) ( 1 ) فروع الكافى 6 : 540 رواه عن على بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن الدهقان
عن درست عن ابراهيم . وللحديث ذيل لم يذكره المصنف ههنا .
( 2 ) عيون اخبار الرضا : 228 وفيه : [ المردة من الشياطين ] والحديث باسناده و
تمامه يأتى في باب فضل شهر رجب
( 3 ) في نسخة : [ عن اسباط ] وفى المصدر : عن عباس عن اسباط وفى نسخة منه :
الحسن بن على بن عباس .
( 4 ) في المصدر : انى ربما .
( 5 ) البقرة : 268 .
( 6 ) علل الشرائع : 42 .
[206]
شيطان مفتن ، هذا يأمره وهذا يزجره ، الشيطان يأمره بالمعاصي ، والملك يزجره
عنها ، وهو قول الله عزوجل : " عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول
إلا لديه رقيب عتيد " ( 1 ) .
35 ومنه : باسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن للقلب اذنين
فاذا هم العبد بذنب قال له روح الايمان : لا تفعل ، وقال له الشيطان : افعل ، وإذا
كان على بطنها نزع منه روح الايمان ( 2 ) .
36 المحاسن : عن أبي طالب عن أنس عن عياض الليثي ( 3 ) عن أبي عبدالله
عن أبيه عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن على ذروة كل بعير شيطانا فامتهنوها
لانفسكم وذللوا ، واذكروا اسم الله عليها كما أمركم الله ( 4 ) .
37 ومنه : عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن يعقوب بن جعفر قال :
سمعت أبا الحسن عليه السلام قال : الخيل على كل منخر منها شيطان فاذا أراد أحكم أن
بلجمها فليسم الله ( 5 ) .
38 طب الائمة : باسناده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أكثروا من الدواجن
في بيوتكم تتشاغل بها الشياطين عن صبيانكم ( 6 ) .
39 الكافى : باسناده عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال
( هامش 206 ) ( 1 ) اصول الكافى 2 : 266 ، والاية في سورة ق : 18 .
( 2 ) اصول الكافى 2 : 267 رواه عن الحسين بن محمد عن احمد بن اسحاق عن
سعدان عن ابى بصير . قوله : واذا كان على بطنها ، فسره في هامش البحار بقوله : يعنى
ان المرء اذا كان مشغولا بالزنا نزع روح الايمان كما هو احد الوجوه في قوله : لا يزنى
الزانى وهو مؤمن .
( 3 ) الصحيح كما في المصدر : انس بن عياض الليثى .
( 4 ) المحاسن : 636 .
( 5 ) المحاسن : 634 .
( 6 ) طب الائمة : 117 .
[207]
رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذي قليل الحياء لا يبالي ما
قال ولا ما قيل له ، فانك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان ، قيل : يا رسول
الله وفى الناس شرك شيطان ؟ فقال صلى الله عليه وآله : أما تقرأ قول الله عزوجل : " وشاركهم في
الاموال والاولاد " الخبر ( 1 ) .
بيان : في القاموس : ولدغية ويكسر : زنية .
40 الكافى : باسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام حيث علمه الدعاء
إذا دخلت عليه امرأته ، وقال فيه : ولا تجعل فيه شركا للشيطان ، قال : قلت : وبأي
شئ يعرف ذلك ؟ قال : أما تقرأ كتاب الله عزوجل : " وشاركهم في الاموال والاولاد "
ثم قال : إن الشيطان ليجئ حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها ويحدث كما
يحدث وينكح كما ينكح ، قلت : بأي شئ يعرف ذلك ؟ قال : بحبنا وبغضنا فمن
أحبنا كان نطفة العبد ، ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان ( 2 ) .
41 وقال في حديث آخر : وإن الشيطان يجيئ فيقعد كما يقعد الرجل وينزل
كما ينزل الرجل ( 3 ) .
42 وفي رواية اخرى عن هشام ، عنه عليه السلام في النطفتين اللتين للآدمي والشيطان
إذا اشتركا ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : ربما خلق من أحدهما وربما خلق منهما جميعا ( 4 ) .
( هامش 207 ) ( 1 ) اصول الكافى 2 : 323 و 324 . رواه عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد
ابن خالد عن عثمان بن عيسى عن عمر بن اذينة عن ابان بن ابى عياش عن سليم .
( 2 ) فروع الكافى 5 : 502 رواه الكلينى عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 207 سطر 19 الى ص 215 سطر 18

وعدة من اصحابنا عن احمد بن محمد جميعا عن الوشاء عن موسى بن بكر عن ابى بصير ، الحديث
طويل اورده في كتاب النكاح .
( 3 ) فروع الكافى 5 : 503 رواه الكلينى عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن
خالد عن ابيه عن حمزة بن عبدالله عن جميل بن دراج عن ابى الوليد عن ابى بصير ، اورد
تمام الحديث في كتاب النكاح .
( 4 ) فروع الكافى 5 : 503 رواه الكلينى عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن
على بن الحكم عن هشام بن سالم عن ابى عبدالله عليه السلام .
[208]
43 تفسير الفرات : باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : رأى أمير المؤمنين عليه السلام
على بابه شيخا فعرفه أنه الشيطان فصارعه ( 1 ) وصرعه قال : قم عني يا علي حتى ابشرك
فقام عنه فقال : بم تبشرني يا ملعون ؟ قال : إذا كان يوم القيامة صار الحسن عن يمين العرش
والحسين عن يسار العرش ، يعطيان شيعتهما الجواز من النار ، قال : فقام إليه وقال : اصارعك ؟
قال : مرة اخرى ( 2 ) ، قال : نعم ، فصرعه أمير المؤمنين قال : قم عني حتى ابشرك ، فقام عنه
فقال : لما خلق الله آدم خرج ذريته من ظهره مثل الذر فأخذ ميثاقهم فقال : " ألست
بربكم قالوا بلى " قال : فأشهدهم على أنفسهم فأخذ ميثاق محمد وميثاقك فعرف وجهك
الوجوه وروحك الارواح ، فلا يقول لك أحد : احبك ، إلا عرفته ، ولا يقول لك أحد :
ابغضك ، إلا عرفته ، قال : قم صار عني ، قال : ثلاثة ( 3 ) ، قال : نعم فصارعه وصرعه
فقال ( 4 ) : يا علي لا تبغضني وقم عني حتى ابشرك قال : بلى وأبرأ منك وألعنك ، قال :
والله يابن أبي طالب ما أحد يبغضك إلا شركت في رحم امه وفي ولده ، فقال له : أما قرأت
كتاب الله " وشاركهم في الاموال والاولاد " الآية ( 5 ) .
44 تفسير علي بن إبراهيم : باسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر ( 6 ) في قصة طويلة في
( هامش 208 ) ( 1 ) في المصدر : [ حدثنى اسماعيل بن ابراهيم الفارسى معنعنا عن ابى جعفر محمد
بن على عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا على قال : لبيك ، قال له : اتى
الشيطان الوادى فدار فيه : فلم ير احدا حتى اذا صار على بابه لقى شيخا فقال : ما تصنع
هنا ؟ قال : ارسلنى رسول الله صلى الله عليه وآله قال : تعرفنى ؟ قال : ينبغى ان تكون انت
يا ملعون فما بد أن اصارعك قال : لا بد منه ، فصارعه ] أقول : الظاهر ان صدر الحديث سقط
عنه شئ .
( 2 ) في المصدر : فقال : اصارعك مرة اخرى .
( 3 ) في المصدر : ثالثة .
( 4 ) في المصدر . فصارعه فاعرقه ثم صرعه امير المؤمنين عليه السلام قال .
( 5 ) تفسير فرات : 40 والاية في الاسراء : 64 .
( 6 ) فيه وهم والموجود في المصدر : حدثنى ابى عن فضالة بن ايوب عن معاوية بن
عمار عن ابى عبدالله عليه السلام . وذكره المصنف صحيحا في كتاب النبوة .
[209]
حج إبراهيم وذبحه ابنه إلى أن قال : وسلما لامر الله ، وأقبل شيخ فقال : يا إبراهيم
ما تريد من هذا الغلام ؟ قال : اريد أن أذبحه ، فقال : سبحان الله تذبح غلاما لم يعص الله
عزوجل طرفة عين ؟ فقال إبراهيم : إن الله أمرني بذلك ، فقال : ربك ينهاك عن
ذلك ، وإنما أمرك بهذا الشيطان ، فقال له إبراهيم إن الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي
أمرني به والكلام الذي وقع في اذني ( 1 ) ، فقال : لا والله ما أمرك بهذا إلا الشيطان
فقال إبراهيم : لا والله لا اكلمك .
ثم عز إبراهيم على الذبح فقال : يا إبراهيم إنك إمام يقتدى بك ، وإنك إذا
ذبحته ذبح الناس أولادهم ، فلم يكلمه وأقبل على الغلام واستشاره في الذبح وساق
الحديث في الفدآء إلى قوله ولحق إبليس بام الغلام حين نظرت إلى الكعبة في وسط
الوادي بحذآء البيت فقال لها : ما شيخ رأيته ، قالت : إن ذلك بعلي ، قال : فوصيف
رأيته معه ، قالت : ذلك ابني ، قال : فاني رأيته وقد أضجعه وأخذ المدية ليذبحه
فقالت : كذبت إن إبراهيم أرحم الناس كيف يذبح ابنه ؟ قال : فورب السماء والارض
ورب هذا البيت لقد رأيته أضجعه وأخذ المدية ، فقالت : ولم ؟ قال : يزعم أن ربه
أمره بذلك ، قالت : فحق له أن يطيع ربه ، فوقع في نفسها أنه قد امر في ابنها بأمر .
فلما قضت مناسكها أسرعت في الوادي راجعة إلى منى وهي واضعة يدها على
رأسها تقول : ربي لا تؤآخدني بما عملت بام إسماعيل ( 2 ) الحديث .
45 العلل : عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن سهل بن زياد عن الحسن بن
محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامى عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن آدم
( هامش 209 ) ( 1 ) لعله معطوف على الموصول المتقدم اى الكلام الذى وقع في اذنى امرنى بهذا
فيكون كالتفسير لقوله : الذى بلغنى هذا المبلغ ، او المراد بالاول الرب تعالى وبالثانى وحيه
ويحتمل ان يكون خبرا لمبتدء محذوف اى وهو الكلام الذى وقع في اذنى ، وفى الكافى :
ويلك الكلام الذى سمعت هو الذى بلغ بى ما ترى . قاله المصنف .
( 2 ) تفسير القمى : 557 559 اورده المصنف بتمامه في كتاب النبوة راجع ج 12 .
( 125 127 . )
[210]
عليه السلام لما هبط من الجنة اشتهى من ثمارها فأنزل الله تبارك وتعالى عليه قضيبين من
عنب فغرسهما فلما أورقا وأثمرا وبلغا جاء إبليس فحاط عليهما حائط ، فقال له آدم :
مالك يا ملعون ؟ فقال له إبليس : إنهما لي ، فقال : كذبت ، فرضيا بينها بروح القدس
فلما انتهيا إليه قص آدم عليه السلام قصته فأخذ روح القدس شيئا من نار فرمى بها عليهما
فالتهبت في أغصانهما حتى ظن آدم أنه لم يبق منهما شئ إلا احترق وظن إبليس مثل ذلك
قال : فدخلت النار حيث دخلت وقد ذهب منهما ثلثاهما وبقي الثلث ، فقال الروح :
أما ما ذهب منهما فحظ إبليس لعنه الله وما بقي فلك يا آدم ( 1 ) .
الكافي : عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعدة من أصحابه عن أحمد بن محمد وسهل
بن زياد جميعا عن ابن محبوب مثله ( 2 ) .
46 ومنه : عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن يزيد عن
الحسن بن علي بن أبي حمزة ( 3 ) عن إبراهيم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله تبارك
وتعالى لما أهبط آدم عليه السلام أمره بالحرث والزرع وطرح إليه غرسا من غروس الجنة فأعطاه
النخل والعنب والزيتون والرمان فغرسها لتكون لعقبه وذريته فأكل هو من ثمارها ،
فقال له إبليس لعنه الله : يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الارض وقد كنت بها
قبلك ؟ ائذن لي آكل منه شيئا ، فأبى أن يطعمه ( 4 ) ، فجآء عند آخر عمر آدم فقال
لحوا : إنه قد أجهدني الجوع والعطش ، فقالت له ( 5 ) حواء عليها السلام : إن آدم عهد إلي
( هامش 210 ) ( 1 ) علل الشرائع : 163 وج 2 : 162 ( ط قم ) فيه : فحظ لابليس .
( 2 ) فروع الكافى 9 : 393 فيه : [ قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن اصل الخمر
كيف كان بدء حلالها وحرامها ومتى اتخذ الخمر ؟ فقال : ان ] وفيه : ( ما حالك يا ملعون )
وفيه : [ ضغثا من نار ورمى به والعنب في اغصانهما ] وفيه : لم يبق منهما .
( 3 ) في المصدر : عن على بن ابى حمزة .
( 4 ) في المصدر : فابى آدم عليه السلام أن يدعه فجاء ابليس .
( 5 ) في المصدر : فقالت له حواء : فما الذى تريد ؟ قال : اريد ان تذيقنى من هذه
الثمار فقالت حواء .
[211]
أن لا اطعمك شيئا من هذا الغرس لانه من الجنة ولا ينبغي لك أن تأكل ( 1 ) منه فقال
لها : فاعصري في كفي منه شيئا فأبت عليه ، فقال : ذريني أمصه ولا آكله ، فأخذت
عنقودا من عنب فأعطته فمصه ولم يأكل منه شيئا ، لما كانت حواء قد أكدت عليه ، فلما
ذهب يعضه جذبته ( 2 ) حواء من فيه فأوحى الله عزوجل إلى آدم عليه السلام إن العنب قد
مصه عدوي وعدوك إبليس لعنه الله وقد حرمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس
إبليس ، فحرمت الخمر لان عدو الله إبليس مكر بحواء حتى مص العنبة ( 3 ) ، ولو
أكلها لحرمت الكرمة من أولها إلى آخرها وجميع ثمارها ( 4 ) وما يأكل ( 5 ) منها ، ثم
إنه قال لحواء عليها السلام : فلو أمصصتني شيئا من هذا التمر كما أمصصتني من العنب ، فأعطته
تمرة فمصها ، وكانت ( 6 ) العنبة والتمر أشد رائحة وأزكى من المسك الاذفر وأحلى من
العسل ، فلما مصهما عدو الله ذهبت رائحتهما وانقصت حلاوتهما .
قال أبوعبدالله عليه السلام : ثم إن إبليس الملعون ذهب ( 7 ) بعد وفاة آدم عليه السلام فبال
في أصل الكرمة والنخلة فجرى الماء في عروقهما ( 8 ) ببول عدو الله ، فمن ثم يختمر
العنب والتمر فحرم الله عزوجل على ذرية آدم كل مسكر لان الماء جرى ببول
عدو الله في النخلة والعنب وصار كل مختمر خمرا لان الماء اختمر في النخلة والكرمة
من رائحة بول عدو الله ابليس لعنه الله ( 9 ) .
( هامش 211 ) ( 1 ) في المصدر : منه شيئا .
( 2 ) هكذا في النسخ وفيه وهم والصحيح كما في المصدر : فلما ذهب يعض عليه جذبته .
( 3 ) في المصدر : العنب .
( 4 ) في المصدر : وجميع ثمرها .
( 5 ) في المصدر : وما يخرج منها .
( 6 ) في المصدر : وكانت العنب .
( 7 ) في المصدر : ثم ان ابليس ذهب .
( 8 ) في المصدر : على عروقهما من بول عدو الله .
( 9 ) فروع الكافى 6 : 392 و 394 .
[212]
بيان قوله عليه السلام : فمن ثم يختمر العنب ، أي يغلي وينتن ويصير مسكرا .
قوله عليه السلام : لان الماء اختمر في النخلة ، أي غلى وتغير وأنتن من رائحة بول
عدو الله .
قال الفيروز آبادي : الخمر بالتحريك : التغير عما كان عليه ، وقال : اختمار
الخمر : إدراكها وغليانها انتهى .
ويحتمل أن يكون المراد باختمار العنب والتمر : تغطية أوانيهما ليصيرا خمرا
وكذا اختمار الماء المراد به احتباسه في الشجرة لكنه بعيد .
وأقول : الاخبار بهذا المضمون كثيرة سيأتي بعضها في محالها .
47 تفسير الامام : قيل للامام عليه السلام : فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا
فقال : لا بل من الجن ، أما تسمعون ( 1 ) الله عزوجل يقول : " وإذ قلنا للملائكة
اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس كان من الجن " ( 2 ) وهو الذي قال الله عزوجل :
" والجان خلقناه من قبل من نار السموم " إلى آخر مامر في قصة هاروت وماروت ( 3 ) .
48 النهج : في خطبة يذكر فيها خلقة آدم عليه السلام قال صلوات الله عليه :
واستأدى الله سبحانه وتعالى الملائكة وديعته لديهم وعهد وصيته إليهم في الاذعان
بالسجود له والخنوع ( 4 ) لتكرمته فقال : " اسجدوا لآدم " فسجدوا إلا ابليس وقبيله ( 5 )
اعترتهم الحمية وغلبت عليهم الشقوة ( 6 ) وتعززوا بخلقة النار واستوهنوا خلق الصلصال
( هامش 212 ) ( 1 ) في المصدر : اما تمسعان .
( 2 ) زاد في المصدر بعد الاية : فاخبر انه كان من الجن .
( 3 ) التفسير المنسوب إلى الامام العسكرى عليه السلام : 194 والاية الاولى في الكهف : 50
والثانية في الحجر : 27 .
( 4 ) في نسخة من المصدر : الخشوع .
( 5 ) لم يذكر كلمة [ وقبيله ] في النسخة المطبوعة بمصر ولا في الشرح لابن ابى
الحديد ، وذكر فيهما الضمائر الاتية كلها بلفظ المفرد .
( 6 ) الشقوة بكسر الشين وفتحها : ما حتم عليه من الشقاء والشقاء ضد السعادة وهو
النصب الدائم والالم الملازم .
[213]
فأعطاه النظرة ( 1 ) استحقاقا للسخطة واستتماما للبلية وإنجازا للعدة فقال : " انك من
المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " ( 2 ) ثم أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشه
وآمن فيها محلته وحذره إبلس وعداوته ، فاغتره عدوه نفاسة عليه بدار المقام
ومرافقة 3 ) الابرار ( 4 ) .
توضيح ، استأدى وديعته أي طلب أداءها ، والوديعة اشارة إلى قوله تعالى : " وان
قال ربك للملائكة إني خالق بشرا " ( 5 ) الآية ، والخنوع : الخضوع . والقبيل في
الاصل : الجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى ، فان كانوا من أب واحد فهم
قبيلة ، وضم القبيل ( 6 ) هنا إلى ابليس غريب فانه لم يكن له في هذا الوقت ذرية
ولم يكن أشباهه في السماء فيمكن أن يكون المراد به أشباهه من الجن في الارض بأن
يكونوا مأمورين بالسجود أيضا ، وعدم ذكرهم في الآيات وسائر الاخبار لعدم الاعتناء
بشأنهم ، أو المراد به طائفة خلقها الله تعالى في السماء غير الملائكة ، ويمكن أن
يكون المراد بالقبيل ذريته ويكون إسناد عدم السجود اليهم لرضاهم بفعله كما قال
عليه السلام في موضع آخر : إنما يجمع الناس الرضا والسخط وإنما عقر ناقة ثمود
رجل واحد فعمهم الله بالعذاب لما عمه بالرضا فقال سبحانه : " فعقروها ( 7 ) فأصبحوا
نادمين " ( 8 ) .
( هامش 213 ) ( 1 ) النظرة المهلة .
( 2 ) ص : 80 و 81 .
( 3 ) اى مرافقته مع الملائكة الابرار ، او اعم منهم وممن يأتى بعد ذلك من الانبياء
والصلحاء .
( 4 ) نهج البلاغة 1 : 24 و 25 .
( 5 ) الحجر : 28 .
( 6 ) قد عرفت أن النسخة المطبوعة بمصر والشرح لابن ابى الحديد هما خاليان عنها .
( 7 ) الشعراء : 157 .
( 8 ) نهج البلاغة 1 : 442 .
[214]
اعترتهم أي غشيتهم ، والتعزز : التكبر ، واستوهنه أي عده وهنا ضعيفا ، نفاسة
أي بخلا .
49 النهج : في الخطبة القاصعة قال أمير المؤمنين عليه السلام : الحمد لله الذي
لبس العز والكبرياء واختارهما لنفسه دون خلقه وجعلهما حمى ( 1 ) وحرما على غيره
واصطفاهما لجلاله وجعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده ، ثم اختبر بذلك ملائكته
المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين ، فقال سبحانه وهو العالم بمضمرات
القلوب ومحجوبات الغيوب : " إني خالق بشرا من طين * فاذا سويته ونفخت فيه
من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس " ( 2 ) اعترضته الحمية
فافتخر على آدم بخلقه وتعصب عليه لاصله ، فعدو الله إمام المتعصبين وسلف المستكبرين
الذي وضع أساس العصبقية ( 3 ) ونازع الله رداء الجبرية وادرع لباس التعزز وخلع
قناع التذلل إلى قوله : فاعتبروا بما كان من فعل الله بابليس إذ أحبط عمله الطويل
وجهده الجهيد وكان قد عبدالله ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم من سني
الآخرة عن كبر ( 4 ) ساعة واحدة ، فمن بعد إبليس يسلم ( 5 ) على الله بمثل معصيته ؟
كلاما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به ملكا ، إن حكمه
في أهل السماء وأهل الارض لواحد ، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة ( 6 ) في إباحة
حمى حرمه على العالمين : فاحذروا عباد الله عدو الله أن يعديكم ( 7 ) بدائه وأن
( هامش 214 ) ( 1 ) الحمى ما حميته عن وصول الغير اليه والتصرف فيه .
( 2 ) ص : 71 74 .
( 3 ) أبان عليه السلام ان العصبية بكل معانيه من التعصب القومى والجنسى واللونى من الشيطان
فالاسلام برئ من كل تعصب .
( 4 ) متعلق باحبط أى اضاع عمله بسبب كبر ساعة .
( 5 ) اى يسلم من عقابه .
( 6 ) الهوادة : اللين والرخصة .
( 7 ) اعداه من علة او خلق : اكسبه مثل ما به من العلة او الخلق .
[215]
يستفز كم ( 1 ) بخيله ورجله ، فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد وأغرق بكم بالنزع
الشديد ( 2 ) ورماكم من مكان قريب ( 3 ) ، وقال : " رب بما أغويتني لازينن لهم في
الارض ولاغوينهم أجمعين " ( 4 ) قذفا بغيب بعيد ورجما بظن غير مصيب ( 5 ) فصدقه
به أبناء الحمية واخوان العصبية وفرسان الكبر والجاهلية إلى قوله عليه السلام :
فاجعلوا عليه حدكم ( 6 ) وله جدكم فلعمر الله لقد فخر على أصلكم ووقع في حسبكم
ودفع في نسبكم وأجلب بخيله عليكم وقصد برجله سبيلكم ( 7 ) . إلى آخر الخطبة .
بيان : لا يدرى . على صيغة المجهول ، وفي بعض النسخ على المتكلم المعلوم ، فعلى
الاول لا يدل على عدم علمه عليه السلام وعلى الثاني أيضا المراد به غيره وأدخل نفسه تغليبا ،
والابهام لمصلحة كعدم تحاشي السامعين من طول المدة او غيره .
قوله عليه السلام : اخرج به منها ملكا ، ظاهره أن ابليس كان من الملائكة ، ويمكن
الجواب بان اطلاق الملك عليه لكونه من الملائكة بالولآء . وقال بعض شراح النهج :
يسلم على الله أي يرجع اليه سالما من طرده ولعنه تقول : سلم علي هذا الشئ : اذا رجع
إليك سالما ولم يلحقه تلف ، والباء للمصاحبة كما في قوله : بأمر ، وأما الباء في " به "
فيحتمل المصاحبة والسببية وقد مر تمام الخطبة وشرحها .
50 المحاسن : عن عبدالله بن الصلت عن أبي هدية ( 8 ) عن أنس بن مالك ان
( هامش 215 ) ( 1 ) في المصدر : وان يستفزكم بندائه وان يجلب عليكم بخيله ورجله .
( 2 ) اغرق النازع : اذا استوفى مدقوسه .
( 3 ) لانه يجرى من ابن آدم مجرى الدم .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 215 سطر 19 الى ص 223 سطر 18

( 4 ) الحجر : 39 .
( 5 ) في المصدر : بظن مصيب .
( 6 ) اى غضبكم وحدتكم .
( 7 ) نهج البلاغة 1 : 396 399 .
( 8 ) هكذا في الكتاب ومصدره والظاهر انه مصحف والصحيح : هدبة بالباء وهو ابراهيم
بن هدبة أبوهدبة الفارسى صاحب أنس ترجمه ابن حجر في لسان الميزان 1 : 119 و 120
وقال : بقى إلى سنة مائتين : وترجمه ايضا ابونعيم في تاريخ اصبهان 1 : 170 .
[216]
رسول الله صلى الله عليه وآله كان ذات يوم جالسا على باب الدار معه علي بن أبي طالب عليه السلام إذ
أقبل شيخ فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم انصرف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام :
أتعرف الشيخ : فقال له على : ما أعرفه ، فقال صلى الله عليه وآله : هذا إبليس ، فقال علي عليه السلام :
لو علمت ( 1 ) يا رسول الله لضربته ضربة بالسيف فخلصت امتك منه ، قال : فانصرف إبليس
إلى علي عليه السلام فقال له : ظلمتني يا أبا الحسن ، أما سمعت الله عزوجل يقول : " فشاركهم
في الاموال والاولاد " ؟ فوالله ما شركت أحدا أحبك في امه ( 2 ) .
51 ومنه عن علي بن حسان الواسطي رفع الحديث قال : أتت امرأة من
الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فآمنت به وحسن اسلامها فجعلت تجيئه في كل اسبوع
فغابت عنه أربعين يوما ثم أتته فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : ما الذي أبطأبك يا جنية
فقالت : يا رسول الله أتيت البحر الذي هو محيط بالدنيا في أمر أردته ، فرأيت على شط
ذلك البحر صخرة خضرآء وعليها رجل جالس قد رفع يديه إلى السمآء وهو يقول :
" اللهم إني أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا ما غفرت لي " فقلت له :
من أنت ؟ قال : أنا إبليس ، فقلت : ومن أين تعرف هؤلآء ؟ قال : إني عبدت ربي في
الارض كذا وكذا سنة ، وعبدت ربي في السمآء كذا وكذا سنة ، ما رأيت في السماء اسطوانة
إلا وعليها مكتوب : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله علي أمير المؤمنين أيدته به ( 3 ) .
52 ومنه عن القاسم بن محمد الاصفهاني عن سليمان بن داود المنقري عن حفص
بن غياث عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ظهر ابليس ليحيى بن زكريا عليه السلام وإذا عليه معاليق
من كل شئ ، فقال له يحيى : ما هذه المعاليق يا إبليس ؟ فقال : هذه الشهوات التي
أصبتها من ابن آدم ، قال : فهل لي منها شئ ؟ قال : ربما شبعت فثقلتك عن الصلاة والذكر
قال يحيى : لله علي أن لا أملا بطني من طعام أبدا ، فقال إبليس : لله علي أن لا أنصح
مسلما أبدا ، ثم قال أبوعبدالله عليه السلام : يا حفص ولله على جعفر وآل جعفر أن لايملؤا
بطونهم من طعام أبدا ولله على جعفر وآل جعفر أن لا يعملوا للدنيا أبدا ( 4 ) .
( هامش 216 ) ( 1 ) في نسخة : لو علمته .
( 2 ) المحاسن : 332 .
( 4 ) المحاسن : 439 و 440 .
[217]
بيان : ثقلتك ، على صيغة الغيبة أي الشبعة ، ويحتمل التكلم بحذف العائد .
53 المحاسن : عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام :
إن لابليس كحلا وسفوفا ولعوقا ، فاما كحله فالنوم وأما سفوفه فالغضب وأما لعوقه
فالكذب ( 1 ) .
بيان : مناسبة الكحل للنوم ظاهر ، وأما السفوف للغضب فلان أكثر السفوفات
من المسهلات التي توجب خروج الامور الردية ، والغضب أيضا يوجب صدور ما لاينبغي
من الانسان وبروز الاخلاق الذميمة به ويكثر منه ، وفي القاموس : سففت الدوآء بالكسر
سفا واستففته : قمحته أو أخذته غير ملتوت ، وهو سفوف كصبور انتهى ، وأما اللعوق
فلانه غالبا مما يتلذذ به ويكثر منه ، والكذب كذلك ، وفي النهاية : فيه إن للشيطان
لعوقا ودسوما ، اللعوق بالفتح : اسم لما يلعق به أي يؤكل بالملعقة ، والدسام بالكسر :
ما يسد به الاذن فلا تعي ذكرا ولا موعظة ( 2 ) .
54 العياشى : عن جميل بن دراج قال : سألت ابا عبدالله عليه السلام عن إبليس أكان
من الملائكة أو كان يلي شيئا من أمر السماء ؟ فقال : لم يكن من الملائكة وكانت الملائكة
ترى أنه منها ، وكان الله يعلم أنه ليس منها ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء ولا كرامة
فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكر وقال : كيف لا يكون من الملائكة والله يقول
للملائكة : " اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس " فدخل عليه الطيار فسأله وأنا عنده
فقال له : جعلت فداك قول الله عزوجل : " يا أيها الذين آمنوا " ( 3 ) في غير مكان
( هامش 217 ) ( 1 ) المحاسن :
( 2 ) وفى النهاية : كل شئ سددته فقد دسمته يعنى ان وساوس الشيطان مهما وجدت
منفذا دخلت فيه .
( 3 ) الظاهر أن الطيار سأل عن هذه الاية توطئة لان يستشكل عليه عليه السلام زعما انه عليه السلام
يقول بخروج المنافقين عن الخطاب في قوله : يا ايها الذين آمنوا ، فيستشكل بأن المنافقين
حيث انهم خارجون عن هذه المخاطبة فكذلك ابليس ايضا خارج عن الملائكة ، وحيث انه
عليه السلام ابان أن المنافقين داخلون في قوله : يا ايها الذين آمنوا ، لم يجد للاشكال سبيلا .
[218]
في مخاطبة المؤمنين أيدخل في هذه المنافقون ؟ قال : نعم يدخل في هذه المنافقون والضلال
وكل من أقر بالدعوة الظاهرة ( 1 ) .
كا : أبوعلي الاشعري عن محمد بن عبدالجبار عن علي بن حديد عن جميل
مثله ( 2 ) .
55 العياشى : عن جميل بن دراج عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن إبليس
أكان من الملائكة أو هل كان يلي شيئا من أمر السماء ؟ قال : لم يكن من الملائكة
ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء وكان من الجن وكان مع الملائكة وكانت الملائكة
ترى أنه منها وكان الله يعلم أنه ليس منها ، فلما أمر بالسجود كان منه الذي
كان ( 3 ) .
بيان : قوله عليه السلام : ترى أنه منهم أي في طاعة الله وعدم العصيان لمواظبته على
( بقية هامش 218 ) وقال المصنف في كتاب النبوة ذيل الخبر : حاصل الحديث ان الله تعالى انما ادخله
في لفظ الملائكة لانه كان مخلوطا بهم وكونه ظاهرا منهم ، وانما وجه الخظاب في الامر
بالسجود إلى هؤلاء الحاضرين وكان من بينهم فشمله الامر ، أو المراد انه خاطبهم بيا ايها
الملائكة مثلا وكان ابليس ايضا مأمورا لكونه ظاهرا منهم ومظهرا لصفاتهم ، كما ان
الخطاب يا ايها الذين آمنوا يشمل المنافقين لكونهم ظاهرا من المؤمنين ، واما ظن الملائكة
فيحتمل أن يكون المراد انهم ظنوا انه منهم في الطاعة وعدم العصيان لانه يبعد أن لا يعلم
الملائكة انه ليس منهم مع انهم رفعوه إلى السماء واهلكوا قومه فيكن من قبيل قولهم :
" سلمان منا اهل البيت " على انه يحتمل أن يكون الملائكة ظنوا انه كان ملكا جعله الله
حاكما على الجان ، ويحتمل أن يكون هذا الظن من بعض الملائكة الذين لم يكونوا بين
جماعة منهم قتلوا الجان ورفعوا ابليس . راجع ج 11 : 148 .
( 1 ) تفسير العياشى 1 : 33 .
( 2 ) الروضة : 274 فيه : [ فقال : لم يكن من الملائكة ولم يكن يلى شيئا من امر
السماء ولا كرامة فاتيت ] وفيه : [ فانكره ] وفيه : [ واذ قلنا للملائكة اسجدوا الخ ]
وفيه ، جعلت فداك رأيت قوله عزوجل ، وفيه : من مخاطبة .
( 3 ) تفسير العياشى 1 : 34 ،
[219]
عبادته سبحانه أزمنة متطاولة لبعد عدم علم الملائكة بأنه ليس منهم بعد أن أسروه من
الجن ورفعوه إلى السماء فيكون من قبيل قولهم عليهم السلام : " سلمان منا أهل البيت " أو أنهم
لما رأوا تباين أخلاقه ظاهرا للجن وتكريم الله تعالى إياه وجعله من بينم بل جعله
رئيسا على بعضهم كما قيل ظنوا أنه كان منهم وقع بين الجن ، أو أن الظان كان
بعض الملائكة .
56 العياشى : عن يونس ( 1 ) عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله عليه السلام في قول
الله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " قال : أمر الله بما أمر به ( 2 ) .
57 ومنه عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله : " ولآمرنهم فليغيرن
خلق الله " قال : دين الله ( 3 ) .
بيان : فسر عليه السلام في الخبر الاول خلق الله بأمر الله وفي الثاني بدين
الله ، وقال الطبرسي رحمه الله : قيل : يريد دين الله وأمره عن ابن عباس وابراهيم
ومجاهد والحسن وقتادة ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام ، ويؤيده قوله سبحانه :
" فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " ( 4 ) وأراد بذلك تحريم الحلال
وتحليل الحرام ، وقيل : أراد الخصاء ، وقيل : إنه الوشم ، وقيل : إنه أراد الشمس
والقمر والحجارة عدلوا عن الانتفاع بها إلى عبادتها ( 5 ) .
58 العياشي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله قال : كان إبليس أول من ناح
وأول من تغنى وأول من حدا ، قال : لما أكل آدم من الشجرة تغنى ، فلما أهبط
حدا به ، فلما استقر على الارض ناح فأذكره ما في الجنة ، فقال آدم : رب هذا الذي
جعلت بينى وبينه العداوة لم أقو عليه وأنا في الجنة وإن لم تعني عليه لم أقو عليه ، فقال الله :
( هامش 219 ) ( 1 ) في المصدر : محمد بن يونس .
( 2 ) فتسير العياشى 1 : 276 .
( 3 ) المصدر 1 : 276 .
( 4 ) الروم : 30 .
( 5 ) مجمع البيان 3 : 113 .
[220]
السيئة بالسيئة والحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة قال : رب زدنى قال : لا يولد لك
ولد إلا جعلت معه ملكا ( 1 ) أو ملكين يحفظانه ، قال : رب زدني ، قال : التوبة مفروضة ( 2 )
في الجسد مادام فيها الروح ، قال : رب زدني ، قال : أغفر الذنوب ولا ابالي قال : حسبي
قال : فقال ابليس : رب هذا الذي كرمت علي وفضلته وإن لم تفضل علي لم أقو عليه
قال : لا يولد له ولد إلا ولد لك ولدان ، قال : رب زدني ، قال : قال تجري منه مجرى
الدم في العروق ، قال ربي زدني ، قال تتخذ أنت وذريتك في صدورهم مساكن
قال : رب زدني ، قال : تعدهم وتمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( 3 ) .
59 ومنه عن داود بن فرقد عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الملائكة كانوا
يحسبون أن إبليس منهم وكان في علم الله أنه ليس منهم فاستخرج الله ما في نفسه بالحمية
فقال : خلقتني من نار وخلقته من طين ( 4 ) .
60 ومنه عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : الصراط الذي قال إبليس :
" لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم " الآية ، هو علي عليه السلام ( 5 ) .
61 - ومنه عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبدالله
عليهما السلام عن قوله : يا بني آدم ، قالا : هي عامة ( 6 ) .
أقول : ذكر الخبر في قوله تعالى : يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان ( 7 )
62 ومنه عن بكر بن محمد الازدي عن عمه عبدالسلام عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : قال : يا عبدالسلام احذر الناس ونفسك ، فقلت : بأبي أنت وامي أما الناس
فقد أقدر على أن أحذرهم وأما نفسي فكيف ؟ قال : إن الخبيث يسترق السمع يجيئك
( هامش 220 ) ( 1 ) لم يذكر في المصدر قوله : ملكا .
( 2 ) في المصدر : معروضة .
( 3 ) تفسير العياشى 1 : 276 .
( 4 و 5 ) تفسير العياشى 2 : 9 والاية في سورة الاعراف : 26 .
( 6 ) تفسير العياشى 2 : 11 .
( 7 ) الاعراف : 27 .
[221]
فيسترق ثم يخرج في صورة آدمي فيقول : قال عبدالسلام : فقلت : بأبي أنت وامي
هذا ما لاحيلة له ، قال : هو ذاك ( 1 ) .
بيان : الظاهر أن المراد به ما تلفظ به من معايب الناس وغيرها من الامور
التي يريد إخفاءها فيكون مبالغ في التقية ، ويحتمل شموله لما يخطر بالبال فيكون
الغرض رفع الاستبعاد عما يخفيه الانسان عن غيره ثم يسمعه من الناس وهذا كثير
والمراد بالخبيث الشيطان .
63 تأويل الآيات الباهرة : بحذف الاسناد مرفوعا إلى وهب بن جميع عن أبي
عبدالله عليه السلام قال : سألته عن إبليس وقوله : " رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال
فانك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم " أي يوم هو ؟ قال : يا وهب أتحسب أنه
يوم يبعث الله الناس ؟ لا ولكن الله عزوجل أنظره إلى يوم يبعث الله قائمنا فيأخذ
بناصيته فيضرب عنقه فذلك اليوم هو الوقت المعلوم ( 2 ) .
64 الكافى : عن العدة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن أبي أيوب الخزاز
عن سليمان بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما من أحد يموت من المؤمنين أحب
إلى إبليس من موت فقيه ( 3 ) .
65 ومنه عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن هارون بن
خارجة عن زيد الشحام عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : إن العبد إذا سجد
فأطال السجود نادى إبليس : ياويله ( 4 ) أطاع وعصيت وسجد وأبيت ( 5 ) .
توضيح : قال في النهاية : في حديث أبي هريرة : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد
اعتزل الشيطان يبكي ويقول : ياويله .
( هامش 221 ) ( 1 ) تفسير العياشى 2 : 239 .
( 2 ) تأويل الايات الباهرة : 268 و 287 من نسختى ، والاية في سورة ص : 79 81 .
( 3 ) اصول الكافى 1 : 38 .
( 4 ) في المصدر : يا ويلاه .
( 5 ) الفروع 3 : 264 ( طبعة الاخوندى ) .
[222]
الويل : الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في هلكة دعا بالويل
ومعنى النداء فيه : يا ويلي ويا حزني ويا هلاكي ويا عذابي احضر فهذا وقتك وأوانك
فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الامر الفظيع والشدة ( 1 ) ، وعدل عن
حكاية قول ابليس ياويلى ، كراهة أن يضيف الويل إلى نفسه ( 2 ) .
66 الخصال : عن أبيه عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد عن ابن عيسى عن
الحسن بن علي عن عمر عن أبان بن عثمان ( 3 ) عن العلاء بن سيابة عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : لما هبط نوح عليه السلام من السفينة أتاه إبليس فقال له : ما في الارض رجل أعظم
منة علي منك ، دعوت الله على هولاء الفساق فأرحتني منهم ، ألا اعلمك خصلتين ؟
إياك والحسد فهو الذي عمل بي ما عمل ، وإياك والحرص فهو الذي عمل بآدم ما
عمل ( 4 ) .
67 ومنه : بهذا الاسناد عن أحمد بن محمد عن محمد البرقي عن أحمد بن النضر عن
عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما دعا نوح عليه السلام ربه عزوجل
على قومه أتاه إبليس لعنه الله فقال : يا نوح إن لك عندي يدا اريد أن اكافيك
عليها ، فقال نوح عليه السلام : إنه ليبغض ( 5 ) إلي أن يكون لك عندي يد ، فما هي ؟
قال : بلى دعوت الله على قومك فاغرقتهم فلم يبق أحد اغويه فأنا مستريح حتى ينشأ
قرن آخر واغويهم ( 6 ) فقال له نوح عليه السلام : ما الذي تريد أن تكافئني به ؟ قال : اذكرني
( هامش 222 ) ( 1 ) في النهاية : من الامر الفظيع وهو الندم على ترك السجود لادم عليه السلام ، وأضاف
الويل إلى ضمير الغائب حملا على المعنى ، وعدل .
( 2 ) النهاية 4 : 250 .
( 3 ) هكذا في النسخ وفيه وهم والصحيح كما في طبعة الغفارى وفى مشيخة الفقيه :
سعد بن عبدالله عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن على عن ابان بن عثمان .
( 4 ) الخصال 1 : 50 طبعة الغفارى .
( 5 ) في المصدر : والله انى ليبغض .
( 6 ) في المصدر : فاغويهم .
[223]
في ثلاث مواطن ( 1 ) فاني أقرب ما أكون إلى العبد إذا كان في إحداهن : اذكرني إذا
غضبت ، واذكرني إذا حكمت بين اثنين ، واذكرني إذا كنت مع امرأة خاليا ليس
معكما أحد ( 2 ) .
68 ومنه : بالاسناد المتقدم عن محمد البرقي عن عبدالرحمن بن محمد العرزمي ( 3 )
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : يقول إبليس لعنه الله : ما أعياني في ابن آدم فلم يعيني منه
واحدة من ثلاثة : أخذ مال من غير حله ، أو منعه من حقه ، أو وضعه في غير
وجهه ( 4 ) .
بيان : أي أي شئ أعجزني في إضلال ابن ادم في أمر من الامور ومعصية
من المعاصي فلا أعجز عن إضلاله في أحد هذه الامور الثلاثة فاغويه في واحدة منها
أي غالبا .
69 الخصال : عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد
ابن عيسى عن محمد بن إسماعيل عن الحسن بن ظريف عن أبي عبدالرحمن عن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الآباء ثلاثة : آدم ولد مؤمنا ، والجان ، ولد كافرا ( 5 )
وإبليس ولد كافرا وليس فيهم نتاج ، إنما يبيض ويفرخ ، وولده ذكور ليس فيهم
إناث ( 6 ) .
70 مجالس ابن الشيخ : عن أحمد بن هارون بن الصلت عن أحمد بن محمد بن
( هامش 223 ) ( 1 ) في المصدر : في ثلاثة مواطن .
( 2 ) الخصال 1 : 132 .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 223 سطر 19 الى ص 231 سطر 18

