بسمه تعالى

............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 1 سطر 1 الى ص 9 سطر 18

[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
} أبواب تأويل الايات {
} والاخبار الموهمة لخلاف ما سبق {
} باب 1 {
} تأويل قوله تعالى : خلقت بيدى ، وجنب الله ، ووجه الله ، {
( ويوم يكشف عن ساق ، وأمثالها )
1 - فس : محمد بن أحمد بن ثابت ، عن القاسم بن إسماعيل الهاشمي ، عن محمد بن
سيار ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لوأن الله خلق
الخلق كلهم بيده لم يحتج في آدم أنه خلقه بيده فيقول : " ما منعك أن تسجد لما خلقت
بيدي " أفترى الله يبعث الاشياء بيده ؟ .
بيان : لعل المراد أنه لو كان الله تعالى جسما يزاول الاشياء ويعالجها بيده لم
يكن ذلك مختصا بآدم عليه السلام ، بل هو تعالى منزه عن ذلك ، وهو كناية عن كمال العناية
بشأنه كما سيأتي
2 - يد ، مع : ابن عصام ، عن الكليني ، عن العلان ، عن اليقطيني قال : سألت
أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام عن قول الله عزوجل : " والارض جميعا قبضته يوم
القيمة والسموات مطويات بيمينه " فقال : ذلك تعيير الله تبارك وتعالى لمن شبهه بخلقه ،
ألاترى أنه قال : " وما قدروا الله حق قدره " ومعناه إذ قالوا : إن الارض جميعا قبضته يوم
القيامة والسماوات مطويات بيمينه ، كما قال عزوجل : وما قدروا الله حق قدره " إذ قالوا :
ما أنزل الله على بشر من شئ ، ثم نزه عزوجل نفسه عن القبضة واليمين فقال : " سبحانه
وتعالى عما يشركون " .
[ 2 ]
بيان : هذا وجه حسن لم يتعرض له المفسرون ، وقوله تعالى : " وما قدروا الله
حق قدره " متصل بقوله " والارض جميعا " فيكون على تأويله عليه السلام القول مقدرا أي
ما عظموا اله حق تعظيمه وقد قالوا : إن الارض جميعا ، ويؤيده أن العامة رووا أن
يهوديا أتى النبي صلى الله عليه واله وذكر نحوا من ذلك فضحك صلى الله عليه واله .
3 - يد : أحمد بن الهيثم العجلي ، عن ابن زكريا القطان ، عن ابن حبيب ، عن
ابن بهلول ، عن أبيه ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران قال : سألت أبا عبدالله
عليه السلام عن قول الله عزوجل : " والارض جميعا قبضته يوم القيمة " فقال : يعني ملكه لا يملكها
معه أحد والقبض من الله تعالى في موضع آخر : المنع ، والبسط منه : الاعطاء والتوسيع
كما قال عزوجل : " والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون " يعني يعطي ويوسع ويمنع و
يضيق . والقبض منه عزوجل في وجه آخر : الاخذ في وجه القبول منه كما قال : " ويأخذ
الصدقات " أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها . قلت : فقوله عزوجل : " والسموات مطويات
بيمينه " قال : اليمين : اليد ، واليد : القدرة والقوة ، يقول عزوجل : والسموات
مطويات بقدرته وقوته ، سبحانه وتعالى عما يشركون .
بيان : قال الشيخ الطبرسي رحمه الله : القبضة في اللغة : ما قبضت عليه بجميع كفك
أخبر الله سبحانه عن كمال قدرته فذكر أن الارض كلها مع عظمها في مقدوره كالشئ الذي
يقبض عليه القابض بكفه فيكون في قبضته ، وهذا تفهيم لنا على عادة التخاطب فيما بيننا
لانا نقول : هذا في قبضة فلان وفي يد فلان إذا هان عليه التصرف فيه وإن لم يقبض عليه ،
وكذا قوله : " والسموات مطويات بيمينه " أي يطويها بقدرته كما يطوي أحدمنا الشئ
المقدور له طيه بيمينه ، وذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار والتحقيق للملك ، كما قال :
" أو ما ملكت أيمانكم " أي ما كانت تحت قدرتكم إذ ليس الملك يختص باليمين دون الشمال
وسائر الجسد ، وقيل : معناه انها محفوظات مصونات بقوته واليمين : القوة . ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الرضى رضوان الله عليه في تلخيص البيان : وهاتان استعارتان ، ومعنى " قبضنا " ههنا أى ملك
له خالص قد ارتفعت عنه أيدى المالكين من بريته والمتصرفين فيه من خليفته ، وقدورت تعالى عباده ما * ( * )
[ 3 ]
4 - يد ، ن : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : قلت لعلي بن موسى
الرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث : إن المؤمنين
يزورون ربهم من منازلهم في الجنة ؟ فقال عليه السلام : يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى
فضل نبيه محمدا صلى الله عليه واله على جميع خلقه من النبيين والملائكة ، وجعل طاعته طاعته ، و
مبايعته مبايعته ، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته ، فقال عز وجل : " من يطع الرسول
فقد أطاع الله " وقال : " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يدالله فوق أيديهم " وقال
النبي صلى الله عليه واله : من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زارالله . ودرجة النبي صلى الله عليه واله في الجنة
أرفع الدرجات ، فمن زاره إلي درجته في الجنة من منزلته فقد زارالله تبارك وتعالى :
قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله
النظر إلى وجه الله ؟ فقال عليه السلام : يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ، ولكن
وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم ، هم الذين بهم يتوجه إلي الله عزوجل ،
وإلى دينه ومعرفته ، وقال الله عزوجل : " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك " وقال عز
وجل " كل شئ هالك إلا وجهه " فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه عليهم السلام في درجاتهم
ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة ، وقد قال النبي صلى الله عليه واله : من أبغض أهل بيتي وعترتي
* ( هامش ) * * كان ملكهم في دار الدنيا من ذلك ، فلم يبق ملك إلا انتقل ، ولا مالك إلا بطل . وقيل أيضا : معنى
ذلك أن الارض قى مقدوره كالذى يقبض عليه القابض ويستولى عليه كفه ، ويحوزه ملكه ، ولا يشاركه فيه
غيره . ومعنى قوله : " والسموات مطويات بيمينه " أى مجموعات في ملكه ومضمونات بقدرته ، و
اليمين ههنا بمعنى الملك ، يقول القائل : هذا ملك يمينى ، وليس يريد اليمين التى هى الجارحة ، وقد
يعبرون عن القوة أيضا باليمين ، فيجوز على هذا التأويل أن يكون معنى قوله : " مطويات بيمينه " أى
يجمع أقطارها ويطوى انتشارها بقوته ، كما قال سبحانه : " يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب "
وقيل : لليمين ههنا وجه آخر وهو أن يكون بمعنى القسم ، لانه تعالى لما قال في سورة الانبياء : " يوم
نطوى السماء كطى السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " كان التزامه
تعالى فعل ما أوجبه على نفسه بهذا الوعد ، كأنه قسم أقسم به ليفعلن ذلك ، فأخبر سبحانه في هذا
الموضع من السورة الاخرى " إن السماوات مطويات بيمينه " أى بذلك الوعد الذى ألزمه نفسه تعالى
وجرى مجرى القسم الذى لابد أن يقع الوفاء به ، والخروج منه . والاعتماد على القولين المتقدمين
أولى . ( * )
[ 4 ]
لم يرني ولم أره يوم القيامة ، وقال صلى الله عليه واله : إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني ، يا أبا الصلت
إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ولايدرك بالابصار والاوهام .
قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فأخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم مخلوقتان ؟
فقال : نعم ، وإن رسول الله صلى الله عليه واله قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء .
قال : فقلت له : إن قوما يقولون إنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين . فقال عليه السلام : ما
اولئك منا ولا نحن منهم ، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي صلى الله عليه واله وكذبنا ،
وليس من ولايتنا على شئ ويخلد في نار جهنم ، قال الله عزوجل : " هذه جهنم التي
يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن " وقال النبي صلى الله عليه واله : لما عرج بي إلي
السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة
في صلبي ، فلما هبطت إلى الارض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، ففاطمة حوراء إنسية
فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة . ( 1 )
5 - يد ، مع : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ،
عن بكر ، عن أبي عبدالله البرقي ، عن عبد الله بن يحيى ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد
ابن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت : قوله عزوجل : " يا إبليس ما منعك أن تسجد
لما خلقت بيدي " فقال : اليد في كلام العرب : القوة والنعمة ، قال الله : " واذكر عبدنا داود
ذاالايد " وقال : والسماء بنيناها بأيد " أي بقوة ، وقال : " وأيدهم بروح منه " أي قواهم "
ويقال : لفلان عندي أيادي كثيرة أي فواضل وإحسان ، وله عندي يد بيضاء أي نعمة .
بيان : يظهر منه أن التأييد مشتق من اليد بمعنى القوة كما يظهر من كلام الجوهري
أيضا .
6 - يد ، مع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن المشرقي ، عن
عبدالله بن قيس ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : بل يداه مبسوطتان .
فقلت له : يدان هكذا ؟ - وأشرت بيدي إلى يديه - فقال : لا لو كان هكذا لكان مخلوقا .
* ( هامش ) * ( 1 ) أخرج الحديث مقطعا عن التوحيد والعيون والامالى والاحتجاج في باب نفى الرؤية تحت
رقم 6 . ( * )
[ 5 ]
بيان : غل اليد وبسطها كناية عن البخل والجود ، وثني اليد مبالغة في الرد
ونفي البخل عنه ، وإثبات لغاية الجود ، فإن غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطيه
بيديه ، أو للاشارة إلى منح الدنيا والآخرة ، أو ما يعطى للاستدراج وما يعطى للاكرام
أو للاشارة إلى لطفة وقهره .
7 - فس : " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك " قال : دين ربك . وقال علي بن
الحسين عليهما السلام : نحن الوجه الذي يؤتى الله منه .
8 - يد ، مع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن بزيع ، عن منصور بن
يونس ، عن جليس لابي حمزة ، عن أبي حمزة قال : قلت لابي جعفر عليه السلام قول الله عز و
جل : " كل شئ هالك إلا وجهه " قال : فيهلك كل شئ ، ويبقي الوجه إن الله عزوجل أعظم
من أن يوصف بالوجه ، ولكن معناه : كل شئ هالك إلادينه ، والوجه الذي يؤتى منه .
ير : ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور مثله .
ير : أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور ، عن
أبي حمزة مثله .
9 - ير : أحمد ، عن الحسين ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن عميرة ، عن ابن المغيرة
قال : كنا عند أبي عبدالله عليه السلام فسأله رجل عن قول الله : " كل شئ هالك إلا وجهه "
قال : ما يقولون فيه ؟ قلت : يقولون : يهلك كل شئ إلا وجهه ، فقال : يهلك كل شئ
إلا وجهه الذي يؤتى منه ، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه .
10 - يد ، مع : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ربيع
الوراق ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " كل شئ هالك
عن علي إلا وجهه " قال : نحن .
11 - يد : ما جيلويه ، عن محمد العطار ، عن سهل ، عن البزنطي ، عن صفوان
الجمال ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " كل شئ هالك إلا وجهه " قال :
من أتى الله بما أمر به من طاعة محمد والائمة من بعده صلوات الله عليهم فهو الوجه الذي
لا يهلك ، ثم قرأ " من يطع الرسول فقد أطاع الله " .
[ 6 ]
12 - وبهذا الاسناد قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : نحن وجه الله لا يهلك .
13 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن
أبي سعيد المكاري ، ( 1 ) عن أبي بصير ، عن الحارث بن المغيرة النصري ( 2 ) قال : سألت
أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل : " كل شئ هالك إلا وجهه " قال : كل شئ هالك إلا
من أخذ طريق الحق .
بيان : ذكر المفسرون فيه وجهين : أحدهما أن المراد به إلا ذاته كما يقال : وجه
هذا الامر أي حقيقته . وثانيهما أن المعنى ما اريد به وجه الله من العمل . واختلف على
الاول في الهلاك هل هو الانعدام حقيقة ، أو أنه لامكانه في معرض الفناء والعدم ، وعلى
ماورد في تلك الاخبار يكون المراد بالوجه الجهة كما هو في أصل اللغة ، فيمكن أن يراد
به دين الله إذبه يتوسل إلى الله ويتوجه إلى رضوانه ، أو أئمة الدين فإنهم جهة الله ،
وبهم يتوجه إلى الله ورضوانه ومن أراد طاعة الله تعالى يتوجه إليهم . ( 3 )
* ( هامش ) * ( 1 ) قد وقع الخلاف في اسمه فسماه النجاشى والعلامة هاشم بن حيان ، والشيخ هشام بن حيان ،
والرجل كوفى مولى بنى عقيل ، روى عن أبى عبدالله عليه السلام ، وكان هو وابنه الحسين وجهين في
الواقفة ، نص على ذلك النجاشى في ترجمة ابنه .
( 2 ) النصرى - بالنون المفتوحة والصاد المهملة - من بنى نصر بن معاوية ، يكنى أبا على ،
بصرى ثقة ثقة ، روي عن الباقر والصادق وموسى بن جعفر عليهم السلام وزيد بن على . وروى الكشى
وغيره روايات تدل على مدحه ووثاقته .
( 3 ) قال السيد الرضى ذيل قوله تعالى " كل شئ هالك إلا وجهه " : وهذه استعارة والوجه
ههنا عبارة عن ذات الشئ ونفسه ، وعلى هذا قوله تعالى في السورة التى فيها الرحمن سبحانه :
" ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " أى ويبقى ذات ربك ، ومن الدليل على ذلك الرفع في قوله :
" ذو الجلال والاكرام " لانه صفة للوجه الذى هو الذات : ولو كان الوجه ههنا بمعنى العضو المخصوص
على ما ظنه الجهال لكان " ويبقى وجه ربك ذى الجلال والاكرام " فيكون " ذى " صفة للجملة لاصفة للوجه
الذى هو التخاطيط المخصوص ، كما يقول القائل : رأيت وجه الاميرذى الطول والانعام ، ولا يقول :
" ذا " لان الطول والانعام من صفات جملته ، لا من صفات وجهه ، ويوضع ذلك قوله في هذه السورة :
" تبارك اسم ربك ذى الجلال والاكرام " لما كان الاسم غير المسمى وصف سبحانه المضاف إليه ، ولما كان
الوجه في الاية المتقدمة هو النفس والذات قال تعالى : " ذو الجلال " ولم يقل : " ذى الجلال والاكرام "
ويقولون : عين الشئ ونفس الشئ على هذا النحو . وقد قيل في ذلك وجه آخر وهو أن يراد
بالوجه ههنا ما قصدالله به من العمل الصالح والمتجر الرابح على طريق القربة وطلب الزلفة وعلى
ذلك قول الشاعر : " استغفر الله ذنبالست محصيه * رب العباد اليه الوجه والعمل " أى اليه تعالى قصد
الفعل الذى يستنزل به فضله ودرجات عفوه ، فأعلمنا سبحانه أن كل شئ هالك الاوجه دينه الذى
يوصل إليه منه ، ويستزلف عنده به ويجعل وسيلة إلى رضوانه وسببا لغفرانه . ( * )
[ 7 ]
14 - يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن علي بن سيف ، عن أخيه الحسين ،
عن أبيه سيف بن عميرة النخعي ، عن خثيمة قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز
وجل : " كل شئ هالك إلا وجهه " قال : دينه وكان رسول الله صلى الله عليه واله وأمير المؤمنين عليه السلام
دين الله ووجهه وعينه في عباده ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده على خلقه ، ونحن وجه الله
الذي يؤتى منه لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية . قلت : وما الروية ؟ قال : الحاجة ،
فإذا لم يكن الله فيهم حاجة رفعنا إليه فصنع ما أحب .
بيان : قال الجوهري : لنا قبلك روية أي حاجة . انتهى . وحاجة الله مجاز عن علم
الخير والصلاح فيهم .
15 - يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد
ابن علي الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله عزوجل : " يوم يكشف عن ساق " قال :
تبارك الجبار - ثم أشار إلى ساقة فكشف عنها الازار - قال : " ويدعون إلى السجود
فلا يستطيعون " قال : أفحم القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الابصار وبلغت القلوب
الحناجر شاخصة أبصارهم ترهقهم الذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون .
قال الصدوق رحمه الله : قوله عليه السلام : تبارك الجبار - وأشار إلى ساقه فكشف عنها
الازار - يعني به تبارك الجبار أن يوصف بالساق الذي هذه صفته .
بيان : أفحمته : أسكتته في خصومة أو غيرها .
16 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن الحسين
ابن موسى ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل :
" يوم يكشف عن ساق " قال : - كشف إزاره عن ساقه ويده الاخرى على رأسه - فقال : سبحان
ربي الاعلى .
قال الصدوق : معنى قوله : سبحان ربي الاعلى تنزيه لله عزوجل عن أن يكون
له ساق .
17 - يد ، ن : المكتب والدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن
الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن سعيد ، ( 1 ) عن أبي الحسن عليه السلام في قوله عز
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : عن الحسين بن سعيد . ( * )
[ 8 ]
وجل : يوم يكشف عن ساق " قال : حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا ،
أو تدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود .
ج : عن الرضا عليه السلام مثله .
بيان : دمج دموجا : دخل في الشئ واستحكم فيه ، والدامج : المجتمع . قوله :
يكشف أي عن شئ من أنوار عظمته وآثار قدرته . واعلم أن المفسرين ذكروا في
تأويل هذه الاية وجوها :
الاول : أن المراد : يوم يشتد الامر ويصعب الخطب ، وكشف الساق مثل في ذلك :
وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب ، قال حاتم :
إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
الثاني : أن المعنى يوم يكشف عن أصل الامر وحقيقته بحيث يصير عيانا ، مستعار
من ساق الشجر وساق الانسان ، وتنكيره للتهويل أو للتعظيم .
الثالث : أن المعنى أنه يكشف عن ساق جهنم ، أوساق العرش ، أوساق ملك
مهيب عظيم .
قال الطبرسي رحمه الله : ويدعون إلى السجود أي يقال لهم على وجه التوبيخ :
اسجدوا فلا يستطيعون . وقيل : معناه أن شدة الامر وصعوبة حال ذلك اليوم تدعوهم
إلى السجود وإن كانوا لاينتفعون به ليس أنهم يؤمرون به ، وهذا كما يفزع الانسان إلى
السجود إذا أصابه هول من أهوال الدنيا . خاشعة أبصارهم أي ذليلة أبصارهم لا يرفعون
نظرهم عن الارض ذلة ومهانة . ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة الندامة والحسرة وقد
كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون أي أصحاء يمكنهم السجود فلا يسجدون يعني
أنهم كانوا يؤمرون بالصلاة في الدنيا فلم يفعلوا . وروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام
أنهما قالا في هذه الآية : أفحم القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الابصار وبلغت القلوب
الحناجر لما رهقهم من الندامة والخزي والمذلة ، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم
سالمون أي يستطيعون الاخذ بما امروا به والترك لمانهوا عنه ولذلك ابتلوا .
18 - يد : ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن ابن
[ 9 ]
سنان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة : أنا
الهادي ، وأنا المهتدي ، وأنا أبواليتامى والمساكين وزوج الارامل ، وأنا ملجأ كل
ضعيف ، ومأمن كل خائف ، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنة ، وأنا حبل الله المتين ، وأنا عروة
الله الوثقى وكلمة التقوى ، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده ، وأنا جنب الله الذي يقول :
" أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله " وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة
والمغفرة ، وأنا باب حطة ، من عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه لاني وصي نبيه في أرضه ،
وحجته على خلقه ، لا ينكر هذا إلا راد على الله ورسوله .
قال الصدوق : الجنب : الطاعة في لغة العرب ، يقال : هذا صغير في جنب الله أي
في طاعة الله عزوجل ، فمعنى قول أمير المؤمنين عليه السلام : أنا جنب الله أي أنا الذي ولايتي
طاعة الله ، قال الله عزوجل : " أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله " أي في
طاعة الله عزوجل .
بيان : روي عن الباقر عليه السلام أنه قال : معنى جنب الله أنه ليس شئ أقرب إلى الله
من رسوله ، ولا أقرب إلى رسوله من وصية ، فهو في القرب كالجنب ، وقد بين الله تعالى
ذلك في كتابه بقوله : " أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله " يعني في ولاية
أوليائه . وقال الطبرسي رحمه الله : الجنب : القرب أي يا حسرتى على ما فرطت في قرب الله
وجواره ، وفلان في جنب فلان أي في قربه وجواره ، ومنه قوله تعالى : " والصاحب بالجنب "
وهو الرفيق في السفر ، وهو الذي يصحب الانسان بأن يحصل بجنبه لكونه رفيقه قريبا منه
ملا صقاله . انتهى . ( 1 ) والعين أيضا من المجازات الشائعة أي لما كان شاهدا على عباده مطلعا


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 9 سطر 19 الى ص 17 سطر 4

* ( هامش ) * ( 1 ) قال السيد الرضى رضى الله عنه : وهذه استعارة وقد اختلف في المراد بالجنب ههنا ، فقال
قوم : معناه في ذات الله ، وقال قوم : معناه في طاعة الله وفى أمر الله ، إلا أنه ذكر الجنب على مجرى
العادة في قولهم : هذا الامر صغير في جنب ذلك الامر أى في جهته ، لانه اذا عبر عنه بهذه العبارة دل
على اختصاصه به من وجه قريب من معنى صفته ، وقال بعضهم : معنى " في جنب الله " أى في سبيل الله
أو في الجانب الاقرب إلى مرضاته بالاوصل إلى طاعاته ، ولما كان الامر كله يتشعب إلى طريقين :
احديهما هدى ورشاد ، والاخرى غى وضلال ، وكل واحد منهما مجانب لصاحبه ، أى هو في جانب
والاخر في جانب ، وكان الجنب والجانب بمعنى واحد حسنت العبارة ههنا عن سبيل الله بجنب الله على
النحو الذي ذكرناه . ( * )
[ 10 ]
عليهم فكأنه عينه ، وكذا واللسان فإنه لما كان يخاطب الناس من قبل الله ويعبر عنه في
بريته فكأنه لسانه .
19 - شى : عن أبي معمر السعدي ( 1 ) قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام في
قوله : ولا ينظر إليهم " : يعني لا ينظر إليهم بخير لمن لا يرحمهم ، وقد يقول العرب للرجل
السيد أو للملك : لا تنظر إلينا يعني أنك لا تصيبنا بخير وذلك النظر من الله إلى خلقه .
20 - يد ، ن : ابن عصام ، عن الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن ابن عيسى ،
عن علي بن سيف ، عن محمد بن عبيدة قال : سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل لا بليس :
" ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " قال : يعنى بقدرتي وقوتي .
قال الصدوق رحمه الله : سمعت بعض مشايخ الشيعة بنيسابور يذكر في هذه الآية
أن الائمة عليهم السلام كانوا يقفون على قوله : " ما منعك أن تسجد لما خلقت " ثم يبتدؤون بقوله :
" بيدي استكبرت أم كنت من العالمين " قال : وهذا مثل قول القائل : بسيفي تقاتلني و
بر محي تطاعنني ، كأنه يقول : بنعمتي عليك وإحساني إليك قويت على الاستكبار و
العصيان .
بيان : ما ورد في الخبر أظهر ما قيل في تفسير هذه الآية ، ويمكن أن يقال في توجيه
التشبيه : إنها لبيان أن في خلقه كمال القدرة ، أو أن له روحا وبدنا أحدهما من عالم
الخلق والآخر من عالم الامر ، أو لانه مصدر لافعال ملكية ، ومنشأ لافعال بهيمية ،
والثانية كأنها أثر الشمال ، وكلتا يديه يمين ، وأما حمل اليد على القدرة فهو شائع في
كلام العرب ، تقول : مالي لهذا الامر من يدأي قوة وطاقة ، وقال تعالى : " أو يعفو الذي
بيده عقدة النكاح " .
وقد ذكر في الآية وجوه اخر : أحدها أن اليد عبارة عن النعمة ، يقال : أيادي
فلان في حق فلان ظاهرة ، والمراد باليدين النعم الظاهرة والباطنة أو نعم الدين والدنيا .
* ( هامش ) * ( 1 ) يحتمل قويا أن يكون هو عبدالله بن سنجر الازدى الذي عده الشيخ من أصحاب أمير المؤمنين
عليه السلام ، وحكى عن ابن حجر أنه قال : عبدالله بن سنجر - بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح
الموحدة - الازدى ، أبومعمر الكوفي ثقة من الثانية . ( * )
[ 11 ]
وثانيها : أن المراد : خلقته بنفسي من غير توسط كأب وام ، وثالثها : أنه كناية عن غاية
الاهتمام بخلقه ، فإن السلطان العظيم لا يعمل شيئا بيديه إلا إذا كانت غاية عنايته
مصروفة إلى ذلك العمل .
أقول : سيأتي كثير من الاخبار المناسبة لهذا الباب في أبواب كتاب الامامة وباب
اسؤلة الزنديق المدعي للتناقض في القرآن .
} باب 2 {
} تأويل قوله تعالى : ونفخت فيه من روحى ، وروح منه ، {
} وقوله صلى الله عليه وآله : خلق الله آدم على صورته {
1 - يد ، ن : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن
خالد قال : قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه واله قال :
إن الله خلق آدم على صورته ، فقال : قاتلهم الله لقد حذفوا أول الحديث ، إن رسول الله
صلى الله عليه واله مر برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبح الله وجهك ووجه من
يشبهك . فقال عليه السلام : يا عبدالله لاتقل هذا لاخيك فإن الله عزوجل خلق آدم على
صورته .
ج : مرسلا عن الحسين مثله .
2 - مع : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن محمد بن
مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل : " ونفخت فيه من روحي " قال :
روح اختاره الله واصطفاه وخلقه وأضافه إلى نفسه ، وفضله على جميع الارواح فأمر فنفخ
منه في آدم عليه السلام
يد : حمزة العلوي ، عن علي ، عن أبيه مثله .
3 - يد ، مع : غير واحد من أصحابنا ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين
ابن الحسن ، عن بكر ، عن القاسم بن عروة ، عن عبدالحميد الطائي ، عن محمد بن مسلم
قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل : " ونفخت فيه من روحي " كيف هذا النفخ ؟
[ 12 ]
فقال : إن الروح متحرك كالريح ، وإنما سمي روحا لانه اشتق اسمه من الريح ، و
إنما أخرجه على لفظة الروح لان الروح مجانس للريح ، وإنما أضافه إلى نفسه لانه
اصطفاه على سائر الارواح كما اصطفى بيتا من البيوت فقال : بيتي وقال لرسول من
الرسل : خليلي وأشباه ذلك ، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر .
ج : مرسلا عن محمد ، عنه عليه السلام .
4 - ج : حمران بن أعين قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل : " وروح
منه " قال : هي مخلوقة خلقها الله بحكمته في آدم وفي عيسى عليهما السلام .
5 - مع : غير واحد ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن عبيس
ابن هشام ، عن عبدالكريم بن عمرو ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله عزوجل : " فإذا سويته
ونفخت فيه من روحي " قال : من قدرتي .
يد : بالاسناد عن العباس ، عن ابن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بصير ،
عن أبي جعفر عليه السلام مثله .
6 - يد : القطان ، عن السكري ، عن الحكم بن أسلم ، عن ابن عيينة ، عن
الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، ( 1 ) عن علي عليه السلام قال : سمع النبي صلى الله عليه واله رجلا يقول
لرجل : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال عليه السلام : مه لاتقل هذا فإن الله خلق آدم
على صورته .
قال الصدوق رحمه الله : تركت المشبهة من هذا الحديث أوله ، وقالوا : إن الله
خلق آدم على صورته ، فضلوا في معناه وأضلوا .
8 - يد : السناني والمكتب والدقاق جميعا ، عن الاسدي : عن البرمكي ، عن علي
ابن العباس عن عبيس بن هشام ، عن عبدالكريم ابن عمرو ، عن أبي عبدالله عليه السلام في
قوله عزوجل : " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي " قال : إن الله عزوجل خلق خلقا
وخلق روحا ، ثم أمر ملكا فنفخ فيه وليست بالتي نقصت من قدرة الله شيئا هي من قدرته .
شى : عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله .
* ( هامش ) * ( 1 ) هو أبوالورد بن ثمامة بن حزن القشيرى البصرى ، قال ابن حجر في تقريب التهذيب ص 617 :
مقبول من السادسة . ( * )
[ 13 ]
9 - يد : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن
أبي جعفر الاصم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الروح التي في آدم والتي في عيسى ماهما ؟
قال روحان مخلوقان اختارهما واصطفا هما روح آدم وروح عيسى صلوات الله عليهما .
10 - يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن الحلبي وزرارة ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى أحد صمد ليس له جوف ، وإنما الروح
خلق من خلقه ، نصر وتأييد وقوة يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين .
11 - شى : عن زرارة وحمران ، عن أبي جعفر ، وأبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى :
يسألونك عن الروح قالا : إن الله تبارك وتعالى ، وذكر مثله .
12 - شى : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول الله : " ونفخت
فيه من روحي فقعوا له ساجدين " قال : روح خلقها الله فنفح في آدم منها .
13 - شى : عن محمد بن اورمة ، عن أبي جعفر الاحوال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
سألته عن الروح التي في آدم ، قوله : " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي " قال : هذه روح
مخلوقة لله ، والروح التي في عيسى بن مريم مخلوقة لله .
14 - شى : في رواية سماعة عنه عليه السلام خلق آدم فنفخ فيه ، وسألته عن الروح
قال : هي من قدرته من الملكوت .
15 - يد : ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده أحمد ، عن أبيه ، عن عبدالله بن بحر ( 1 )
عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروون أن الله عزوجل
خلق آدم على صورته ، فقال : هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على سائر
الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه ، والروح إلى نفسه فقال :
بيتي وقال : نفخت فيه من روحي .
ج : عن محمد مثله .
* ( هامش ) * ( 1 ) كوفى صيرفى ، أورده العلامة في القسم الثانى من الخلاصة قال : عبدالله بن بحر كوفى روى
عن أبى بصير والرجال ضعيف مرتفع القول . قلت : والحديث لا يخلو عن غرابة ، وقد تقدمت روايات
اخرى بطرق متعددة في معنى الحديث تحت رقم 1 و 7 تعرب عن تدليس وقع في نقل الحديث عن النبى
صلى الله عليه وآله فارجعها . ( * )
[ 14 ]
بيان : هذا الخبر لاينافي ما سبق ، لانه تأويل على تقدير عدم ذكر أو له ، كما
يرويه من حذف منه ما حذف .
تذنيب : قال السيد المرتضى قدس الله روحه في كتاب تنزيه الانبياء : فإن قيل :
ما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : إن الله خلق آدم على صورته ؟ أوليس
ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه وأن له تعالى عن ذلك صورة ؟ قلنا : قد قيل في تأويل
هذا الخبر إن الهاء في " صورته " إذا صح هذا الخبر راجعة إلى آدم عليه السلام ، دون الله تعالى
فكان المعنى أنه تعالى خلقه على الصورة التي قبض عليها فإن حاله لم يتغير في الصورة
بزيادة ولانقصان كما يتغير أحوال البشر . وذكر وجه ثان وهو على أن تكون الهاء راجعة
إلى الله تعالى ، ويكون المعنى أنه خلقه على الصورة التي اختارها واجتباها لان الشئ
قد يضاف على هذا الوجه إلى مختاره ومصطفاه . وذكر أيضا وجه ثالث وهو أن هذا الكلام
خرج على سبب معروف لان الزهري روي عن الحسن أنه كان يقول : مر رسول الله صلى الله عليه واله
برجل من الانصار وهو يضرب وجه غلام له ويقول : قبح الله وجهك ووجه من تشبهه ،
فقال النبي صلى الله عليه واله : بئس ما قلت ، فإن الله خلق آدم عليه صورته ، يعني صورة المضروب .
ويمكن في الخبر وجه رابع وهو أن يكون المراد أن الله تعالى خلق آدم وخلق صورته
لينتفي بذلك الشك في أن تأليفه من فعل غيره لان التأليف من جنس مقدور البشر ، و
الجواهر وما شاكلها من الاجناس المخصوصة من الاعراض هي التي يتفرد القديم تعالى
بالقدرة عليها ، فيمكن قبل النظر أن يكون الجواهر من فعله وتأليفها من فعل غيره
فكأنه عليه السلام أخبر بهذه الفائدة الجليلة وهو أن جوهر آدم وتأليفه من فعل الله تعالى .
ويمكن وجه خامس وهو أن يكون المعنى أن الله أنشأه على هذه الصورة التي شوهد
عليها على سبيل الابتداء ، وإنه لم ينتقل إليها ويتدرج كما جرت العادة في البشر .
وكل هذه الوجوه جائز في معنى الخبر والله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله أعلم بالمراد . انتهى
كلامه رفع الله مقامه .
أقول : وفيه وجه سادس ذكره جماعة من شراح الحديث ، وهو أن المراد بالصورة
[ 15 ]
الصفة من كونه سميعا بصيرا متكلما ، وجعله قابلا للاتصاف بصفاته الكمالية و
الجلالية على وجه لا يفضي إلى التشبيه ، والاولى الاقتصار على ما ورد في النصوص عن
الصادقين عليهم السلام ، وقدروت العامة الوجه الاول المروي عن أمير المؤمنين وعن الرضا
صلوات الله عليهما بطرق متعددة في كتبهم .
} باب 3 {
} تاويل آية النور {
1 - يد ، مع : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن العباس بن هلال قال : سألت
الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل : " الله نور السموات والارض " فقال : هاد لاهل السماء
وهاد لاهل الارض .
2 - وفي رواية البرقي : هدى من في السماوات وهدي من في الارض .
3 - ج : عن العباس بن هلال : قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عزوجل
" الله نور السموات والارض " فقال عليه السلام : هادي من في السماوات وهادي من
في الارض . ( 1 )
4 - يد ، مع : إبراهيم بن هارون الهيستي ، ( 2 ) عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج ،
عن الحسين بن أيوب ، عن محمد بن غالب ، عن علي بن الحسين ، عن الحسن بن أيوب ، عن
الحسين بن سليمان ، عن محمد بن مروان الذهلي ، عن الفضيل بن يسار ( 3 ) قال : قلت لابي
عبدالله الصادق عليه السلام : " الله نور السموات والارض " قال : كذلك الله عزوجل قال :
قلت : " مثل نوره " قال لي : محمد صلى الله عليه واله ، قلت : " كمشكوة " قال : صدر محمد صلى الله عليه واله ، قلت :
" فيها مصباح " قال : فيه نور العلم يعني النبوة ، قلت : " المصباح في زجاجة " قال : علم رسول الله
صلى الله عليه واله صدر إلى قلب علي عليه السلام ، ( 4 ) قلت : " كأنها " قال : لاي شئ تقرأ كأنها ؟ قلت :
* ( هامش ) * ( 1 ) الظاهر اتحاده مع ما قبله .
( 2 ) لعل الصواب : الهيتى ، قال الفيروز آبادى هيت بالكسر : بلدة بالعراق .
( 3 ) في السند رجال لم نجد بيان أحوالهم في التراجم مدحا أو ذما .
( 4 ) في نسخة : صار إلى قلب على عليه السلام . ( * )
[ 16 ]
وكيف جعلت فداك ؟ قال : كأنه كوكب دري ، قلت : " يوقد من شجرة مباركة زيتونة
لاشرقية ولاغربية " قال : ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لايهودي ولانصراني
قلت : " يكاد زيتها يضيئ ولولم تمسسه نار " قال : يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل
محمد من قبل أن ينطق به ، قلت : " نور على نور " قال : الامام على أثر الامام .
قال الصدوق رحمه الله : إن المشبهة تفسر هذه الآية على أنه ضياء السماوات و
الارض ، ولو كان كذلك لما جاز أن توجد الارض مظلمة في وقت من الاوقات ، لا بالليل
ولا بالنهار ، لان الله هو نورها وضياؤها على تأويلهم ، وهو موجود غير معدوم ، فوجود
الارض مظلمة بالليل ووجودنا داخلها أيضا مظلما بالنهار يدل على أن تأويل قوله :
" الله نور السموات والارض " هو ما قاله الرضا عليه السلام دون تأويل المشبهة ، وأنه عز و
جل هادي أهل السماوات والارض ، والمبين لاهل السماوات والارض امور دينهم ( 1 )
ومصالحهم ، فلما كان بالله وبهداه يهتدي أهل السماوات والارض إلى صلاحهم وامور
دينهم كما يهتدون بالنور الذي خلقه الله لهم في السماوات والارض إلى إصلاح دنياهم
قال : إنه نور السماوات والارض على هذا المعنى ، وأجرى على نفسه هذا الاسم توسعا
ومجازا لان العقول دالة على أن الله عزوجل لا يجوز أن يكون نورا ولاضياءا ، ولامن
جنس الانوار والضياء لانه خالق الانوار وخالق جميع أجناس الاشياء ، وقد دل على ذلك
أيضا قوله : مثل نوره وإنما أراد به صفة نوره ، وهذا النور هو غيره لانه شبهه بالمصباح وضوئه
الذي ذكره ، ووصفه في هذه الآية ولايجوز أن يشبه نفسه بالمصباح لان الله لاشبه
له ولانظير فصح أن نوره الذي شبهه بالمصباح إنما هو دلالته أهل السماوات والارض
على مصالح دينهم وعلى توحيد ربهم وحكمته وعدله ثم بين وضوح دلالته هذه و
سماها نورا من حيث يهتدي بها عباده إلى دينهم وصلاحهم فقال : مثله مثل كوة وهي
المشكاة فيها المصباح والمصباح هو السراج في زجاجة صافية شبيهة بالكوكب الذي
هو الكوكب المشبه بالدر في لونه وهذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية يتوقد ( 2 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : امورهم . وكذا فيمأتى بعد ذلك .
( 2 ) في نسخة : توقد . ( * )
[ 17 ]
من زيت زيتونة مباركة ، وأراد به زيتون الشام لانه يقال : إنه بورك فيه لاهله ، و
عنى عزوجل بقوله : " لا شرقية ولا غربية " أن هذه الزيتونه ليست بشرقية فلا تسقط
الشمس عليها في وقت الغروب ، ولا غربية ولا تسقط الشمس عليها في وقت الطلوع بل
هي في أعلى شجرها ، والشمس تسقط عليها في طول نهارها ، فهو أجود لها وأضوء لزيتها ،