( 3 ) العرزمى بتقديم الراء المهملة على الزاى المعجة نسبة إلى عرزم : بطن من فزارة
وجبانة عرزم بالكوفة معروفة ولعل هذا البطن نزلوا بها فنسب اليهم .
( 4 ) الخصال 1 : 132 .
( 5 ) في المصدر : والجان ولد مؤمنا وكافرا .
( 6 ) الخصال 1 : 152 .
[224]
سعيد عن الحسن بن القاسم عن شبير بن إبراهيم ( 1 ) عن سليم ( 2 ) بن بلال المدني عن الرضا
عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام ان إبليس كان يأتي الانبياء عليهم السلام من لدن
آدم عليه السلام إلى أن بعث الله المسيح عليه السلام يتحدث عندهم ويسائلهم ولم يكن بأحد منهم
أشد انسا منه بيحيى بن زكريا عليه السلام فقال له يحيى : يا أبا مرة إن لي إليك حاجة
فقال له : أنت أعظم قدرا من أن أردك بمسألة ، فاسألني ما شئت فاني غير مخالفك في
أمر تريده .
فقال يحيى : يا أبا مرة احب أن تعرض علي مصائدك وفخوخك التي تصطاد
بها بني آدم ، فقال له إبليس : حبا وكرامة ، وواعده لغد فلما أصبح يحيى عليه السلام
قعد في بيته ينتظر الموعد وأغلق عليه الباب ( 3 ) اغلاقا ، فما شعر حتى ساواه من خوخة
كانت في بيته ، فاذا وجهه صورة وجه القرد ، وجسده على صورة الخنزير ، وإذا عيناه
مشقوقتان طولا ، وإذا أسنانه وفمه مشقوقا طولا عظما واحدا بلاذقن ولا لحية ( 4 ) وله
أربعة أيد : يدان في صدره ، ويدان في منكبه ، وإذا عراقيبه قوادمه ، وأصابعه خلفه
وعليه قباء قد شد وسطه بمنطقة فيها خيوط معلقة بين أحمر وأصفر وأخضر وجميع
الالوان ، واذا بيده جرس عظيم ، وعلى رأسه بيضة ، وإذا في البيضة حديدة معلقة
شبيهة بالكلاب .
فلما تأمله يحيى عليه السلام قال له : ما هذه المنطقة التي في وسطك ؟
( هامش 224 ) ( 1 ) في المطبوع : [ شبير بن ابراهيم ] والرجل غير مذكور في الرجال
( 2 ) في النسخة المخطوطة : [ سليم ] ولعله مصحف ، وسليمان بن بلال المدنى
مترجم في كتب الفريقين الا ان طبقته لا يناسب روايته عن الرضا عليه السلام لانه مات سنة 177
ولذا عده الشيخ وغيره من رجال الصادق عليه السلام ، واورده ابن داود في اصحاب الرضا عليه السلام
نقلا عن رجال الشيخ ولكنه وهم .
( 3 ) في المصدر : وأجاف عليه الباب .
( 4 ) في المصدر : واذا عيناه مشقوقتان طولا وفمه مشقوق طولا واسنانه وفمه عظما
واحدا بلا ذقن ولا لحية .
[225]
فقال : هذه المجوسية أنا الذي سننتها وزينتها لهم ، فقال له : ما هذه الخيوط الالوان
قال له : هذه جميع أصناع النساء لا تزال المرأة تصنع الصنيع ( 1 ) حتى يقع مع لونها
فأفتن ( 2 ) الناس بها ؟ فقال له : فما هذا الجرس الذي بيدك ؟ قال : هذا مجمع كل لذة
من طنبور وبربط ومعزفة وطبل وناى وصرناي ، وإن القوم ليجلسون على شرابهم
فلا يستلذونه فاحرك الجرس فيما بينهم فاذا سمعوه استخفهم الطرب فمن بين من يرقص
ومن بين من يفرقع أصابعه ومن بين من يشق ثيابه ، فقال له : وأي الاشياء أقر
لعينك ؟ قال : النساء هن فخوخي ومصائدي ، فاني إذا اجتمعت على دعوات الصالحين
ولعناتهم صرت إلى النساء فطابت نفسي بهن ، فقال له يحيى عليه السلام : فما هذه البيضة
التي على رأسك ؟ قال : بها أتوقى دعوة المؤمنين ، قال : فما هذه الحديدة التي أرى
فيها ؟ قال : بهذه اقلب قلوب الصالحين ، قال يحيى عليه السلام : فهل ظفرت بي ساعة قط
قال : لا ولكن فيك خصلة تعجبني ، قال يحيى : فما هي ؟ قال : أنت رجل أكول فاذا
أفطرت أكلت وبشمت ( 3 ) فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل ، قال يحيى عليه السلام :
فاني اعطي الله عهدا أني لا أشبع من الطعام حتى ألقاه ، قال له إبليس : وأنا أعطي
الله عهدا أني لا أنصح مسلما حتى ألقاه ، ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك ( 4 ) .
بيان : قوله : وحبا ، الظاهر زيادة الواو أو هو عطف على مفعول له الآخر مثله
أي أفعله طاعة وحبا ، حتى ساواه أي حاذاه محاذ ، يقال : ساواه مساواة : ما ثله
وعاد له قدرا أو قيمة ، وفي القاموس : الخوخة : كوة تؤدي الضوء إلى البيت ، ومخترق
ما بين كل دارين ما عليه باب ، والكلاب كتفاح : ما يقال له بالفارسية : قلاب
قوله : أصناع النساء ، في أكثر النسخ بالصاد والعين المهملتين والنون ، وفي بعضها بالصاد
( هامش 225 ) ( 1 ) في المصدر : اصباغ النساء لا تزال المرأة تصبغ الصبغ .
( 2 ) في المصدر : فافتتن .
( 3 ) لعل المراد بها الشبع لان الاكل على حد التخمة مناف لزهادة يحيى عليه السلام وعلمه
بانه مضر للجسد ، او الصحيح ما في بعض النسخ من انه : ونمت .
( 4 ) مجالس ابن الشيخ : 216 .
[226]
والباء والغين المعجمة وبعده : " لا تزال المرأة تصنع الصنيع " على الاول ، و " تصبغ
الصبغ " على الثاني ، ولعله أظهر ، أي تتبع الاصباغ والالوان في ثيابها وبدنها حتى
يوافق لونها ، وعلى الاول أيضا يؤل إليه ، قال الفيروز آبادي : صنع الشئ صنعا :
عمله ، وما أحسن صنيع ( 1 ) الله عندك وصنعة الفرس : حسن القيام عليه ، صنعت فرسي
صنعا وصنعة ، والصنيع : ذلك الفرس ، والاحسان ، وهو صنيعي وصنيعتي أي اصطنعته
وربيته ، وصنعت الجارية كعني : احسن إليها حتى سمنت ، وصنع الجارية أي
أحسن إليها وسمنها ، ورجل صنيع اليدين : حاذق في الصنعة ، من قوم أصناع الايدى
والصنع بالكسر : الثوب والعمامة ، والجمع ، أصناع ، والتصنع : التزين .
وقال : المعازف : الملاهي كالعود والطنبور ، الواحد عزف أو معزف كمنبر
ومكنسة ، وقال : البشم محركة : التخمة والسامة ، بشم كفرح وأبشمه الطعام ، وفي
بعض النسخ : ونمت .
71 وأقول : وجدت هذا الخبر في كتاب غور الامور للترمذي على وجه أبسط
فأحببت إيراده هنا ، قال : حدثنا أبومقاتل عن صالح بن سعيد عن أبي سهل عن الحسن
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن إبليس عدو الله كان يأتي الانبياء ويتحدث إليهم من
لدن نوح إلى عيسى بن مريم وما بين ذلك من الانبياء ، غير أنه لم يكن لاحد أكثر
زيارة ولا أشد استيناسا منه إلى يحيى بن زكريا عليه السلام ، وإنه دخل عليه ذات يوم
فلما أراد الانصراف من عنده قال له يحيى : يا بامرة ، واسمه الحارث وكنيته أبومرة
وإنما سماه الله إبليس لانه أبلس من الخير كله يوم آدم عليه السلام .
فقال له : يا بامرة إني سائلك حاجة فأحببت ( 2 ) أن لا تردني عنها ، فقال له :
ولك ذلك يا نبي الله فسل ( 3 ) ، فقال له يحيى بن : زكريا : إني احبك ( 4 ) تجيئني
( هامش 226 ) ( 1 ) في المصدر : صنع الله بالضم وصنيع الله عندك .
( 2 ) في نسخة : فاحب .
( 3 ) في نسخة : فاسأل .
( 4 ) في نسخة : احب أن تجيئنى .
[227]
في صورتك وخلقك وتعرض علي مصائدك ( 1 ) التي بها تهلك الناس ، قال إبليس : سألتني
أمرا عظيما ضقت به ذرعا ( 2 ) وتفاقم خطبه عندي ولكنك أعز علي وأمن من أن أردك
بمسألة ولا أجيبك بحاجة ، ولكني أحب أن تخلو برؤيتي فلا يكون معك أحد
غيرك ، فتواعدا لغد عند ارتفاع النهار ، صدر ( 3 ) من عنده على ذلك ، فلما كان من
الغد في تلك الساعة تمثل بين يديده قائما فنظر إلى أمر من أمر الله عظيم ، إذا هو ممسوخ
منكوس مقبوح هائل كريه ، جسده على أمثال أجساد الخنازير ، ووجهه على وجه
القردة ، وشق عينيه طولا وشق فاه طولا ، حيال رأسه وأسنانه كلها عظم واحد لاذقن
له أصلا ولا لحية ، وشعر رأسه مقلل ( 4 ) مقلوب المنبت نحو السماء ، وله أربعة أيدي :
يدان في منكبيه ، ويدان في جنبيه ، وأصابعه مما يليه من القدم خلفه ، وعراقيبه ( 5 )
أمامه وأصابع يديه ستة ، وخده أصلت ( 6 ) ، ومنخرا أنفه نحو السماء ، له خرطوم
كخرطوم الطير ، ووجهه قبل القفاء ، أعمش العينين ، أعرج معوج ، له جناح ، وإذا
عليه قميص مقلص ( 7 ) قد تمنطق فوقه بعد ( 8 ) المجوس ، وإذا أكواز صغار قد علقه من
منطقته ، وحوالي قميصه خياعيل ( 9 ) شبه الشرب ( 10 ) في ألوان شتى من بياض وسواد وحمرة
( هامش 227 ) ( 1 ) المصائد جمع المصيدة : ما يصاد به .
( 2 ) اى لم اقدر على رده . وتفاقم الامر : عظم .
( 3 ) أى رجع .
( 4 ) أى قليل .
( 5 ) العراقيب جمع العرقوب : عصب غليظ فوق العقب .
( 6 ) جبين صلت : واضح مستو بارز .
( 7 ) قلص قميصه فقلص هو : شمره ورفعه فارتفع وتشمر .
( 8 ) هكذا في الكتاب ولعله من عد ، أى بمثل المجوس .
( 9 ) الخياعيل جمع الخيعل : الفرو ، أو ثوب غير مخيط الفرجن ، أو درع يخاط
أحد شقيه ويترك الاخر تلبسه المرأة كالقميص ، او قميص لاكمى له ، قاله الفيروز آبادى
ولعل المراد به هنا غيرها .
( 10 ) لعله جمع الشرابة هى ضمة من خيوط يعلق على اطراف الثوب يقال لها بالفارسية
ريشه ، وكلابتون .
[228]
وصفرة وخضرة ، وبيده جرس ضخم ، وعلى رأسه بيضة في قلتها حديدة مستطيلة
معقفة الطرف .
فقال له يحيى : أخبرني يا بامرة عما أسألك مما أرى ، قال : يا نبي الله ما دخلت
عليك على هذه الحالة إلا وأنا احب أن اخبرك بكل شئ تسألنى عله ثم لا أعمى
عليك ، فقال : حدثني يا بامرة عن إنطاقك هذا فوق القميص ما هو ؟ قال : يا نبي الله
تشبه بالمجوس ، أنا وضعت المجوسية فدنت بها .
قال : فأخبرني ما هذه الاكواز الصغار التي هى معلقة من منطقتك مقدمة . قال :
يا نبي الله فيها شهواتي وخياعيل مصائدي ، فأول ما أصيد به المؤمن من قبل النساء
فان هو اعتصم بطاعة الله أقبلت عليه من قبل جمع المال من الحرام طمعا فيه حرصا عليه
فان هو اعتصم بطاعة الله وأجنبني بالزهادة أقبلت عليه من قبل الشراب هذا المسكر حتى
اكرر عليه هذه الشهوات كلها ولابد أن يواقع بعضها ولو كان من أورع الناس ، قال :
فماهذه الخياعيل إلى طرف قميصك ؟ قال : يا نبي الله هذه ألوان أصباغ النساء وزينتهن
فلا يزال إحداهن تتلون ( 1 ) ثيابها حتى تأتي على ما يليق بها فهناك افتتن الرجال إلى
ما عليها من الزينة .
قال : فما هذا الجرس بيدك ؟ قال : يا نبي الله هذا معدن الطرب وجماعات
أصوات المعازف من بين بربط وطنبور ومزامير وطبول ودفوف ونوح وغناء ، وإن
القوم يجتمعون على محفل شر وعندهم بعض ما ذكرت من هذه المعازف ، فلا يكادون
يتنعمون في مجلس ويستلذون ويطربون ، فاذا رأيت ذلك منهم حركت هذا الجرس
فيختلط ذلك الصوت بمعازفهم ، فهناك يزيد استلذاذهم وتطريبهم ، فمنهم من إذا سمع
هذا يفرقع أصابعه ، ومنهم من يهز رأسه ، ومنهم من يصفق بيديه ، فما زال هذا دأبهم
حتى ابرتهم ( 2 ) .
( هامش 228 ) ( 1 ) في النسخة المخطوطة : تلون .
( 2 ) أى حتى أهلكتهم .
[229]
قال : فما هذه البيضة على رأسك ؟ قال : يا نبي الله احترز مني ومن مصائدي
التي وصفت لك الانبياء والصالحون والنساك وأهل الورع ، كما أحرز رأسي هذه
البيضة من كل نكبة ، قال : وما النكبة ؟ قال : اللعنة ، قال : فما هذه الحديدة المستطيلة
التي في قلتها ؟ قال : يا نبي الله هي التي اقلب بها قلوب الصالحين ، قال : بقيت حاجة
قال : قل ، قال : ما بال خلقك وصورتك على ما أرى من القبح والتقليب والانكار ؟
قال : يا نبي الله هذا بسبب أبيك آدم ، إني كنت من الملائكة المكرمين ممن لم أرفع
رأسي من سجدة واحدة أربعمائة ألف سنة ، وعصيت ربي في أمر سجودي لآدم أبيك
فغضب الله علي ولعنني ، فحولت من صورة الملائكة إلى صورة الشياطين ولم يكن في
الملائكة أحسن صورة مني فصرت ممسوخا منكوسا مقبوحا مقلوبا هائلا كريها
كما ترى .
قال : فهل أريت صورتك هذه أحدا قط ، ومصائدك بهذه الصورة ؟ قال : لا وعزة
ربي إن هذا الشئ ما نظر إليه آدمي قط ، ولقد أكرمتك بهذه دون الناس كلهم ، قال :
فتمم إكرامك إياى بمسئلتين أسألك عنهما ، إحداهما عامة ، والاخرى خاصة ، قال :
ولك ذلك يا نبي الله فسل ، قال : حدثني أي الاشياء أرجى عندك وأدعمه لظهرك
وأسلاه لكأبتك ( 1 ) وأقره لعينك وأشد لركنك وأفرحه لقلبك ؟ قال : يا نبي الله
إني أخاف أن تخبر به أحدا فيحفظون ذلك فيعتصمون به ويضيع كيدي ( 2 ) .
قال : إن الله قد أنزل في الكتاب شأنك وكيدك وبين لانبيائه وأوليائه .
فاحترزوا ما احترزوا ، وأما الغاوون فأنت أولى بهم قد تلعب بهم كالصوالجة بالكرة
فليس قولك عندهم أدعى وأعز من قول الله .
قال : يا نبي الله إن . أرجى الاشياء عندي وأدعمه لظهري وأقره لعيني النساء
( هامش 229 ) ( 1 ) دعم الشئ : أسنده لئلا يميل : دعمه : أعانه وقواه . أسلاه عن همه : كشفه عنه .
الكأبة : الحزن الشديد .
( 2 ) في النسخة المخطوطة : فيضيع كيدى .
[230]
فانها حبالتي ومصائدي وسهمي الذي به لا أخطئ ، بأبي هن ، لو لم يكن هن ما أطقت
إضلال أدنى آدمي ، قرة عيني ، بهن أظفر بمقراتي ( 1 ) وبهن اوقع في المهالك ، يا
حبذاهن إذا اغتممت ليست على النساك ( 2 ) والعباد والعلماء غلبوني بعد ما أرسلت
عليهم الجيوش فانهزموا وبعد ما ركبت وقهرت ذكرت النساء طابت نفسي وسكن غضبي
واطمأن كظمي وانكشف غيظي وسلت كأبتي وقرت عيني واشتد أزري ( 3 ) ، و
لولاهن من نسل آدم لسجدتهن فهن سيداتي وعلى عنقي سكناهن وعلي ماهن ( 4 )
ما اشتهت امرأة من حبالتي ( 5 ) حاجة إلا كنت أسعي برأسي دون رجلي في إسعافها
بحاجتها لانهن رجائي وظهري وعصمتى ومسندي وثقتي وغوثي ، قال : وما نفعك
وفرحك في ضلالة الآدمي ؟ وبأي شئ سلبت عليه ( 6 ) ؟ قال : خلق الله الافراح
والاحزان والحلال والحرام ، وخيرني فيهما يوم آدم فاخترت الشهوات والافراح
واخترت الحرام والفحش والمناكير صارت تلك نهمتي ( 7 ) وهواي ، وخير آدم فاختار
الاحزان والعبادة والحلال ، فصار ذلك له نهمة ومنى ، فذلك منيته ونهمته ، وهذا
هواي ونهمتي وشهوتي ، فذلك شيئه وماله ومتاعه ، وهذا شيئي ومالي ومتاعي
وبضاعتي ، وشئ المرء كنفسه لان فيه نهمته وشهوته ، ونهمة المرء وشهوته حياته
فاذا سلب الحياة هلك المرء ، فلم ( 8 ) نرى من خلق الله سلب منهم نهمته وهمته مات
( هامش 230 ) ( 1 ) هكذا في النسخ ولعله مصحف : بمغزاتى . والمغزاة : الغزو . ومغزى الكلام :
مقصده .
( 2 ) هكذا في النسخ ولعله مصحف : اذا اهتممت على النساك ، أو اذا اغتممت أن
النساك .
( 3 ) أى ظهرى .
( 4 ) في المطبوع : [ وعلى تمماهن ] ولعله مصحف تمامهن .
( 5 ) في النسخة المخطوطة : من حيالتى .
( 6 ) في النسخة المخطوطة : [ سلت عليه ] .
( 7 ) النهمة : الحاجة . بلوغ الهمة والشهوة في الشئ .
( 8 ) في النسخة المخطوطة : وكم يرى .
[231]
وهلك ، فكذلك هذا ، إن ما اخترت صار ذلك شهوتي وهواي وحياتي ، فمهما سلبت
هلكت ، ومهما ظفرت به فرحت وحييت ، فاذا رأيت شهوتي وهواي وحياتي عند
غيرى قد سلبها مني أجتهد كل الجهد حتى أظفر بها ليكون بها قوامي يدي ( 1 )
للآدمي سلب حياتي وهي الشهوة ( 2 ) والهوى فجعلها في كنه ( 3 ) وحرزه وقد تهيأ
واستعد يقاتلني ويحاربني فهل بد من المحاربة ليصل المحق إلى حقه ويقهر الظالم
فهذه حالتي وشأني ( 4 ) وسبب فرحي إذا غلبته .
قال له : وما ظلمه حيث تقول : يقهر الظالم ؟ قال : فيظلمني إذا سلب هواي
فجعله في كنه ، لولاه كيف لا أطمع أنا في حربه وحلاله كما طمع في حرامي وهواي ؟
قال له : أليس بمحال ( 5 ) أن تقول : أنا اريد استرداد هواي فتفرح إن هو استعمله
وتحزن إن لم يستعمل هواك في شؤنه ؟ قال : إذا استعمل هواي لست أحزن ولكني أفرح
لانه قد أعطاني نهمتي الفرح ، إنما أحزن حتى لا يستعمله ( 6 ) ، لست أطلب نهمتي لاخذه
مني فاني قد أمنت أن لا يرد لانه قد خيل عليه ، ولكننى اريد استعماله فاذا استعمله
أعطانى منيتي ومختاري وحياتي فهو نفسي فاذا استعمل منيتي أحياني وفرحني ، وإنه
استعمله على جهته ، وإذا لم يستعمله فهو في كنه كالمسجون ، فاذا كان هو في كنه مسجونا
مقيدا وهو حياتي كنت كأني المسجون المقيد وصرت حربا ( 7 ) لانه أبدلني بمكان
حياتي الموت ، فلابد أن أحتال بكل حيلة آتية بكل خدعة واهيئ وازين الالة
( هامش 231 ) ( 1 ) استظهر المنصف انه مصحف : يريد . أقول : الظاهر أن [ للادمى ] ايضا مصحف
الادمى .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 231 سطر 19 الى ص 239 سطر 18

( 2 ) في نسخة : وهى شهوتى .
( 3 ) الكن : وقاء كل شئ وستره . البيت .
( 4 ) في النسخة المخطوطة : [ وثباتى ] ولعله مصحف .
( 5 ) اى أليس بمحال في الحكمة .
( 6 ) لعله مصحف : حين لا يستعمله .
( 7 ) في النسخة المخطوطة : وقد صرت حزنا .
[232]
والادوات ، واخرج ( 1 ) الملاهي والادوات وأضربها واحركها وألوحها لعله يرى
ذلك فيطرب ويذكر وينشط ويغتر ويهيج ( 2 ) فيستعمل الهواء الذي فيه ، وهي
حياتي وشهوتي فاحيى وابهج حتى يجد هو السبيل إلى التحرك والخلاص من السجن
وهذا ما لم أذكر لاحد قط منذ خلقت ، ولولا ما أرى لك من الفضل والكرامة ما
أخبرتك بهذا كله .
قال يحيى عليه السلام : فالمسألة الخاصة التي سألتك ، قال : نعم سل ، قال : هل أصبت
مني فرصتك قط في لحظة من بصر أو لفظة بلسان أو هم بقلب ؟ قال : اللهم لا ، إلا أنه
كان يعجبني منك خصلة فكثر ذلك عنك ووقع عندي موقعا شريفا ، فتغير لون يحيى
من قوله وتبلد وتقاصرت إليه نفسه ( 3 ) وارتعدت فرائصه وغشي عليه ، قال : وما
ذلك يا بامرة ؟ قال : أنت رجل أكول وكنت أحيانا تكثر الطعام فتبشم منه ويعتريك
الوهن والنوم والثقل والكسل والنعاس فكنت تنام على جنبك أحيانا من الاوقات التي كنت
تقوم فيها من الليل ، هذا يعجبني منك .
قال : وبهذا كنت تجد علي الفرصة ؟ قال : نعم ، قال : ما أشد لفرحك وما
أشد لحركتك ( 4 ) ؟ قال : قد ذكرت لك فلم تحفظه ، ولكن أجملك ، جميع ما يكره الله
فهو مختاري ، وجميع ما يحب فهو منبوذي ، لم أتمالك حتى أحتال بكل حيلة
حتى ينبذه ، وازين له مختاري حتى يرفعه ، لان حياتي في استعمال مختاري ،
ومماتي وهلاكي وذلي وضعفي في استعماله مرفضي ومنبوذي وهو الحلال الطيب
من الاشياء والاحزان ، ومختاري الحرام والخبث من الاشياء والافراح ، بها
قد خطر الله عليه .
ثم قال إبليس : حسبك يا يحيى ، فرحا بما قد أظهر ليحيى أنه قد وجد عليه
( هامش 232 ) ( 1 ) في النسخة المخطوطة : فاخرج الملاهى وأدواته .
( 2 ) في النسخة المخطوطة : ويبهج .
( 3 ) تبلد : تردد متحيرا . تلهف . صفق بكفيه . تقاصرت نفسه : تضاءلت .
( 4 ) في النسخة المخطوطة : لحزنك .
[233]
فرصة ( 1 ) ، قال يحيى : ولم تجد علي الفرصة من عمري إلا الذي ذكرت ؟ قال : اللهم
لا إلا ذلك ، قال يحيى : عاهدت عزوجل نذرا واجبا على أن أخرج من الدنيا ولا
أشبع من الطعام ، قال : فغضب إبليس وحزن على ما أخبره ، فاحترز يحيى واعتصم
قال : خدعتني يا بن آدم وكسرت ظهري بما خدعتني وأنا اعاهد الله ربي نذرا واجبا
على أن لا أنصح آدميا ، ولقد غلبتني يا ابن آدم وكسرت ظهري بما خدعتني حتى
سلمت مني وخرج من عنده غضبانا ( 2 ) . انتهى .
وأقول : كانت النسخة سقيمة جدا فأثبته كما وجدته تأكيدا وتوضيحا لما روي
من طرق أهل البيت عليهم السلام .
72 مجالس ابن الشيخ : عن أبيه عن المفيد عن أبي عبدالله بن أبي رافع عن
جعفر بن محمد بن جعفر الحسيني عن عيسي بن مهران عن يحيى بن الحسن بن فرات
عن ثعلبة بن زيد الانصاري قال : سمعت جابر بن عبدالله الانصاري رحمه الله يقول :
تمثل إبليس لعنه الله في أربع صور : تمثل يوم بدر في صورة سراقة بن جعشم المدلجي
فقال لقريش : " لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما ترآءت الفئتان
نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم " ( 3 ) وتصور يوم العقبة في صورة منبه بن
الحجاج فنادى : إن محمدا والصباة ( 4 ) معه عند العقبة فأدركوهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
للانصار : لا تخافوا فان صوته لن يعدوه ، وتصور يوم اجتماع قريش في دار الندوة
في صورة شيخ من أهل نجد وأشار عليهم في النبى صلى الله عليه وآله بما أشار ، فأنزل الله تعالى :
" وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوا أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر
الله والله خير الماكرين " ( 5 ) وتصور يوم قبض النبي صلى الله عليه وآله في صورة المغيرة بن شعبة
( هامش 233 ) ( 1 ) في النسخة المخطوطة : ساعة فرصة .
( 2 ) غور الامور : لم نجد نسخته .
( 3 ) الانفال : 48 .
( 4 ) الصباة جمع صابئ : من خرج من دين إلى دين آخر .
( 5 ) الانفال : 30 .
[234]
فقال : أيها الناس لا تجعلوها كسروانية ولما قيصرانية وسعوها تتسع فلا تردوها في
بني هاشم فينتظر بها الحبالى ( 1 ) .
بيان : فينتظر بها الحبالى أي إذا كانت الخلافة مخصوصة ببني هاشم صار الامر
بحيث ينتظر الناس أن تلد الحبالى أحدا منهم فيصير خليفة ولم يعطوها غيرهم .
73 تفسير على بن ابراهيم : عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي
عبدالله عليه السلام قال : سئل عما ندب الله الخلق إليه أدخل فيه الضلال ( 2 ) ؟ قال : نعم و
الكافرون دخلوا فيه ، لان الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في أمره الملائكة
وإبليس ، فإن إبليس كان من الملائكة ( 3 ) في السماء يعبد الله وكانت الملائكة تظن
أنه منهم ولم يكن منهم ، فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم أخرج ما كان في قلب
إبليس من الحسد فعلمت الملائكة عند ذلك أن إبليس لم يكن منهم ، فقيل له : فكيف
وقع الامر على إبليس ، وإنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فقال : كان ابليس منهم
بالولاء ولم يكن من جنس الملائكة ، وذلك أن الله خلق خلقا قبل آدم وكان إبليس
فيهم حاكما في الارض فعتوا وأفسدوا وسفكوا الدماء ، فبعث الله الملائكة فقتلوهم
وأسروا إبليس ورفعوه إلى السماء فكان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله تبارك
وتعالى آدم ( 4 ) .
74 ومنه : في قوله تعالى : " فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان
الرجيم " قال : الرجيم أخبث الشياطين ، فقلت له : ولم سمي رجيما ؟ قال : لانه
يرجم ( 5 ) .
( هامش 234 ) ( 1 ) مجالس ابن الشيخ : 111 و 112 فيه : فتنتظر .
( 2 ) لعله بتشديد اللام جمع الضال ، ومراد السائل أن الخطابات الواردة في الشرع
هل يشمل الضلال والكافرون ام لا ؟ فاجابه بالشمول ومثل ذلك بالخطاب الوارد بالسجود
لادم حيث دخل فيه ابليس .
( 3 ) في المصدر : كان مع الملائكة .
( 4 ) تفسير القمى : 32 .
( 5 ) تفسير القمى : 365 .
[235]
بيان : أي يرجم بالشهب أو باللعن أو في زمن القائم عليه السلام .
75 الاحتجاج : عن هشام بن الحكم قال : سأل الزنديق أبا عبدالله عليه السلام
فقال : أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا وقد كان ولا عدو له ، فخلق كما زعمت
إبليس فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته ويأمرهم بمعصيته وجعل له من القوة
كما زعمت يصل ( 1 ) بلطف الحيلة إلى قلوبهم فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم ويلبس
عليهم دينهم فيزيلهم عن معرفته حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته وعبدوا سواه
فلم سلط عدوه على عبيده وجعل له السبيل إلى إغوائهم ؟ قال : إن هذا العدو الذي
ذكرت لا يضره ( 2 ) عداوته ولا ينفعه ولايته ، وعداوته لا تنقص من ملكه شيئا ، وولايته
لا تزيد فيه شيئا ، وإنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر وينفع ، إن هم بملك أخذه
أو بسلطان قهره ، فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده ويوحده وقد علم حين خلقه ما هو
وإلى ما يصير إليه ، فلم يمل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم فامتنع من
ذلك حسدا وشقاوة غلبت عليه ، فلعنه عند ذلك وأخرجه عن صفوف الملائكة وأنزله
إلى الارض ملعونا مدحورا ، فصار عدو آدم وولده بذلك السبب ، وماله من السلطنة
على ولده إلا الوسوسة والدعاء إلى غير السبيل وقد أقر مع معصيته لربه بربوبيته ( 3 ) .
76 ومنه : في اسؤلة الزنديق المدعي للتناقض في القرآن ، قال أمير المؤمنين
عليه السلام : الايمان بالقلب هو التسليم للرب ، ومن سلم الامور لمالكها لم يستكبر
عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لآدم واستكبر أكثر الامم عن طاعة أنبيائهم
فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فانه سجد سجدة واحدة
أربعة آلاف عام لم يرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة ، فكذلك لا تنفع
الصلاة والصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة وطريق الحق ( 4 ) . الخبر
( هامش 235 ) ( 1 ) في المصدر . ما يصل .
( 2 ) في المصدر : [ لا تضره ] بالتأنيث وكذا : ولا تنفعه .
( 3 ) الاحتجاج 2 : 80 طبعة دار النعمان .
( 4 ) الاحتجاج 1 : 368 فيه : [ ولم يرد ] وفيه : فلذلك .
[236]
77 مجالس الصدوق : عن محمد بن هارون الفامي عن محمد بن عبدالله الحميري
عن أبيه عن إبراهيم بن هاشم ابن أبي عمير عن إبراهيم بن زياد الكرخي قال : قال
الصادق عليه السلام : إذا كان يوم القيامة نشر الله تبارك وتعالى رحمته حتى يطمع إبليس
في رحمته ( 1 ) .
78 ومنه : عن أحمد بن محمد العطار عن سعد بن عبدالله عن القاسم بن محمد
الاصبهاني عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال : سمعت أبا عبدالله
عليه السلام يقول : جاء إبليس إلى موسى بن عمران عليه السلام وهو يناجى ربه ، فقال له
ملك من الملائكة : ما ترجو منه وهو في هذه الحال يناجي ربه ؟ فقال : أرجو منه
مارجوت من أبيه آدم ( 2 ) . الخبر
79 تفسير على بن ابراهيم : " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من
الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون " قال : إذا ذكرهم الشيطان المعاصي وحملهم عليها
يذكرون اسم الله فاذا هم مبصرون ( 3 ) .
80 العلل : عن الحسين بن محمد ( 4 ) بن سعيد الهاشمي عن فرات بن إبراهيم
الكوفي عن محمد بن علي بن معتمر ( 5 ) عن أحمد بن علي بن محمد الرملي عن أحمد بن
موسى عن يعقوب بن إسحاق المروزي عن عمر بن منصور ( 6 ) عن اسماعيل بن أبان عن
يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن أبي هارون العبدي عن جابر بن عبدالله الانصاي
قال : كنا بمنى مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذ بصرنا برجل ساجد وراكع ومتضرع ، فقلنا :
يا رسول الله ما أحسن صلاته ؟
( هامش 236 ) ( 1 ) المجالس : 123 فيه : أحمد بن هارون .
( 2 ) المجالس : 395 .
( 3 ) تفسير القمى : 234 والاية في الاعراف : 200 .
( 4 ) في المصدر : الحسن بن محمد .
( 5 ) في المصدر : محمد بن على بن معمر .
( 6 ) في المصدر : عمرو بن منصور .
[237]
فقال صلى الله عليه وآله : هو الذي أخرج أباكم من الجنة ، فمضى إليه علي عليه السلام غير
مكترث ( 1 ) فهزه هزة أدخل أضلاعه اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى ، ثم قال :
لاقتلنك إن شاء الله تعالى ، فقال : لن تقدر على ذلك إلى أجل معلوم من عند ربي ، مالك
تريد قتلي ؟ فو الله ما أبغضك أحد إلا سبقت نطفتي إلى رحم امه قبل نطفة أبيه ، ولقد شاركت
مبغضيك في الاموال والاولاد ، وهو قول الله عزوجل في محكم كتابه : " وشاركهم
في الاموال والاولاد " ( 2 ) قال النبي صلى الله عليه واله : صدق يا علي لا يبغضك من قريش إلا
سفاحي ولا من الانصار إلا يهودي ولا من العرب إلا دعي ولا من سائر الناس إلا شقي
ولا من النساء إلا سلقلقية وهي التي تحيض من دبرها ، ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه
فقال : معاشر الانصار ! اعرضوا أولادكم على محبة علي ( 3 ) ، قال جابر بن عبدالله :
فكنا نعرض حب علي عليه السلام على أولادنا ، فمن أحب عليا علمنا أنه من أولادنا
ومن أبغض عليا انتفينا منه ( 4 ) .
81 العلل والمجالس للصدوق : عن الحسين بن أحمد العلوي عن علي بن أحمد
ابن موسى عن أحمد بن علي عن الحسن بن إبراهيم العباسي عن عمير بن مرداس
الدولقي ( 5 ) عن جعفر بن بشير المكى عن وكيع عن المسعودي رفعه إلى سلمان الفارسي
رحمه الله قال : مر إبليس لعنه الله بنفر بتناولون أمير المؤمنين عليه السلام فوقف أمامهم فقال
القوم : من الذي وقف أمامنا ؟ فقال : أنا أبومرة ، فقالوا : يا أبا مرة أما تسمع كلامنا
فقال : سوأة لكم تسبون مولاكم على بن أبي طالب ؟ قالوا له : من أين علمت أنه
( هامش 237 ) ( 1 ) أى غير مبال به .
( 2 ) الاسراء : 64 .
( 3 ) زاد في نسخة من المصدر : فان اجابوا فهم منكم وان أبوا فليسوا منكم .
( 4 ) علل الشرائع 1 : 135 و 136 طبعة قم .
( 5 ) هكذا في الكتاب وبعض نسخ المصدر ، وفى المصدر المطبوع بقم : الدونقى
وهو الصحيح صرح بذلك ابن الاثير في اللباب قال : الدونقى بضم الدال وسكون الواو وفتح
النون نسبة إلى دونق : قرية من قرى نهاوند ، والدونقى هو عمير بن مرداس .
[238]
مولانا ؟ قال : من قول نبيكم صلى الله عليه وآله : [ من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ] فقالوا له : فأنت من مواليه وشيعته ؟
فقال : ما أنا من مواليه ولا من شيعته ، ولكني احبه ، ولا يبغضه أحد إلا شاركته في
المال والولد ، فقالوا له : يابا مرة فتقول في علي شيئا ؟ فقال لهم : اسمعوا مني ( 1 )
معاشر الناكثين والقاسطين والمارقين ، عبدت الله عزوجل في الجان اثني عشر ألف
سنة فلما أهلك الله الجان شكوت إلى الله عز وجل الوحدة ، فعرج بي إلى السماء
الدنيا فعبدت الله في السماء الدنيا إثنى عشر ألف سنة اخرى في جملة الملائكة ، فبينا
نحن كذلك نسبح الله عزوجل ونقدسه إذ مر بنا نور شعشعانى فخرت الملائكة
لذلك النور سجدا فقالوا : سبوح قدوس هذا نور ملك مقرب أو نبى مرسل ، فاذا
بالنداء من قبل الله عزوجل : ما هذا نور ملك مقرب ولا نبي مرسل ، هذا نور طينة
علي بن أبي طالب عليه السلام ( 2 ) .
بيان : كأن اللعين ذكر ذلك لهم لتكون الحجة عليهم أتم وعذابهم أشد لعلمه
بأنهم لا يؤمنون بذلك .
82 العلل : عن علي بن عبدالله الوراق عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد
ابن عيسى والفضل بن عامر الاشعري معا عن سليمان بن مقبل عن محمد بن زياد الازدي
عن عيسى بن عبدالله الاشعري عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال : حدثني أبي عن
جدي عن أبيه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسري بى إلى السماء حملني جبرئيل
على كتفه الايمن فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونا من الزعفران وأطيب
ريحا من المسك ، فاذا فيها شيخ على رأسه برنس ، فقلت لجبرئيل : ما هذه البقعة
الحمراء التي هي أحسن لونا من الزعفران وأطيب ريحا من المسك ؟ قال : بقعة شيعتك
وشيعة وصيك علي ، فقلت : من الشيخ صاحب البرنس ؟ قال : إبليس ، قال : فما يريد
( هامش 238 ) ( 1 ) في نسخة : كلامى .
( 2 ) علل الشرائع 1 : 136 و 137 ، المجالس : 209 فيه : لا نور .
[239]
منهم ؟ قال : يريد أن يصدهم عن ولاية أمير المؤمنين ويدعوهم إلى الفسق والفجور
فقلت : يا جبرئيل أهو بنا إليهم ، فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر
اللامح ، فقلت : قم يا ملعون فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم فان شيعتي
وشيعة علي ليس لك عليهم سلطان ، فسميت ( 1 ) قم ( 2 ) .
83 مجالس الصدوق : عن علي بن الحسين بن شاذويه المؤدب عن محمد بن
عبدالله بن جعفر الحميري عن أبيه عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير عن أبان بن
عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما مضى لعيسى عليه السلام ثلاثون
سنة بعثه الله تعالى إلى بني إسرائيل فلقيه إبليس لعنه الله على عقبة بيت المقدس وهي
عقبة افيق ، فقال له : يا عيسى أنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أن تكونت من غير أب ؟
قال عيسى عليه السلام : بل العظمة للذي كونني وكذلك كون آدم وحواء ، قال إبليس :
يا عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تكلمت في المهد صبيا ؟ قال عيسى عليه السلام :
يا إبليس بل العظمة للذي أنطقني في صغري ولو شاء لابكمني ، قال إبليس ، فأنت الذي بلغ
من عظم ربوبيتك أنك تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيه فيصير طيرا ؟ قال عيسى
عليه السلام : بل العظمة للذي خلقني وخلق ما سخر لي ، قال إبليس : فأنت الذي
بلغ من عظم ربوبيتك أنك تشفي المرضى ؟ قال عيسى عليه السلام : بل العظمة للذي باذنه
أشفيهم وإذا شاء أمرضني ، قال إبليس : فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تحيي
الموتى ؟ قال عيسى عليه السلام : بل العظمة للذي باذنه احييهم ولابد من أن يميت ما أحييت
ويميتني ، قال إبليس : يا عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تعبر البحر


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 239 سطر 19 الى ص 247 سطر 18