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 17 سطر 5 الى ص 25 سطر 5

ثم أكد وصفه لصفاء زيتها فقال : " يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار " لما فيها من الصفاء
فبين أن دلالات الله التي بهادل عباده في السماوات والارض على مصالحهم وعلى امور
دينهم في الوضوح والبيان بمنزلة هذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية ، ويتوقد
بها الزيت الصافي الذي وصفه ، فيجتمع فيه ضوء النار مع ضوء الزجاجة وضوء الزيت
هو معنى قوله : " نور على نور " وعنى بقوله عزوجل : " يهدي الله لنوره من يشاء " يعني من
عباده وهم المكلفون ليعرفوا بذلك ويهتدوا به ويستدلوا به على توحيد ربهم وسائر
امور دينهم ، وقد دل الله عزوجل بهذه الآية وبما ذكره من وضوح دلالاته وآياته
التي دل بها عباده على دينهم أن أحدا منهم لم يؤت فيما صار إليه من الجهل ومن تضييع
الدين لشبهة ولبس دخلا عليه في ذلك من قبل الله عزوجل إذ كان الله عزوجل قد بين
لهم دلالاته وآياته على سبيل ما وصف ، وأنهم إنما اوتوا في ذلك من قبل نفوسهم ( 1 )
بتركهم النظر في دلالات الله والاستدلال بها على الله عزوجل وعلى صلاحهم في دينهم ، وبين
أنه بكل شئ من مصالح عباده ومن غير ذلك عليم . وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه سئل
عن قول الله عزوجل : " الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح "
فقال : هو مثل ضربه الله لنا فالنبي والائمة صلوات الله عليهم من دلالات الله وآياته التي
يهتدى بها إلى التوحيد ومصالح الدين وشرائع الاسلام والسنن والفرائض ، ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم .
5 - فس : حميد بن زياد ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد ، ( 2 )
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : من قبل أنفسهم .
( 2 ) هو طلحة بن زيد أبوالخزرج النهدى الشامى ، ويقال : الخزرجى العامى ، روي عن جعفر بن
محمد عليهما السلام له كتاب ، قاله النجاشى . ووصفه الشيخ في رجاله بالتبرى ، وفى فهرسه بأنه
عامى المذهب . ( * )
[ 18 ]
عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام في هذه الآية " الله نور السموات والارض " قال :
بدأ بنور نفسه تعالى " مثل نوره " مثل هداه في قلب المؤمن ، قوله : " كمشكوة فيها مصباح "
المشكاة : جوف المؤمن ، والقنديل : قلبه ، والمصباح : النور الذي جعله الله فيه . " يوقد
من شجرة مباركة " قال : الشجرة : المؤمن . " زيتونة لا شرقية ولا غربية " قال : على سواء
الجبل لا غربية أي لا شرق لها ، ولاشرقية أي لا غرب لها ، إذا طلعت الشمس طلعت عليها
وإذا غربت غربت عليها " يكاد زيتها " يعني يكاد النور الذي جعله الله في قلبه " يضيئ " وإن
لم يتكلم " نور على نور " فريضة على فريضة ، وسنة على سنة " يهدي الله لنوره من يشاء "
يهدي الله لفرائضه وسننه من يشاء " ويضرب الله الامثال للناس " وهذا مثل ضربه الله للمؤمن .
ثم قال : فالمؤمن من يتقلب ( 1 ) في خمسة من النور " مدخله نور ، ومخرجه نور ، وعلمه نور ،
وكلامه نور ، ومصيره يوم القيامة إلى الجنة نور . قلت : لجعفر عليه السلام : جعلت فداك يا
سيدي إنهم يقولون : مثل نور الرب ، قال : سبحان الله ، ليس لله بمثل ما قال الله :
فلا تضربوا لله الامثال ؟ .
بيان : قوله عليه السلام : الشجرة : المؤمن لعل المراد أن نور الايمان الذي جعله
الله في قلب المؤمن يتقد من أعمال صالحة هي ثمرة شجرة مباركة هي المؤمن المهتدى
ويحتمل أن يكون المراد بالمؤمن المؤمن الكامل وهو الامام عليه السلام ولايبعد أن يكون
المؤمن تصحيف الايمان ، أو القرآن ، أو نحن ، أو الامام .
6 - فس : محمد بن همام ، عن جعفر بن محمد ، عن محمد بن الحسن الصائغ ، ( 2 )
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : فالمؤمن من ينقلب .
( 2 ) ضبط العلامة في القسم الثانى من الخلاصة اسم أبيه مكبرا حيث قال : محمد بن الحسن - بغير
ياء بعد السين - ابن سعيد الصائغ - بالغين المعجمة - كوفي نزل في بنى ذهل ، أبوجعفر ضعيف جدا ،
قيل إنه غال لا يلتفت إليه . انتهى . لكن النجاشى عنونه مصغرا ، قال : محمد بن الحسين بن سعيد الصائغ
كوفى نزل في بنى ذهل ، أبوجعفر ضعيف جدا ، قيل : انه غال ، له كتاب التباشير وكتاب نوادر
" إلى أن قال " : ومات محمد بن الحسين لاثنتى عشر بقين من رجب سنة تسع وستين ومأتين ، وصلى
عليه جعفر المحدث المحمدى ودفن في جعفى . انتهى " وتبعه الشيخ في ذلك في كتابيه الرجال والفهرس . ( * )
[ 19 ]
عن الحسن ابن علي ، ( 1 ) عن صالح بن سهل الهمداني ( 2 ) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
في قول الله عزوجل : " الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة " فاطمة عليها السلام " فيها
مصباح " الحسن ، و " المصباح " الحسين " في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري " كأن
فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا ، " يوقد من شجرة مباركة " يوقد من إبراهيم عليه السلام
" لا شرقية ولا غربية " لا يهودية ولا نصرانية ، " يكاد زيتها " يكاد العلم ينفجر منها ( 3 )
" ولولم تمسسه نار نور على نور " إمام بعد إمام " يهدي الله لنوره من يشاء " يهدي الله
بالائمة عليهم السلام من يشاء .
توضيح : قوله عليه السلام : والمصباح الحسين أي المصباح المذكور في الآية ثانيا ،
وعلي هذا الخبر تكون المشكاة والزجاجة كنايتين عن فاطمة عليها السلام .
7 - كا : علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن علي بن حماد ، عن عمرو بن شمر ،
عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي ، وهو
قول الله : " الله نور السموات والارض " يقول : أنا هادي السماوات والارض مثل العلم الذي
أعطيته وهو نوري الذي يهتدى به مثل المشكاة فيها المصباح ، فالمشكاة قلب محمد صلى الله عليه واله ،
والصباح النور الذي فيه العلم ، وقوله : " المصباح في زجاجة " يقول : إني اريد أن أقبضك
فاجعل الذي عندك عند الوصي كما يجعل المصباح في الزجاجة ، " كأنها كوكب دري "
فأعلمهم فضل الوصي ، يوقد من شجرة مباركة " فأصل الشجرة المباركة إبراهيم صلى الله
عليه ، وهو قول الله عزوجل ، " رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " وهو
قول الله عزوجل : " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية
* ( هامش ) * ( 1 ) هو الصيرفى .
( 2 ) حكي عن ابن الغضائرى أنه قال : صالح بن سهل الهمدانى كوفى غال كذاب ، وضاع للحديث
روى عن أبى عبدالله عليه السلام ، لاخير فيه ولا في سائر ما رواه . انتهى وروى الكشى في ص 218
من رجاله عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن الحسين ، عن الحسن بن على الصيرفى ، عن صالح بن سهل
قال : كنت أقول في أبى عبدالله عليه السلام بالربوبية فدخلت عليه ، فلما نظر إلى قال : يا صالح
أنا والله عبد مخلوق ، لنا رب نعبده ، وإن لم نعبده عذبنا . انتهى أقول : رواه الكلينى في الكافى
عن صالح بن سهل ، ورواه أيضا بسند صحيح عن على بن جعفر عن أخيه عليه السلام .
( 3 ) وفى نسخة : يكاد العلم يتفجر منها .
[ 20 ]
بعضها من بعض والله سميع عليم " لا شرقية ولا غربية " يقول : لستم بيهود فتصلوا قبل
المغرب ، ولا نصارى فتصلوا قبل المشرق ، وأنتم على ملة إبراهيم صلوات الله عليه ، وقد
قال الله عزوجل : " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان
من المشركين " وقوله عزوجل : " يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله
لنوره من يشاء " يقول : مثل أولادكم الذين يولدون منكم كمثل الزيت الذي يعصر
من الزيتون ، يكاد زيتها يضيئ ، يقول : يكادون أن يتكلموا بالنبوة ولو لم ينزل عليهم
ملك . ( 1 )
أقول : سيأتي الاخبار الكثيرة في تأويل تلك الآية في كتاب الامامة في باب أنهم
أنوار الله .
تنوير : قال البيضاوي : النور في الاصل كيفية تدركها الباصرة أولا ، وبواسطتها
سائر المبصرات ، كالكيفية الفائضة من النيرين على الاجرام الكثيفة المحاذية لهما ، و
هو بهذا المعني لا يصح إطلاقه على الله تعالي إلا بتقدير مضاف كقولك : زيد كرم بمعنى
ذو كرم ، أو على تجوز بمعنى منور السماوات والارض - وقد قرئ به - فإنه تعالى نورها
بالكواكب وما يفيض عنها من الانوار ، وبالملائكة والانبياء ، أو مدبرها من قولهم
للرئيس الفائق في التدبير : نور القوم لانهم يهتدون به في الامور ، أو موجدها فإن النور
ظاهر بذاته مظهر لغيره ، وأصل الظهور هو الوجود ، كما أن أصل الخفاء هو العدم ، والله
سبحانه موجود بذاته ، موجد لماعداه ، أو الذي به يدرك ، أو يدرك أهلها من حيث إنه
يطلق على الباصرة لتعلقها به ، أو لمشاركتها له في توقف الادراك عليه ثم على البصيرة لانها
أقوى إدراكا فإنها تدرك نفسها وغيرها من الكليات والجزئيات ، الموجودات و
المعدومات ، ويغوص في بواطنها ويتصرف فيها بالتركيب والتحليل . ثم إن هذه
الادراكات ليست بذاتها ، وإلا لما فارقتها فهي إذن من سبب يفيضها عليها ، وهو الله
تعالى ابتداءا أو بتوسط من الملائكة والانبياء ، ولذلك سموا أنوارا . ويقرب منه قول
* ( هامش ) * ( 1 ) الحديث ضعيف بعلى بن عباس وغيره . ( * )
[ 21 ]
ابن عباس : معناه هادي من فيهما ، فهم بنوره يهتدون ، وإضافته إليهما للدلالة على سعة
إشراقه ، ولاشتمالهم على الانوار الحسية والعقلية ، وقصور الادراكات البشرية عليهما
وعلى المتعلق بهما والمدلول لهما
" مثل نوره " صفة نوره العجيبة الشأن ، وإضافته إلى ضميره سبحانه دليل على أن
إطلاقه عليه لم يكن على ظاهر " كمشكوة " كصفة مشكاة ، وهي الكوة الغير النافذة " فيها
مصباح " سراج ضخم ثاقب . وقيل : المشكاة " الانبوبة في وسط القنديل ، والمصباح : الفتيلة
المشتعلة " المصباح في زجاجة " في قنديل من الزجاج " الزجاجة كأنها كوكب دري " مضيئ
متلالئ كالزهرة في صفائه وزهرته منسوب إلى الدر ، أو فعيل كبريق من الدرء ، فإنه
يدفع الظلام بضوئه ، أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه ، إلا أنه قلب همزته ياءا ، ويدل
عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الاصل ، وقراءة أبي عمرو والكسائي درئ كشريب ، وقد
قرئ به مقلوبا " يوقد من شجرة مباركة زيتونة " أي ابتداء توقد المصباح من شجرة الزيتون
المتكاثر نفعه بأن رويت زبالتها بزيتها ، وفي إبهام الشجرة ووصفه بالبركة ثم إبدال
الزيتونة عنها تفخيم لشأنها . وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء والبناء للمفعول من
أوقد ، وحمزة والكسائي وأبوبكر بالتاء كذلك على إسناده إلى الزجاجة بحذف المضاف .
وقرئ توقد بمعنى تتوقد وتوقد بحذف التاء لاجتماع الزيادتين وهو غريب " لا شرقية
ولا غربية " يقع الشمس عليها حينا بعد حين بل بحيث يقع عليها طول النهار كالتي تكون
على قلة أو صحراء واسعة فإن ثمرتها تكون أنضج ، وزيتها أصفى ، أولاثابتة في شرق
المعمورة وغربها بل في وسطها وهو الشام ، فإن زيتونه أجود الزيتون ، أولا في مضحى ( 1 )
تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها ومقناة ( 2 ) تغيب عنها دائما فيتركها نيا . وفي الحديث :
لاخير في شجرة ولا في نبات في مقناة ، ولاخير فيها في مضحى " يكاد زيتها يضيئ ولو تمسسه
نار " أي يكاد يضيئ بنفسه من غير نار لتلالوئه وفرط بيضه " نور على نور " متضاعف فإن
نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت وزهرة القنديل ، وضبط المشكاة لاشعته .
* ( هامش ) * ( 1 ) أرض مضحاة : معرضة للشمس أولا يكاد تغيب عنها الشمس .
( 2 ) المقناة والمقنوة : الموضع الذى لاتطلع عليه الشمس . ( * )
[ 22 ]
وقد ذكر في معنى التمثيل وجوه :
الاول : أنه تمثيل للهدى الذي دل عليه الآيات البينات في جلاء مضمونها و
ظهور ما تضمنته من الهدى بالمشكاة المنعوتة . أو تشبيه للهدى من حيث إنه محفوظ من
ظلمات أوهام الناس وخيالاتهم بالمصباح ، وإنما ولى الكاف المشكاة لاشتمالها عليها ،
وتشبيهه به أوفق من تشبيهه بالشمس . أو تمثيل لما نور الله به قلب المؤمن من المعارف
والعلوم بنور المشكاة المثبت فيها من مصباحها ، ويؤيده قراءة ابي مثل نور المؤمن . أو
تمثيل لما منح الله عباده من القوي الدراكة الخمس المترتبة التي بها المعاش والمعاد ،
وهي الحاسة التي تدرك المحسوسات بالحواس الخمس ، والخيالية التي تحفظ صورة
تلك المحسوسات لتعرضها على القوة العقلية متى شاءت ، والعلمية التي تدرك الحقائق
الكلية ، والمفكرة وهي التي تؤلف المعقولات لتستنتج منها علم مالم تعلم ، والقوة
القدسية التي يتجلى فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت المختصة بالانبياء والاولياء
المعنية بقوله تعالى : " ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا " بالاشياء الخمسة
المذكورة في الآية ، وهي المشكاة ، والزجاجة ، والمصباح ، والشجرة ، والزيت ، فإن
الحاسة كالمشكاة لان محلها كالكوة ، ووجهها إلى الظاهر لا يدرك ماوراءها وإضاءتها
بالمعقولات لابالذات ، والخيالية كالزجاجة في قبول صور المدركات من الجوانب وضبطها
للانوار العقلية ، وإنارتها بما يشتمل عليها من المعقولات ، والعاقلة كالمصباح لاضاءتها
بالادراكات الكلية ، والمعارف الالهية ، والمفكرة كالشجرة المباركة لتأديتها إلى ثمرات
لانهاية لها ، والزيتونة المثمرة بالزيت الذي هو مادة المصابيح التي لاتكون شرقية
ولاغربية ، لتجردها عن اللواحق الجسمية ، أو لوقوعها بين الصور والمعاني متصرفة
في القبيلتين ، منتفعة من الجانبين ، والقوة القدسية كالزيت فإنها لصفائها وشدة ذكائها
تكاد زيتها تضيئ بالمعارف من غير تفكر ولا تعليم .
أو تمثيل للقوة العقلية في مراتبها بذلك فإنها في بدء أمرها خالية عن العلوم ،
مستعدة لقبولها كالمشكاة ، ثم ينتقش بالعلوم الضرورية بتوسط إحساس الجزئيات ،
بحيث يتمكن من تحصيل النظريات فتصير كالزجاجة متلالئة في نفسها قابلة للانوار ،
[ 23 ]
وذلك التمكن إن كان بفكر واجتهاد فكا الشجرة الزيتونة ، وإن كان بالحدس فكالزيت ،
وإن كان بقوة قدسية فكا الذي يكاد زيتها يضيئ لانها تكاد تعلم وإن لم تتصل بملك
الوحي والالهام الذي مثله النار من حيث إن العقول تشتعل عنها ، ثم إذا حصلت
لها العلوم بحيث يتمكن من استحضارها متى شاءت كان كالمصباح ، فإذا استحضرها كان
نورا على نور يهدي الله لنوره الثاقب من يشاء ، فإن الاسباب دون مشيئته لاغية ، إذبها
تمامها " ويضرب الله الامثال للناس " إدناءا للمعقول من المحسوس توضيحا وبيانا " والله
بكل شئ عليم " معقولا كان أو محسوسا ، ظاهرا أو خفيا ، وفيه وعدو وعيد لمن تدبرها
ولمن لم يكترث بها . انتهى .
وقال الطبرسي رحمه الله : اختلف في هذا التشبيه والمشبه به على أقوال : أحدها
أنه مثل ضربه الله لنبيه محمد صلى الله عليه واله فالمشكاة صدره ، والزجاجة قلبه ، والمصباح فيه
النبوة ، لا شرقية ولا غربية أي لا يهودية ولا نصرانية ، يوقد من شجرة مباركة يعني
شجرة النبوة وهي إبراهيم ، يكاد نور محمد يتبين ولو لم يتكلم به كما أن ذلك الزيت يكاد
يضيئ ولو لم تمسسه نار أي تصيبه النار . وقيل : إن المشكاة إبراهيم ، والزجاجة
إسماعيل ، والمصباح محمد ، كما سمي سراجا في موضع آخر ، من شجرة مباركة يعني
إبراهيم لان أكثر الانبياء من صلبه ، لا شرقية ولا غربية : لا نصرانية ولا يهودية ،
لان النصارى تصلي إلى المشرق ، واليهود تصلي إلى المغرب ، يكاد زيتها يضيئ أي
يكاد محاسن محمد تظهر قبل أن يوحى إليه ، نور على نور أي نبي من نسل نبي . وقيل : إن
المشكاة عبدالمطلب ، والزجاجة عبدالله ، والمصباح هو النبي صلى الله عليه واله ، لا شرقية ولا غربية
بل مكية لان مكة وسط الدنيا . وروي عن الرضا عليه السلام أنه قال : نحن المشكاة ، والمصباح
محمد صلى الله عليه واله يهدي الله لولايتنا من أحب .
وثانيها : أنها مثل ضربه الله للمؤمن ، المشكاة نفسه ، والزجاجة صدره ، والمصباح
الايمان ، والقرآن في قلبه ، توقد من شجرة مباركة هي الاخلاص لله وحده لاشريك له ،
فهي خضراء ناعمة كشجرة التفت بها الشجر فلا يصيبها الشمس على أي حال كانت لا إذا
طلعت ولا إذا غربت ، وكذلك المؤمن قد احترز من أن يصيبه شئ من الفتن ، فهو بين أربع
[ 24 ]
خلال : إن اعطي شكر ، وان ابتلى صبر ، وإن حكم عدل ، وإن قال صدق ، فهو في
سائر الناس كالرجل الحي يمشي بين قبور الاموات ، نور علي نور كلامه نور وعمله نور
ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إلى نور يوم القيامة . عن ابي بن كعب .
وثالثها : أنه مثل القرآن في قلب المؤمن فكما أن هذا المصباح يستضاء به وهو كما
هو لا ينقص فكذلك القرآن يهتدى به ويعمل به ، فالمصباح هو القرآن ، والزجاجة
قلب المؤمن ، والمشكاة لسانه وفمه ، والشجرة المباركة شجرة الوحي ، يكاد زيتها
يضيئ تكاد حجج القرآن تتضح وإن لم يقرأ . وقيل : تكاد حجج الله على خلقه تضيئ
لمن تفكر فيها وتدبرها ولو لم ينزل القرآن ، نور على نور يعني أن القرآن نور مع سائر
الادلة قبله ، فازدادوا به نورا على نور . انتهى كلامه رحمه الله .
} باب 4 {
} معنى حجزة الله عزوجل {
1 - يد : ما جيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي
الجاورد ، ( 1 ) عن محمد بن بشر الهمداني ( 2 ) قال : سمعت محمد بن الحنفية يقول : حدثني
أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة
نبينا وشيعتنا آخذون بحجزتنا .
قلت : يا أمير المؤمنين وما الحجزة ؟ قال : الله أعظم من أن يوصف بحجزة أو غير
ذلك ، ولكن رسول الله صلى الله عليه واله آخذ بأمر الله ، ونحن آل محمد آخذون بأمر نبينا ، وشيعتنا
آخذون بأمرنا .
2 - يد ، ن : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الحسن بن علي الخزاز ، عن أبي
الحسن الرضا عليه السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه واله يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، ونحن
* ( هامش ) * ( 1 ) هو زياد بن المنذر الهمدانى الخارقى الاعمى ، زيدي المذهب ، وإليه ينسب الجارودية ،
ضعفه الشيخ والعلامة وغيرهما ، وأورد الكشى في رجاله روايات تدل على ذمه .
( 2 ) مجهول . ( * )
[ 25 ]
آخذون بحجزة نبينا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا . ثم قال : الحجزة : النور . ( 1 )
3 - ن ، يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن علي بن العباس ، ( 2 )
عن الحسن بن يوسف ، ( 3 ) عن عبد السلام ، عن عمار عن أبي اليقظان ، ( 4 ) عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : يجيئ رسول اله صلى الله عليه واله يوم القيامة آخذا بحجزة ربه ، ونحن آخذون
بحجزة نبينا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا فنحن وشيعتنا حزب الله وحزب الله هم الغالبون


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 25 سطر 6 الى ص 33 سطر 6

والله ما نزعم أنها حجزة الازار ولكنها أعظم من ذلك ، يجيئ رسول الله صلى الله عليه واله آخذا
بدين الله ، ونجيئ نحن آخذين بدين نبينا ، ويجيئ شيعتنا آخذين بديننا .
4 - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : الصلاة حجزة الله ، وذلك أنها تحجز
المصلي عن المعاصي مادام في صلاته . قال الله عزوجل : " إن الصلوة تنهى عن الفحشاء
والمنكر " .
بيان : الاخذ بالحجزة كناية عن التمسك بالسبب الذي جعلوه في الدنيا بينهم و
بين ربهم ونبيهم وحججهم أي الاخذ بدينهم وطاعتهم ومتابعة أمرهم ، وتلك الاسباب
الحسنة تتمثل في الآخرة بالانوار ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن مضامين تلك الاخبار
ترجع إلى أمر واحد ، فقوله عليه السلام : في الخبر الاول : ولكن رسول الله صلى الله عليه واله آخذ بأمر
الله أي بما عمل به من أوامر الله فيحتج في ذلك اليوم ويتمسك بأنه عمل بما أمره الله به ،
وكذا النور الذي ورد في الخبر الثاني يرجع إلى ذلك ، إذ الاديان والاخلاق والاعمال
الحسنة أنوار معنوية تظهر للناس في القيامة ، والثالث ظاهر قال الجزري : فيه : إن
الرحم أخذت بحجزة الرحمن أي اعتصمت به والتجأت إليه مستجيرة . وأصل الحجزة
موضع شد الازار ، ثم قيل للازار : حجزة للمجاورة ، واحتجز الرجل بالازار : إذا
شده على وسطه ، فاستعاره لللاعتصام والالتجاء والتمسك بالشئ والتعلق به ، ومنه
الحديث الآخر : ياليتني آخذ بحجزة الله أي بسبب منه .
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الصدوق - رحمه الله - في كتاب العيون : وفى حديث آخر : الحجزة : الدين .
( 2 ) لعله هو على بن العباس الخزاذينى الرازى الضعيف المرمى بالغلو ، حكى عن جامع الرواء
رواية البرمكى عنه .
( 3 ) يحتمل كونه الحسن بن على بن يوسف بن بقاح الازدى الثقة ، كما يحتمل كون عبدالسلام الاتى
بعده هو ابن سالم البجلى الثقة ، نقل النجاشى رواية الحسن بن على بن يوسف بن بقاح عنه .
( 4 ) كذا في النسخ والظاهر ان كلمة " عن " زائدة وهو عمار بن موسى الساباطي أبواليقظان . ( * )
[ 26 ]
} باب 5 {
} ففي الرؤية وتاويل الايات فيها {
الايات : النساء " 4 " : يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد
سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم 152
الانعام " 6 " : لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير 103
1 - لى : أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن واصل ، عن
عبدالله بن سنان ، عن أبيه قال : حضرت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ودخل عليه
رجل من الخوارج فقال : يا أبا جعفر أي شئ تعبد ؟ قال الله ، قال : رأيته ؟ قال : لم تره
العيون بمشاهدة العيان ، ورأته القلوب بحقائق الايمان ، لايعرف بالقياس ، ولا يدرك
بالحواس ، ولايشبه بالناس ، موصوف بالآيات ، معروف بالعلامات ، لا يجوز في حكمه
ذلك الله لا إله إلا هو . قال : فخرج الرجل وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته . ( 1 )
يد : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبيه
مثله
ج : مرسلا عن عبدالله بن سنان ، عن أبيه مثله .
بيان : قوله عليه السلام : بحقائق الايمان أي بالعقائد التي هي حقائق أي عقائد عقلية
ثابتة يقينية لا يتطرق إليها الزوال والتغير ، هي أركان الايمان ، أو بالانوار والآثار
التي حصلت في القلب من الايمان ، أو بالتصديقات والاذعانات التي تحق أن تسمى
إيمانا ، أو المراد بحقائق الايمان ما ينتمي إليه تلك العقائد من البراهين العقلية فإن
الحقيقة ما يصير إليه حق الامر ووجوبه ذكره المطرزي في الغريبين . لايعرف بالقياس
أي بالمقايسة بغيره . وقوله عليه السلام : ولا يشبه بالناس كالتعليل لقوله : لا يدرك بالحواس .
موصوف بالآيات أي إذا اريد أن يذكر ويوصف يوصف بأن له الآيات الصادرة عنه المنتمية
إليه ، أو أنما يوصف بالصفات الكمالية بما يشاهد من آيات قدرته وعظمته ، وينزه
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : حيث يجعل رسالاته . ( * )
[ 27 ]
عن مشابهتها لما يرى من العجز والنقص فيها . معروف بالعلامات أي يعرف وجوده و
صفاته العينية الكمالية بالعلامات الدالة عليه لا بالكنه .
2 - يد ، لى : القطان والدقاق والسناني ، عن ابن زكريا القطان ، عن محمد
ابن العباس ، عن محمد بن أبي السري ، عن أحمد بن عبدالله بن يونس ، عن ابن طريف ،
عن الاصبغ - في حديث - قال : قام إليه رجل يقال له : ذعلب ، فقال : يا أمير المؤمنين
هل رأيت ربك ؟ فقال : ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره
قال : فكيف رأيته ؟ صفه لنا . قال : ويلك لم تره العيون بمشاهدة الابصار ، ولكن
رأته القلوب بحقائق الايمان . ويلك يا ذعلب إن ربي لايوصف بالبعد ولا بالحركة ولا
بالسكون ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب ، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف ،
عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف
بالغلظ ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرك لا بمجسة ، قائل لا بلفظ ،
هو في الاشياء على غير ممازجة ، خارج منها على غير مباينة ، فوق كل شئ ولا يقال شئ فوقه ،
أمام كل شئ ولا يقال له أمام ، داخل في الاشياء لاكشئ في شئ داخل ، وخارج منها
لاكشئ من شئ خارج . فخر ذعلب مغشيا عليه . الخبر .
بيان : ذعلب بكسر الذال المعجمة وسكون العين المهملة وكسر اللام كما ضبطه
الشهيد رحمه الله . والابصار بفتح الهمزة ويحتمل كسرها . قوله عليه السلام : لطيف اللطافة
أي لطافته لطيفة عن أن تدرك بالعقول والافهام ، ولا يوصف باللطف المدرك لعباده في
دقائق الاشياء ولطائفها ، وعظمته أعظم من أن يحيط به الاذهان ، وهو لا يوصف بالعظم
الذي يدركه مدارك الخلق من عظائم الاشياء وجلائلها ، وكبر ياؤه أكبر من أن يوصف
ويعبر عنه بالعبادة والبيان ، وهو لا يوصف بالكبر الذي يتصف به خلقه ، وجلالته
أجل من أن يصل إليه أفهام الخلق ، وهو لا يوصف بالغلظ كما يوصف الجلائل من الخلق به
والمراد بالغلظ إما الغلظ في الخلق أو الخشونة في الخلق . قوله عليه السلام : لا يوصف بالرقة
أي رقة القلب لانه من صفات الخلق بل المراد فيه تعالى غايته . قوله عليه السلام : مؤمن لا
بعبادة أي يؤمن عباده من عذابه ، من غير أن يستحقوا ذلك بعبادة ، أو يطلق عليه المؤمن
[ 28 ]
لاكما يطلق بمعنى الايمان والاذعان والتعبد . قوله عليه السلام : لا بلفظ أي من غير تلفظ
بلسان أو من غير احتياج إلى إظهار لفظ بل يلقي في قلوب من يشاء من خلقه ما يشاء .
3 - لي : علي بن أحمد بن موسى ، عن الصوفي ، عن الروياني ، عن عبدالعظيم
الحسني ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال علي بن موسى الرضا عليه السلام في قول الله عز
وجل : " وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة " قال : يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها .
يد ، ن : الدقاق ، عن الصوفي مثله .
ج : مرسلا مثله .
بيان : اعلم أن للفرقة المحقة في الجواب عن الاستدلال بتلك الآية على جواز
الرؤية وجوها :
الاول : ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر من أن المراد بالناظرة المنتظرة كقوله
تعالى : " فناظرة بم يرجع المرسلون " روي ذلك عن مجاهد ، والحسن ، وسعيد بن جبير
والضحاك ، وهو المروي عن علي عليه السلام . ( 1 ) واعترض عليه بأن النظر بمعنى الانتظار لا
يتعدى بإلي . واجيب بأن تعديته بهذا المعنى بإلى كثيرة ، كما قال الشاعر :
إني إليك لما وعدت لناظر * * نظر الفقير إلى الغني الموسر
وقال آخر :
ويوم بذي قار رأيت وجوههم * * إلي الموت من وقع السيوف نواظر
والشواهد عليه كثيرة مذكورة في مظانه ، ويحكى عن الخليل أنه قال : يقال :
* نظرت إلي فلان بمعنى انتظرته . وعن ابن عباس أنه قال : العرب تقول : إنما
أنظر إلي الله ثم إلي فلان ، وهذا يعم الاعمي والبصير ، فيقولون : عيني شاخصة إلى فلان
وطامحة إليك ، ونظري إلي الله وإليك . وقال الرازي : وتحقيق الكلام فيه أن قولهم
في الانتظار : " نظرته " بغير صلة فإنما ذلك في الانتظار لمجيئ الانسان بنفسه ، فأما إذا
كان منتظرا لرفده ومعونته فقد يقال فيه : نظرت إليه انتهى . واجيب أيضا بأنا لا
نسلم أن لفظة إلي صلة للنظر ، بل هو واحد الآلاء ، ومفعول به للنظر بمعنى الانتظار ،
ومنه قول الشاعر :
* ( هامش ) * ( 1 ) سيجيئ هذا المعني عن أمير المؤمنين عليه السلام تحت رقم 9 . ( * )
[ 29 ]
أبيض لا يرهب الهزال ولا * * يقطع رحما ولا يخون إلى
أي لا يخون نعمة .
الثانى : أن يكون فيه حذف مضاف أي إلى ثواب ربها أي هي ناظرة إلى نعيم
الجنة حالا بعد حال فيزداد بذلك سرورها ، وذكر الوجوه والمراد به أصحاب الوجوه .
روي ذلك عن جماعة من علماء المفسرين من الصحابة والتابعين وغيرهم .
الثالث : أن يكون إلى بمعنى عند وهو معنى معروف عند النحاة وله شواهد ،
كقول الشاعر :
فهل لكم فيما إلي فإنني * * طبيب بما أعيى النطاسي حذيما ( 1 )
أي فيما عندي ، وعلى هذا يحتمل تعلق الظرف بناضرة وبناظرة . والاول أظهر .
الرابع : أن يكون النظر إلى الرب كناية عن حصول غاية المعرفة بكشف العلائق
الجسمانية فكأنها ناظرة إليه تعالى كقوله صلى الله عليه واله : ا عبدالله كأنك تراه .
4 - لى : المكتب ، عن محمد الاسدي ، عن ابن بزيع ، عن الرضا عليه السلام في قول الله
عزوجل : " لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار " قال : لاتدركه أوهام القلوب فكيف
تدركه أبصار العيون ؟ .
بيان : هذه الآية إحدى الدلالات التي استدل بها النافون للرؤية وقرروها
بوجهين : أحدهما أن إدراك البصر عبارة شائعة في الادراك بالبصر إسنادا للفعل إلى
الآلة ، والادراك بالبصر هو الرؤية بمعني اتحاد المفهومين أو تلازمهما ، والجمع المعرف
باللام عند عدم قرينة العهدية والبعضية للعموم والاستغراق بإجماع أهل العربية و
الاصول وائمة التفسير ، وبشهادة استعمال الفصحاء ، وصحة الاستثناء ، فالله سبحانه
قد أخبر بأنه لايراه أحد في المستقبل ، فلورآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه تعالى وهو
محال .
واعترض عليه بأن اللام في الجمع لو كان للعموم والاستغراق كما ذكرتم كان قوله :
تدركه الابصار موجبة كلية ، وقد دخل عليها النفي ، فرفعها هو رفع الايجاب الكلي ،
* ( هامش ) * ( 1 ) النطاسى : الطبيب الحاذق ، العالم . والحذيم بالكسر فالسكون فالفتح من السيوف : القاطع . ( * )
[ 30 ]
ورفع الايجاب الكلي سلب جزئي ، ولو لم يكن للعموم كان قوله : لا تدركه الابصار
سالبة مهملة في قوة الجزئية ، فكان المعني لاتدركه بعض الابصار ، ونحن نقول بموجبة
حيث لا يراه الكافرون ، ولو سلم فلا نسلم عمومه في الاحوال والاوقات فيحمل على نفي
الرؤية في الدنيا جمعا بين الادلة .
والجواب أنه قد تقرر في موضعه أن الجمع المحلى باللام عام نفيا وإثباتا في
المنفي والمثبت كقوله تعالى : " وما الله يريد ظلما للعباد " و " ما علي المحسنين من سبيل " حتى
أنه لم يرد في سياق النفي في شئ من الكتاب الكريم إلا بمعنى عموم النفى ، ولم يرد لنفي
العموم أصلا ، نعم قد اختلف في النفي الداخل علي لفظة كل لكنه في القرآن المجيد أيضا
بالمعنى الذي ذكرنا كقوله تعالي : " والله لا يحب كل مختال فخور " إلي غير ذلك ، وقد
اعترف بما ذكرنا في شرح المقاصد وبالغ فيه ، وأما منع عموم الاحوال والاوقات فلا يخفى
فساده فإن النفي المطلق الغير المقيد لاوجه لتخصيصه ببعض الاوقات إذ لاترجيح لبعضها
على بعض ، وهو أحد الادلة على العموم عند علماء الاصول ، وأيضا صحة الاستثناء
دليل عليه ، وهل يمنع أحد صحة قولنا : ما كلمت زيدا إلا يوم الجمعة ، ولا اكلمه إلا
يوم العيد ؟ وقال تعالى : " ولا تعضلوهن " إلى قوله : " إلا أن يأتين " وقال : " ولا تخرجوهن "
إلي قوله " إلا أن يأتين " وأيضا كل نفي ورد في القرآن بالنسبة إلى ذاته تعالى فهو للتأبيد
وعموم الاوقات لاسيما فيما قبل هذه الآية ، وأيضا عدم إدراك الابصار جميعا لشئ
لا يختص بشئ من الموجودات خصوصا مع اعتبار شمول الاحوال والاوقات فلا
يختص به تعالى فتعين أن يكون التمدح بعدم إدراك شئ من الابصار له في شئ من
الاوقات .
وثانيهما : أنه تعالى تمدح بكونه لايرى فإنه ذكره في أثناء المدائح ، وما كان
من الصفات عدمه مدحا كان وجوده نقصا يجب تنزيه الله تعالى عنه ، وإنما قلنا من الصفات
احترازا عن الافعال كالعفو والانتقام فإن الاول تفضل ، والثاني عدل ، وكلاهما
كمال .
[ 31 ]
5 - لي : الطالقاني ، عن ابن عقدة ، عن المنذر بن محمد ، ( 1 ) عن علي بن إسماعيل
الميثمي ، عن إسماعيل بن الفضل ( 2 ) قال : سألت أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام
عن الله تبارك وتعالى هل يري في المعاد ؟ فقال : سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا يا ابن
الفضل إن الابصار لاتدرك إلا ماله لون وكيفية ، والله خالق الالوان والكيفية .
6 - يد ، ن ، لى : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : قلت لعلي
ابن موسى الرضا عليهما السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث
أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة ؟ فقال عليه السلام : يا أبا الصلت إن الله تبارك
وتعالى فضل نبيه محمدا صلى الله عليه واله علي جميع خلقه من النبيين والملائكة وجعل طاعته طاعته
ومبايعته مبايعته ، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته فقال الله عزوجل : " من يطع
الرسول فقد أطاع الله " وقال : " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم "
وقال : النبي صلى الله عليه واله من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله جل جلاله . ودرجة النبي
صلى الله عليه وآله في الجنة أرفع الدرجات ، فمن زاره إلي درجته في الجنة من منزله فقد زارالله
تبارك وتعالى . قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب
لا إله إلا الله النظر إلي وجه الله ؟ فقال عليه السلام : يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه
فقد كفر ، ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم هم الذين بهم
يتوجه إلي الله وإلى دينه ومعرفته وقال الله عزوجل : " كل من عليها فإن ويبقى وجه
ربك " وقال عزوجل : " كل شئ هالك إلا وجهه " فالنظر إلي أنبياء الله ورسله
* ( هامش ) * ( 1 ) هو مندر بن محمد بن المنذر بن سعيد بن أبي الجهم القابوسى أبوالقاسم الثقة ، يوجد ذكره
مع بيان وثاقته في رجال النجاشي ص 298 وفى القسم الاول من الخلاصة ص 84 وفى الكشى ص 350
وفى غيرها من التراجم . وذكر العلامة الطباطبائى قدس الله روحه في فوائده " آل أبي الجهم
القابوسى " وأطراهم بالثناء وذكر الجميل ، وذكر منهم منذر بن محمد هذا .
( 2 ) هو إسماعيل بن الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبدالله بن الحارث نوفل بن الحارث بن عبد
المطلب ، من أصحاب أبي جعفر عليه السلام . ثقة من أهل البصرة يوجد ذكره في رجال الشيخ في باب
رجال الباقر ورجال الصادق عليهما السلام ، وفى الكشي ص 143 وفي القسم الاول من الخلاصة
ص 5 وفى غيرها من التراجم . ( * )
[ 32 ]
وحججه عليهم السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة وقد قال النبي صلى الله عليه واله : من
أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة . وقال صلى الله عليه واله : إن فيكم من لا يراني
بعد أن يفارقني يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالي لا يوصف بمكان ولا يدرك بالابصار
والاوهام الخبر ( 1 )
ج : مرسلا مثله
7 - لي : ابن ناتانة ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم الكرخي
قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام : إن رجلا رأى ربه عزوجل في منامه فما
يكون ذلك ؟ فقال : ذلك رجل لادين له إن الله تبارك وتعالى لايرى في اليقظة ولافي
المنام ولافي الدنيا ولافي الآخرة .
بيان : لعل المراد أنه كذب في تلك الرؤيا ، أو أنه لما كان مجسما تخيل له
ذلك ، أو أن هذه الرؤيا من الشيطان ، وذكرها يدل على كونه معتقدا للتجسم .
8 - شا ، ج : روى أهل السيرأن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير
المؤمنين أخبرني عن الله أرأيته حين عبدت الله ؟ فقال له أمير المؤمنين : لم أك بالذي أعبد
من لم أره فقال : كيف رأيته يا أمير المؤمنين ؟ فقال له : ويحك لم تره العيون بمشاهدة
العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ، معروف بالدلالات ، منعوت بالعلامات ،
لايقاس بالناس ، ولايدرك بالحواس . فانصرف الرجل وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل
رسالاته .
9 - ج : في خبر الزنديق الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام عما توهمه من التناقض
في القرآن قال عليه السلام : وأما قوله تعالي : " وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة " ذلك في
موضع ينتهي فيه أولياؤ الله عزوجل بعد ما يفرغ من الحساب إلي نهر يسمى الحيوان
يؤمرون بدخول الجنة فمن هذا المقام ينظرون إلي ربهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون
الجنة فذلك قوله عزوجل في تسليم الملائكة عليهم : " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين "
* ( هامش ) * ( 1 ) أورد الحديث بتمامه في الباب الاول تحت رقم 4 . ( * )
[ 33 ]
فعند ذلك اثيبوا بدخول الجنة والنظر إلي ما وعدهم الله عزوجل ، فذلك قوله : " إلى
ربها ناظرة " والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة ، ألم تسمع إلى قوله تعالى : " فناظرة
بم يرجع المرسلون " أي منتظرة بم يرجع المرسلون
وأما قوله : " ولقد رآه نزلة اخري عند سدرة المنتهى " يعني محمدا صلى الله عليه وآله حين كان
عند سدرة المنتهى ، حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عزوجل . وقوله في آخر الآية :
" ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى " رأي جبرئيل عليه السلام في صورته


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 33 سطر 7 الى ص 41 سطر 7

مرتين : هذه المرة ومرة اخري ، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين
الذين لايدرك خلقهم وصورتهم ( 1 ) إلا رب العالمين . الخبر .
بيان : الوعث والوعثاء : المشقة . قوله صلوات الله عليه : والنظر إلى ما وعدهم الله
يحتمل أن يكون المراد بالنظر الانتظار ، فيكون قوله : والناظرة في بعض اللغة تتمة
وتأييدا للتوجيه الاول ، والاظهر أنه عليه السلام أشار إلي تأويلين : الاول تقدير مصاف في
الكلام أي ناظرة إلي ثواب ربها فيكون النظر بمعنى الابصار . والثاني أن يكون النظر
بمعنى الانتظار ، ويؤيده ما في التوحيد في تتمة التوجيه الاول : فذلك قوله : " إلى ربها
ناظرة " وإنما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى ، وأرجع عليه السلام الضمير في
قوله تعالى : " ولقد رآه نزلة اخرى " إلى جبرئيل عليه السلام سيأتي القول فيه .
10 - ج : يونس بن ظبيان قال : دخل رجل على أبي عبدالله عليه السلام قال : أرأيت
الله حين عبدته ؟ قال له : ما كنت أعبد شيئا لم أره . قال : وكيف رأيته ؟ قال : لم تره
الابصار بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ، لايدرك بالحواس ، ولايقاس
بالناس ، معروف بغير تشبيه
11 - ج : عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " لا تدركه الابصار "
قال : إحاطة الوهم ، ألا ترى إلى قوله : " قد جائكم بصائر من ربكم " ليس يعني بصر
العيون " فمن أبصر فلنفسه " ليس يعني من البصر بعينه " ومن عمي فعليها " ليس يعني عمى
العيون ، إنما عني إحاطة الوهم ، كما يقال : فلان بصير بالشعر ، وفلان بصير بالفقه ،
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : لا يدرك خلقهم وصفتهم . ( * )
[ 34 ]
وفلان بصير بالدراهم ، وفلان بصير بالثياب ، الله أعظم من أن يرى بالعين .
يد : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن عبدالله بن
سنان مثله .
بيان : قوله عليه السلام : الله أعظم من أن يرى بالعين هذا تفريع على ما سبق أي إذا
لم يكن مدركا بالاوهام فيكون أعظم من أن يدرك بالعين ، ويحتمل أن يكون المعنى
أنه أعظم من أن يشك ، أو يتوهم فيه أنه مدرك بالعين حتى يتعرض لنفيه فيكون دليلا
على أن المراد بالابصار الاوهام .
12 - ج : أحمد بن إسحاق قال : كتبت إلي أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام أسأله عن
الرؤية وما فيه الخلق فكتب عليه السلام : لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء
ينفذه البصر ، فمتى انقطع الهواء وعدم الضياء لم تصح الرؤية ، وفي وجوب اتصال الضياء بين
الرائي والمرئي وجوب الاشتباه - وتعالى الله عن الاشتباه - فثبت أنه لا تجوز عليه سبحانه
الرؤية بالابصار لان الاسباب لابد من اتصالها بالمسببات .
13 - يد : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن أحمد بن إسحاق ( 1 ) قال : كتبت إلى أبي
الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية ومافيه الناس . فكتب : لا تجوز الرؤية مالم يكن
بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء وعدم الضياء عن الرائي والمرئي
لم تصح الرؤية ، وكان في ذلك الاشتباه لان الرائي متي ساوى المرئي في السبب الموجب
بينهما في الرؤية وجب الاشتباه ، وكان في ذلك التشبيه ، لان الاسباب لابد من اتصالها
بالمسببات .
بيان : استدل عليه السلام على عدم جواز الرؤية بأنها تستلزم كون المرئي جسمانيا
ذاجهة وحيز وبين ذلك بأنه لابد أن يكون بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر ،
* ( هامش ) * ( 1 ) هو أحمد بن إسحاق بن عبدالله بن سعد بن مالك الاحوص الاشعرى أبوعلى القمى ، كان وافد
القميين وشيخهم ، روي عن أبى جعفر الثانى وأبي الحسن عليهما السلام وكان خاصة أبى محمد عليه السلام و
كان سمن تشرف بلقاء صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ، توجد ترجمته مع الاطراء والتوثيق
في التراجم ، وأورده الشيخ في كتاب الغيبة في عداد الموثقين الذين كان يرد عليهم التوقيعات من قبل
المنسوبين للسفارة من الاصل . ( * )
[ 35 ]
وظاهره كون الرؤية بخروج الشعاع ، وإن أمكن أن يكون كناية عن تحقق الابصار
بذلك وتوقفه عليه ، فإذا لم يكن بينهما هواء وانقطع الهواء وعدم الضياء الذي هو أيضا
من شرائط الرؤية عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية بالبصر ، وكان في ذلك أي في كون
الهواء بين الرائي والمرئي الاشتباه يعني شبه كل منهما بالآخر يقال : اشتبها : إذا أشبه
كل منها الآخر لان الرائي متى ساوى المرئي وماثله في النسبة إلى السبب الذي أوجب
بينهما في الرؤية وجب الاشتباه ، ومشابهة أحدهما الآخر في توسط الهواء بينهما ، وكان
في ذلك التشبيه أي كون الرائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم الحكم
بمشابهة المرئي بالرائي من الوقوع في جهة ليصح كون الهواء بينهما فيكون متحيزا
ذاصورة وضعية فإن كون الشئ في طرف مخصوص من طرفي الهواء وتوسط الهواء بينه
وبين شئ آخر سبب عقلي للحكم بكونه في جهة ومتحيزا وذا وضع ، وهو المراد بقوله :
لان الاسباب لابد من اتصالها بالمسببات ، ويحتمل أن يكون ذلك تعليلا لجميع ما
ذكر من كون الرؤية متوقفة على الهواء إلى آخر ما ذكر وحاصله يرجع إلي ما ادعاه
جماعة من أهل الحق من العلم الضروري بأن الادراك المخصوص المعلوم بالوجه الممتاز
عن غيره لا يمكن أن يتعلق بماليس في جهة وإلا لم يكن للبصر مدخل فيه ، ولاكسب
لرؤيته بل المدخل في ذلك للعقل فلاوجه حينئذ لتسميته إبصارا ، والحاصل أن الابصار
بهذه الحاسة يستحيل أن يتعلق بما ليس في جهة بديهة ، وإلا لم يكن لها مدخل فيه ،
وهم قد جو زوا الادراك بهذه الجارحة الحساسة ، وأيضا هذا النوع من الادراك يستحيل
ضرورة أن يتعلق بما ليس في جهة ، مع قطع النظر عن أن تعلق هذه الحاسة يستدعي
الجهة والمقابلة . وماذكره الفخر الرازي من أن الضروري لا يصير محلا للخلاف ، وأن
الحكم المذكور مما يقتضيه الوهم ويعين عليه ، وهو ليس مأمونا لظهور خطائه في الحكم
بتجسم الباري تعالى وتحيزه ، وما ظهر خطؤه مرة فلا يؤمن بل يتهم ففاسد لان
خلاف بعض العقلاء في الضروريات جائز كالسوفسطائية والمعتزلة في قولهم بانفكاك
الشيئية والوجود وثبوت الحال ، وأما قوله : بأنه حكم الوهم الغير المأمون فطريف
جدا لانه منقوض بجميع أحكام العقل ، لانه أيضا مما ظهر خطؤه مرارا ، وجميع
[ 36 ]
الهندسيات والحسابيات ، وأيضا مدخلية الوهم في الحكم المذكور ممنوع ، وإنما هو عقلي
صرف عندنا ، وكذلك ليس كون الباري تعالى متحيزا مما يحكم به ويجزم بل هو
تخيل يجري مجرى سائر الاكاذيب في أن الوهم وإن صوره وخيله إلينا لكن العقل
لايكاد يجوزه بل يحيله ويجزم ببطلانه ، وكون ظهور الخطأ مرة سببا لعدم إيتمان
المخطي واتهامه ممنوع أيضا ، وإلاقدح في الحسيات وسائر الضروريات . وقد تقرر
بطلانه في موضعه في رد شبه القادحين في الضروريات
14 - يد : الدقاق ، عن الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبدالجبار ،
عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبوقرة المحدث أن أدخله إلي أبى الحسن الرضا عليه السلام
فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه ، فسأله عن الحلال والحرام والاحكام حتي بلغ
سؤاله التوحيد ، فقال أبوقرة : إنا روينا أن الله عزوجل قسم الرؤية والكلام بين
اثنين ، فقسم لموسى عليه السلام الكلام ولمحمد صلى الله عليه واله الرؤية ، فقال أبوالحسن عليه السلام : فمن
المبلغ عن الله عزوجل إلى الثقلين الجن والانس : لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار ،
ولا يحيطون به علما ، وليس كمثله شئ أليس محمد صلى الله عليه واله ؟ قال : بلى ، قال : فكيف يجيئ
رجل إلي الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول :
لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ، ولايحيطون به علما ، وليس كمثله شئ ، ثم
يقول : أنارأيته بعيني ، وأحطت به علما ، وهو على صورة البشر ! أما يستحيون ؟ ما قدرت
الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي عن الله بشئ ، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر . قال
أبوقرة : فإنه يقول : " ولقد رآه نزلة اخري " فقال أبوالحسن عليه السلام : إن بعد هذه الآية
ما يدل على ما رأى حيث قال : " ما كذب الفؤاد ما رأي " يقول : ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه واله
ما رأت عيناه ، ثم أخبر بما رأى فقال : " لقد رأي من آيات ربه الكبرى " فآيات الله غير
الله ، وقد قال : ولا يحيطون به علما ، فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم ، ووقعت
المعرفة . فقال أبوقرة فتكذب الروايات ؟ فقال أبوالحسن عليه السلام : إذا كانت الروايات
مخالفه للقرآن كذبت بها ، وما أجمع المسلمون عليه ( 1 ) أنه لايحيط به علم ولا تدركه
الابصار وليس كمثله شئ .
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : وما اجتمع المسلمون عليه . ( * )
[ 37 ]
بيان : اعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالي : " ما كذب
الفؤاد ما رأي " يحتمل كون ضمير الفاعل في رأي راجعا إلى النبي صلى الله عليه واله ، وإلي الفؤاد .
قال البيضاوي : ما كذب الفؤاد ما رأي ببصره من صورة جبرئيل ، أو الله أي ما كذب الفؤاد
بصره بما حكاه له ، فإن الامور القدسية تدرك أولا بالقلب ، ثم ينتقل منه إلي البصر ،
أوما قال فؤاده لما رأه : لم أعرفك ، ولو قال ذلك كان كاذبا لانه عرفه بقلبه كما رآه
بصره ، أو ما رآه بقلبه ، والمعنى لم يكن تخيلا كاذبا ، ويدل عليه أنه سئل عليه السلام هل رأيت
ربك ؟ فقال : رأيته بفؤادي ، وقرئ ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه . " أفتمارونه
على ما يرى " أفتجادلونه عليه من المراء وهو المجادلة . انتهى قوله تعالى : " ولقد رآه نزلة
اخرى " قال الرازي : يحتمل الكلام وجوها ثلاثة : الاول الرب تعالى ( 1 ) والثاني
جبرئيل عليه السلام ، والثالث الآيات العجيبة الالهية . انتهى . أي ولقد رآه نازلا نزلة اخرى
فيحتمل نزوله صلى الله عليه واله ونزول مرئية .
فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية
ووقوعها بوجوه : الاول أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل ، إذا المرئي غير مذكور
في اللفظ ، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلي هذا الوجه في الخبر السابق . وروى مسلم
في صحيحه بإسناده عن زرعة ، ( 2 ) عن عبدالله " ما كذب الفؤاد ما رأى " قال : رأي جبرئيل
عليه السلام له ستمائة جناح . وروى أيضا بإسناده عن أبي هريرة " ولقد رآه نزلة اخرى " قال :
* ( هامش ) * ( 1 ) قال البغوى في معالم التنزيل : هو قول انس والحسن وعكرمة ، قالوا : رأى محمد ربه ، وروى
عكرمة عن ابن عباس قال : إن الله اصطفى ابراهيم بالخلة ، واصطفى موسى بالكلام ، واصطفى محمدا صلى
الله عليه واله بالرؤية ، ونسب القول الثانى إلى ابن مسعود وعائشة وروى بطريقه عن مسروق قيل : قلت
لعائشة : يا اماه هل رأى محمد صلى الله ربه ؟ فقالت : لقد تكلمت بشئ وقف له شعرى مما قلت ، أين أنت من ثلاث
من حد ثكهن فقد كاذب : من حدثك أن محمد رأى ربه فقد كذب ثم قرأت : لا تدركه الابصار وهو اللطيف الخبير
وما كان لبشر أن يكلمه الله وحيا أو من وراء حجاب " إلى أن قالت : ولكنه رأي جبرئيل في صورته مرتين
أقول أخرجه البخارى في صحيحه ص 175 والمسلم في ج 1 ص 110 من صحيحه ونسب القول الثانى
الشيخ في التبيان إلى مجاهد والربيع أيضا .
( 2 ) الصحيح كما في نسخة : عن زر " أى ابن جيش " عن عبدالله . أخرجه المسلم في ج 1 ص
109 وكذا حديث أبي هريرة . ( * )
[ 38 ]
رأي جبرئيل عليه السلام بصورته التي له في الخلقة الاصلية . الثاني : ما ذكره عليه السلام في هذا
الخبر وهو قريب من الاول لكنه أعم منه . الثالث : أن يكون ضمير الرؤية راجعا إلى
الفؤاد ، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضا لافساد فيه . الرابع : أن يكون
على تقدير إرجاع الضمير إليه عليه السلام وكون المرئي هو الله تعالى المراد بالرؤية غاية مرتبة
المعرفة ونهاية الانكشاف
وأما استدلاله عليه السلام بقوله تعالى : " ليس كمثله شئ " فهو إما لان الرؤية تستلزم
الجهة والمكان وكونه جسما أو جسمانيا ، أو لان الصورة التي تحصل منه في المدركة
تشبهه . قوله عليه السلام : حيث قال أي أولا قبل هذه الآية ، وإنما ذكر عليه السلام ذلك لبيان
أن المرئي قبل هذه الآية غير مفسر أيضا ، بل إنما يفسره ما سيأتي بعدها . قوله عليه السلام :
وما أجمع المسلمون عليه أي اتفق المسلمون على حقية مدلول ما في الكتاب مجملا ، و
الحاصل أن الكتاب قطعي السند متفق عليه بين جميع الفرق فلا يعارضه الاخبار المختلفة
المتخالفة التي تفردتم بروايتها .
ثم اعلم أنه عليه السلام أشار في هذا الخبر إلي دقيقة غفل عنها الاكثر ، وهي أن
الاشاعرة وافقونا في أن كنهه تعالى يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية حتي أن المحقق
الدواني نسبه إلي الاشاعرة موهما اتفاقهم عليه ، وجو زوا ارتسامه وتمثله في قوة
جسمانية ، وتجويز إدراك القوة الجسمانية لهادون العقلية بعيد عن العقل مستغرب
فأشار عليه السلام إلى أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالى من السمع ينفي الرؤية أيضا فإن
الكلام ليس في رؤية عرض من أعراضه تعالى بل في رؤية ذاته وهو نوع من العلم بكنهه
تعالى . ( 1 )
15 - يد : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه السلام
قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : لما اسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل عليه السلام مكانا لم يطأه
* ( هامش ) * ( 1 ) لا ملازمة بين الامرين فان حس البصر لاينال إلا الاضواء والالوان ، وأما جوهر الاجسام أعني
موضوع هذه الاعراض فلايناله شئ من الحواس لاالبصر ولاغيره ، وإنما طريق نيله الفكر والقياس
والرواية غير متعرضة لشئ من ذلك . ط ( * )
[ 39 ]
جبرئيل قط فكشف لي فأراني الله عزوجل من نور عظمته ما أحب .
16 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي هاشم الجعفري ، عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الله عزوجل هل يوصف ؟ ( 1 ) فقال : أما تقرأ القرآن
قلت : بلى ، قال : أما تقرأ قوله عزوجل : " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصاره " ؟ قلت
بلى ، قال : فتعرفون الابصار ؟ قلت : بلى ، قال : وماهي ؟ قلت : أبصار العيون فقال :
إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الاوهام ، وهو يدرك الاوهام .
بيان : أكثر أي أعم إدراكا فهو أولى بالتعرض لنفيه .
17 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عمن ذكره ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي هاشم
الجعفري قال : قلت لابي جعفر علي بن الرضا عليه السلام : " لا تدركه الابصار وهو يدرك
الابصار " فقال : يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك
السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولم تدركها ببصرك ( 2 ) فأوهام القلوب لا تدركه ،
فكيف أبصار العيون ؟
ج : عن الجعفري مثله .
18 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن ابن أبان ، عن بكر بن
صالح ، ( 3 ) عن الحسن بن سعيد ، عن إبراهيم بن محمد الخزاز ومحمد بن الحسين قالا :
دخلنا علي أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له ما روي أن محمدا صلى الله عليه واله رأى ربه في هيئة
الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة ، رجلاه في خضرة وقلنا : إن هشام بن سالم ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) أي هل يوصف بأنه مرئى .
( 2 ) وفى نسخة : ولا تدركها ببصرك .
( 3 ) مشترك بين الضعيف والمجهول .
( 4 ) هو هشام بن سالم الجو اليقى الكوفى ، مولى بشر بن مروان أبوالحكم روى عن أبى عبدالله
وأبى الحسن عليهما السلام ، ثقة ثقة جليل ، مقرب عند الائمة ، وكان متكلما جدليا ، أطراه الرجاليون
كلهم بالوثاقة ، وأبرؤوا ساحته عما نسب إليه من الاقوال الشنيعة والاعتقادات الفاسدة . ( * )
[ 40 ]
وصاحب الطاق ( 1 ) والميثمي ( 2 ) يقولون : إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد ، فخر
ساجدا ثم قال : سبحانك ما عرفوك ولاوحدوك فمن أجل ذلك وصفوك ، سبحانك لو
عرفوك لو صفوك بما وصفت به نفسك ، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك
إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك ، ولا اشبهك بخلقك ، أنت أهل لكل خير ، فلا
تجعلني من القوم الظالمين . ( 3 )
ثم التفت إلينا فقال : ما تو همتم من شئ فتوهموا الله غيره . ثم قال : نحن آل
محمد النمط الوسطى الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي ، يا محمد إن رسول الله صلى الله عليه واله
حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة ، يا محمد عظم ربي
وجل أن يكون في صفة المخلوقين .
قال : قلت : جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة ؟ قال : ذاك محمد صلى الله عليه واله كان إذا
نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب ، إن نور الله
* ( هامش ) * ( 1 ) هو محمد بن على بن النعمان أبوجعفر ، الملقب بمؤمن الطاق ، وشاه الطاق ، ويلقبه
المخالفون بشيطان الطاق ، كان ثقة متكلما حاذقا حاضر الجواب ، له مناظرات مع أبى حنيفة و
حكايات ، قال النجاشى : أما منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر ، وقد نسب إليه أشياء لم تثبت
عندنا .
( 2 ) لقب لجماعة من الاصحاب : منهم أحمد بن الحسن بن إسماعيل ، وعلى بن إسماعيل ، وعلى
ابن الحسن ، ومحمد بن الحسن بن زياد وغيرهم وحيث اطلق فلابد في تشخيصه من الرجوع إلى
القرائن ، ويحتمل قويا بفرينة موضوع الحديث بل يتعين كون الميثمى الواقع في الحديث هو على
ابن إسماعيل الذى ترجمة النجاشى في ص 176 من رجاله بقوله : على بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم
بن يحيى التمار ، أبوالحسن مولى بنى أسد كوفى ، سكن البصرة ، وكان من وجوه المتكلمين من أصحابنا
كلم أبا الهذيل والنظام ، له مجالس وكتب : منها كتاب الامامة ، كتاب الطلاق ، كتاب النكاح ،
كتاب مجالس هشام بن الحكم ، كتاب المتعة . انتهى . وقيل : كان في زمان الكاظم عليه السلام من
الفضلاء المعروفين والمتكلمين المتدققين وربما يظهر أنه كان من تلامذة هشام . قلت : توجد جملة
من حجاجه ومناظراته مع أبى الهذيل العلاف وضرار في مسألة الامامة في ص 5 و 9 و 52 من الطبعة
الثانية من الفصول المختارة ، ومع رجل نصرانى ورجل ملحد وغيره في ص 31 و 39 و 44 ، فما في
الوافى من أن الميثمى هذا هو أحمد بن الحسن مما لم نجد عليه دليلا بل الشاهد قائم على خلافه .
( 3 ) وفى نسخة : فلا تجعلنى مع القوم الظالمين . ( * )
[ 41 ]
منه اخضر ما اخضر ، ( 1 ) ومنه احمر ما احمر ، ومنه ابيض ما ابيض ، ومنه غير ذلك ، يا محمد
ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به .
بيان : قوله عليه السلام : النمط الوسطى - وفي الكافي الاوسط - قال الجزري : في حديث
علي عليه السلام : خير هذه الامة النمط الاوسط ، النمط : الطريقة من الطرائق والضروب ،
يقال : ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضرب ، والنمط : الجماعة من الناس
أمرهم واحد . انتهى قوله عليه السلام : لا يدركنا الغالي في أكثر النسخ بالغين المعجمة ، وفي
بعضها بالعين المهملة ، وعلى التقديرين المراد به من يتجاوز الحد في الامور أي لايدركنا


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 41 سطر 8 الى ص 49 سطر 8

ولا يلحقنا في سلوك طريق النجاة من يغلو فينا أوفي كل شئ ، والتالي أي التابع لنا
لا يصل إلي النجاة إلا بالاخذ عنا فلا يسبقنا بأن يصل إلى المطلوب لا بالتوصل بنا . و
في الكافي : إن نور الله منه أخضر ، ومنه أحمر ، ومنه أبيض ومنه غير ذلك . وسيأتي في باب
العرش في خبر أبي الطفيل إن الله خلق العرش من أنوار مختلفة فمن ذلك النور نور أخضر
اخضرت منه الخضرة ، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة ، ونور أحمر احمرت منه الحمرة ، و
نور أبيض وهو نور الانوار ومنه ضوء النهار
ثم اعلم أنه يمكن إبقاء الحجب والانوار علي ظواهرها بأن يكون المراد بالحجب
أجساما لطيفة مثل العرش والكرسي يسكنها الملائكة الروحانيون كما يظهر من بعض
الدعوات والاخبار أي أفاض عليه شبيه نور الحجب ليمكن له رؤية الحجب كنور
الشمس بالنسبة إلى عالمنا ، ويحتمل التأويل أيضا بأن يكون المراد بها الوجوه التي
يمكن الوصول إليها في معرفة ذاته تعالى وصفاته إذ لاسبيل لاحد إلى الكنه ، وهي
تختلف باختلاف درجات العارفين قربا وبعدا فالمراد بنور الحجب قابلية تلك المعارف
وتسميتها بالحجب إما لانها وسائط بين العارف والرب تعالى كاحجاب ، وأولانها
موانع عن أن يسند إليه تعالى مالا يليق به ، أو لانها لمالم تكن موصلة إلى الكنه فكأنها
حجب إذ الناظر خلف الحجاب لاتتبين له حقيقة الشئ كما هي .
وقيل : إن المراد بها العقول فإنها حجب نور الانوار ووسائط النفوس الكاملة ،
( 1 ) كذا في النسخ ، ولعل الصحيح : إن نور الله منه أخضر اخضر منه ما اخضر ، وكذا فيما بعده . ( * )
[ 42 ]
والنفس إذا استكملت ناسبت نوريتها نورية تلك الانوار فاستحقت الاتصال بها و
الاستفادة منها فالمراد بجعله في نور الحجب جعله في نور العلم والكمال مثل نور الحجب
حتي يناسب جوهر ذاته جوهر ذاتهم فيستبين له ما في ذواتهم ، ولا يخفى فساده على اصولنا
بوجوه شتى .
وأما تأويل ألوان الانوار فقد قيل فيه وجوه :
الاول : أنها كناية عن تفاوت مراتب تلك الانوار بحسب القرب والبعد من
نور الانوار ، فالابيض هو الاقرب ، والاخضر هو الابعد كأنه ممزج بضرب من الظلمة
والاحمر هو المتوسط بينهما ثم مابين كل اثنين ألوان اخرى كألوان الصبح والشفق
المختلفة في الالوان لقربها وبعدها من نور الشمس .
الثانى : أنها كناية عن صفاته المقدسة فالاخضر قدرته على إيجاد الممكنات
وإفاضته الارواح التي هي عيون الحياة ومنابع الخضرة ، والاحمر غضبه وقهره على
الجميع بالاعدام والتعذيب ، والابيض رحمته ولطفه على عباده كما قال تعالي : " وأما
الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله " .
الثالث : ما استفدته من الوالد العلامة قدس الله روحه وذكر أنه مما افيض عليه
من أنوار الكشف واليقين ، وبيانه يتوقف على تمهيد مقدمة وهي أن لكل شئ مثالا
في عالم الرؤيا والمكاشفة ، وتظهر تلك الصور والامثال على النفوس مختلفة باختلاف
مراتبها في النقص والكمال ، فبعضها أقرب إلى ذي الصورة ، وبعضها أبعد ، وشأن المعبر
أن ينتقل منها إلى ذواتها
فإذا عرفت هذا فالنور الاصفر عبارة عن العبادة ونورها كما هو المجرب في
الرؤيا فإنه كثيرا ما يرى الرائي الصفرة في المنام فيتيسر له بعد ذلك عبادة يفرح بها
وكما هو المعاين في جباه المتهجدين ، وقد ورد في الخبر في شأنهم أنه ألبسهم الله من
نوره لما خلوابه . والنور الابيض : العلم لانه منشأ للظهور وقد جرب في المنام أيضا
والنور الاحمر : المحبة كما هو المشاهد في وجوه المحبين عند طغيان المحبة وقد جرب
في الاحلام أيضا . والنور الاخضر : المعرفة ، كما تشهد به الرؤيا ويناسبه هذا الخبر ،
[ 43 ]
لانه عليه السلام في مقام غاية العرفان كانت رجلاه في خضرة ، ولعلهم عليهم السلام إنما عبروا
عن تلك المعاني على تقدير كونها مرادة بهذه التعبيرات لقصور أفهامنا عن محض الحقيقة
كما تعرض على النفوس الناقصة في الرؤيا هذه الصور ، ولانا في منام طويل من الغفلة
عن الحقائق كما قال عليه السلام : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا . وهذه التأويلات غاية ما يصل
إليه أفهامنا القاصرة ، والله أعلم بمراد حججه وأوليائه عليهم السلام .
19 - يد : ابن الوليد ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : رأى رسول الله صلى الله عليه واله ربه عزوجل - يعني بقلبه -
وتصديق ذلك ما حدثنا به ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن محمد بن
الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام هل رأى رسول الله صلى الله عليه واله ربه عزوجل ؟ فقال :
نعم بقلبه رآه أما سمعت الله عزوجل يقول : " ما كذب الفؤاد ما رآى " لم يره بالبصر
ولكن رآه بالفؤاد .
20 - يد : أبي ، عن سعد ، عن الاصفهاني ، عن المنقري ، عن حفص أو غيره قال
سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل : " لقدر آى من آيات ربه الكبرى " قال : رأي
جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل له ستمائة جناح قد ملا ما بين السماء والارض .
21 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن علي بن أبي القاسم ، عن يعقوب بن إسحاق ( 1 )
قال : كتبت إلي أبي محمد عليه السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقع عليه السلام :
يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى . قال : وسألته هل
رأي رسول الله صلى الله عليه واله ربه ؟ فوقع عليه السلام : أن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من
نور عظمته ما أحب .
* ( هامش ) * ( 1 ) قال المصنف قدس الله روحه في كتابه مرآة العقول ذيل الحديث : ظن أصحاب الرجال
أن يعقوب بن إسحاق هو ابن السكيت والظاهر أنه غيره لان ابن السكيت قتله المتوكل في زمان
الهادى عليه السلام ولم يلحق أبا محمد عليه السلام انتهى . أقول : أدرك ابن السكيت من بدء عمر أبي محمد
عليه السلام اثني عشر سنة أو أزيد لان العسكرى عليه السلام ولدفى سنة 330 أو 31 أو 32 على اختلاف .
وقتل المتوكل ابن السكيت في سنة 244 كما في تاريخ الخلفاء ، وابن خلكان وغيرهما ، فعلى ذلك لايبعد
روايته عنه عليه السلام ، ولا يتوقف صحة روايته عنه عليه السلام على زمان إمامته وفوت أبيه عليه السلام . ( * )
[ 44 ]
22 - يد : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن
حميد ( 1 ) قال : ذاكرت أبا عبدالله عليه السلام فيما يروون من الرؤية ، فقال : الشمس جزء من
سبعين جزءا من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش ، والعرش
جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزءا من نور السر ،
فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب .
بيان : لعله تمثيل وتنبيه على عجز القوى الجسمانية ، وبيان لان لادراكها
حدا لا تتجاوزه ، ويحتمل أن يكون تنبيها بضعف القوي الظاهرة على ضعف القوي
الباطنة ، أي كما لايقدر بصرك في رأسك على تحديق النظر إلي الشمس فكذلك لا يقدر
عين قلبك على مطالعة شمس ذاته وأنوار جلاله ، والاول أظهر .
23 - يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن أبي الحسن الموصلي
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : جاء حبر ( 2 ) إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين
هل رأيت ربك حين عبدته ؟ فقال : ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره . قال : وكيف رأيته
قال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان .
24 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن البطائني ، عن
أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : أخبرني عن الله عزوجل هل يراه
المؤمنون يوم القيامة ؟ قال : نعم وقدرأوه قبل يوم القيامة . فقلت : متى ؟ قال : حين قال
لهم : " ألست بربكم قالوا بلى " ثم سكت ساعة ثم قال : وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا
قبل يوم القيامة ، ( 3 ) ألست تراه في وقتك هذا ؟ .
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الحاء المهملة وفتح الميم وسكون الياء ، هو عاصم بن حميد الحناط الحنفى أبوالفضل
الكوفى ، ثقة ، عين ، صدوق روى عن أبى عبدالله عليه السلام .
( 2 ) الحبر بفتح الحاء وكسره وسكون الباء : رئيس الكهنة عند اليهود ويطلق على عالم من علمائهم
أيضا .
( 3 ) لان في القيامة يظهر آثار عظمته وكبريائه وملكوته وسلطانه أشد الظهور ، ويرتفع حجب
الشكوك والاوهام وأستار الجحد والعناد عن القلوب ، فما من نفس إلا وهى مذعنة لربوبيته و
موقنة بالوهيته ، وخاشعة لعظمته وكبريائه ، وصعق من في السماوات والارض ، كل أتوه داخرين
وعنت الوجوه للحى القيوم وقدخاب من حمل ظلما . وإليه الاشارة بقوله تعالى : " لقد كنت في غفلة " ( * )
[ 45 ]
قال أبوبصير : فقلت له : جعلت فداك فاحدث بهذا عنك ؟ فقال : لافإنك إذا
حدثث به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه وكفر ، وليست
الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالي الله عما يصفه المشبهون والملحدون .
25 - لى ، يد : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أحمد
ابن النضر ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن عبدالله بن عباس في
قوله عزوجل : " فلما أفاق قال سبحانك إني تبت إليك وأنا أول المؤمنين " قال : يقول :
سبحانك تبت إليك من أن أسألك رؤية ، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى .
قال الصدوق رحمه الله : إن موسى عليه السلام علم أن الله عزوجل لايجوز عليه الرؤية
وإنما سأل الله عزوجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حن ألحوا عليه في ذلك ، فسأل
موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه ، فقال : " رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن
انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه " في حال تدكدكه ( 1 ) " فسوف تراني " ومعناه أنك
لاتراني أبدا ، لان الحبل لايكون ساكنا متحركا في حال أبدا ، وهذا مثل قوله عز
وجل : " ولا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط " ومعناه أنهم لايدخلون الجنة
أبدا كما لايلج الجمل في سم الخياط أبدا " فلما تجلى ربه للجبل " أي ظهر بآية من آياته
وتلك الآية نور من الانوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل " فجعله دكا وخر
موسى صعقا " من هول تدكدك ذلك الجبل على عظمه وكبره ، فلما أفاق قال سبحانك
تبت إليك أي رجعت إلى معرفتي بك عادلا عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية ، ولم تكن
هذه التوبة من ذنبه لان الانبياء لا يذنبون ذنبا صغيرا ولاكبيرا ، ولم يكن الاستيذان
* ( هامش ) * * من هذا وبصرك اليوم حديد " هذا حال غير أوليائه وأصفيائه ، وأما عباد الله الصالحون فلهم الدنيا
والاخرة سيان فما رأون شيئا إلا ويرون الله قبله وبعده ومعه بل لو كشف الغطاء ما ازدادوا يقينا
وبالجملة ما يمنع عن رؤيته وظهور براهين وجوده وشواهد قدرته هو التوغل والانهماك في الماديات
وتعلق القلب بالدنيا وزخرفها وإلا فهو ظاهر مشهور ، لم يحتجب عن خلقه ، ولم يمنعهم عن عرفان
جماله ، ولنعم ما قال زين العابدين عليه العلاة والسلام : انك لاتحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم
الامال دونك .
( 1 ) في التوحيد المطبوع : في حال تزلزله وتدكدكه . ( * )
[ 46 ]
قبل السؤال بواجب عليه لكنه كان أدبا أن يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله ،
على أنه قد روى قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا
تجوز على الله عزوجل . وقوله : وأنا أول المؤمنين يقول : أنا أول المؤمنين - من القوم
الذين كانوا معه وسألوه أن بسأل ربه أن يريه ينظر إليه - بأنك لاترى .
والاخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنا - رضى الله عنهم - في
مصنفاتهم عندي صحيحة ، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل
بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عزوجل وهو لايعلم .
والاخبار التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره والتي أوردها محمد بن أحمد
ابن يحيى في جامعه في معنى الرؤية صحيحة لا يردها إلا مكذب بالحق أو جاهل به ، و
ألفاظها ألفاظ القرآن ، ولكل خبر معنى ينفي التشبيه والتعطيل ، ويثبت التوحيد ، وقد
أمرنا الائمة صلوات الله عليهم أن لانكلم الناس إلا على قدر عقولهم ، ومعنى الرؤية هنا
الواردة في الاخبار : العلم ، وذلك أن الدنيا دارشكوك وارتياب وخطرات ، فإذا كان
يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله واموره في ثوابه وعقابه ما تزول به الشكوك و
يعلم حقيقة قدرة الله عزوجل وتصديق ذلك في كتاب الله عزوجل : " لقد كنت في غفلة
من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " فمعنى ما روي في الحديث أنه عزوجل
يرى أي يعلم علما يقينيا ، كقوله عزوجل : " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل " وقوله : ألم تر
إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " وقوله " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر
الموت " وقوله : " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " وأشباه ذلك من رؤية القلب و
ليست من رؤية العين ، وأما قول الله عزوجل : " فلما تجلى ربه للجبل " ( 1 ) فمعناه : لما
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الرضى في تلخيصه : هذه استعارة على أحد وجهى التأويل وهو أن يكون المعنى : فلما
حقق تعالى بمعرفته لحاضرى الجبل الايات التى أحدثها في العلم بحقيقته عوارض الشبه وخوالج
الريب ، وكأن معرفته سبحانه تجلت لهم من غطاء أو برزت لهم من حجاب . وأما التأويل الاخر و
هو أن يقدر في الكلام محذوف ، هو سلطانه أو أمره سبحانه ، ويكون تقدير الكلام : فلما تجلى أمر
ربه أو سلطان ربه للجبل ، ويكون ذلك مثل قوله : " وجاء ربك " أى ملائكة ربك أو أمر ربك
أو عقاب ربك ، وهذه استعارة من وجه آخر وهو من حيث وصف الامر أو السلطان بالتجلى وإنما
المتجلى حاملهما والوارد بهما .
[ 47 ]
ظهر عزوجل للجبل بآية من آيات الآخرة التي يكون بها الجبال سرابا ، والذي
ينسف بها الجبال نسفا ، تدك دك الجبل فصار ترابا لانه لم يطق حمل تلك الآية . وقد
قيل : إنه بداله نور العرش
وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم القرشي ، عن أبيه ، عن حمدان بن سليمان ،
عن علي بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى
عليهما السلام فقال له المأمون : يا ابن رسول الله أليس من قولك : إن الانبياء معصومون ؟ قال :
بلى ، فسأله عن آيات من القرآن فكان فيما سأل أن قال له : فما معنى قول الله عزوجل :
" ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني " الآية ؟
كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز
عليه الرؤية حتى يسأله عن هذا السؤال ؟ .
فقال الرضا عليه السلام : إن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أن الله تعالي عن أن
يرى بالابصار ، ولكنه لما كلمه الله عزوجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم
أن الله عزوجل كلمه وقربه وناجاه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت
وكان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفا ، ثم اختار منهم سبعة آلاف ، ثم
اختار منهم سبعمائة ، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه فخرج بهم إلي طور سيناء
فأقامهم في سفح الجبل ، ( 1 ) وصعد موسى عليه السلام إلي الطور ، وسأل الله تبارك وتعالى
أن يكلمه ويسمعهم كلامه ، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل
ويمين وشمال ووراء وأمام ، لان الله عزوجل أحدثه في الشجرة ، ثم جعله منبعثا منها
حتي سمعوه من جميع الوجوه فقالوا : لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله
حتى نرى الله جهرة ، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز و
جل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسى : يا رب ما أقول لبني إسرائيل
إذا رجعت إليهم وقالوا : إنك ذهبت بهم فقتلتهم لانك لم تكن صادقا فيما ادعيت
من مناجاة الله إياك ؟ فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنك لو سألت الله أن يريك
* ( هامش ) * ( 1 ) سفح الجبل : أصله وأسفله ، عرضه ومضطجعه الذى يسفح أى ينصب فيه الماء . ( * )
[ 48 ]
تنطر إليه لاجابك ، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته ! فقال موسى عليه السلام : يا قوم
إن الله لايري بالابصار ولا كيفية له ، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه . فقالوا : لن
نؤمن لك حتي تسأله
فقال موسى عليه السلام : يا رب إنك قدسمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم
فأوحي الله جل جلاله إليه : يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك
قال موسى عليه السلام : " رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه "
وهو يهوي " فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل " بآياته " جعله دكا وخر موسى صعقا
فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك " يقول : رجعت إلي معرفتي بك عن جهل قومي " وأنا
أول المؤمنين " منهم بأنك لاترى . فقال المأمون : لله درك ( 1 ) يا أبا الحسن . الخبر .
ن : تميم القرشي مثله .
بيان : اعلم أن المنكرين للرؤية والمثبتين لها كليهما استدلوا بما ورد في تلك
القصة على مطلوبهم فأما المثبتون فاحتجوا بها بوجهين :
الاول : أن موسى عليه السلام سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالى مرئيا لما سأل ، لانه
حينئذ إما أن يعلم امتناعه أو يجهله فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال لانه عبث ، و
إن جهله فالجاهل بما لايجوز على الله تعالي ويمتنع لا يكون نبيا كليما .
واجيب عنه بوجوه :
الاول : ما ورد في هذا الخبر من أن السؤال إنما كان بسبب قومه لالنفسه لانه كان
عالما بامتناعها ، وهذا أظهر الوجوه واختاره السيد الاجل المرتضى في كتابي تنزيه الانبياء
وغرر الفوائد ، وأيده بوجوه : منها حكاية طلب الرؤية من بني إسرائيل في مواضع كقوله
تعالى : " فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم "
وقوله تعالى : " وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتي نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم
تنظرون " . ومنها : أن موسى عليه السلام أضاف ذلك إلى السفهاء ، قال الله تعالى : " فلما أخذتهم
الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " وإضافة
ذلك إلى السفهاء تدل على أنه كان بسببهم ومن أجلهم حيث سألوا مالايجوز عليه تعالى .
* ( هامش ) * ( 1 ) أي لله ما خرج منك من خير . ( * )
[ 49 ]
فإن قيل : فلم أضاف السؤال إلى نفسه ووقع الجواب مختصا به ؟ قلنا : لا يمتنع
وقوع الاضافة على هذا الوجه ، مع أن السؤال كان لاجل الغير إذا كانت هناك دلالة
تؤمن من اللبس ، فلهذا يقول أحدنا - إذا شفع في حاجة غيره - للمشفوع إليه : أسألك أن
تفعل بي كذا وتجيبنى إلى ذلك ، ويحسن أن يقول المشفوع إليه : قد أجبتك وشفعتك ، وما
جرى مجرى ذلك ، على أنه قد ذكر في الخبر ما يغني عن هذا الجواب .
وأما ما يورد في هذا المقام من أن السؤال إذا كان للغير فأي جرم كان لموسى حتى
تاب منه ؟ فأجاب عليه السلام بحمل التوبة على معناه اللغوي أي الرجوع أي كنت قطعت
النظر عما كنت أعرفه من عدم جواز رؤيتك ، وسألت ذلك للقوم فلما انقضت المصلحة


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 49 سطر 9 الى ص 57 سطر 9

في ذلك تركت هذا السؤال ورجعت إلى معرفتي بعدم جواز رؤيتك وما تقتضيه من عدم
السؤال .
وأجاب السيد قدس الله روحه عنه بأنه يجوز أن يكون التوبة لامر آخر غير
هذا الطلب ، أو يكون ما أظهره من التوبة على سبيل الرجوع إلى الله تعالى ، وإظهار
الانقطاع إليه ، والتقرب منه ، وإن لم يكن هناك ذنب . والحاصل أن الغرض من ذلك
إنشاء التذلل والخضوع ، ويجوز أن يضاف إلى ذلك تنبيه القوم المخطئين على التوبة
مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه ، بل أقول : يحتمل أن يكون التوبة من قبلهم كما
كان السؤال كذلك .
الثانى : أنه عليه السلام لم يسأل الرؤية بل تجوز بها عن العلم الضروري لانه لازمها ،
وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع سيما استعمال رأى بمعنى علم وأرى بمعنى أعلم
والحاصل أنه سأله أن يعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره
إلى المعرفة ، فتزول عنه الدواعي والشكوك ، ويستغني عن الاستدلال كما سأل إبراهيم
عليه السلام : " رب أرني كيف تحيي الموتي "
الثالث : أن في الكلام مضافا محذوفا أي أرني آية من آياتك أنظر إلى آيتك ، و
حاصلة يرجع إلى الثاني .
الرابع : أنه عليه السلام سأل الرؤية مع علمه بامتناعها لزيادة الطمأنينة بتعاضد دليل
[ 50 ]
العقل والسمع ، كما في طلب إبراهيم عليه السلام ، وحاصله يرجع إلى منع أن العاقل لا يطلب
المحال الذي علم استحالته إذ يمكن أن يكون الطلب لغرض آخر غير حصول المطلوب
فلايلزم العبث لجواز ترتب غرض آخر عليه ، والعبث مالافائدة فيه أصلا ، ولعل في هذا
السؤال فوائد عظيمة سوى ما ذكر أيضا ولايلزمنا تعيين الفائدة بل على المستدل أن يدل
على انتفائها مطلقا ، ونحن من وراء المنع ، ومما يستغرب من الاشاعرة أنهم أجمعوا على
أن الطلب غير الارادة ، واحتجوا عليه بأن الآمر ربما أمر عبده بأمر وهو لايريده ، بل
يريد نقيضه ، ثم يقولون ههنا : بأن طلب ما علم استحالته لايتأتى من العاقل .
الثانى من وجهى احتجاجهم : هو أنه تعالي علق الرؤية على استقرار الجبل وهو
أمر ممكن في نفسه ، والمعلق على الممكن ممكن لان معنى التعليق أن المعلق يقع على
تقدير وقوع المعلق عليه ، والمحال لايقع على شئ من التقادير ويمكن الجواب عنه
بوجوه أوجهها أن يقال : التعليق إما أن يكون الغرض منه بيان وقت المعلق وتحديد
وقوعه بزمان وشرط ومن البين أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، وإما أن يكون
المطلوب فيه مجرد بيان تحقق الملازمة وعلاقة الاستلزام بأن يكون لافادة النسبة التي
بين الشرط والجزاء مع قطع النظر عن وقوع شئ من الطرفين وعدم وقوعه ، ولايخفى
على ذي لب أن لا علاقة بين استقرار الجبل ورؤيته تعالى في نفس الامر ولا ملازمة ، على
أن إفادة مثل هذا الحكم وهو تحقق علاقة اللزوم بين هاتين القضيتين لا يليق بسياق
مقاصد القرآن الحكيم مع ما فيه من بعده عن مقام سؤال الكليم فإن المناسب لماطلب
من الرؤية بيان وقوعه ولا وقوعه ، لامجرد إفادة العلاقة بين الامرين فالصواب حينئذ
أن يقال : المقصود من هذا التعليق بيان أن الجزاء لايقع أصلا بتعليقه على ما لايقع ، ثم
هذا التعليق إن كان مستلزما للعلاقة بين الشرط والجزاء فواجب أن يكون إمكان الجزاء
مستتبعا لامكان الشرط لان ماله هذه العلاقة مع المحال لايكون ممكنا على ما هو المشهور
من أن مستلزم المحال محال ، وإلا فلاوجه لوجوب إمكان الجزاء والاول وإن كان
شائع الارادة من اللفظ إلا أن الثاني أيضا مذهب معروف للعرب كثير الدوران بينهم ،
وهو عمدة البلاغة ودعامتها ، ومن ذلك قول الشاعر :
[ 51 ]
إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب ( 1 )
ومعلوم أن مشيب الغراب وصيرورة القار كالحليب لاملازمة بينهما وبين إتيان
الشاعر أهله .
ونظيره في الكتاب الكريم كثير كتعليق خروج أهل النار منها على ولوج الجمل
في سم الخياط وبعيد من العاقل أن يدعي علاقة بينهما ، وإذا كان ذلك التعليق أمرا شائعا
كثير الوقوع في كلامهم فلاترجيح للاحتمال الاول بل الترجيح معنا ، فإن البلاغة في
ذلك ، وأما إذا تحقق العلاقة في الواقع بينهما وعلق عليه لمكان تلك العلاقة فليس له
ذلك الموقع من حسن القبول ألاترى أن المتمني لوصال حبيبه الميت لو قال : إذا رجع
الموتى إلى الدنيا أمكن لي زيارة الحبيب لم يكن كقول الصب المتحسر على مفارقة
الاحباء : متى أقبل الامس الدابر وحيي الميت الغابر طمعت في اللقاء . وأيضا لايخفي
على ذي فطرة أن التزام تحقق علاقة لزوم بين استقرار الجبل في تلك الحال وبين رؤيته
تعالي بحيث لو فرض وقوع ذلك الاستقرار امتنع أن لايقع رؤيته تعالي مستبعد جدا
يكاد يجزم العقل ببطلانه فإذن المقصود من ذلك الكلام مجرد بيان انتفائه بتعليقه على
أمر غير واقع ، ويكفي في ذلك عدم وقوع المعلق عليه ، ولا يستدعى امتناع المعلق امتناعه ،
ولو سلم فنقول : إن المعلق عليه هو الاستقرار لامطلقا بل في المستقبل وعقيب النظر ، بدلالة
الفاء وإن ، وذلك لانه إذا دخل الفاء على إن يفيد اشتراط التعقيب لاتعقيب الاشتراط
فالشرط ههنا وقوع الاستقرار عقيب النظر ، والنظر ملزوم لوقوع حركة الجبل عقيبه ،
فوقوع السكون عقيبه محال لاستحالة وقوع الشئ عقيب ما يستعقب منافي ذلك الشئ
ويستلزم وقوعه عقيبه . وأما أن النظر لايستلزم اندكاك الجبل وتزلزله ولا علاقة
بينه وبينه وإنما هو مصاحبة اتفاقية فممنوع ، ولعل النظر ملزوم للحركة كما أن
استقرار الجبل ملزوم لرؤيته تعالى ، وتحقق العلاقة بين النظر والحركة ليس بأبعد من
تحقق العلاقة بين الاستقرار والرؤية . ولنقتصر على ذلك فإن إطناب الكلام في كل من
الدلائل والاجوبة يوجب الخروج عما هو المقصود من الكتاب .
وأما المنكرون فاحتجوا بقوله تعالى : " لن تراني " فإن كلمة لن تفيد إما تأبيد
* ( هامش ) * ( 1 ) القار : مادة سوداء تطلى بها السفن . وقيل : هو الزفت . ( * )
[ 52 ]
النفي في المستقبل - كما صرح به الزمخشري في انموزجه - فيكون نصافي أن موسى عليه السلام
لايراه أبدا ، أو تأكيده - على ما صرح به في الكشاف - فيكون ظاهرا في ذلك لان المتبادر
في مثله عموم الاوقات ، وإذا لم يره موسى لم يره غيره إجماعا ، وإن نوقش في كونها
للتأكيد أو للتأبيد فكفاك شاهدا استدلال أئمتنا عليهم السلام بها على نفي الرؤية مطلقا ،
لانهم أفصح الفصحاء طرا باتفاق الفريقين ، مع أنا لكثرة براهيننا لانحتاج إلى الاكثار
في دلالة هذه الآية على المطلوب
28 - يد : الدقاق : عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، عن
عبدالله بن زاهر ، عن الحسين بن يحيى الكوفي ، عن قثم بن قتادة ، عن عبدالله بن يونس ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على منبر الكوفة إذقام إليه
رجل يقال له : ذعلب ذرب اللسان بليغ في الخطاب شجاع القلب فقال : يا أمير المؤمنين
هل رأيت ربك ؟ فقال : ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره . قال : يا أمير المؤمنين
كيف رأيته ؟ قال يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الابصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق
الايمان . ( 1 )
أقول : تمامه في باب جوامع التوحيد .
29 - نهج : من كلام له عليه السلام - وقد سأله ذعلب اليماني - فقال : هل رأيت ربك
يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام : أفأ عبد مالا أرى ؟ ( 2 ) قال : وكيف تراه ؟ قال : لاتدركه العيون
بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان ، ( 3 ) قريب من الاشياء غير
* ( هامش ) * ( 1 ) تقدم الحديث باسناد آخر تحت رقم 2 .
( 2 ) استفهام إنكارى لعبادة مالا يدرك وفيه إزراء على السائل .
( 3 ) قال ابن ميثم : تنزيه له عن الرؤية بحاسة البصر وشرح لكيفية الرؤية الممكنة ، ولما كان
تعالى منزها عن الجسمية ولواحقها من الجهة وتوجيه البصر إليه وإدراكه به وانما يري ويدرك
بحسب ما يمكن لبصيرة العقل لاجرم نزهه عن تلك وأثبت له هذه ، فقال : لا تدركه العيون إلى
قوله : بحقائق الايمان ، وأراد بحقائق الايمان أركانه ، وهى التصديق بوجود الله ووحدانيته و
سائر صفاته ، واعتبارات أسمائه الحسنى ، وعد من جملتها اعتبارات يدركه بها :
أحدها كونه قريبا من الاشياء ، ولما كان المفهوم من القرب المطلق الملامسة والالتصاق
- وهما من عوارض الجسمية - نزه قربه تعالى عنها ، فقال : غير ملامس فأخرجت هذه القرينة ذلك
اللفط عن حقيقته إلى مجازه وهو اتصاله بالاشياء وقربه منها بعلمه المحيط وقدرته التامة .
الثانى : كونه بعيدا منها ، ولما كان البعد يستلزم المباينة - وهى أيضا من لواحق الجسمية - نزهه * ( * )
[ 53 ]
ملامس ، بعيد منها غير مبائن ، متكلم لابروية ، ومريد بلاهمة ، صانع لا بجارحة ، لطيف
لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسة ، رحيم لا يوصف بالرقة ،
تعنو الوجوه لعظمته ، وتجب القلوب من مخافته .
30 - سن : البزنطي ، عن رجل من أهل الجزيرة ، عن أبي عبدالله عليه السلام إن رجلا
من اليهود أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا علي هل رأيت ربك ؟ فقال : ما كنت بالذي
أعبد إلها لم أره ، ثم قال : لم تره العيون في مشاهدة الابصار ، غير أن الايمان بالغيب
من عقد القلوب .
31 - شى : عن الاشعث بن حاتم قال : قال ذو الرياستين : قلت لابي الحسن
الرضا عليه السلام : جعلت فداك أخبرني عما اختلف فيه الناس من الرؤية ، فقال بعضهم
لا يرى . فقال : يا أبا العباس من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على
* ( هامش ) * * عنها بقوله : غير مباين فكان بعده عنها اشارة إلى مباينته بذاته الكاملة عن مشابهة شئ منها .
الثالث : وكذلك قوله : " متكلم بلا روية " وكلامه يعود إلى علمه بصور الاوامر والنواهى ، و
سائر أنواع الكلام عند قوم ، والى المعنى النفسانى عند الاشعرى ، والى خلقه الكلام في جسم النبى
صلى الله عليه وآله عند المعتزلة . وقوله : بلا روية تنزيه له عن كلام الخلق لكونه تابعا للافكار و
التروى .
الرابع : وكذلك " مريد بلاهمة " تنزيه لارادته عن مثلية ارادتنا في سبق العزم والهمة لها
الخامس : " صانع بلا جارحة " وهو تنزيه لصنعه عن صنع المخلوقين لكونه بالجارحة التي من لواحق
الجسمية .
السادس : وكذلك " لطيف لا يوصف بالخفاء " واللطيف يطلق ويراد به رقيق القوام وصغير الحجم
المستلزمين للخفاء وعديم اللون من الاجسام والمحكم من الصنعة ، وهو منزه عن اطلاقه بأحد هذه
المعانى لاستلزام الجسمية والامكان ، فبقى اطلاقها عليه باعتبارين : أحدهما تصرفه في الذوات و
الصفات تصرفا خفيا بفعل الاسباب المعدة لها لا فاضاته كمالاتها . والثاني جلالة ذاته وتنزيهها عن
قبول الادراك البصرى
السابع : " رحيم لا يوصف بالرقة " تنزيه لرحمته عن رحمة أحدنا لاستلزامها رقة الطبع والانفعال
النفسانى .
الثامن : كونه عظيما تخضع الوجوه لعظمته ، اذهو الاله المطلق لكل موجود وممكن فهو العظيم
المطلق الذى تفرد باستحقاق ذل الكل وخضوعه له ووجيب القلوب واضطرابها من هيبته عند
ملاحظة كل منها ما يمكن له من تلك العظمة .
[ 54 ]
الله ، قال الله : " لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير " هذه الابصار
ليست هي الاعين إنما هي الابصار التي في القلوب لاتقع عليه الا وهام ولايدرك كيف هو .
32 - ضه : سأل محمد الحلبي الصادق عليه السلام فقال : رأى رسول الله صلى الله عليه واله ربه ؟
قال : نعم رآه بقلبه ، فأما ربنا جل جلاله فلا تدركه أبصار حدق الناظرين ولايحيط
به أسماع السامعين
33 - وسئل الصادق عليه السلام هل يرى الله في المعاد ؟ فقال : سبحانه تبارك وتعالي
عن ذلك علوا كبيرا إن الابصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية ، والله خالق الالوان و
الكيفية .
34 - نص : الحسين بن علي ، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن الحسن ، عن
الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام قال : كنت عند الصادق
جعفر بن محمد عليه السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب و عبدالملك بن أعين ، فقال له معاوية
ابن وهب : يا ابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول الله صلى الله عليه واله رأي ربه
على أي صورة رآه ؟ وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة ؟
على أي صورة يرونه ؟ .
فتبسم عليه السلام ثم قال : يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون
سنة يعيش في ملك الله ويأكل من ونعمه ثم لا يعرف الله حق معرفته .
ثم قال عليه السلام : يا معاوية إن محمدا صلى الله عليه واله لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان
وإن الرؤية على وجهين : رؤية القلب ، ورؤية البصر ، فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب
ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته ، لقول رسول الله صلى الله عليه واله : من شبه الله بخلقه
فقد كفر . ولقد حدثني أبي ، عن أبيه ، عن الحسين بن علي قال : سئل أمير المؤمنين عليه السلام
فقيل : يا أخا رسول الله هل رأيت ربك ؟ فقال : وكيف أعبد من لم أره ؟ لم تره العيون
بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان فإذا كان المؤمن يرى ربه
بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق ، ولابد للمخلوق
من الخالق ، فقد جعلته إذا محدثا مخلوقا ، ومن شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكا
[ 55 ]
ويلهم أولم يسمعوا يقول الله تعالي : " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف
الخبير " وقوله : " لن تراني ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما
تجلى ربه للجبل جعله دكا " ؟ وإنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم
الخياط فدكدكت الارض وصعقت الجبال " فخر موسى صعقا " أي ميتا " فلما أفاق " ورد
عليه روحه " قال سبحانك تبت إليك " من قول من زعم أنك ترى ، ورجعت إلى معرفتي
بك أن الابصار لاتدركك " وأنا أول المؤمنين " وأول المقرين بأنك ترى ولاترى ، وأنت
بالمنظر الاعلى .
ثم قال عليه السلام : إن أفضل الفرائض وأوجبها على الانسان معرفة الرب والاقرار
له بالعبودية ، وحد المعرفة أن يعرف أنه لا إله غيره ، ولاشبيه له ولانظير ، وأن يعرف
أنه قديم مثبت موجود غير فقيد . موصوف من غير شبيه ولا مبطل ليس كمثله شئ وهو
السميع البصير ، وبعده معرفة الرسول والشهادة بالنبوة ، وأدنى معرفة الرسول الاقرار
بنبوته ، وإن ما أتى به من كتاب أوامر أو نهي فذلك من الله عزوجل ، وبعده معرفة
الامام الذي به تأتم بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر ، وأدني معرفة الامام
أنه عدل النبي إلا درجة النبوة ، ووارثه ، وأن طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله ، والتسليم
له في كل أمر ، والرد إليه ، والاخذ بقوله ، ويعلم أن الامام بعد رسول الله صلى الله عليه واله علي
ابن أبي طالب ، وبعده الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ،
ثم أنا ، ثم بعدي موسى ابني ، وبعده علي ابنه ، وبعد علي محمد ابنه ، وبعد محمد علي ابنه
وبعد علي الحسن ابنه ، والحجة من ولد الحسن . ثم قال : يا معاوية جعلت لك أصلا
في هذا فاعمل عليه ، فلو كنت تموت علي ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الاحوال فلا
يغرنك قول من زعم أن الله تعالى يرى بالبصر ، قال : وقد قالوا أعجب من هذا ، أولم
ينسبوا آدم عليه السلام إلى المكروه ؟ أولم ينسبوا إبراهيم عليه السلام إلى ما نسبوه ؟ أولم ينسبوا
داود عليه السلام إلى ما نسبوه من حديث الطير ؟ أولم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه
من حديث زليخا ؟ أولم ينسبوا موسى عليه السلام إلى ما نسبوه من القتل ؟ أولم ينسبوا
رسول الله صلى الله عليه واله إلى ما نسبوه من حديث زيد ؟ أولم ينسبوا علي بن أبي طالب عليه السلام إلى
[ 56 ]
مانسبوه من حديث القطيفة ؟ إنهم أرادوا بذلك توبيخ الاسلام ليرجعوا على أعقابهم ،
أعمى الله أبصارهم كما أعمى قلوبهم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
34 - يد : الدقاق ، عن الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن ابن عيسى ، عن علي
ابن سيف ، عن محمد بن عبيدة قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الرؤية
وما ترويه العامة والخاصة ، وسألته أن يشرح لي ذلك .
فكتب عليه السلام بخطه : اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن المعرفة من جهة الرؤية
ضرورة ، فإذا جاز أن يرى الله عزوجل بالعين ( 1 ) وقعت المعرفة ضرورة ، ثم لم تخل
تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية
إيمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان ، لانها ضده فلا
يكون في الدنيا أحد مؤمنا ، لانهم لم يروا الله عزوجل ، وإن لم تكن تلك المعرفة التي
من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول أولا تزال
في المعاد ، فهذا دليل على أن الله عزوجل لايرى بالعين إذ العين يؤدي إلى ما وصفناه .
ايضاح : اعلم أن الناظرين في هذا الخبر قد سلكوا مسالك شتى في حلها و
لنذكر بعضها :
الاول - وهو الاقرب إلى الافهام وإن كان أبعد من سياق الكلام ، وكان الوالد
العلامة قدس الله روحه يرويه عن المشايخ الاعلام وتقريره على ما حرره بعض الافاضل
الكرام - هو أن المراد أنه اتفق الجميع أي جميع العقلاء من مجوزي الرؤية ومحيليها - لا تمانع
ولاتنازع بينهم - على أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة أي كل ما يرى يعرف بأنه على
ما يرى ، وأنه متصف بالصفات التي يرى عليها ضرورة ، فحصول معرفة المرئي بالصفات
التي يرى عليها ضروري ، وهذا الكلام يحتمل وجهين : أحدهما كون قوله : من جهة
الرؤية خبرا أي أن المعرفة بالمرئي يحصل من جهة الرؤية ضرورة . وثانيهما تعلق الظرف
بالمعرفة وكون قوله : ضرورة خبرا أي المعرفة الناشئة من جهة الرؤية ضرورة أي
ضرورية ، والضرورة على الاحتمالين تحتمل الوجوب والبداهة ، وتقرير الدليل : أن
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : فاذا جاز أن يرى الله عز وجل بالعيون . ( * )
[ 57 ]
حصول المعرفة من جهة الرؤية ضروري ، فلو جاز أن يرى الله سبحانه بالعين وقعت المعرفة
من جهة الرؤية ضرورة ، فتلك المعرفة لا يخلو من أن يكون إيمانا أولا يكون إيمانا ، وهما
باطلان لانه إن كانت إيمانا لم تكن المعرفة الحاصلة في الدنيا من جهة الاكتساب إيمانا
لانهما متضاد ان ، فإن المعرفة الحاصلة بالاكتساب أنه ليس بجسم ، وليس في مكان ،
وليس بمتكمم ، ولا متكيف ، والرؤية بالعين لايكون إلا بإدراك صورة متحيزة من شأنها
الانطباع في مادة جسمانية ، والمعرفة الحاصلة من جهتها معرفة بالمرئي بأنه متصف
بالصفات المدركة في الصورة فهما متضادتان لاتجتمعان في المطابقة للواقع ، فإن كانت
هذه إيمانا لم تكن تلك إيمانا فلايكون في الدنيا مؤمن لانهم لم يروا الله عز ذكره ،
وليس لهم إلا المعرفة من جهة الاكتساب ، فلولم يكن إيمانا لم يكن في الدنيا مؤمن ،