فلا تبتل قدماك ولا ترسخ فيه ؟ قال عيسى عليه السلام : بل العظمة للذي ذلله ولو شاء أغرقني
قال إبليس : يا عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنه سيأتي عليك يوم تكون
السماوات والارض ومن فيهن دونك وأنت فوق ذلك كله ، تدبر الامر وتقسم الارزاق
( هامش 238 ) ( 1 ) أى هذه البقعة .
( 2 ) علل الشرائع 2 : 259 .
[240]
فأعظم عيسى عليه السلام ذلك من قول إبليس الكافر اللعين ، فقال عيسى عليه السلام : سبحان الله
ملا سماواته وأرضه ومداد كلماته وزنة عرشه ورضا نفسه ، قال : فلما سمع إبليس لعنه الله
ذلك ذهب على وجهه لا يملك من نفسه شيئا حتي وقع في اللجة الخضرآء .
قال ابن عباس : فخرجت امرأة من الجن تمشي على شاطئ البحر فاذا هي بابليس
ساجدا على صخرة صماء تسيل دموعه على خديه ، فقامت تنظر إليه تعجبا ، ثم قالت
له : ويحك يا إبليس ما ترجو بطول السجود ؟ فقال لها : أيتها المرأة الصالحة ابنة الرجل
الصالح أرجو إذا بررني عزوجل قسمه وأدخلني نار جهنم أن يخرجني من النار برحمته ( 1 ) .
84 العلل : عن أبيه عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن
حسان عن علي بن عطية قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : إن إبليس عبدالله في السماء سبعة
الاف سنة في ركعتين فأعطاه الله ما أعطاه ثوابا له بعبادته ( 2 ) .
85 ومنه بالاسناد المذكور ( 3 ) قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : حدثنى كيف
قال الله عزوجل لابليس : ( 4 ) " فانك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم " قال :
لشئ كان تقدم شكره عليه ، قلت : وما هو ؟ قال : ركعتان ركعهما في السمآء في ألفي
سنة أو في ( 5 ) أربعة آلاف سنة ( 6 ) .
86 وفي رواية اخرى : عبدالله في السماء سبعة آلاف سنة في ركعتين فأعطاه الله
ما أعطاه ثوابا له بعبادته ( 7 ) .
بيان : يمكن رفع التنافي بين أزمنة الصلاة والسجود بوقوع الجميع وبصدور
( هامش 240 ) ( 1 ) المجالس : 122 و 123 فيه : اذا ابر ربى .
( 2 ) علل الشرائع 2 : 213 .
( 3 ) الاسناد في المصدر هكذا : ابى رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبدالله عن الحسن
بن عطية قال .
( 4 ) ص : 81 و 82 .
( 5 ) الترديد من الراوى .
( 6 ) علل الشرائع 2 : 212 .
( 7 ) لم يذكر المصنف مصدر الحديث .
[241]
البعض موافقا لاقوال العامة تقية .
87 تفسير علي بن إبراهيم في خبر ولادة النبي صلى الله عليه وآله قال : لما رأت الشياطين
ما حدث من الآيات لولادته ونزول الملائكة ورمي الشياطين بالشهب أنكروا ذلك واجتمعوا
إلى إبليس فقالوا : قد منعنا من السمآء وقد ( 1 ) رمينا بالشهب فقال : اطلبوا فان أمرا
قد حدث في الدنيا فرجعوا وقالوا : لم نرشيئا ، فقال إبليس ، : أنا لها بنفسي فجال بين ( 2 )
المشرق والمغرب حتى انتهى إلى الحرم فرآه محفوفا بالملائكة وجبرئيل على باب الحرم
بيده حرية ، فأراد إبليس أن يدخل فصاح به جبرئيل فقال : اخسأ يا ملعون ، فجاء من
قبل حرا فصار مثل الصر ، فقال : يا جبرئيل حرف أسألك عنه ، قال : ما هو ؟ قال : ما هذا ؟
وما اجتماعكم في الدنيا ؟ فقال : هذا نبي هذه الامة قد ولد وهو آخر الانبيآء وأفضلهم
قال : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا ، قال ؟ ففي امته ؟ قال : بلى ، قال : قد رضيت ( 3 ) .
بيان : الصر بالفتح : طائر كالعصفور أصفر .
88 قرب الاسناد : عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدق عن جعفر بن محمد عن
أبيه عليهما السلام أن إبليس عدو الله رن أربع رنات : يوم لعن ، ويوم اهبط إلى الارض
ويوم بعث النبي صلى الله عليه وآله ويوم الغدير ( 4 ) .
بيان : الرنة بالفتح : الصوت ويطلق غالبا على ما يكون عند مصيبة أو داهية
شديدة .
89 معاني الاخبار : عن المظفر بن جعفر العلوي عن جعفر بن محمد بن مسعود
العياشي عن أبيه عن علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن الوليد عن العباس بن هلال
عن الرضا عليه السلام انه ذكر أن اسم إبليس الحارث ، وإنما قول الله عزوجل : يا إبليس :
( هامش 241 ) ( 1 ) في المصدر : ورمينا .
( 2 ) في المصدر : ما بين .
( 3 ) تفسير القمى : 350 والحديث طويل أخرجه المصنف عنه وعن كمال الدين في
كتاب النبوة في باب تاريخ ولادته راجع 15 : 269 و 271 .
( 4 ) قرب الاسناد .
[242]
ياعاصى ، وسمي إبليس لانه أبلس من رحمة الله ( 1 ) .
بيان : قال الراغب : الابلاس : الحزن المعترض من شدة اليأس ، يقال : أبلس
ومنه اشتق إبليس فيما قيل ، قال تعالى : ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ( 2 ) .
90 المعاني : عن أبيه عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد عن ابن فضال رفعه
إلى أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن لابليس كحلا ولعوقا وسعوطا ، فكحله
النعاس ولعوقه الكذب وسعوطه الكبر ( 3 ) .
91 ومنه : عن محمد بن أحمد الشيباني ( 4 ) عن محمد بن جعفر الاسدي عن سهل
بن زياد عن عبدالعظيم الحسني قال : سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليه السلام
يقول : معنى الرجيم أنه مرجوم باللعن ، مطرود من مواضع الخير ، لا يذكره مؤمن
إلا لعنه ، وإن في علم الله السابق أنه إذا خرج القائم عليه السلام لا يبقى مؤمن في زمانه إلا
رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن ( 5 ) .
92 العلل : عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن الحلبي قال سألت :
أبا عبدالله عليه السلام لم سمي الرجيم رجيما ؟ قال : لانه يرجم ، فقلت : فهل ينقلب إذا رجم ؟
قال : لا ولكنه يكون في العلم مرجوما ( 6 ) .
بيان : قوله : فهل ينقلب أي يرجع إلى الحياة والبقاء بعد الرجم ، فقال عليه السلام :
( هامش 242 ) ( 1 ) معانى الاخبار : 138 طبعة الغفارى .
( 2 ) المفردات : 60 والاية في الروم : 12 .
( 3 ) معانى الاخبار : 138 .
( 4 ) هكذا في الكتاب ومصدره والظاهر انه مصحف السنانى نسبة إلى جده الاعلى
محمد بن سنان المعروف والرجل هو أبوعيسى محمد بن أحمد بن محمد بن سنان الزاهرى
نزيل الرى المترجم في رجال الشيخ في باب من لم يروعنهم ، راجع ما حققناه في مقدمة معانى
الاخبار : 60 .
( 5 ) معانى الاخبار : 139 .
( 6 ) علل الشرائع 2 : 213 .
[243]
لا ، والاستدراك لانه توهم السائل أن الرجم في هذه الازمنة ، فرفع عليه السلام وهمه
بأنه إنما يسمى الآن رجيما لانه في علم الله أنه يصير بعد ذلك رجيما عند قيام القائم عليه السلام
كما مر في الخبر السابق ، ويحتمل أن يكون في الاصل " فهل ينفلت " وسيأتي في
رواية العياشي ما يؤيده .
93 تفسير على بن إبراهيم : " لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم
وعن شمائلهم " أما بين أيديهم فهو من قبل الآخرة لاخبرنهم أنه لا جنة ولا نار ولا نشور ،
وأما خلفهم يقول : من قبل دنياهم آمرهم بجمع الاموال وآمرهم أن لا يصلوا في أموالهم
رحما ولا يعطوا منه حقا ، وآمرهم أن لا ينفقوا على ذراريهم واخوفهم على الضيعة ( 1 )
وأما عن أيمانهم يقول : من قبل دينهم ، فان كانوا على ضلالة زينتها ، وإن كانوا على
الهدى جهدت عليهم حتى اخرجهم منه ، وأما عن شمائلهم يقول : من قبل اللذات
والشهوات ، يقول الله تعالى : " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " ( 2 ) وأما قوله : " اخرج
منها مذؤما مدحورا " فالمذؤم المعيب ، والمدحور المقصي أي ملقى في جهنم ( 3 ) .
94 المعاني : عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد
عن علي بن النعمان عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " إن عبادي
ليس لك عليهم سلطان " قال : ليس له على هذه العصابة خاصة سلطان ، قالت قلت فكيف
جعلت فداك وفيهم ما فيهم ؟ قال : ليس حيث تذهب ، إنما قوله : " ليس لك عليهم سلطان "
أن يحبب إليهم الكفر ويبغض إليهم الايمان ( 4 ) .
المحاسن والعياشي : عن علي بن النعمان عمن ذكره عنه عليه السلام مثله ( 5 ) .
( هامش 243 ) ( 1 ) في المصدر : على ذراريهم واخوانهم وأخوف عليهم الضيعة .
( 2 ) سبأ : 20 .
( 3 ) تفسير القمى : 212 والاية في الاعراف : 17 و 18 .
( 4 ) معانى الاخبار : 158 والاية في الحجر : 42 .
( 5 ) المحاسن : 171 وتفسير العياشى 2 : 242 في المصادر كلها : قلت : وكيف .
[244]
95 التفسير : عن أبيه عن سعيد ( 1 ) عن إسحاق بن جرير قال : قال أبوعبدالله
عليه السلام : أي شئ يقول أصحابك في قول إبليس : " خلقتني من نار وخلقته من طين "
قلت : جعلت فداك قد قال ذلك وذكره الله في كتابه ، قال : كذب يا إسحاق ( 2 ) ما خلقه
الله إلا من طين ، ثم قال : قال الله : " الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا أنتم
منه توقدون ( 3 ) " خلقه الله من ذلك النار ومن تلك الشجره ، والشجرة أصلها من طين ( 4 ) .
بيان : لعل المعنى أن الطين داخل في طينته وإن كان النار فيه أغلب .
96 التفسير : عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن محمد بن يونس عن رجل
عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى : " أنظرني ( 5 ) إلى يوم يبعثون * قال فانك
من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم " قال : يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله
صلى الله عليه وآله على الصخرة التي في بيت المقدس ( 6 ) .
97 العيون : عن محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي عن علي بن محمد
بن عنبسة مولى الرشيد عن دارم بن قبيصة عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : كان النبي
صلى الله عليه وآله يأكل الطلع والجمار ( 7 ) بالتمر ، ويقول : إن إبليس لعنه الله يشتد
غضبه ويقول : عاش ابن آدم حتى أكل العتيق بالحديث ( 8 ) .
98 ومنه بهذا الاسناد عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : كنت جالسا عند الكعبة
( هامش 244 ) ( 1 ) في المصدر : سعيد بن ابى سعيد .
( 2 ) في المصدر : كذب ابليس يا اسحاق .
( 3 ) يس : 80 .
( 4 ) تفسير القمى : 573 فيه : من تلك النار .
( 5 ) في المصدر وفى المصحف : فانظرنى .
( 6 ) تفسير القمى : 573 والايات في ص : 79 81 .
( 7 ) الطلع من النخل : شئ يخرج كانه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود . والجمار
بضم الجيم وتشديد الميم : شحم النخلة .
( 8 ) عيون الاخبار : 229 .
[245]
فاذا شيخ محدودب قد سقط حاجباه على عينيه من شدة الكبر وفي يده عكازة وعلى رأسه برنس
أحمر ، وعليه مدرعة من الشعر ، فدنا إلى النبي صلى الله عليه وآله والنبي مسند ظهره على الكعبة ( 1 )
فقال : يا رسول الله ادع لي بالمغفرة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : خاب سعيك يا شيخ وضل
علمك ( 2 ) ، فلما تولى الشيخ قال لي : يا أبا الحسن أتعرفه ؟ قلت : لا ( 3 ) ، قال : ذلك
اللعين إبليس ، قال علي عليه السلام : فعدوت خلفه حتى لحقته وصرعته إلى الارض وجلست
على صدره ووضعت يدي في حلقه لاخنقه ، ققال لي : لا تفعل يا أبا الحسن فاني من
المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، والله يا على إني لاحبك جدا وما أبغضك أحد إلا
شركت أباه في امه فصار ولد زنا ، فضحكت وخليت سبيله ( 4 ) .
بيان : في القاموس : الحدب محركة : خروج الظهر ودخول الصدر والبطن
حدب واحدودب ، وقال : العكاز : عصا ذات زج ، وقال : البرنس بالضم : قلنسوة طويلة
أو كل ثوب رأسه منه . وقال : المدرعة : كمكنسة : ثوب كالدراعة ولا يكون إلا من
صوف .
99 التفسير : " قل أعوذ برب الناس " وإنما هو أعوذ برب الناس ( 5 ) " ملك
الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس " اسم الشيطان ، في صدور الناس ( 6 )
يوسوس فيها ويؤيسهم من الخير ويعدهم الفقر ويحملهم على المعاصي والفواحش ، وهو
قول الله : " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشآء ( 7 ) " .
وقال الصادق عليه السلام : ما من قلب إلا وله اذنان على أحدهما ملك مرشد ، وعلى
( هامش 245 ) ( 1 ) في المصدر : وهو مسند ظهره إلى الكعبة .
( 2 ) في المصدر : عملك .
( 3 ) في المصدر : قلت : اللهم لا .
( 4 ) عيون الاخبار : 229 فيه : ولد الزنا .
( 5 ) المصدر خال من قوله : وانما هو اعوذ برب الناس .
( 6 ) في المصدر : هو في صدور الناس .
( 7 ) البقرة : 286 .
[246]
الآخر شيطان مفتر ( 1 ) ، هذا يأمره وذا يزجره ، كذلك من الناس شيطان يحمل الناس
على المعاصي كما يحمل الشيطان من الجن ( 2 ) .
بيان : قوله : وإنما هو ، لعل المراد أن ما قرأه الرسول صلى الله عليه وآله عند التعوذب بها
أسقط منها كلمة : قل ، أو ينبغي ذلك لكل من قرأها لذلك ، أو ينبغي إعادة تلك الفقرة
ثانية بدون " قل " كما روى الطبرسي رحمه الله عن أبي عبدالله عليه السلام إذا قرأت : " قل
أعوذ برب الفلق " فقل في نفسك : أعوذ برب الفلق ، وإذا قرأت : " قل أعوذ برب
الناس " فقل في نفسك : أعوذ برب الناس ( 3 ) .
100 التفسير : عن سعيد بن محمد عن بكر بن سهل عن عبد الغني بن سعيد
الثقفي عن موسى بن عبدالرحمن عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك بن مزاحم عن ابن
عباس في قوله : " من شر الوسواس الخناس " يريد الشيطان على قلب ابن آدم له خرطوم
مثل خرطوم الخنزير ، يوسوس ابن آدم إذا أقبل على الدنيا ومالا يحب الله ، فاذا
ذكر الله عزوجل انخنس ، يريد رجع ، قال الله : " الذي يوسوس في صدور الناس "
ثم أخبر أنه من الجن والانس ، فقال عزوجل : " من الجنة والناس " يريد من
الجن والانس ( 4 ) .
101 العلل : عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن أبى جعفر عن
أبي الجوزآء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي
عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله عزوجل حين أمر آدم أن يهبط هبط
آدم وزوجتة ، وهبط إبليس ولا زوجة له ، وهبطت الحية ولا زوج لها ، فكان أول من
يلوط بنفسه إبليس ، فكانت ذريته من نفسه ، وكذلك الحية ، وكانت ذرية آدم من
( هامش 246 ) ( 1 ) اى يحملهم على الفتور وفى بعض النسخ : مفتن .
( 2 ) تفسير القمى : 744 .
( 3 ) مجمع البيان 10 . 571 .
( 4 ) تفسير القمى : 744 .
[247]
زوجته فأخبرهما أنهما عدوان لهما ( 1 ) .
102 ومنه : عن محمد بن موسى عن بعد الله الحميري عن محمد بن الحسين عن
أحمد بن محمد البزنطي عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام في قول لوط :
" إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين " فقال : إبليس أتاهم في صورة
حسنة فيه تأنيث عليه ثياب حسنة ، فجاء إلى شباب منهم فأمرهم أن يقعوا به ، ولو طلب
إليهم أن يقع بهم لابوا عليه ، ولكن طلب إليهم أن يقعوا به ، فلما وقعوا به التذوه ، ثم
ذهب عنهم وتركهم فأحال بعضهم على بعض ( 2 ) .
103 العيون والعلل : باسناده قال : سأل الشامى أمير المؤمنين عليه السلام عن اسم
إبليس ما كان في السماء ؟ فقال : كان اسمه الحارث ، وسأله عن أول من عمل عمل قوم لوط
فقال : إبليس فانه أمكن من نفسه ( 3 ) .
104 الخصال : عن أبيه عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن
على بن فضال عن علي بن عقبة عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله عليه السلام قال : رن إبليس
أربع رنات : أو لهن يوم لعن ، وحين اهبط إلى الارض ، وحين بعث محمد صلى الله عليه وآله على
حين فترة من الرسل ، وحين انزلت ام الكتاب ، ونخر نخرتين : حين أكل آدم من
الشجرة ، وحين اهبط من الجنة ( 4 ) .
القصص : باسناده عن الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد
عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عنه عليه السلام مثله ( 5 ) .
بيان : مخالفة الرنة الرابعة لما سبق ( 6 ) لاضير فيها ، لعدم التصريح فيهما بالحصر


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 247 سطر 19 الى ص 255 سطر 18

( هامش 247 ) ( 1 ) علل الشرائع 2 : 234 .
( 2 ) علل الشرائع : 234 والاية في العنكبوت : 28
( 3 ) عيون الاخيار : 134 و 136 ، علل الشرائع 2 : 281 و 283 .
( 4 ) الخصال 1 : 263 .
( 5 ) قصص الانبياء : مخطوط .
( 6 ) أى في خبر قرب الاسناد لان فيه : يوم الغدير راجع الرقم 88 .
[248]
والنخير صوت بالانف يصات به عند الفرح ، والمرأة تفعله عند الجماع ، ولذاتكرهه بعض
العرب قال في القاموس : نخر ينخر وينخر نخيرا : مد الصوت في خياشيمه .
105 الخصال : عن أحمد بن هارون الفامي عن محمد بن جعفر بن بطة عن أحمد
بن محمد البرقي عن أبيه عن صفوان بن يحيى رفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : قال
إبليس : خمسة أشياء ليس لي فيهن حيلة ، وسائر الناس في قبضتي : من اعتصم بالله عن
نية صادقة واتكل عليه في جميع اموره ، ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره ، ومن رضي
لاخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه ، ومن لم يجزع على المصيبة حين تصيبه ، ومن رضي بما
قسم الله له ولم يهتم لرزقه ( 1 ) .
106 ومنه عن محمد بن علي ما جيلويه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن اليشكري
عن محمد بن زياد الازدي عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن سفيان بن أبي ليلى
عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال في حديث طويل له مع ملك الروم :
إن ملك الروم سأله فيما سأله عن سبعة أشيآء خلقها الله عزوجل لم تخرج من رحم ، فقال :
آدم وحوا وكبش إبراهيم وناقة صالح وحية الجنة والغراب الذي بعثه الله عزوجل يبحث
في الارض وإبليس لعنه الله ( 2 ) .
107 ومنه ( 3 ) عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن موسى
بن جعفر البغدادي ( 4 ) عن علي بن معبد عن عبيد الله الدهقان عن درست عن عطية
أخي أبي العرام ( 5 ) قال : ذكرت لابي عبدالله عليه السلام المنكوح من الرجال قال : ليس
( هامش 248 ) ( 1 ) الخصال 1 : 285 فيه : بما يرضاه .
( 2 ) الخصال 2 : 353 .
( 3 ) هكذا في النسخ ، ولم نجد الحديث في الخصال والظاهر انه وهم من المصنف
وصحيحه : العلل .
( 4 ) في المصدر : موسى بن جعفر [ بن الحسين ] السعد آبادى .
( 5 ) في العلل : أخى أبى المغراء .
[249]
يبلي الله عزوجل بهذا البلاء أحدا وله فيه حاجة إن في أدبارهم أرحاما منكوسة وحياء
أدبارهم كحياء المرأة ، وقد شرك فيه ابن لابليس يقال له : زوال ، فمن شرك فيه من
الرجال كان منكوحا ، ومن شرك فيه من النساء كان من الموارد ( 1 ) الخبر ( 2 ) .
الكافى : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن معبد مثله ( 3 ) .
بيان : الموارد : المجاري والطرق إلى المآء ، جمع مورد من الورود استعير هنا للنسآء
الزواني اللاتي لا يمنعن ورود وارد عليهن .
108 العلل : عن أبيه عن عبدالله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عن
مسعدة بن صدقة عن رجل عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إذا ولد ولي الله خرج إبليس
لعنه الله فصرخ ( 4 ) صرخة يفزع لها شياطينه قال : فقالت له : يا سيدنا مالك صرخت
هذه الصرخة ؟ قال : فقال : ولد ولي الله قال : فقالوا : وما عليك من ذلك ؟ قال : إنه
إن عاش حتى يبلغ مبلغ الرجال هدى الله به قوما كثيرا ، قال : فقالوا له ، أولا تأذن لنا
فنقتله ؟ قال : لا ، فيقولون له : ولم وأنت تكرهه ؟ قال : لان بقاءنا بأولياء الله ، فاذا
لم يكن في الارض من ولي قامت القيامة فصرنا إلى النار ، فما لنا نتعجل إلى النار ( 5 ) ؟
109 قصص الراوندي : بالاسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبدالله عن يعقوب
ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام أكان إبليس
من الملائكة أم من الجن ؟ قال : كانت الملائكة ترى أنه منها وكان الله يعلم أنه ليس
منها ، فلما أمره بالسجود كان منه الذي كان ( 6 ) .
( هامش 249 ) ( 1 ) في المصدر : كانت [ عقيما خ ] من المولود ، ونقل عن نسخة بدل ذلك : من
الموارد .
( 2 ) علل الشرائع : 238 و 239 .
( 3 ) فروع الكافى 5 : 549 .
( 4 ) في المصدر : اذا ولد ولى الله صرخ ابليس .
( 5 ) علل الشرائع 2 : 264 فيه : فاذا لم يكن لله في الارض ولى .
( 6 ) قصص الانبياء : مخطوط .
[250]
110 ومنه بالاسناد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال :
أمر الله إبليس بالسجود لآدم فقال : يارب وعزتك إن أعفيتني من السجود لآدم
لاعبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها ، قال الله جل جلاله : إني احب أن
اطاع من حيث اريد ( 1 ) .
111 ومنه بالاسناد عن الصدوق عن أبيه عن محمد العطار عن الحسين بن الحسن
بن أبان عن محمد بن اورمة عن مصعب بن يزيد عمن ذكره عن أبي عبدالله عليه السلام قال : جاء
نوح عليه السلام إلى الحمار ليدخله السفينة فامتنع عليه ، وكان إبليس بين أرجل الحمار
فقال : يا شيطان ادخل ، فدخل الحمار ودخل الشيطان ، فقال إبليس : اعلمك خصلتين
فقال نوح عليه السلام : لا حاجة لي في كلامك ، فقال إبليس : إياك والحرص فانه أخرج
أبويك من الجنة ، وإياك والحسد فانه أخرجني من الجنة ، فأوحى الله : اقبلهما وإن
كان ملعونا ( 2 ) .
112 ومنه بالاسناد عن الصدوق عن على بن أحمد بن موسى عن محمد بن جعفر
الاسدي عن سهل بن زياد عن عبدالعظيم الحسني عن علي بن محمد العسكري عليه السلام
قال : جاء إبليس إلى نوح عليه السلام فقال : إن لك عندي يدا عظيمة فانتصحني فاني لا
أخونك ، فتأثم نوح بكلامه ومساءلته ، فأوحى الله إليه : أن كلمه وسله فاني سانطقه
بحجة عليه ، فقال نوح عليه السلام : تكلم ، فقال إبليس : إذا وجدنا ابن آدم شحيحا ( 3 )
أو حريصا أو حسودا أو جبارا أو عجولا تلقفناه تلقف الكرة ، فان اجتمعت لنا هذه
الاخلاق سميناه شيطانا مريدا ، فقال نوح عليه السلام : ما اليد العظيمة التي صنعت ؟ قال :
إنك دعوت الله على أهل الارض فألحقتهم في ساعة بالنار ، فصرت فارغا ، ولولا دعوتك
لشغلت بهم دهرا طويلا ( 4 ) .
توضيح : الانتصاح : قبول النصيحة ، والتألم : التحرج والامتناع مخافة
( هامش 250 ) ( 1 و 2 و 4 ) قصص الانبياء : مخطوط .
( 3 ) الشحيح : البحيل .
[251]
الاثم . والتلقف : الاخذ بسرعة .
113 القصص : بالاسناد إلى الصدوق باسناده إلى ابن عباس قال : قال إبليس
لنوح عليه السلام : لك عندى يد ، ساعلمك خصالا ، قال نوح ، وما يدي عندك ؟ قال :
دعوتك على قومك حتى أهلكهم الله جميعا ، فاياك والكبر ، وإياك والحرص ، وإياك
والحسد ، فان الكبر هو الذي حملني على أن تركت السجود لآدم فأكفرني وجعلني شيطانا
رجيما وإياك والحرص فان آدم ابيح له الجنة ونهى عن شجرة واحدة فحمله الحرص على
أن أكل منها ، وإياك والحسد فان ابن آدم حسد أخاه فقتله ، فقال نوح عليه السلام : فأخبرني
متى تكون أقدر على ابن آدم ؟ قال : عند الغضب ( 1 ) .
114 ومنه بالاسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عمن ذكره
عن درست عمن ذكره عنهم عليهم السلام قال : بينا موسى جالس إذ أقبل إبليس وعليه برنس ( 2 )
فوضعه ودنا من موسى وسلم ، فقال له موسى : من أنت ؟ قال : إبليس ، قال : لاقرب
الله دارك ، لماذا البرنس ( 3 ) ؟ قال : اختطفت ( 4 ) به قلوب بني آدم ، فقال له موسى عليه السلام :
أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت ( 5 ) عليه ، قال : ذلك إذا أعجبته
نفسه واستكثر عمله وصغر في نفسه ذنبه ، وقال : يا موسى ( 6 ) لا تخل بامرأة لا تحل لك ( 7 )
فانه لا يخلو رجل بامرأة لا تحل ( 8 ) له إلا كنت صاحبه دون أصحابي ، وإياك أن تعاهد
الله عهدا فانه ما عاهد الله أحد إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحل بينه وبين الوفاء
( هامش 251 ) ( 1 ) قصص الانبيآء : مخطوط .
( 2 ) في المجالس : برنس ذو لون فلما دنا من موسى خلع البرنس وأقبل عليه فسلم عليه .
( 3 ) في المجالس : فلا قرب الله دارك فيم جئت ؟ قال : انما جئت لا سلم عليك لمكانك
من الله عزوجل ، فقال له موسى : فما هذا البرنس ؟
( 4 ) في النسخة المخطوطة : أختطف به
( 5 ) استحوذ عليه : غلبه واستولى عليه ،
( 6 ) في المجالس : وصغر في عينه ذنبه ، ثم قال له : اوصيك بثلاث خصال يا موسى .
( 7 ) في المجالس : ولا تخلو بك .
( 8 ) في المجالس : ولا تخلو به .
[252]
به ، وإذا هممت بصدقة فأمضها ، فاذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول
بينه وبينها ( 1 ) .
مجالس المفيد : عن جعفر بن محمد بن قولويه عن الكليني عن على بن إبراهيم
عن اليقطيني عن يونس عن سعدان عن أبي عبدالله عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله مثله ، وزاد
في آخره : ثم ولى إبليس وهو يقول : يا ويله يا عوله ، علمت موسى ما يعلمه بني آدم ( 2 )
وقد أوردناه في باب جوامع المساوى .
115 القصص : باسناده إلى الصدوق باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن
فضال عن علي بن عتبة عن بريد القصراني قال : قال لي أبوعبدالله عليه السلام : صعد
عيسى عليه السلام على جبل بالشام يقال له : أريحا ، فأتاه إبليس في صورة ملك فلسطين فقال
له : ياروح الله أحييت الموتى وأبرأت الاكمه والابرص ، فاطرح نفسك عن الجبل
فقال عليه السلام : إن ذلك اذن لي فيه ، وإن هذا لم يؤذن لي فيه ( 3 ) .
ومنه : عن الصدوق عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن محمد بن
خالد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال : جاء إبليس إلى عيسى
فقال : أليس تزعم أنك تحيي الموتى ؟ قال عيسى : بلى قال إبليس : فاطرح نفسك من
فوق الحائط ، فقال عيسى عليه السلام : ويلك إن العبد لا يجرب ربه وقال إبليس : يا عيسى
هل يقدر ربك على أن يدخل الارض في بيضة والبيضة كهيئتها ؟ فقال : إن الله تعالى
عز وعلا لا يوصف بالعجز ، والذي قلت لا يكون ( 4 ) .
قال الراوندي رحمه الله : يعني هو مستحيل في نفسه كجمع الضدين ( 5 ) .
116 المحاسن : عن ابن محبوب عن حنان بن سدير وابن رئاب عن زرارة قال :
قلت لابي جعفر عليه السلام قوله : " لاقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين
( هامش 252 ) ( 1 ) قصص الانبياء : مخطوط .
( 2 ) مجالس المفيد : 93 فيه : [ سعدان بن مسلم ] وفيه . ما لا يعلمه بنى آدم .
( 3 و 4 ) قصص الانبياء : مخطوط .
( 5 ) أراد عليه السلام ان ذلك يكون لنقص القابل لا لنقص الفاعل .
[253]
أيديم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ( 1 ) " فقال أبو
جعفر عليه السلام : يازرارة إنما صمد ( 2 ) لك ولاصحابك ، فاما الآخرين ( 3 ) فقد فرغ منهم ( 4 ) .
العياشى : عن زرارة مثله ( 5 ) .
117 المناقب : في حديث طويل عن علي بن محمد الصوفي أنه لقي إبليس وسأله
فقال له : من أنت ؟ قال : أنا من ولد آدم ، فقال : لا إله إلا الله ، أنت من قوم يزعمون
أنهم يحبون الله ويعصونه ويبغضون إبليس ويطيعونه ، فقال : من أنت ؟ فقال : أنا صاحب
الميسم والاسم الكبير والطبل العظيم ، وأنا قاتل هابيل ، وأنا الراكب مع نوح في الفلك
أنا عاقر ناقة صالح ، أنا صاحب نار إبراهيم ، أنا مدبر قتل يحيى ، أنا ممكن قوم فرعون من النيل
أنا مخيل السحر وقائده إلى موسى ، أنا صانع العجل لبني إسرائيل ، أنا صاحب منشار
زكريا ، أنا السائر مع أبرهة إلى الكعبة بالفيل ، أنا المجمع لقتال محمد يوم احد و
حنين ، أنا ملقي الحسد يوم السقيفة في قلوب المنافقين ، أنا صاحب الهودج يوم الخريبة ( 6 )
والبعير ، أنا الواقف في عسكر صفين ، أنا الشامت يوم كربلا بالمؤمنين ، أنا إمام
المنافقين ، أنا مهلك الاولين ، أنا مضل الآخرين ، أنا شيخ الناكثين ، أنا ركن القاسطين
أنا ظل المارقين ، أنا أبومرة مخلوق من نار لا من طين ، أنا الذي غضب الله عليه رب
العالمين .
فقال الصوفي : بحق الله عليك إلا دللتني على عمل أتقرب به إلى الله وأستعين به على
نوائب دهري ، فقال : اقنع من دنياك بالعفاف والكفاف ، واستعن على الاخرة بحب على
بن أبي طالب عليه السلام وبغض أعدآئه ، فاني عبدت الله في سبع سماواته وعصيته في سبع أرضيه
( هامش 253 ) ( 1 ) الاعراف : 16 و 17 .
( 2 ) في نسخة من العياشى : [ عمد ] وكلاهما بمعنى قصد .
( 3 ) في العياشى : واما الاخرون .
( 4 ) المحاسن : 171 .
( 5 ) تفسير العياشى 2 : 9 .
( 6 ) في المصدر : يوم البصرة والبعير . أنا صاحب المواقف .
[254]
فلا وجدت ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا إلا وهو يتقرب بحبه ، قال : ثم غاب عن بصرى
فأتيت أبا جعفر فأخبرته بخبره ، فقال : آمن الملعون بلسانه وكفر بقلبه ( 1 ) .
بيان : في القاموس : الخريبة كجهينة : موضع بالبصرة يسمى البصرة الصغرى ،
والمراد بالهودج ماركبته عائشة يوم الجمل .
118 العياشي : عن الحسن بن عطية قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول :
إن إبليس عبدالله في السمآء الرابعة في ركعتين ستة آلاف سنة ، وكان إنظار الله إياه إلى
يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة ( 2 ) .
119 ومنه : عن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمار قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام
عن قول إبليس : " رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فانك من المنظرين إلى يوم
الوقت المعلوم " قال له وهب : جعلت فداك أي يوم هو ؟ قال : يا وهب أتحسب أنه يوم
يبعث الله فيه الناس ؟ إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا ، فاذا بعث الله قائمنا كان في
مسجد الكوفة ، وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول : ياويله من هذا
اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه ، فذلك يوم الوقت المعلوم ( 3 ) .
120 ومنه : عن أبي جميلة عن أبي عبدالله عليه السلام ( 4 ) وعن جابر عن أبي جعفر
عليه السلام قال : قلت : أرأيت قول الله : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " ما تفسير
هذا ؟ قال : قال الله : إنك لا تملك أن تدخلهم جنة ولا نارا ( 5 ) .
بيان : كأن المعنى لا تقدر على إجبارهم على ما يوجب الجنة أو النار .
121 العياشي : عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : وإذا
( هامش 254 ) ( 1 ) مناقب آل ابى طالب 2 : 89 .
( 2 ) تفسير العياشى 2 : 241 .
( 3 ) تفسير العياشى 2 : 242 .
( 4 ) ذكر الحديث في المصدر بالاسناد الثانى فقط ، واما الاسناد الاول فله متن آخر غير ذلك
راجعه .
( 5 ) تفسير العياشى 2 : 242 .
[255]
قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا
وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " قال :
فقال : يا با محمد يسلط والله من المؤمنين على أبدانهم ولا يسلط على أديانهم ، قد سلط على
أيوب فشوه خلقه ولم يسلط على دينه ، قلت له : قوله : " إنما سلطانه على الذين
يتولونه والذين هم به مشركون " قال : الذين هم بالله مشركون يسلط على أبدانهم وعلى
أديانهم ( 1 ) .
الكافى : عن علي بن محمد عن علي بن العباس عن الحسن بن عبدالرحمن عن منصور
بن يونس عن أبي بصير مثله ( 2 ) .
122 العياشي : عن سماعة عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " وإذا قرأت القرآن
فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " قلت : كيف أقول ؟ قال : تقول : " أستعيذ بالسميع
العليم من الشيطان الرجيم " قال : إن الرجيم أخبث الشياطين ، قلت : لم يسمى
الرجيم ؟ قال : لانه يرجم ، قلت : فما ينفلت منها شئ ( 3 ) ؟ قال : لا ، قلت : فكيف سمي
الرجيم ولم يرجم بعد ؟ قال : يكون في العلم أنه رجيم ( 4 ) .
123 ومنه : عن حماد بن عيسى رفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن
قول الله : " إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " قال : ليس له أن
يزيلهم عن الولاية ، فأما الذنوب وأشباه ذلك فانه ينال منهم كما ينال من غيرهم ( 5 ) .
( هامش 255 ) ( 1 ) تفسير العياشى 2 : 269 والاية في النحل 98 100 .
( 2 ) روضة الكافى : 288 راجع متنه واسناده . وأورد المضف رواية الكافى بعد ذلك


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 255 سطر 19 الى ص 263 سطر 18