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 57 سطر 10 الى ص 65 سطر 10

وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا أي اعتقادا مطابقا للواقع ، وكانت
المعرفة الاكتسابية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب من أن تزول
عند المعرفة من جهة الرؤية لتضاد هما أولا تزول لامتناع زوال الايمان في الآخرة .
وهذه العبارة تحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : لم تخل هذه المعرفة من الزوال عند الرؤية ،
والمعرفة من جهتها لتضادهما ، والزوال مستحيل لايقع لامتناع زوال الايمان في الآخرة .
وثانيها : لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال ويكون متصفا بكليهما في المعاد
عند وقوع الرؤية والمعرفة من جهتها لامتناع اجتماع الضدين ، وامتناع زوال الايمان
في المعاد ، والمستلزم لاجتماع النقيضين مستحيل ، وثالثها : لم تخل هذه المعرفة من الزوال
وعدم الزوال ولابد من أحدهما وكل منهما محال .
وأما بيان أن الايمان لايزول في المعاد بعد الاتفاق والاجتماع عليه أن الاعتقاد
الثابت المطابق للواقع الحاصل بالبرهان مع معارضة الوساوس الحاصلة في الدنيا يمتنع
زوالها عند ارتفاع الوساوس والموانع على أن الرؤية عند مجوزيها إنما تقع للخواص
من المؤمنين والكمل منهم في الجنة فلوزال إيمانهم لزم كون غير المؤمن أعلى درجة من
المؤمن ، وكون الاحط مرتبة أكمل من الاعلى درجة ، وفساده ظاهر .
أقول : الاحتمالات الثلاثة إنما هي علي ما في الكافي من " الواو " وأما علي ما في
التوحيد من كلمة " أو " فالاخير متعين .
[ 58 ]
ثم اعلم أنه يرد على هذا الحل أن من لم يسلم امتناع الرؤية كيف بسلم كون
الايمان المكتسب منافيا لها ، وإن ادعى الضرورة في كون الرؤية مستلزمة لما اتفقوا
على امتناعه فهو كاف في إثبات المطلوب ، إلا أن يقال : إنما أورد هكذا بيانا لكثرة الفساد
وإيضاحا للمراد ، أو يقال : لعله عليه السلام كان بين للسائل امتناع الرؤية بالدلائل فلما
ذكر السائل ما ترويه العامة في ذلك بين امتناع وقوع ما ثبت لنا بالبراهين امتناعه ،
وآمنا به بهذا الوجه
الثانى : أن حاصل الدليل أن المعرفة من جهة الرؤية غير متوقفة علي الكسب و
النظر ، والمعرفة في دار الدنيا ، متوقفة عليه ضعيفة بالنسبة إلى الاولى فتخالفتا مثل الحرارة
القوية والحرارة الضعيفة ، فإن كانت المعرفة من جهة الرؤية إيمانا لم تكن المعرفة من جهة
الكسب إيمانا كاملا لان المعرفة من جهة الرؤية أكمل منها ، وإن لم يكن إيمانا يلزم سلب
الايمان عن الرأيين ، لامتناع اجتماع المعرفتين في زمان واحد في قلب واحد يعني قيام
تصديقين أحدهما أقوى من الآخر بذهن واحد ، وأحدهما حاصل من جهة الرؤية ، والآخر
من جهة الدليل ، كما يمتنع قيام حرارتين بماء واحد في زمان واحد ، ويرد عليه النقض
بكثير من المعارف التي تعرف في الدنيا بالدليل وتصير في الآخرة بالمعاينة ضرورية ،
ويمكن بيان الفرق بتكلف .
الثالث : ما حققه بعض الافاضل بعد ما مهد من أن نور العلم والايمان يشتد
حتى ينتهي إلى المشاهدة والعيان لكن العلم إذا صارعينا لم يصر عينا محسوسا ، والمعرفة
إذا انقلبت مشاهدة لم تنقلب مشاهدة بصرية حسية لان الحس والمحسوس نوع مضاد
للعقل والمعقول ليس نسبة أحدهما إلى الآخر نسبة النقص إلى الكمال والضعف إلى
الشدة ، بل لكل منهما في حدود نوعه مراتب في الكمال والنقص لا يمكن لشئ من أفراد
أحد النوعين المتضادين أن ينتهي في مراتب استكمالاته واشتداده إلي شئ من أفراد
النوع الآخر فالابصار إذا اشتد لايصير تخيلا مثلا ، ولا التخيل إذا اشتد يصير تعقلا
ولا بالعكس ، نعم إذا اشتد التخيل تصير مشاهدة ورؤية بعين الخيال لابعين الحس ، و
كثيرا ما يقع الغلط من صاحبه أنه رأى بعين الخيال أم بعين الحس الظاهر ، كما يقع
[ 59 ]
للمبرسمين والمجانين ، وكذا التعقل إذا اشتد يصير مشاهدة قلبية ورؤية عقلية ، لاخيالية
ولا حسية ، وبالجملة الاحساس والتخيل والتعقل أنواع متقابلة من المدارك كل منها
في عالم آخر من العوالم الثلاثة ، ويكون تأكد كل منها حجابا مانعا عن الوصول إلى
الآخر ، فإذا تمهد هذا فنقول : اتفق الجميع أن المعرفة من جهة الرؤية أمر ضروري ،
وأن رؤية الشئ متضمنة لمعرفته بالضرورة ، بل الرؤية بالحس نوع من المعرفة ، فإن
من رأي شيئا فقد عرفه بالضرورة ، فإن كان الايمان بعينه هو هذه المعرفة التي مرجعها
الادراك البصري والرؤية الحسية فلم تكن المعرفة العلمية التي حصلت للانسان من
جهة الاكتساب بطريق الفكر والنظر إيمانا لانها ضده ، لانك قد علمت أن الاحساس
ضد التخيل ، وأن الصورة الحسية ضد الصورة العقلية فإذا لم يكن الايمان بالحقيقة
مشتركا بينهما ، ولا أمرا جامعا لهما لثبوت التضاد وغاية الخلاف بينهما ، ولاجنسا
مبهما بينهما غير تام الحقيقة المتحصلة كجنس المتضادين مثل اللونية بين نوعي السواد و
البياض لان الايمان أمر محصل وحقيقة معينة ، فهو إما هذا وإما ذاك فإذا كان ذاك
لم يكن هذا ، وإن كان هذا لم يكن ذاك ثم ساق الدليل إلى آخره كما مر ، ولا يخفى أن
شيئا من الوجوه لا يخلو من تكلفات إما لفظية وإما معنوية ، ولعله عليه السلام بنى ذلك
على بعض المقدمات المقررة بين الخصوم في ذلك الزمان إلزاما عليهم كما صدر عنهم كثير
من الاخبار كذلك ، والله تعالى يعلم وحججه حقائق كلامهم عليهم السلام .
تذييل : اعلم أن الامة اختلفوا في رؤية الله تعالى على أقوال فذهبت الامامية والمعتزلة ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) ويسمون أصحاب العدل والتوحيد ، وافترقت المعتزلة عشرين فرقة : الواصلية ، و
العمروية ، والهذيلية ، والنظامية ، والاسوارية ، والمعمرية ، والاسكافية ، والجعفرية - أصحاب جعفر
بن حرب الثقفى المتوفى سنة 234 ه وجعفر بن مبشر الهمداني المتوفى سنة 236 ه - والبشرية ، والمردارية
والهشامية - اصحاب هشام بن عمر الفوطى - والثمامية ، والجاحظية ، والحياطية ، وأصحاب صالح
بن قبة ، والمريسية ، والشحامية ، والكعبية ، والجبائية ، والبهشمية - المنسوبة إلى أبى هاشم الجبائي
والذى يعم جميع فرقهم من الاعتقاد القول : بأن الله قديم ، والقدم أخص وصف ذاته ، ونفوا
الصفات القديمة أصلا فقالوا : هو عالم لذاته ، قادر لذاته ، حى لذاته ، لا بعلم وقدرة وحياة ، هى
صفات قديمة ومعان قائمة به . وبأن كلامه محدث مخلوق في محل وهو حرف وصوت . كتب أمثاله
في المصاحف حكايات عنه وبأن الارادة والسمع والبصر ليست بمعان قائمة بذاته ، واختلفوا في * ( * )
[ 60 ]
إلي امتناعها مطلقا ، وذهبت المشبهة ( 1 ) والكرامية ( 2 ) إلى جواز رؤيته تعالى في
الجهة والمكان لكونه تعالى عندهم جسما ، وذهبت الاشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى
منز ها عن المقابلة والجهة والمكان .
قال الآبي في كتاب إكمال الاكمال ناقلا عن بعض علمائهم : إن رؤية الله تعالى
جائزة في الدنيا عقلا ، واختلف في وقوعها وفي أنه هل رآه النبي صلى الله عليه واله ليلة الاسرى أم لا
* ( هامش ) * * وجوه وجودها ومحامل معانيها . وبأن رؤية الله تعالى مستحيلة في الدنيا والاخرة ، ونفوا عنه التشبيه
من كل جهة مكانا وصورة وجسما وتحيزا وانتقالا وزوا لا وتغيرا وتأثرا ، وبأن العبد قادر لافعاله خيرها
وشرها ، مستحق على ما يفعله ثوابا وعقابا في الاخرة ، والرب تعالى منزه من أن يضاف اليه شر وظلم .
وبأنه تعالى لا يفعل الا الصلاح والخير . وبأن اصول المعرفة وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع ،
والحسن والقبيح يجب معرفتهما بالعقل واعتناق الحسن واجتناب القبيح واجب كذلك وورود التكاليف
ألطاف للبارى تعالى . وغير ذلك مما اتفقوا عليه واختلفوا كل واحد من فرقهم في امور ذكرت في
مظانها . وسموا بالمعتزلة لان واصل بن عطا لما قال بمقالة المنزلة بين المنزلتين وأن صاحب الكبيرة
لا مؤمن ولا كافر وتفرد بهذه المقالة خلافا لاستاذه الحسن البصرى واعتزل عنه إلى اسطوانة من
اسطوانات المسجد يقرر ذلك على جماعة من أصاب الحسن فقال الحسن : اعتزل عنا واصل فسمى هو
وأصحابه معتزلة ، وقيل في وجه التسمية غير ذلك أيضا .
( 1 ) اعلم أن المشبهة صنفان : صنف شبهوا ذات البارى سبحانه بذات غيره " وصف شبهو اصفاته
بصفات غيره فمن الاول جماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه مثل مضر وكهمش و
وأحمد الجهيمى وغيرهم من أهل السنة قالوا : معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض اما روحانية أو
جسمانية يجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقراء والتمكن وأجازوا على ربهم الملامسة و
المصافحة وأن المخلصين من المسلمين يعانقونه في الدنيا والاخرة اذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد
إلى حد الاخلاص والاتحاد المحض وحكى عن داود الجواربى أنه قال : اعفونى عن الفرج واللحية و
اسألونى عما وراء ذلك ، قاله الشهرستانى . ونسب إلى الحنابلة أنهم مشاركون معهم في بعض التشبيهات .
أقول : ومنهم الكرامية والبيانية والمغيرية والمنصورية والخطابية والحلولية والاتحادية وغير
ذلك ، يطول ذكرهم وبيان معتقداتهم فمن شاء فليطلب من المعاجم .
ومن الصنف الثانى المعتزلة البصرية والكرامية الذين زعموا أن ارادته تعالى من جنس ارادتنا
وغيرهما ممن يعتقدون بأن صفاته كصفا تنازائدة على وجوده تعالى .
( 2 ) أصحاب أبى عبد الله محمد بن الكرام المتوقى سنة 255 وله ولاصحابه مقالات زائفة
خرافية في التشبيه قال الشهرستانى : وهم طوائف يبلغ عددهم إلى اثنى عشرة فرقة واصولها ستة :
العابدية والتونية ، والزرينية والاسحاقية ، والواحدية ، والهيصمية . ( * )
[ 61 ]
فأنكرته عائشة ( 1 ) وجماعة من الصحابة والتابعين والمتكلمين ، وأثبت ذلك ابن عباس ( 2 )
وقال : إن الله اختصه بالرؤية ، وموسى بالكلام ، وإبراهيم بالخلة ، وأخذ به جماعة
من السلف ، والاشعري في جماعة من أصحابه وابن جنبل ، وكان الحسن يقسم لقد رآه ،
وتوقف فيه جماعة ، هذا حال رؤيته في الدنيا . وأما رؤيته في الآخرة فجائزة عقلا و
أجمع على وقوعها أهل السنة ، وأحالها المعتزلة والمرجئة والخوارج ، والفرق بين الدنيا
والآخرة أن القوى والادراكات ضعيفة في الدنيا حتى إذا كانوا في الآخرة ، وخلقهم
للبقاء قوي إدراكهم فأطاقوا رؤيته . انتهى كلامه .
وقد عرفت مما مر أن استحالة ذلك مطلقا هو المعلوم من مذهب أهل البيت عليهم السلام
وعليه إجماع الشيعة باتفاق المخالف والمؤالف ، وقد دلت عليه الآيات الكريمة واقيمت
عليه البراهين الجلية ، وقد أشرنا إلى بعضها وتمام الكلام في ذلك موكول إلى الكتب
الكلامية .
* ( هامش ) * ( 1 ) أوردنا قبل ذلك روايتها التى تدل على ذلك بل على استحالة رؤيته سبحانه من صحاحهم
فالصيح أن عائشة أيضا تكون ممن قال بامتناع رؤيته سبحانه .
( 2 ) الصحيح من مذهب ابن عباس أنه كان ممن يقول بعدم جواز رؤيته سبحانه بالبصر وكان
يثبت الرؤية بالفؤاد ، يدل على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحة ج 1 ص 109 بطريقيه عن أبى العالية
عن ابن عباس قال : " ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة اخرى " قال : رآه بفؤاده مرتين . ( * )
[ 62 ]
} ابواب الصفات {
} باب 1 {
} نفى التركيب واختلاف المعانى والصفات ، وأنه ليس محلا للحوادث {
} والتغييرات ، وتأويل الايات فيها ، والفرق بين صفات الذات {
} وصفات الافعال {
1 - ن ، يد ، لى : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الفضل بن سليمان
الكوفي ، عن الحسين بن خالد قال : سمعت الرضا علي بن موسى عليه السلام يقول : لم يزل
الله تبارك وتعالى عالما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا ، فقلت له : يا ابن رسول الله إن
قوما يقولون : إنه عزوجل لم يزل عالما بعلم ، وقادرا بقدرة ، وحيا بحياة ، وقديما
بقدم ، وسميعا بسمع ، وبصيرا ببصر . فقال عليه السلام : من قال : بذلك ودان به فقد اتخذ
مع الله آلهة اخرى ، وليس من ولايتنا على شئ ثم قال عليه السلام : لم يزل الله عزوجل
عالما قادرا حيا قديما سميعا بصيرا لذاته ، تعالى عما يقول المشركون والمشبهون
علوا كبيرا .
ج : مرسلا مثله .
بيان : اعلم أن أكثر أخبار هذا الباب تدل على نفي زيادة الصفات أى على نفي
صفات موجودة زائدة على ذاته تعالى ، وأما كونها عين ذاته تعالى بمعنى أنها تصدق
عليها ، أو أنها قائمة مقام الصفات الحاصلة في غيره تعالى ، أو أنها امور اعتبارية غير
موجودة في الخارج واجبة الثبوت لذاته تعالى ، فلا نص ( 1 ) فيها على شئ منها ، وإن
* ( هامش ) * ( 1 ) وهذا من عجيب الكلام ودلالة الروايات على عينية الصفات للذات مما لاغبار عليها بمعنى
أن لله سبحانه مثلا علما حقيقة بالاشياء لا مجازا ولا أثر العلم ونتيجته وهذا العلم بذاته لا بصفة غير
ذاته . ط ( * )
[ 63 ]
كان الظاهر من بعضها أحد المعنيين الاولين ، ولتحقيق الكلام في ذلك مقام آخر .
قال المحقق الدواني : لاخلاف بين المتكلمين كلهم والحكماء في كونه تعالى عالما
قديرا مريدا متكلما ، وهكذا في سائر الصفات ، ولكنهم يخالفوا في أن الصفات عين
ذاته ، أو غير ذاته ، أولا هو ولاغيره ، فذهبت المعتزله والفلاسفة إلى الاول ، وجمهور
المتكلمين ( 1 ) إلى الثاني ، والاشعري إلى الثالث ، والفلاسفة حققوا عينية الصفات بأن
ذاته تعالى من حيث إنه مبدء لانكشاف الاشياء عليه علم ، ولما كان مبدء الانكشاف
عين ذاته كان عالما بذاته ، وكذا الحال في القدرة والارادة وغيرهما من الصفات ، قالوا :
وهذه المرتبة أعلى من أن تكون تلك الصفات زائدة عليه فإنا نحتاج في انكشاف الاشياء
علينا إلى صفة مغائرة لنا قائمة بنا . والله تعالى لايحتاج إليه بل بذاته ينكشف الاشياء
عليه ، ولذلك قيل : محصول كلامهم نفي الصفات وإثبات نتائجها وغاياتها . وأما المعتزلة
فظاهر كلامهم أنها عندهم من الاعتبارات العقلية التي لاوجودلها في الخارج . انتهى
2 - يد ، لى : ابن ما جيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن محمد بن سنان ، عن أبان
الاحمر قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام : أخبرني عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا
بصيرا عليما قادرا ؟ قال : نعم .
فقلت له : إن رجلا ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول : إن الله تبارك وتعالى لم
يزل سميعا بسمع ، وبصيرا ببصر ، وعليما بعلم ، وقادرا بقدرة
قال : فغضب عليه السلام ثم قال : من قال ذلك ودان به فهو مشرك ، وليس من ولايتنا
على شئ إن الله تبارك وتعالى ذات علامة سميعة بصيرة قادرة
3 - يد ، لى . القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن محمد بن عمارة ، عن أبيه
قال : سألت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له : يا ابن رسول الله أخبرني عن الله هل له
رضى وسخط ؟ فقال : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ، ولكن غضب الله عقابه ،
ورضاه ثوابه .
4 - يد ، ن : ابن عصام ، عن الكليني ، عن العلان ، عن عمران بن موسى ، عن
* ( هامش ) * ( 1 ) من أهل السنة ط . ( * )
[ 64 ]
الحسن بن القاسم ، عن القاسم بن مسلم ، عن أخيه عبدالعزيز قال : سألت الرضا علي
ابن موسى عليهما السلام عن قول الله عزوجل " نسوا الله فنسيهم " فقال : إن الله تبارك وتعالى
لاينسى ولايسهو ، وإنما ينسى ويسهو المخلوق المحدث ألا تسمعه عزوجل يقول : " وما
كان ربك نسيا " ؟ وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم ، كما قال الله
تعالى : " لاتكونوا كالذين نسوا الله فأنسيهم أنفسهم اولئك هم الفاسقون " وقال تعالى
فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا " أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم
هذا .
قال الصدون رحمه الله : قوله : نتركهم أي لانجعل لهم ثواب من كان يرجو لقاء
يومه لان الترك لا يجوز على الله تعالى عزوجل : وأما قول الله عزوجل : " وتركهم في
ظلمات لا يبصرون " أي لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتوبوا .
بيان : أراد الصدوق رحمه الله أن ينبه على أن الترك لا يعني به الاهمال فإن ترك
التكليف في الدنيا أو ترك الجزاء في الآخرة لا يجوز على الله تعالى ، بل المراد ترك الاثابة
والرحمة وتشديد العذاب عليهم .
ثم إنه عليه السلام أشار إلى الوجهين الذين يمكن أن يؤول بهما أمثال تلك الآيات ،
الاول : أن يكون الله تعالى عبر عن جزاء النسيان بالنسيان على مجاز المشاكلة . والثاني :
أن يكون المراد بالنسيان الترك قال الجوهري : النسيان : الترك ، قال الله تعالى : " نسوا
الله فنسيهم " وقوله تعالى : ولا تنسوا الفضل بينكم " .
وقال البيضاوي : نسوا الله : أغفلوا ذكر الله وتركوا طاعته . فنسيهم : فتركهم من
لطفه وفضله ، وقال : ولا تكونوا كالذين نسوا الله : نسواحقة فأنساهم أنفسهم فجعلهم
ناسين لها حتى لم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها ، أو أراهم يوم القيامة من
الاهوال ما أنساهم أنفسهم .
5 - يد ، مع : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن البرقي ، عن اليقطيني ، عن حمزة بن
الربيع ، عمن ذكره قال : كنت في مجلس أبي جعفر عليه السلام ( 1 ) إذ دخل عليه
* ( هامش ) * ( 1 ) أي محمد بن علي الباقر . ( * )
[ 65 ]
عمرو بن عبيد ( 1 ) فقال له : جعلت فداك قول الله عزوجل : ( 2 ) " ومن يحلل عليه غضبي
فقد هوى " ما ذلك الغضب ؟ فقال أبوجعفر عليه السلام : هو العقاب يا عمر . إنه من زعم أن الله
عزوجل قد زال من شئ إلي شئ فقد وصفه صفة مخلوق ، إن الله عزوجل لا يستفزه
شئ ولا يغيره . ( 3 )
6 - يد ، مع : بهذا الاسناد عن البرقي ، عن أبيه يرفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام في
قول الله عزوجل : " فلما آسفونا انتقمنا منهم " قال : إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا
ولكنه خلق أولياءا لنفسه يأسفون ويرضون ، وهم مخلوقون مدبرون ، فجعل رضاهم
لنفسه رضى ، وسخطهم لنفسه سخطا ، وذلك لانه جعلهم الدعاة إليه والا دلاء عليه
ولذلك صاروا كذلك وليس أن ذلك يصل إلى الله عزوجل كما يصل إلى خلقه ، ولكن
هذا معنى ما قال من ذلك ، وقد قال أيضا : من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 65 سطر 11 الى ص 73 سطر 11

إليها ، وقال أيضا : " من يطع الرسول فقد أطاع الله " وقال أيضا : " إن الذين يبايعونك إنما
يبايعون الله " وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك ، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما
من الاشياء مما يشاكل ذلك ، ولو كان يصل إلى المكون الاسف والضجر وهو الذي
أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول : إن المكون يبيد يوما لانه إذا دخله الضجر
* ( هامش ) * ( 1 ) هو عمرو بن عبيد بن باب المتكلم الزاهد المشهور شيخ المعتزله في وقته ، مولى بنى عقيل
آل عرادة بن يربوع بن مالك ، كان جده باب من سبى كابل من جبال السند ، وكان أبوه يخلف
أصحاب الشرط بالبصرة وكان من تلامذة الحسن البصرى ، قيل لابيه عبيد : ان ابنك يختلف إلى
الحسن البصرى ولعله أن يكون خيرا ، فقال : وأى خير يكون من ابنى وقد أصبت امه من غلول
وأنا أبوه ؟ ! وله مناظرة مع واصل بن عطا في معنى مرتكب الكبيرة فكان يقول : هو منافق ،
وواصل يقول : فاسق لا مؤمن ولا منافق فألزمه واصل في المناظرة ، ولهشام بن الحكم في أمر الامامة
معه مناظرة مفحمة ، وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة ، وتوفى سنة أربع وأربعين ومائة ، وقيل :
اثنين ، وقيل : ثلاث ، وقيل : ثمان ، وكان يكنى أبا عثمان .
( 2 ) في نسخة : قال الله عزوجل .
( 3 ) أى لا يستخفه ولا يزعجه ، قال المصنف في المرآة : وقيل : أى لا يجد خاليا عما يكون
قابلا له فيغيره للحصول تغير الصفة لموصوفها . ( * )
[ 66 ]
والغضب دخله التغيير ، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الابادة ، ولو كان ذلك كذلك
لم يعرف المكون من المكون ، ولا القادر من المقدور ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله
عن هذا القول علوا كبيرا . هو الخالق للاشياء لالحاجة ، فإذا كان لالحاجة استحال
الحد والكيف فيه ، فافهم ذلك إن شاء الله .
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : " فلما آسفونا " أي أغضبونا عن ابن عباس ومجاهد
وغضب الله سبحانه على العصاة إرادة عقابهم ، ورضاه عن المطيعين إرادة ثوابهم ، وقيل :
معناه آسفوا رسلنا لان الاسف بمعنى الحزن لا يجوز على الله تعالى . انتهى .
وقوله عليه السلام : وهو الذي أحدثهما إشارة إلى وجه آخر لاستحاله ذلك كما مر في
بعض الاخبار : أن الله لا يوصف بخلقه ، وأشار عليه السلام آخرا إلى أن الاحتياج إلى الغير
ينافي الخالقية ووجوب الوجود كما هو المشهور .
7 - يد ، مع : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن العباس بن عمرو الفقيمي ،
عن هشام بن الحكم أن رجلا سأل أبا عبدالله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى له رضى
وسخط ؟ قال : نعم وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين وذلك لان الرضا والغضب
دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال ، معتمل مركب للاشياء فيه مدخل ، وخالقنا
لا مدخل للاشياء فيه ، واحد أحدي الذات وأحدي المعنى ، فرضاه ثوابه ، وسخطه
عقابه ، من غير شئ يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال فإن ذلك صفة المخلوقين
العاجزين المحتاجين ، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز ، لا حاجة به إلى شئ مما خلق ،
وخلقه جميعا محتاجون إليه ، إنما خلق الاشياء لامن حاجة ( 1 ) ولا سبب اختراعا وابتداعا .
بيان : في الكافي هكذا : فينقله من حال إلى حال لان المخلوق أجوف معتمل .
وهو الظاهر .
والحاصل أن عروض تلك الاحوال والتغيرات إنما يكون لمخلوق أجوف له
قابلية ما يحصل فيه ويدخله ، معتمل يعمل بأعمال صفاته وآلاته ، مركب من امور
مختلفة وجهات مختلفة للاشياء من الصفات والجهات والآلات فيه مدخل ، وخالقنا تبارك
* ( هامش ) * ( 1 ) في التوحيد المطبوع : انما خلق الاشياء من غير حاجة . ( * )
[ 67 ]
اسمه لامدخل للاشياء فيه لاستحالة التركيب في ذاته ، فإنه أحدي الذات وأحدي المعنى
فإذن لاكثرة فيه لافي ذاته ولا في صفاته الحقيقية ، وإنما الاختلاف في الفعل فيثيب عند
الرضا ويعاقب عند السخط . قال السيد الداماد رحمه الله : المخلوق أجوف لما قد برهن
واستبان في حكمة ما فوق الطبيعة أن كل ممكن زوج تركيبي ، وكل مركب مروج
الحقيقة فإنه أجوف الذات لامحالة ، فما لا جوف لذاته على الحقيقة هو الاحد الحق سبحانه
لاغير فإذن الصمد الحق ليس هو إلا الذات الاحديه الحقة من كل جهة ، فقد تصحح من هذا
الحديث الشريف تأويل الصمد بما لاجوف له وما لامدخل لمفهوم من المفهومات وشئ من
الاشياء في ذاته أصلا .
8 - ج : عن هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق عن الصادق عليه السلام فقال : فلم
يزل صانع العالم عالما بالاحداث التي احدثها قبل أن يحدثها ؟ قال : لم يزل يعلم
فخلق قال : أمختلف هو أم مؤتلف ؟ قال : لا يليق به الاختلاف ولا الايتلاف ، إنما يختلف
المتجزي ويأتلف المتبعض ، فلا يقال له : مؤتلف ولا مختلف . قال : فكيف هو الله الواحد ؟
قال : واحد في ذاته فلا واحد كو احد لان ما سواه من الواحد متجزئ وهو تبارك و
تعالى واحد لا متجزئ ولا يقع عليه العد .
9 - ج : روى بعض أصحابنا أن عمرو بن عبيد دخل على الباقر عليه السلام فقال له :
جعلت فداك قال الله عزوجل : " ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى " ما ذلك الغضب ؟
قال : العذاب يا عمر وإنما يغضب المخلوق الذي يأتيه الشئ فيستفزه ويغيره عن
الحال التي هو بها إلى غيرها فمن زعم أن الله يغيره الغضب والرضا ويزول عنه من هذا
فقد وصفه بصفة المخلوق . ( 1 )
10 - ج : روي أن عمرو بن عبيد وفد على محمد بن علي الباقر عليهما السلام لامتحانه
بالسؤال عنه ، فقال له : جعلت فداك ما معنى قوله تعالى : " أولم يرالذين كفروا أن
السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما " ما هذا الرتق والفتق ؟ فقال أبوجعفر عليه السلام :
كانت السماء رتقا لاتنزل القطر ، وكانت الارض رتقا لا تخرج النبات ففتق الله السماء
بالقطر ، وفتق الارض بالنبات ، فانطلق عمرو ولم يجد اعتراضا ومضى ثم عاد إليه فقال :
* ( هامش ) * ( 1 ) تقدم الحديث مسندا تحت رقم 5 . ( * )
[ 68 ]
أخبرني جعلت فداك عن قوله تعالى : " ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى " ما غضب الله ؟ فقال
له أبوجعفر عليه السلام : غضب الله تعالى عقابه ، يا عمرو من ظن أن الله يغيره شئ فقد كفر .
11 - ما : شيخ الطائفة ، عن المفيد ، عن ابن قولويه ، عن الكليني ، عن علي بن
إبراهيم ، عن الطيالسي ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : سمعت
أبا عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام يقول : لم يزل الله جل اسمه عالما بذاته ولا معلوم ، ( 1 ) ولم
يزل قادرا بذاته ولا مقدور . قلت له : جعلت فداك فلم يزل متكلما ؟ قال : الكلام محدث
كان الله عزوجل وليس بمتكلم ثم أحدث الكلام .
12 - يد : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هارون بن عبدالملك
قال : سئل أبو عبدالله عليه السلام عن التوحيد ، فقال : هو عزوجل مثبت موجود ، لا مبطل
ولا معدود ، ولافي شئ من صفة المخلوقين ، وله عزوجل نعوت وصفات ، فالصفات له ،
وأسماؤها جارية على المخلوقين ، مثل السميع والبصير والرؤوف والرحيم وأشباه ذلك
والنعوت نعوت الذات لا يليق إلا بالله تبارك وتعالى ، والله نور لاظلام فيه ، وحي لاموت
فيه ، وعالم لاجهل فيه ، وصمد لامدخل فيه ، ربنا نوري الذات ، حي الذات ، عالم
الذات ، صمدي الذات .
بيان : قوله عليه السلام : فالصفات له أي لا تجري صفاته بالمعنى الذي يطلق عليه تعالى
على المخلوقين بل إنما يطلق عليهم السلام هذا الاسم بمعنى آخر وإن اشترك المعنيان بوجه من
الوجوه ، والنور هو الوجود لانه منشأ الظهور ، والظلام : الامكان ، وقال الحكماء :
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافي : لم يزل الله عزوجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، و
البصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلما أحدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على
المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر ، والقدرة على المقدور ، قال : قلت : فلم
يزل الله متحركا ؟ قال : فقال : تعالى الله عن ذلك ، إن الحركة صفة محدثة بالفعل ، قال : قلت :
فلم يزل الله متكلما ؟ قال : فقال : إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية ، كان الله عزوجل ولا متكلم .
أقول : ليس المراد بوقوع العلم علم المعلوم تعلقه به تعلقا لم يكن قبل الايجاد . بل المراد أن علمه
قبل الايجاد هو بعينه علمه بعد الايجاد ، والمعلوم قبله هو المعلوم بعينه بعده من غير تفاوت وتغير في
العلم أصلا والتفاوت ليس إلا في تحقيق المعلوم في وقت وعدم تحققه قبله خلافا للعامة حيث يقولون
بأن الشئ سيوجد نفس العلم بذلك الشئ إذا وجد . ويأتى الحديث مثل ما في الكافى تحت رقم 18 مع بيان
من المصنف . ( * )
[ 69 ]
الحي في حقه تعالى هو الدراك الفعال . وعند المتكلمين من المعتزلة والشيعة هي كونه
تعالى منشأ للعلم والارادة ، وبعبارة اخرى كونه تعالى بحيث يصح أن يعلم ويقدر ، وذهبت
الاشاعرة المثبتون للصفات الزائدة أنها صفة توجب صحة العلم والقدرة ، وقد عرفت
بطلانها .
13 - يد : ما جيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر ، عن
عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى كان ولاشئ غيره ،
نورا لاظلام فيه ، وصادقا لاكذب فيه ، وعالما لاجهل فيه ، وحيا لاموت فيه ، وكذلك
هو اليوم ، وكذلك لا يزال أبدا .
سن : أبي مثله .
14 - يد : حمزة بن محمد العلوي ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن حماد ،
عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في صفة القديم : إنه واحد أحد
صمد احدي المعنى ، ليس بمعان كثيرة مختلفة . قال : قلت : جعلت فداك يزعم قوم من أهل
العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع . قال : فقال : كذبوا وألحدوا
وشبهوا ، تعالى الله عن ذلك إنه سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع . قال : قلت :
يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه . قال : فقال : تعالى الله إنما يعقل ما كان بصفة المخلوق
وليس الله كذلك .
ج : عن محمد بن مسلم مثله .
بيان : قوله عليه السلام : على ما يعقلونه أي من الابصار بآلة البصر فيكون نقلا لكلام
المجسمة ، أو باعتبار صفة زائدة قائمة بالذات فيكون نقلا لكلام الاشاعرة ، والجواب
أنه إنما يعقل بهذا الوجه من كان بصفة المخلوق ، أو المراد : تعالى الله أن يتصف بما
يحصل ويرتسم في العقول والاذهان ، والحاصل أنهم يثبتون لله تعالى ما يعقلون من
صفاتهم والله منزه عن مشابهتهم ومشاركتهم في تلك الصفات الامكانية
15 - يد : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن العباس بن عمرو ، عن هشام بن
الحكم قال : في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبدالله عليه السلام أنه قال له : أتقول إنه
[ 70 ]
سميع بصير ؟ فقال أبو عبدالله عليه السلام : هو سميع بصير ، سميع بغير جارحة ، وبصير بغير آلة ،
بل يسمع بنفسه ، ويبصر بنفسه ، وليس قولي : إنه يسمع بنفسه أنه شئ والنفس شئ
آخر ، ولكني أردت عبارة عن نفسي إذكنت مسؤولا ، وإفهاما لك إذ كنت سائلا
فأقول : يسمع بكله لا أن كله له بعض ، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي ،
وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا
اختلاف معنى .
16 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار وسعد معا ، عن ابن عيسى ، عن أبيه ، والحسين
ابن سعيد ، ومحمد البرقي ، ( 1 ) عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم قال : دخلت على أبي عبد الله
عليه السلام فقال لي : أتنعت الله ؟ قلت : نعم ، قال : هات . فقلت : هو السميع البصير . قال :
هذه صفة يشترك فيها المخلوقون . قلت : فكيف ننعته ؟ فقال : هو نور لاظلمة فيه ، وحياة
لاموت فيه ، وعلم لاجهل فيه ، وحق لاباطل فيه ، فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس
بالتوحيد .
قال الصدوق رحمه الله : إذا وصفنا الله تبارك وتعالى بصفات الذات فإنما ننفي عنه
بكل صفة منها ضدها ، فمتى قلنا : إنه حي نفينا عنه ضد الحياة وهو الموت ، ومتى قلنا :
عليم نفينا عنه ضد العلم وهو الجهل ، ومتى قلنا : سميع نفينا عنه ضد السمع وهو الصمم ،
ومتى قلنا : بصير نفينا عنه ضد البصر وهو العمى ، ومتى قلنا : عزيز نفينا عنه ضد العزة و
هو الذلة ، ومتى قلنا : حكيم نفينا عنه ضد الحكمة وهو الخطاء ، ومتى قلنا : غني نفينا
عنه ضد الغنى وهو الفقر ، ومتى قلنا : عدل نفينا عنه الجور وهو الظلم ، ومتى قلنا : حليم
نفينا عنه العجلة ، ومتى قلنا : قادر نفينا عنه العجز ، ولو لم نفعل ذلك أثبتنا معه أشياء لم
تزل معه ، ومتى قلنا : لم يزل حيا سميعا بصيرا عزيزا حكيما غنيا ملكا ( 2 ) فلما
جعلنا معنى كل صفة من هذه الصفات التي هي صفات ذاته نفي ضدها أثبتنا أن الله لم
يزل واحدا لا شئ معه . وليست الارادة والمشيئة والرضا والغضب وما يشبه ذلك من
صفات الافعال بمثابة صفات الذات فإنه لا يجوز أن يقال : لم يزل الله مريدا شائيا كما
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : عن أبيه عن ابن ابى عمير .
( 2 ) في التوحيد المطبوع هكذا : لم يزل حيا عليما سميعا ملكا حليما عدلا كريما . ( * )
[ 71 ]
يجوز أن يقال : لم يزل الله قادرا عالما .
بيان : حاصل كلامه أن كل ما يكون اتصاف ذاته تعالى به بنفي ضده عنه مطلقا
فهي من صفات الذات ، ويمكن أن يكون عين ذاته ، ولا يلزم من قدمها تعدد في ذاته ولا
في صفاته ، وأما الصفات التي قد يتصف بها بالنسبة إلى شئ وقد يتصف بنقيضها بالنسبة
إلي شئ آخر فلا يمكن أن يكون النقيضان عين ذاته فلابد من زيادتها فلا يكون من صفات
الذات ، وأيضا يلزم من كونها من صفات الذات قدمها مع زيادتها فيلزم تعدد القدماء
وأيضا لو كانت من صفات الذات يلزم زوالها عند طرو نقيضها فيلزم التغير في الصفات
الذاتية . وقد أشار الكليني إلى هذا الوجه الاخير بعد ما ذكر في وجه الفرق ما تقدم
ذكره وسيأتي تحقيق الارادة في بابها .
وقال الصدوق رحمه الله في موضع آخر من التوحيد : والدليل على أن الله عزوجل
عالم قادر حي بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة هو غيره أنه لو كان عالما بعلم لم يخل علمه من
أحد أمرين : إما أن يكون قديما أو حادثا ، فإن كان حادثا فهو جل ثناؤه قبل حدوث
العلم غير عالم وهذا من صفات النقص وكل منقوص محدث بما قدمناه ، وإن كان قديما
وجب أن يكون غير الله عزوجل قديما وهذا كفر بالاجماع ، وكذلك القول في القادر و
قدرته والحي وحياته ، والدليل على أنه عزوجل لم يزل قادرا عالما حيا أنه قد ثبت
أنه عالم قادر حي بنفسه وصح بالدلائل أنه عزوجل قديم ، وإذا كان كذلك كان عالما
لم يزل إذ نفسه التي لها علم لم تزل ، ونفس هذا يدل على أنه قادر حي لم يزل .
17 - ما : بإسناد المجاشعي ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه واله قال :
الله تعالى كل يوم هو في شأن ، فإن من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع
آخرين .
18 - يد : ما جيلويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن الطيالسي ، عن صفوان ، عن ابن
مسكان ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : لم يزل الله عزوجل ربنا و
العلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولامبصر ، والقدرة ذاته
ولا مقدور ، فلما أحدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ( 1 ) والسمع
* ( هامش ) * ( 1 ) تقدم ذيل الحديث 11 شرح يناسب تلك الجملة . ( * )
[ 72 ]
على المسموع ، والبصر على المبصر ، والقدرة على المقدور .
قال : قلت : فلم يزل الله متكلما ؟ قال : إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية ،
كان الله عزوجل ولا متكلم . ( 1 )
بيان : قوله عليه السلام : وقع العلم منه على المعلوم أي وقع على ما كان معلوما في الازل
وانطبق عليه وتحقق مصداقه ، وليس المقصود تعلقه به تعلقا لم يكن قبل الايجاد .
أو المراد بوقوع العلم على المعلوم العلم به على أنه حاضر موجود ، وكان قد تعلق العلم
به قبل ذلك على وجه الغيبة وأنه سيوجد ، والتغير يرجع إلى المعلوم لا إلى العلم .
وتحقيق المقام أن علمه تعالى بأن شيئا وجد هو عين العلم الذي كان له تعالى
بأنه سيوجد فإن العلم بالقضية إنما يتغير بتغيرها وهو إما بتغير موضوعها أو
محمولها ، والمعلوم ههنا هي القضية القائلة بأن زيدا موجود في الوقت الفلاني ، ولا
يخفي أن زيدا لا يتغير معناه بحضوره وغيبته ، نعم يمكن أن يشار إليه إشارة خاصة
بالموجود حين وجوده ولا يمكن في غيره ، وتفاوت الاشارة إلى الموضوع لا يؤثر في تفاوت
العلم بالقضية ، ونفس تفاوت الاشارة راجع إلى تغير المعلوم لا العلم . ( 2 )
وأما الحكماء فذهب محققوهم إلى أن الزمان والزمانيات كلها حاضرة عنده
تعالى لخروجه عن الزمان كالخيط الممتد من غير غيبة لبعضها دون بعض وعلى هذا فلا
إشكال ، لكن فيه إشكالات لايسع المقام إيرادها .
19 - يد : أبي ، عن سعد ، عن محمد بن عيسى ، عن إسماعيل بن سهل ، ( 3 ) عن حماد
ابن عيسى قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام فقلت : لم يزل الله يعلم ؟ قال : أنى يكون يعلم
ولا معلوم ؟ قال : قلت : فلم يزل الله يسمع ؟ قال : أنى يكون ذلك ولامسموع ؟ قال :
قلت : فلم يزل يبصر ؟ قال : أنى يكون ذلك ولا مبصر ؟ قال : ثم قال : لم يزل الله عليما
سميعا بصيرا ذات علامة سميعة بصيرة .
* ( هامش ) * ( 1 ) أورد الكلينى الحديث مع زيادة في كتابه الكافى ، أوردناه ذيل الحديث 11 .
( 2 ) العلم الذى لا يتغير حاله مع وجود المعلوم الخارجى وعدمه وقبله وبعده كما هو لازم هذا
البيان علم كلى وسيأتى طعن المؤلف على من يقول به ، والحق أن علمه تعالى حضورى لاحصولى و
تفصيل بيانه في محله وعليه ينبغى أن يوجه الخبر لا على العلم الحصولى . ط
( 3 ) هو اسماعيل بن سهل الدهقان الضعيف عند أصحابنا . ( * )
[ 73 ]
بيان : لعل السائل إنما سأل عن العلم على وجه الحضور بأن يكون المعلوم
حاضرا موجودا فنفى عليه السلام ذلك ثم أثبت كونه تعالى أزلا متصفا بالعلم لكن لامع
وجود المعلوم وحضوره ، وكذا السمع والبصر ، ثم اعلم أن السمع والبصر قد يظن
أنهما نوعان من الادراك لا يتعلقان إلا بالموجود العيني فهما من توابع الفعل فيكونان
حادثين بعد الوجود ، ومع قطع النظر عن المفاسد التي ترد عليه لا يوافق الاخبار
الكثيرة الدالة صريحا على قدمهما ، وكونهما من صفات الذات فهما إما راجعان إلى العلم
بالمسموع والمبصر وإنما يمتازان عن سائر العلوم بالمتعلق ، أو أنهما ممتازان عن غيرهما
من العلوم لا بمجرد المتعلق المعلوم بل بنفسهما لكنهما قديمان يمكن تعلقهما لمعدوم
كسائر العلوم ، وبعد وجود المسموع والمبصر يتعلقان بهما من حيث الوجود والحضور .
ولا تفاوت بين حضورهما باعتبار الوجود وعدمه فيما يرجع إلى هاتين الصفتين كما مرفي
العلم بالحوادث آنفا ، نعم لما كان هذان النوعان من الادراك في الانسان مشروطين