راج رقم 148 .
( 3 ) في النسخة المخطوطة : [ فما يفيت منها شئ ] وفى المصدر : فانفلت منها
بشئ ؟
( 4 ) تفسير العياشى 2 : 270 .
( 5 ) تفسير العياشى 2 : 270 فيه : سألته عن قول الله : انه ليس له سلطان على الذين
آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * انما سلطانه .
[256]
124 ومنه : عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : كان الحجاج
ابن شيطان يباضع ذي الردهة ، ثم قال : إن يوسف دخل على ام الحجاج فأراد أن
يصيبها ، فقالت : أليس إنما عهدك بذلك الساعة ؟ فأمسك عنها فولدت الحجاج ( 1 ) .
بيان : يباضع أي يجامع ، وذي الردهة نعت أو عطف بيان للشيطان
إن لم يكن في الكلام تصحيف . قال في النهاية : في حديث علي عليه السلام أنه ذكر ذا الثدية
فقال : شيطان الردهة . والردهة : النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء ، وقيل : الردهة
قلة الرابية وفي حديثه : وأما شيطان الردهة فقد كفيته سمعت لها وجيب قلبه ، قيل :
أراد به معاوية لما انهزم أهل الشام يوم صفين وأخلد إلى لمحاكمة انتهى ( 2 ) .
وقال ابن أبي الحديد : وقال قوم : شيطان الردهة أحد الابالسة المردة من أعوان
عدو الله إبليس ، ورووا في ذلك خبرا عن النبي صلى الله عليه وآله وأنه كان يتعوذ منه ، وهذا مثل
قوله : هذا أزب العقبة أي شيطانها ، ولعل أزب العقبة هو شيطان الردهة بعينه ، وقال
قوم : إنه عفريت ما رد يتصور في صورة حية ويكون في الردهة ( 3 ) .
125 العياشي : عن جعفر بن محمد الخزاعى عن أبيه قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام
يذكر في حديث غدير خم أنه لما قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام ما قال وأقامه للناس صرخ
إبليس صرخة فاجتمعت له العفاريت فقالوا : يا سيدنا ما هذه الصرخة ؟ فقال : ويلكم
يومكم كيوم عيسى ، والله لاضلن فيه الخلق ، قال : فنزل القرآن : " ولقد صدق عليهم
إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين " فقال : فصرخ إبليس صرخة فرجعت إليه
العفاريت فقالوا : يا سيدنا ما هذه الصرخة الاخرى ؟ فقال : ويحكم حكى الله والله كلامى
( هامش 256 ) ( 1 ) تفسير العياشى 2 : 301 . ورواه ايضا في ص 299 باسناده عن زرارة قال : كان
يوسف أبوالحجاج صديقا لعلى بن الحسين صلوات الله عليه وأنه دخل على امرأته فاراد أن
يصيبها أعنى ام الحجاج قال : فقالت له : أليس انما عهدك بذلك الساعة ، قال : فأتى على بن
الحسين فأخبره فامره أن يمسك عنها فامسك عنها فولدت بالحجاج وهو ابن شيطان ذى الردهة .
( 2 ) النهاية 2 : 82 .
( 3 ) شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد 2 : 245 طبعة دار الكتب العربية الكبرى .
[257]
قرآنا وأنزل عليه : " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين " ثم
رفع رأسه إلى السماء ثم قال : وعزتك وجلالك لا لحقن الفريق بالجميع ، قال : فقال
النبي صلى الله عليه وآله : بسم الله الرحمن الرحيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان .
قا : ثم صرخ إبليس صرخة فرجعت إليه العفاريت فقالوا : يا سيدنا ما هذه الصرخة
الثالثة ؟ قال : والله من أصحاب علي ، ولكن وعزتك وجلالك يا رب لازينن لهم
المعاصي حتي أبغضهم إليك قال : فقال أبوعبدالله عليه السلام : والذي بعث بالحق محمدا للعفاريت
والابالسة على المؤمن اكثر من الزنابير على اللحم ، والمؤمن أشد من الجبل ، والجبل
تدنو إليه بالفأس فتنحت منه ، والمؤمن لا يستقل عن دينه ( 1 ) .
126 العياشي : عن عبدالرحمن بن سالم في قول الله : " إن عبادي ليس لك
عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا " قال : نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام ونحن نرجو
أن يجري لمن أحب الله من عباده المسلمين ( 2 ) .
127 الكافي : عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن أبي جميلة
عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن إبليس عليه لعائن الله يبث جنود الليل من حين
تغيب الشمس وتطلع ، فأكثروا ذكر الله عزوجل في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله من
شر إبليس وجنوده ، وعوذوا صغاركم في هاتين الساعتين فانهما ساعتا غفلة ( 3 ) .
128 ومنه : عن علي بن محمد بن ما بنداد عن أحمد بن أبي عبدالله عن محمد بن علي
عن عبدالرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما من أحد يحضره
الموت إلا كل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى تخرج
نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ، فاذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة أن لا إله
إلا الله وأن محمدا رسول الله حتى يموت ( 4 ) .
( هامش 257 ) ( 1 ) تفسير العياشى 2 : 301 والايات مذكورة في صدر الباب راجع موضعها .
( 2 ) تفسير العياشى 2 : 302 و 303 والاية في الاسراء : 65 .
( 3 ) اصول الكافى 2 : 522 .
( 4 ) الكافى 3 : 123 .
[258]
129 وفي رواية اخرى قال فلقنه كلمات الفرج والشهادتين وتسمى له الاقرار
بالائمة عليهم السلام واحدا بعد واحد حتى ينقطع عنه الكلام ( 1 ) .
130 ومنه : عن الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى جميعا عن على بن محمد بن إسماعيل ( 2 )
عن محمد بن مسلم عن أحمد بن زكريا عن محمد بن خالد بن ميمون عن عبدالله بن سنان عن
غياث بن إبراهيم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعدا إلا
حضر من الملائكة مثلهم فان دعوا بخير أمنوا ، وإن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه
عنهم ، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلى الله وسألوه قضاها ، وما اجتمع ثلاثة من الجاحدين
إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين ، فان تكلموا تكلم الشياطين بنحو كلامهم
وإذا ضحكوا ضحكوا معهم ، وإذا نالوا من أوليآء الله نالوا معهم ، فمن ابتلى من المؤمنين
بهم فاذا خاضوا في ذلك فليقم ولا يكن شرك شيطان ولا جليسه فان غضب الله عزوجل
لا يقوم له شئ ولعنته لا يردها شئ ، ثم قال عليه السلام : فان لم يستطع فلينكر بقلبه وليقم
ولو حلب شاة أو فواق ناقة ( 3 ) .
بيان : الفواق كغراب : بين الحلبتين من الوقت ، ويفتح ، أو ما بين فتح يدك
وقبضها على الضرع .
131 الكافي : بالاسناد المتقدم عن محمد بن سليمان عن محمد بن محفوظ عن أبي المغرا
قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : ليس شئ أنكى لابليس وجنوده من زيارة الاخوان
في الله بعضهم لبعض ، وقال : وإن المؤمنين يلتقيان فيذكر ان الله ثم يذكران فضلنا أهل
البيت فلا يبقى على وجه ابليس مضغة الا تخدد حتى أن روحه لتستغيث ( 4 ) من شدة
ما تجد من الالم فتحس ملائكة السمآء وخزان الجنان فيلعنونه حتى لا يبقى ملك مقرب
( هامش 258 ) ( 1 ) الكافى 3 : 124 .
( 2 ) في المصدر : [ على بن محمد بن سعد ] وفى هامشه : في بعض النسخ : [ محمد بن
اسماعيل ] وفى بعضها : محمد بن سعيد .
( 3 ) اصول الكافى 2 : 187 و 188 .
( 4 ) في المصدر : تستغيث من شدة ما يجد .
[259]
إلا لعنه فيقع خاسئا حسيرا مدحورا ( 1 ) .
بيان : في القاموس : نكى العدو فيه نكاية : قتل وجرح ، والقرحة نكاها أي
قشرها قبل أن تبرأ فنديت وقال : خدد لحمه وتخدد : هزل ونقص . وقال : خسأ الكلب
طرده ، والحسير : الكال والمتلهف والمعيي ، والدحر : الطرد والابعاد والدفع .
132 الكافي : عن العدة عن سهل بن زياد عن محمد بن بكر عن زكريا المؤمن
عمن حدثه عن أبي عبدالله عليه السلام قال اطووا ثيابكم بالليل فانها إذا كانت منشورة لبسها الشيطان ( 2 ) .
133 ومنه : عن العدة عن أحد بن أبي عبدالله البرقي عن أبيه عن فضالة عن
داود بن فرقد عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم
وكان في علم الله أنه ليس منهم فاستخرج ما في نفسه بالحمية والغضب ، فقال : خلقتني من
نار وخلقته من طين ( 3 ) .
134 ومنه : عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس عن بعض
أصحابه عن أبي عبدالله عليه السلام : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله بينما موسى عليه السلام جالس إذ أقبل
إبليس وعليه برنس ذو ألوان ، فلما دنا من موسى خلع البرنس وقام إلى موسى فسلم عليه ، فقال
له موسى : من أنت ؟ قال : أنا إبليس ، قال : أنت ؟ فلا قرب الله دارك ، قال : إني إنما
جئت لاسلم عليك لمكانك من الله ، قال : فقال له موسى : فما هذا البرنس ؟ قال : به
أختطف قلوب بني آدم ، فقال له موسى : فأخبرني عن الذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم
استحوذت ( 4 ) عليه ، قال : إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في عينيه ذنبه ( 5 ) .
( هامش 259 ) ( 1 ) الاصول 2 : 188 .
( 2 ) الكافى 6 : 480 فيه : [ لبسها الشيطان بالليل ] أقول : لعل المراد بالشيطان في أمثال
ذلك الموضع هو معنى آخر غير ما هو المشهور ، وتناسب الحكم والموضوع في أمثال المقام هو معنى
يشبه ما يقال في زماننا بالميكروبات والذرات المضرة
( 3 ) اصول الكافى 2 : 308 .
( 4 ) خطفه : استلبه بسرعة . واستحوذ عليه : غلبه .
( 5 ) اصول الكافى 2 : 314 .
[260]
135 ومنه : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى
الخزاز عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الشيطان يدبر ابن آدم
في كل شئ فاذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته ( 1 ) .
بيان : جثم الانسان والطائر : لزم مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره .
136 الكافي : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي
عبدالله عليه السلام قال : يقول إبليس لجنوده : ألقوا بينهم الحسد والبغي فانهما يعدلان ( 2 )
عند الله الشرك ( 3 ) .
137 ومنه : عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن إبراهيم بن ميمون
عن عيسى بن عبدالله عن جده قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بيت
الشيطان من بيوتكم بيوت العنكبوت ( 4 ) .
138 ومنه : عن العدة عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال :
سألت أبا عبدالله عليه السلام عن إغلاق الابواب وإيكاء الاواني وإطفاء السراج ، فقال : أغلق
بابك فان الشيطان ( 5 ) لا يكشف مخمرا يعني مغطى ( 6 ) .
( هامش 260 ) ( 1 ) اصول الكافى 2 : 315 .
( 2 ) اى في الاخراج من الدين والعقوبة والتأثير في فساد نظام العالم ، اذا كثر
المفاسد التى نشأت في العالم من مخالفة الانبيآء والاوصيآء عليهم السلام وترك طاعتهم وشيوع
المعاصى انما نشأت من هذين الخصلتين .
( 3 ) اصول الكافى 2 : 327 .
( 4 ) الكافى 6 : 532 .
( 5 ) في المصدر : فان الشيطان لا يفتح بابا ، واطف السراج من الفويسقة وهى الفارة
لا تحرق بيتك ، وأوك الاناء ، وروى أن الشيطان لا يكشف مخمرا يعنى مغطى .
( 6 ) الكافى 6 : 532 وفيه : عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن على بن أسباط
عن عمه يعقوب بن سالم رفعه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تؤووا التراب خلف الباب فانه
مأوى الشياطين الكافى 6 : 531 .
[261]
139 ومنه : عن العدة عن سهل بن زياد عن أحمد بن أبي محمد بن نصر عن صفوان عن
العلا عن محمد بن مسلم عن أحدهما أنه قال : لا تشرب وأنت قائم ولا تبل في ماء نقيع ، ولا تطف
بقبر ولا تخل في بيت وحدك ، ولا تمش بنعل واحدة ( 1 ) ، فان الشيطان أسرع ما يكون إلى
العبد اذا كان على بعض هذه الاحوال ، وقال : إنه ما أصاب أحدا شئ على هذه الحال
فكاد أن يفارقه إلا أن يشاء الله عزوجل ( 2 ) .
بيان : لا تطف بقبر ، كأن المعنى لا تتغوط عليه ، قال في النهاية : الطوف : الحدث
من الطعام ، ومنه الحديث : نهى عن محدثين على طوفهما أي عند الغائط . وفي القاموس
الطوف : الغائط ، وطاف : ذهب ليتغوط كأطاف على افتعل .
140 الكافي : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبدالله بن المغيرة عن السكوني
عن أبي عبدالله عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال لاصحابه : ألا اخبركم بشئ
إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا : بلى ، قال : الصوم
يسود وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحب في الله والموازرة على العمل الصالح يقطع
دابره ، والاستغفار يقطع وتينه ( 3 ) .
بيان : في النهاية . يقطع دابرهم أي جميعهم حتى لا يبقى منهم أحد ، ودابر
القوم : آخر من يبقى منهم ويجئ في آخرهم ، وقال : الوتين : عرق في القلب إذا قطع
مات صاحبه .
141 الكافي : عن العدة عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن
علوان عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا
طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين ( 4 ) .
( هامش 261 ) ( 1 ) في المصدر : في نعل واحد .
( 2 ) الكافى 6 : 534 . أقول : وفى هذا الباب روايات اخرى لم يذكرها المصنف
راجعه .
( 3 ) الكافى 4 : 62 ذيله : ولكل شئ زكاة وزكاة الابدان الصيام .
( 4 ) الكافى 4 : 67 فيه : [ قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل بوجهه إلى الناس
فيقول : يا معشر الناس اذا طلع ] وللحديث ذيل يأتى في كتاب الصيام .
[262]
142 ومنه : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل قال :
كان الطيار يقول لي : إبليس ليس من الملائكة ، وإنما امرت الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام
فقال إبليس : لا أسجد ، فما لابليس يعصي حين لم يسجد وليس هو من الملائكة ؟ قال :
فدخلت أنا وهو على أبي عبدالله عليه السلام قال : فأحسن والله في المسألة ، فقال : جعلت فداك
أرأيت ماندب الله إليه المؤمنين من قوله : " يا أيها الذين آمنوا " أدخل في ذلك المنافقون
معهم ؟ قال : نعم والضلال كل من أقر بالدعوة الظاهرة ، وكان إبليس ممن أقر بالدعوة
الظاهرة معهم ( 1 ) .
143 ومنه : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل وعلي بن
إبراهيم عن أبيه عن حنان بن سدير قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : قال النبي صلى الله عليه وآله
لعلي عليه السلام : إياك أن تركب ميثرة حمرآء فانها ميثرة إبليس ( 2 ) .
بيان : في النهاية : فيه أنه نهى عن ميثرة الارجوان ، الميثرة بالكسر مفعلة من
الوثارة ، يقال : وثروثارة فهو وثير أي وطيئ لين ، وهي من مراكب العجم تعمل من
حرير أو ديباج يحشى بقطن أوصوف يجعلها الراكب تحته على الرحال .
144 التهذيب : عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن صفوان
عن العلا عن محمد عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : ليس من عبد إلا ويوقظ في كل ليلة
( هامش 262 ) ( 1 ) اصول الكافى 2 : 412 أقول : ورواه الكلينى في كتاب الروضة : 274 بنحو
آخر ذكره باسناده عن ابى على الاشعرى عن محمد بن عبدالجبار عن على بن حديد عن
جميل بن دراج قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن ابليس أكان من الملائكة ام كان يلى شيئا من
أمر السمآء ؟ فقال : لم يكن من الملائكة ولم يكن يلى شيئا من امر السماء ولا كرامة ، فأتيت
الطيار فاخبرته بما سمعت فانكره وقال : وكيف لا يكون من الملائكة والله عزوجل يقول :
" واذ قلنا للملائكة اسجدا لادم فسجدوا الا ابليس " ؟ فدخل عليه الطيار فسأله وانا عنده فقال
له : جعلت فداك رأيت قوله عزوجل : " يا ايها الذين آمنوا " في غير مكان من مخاطبة المؤمنين
أيدخل في هذا المنافقون ؟ قال : نعم يدخل في هذا المنافقون والضلال وكل من اقر بالدعوة
الظاهرة .
( 2 ) الكافى 6 : 541 .
[263]
مرة أو مرتين أو مرارا ، فان قام كان ذلك ، وإلا فحج الشيطان فبال في اذنه ، أولا يرى
أحدكم أنه إذا قام ولم يكن ذلك منه قام وهو متخثر ثقيل كسلان ( 1 ) ؟
توضيح : كأن بول الشيطان كناية عن قوة استيلائه وغلبته عليه ، وإن احتمل
الحقيقة أيضا ، قال في النهاية : فيه " أنه بال قائما ففحج رجليه " أي فرقهما وباعد
ما بينهما ، والفحج : تباعد ما بين الفخذين ( 2 ) ، وقال : فيه " من نام حتى أصبح فقد
بال الشيطان في اذنه " قيل : معناه سخر منه وظهر عليه حتى نام عن طاعة الله ، كقول
الشاعر : بال سهيل في الفضيح ففسد . أي لما كان الفضيح يفسد بطلوع سهيل كان ظهوره
عليه مفسدا له ، وفي حديث آخر عن الحسن مرسلا أن النبي صلى الله عليه وآله قال : فاذا نام شغر
الشيطان برجله فبال في اذنه ، وحديث ابن مسعود : " كفى بالرجل شرا أن يبول
الشيطان في اذنه " وكل هذا على سبيل المجاز والتمثيل انتهى . ( 3 ) .
وقال الطيبي : فيه تمثيل لتثاقل نومه وعدم تنبهه بصوت المؤذن بحال من بول
في اذنه وفسد حسه .
وقال النووي : قال القاضي : لا يبعد حمله على ظاهره وخص الاذن لانها حساسة
الانتباه .
145 الكافي : عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن علي بن الحكم
عن أبان بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن لابليس عونا يقال له : تمريح ، إذا
جاء الليل ملا ما بين الخافقين ( 4 ) .
( هامش 263 ) ( 1 ) تهذيب الاحكام 2 : 334 والحديث مروى ايضا في المحاسن : 86 وفى من


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 263 سطر 19 الى ص 271 سطر 18

لا يحضره الفقيه .
( 2 ) النهاية 3 : 200 .
( 3 ) النهاية 1 : 119 .
( 4 ) الروضة : 232 . قال المصنف : اى لا ضلال الناس واضرارهم او للوساوس في
المنام كما رواه الصدوق رحمه الله في اماليه عن ابيه باسناده عن ابى جعفر عليه السلام قال : سمعته
يقول : ان لابليس شيطانا يقال له : هزع يملا المشرق والمغرب في كل ليلة يأتى الناس في المنام .
ولعله هذا الخبر فسقط عنه بعض الكلمات في المتن والسند ووقع فيه بعض التصحيف .
[264]
146 نوادر الرواندي : باسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن
أمير المؤمنين عليه السلام قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا رسول الله ما الذي يباعد الشيطان منا ؟
قال : الصوم لله يسود وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحب في الله تعالى والمواظبة
على العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه ( 1 ) .
147 النهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل
الوحى عليه عليه صلى الله عليه وآله ، فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنة ؟ فقال : هذا الشيطان قد آيس
من عبادته ، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك
لعلى خير ( 2 ) .
148 الكافي : عن على بن محمد عن علي بن العباس عن الحسن بن عبدالرحمن
عن منصور بن يونس عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : " وإذا قرأت
القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى
ربهم يتوكلون ( 3 ) " فقال : يا أبا محمد يسلط والله من المؤمن على بدنه ولا يسلط على
دينه ، قد سلط على أيوب عليه السلام فشوه خلقه ولم يسلط على دينه ، وقد يسلط من المؤمنين
على أبدانهم ولا يسلط على دينهم قلت له : قول الله عزوجل : " إنما سلطانه على الذين
يتولونه والذين هم به مشركون " قال : الذين هم بالله مشركون يسلط على أبدانهم وعلى
أديانهم ( 4 ) .
تبيين : قد مر الكلام في تفسير الآية ، ولما كانت الاستعاذة الكاملة ملزومة
للايمان الكامل بالله وقدرته وعلمه وكماله والاقرار بعجز نفسه وافتقاره في جميع اموره
إلى معونته تعالى وتوكله في كل أحواله عليه ، فلذا ذكر بعد الاستعاذة أنه ليس له
( هامش 264 ) ( 1 ) نوادر الروندى : 19 .
( 2 ) نهج البلاغة 1 : 417 .
( 3 ) النحل : 98 100 .
( 4 ) روضة الكافى : 288 راجع المصدر فان اسناد الحديث فيه يخالفه وقد ذكرالمصنف
الحديث ذيل الحديث 121 .
[265]
سلطنة واستيلاء على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، فالمستعيذ به تعالى في أمانه
وحفظه إذا راعى شرائط الاستعاذة .
وقوله عليه السلام : ولا يسلط على دينه ، أي في اصول عقائده أو الاعم منها ومن الاعمال
فانه إذا كان على حقيقة الايمان وارتكب باغوائه بعض المعاصي فالله يوفقه للتوبة و
الانابة ، ويصير ذلك سببا لمزيد رفعته في الايمان وبعده عن وساوس الشيطان ، ويدل
الخبر على أن ضمير " به " راجع إلى الرب كما هو الاظهر لا إلى الشيطان .
149 الكافي : عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم عن
أبيه جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال :
إن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم ، وإن أحدكم إذا غضب احمرت
عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه ، فاذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم
الارض فان رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك ( 1 ) .
150 حياة الحيوان : قال وهب ( 2 ) بن الورد : بلغنا أن إبليس تمثل ليحيى
بن زكريا عليه السلام فقال له : أنصحك ؟ فقال : لا اريد ذلك ، ولكن أخبرني عن بني آدم
فقال : هم عندنا ثلاثة أصناف : صنف منهم أشد الاصناف عندنا ، نقبل على أحدهم حتى
نفتنه في دينه ونستمكن ( 3 ) منه ، فيفزع إلى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شئ
نصيبه منه ، ثم نعود إليه فيعود إلى الاستغفار والتوبة فلا نيأس منه ولا نحن ندرك منه
حاجتنا فنحن معه في عناء ، وصنف ( 4 ) هم في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم
نتلقفهم كيف شئنا قد كفينا مؤنة أنفسهم ، وصنف منهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شئ ( 5 ) .
( هامش 265 ) ( 1 ) اصول الكافى 2 : 304 و 305 .
( 2 ) في المصدر : وهيب بن الورد .
( 3 ) في المصدر : ونتمكن منه .
( 4 ) في المصدر : وصنف منهم .
( 5 ) حياة الحيوان : باب الخاء الخشاش .
[266]
151 المتهجد : عن جماعة عن أبي المفضل عن عبدالله بن الحسين العلوي ( 1 )
عن عبدالعظيم الحسني أن أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام كتب هذه العوذة لابنه
أبي الحسن عليه السلام وساق الدعاء الطويل إلى قوله : أمتنع من شياطين الانس والجن
ومن رجلهم وخيلهم وركضهم وعطفهم ورجعتهم وكيدهم وشرهم وشر ما يأتون به تحت
الليل وتحت النهار من البعد والقرب ومن شر الغائب والحاضر إلى قوله : ومن شر
الدناهش والحس واللمس واللبس ( 2 ) ومن عين الجن والانس ( 3 ) ومن شر كل صورة وخيال
أو بياض أوسواد أو مثال ( 4 ) أو معاهد أو غير معاهد ممن يسكن ( 5 ) الهوآء والسحاب والظلمات
والنور والظل والحرور والبر والبحور والسهل والوعور والخراب والعمران والاكام
والآجام والمغائض والكنائس والنواويس والفلوات والجبانات من الصادرين والواردين ممن
يبدو بالليل وينتشر ( 6 ) بالنهار وبالعشى والابكار والغدو والآصال والمريبين والاسامرة
والافاترة ( 7 ) وابن فطرة ، ( 8 ) والفراعنة والابالسة ومن جنودهم وأزواجهم وعشآئرهم
وقبائهم ، ومن همزهم ولمزهم ونفثهم ووقاعهم أخذهم وسحرهم وضربهم وعينهم ( 9 ) ولمحهم
واحتيالهم واحلافهم ( 10 ) ، ومن شر كل ذي شر من السحرة والغيلان وام الصبيان
( هامش 266 ) ( 1 ) في المصدر : قال حدثنا ابى قال : حدثنى عبدالعظيم .
( 2 ) الموجود في المصدر : [ اللمس ] فقط ، وجعل [ اللبس ] في هامش الكتاب بدله .
( 3 ) اسقط المصنف هنا جملة وهي : وبالاسم الذى اهتز به عرش بلقيس ، واعيذ دينى ونفسى
وجميع ما تحوطه عنايتى .
( 4 ) في هامش المصدر : تمثال خ .
( 5 ) في هامش المصدر : سكن خ .
( 6 ) في المصدر : [ ينشر ] وفى هامشه : ينتشر خ .
( 7 ) في المصدر : [ والافاتنة ] وفى هامشه : والافاترة .
( 8 ) هكذا في المطبوع ، والنسخة المخطوطة ( والمصدر خاليتان عنه ، والظاهر انه من
زيادة النساخ .
( 9 ) في المصدر : [ وعبثهم ] وفى هامشه : وعينهم خ .
( 10 ) في المصدر : [ واخلافهم ] وفى هامشه : واخلاقهم خ .
[267]
وما ولدوا ( 1 ) وما وردوا إلى آخر الدعاء ( 2 ) .
توضيح : قال الكفعمى رحمه الله : الدناهش : جنس من أجناس الجن ، والحس :
الصوت الخفي ، وبرد يحرق الكلاء والقتل ، والتمثال : الصورة والمعاهد : الذي
حصل منه الامان ، والآكام جمع أكمة وهي الرابية ، والآجام جمع اجمة وهي منبت
الشجر والقصب الملتف والمغائض جمع مغيضة وهي الاجمة . وكنايس اليهود معروفة .
والنواويس : مقابر النصارى . والمريبين : الذين يأتون بالريبة والتهمة والاسامرة :
الذين يتحدثون بالليل ، والافاترة : الابالسة ، وابن فطرة : حية خبيثة .
والفراعنة : العتاة . والابالسة : هم الشياطين وهم ذكور واناث يتوالدون ولا يموتون
ويخلدون في الدنيا كما خلد إبليس وإبليس هو أبوالجن ، والجن ذكور واناث ويتوالدون
ويموتون ، وأما الجان فهو أبوالجن ، وقيل : هو إبليس ، وقيل : إنه مسخ الجن كما
أن القردة والخنازير مسخ الانس ، والكل خلقوا قبل آدم عليه السلام ، والعرب تنزل الجن
مراتب ، فاذا ذكروا الجنس قالوا : جن ، فان أرادوا أنه يسكن مع الناس قالوا : عامر
والجمع عمار ، فان كانوا ممن يتعرض للصبيان قالوا : أرواح ، فان خبث فهو شيطان
فان زاد على ذلك قالوا : ما رد ، فان زاد على القوة قالوا عفريت ، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله
قال : خلق الله الجن خمسة أصناف : صنف كالريح في الهوآء ، وصنف حيات ، وصنف
عقارب ، وصنف حشرات الارض ، وصنف كبني آدم عليهم الحساب والعقاب . والغيلان :
سحرة الجن . وام الصبيان : ريح تعرض لهم .
أقول : وسيأتي الدعاء بتمامه مشروحا في كتاب الدعاء إن شاء الله .
152 الفقيه : قال : قال الصادق عليه السلام : إذا تغولت بكم الغول فأذنوا ( ) .
153 المحاسن : عن عبيد بن يحيى بن المغيرة عن محمد بن سنان ( 4 ) عن سلام
( هامش 267 ) ( 1 ) لم يذكر في المصدر قوله : وما ولدوا .
( 2 ) مصباح المتهجد : 340 و 341 .
( 3 ) من لا يحضره الفقيه 1 : 195 فيه : تغولت لكم .
( 4 ) في المصدر : سهل بن سنان .
[268]
المدائني عن جابر الجعفى عن محمد بن على عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا تغولت
بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة .
بيان : قال الشهيد رحمه الله في الذكرى : في الجعفريات عن النبي صلى الله عليه وآله إذا
تغولت ( 1 ) بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة ( 2 ) .
ورواه العامة وفسره الهروي بأن العرب تقول : إن الغيلان في الفلوات تراءى
للناس ، تتغول تغولا أي تتلون تلونا ، فتضلهم عن الطريق وتهلكهم . وروي في الحديث .
" لاغول " وفيه إبطال لكلام العرب فيمكن أن يكون الاذان لدفع الخيال الذي يحصل
في الفلوات وإن لم تكن له حقيقة ، وفي مضمر سليمان الجعفري سمعته يقول : " أذن
في بيتك فانه يطرد الشيطان ، ويستحب من أجل الصبيان " وهذا يمكن حمله على أذان
الصلاة ( 3 ) .
وفي النهاية : فيه " لاغول ولا صفر " الغول : أحد الغيلان ، وهي جنس من الجن
والشياطين وكانت العرب تزعم أن الغول تتراءى للناس ، فتتغول تغولا أي تتلون تلونا في
صور شتى ، وتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم ، فنفاه النبي صلى الله عليه وآله وأبطله ، وقيل :
قوله : [ لا غول ] ليس نفيا لعين الغول ووجوده ، وإنما فيه إبطال مزعم العرب وتلونه بالصور
المختلفة واغتياله : فيكون المعني بقوله : " ولا غول " إنها لا تستطيع أن تضل أحدا
ويشهد له الحديث الآخر : " لا غول ولكن السعالى " السعالى : سحرة الجن أي ولكن في
الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل ، ومنه الحديث : " إذا تغولت الغيلان فبادروا بالاذان "
أي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى ، وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها .
154 الشهاب : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى
الدم ( 4 ) .
( هامش 268 ) ( 1 ) في المصدر : تغولت لكم .
( 2 ) المحاسن : 49 .
( 3 ) الذكرى : 175 .
( 4 ) لم نجد الحديث في النسخة المطبوعة من الشهاب المنضمة مع كتاب البيان للشهيد
وليست عندى طبعة اخرى ولعل النسخة كانت سقيمة .
[269]
الضوء : الشيطان : فيعال من شطن : إذا تباعد ، فكأنه يتباعد إذا ذكر الله تعالى
وقيل : إنه فعلان من شاط يشيط : اذا احترق غضبا لانه يحترق ويغضب إذا أطاع العبد
فيقول صلى الله عليه وآله : إن الشيطان لا يزال يراقب العبد ويوسوس إليه في نومه ويقظته ، وهو
جسم لطيف هوائي يمكنه أن يصل إلى ذلك ، والانسان غاو غافل فيوصل كلامه وسواسه
إلى باطن اذنه فيصير إلى قلبه ، والله تعالى هو العالم بكيفية ذلك ، فأما وسواسه فلا شك
فيه ، والشيطان هنا اسم جنس ولا يريد به إبليس فحسب وذلك لان له أولادا وأعوانا
وذكر جريانه من ابن آدم مجرى الدم مثل ، ولا يعني به أنه يدخل عروقه وأوراده وتجاويف
أعضائه ، بل المعنى أنه لا يزايله كما يقال : فلان يلازمني ملازمة الظل وملازمة الحفيظين
وملازمة الروح الجسد وملازمة القرن الشاة إلى غير ذلك ، كلام العرب إشارات وتلويحات
والكلام إذا ذهب عنه المجاز والاستعارة زالت طلاوته ( 1 ) وفارقه رونقه وبقي مغسولا
وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله من أفصح الناس ، وفي كلام بعضهم : احترس من الشيطان
فانه عدو مبين يراك ولا تراه ويكيدك وأنت لا تعلم وهو قديم وأنت حديث ، وأنت سليم
الصدر وهو خبيث .
وفائد الحديث إعلام أن الشيطان يلازمك ويراصدك من حيث لا تعلم ، فعليك
بالاحتراز منه والتوقي من مكره وكيده ووسوسته ، والراوي أنس بن مالك ( 2 ) .
155 الكافي : باسناده عن عطية أبي العرام ( 3 ) قال : ذكرت لابي عبدالله عليه السلام
المنكوح من الرجال فقال : ليس يبلي الله بهذا البلاء أحدا وله فيه حاجة ان في أدبارهم
أرحاما منكوسة وحياء ( 4 ) أدبارهم كحياء المرأة قد شرك فيهم ابن لابليس يقال له : زوال
فمن شرك فيه من الرجال كان منكوحا ، ومن شارك فيه من النسآء كانت من الموارد
( هامش 269 ) ( 1 ) الطلاوة : الحسن والبهجة .
( 2 ) كتاب الضوء : لم نجد نسخته .
( 3 ) رواه الكلينى باسناده عن على بن ابراهيم عن أبيه عن على بن معبد عن عبدالله
الدهقان عن درست بن ابى منصور عن عطية أخى أبى العرام .
( 4 ) الحياء : فرج المرأة .
[270]
العامل على هذا من الرجال إذا بلغ أربعين سنة لم يتركه ( 1 ) الخبر .
156 ومنه باسناده عن يعقوب بن جعفر ( 2 ) قال : سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام
أو أبا إبراهيم عليه السلام عن المرأة تساحق المرأة وكان متكائا فجلس فقال : ملعونة ملعونة
الراكبة والمركوبة وساق الحديث إلى أن قال قاتل الله لاقيس بنت إبليس ماذا جاءت به ؟ فقال
الرجل : هذا ما جاء به أهل العراق ، فقال : والله لقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله قبل
أن يكون العراق ( 3 ) الخبر .
157 نوادر علي بن أسباط : عن سعيد بن عمرو بن أبي نصر عن أبي حمزة
الثمالي عن على بن الحسين عليه السلام قال : كان عابد من بني إسرائيل فقال إبليس لجنده
من له فانه قد غمني ، فقال واحد منهم : أنا له ، فقال : في أي شئ ؟ قال : أزين
له الدنيا ، قال : لست بصاحبه ، قال الآخر : فأنا له ، قال : في أى شئ ؟ قال : في
النساء ، قال : لست بصاحبه ، قال الثالث : أنا له ، قال : في أي شئ ؟ قال : في عبادته
قال : أنت له ( 4 ) ، فلما جنه الليل طرقه فقال : ضيف ، فأدخله ، فمكث ليلته يصلي
حتى أصبح ، فمكث ثلاثا يصلي ولا يأكل ولا يشرب ، فقال له العابد : يا عبدالله ما
رأيت مثلك ، فقال له : إنك لم تصب شيئا من الذنوب وأنت ضعيف العبادة ، قال :
وما الذنوب التي اصيبها ؟ قال : خذ أربعة دراهم فتأتي فلانة البغية فتعطيها درهما
للحم ، ودرهما للشراب ، ودرهما لطيبها ودرهما لها فتقضي حاجتك منها ؟ قال :
فنزل وأخذ أربعة دراهم فأتى بابها فقال : يا فلانة يا فلانة ، فخرجت فلما رأته قالت :
مفتون والله ، مفتون والله ، قالت له : ما تريد ؟ قال : خذي أربعة دراهم فهيئي لي
طعاما وشرابا وطيبا وتعالي حتى آتيك ، فذهبت فدارت فاذا هي بقطعة من حمارميت
( هامش 270 ) ( 1 ) الكافى 5 : 549 . والحديث له ذيل راجعه .
( 2 ) رواه الكلينى باسناده عن على بن ابراهيم عن أبيه عن على بن القاسم عن جعفر
بن محمد عن الحسين بن زياد عن يعقوب بن جعفر .
( 3 ) الكافى 5 : 552 ، وللحديث قطعات اخرى لم يذكرها المصنف ههنا .
( 4 ) في المصدر : انت له انت له .
[271]
فأخذته ، ثم عمدت إلى بول عتيق فجعلته في كوز ، ثم جاءت به إليه ، فقال : هذا
طعامك ؟ قالت : نعم قال : لا حاجه لي فيه ، وهذا شرابك ؟ فلا حاجة لي فيه ، اذهبي
فتهيئي ، فتقذرت جهدها ، ثم جاءته فلما شمها قال : لا حاجة لي فيك ، فلما أصبحت
كتب على بابها : إن الله قد غفر لفلانة البغية بفلان العابد ( 1 ) .
158 تفسير الامام : قال عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا فاذكروا يا امة
محمد محمدا وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصر الله بهم ملائكتكم على الشياطين
الذين يقصدونكم ، فان كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته وملك عن
يساره يكتب سيئاته ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه فاذا وسوسا في قلبه ذكر الله
وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله حبس ( 2 )
الشيطانان ثم سار إلى إبليس فشكواه وقالا له : قد أعيانا أمره فأمددنا بالمردة ، فلا
يزال يمدهما ( 3 ) حتى يمدهما بألف مارد فيأتونه ، فكلما راموه ذكر الله وصلى على
محمد وآله الطيبين لم يجدوا عليه طريقا ولا منفذا ، قالوا لابليس : ليس له غيرك تباشره
بجنودك فتغلبه وتغويه ، فيقصده إبليس بجنوده فيقول الله تعالى للملائكة : هذا إبليس
قد قصد عبدي فلانا أو أمتي فلانة بجنوده ، ألا فقاتلوه ( 4 ) ، فيقاتلهم بازاء كل شيطان
رجيم منهم مائة ألف ملك وهم على أفراس من نار بأيديهم سيوف من نار ورماح من نار
وقسي ونشاشيب وسكاكين واسلحتهم من نار ( 5 ) ، فلا يزالون يخرجونهم ويقتلونهم
بها ويأسرون إبليسى فيضعون عليه تلك الاسلحة فيقول : يا رب وعدك وعدك ، قد
أجلتني إلى يوم الوقت المعلوم ، فيقول الله تعالى للملائكة : وعدته أن لا اميته ، ولم


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 271 سطر 19 الى ص 279 سطر 18

( هامش 271 ) ( 1 ) نوادر على بن أسباط : 127 .
( 2 ) في المصدر : خنس الشيطانان .
( 3 ) في المصدر : فلا يزال يمدهما بالمردة .
( 4 ) في المصدر : فقاتلوهم .
( 5 ) في المصدر : واسلحة من نار .
[272]
أعده أن لا اسلط عليه السلاح والعذاب والآلام ، اشتفوا ( 1 ) منه ضربا بأسلحتكم فاني
لا اميته ، فيثخنونه بالجراحات ، ثم يدعونه فلا يزال سخين العين على نفسه وأولاده
المقتولين المقتلين ( 2 ) ، ولا يندمل شئ من جراحاته إلا بسماعه أصوات المشركين بكفرهم
فان بقي هذا المؤمن على طاعة الله وذكره والصلاة على محمد وآله بقي إبليس على تلك
الجراحات ( 3 ) ، وإن زال العبد عن ذلك وانهمك في مخالفة الله عزوجل ومعاصيه
اندملت جراحات إبليس ثم قوي على لك العبد حتى يلجمه ويسرج على ظهره ويركبه
ثم ينزل عنه ويركب ظهره شيطانا من شياطينه ويقول لاصحابه : أما تذكرون ما
أصابنا من شأن هذا ؟ ذل . وانقاد لنا الآن حتى صار يركبه هذا ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
فان أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه ( 4 ) وألم جراحاته فداوموا على طاعة الله
وذكره والصلاة على محمد وآله ، وإن زلتم عن ذلك كنتم اسراء فيركب أقفيتكم بعض
مردته ( 5 ) .
بيان : النشاشيب جمع النشاب بالضم والتشديد وهو النبل . وقال الجوهرى :
سخنة العين نقيض قرتها ، قد سخنت عينه بالكسر فهو سخين العين ، وأسخن الله عينه
أي أبكاه ، والمقتلين على بناء المفعول من باب الافعال أي المعرضين للقتل ، أو التفعيل
تأكيدا لبيان كثرة مقتوليهم .
قال الجوهري : أقتلت فلانا : عرضته للقتل ، وقتلوا تقتيلا : شدد للكثرة .
159 تفسير الامام : قال عليه السلام : الشيطان هو البعيد من كل ، خير ، الرجيم :
المرجوم باللعن ، المطرود من بقاع الخير ( 6 ) .
( هامش 272 ) ( 1 ) في نسخة من المصدر : استبقوا .
( 2 ) المصدر خال عن قوله : مقتلين .
( 3 ) في المصدر : بقى على ابليس تلك الجراحات .
( 4 ) في المصدر : من سخنة عينه .
( 5 ) التفسير المنسوب إلى الامام العسكرى عليه السلام : 159 و 160 .
( 6 ) التفسير المنسوب إلى الامام العسكرى عليه السلام : 5 .
[273]
160 ة تفسير على بن ابراهيم : عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : سئل عما ندب الله الخلق إليه أدخل فيه الضلال ؟ قال : نعم ، والكافرون
دخلوا فيه ، لان الله تبارك وتعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في أمره الملائكة
وإبليس ، فان إبليس كان مع الملائكة في السماء يعبد الله وكانت الملائكة تظن أنه
منهم ولم يكن منهم ، فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم أخرج ما كان في قلب إبليس
من الحسد ، فعلمت الملائكة عند ذلك أن إبليس لم يكن منهم ، فقيل له عليه السلام :
فكيف وقع الامر على إبليس وإنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ؟ فقال : كان إبليس
منم بالولاء ولم يكن من جنس الملائكة ، وذلك أن الله خلق خلقا قبل آدم وكان
إبليس فيهم حاكما في الارض فعتوا وأفسدوا وسفكوا الدماء ، فبعث الله الملائكة
فقتلوهم وأسروا إبليس ورفعوه السماء ، وكان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق
الله آدم ( 1 ) .
161 ومنه : عن أبيه عن ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن ثابت الحذاء
عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال : إن الله تبارك
وتعالى أراد أن يخلق خلقا بيده ، وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الارض
سبعة آلاف سنة وساق الحديث إلى أن قال تعالى : إني اريد أن أخلق خلقا بيدي
وأجعل من ذريته أنبياء ومرسلين وعبادا صالحين وأئمة مهتدين ، وأجعلهم خلفاء
على خلقي في أرضي ( 2 ) ، وابيد النسناس من أرضي واطهرها منهم ، وأنقل مردة
الجن العصاة من بريتي وخلقي وخيرتي ، واسكنهم في الهواء وفي أقطار الارض
فلا يجاورون نسل خلقي ، وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا فلا يرى نسل خلقي
الجن ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم وساق الحديث إلى قوله : فخلق الله آدم فبقي
( هامش 273 ) ( 1 ) تفسير القمى : 32 .
( 2 ) أسقط المصنف هنا من الحديث من دون اشارة وهو : ينهونهم عن معصيتى وينذرونهم
من عذابى ويهدونهم إلى طاعتى ويسلكون بهم طريق سبيلى وأجعلهم لى حج عذرا و
نذرا وابيد .
[274]
أربعين سنة مصورا ، فكان يمر به إبليس اللعين فيقول : لامر ما خلقت ، فقال العالم عليه السلام
فقال إبليس : لئن أمرني الله بالسجود لهذا لعصيته ( 1 ) ، ثم نفخ فيه ( 2 ) ثم قال للملائكة
" اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس " ( 3 ) فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى
أن يسجد ، فقال الله عزوجل : " ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك * قال أنا خير منه
خلقتني من نار وخلقته من طين " ( 4 ) .
قال الصادق عليه السلام : أول من قاس إبليس واستكبر ، والاستكبار هو أول معصية
عصى الله بها ( 5 ) .
قال : فقال إبليس : يا رب اعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها
ملك مقرب ولا نبي مرسل ، قال الله تبارك وتعالى : لا حاجة لي إلى عبادتك
إنما إريد أن اعبد من حيث اريد لا من حيث تريد ( 6 ) ، فأبي أن يسجد ، فقال الله
تبارك وتعالى : " اخرج منها فانك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين " قال
إبليس : يا رب وكيف وأنت العدل الذي لا تجوز ولا تظلم ؟ فثواب عملي بطل ؟ قال :
لا ولكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فاعطيك ، فأول ما سأل البقاء
إلى يوم الدين ، فقال الله : قد أعطيتك ، قال : سلطني على ولد آدم ، قال : سلطتك
قال : أجرني فيهم مجرى الدم في العروق ، قال : قد : أجريتك ، قال : لا يولد لهم ولد
( هامش 274 ) ( 1 ) في المصدر : لا عصينه .
( 2 ) اسقط المصنف أيضا من هنا جملة من دون اشارة وهى : فلما بلغت الروح إلى
دماغه عطس فقال : الحمد لله ، فقال الله تعالى : يرحمك الله ، قال الصادق عليه السلام : فسبقت
له من الله تعالى : الرحمة ثم قال الله .
( 3 ) البقرة : 34 . والاعراف : 11 .
( 4 ) الاعراف : 12 .
( 5 ) أى بعد خلق آدم عليه السلام والا فقبله ذكر في الحديث أن الجن والنسناس عملوا
المعاصى من سفك الدماء والفساد في الارض بغير الحق .
( 6 ) لم تذكر في المصدر المطبوع جملة : لا من حيث تريد .
[275]
إلا ولد لي اثنان ، وأراهم ولا يروني ، وأتصور لهم في كل صورة شئت ، فقال : قد
أعطيتك ، قال : يا رب زدني ، قال : قد جعلت لك ولذريتك في صدورهم أوطانا ، قال :
رب حسبي ، فقال إبليس عند ذلك : فوعزتك ( 1 ) لاغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم
المخلصين * ثم لآتينهم ( 2 ) من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا
تجد أكثرهم شاكرين ( 3 ) .
162 ومنه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل زرارة عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : لما أعطى الله تبارك وتعالى إبليس ما أعطاه من القوة قال آدم : يا
رب سلطت إبليس على ولدي وأجريته فيهم مجرى الدم في العروق ، وأعطيته ما أعطيته
فمالي ولولدي ؟ فقال : لك ولولدك السيئة بواحدة والحسنة بعشرة أمثالها ، قال : يا
رب زدني ، قال : التوبة مبسوطة إلى حين تبلغ النفس الحلقوم ، قال : يا رب زدني
قال : اغفر ولا ابالي ، قال : حسبي ، قال : قلت : جعلت فداك بما ذا استوجب إبليس
من الله أن أعطاه ما أعطاه ؟ قال : بشئ كان منه شكره الله عليه ، قلت : وما كان منه
جعلت فداك ؟ قال : ركعتان ركعهما في السماء أربعة آلاف سنة ( 4 ) .
163 دلائل الطبري : عن محمد بن هارون بن موسى عن أبيه عن محمد بن همام
عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن بعض رجاله عن الحسن بن
شعيب عن علي بن هاشم عن المفضل بن عمر قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : جعلت
فداك ما لابليس من السلطان ؟ قال : ما يوسوس في قلوب الناس ، قلت : فما لملك الموت
قال : يقبض أرواح الناس ، قلت : وهما مسلطان على من في المشرق والمغرب ؟ قال : نعم ،
قلت : فما لك أنت جعلت فداك من السلطان ؟ قال : أعلم ما في المشرق والمغرب وما في السماوات
( هامش 275 ) ( 1 ) هكذا في الكتاب ومصدره والصحيح : [ فبعزتك ] راجع سورة ص : 82 .
( 2 ) الاعراف : 17 .
( 3 ) تفسير القمى : 32 35 والحديث طويل ذكره في باب خلقه آدم عليه السلام .
( 4 ) تفسير القمى : 35 .
[276]
والارض وما في البر والبحر وعدد ما فيهن ، وليس ذلك لابليس ولا لملك الموت ( 1 ) .
164 الكافي : باسناده عن الحسن بن العباس بن الجريش ( 2 ) قال : قال أبو
جعفر عليه السلام : لما يزور ( 3 ) من بعثه الله للشقاء على أهل الضلالة من أجناد الشياطين
وأرواحهم أكثر مما يزور ( 4 ) خليفة الله الذي بعثه للعدل والصواب من الملائكة قيل :
يا أبا جعفر وكيف يكون شئ أكثر من الملائكة ؟ قال : كما شاء الله عزوجل ، قال
السائل : يا أبا جعفر إني لو حدثت بعض الشيعة بهذا الحديث لانكروه ، قال : كيف
ينكرونه ؟ قال يقولون : إن الملائكة عليهم السلام أكثر من الشياطين ، قال : صدقت افهم عني
ما أقول ، إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا وجميع الجن والشياطين تزور أئمة الضلالة
ويزور إمام الهدى عددهم من الملائكة حتى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة
إلي ولي الامر ، خلق الله أو قال : قيض الله عزوجل من الشياطين بعددهم ، ثم زاروا
ولي الضلالة فأتوه بالافك والكذب حتى لعله يصبح فيقول : رأيت كذا وكذا ، فلو سئل
ولي الامر عن ذلك لقال : رأيت شيطانا أخبرك كذا وكذا حتى يفسر له تفسيرها
ويعلمه الضلالة التي هو عليها ( 5 ) . الحديث .
165 ومنه : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن
( هامش 276 ) ( 1 ) دلائل الامة : 125 .
( 2 ) هكذا في النسخ والصحيح ما في المصدر بالحاء المهملة : الحريش وزان زبير ،
والرجل مذكور في فهرست الشيخ والنجاشى وقال الثانى : ضعيف جداله كتاب انا انزلناه في
ليلة القدر ، وهو كتاب ردى الحديث مضطرب الالفاظ الخ وقال ابن الغضائرى : ضعيف
جدا يروى عن ابى جعفر الثانى فضل انا انزلناه في ليلة القدر ، وله كتاب مصنف فاسد الالفاظ
تشهد مخائله على أنه موضوع ، وهذا الرجل لا يلتفت اليه ولا يكتب من حديثه انتهى أقول :
هذا الحديث من كتابه المذكور .
( 3 ) في المصدر : لما ترون .
( 4 ) في المصدر : مما ترون .
( 5 ) اصول الكافى 1 : 252 و 253 .
[277]
سنان عمن أخبره عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان عابد في بني إسرئيل لم يقارف من
أمر الدنيا شيئا فنخر إبليس نخرة فاجتمعت إليه جنوده فقال : من لي بفلان ؟ فقال بعضهم :
أنا ( 1 ) ، فقال : من أين تأتيه ؟ فقال : من ناحية النسآء ، قال : لست له لم يجرب
النسآء ، فقال له آخر : فأنا له ، قال : من أين تأيته ؟ قال : من ناحية الشراب واللذات
قال لست له ليس ، هذا بهذا قال آخر ، فأنا له ، قال من أين تأتيه ؟ قال : من
ناحية البر ، قال : انطلق فأنت صاحبه ، فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاءه يصلي ،
قال : وكان الرجل ينام ، والشيطان لا ينام ، ويستريح والشيطان لا يستريح .
فتحول إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه واستصغر عمله ، فقال : يا عبدالله
بأي شئ قويت على هذه الصلاة : فلم يجبه ، ثم عاد عليه فلم يجبه ، ثم عاد عليه فقال :
يا عبدالله إني أذنبت ذنبا وأنا تائب منه ، فاذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة ، قال :
فأخرني بذنب حتى أعمله وأتوب ، فاذا فعلته قويت على الصلاة ، فقال : ادخل المدينة فسل
عن فلانة البغية فأعطها درهمين ونل منها ، قال : ومن أين لي درهمين ؟ ما أدري ما الدرهمين ؟
فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناوله إياهما ، فقام فدخل المدينة بجلابيبه
يسأل عن فلانة البغية ( 2 ) فأرشدوه الناس وظنوا أنه جاء يعظها ، فأرشدوه فجاء إليها فرمى
إليها بالدرهمين وقال : قومي ، فقامت فدخلت منزلها وقالت : ادخل ، وقالت : إنك
جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها ، فأخبرني بخبرك ، فأخبرها ، فقال له : يا عبدالله
إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة ، وليس كل من طلب التوبة وجدها ، وإنما ينبغي
أن يكون هذا شيطانا مثل لك ، فانصرف فانك لا ترى شيئا ، فانصرف وماتت من ليلتها
فأصبحت فاذا على بابها مكتوب : احضروا فلانة فانها من أهل الجنة ، فارتاب الناس
فمكثوا ثلاثا لا يدفنونها ارتيابا في أمرها ، فأوحى الله عزوجل إلى نبي من الانبيآء
لا أعلمه إلا موسى بن عمران عليه السلام أن أئت فلانة فصل عليها ومر الناس أن يصلوا عليها
( هامش 277 ) ( 1 ) في المصدر : أناله .
( 2 ) في المصدر : يسأل عن منزل فلانة البغية فارشده الناس .
[278]
فاني قد غفرت لها وأوجبت لها الجنة بتثبيطها ( 1 ) عبدي فلانا عن معصيتي ( 2 ) .
166 ومنه : عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد بن سعيد
عن زكريا بن محمد عن أبيه عن عمرو عن أبي جعفر عليه السلام : قال كان قوم لوط من أفضل
قوم خلقهم الله ، فطلبهم إبليس الطلب الشديد ، وكان من فضلهم وخيرتهم أنهم إذا
خرجوا إلى العمل خرجوا بأجمعهم وتبقى النسآء خلفهم ، فلم يزل إبليس يعتادهم
وكانوا ( 3 ) إذا رجعوا خرب إبليس ما يعملون ، فقال بعضهم لبعض : تعالوا نرصد هذا
الذي يخرب متاعنا ، فرصدوه فاذا هو غلام أحسن ما يكون من الغلمان ، فقالوا له : أنت
الذي تخرب متاعنا مرة بعد اخرى ؟ فأجمع رأيهم ( 4 ) على أن يقتلوه ، فبيتوه عند رجل
فلما كان الليل صاح فقال له : مالك ؟ فقال : كان أبي ينومني على بطنه ، فقال له :
تعال فنم على بطني ، قال فلم يزل يدلك الرجل حتى علمه أن يفعل بنفسه ( 5 ) ، فأولا علمه
إبليس ، والثانية علمه هو ، ثم انسل ففر منهم فأصبحوا فجعل الرجل يخبر بما فعل
بالغلام ويعجبهم منه وهم لا يعرفونه ، فوضعوا أيديهم فيه حتى اكتفى الرجال ( 6 ) بعضهم
ببعض ، ثم جعلوا يرصدون مارة الطريق يفعلون بهم حتى تنكب مدينتهم الناس ،
ثم تركوا نساءهم وأقبلوا على الغلمان ، فلما رأى أنه قد أحكم أمره في الرجال جاء
إلى النساء فصير نفسه امرأة ، ثم قال : إن رجالكن يفعل بعضهم ببعض ؟ قالوا :
نعم قد رأينا ذلك ، وكل ذلك يعظهم لوط عليه السلام ويوصيهم وإبليس يغويهم حتى استغنى
النسآء بالنسآء ( 7 ) الحديث الطويل .
( هامش 278 ) ( 1 ) ثبطة عن الامر : عوقه وشغله عنه .
( 2 ) روضة الكافى : 384 و 385 .
( 3 ) في المصدر : فكانوا .
( 4 ) في المصدر : فاجتمع رأيهم .
( 5 ) في المصدر : حتى علمه انه يفعل بنفسه .
( 6 ) في المصدر : حتى اكتفى الرجال بالرجال .
( 7 ) الكافى 5 : 544 .
[279]
بيان : يعتادهم أي يعتاد المجئ إليهم أو ينتابهم كلما رجعوا أقبل اللعين ، قال في
القاموس : العود : انتياب الشئ كالاعتياد ، وفي المحاسن : فلما حسدهم إبليس لعبادتهم
كانوا إذا رجعوا ( 1 ) " وفي ثواب الاعمال : " فأتى إبليس عبادتهم " . " فأولا علمه ( 2 ) " كذا في
النسخ بتقديم اللام على الميم في الموضعين ولعل الاظهر تقديم الميم ( 3 ) ، أي أو لا أدخل
إبليس ذكر الرجل ، وثانيا أدخل الرجل ذكره ، وعلى ما في النسخ كأن المعنى أنه كان
أولا معلم هذا الفعل حيث علمه ذلك الرجل ثم صار الرجل معلم الناس .
167 تفسير علي بن إبراهيم : عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان
عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن سليمان بن داود أمر الجن فبنوا له بيتامن
قوارير فبينا هو متكئ على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت ( 4 )
منه التفاتة فاذا هو برجل معه في القبة ففزع منه وقال : من أنت ؟ قال : أنا الذي لا
أقبل الرشى ولا أهاب الملوك ، أنا ملك الموت ، فقبضه وهو متكئ على عصاه فمكثوا سنة
يبنون وينظرون إليه ويدأبون له ويعملون حتى بعث الله الارضة فأكلت منسأته وهي
العصا ، فلما خر تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا سنة في العذاب
المهين فالجن تشكر الارضة بما عملت بعصا سليمان ، قال : فلا تكاد تراها في مكان إلا
وجد عندها ماء وطين ، فلما هلك سليمان وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه
وكتب على ظهره : هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز
العلم من أراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا ، ثم دفنه تحت السرير ثم استشاره ( 5 ) لهم
فقرأه فقال الكافرون : ما كان سليمان عليه السلام يغلبنا إلا بهذا ، وقال المؤمنون : بل هو