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 73 سطر 12 الى ص 81 سطر 12

بشرائط لايتصور في المعدوم كالمقابلة وتوسط الشفاف في البصر لم يمكن تعلقه بالمعدوم ،
ولايشترط شئ من ذلك في إبصاره تعالى فلا يستحيل تعلقه بالمعدوم وكذا السمع . وقيل :
يحتمل أن يكون المراد بكون السمع والبصر قديما أن إمكان إبصار المبصرات الموجودة
وسماع المسموعات الموجودة وما يساوق هذا المعنى قديم فإذا تحقق المبصر صار مبصرا
بالفعل بخلاف العلم فإن تعلقه بجميع المعلومات قديم ، ويرد عليه أن الفرق بين العلم
والسمع والبصر على هذا الوجه بعيد عن تلك الاخبار الكثيرة المتقدمة . والله تعالى
يعلم وحججه عليهم السلام
اقول : سيأتي خبر سليمان المروزي في أبواب الاحتجاجات وهو يناسب هذا
الباب .
[ 74 ]
} باب 2 {
} العلم وكيفيته والايات الواردة فيه {
الايات : البقرة ( 2 ) وهو بكل شئ عليم 29 " وقال تعالى " : وما تفعلوا من خير
يعلمه الله 197 " وقال تعالى " : وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم 215 " وقال تعالى " :
والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( في موضعين 216 و 232 ) " وقال تعالى " : والله يعلم المفسد من
المصلح 220 " وقال تعالى " : والله سميع عليم 224 " وقال تعالى " : فإن الله سميع عليم 227
" وقال تعالى " : واعلموا أن الله بكل شئ عليم 231 " وقال " : واعلموا أن الله بما تعملون
بصير 233 " وقال تعالى " : والله بما تعملون خبير 234 " وقال تعالى " : واعلموا أن الله يعلم
ما في أنفسكم فاحذروه 235 " وقال " : إن الله بما تعملون بصير 237 " وقال " : واعلموا
أن الله سميع عليم 244 " وقال " : والله واسع عليم 247 " وقال " : يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم
ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء 255 " وقال " : والله بما تعملون بصير 265 " وقال
تعالى " : وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه 270 " وقال " : وما تنفقوا من
خير فإن الله به عليم 273 " وقال " : والله بكل شئ عليم 282 " وقال " : والله بما تعملون
عليم 283
آل عمران " 3 " والله بصير بالعباد ( مرتين 15 و 20 ) " وقال تعالى : قل إن تخفوا
ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الارض 29 " وقال " : والله
سميع عليم 34 " وقال " : إنك أنت السميع العليم 35 " وقال " : وما تنفقوا من شئ فإن
الله به عليم 92 " وقال " : والله عليم بالمتقين 115 " وقال " : إن الله عليم بذات الصدور 119
" وقال " : إن الله بما يعملون محيط 120 " وقال " : والله سميع عليم 121 " وقال " : والله خبير
بما تعملون 153 " وقال " : وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا 166 - 167
النساء " 4 " إن الله كان عليما حكيما 11 و 24 " وقال " : إن الله كان بكل شئ عليما 32
" وقال : إن الله كان على كل شئ شهيدا 33 " وقال " : إن الله كان عليما خبيرا 35 " وقال " :
وكان الله بهم عليما 39 " وقال " : إن الله كان سميعا بصيرا 58 " وقال " : وكفى بالله عليما 70
[ 75 ]
" وقال " : يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول
وكان الله بما يعملون محيطا 108 " وقال " : والله بكل شئ عليم 176
المائدة " 5 " ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الارض وأن الله
بكل شئ عليم 97 " وقال تعالى " : والله يعلم ما تبدون وما تكتمون 99
الانعام " 6 " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما
تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولايابس إلا في كتاب
مبين * وهو الذي يتوفيكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار 59 - 60 " وقال " : إن ربك
هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين 117
الاعراف " 7 " وسع ربنا كل شئ علما 89
الانفال " 8 " إنه عليم بذات الصدور 42 " وقال " : والله بما يعملون محيط 47
التوبة " 9 " والله عليم بالمتقين 44 " وقال " : والله عليم بالظالمين 47 " وقال تعالى " :
ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجويهم وأن الله علام الغيوب 78 " وقال " : إن الله بكل
شئ عليم 115
يونس " 10 " وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل
إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض
ولافي السماء ولا اصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين 61
هود " 11 " ويعلم مستقر ها ومستودعها كل في كتاب مبين " 6 " وقال " : إنه بما
تعملون بصير 112 " وقال " : ولله غيب السموات والارض وإليه يرجع الامر كله فاعبده
وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون 123
الرعد " 13 " : الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد وكل
شئ عنده بمقدار * عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال * سواء منكم من أسر القول ومن
جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار 8 - 10 " وقال " : يعلم ما تكسب كل نفس 42
الحجر " 15 " ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين 24
النحل " 16 " والله يعلم ما تسرون وما تعلنون 19 " وقال " : لاجرم أن الله يعلم
[ 76 ]
ما يسرون وما يعلنون 23 " وقال تعالى " : إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم
بالمهتدين 125
الاسرى " 17 " وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا 17 " وقال تعالى " : ربكم
أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين 25 " وقال تعالى " : وربك أعلم بمن في السموات
والارض 55 " وقال تعالى " : قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا 96
مريم " 19 " لقد أحصيهم وعدهم عدا 94
طه " 20 " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما 110
الانبياء " 21 " : قال ربي يعلم القول في السماء والارض وهو السميع العليم 4
" وقال تعالى " : يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم 28 " وقال تعالى " : إنه يعلم الجهر من القول
ويعلم ما تكتمون 110
الحج " 22 " ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والارض إن ذلك في كتاب إن ذلك
على الله يسير 70
المومنين " 23 " عالم الغيب والشهادة 92
النور " 24 " والله يعلم ما تبدون وما تكتمون 29 " وقال تعالى " : إن الله خبير
بما يصنعون 30 " وقال " : والله بكل شئ عليم 35 و 64
الفرقان " 25 " قل أنزله الذى يعلم السرفي السموات والارض 6
النمل " 27 " وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون * وما من غائبة في
السماء والارض إلا في كتاب مبين 74 - 75
العنكبوت " 29 " أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين * وليعلمن الله الذين
آمنوا وليعلمن المنافقين 10 - 11 " وقال تعالى " : قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم
ما في السموات والارض 52
لقمان " 31 " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم في الارحام وما تدري
نفس ما ذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير 34
احزاب " 33 " والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما 51 " وقال تعالى "
[ 77 ]
وكان الله على كل شئ رقيبا 52 " وقال عزوجل " : إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان
بكل شئ عليما 54 " وقال سبحانه " : إن الله كان على كل شئ شهيدا 55
سبا " 34 " يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج
فيها وهو الرحيم الغفور 2 " وقال عزوجل " : عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات
ولا في الارض ولا أصغر من ذلك ولا أكبرا في كتاب مبين . 3 " وقال تعالى " : إنه سميع
قريب 50
فاطر " 35 " إن الله عليم بما يصنعون 8 " وقال تعالى " : إن الله بعباده لخبير بصير 31
" وقال تعالى " : إن الله عالم غيب السموات والارض إنه عليم بذات الصدور 38
يس " 36 " وكل شئ أحصيناه في إمام مبين 12 " وقال تعالى " : فلا يحزنك قولهم
إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون 76
المؤمن " 40 " يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور 19
السجدة " 41 " إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا " وقال تعالى " : اعملوا
ما شئتم إنه بما تعملون بصير 40 " وقال سبحانه " : إليه يرد علم الساعة وما تخرج من
ثمرات من أكمامها وما تحمل من انثي ولا تضع إلا بعلمه 47
الزخرف " 43 " أم يحسبون أنا لانسمع سرهم ونجويهم بلى ورسلنا لديهم
يكتبون 80
محمد " 47 " والله يعلم متقلبكم ومثويكم 19 " وقال " : والله يعلم إسرارهم 26
الفتح " 48 " فعلم مافي قلوبهم 18 " وقال تعالى " : وكان الله بما تعملون بصيرا 24
" وقال تعالى " : وكان الله بكل شئ عليما 26 " وقال تعالى " : وكفى بالله شهيدا 28
الحجرات " 49 " والله عليم حكيم 8 " وقال تعالى " : إن الله عليم خبير 13 " وقال " :
قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الارض والله بكل شئ عليم 16
" وقال سبحانه " : إن الله يعلم غيب السموات والارض والله بصير بما تعملون 18
ق " 50 " ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من
حبل الوريد 16 " وقال تعالى " : نحن أعلم بما يقولون 45
[ 78 ]
النجم " 53 " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى 30 " وقال
تعالى " : هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الارض وإذ أنتم أجنة في بطون امهاتكم فلا تز كوا
أنفسكم هو أعلم بمن اتقى 32
المجادلة " 58 " والله يسمع تحاور كما إن الله سميع بصير 1 " وقال تعالى " : ألم
ترأن الله يعلم ما في السموات وما في الارض ما يكون من نجوى ثلثة إلا هو رابعهم ولا
خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما
عملوا يوم القيمة إن الله بكل شئ عليم 7
الممتحنة " 60 " وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم 1 " وقال تعالى " : الله أعلم
بإيمانهن 10
الملك " 67 " وأسر واقولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور * ألا يعلم من
خلق وهو اللطيف الخبير 14
ن " 68 " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين 7
الجن " 72 " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول 26 - 27
" وقال " : وأحاط بمالديهم وأحصى كل شئ عددا 28
الاعلى " 87 " إنه يعلم الجهر وما يخفى 7
العلق " 96 " ألم يعلم بأن الله يرى 14
1 - يد ، ن : عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب القرشي ، عن أحمد بن الفضل بن
المغيرة ، عن منصور بن عبدالله بن إبراهيم الاصفهاني ، عن علي بن عبدالله ، عن الحسين
بن بشار ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : سألته أيعلم الله الشئ
الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون أولا يعلم إلاما يكون ؟ فقال : إن الله تعالى
هو العالم بالاشياء قبل كون الاشياء قال عزوجل : " إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون "
وقال لاهل النار : " ولورد والعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " فقد علم عزوجل أنه
لوردهم لعادوا لما نهوا عنه ، وقال للملائكة لما قالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك
[ 79 ]
الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون " فلم يزل الله عز
وجل علمه سابقا للاشياء ، قديما قبل أن يخلقها ، فتبارك ربنا وتعالى علوا كبيرا ، خلق
الاشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء ، كذلك لم يزل ربنا عليما سميعا بصيرا .
بيان : قال الطبرسي رحمه الله " هذا كتابنا " يعني ديوان الحفظة " ينطق عليكم بالحق "
أي يشهد عليكم بالحق " إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " إي ستكتب الحفظة ما كنتم
تعملون في دار الدنيا . ( 1 ) وقيل : المراد بالكتاب اللوح المحفوظ يشهد بما قضى فيه من خير
وشر ، وعلى هذا فيكون معنى نستنسخ أن الحفظة تستنسخ ما هو مدون عندها من
أحوال العباد ، وهو قول ابن عباس . انتهى . أقول : بناء استشهاده عليه السلام على المعنى الثاني
وإن كان المشهور بين المفسرين هو المعنى الاول .
2 - مع : ما جيلويه عن عمه ، عن الكوفي ، عن موسى بن سعدان الحناط ،
عن عبدالله بن القاسم ، عن عبدالله بن مسكان ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله
عليه السلام عن قول الله عزوجل : " يعلم السر وأخفى " قال : السر ما كتمته في نفسك ، وأخفى
ما خطر ببالك ثم أنسيته .
بيان : قال الطبرسي رحمه الله السر ما حدث به العبد غيره في خفية ، وأخفى منه
ما أضمره في نفسه ما لم تحدث غيره ، عن ابن عباس ، وقيل : السر ما أضمره العبد في
نفسه وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد . ( 2 ) وقيل : السر ما تحدث به نفسك ، وأخفى
منه : ما تريد أن تحدث به نفسك في ثاني الحال ، وقيل : السر : العمل الذي تستره
عن الناس ، وأخفى منه : الوسوسة . ( 3 ) وقيل : معناه يعلم أسرار الخلق ، وأخفى أي
سر نفسه ، عن زيد بن أسلم : جعله فعلا ماضيا ، ثم روى هذا الخبر عن الباقر والصادق
عليهما السلام . ( 4 )
3 - مع : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ،
* ( هامش ) * ( 1 ) وقال بعد ذلك ، والاستنساخ : الامر بالنسخ مثل الاستكتاب : الامر بالكتابة .
( 2 ) عن قتادة وسعيد بن جبير وابن زيد .
( 3 ) عن مجاهد .
( 4 ) الا أنه قال : السر : ما أخفيته في نفسك . ( * )
[ 80 ]
عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله عز وجل : " عالم الغيب والشهادة "
فقال : الغيب : ما لم يكن ، والشهادة : ما قد كان .
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : أي عالم بما غاب عن حس العباد ، وبما تشاهده
العباد ، وقيل : عالم بالمعدوم والموجود ، وقيل : عالم السر والعلانية ، والاولي أن يحمل
على العموم .
4 - مع : بالاسناد المتقدم عن ثعلبة ، عن عبد الرحمن بن سلمة الحريري قال :
سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قوله عزوجل : " يعلم خائنة الاعين " فقال : ألم تر إلي الرجل
ينظر إلى الشئ وكأنه لاينظر إليه فذلك خائنة الاعين .
بيان : قال الطبرسي رحمه الله خائنة الاعين أي خيانتها وهي مسارقة النظر إلى
مالا يحل النظر إليه ، وقيل : تقديره يعلم الاعين الخائنة ، وقيل : هو الرمز بالعين ، وقيل
هو قول الانسان : ما رأيت وقد رأى ، ورأيت وما رأى . ( 1 )
5 - يد ، ن : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن الانصاري ، عن الهروي قال : قال المأمون
الرضا عليه السلام - في خبر طويل - عن قوله تعالى : " ليبلوكم أيكم أحسن عملا " فقال عليه السلام :
إنه عزوجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الامتحان و
التجربة لانه لم يزل عليما بكل شئ .
6 - مع : محمد بن الحسن ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ،
عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن أبي بصير قال : سألته عن قوله عزو
جل : " وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس
إلا في كتاب مبين " قال : فقال " الورقة السقط ، والحبة الولد ، وظلمات الارض
الارحام ، والرطب : ما يحيى ، واليابس ما يغيض ، ( 2 ) وكل في كتاب مبين
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الرضى رضوان الله تعالى عليه في تلخيصه : هذه استعارة والمراد بخائنة الاعين - والله
أعلم - الريب في كسر الجفون ومرامز العيون وسمى سبحانه ذلك خيانة لانه امارة للريبة و
مجانبة للعفة وقد يجوز أن تكون خائنة الاعين ، ههنا صفة لبعض الاعين بالمبالغة في الخيانة ، على
المعنى الذى أشرنا إليه ، كما يقال : علامة ونسابة .
( 2 ) في نسخة : ما يقبض ، وهو أظهر حيث لا يحتاج إلى التكلف . ( * )
[ 81 ]
شى : عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله .
بيان : في أكثر نسخ الكتابين " يغيض " بالغين المعجمة ، والياء المثناة من تحت ،
من الغيض بمعنى النقص ، كما قال تعالى : " وما تغيض الارحام " وقال الفيروز آبادي :
الغيض : السقط الذي لم يتم خلقه . فيحتمل أن يكون المراد بالسقط ما يسقط قبل حلول
الروح أو قبل تمام خلق البدن أيضا ، وبا حبة ما يكون في علم الله أنه تحل فيه الروح
وهو ينقسم إلى قسمين : فإما أن ينزل في أوانه ويعيش خارج الرحم فهو الرطب ، و
إما أن ينزل قبل كماله فيموت إما في الرحم أو في خارجها وهو اليابس . وفي بعض نسخ
مع والكافي " يقيض " بالقاف فيحتمل أن لا يكون ذلك تفصيلا لاحوال السقط ، بل يكون
المراد أنه يعلم الحي من الناس والميت منهم .
ثم اعلم أن هذا التفسير وما سيأتي من بطون الآية الكريمة لاينافي كون ظاهرها
أيضا مرادا ، قال الطبرسي : قوله تعالى : " وما تسقط من ورقة إلا يعلمها " قال الزجاج :
المعنى أنه يعلمها ساقطة وثابتة ، وقيل : يعلم ماسقط من ورق الاشجار وما بقي ، و


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 81 سطر 13 الى ص 89 سطر 13

يعلم كم انقلبت ظهر البطن عند سقوطها ، " ولا حبة في ظلمات الارض " معناه وما تسقط
من حبة في باطن الارض إلا يعلمها ، وكنى بالظلمة عن باطن الارض لانه لا يدرك
كما لايدرك ما حصل في الظلمة ، وقال ابن عباس : يعني تحت الصخرة وأسفل الارضين
السبع أو تحت حجر أوشئ ، " ولا رطب ولا يابس " قد جمع الاشياء كلها لان الاجسام
لا تخلو من أحد هذين ، وقيل : أراد ما ينبت ومالا ينبت عن ابن عباس ، وعنه أيضا
أن الرطب : الماء ، واليابس : البادية ، وقيل : الرطب : الحي ، واليابس : الميت
انتهى . ( 1 )
7 - فس : قوله تعالى : " الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام
وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار " ( 2 ) ما تغيض أي ما تسقط قبل التمام ، وما تزداد
* ( هامش ) * ( 1 ) أقول : ثم روى الحديث مرسلا عن أبى عبدالله عليه السلام .
( 2 ) قال السيد الرضى : هذه استعارة عجيبة لان حقيقة الغيض إنما يوصف بها الماء دون غيره ،
يقال : غاض الماء وغضته ، ولكن النطفة لما كانت تسمى ماءا جاز أن توصف الارحام بأنها تغيض * ( * )
[ 82 ]
يعني على تسعة أشهر ، كل ما رأت المرأة من حيض في أيام حملها زاد ذلك على حملها .
8 - وفي رواية أبي الجارود ، عن أبى جعفر عليه السلام في قوله : " سواء منكم من أسر
القول ومن جهربه " السر والعلانية عنده سواء ، وقوله : " ومن هو مستخف بالليل " أي
مستخف في جوف بيته .
وقال علي بن إبراهيم في قوله : " وسارب بالنهار " يعني تحت الارض فذلك كله
عند الله عزوجل واحد يعلمه .
بيان : قال الطبرسي : أي من هو مستتر متوار بالليل ، ومن هو سالك في سربه .
أي في مذهبه ، ماض في حوائجه بالنهار . وقال الحسن : معناه ومن هو مستتر في الليل
ومن هو مستتر في النهار . وصحح الزجاج هذا القول لان العرب تقول : انسرب الوحش
إذا دخل في كناسته . ( 1 )
9 - فس : قوله : " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام
وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير "
قال الصادق عليه السلام : هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ،
وهي من صفات الله عزوجل
بيان : أي بدون تعليم الله تعالى ووحيه .
10 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن الحسن بن برده
عن الفقيمي ، عن إبراهيم بن محمد العلوي ، عن فتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن
عليه السلام قال : قلت له : يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ؟ قال
ويحك إن مسألتك لصعبة ، أما سمعت الله يقول : " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا "
وقوله : " ولعلا بعضهم على بعض " وقال - يحكي قول أهل النار - : " ارجعنا نعمل صالحا
* ( هامش ) * * في قرارها وتشتمل على بقاعاتها ، فيكون ما غاضته من ذلك الماء سببا لزيادته بأن يصير علقة ثم
مضغة ثم خلقه مصورة ، فذلك معنى قوله : وما تزداد ، وقيل أيضا : معنى ما تغيض الارحام أى ما تنقص
باسقاط العلق وإخراج الخلق ، ومعنى ما تزداد أى ماتلده لتمام وتؤدى خلقه على كمال فيكون الغيض
ههنا عبارة عن النقصان والازياد عبارة عن التمام .
( 1 ) بكسر الكاف : بيت الظبى والوحش . ( * )
[ 83 ]
غير الذي كنا نعمل " وقال : " ولوردوا لعادوا لما نهوا عنه " فقد علم الشئ الذي لم يكن
أن لو كان كيف كان يكون . الخبر .
11 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن عمه النوفلي ، عن سليمان
ابن سفيان ، عن أبي علي القصاب قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فقلت : الحمد الله
منتهى علمه فقال : لا تقل ذلك فإنه ليس لعلمه منتهى
نوادر علي بن أسباط ، عن القصاب مثله .
12 - يد : أبي وابن الوليد ، عن محمد العطار ، وأحمد بن إدريس معا ، عن
الاشعري ، عن علي بن إسماعيل ، عن صفوان ، عن الكاهلي قال : كتبت إلى أبي الحسن
عليه السلام في دعاء : الحمد الله منتهى علمه ، فكتب إلي : لاتقولن : منتهى علمه ، ولكن قل :
منتهى رضاه .
13 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن ابن أبي عمير ،
عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : العلم هو من كماله . ( 1 )
يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الحسن الصيرفي
عن بكار الواسطي ، عن الثمالي ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام في العلم قال : هو كيدك .
قال الصدوق رحمه الله : يعني أن العلم ليس هو غيره وأنه من صفات ذاته لان الله
عزوجل ذات علامة سميعة بصيرة ، وإنما نريد بوصفنا إياه بالعلم نفي الجهل عنه ، ولا
نقول : إن العلم غيره لانامتى قلنا ذلك ثم قلنا : إن الله لم يزل عالما أثبتنا معه شيئا
قديما لم يزل ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
أقول : في بعض نسخ التوحيد زيادة في هذا المقام ، وهي هذه : فيه إلحاق بخط
بعض المشائخ رحمه الله ، يقول : هذا غلط من الراوي ، والصحيح الخبر الاول ، والامام
أجل من أن يبعض الله سبحانه بعلمه منه ككون يد الانسان منه ، وألحق فيه أحمد بن
محمد الموصلي أن قال : إن الامام عليه السلام يخاطب الناس علي قدر فهمهم وكنه عقولهم ، و
ليس في هذه الرواية ما ينافي الرواية التي قبلها لان قوله عليه السلام في العلم : " هو كيدك
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة من التوحيد هكذا : العلم هو من كماله كيدك . ( * )
[ 84 ]
منك " أراد : كما أن يد الانسان من كماله كذلك الله سبحانه كونه عالما من كماله ،
ولولم يكن عالما لم يكن كاملا كما أن الانسان لو لم يكن له يد لم يكن كاملا ، وعلى
هذا لا تنافي بينهما .
بيان : أقول : يحتمل أن يكون التشبيه لبيان غاية ظهور معلوماته تعالى عنده
فإن اليد أظهر أعضاء الانسان ، أي يعلم جميع الاشياء كما تعلم يدك ، وهذا مثل معروف
بين العرب فلاحاجة إلى هذه التكلفات .
14 - يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن حازم ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس
كان في علم الله تعالى ؟ قال : فقال : بلى قبل أن يخلق السماوات والارض .
سن : أبي ، عن ابن أبي عمير مثله .
15 - يد : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن علي بن إسماعيل ، وابن
إبراهيم معا ، عن صفوان ، عن ابن حازم قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام هل يكون اليوم
شئ لم يكن في علم الله عزوجل ؟ قالا : لا بل كان في علمه قبل أن ينشئ السماوات
والارض .
16 - يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم
عن الصيقل ، ( 1 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله علم لاجهل فيه ، حيأة لاموت فيه ، نور
لاظلمة فيه .
17 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن اليقطيني ، عن يونس قال : قلت لابي
الحسن الرضا عليه السلام : روينا أن الله علم لاجهل فيه ، حياة لاموت فيه ، نور لاظلمة فيه
قال : كذلك هو .
18 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن اليقطيني ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام
ابن الحكم ، عن عيسى بن أبي منصور ، عن جابر الجعفي ، ( 2 ) عن أبي جعفر عليه السلام قال :
* ( هامش ) * ( 1 ) هو منصور الصيقل ، ولم نجد في التراجم ما يدل على توثيقه ومدحه .
( 2 ) بضم الجيم المعجمة وسكون العين المهملة ثم الفاء والياء ، على وزن كرسي . ( * )
[ 85 ]
سمعته يقول : إن الله نور لاظلمة فيه ، وعلم لاجهل فيه ، وحياة لاموت فيه .
19 - يد : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن ابن
سنان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام قال : إن لله علما خاصا ، وعلما عاما فأما
العلم الخاص فالعلم الذي لم يطلع عليه ملائكته المقر بين وأنبياءه المرسلين ، وأما
علمه العام فإنه علمه الذي أطلع عليه ملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين ، وقد
وقع إلينا من رسول الله عليه صلى الله عليه واله .
20 - يد : عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، عن أحمد بن الفضل ، عن منصور بن
عبدالله الاصفهاني ، عن صفوان ، عن ابن مسكان قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الله
تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان أم علمه عند ما خلقه وبعد ما خلقه ؟
فقال : تعالى الله بل لم يزل عالما بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعد ما كونه ، وكذلك
علمه بجميع الاشياء كعلمه بالمكان .
قال الصدوق رحمه الله : من الدليل على أن الله تعالى عالم أن الافعال المختلفة
التقدير المتضادة التدبير المتفاوتة الصنعة لا يقع على ما ينبغي أن تكون عليه من الحكمة
ممن لا يعلمها ، ولا يستمر على منهاج منتظم ممن يجهلها
ألا ترى أنه لا يصوغ قرطا ( 1 ) يحكم صنعته ويضع كلا من دقيقة وجليله موضعه
من لايعرف الصياغة ، ولاأن ينظم كتابة يتبع كل حرف منها ما قبله من لا يعلم الكتابة ،
والعالم ألطف صنعة وأبدع تقديرا مما وصفناه فوقوعه من غير عالم بكيفيته قبل وجوده
أبعد وأشد استحالة ، وتصديق ذلك ما حدثنا به ابن عبدوس ، عن ابن قتيبة ، عن
الفضل قال : سمعت الرضا علي بن موسى عليهما السلام يقول في دعائه : سبحان من خلق الخلق
بقدرته ، أتقن ما خلق بحكمته ، ووضع كل شئ منه موضعه بعلمه ، سبحان من يعلم
خائنة الاعين وما تخفي الصدور ، وليس كمثله شئ ، وهو السميع البصير .
21 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن زيد بن المعدل
* ( هامش ) * ( 1 ) بضم القاف وسكون الراء : ما يعلق في شحمة الاذن من درة ونحوها ، ويقال بالفارسية :
كوشواره . ( * )
[ 86 ]
النميري ( 1 ) و عبدالله بن سنان ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن لله لعلما لا يعلمه
غيره ، وعلما يعلمه ملائكته المقربون وأنبياؤه المرسلون ونحن نعلمه .
22 - يد : بهذا الاسناد ، عن النوفلي ، عن يحيى بن أبي يحيى ، عن عبد الله بن
الصامت ، عن عبد الاعلي ، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه السلام قال : علم الله لا يوصف
الله منه بأين ، ولا يوصف العلم من الله بكيف ، ولا يفرد العلم من الله ، ولا يبان الله منه ،
وليس بين الله وبين علمه حد . ( 2 )
بيان : قوله : لا يوصف الله منه بأين أي ليس علمه تعالى شيئا مباينا منه بحسب
المكان بأن يكون هو تعالى في مكان وعلمه في مكان آخر ، أولا يوصف بسبب العلم بمكان
بأن يقال : علم ذلك الشئ في هذا المكان ، أي لايحتاج في العلم بالاشياء إلى الدنو منها
والاحاطة الجسمية بها ، ويحتمل أن يكون المراد أنه تعالى ليس مكانا للمعلوم بأن
يحل ويحصل فيه صورته ، لكنه بعيد وقوله عليه السلام : ولايوصف العلم من الله بكيف أي
ليس علمه تعالى كيفية كما في المخلوقين ، أولا يعلم كنه علمه تعالى وكيفية تعلقه بالمعلومات
قوله : وليس بين الله وبين علمه حد إما إشارة إلى عدم مغايرة العلم للذات ، أو إلى عدم
حدوث علمه تعالى أي لم ينفك علمه تعالى عنه حتى يكون بين وجوده تعالى وعلمه
حد وأمد حتى يقال : كان ثم حدث علمه في وقت معين وحد معلوم .
23 - يد : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أبي عمير ، عن
هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، عن أبى جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : كان الله ولا شئ
غيره . ولم يزل الله عالما بما كون ، ( 3 ) فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد ما كونه .
24 - يد : العطار ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) وزان الزبيرى .
( 2 ) من الروايات الدالة على عينية العلم للذات صراحة . ط
( 3 ) في الكافى : ولم يزل عالما بما يكون .
( 4 ) الجوهرى الكوفى ، سكن بغداد روى عن موسى بن جعفر عليه السلام وله كتاب ، وروى
الكشى عن نصر بن الصباح أنه لم يلق أبا عبدالله عليه السلام وأنه كان واقفيا . ( * )
[ 87 ]
عن عبدالصمد بن بشير ، ( 1 ) عن فضيل بن سكرة ( 2 ) قال : قلت لابي جعفر عليه السلام :
جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني ، هل كان الله جل ذكره يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه
وحده ؟ فقد اختلف مواليك ، فقال بعضهم : قد كان يعلم تبارك وتعالى أنه وحده قبل
أن يخلق شيئا من خلقه ، وقال بعضهم : إنما معنى يعلم يفعل ، فهو اليوم يعلم أنه لاغيره
قبل فعل الاشياء ، وقالوا : إن أثبتنا أنه لم يزل عالما بأنه لاغيره فقد أثبتنا معه غيره في
أزليته ، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني مالا أعدوه إلى غيره ، فكتب عليه السلام : ما زال الله عالما
تبارك وتعالى ذكره .
بيان : قوله عليه السلام : إنما معنى يعلم يفعل أي أن تعلق علمه تعالى بشئ يوجب وجود
ذلك الشئ وتحققه ، فلو كان لم يزل عالما كان لم يزل فاعلا فكان معه شئ في الازل ، أو أن
تعلق العلم بشئ يستدعي انكشاف ذلك الشئ ، وانكشاف الشئ يستدعي نحو حصول
له ، وكل حصول ووجود لغيره سبحانه مستند إليه فيكون من فعله فيكون معه في
الازل شئ من فعله . فأجاب عليه السلام بأنه لم يزل عالما ، ولم يلتفت إلى بيان فساد متمسك
نافيه إما لظهوره أو لتعليم أنه لاينبغي الخوض في تلك المسائل المتعلقة بذاته وصفاته
تعالى فإنها مما تقصر عنه الافهام وتزل فيه الاقدام
ثم اعلم أن من ضروريات المذهب كونه تعالى عالما أزلا وأبدا بجميع الاشياء
كلياتها وجزئياتها من غير تغير في علمه تعالى ، وخالف في ذلك جمهور الحكماء فنفوا
العلم بالجزئيات عنه تعالى ، ( 3 ) ولقدماء الفلاسفة في العلم مذاهب غريبة :
منها أنه تعالى لا يعلم شيئا أصلا ، ومنها أنه لايعلم ما سواه ويعلم ذاته ، وذهب
بعضهم إلى العكس ، ومنها أنه لا يعلم جميع ما سواه وإن علم بعضه ، ومنها أنه لا يعلم
الاشياء إلا بعد وقوعها ، ونسب الاخير إلى أبي الحسين البصري وهشام بن الحكم كما
* ( هامش ) * ( 1 ) العرامى العبدى ، مولاهم كوفى ، ثقة ثقة ، روى عن أبي عبدالله عليه السلام ، له كتاب ،
قاله النجاشى .
( 2 ) بضم السين المهملة ، وفتح الكاف المشددة ، والراء المهملة والهاء ، الاسدى الامامى ،
يظهر من بعض الروايات حسن حاله .
( 3 ) وهذا الذى سيطعن فيه في ذيل كلامه بانه كفر صريح هو بعينه ما أورده في بيان الخبر ( 18 )
من باب نفى التركيب وارتضاه ، وعلى الجملة كل من صور علمه تعالى بنحو العلم الحصولى كالمتكلمين
وبعض الحكماء لامناص له من الالتزام بالعلم الكلى . ( * )
[ 88 ]
ورد في الاخبار أيضا " ، ولعله كان مذهبه قبل اختيار الحق ، أو اشتبه على الناقلين بعض
كلماته ، وجميع هذه المذاهب الباطلة كفر صريح مخالف لضرورة العقل والدين ، وقد
دلت البراهين القاطعة على نفيها ، ولهم في ذلك شبه ليس هذا موضع ذكرها وبيان
سخافتها .
25 - يد : العطار ، عن سعد ، ( 1 ) عن أيوب بن نوح أنه كتب إلى أبي الحسن
عليه السلام يسأله عن الله عزوجل أكان يعلم الاشياء قبل أن يخلق الاشياء وكونها ؟ أولم
يعلم ذلك حتى خلقها وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عند ما خلق وما كون عند
ما كون ؟ فوقع عليه السلام بخطه : لم يزل الله عالما بالاشياء قبل أن يخلق الاشياء كعلمه
بالاشياء بعد ما خلق الاشياء .
26 - يد ، مع ، ن : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد الله ، ( 2 ) عن محمد
ابن عبدالله وموسى بن عمرو ، ( 3 ) والحسن بن علي بن أبي عثمان ، ( 4 ) عن محمد بن سنان قال :
سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : نعم ،
قلت : يراها ويسمعها ؟ قال : ما كان محتاجا إلى ذلك لانه لم يكن يسألها ولا يطلب منها
هو نفسه ونفسه هو ، قدرته نافذة فليس يحتاج إلى أن يسمي نفسه ، ولكنه اختار لنفسه
أسماء لغيره يدعوه بها لانه إذا لم يدع باسمه لم يعرف . فأول ما اختار لنفسه : العلي العظيم
لانه أعلى الاسماء كلها فمعناه الله واسمه العلي العظيم موأول أسمائه لانه علي علا
كل شئ
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافي : سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى ، عن أيوب بن نوح .
( 2 ) وفى نسخة : عن الحسين بن عبدالله .
( 3 ) قال المولى صالح المازندرانى : هو عمرو بن بزيع الكوفى وابنه موسى ثقة .
( 4 ) الملقب بسجادة المكنى بابى محمد ، كوفى . قال النجاشي : ضعفه أصحابنا . وقال الكشى :
السجادة لعنه الله ولعنه اللاعنون والملائكة والناس أجمعون فلقد كان من العليائية الذين يقعون في
رسول الله صلى الله عليه وآله وليس لهم في الاسلام نصيب انتهى . وحكى عن نصر بن الصباح تفضيل
السجادة محمدبن أبى زينب على رسول الله صلى الله عليه وآله . ( * )
[ 89 ]
بيان : قوله : ويسمعها أي يسمي نفسه ويسمعها ، ويمكن أن يقرأ من باب
الافعال . قوله : فمعناه الله أي مدلول هذا اللفظ ، ويدل ظاهرا على أن الله اسم للذات غير
صفة .
27 - يد : أبي ، عن سعد ، عن الاصفهاني ، عن المنقري ، عن حفص قال : سألت
أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل : " وسع كرسيه السموات والارض " قال : علمه
28 - يد : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبى عمير ، عن عبدالله بن سنان ، عن
أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " وسع كرسيه السموات والارض " فقال : السماوات
والارض وما بينهما في الكرسي والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره .
بيان : هذا الخبر والذي تقدمه يدلان على أن العرش والكرسي قد يطلق كل
منهما على علمه تعالى ، وسيأتي تحقيقه في كتاب السماء والعالم .
29 - يد : الدقاق ، عن الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن يونس ،
عن ابن حازم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله بالامس ؟
قال : لا ، من قال هذا فأخزاه الله . قلت : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 89 سطر 14 الى ص 97 سطر 14