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 279 سطر 19 الى ص 287 سطر 18

( هامش 279 ) ( 1 ) المحاسن : 110 .
( 2 ) في عقاب الاعمال والمحاسن : " فاولا عمله ابليس والثانية عمله هو " راجع عقاب
الاعمال : باب عقاب الوطى .
( 3 ) قد عرفت انه الموجود في عقاب الاعمال والمحاسن .
( 4 ) في المصدر : خانت عنه ،
( 5 ) هكذا في الكتاب ومصدره ولعل الصحيح كما في البرهان : استثاره اى اظهره لهم .
[280]
عبدالله ونبيه ( 1 ) .
168 الدعائم : عن علي عليه السلام أنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات ليلة
إذرمي ينجم فاستنار ، فقال للقوم : ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رأيتم مثل هذا ؟
قالوا : كنا نقول : مات عظيم وولد عظيم ، قال : فانه لا يرمى به لموت أحد ولحياة أحد
ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش وقالوا : قضى ربنا بكذا ، فيسمع ذلك أهل
السمآء التي تليهم فيقولون ذلك حتى يبلغ ذلك أهل السماء الدنيا فيسترق الشياطين
السمع فربما اعتلقوا شيئا فأتوا به الكهنة فيزيدون وينقصون ، فتخطئ الكهنة وتصيب
ثم إن الله عزوجل منع السمآء بهذه النجوم فانقطعت الكهانه فلا كهانة ، وتلا جعفر بن
محمد عليه السلام : " إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب ( 2 ) وقوله : " وإنا كنا نقعد منها
مقاعد ( 3 ) للسمع " الآية ( 4 ) .
بيان : فربما اعتلقوا شيئا أي أحبوه أو تعلموه أو تعلقوا به ، في القاموس : اعتلقه
أي أحبه وتعلقه وتعلق به بمعنى ، وفي النهاية : أنى علقها أي من أين تعلمها ممن
أخذها .
169 الدر المنثور للسيوطي : عن ابن عمر قال : لقي إبليس موسى فقال لموسى : ( 5 )
أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما ، أذنبت وأنا اريد أن أتوب فاشفع لي
إلى ربي أن يتوب علي ، قال موسى : نعم ، فدعا موسى ربه فقيل : يا موسى قد قضيت
حاجتك : فلقي موسى إبليس وقال : قد امرت أن تسجد بقبر آدم ويتاب عليك ، فاستكبر
وغضب وقال : لم أسجد له حيا ، أسجد له ميتا ؟ ثم قال إبليس : يا موسى إن لك
علي حقا بما شفعت لي إلى ربك فاذكرني عند ثلاث لا اهلكك فيمن اهلك ( 6 ) : اذكرني
( هامش 280 ) ( 1 ) تفسير القمى : 46 و 47 .
( 2 ) هكذا في الكتاب ولعله وهم النساخ والصحيح : " شهاب مبين " راجع الحجر 18 .
( 3 ) الجن : 9 .
( 4 ) دعائم الاسلام : ليست عندى نسخته .
( 5 ) في المصدر : فقال : يا موسى .
( 6 ) في المصدر : لا أهلكك فيهن .
[281]
حين تغضب فاني أجري منك مجرى الدم . واذكرني حين تلقى الزحف فاني آتي ابن
آدم حين يلقى الزحف فأذكره ولده وزوجته حتى يولي ، وإياك أن تجالس امراة ليست
بذات محرم فاني رسولها إليك ورسولك إليها ( 1 ) .
170 وعن أنس قال : إن نوحا لما ركب السفينة أتاه إبليس فقال له نوح : من
أنت ؟ قال أنا إبليس ، قال : فما جاء بك ؟ قال : جئت تسأل لي ربك هل لي من توبة ؟
فأوحى الله إليه : أن توبته أن يأتي قبر آدم فيسجد له ، قال : أما أنا لم أسجد له حيا
أسجد له ميتا ؟ قال فاستكبر وكان من الكافرين ( 2 ) .
171 وعن جنادة بن أبي امية قال : أول خطيئة كانت الحسد : حسد إبليس
آدم أن يسجد له حين أمره فحمله الحسد على المعصية ( 3 ) .
172 وعن قتادة : قال : لما هبط إبليس قال آدم : أي رب قد لعنته فما علمه ؟ قال :
السحر قال : فما قراءته ؟ قال : الشعر ، قال : فما كتابته ( 4 ) ؟ قال : الوشم ، قال : فما طعامه ؟
قال : كل ميتة وما لم يذكر اسم الله عليه ، قال : فما شرابه ؟ قال : كل مسكر ، قال :
فأين مسكنه ؟ قال : الحمام ، قال : فاين مجلسه ؟ قال : الاسواق ، قال : فما صوته ؟
قال : المزمار قال : فما مصائده ؟ قال النساء ( 5 ) .
173 وعن ابن عباس : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال إبليس لربه تعالى :
يا رب قد اهبط آدم وقد علمت أنه سيكون كتب ورسل ، فما كتبهم ورسلهم ؟ قال : رسلهم
الملائكة والنبيون ، وكتبهم التوراة والانجيل والزبور والفرقان ، قال : فما كتابي ؟ قال :
كتابك الوشم ، وقراءتك الشعر ، ورسلك الكهنة ، وطعامك ما لم يذكر اسم الله عليه وشرابك
كل مسكر ، وصدقك الكذب ، وبيتك الحمام ، ومصائدك النسآء ، ومؤذنك المزمار ، ومسجدك الاسواق ( 6 ) .
( هامش 281 ) ( 1 3 ) الدر المنثور 1 : 51 .
( 4 ) في المصدر : فما كتابه ؟
( 5 و 6 ) الدر المنثور 1 : 63 .
[282]
174 وعن ابن عباس : قال : جاء إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة
رجال من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان :
" لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جارلكم " وأقبل جبريل على إبليس فلما رآه
وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ( 1 ) وولى مدبرا وشيعته فقال الرجل :
يا سراقه إنك جار لنا ، فقال : إني أرى ما لا ترون ، وذلك حين رأى الملائكة " اني أخاف الله
والله شديد العقاب " ( 2 ) .
175 وعن رفاعة الانصاري : قال : لما رأى إبليس ما تفعل الملائكة بالمشركين
يوم بدر أشفق أن يخلص القتل إليه فتشبث به الحارث بن هشام وهو يظن أنه سراقة
ابن مالك فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هاربا حتى ألقى نفسه في البحر يرفع
يديه فقال : اللهم إني أسألك نظرتك اياي ( 3 ) .
176 وعن أبي التياح ( 4 ) : قال : قال رجل لعبد الرحمن بن خنيش كيف
صنع رسول الله صلى الله عليه وآله كادته الشياطين ؟ قال : نعم تحدرت الشياطين من الجبال والاودية
يريدون رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وآله
فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله فزع منهم وجاءه جبرئيل فقال : يا محمد قل : ما أقول :
" أعوذ بكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وبرأ وذرأ
ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الارض
ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ، ومن شر كل طارق إلا طارقا
يطرق بخير يا رحمن " قال : فطفئت نار الشياطين وهزمهم الله عزوجل ( 5 ) .
( هامش 282 ) ( 1 ) في المصدر : وأقبل جبرئيل عليه السلام على ابليس وكانت يده في يد رجل من
المشركين فلما رأى جبريل انتزغ يده وولى مدبرا هو وشيعته .
( 2 ) الدر المنثور 2 : 190 .
( 3 ) الدر المنثور 3 : 190 .
( 4 ) قال ابن حجر في التقريب : أبوالتياح بفتح اوله وتشديد التحتانية اسمه يزيد
ابن حميد .
( 5 ) الدر المنثور :
[283]
177 وعن ابن مسعود قال : لما كان ليلة الجن أقبل عفريت من الجن في
يده شعلة من نار فجعل النبي صلى الله عليه وآله يقرأ القرآن فلا يزداد إلا قربا ، فقال له جبرئيل :
ألا اعلمك كلمات تقولهن ينكب منها لفيه وتطفئ شعلته ؟ قل : أعوذ بوجه الله الكريم
وكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء ومن
شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الارض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن
الليل والنهار ومن شر طوارق الليل ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن .
فقالها فانكب لفيه وطفيت شعلته ( 1 ) .
تتمة : تشمل على فوائد جمة : الاولى : لا خلاف بين الامامية بل بين المسلمين
في أن الجن والشياطين أجسام لطيفة يرون في بعض الاحيان ولا يرون في بعضها ، ولهم
حركات سريعة وقدرة على أعمال قوية ويجرون في أجساد بني آدم مجرى الدم ، وقد
يشكلهم الله بحسب المصالح بأشكال مختلفة وصور متنوعة كما ذهب إليه السيد المرتضى
رضي الله عنه ، أو جعل الله لهم القدرة على ذلك كما هو الاظهر من الاخبار والآثار .
قال صاحب المقاصد : ظاهر الكتاب والسنة وهو قول أكثر الامة أن الملائكة
أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكلات بأشكال مختلفة كاملة في العلم والقدرة على
الافعال الشاقة وساق الكلام إلى قوله : والجن أجسام لطيفة هوائية متشكل
بأشكال مختلفة ويظهر منها أفعال عجيبة ، منهم المؤمن والكافر والمطيع والعاصى
والشياطين أجسام نارية شأنها إلقاء النفس في الفساد والغواية بتذكير أسباب المعاصي
واللذات وإنساء منافع الطاعات وما أشبه ذلك على ما قال تعالى حكاية عن الشسيطان :
" وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا
أنفسكم " ( 2 ) وقيل : تركيب الانواع الثلاثة من امتزاج العناصر الاربعة إلا أن الغالب على
الشيطان عنصر النار ، وعلى الآخرين عنصر الهواء ، وذلك أن امتزاج العناصر قد
لا يكون على القرب من الاعتدال بل على قدر صالح من غلبة أحدهما ، فان كانت الغلبة
( هامش 283 ) ( 1 ) الدر المنثور :
( 2 ) ابراهيم : 22 .
[284]
للارضية يكون الممتزج مائلا إلى عنصر الارض ، وإن كانت للمائية فالى الماء أو
للهوائية فالى الهواء أو للنارية فالى النار ، لا يبرح ولا يفارق إلا بالاجبار ، أو أبان
يكون حيوانا فيفارق بالاختيار ، وليس لهذه الغلبة حد معين بل تختلف إلى مراتب
بحسب أنواع الممتزجات التي تسكن هذا العنصر ، ولكون الهواء والنار في غاية
اللطافة والشفيف ، كانت الملائكة والجن والشياطين بحيث يدخلون المنافذ والمضايق حتى
أجواف الانسان ولا يرون بحس البصر إلا إذا اكتسبوا من الممتزجات الاخر التي تغلب
عليها الارضية والمائية جلابيب وغواشي فيرون في أبدان كأبدان الناس أو غيره من
الحيوانات ، والملائكة كثيرا ما تعاون الانسان على أعمال يعجز هو عنها بقوته كالغلبة
على الاعداء والطيران في الهواء والمشي على الماء ، ويحفظه خصوصا المضطرين عن
كثير من الآفات .
وأما الجن والشياطين فيخالطون بعض الاناسي ويعاونونهم على السحر
والطلسمات والنير نجات ، ثم تعرض لدفع الشبهة الواردة على هذا القول وهي أن
الملائكة والجن والشياطين إن كانت أجساما ممتزجة من العناصر يجب أن تكون مرئية
لكل سليم الحس كسائر المركبات وإلا لجاز أن تكون بحضرتنا جبال شاهقة وأصوات
هائلة لا نبصرها ولا نسمعها ، والعقل جازم ببطلان ذلك على ما هو شأن العلوم العادية
وإن كانت غلبته اللطيف بحيث لا تجوز رؤية الممتزج يلزم أن لا يروا أصلا ، وأن تتمزق
أبدانهم وتنحل تراكيبهم بأدنى سبب ، واللازم باطل لما تواتر من مشاهدة بعض الاولياء
والانبياء ( 1 ) إياهم ومكالمتهم ومن بقائهم زمانا طويلا مع هبوب الرياح العاصفة
والدخول في المضائق الضيقة ، وأيضا لو كان من المركبات المزاجية لكانت لهم صور
نوعية وأمزجة مخصوصة تقتضي أشكالا مخصوصة كما في سائر الممتزجات ، فلا يتصور
التصور بأشكال مختلفة ( 2 ) .
والجواب : منع الملازمات : أما على القول باستناد الممكنات إلى القادر المختار
( هامش 284 ) ( 1 ) في النسخة المخطوطة : بعض الانبياء والاولياء .
( 2 ) في النسخة المخطوطة : بالاشكال المختلفة .
[285]
فظاهر ، لجواز أن يخلق رؤيتهم في بعض الابصار والاحوال دون البعض ، وأن يحفظ
بالقدرة والارادة تركيبهم ويبدل أشكالهم .
وأما على القول بالايجاب فلجواز أن يكون فيهم من العنصر الكثيف ما يحصل
منه الرؤية لبعض الابصار دون البعض وفي بعض الاحوال دون البعض ، أو يظهروا أحيانا
في أجسام كثيفة هي بمنزلة الغشاء والجلباب لهم فيبصروا وأن يكون نفوسهم أو أمزجتهم
أو صورهم النوعية تقتضي حفظ تركيبهم عن الانحلال وتبدل أشكالهم بحسب اختلاف الاوضاع
والاحوال ويكون فيهم من الفطنة والذكاء ما يعرفون به جهات هبوب الرياح وسائر
أسباب انحلال التركيب ، فيحرزون عنها ويأوون إلى أماكن لا يلحقهم ضرر .
وأما الجواب بأنه يجوز أن تكون لطافتهم بمعنى الشفافية دون رقة القوام فلا يلائم
ما يحكى عنهم من النفوذ في المنافذ الضيقة والظهور في ساعة واحدة في صور مختلفة
بالصغر والكبر ونحو ذلك .
ثم ذكر مذاهب الحكماء في ذلك فقال : والقائلون من الفلاسة بالجن والشيطان
زعموا أن الجن جواهر مجردة لها تصرف وتأثير في الاجسام العنصرية من غير
تعلق بها تعلق النفوس البشرية بأبدانها والشياطين هي القوى المتخيلة في أفراد الانسان
من حيث استيلائها على القوى العقلية وصرفها عن جانب القدس واكتساب الكمالات العقلية
إلى اتباع الشهوات واللذات الحسية والوهمية .
ومنهم من زعم أن النفوس البشرية بعد مفارقتها عن الابدان وقطع العلاقة
عنها إن كانت خيرة مطيعة للدواعي العقلية فهم الجن ، وإن كانت شريرة باعثة على
الشرور والقبائح معينة على الضلال والانهماك في الغواية فهم الشياطين وبالجمة فالقول
بوجود الملائكة والشياطين مما انعقد عليه إجماع الارآء ونطق به كلام الله تعالى و
كلام الانبيآء عليهم السلام وحكي مشاهدة الجن عن كثير من العقلاء وأرباب المكاشفات من
الاولياء فلا وجه لنفيها كما لا سبيل إلى إثباتها بالادلة العقلية ، ثم ذكر طريقة المتألهين
من الحكماء وقولهم بالعالم بين العالمين وعالم المثال ، وانهم جعلوا الملائكة والجن
والشياطين والغيلان من هذا العالم وقد مضى بعض الكلام فيه .
[286]
الثانية : اختلف أصحابنا والمخالفون في أن إبليس هل كان من الملائكة أم لا ؟
فالذي ذهب إليه أكثر المتكلمين من أصحابنا وغيرهم أنه لم يكن من الملائكة ، وقد مرت
الاخبار الدالة عليه . قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب المقالات : إن إبليس من الجن
خاصة وإنه ليس من الملائكة ولا كان منها ، قال الله تعالى : " إلا إبليس كان من الجن ( 1 ) "
وجاءت الاخبار متواترة عن أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام بذلك ، وهو مذهب الامامية
كلها وكثير من المعتزلة وأصحاب الحديث ( 2 ) انتهى .
وذهب طائفة من المتكلمين إلى أنه منهم ، واختاره من أصحابنا شيخ الطائفة
روح الله روحه في التبيان وقال : وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام والظاهر في
تفاسيرنا ، ثم قال رحمه الله : ثم اختلف من قال : كان منهم . فمنهم من قال : إنه كان خازنا
على الجنان ، ومنهم من قال : كان له سلطان سماء الدنيا وسلطان الارض ، ومنهم من
قال : إنه كان يوسوس ما بين السماء والارض ( 3 ) انتهى .
واحتج الاولون بوجوه : أحدها قوله تعالى : " إلا ابليس كان من الجن ففسق
عن أمر ربه " قالوا : ومتى اطلق لفظ الجن لم يجز أن يعنى به إلا الجنس المعروف
الذي يقابل بالانس في الكتاب الكريم .
وأجيب عنه بوجهين : الاول أن معنى " كان من الجن " صار من الجن كما أن
قوله : " وكان من الكافرين " معناه صار من الكافرين ذكر ذلك الاخفش وجماعة من
أهل اللغة .
الثاني : أن إبليس كان من طائفة من الملائكة يسمون جنا من حيث كانوا خزنة
الجنة وقيل : سموا جنا لا جتنانهم من العيون ، واستشهدوا بقول الاعشى في سليمان عليه السلام :
وسخر من جن الملائك تسعة * قياما لديه يعملون بلا أجر
( هامش 286 ) ( 1 ) الكهف : 51 .
( 2 ) اوائل المقالات : 110 .
( 3 ) التبيان 1 : 150 و 151 .
[287]
ورد الاول بأنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا لدليل ( 1 ) .
وثانيها : قوله تعالى : " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ( 2 ) " فنفى عن
الملائكة المعصية نفيا عاما فوجب أن لا يكون إبليس منهم .
واجيب عنه بأنه قوله تعالى : " لا يعصون " صفة لخزنة النيران لالمطلق الملائكة
يدل عليه قوله تعالى : " عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ( 3 ) " ولا يلزم
من كونهم معصومين كون الجميع كذلك ، ويرد عليه أن الدلائل الدالة على عصمة الملائكة
كثيرة وقد مر كثير منها .
وثالثها : أن إبليس له نسل وذرية قال تعالى : " أفتتخذونه وذريته أوليآء من
دوني وهم لكم عدو " ( 4 ) والملائكة لا ذرية لهم لانه ليس فيهم انثى لقوله تعالى : " وجعلوا
الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( 5 ) " والذرية إنما تحصل من الذكر والانثى .
ويمكن الجواب عنه بعد تسليم دلالة الآية على السلب الكلي بأن انتفاء الانثى
فيهم لا يدل على انتفاء الذرية ، كما أن الشياطين ليس فيهم انثى مع أن لهم ذرية
كما مر أن ذرية إبليس من نفسه وأنه يبيض ويفرخ .
وقال الشيخ رحمه الله في التبيان : من قال : إن إبليس له ذرية والملائكة لا ذرية
لهم ولا يتناكحون ولا يتناسلون ، فقد عول على خبر غير معلوم ( 6 ) .
ورابعها : أن الملائكة رسول الله لقوله : " جاعل الملائكة رسلا ( 7 ) " ورسل الله
معصومون لقوله سبحانه " : الله أعلم حيث يجعل رسالته ( 8 ) " ولا يجوز على رسل الله الكفر
( هامش 287 ) ( 1 ) في النسخة المخطوطة : بدليل .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 287 سطر 19 الى ص 295 سطر 18

( 2 و 3 ) التحريم : 9 .
( 4 ) الكهف : 51 .
( 5 ) الزخرف : 15 .
( 6 ) التبيان 7 : 57 .
( 7 ) فاطر : 1 .
( 8 ) الانعام : 124 .
[288]
والعصيان ملائكة كانوا أم بشرا .
واجيب بأنه ليس المراد بالآية العموم لقوله تعالى : " الله يصطفي من الملائكة
رسلا ومن الناس ( 1 ) " قال في التبيان : وكلمة " من " للتبعيض بلا خلاف ( 2 ) .
ولو لم يكن كذلك لجاز لنا أن نخص هذا العموم بقوله تعالى : " إلا إبليس "
لان حمل الاستثناء على أنه منقطع حمل له على المجاز كما أن تخصيص العموم مجاز
وإذا تعارضا سقطا لو لم يكن التخصيص أولى ( 3 ) . واستدلوا على مغايرة الجن للملائكة بأن الملائكة روحانيون مخلوقون من
الريح في قول بعضهم ومن النور في قول بعضهم ولا يطعمون ولا يشربون ، والجن خلقوا
من النار لقوله تعالى : " والجان خلقناه من قبل من نار السموم ( 4 ) " وقد ورد في
الاخبار النهي عن التمسح بالعظم والروث لكونهما طعاما لهم ولدوابهم .
واجيب بمنع المقدمات ، قال في التبيان : الاكل والشرب لو علم فقدهما في
الملائكة فلا نعلم أن إبليس كان يأكل ويشرب ، وقد قيل : إنهم يتشمون الطعام ولا
يأكلونه ( 5 ) انتهى .
واستدل أيضا بقوله تعالى : " ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلآء
إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن
أكثرهم بهم مؤمنون ( 6 ) " وعورض بقوله تعالى : " وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ( 7 ) "
لان قريشا قالت : الملائكه بنات الله ، فرد الله عليهم بقوله : " سبحان الله عما يصفون ( 8 ) "
( هامش 288 ) ( 1 ) الحج : 75 .
( 2 ) لم يذكر فيه قوله : بلا خلاف ، نعم ذكر في ج 7 : 342 : عند أهل اللغة .
( 3 ) التبيان 1 : 153 .
( 4 ) الحجر : 27 .
( 5 ) التبيان 7 : 57 : لم يذكر فيه قوله : وقد قيل ولعله في موضع آخر .
( 6 ) سبأ : 40 و 41 .
( 7 و 8 ) الصافات : 159 و 160 .
[289]
واجيب بالمنع فانه فسرت الآية بوجوه اخرى : منها أن المراد به قول الزنادقة : إن
الله وإبليس أخوان أو إن الله خلق النور والخير والحيوان النافع ، وإبليس خلق الظلمة
والشر والحيوان الضار ، وبعضهم أشركوا الشيطان في عبادة الله تعالى ، وذلك هو النسب
الذي جعلوه بينه سبحانه وبين الجنة .
ومنها أنهم قالوا : صاهر الله الجن فحدثت الملائكة .
واحتج القائلون بأنه من الملائكة بوجهين : الاول أن الله تعالى استثناه من
الملائكة ، والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل ، وذلك يوجب كونه من الملائكة .
واجيب بأن الاستثناء ههنا منقطع ، وهو مشهور في كلام العرب ، كثير في كلامه
تعالى ، قال سبحانه : " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ( 1 ) " وقال :
" لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ( 2 ) " وايضا فلانه
كان جنيا واحدا بين الالوف من الملائكة فغلبوا عليه في قوله : " فسجدوا " ثم استثنى
هو منهم استثناء واحد منهم وقد كان مأمورا بالسجود معهم ، فلما دخل معهمم في الامر جاز
إخراجه بالاستثناء منهم .
ورد بأن كل واحد من هذين الوجهين على خلاف الاصل فلا يصار إليه إلا عند
الضرورة ، والدلائل التي ذكرتموها في نفي كونه من الملائكة ليس فيها إلا الاعتماد على
العمومات ، فلو جعلناه من الملائكة لزم تخصيص ما عولتم عليه من العمومات ، ولو قلنا : إنه
ليس من الملائكة لزمنا حمل الاستثناء على المنقطع ، ومعلوم أن تخصيص العموم أكثر في
كتاب الله من حمل الاستثناء على المنقطع فكان قولي أولى ، وأما قولكم : إنه جني
واحد بين الالوف من الملائكة فغلبوا عليه فنقول : إنما يغلب الكثير على القليل إذا
كان ذلك القليل ساقط العبرة غير ملتفت إليه ، وأما إذا كان معظم الحديث ليس إلا عن
ذلك الواحد لم يجز تغليب غيره عليه ، وفيه نظر .
الثاني أنه لو لم يكن من الملائكة لما كان قوله تعالى : " وإذ قلنا للملائكة
( هامش 289 ) ( 1 ) الواقعة : 26 .
( 2 ) النساء : 28 .
[290]
اسجدوا " متناولا له ، فلا يكون تركه للسجود إباء واستكبارا ومعصية ، ولما استحق
الذم والعقاب فعلم أن الخطاب كان متناولا له ، ولا يتناوله الخطاب إلا إذا كان من
الملائكة .
وأجيب بأنه وإن لم يكن من الملائكة إلا أنه نشأ منهم وطالت خلطته بهم
والتصق بهم فلا جرم تناوله ذلك الخطاب ، وأيضا يجوز أن يكون مأمورا بالسجود بأمر
آخر ويكون قوله تعالى : " ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك " إشارة إلى ذلك الامر ، ورد
الاول بأن مخالطته لهم لا يوجب توجه الخطاب إليه كما حقق في موضعه ، والثاني
بأن ظاهر قوله تعالى : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس " الآية
أن الاباء والعصيان إنما حصل بمخالفة هذا الامر لا بمخالفة أمر آخر .
هذا ما قيل أو يمكن أن يقال في هذا المقام . لكن الظاهر من أكثر الاخبار
والآثار عدم كونه من الملائكة ، وإنه لما كان مخلوطا بهم وتوجه الخطاب إليهم شمله
هذا الخطاب ، وقوله تعالى : " وإذ قلنا للملائكة " مبني على التغليب الشايع في الكلام
وأما ما يشعر به كلام الشيخ رحمه الله في التبيان من ورود الاخبار ( 1 ) بأن إبليس كان من
الملائكة فلم نظفر بها وإن ورد في بعضها فهو نادر مأول .
وقال رحمه الله : وأما ما روي عن ابن عباس من أن الملائكة كانت تقاتل الجن
فسبي إبليس وكان صغيرا فكان مع الملائكة ( 2 ) فتعبد معها ، فلما امروا بالسجود لآدم
سجدوا إلا إبليس ( 3 ) فلذلك قال تعالى : " إلا إبليس كان من الجن " فانه خبر واحد
لا يصح ، والمعروف عن ابن عباس أنه كان ( 4 ) من الملائكة فأبى واستكبر وكان من
الكافرين ( 5 ) .
( هامش 290 ) ( 1 ) راجع التبيان 1 : 150 و 151
( 2 ) في المصدر : " كان صغيرا مع الملائكة .
( 3 ) في المصدر : الا ابليس أبى .
( 4 ) في المصدر : ما قلناه انه كان .
( 5 ) التبيان 1 : 153 .
[291]
الثالثة : لا خلاف في أن الجن والشياطين مكلفون ، وأن كفارهم في النار
معذبون ، وأما أن مؤمنهم يدخلون الجنة فقد اختلف فيه العامة ، ولم أر لاصحابنا
فيه تصريحا .
قال علي بن إبراهيم في تفسيره : سئل العالم عليه السلام عن مؤمني الجن يدخلون
الجنة ؟ فقال : لا ، ولكن لله حظائر بين الجنة والنار يكون فيها مؤمنوا الجن وفساق
الشيعة ( 1 ) .
ولا خلاف في أن نبينا صلى الله عليه وآله مبعوث عليهم ، وأما سائر اولي العزم عليهم السلام فلم
يتحقق عندي بعثهم عليهم نفيا أو إثباتا ، وإن كان بعض الاخبار يشعر بكونهم مبعوثين
عليهم ، ولا بد في إثبات الحجة عليهم من بعثة نبي عليهم منهم أو بعثة الانبيآء من الانس
عليهم أيضا ، وقد مر أنه بعث فيهم نبي يقال له : يوسف ، وقد مضى كلام الطبرسي رحمه الله
والاقوال التي ذكرها في ذلك .
الرابعة : فيما ذكره المخالفون في ذلك ورواياتهم التي رووها في خواصهم و
أنواعهم وأحكامهم ، قال الدميري في كتاب حياة الحيوان : إن الجن أجسام هوائية
قادرة على التشكل بأشكال مختلفة لها عقول وأفهام وقدرة على الكلام والاعمال الشاقة
وهم خلاف الانس ، الواحد جني ، ويقال : إنما سميت بذلك لانها تبقى ولا ترى وروى
الطبراني باسناد حسن عن ثعلبة الحسني ( 2 ) أن النبي صلى الله عليه وآله قال : الجن ثلاثة أصناف ، فصنف
لهم أجنحة يطيرون بها في الهوآء ، وصنف حيات ، وصنف يحلون ويظعنون ، وكذلك
رواه الحاكم وقال : صحيح الاسناد وروى أبوالدنيا في كتاب مكائد الشيطان من حديث
أبي الدردآء أن النبي صلى الله عليه وآله قال : الجن ثلاثة أصناف : صنف حيات وعقارب وخشاش
( هامش 291 ) ( 1 ) تفسير القمى : 664 .
2 ) هكذا في الكتاب وفيه وهم والصحيح كما في المصدر : [ عن ابى ثعلبة الخشنى ]
قال ابن الاثير في اللباب 1 : 374 : الخشنى بضم الخاء وفتح الشين وفى آخرها نون . هذه
النسبة إلى قبيلة وقرية ، أما القبيله فهى من قضاعة نسبة إلى خشين بن النمر بن وبرة بن تغلب
بن عمران بن حلوان بن الحاف بن قضاعة ، منها أبوثعلبة الخشنى .
[292]
الارض ، وصنف كالريح في الهواء ، وصنف عليهم الحساب والعقاب ، وخلق الله الانس
ثلاثة أصناف : صنف كالبهائم ( 1 ) لهم قلوب لا يفقهون بها ، وله آذان لا يسمعون بها ،
ولهم أعين لا يبصرون بها ، وصنف أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين
وصنف كالملائكة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله .
وأجمع المسلمون على أن نبينا محمد صلى الله عليه وآله مبعوث إلى الجن كما هو مبعوث
إلى الانس ، قال الله تعالى : " واوحى إلي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ ( 2 ) "
والجن بلغهم القرآن ، وقال تعالى : " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ( 3 ) "
الآية ، وقال : " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( 4 ) " قال :
" وما أرسلناك إلا رحمة ( 5 ) للعالمين ( 6 ) وما أرسلناك إلا كاف للناس ( 7 ) "
وقال الجوهري : الناس قد تكون من الجن والانس ، وقال تعالى خطابا
لفريقين : " سنفرغ لكم أيها الثقلان * فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 8 ) " والثقلان :
الجن والانس ، سميا بذلك لانهما ثقلا الارض ، وقيل : لانهما مثقلان بالذنوب
وقال : " ولمن خاف مقام ربه جنتان ( 9 ) " ولذلك قيل : إن من الجن مقربين و
أبرارا ، كما أن من الانس كذلك ، وخالف في ذلك أبوحنيفة والليث فقال : ثواب
( هامش 292 ) ( 1 ) في المصدر : كالبهائم قال الله عزوجل : ان هم الا كالانعام بل هم أضل سبيلا .
وقال تعالى : لهم قلوب لا يفقهون بها ذكر الاية بتمامها .
( 2 ) الانعام : 19 .
( 3 ) الاحقاف : 29 .
( 4 ) الفرقان : 1 .
( 5 ) الانبياء : 107 .
( 6 ) في المصدر : وقال تعالى .
( 7 ) سبأ : 28 .
( 8 ) الرحمن : 31 و 32 .
( 9 ) الرحمن : 46 .
[293]
المؤمنين منهم أن يجاروا من العذاب ، وخالفهم الاكثرون ( 1 ) حتى أبويوسف ومحمد
وليس لابي حنيفة والليث حجة إلا قوله تعالى : " يجركم من عذاب أليم ( 2 ) " وقول :
" فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا " ( 2 ) فلم يذكر في الآيتين ثوابا غير النجاة من
العذاب .
والجواب من وجهين : أحدهما أن الثواب مسكوت عنه .
والثاني أن ذلك من قول الجن ، ويجوز أن يكونوا لم يطلعوا إلى على ذلك وخفي
عليهم ما أعد الله لهم من الثواب ، وقيل : إنهم إذا دخلوا الجنة لا يكونون مع الانس
بل يكونون في ربضها ( 4 ) ، وفي الحديث عن ابن عباس : قال : الخلق كلهم أربعة أصناف
فخلق في الجنة كلهم وهم الملائكة ، وخلق في النار كلهم وهم الشياطين ، وخلق في
الجنة والنار وهم الجن والانس لهم الثواب وعليهم العقاب ، وفيه شئ ( 5 ) : وهو أن الملائكة
لا يثابون بنعيم الجنة .
ومن المستغربات ما رواه أحمد بن مروان المالكي الدينوري عن مجاهد أنه
سئل عن الجن المؤمنين أيدخلون الجنة ، فقال : يدخلونها ولكن لا يأكلون فيها ولا
يشربون بل يلهمون التسبيح والتقديس فيجدون فيه ما يجد أهل الجنة من لذيد الطعام
والشراب .
ويدل على عموم بعثته صلى الله عليه وآله من السنة أحاديث : منها ما روى مسلم عن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وآله قال : اعطيت جوامع الكلم وارسلت إلى الناس ( 6 ) كافة .
( هامش 293 ) ( 1 ) في المصدر : وخالفهما الاكثرون .
( 2 ) الاحقاف : 31 .
( 3 ) الجن : 13 .
( 4 ) الربض : مأوى الغنم . مسكن القوم . ما حول المدينة من بيوت ومساكن . سور
المدينة .
( 5 ) اى في الحديث شئ من الغرابة .
( 6 ) بناء على ما تقدم من قول الجوهرى : الناس قد تكون من الجن والانس .
[294]
وفيه : من حديث جابر : وبعثت إلى كل أحمر وأسود .
وفيه : عن ابن مسعود قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وآله ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في
الاودية والشعاب ، فقلنا : استطير أو اغتيل ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما أصبحنا
إذا هو جاء من قبل حراء فقلنا : يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات
بها قوم ، قال : أتاني داعي الجن فذهبت معه وقرأت عليهم القرآن فانطلق بنا فارانا
آثار نيرانهم ، وسألوه الزاد فقال : لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تأخذونه فيقع في
أيديكم أو فرما كان لحما ، وكل بعر علف لدوابكم ، قال : فلا تستنجوا بهما فانهما طعام
إخوانكم الجن .
وروى الطبراني باسناد حسن عن الزبير بن العوام قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله
صلاة الصبح في مسجد المدينة فلما انصرف قال : أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة ؟
فسكت القوم ولم يتكلم منهم أحد ، قال ذلك ثلاثا ، فمر بى يمشي فأخذ بيدي فجعلت
أمشي معه حتى يتباعد ( 1 ) عنا جبال المدينة كلها وأفضينا إلى أرض براز وإذا رجال
طوال كأنهم الرماح مستثفري ( 2 ) ثيابهم من بين أرجلهم ، فلما رأيتهم غشيتني رعدة
شديدة حتى ما تمسكني رجلاى من الفرق ( 3 ) ، فلما دنونا منهم خط لي رسول الله صلى الله عليه وآله
بابهام رجله في الارض خطا وقال لي : اقعد في وسطه ، فلما جلست ذهب عنى كل
شئ أجده من ريبة ، وبقي صلى الله عليه وآله ( 4 ) بيني وبينهم فتلا قرآنا رفيعا حتى طلع
الفجر ثم أقبل حتى مر بي فقال : الحق بي ، فجعلت أمشي معه فمضينا غير بعيد فقال ( 5 ) :
التفت فانظر هل ترى حيث كان اولئك من أحد ؟
قلت يا رسول الله أرى سوادا كثيرة ، فخفض رسول الله صلى الله عليه وآله رأسه إلى الارض
( هامش 294 ) ( 1 ) في المصادر : حتى تباعدت .
( 2 ) في المصدر : مستدثرى .
( 3 ) الفرق : الفزع .
( 4 ) في المصدر : ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله .
( 5 ) في المصدر : فقال صلى الله عليه وآله لى .
[295]
فنظم ( 1 ) عظما بروثة فرمى ( 2 ) به إليهم ، ثم قال : هؤلآء وفدجن نصيبين سألوني الزاد
فجعلت لهم كل عظم وروثة .
قال الزبير : ولا يحل لاحد أن يستنجي بعظم ولا روثة . ثم روى أيضا عن ابن
مسعود قال : استتبعني رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة فقال : إن نفرا من الجن خمسة عشر بنو
إخوة وبنو عم يأتون الليلة فأقرأ عليهم القرآن ، فانطلقت معه إلى المكان الذي أراد
فجعل لي خطا ثم أجلسني فيه وقال : لا تخرجن من هذا فبت فيه حتى أتاني رسول الله
صلى الله عليه وآله من السحر ( 3 ) وفي يده عظم حائل وروثة وجمجمة ، وقال : إذا أتيت
الخلا فلا تستنج بشئ من هذا ، قال فلما أصبحت قلت : لاعلمن حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله
فذهبت فرأيت موضع سبعين بعيرا .
وفي كتاب خبر البشر بخير البشر للعلامة محمد بن ظفر عن ابن مسعود أنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله ( 4 ) وهو بمكة : من أحب منكم أن يحصر الليلة أمر الجن ( 5 ) ؟ فانطلقت
معه حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي خطا ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته
أسود كثيرة فحالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ، ثم انطلقوا يتقطعون مثل قطع
السحاب ( 6 ) ذاهبين حتى بقي منهم رهط ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال : ما فعل الرهط ؟
قلت : هم اولئك يا رسول الله ، فأخذ عظما وروثا فأعطاهم إياه ، ونهى أن يستطيب
أحد بعظم أو روث . وفي إسناده ضعف . وفيه أيضا عن بلال بن الحارث . قال : نزلنا مع
النبي صلى الله عليه وآله في بعض أسفاره بالعرج فتوجهت نحوه فلما قاربته سمعت لغطا ( 7 ) وخصومة
( هامش 295 ) ( 1 ) المصدر : فنظر عظما وروثا .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 295 سطر 19 الى ص 303 سطر 18