في علم الله ؟ قال : بلى قبل أن يخلق الخلق .
30 - ير : عبدالله بن عامر ، عن الربيع بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن
ضريس ، ( 1 ) عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن لله علمين : علما مبذولا ، وعلما مكفوفا ، فأما
المبذول فإنه ليس من شئ يعلمه الملائكة والرسل إلا نحن نعلمه ، وأما المكفوف
فهو الذي عند الله في ام الكتاب .
31 - ير : عبدالله بن جعفر ، عن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن ربعي ، عن
الفضيل ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن لله علما يعلمه ملائكته وأنبياؤه ورسله ألا ونحن
نعلمه ، ولله علم لا يعلمه ملائكته وأنبياؤه ورسله .
32 - ير : ابن هاشم ، عن البرقي رفعه قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : إن لله علمين :
علم تعلمه ملائكته ورسله ، وعلم لا يعلمه غيره ، فما كان مما يعلمه ملائكته ورسله فنحن
* ( هامش ) * ( 1 ) وزان زبير . ( * )
[ 90 ]
نعلمه ، وما خرج من العلم الذي لا يعلم غيره فإلينا يخرج
33 - يج : قال أبوهاشم الجعفري : سأل محمد بن صالح الارمني أبا محمد عليه السلام عن
قوله تعالى : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " فقال : هل يمحو إلا ما كان ؟ و
هل يثبت إلا مالم يكن . فقلت في نفسي : هذا خلاف قول هشام بن الحكم إنه لا يعلم
بالشئ حتى يكون ، ( 1 ) فنظر إلي فقال : تعالى الجبار الحاكم العالم بالاشياء قبل كونها .
قلت : أشهد أنك حجة الله .
34 - كشف : من دلائل الحميري ، عن الجعفري مثله ، وفي آخره : تعالى الجبار
العالم بالاشياء قبل كونها ، الخالق إذلا مخلوق ، والرب إذ لا مربوب ، والقادر قبل المقدور
عليه ( 2 ) فقلت : أشهد أنك ولي الله وحجته والقائم بقسطه وأنك على منهاج أمير المؤمنين
وعلمه .
35 - شى : عن داود الرقي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله : " أم حسبتم
أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم " قال : إن الله هو أعلم بما هو مكونه
قبل أن يكونه وهم ذر ، وعلم من يجاهد ممن لا يجاهد كما علم أنه يميت خلقه قبل أن
يميتهم ولم يرهم موتى وهم أحياء . ( 3 )
بيان : فالعلم كناية عن الوقوع ، أو المراد العلم بعد الوقوع .
36 - شى : عن الحسين بن خالد قال : سألت أبا عبدالله ( 4 ) عليه السلام عن قول الله :
" ما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب
مبين " فقال : الورق : السقط يسقط من بطن امه من قبل أن يهل الولد . ( 5 ) قال فقلت :
وقوله ولا حبة قال : يعني الولد في بطن امة إذا أهل ويسقط من قبل الولادة . قال :
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : انه لا يعلم الشئ حتى يكون .
( 2 ) وفى نسخة القادر اذ لا مقدور .
( 3 ) يوجد الحديث في تفسير البرهان والصافى ، وفيه : ولم يرهم موتهم وهم أحياء .
( 4 ) في نسخة : سألت أبا الحسن عليه السلام : فعلى هذا يكون المراد من الحسين بن خالد الصيرفى ، و
على ما في المتن يكون هو ابن طهمان .
( 5 ) أهل الصبى : رفع صوته بالبكاء حين الولادة . ( * )
[ 91 ]
قلت : قوله : ولا رطب قال : يعنى المضغة إذا استكنت في الرحم قبل أن يتم خلقها قبل
أن ينتقل . قال : قوله : ولا يابس قال : الولد التام . قال : قلت : في كتاب مبين قال : في
إمام مبين .
37 - شى : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام " نسوا الله " قال : تركواطاعة الله " فنسيهم "
قال : فتركهم .
38 - شى : عن أبي معمر السعدي قال : قال علي عليه السلام في قول الله " نسوا الله
فنسيهم " فإنما يعني أنهم نسوا الله في دار الدنيا فلم يعملوا له بالطاعة ولم يؤمنوا به و
برسوله فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه نصيبا فصاروا منسيين من الخير .
39 - شى : عن حريز رفعه إلى أحدهما عليهما السلام في قول الله : " الله يعلم ما تحمل كل
انثى وما تغيض الارحام وما تزداد " قال : الغيض : كل حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد :
كل شئ يزداد على تسعة أشهر ، وكلما رأت الدم في حملها من الحيض يزداد بعدد الايام
التي رأت في حملها من الدم .
40 - شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر أو أبي عبدالله عليهما السلام ( 1 ) في قوله تعالى : " ما
تحمل كل انثى " يعني الذكر والانثى " وما تغيض الارحام " قال : الغيض ما كان أقل من
الحمل " وما تزداد " ما زاد على الحمل فهو مكان ما رأت من الدم في حملها .
41 - شى : محمد بن مسلم وحمران وزرارة عنهما قال : " ما تحمل كل انثى " انثى
أو ذكر " وما تغيض الارحام " التي لا تحمل " وما تزداد " من انثي أو ذكر .
42 - شى : عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله : " ما تحمل
كل انثى وما تغيض الارحام " قال : مالم يكن حملا " وما تزداد " قال : الذكر والانثى جميعا
43 - شى : عن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " الله يعلم ما تحمل كل
انثى " قال : الذكر والاثنى " وما تغيض الارحام " قال : ما كان دون التسعة وهو غيض
" وما تزداد " قال : ما رأت الدم في حال حملها ازداد به على التسعة الاشهر ، إن كان رأت الدم
خمسة أيام أو أقل أو أكثر زاد ذلك على التسعة الاشهر .
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : عن أبى جعفر وأبى عبدالله عليهما السلام . ( * )
[ 92 ]
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : الله يعلم ما تحمل كل انثى أي يعلم ما في بطن
كل حامل من ذكر أو انثى تام أو غير تام ، ويعلم لونه وصفاته ، ما تغيض الارحام أي
يعلم الوقت الذي تنقصه الارحام من المدة التي هي تسعة أشهر وما تزداد على ذلك
عن أكثر المفسرين . وقال الضحاك : الغيض النقصان من الاجل والزيادة ما يزداد على
الاجل ، وذلك أن النساء لا يلدون لاجل واحد . وقيل : يعني بقوله : ما تغيض الارحام
الولد الذي تأتي به المرأة لاقل من ستة أشهر ، وما تزداد الولد الذي تأتي به لاقصى
مدة الحمل . وقيل : معناه : ما تنقص الارحام من دم الحيض وهو انقطاع الحيض ، وما
تزداد بدم النفاس بعد الوضع ، عن ابن عباس بخلاف وابن زيد .
44 - نهج : من خطبة له عليه السلام : يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ، ومعاصي العباد
في الخلوات ، واختلاف النينان في البحار الغامرات ، ( 1 ) وتلاطم الماء بالرياح العاصفات .
أقول : سيأتي بعض الاخبار في باب معاني الاسماء وباب جوامع التوحيد ، و
باب البداء وأبواب علوم الائمة وقد سبق بعضها في الباب السابق .
} باب 3 {
} البداء والنسخ ( 2 ) {
الايات : البقرة " 2 " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله
على كل شئ قدير 106
المائدة " 5 " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه
مبسوطتان ينفق كيف يشاء 64
* ( هامش ) * ( 1 ) النون : الحوت ، والجمع نينان وأنوان .
( 2 ) البداء بالفتح والمدفى اللغة ظهور الشئ بعد الخفاء وحصول العلم به بعد الجهل واتفقت
الامة على امتناع ذلك على الله سبحانه إلا من لا يعتد به ، ومن افترى ذلك على الامامية فقد افترى كذبا
عظيما ، والامامية منه براء . وفى العرف - على ما يستفاد من كلام العلماء وأئمة الحديث - يطلق على معان
كلها صحيحة في حقه تعالى :
منها : إبداء شئ وإحداثه والحكم بوجوده بتقدير حادث وتعلق ارادة حادثة بحسب الشروط * ( * )
[ 93 ]
الانعام " 6 " هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم
تمترون 2
الرعد " 13 " لكل أجل كتاب * يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب 38 - 39
* ( هامش ) * * والمصالح ، ومن هذا القبيل ايجاد الحوادث اليومية ، ويقرب منه قول ابن أثير في حديث الاقرع و
الابرص والاعمى : بدالله عزوجل أن يبتهليم ، أى قضى بذلك ، وهو معنى البداء ههنا ، لان القضاء سابق
والبداء استصواب شئ علم بعد أن لم يعلم ، وذلك على الله عزوجل محال غير جائز . انتهى . ولعله أراد
بالقضاء الحكم بالوجود ، وأراد بكونه سابقا أن العلم به سابق كما يرشد إليه ظاهر التعليل المذكور
بعده .
ومنها ترجيح أحد المتقابلين والحكم بوجوده بعد تعلق الارادة بهما تعلقا غير حتمى ، لرجحان
مصلحته وشروطه على مصلحة الاخر وشروطه ، ومن هذا القبيل اجابة الداعى ، وتحقيق مطالبه ، و
تطويل العمر بصلة الرحم ، وارادة ابقاء قوم بعد ارادة اهلاكهم .
ومنها : محو ما ثبت وجوده في وقت محدود بشروط معلومة ومصلحة مخصوصة ، وقطع استمراره
بعدانقضاء ذلك الوقت والشروط والمصالح ، سواء اثبت بدله لتحقق الشروط والمصالح في إثباته
أولا ، ومن هذا القبيل الاحياء والاماتة والقبض والبسط في الامر التكوينى ، ونسخ الاحكام بلا بدل
أو معه في الامر التكليفى . والنسخ أيضا داخل في البداء كما صرح به الصدوق في كتابى التوحيد و
الاعتقادات . ومن أصحابنا من خص البداء بالامر التكوينى وأخرج النسخ عنه ، وليس لهذا التخصيص
وجه يعتدبه ، وإنما سميت هذه المعانى بداءا لانها مستلزمة لظهور شئ على الخلق بعد ما كان مخفيا
عنهم ، ومن ثم عرف البداء بعض القوم بأنه أثرلم يعلم أحد من خلقه قبل صدوره عنه أنه يصدر عنه .
واليهود أنكروا البداء وقالوا : يدالله مغلولة - غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا - وهم يعنون
بذلك أنه تعالى فرغ من الامر فليس يحدث شيئا ، ونقل عنهم أيضا أنه تعالى لا يقضى يوم السبت
شيئا ، ويقرب منه قول النظام من المعتزلة : إن الله تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هى
عليه الان : معادن ونباتات ، وحيوانات وإنسانا ، ولم يتقدم خلق آدم عليه السلام على خلق أولاده
والتقدم والتاخر إنما يقع في ظهورها من مكانها دون حدوثها ووجودها ، وكأنه أخذ ذلك من
الكمون والظهور من مذهب الفلاسفة ، ونقل صاحب الكشاف عن الحسين بن الفضل ما يعود إلى هذا
المذهب ، وهو أن عبدالله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل وذكر أن من آيات اشكلت عليه قوله عز
من قائل : " كل يوم هو في شأن " وقد صح " أن القلم جف بما هو كان إلى يوم القيامة " قال الحسين :
أما قوله : " كل يوم هو في شأن " فانها شؤون يبديها لاشؤون يبتديها . وهذه المذاهب عندنا باطلة
لانه تعالى يحدث بعد ما يشاء في أى وقت يشاء على وفق الحكمة والمصلحة ، كما دلت عليه روايات
هذا الباب ، ودلت عليه أيضا قول أمير المؤمنين عليه السلام : " الحمدلله الذى لا يموت ولا ينقضى
عجائبه ، لانه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن " فانه صريح في أنه تعالى يحدث في كل وقت
ما أراد إحداثه من الاشخاص والاحوال ، ولعل الحسين كالسائل فهم أن ابتداءها واحداثها ينافى
ما صح من جفاف القلم ، وأنت تعلم أنه لا منافاة بينهما ، لان جفاف القلم دل على أن كل ما هو كائن * ( * )
[ 94 ]
1 - لى : علي بن عيسى ، عن ماجيلويه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان
المجاور ، عن أحمد بن نصر الطحان ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله الصادق جعفر
ابن محمد عليهما السلام أن عيسى روح الله مر بقوم مجلبين فقال : ما لهؤلاء ؟ قيل : يا روح الله إن
فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه .
قال : يجلبون اليوم ويبكون غد ، فقال قائل منهم : ولم يا رسول الله ؟ قال :
لان صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه ! فقال القائلون بمقالته : صدق الله وصدق رسوله ،
وقال أهل النفاق : ما أقرب غدا ، فلما أصبحوا جاؤوا فوجدوها على حالها لم يحدث
بها شئ . فقالوا : يا روح الله إن التي أخبرتنا أمس أنها ميتة لم تمت ! فقال عيسى
على نبينا وآله وعليه السلام : يفعل الله ما يشاء فاذهبوا بنا إليها فذهبوا يتسابقون حتى
قرعوا الباب فخرج زوجها فقال له عيسى عليه السلام : استأذن لي على صاحبتك ، قال : فدخل
عليها فأخبرها أن روح الله وكلمته بالباب مع عدة قال : فتخدرت فدخل عليها فقال
لها : ما صنعت ليلتك هذه ؟ قالت : لم أصنع شيئا إلا وقد كنت أصنعه فيما مضى ، إنه كان
يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثلها ، وإنه جاءني في ليلتي هذه و
أنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغل فهتف فلم يجبه أحد ثم هتف فلم يجب حتى هتف
مرارا فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى نلته كما كنا ننيله فقال لها : تنحي عن مجلسك
فإذا تحت ثيابها أفعي مثل جذعة عاض على ذنبه . فقال عليه السلام : بما صنعت صرف عنك هذا .
بيان : قال الفيروز آبادي : جلبه يجلبه ويجلبه واجتلبه : ساقه من موضع إلى
موضع آخر ، والجلب : اختلاط الصوت كالجلبة ، جلبوا يجلبون ويجلبون وأجلبوا
وجلبوا ، وجلب وأجلب جمع الجمع . انتهى .
وتخدرت : دخلت في الخدر وهو ستر يمد للجارية في ناحية البيت . ويقال :
* ( هامش ) * * إلى يوم القيامة فهو مكتوب في اللوح المحفوظ أو في التقدير ، ومعلوم له بحيث لا يتغير ولا يتبدل ،
ومن المكتوب والمعلوم له تعالى أن يقدر كذا في وقت كذا ويبتدئ بايجاده واحداثه على وفق
الحكمة والمصلحة ، فالابتداء والاحداث الذى هو البداء المراد هنا أيضا من المكتوبات فليتامل . قاله
بعض الافاضل في شرحه على الكافى . أقول : سيأتى تحقيقات اخر حول البداء من المصنف وغيره . ( * )
[ 95 ]
عره واعتره واعتربه وعراه واعتراه : إذا أتاه يطلب معروفه ، وقولها : متنكرة أي
بحيث لا يعرفني أحد . والجذع بالكسر : ساق النخلة .
2 - ن : جعفر بن علي بن أحمد الفقيه ، عن حسن بن محمد بن علي بن صدقة ، عن
محمد بن عمر بن عبدالعزيز ، عمن سمع الحسن بن محمد النوفلي يقول : قال الرضا عليه السلام
لسليمان المروزي ( 1 ) ما أنكرت من البداء يا سليمان والله عزوجل يقول : " أولم ير
الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا " ويقول عزوجل : " وهو الذي يبدء الخلق ثم
يعيده " ويقول : " بديع السموات والارض " ويقول عزوجل : " يزيد في الخلق ما يشاء " ويقول :
وبدء خلق الانسان من طين " ويقول عزوجل : " وآخرون مرجون لامر الله إما
يعذبهم وإما يتوب عليهم " ويقول عزوجل : " وما يعمر من معمر ولاينقص من عمره إلا
في كتاب " .
قال سليمان : هل رويت فيه عن آبائك شيئا ؟ قال : نعم رويت عن أبي ، عن
أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : إن لله عزوجل علمين : علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو ،
من ذلك يكون البدا ، وعلما علمه ملائكته ورسله فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه
قال سليمان : احب أن تنزعه لي من كتاب الله عزوجل . قال : قول الله عزوجل لنبيه :
" فتول عنهم فما أنت بملوم " أراد إهلاكهم ثم بدافقال : " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "
قال سليمان : زدني جعلت فداك .
قال الرضا عليه السلام : لقد أخبرني أبي ، عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه واله قال : إن الله
عزوجل أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا ، فأتاه
ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير ، وقال : يا
رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري ، فأوحى الله عزوجل إلى ذلك النبي أن ائت
فلان الملك فأعلمه أني قد أنسيت أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة ، فقال ذلك النبي :
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الميم وسكون الراء المهلة وفتح الواو بعده زاي معجمة ثم ياء نسبة إلى مرو
مدينة من مدن خراسان ، وزادوا في النسبة اليها ( الزاى ) على خلاف القياس كما فعلوا في الرازي
وغيره . ( * )
[ 96 ]
يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط فأوحي الله عزوجل إليه إنما أنت عبد مأمور فأبلغه
ذلك والله لا يسأل عما يفعل . ( 2 )
ثم التفت إلى سليمان فقال له : أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب ، قال أعوذ
بالله من ذلك ، وما قالت اليهود ؟ قال : قالت اليهود : " يد الله مغلولة " يعنون أن الله قد
فرغ من الامر فليس يحدث شيئا فقال الله عزوجل : " غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " ولقد
سمعت قوما سألو أبي موسى بن جعفر عليه السلام عن البداء فقال : وما ينكر الناس من البداء وأن
يقف الله قوما يرجئهم لامره .
قال سليمان : ألا تخبرني عن إنا أنزلناه في ليلة القدر في أي شئ أنزلت ؟ قال :
يا سليمان ليلة القدر يقدرالله عزوجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة
أو موت ، أو خير أو شر ، أو رزق فما قدره في تلك اللية فهو من المحتوم .
قال سليمان : الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني . قال : يا سليمان إن من الامور
امورا موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، يا سليمان إن
عليا عليه السلام كان يقول : العلم علمان : فعلم علمه الله ملائكته ورسله فما علمه ملائكته
ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون لم
يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء ويوخر ما يشاء ، ويمحو ويثبت ما يشاء .
قال سليمان للمأمون : يا أمير المؤمنين لا انكر بعد يومي هذا البداء ولا اكذب به
إن شاء الله .
بيان : لعل استدلاله عليه السلام أولا بالآيات لرفع الاستبعاد عما هو مبنى البداء من
أن الله تعالى أن يحدث شيئا لم يكن ، ويغير ماقد كان ، وليس على ما قالت اليهود ومن
يضاهيهم : إن الله فعل ما فعل ، وقدر ما قدر في أول الامر فلا يغير شيئا من خلقه ولا
أحكامه ، وإن لله كتابا يمحوفيه ما قد ثبت ، ويثبت فيه ما لم يكن . على ما سيأتي تحقيقه ،
وذكر بعض ما يدل على النسخ إما على التنظير والتمثيل لمشابهة البداء النسخ في أن
* ( هامش ) * ( 1 ) سيأتى مثله تحت رقم 33 وفيه : أن النبى هو حزقيل وسيأتى مثله أيضا في قصة شعيا على
نبينا وآله وعليهما السلام . ( * )
[ 97 ]
أحدهما تغيير في الامر التكليفي ، والآخر تغيير في الامر التكويني ، أو لان المراد هنا
ما يعم النسخ أيضا .
3 - ن : الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن الريان بن الصلت قال : سمعت
الرضا عليه السلام يقول : ما بعث الله عزوجل نبيا إلا بتحريم الخمر ، وأن يقر له بأن الله يفعل
ما يشاء ، وان يكون في تراثه الكندر
غط : الاسدي ، عن علي بن إبراهيم مثله .
4 - ج : عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : لولا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان
وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده
ام الكتاب .
لى ، يد : القطان والدقاق ، عن ابن زكريا القطان ، عن محمد بن العباس ، عن
محمد بن أبي السري ، عن أحمد بن عبدالله بن يونس ، عن سعد ، عن الاصبغ مثله .
5 - ب : أحمد ، عن البزنطي قال : قلت للرضا عليه السلام : إن رجلا من أصحابنا
سمعني وأنا أقول : إن مروان بن محمد لو سئل عنه صاحب القبر ما كان عنده منه علم . فقال
الرجل : إنما عنى بذلك أبوبكر وعمر ، فقال : لقد جعلهما في موضع صدق ! قال جعفر بن


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 97 سطر 15 الى ص 105 سطر 15

محمد : إن مروان بن محمد لو سئل عنه محمد رسول الله صلى الله عليه واله ما كان عنده منه علم ، لم يكن من
الملوك الذين سمواله ، وإنما كان له أمرطرأ قال أبو عبدالله وأبوجعفر وعلي بن الحسين
والحسين بن علي والحسن بن علي وعلي بن أبي طالب عليهم السلام : والله لولا آية في كتاب الله
لحد ثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب .
بيان : مروان بن محمد هو الذي من خلقاء بني امية ، وكانت خلافته من الامور
الغريبة كما يظهر من السير ، والمقصود أن خلافته كانت من الامور البدائية التي لم تصل
إلى النبى صلى الله عليه واله في حياته فلو كان صلى الله عليه واله سئل في حياته عن هذا الامر لم يكن له علم بذلك
لان مروان لم يكن من الملوك الذين سموا للنبي صلى الله عليه واله ، فالمراد بصاحب القبر الرسول
صلى الله عليه واله ، ولما حمله السامع على الشيخين قال عليه السلام : قد جعل هذا الرجل هذين
في موضع صدق وأكرمهما حيث جعلهما جاهلين بهذا الامر حسب ، وليسا في معرض
[ 98 ]
العلم بالامور المغيبة حتى ينفى خصوص ذلك عنهما ، هكذا حقق هذا الخبر وكن من
الشاكرين .
6 - فس : قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل
يداه مبسوطتان " قال : قالوا : قد فرغ الله من الامر لا يحدث الله غير ما قدره في التقدير
الاول ، فرد الله عليهم فقال : " بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " أي يقدم ويؤخر
ويزيد وينقص وله البداء والمشيئة . ( 1 )
بيان : ذكر الرازي في الآية وجوها من التأويل :
الاول : أن القوم إنما قالوا ذلك على الالزام فإنهم لما سمعوا قوله تعالى :
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قالوا : لو احتاج إلى القرض لكان فقيرا عاجزا .
الثانى : أن القوم لما رأوا أصحاب الرسول صلى الله عليه واله في غاية الشدة والفقر قالوا على
سبيل الاستهزاء : إن إله محمد فقير مغلول اليد .
الثالث : قال المفسرون : إن اليهود كانوا أكثر الناس مالا وثروة فلما بعث الله
محمدا صلى الله عليه واله وكذبوا به ضيق الله عليهم المعيشة فعند ذلك قالت اليهود : يد الله مغلولة أي
مقبوضة عن العطاء .
الرابع : لعله كان فيهم من كان على مذهب الفلسفة وهو أن الله تعالى موجب
لذاته وأن حدوث الحوادث عنه لا يمكن إلا على نهج واحد وسنن واحد ، وأنه تعالى
غير قادر على إحداث الحوادث غير الوجوه التي عليها يقع ( 2 ) فعبروا عن عدم الاقتدار على
التغيير والتبديل بغل اليد .
الخامس : قال بعضهم : المراد هو قول اليهود : إن الله لا يعذبنا إلا قدر الايام التي
عبدنا فيها العجل فعبروا عنه بهذه العبارة .
* ( هامش ) ( 1 ) قال السيد الرضى في تلخيص البيان : هذه استعارة ومعناها أن اليهود أخرجوا هذا القول
مخرج الاستبخال لله سبحانه فكذبهم تعالى بقوله : " بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " وليس المراد
بذكر اليدين ههنا الاثنتين اللتين هما اكثر من الواحدة ، وإنما المراد به المبالغة في وصف النعمة ،
كما يقول القائل : ليس لى بهذا الامر يدان . وليس يريد به الجارحتين ، وانما يريد به المبالغة في
نفى القوة على ذلك الامر ، وربما قيل : ان المراد بذلك نعمة الدنيا ونعمة الاخرة .
( 2 ) هذا من النسب التى يتبرء منها أهل الفلسفة وانما هى ناشئة من سوء الفهم في المقاصد البرهانية . ط ( * )
[ 99 ]
أقول : الوجه الرابع قريب مما ورد في بعض الاخبار .
7 - فس : قوله : " هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده "
فإنه حدثني أبي ، عن النضر بن سويد ، عن الحلبي ، عن عبدالله بن مسكان ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : الاجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه ، المسمى هو الذي فيه
البداء يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير . وحدثني ياسر
عن الرضا عليه السلام قال : ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر وأن يقر له بالبداء أن يفعل الله
ما يشاء ، وأن يكون في تراثه الكندر .
8 - فس : أبي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : جعلت
فداك بلغنا أن لآل جعفر راية ولآل العباس رايتين فهل انتهى إليك من علم ذلك شئ ؟
قال : أما آل جعفر فليس بشئ ولا إلى شئ ، وأما آل العباس فإن لهم ملكا مبطئا
يقربون فيه البعيد ، ويباعدون فيه القريب ، وسلطانهم عسر ليس فيه يسر حتى إذا أمنوا
مكر الله وأمنوا عقابه صيح فيهم صيحة لا يبقى لهم مال يجمعهم ولا رجال يمنعهم وهو قول
الله : " حتى إذا أخذت الارض زخرفها وازينت " الآية . قلت : جعلت فداك فمتى يكون
ذلك ؟ قال : أما إنه لم يوقت لنافيه وقت ، ولكن إذا حدثنا كم بشئ فكان كما نقول
فقولوا : صدق الله ورسوله ، وإن كان بخلاف ذلك فقولوا : صدق الله ورسوله توجروا
مرتين ، ولكن إذا اشتدت الحاجة والفاقة وأنكر الناس بعضهم بعضا فعند ذلك توقعوا
هذا الامر صباحا ومساءا . قلت : جعلت فداك الحاجة والفاقة قد عرفناهما فما إنكار
الناس بعضهم بعضا ؟ قال : يأتي الرجل أخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه
فيه ، ويكلمه بغير الكلام الذي كان بكلمه .
9 - فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : " لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت
وعنده ام الكتاب " فإنه حدثني أبي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن عبدالله
ابن مسكان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح و
والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة فإذا أراد
الله أن يقدم شيئا أو يوخره أو ينقص شيئا أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثم أثبت الذي أراد
[100]
قلت : وكل شئ هو عند الله مثبت في كتاب ؟ قال : نعم قلت : فأي شئ يكون بعده ؟
قال : سبحان الله ثم يحدث الله أيضا ما يشاء تبارك وتعالى .
10 - فس : " الم غلبت الروم في أدني الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في
بضع سنين " فإنه حدثني أبي ، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي عبيدة ، عن أبي
جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول الله : " الم غلبت الروم في أدنى الارض " قال : يا أبا عبيدة
إن لهذا تاويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من الائمة : إن رسول الله صلى الله عليه واله
لما هاجر إلى المدينة - وقد ظهر الاسلام - كتب إلى ملك الروم كتابا وبعث إليه رسولا
يدعوه إلى الاسلام ، وكتب إلى ملك فارس كتابا وبعث إليه رسولا يدعوه إلى الاسلام
فأما ملك الروم فإنه عظم كتاب رسول الله صلى الله عليه واله وأكرم رسوله ، وأما ملك فارس
فإنه مزق كتابه واستخف برسول رسول الله صلى الله عليه واله وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك
الروم وكان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس ، وكانوا لناحية ملك
الروم أرجى منهم لملك فارس ، فلما غلب ملك فارس ملك الروم بكى لذلك المسلمون
واغتموا ، ( 1 ) فأنزل الله " الم غلبت الروم في أدنى الارض " يعني غلبتها فارس في أدنى
الارض وهى الشامات وما حولها ، ثم قال : وفارس من بعد غلبهم الروم سيغلبون في
بضع سنين قوله : لله الامر من قبل أن يأمر ومن بعد أن يقضي بما يشاء . قوله :
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء قلت : أليس الله يقول : في بضع سنين ؟
وقد مضى للمسلمين سنون كثيرة مع رسول الله صلى الله عليه واله ، وفي إمارة أبي بكر ، وإنما غلب
المؤمنون فارس في إمارة عمر فقال : ألم أقل لك : إن لهذا تاويلا وتفسيرا ؟ والقرآن
يا أبا عبيدة ناسخ ومنسوخ ، أما تسمع قوله : " لله الامر من قبل ومن بعد " يعني إليه
المشيئة في القول أن يؤخر ما قدم ويقدم ما أخر إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر
فيه على المؤمنين ، وذلك قوله : " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء " .
بيان : قد قرئ في بعض الشواذ غلبت بالفتح وسيغلبون بالضم . قوله عليه السلام :
يعني غلبتها فارس الظاهر أن إضافة الغلبة إلى الضمير إضافة إلى المفعول ، أي مغلوبية .
* ( هامش ) * ( 1 ) في التفسير المطبوع : كره لذلك المسلمون واغتموا به . ( * )
[101]
روم من فارس ، ويمكن أن يقرأ فعلا ، وقوله : وفارس تفسير لضمير " هم " فالظاهر أنه
كان في قراءتهم عليهم السلام غلبت وسيغلبون كلاهما على المجهول ، وهي مركبة من القراءتين
ويحتمل أن يكون قراءتهم عليهم السلام على وفق الشاذة بأن تكون إضافة الغلبة إلى الضمير
إضافة إلى الفاعل ، وإضافة غلبهم في الآية إضافة إلى المفعول أي بعد مغلوبية فارس عن الروم
سيغلبون عن المسلمين أيضا ، أو إلى الفاعل فيكون في الآية إشارة إلى غلبة فارس و
مغلوبيتهم عن الروم وعن المسلمين جميعا ، ولكنه يحتاج إلى تكلف .
ثم إن البضع لما كان بحسب اللغة إنما يطلق على ما بين الثلاث إلى التسع
وكان تمام الغلبة على فارس في السابع عشر أو أواخر السادس عشر من الهجرة فعلى
المشهور بين المفسرين من نزول الآية بمكة قبل الهجرة لابد من أن يكون بين نزول
الآية وبين الفتح ست عشرة سنة ، وعلى ماهو الظاهر من الخبر من كون نزول الآية بعد
مراسلة قيصر وكسرى وكانت على الاشهر في السنة السادسة فيزيد على البضع أيضا بقليل
فلذا اعترض السائل عليه عليه السلام بذلك ، فأجاب عليه السلام بأن الآية مشعرة باحتمال وقوع
البداء حيث قال : " لله الامر من قبل ومن بعد " أي لله أن يقدم الامر قبل البضع ويؤخره
بعده ، كما هو الظاهر من تفسيره عليه السلام : وسيأتي تمام القول في تفسير تلك الآية في كتاب
أحوال النبي صلى الله عليه واله إن شاء الله تعالى .
11 - فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : " وما يعمر من معمر ولا ينقص من
عمره إلا في كتاب " يعني يكتب في كتاب ، وهو رد على من ينكر البداء .
12 - فس : " فيها يفرق " في ليلة القدر " كل أمر حكيم " أي يقدر الله كل أمر من الحق
ومن الباطل ، وما يكون في تلك السنة ، وله فيه البداء والمشيئة يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء
من الآجال والارزاق والبلايا والاعراض والامراض ، ويزيد فيها ما يشاء وينقص
ما يشاء ، ويلقيه رسول الله صلى الله عليه واله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ويلقيه أمير المؤمنين عليه السلام إلى
الائمة عليهم السلام حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه ، ويشترط له فيه البداء
والمشيئة والتقديم والتأخير . قال : حدثني بذلك أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالله
ابن مسكان ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله وأبى الحسن صلوات الله عليهم .
[102]
13 - فس : أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر
ابن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام
في قول الله : " ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها " قال : إن عند الله كتبا موقوتة ( 1 )
يقدم منها ما يشاء ويؤخر فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كل شئ يكون إلى ليلة
مثلها ، وذلك قوله : " لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها " إذا أنزل ، وكتبه كتبا السماوات
وهو الذي لا يؤخره .
14 - ما : المفيد ، عن أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن
عيسى ، عن ابن محبوب ، عن العلاء ، عن محمد قال : سئل أبوجعفر عليه السلام عن ليلة القدر ،
فقال : تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون ما هو كائن في أمر السنة
وما يصيب العباد فيها . قال : وأمر مرقوف لله تعالى فيه المشيئة يقدم منه مايشاء ويؤخر
ما يشاء ، وهو قوله تعالى " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " .
شى : عن محمد مثله .
15 - ع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن ملك
ابن عطية ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : إن الله عزوجل عرض على
آدم أسماء الانبياء وأعمارهم ، قال : فمر بآدم اسم داود النبي فإذا عمره في العالم
أربعون سنة فقال آدم : يا رب ما أقل عمر داود وما أكثر عمري ! يا رب إن
أنازدت داود من عمري ثلاثين سنة أتثبت ذلك له ؟ قال : نعم يا آدم ، قال : فإني قد زدته
من عمري ثلاثين سنة فانفذ ذلك له وأثبتها له عندك واطرحها من عمري قال أبوجعفر
عليه السلام فأثبت الله عزوجل لداود في عمره ثلاثين سنة ، وكانت له عند الله مثبتة فذلك
قول الله عزوجل " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " قال : فمحا الله ما كان
عنده مثبتا لآدم وأثبت لداود مالم يكن عنده مثبتا . قال : فمضى عمر آدم فهبط ملك
الموت لقبض روحه فقال له آدم : يا ملك الموت إنه قد بقي من عمري ثلاثون سنة !
فقال له ملك الموت : يا آدم ألم تجعلها لابنك داود النبي وطرحتها من عمرك حين عرض
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : ان عند الله كتبا موقوفة . ( * )
[103]
عليك أسماء الانبياء من ذريتك ، وقد عرضت عليك أعمارهم وأنت يومئذ بوادي الدخيا ؟
قال : فقال له آدم : ما أذكر هذا . قال : فقال له ملك الموت : يا آدم لا تجحد ألم تسأل
الله عزوجل أن يثبتها لداود ويمحوها من عمرك ؟ فأثبتها لداود في الزبور ومحاها من
عمرك في الذكر . قال آدم : حتى أعلم ذلك . قال أبوجعفر عليه السلام وكان آدم صادقا لم
يذكر ولم يجحد ، فمن ذلك اليوم أمر الله تبارك وتعالى العباد أن يكتبوا بينهم إذا
تداينوا وتعاملوا إلى أجل مسمى ، لنسيان آدم وجحوده ما جعل على نفسه .
بيان : قد شرحناه في كتب النبوة .
16 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي إسحاق
الارجاني ، ( 1 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله عزوجل جعل لمن جعل له سلطانا
مدة من ليالي وأيام وسنين وشهور ، فإن عدلوا في الناس أمر الله عزوجل صاحب الفلك
أن يبطئ بإدارته فطالت أيامهم ولياليهم وسنوهم وشهورهم ، وإن هم جاروا في الناس
ولم يعدلوا أمر الله عزوجل صاحب الفلك فأسرع إدارته وأسرع فناء لياليهم وأيامهم
وسنيهم وشهورهم ، وقد وفى تبارك وتعالى لهم بعدد الليالي والايام والشهور .
بيان : لعل المراد سرعة تسبب أسباب زوال ملكهم وانقراض دولتهم وبالعكس
على الاستعارة التمثيلية فالمراد بالوفاء بعدد شهورهم وسنيهم أن تلك الشهور والسنين
التي كانت مقدرة قبل ذلك كانت مشروطة بعدم الاتيان بتلك الافعال ، وقد أخبر الله
بنقصان ملكهم مع الاتيان بها فلم يخلف الله ما وعده لهم ، ( 2 ) ويحتمل أن يكون لكل
دولة فلك سوى الافلاك المعروفة الحركات وقد قدر لدولتهم عدد من الدورات فإذا
أراد الله إطالة مدتهم أمر بإبطائه في الحركة وإذا أراد سرعة فنائها أمر بإسراعه
( 1 ) قال الفيروزآبادى : الارجان كهيبان : بلدة بفارس والرجل لم نقف على اسمه وترجمته .
( 2 ) هذا الاحتمال لعجيب واعجب منه ما يلحق به من كون كل دولة ذات فلك عليحدة تدور
فتسرع أو تبطئ من التمحلات ، والرواية لاتشير الاالى أن الله يبارك في أيام العدل وينزع البركة
من أيام الظلم فلا يلبث الانسان دون أن يرى أن الايام والمشهور والسنين يمر به مر السحاب ، وذلك
لكثرة الابتلائات والمشاغل الشاغلة في أيام الظلم ، ووجود الراحة والرفاهية في ايام العدل .
[104]
17 - يد ، مع أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن علي بن النعمان ، عن
إسحاق ، عمن سمعه ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال في قول الله عزوجل : " وقالت اليهود
يد الله مغلولة " : لم يعنوا أنه هكذا ، ولكنهم قالوا : قد فرغ من الامر فلا يزيد ولا
ينقص فقال الله جل جلاله تكذيبا لقولهم : " غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه
مبسوطتان ينفق كيف يشاء " ألم تسمع الله عزوجل يقول : " يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده
ام الكتاب " ؟ .
18 - م : قوله عزوجل : " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم
أن الله على كل شئ قدير ألم تعلم أن الله له ملك السموات والارض وما لكم من دون
الله من ولي ولا نصير " قال الامام عليه السلام : قال محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام : ما ننسخ من
آية بأن نرفع حكمها أو ننسها بأن نرفع رسمها - وقد تلي - وعن القلوب حفظها وعن قلبك
يا محمد كما قال : " سنقرئك فلاتنسي إلاما شاء الله " أن ينسيك فرفع عن قلبك ذكره نأت بخير منها
يعني بخير لكم فهذه الثانية أعظم لثوابكم وأجل لصلاحكم من الآية الاولى المنسوخة
أو مثلها أي مثلها في الصلاح لكم لانا لاننسخ ولانبدل إلا وغرضنا في ذلك مصالحكم
ثم قال : يا محمد ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير فلانه قدير يقدر على النسخ وغيره ألم
تعلم أن الله له ملك السموات والارض وهو العالم بتدبيرها ومصالحها وهو يدبركم بعلمه
وما لكم من دون الله من ولي بإصلاحكم إذ كان العالم بالمصالح هو الله عزوجل دون
غيره ، ولانصير وما لكم ناصر ينصركم من مكره إن أراد الله إنزاله بكم أو عذابه إن أراد
إحلاله لكم .
وقال محمد بن علي الباقر : ومما قدر الله عليه النسخ والتنزيل لمصالحكم ومنافعكم
لتؤمنوا ويتوفر عليكم الثواب بالتصديق بها فهو يفعل ما يشاء ممافيه صلاحكم والخيرة لكم
ثم قال : ألم تعلم يا محمد أن الله له ملك السموات والارض ، فهو يملكهما بقدرته ويصرفهما
تحت مشيئته لا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم ، ثم قال الله تعالى : وما لكم يا معشر
اليهود والمكذبين بمحمد صلى الله عليه واله والجاحدين نسخ الشرائع من دون الله سوى الله تعالى
من ولي يلي مصالحكم إن لم يدلكم ربكم للمصالح ، ولانصير ينصركم من الله يدفع
عنكم عذابه .
[105]
قال عليه السلام : وذلك أن رسول الله صلى الله عليه واله لما كان بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه
نحو البيت المقدس ( 1 ) في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يتمكن
استقبل البيت المقدس كيف كان فكان رسول الله صلى الله عليه واله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاثة
عشر سنة فلما كان بالمدينة وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف
عن الكعبة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا ، وجعل قوم من مردة اليهود ( 2 )
يقولون : والله مادرى محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدانا
ونسكنا ، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه واله لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة
فجاءه جبرئيل عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه واله : يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله تعالى عن بيت
المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم ، فقال جبرئيل :
فاسأل ربك أن يحو لك إليها فإنه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك من بغيتك ( 3 ) فلما
استتم دعاؤه صعد جبرئيل ثم عاد من ساعته فقال : اقرء يا محمد : " قد نرى تقلب وجهك في
السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا
وجوهكم شطره " الآيات فقالت اليهود عند ذلك : " ماوليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها "
فأجابهم الله أحسن جواب فقال : " قل لله المشرق والمغرب " وهو يملكهما ، وتكليفه التحول
إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر " يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " هو مصلحتهم


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 105 سطر 16 الى ص 113 سطر 16

وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم
فقال أبومحمد عليه السلام وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقالوا : يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشر سنة ثم تركهتا
الآن أفحقا كان ماكنت عليه فقد تركته إلى باطل فإنما يخالف الحق الباطل ، أو باطلا
كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة ؟ فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل ؟ فقال
* ( هامش ) * ( 1 ) وزان مسكن ويأتى أيضا على اسم المفعول من باب التفعيل .
( 2 ) جمع المارد وهو العاصى العاتى .
( 3 ) فيه ثلاث لغات : البغية بضم الباء وسكون الغين وفتح الياء ، والبغية بكسر الباء ، والبغية
بفتح الباء وكسر الغين والياء المشددة المفتوحة ، ومعناها ما يطلب ويرغب فيه . ( * )
[106]
رسول الله صلى الله عليه واله : بل ذلك كان حقا وهذا حق يقول الله : قل لله المشرق والمغرب يهدي
من يشاء إلى صراط مستقيم إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم
به ، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به ، وإن عرف صلاحكم في غير هما
أمركم به ، فلاتنكروا تدبير الله في عباده وقصده إلى مصالحكم فقال رسول الله صلى الله عليه واله :
لقد تركتم العمل في يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الايام ثم تركتموه في السبت ثم
عملتم بعده أفتركتم الحق إلى باطل أو الباطل إلى حق أو الباطل إلى باطل أو الحق إلي
حق قولوا كيف شئتم . فهو قول محمد - صلى الله عليه واله - وجوابه لكم قالوا : بل ترك العمل في السبت .
حق والعمل بعده حق ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق
ثم قبلة الكعبة في وقته حق فقالوا : يا محمد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من
الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله : ما بداله عن ذلك
فإنه العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطا ، ولا يستحدث
رأيا يخالف المتقدم ، جل عن ذلك ، ولا يقع عليه أيضا مانع يمنعه من مراده ، وليس يبدؤ
وإلا لما كان هذا وصفه ، وهو عزوجل متعال عن هذه الصفات علوا كبيرا .
ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه واله : أيها اليهود أخبروني عن الله ، أليس يمرض ثم يصح ،
ويصح ثم يمرض ؟ أبدا له في ذلك ؟ أليس يحيى ويميت ؟ أبداله في كل واحد من ذلك ؟
فقالوا : لا ، قال : فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن تعبده بالصلاة
إلى بيت المقدس ، وما بدا له في الاول ، ثم قال : أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف
والصيف في أثر الشتاء ؟ أبداله في كل واحد من ذلك ؟ قالوا : لا ، قال رسول الله
صلى الله عليه واله : فكذلك لم يبدله في القبلة ، قال : ثم قال : أليس قد ألزمكم في الشتاء أن
تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر ؟
فبدا له في الصيف حتى أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء ؟ قالوا : لا ، قال
رسول الله صلى الله عليه واله : فكذلك الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ، ثم تعبدكم في وقت
آخر لصلاح آخر يعلمه بشئ آخر ، وإذا أطعتم الله في الحالتين استحققتم ثوابه ، وأنزل الله :
" ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله " يعني إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي
[107]
تقصدون منه الله وتأملون ثوابه . ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله : يا عباد الله أنتم كالمرضى ، والله
رب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب ويدبره به لافيما يشتهيه المريض
ويقترحه ، ( 1 ) ألا فسلمو الله أمره تكونوا منا الفائزين فقيل : يا ابن رسول الله فلم أمر
بالقبلة الاولى ؟ فقال : لما قال الله عزوجل : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " وهي
بيت المقدس - إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " إلا لنعلم ذلك منه
وجودا بعد أن علمناه سيوجد ، وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن
يبين متبع محمد صلى الله عليه واله من مخالفيه باتباع القبلة التي كرهها ، ومحمد صلى الله عليه واله يأمر بها ، ولما
كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من
يوافق محمدا فيما يكرهه فهو مصدقه وموافقه . ثم قال : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين
هدى الله إنما كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلا على من يهدي الله
فعرف أن الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلى طاعته في مخالفة هواه .
بيان : قوله : أو ستة عشر شهرا الترديد إما من الراوي أو منه عليه السلام لبيان
الاختلاف بين المخالفين .
أقول : لما كان الكلام في النسخ وتجويزه مثبتا في الكتب الاصولية لم نتعرض
لذكره وبسط القول فيه مع أن هذا الخبر مشتمل على رد شبه النافين له على أبلغ
الوجوه .
19 - يد : أبي : ، عن محمد العطار ، عن ابن عيسى ، عن الحجال ، ( 2 ) عن ثعلبة ،
عن زرارة ، عن أحدهما عليهما السلام قال : ما عبدالله عزوجل بشئ مثل البداء . ( 3 )
20 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن ابن أبي عمير ، عن
هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما عظم الله عزوجل بمثل البداء .
* ( هامش ) * ( 1 ) أى يجتبيه ويختاره .
( 2 ) الحجال مشترك بين جماعة والظاهر هنا بقرينة روايته عن ثعلبة بن ميمون أنه عبد الله بن
محمد المزخرف .
( 3 ) في بعض النسخ : ما عبدالله عزوجل بشئ أفضل من البداء . وقد أوعز المصنف قدس الله أسراره
في خاتمة الباب إلى معنى الحديث والحديث الذى يأتي يعده وماضاها هما . ( * )
[108]
21 - يد : ماجيلويه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ،
عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما بعث الله عزوجل نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث
خصال : الاقرار بالعبودية ، وخلع الانداد ، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء .
شى : عن محمد مثله .
22 - يد : بهذا الاسناد ، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما ، عن
أبي عبدالله عليه السلام في هذه الآية " يمحو الله ما يشاء ويثبت " قال : فقال : وهل يمحو الله إ
ما كان ، وهل يثبت إلا مالم يكن ؟ .
23 - يد : حمزة العلوي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم بن حكيم
قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله تعالى بخمس : بالبداء
والمشيئة ، والسجود ، والعبودية ، والطاعة .
سن : بعض أصحابنا ، عن محمد بن عمر الكوفي - أخي يحيى ، عن مرازم مثله .
24 - سن : ابي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما بعث الله نبيا قط حتى يأخذ عليه ثلاثا : الاقرار لله بالعبودية
وخلع الانداد ، وأن الله يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء
25 - يد : حمزة العلوي عن علي بن إبراهيم ، عن الريان قال : سمعت الرضا عليه السلام
يقول : ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر ، وأن يقرله بالبداء
26 - يد : الدقاق ، عن الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن يونس ،
عن مالك الجهني قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : لو يعلم الناس ما في القول بالبداء
من الاجر ما فتروا عن الكلام فيه .
قال الصدوق رحمه الله في التوحيد : ليس البداء كما تظنه جهال الناس بأنه بداء
ندامة - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - ولكن يجب علينا أن نقر لله عزوجل بأن له البداء
معناه أن له أن يبدء بشئ من خلقه فيخلقه قبل شئ ، ثم يعدم ذلك الشئ ويبدء بخلق
غيره ، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله ، أو ينهى عن شئ ثم يأمر بمثل ما نهى عنه ، وذلك
مثل نسخ الشرائع ، وتحويل القبلة ، وعدة المتوفى عنها زوجها ولا يأمر الله عباده بأمر
[109]
في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك ، ويعلم أن
في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به ، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم
بما يصلحهم ، فمن أقر لله عزوجل : بأن له أن يفعل ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويخلق مكانه
ما يشاء ويؤخر ما يشاء كيف يشاء فقد أقر بالبداء ، وما عظم الله عزوجل بشئ أفضل
من الاقرار بأن له الخلق والامر ، والتقديم والتأخير ، وإثبات ما لم يكن ، ومحو ما قد
كان ، والبداء هو رد على اليهود لانهم قالوا : إن الله قد فرغ من الامر ، فقلنا : إن الله كل
يوم في شأن ، يحيي ويميت ، ويرزق ، ويفعل ما يشاء ، والبداء ليس من ندامة وإنما هو
ظهور أمر ، تقول العرب : بدا لي شخص في طريقي أي ظهر ، وقال الله عزوجل : " وبدالهم
من الله ما لم يكونوا يحتسبون " أي ظهر لهم ، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه
زاد في عمره ، ومتى ظهر له قطيعة رحم نقص من عمره ، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزنا
نقص من رزقه وعمره ، ومتى ظهر له منه التعفف عن الزنا زاد في رزقه وعمره ، ومن ذلك
قول الصادق عليه السلام : ما بد الله بداء كما بدا له في إسماعيل ابني يقول : ما ظهر لله أمركما
لهر له في إسماعيل ابني إذ اخترمه ( 1 ) قبلي ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي ، وقد روي
لي من طريق أبي الحسين الاسدي رضوان الله عليه في ذلك شئ غريب ، وهو أنه روى
أن الصادق عليه السلام قال : ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل أبي إذا أمر أباه بذبحه ثم فداه
بذبح عظيم .
وفي الحديث على الوجهين جميعا عندي نظر ، إلا أني أوردته لمعنى لفظ البداء والله
الموفق للصواب .
بيان : ليس غرضه رحمه الله من قوله : إن له أن يبدأ بشئ أن البداء مشتق من
المهموز بل قد صرح آخرا بخلافه ، وإنما أراد أن هذا مما يتفرع عليه كما مر في خبر
المروزي ، وستعرف أنه لااستبعاد في صحة الخبرين الذين نفاهما .
27 - ير : أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، أو عمن رواه ، عن ابن أبي عمير ، عن جعفر
ابن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، ووهب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
* ( هامش ) * ( 1 ) أي أهلكه . ( * )
[110]
إن لله علمين : علم مكنون مخزون لايعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء ، وعلم علمه ملائكته
ورسله وأنبياءه ونحن نعلمه .
28 - ير : أحمد بن محمد ، عن الاهوازي ، عن القاسم بن محمد ، عن أبي حمزة ، عن أبي
بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى قال لنبيه : " فتول عنهم فما أنت
بملوم " أراد أن يعذب أهل الارض ثم بدا لله فنزلت الرحمة فقال : ذكريا محمد فإن الذكرى
تنفع المومنين . فرجعت من قابل فقلت لابي عبدالله عليه السلام : جعلت فداك إني حدثت
أصحابنا ( 1 ) فقالوا : بدا لله ما لم يكن في علمه ؟ ( 2 ) قال : فقال أبو عبدالله عليه السلام : إن لله
علمين : علم عنده لم يطلع عليه أحدا من خلقه ، وعلم نبذه إلى ملائكته ورسله فما نبذه
إلى ملائكته فقد انتهى إلينا .
29 - ير : أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن سدير ( 3 ) قال : سأل
حمران أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى : " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا " فقال له أبوجعفر
عليه السلام : " إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا " وكان والله
محمد ممن ارتضاه ، وأما قوله : عالم الغيب فإن الله تبارك وتعالى عالم بما غاب عن خلقه
بما يقدر من شئ ويقضيه في علمه ، فذلك يا حمران علم موقوف عنده ، إليه فيه المشيئة
فيقضيه إذا أراد ويبدوله فيه فلايمضيه ، فأما العلم الذي يقدره الله ويقضيه ويمضيه
فهو العلم الذى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه واله ثم إلينا .
* ( هامش ) * ( 1 ) أى بما حدثتنى في العالم الماضى من البداء .
( 2 ) لعلهم قالوه على سبيل الاستفهام الانكارى ، أو قالوا : إن لازم ما حدثت من الايتين أن بدالله
ما لم يكن في علمه ، فهو خلاف ما عليه الشيعة ، ولما راى أبوبصير ذلك الانكار والاعجاب من أصحابه
- وهم بطانته - عرض ذلك عليه ، فأجاب عليه السلام بأنه لا يلازم ذلك ، لان لله علمين : علم عنده مختص
به ، لم يطلع عليه أحدا ففيه البداء ، يقدم ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، ويمحو ما يشاء ،
على ما تقتضيه مصالح الاشياء ومنافعها ، مع علمه في الازل بتقديمه ذلك وتأخيره ، ومحوه وإثباته .
أقول : الحديث بضميمة ما تقدم عن أبى بصير تحت رقم 27 وما يأتى عنه تحت رقم 30 يدل على
ما قلناه .
( 3 ) وزان شريف . ( * )
[111]
وحدثنا عبدالله بن محمد ، عن ابن محبوب بهذا الاسناد وزاد فيه : فما يقدر من شئ
ويقضيه في علمه أن يخلقه وقبل أن يقضيه إلى ملائكته فذلك يا حمران علم موقوف عنده
غير مقضي لا يعلمه غيره ، إليه فيه المشيئة فيقضيه إذا أراد . إلى آخر الحديث .
30 ك : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن الجاموراني ، عن الؤلؤئي ،
عن محمد بن سنان ، عن عمار ، عن أبي بصير وسماعة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : من زعم
أن الله عزوجل يبدوله في شئ لم يعلمه أمس فابرؤوا منه . ( 1 )
31 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الوشاء
عن علي بن سوقة ، عن عيسى الفراء وأبي على العطار ، عن رجل ، عن الثمالي ، عن
أبي جعفر عليه السلام قال : بينا داود على نبينا وآله وعليه السلام جالس وعنده شاب رث الهيئة
يكثر الجلوس عنده ويطيل الصمت إذ أتاه ملك الموت فسلم عليه وأحد ملك الموت النظر إلى
الشاب ، ( 2 ) فقال داود على نبينا وآله وعليه السلام : نظرت إلى هذا ؟ فقال : نعم إني امرت .
بقبض روحه إلى سبعة أيام في هذا الموضع فرحمه داود فقال : يا شاب هل لك امرأة ؟ قال :
لا وما تزوجت قط قال داود : فأت فلانا - رجلا كان عظيم القدر في بني إسرائيل - فقل له :
إن داود يأمرك أن تزوجني ابنتك وتدخلها الليلة وخذ من النفقة ما تحتاج إليه وكن
عندها فإذا مضت سبعة أيام فوافني في هذا الموضع فمضي الشاب برسالة داود على نبينا
وآلة وعليه السلام فزوجه الرجل ابنته وأدخلوها عليه وأقام عندها سبعة أيام ، ثم وافى داود
* ( هامش ) * ( 1 ) أقول : هذا الحديث والحديثان الاتيان تحت رقم 42 و 66 وأمثالها تشرح وتبين أن المراد
من البداء ليس ما يحمله ويفتريه المخالفون على الامامية ، من ظهور رأي لله سبحانه لم يكن قبل ، و
أمر عليه السلام شيعته أن يبرؤوا من قائله وحكم بكفره وخروجه عن التوحيد ، وروى في الكافي عن
محمد بن يحيى ، عن أحمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن داود بن فرقد ، عن عمر وبن عثمان الجهني ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله لم يبدله من جهل . وعن على بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى ،
عن يونس ، عن منصور بن حازم قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم
الله بالامس ؟ قال : لا ، من قال : هذا فأخزاه الله قلت : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة
أليس في علم الله ؟ قال : بلى قيل أن يخلق الخلق . أقول : تقدم ما يدل على ذلك في باب العلم و
كيفيته .
( 2 ) أى بالغ في النظر اليه . ( * )
[112]
يوم الثامن فقال له داود : يا شاب كيف رأيت ما كنت فيه ؟ قال : ما كنت في نعمة ولا سرور
قط أعظم مما كنت فيه ، قال داود : اجلس فجلس وداود ينتظر أن يقبض روحه فلما
طال قال : انصرف إلى منزلك فكن مع أهلك فإذا كان يوم الثامن فوافني ههنا ، فمضى
الشاب ، ثم وافاه يوم الثامن وجلس عنده ، ثم انصرف اسبوعا آخر ثم أتاه وجلس فجاء
ملك الموت داود ، فقال داود صلوات الله عليه : ألست حدثتني بأنك أمرت بقبض روح
هذا الشاب إلى سبعة أيام ؟ قال : بلى ، فقال : قد مضت ثمانية وثمانية وثمانية ! قال :
يا داود إن الله تعالى رحمه برحمتك له فأخر في أجله ثلاثين سنة
32 - كتاب الامامة والتبصرة لعلى بن بابويه عن محمد بن يحيى وأحمد بن
إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عمن ذكره ، عن محمد بن الفضيل عن إسحاق بن عمار ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل نبي وعده الله أن ينصره إلى خمسة عشر ليلة فأخبر
بذلك قومه فقالوا : والله إذا كان ليفعلن وليفعلن فأخره الله إلى خمسة عشرة سنة وكان
فيهم من وعده الله النصرة إلى خمس عشرة سنة فأخبر بذلك النبي قومه فقالوا : ما شاء الله
فعجله الله لهم في خمس عشرة ليلة .
33 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن
أبي عمير ، عن هشام بن سالم قال : سأل عبد الاعلي مولى بني سام الصادق عليه السلام - وأنا عنده -
حديث يرويه الناس فقال : وما هو ؟ قال : يروون أن الله عزوجل أوحى إلى
حزقبل ( 1 ) النبي صلوات الله عليه أن أخبر فلان الملك أني متوفيك يوم كذا ، فأتى
حزقيل الملك فأخبره بذلك قال : فدعا الله وهو على سريره حتى سقط ما بين الحائط
والسرير فقال : يارب أخرني حتى يشب طفلي وأقضي أمري فأوحى الله إلى ذلك النبي
* ( هامش ) * ( 1 ) بالحاء المهملة والزاى المعجمة ، على وزن زنبيل وزبرج هو حزقيل بن بورى ، ثالث
خلفاء بنى اسرائيل بعد موسى عليه السلام ، وذلك أن القيم بأمر بنى اسرائيل بعد موسى كان يوشع بن
نون ثم كالب بن يوفنا ، ثم حزقيل ، قال الثعلبى في العرائس : ويلقب بابن العجوز ، لان امه سألت
عن الله تعالى ولدا وهى عجوز ، وقد كبرت وعقمت عن الولد فوهبه الله تعالى لها . أقول : وياتى ذكره
وأخباره مفصلا في كتاب الانبياء . ( * )
[113]
أن ائت فلانا وقل : إني أنسأت في عمره خمسة عشرة سنة . فقال النبي : يا رب وعزتك
إنك تعلم أني لم أكذب كذبة قط ، فأوحى الله إليه : إنما أنت عبد مأمور فأبلغه .
أقول : سيأتي مثله في قصة شعيا ( 1 ) على نبينا وآله وعليه السلام .
34 - ير : عبدالله بن محمد ، عن علي بن مهزيار ، عن ابن مسافر قال : قال لي
أبوجعفر عليه السلام - في العشية التي اعتل فيها من ليلتها العلة التي توفي منها - : يا عبدالله
ما أرسل الله نبيا من أنبيائه إلى أحد حتى يأخذ عليه ثلاثة أشياء . قلت : وأي شئ هو
يا سيدي ؟ قال : الاقرار بالله بالعبودية والوحدانية ، وأن الله يقدم ما يشاء ، ونحن
قوم - أو نحن معشر - إذا لم يرض الله لا حدنا الدنيا نقلنا إليه .
35 - ما : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم ،
عن الحسن بن علي الزعفراني ، عن أحمد البرقي ، عن أبيه محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام
ابن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالى : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " فقال
كانوا يقولون : قد فرغ من الامر .
36 - سن : أبي ، عن حماد ، عن ربعي ، عن الفضيل قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول : العلم علمان : علم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه ، وعلم علمه
ملائكته ورسله ، فأما ما علم ملائكته ورسله فإنه سيكون ، لا يكذب نفسه ولا
ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون يقدم فيه ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويثبت ما يشاء .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 113 سطر 17 الى ص 121 سطر 17

شى : عن حماد بن عيسى مثله .
37 - سن : بهذا الاسناد عن فضيل قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : من الامور
امور موقوفة عند الله يقدم منها ما يشاء ويؤخر منها ما يشاء ويثبت منها ما يشاء .
38 - غط : الفضل بن شاذان ، عن محمد بن علي ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي
بصير قال : قلت له : ألهذا الامر أمر تريح إليه أبداننا وننتهي إليه ؟ قال : بلى ولكنكم
أذعتم فزاد الله فيه .
* ( هامش ) * ( 1 ) هو شعيا بن امضيا ، بعث قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى ، وهو الذي بشر بيت المقدس - حين
شكى اليه الخراب - فقال : أبشر فانه ياتيك راكب الحمار ، ومن بعده صاحب البعير . قاله الثعلبى في
العرائس . ( * )
[114]
39 - غط : الفضل ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي قال : قلت لابي
جعفر عليه السلام : إن عليا عليه السلام كان يقول : إلى السبعين بلاء ، وكان يقول : بعد البلاء رخاء
وقد مضت السبعون ولم نررخاءا ، فقال أبوجعفر عليه السلام : يا ثابت إن الله تعالى كان وقت
هذا الامر في السبعين فلما قتل الحسين اشتد غضب الله على أهل الارض فأخره إلى
أربعين ومائة سنة ، فحدثنا كم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع السر فأخره الله ولم يجعل
له بعد ذلك وقتا عندنا ، ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب . قال أبوحمزة :
وقلت : ذلك لابي عبدالله عليه السلام فقال : قد كان ذلك
40 - غط : الفضل ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن سنان ، عن أبي يحيى
التمتام ( 1 ) السلمي ، عن عثمان النوا ( 2 ) قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : كان هذا الامر
في فأخره الله ويفعل بعد في ذريتي ما يشاء .
أقول : قال الشيخ بعد نقل هذه الاخبار : الوجه في هذه الاخبار أن نقول -
إن صحت - : إنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد وقت هذا الامر في الاوقات التي
ذكرت فلما تجدد ما تجدد تغيرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر وكذلك
فيما بعد ، ويكون الوقت الاول وكل وقت يجوز أن يؤخر مشروطا بأن لايتجدد ما
تقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيئ الوقت الذي لا يغيره شئ فيكون محتوما ، وعلى
هذا يتأول ما روي في تأخير الاعمار عن اوقاتها ، والزيادة فيها عند الدعاء وصلة
الارحام ، وما روي في تنقيص الاعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عند فعل الظلم وقطع
الرحم وغير ذلك ، وهو تعالى وإن كان عالما بالامرين ( 3 ) فلا يمتنع أن يكون أحدهما
معلوما بشرط والآخر بلا شرط ، وهذه الجملة لاخلاف فيها بين أهل العدل ، وعلى
هذا يتأول أيضا ما روي من أخبارنا المتضمنة للفظ البداء ويبين أن معناها النسخ على
ما يريده جميع أهل العدل فيما يجوز فيه النسخ ، أو تغير شروطها إن كان طريقها الخبر
عن الكائنات لان البداء في اللغة هو الظهور فلايمتنع أن يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنا
نظن خلافه ، أو نعلم ولا نعلم شرطه .
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : عن أبى يحيى القمقام .
( 2 ) مجهول كسابقه .
( 3 ) وفى نسخة : وهو أنه وان كان عالما بالامرين . ( * )
[115]
فمن ذلك ما وراه سعد ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال علي بن الحسين وعلي بن أبي طالب قبله ، ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام : كيف
لنا بالحديث مع هذه الآية " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " فأما من قال :
بأن الله تعالى لا يعلم الشئ إلا بعد كونه فقد كفر وخرج عن التوحيد .
وقد روى سعد بن عبدالله ، عن أبي هاشم الجعفري قال : سأل محمد بن صالح الارمني
أبا محمد العسكري عليه السلام عن قول الله عزوجل : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب "
فقال أبومحمد : وهل يمحو إلا ما كان ، ويثبت إلا مالم يكن ؟ فقلت في نفسي : هذا خلاف ما
يقول هشام بن الحكم : إنه لا يعلم الشئ حتى يكون ، فنظر إلى أبومحمد فقال : تعالى
الجبار العالم بالاشياء قبل كونها . والحديث مختصر ، والوجه في هذه الاخبار ما
قدمنا ذكره من تغير المصلحة فيه واقتضائها تأخير الامر إلى وقت آخر على ما
بيناه دون ظهور الامر له تعالى فإنا لانقول به ولا نجوزه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
فإن قيل : هذا يؤدي إلى أن لانثق بشئ من أخبار الله تعالى . قلنا : الاخبار على
ضربين ضرب لا يجوز فيه التغير في مخبراته فإنا نقطع عليها لعلمنا بأنه لايجوز أن يتغير
المخبر في نفسه ، ، كالاخبار عن صفات الله ، وعن الكائنات فيما مضى ، وكالاخبار بأنه يثيب
المؤمنين ، والضرب الآخر هو ما يجوز تغيره في نفسه لتغير المصلحة عند تغير شروطه
فإنا نجوز جميع ذلك كالاخبار عن الحوادث في المستقبل إلا أن يرد الخبر على وجه يعلم
أن مخبره لا يتغير فحينئذ نقطع بكونه ، ولاجل ذلك قرن الحتم بكثير من المخبرات
فأعلمنا أنه مما لايتغير أصلا فعند ذلك نقطع به .
41 - يج : قال أبوهاشم : سأل محمد بن صالح أبا محمد عليه السلام عن قوله تعالى : " لله
الامر من قبل ومن بعد " فقال : له الامر من قبل أن يأمر به وله الامر من بعد أن يأمر به
بما يشاء ، فقلت في نفسي : هذا قول الله " ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين " فأقبل
علي فقال : هو كما أسررت في نفسك " ألاله الخلق والامر تبارك الله رب العالمين " قلت :
أشهد أنك حجة الله وابن حجته في خلقه
[116]
كشف : من دلائل الحميري ، عن الجعفري مثله .
42 - شى : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " ما ننسخ من آية أو
ننسها نأت بخير منها أو مثلها " قال : الناسخ : ما حول ، وما ينسيها : مثل الغيب الذي
لم يكن بعد كقوله : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " قال : فيفعل الله ما يشاء
ويحول ما يشاء ، مثل قوم يونس إذا بداله فرحمهم ، ومثل قوله : " فتول عنهم فما أنت
بملوم " قال : أدركهم رحمته
43 - شى : عن عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله : " ما ننسخ
من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها " فقال : كذبوا ما هكذا هي إذا كان ينسى وينسخها
ويأتي بمثلها لم ينسخها ، قلت : هكذا قال الله ، قال : ليس هكذا قال تبارك وتعالى ، قلت :
فكيف قال ، قال : ليس فيها ألف ولاواو ، قال : " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها
مثلها " يقول : ما نميت من إمام أو ننس ذكره نأت بخير منه من صلبه مثله
بيان : لعل الخيرية باعتبار أن الامام المتأخر أصلح لاهل عصره من المتقدم ،
وإن كانا متساويين في الكمال كما يدل عليه قوله : مثله .
44 - شى : عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " ثم قضى أجلا
وأجل مسمي عنده " قال : الاجل الذي غير مسمى موقوف يقدم منه ما شاء ويؤخر منه
ما شاء ، وأما الاجل المسمى فهو الذي ينزل مما يريد أن يكون من ليلة القدر إلى
مثلها من قابل ، فذلك قول الله : " إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " .
45 - شى : عن حمران ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن قول الله " ثم قضى أجلا
وأجل مسمى عنده " قال : المسمي ماسمي لملك الموت في تلك الليلة وهو الذي قال الله :
" إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " وهو الذي سمي لملك الموت في ليلة
القدر ، والآخر له فيه المشيئة إن شاء قدمه وإن شاء أخره .
46 - شى : عن حمران قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله : " ثم قضى أجلا
وأجل مسمى عنده " قال : فقال : هما أجلان : أجل موقوف يصنع الله ما يشاء ، وأجل
محتوم . وفي رواية حمران عنه : أما الاجل الذي غير مسمى عنده فهو أجل موقوف يقدم
[117]
فيه ما يشاء ويؤخر فيه ما يشاء ، وأما الاجل المسمى هو الذي يسمي في ليلة القدر .
47 - شى : عن حصين ، ( 1 ) عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " ثم قضى أجلا وأجل
مسمي عنده " قال : ثم قال أبو عبدالله عليه السلام : الاجل الاول هو ما نبذه إلى الملائكة
والرسل والانبياء ، والاجل المسمي عنده هو الذي ستره الله عن الخلائق
بيان : هذا الخبر وخبر ابن مسكان يدلان على أن الاجل الذي فيه البداء هو
المسمي ، وسائر الاخبار على أنه هو المقضي ، ويشكل الجمع بينها إلاأن يقال : صدر
بعضها موافقة لبعض العامة ، أو انه اشتبه على بعض الرواة ، أو ان أحد التأويلين من
بطون الآية .
قال الرازي : اختلف المفسرون في تفسير الاجلين على وجوه : الاول أن المقضي
آجال الماضين ، والمسمى عنده آجال الباقين . الثاني أن الاول أجل الموت ، والثاني
أجل القيامة لان مدة حياتهم في الآخرة لا آخرلها . الثالث أن الاجل الاول ما بين أن
يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث الرابع أن الاول النوم ، والثاني
الموت الخامس أن الاول مقدار ما انقضى من عمر كل واحد ، والثاني مقدار ما بقي
من عمر كل أحد . السادس - وهو قول حكماء الاسلام - أن لكل إنسان أجلين : أحدهما
الآجال الطبيعية ، والثاني الآجال الاخترامية أما الآجال الطبيعية فهي التي لو بقي
ذلك المزاج مصونا عن العوارض الخارجية لانتهت مدة بقائه إلى الوقت الفلاني ، و
وأما الآجال الاخترامية فهي التي تحصل بالاسباب الخارجية كالغرق والحرق وغيرهما
من الامور المنفصلة . انتهى ملخص كلامه
48 - شى : عن يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله
" قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم " قال : فقال : ليس كذا - وقال بيده إلى عنقه -
ولكنه قال : قد فرغ من الاشياء . وفي رواية اخرى عنه قولهم : فرغ من الامر .
49 - شى : عن حماد عنه في قول الله : " يد الله مغلولة " يعنون قد فرغ مما هو
كائن - لعنوا بما قالوا - قال الله عزوجل : " بل يداه مبسوطتان " .
* ( هامش ) * ( 1 ) كرجيل مشترك بين نفر حالهم مجهول . ( * )
[118]
50 - شى : عن الفضل بن أبي قرة ( 1 ) قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : أوحى
الله إلى إبراهيم أنه سيولدلك ، فقال لسارة ، فقالت : ءألد وأنا عجوز ؟ فأوحى الله إليه أنها
ستلد ويعذب أولادها أربعمائة سنة بردها الكلام علي ، قال : فلما طال على بني إسرائيل
العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من
فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة . قال : وقال أبو عبدالله عليه السلام : هكذا أنتم لو فعلتم
لفرج الله عنا ، فأما إذا لم تكونوا فإن الامر ينتهي إلى منتهاه .
51 - شى : عن علي بن عبدالله بن مروان ، عن أيوب بن نوح قال : قال لي
أبوالحسن العسكري عليه السلام - وأنا واقف بين يديه بالمدينة ابتداءا من غير مسألة - :
يا أيوب إنه ما نبأ الله من نبي إلابعد أن يأخذ عليه ثلاث خلال : شهادة أن لا إله إلا الله ،
وخلع الانداد من دون الله ، وأن المشيئة يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، أما إنه إذا جرى
الاختلاف بينهم لم يزل الاختلاف بينهم إلى أن يقوم صاحب هذا الامر .
52 - شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول :
لولا آية في كتاب الله لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة . فقلت : أية آية ؟ قال :
قول الله : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " .
53 - شى : عن جميل بن دراج ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " يمحو الله ما يشاء
ويثبت وعنده ام الكتاب " قال : هل يثبت إلا ما لم يكن ، وهل يمحو إلا ما كان ؟ .
54 - شى : عن الفضل بن بشار ( 2 ) عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله لم يدع
شيئا كان أو يكون إلا كتبه في كتاب فهو موضوع بين يديه ينظر إليه ( 3 ) فماشاء منه قدم
* ( هامش ) * ( 1 ) بالقاف المضمومة والراء المشددة ، قال النجاشى في الفهرست ص 218 : الفضل بن أبى قرة
التميمى السمندى - بلد من آذربيجان انتقل إلى أرمنية روى عن أبى عبدالله عليه السلام ، لم يكن
بذاك ، له كتاب . اه
( 2 ) وفى بعض النسخ : الفضل بن يسار ، والظاهر أنه تصحيف " الفضيل بن يسار " وإلا فليس في
التراجم له ذكر ، لا بعنوان الفضل بن بشار ولاالفضل بن يسار والظاهر اتحاد الخبر مع ما ياتى
تحت رقم 57 .
( 3 ) لعله كناية عن شدة الاحاطة العلمية لله تعالى . ( * )
[119]
وما شاء منه أخر ، وما شاء منه محا ، وما شاء منه كان ، ومالم يشألم يكن .
55 - شى : عن حمران قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام : " يمحو الله ما يشاء ويثبت
وعنده ام الكتاب " فقال : يا حمران إنه إذا كان ليلة القدر ونزلت الملائكة الكتبة إلى
السماء الدنيا فيكتبون ما يقضى في تلك السنة من أمر فإذا أراد الله أن يقدم شيئا أو
يؤخره أو ينقص منه أو يزيد أمر الملك فمحا ما شاء ثم أثبت الذي . أراد قال : فقلت له
عند ذلك : فكل شئ يكون فهو عند الله في كتاب ؟ قال : نعم فقلت : فيكون كذا وكذا
ثم كذا وكذا حتى ينتهي إلى آخره ؟ قال : نعم . قلت : فأي شئ يكون بيده بعده ؟
قال : سبحان الله ثم يحدث الله أيضا ما شاء تبارك وتعالى .
56 - شى : عن الفضيل قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : العلم علمان : علم
علمه ملائكته ورسله وأنبياءه ، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه آخر ، يحدث فيه
ما يشاء .
57 - شى : عن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله كتب كتابا
فيه ما كان وما هو كائن فوضعه بين يديه فما شاء منه قدم ، وماشاء منه أخر ، وما شاء
منه محا ، وما شاء منه أثبت ، وما شاء منه كان ، وما لم يشأ منه لم يكن .
58 - شى : عن الفضيل قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : من الامور امور
محتومة جائية لامحالة ، ومن الامور امور موقوفة عند الله يقدم منها ما يشاء ، ويمحو
منها ما يشاء ، ويثبت منها ما يشاء ، لم يطلع على ذلك أحدا - يعني الموقوفة - فأما ما
جائت به الرسل فهي كائنة لا يكذب نفسه ولا نبيه ولا ملائكته .
59 - شى : عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبوجعفر وأبو عبدالله عليهما السلام : يا أبا حمزة
إن حدثناك بأمر أنه يجيئ من هاهنا فجاء من هاهنا فإن الله يصنع ما يشاء ، وإن
حد ثناك اليوم بحديث وحد ثناك غدا بخلافه فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت .
60 - شى : عن عمرو بن الحمق ( 1 ) قال : دخلت على امير المؤمنين عليه السلام حين ضرب
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح المهملة وكسر الميم بعدها قاف ككتف ، أورده الشيخ في رجاله في أصحاب أمير المؤمنين
والحسن عليهما السلام ، وعده الكشى تارة في ص 26 من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين * ( * )
[120]
على قرنه فقال لي : يا عمرو إني مفارقكم ثم قال : سنة السبعين فيها بلاء - قالها ثلاثا - فقلت :
فهل بعد البلاء رخاء ؟ فلم يجبني واغمي عليه فبكت ام كلثوم فأفاق فقال : يا ام كلثوم
لا تؤذيني فإنك لوقدترين ما أرى لم تبكي ، إن الملائكة في السموات السبع بعضهم
خلف بعض ، والنبيون خلفهم ، وهذا محمد صلى الله عليه وآله آخذ بيدي يقول : انطلق يا علي فما
أمامك خير لك مما أنت فيه ، فقلت بأبي أنت وامي قلت إلى السبعين بلاء ، فهل بعد السبعين
رخاء ؟ قال : نعم يا عمرو إن بعد البلاء رخاءا ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب .
61 - قال أبوحمزة : فقلت لابي جعفر عليه السلام : إن عليا عليه السلام كان يقول : إلى السبعين
بلاء وبعد السبعين رخاء ، فقد مضت السبعين ولم يروا رخاءا ، فقال لي أبوجعفر عليه السلام : يا
ثابت إن الله كان قدوقت هذا الامر في السبعين فلما قتل الحسين عليه السلام اشتد غضب الله
على أهل الارض فأخره إلى أربعين ومائة سنة ، فحدثنا كم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع
السر فأخره الله ولم يجعل لذلك عندنا وقتا ، ثم قال : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده
ام الكتاب .
62 - شى : عن أبي الجاورد ، ( 1 ) عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله إذا أراد فناء
قوم أمر الفلك فأسرع الدور بهم ، فكان ما يريد من النقصان ، فإذا أراد الله بقاء قوم أمر
الفلك فأبطأ الدوربهم فكان ما يريد من الزيادة ، فلاتنكروا فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت
وعنده ام الكتاب .
* ( هامش ) * * عليه السلام ، واخرى في ص 6 من حورى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأورد في ص 31 حديثا
طويلا تدل على جلالة قدره وأنه أدرك النبي صلى الله عليه وآله وفيه وفي غيره من الكتب روايات
تدل على غاية جلالته . وأورد في ص 33 كتابا من الحسين بن على عليه السلام إلى معاوية وفيه : أو لست
قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل
جسمه وصفرت لونه بعد ما آمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه مالو أعطية طائرا لنزل إليك من
رأس الجبل ثم قتلته جرأة على ربك واستخافا بذلك العهد اه . وقال ابن حجر في ص 390 من
التقريب : عمرو بن ( س ق ) الحمق - بفتح المهملة وكسر الميم بعدها قاف - ابن كاهل ، ويقال :
ابن الكاهن - بالنون - ابن حبيب الخزاعى صحابى ، سكن الكوفة ، ثم مصر ، قتل في خلافة معاوية
انتهى . أقول : مراده من ( س ق ) أن النسائى وابن ماجة رويا عنه .
( 1 ) هو زياد بن المنذر الضعيف ، كوفى تابعى زيدى أعمى ، إليه ينسب الجارودية منهم . ( * )
[121]
63 - شى : عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام يقول : إن الله يقدم ما يشاء ،
ويؤخر ما يشاء ، ويمحو مايشاء ، ويثبت ما يشاء وعنده ام الكتاب . وقال : فكل أمر
يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ، ليس شئ يبدوله إلا وقد كان في علمه ، إن الله لا
يبدوله من جهل .
64 - شى : عن أبي ميثم بن أبي يحيى ، ( 1 ) عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : ما من
مولود يولد إلا وإبليس من الا بالسة بحضرته ، فان علم الله أنه من شيعتنا حجبه من ذلك
الشيطان ، وإن لم يكن من شيعتنا أثبت الشيطان إصبعه السبابة في دبره فكان مأبونا
فإن كان امرأة أثبت في فرجها فكانت فاجرة فعند ذلك يبكي الصبي بكاءا شديدا إذا
هو خرج من بطن امه ، والله بعد ذلك يمحوما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب .
65 - شى : عن عمار بن موسى ، عن أبي عبدالله عليه السلام سئل عن قول الله " يمحو الله
ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " قال : إن ذلك الكتاب كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت
فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاء ، وذلك الدعاء مكتوب عليه : الذي يرد به القضاء ،
حتى إذا صار إلى ام الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئا .
66 - شى : عن الحسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه واله : إن المرء ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاث سنين فيمدها الله إلى ثلاث و
ثلاثين سنة ، وإن المرء ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فيقصرها الله إلى
ثلاث سنين أو أدنى . قال الحسين : وكان جعفر يتلو هذه الآية : " يمحو الله ما يشاء ويثبت


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 121 سطر 18 الى ص 129 سطر 18