( 2 ) في المصدر : فرمى بهما .
( 3 ) في المصدر : مع السحر .
( 4 ) في المصدر : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه .
( 5 ) في المصدر : أمر الجن فلينطلق معى .
( 6 ) في المصدر : كما يتقطع السحاب .
( 7 ) في المصدر : سمعت لغة .
[296]
رجال لم أسمع أحد من ألسنتهم ، فوقفت حتى جاء النبى صلى الله عليه وآله وهو يضحك فقال :
اختصم إلي الجن المسلمون وسألوني أن اسكنهم ، فأسكنت المشركين
الغور ( 1 ) كل مرتفع من الارض : جلس ونجد ، وكل منخفض غور
وروي أيضا عن ابن عباس أنه قال : انطلق النبي صلى الله عليه وآله في طائفة من أصحابه عامدين
إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السمآء ، فرجعت الشياطين إلى قومهم
فقالوا : ما لكم قد حيل ( 2 ) بيننا وبين خبر السمآء إرسلت علينا الشهب ؟ قالوا ( 3 ) :
ماذاك إلا من شئ حدث فاضربوا مشارق الارض ومغاربها ، فالتقى الذين أخذوا نحو
تهامة النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة
الفجر ، فلما سمعوا القرآن أنصتوا ( 5 ) ، وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السمآء
ورجعوا إلى قومهم فقالوا : " إنا سمعنا قرآنا عجبا " الايتين ( 5 ) .
وهذا الذي ذكره ابن عباس أول ما كان من أمر الجن مع النبي صلى الله عليه وآله ولم يكن
النبي صلى الله عليه وآله رآهم إذ ذاك ، إنما اوحي إليه بما كان منهم .
روى الشافعي والبيهقي أن رجلا من الانصار خرج يصلي العشاء فسبته الجن
وفقد أعواما وتزوجت امرءته ثم أتى المدينة فسأله عمر عن ذلك فقال : اختطفتني الجن
فلبثت فيهم زمانا طويلا فغزاهم جن مؤمنون فقاتلوهم فظهروا عليهم فسبوا منهم سبايا
وسبونى معهم فقالوا : نراك رجلا مسلما ولا يحل لنا سباؤك ، فخيروني بين المقام عندهم
أو القفول إلى أهلي فاخترت أهلي ، فأتوا بي إلى المدينة ، فقال له عمر : ما كان طعامهم ( 6 ) ؟
( هامش 296 ) ( 1 ) في المصدر : [ فأسكنت المسلمين الجلس واسكنت المشركين الغور ] أقول :
الظاهر أن الحديث ينتهى بذلك ، والباقى كلام الدميرى .
( 2 ) في المصدر : فقالوا : مالكم ؟ قالوا حيل .
( 3 ) في المصدر : فقالوا .
( 4 ) في المصدر : انصتوا له :
( 5 ) الجن : 1 و 2 .
( 6 ) أى طعام مشركيهم ، لان مؤمنيهم قد مر ان طعامهم مما يذكر اسم الله عليه .
[297]
قال : الفول ( 1 ) وما لم يذكر اسم الله عليه قال : فما كان شرابهم ؟ قال : الجذف ، وهو الرغوة
لانها تجذف عن الماء ، وقيل : نبات يقطع ويؤكل ، وقيل : كل إناء كشف عنه غطاؤه .
وأما الاجماع فنقل ابن عطية وغيره الاتفاق على أن الجن متعبدون بهذه
الشريعة على الخصوص ، وأن نبينا محمدا صلى الله عليه وآله مبعوث إلى الثقلين .
فان قيل : لو كانت الاحكام بجملتها لازمة لهم لكانوا يترددون إلى النبي صلى الله عليه وآله
يتعلمونها ( 2 ) ، ولم ينقل أنهم أتوه إلا مرتين بمكة ، وقد تجدد بعد ذلك أكثر
الشريعة .
قلنا : لا يلزم من عدم النقل عدم اجتماعهم به وحضورهم مجلسه وسماعهم كلامه
من غير أن يراهم المؤمنون ، ويكون ( 4 ) صلى الله عليه وآله يراهم هو ، ولا يراهم أصحابه ، فان الله
تعالى يقول عن رأس الجن : " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم " ( 3 ) فقد
يراهم هو صلى الله عليه وآله بقوة يعطيها الله له زائدة على قوة أصحابه ، وقد يراهم بعض الصحابة
في بعض الاحوال كما رأى أبوهريرة الشيطان الذي يسرق ( 5 ) من زكاة رمضان ، كما
رواه البخاري .
فان قيل : فما تقول فيما حكي عن بعض المعتزلة أنه ينكر وجود الجن ؟ قلنا
عجب ( 6 ) أن يثبت ذلك عمن صدق بالقرآن وهو ناطق بوجودهم ، وروى البخاري
ومسلم والنسائي عن أبي هريرة : إن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن عفريتا من الجن تفلت علي
البارحة يريد أن يقطع علي صلاتي فذعته بالذال المعجمة والعين المهملة أي خنقته
وأردت أن أربطه في سواري المسجد فذكرت قول أخي سليمان عليه السلام وقال : إن
( هامش 297 ) ( 1 ) الفول : الباقلى .
( 2 ) في المصدر : حتى يتعلمونها .
( 3 ) في المصدر : ويكون هو صلى الله عليه وآله يراهم .
( 4 ) الاعراف : 26 .
( 5 ) في المصدر : الشيطان الذى أتاه ليسرق .
( 6 ) في المصدر : عجيب .
[298]
بالمدينة جنا قد أسلموا . وقال : لا يسمع نداء صوت المؤذن ( 1 ) جن ولا إنس ولا
شئ إلا شهد له يوم القيامة .
وروى المسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ما منكم من أحد إلا وقد
وكل به قرينه من الجن ، قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي ، إلا أن الله
أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير .
وروي : فأسلم بفتح الميم وضمها وصحح الخطابي الرفع ، ورجح القاضي عياض
والنووي الفتح ، وأجمعت الامة على عصمة النبي صلى الله عليه وآله من الشسيطان ، وإنما المراد
تحذير غيره من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه ، وأعلمنا أنه معنا لنتحرز منه بحسب
الامكان ، والاحاديث في وجود الجن والشياطين لا تحصي ، وكذلك أشعار العرب
وأخبارها ، فالنزاع في ذلك مكابرة فيما هو معلوم بالتواتر ، ثم إنه أمر لا يحيله العقل
ولا يكذبه الحس ، ولذلك جرت التكاليف عليهم ، ومما اشتهر أن سعد بن عبادة ( 2 )
لما لم يبايعه الناس وبايعوا أبا بكر سار إلى الشام فنزل حوران وأقام بها إلى أن مات
في سنة خمس عشرة ، ولم يختلفوا في أنه وجد ميتا في مغتسله بحوران وأنهم لم يشعروا
بموته ( 3 ) حتى سمعوا قائلا يقول :
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة * فرميناه بسهمين ولم نخط فؤاده .
فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه ووقع في صحيح مسلم أنه شهد بدرا .
( هامش 298 ) ( 1 ) في المصدر : مدى صوت المؤذن .
( 2 ) لما تخلف سعد عن بيعة ابى بكر وبعده عن بيعة عمر كان ذلك قدحا في امرهما
فأرسل عمر محمد بن سلمة الانصارى وخالد بن الوليد من المدينة ليقتلاه فرمى كل واحد
منهما اليه سهما فقتلاه ، وكان مصلحة الوقت يوجب ستره عن العامة فنسبوه إلى الجن ، قال
ابن ابى الحديد في شرح النهج : ان رجلا من العامة سأل شيعيا : لم سكت على عليه السلام عن
المطالبة بحقه الذى تزعمونه حتى أمات نفسه وهو صاحب ما هو صاحبه من المآثر المشهورة ؟
فقال له : انه خاف أن تقتله الجن !
( 3 ) في المصدر : وانهم لم يشعروا بموته بمدينة .
[299]
وروي عن حجاج بن علاط السلمي أنه قدم مكة في ركب فأجنهم الليل بواد
مخوف موحش فقال له أهل الركب : قم فخذ لنفسك أمانا لاصحابك ، فجعل لا ينام
بل يطوف بالركب ويقول :
اعيذ نفسي واعيذ صحبي من كل جني بهذا النقب
حتى أعود سالما وركبي
فسمع قائلا يقول : " يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار
السماوات والارض " الآية ( 1 ) ، فلما قدم مكة أخبر كفار قريش بما سمع ، فقالوا :
صبأت ( 2 ) يا أبا كلاب ، إن هذا يزعم أنه انزل على محمد ( 3 ) ، فقال : والله لقد سمعته
وسمعه هؤلاء معي ثم أسلم وحسن إسلامه وهاجر إلى المدينة وابتنى بها مسجدا
يعرف به .
وقال محمد بن الحسن الابرسي : قال الربيع : سمعت الشافعي يقول : من زعم
من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى : " إنه يراكم هو وقبيله
من حيث لا ترونهم " إلا أن يكون الزاعم نبيا .
وعد ابن سعد والطبراني والحافظ وأبوموسى ( 4 ) وغيرهم عمرو بن جابر
الجني في الصحابة فرووا بأسانيدهم عن صفوان بن المعطل السلمي أنه قال : خرجنا
حجاجا فلما كنا بالعرج إذا نحن بحية تضطرب ، فلم نلبث أن ماتت فأخرج لها رجل
منا خرقة فلفها فيها ثم حفر لها في الارض ثم قدمنا مكة فأتينا المسجد الحرام فوقف
علينا رجل فقال : أيكم صاحب عمرو بن جابر ؟ قلنا : ما نعرفه ، قال : أيكم صاحب
الجان ؟ قالوا : هذا ، قال : جزاك الله ( 5 ) خيرا أما إنه كان آخر التسعة الجن ( 6 )
( هامش 299 ) ( 1 ) الرحمن : 33 .
( 2 ) صبأ الرجل : خرج من دين إلى دين آخر . تدين بدين الصابئين ، وكان مشركو
مكة يسمون من دخل في الاسلام صابئا .
( 3 ) في المصدر : ان هذا الذى قلته يزعم محمد انه انزل عليه .
( 4 ) في المصدر : والحافظ ابى موسى .
( 5 ) في المصدر : جزاك الله عنا خيرا .
( 6 ) في المصدر : من الجن .
[300]
الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وآله موتا . وكذا رواه الحاكم في المستدرك .
وذكر ابن أبي الدنيا عن رجل من التابعين أن حية دخلت عليه في خبائه تلهث
عليه فسقاها ثم إنها ماتت فدفنها فأتي له من الليل فسلم عليه وشكر وأخبر أن تلك
الحية كانت رجلا صالحا من جن نصيبين اسمه زوبعة .
قال : وبلغنا من فضائل عمر بن عبدالعزيز أنه كان يمشي بأرض فلاة فاذا حية
ميتة فكفنها فضلة من ردآئه ( 1 ) فاذا قائل يقول : يا سرق أشهد لقد سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول لك : ستموت بأرض فلاة فيكفنك ويدفنك رجل صالح ، فقال :
ومن أنت يرحمك الله ؟ فقال : أنا من الجن الذين سمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وآله
لم يبق منهم إلا أنا ( 2 ) وهذا الذي قد مات ( 3 ) .
وروى البيهقي في دلائله عن الحسن أن عمار بن ياسر قال : قاتلت مع رسول
الله صلى الله عليه وآله الانس والجن ( 4 ) فسئل عن قتال الجن فقال : أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
بئر أستقي منها فلقيت ( 5 ) الشيطان في صورته حتى قاتلني ( 6 ) فصرعته ثم جعلت ادمي
أنفه بفهر كان معي أو حجر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه : إن عمارا لقي الشيطان عند
بئر فقاتله ، فلما رجعت سألني فأخبرته الامر ، وكان أبوهريرة يقول : إن عمار بن ياسر
أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وهذا الذي أشار إليه البخاري بمارواه ( 7 )
( هامش 300 ) ( 1 ) في المصدر : من ردائه ودفنها .
( 2 ) في المصدر : وسرق هذا .
( 3 ) قد عرفت في حكاية صفوان قبل ذلك أن آخر التسعة مات في زمانها فلم يبق أحد
من التسعة حتى يكفنه ويدفنه عمر بن عبدالعزيز هذا ، وصفوان بن المعطل من الصحابة مات
سنة ثمان وخمسين على ما قيل وعمر بن عبدالعزيز مات سنة احدى ومائة وله أربعون سنة .
( 4 ) في المصدر : الجن والانس .
( 5 ) في المصدر : فرأيت .
( 6 ) في المصدر : فصارعنى .
( 7 ) في المصدر : وقد اشار اليه البخارى فيما رواه .
[301]
عن إبراهيم النخعي قال : ذهب علقمة إلى الشام فلما دخل المسجد قال : اللهم ازرزقني ( 1 )
جليسا صالحا ، فجلس إلى أبي الدرداء فقال أبوالدردآء : ممن أنت ؟ قال : من أهل
الكوفة ، قال : أليس فيكم أو منكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ؟ يعني حذيفة ، قال :
قلت : بلى ، قال : أليس فيكم أو منكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه ؟
يعني عمارا ، قلت : بلى ، قال : أليس فيكم أو منكم صاحب السواك أو السوار ( 2 ) ؟
قلت : بلى ، قال : كيف كان عبدالله يقرأ : " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى " ؟
قلت : " والذكر والانثى " الحديث .
وفي كتاب خبر البشر بخير البشر : عن عبيد المكتب عن إبراهيم قال : خرج نفر من
أصحاب عبدالله بن مسعود يريدون ( 3 ) الحج حتى إذا كانوا ببعض الطريق رأوا حية بيضاء
تثني علي الطريق يفوح منها ريح المسك فقال : قلت لاصحابي : امضوا فلست ببارح حتى
أرى ماذا يصير إليه أمره ، فما لبثت أن ماتت فظننت به الخير لمكان الرائحة الطيبة
فكفنته في خرقة ثم نحيتها عن الطريق وأدركت أصحابي في المتعشى ، قال : فو الله أنا
لقعود إذ أقبل أربع نسوة من قبل المغرب فقالت واحدة منهن : أيكم دفن عمروا ؟ فقلنا :
من عمرو ؟ فقالت : أيكم دفن الحية ؟ قال : قلت ؟ أنا ، قالت : أما والله لقد دفنت صواما قواما
يؤمن بما أنزل الله ، ولقد آمن بنبيكم وسمع صفته في السماء قبل أن يبعث بأربعمائة
سنة ، قال : فحمدت الله ثم قضينا حجنا ثم مررت بعمر فأخبرته خبر الحية ( 4 ) فقال :
صدقت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيه هذا .
فيه أيضا عن ابن عمر قال : كنت عند عثمان إذ جاءه رجل فقال : ألا احدثك
بعجب ( 5 ) ؟ قال : بلى ، قال : بينما أنا بفلاة من الارض رأيت عصابتين قد التقتا ثم
( هامش 301 ) ( 1 ) في المصدر : اللهم يسر لى .
( 2 ) في المصدر : والوساد .
( 3 ) في المصدر : وأنا معهم يريدون .
( 4 ) في المصدر : الحية والمرأة .
( 5 ) في المصدر : بعجيب .
[302]
افترقتا قال : فجئت معتركهما قال : فاذا أنا من الحيات شئ ما رأيت مثله قط ، وإذا ريح
المسك أجده من حية منها صفرآء دقيقة ، وظننت أن تلك الرائحة لخير فيها فأخذتها
فلففتها في عمامتي ثم دفنتها فبينما أنا أمشي إذا مناديا ( 1 ) ينادي : هداك الله إن هذين
حيان من أحياء ( 2 ) الجن كان بينهما قتال ، فاستشهدت الحية التي دفنت وهو من الذين
استمعوا الوحي من رسول الله صلى الله عليه وآله .
وفيه أيضا : أن فاطمة بنت النعمان النجارية قالت : كان تابع ( 3 ) من الجن
وكان إذا اقتحم البيت الذي أنا فيه اقتحاما فجاءني يوما فوقع ( 4 ) على الجدار ولم يصنع
كما يصنع ، فقلت له : ما بالك لم تصنع كما كنت تصنع صنيعك قبل ؟ فقال : إنه قد بعث
اليوم نبي يحرم الزنا .
وروى أبوبكر في رباعياته والقاضي أبويعلى عن عبدالله بن الحسين المصيصي
قال : دخلت على طرطوس فقيل له ( 5 ) : ههنا امرأة يقال لها : نهوس ( 6 ) رأت الجن
الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فأتيتها فاذا هي امرأة مستلقية على قفاها ، فقلت : رأيت
أحدا من الجن الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : نعم ، حدثني علية بن ( 7 )
سمحج وسماه النبي صلى الله عليه وآله عبدالله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ( 8 ) : ما من مريض يقرأ
( هامش 302 ) ( 1 ) في المصدر : اذا بمناد .
( 2 ) في نسخة من حيات .
( 3 ) في المصدر : قد كان لى تابع .
( 4 ) في المصدر : فوقف .
( 5 ) في المصدر : دخلت طرطوس فقيل لى .
( 6 ) في اسد الغابة : منوس .
( 7 ) في نسخة : [ عبد علية بن سمج ] وفى المصدر : [ حدثنى سمحج ] وهو الصحيح
راجع اسد الغابة 2 : 353 .
( 8 ) في المصدر : قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل السماوات والارض ؟ قال :
على حوت من نور يتلجلج في النور ، قالت : قال : تعنى سمحج وسمعته صلى الله عليه وآله
يقول : ما من مريض .
[303]
عنده يس إلا مات ودخل قبره ريانا وحشره يوم القيامة ريانا ( 1 ) .
وفي اسد الغابة : عن أنس بن مالك قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله خارجا من
جبال مكة إذ أقبل شيخ متكئ ( 2 ) على عكازة فقال النبي صلى الله عليه وآله : مشية جني ونغمته قال :
أجل ، قال : من أي الجن ؟ قال : أنا هامة بن الهيم أو أبي هيم بن لا قيس بن إبليس ، قال :
لا أرى بينك وبينه إلا أبوين ، قال : أجل . قال : كم أتى عليك ؟ قال : أكلت الدنيا إلا
أقلها ، كنت ليالي قتل قابيل غلاما ابن أعوام ، فكنت أستوي ( 3 ) على الآكام واورش
بين الانام ، فقال صلى الله عليه وآله : بئس العمل ، فقال : يا رسول الله دعني من العتب فاني ممن
آمن بنوح عليه السلام وتبت على يديه ، وإني عاتبته في دعوته فبكى وأبكاني ، وقال : إني
والله من النادمين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، ولقيت هودا وآمنت به ولقيت
ابراهيم وكنت معه في النار إذ القي فيها ، وكنت مع يوسف إذ القي في الجب فسبقته
إلى قعره وكنت مع شعيب وموسى ولقيت عيسى بن مريم وقال لي : إن لقيت محمدا فاقرأه
مني السلام ، وقد بلغت رسالته وآمنت بك ، فقال رسول الله : وعلى عيسى وعليك السلام
ما حاجتك يا هامة ؟ قال : إن موسى علمني التوارة ، وإن عيسى علمني الانجيل فعلمني
القرآن فعلمه .
وفي رواية : علمه عشر سور من القرآن ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وآله ولم ينعه إلينا
فلا نراه والله أعلم إلا حيا .
وفيه أيضا أن عمر بن الخطاب قال ذات يوم لابن عباس : حدثني بحديث
تعجبني به ، فقال : حدثني خريم بن فاتك الاسدي أنه خرج يوما في الجاهلية في


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 303 سطر 19 الى ص 311 سطر 18

طلب إبل له قد ضلت فأصابها في ابرق الغراف وسمي بذلك بأنه يسمع به غريف الجن
قال : فعقلتها وتوسدت ذراع بكر منها ثم قلت : أعوذ بعظيم هذا المكان ، وفي رواية :
بكبير هذا الوادي ، وإذا بهاتف يهتف ويقول :
( هامش 303 ) ( 1 ) في المصدر : الامات ريان ودخل قبره ريان وحشر يوم القيامة ريان .
( 2 ) في المصدر : يتوكأ .
( 3 ) في المصدر : أتشوف .
[304]
تعوذن بالله ذي الجلال ( 1 ) منزل الحرام والحلال
ووحد الله ولا تبال ما هول ذى الجن من الاهوال
فقلت :
يا أيها الداعي ما تخييل ( 2 ) أرشد عنك ( 3 ) أم تضليل ؟
فقال :
هذا رسول الله ذو الخيرات جاء بياسين وحاميمات
وسور بعد مفصلات يدعو إلى الجنة والنجاة
يأمر بالصوم وبالصلاة ويزجر الناس عن الهنات
قال : فقلت : من أنت ( 4 ) يرحمك الله ؟ قال : أنا مالك بن مالك ، بعثني رسول
الله صلى الله عليه وآله على جن ( 5 ) أهل نجد ، قال : فقلت : لو كان لي من يكفيني إبلي هذه لاتيته
حتى اؤمن به ، قال : أنا أكفيكها ( 6 ) حتى اؤديها إلى أهلك سالمة إن شاء الله
فاقتعدت ( 7 ) بعيرا منها حتى أتيت النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة فوافقت الناس يوم الجمعة
وهم في الصلاة فاني انيخ راحلتي إذ خرج إلى أبوذر فقال لي : يقول لك رسول الله
صلى الله عليه وآله : ادخل فدخلت ، فلما رآني قال : ما فعل الشيخ الذي ضمن لك
( هامش 304 ) ( 1 ) في المصدر : ويحك عذ بالله ذى الجلال .
( 2 ) في المصدر : فما تخييل .
( 3 ) في المصدر : عندك .
( 4 ) في المصدر : من أنت أيها الهاتف .
( 5 ) في المصدر : إلى جن .
( 6 ) في المصدر : فقال : ان أردت الاسلام فأنا أكفيكها حتى أردها .
( 7 ) في نسخة [ فاعتلقت ] وفى المصدر : فامتطيت راحلتى وقصدت المدينة فقدمتها
في يوم جمعة فأتيت المسجد فاذا رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب فأنخت راحلتى بباب المسجد وقلت :
ألبث حتى يفرغ من خطبته فاذا ابوذر قد خرج فقال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أرسلنى اليك
وهو يقول لك : مرحبا بك قد بلغنى اسلامك فادخل فصل مع الناس ، قال : فتطهرت و
دخلت فصليت ثم دعانى وقال : ما فعل .
[305]
أن يرد إبلك إلى أهلك ؟ أما إنه قد أداها ( 1 ) إلى أهلك سالمة ، فقلت : رحمه الله ، قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : أجل رحمه الله فأسلم وحسن إسلامه .
وفي مسند الدارمي عن الشعبى قال : قال عبدالله بن مسعود : لقي رجل من
أصحاب رسول الله ( 2 ) صلى الله عليه واله وسلم رجلا من الجن فصارعه فصرعه الانسى فقال له الانسي :
إني أراك ضئيلا شخيتا كأن ذراعيك ذراعا كلب فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت من
بينهم كذلك ؟ قال : لا والله إني من بينهم لضليع ، ولكن عاودني الثانية فان صرعتني
علمتك شيئا ينفعك ، قال : نعم ، قال : فعاوده فصرعه فقال له : أتقرأ : " الله لا إله إلا هو
الحي القيوم " ؟ قال : نعم ، قال : فانك لا تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان له
خبج كخبج الحمار ثم لا يدخل ( 3 ) حتى يصبح .
قال الدارمي : الضئيل : الرقيق ( 4 ) والشخيت : المهزول . والضليع : جيد
الاضلاع . والخبج : الريح . قال أبوعبيدة : الخبج : الضراط .
ثم قال الدميري : يصح انعقاد الجمعة بأربعين مكلفا ، سواء كانوا من الجن أو
من الانس أو منهما .
قال القمولي : لكن نقل ( 5 ) في مناقب الشافعي : إنه كان يقول : من زعم من
أهل العدالة أنه يرى الجن ردت شهادته ، وعزر لمخالفته قوله تعالى : " إنه يراكم
هو وقبيله من حيث لا ترونهم ( 6 ) " إلا أن يكون الزاعم نبيا ، ويحمل قوله على من
( هامش 305 ) ( 1 ) في المصدر : قدردها .
( 2 ) في المصدر وفى نسخة : محمد .
( 3 ) في المصدر : لا يدخله .
( 4 ) في المصدر : الدقيق .
( 5 ) في المصدر : نقل الشيخ ابوالحسن محمد بن الحسين الابرى في مناقب الشافعى
التى الفها عن الربيع أنه قال : سمعت الشافعى يقول .
( 6 ) الاعراف : 27 .
[306]
ادعى رؤيتهم على ما خلقوا عليه ، وقول القمولي على ما إذا تصورا ( 1 ) صور بني آدم .
والمشهور أن جميع الجن من ذرية إبليس ، وبذلك يستدل على أنه ليس من
الملائكة ، لان الملائكة لا يتناسلون لانهم ليس فيهم إناث ، وقيل : الجن جنس
وإبليس واحد منهم ، ولا شك أن لهم ذرية ( 2 ) بنص القرآن ومن كفر من الجن
يقال له : شيطان . وفي الحديث : لما أراد الله تعالى أن يخلق لابليس نسلا وزوجة
ألقى عليه الغضب فطارت منه شظية من نار فخلق منه امرأته .
ونقل ابن خلكان في تاريخه في ترجمة الشعبي أنه قال : إني لقاعد يوما إذ أقبل
جمال ومعه دن فوضعه ثم جاءني فقال : أنت الشعبي ؟ قلت : نعم ، قال : أخبرني هل
لابليس زوجة ؟ فقلت : إن ذلك العرس ما شهدته ، قال : ثم ذكرت قوله تعالى :
" أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " فقلت : إنه لا يكون ذرية إلا من زوجة ،
فقلت : نعم ، فأخذ دنه وانطلق ، قال : فرأيته يختبرني ( 3 ) .
وروي أن الله تعالى قال لابليس : لا أخلق لآدم ذرية إلا ذرأت لك مثلها فليس
أحد من ولد آدم ( 4 ) إلا وله شيطان قد قرن به .
وقيل : إن الشياطين فيهم الذكور والاناث يتوالدون من ذلك ، وأما إبليس
فان الله تعالى خلق له في فخذه اليمنى ذكرا وفي اليسرى فرجا فهو ينكح هذه بهذا
فيخرج له كل يوم عشر بيضات ( 5 ) .
وذكر مجاهد أن من ذرية إبليس لا قيس وولها ( 6 ) وهو صاحب الطهارة
( هامش 306 ) ( 1 ) في المصدر : في صورة .
( 2 ) في المصدر : ولا شك ان الجن ذريته .
( 3 ) في المصدر : فرأيت انه مجتاز بى .
( 4 ) في المصدر : فليس من ولد آدم احد الا .
( 5 ) زاد في المصدر : يخرج من كل بيضة سبعون شيطانا وشيطانة .
( 6 ) في المصدر : وولهان .
[307]
والصلاة ، والهفاف وهو صاحب الصحارى ، ومرة به يكنى ، وزلنبور وهو صاحب
الاسواق ويزين اللغو والحلف الكاذب ومدح السلعة . وبثر وهو صاحب المصائب
يزين خمش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب ، والابيض وهو الذي يوسوس
للانبيآء ، والاعور وهو صاحب الزنا ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة ، وداسم وهو
الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر اسم الله تعالى دخل معه ووسوس له فألقى
الشر بينه وبين أهله ، فان أكل ولم يذكر اسم الله تعالى أكل معه ، فاذا دخل الرجل
بيته ولم يسلم ولم يذكر الله ورأى شيئا يكره ( 1 ) فليقل : " داسم داسم أعوذ بالله منه "
ومطرش ( 2 ) وهو صاحب الاخبار يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس ولا يكن لها أصل ولا
حقيقة .
والاقبض ( 3 ) وامهم طرطبة ، وقال النقاش : بل هي حاضنتهم ، ويقال : إنه
باض ثلاثين بيضة : عشرا في المشرق ، وعشرا في المغرب ، وعشرا في وسط الارض ، وإنه
خرج من كل بيضة جنس من الشياطين كالعفاريت والغيلان والقطاربة ( 4 ) والجان و
أسماء مختلفة ، كلهم عدو لبني آدم لقوله تعالى : " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني
وهم لكم عدو ( 5 ) " إلا من آمن منهم ، وكنية إبليس أبومرة .
واختلف العلماء في أنه من الملائكة من طائفة ( 6 ) يقال لهم : الجن أم ليس من
الملائكة ، وفي أنه اسم عربي أو عجمي ( 7 ) ، فقال ابن عباس وابن مسعود وابن
( هامش 307 ) ( 1 ) في المصدر : يكرهه وخاصم أهله فليقل .
( 2 ) في المصدر : ومطوس .
( 3 ) في المصدر : والاقنص .
( 4 ) في المصدر : كالغيلان والعقارب والقطارب .
( 5 ) الكهف : 51 .
( 6 ) في المصدر : واختلف العلماء في انه هل من الملائكة من طائفة .
( 7 ) وفى المصدر : وفي اسمه هل هواسم اعجمى ام عربى .
[308]
المسيب وقتادة وابن جريح ( 1 ) والزجاج وابن الانباري : كان إبليس من الملائكة
من طائفة يقال لهم : الجن وكان اسمه بالعبرانية عزازيل ، وبالعربية الحارث ، وكان
من خزان الجنة وكان رئيس ملائكة سماء الدنيا وسلطانها وسلطان الارض ، وكان
من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما ، وكان يسوس ما بين السماء والارض ( 2 )
نعوذ بالله من خذلانه ، قالوا : وقوله تعالى : " كان من الجن ( 3 ) " أي من طائفة من
الملائكة هم الجن ( 4 ) .
وقال ابن جبير والحسن : لم يكن من الملائكة طرفة عين وانه لاصل الجن
كما أن آدم أصل الانس .
وقال عبدالرحمن بن زيد وشهر بن حوشب ( 5 ) : وإنما كان من الجن الذين
ظفر بهم الملائكة فأسره بعضهم وذهب به إلى السمآء .
وقال أكثر أهل اللغة والتفسير : إنما سمي إبليس لانه أبلس من رحمة الله ، والصحيح
كما قاله الامام النووي وغيره من الائمة الاعلام : أنه من الملائكة وأنه اسم
أعجمي ، والاستثناء متصل لانه لم يقل : ( 6 ) : إن غيرهم امر بالسجود ، والاصل في
الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى منه .
وقال القاضي عياض : الاكثر على أنه أبوالجن كما أن آدم أبوالبشر ، والاستثناء
من غير الجنس شايع في كلام العرب ، قال تعالى : " ما لهم به علم إلا اتباع الظن "
( هامش 308 ) ( 1 ) هكذا في الكتاب والصحيح اما ابن جريج أو ابن جرير ، والموجود في المصدر
الثانى .
( 2 ) زاد في المصدر : فرأى بذلك لنفسه شرفا عظيما وعظمة فذاك الذى دعاه إلى الكبر
فعصى وكفر فمسخه الله شيطانا رجيما ملعونا .
( 3 ) الكهف : 51 .
( 4 ) في المصدر : يقال لهم : الجن .
( 5 ) في المصدر : ما كان من الملائكة قط والاستثناء منقطع وزاد ابن حوشب : وانما
( 6 ) في المصدر : لم ينقل .
[309]
والصحيح المختار على ما سبق عن النووي ومن وافقه ، وعن محمد بن كعب القرظي :
إنه قال : الجن مؤمنون والشياطين كفار وأصلهم واحد ، وسئل وهب بن منبه عن
الجن ماهم ؟ وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون ؟ فقال : هم أجناس ، فأما الصميم
الخالص من الجن فانهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ( 1 ) في الدنيا ولا يتوالدون
ولهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون وهم السعالى والغيلاب والقطارب وأشباه
ذلك .
وقال القرافي : اتفق الناس على تكفير إبليس بقصته مع آدم عليه السلام وليس
مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا
وليس كذلك ، ولا كان كفره لكونه حسد آدم على منزلته من الله تعالى وإلا لكان كل
حاسد كافرا ، وليس كذلك ، ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه وإلا لكان كل عاص وفاسق
كافرا ، وقد اشكل ذلك على جماعة من الفقهاء ( 2 ) فضلا عن غيرهم ، وينبغي أن يعلم أنه
إنما كفر لنسبة الحق جل جلاله إلى الجور والتصرف الذي ليس بمرضي ، وأظهر
ذلك من فحوى قوله : " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ( 3 ) " ومراده على
ما قاله الائمة المحققون من المفسرين وغيرهم ؟ أن إلزام العظيم الجليل بالسجود
للحقير من الجور والظم ، فهذا وجه كفره لعنه الله ، وقد أجمع المسلمون قاطبة على أن
من نسب ذلك للحق تعالى وتنزه كافر .
واختلفوا هل كان قبل إبليس كافر أولا ؟ فقيل : لا وإنه أول من كفر ، قيل : كان
قبله قوم كفار وهم الجن الذين كانوا في الارض انتهى .
وقد اختلفوا في كفر إبليس هل كان جهلا أو عنادا على قولين لاهل السنة ، ولا
خلاف أنه كان عالما بالله تعالى قبل كفره ، فمن قال : إنه كفر جهلا قال : إنه سلب
( هامش 309 ) ( 1 ) في المصدر : ولا ينامون .
( 2 ) على جماعة من متأخرى الفقهآء .
( 3 ) الاعراف : 11 .
[310]
العلم الذي كان عنده عند كفره ، ومن قال : كفر عنادا قال : كفر ومعه علمه ، قال ابن
عطية : والكفر مع بقاء العلم مستبعد إلا أنه عندي جائز ولا يستحيل مع خذلان الله
تعالى لمن يشاء .
وذكر البيهقي في شرح الاسماء الحسنى في قوله تعالى : " ما كانوا ليؤمنوا إلا
أن يشاء الله ( 1 ) " عن عمر بن ذر قال : سمعت عمر بن عبدالعزيز يقول : لو أراد الله تعالى
أن لا يعصى لم يخلق إبليس وقد بين ذلك في آية من كتابه وفصلها علمها من علمها وجهلها
من جهلها وهي قوله تعالى " ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم ( 2 ) " ثم روى
من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله قال لابى بكر : يا أبا بكر
لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس انتهى .
وقال رجل للحسن : يا أبا سعيد أينام إبليس : فقال : لو نام لو جدنا راحة ، ولا خلاص
للمؤمن منه إلا بتقوى الله تعالى .
وقال في الاحياء : ( 3 ) من غفل عن ذكر الله تعالى ولو لحظة ليس له قرين في تلك
اللحظة الا الشيطان ، قال تعالى : " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له
قرين ( 4 ) " .
واختلفوا هل بعث الله إليهم من الجن رسلا قبل بعثة نبينا محمد ؟ فقال الضحاك :
كان منهم رسل لظاهر قوله تعالى : " يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم ( 5 ) "
وقال المحققون : لم يرسل إليهم منهم رسول ولم يكن ذلك في الجن قط ، وإنما الرسل
من الانس خاصة ، وهذا هو الصحيح المشهور ، أما الجن ففيهم النذر ، وأما الآية فمعناها
( هامش 310 ) ( 1 ) الانعام : 111 .
( 2 ) الصافات : 162 و 163 .
( 3 ) في المصدر : في الاحياء قبيل بيانه دواء الصبر .
( 4 ) الزخرف : 36 .
( 5 ) الانعام : 130 .
[311]
من أحد الفريقين كقوله تعالى : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( 1 ) " وإنما يخرجان
من المالح دون العذب .
وقال منذر بن سعيد البلوطي : قال ابن مسعود : إن الذين لقوا النبي صلى الله عليه وآله من
الجن كانوا رسلا إلى قومهم ، وقال مجاهد : النذر من الجن والرسل من الانس ، ولا
شك أن الجن مكلفون في الامم الماضية كما هم مكلفون في هذه الامة لقوله تعالى :
" أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم كانوا
خاسرين " ( 2 ) وقوله تعالى : " وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ( 3 ) " قيل : المراد
مؤمنوا الفريقين فما خلق أهل الطاعة منهم إلا لعبادته ، ولا خلق الاشقياء إلا للشقاوة
ولا مانع من إطلاق العام وارادة الخاص ، وقيل : معناه إلا لامرهم بعبادتي وأدعوهم
إاليها ، وقيل : إلا ليوحدوني .
فان قيل : لم اتقصر على الفريقين ولم يذكر الملائكة فالجواب أن ذلك لكثرة
من كفر من الفريقين بخلاف الملائكة فان الله تعالى عصمهم كما تقدم .
فان قيل : لم قدم الجن على الانس في هذه الآية ؟ فالجواب أن لفظ الانس أخف
لمكان النون الخفيفة والسين الهموسة وكان الاثقل أولى بأول الكلام من الاخف لنشاط
المتكلم وراحته .
فرع : كان الشيخ عماد الدين يونس يجعل من موانع النكاح اختلاف الجنس
ويقول : لا يجوز للانسي أن يتزوج لقوله تعالى : " والله جعل لكم من أنفسكم
أزواجا لتسكونوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ( 4 ) " فالمودة الجماع ، والرحمة الولد


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 311 سطر 19 الى ص 319 سطر 18

( هامش 311 ) ( 1 ) الرحمن : 22 . ( 2 ) الاحقاف : 18 .
( 3 ) الذاريات : 56 .
( 4 ) هكذا في الكتاب مطبوعه ومخطوطه ، وفيه وهم والمصحيح كما في المصدر : " والله
جعل لكم من انفسكم ازواجا " وقال تعالى : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم ازواجا
لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة " انتهى أقول : الاية الاولى في النحل : 72 ، والثانية
في الروم : 21 .
[312]
ونص على منعه جماعة من الحنابلة ، وفي الفتاوى السراجية ( 1 ) : لا يجوز ذلك لاختلاف
الجني ، وفي القنية : سئل البصري عنه فقال : يجوز بحضرة شاهدين . وفي مسائل ابن
حرب عن الحسن وقتادة أنهما كرها ذلك ، ثم روى بسند فيه ابن لهيعة أن النبي صلى الله عليه وآله
نهى عن نكاح الجن . وعن زيد العمي أنه كان يقول : اللهم ارزقني جنية أتزوج
بها تصاحبني حيثما كانت ( 2 ) .
وذكر ابن عدي في ترجمة نعيم بن سالم بن قنبر مولى علي بن أبي طالب عليه السلام
عن الطحاوي قال : حدثنا يونس بن عبدالاعلى قال : قدم علينا نعيم بن سالم مصر
فسمعته يقول : تزوجت امرأة من الجن ولم اعد إلى ذلك ( 3 ) .
وروى في ترجمة سعيد بن بشير عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أحد أبوي بلقيس كان جنيا .
قال الشيخ نجم الدين القمولي : وفي المنع عن التزويج نظر ، لان التكليف يعم
الفريقين ، قال : وقد رأيت شيخا كبيرا صالحا أخبرني أنه تزوج جنية انتهى .
قلت : وقد رأيت أنا رجلا من أهل القرآن والعلم تزوج ( 4 ) أربعا من الجن
واحدة بعد واحدة ، لكن يبقى النظر في حكم طلاقها ولعانها والايلاء منها وعدتها
ونفقتها وكسوتها والجمع بينها وبين أربع سواها وما يتعلق بذلك ، وكل ذلك فيه نظر
لا يخفى .
قال شيخ الاسلام شمس الدين الذهبي : رأيت بخط الشيخ فتح الدين اليعمري
يقول : وحدثني عنه عثمان المقاتلي قال : سمعت أبا الفتح القشيري يقول : سمعت
الشيخ عز الدين عبد السلام يقول وقد سئل عن ابن عربي فقال : شيخ سوء كذاب ،
( هامش 312 ) ( 1 ) في المصدر : الفتاوى السرجية .
( 2 ) في المصدر : حيثما كنت .
( 3 ) في المصدر : فلم أرجع اليه .
( 4 ) المصدر : اخبرنى انه تزوج .
[313]
فقال ( 1 ) : وكذاب أيضا ؟ قال نعم تذاكرنا يوما نكاح الجن فقال : الجن روح لطيف
والانس جسم كثيف فكيف يجتمعان ؟ ثم غاب عنا مدة وجاء وفي رأسه شجة فقيل له في
ذلك فقال : تزوجت امرأة من الجن فحصل بيني وبينها شئ فشجني هذه الشحة قال
الامام الذهبي بعد ذلك : وما أظن عن ابن عربي تعمد هذه الكذبة وإنما هي من خرافات
الرياضة .
فرع : روى أبوعبيد في كتاب الاموال والبيهقي عن الزهري عن النبي أنه نهى
عن ذبائح الجن ، وذبائح الجن هو أن يشتري الرجل الدار ويستخرج العين وما أشبه
ذلك فيذبح لها ذبيحة للطيرة وكانوا في الجاهلية يقولون ، إذا فعل الرجل ذلك لا يضر
أهلها الجن ، فأبطل صلى الله عليه وآله ذلك ونهى عنه .
وقال الدميري : لا تدخل الجن بيتا فيه اترج ، قال : وروي أن النبي صلى الله عليه وآله
قال : إن الجن لا يدخلون دارا فيه فرس عتيق ( 2 ) .
وأقول : قال : السعلاة : أخبث الغيلان وكذلك السعلآء يمد ويقصر والجمع
السعالى .
قال الجاحظ : كان عمرو بن يربوع متولدا من السعلاة والانسان ، قال : وذكروا
أن جرهما كان من نتاج الملائكة وبنات آدم ، قال : وكان الملائكة إذا عصى ربه أهبط
إلى الارض في صورة رجل كما صنع بهاروت وماروت فولدت منهما جرهما ( 3 ) .
قال : ومن هذا الضرب كانت بلقيس ملكة سبا ، وكذلك كان ذو القرنين كانت امه
آدمية وأبوه من الملائكة ، ولذلك لما سع عمر رجلا ينادي رجلا : يا ذا القرنين ، قال :
أفرغتم من أسماء الانبيآء فارتفعتم إلى أسماء الملائكة ، انتهى .
والحق في ذلك أن الملائكة معصومون من الصغائر والكبائر كالانبيآء عليهم السلام كما
( هامش 313 ) ( 1 ) في المصدر : فقيل له .
( 2 ) حياة الحيوان 1 : 147 155 باب الجيم في الجن .
( 3 ) في المصدر : وماروت فوقع بعض الملائكة على بعض بنات آدم فولدت جرهما .
[314]
قاله القاضي عياض وغيره وما ذكروه من أمر جرهم وذي القرنين وبلقيس فممنوع ،
واستدلالهم بقصة هارون وماروت ليس بشئ فانها لم تثبت على الوجه الذي أرادوه ( 1 )
بل قال ابن عباس : هما رجلان ساحران كانا ببابل .
وقال الجاحظ : وزعموا أن التناكح والتلاقح قد يقع بين الجن والانس لقوله
تعالى : " وشاركهم في الاموال والاولاد ( 2 ) " وهذا ظاهر ، وذلك أن الجنية إنما تصرع
رجال الانس ( 3 ) على جهة العشق في طلب السفاد وكذلك رجال الجن لنساء الانس
ولولا ذلك لعرض الرجال للرجال والنساء للنساء قال تعالى : " لم يطمثهن إنس قبلهم
ولا جان ( 4 ) " فلولا كان الجان تقتض الآدميات ( 5 ) ولم يكن ذلك في تركيبه لما قال الله
تعالى هذا القول ، وذكروا أن الواق واق نتاج ما بين بعض النباتات وبعض الحيوان .
وقال السهيلي : السعلاة : ما يتراءى للناس بالنهار ، والغول : الذي يتراءى
بالليل ( 6 ) .
وقال القزويني : السعلاة نوع من المتشيطنة مغاير للغول ، وأكثر ما توجد السعلاة
في الغياض إذا ظفرت بانسان ترقصه وتلعب به ، كما يلعب القط بالفأر ، وقال : وربما
اصطادها الذئب بالليل فأكلها فاذا افترسها ترفع صوتها وتقول : أدركونى فان الذئب
قد أكلني ، وربما تقول : من يخلصنى ومعي ألف دينار يأخذها ؟ والناس يعرفون أنه
كلام السعلاة فلا يخلصها أحد فيأكلها الذئب ( 7 ) .
( هامش 314 ) ( 1 ) في المصدر : اوردوه .
( 2 ) الاسراء : 64 .
( 3 ) في المصدر : وذلك أن الجنيات انما تتعرض لصرع رجال الانس .
( 4 ) الرحمن : 74 .
( 5 ) في المصدر : ولو كان الجان لا يفتض الادميات .
( 6 ) في المصدر : للناس بالليل .
( 7 ) حياة الحيوان 2 : 14 16 باب السين .
[315]
وقال الدميري أيضا الغول واحد الغيلان وهو جنس من الجن والشياطين وهم
سحرتهم ، قال الجوهري : هو من السعالى والجمع أغوال وغيلان وكل من اغتال
الانسان فأهلكه فهو غول ، والتغول : التلون .
وروى الطبراني وغيره عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إذا تغولت لكم
الغيلان فنادوا بالاذان فان الشيطان إذا سمع النداء أدبر وله حصاص أي ضراط .
قال النووي في الاذكار : إنه حديث صحيح أرشد صلى الله عليه وآله إلى دفع
ضررها بذكر الله .
ورواه النسائي في آخر سننه الكبرى عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وآله قال
عليكم بالدلجة فان الارض تطوى بالليل فاذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالاذان .
قال النووي : وكذلك ينبغي أن تؤذن أذان الصلاة إذا عرض للانسان
شيطان ، لما روى مسلم عن سهل بن أبي صالح أنه قال : أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي
غلام لنا ، أو صاحب لنا ، فناداه مناد من حائط باسمه فأشرف الذي معي على الحائط فلم
ير شيئا فذكرت ذلك لابي فقال : لو شعرت أنك تلقى ( 1 ) هذا لم ارسلك ، ولكن إذا
سمعت صوتا فناد بالصلاة فاني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال :
إن الشيطان إذا نوي بالصلاة أدبر .
وروى مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا عدوى ولا طيرة ولا غول .
قال جمهور العلمآء : كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من
الشياطين تتراءى للناس وتتغول تغولا ، أي تتلون تلونا ، فتضلهم عن الطريق وتهلكهم
فأبطل النبى صلى الله عليه وآله ذلك ، وقال آخرون : ليس المراد بالحديث نفي وجود الغول ، و
إنما معناه إبطال ما تزعم ( 2 ) العرب من تلون الغول بالصور المختلفة ، قالوا : ومعنى
لا غول ، أي لا تستطيع أن تضل أحدا ، ويشهد له حديث آخر :
( هامش 315 ) ( 1 ) في المصدر : ترى هذا أرسلتك .
( 2 ) في المصدر : ما تزعمه .
[316]
" لاغول ولكن السعالى " قال العلمآء : السعالى بالسين المفتوحة والعين المهملة
من سحرة الجن ، ومنه ما روى الترمذي والحاكم عن أبي أيوب الانصاري أنه قال :
كانت لي سهوة فيها تمر فكانت تجيئ الغول كهيئة السنور فتأخذ منه ، فشكونا ذلك إلى
النبي صلى الله عليه وآله فقال : اذهب فاذا رأيتها فقل : بسم الله أجيبي رسول الله " فأخذتها ( 1 )
فحلفت أن لا نعود ، فأرسلها ( 2 ) ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ما فعل أسيرك ؟
قال : حلفت أن لا تعود ، قال صلى الله عليه وآله : كذبت وهي معاودة للكذب فأخذها وقال : ما أنا
بتاركك حتى أذهب بك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالت : إني ذاكرة لك شيئا : آية
الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال :
ما فعل أسيرك ؟ فأخبره بما قال ، قال صلى الله عليه وآله ، صدقك وهو كذوب ( 3 ) .
قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، وهذا روى مثله البخاري عن أبى هريرة
وفي آخره : تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قال : لا ، قال : صلى الله عليه وآله : ذاك
الشيطان .
وروى الحاكم وابن حبان عن ابي بن كعب أنه كان له جرين تمر وكان يجده
ينقص فحرسه ليلة فاذا هو بمثل الغلام المحتلم قال : فسلمت فرد علي السلام ، فقلت :
ما أنت نالني يدك ، فاذا ( 4 ) يد كلب وشعر كلب ، فقلت : أجني أم إنسي ؟ فقال بل
جني ، قلت : إني أراك ضئيل الخلقة ، أهكذا خلق الجن ؟ قال : لقد علمت الجن
( هامش 316 ) ( 1 ) في المصدر : فأخذها .
( 2 ) زاد في المصدر : وجاء إلى النبى صلى الله عليه وآله فقال : ما فعل أسيرك ؟ قال :
حلفت أن لا تعود قال صلى الله عليه وآله : كذبت وهى معاودة للكذب ، قال : فأخذها مرة
اخرى فحلفت أن لا تعود فأرسلها ، ثم جاء .
( 3 ) في المصدر : بما قالت فقال صلى الله عليه وآله : صدقت وهى كذوب .
( 4 ) في المصدر : فناولنى فاذا .
[317]
أن ما فيهم أشد مني فقلت ، ما يحملك ( 1 ) على ما صنعت ؟ قال : بلغني أنك رجل تحب
الصدقة فأحببت أن اصيب من طعامك ، فقلت : فما يجيرنا منكم ؟ قال : تقرأ آية الكرسي
فانك إن قرأتها غدوة اجرت منا حتى تمسي ، وإن قرأتها حين تمسي اجرت منا حتى
تصبح ، قال : فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته فقال : صدق الخبيث .
وتزعم العرب أنه إذا انفرد الرجل في الصحراء ظهرت له في خلقة إنسان فلا يزال
يتبعها حتى تضله عن الطريق وتدنو له وتتمثل له في صور مختلفة فتهلكه روعا ، وقالوا :
إذا أرادت أن تضل إنسانا أو قدت له نارا فيقصدها فيفعل ذلك ( 2 ) ، قالوا : وخلقتها
خلقة إنسان ورجلاها رجلا حمار .
وقال القزويني : ورأى الغول جماعة من الصحابة منهم عمر حين سافر إلى الشام
قبل الاسلام فضربها بالسيف . وذكر عن ثابت بن جابر الفهري أنه رأى الغول ، وذكر
أبياته النونية في ذلك ( 3 ) .
وقال الدميري أيضا : قطرب : طائر يجول الليل كله لا ينام . وقال ابن
سيدة : إنه الذكر من السعالى ، وقيل : هم صغار الجن ، وقيل : القطارب : صغائر
الكلاب واحدها قطرب : دويبة لا تستريح نهارها سعيا ، وقال محمد بن ظفر : القطرب
حيوان يكون بالصعيد في أرض مصر يظهر للمنفرد من الناس ، فربما صده عن نفسه
إذا كان شجاعا إلا لم ينته حتى ينكحه ، فاذا نكحه هلك ، وهم إذا رأوا من ظهر له
القطرب قالوا : أمنكوح أم مروع ، فان قال : منكوح يئسوا منه ( 4 ) ، وإن قال :
مروع عالجوه ، قال : وقد رأيت أهل مصر يلهجون بذكره ( 5 ) انتهى ما أخرجته من كتاب
( هامش 317 ) ( 1 ) في المصدر : ما حملك .
( 2 ) في المصدر : فتفعل به ذلك .
( 3 ) حياة الحيوان 2 : 134 137 باب الغين .
( 4 ) في المصدر : آيسوا من حياته .
( 5 ) حياة الحيوان 2 : 181 باب القاف .
[318]
حياة الحيوان .
ولنبين بعض ما ربما يحتاج إلى البيان : الحشاش مثلثة : حشرات الارض ، وفي
النهاية : مستطير أى منتشر متفرق كأنه طائر في نواحيها ، ومنه حديث ابن مسعود
فقدنا رسول الله ليلة فقلنا : اغتيل استطير أي ذهب به بسرعة ، كأن الطير حملته
أو اغتاله أحد ، والاستطارة والتطاير : التفرق والذهاب ، والاغتيال : أن يخدع
فيقتل في موضع لا يراه فيه أحد ، قوله : أو فرما كان قال الآبي : الاظهر انه مما
يبقى عليه بدع الاكل ، ويحتمل أنه تعالى يخلق ذلك عليها ، والنظر في أنه هل
يستحب أن لا يستقصى العظام بتقشير ما عليها وهل يثاب مثله له ، والاظهر ان
انتفاعهم إنما هو بالشم لانه لا يبقى عليه ما يقولون إلا أن يكونوا في القوت بخلاف
الانس انتهى .
وفي النهاية في صفة الجن : فاذا نحن برجال طوال كأنهم الرماح مستثفرين ثيابهم
هو أن يدخل الرجل ثوبه بين رجليه كما يفعل الكلب بذنبه .
وقال : العرج بفتح العين وسكون الراء : قرية جامعة من أعمال الفرع على أيام
من المدينة ، وقال : اللغط : صوت وضجة لا يفهم معناه ، وقال : الجلس : كل مرتفع
من الارض ، والغور : ما انخفض من الارض .
وقال : فيه ذكر عكاظ وهي موضع بقرب مكة كانت تقام به في الجاهلية سوق
يقيمون فيها أياما .
وقال : في حديث عمر أنه سأل رجلا استهوته الجن فقال : ما كان طعامهم ؟ قال :
الفول وما لم يذكر اسم الله عليه ، قال : فما كان شرابهم ؟ قال : الجذف . الفول هو الباقلى
والجذف بالتحريك : نبات يكون باليمن لا يحتاج آكله معه إلى شرب ماء ، وقيل :
هو كل ما لا يغطى من الشراب وغيره قال القتيبي : أصله من الجدف : القطع ، أراد
ما يرمى به عن الشراب من زبد أو رغوة أو قذى كأنه قطع من الشراب فرمي به ، هكذا
حكاه الهروي عنه ، والذي جاء في صحاح الجوهري : أن القطع هو الجذف بالذال
المعجمة ، ولم يذكره في الدال المهملة ، وأثبته الازهري فيهما .
[319]
وقال : تفلت علي أي تعرض في صلاتي فجأة . وقال في ذعت : فأمكنني الله منه
فذعته أي خنقته ، والذعت والدعت بالذال والدال : الدفع العنيف ، والذعت أيضا :
المعك في التراب .
وقال : وفيه ما من آدمي إلا ومعه شيطان ، قيل : ومعك ؟ قال : نعم ولكن الله
أعانني عليه فأسلم ، وفي رواية : حتى أسلم أي انقاد وكف عن وسوستي ، وقيل : دخل
في الاسلام فسلمت من شره ، وقيل : إنما هو فأسلم بضم الميم على أنه فعل مستقبل أي
أسلم أنا منه ومن شره ، ويشهد للاول الحديث الآخر : كان شيطان آدم كافرا وكان
شيطاني مسلما انتهى .
وأقول : قصة سعد مما افترى على الجن ، وإنما قتله من بعثه عمر ليقتله كما ذكرناه
في كتاب الفتن مفصلا .
وفي النهاية : يقال : صبأ فلان : إذا خرج من دين إلى دين غيره ، وكانت العرب
تسمي النبي صلى الله عليه وآله الصابئ لانه خرج من دين قريش إلى دين الاسلام ويسمون
المسلمين الصباة بغير همز .
وقال : لهث الكلب وغيره يلهث لهثا : إذا أخرج لسانه من شدة العطش والحر
وقال الفهر : الحجر ملء الكف ، وقيل : هو الحجر مطلقا .
وفي القاموس : الغريف : صوت الجن وهو جرس يسمع في المفاوز بالليل ، وكشداد
رمل لبني سعد أو جبل بالدهناء على اثني عشر ميلا من المدينة سمي به لانه كان يسمع
به غريف الجن ، وأبرق الغراف ، ماء لبني أسد . وقال : القعدة بالضم من الابل :


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 319 سطر 19 الى ص 327 سطر 18

ما يقتعده الراعي في كل حاجة ، واقتعده ، اتخذه قعدة .
وفي النهاية : قال للجني : إني أراك ضئيلا شخيتا ، الضئيل : النحيف الدقيق
والشخت والشخيت : النحيف الجسم الدقيق .
وقال : إني منهم لضليع أي عظيم الخلق ، وقيل : هو العظيم الصدر الواسع
الجبينين ، وقال : الشظية : الفلقة من العصا ونحوها ، وقال الفيروز آبادى : القط
بالكسر السنور .
[320]
وقال في النهاية : الحصاص : شدة العدو وحدته ، وقيل : هو أن يمصع بذنبه
ويصر باذنيه ويعدو ، وقيل : هو الضراط وقال : السهوة : بيت صغير منحدر في الارض
قليلا شبيه بالمخدع والخزانة وقيل : هو كالصفة يكون بين يدي البيت ، وقيل : شبيه
بالرف والطاق يوضع فيه شئ وقال : الجرين هو موضع تجويف التمر وهو له كالبيدر
للحنطة .
وقال الرازي في مفتتح تفسيره في تحقيق الاستعاذة من الشيطان وفي بيان المستعاذ
منه قال : وفيه مسائل : المسألة الاولى : اختلف الناس في وجود الجن والشياطين ، فمن
الناس من ينكر الجن والشياطين ، واعلم أنه لا بد من البحث أولا عن ماهية الجن
والشياطين ، فنقول : أطبق الكل على أنه ليس الجن والشياطين عبارة عن أشخاص
جسمانية كثيفة تجيئ وتذهب مثل الناس والبهائم ، بل القول المحصل فيه قولان : الاول
أنها أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة ولها عقول وأفهام وقدرة على
أعمال صعبة شاقة .
والقول الثاني أن كثيرا من الناس أثبتوا أنها موجودات غير متحيزة ولا حالة
في المتحيز ، وزعموا أنها موجودات مجردة عن الجسمية ، ثم إن هذه الموجودات
قد تكون عالية مقدسة عن تدبير الاجسام بالكلية ، وهي الملائكة المقربون كما قال
تعالى : " ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون " ( 1 ) وتليها مرتبة الارواح
المتعلقة بتدبير الاجسام ، وأشرفها حملة العرش كما قال تعالى : " ويحمل عرش ربك
فوقهم يومئذ ثمانية ( 2 ) " .
والمرتبة الثانية الحافون حول العرش كما قال تعالى : " وترى الملائكة حافين
من حول العرش " ( 3 ) .
( هامش 320 ) ( 1 ) الانبياء : 19 . ( 2 ) الحاقه : 17 . ( 3 ) الزمر : 75 .
[321]
والمرتبة الثالثة : ملائكة الكرسي .
والمرتبة الرابعة : ملائكة السماوات طبقة طبقة .
والمرتبة الخامسة : ملائكة كرة الاثير .
والمرتبة السادسة : ملائكة كرة الهواء الذي هو في طبع النسيم .
والمرتبة السابعة : ملائكة كرة الزمهرير .
والمرتبة الثامنة : مرتبة الارواح المتعلقة بالبحار .
والمرتبة التاسعة : مرتبة الارواح المتعلقة بالجبال .
والمرتبة العاشرة : مرتبة الارواح السفلية المتصرفة في هذه الاجسام النباتية
والحيوانية الموجودة في هذا العالم .
واعلم أنه على كلا القولين فهذه الارواح قد تكون مشرقة إلهية خيرة سعيدة
وهي المسماة بالصالحين من الجن ، وقد تكون كدرة سفلية شريرة شقية وهي المسماة
بالشياطين .
واحتج المنكرون لوجود الجن والشياطين بوجوه :
الحجة الاولى أن الشيطان لو كان موجودا لكان إما أن يكون جسما لطيفا أو
كثيفا ، والقسمان باطلان فيبطل القول بوجوده ، وإنما قلنا : إنه يمتنع أن يكون
كثيفا لانه لو كان كذلك لوجب أن يراه كل من كان سليم الحس ، إذ لو جاز أن
يكون بحضرتنا أجسام كثيف ونحن لا نراها لجاز أن تكون بحضرتنا جبال عالية وشموس
مضيئته ورعود بروق ، مع أنا لا نشاهد شيئا منها ، ومن جوز ذلك كان خارجا
عن العقل .
وإنما قلنا : إنه لا يجوز كونها أجساما لطيفة لانه لو كان كذلك لوجب أن
يتمزق ويتفرق ( 1 ) عند هبوب الرياح العاصفة القوية ، وأيضا يلزم أن لا يكون لها
قدرة وقوة على الاعمال الشاقة ومثبتوا الجن ينسبون إليها الاعمال الشاقة ، ولما
( هامش 321 ) ( 1 ) في المصدر : تتمزق وتتفرق .
[322]
بطل القسمان ثبت فساد القول بالجن .
والحجة الثانية : أن هذه الاشخاص المسماة بالجن إذا كانوا حاضرين في هذا
العالم ومخالطين للبشر فالظاهر الغالب أن يحصل لهم بسبب طول المخالطة والمصاحبة
إما صداقة وإما عداوة ، فان حصلت الصداقة وجب ظهور المنافع بسبب تلك الصداقة
وإن حصلت العداوة وجب ظهور المضار بسبب تلك العداوة ، إلا أنا لا نرى أثرا لا من
تلك الصداقة ولا من تلك العداوة ، وهؤلاء الذين يمارسون صنعة التعزيم إذا تابوا من
الاكاذيب يعترفون بأنهم قط ما شاهدوا أثرا من هذا الجن ، وذلك مما يغلب على
الظن عدم هذه الاشياء ، وسمعت ممن تاب عن هذه الصنعة قال : إني واظبت على العزيمة
الفلانية كذا من الايام وما تركت دقيقة من الدقائق إلا أتيت بها ، ثم إني ما شاهدت
من تلك الاحوال المذكورة أثرا ولا خبرا .
الحجة الثالثة : أن الطريق إلى معرفة هذه الاشياء إما الحس وإما الخبر وإما
الدليل ، أما الحس فلم يدل دليل على وجود هذه الاشياء ( 1 ) ، فاذا كنا لا نرى
صورة ولا سمعنا صوتا فكيف يمكننا أن ندعي الاحساس بها ، والذين يقولون : إنا
أبصرناها أو سمعنا أصواتها فهم طائفتان : المجانين الذين يتخيلون أشياء بسبب خلل
أمزجتهم فيظنون أنهم رأوها ، والكاذبون المنحرفون .
وأما إثبات هذه الاشياء بواسطة أخبار الانبياء والرسل عليهم السلام فباطل لان
هذه الاشياء لو ثبتت لبطلت نبوة الانبياء ، فان على تقدير ثبوتها يجوز أن يقال : إن
كل ما تأتي به الانبياء من المعجزات إنما حصل باعانة الجن والشياطين ، وكل فرع
أدى إلى إبطال الاصل كان باطلا مثاله إذا جوزنا نفوذ الجن في بواطن الانسان فلم لا
يجوز أن يقال : إن حنين الجذع إنما كان لاجل أن الشيطان نفذ في ذلك الجذع ثم أظهر
الحنين ؟ ولم لا يجوز أن يقال : إن الناقة إنما تكلمت مع الرسول صلى الله عليه وآله لاجل أن
الشيطان دخل في بطنها وتكلم ؟ ولم لا يجوز أن يقال : إن الشجرة إنما انقلعت من
( هامش 322 ) ( 1 ) زاد في المصدر بعد ذلك : لان وجودها اما بالصورة أو الصوت .
[323]
أصلها لان الشيطان اقتلعها ، فثبت أن القول باثبات الجن والشياطين يوجب القول
ببطلان نبوة الانبياء عليهم السلام ، وأما إثبات هذه الاشياء بواسطة الدليل والنظر فهو متعذر
لانا لا نعرف دليلا عقليا يدل على وجود الجن والشياطين فثبت أنه لا سبيل لنا
إلى العلم بوجود هذه الاشياء فوجب أن يكون القول بوجود هذه الاشياء باطلا ، فهذا
جملة شبه منكري الجن والشياطين .
والجواب عن الاول بأنا نقول : إن الشبهة التي ذكرتم تدل على أنه يمتنع
كون الجن جسما فلم لا يجوز أن يقال : إنه جوهر مجرد عن الجسمية ؟
واعلم أن القائلين بهذا القول فرق : الاولى : الذين قالوا : النفوس الناطقة
البشرية المفارقة للابدان قد تكون خيرة ، وقد تكون شريرة ، فان كانت خيرة فهي
الملائكة الارضية ، وإن كانت شريرة فهي الشياطين الارضية ، ثم إذا حدث بدن
شديد المشابهة ببدن تلك النفس المفارقة ( 1 ) وتعلق بذلك البدن نفس شديدة المتشابهة
لتلك النفس المفارقة فحينئذ يحدث لتلك النفس المفارقة ضرب تعلق بهذا البدن الحادث
وتصير تلك النفس المفارقة معاونة لهذه النفس المتعلقة بهذا البدن على الاعمال اللائقة
بها فان كانت النفسان من النفوس الطاهرة المشرقة الخيرة كانت تلك المعاونة والمعاضدة
إلهاما ، وإن كانتا من النفوس الخبيثة الشريرة كانت تلك المعاونة والمناصرة وسوسة
فهذا هو الكلام في الالهام والوسوسة على قول هؤلاء .
الفريق الثاني : الذين قالوا : الجن والشياطين جواهر مجردة عن الجسمية
وعلائقها ، وجنسها مخالف لجنس النفوس الناطقة البشرية ، ثم إن ذلك الجنس
يندرج فيه أنواع أيضا ، فان كانت طاهرة نورانية فهي الملائكة الارضية وهم المسمون
بصالحي الجن ، وإن كانت خبيثة شريرة فهي الشياطين المؤذية ، إذا عرفت هذا فنقول :
الجنسية علة الضم ، فالنفوس البشرية الطاهرة النورانية تنضم . إليها تلك الارواح
النورانية الطاهرة ( 2 ) ، وتعينها على أعمالها التي هي من أبواب الخير والبر والتقوى
( هامش 323 ) ( 1 ) في المصدر : تلك النفوس المفارقة .
( 2 ) في المصدر : الطاهرة النورانية .
[324]
والنفوس البشرية الخبيثة الكدرة تنضم إليها تلك الارواح الخبيثة الشريرة وتعينها
علي أعمالها التي هي من باب الشر والاثم والعدوان .
الفرق الثالث : وهم الذين ينكرون وجود الارواح السفلية ، ولكنهم أثبتوا
الارواح ( 1 ) المجردة الفلكية ، وزعموا أن تلك الارواح أرواح عالية قاهرة قوية
وهي مختلفة بجواهرها وماهياتها ، فكما أن لكل روح من الارواح البشرية بدنا
معينا فكذلك لكل روح من الارواح الفلكية بدن معين ، وهو ذلك الفلك المعين ،
وكما أن الروح البشري ( 2 ) يتعلق أولا بالقلب ثم بواسطته يتعدى أثر ذلك الروح إلى كل
البدن فكذلك الروح الفلكي يتعلق أولا بالكواكب ثم بواسطة ذلك العلق يتعدى
أثر ذلك الروح إلى كلية ذلك الفلك وإلى كلية ذلك العالم ، وكما أنه يتولد في القلب
والدماغ أرواح لطيفة وتلك الارواح تتأدى في الشرائين والاعصاب إلى أجزاء البدن
وتصل بهذا الطريق قوة الحياة والحس والحركة إلى كل جزء من أجزاء الاعضاء
فكذلك ينبعث من جرم الكواكب خطوطا شعاعية تتصل بجوانب العالم وتتأدى قوة
ذلك ( 3 ) الكواكب بواسطة تلك الخطوط الشعاعية إلى أجزاء هذا العالم ، وكما أن
بواسطة الارواح الفائضة من القلب والدماغ إلى أجزاء البدن يحصل في كل جزء من
أجزاء ذلك البدن قوى مختلفة وهي الغاذية والنامية والمولدة والحساسة فتكون هذه
القوى كالنتائج والاولاد لجوهر النفس المدبرة لكلية البدن ، فكذلك بواسطة الخطوط
الشعاعية المنبثة من الكواكب الواصلة إلى أجزاء هذا العالم تحدث في تلك الاجزاء
نفوس مخصوصة ، مثل نفس زيد ونفس عمرو ، وهذه النفوس كالاولاد لتلك النفوس
الفلكية ولما كات النفوس الفلكية مختلفة في جواهرها وماهياتها فكذلك النفوس
المتولدة من نفس فلك زحل مثلا طائفة ، والنفوس المتولدة من نفس فلك المشتري طائفة
( هامش 324 ) ( 1 ) في المصدر : وجود الارواح .
( 2 ) في المصدر : الروح البشرية تتعلق .
( 3 ) في المصدر : تلك .
[325]
اخرى ، فتكون النفوس المنسبة إلى روح زحل متجانسة متشاركة ، ويحصل بينها
مودة ومحبة ( 1 ) ، وتكون النفوس المنتسبة إلى روح زحل مخالفة بالطبع والماهية
للنفوس المنتسبة إلى روح المشترى ، وإذا عرفت هذا فنقول : قالوا : إن العلة تكون
أقوى من المعلول ، فلكل طائفة من النفوس البشرية طبيعة خاصة وهي تكون معلولة
لروح من تلك الارواح الفلكية ، وتلك الطبيعة تكون في الروح الفلكي أقوى وأعلى
بكثير منها في هذه الارواح البشرية ، وتلك الروح ( 2 ) الفلكية بالنسبة إلى تلك
الطائفة من الارواح البشرية كالاب المشفق والسلطان الرحيم ، فلهذا السبب تلك
الارواح الفلكية تعين أولادها على صلاحها ( 3 ) وتهديها تارة في النوم على سبيل الرؤيا
والاخرى ( 4 ) في اليقظة على سبيل الالهام .
ثم إذا اتفق لبعض هذه النفوس البشرية قوة قوية من جنس تلك الخاصية
وقوي اتصاله بالروح الفلكي . الذي هو أصله ومعدنه ظهرت عليه أفعال عجيبة وأعمال
خارقة للعادات ، فهذا تفصيل مذاهب من يثبت الجن والشياطين ، ويزعم أنها موجودات
ليست أجساما ولا جسما .
واعلم أن قوما من الفلاسفة طعنوا في هذا المذهب وزعموا أن المجرد يمتنع
عليه إدراك الجزئيات ، والمجردات يمتنع كونها فاعلة للافعال الجزئية .
واعلم أن هذا باطل لوجهين : الاول أنه يمكننا أن نحكم على هذا الشخص
المعين بأنه إنسان وليس بفرس ، والقاضي على الشيئين لابد وأن يحضره المقضي
عليهما ، فههنا شئ واحد هو مدرك للكلي وهو النفس ، فيلزم أن يكون المدرك
للجزئي هو النفس .
( هامش 325 ) ( 1 ) في المصدر : محبة ومودة .
( 2 ) في المصدر : وتلك الارواح .
( 3 ) في المصدر : على مصالحها .
( 4 ) في المصدر : واخرى .
[326]
الثاني : هب أن النفس المجردة لا تقوى على إدراك الجزئيات ابتداء ، لكن
لا نزاع أنه يمكنها أن تدرك الجزئيات بواسطة الالات الجسمانية ، فلم لا يجوز أن
يقال : إن تلك الجواهر المجردة المسماة بالجن والشياطين لها آلات جسمانية من
كرة الاثير أو من كرة الزمهرير ثم إنها بواسطة تلك الالات الجسمانية تقوى على
إدراك الجزئيات وعلى التصرف في هذه الابدان . فهذا تمام الكلام في شرح هذا
المذهب .
وأما الذين زعموا أن الجن أجسام هوائية أو نارية فقالوا : الاجسام متساوية
في الحجمية والمقدار ، وهذان المعنيان أعراض فالاجسام متساوية في قبول هذه الاعراض
والاشياء المختلفة في الماهية لا يمتنع اشتراكها في بعض اللوازم ، فلم لا يجوز أن يقال :
إن الاجسام مختلفة بحسب ذواتها المخصوصة وماهياتها المعينة ، وإن كانت مشتركه
في قبول الحجمية والمقدار . وإذا ثبت هذا فنقول : لم لا يجوز أن يقال : أحد أنواع
الاجسام أجسام لطيفة نفاذة حية لذواتها عاقلة لذواتها قادرة على الاعمال الشاقة
لذواتها ، وهي غير قابلة للتفرق والتمزق ؟ وإذا كان الامر كذلك فتلك الاجسام تكون
قادرة على تشكيل أنفسها بأشكال مختلفة ، ثم إن الرياح العاصفة لا تمزقها والاجسام
الكثيفة لا تفرقها ، أليس أن الفلاسفة قالوا : إن النار التي تنفصل عن الصواعق تنفذ
في اللحظة اللطيفة في بواطن الاحجار والحديد وتخرج من الجانب الآخر ؟ فلم لا يعقل
مثله في هذه الصورة ؟ وعلى هذا التقدير فان الجن تكون قادرة على النفوذ في بواطن
الناس ، وعلى التصرف فيها ، وإنها تبقى حية فعالة مصونة عن الفساد إلى الاجل
المعين والوقت المعلوم ، فكل هذه الاحوال الاحتمالات ظاهرة ، والدليل لم يقم على
إبطالها ، فلم يجز المصير إلى القول بابطالها .
والجواب عن الشبهة الثانية أنه لا يجب حصول تلك الصداقة والعداوة مع كل
واحد ، وكل واحد لا يعرف إلا حال نفسه ، أما حال غيره فانه لا يعلمها ، فبقى هذا
الامر في حيز الاحتمال .
[327]
فأما الجواب ( 1 ) عن الشبهة الثالثة فهو أنا نقول : لا نسلم أن القول بوجود الجن
والملائكة يوجب الطعن في نبوة الانبياء عليهم السلام ، وسيظهر الجواب عن الشبهة ( 2 ) التي
ذكرتموها فيما بعد ذلك ، فهذا آخر الكلام في الجواب عن هذه الشبهات .
المسألة الثانية : اعلم أن القرآن والاخبار يدلان على وجود الجن والشياطين
أما القرآن فآيات : الآيه الاولى قوله تعالى : " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون
القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا
إنا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه ويهدي إلى الحق وإلى
صراط مستقيم " ( 3 ) . وهذا نص على وجودهم وعلى أنهم سمعوا القرآن وعلى أنهم
أنذروا قومهم .
والآية الثانية : قوله تعالى : " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ( 4 ) .
والآية الثالثة : قوله تعالى في قصة سليمان : " يعملون له ما يشاء من محاريب
وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات " ( 5 ) .
وقال تعالى : والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الاصفاد ( 6 ) .
وقال تعالى : ولسليمان الريح إلى قوله تعالى : ومن الجن من يعمل بين
يديه باذن ربه ( 7 ) .
والآية الرابعة : قوله تعالى : يامعشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من
( هامش 327 ) ( 1 ) في المصدر : وأما الجواب .
( 2 ) في المصدر : عن الاجوبة التى .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 327 سطر 19 الى ص 335 سطر 18

( 3 ) الاحقاف : 29 و 30 .
( 4 ) البقرة 102 .
( 5 ) سبا : 13 .
( 6 ) ص : 38 .
( 7 ) سبا : 12 .
[328]
أقطار السموات والارض ( 1 ) .
والاية الخامسة : قوله تعالى : إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * و
حفظا من كل شيطان ما رد ( 2 ) .
وأما الاخبار فكثيرة : الخبر الاول : روى مالك في الموطأ عن صيفي بن أفلح
عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري قال :
فوجدته يصلي ، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته ، قال : فسمعت تحريكا تحت
سريره في بيته فاذا هي حية نفرت فهممت أن أقتلها ( 3 ) ، فأشار أبوسعيد : أن
أجلس ( 4 ) ، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته ، فلما انصرف من صلاته أشار إلى بيت
في الدار فقال : ترى هذا البيت ؟ قلت : نعم ، قال : إنه كان فيه فتى من الانصار حديث
عهد بعرس وساق الحديث إلى أن قال : فرأى امرأته واقفة بين البابين ( 5 ) فهيأ
الرمح ليطعنها بسبب الغيرة ، فقالت امرأته : ادخل بيتك لترى ، فدخل بيته فاذا هو
بحية على فراشها فركز فيها رمحه فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى فما
يدرى ( 6 ) أيهما كان أسرع موتا الفتى أم الحية ؟ فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله ( 7 ) فقال : إن بالمدينة جنيا قد أسلموا فمن بدا لكم منهم فأذنوا ثلاثة أيام فان عاد فاقتلوه فانه
شيطان ( 8 ) .
( هامش 328 ) ( 1 ) الرحمن : 33 .
( 2 ) الصافات : 6 و 7 .
( 3 ) في المصدر : فقمت لاقتلها .
( 4 ) في المصدر : أن اجلس فلما انصرف .
( 5 ) في المصدر : بين الناس فأدركته غيرة فأهوى اليها بالرمح ليطعنها بسبب الغيرة
فقالت : لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك فدخل فاذا هو بحية مطوقة على فراشه .
( 6 ) في المصدر : وخر الفتى ميتا فما ندرى .
( 7 ) في المصدر : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله .
( 8 ) في المصدر : فآذنوه ثلاثة ايام فان بدالكم بعد ذلك فاقتلوه فانما هو شيطان .
[329]
والخبر الثاني : روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال : لما اسري
بالني صلى الله عليه وآله رأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من النار كلما التفت رآه فقال جبرئيل
عليه السلام : ألا اعلمك كلمات إذا قلتهن طفيت شعلته وصرفته ؟ ( 1 ) ؟ قل : أعوذ
بوجه الله الكريم وبكلمات ( 2 ) الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر
ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ينزل إلى الارض ومن
شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار إلا
طارقا يطرق بخير يا رحمن .
والخبر الثالث : روى أيضا مالك في الموطأ أن كعب الاحبار كان يقول : أعوذ
بوجه الله العظيم الذي ليس شئ أعظم منه وبكلماته ( 3 ) التامات التي لا يجاوزهن
بر ولا فاجر وبأسمائه كلها ما قد علمت منها وما لم أعلم ، من شر ما خلق وذرأ
وبرأ .
والخبر الرابع : روى أيضا مالك أن خالد بن الوليد قال : يا رسول الله إني
اروع في منامي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : قل : أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه
وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون .
والخبر الخامس : ما اشتهر وبلغ مبلغ التواتر من خروج النبي صلى الله عليه وآله ليلة
الجن وقراءته عليهم ودعوته إياهم إلى الاسلام .
والخبر السادس : روى القاضي أبوبكر في الهداية أن عيسى عليه السلام دعا ربه
أن يريه موضع الشيطان من بنى آدم فأراه ذلك فاذا رأسه مثل رأس الحية واضع رأسه
على قلبه ، فاذا ذكر الله تعالى خنس ، وإذا لم يذكره وضع رأسه على حبة قلبه .
والخبر السابع : قوله عليه السلام : إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم
وقال : ما منكم من أحد إلا وله شيطان ، قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا
( هامش 329 ) ( 1 ) في المصدر : وخر لفيه .
( 2 ) في المصدر : وبكلماته .
( 3 ) في المصدر : وبكلمات الله .
[330]
أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم .
والاحاديث في ذلك كثيرة والقدر الذي ذكرناه كاف .
المسألة الثالثة : في بيان أن الجن مخلوق من النار ، والدليل عليه قوله تعالى :
" والجان خلقناه من قبل من نار السموم " وقال تعالى حاكيا عن إبليس أنه قال : " خلقتنى
من نار وخلقته من طين " .
واعلم أن حصول الحياة في النار غير مستبعد ، ألا ترى أن الاطباء قالوا : ان
المتعلق الاول للنفس هو القلب والروح وهما في غاية السخونة ، وقال جالينوس : إني
بقرت مرة بطن قرد وأدخلت يدي في بطنه وأدخلت اصبعي في قلبه فوجدته في غاية
السخونة ( 1 ) ، ونقول : أطبق الاطباء على أن الحياة لا تحصل إلا بسبب الحرارة الغريزية
ومقال بعضهم : الاغلب على الظن أن كرة النار تكون مملوة من الروحانيات .
المسألة الرابعة : ذكروا قولين في أنهم لم سموا بالجن ؟
الاول : أن لفظ الجن مأخوذ من الاستتار ، ومنه الجنة لاستتار أرضها بالاشجار
ومنه الجنة لانها ( 2 ) ساترة للانسان ومنه الجن لاستتارهم عن العيون ، ومنه المجنون
لاستتار عقله ، ومنه الجنين لاستتاره في البطن ومنه قوله تعالى : " اتخذوا أيمانهم جنة
( 3 ) أي وقاية وسترا .
واعلم أن على هذا القول يلزم أن تكون الملائكة من الجن لاستتارهم عن العيون
إلا أن يقال : إن هذا من باب تقييد المطلق بسبب العرف .
والقول الثاني : أنهم سموا بهذا الاسم لانهم كانوا في أول أمرهم خزان الجنة
والقول الاول أقوى .
المسألة الخامسة : اعلم أن طوائف المكلفين أربعة : الملائكة والانس والجن و
( هامش 330 ) ( 1 ) في المصدر : في غاية السخونة بل تزيد .
( 2 ) في المصدر : لكونها .
( 3 ) المنافقون : 2 .
[331]
الشياطين ، واختلفوا في الجن والشياطين فقيل : الشياطين جنس ، والجن جنس آخر
كما أن الانسان جنس والفرس جنس آخر ، وقيل : الجن منهم أخيار ومنهم أشرار
والشياطين اسم لاشرار الجن .
المسألة السادسة : المشهور أن الجن لهم قدرة على النفوذ في بواطن البشر ، وأنكر
أكثر المعتزلة ذلك ، وأما المثبتون فقد احتجوا بوجوه : الاول : أنه إن كان الجن
عبارة عن موجود ليس بجسم ولا جسماني فحينئذ يكون معنى كونه قادرا على النفوذ في
باطنه أنه يقدر على التصرف في باطنه ، وذلك غير مستبعد ، وإن كان عبارة عن حيوان
هوائي لطيف نفاذ كما وصفناه في باطن بني آدم غير ممتنع قياسا على النفس
وغيره .
الثاني قوله تعالى : " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ( 1 ) "
الثالث : قوله عليه السلام : إن الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم .
أما المنكرون فقد احتجوا بامور : الاول قوله تعالى حكاية عن إبليس : " وما
كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ( 2 ) " صرح بأنه ما كان له على البشر
سلطان إلا من الوجه الواحد ، وهو إلقاء الوسوسة والدعوة إلى الباطل .
والثاني : لا شك أن الانبياء والعلماء المحققين يدعون الناس إلى لعن الشيطان
والبراءة منه ، فوجب أن تكون العداوة بين الشياطين وبينهم أعظم أنواع العداوة ، فلو كانوا
قادرين على النفوذ في بواطن البشرو على إيصال البلاء والشر إليهم لوجب أن يكون
تضرر الانبيآء والعلماء منهم أشد من تضرر كل أحد ، ولما لم يكن كذلك علمنا
أنه باطل .
المسألة السابعة : اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ،
يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وأما الجن والشياطين فانهم يأكلون ويشربون ، قال
( هامش 331 ) ( 1 ) البقرة : 275 .
( 2 ) ابراهيم : 22 .
[332]
صلى الله عليه وآله في الروث والعظم : إنه زاد إخوانكم من الجن ، وأيضا فانهم
يتوالدون قال تعالى : " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " والله أعلم .
المسألة الثامنة : في كيفية الوسوسة بناء على ما ورد في الاثار ، ذكروا أنه يغوص
في باطن الانسان ويضع رأسه على حبة قلبه ويلقي إليه الوسوسة ، واحتجوا عليه بما روي
أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم ألا فضيقوا مجاريه
بالجوع .
وقال صلى الله عليه وآله : لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت
السماوات والارض ( 1 ) .
ومن الناس من قال : هذه الاخبار لابد من تأويلها لانه يمتنع حملها على ظواهرها
واحتج عليه بوجوه : الاول أن نفوذ الشياطين في بواطن الناس محال لانه يلزم إما
اتساع تلك المجاري أو تداخل تلك الاجسام .
والثاني : ما ذكرنا أن العداوة الشديدة حاصلة بينه وبين أهل الدين فلو قدر على
هذا النفوذ فلم لم يخصهم بمزيد الضرر ؟
الثالث : أن الشيطان مخلوق من النار ، فلو دخل في داخل البدن لصار كأنه
نفذ النار في داخل البدن ، ومعلوم أنا لا نحس بذلك ( 2 ) .
الرابع : أن الشياطين يحبون المعاصي وأنواع الكفر والفسق ، ثم إنا نتضرع
بأعظم الوجوه إليهم ليظهروا أنواع الكفر والفسق فلا نجد منه أثرا ولا فائدة وبالجملة
فلا نرى من عداوتهم ضررا ولا نجد من صداقتهم نفعا ( 3 ) .
وأجاب مثبتوا الشياطين عن السؤال الاول بأن على القول بأنها نفوس مجردة
فالسؤال زائل ، وعلى القول بأنها أجسام لطيفة كالضوء والهوآء فالسؤال أيضا زائل .
( هامش 332 ) ( 1 ) المصدر خال عن كلمة : والارض .
( 2 ) في المصدر ومعلوم أنه لا يحس بذلك .
( 3 ) في المصدر : لا من عداوتهم ضررا ولا من صداقتهم نفعا .
[333]
وعن الثاني : لا يبعد أن يقال : إن الله والملائكة ( 1 ) يمنعونهم من إيذاء علماء
البشر .
وعن الثالث : أنه لما جاز أن يقول الله تعالى لنار إبراهيم : " يا نار كوني بردا و
سلاما على إبراهيم ( 2 ) " فلم لا يجوز مثله ههنا ؟
وعن الرابع : أن الشياطين مختارون ولعلهم يفعلون بعض القبائح دون بعض .
المسألة التاسعة : في تحقيق الكلام في الوسوسة على الوجه الذي قرره الشيخ
الغزالي في كتاب الاحياء قال : القلب مثل قبة لها أبواب تنصب إليها الاحوال من كل
باب ، أو مثل هدف ترمى إليه السهام من كل جانب ، أو مثل مرآة منصوبة يجتاز عليها
الاشخاص فيتراءى ( 3 ) فيها صورة بعد صورة ، أو مثل حوض ينصب ( 4 ) إليه مياه مختلفة
من أنهار مفتوحة ، واعلم أن مداخل هذه الاثار المجددة ( 5 ) في القلب ساعة فساعة إما من
الظاهر كالحواس الخمس ، وإما من الباطن كالخيال والشهوة والغضب والاخلاق المركبة
في مزاج الانسان فانه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلب ، وكذا إذا هاجت
الشهوة أو الغضب حصل من تلك الاحوال آثار في القلب ، وأما إذا منع الانسان عن الادراكات
الظاهرة فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيال من الشئ إلى الشئ ( 6 )
وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال ، فالقلب دائما في التغير والتأثر
من هذه الاسباب وأخص الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر ، وأعني بالخواطر
ما يعرض فيه من الافكار والاذكار ، وأعني بهذا إدراكات وعلوما إما على سبيل التجدد
وإما على سبيل التذكر ، فانما ( 7 ) تسمى خواطر من حيث أنها تخطر بالخيال بعد أن
( هامش 333 ) ( 1 ) في المصدر : وملائكته .
( 2 ) الانبيآء : 69 .
( 3 ) في المصدر : [ تجتاز ] وفيه : فتتراءى .
( 4 ) في المصدر : تنصب .
( 5 ) في المصدر : [ المتجددة ] وفى النسخة المخطوطة : المحددة .
( 6 ) في المصدر : من شئ إلى شئ .
( 7 ) في المصدر : وانما .
[334]
كان القلب غافلا عنها ، فالخواطر هي المحركات للارادات ، والارادات محركة للاعضآء
ثم إن هذه الخواطر المحركة لهذه الارادات تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر ، أعني إلى
ما يضر في العاقبة إلى الخير أعني ما ينفع في العاقبة ، فهما خاطران مختلفان فافتقر
إلى اسمين مختلفين ، فالخاطر المحمود يسمى إلهاما ، والمذموم يسمى وسواسا ، ثم
إنك تعلم أن هذه الخواطر أحوال حادثة فلا بد لها من سبب ، والتسلسل محال ، فلا بد
من انتهاء الكل إلى واجب الوجود ، هذا مخلص كلام الغزالي ، وقد حذفنا التطويل
منه ( 1 ) .
المسألة العاشرة : في تحقيق الكلام فيما ذكره الغزالي ، واعلم أن هذا الرجل
دار حول المقصود إلا أنه لا يحصل الغرض إلا من بعد مزيد التنقيح فنقول : لا بد قبل الخوض
في المقصود من تقديم مقدمات ، فالمقدمة الاولى لا شك أن ههنا مطلوبا ومهروبا وكل
مطلوب فاما أن يكون مطلوبا لذاته أو لغيره ولا يجوز أن يكون كل مطلوب مطلوبا
لغيره وأن يكون كل مهروب مهروبا عنه لغيره وإلا لزم إما الدور وإما التسلسل ، وهما
محالان ، فثبت أنه لابد من الاعتراف بوجود شئ يكون مطلوبا لذاته ووجود ( 2 ) شئ يكون
مهروبا عنه لذاته .
والمقدمة الثانية : أن الاستقراء يدل على أن المطلوب بالذات هو اللذة والسرور
والمطلوب بالتبع ما يكون وسيلة إليهما ، والمهروب عنه بالذات هو الالم والحزن ، و
المهروب عنه بالتبع ما يكون وسيلة إليهما .
والمقدمة الثالثة : أن اللذيد عند كل قوة من القوى النفسانية شئ آخر
فاللذيد عند القوة الباصرة شئ واللذيد عند القوة السامعة شئ آخر ، واللذيد عند
القوة الشهوانية شئ ثالث ، واللذيد عند القوة الغضبية شئ رابع ، واللذيد عند
القوة العاقلة شئ خامس .
( هامش 334 ) ( 1 ) في المصدر : بعد حذف التطويلات منه .
( 2 ) في المصدر : وبوجود شئ .
[335]
المقدمة الرابعة : أن القوة الباصرة إذا أدركت موجودا في الخارج لزم من
حصول ذلك الادراك البصري وقوف الذهن على ماهية ذلك المرئي ، وعند الوقوف
عليه يحصل العلم بكونه لذيدا أو مولما أو خاليا عنهما فان حصل العلم بكونه لذيذا ترتب
على حصول هذا العلم أو الاعتقاد حصول الميل إلى تحصيله ، وإن حصل العلم بكونه مؤلما
ترتب على هذا العلم أو الاعتقاد حصول الميل إلى البعد عنه والفرار منه وإن لم يحصل
العلم بكونه مؤلما ولا بكونه لذيذا لم يحصل في القلب لارغبة إلى الفرار عنه ولا
رغبة إلى تحصيله .
المقدمة الخامسة : أن العلم بكونه لذيذا إنما يوجب حصول الميل والرغبة
في تحصيله إذا حصل ذلك العلم خاليا عن المعارض والمعاوق ، فأما إذا حصل هذا المعارض
لم يحصل ذلك الاقتضاء ، مثاله : إذا رأينا طعاما لذيذا فعلمنا بكونه لذيذا إنما يؤثر في
الاقدام على تناوله إذا لم نعتقد أنه حصل فيه ضررا زائد ، أما إذا اعتقدنا أنه حصل فيه
ضرر زائد ، فعندئذ يعتبر العقل كيفية المعارضة والترجيح فايهما غلب على ظنه أنه
راجح عمل بمقتضى ذلك الرجحان ، ومثال آخر لهذا المعنى أن الانسان قد يقتل نفسه
وقد يلقي نفسه من السطح العالي إلا أنه إنما يقدم على هذا العمل إذا اعتقد أنه بسبب
تحمل ذلك العمل المؤلم يتخلص عن مؤلم آخر أعظم منه أو يتوصل به إلى تحصيل
منفعة أعلى حالا منها ، فثبت بما ذكرنا أن اعتقاد كونه لذيذا أو مولما إنما يوجب الرغبة
والنفرة إذا خلا ذلك الاعتقاد عن المعارض .
المقدمة السادسة في بيان أن التقريرالذي بيناه يدل على أن الافعال الحيوانية


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 335 سطر 19 الى ص 343 سطر 18

لها مراتب مترتبة ترتيبا ذاتيا لزوميا عقليا ، وذلك لان هذه الافعال مصدرها القريب
هو القوى الموجودة في العضلات إلا أن هذه القوى صالحة للفعل والترك فامتنع صيرورتها
مصدرا للفعل بدلا عن الترك وللترك بدلا عن الفعل ، الا بضميمة تنضم إليها وهي الارادات
ثم إن تلك الاردات إنما توجد وتحدث لاجل العلم بكونها لذيذة أو مولمة ، ثم إن
تلك العلوم إن حصلت بفعل انسان عاد البحث الاول فيه ولزم إما الدور وإما التسلسل
وهما محالان ، وإما الانتهاء إلى علوم وإدراكات وتصورات تحصل في جوهر النفس من
[336]
الاسباب الخارجة ، وهي إما الاتصالات الفلكية على مذهب قوم أو السبب الحقيقي فهو
أن الله تعالى يخلق تلك الاعتقادات والعلوم في القلب ، فهذا تلخيص الكلام في أن الفعل كيف
يصدر عن الحيوان ، إذا عرفت هذا فاعلم أن نفاة الشياطين ونفاة الوسوسة قالوا : ثبت
أن المصدر القريب للافعال الحيوانية هو هذه القوى المركوزة ( 1 ) في العضلات والاوتاد ( 2 )
وثبت أن تلك القوى لا تصير مصادر للفعل والترك إلا عند انضمام الميل والارادة إليها
وثبت أن تلك الارادة من لوازم حصول الشعور بكون ذلك الشئ لذيذا أو مؤلما ، وثبت
أن حصول ذلك الشعور لابد وأن يكون بخلق الله تعالى ابتداء أو بواسطة مراتب شأن
كل واحد منها في استلزام ما بعده على الوجه الذي قررناه ، وثبت أن ترتب كل واحد
من هذه المراتب على ما قبله أمر لازم لزوما ذاتيا واجبا ، فانه إذا أحس بالشئ وعرف كونه
ملائما مال طبعه إليه ، وإذا مال طبعه إليه تحركت القوة إلى الطلب ، وإذا حصلت هذه
المراتب حصل الفعل لا محالة ، فلو قدرنا شيطانا من الخارج وفرضنا أنه حصلت له وسوسة
كانت تلك الوسوسة عديمة الاثر ، لانه إذا حصلت تلك المراتب المذكورة حصل الفعل
سواء حصل هذا الشيطان أولم يحصل وإن لم يحصل مجموع تلك المراتب امتنع حصول
الفعل سواء حصل هذا الشيطان أولم يحصل ، فعلمنا أن القول بوجود الشيطان وبوجود
الوسوسة قول باطل ، بل الحق أن نقول : إن اتفق حصول هذه المراتب في الطرف النافع
سميناها بالالهام ، وإن اتفق حصولها في الطرف الضار سميناها بالوسوسة ، هذا تمام
الكلام في تقرير هذا الاشكال .
والجواب أن كل ما ذكرتموه حق وصدق إلا انه لا يبعد أن يكون الانسان غافلا
عن الشئ ، فاذا ذكره الشيطان ذلك الشئ تذكره ثم عند التذكر ترتب عليه الميل إليه
وترتب ( 3 ) الفعل على حصول ذلك الميل ، فالذي أتى به الشيطان الخارجي ليس إلا ذلك
التذكر ، وإليه الاشارة بقوله تعالى حكاية عن إبليس أنه قال : " وما كان لي عليكم من سلطان
( هامش 336 ) ( 1 ) في المصدر : المذكورة .
( 2 ) في المصدر : والاوتاد .
( 3 ) في المصدر : يترتب الميل عليه ويترتب .
[337]
إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ( 1 ) " إلا أنه بقي لقائل أن يقول : فالانسان إنما أقدم على المعصية
بتذكير الشيطان ، فالشيطان إن كان إقدامه على المعصية بتذكير شيطان آخر لزم التسلسل ( 2 )
وإن كان عمل ذلك الشيطان ليس لاجل شيطان آخر ثبت أن ذلك الشيطان الاول إنما
أقدم على ما أقدم عليه لحصول ذلك الاعتقاد في قلبه ، ولابد لذلك الاعتقاد الحادث من
محدث ، وما ذاك إلا الله تعالى ، وعند هذا يظهر أن الكل من عند الله تعالى ، فهذا غاية
الكلام في هذا البحث الدقيق العميق ، وصار حاصل الكلام ما قاله سيد الرسل صلى الله عليه وآله
وهو قوله : " وأعوذ بك منك " والله أعلم .
المسألة الحادية عشر : اعلم أن الانسان إذا جلس في الخلوة وتواترت الخواطر
في قلبه فربما صار بحيث كأنه يسمع في داخل قلبه ودماغه أصواتا خفية وحروفا خفية
وكأن متكلما يتكلم معه ومخاطبا يخاطبه ، وهذا أمر وجداني يجده كل أحد من نفسه
ثم اختلف الناس في تلك الخواطر فقالت الفلاسفة : إن هذه الاشيآء ليست حروفا ولا
أصواتا ، وإنما هي تخيلات الاصوات والحروف ، وتخيل الشئ عبارة عن حضور رسمه
ومثاله في الخيال ، وهذا كما أنا إذا تخيلنا صورة البحار والاشخاص ، فأعيان تلك
الاشيآء غير موجودة في العقل والقلب ، بل الموجود في العقل والقلب صورها وأمثلتها
ورسومها ، وهي على سبيل التمثيل جارية مجمرى الصورة المرتسمة في المرآة ، فاذا أحسسنا
صورة الفلك والشمس والقمر في المرآة فان ذلك ليس بأنه حضرت ( 3 ) ذوات هذه الاشياء
في المرآة فان ذلك محال ، وإنما الحاصل في المرآة رسوم هذه الاشياء وصورها وأمثلتها
فاذا عرفت هذا في تخيل المبصرات فاعلم أن الحال في تخيل الحروف والكلمات المسموعة
كذلك ، فهذا قول جمهور الفلاسفة ، ولقائل أن يقول : هذا الذي سميته بتخيل الحروف
والكلمات هل هو مساو للحروف والكلمة في الماهية أولا ؟ فان حصلت المساواة فقد عاد
( هامش 337 ) ( 1 ) ابراهيم : 22 .
( 2 ) في المصدر : لزم تسلسل الشياطين .
( 3 ) في المصدر : فاذا احسسنا في المرآة صورة الفلك والشمس والقمر فليس ذلك
لاجل انه حضرت .
[338]
الكلام إلى أن الحاصل في الخيال حقائق الحروف والاصوات ، وإلى أن الحاصل
في الخيال عند تخيل البحر والسماء حقيقة البحر والسماء ، وإن كان الحق هو
الثاني وهو أن الحاصل في الخيال شئ آخر مخالف للمبصرات والمسموعات ، فحينئذ
يعود السؤال وهو أنا كيف نجد من أنفسنا صور هذه المرئيات ؟ وكيف نجد من أنفسنا
هذه الكلمات والعبارات وجدانا لا نشك أنها حروف متوالية على العقل متعاقبة على
الذهن ؟ فهذا منتهى الكلام في كلام الفلاسفة ، وأما الجمهور الاعظم من أهل العلم فانهم
سلموا أن هذه الخواطر المتوالية المتعاقبة حروف وأصوات خفية ( 1 ) .
واعلم أن القائلين بهذا القول قالوا : فاعل هذه الحروف والاصوات إما ذلك
الانسان أو إنسان آخر ، وإما شئ روحاني مباين يمكنه إلقاء هذه الحروف والاصوات
إلى هذا الانسان ، سواء قيل : إن ذلك المتكلم هو الجن والشياطين أو الملك ، وإما
أن يقال : خالق تلك الحروف والاصوات هو الله تعالى ، أماالقسم الاول وهو أن
فاعل هذه الحروف والاصوات هو ذلك الانسان فهذا قول باطل ، لان الذي يحصل
باختيار الانسان يكون قادرا على تركه ، فلو كان حصول هذه الخواطر بفعل الانسان
لكان الانسان إذا أراد دفعها أو تركها لقدر عليه ، ومعلوم أنه لا يقدر على دفعها فانه
سواء حاول فعلها أو حاول تركها فتلك الخواطر تتوارد على طبعه وتتعاقب على ذهنه بغير اختياره .
وأما القسم الثاني وهو أنها حصلت بفعل إنسان آخر فهو ظاهر الفساد ، ولما بطل
هذان القسمان بقي الثالث وهي أنها من فعل الجن أو الملك أو من فعل الله تعالى ، وأما
الذين قالوا : إن الله لا يجوز أن يفعل القبائح فاللائق بمذهبهم أن يقولوا : إن هذه
الخواطر الخبيثة ليست من فعل الله تعالى ، فبقي أنها من أحاديث الجن والشياطين
وأما الذين قالوا : إنه لا يقبح من الله شئ فليس في مذهبهم مانع يمنعهم من نسبة
( هامش 338 ) ( 1 ) في المصدر : وأصوات حقيقة .
[339]
إسناد ( 1 ) هذه الخواطر إلى الله تعالى .
واعلم أن الثنوية يقولون : للعالم إلهان : أحدهما خير وعسكره الملائكة والثاني
شر ( 2 ) وعسكره الشياطين ، وهما يتنازعان أبدا ، وكل ( 3 ) شئ في هذا العالم فلكل
واحد منهما تعلق به ، فالخواطر الداعية إلى أعمال الخير إنما حصلت من عساكر الله
والخواطر الداعية إلى أعمال الشر إنما حصلت من عساكر الشيطان ، واعلم أن القول
باثبات إلهين قول باطل على ما ثبت فساده بالدلائل ، فهذا منتهى القول في هذا الباب .
ال مسألة الثانية عشر : من الناس من أثبت لهذه الشياطين قدرة على الاحياء وعلى
الاماتة وعلى خلق الاجسام وعلى تغيير الاشخاص عن صورتها الاصلية وخلقتها الاولوية ( 4 )
ومنهم من أنكر هذه الاحوال وقال : إنه لا قدرة لها على شئ من هذه الاحوال ، وأما
أصحابنا فقد أقاموا الدلالة على أن القدرة على الايجاد والتكوين والاحداث ليست
إلا لله ، فبطلت هذه المذاهب كلها بالكلية ، وأما المعتزلة فقد سلموا أن الانسان
قادر على إيجاد بعض الحوادث ، فلا جرم صاروا محتاجين إلى بيان أن هذه الشياطين
لا قدرة لها على خلق الاجسام والحياة ، ودليلهم هو أن قالوا الشيطان جسم ، وكل
جسم فانه قادر بالقدرة ، والقدرة التي لنا لا تحصل لايجاد الاجسام ، فهذه مقدمات
ثلاث ، فالمقدمة الاولى أن الشيطان جسم ، فقد بنوا هذه المقدمة على أن ما سوى
الله إما متحيز وإما حال في المتحيز ، وليس لهم في إثبات هذه المقدمة شبهة فضلا
عن حجة .
وأما المقدمة الثانية وهى قولهم : الجسم إنما يكون قادرا بالقدرة ، فقد بنوا
( هامش 339 ) ( 1 ) في النسخة المخطوطة : [ من نسبة انشاء هذه الخواطر ] وفى المصدر : من اسناد
هذه الخواطر .
( 2 ) المصدر : شرير .
( 3 ) في المصدر : [ كل ] بلا عاطف .
( 4 ) في المصدر : الاولية .
[340]
هذا على أن الاجسام متماثلة ( 1 ) ، فلو كان شئ منها قادرا لذاته لكان الكل قادرا لذاته
وبناء هذه المقدمة على تماثل الاجسام .
وأما المقدمة الثالثة وهي قولهم : هذه القدرة التي لنا لا تصلح لخلق الاجسام ،
فوجب أن لا تصلح القدرة الحادثة لخلق الاجسام وهذا أيضا ضعيف ، لانه يقال لهم : لم
لايجوز حصول قدرة مخالفة لهذه القدرة الحاصلة لنا ، وتكون تلك القدرة صالحة
لخلق الاجسام ؟ فانه لا يلزم من عدم وجود الشئ في الحال امتناع وجوده ، فهذا تمام
الكلام في هذه المسألة .
المسألة الثالثة عشر : اختلفوا في أن الجن هل يعلمون الغيب ؟ وقد بين الله تعالى
في كتابه أنهم بقوا في قيد سليمان عليه السلام وفي حبسه بعد موته مدة وهم ما كانوا يعلمون
موته ، وذلك يدل على أنهم لا يعلمون الغيب ، ومن الناس من يقول : إنهم يعلمون
الغيب ، ثم اختلفوا فقال بعضهم : إن فيهم من يصعد إلى السماوات أو يقرب منها و
يتلقى بعض تلك الغيوب ( 2 ) على ألسنة الملائكة ، ومنهم من قال : إن لهم طرقا اخرى
في معرفة الغيوب عن الله تعالى ( 3 ) .
اعلم أن فتح الباب في مثل هذه المباحث لا يفيد إلا الظنون والحسبانات ، والعالم
يحقائقها هو الله سبحانه وتعالى ( 4 ) .
وقال أيضا في تفسير سورة الجن : اختلف الناس قديما وحديثا في ثبوت الجن
ونفيه ، فالنقل الظاهر عن أكثر الفلاسفة إنكاره ، وذلك لان أبا علي بن سينا قال في
رسالته في حدود الاشيآء : الجن حيوان هوائي متشكل بأشكال مختلفة ، ثم قال : وهذا
شرح للاسم .
فقوله : فهذا شرح للاسم ، يدل على أن هذا الحد شرح المراد من هذا اللفظ
( هامش 340 ) ( 1 ) في المصدر : مما تستلزم مماثلة .
( 2 ) في المصدر : ويخبر ببعض الغيوب .
( 3 ) في المصدر : في معرفة الغيوب لا يعلمها الا الله .
4 ) تفسير الرازى 1 : 76 89 .
[341]
وليس لهذه الحقيقة وجود في في الخارج ( 1 ) .
وأما جمهور أرباب الملل والمصدقين للانبيآء عليهم السلام فقد اعترفوا بوجود الجن واعترف
به جمع عظيم من قدمآء الفلاسفة وأصحاب الروحانيات ويسمونها بالارواح السفلية ،
وزعموا أن الارواح السفلية أسرع اجابة إلا أنها أضعف ، وأما الارواح الفلكية فهي
أبطأ إجابة إلا أنها أقوى .
واختلف المثبتون على قولين : فمنهم من زعم أنها ليست أجساما ولا حالة في الاجسام
بل هي جواهر قائمة بأنفسها ، قالوا : ولا يلزم من هذا أن يقال : إنها تكون مساوية
لذات الله لان كونها ليست أجساما ولا جسمانية سلوب ، والمشاركة في السلوب لا تقتضي
المساواة في الماهية ، قالوا : ثم إن هذه الذوات بعد اشتراكها في هذه السلوب أنواع
مختلف بالماهية كاختلاف ماهيات الاعراض بعد استوائها في الحاجة إلى المحل ، فبعضها
خيرة وبعضها شريرة ، وبعضها كريمة حرة محبة للخيرات ، وبعضها دنيئة خسيسة محبة
للشرور والآفات ، ولا يعرف عدد أنواعهم وأصنافهم إلا الله تعالى ، قالوا : وكونها موجودات
مجردة لا يمنع من كونها عالمة بالخيرات ( 2 ) قادرة على الافعال ، فهذه الارواح يمكنها
أن تسمع وتبصر وتعلم الافعال الخيرة ( 3 ) ، فيفعل ( 4 ) الافعال المخصوصة ، ولما ذكرنا
أن ماهياتها مختلفة لاجرم لا يبعد ( 5 ) أن يكون في أنواعها ما يقدر على أفعال شاقة
عظيمة يعجز عنها قدرة البشر ، ولا يبعد أيضا أن يكون لكل نوع منها تعلق بنوع
مخصوص من أجسام هذا العالم ، وكما أنه دلت الدلائل الطبيعية على أن التعلق ( 6 )
( هامش 341 ) ( 1 ) هذا لا يدل على ذلك بل المراد انه ليس حدا ذاتيا له بل هو شرح للاسم ، وذلك
اعم من أن يكون له وجود في الخارج أم لا .
( 2 ) في المصدر : عالمة بالخبريات .
( 3 ) في المصدر : [ وتعلم الاحوال الخبرية ] وفى النسخ المخطوطة : الاحوال
الخيرة .
( 4 ) في المصدر : وتفعل .
( 5 ) في المصدر : لم يبعد .
( 6 ) في المصدر : المتعلق الاول .
[342]
الاول للنفس الناطقة التي ليس للانسان ( 1 ) إلا هي ، هى الارواح وهي أجسام بخارية
لطيفة تتولد من ألطف أجزاء الدم وتتكون في الجانب الايسر من القلب ، ثم بواسطة
تعلق النفس بهذه الارواح تصير متعلقة بالاعضاء التي تسري فيها هذه الارواح لم يبعد
أيضا أنه يكون ( 2 ) لكل واحد من هؤلآء هو المتعلق الاول لذلك الروح ، ثم بواسطة سريان ذلك الهواء
في جسم آخر كثيف يحصل لتلك الارواح تعلق تصرف في تلك الاجسام الكثيفة .
ومن الناس من ذكر في الجن طريقة اخرى فقال : هذه الارواح البشرية والنفوس
الناطقة إذا فارقت أبادنها ، ازدادت قوة وكمالا بسبب ما في ذلك العالم الروحاني من
انكشاف الاسرار الروحانية فاذا اتفق أن حدث بدن آخر مشابه لما كان لتلك النفس
المفارقة من البدن فبسبب تلك المشاكلة يحصل لتلك النفس المفارقة تعلق ما بهذا البدن
وتصير تلك النفس المفارقة كالمعاونة لنفس ذلك البدن في أفعالها وتدبيرها لذلك البدن ، فان
الجنسية علة الضم ، فان اتفقت هذه الحالة في النفوس الخيرة سمي ذلك المعين ملكا
وتلك الاعانة إلهاما ، وإن اتفقت في النفوس الشريرة سمى ذلك المعين شيطانا وتلك
الاعانة وسوسة .
والقول الثاني في الجن أنهم أجسام ، ثم القائلون بهذا المذهب اختلفوا على
قولين : منهم من زعم أن الاجسام مختلفة في ماهياتها ، إنما المشترك بينها صفة واحدة
وهي كونها بأسرها حاصلة في الحيز والمكان والجهة ، وكونها موصوفة بالطول والعرض
والعمق ، وهذه كلها إشارة إلى الصفات ، والاشتراك في الصفات لا يقتضي الاشتراك
في تمام الماهية لما ثبت أن الاشياء المختلفة في تمام الماهية لا يمتنع اشتراكها في لازم
واحد ، قالوا : وليس لاحد أن يحتج على تماثل الاجسام بأن يقال : الجسم من حيث
أنه جسم له حد واحد وحقيقة واحدة ، فيلزم أن لا يصل التفاوت في ماهية الجسم من حيث
( هامش 342 ) ( 1 ) في المصدر : الانسان . ( 2 ) في المصدر : أن يكون .
[343]
هو جسم ، بل إن حصل التفاوت حصل في مفهوم زائد على ذلك ، وأيضا فلانه يمكننا
تقسيم الجسم إلى اللطيف والكثيف والعلوي والسفلي ، ومورد التقسيم مشترك بين الاقسام
فالاقسام كلها مشتركة في الجسمية ، والتفاوت إنما يحصل بهذه الصفات وهي اللطافة
والكثافة وكونها علوية وسفلية ، قالوا : وهاتان الحجتان ضعيفتان .
أما الحجة الاولى فلانا نقول : كما أن الجسم من حيث أنه جسم له حد واحد
وحقيقة واحدة ، فكذا العرض من حيث أنه عرض له حد واحد وحقيقة واحدة ، فيلزم
منه أن تكون الاعراض كلها متساوية في تمام الماهية ، وهذا مما لا يقوله عاقل ، بل الحق
عند الفلاسفة أنه ليس للاعراض البتة قدر مشترك بينها من الذاتيات ، إذ لو حصل بينها
قدر مشترك لكان ذلك المشترك جنسا لها ، ولو كان كذلك لما كانت التسعة أجناسا عالية
بل كانت أنواع جنس واحد .
إذا ثبت هذا فنقول : الاعراض من حيث أنها أعراض لها حقيقة واحدة ، ولم
يلزم من ذلك أن يكون بينها ذاتي مشترك أصلا ، فضلا عن أن تكون متساوية في تمام
الماهية ، فلم لا يجوز أن يكون الحال في الجسم كذلك ، فانه كما أن الاعراض
مختلفة في تمام الماهية ، ثم إن تلك المختلفات متساوية في وصف عارض ، وهو كونه
عارضا لموضوعاتها ، فكذا من الجائز أن يكون ماهيات الاجسام مختلفة في تمام
ماهياتها ، ثم إنها تكون متساوية في وصف عارض وهو كونها مشارا إليها بالحس وحاصلة
في الحيز والمكان ، وموصوفة بالابعاد الثلاثة ، فهذا الاحتمال لا دافع له أصلا .
وأما الحجة الثانية وهي قولهم : إنه يمكن تقسيم الجسم إلى اللطيف والكثيف


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 56 من ص 343 سطر 19 الى ص 348 سطر 13

فهي أيضا منقوضة بالعرض ، فانه يمكن تقسيم العرض إلى الكيف والكم ولم يلزم
أن يكون هناك قدر مشترك من الذاتي فضلا عن التساوي في كل الذاتيات ، فلم لا يجوز
أن يكون الامر هنا أيضا كذلك ، وإذا ثبت أنه لا امتناع في كون الاجسام مختلفة ولم
يدل دليل على بطلان هذا الاحتمال ، وحينئذ قالوا : لا يمتنع في بعض الاجسام اللطيفة
الهوائية أن تكون مخالفة لسائر أنواع الهواء في الماهية ، ثم يكون تلك الماهية
تقتضي لذاتها علما مخصوصا وقدرة مخصوصة على أفعال عجيبة ، وعلى هذا التقدير يكون
[344]
القول بالجن ظاهر الاحتمال ، وتكون قدرتها على التشكل بالاشكال المختلفة ظاهرة
الاحتمال .
القول الثاني : قول من قال : الاجسام متساوية في تمام الماهية ، والقائلون
بهذا المذهب أيضا فرقتان : الفرقة الاولى الذين زعموا أن البنية ليست شرطا في الحياة
وهذا قول الاشعري وجمهور أتباعه ، وأدلتهم في هذا الباب ظاهرة قوية ، قالوا : لو
كانت البنية شرطا في الحياة ( 1 ) لكان إما أن يقال : إن الحياة الواحدة قامت بمجموع
الاجزاء ، أو يقال قام بكل واحدة من الاجزاء حياة واحدة على حدة ، والاول محال
لان حلول العرض الواحد في المحال الكثيرة دفعة واحدة غير معقول .
والثاني أيضا باطل لان الاجزاء التي منها تألف الجسم متساوية والحياة القائمة
بكل واحد منها متساوية للحياة القائمة بالجزء الآخر ، وحكم الشئ حكم مثله ، فلو
افتقر قيام الحياة بهذا الجزء إلى قيام تلك الحياة بذلك الجزء يحصل ( 2 ) هذا الافتقار من
الجانب الآخر ، فيلزم وقوع الدور ، وهو محال ، وإن لم يحصل هذا الافتقار فحينئذ ثبت أن
قيام الحياة بهذا الجزء لا يتوقف على قيام الحياة الثانية بذلك الجزء الثاني ، وإذا بطل
هذا التوقيف ( 3 ) ثبت أنه يصح كون الجزء الواحد موصوفا بالحياة والعلم وفي القدرة
والارادة وبطل القول بأن البنية شرط ، قالوا : وأما دليل المعتزلة وهو أنه لا بد من
البنية فليس إلا الاستقراء ، وهو أنا رأينا أنه متى فسدت البنية بطلت الحياة ، ومتى
لم تفسد بقيت الحياة ، فوجب توقف الحياة على حصول البنية ، إلا أن هذا ركيك ، فان
الاستقراء لا يفيد القطع بالوجوب ، فما الدليل على أن حال مالم يشاهد كحال ما شوهد
وأيضا فلان هذا الكلام إنما يستقيم على قول من ينكر خرق العادات ، أما من يجوزها
فهذا لا يتمشى على مذهبه ، والفرق بينهما في جعل بعضها على سبيل العادة وجعل بعضها
على سبيل الوجوب تحكم محض لا سبيل إليه ، فثبت أن البنية ليست شرطا في الحياة
( هامش 344 ) ( 1 ) في المصدر : للحياة .
( 2 ) في المصدر : لحصل .
( 3 ) في المصدر ؟ هذا التوقف .
[345]
وإذا ثبت هذا لم يبعد أن يخلق الله تعالى في الجوهر الفرد علما بامور كثيرة وقدرة على
أشياء شاقة شديدة وعند هذا ظهر القول بامكان وجود الجن ، سواء كانت أجسامهم
لطيفة أو كثيفة ، وسواء كانت أجرامهم كبيرة أو صغيرة .
القول الثاني : إن البنية شرط الحياة ، وإنه لابد من صلابة في البنية حتى يكون
قادرا على الافعال الشاقة .
فههنا مسألة اخرى : وهي أنه هل يمكن أن يكون المرئي حاضرا ، والموانع
مرتفعة والشرائط من القرب والبعد حاصلة ، وتكون الحاسة سليمة ، ثم مع هذا لا يحصل
الادراك أو يكون هذا ممتنعا عقلا ؟ أما الاشعري وأتباعه فقد جوزوه ، وأما المعتزلة
فقد حكموا بامتناعه عقلا ، واستدل الاشعري على قوله بوجوه عقلية ونقلية
أما العقلية فأمران :
الاول : أنا نرى الكبير من البعيد صغيرا ، وما ذاك إلا أنا نرى بعض أجزاء ذلك
البعيد دون البعض ، مع أن نسبة الحاسة وجميع الشرائط إلى تلك الاجزاء المرئية كهي
بالنسبة إلى الاجزآء التي هي غير مرئية ، فعلمنا أن مع حصول سلامة الحاسة وحضور
المرئي وحصول الشرائط وانتفاء الموانع لا يكون الادراك واجبا .
الثاني : إن الجسم الكبير لا معنى له إلا مجموع تلك الاجزاء المتألفة ، فاذا
رأينا ذلك الجسم الكبير على مقدار من البعد فقد رأينا تلك الاجزاء ، فأما أن تكون
رؤية هذا الجزء مشروطة برؤية ذلك الجزء الآخر أولا يكون ، فان كان الاول لزم
الدور ، لان الاجزاء متساوية ، فلو افتقرت رؤية هذا الجزء إلى رؤية ذلك الجزء
لافتقرت أيضا رؤية ذلك الجزء إلى رؤية هذا الجزء ، فيقع الدور ، وإن لم يحصل هذا
الافتقار فحيئذ رؤية الجوهر الفرد على القدر من المسافة تكون ممكنة .
ثم من المعلوم أن ذلك الجوهر الفرد لو حصل وحده من غير أن ينضم إليه سائر
الجواهر فانه لا يرى ، فعلمنا أن حصول الرؤية عند اجتماع جملة الشرائط ( 1 ) لا يكون
واجبا بل جائزا .
( هامش 345 ) ( 1 ) في المصدر : عند اجتماع الشرائط .
[346]
وأما المعتزلة فقد عولوا على أنا إن جوزنا ذلك لجوزنا أن يكون بحضرتنا
طبلات وبوقات ولا نراها ولا نسمعها ، وإذا عارضناهم بسائر الامور العادية وقلنا لهم
فجوزوا أن يقال : انقلبت مياه البحار ذهبا وفضة والجبال ياقوتا وزبرجدا ، وحصل ( 1 )
في السماء حال ما غمضت العين ألف شمس وقمر ، ثم كما فتحت العين أعدمها الله تعالى
عجزوا عن الفرق ، والسبب في هذا التشويش أن هؤلاء المعتزلة نظروا إلى هذه الامور
المطردة في مناهج العادات فزعموا ( 2 ) أن بعضها واجبة ، وبعضها غير واجب ، فلما لم
يجدوا قانونا مستقيما ومأخذا سليما بين البابين تشوش الامر عليهم ، بل الواجب أن
يسوي بين الكل فيحكم على الكل بالوجوب ، كما هو قول الفلاسفة ، أو على الكل
بعدم الوجوب كما هو قول الاشعري ، فأما التحكم في الفرق فهو بعيد .
إذا ثبت هذا ظهر جواز القول بالجن وأن أجسامهم وإن كانت كثيفة قوية إلا أنه
لا يمتنع أن لا نراها وإن كانوا حاضرين ، هذا على قول الاشعري فهذا هو تفصيل هذه الوجوه .
وأنا متعجب من هؤلاء المعتزلة أنهم كيف يصدقون ما جاء في القرآن من إثبات
الملك والجن مع استمرارهم على مذاهبهم ، وذلك لان القرآن دل على أن للملائكة
قوة عظيمة على الافعال الشاقة والجن أيضا كذلك ، وهذه القدرة لا تثبت إلا في الاعضاء
الكثيفة الصلبة ، فاذا يجب في الملك والجن أن يكونوا كذلك ، ثم إن هؤلاء الملائكة
حاضرون عندنا أبدا وهم الكرام الكاتبون والحفظة ، ويحضرون أيضا عند قبض الارواح
وقد كانوا يحضرون عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن أحدا من القوم ما كان يراهم ، وكذلك
الناس الجالسون عند من يكون في النزع لا يرون أحدا ، فان وجبت رؤية الكثيف عند
الحضور فلم لا نراها ؟ وإن لم تجب الرؤية فقد بطل مذهبهم ، وإن كانوا موصوفين بالقوة
والشدة مع عدم الكثافة والصلابة فقد بطل قولهم : إن البنية شرط الحياة ، فان قالوا :
إنها أجسام لطيفة ولكنها للطافتها لا تقدر على الاعمال الشاقة ، فهذا إنكار لصريح
القرآن ، وبالجملة فحالهم في الاقرار بالملك والجن مع هذه المذاهب عجيبة ( 3 ) .
( هامش 346 ) ( 1 ) في المصدر : أوحصلت . ( 2 ) في المصدر : فوهموا
( 3 ) تفسير الرازى 30 : 148 152 .
[347]
بيان : ( 1 ) أقول : إنما أوردت هذه الاقوال الركيكة لتطلع على مذاهب جميع
الفرق في ذلك ، وقد عرفت ما دلت عليه الآيات والاخبار المعتبرة ، وأشرنا إلى ما هو
الحق الحقيق بالاذعان ولم نتعرض لتزييف الاقوال السخيفة حذرا من الاطناب .
قوله : فآذنوه ثلاثة أيام ، أي فأعلموه وأتموا الحجة عليه ، قال النووي : فانه
إذا لم يذهب بالانذار علمتم أنه ليس من عوامر البيوت ولا ممن أسلم من الجن ، بل
هو شيطان فاقتلوه ولن يجعل الله له سبيلا إلى الانتصار عليكم بثاره بخلاف العوامر وصفة
الانذار أن يقول : انشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان أن تؤذونا وأن تظهروا لنا "
قالوا : لا تقتل حيات المدينة إلا بالانذار ، وفي غيرها يقتل بغيره ، بسبب أن طائفة من الجن أسلم
بها ، وقيل : النهي في حيات البيوت في جميع البلاد ، وما ليس في البيوت يقتل بدونه انتهى .
وأقول : وفي بعض رواياتهم : " فليحرج عليها " قال في النهاية : قوله عليه السلام في
قتل الحيات : فليحرج عليها ، هو أن يقول لها : أنت في حرج أي ضيق ، إن عدت
إلينا فلا تلومينا ، إن ضيق عليك بالتتبع والطرد والقتل انتهى .
وقال النووي : أحرج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدوا لنا ولا تؤذونا
ولا تظهروا لنا فان لم يذهب أو عاد بعده فاقتلوه ، فانه إما جني كافر أو حية . وقوله :
شيطان ، أي ولد من أولاد إبليس أوحية ( 2 ) .
( هامش 347 ) ( 1 ) في النسخة المخطوطة : تنبيه .
( 2 ) أقول : هذا آخر الجزء الثالث والستون من كتاب بحار الانوار من المجلد السماء
والعالم ويأتى بعده الجزء الرابع والستون وأوله أبواب الحيوان وأصنافها ، والحمد لله أولا
وآخرا ونصلى على رسوله وآله . قم المشرفة : عبدالرحيم الربانى الشيرازى عفى عنه وعن والديه .
[348]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
وبعد فقد وفقنا الله تبارك وتعالى لتصحيح هذا الجزء من كتاب بحار الانوار
وهو الجزء الستون حسب تجزئتنا ، قد بذلنا الجهد والمجهود في
تصحيحه وتنميقه ومقابلته بالنسخ وبمصادره ، وعلقنا عليه تعليقا مختصرا
تتميما لما لم يذكره المصنف من غريب اللغة وغيره ، وتبيانا لما اختلف في
مصادره من نصوصه ، وكان المرجع في تصحيحنا مضافا إلى النسخة المطبوعة
المعروفة بطبعة أمين الضرب ، والنسخة المعروفة بطبعة الخونسارى نسخة
مخطوطة أرسلها الفاضل المحترم السيد جلال الدين الارموى دامت توفيقاته
استكتبها أبوالقاسم الرضوى الموسوى الخونسارى في سنة 1235 ، نشكر الله
تعالى على توفيقنا لذلك ونسأله المزيد من توفيقه وإفضاله ، إنه ذو الفضل العظيم .
قم المشرفة : عبدالرحيم الربانى الشيرازى عفى عنه وعن والديه رمضان 1390 ق