وعنده ام الكتاب " .
67 - كا : علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن عبدالرحمن بن
محمد الاسدي ، عن سالم بن مكرم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : مر يهودي بالنبي صلى الله عليه واله
فقال : السام عليك . فقال النبي صلى الله عليه واله : عليك ، فقال أصحابه : إنما سلم عليك بالموت
فقال : الموت عليك ، فقال النبي صلى الله عليه واله : وكذلك رددت ، ثم قال النبي صلى الله عليه واله : إن هذا
اليهودي يعضه أسود في قفاه فيقتله . قال : فذهب اليهودي فاحتطب حطبا كثيرا فاحتمله
* ( هامش ) * ( 1 ) مجهول . ( * )
[122]
ثم لم يلبث أن انصرف . فقال له رسول الله صلى الله عليه واله : ضعه فوضع الحطب فإذا أسود في
جوف الحطب عاض على عود فقال : يا يهودي ما عملت اليوم ؟ قال : ما عملت عملا إلا حطبي
هذا حملته فجئت به وكان معي كعكتان ( 1 ) فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة على
مسكين . فقال رسول الله صلى الله عليه واله : بها دفع الله عنه ، وقال : إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن
الانسان
68 - كتاب زيد النرسي ، ( 2 ) عن محمد بن علي الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
قلت له : كانت الدنيا قط منذ كانت وليس في الارض حجة ؟ قال : قد كانت الارض وليس
فيها رسول ولانبي ولا حجة وذلك بين آدم ونوح في الفترة ، ولو سألت هؤلاء عن هذا
لقالوا : لن تخلو الارض من الحجة - وكذبوا - إنما ذلك شئ بد الله عزوجل فيه فبعث الله
النبيين مبشرين ومنذرين ، وقد كان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه واله فترة من الزمان لم يكن في
الارض نبي ولا رسول ولاعالم فبعث الله محمدا صلى الله عليه واله بشيرا ونذيرا وداعيا إليه .
بيان : لعل المراد عدم الحجة والعالم الظاهرين لتظافر الاخبار بعدم خلو الارض
من حجة قط .
69 - ومن كتاب المذكور عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما بد الله
بداء أعظم من بداء بدا له في إسماعيل ابني .
70 - كتاب حسين بن عثمان ، عن سليمان الطلحي ( 3 ) قال : قلت لابي جعفر
عليه السلام : أخبرني عما أخبرت به الرسل عن ربها وأنهت ذلك إلى قومها أيكون لله البداء
فيه ؟ قال : أما إني لا أقول لك : إنه يفعل ، ولكن إن شاء فعل
بسط كلام لرفع شكوك وأوهام : إعلم أن البداء مماظن أن الامامية قد تفردت به
* ( هامش ) * ( 1 ) الكعك : خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب والسكر أو غير ذلك .
( 2 ) نسبة إلى " نرس " بفتح النون وسكون الراء المهملة والسين : نهر حفره نرس بن بهرام بنواحى
الكوفة . وقيل : قرية من قرى الكوفة تنسب إليها الثياب النرسية وقيل : يمكن كون تسمية القرية
بذلك باعتبار وقوعها على النهر المذكور . أقول : قد عرفت في مقدمة الكتاب حال زيد النرسى وأنه
لم يوثقه أصحاب الرجال .
( 3 ) هو سليمان بن عبدالله الطلحى المجهول . ( * )
[123]
وقد شنع عليهم بذلك كثير من المخالفين ، والاخبار في ثبوتها كثيرة مستفيضة من
الجانبين كما عرفت ، ولنشر إلى بعض ما قيل في تحقيق ذلك ، ثم إلى ما ظهر لي من الاخبار
مما هو الحق في المقام .
اعلم أنه لما كان البداء - ممدودا - في اللغة بمعنى ظهور رأي لم يكن - يقال : بدا
الامر بدوا : ظهر ، وبداله في هذا الامر بداءا أي نشأله فيه رأي ، كما ذكره الجوهري
وغيره - فلذلك يشكل القول بذلك في جناب الحق تعالى ، لاستلزامه حدوث علمه تعالى
بشئ بعد جهله وهذا محال ، ولهذا شنع كثير من المخالفين على الامامية في ذلك نظرا
إلى ظاهر اللفظ من غير تحقيق لمرامهم حتى أن الناصبي المتعصب " الفخر الرازي " ذكر
في خاتمة كتاب المحصل حاكيا عن سليمان بن جرير أن الائمة الرافضة وضعوا القول
بالبداء لشيعتهم فإذا قالوا : إنه سيكون لهم أمر وشوكة ثم لا يكون الامر على ما
أخبروه قالوا : بد الله تعالى فيه ، وأعجب منه أنه أجاب المحقق الطوسي رحمه الله في نقد
المحصل عن ذلك - لعدم إحاطته كثيرا بالاخبار - : بأنهم لا يقولون بالبداء ، وإنما القول
به ما كان إلا في رواية رووها عن جعفر الصادق عليه السلام أنه جعل إسماعيل القائم مقامه بعده
فظهر من إسماعيل مالم يرتضه منه فجعل القائم مقامه موسى عليه السلام ، فسئل عن ذلك
فقال : بدالله في إسماعيل ، وهذه رواية وعندهم أن خبر الواحد لا يوجب علما ولا عملا
انتهه .
فانظر إلى هذا المعاند كيف أعمت العصبية عينه حيث نسب إلى أئمة الدين الذين
لم يختلف مخالف ولا مؤالف في فضلهم وعلمهم وورعهم وكونهم أتقى الناس وأعلاهم شأنا
ورفعة الكذب والحيلة والخديعة ، ولم يعلم أن مثل هذه الالفاظ المجازية الموهمة
لبعض المعاني الباطلة قدوردت في القرآن الكريم وأخبار الطرفين كقوله تعالى : " الله
يستهزئ بهم " ومكر الله ، وليبلوكم ، ولنعلم ، ويد الله ، ووجه الله ، وجنب الله إلى غير ذلك
مما لا يحصى ، وقد ورد في أخبارهم ما يدل على البداء بالمعني الذي قالت به الشيعة أكثر
مما ورد في أخبارنا ، كخبر دعاء النبي صلى الله عليه واله على اليهودي ، وإخبار عيسى على نبينا وآله
وعليه السلام ، وأن الصدقة والدعاء يغير ان القضاء وغير ذلك . وقال ابن الاثير في النهاية :
[124]
في حديث الاقرع والابرص والاعمى : بدا لله عزوجل أن يبتليهم أي قضى بذلك ، وهو معنى
البداء ههنا لان القضاء سابق والبداء استصواب شئ علم بعد أن لم يعلم ، وذلك على الله
غير جائز انتهى .
وقد دلت الآية على الاجلين وفسرهما أخيرا بما عرفت ، وقد قال تعالى : " يمحو
الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " وقال هذا الناصبي في تفسيرها : في هذه الآية
قولان :
الاول : أنها عامة في كل شئ كما يقتضيه ظاهر اللفظ قالوا : " إن الله يمحو من
الرزق ويزيد فيه ، وكذا القول في الاجل والسعادة والشقاوة والايمان والكفر ، وهو
مذهب عمرو بن مسعود ، ورواه جابر عن رسول الله صلى الله عليه واله
والثانى : أنها خاصة في بعض الاشياء دون البعض ففيها وجوه : الاول : أن المراد
من المحو والاثبات نسخ الحكم المتقدم وإثبات حكم آخر بدلا عن الاول . الثاني : أنه
تعالى يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولاسيئة ، لانهم مأمورون بكتبة كل قول
وفعل ويثبت غيره . الثالث : أنه تعالى أراد بالمحو أن من أذنب أثبت ذلك الذنب في ديوانه ،
فإذا تاب عنه محا عن ديوانه الرابع : يمحو الله ما يشاء وهومن جاء أجله ، ويدع من
لم يجئ أجله ويثبته الخامس : أنه تعالى يثبت في أول السنة فإذا مضت السنة محيت
واثبت كتاب آخر للمستقبل . السادس : يمحو نور القمر ويثبت نور الشمس . السابع :
يمحو الدنيا ويثبت الآخرة . الثامن : أنه في الارزاق والمحن والمصائب يثبتها في الكتاب
ثم يزيلها بالدعاء والصدقة ، وفيه حث على الانقطاع إلى الله تعالى . التاسع : تعير أحوال
العبد فما مضى منها فهو المحو ، وما حضر وحصل فهو الاثبات العاشر : يزيل ما يشاء
من حكمه لا يطلع على غيبه أحد فهو المتفرد بالحكم كما يشاء ، وهو المستقل بالايجاد
والاعدام والاحياء والاماتة والاغناء والافقار بحيث لايطلع على تلك الغيوب أحد
من خلقه .
واعلم أن هذا الباب فيه مجال عظيم فإن قال قائل : ألستم تزعمون أن المقادير
سابقة قدجف بها القلم فكيف يستقيم مع هذا المعني المحو والاثبات ؟ قلنا : ذلك المحو
[125]
والاثبات أيضا مما قدجف به القلم فلا يمحو إلا ما سبق في علمه وقضائه محوه ، ثم قال :
قالت الرافضة : البداء جائز على الله تعالى وهو أن يعتقد شيئا ثم يظهر له أن الامر بخلاف
ما اعتقده ، وتمسكوا فيه بقوله تعالى : " يمحو الله ما يشاء " انتهى كلامه لعنه الله .
ولاأدري من أين أخذ هذا القول الذي افترى عليهم مع أن كتب الامامية المتقدمين
عليه كالصدوق والمفيد والشيخ والمرتضى وغيرهم رضوان الله عليهم مشحونة بالتبري عن
ذلك ، ولا يقولون إلا ببعض ما ذكره سابقا أو بما هو أصوب منها كما ستعرف ، والعجب
أنهم في أكثر الموارد ينسبون إلى الرب تعالى مالا يليق به ، والامامية قدس الله
أسرارهم يبالغون في تنزيهه تعالى ويفحمونهم بالحجج البالغة ، ولما لم يظفروا في عقائدهم
بما يوجب نقصا يباهتونهم ويفترون عليهم بأمثال تلك الاقاويل الفاسدة ، وهل البهتان و
الافتراء إلادأب العاجزين ؟ ولو فرض أن بعضا من الجهلة المنتحلين للتشيع قال بذلك
فالامامية يتبرؤون منه ومن قوله كما يتبر ؤون من هذا الناصبي وأمثاله وأقاويلهم
الفاسدة .
فأما ماقيل في توجيه البداء فقد عرفت ما ذكره الصدوق والشيخ قدس الله روحهما
في ذلك ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) تقدم توجيه الصدون بعد الخبر الواقع تحت رقم 26 وكلام الشيخ بعد رقم 41 . ولهما
ولغيرهما من أعلام الشيعة حول مسألة البداء مقالات اخرى لا يخلو ذكرها عن فائدة .
قال الصدوق في كتاب العقائد : " باب الاعتقاد في البداء " إن اليهود قالوا : إن الله تبارك وتعالى
قد فرغ من الامر : قلنا : بل هو تعالى كل يوم هو في شأن ، لا يشغله شأن عن شأن ، يحيى ويميت ،
ويخلق ويرزق ، ويفعل ما يشاء ، وقلنا : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " وأنه لا يمحو
إلا ما كان ، ولايثبت إلا مالم يكن ، وهذا ليس يبداء كما قالت اليهود واتباعهم فنسبنا في ذلك إلى
القول بالبداء ، وتبعهم على ذلك من خالفنا من أهل الاهواء المختلفة ، وقال الصادق عليه السلام :
" ما بعث الله نبيا قط حتى يأخذ عليه الاقرار لله بالعبودية وخلع الانداد ، وان الله يؤخر ما يشاء ،
ويقدم ما يشاء " ونسخ الشرايع والاحكام بشريعة نبينا وأحكامه من ذلك ، ونسخ الكتب بالقرآن
من ذلك ، وقال الصادق عليه السلام : " من زغم أن الله عزوجل بدا في شئ ولم يعلمه أمس فأيرء منه "
وقال : " من زعم أن الله بداله من شئ بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم " اه .
وقال الشيخ الطوسى في العدة : البداء حقيقة في اللغة هو الظهور ، ولذلك يقال : بدالنا سور
المدينة ، وبدالنا وجه الرأي ، وقال الله تعالى : " وبدالهم سيئات ما عملوا ، وبدالهم سيئات * ( * )
[126]
وقد قيل فيه وجوه اخر :
الاول : ما ذكره السيد الداماد قدس الله روحه في نبراس الضياء حيث قال :
البداء منزلته في التكوين منزلة النسخ في التشريع ، فما في الامر التشريعي والاحكام
التكليفية نسخ فهو في الامر التكويني والمكونات الزمانية بداء فالنسخ كأنه بداء
تشريعي ، والبداء كأنه نسخ تكويني ، ولابداء في القضاء ولابالنسبة إلى جناب القدس
* ( هامش ) * * ماكسبوا " ويراد بذلك كله " ظهر " وقد يستعمل ذلك في العلم بالشئ بعد أن لم يكن حاصلا ، وكذلك
في الظن ، فأما إذا اضيف هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز اطلاقه عليه ومنه مالا يجوز ، فأما ما يجوز
من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه . ويكون اطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع ، وعلى هذا الوجه يحمل
جميع ما ورد عن الصادقين عليهما السلام من الاخبار المتضمنة لاضافة البداء إلى الله تعالى ، دون ما لايجوز
عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن ، ويكون وجه اطلاق ذلك فيه تعالى والتشبيه هو أنه اذا كان ما
يدل على النسخ يظهر به للمكلفين مالم يكن ظاهرا الهم ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلالهم
اطلق على ذلك لفظ البداء .
وذكر سيدنا الاجل المرتضى قدس الله روحه وجها آخر في ذلك : وهو أن قال : يمكن
حمل ذلك على حقيقته بأن يقال : بداله تعالى بمعنى أنه ظهر له من الامر مالم يكن ظاهرا له ، و
بداله من النهى مالم يكن ظاهرا له ، لان قبل وجود الامر والنهى لا يكونان ظاهرين مدركين ،
وإنما يعلم أنه يامر أو ينهى في المستقبل ، فاما كونه آمرا أو ناهيا فلا يصح أن يعلمه الا اذا
وجد الامر والنهي ، وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى : " ولنبلونكم
حتى نعلم المجاهدين منكم ، بان نحمله على أن المراد به حتى نعلم جهاد كم موجودا ، لان قبل وجود
الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا ، وانما يعلم كذلك بعد حصوله فكذلك . القول في البداء وهذا وجه
حسن جدا اه .
وقال الامام العلامة ، معلم الامة الشيخ المفيد محمد بن النعمان في كتاب تصحيح الاعتقاد
في شرح ما قدمنا من كلام الصدوق : قول الامامية في البداء طريقه السمع دون العقل وقد جاءت
الاخبار به عن أئمة الهدى عليهم السلام ، والاصل في البداء هو الظهور ، قال الله تعالى " وبدالهم
من الله ما لم يكونوا يحتسبون " يعنى به ظهر لهم من أفعال الله تعالى بهم ما لم يكن في حسبانهم
وتقديرهم ، وقال : " وبدالهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم " يعنى ظهر لهم جزاء كسبهم وبان لهم
ذلك ، وتقول العرب : " قد بدا لفلان عمل حسن ، وبدا له كلام فصيح " كما يقولون : " بدا من فلان كذا "
فيجعلون اللام قائمة مقامه ، فالمعنى في قول الامامية : بدا لله في كذا أى ظهر له فيه ، ومعنى ظهر فيه
أى ظهر منه ، وليس المراد منه تعقب الراى ووضوح أمر كان قد خفى عنه ، وجميع أفعاله تعالى الظاهرة
في خلقه بعد أن لم تكن فهى معلومة فيما لم يزل ، وانما يوصف منها بالبداء مالم يكن في الاحتساب
ظهوره ، ولا في غالب الظن وقوعه ، فأما ما علم كونه وغلب في الظن حصوله فلا يستعمل فيه لفظ * ( * )
[127]
الحق ، والمفارقات المحضة من ملائكته القدسية ، وفي متن الدهر الذي هو ظرف مطلق
الحصول القار والثبات البات ووعاء عالم الوجود كله ، وإنما البداء في القدر وفي امتداد
الزمان الذي هو افق التقضي والتجدد ، وظرف التدريج والتعاقب ، وبالنسبة إلى
الكائنات الزمانية ومن في عالم الزمان والمكان وإقليم المادة والطبيعة ، وكما حقيقة
النسخ عند التحقيق انتهاء الحكم التشريعي وانقطاع استمراره لارفعه وارتفاعه من وعاء
الواقع فكذا حقيقة البداء عند الفحص البالغ انبتات استمرار الامر التكويني ، وانتهاء
* ( هامش ) * * البداء ، وقول أبى عبدالله عليه السلام : " ما بدا لله في شئ كما بدا له في اسماعيل " فانما أراد به ما
ظهر من الله تعالى فيه من دفاع القتل عنه وقد كان مخوفا عليه من ذلك ، مظنونا به فلطف له في
دفعه عنه ، وقد جاء الخبر بذلك عن الصادق عليه السلام فروى عنه عليه السلام أنه قال : " ان القتل
قد كتب على اسماعيل مرتين فسألت الله في دفعه عنه فدفعه " وقد يكون الشئ مكتوبا بشرط فيتغير
الحال فيه ، قال الله تعالى : " ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " فتبين أن الاجال على ضربين : ضرب
منها مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان ، ألاترى إلى قوله تعالى : " وما يعمر من معمر ولا ينقص من
عمره الا في كتاب " وقوله تعالى : " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء
والارض " فبين أن آجالهم كانت مشترطة في الامتداد بالبر والانقطاع بالفسوق ، وقال تعالى - فيما خبر
به عن نوح عليه السلام في خطابه لقومه - : " استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا "
إلى آخر الايات ، فاشترط لهم في مد الاجل وسبوغ النعم الاستغفار ، فلما لم يفعلوه قطع آجالهم
وبتر أعمارهم واستأصلهم بالعذاب : فالبداء من الله تعالى يختص ما كان مشترطا في التقدير ، وليس
هو الانتقال من عزيمة إلى عزيمة ، ولا من تعقب الرأى - تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا - .
وقد قال بعض اصحابنا : ان لفظ البداء اطلق في أصل اللغة على تعقب الرأى والانتقال من
عزيمة إلى عزيمة ، وانما اطلق على الله تعالى على وجه الاستعارة كما يطلق عليه الغضب والرضا
مجازا غير حقيقة ، وان هذا القول لم يضر بالمذهب ، اذ المجاز من القول يطلق على الله تعالى فيما
ورد به السمع ، وقد ورد السمع بالبداء على ما بينا . والذى اعتمدناه في معنى البداء انه الظهور على
ما قدمت القول في معناه ، فهو خاص فيما يظهر من الفعل الذى كان وقوعه يبعد في النظر ( الظن خ ل )
دون المعتاد ، اذ لو كان في كل واقع من أفعال الله تعالى لكان الله تعالى موصوفا بالبداء في كل أفعاله
وذلك باطل بالاتفاق . انتهى كلامه .
أقول : انما أطلنا الكلام في نقل الاقوال حتى يتضح جلية الحال في هذه المرغمة والفرية
الشائنة ، وترى الباحث أن أقوال الشيعة التى تعرب عن معتقداتهم قديما وحديثا تكذب ما عزاه
المخالفون الينا ، وأنهم لم يلتزموا بالصدق والامانة فيما يكتب عن الشيعة بل التزموا بضدها ولم
يتركون قوس افكهم منزعالم يرموا بها الشيعة ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون ، يوم تجد
كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودلو أن بينها وبينه أمدا بعيدا والله خبير بما يعملون . ( * )
[128]
اتصال الافاضة ، ومرجعه إلى تحديد زمان الكون وتخصيص وقت الافاضة لا أنه
ارتفاع المعلول الكائن عن وقت كونه وبطلانه في حد حصوله . انتهى .
الثاني : ما ذكره بعض الافاضل في شرحه على الكافي وتبعه غيره من معاصرينا ،
وهو أن القوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور دفعة واحدة لعدم
تناهي تلك الامور بل إنما ينتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا وجملة فجملة ، مع أسبابها
وعللها على نهج مستمر ونظام مستقر فإن ما يحدث في عالم الكون والفساد فإنما هو
من لوازم حركات الافلاك المسخرة لله تعالى ونتائج بركاتها فهي تعلم أنه كلما كان
كذا كان كذا ، فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمر ما في هذا العالم حكمت بوقوعه
فيه فينتقش فيها ذلك الحكم ، وربما تأخر بعض الاسباب الموجب لوقوع الحادث على
خلاف ما يوجبه بقية الاسباب لولا ذلك السبب ، ( 1 ) ولم يحصل لها العلم بذلك بعد لعدم
اطلاعها على سبب ذلك السبب ، ( 2 ) ثم لما جاء أوانه واطلعت عليه حكمت بخلاف
الحكم الاول فيمحى عنها نقش الحكم السابق ويثبت الحكم الآخر ، مثلا لما حصل
لها العلم بموت زيد بمرض كذا لاسباب تقتضي ذلك ولم يحصل لها العلم بتصدقة الذي
سيأتي به قبل ذلك الوقت لعدم اطلاعها على أسباب التصدق بعد ثم علمت به وكان
موته بتلك الاسباب مشروطا بأن لايتصدق فتحكم أولا بالموت وثانيا بالبرء ، وإذا
كانت الاسباب لوقوع أمر ولا وقوعه متكافئة ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد لعدم
مجيئ أو ان سبب ذلك الرجحان بعد كان لها التردد في وقوع ذلك الامر ولا قوعه فينتقش
فيها الوقوع تارة واللاوقوع اخرى فهذا هو السبب في البداء والمحو والاثبات والتردد
وأمثال ذلك في امور العالم فإذا اتصلت بتلك القوى نفس النبي أو الامام عليهما الصلاة
والسلام وقرأ فيها بعض تلك الامور فله أن يخبر بما رآه بعين قلبه ، أو شاهده بنور بصيرته ،
أو سمع باذن قلبه ، وأما نسبة ذلك كله إلى الله تعالى فلان كل ما يجري في العالم
الملكوتي إنما يجري بإرادة الله تعالى بل فعلهم بعينه فعل الله سبحانه حيث إنهم لا يعصون الله
ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون إذ لاداعي لهم على الفعل إلا إرادة الله عزوجل لاستهلاك
* ( هامش ) * ( 1 ، 2 ) في نسخة : ذلك الحادث . ( * )
[129]
إرادتهم في إرادته تعالى ، ومثلهم كمثل الحواس للانسان كلما هم بأمر محسوس امتثلت
الحواس لما هم به فكل كتابة تكون في هذه الالواح والصحف فهو أيضا مكتوب لله عزوجل
بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الاول فيصح أن يوصف الله عزوجل نفسه بأمثال ذلك
بهذا الاعتبار ، وإن كان مثل هذه الامور يشعر بالتغير والسنوح ، وهو سبحانه منزه
عنه ، فإن كل ما وجد فهو غير خارج عن عالم ربوبيته .
الثالث : ما ذكره بعض المحققين ( 1 ) حيث قال : تحقيق القول في البداء أن
الامور كلها عامها وخاصها ، ومطلقها ومقيدها ، وناسخها ومنسوخها ، ومفرداتها
ومركباتها ، وإخباراتها وإنشاءاتها ، بحيث لايشذ عنها شئ منتقشة في اللوح ، والفائض
منه على الملائكة والنفوس العلوية والنفوس السفلية قديكون الامر العام المطلق
أو المنسوخ حسب ما تقتضيه الحكمة الكاملة من الفيضان في ذلك الوقت ، ويتأخر المبين
إلى وقت تقتضي الحكمة فيضانه فيه ، وهذه النفوس العلوية وما يشبهها يعبر عنها بكتاب
المحو والاثبات ، والبداء عبارة عن هذا التغيير في ذلك الكتاب .
الرابع : ما ذكره السيد المرتضى رضوان الله عليه في جواب مسائل أهل الري
وهو أنه قال : المراد بالبداء النسخ ، وادعى أنه ليس بخارج عن معناه اللغوي . ( 2 )
أقول : هذا ما قيل في هذا الباب وقد قيل فيه : وجوه اخر لاطائل في إيرادها ،
والوجوه التي أوردناها بعضها بمعزل عن معنى البداء وبينهما كما بين الارض والسماء ،
وبعضها مبنية على مقدمات لم تثبت في الدين بل ادعي على خلافها إجماع المسلمين ،
وكلها يشتمل على تأويل نصوص كثيرة بلا ضرورة تدعو إليه ، وتفصيل القول في كل منها


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 129 سطر 19 الى ص 137 سطر 18

يفضي إلى الاطناب ، ولنذكرما ظهرلنا من الآيات والاخبار بحيث تدل عليه النصوص
الصريحة وتأبى عنه العقول الصحيحة .
فنقول - وبالله التوفيق - : إنهم عليهم السلام إنما بالغوا في البداء ردا على اليهود الذين
* ( هامش ) * ( 1 ) وهو الميرزا رفيعا ، قال ذلك في شرخه على الكافى .
( 2 ) ما عده رحمه الله من الوجوه العديدة ليس الا وجها واحداو هو الذى ذكر في الرواية ومحصله كون
البداء ، نسبة حاصلة للشئ إلى علله الناقصة والقضاء نسبة إلى علته التامة وبيانه التفصيلى يحتاج
إلى محل آخر وليته - رحمه الله - اقتصر على ايراد نفس الروايات فان بيانها شاف كاف . ط ( * )
[130]
يقولون : إن الله قد فرغ من الامر وعلى النظام ، وبعض المعتزلة الذين يقولون : إن
الله خلق الموجودات دفعة واحدة على ماهي عليه الآن معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا ،
ولم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده ، والتقدم إنما يقع في ظهورها لافي حدوثها و
وجودها ، وإنما أخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة ، و
على بعض الفلاسفة القائلين بالعقول والنفوس الفلكية ، وبأن الله تعالى لم يؤثر حقيقة
إلا في العقل الاول فهم يعزلونه تعالى عن ملكه ، وينسبون الحوادث إلى هؤلاء ، فنفوا
عليهم السلام ذلك وأثبتوا أنه تعالى كل يوم في شأن من إعدام شئ وإحداث آخر ، وإماتة
شخص وإحياء آخر إلى غير ذلك ، لئلا يتركوا العباد التضرع إلى الله ومسألته وطاعته
والتقرب إليه بما يصلح امور دنيا هم وعقباهم ، وليرجوا عند التصدق على الفقراء وصلة
الارحام وبر الوالدين والمعروف والاحسان ما وعدوا عليها من طول العمر وزيادة الرزق
وغير ذلك .
ثم اعلم أن الآيات والاخبار تدل على أن الله خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث
من الكائنات :
أحدهما اللوح المحفوظ الذي لاتغير فيه أصلا وهو مطابق لعلمه تعالى . والآخر
لوح المحو والاثبات فيثبت فيه شيئا ثم يمحوه لحكم كثيرة لا تخفى على اولي الالباب ،
مثلا يكتب فيه أن عمر زيد خمسون سنة ، ومعناه أن مقتضي الحكمة أن يكون عمره
كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره فإذا وصل الرحم مثلا يمحى الخمسون و
يكتب مكانه ستون ، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون ، وفي اللوح المحفوظ أنه
يصل وعمره ستون كما أن الطبيب الحاذق إذا اطلع على مزاج شخص يحكم بأن
عمره بحسب هذا المزاج يكون ستين سنة ، فإذا شرب سما ومات أو قتله إنسان فنقص
من ذلك ، أو استعمل دواءا قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب ،
والتغيير الواقع في هذا اللوح مسمى بالبداء إما لانه مشبه به كما في سائر ما يطلق
عليه تعالى من الابتلاء والاستهزاء والسخرية وأمثالها ، أو لانه يظهر للملائكة أو للخلق
إذا أخبروا بالاول خلاف ما علموا أولا ، وأي استبعاد في تحقق هذين اللوحين
[131]
وأية استحالة في هذا المحو والاثبات حتى يحتاج إلى التأويل والتكلف وإن لم تظهر
الحكمة فيه لنا لعجز عقولنا عن الاحاطة بها مع أن الحكم فيه ظاهرة : ( 1 )
منها أن يظهر للملائكة الكاتبين في اللوح والمطلعين عليه لطفه تعالى بعباده و
إيصالهم في الدنيا إلى ما يستحقونه فيزدادوا به معرفة .
ومنها أن يعلم بإخبار الرسل والحجج عليهم الصلاة والسلام أن لاعمالهم الحسنة
مثل هذه التأثيرات في صلاح امورهم ، ولاعمالهم السيئة تأثيرا في فسادها فيكون داعيا
لهم إلى الخيرات صارفا لهم عن السيئات فظهر أن لهذا اللوح تقدما على اللوح المحفوظ
من جهة لصيرورته سببا لحصول بعض الاعمال فبذلك انتقش في اللوح المحفوظ حصوله
فلا يتوهم أنه بعد ما كتب في هذا اللوح حصوله لافائدة في المحو والاثبات .
ومنها أنه إذا أخبر الانبياء والاوصياء أحيانا من كتاب المحو والاثبات ثم أخبروا
بخلافه يلزمهم الاذعان به ، ويكون ذلك تشديدا للتكليف عليهم ، تسبيبا لمزيد الاجر
لهم كما في سائر ما يبتلي الله عباده منه من التكاليف الشاقة وإيراد الامور التي تعجز
أكثر العقول عن الاحاطة بها ، وبها يمتاز المسلمون الذين فازوا بدرجات اليقين عن الضعفاء
الذين ليس لهم قدم راسخ في الدين .
ومنها أن يكون هذه الاخبار تسلية من المؤمنين المنتظرين لفرج أولياء الله وغلبة
الحق وأهله كما روى في قصة نوح على نبينا وآله وعليه السلام حين أخبر بهلاك القوم ثم
أخر ذلك مرارا ، وكما روي في فرج أهل البيت عليهم السلام وغلبتهم ، لانهم عليهم السلام لو كانوا
أخبر والشيعة في أول إبتلائهم باستيلاء المخالفين وشدة محنتهم أنه ليس فرجهم إلا بعد
ألف سنة ليئسوا ورجعوا عن الدين . ولكنهم أخبروا شيعتهم بتعجيل الفرج ، وربما
أخبروهم بانه يمكن أن يحصل الفرج في بعض الازمنة القريبة ليثبتوا على الدين ويثابوا
بانتظار الفرج كما مر في خبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه .
* ( هامش ) * ( 1 ) ان كنا بحثنا عن اللوح من جهة العقل فالبرهان يثبت في الوجود أمرا نسبته إلى الحوادث
الكونية نسبة الكتاب إلى ما فيه من المكتوب ، ومن البديهى أن لوحا جسمانيا لايسع كتابة ما
يستقبل نفسه وأجزاؤه من الحالات والقصص في أزمنة غير متناهية وان كبر ما كبر فضلا عن شرح حال
كل شئ في الابد الغير المتناهى ، وان كنا بحثنا من جهة النقل فالاخبار نفسها تؤول اللوح والقلم إلى
ملكين من ملائكة الله كما سيجيئ في المجلد الرابع عشر من هذا الكتاب ، وعلى أي حال فلاوجه لما
ذكره رحمه الله . ط ( * )
[132]
وروى الكليني عن محمد بن يحيى ، وأحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن السياري
عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه علي بن يقطين قال : قال لي
أبوالحسن عليه السلام : الشيعة تربى بالاماني منذ مائتي سنة ، قال : وقال يقطين لابنه علي بن
يقطين : ما بالنا قيل لنا فكان ، وقيل لكم فلم يكن ؟ قال : فقال له : علي : إن الذي قيل
لنا ولكم كان من مخرج واحد غير أن أمر كم حضر فاعطيتم محضة فكان كما قيل لكم ،
وأن أمرنا لم يحضر فعللنا بالاماني ، فلوقيل لنا : إن هذا الامر لا يكون إلا إلى مائتي
سنة أو ثلاث مائة سنة لقست القلوب ، ولرجع عامة الناس عن الاسلام ، ولكن قالوا :
ما أسرعه وما أقربه تأليفا لقلوب الناس وتقريبا للفرج . وقوله : قيل لنا أي في خلافة
العباسية - وكان من شيعتهم - أوفي دولة آل يقطين . وقيل لكم أي في أمر القائم وظهور
فرج الشيعة .
وروى أيضا عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الخزاز ،
عن عبدالكريم بن عمر والخثعمي ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت :
لهذا الامر وقت ؟ فقال : كذب الوقاتون ، كذب الوقاتون ، كذب الوقاتون ، إن موسى
- على نبينا وآله وعليه السلام - لما خرج وافدا إلى ربه واعدهم ثلاثين يوما فلما زاد الله
إلى الثلاثين عشرا قال قومه : قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا ، فإذا حدثنا كم الحديث
فجاء على ما حدثنا كم فقولوا : صدق الله ، وإذا حدثنا كم الحديث فجاء على خلاف ما
حدثنا كم به فقولوا : صدق الله تؤجروا مرتين .
وسيأتي كثير من الاخبار في ذلك في كتاب النبوة لاسيما في أصواب قصص نوح و
موسى وشعيا على نبينا وآله وعليهم السلام ، وسيأتي أيضا في كتاب الغيبة ، فأخبارهم عليهم السلام
بما يظهر خلافه ظاهرا من قبيل المجملات والمتشابهات التي تصدر عنهم بمقتضى الحكم
ثم يصدر عنهم بعد ذلك تفسيرها وبيانها ، وقولهم : يقع الامر الفلاني في وقت كذا معناه
إن كان كذا ، أو إن لم يقع الامر الفلاني الذي ينافيه ، وإن لم يذكروا الشرط كما قالوا
في النسخ قبل الفعل ، وقد أوضحناه في باب ذبح إسماعيل على نبينا وآله وعليه السلام ،
فمعني قولهم عليهم السلام : ما عبدالله بمثل البداء : أن الايمان بالبداء من أعظم العبادات القلبية
[133]
لصعوبته ومعارضته الوساوس الشيطانية فيه ، ولكونه إقرارا بأن له الخلق والامر ،
وهذا كمال التوحيد ، أو المعنى أنه من أعظم الاسباب والدواعي لعبادة الرب تعالى كما
عرفت . وكذا قولهم عليهم السلام : ما عظم الله بمثل البداء يحتمل الوجهين وإن كان الاول فيه
أظهر . وأما قول الصادق عليه السلام : لو علم الناس ما في القول بالبداء من الاجر مافتروا عن
الكلام فيه فلما مر أيضا من أن أكثر مصالح العباد موقوفة على القول بالبداء إذلو اعتقدوا
أن كل ما قدر في الازل فلابد من وقوعه حتما لما دعوا الله في شئ من مطالبهم ، وما
تضرعوا إليه ، وما استكانوا لديه ، ولاخافوا منه ولارجعوا إليه ، ( 1 ) إلى غير ذلك مما
قد أو مأنا إليه . وأما أن هذه الامور من جملة الاسباب المقدرة في الازل أن يقع الامر
بها لابدونها فمما لايصل إليه عقول أكثر الخلق فظهر أن هذا اللوح وعلمهم بما يقع فيه
من المحو والاثبات أصلح لهم من كل شئ .
بقي ههنا إشكال آخر وهو أنه يظهر من كثير من الاخبار المتقدمة أن البداء لايقع
فيما يصل علمه إلى الانبياء والائمة عليهم الصلاة والسلام ، ويظهر من كثير منها وقوع
البداء فيما وصل إليهم أيضا ، ويمكن الجمع بينها بوجوه :
الاول : أن يكون المراد بالاخبار الاولة عدم وقوع البداء فيما وصل إليهم على
سبيل التبليغ بأن يؤمروا بتبليغه ليكون إخبارهم بها من قبل أنفسهم لا على وجه
التبليغ .
الثانى : أن يكون المراد بالاولة الوحي ويكون وما يخبرون به من جهة الالهام
واطلاع نفوسهم على الصحف السماوية ، وهذا قريب من الاول .
الثالث : أن تكون الاولة محمولة على الغالب فلا ينافي ما وقع على سبيل
الندرة .
الرابع : ما أشار إليه الشيخ قدس الله روحه من أن المراد بالاخبار الاولة عدم
وصول الخبر إليهم وأخبارهم على سبيل الحتم فيكون أخبارهم على قسمين : أحدهما ما
اوحي إليهم أنه من الامور المحتومة فهم يخبرون كذلك ولابداء فيه وثانيهما ما يوحي
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : ولارجوا إليه . ( * )
[134]
إليهم لا على هذا الوجه فهم يخبرون كذلك ، وربما أشعروا أيضا باحتمال وقوع
البداء فيه كما قال أمير المؤمنين عليه السلام بعد الاخبار بالسبعين : ويمحو الله ما يشاء وهذا وجه
قريب .
الخامس : أن يكون المراد بالاخبار الاولة أنهم لا يخبرون بشئ لا يظهر وجه
الحكمة فيه على الخلق لئلا يوجب تكذيبهم ، بل لو أخبروا بشئ من ذلك يظهر وجه
الصدق فيما أخبروا به ، كخبر عيسى على نبينا وآله وعليه السلام ، والنبي صلى الله عليه وآله حيث
ظهرت الحية دالة على صدق مقالهما . وسيأتي بعض القول في ذلك في باب ليلة القدر ،
وسيأتي بعض أخبار البداء في باب القضاء ، وإيفاء حق الكلام في هذه المسألة يقتضي رسالة
مفردة والله الموفق .
} باب 4 {
} القدرة والارادة {
الايات ، البقرة " 2 " قال أعلم أن الله على كل شئ قدير 259
آل عمران " 3 " والله على كل شئ قدير 29 و 189 " وقال " : إن الله على كل شئ
قدير 165
النساء " 4 " إن الله كان عزيزا حكيما 56 " وقال تعالى " : إن يشأيذهبكم أيها الناس
ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا 133 " وقال تعالى " : فإن الله كان عفوا قديرا 149
المائدة " 5 " إن الله يحكم ما يريد 1
التوبة " 9 " فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة
الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون 55
هود " 11 " وهو على كل شئ قدير 4
ابراهيم " 14 " ألم تر أن الله خلق السموات والارض بالحق أن يشأ يذهبكم و
يأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز 19 - 20
[135]
النحل " 16 " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون 40
الكهف " 18 " وكان الله على كل شئ مقتدرا 45
الحج " 22 " إن الله يفعل ما يريد 14 " وقال تعالى " : وأن الله يهدي من يريد 16
النور " 24 " يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شئ قدير 45
الاحزاب " 33 " قل من ذاالذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أرادبكم
رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا 17 " وقال تعالى " : وكان الله قويا عزيزا 25
" وقال تعالى " : وكان الله على كل شئ قديرا 27
فاطر " 35 " إن يشأيذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز 16 - 17
" وقال تعالى " : وما كان الله ليعجزه من شئ في السموات ولافي الارض إنه كان عليما
قديرا 44
يس " 36 " أو ليس الذي خلق السموات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى
وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 81 - 82
الفتح " 48 " واخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا : 2
القمر " 54 " وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر 50
المعارج " 70 " إنا خلقناهم مما يعلمون * فلا اقسم برب المشارق والمغارب
إنا لقادرون * على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين 39 - 41
الجن " 72 " وأنا طننا أن لن نعجز الله في الارض ولن نعجزه هربا 12 ( 1 )
1 - يد ، لى : ابن مسرور ، عن ابن عامر ، عن عمه ، عن ابن محبوب ، عن مقاتل بن
سليمان ، ( 2 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما صعد موسى على نبينا وآله وعليه السلام إلى
* ( هامش ) * ( 1 ) الايات في ذلك كثيرة جدا .
( 2 ) أورده الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام وقال : تبرى وقال الكشى
في ص 247 من رجاله : مقاتل بن سليمان البجلى وقيل : البلخى ، تبرى . انتهى أقول : هو مقاتل
ابن سليمان بن بشر الازدى الخراسانى ، أبوالحسن البلخى المفسر ويقال له : ابن دوال دوز ، كان
من أهل بلخ ، تحول إلى مرو وخرج إلى العراق ومات بها ، أورده ابن حجر في تقريبه ص 505
وقال : كذبوه وحجروه ورمى بالتجسيم ، من السابعة ، ومات سنة خمسين ومائة . والخطيب في تاريخ
بغداد ج 13 ص 160 - 169 وفصل في ترجمته وبيان ما قيل في حقه من الرمى بالكذب ووضع الحديث
وغيرهما . ( * )
[136]
الطور فناجى ربه عزوجل ، قال يا رب أرني خزائنك قال : يا موسى إنما خزائني إذا
أردت شيئا أن أقول له كن فيكون .
2 - ل : ما جيلويه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن
معروف ، عن ابن مهزيار ، عن حكم بن بهلول ، عن إسماعيل بن همام ، عن ابن اذينة ،
عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت عليا عليه السلام يقول لابي الطفيل
عامر بن واثلة الكنانى : يا أبا الطفيل العلم علمان : علم لا يسع الناس إلا النظر فيه وهو
صبغة الاسلام ، وعلم يسمع الناس ترك النظر فيه وهو قدرة الله عزوجل .
بيان : صبغة الاسلام هي العلوم التي يوجب العلم بها الدخول في دين الاسلام
والتلون بلونه من توحيد الواجب تعالى ، وتنزيهه عن النقائص وسائر ما يعد من اصول
المذهب . وأما قوله : وهو قدرة الله تعالى فلعل المراد بها التفكر في قضاء الله وقدره كما
نهي في أخبار اخر عن التفكر فيها ، ويحتمل أن يكون المراد التفكر في كيفية القدرة ،
ويشكل بأن التفكر في كيفية سائر الصفات منهي عنه فلا يختص بالقدرة .
3 - ن : السناني ، عن محمد الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، عن
محمد بن عيسى ، عن محمد بن عرفة قال : قلت للرضا عليه السلام : خلق الله الاشياء بالقدرة
أم بغير القدرة ؟ فقال عليه السلام : لا يجوز أن يكون خلق الاشياء بالقدرة لانك إذا قلت :
خلق الاشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئا غيره ، وجعلتها آلة له بها خلق
الاشياء وهذا شرك ، وإذا قلت : خلق الاشياء بقدرة ( 1 ) فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار
عليها وقدرة ، ( 2 ) ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره بل هو سبحانه قادر
لذاته لابالقدرة .
يد : الدقاق ، عن أبي القاسم العلوي ، عن البرمكي مثله إلى قوله : إلى غيره .
ثم قال الصدوق رحمه الله : إذا قلنا : إن الله لم يزل قادرا فإنما نريد بذلك نفى العجز
عنه ، ولا نريد إثبات شئ معه لانه عزوجل لم يزل واحدا لا شئ معه .
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : وإذا قلت : خلق الاشياء بغير قدرة .
( 2 ) في العيون المطبوع : فانما تصفه بالاقتدار عليها ولا قدرة . ( * )
[137]
4 - يد ، ن : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن يحيى
قال : قلت لابي الحسن عليه السلام : أخبرني عن الارادة من الله عزوجل ومن الخلق ( 1 ) فقال :
الارادة من المخلوق الضمير وما يبدوله بعد ذلك من الفعل ، وأما من الله عزوجل
فإرادته إحداثه لاغير ذلك لانه لا يروي ( 2 ) ولايهم ولا يتفكر ، وهذه الصفات منفية عنه ، و
هي من صفات الخلق فإرادة الله هي الفعل لاغير ذلك ، يقول له : كن فيكون بلالفظ ولا
نطق بلسان ولاهمة ولا تفكر ، ولا كيف لذلك كما أنه بلا كيف .
ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن الكليني ، عن أحمد بن إدريس مثله .
بيان : اعلم أن إرادة الله تعالى كما ذهب إليه أكثر متكلمي الامامية هي العلم
بالخير والنفع وما هو الاصلح ، ولا يثبتون فيه تعالى وراء العلم شيئا ، ( 3 ) ولعل المراد
بهذا الخبر وأمثاله من الاخبار الدالة على حدوث الارادة هو أنه يكون في الانسان
قبل حدوث الفعل اعتقاد النفع فيه ، ثم الروية ، ثم الهمة ، ثم انبعاث الشوق منه ، ثم
تأكده إلى أن يصير إجماعا باعثا على الفعل ، وذلك كله إرادة فينا متوسطة بين ذاتنا وبين
الفعل ، وليس فيه تعالى بعد العلم القديم بالمصلحة من الامور المقارنة للفعل سوى
الاحداث والايجاد ، فالاحداث في الوقت الذي تقتضي المصلحة صدور الفعل فيه قائم
مقام ما يحدث من الامور في غيره تعالى ، فالمعنى أنه ذاته تعالى بصفاته الذاتية
الكمالية كافية في حدوث الحادث ، من غير حاجة إلى حدوث أمر في ذاته عند حدوث
الفعل .
قال بعض المحققين في شرح هذا الخبر : الظاهر أن المراد بالارادة مخصص أحد


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 137 سطر 19 الى ص 145 سطر 18

الطرفين وما به يرجح القادر أحد مقدوريه على الآخر لاما يطلق في مقابل الكراهة ، كما
يقال : يريد الصلاح والطاعة ، ويكره الفساد والمعصية . وحاصل الجواب أن الارادة من
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : ومن المخلوق .
( 2 ) روى في الامر : نظر فيه وتفكر ، هم بالشئ ، أراده وأحبه ، عزم عليه وقصده .
( 3 ) هذاالذى ذكروه تصوير للارادة الذاتية التى هى عين الذات - ان صح تصويرهم - وأما الارادة
التى في الاخبار فهى الارادة التى هى من الصفات الفعلية كالرزق والخلق وهى نفس الموجود الخارجى
من زيد وعمرو والارض والسماء كما ذكره شيخنا المفيد رحمه الله . ط ( * )
[138]
الخلق الضمير أي أمر يدخل خواطرهم وأذهانهم ويوجد في نفوسهم ويحل فيها بعد ما
لم يكن فيها وكانت هي خالية عنه .
وقوله : وما يبدولهم بعد ذلك من الفعل يحتمل أن يكون جملة معطوفة على
الجملة السابقة والظرف خبرا للموصول ، ويحتمل أن يكون الموصول معطوفا على
قوله : " الضمير " ويكون قوله : " من الفعل " بيانا للموصول ، والمعنى على الاول أن
الارادة من الخلق الضمير ، والذي يكون لهم بعد ذلك من الفعل لامن إرادتهم ، وعلى
الثاني أن إرادتهم مجموع ضمير يحصل في قلبهم ، وما يكون لهم من الفعل المترتب عليه ،
فالمقصود هنا من الفعل ما يشمل الشوق إلى المراد وما يتبعه من التحريك إليه والحركة ،
وأما الارادة من الله فيستحيل أن يكون كذلك ، فإنه يتعالى أن يقبل شيئا زائدا على
ذاته بل إرادته المرجحة للمراد من مراتب الاحداث لاغير ذلك إذ ليس في الغائب إلا ذاته
الاحدية ولا يتصور هناك كثرة المعاني ولاله بعد ذاته وما لذاته بذاته إلا ما ينسب إلى
الفعل فإرادة الله سبحانه من مراتب الفعل المنسوب إليه لاغير ذلك .
أقول : ويحتمل على الاحتمال الاول أن يكون المراد بالضمير تصور الفعل ،
وبما يبدولهم بعد ذلك اعتقاد النفع والشوق وغير ذلك ، فقوله : " من الفعل " أي من أسباب
الفعل ، وقوله عليه السلام : " ولا كيف لذلك " أي لا صفة حقيقية لقوله ذلك وإرادته كما
أنه لا كيف لذاته ولايعرف كيفية إرادته على الحقيقة كما لا يعرف كيفية ذاته وصفاته
بالكنه .
وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه : إن الارادة من الله جل اسمه نفس الفعل ، و
من الخلق الضمير وأشباهه مما لا يجوز إلا على ذوي الحاجة والنقص ، وذلك لان العقول
شاهدة بأن القصد لايكون إلا بقلب كما لاتكون الشهوة والمحبة إلا لذي قلب ، ولا
تصح النية والضمير والعزم إلا على ذي خاطر يضطر معها في الفعل الذي يغلب عليه إلى
الارادة له والنية فيه والعزم ، ولما كان الله تعالى يجل عن الحاجات ويستحيل عليه
الوصف بالجوارح والادوات ولا يجوز عليه الدواعي والخطرات بطل أن يكون محتاجا
في الافعال إلى القصود والعزمات ، وثبت أن وصفه بالارادة مخالف في معناه لوصف
[139]
العباد ، وأنها نفس فعله الاشياء ، وبذلك جاء الخبر عن أئمة الهدى . ثم أورد هذه
الرواية .
ثم قال : هذا نص على اختياري في الارادة ، وفيه نص على مذهب لي آخر ، وهو
أن إرادة العبد تكون قبل فعله ، وإلى هذا ذهب البلخي ، والقول في تقدم الارادة للمراد
كالقول في تقدم القدرة للفعل ، وقوله عليه السلام : " إن الارادة من الخلق الضمير وما يبدولهم
بعد الفعل " صريح في وجوب تقدمها للفعل إذ كان الفعل يبدو من العبد بعدها ، ولو كان
الامر فيها على مذهب الجبائي لكان الفعل بادئا في حالها ولم يتأخر بدوه إلى الحال
التي هي بعد حالها .
5 - يد : في خبر الفتح بن يزيد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : إن لله إرادتين و
مشيئتين : إرادة حتم ، ( 1 ) وإرادة عزم ، ( 2 ) ينهي وهو يشاء ، ويأمر وهو لايشاء ، أو ما رأيت
الله نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك إذ لولم يشأ لم يأكلا ، ولو
أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة الله ، وأمر إبراهيم بذبح ابنه وشاء أن لايذبحه ، ولو لم يشأ
أن لا يذبحه لغلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله عزوجل . والخبر بإسناده أوردناه في باب
جوامع التوحيد .
بيان : قوله عليه السلام : وهو شاء ذلك ، قيل : أي علم ذلك ، ( 3 ) والاظهر أن يقال :
إنه لما لم يصرفهما عن إرادتهما وكلهما إلى اختيارهما للمصالح العظيمة فكأنه شاء
* ( هامش ) * ( 1 ) ولا يتخلف المراد عنها كما هو شأن إرادته بالنسبة إلى أفعال نفسه .
( 2 ) يمكن تخلف المراد عنها كما هو شأن إرادته تعالى بالنسبة إلى أفعال العباد .
( 3 ) ويؤيد ذلك ما حكى عن الفقه الرضوى من أنه قال عليه السلام : قد شاء الله من عباده المعصية
وما أراد ، وشاء الطاعة وأراد منهم لان المشيئة مشيئة الامر ومشيئة العلم ، وإرادته إرادة الرضا و
إرادة الامر ، أمر بالطاعة ورضى بها ، وشاء المعصية - يعنى علم من عباده المعصية - ولم يأمرهم بها . الخبر .
وقال الصدوق - بعد إيراد هذا الخبر - : إن الله تبارك و تعالى نهى آدم وزوجته عن أن ياكلا من الشجرة وقد
علم أنهما يأكلان منها ، لكنه عزوجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الاكل منها بالجبر والقدرة ، كما
منعهما من الاكل منهما بالنهى والزجر ، فهذا معنى مشيئته فيهما ، ولو شاء عزوجل منعهما من الاكل * ( * )
[140]
ذلك ( 1 ) وسيأتي القول في ذلك في كتاب العدل إن شاء الله .
6 - يد : الفامي ، عن محمد الحميري ، عن أبيه ، عن ابن عيسى ، عن أبيه ، عن ابن
أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبى عبدالله عليه السلام قال : إن من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن
أنكر قدرته فهو كافر .
7 - يد : ابن المتوكل ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن أبي إسحاق ، عن عدة
من أصحابنا أن عبدالله الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له : ألك رب ؟ فقال : بلى ،
قال : قادر ؟ قال : نعم قادر قاهر ، قال : يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لاتكبر
البيضة ولا تصغر الدنيا ؟ فقال هشام : النظرة فقال له : قد أنظرتك حولا ، ثم خرج عنه
فركب هشام إلى أبى عبدالله عليه السلام فاستأذن عليه فاذن له فقال : يا ابن رسول الله أتاني
عبدالله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك . فقال له أبو عبدالله عليه السلام :
عماذا سألك ؟ فقال : قال لي : كيت وكيت فقال أبو عبدالله عليه السلام : يا هشام كم حواسك ؟
قال : خمس . فقال : أيها أصغر ؟ فقال : الناظر قال : وكم قدر الناظر ؟ قال : مثل العدسة
أو أقل . منها فقال : يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى فقال : أرى سماءا
وأرضا ودورا وقصورا وترابا وجبالا وأنهارا . فقال له أبو عبدالله عليه السلام : إن الذي قدر
أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا
ولا تكبر البيضة ، فانكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال : حسبي يا ابن
رسول الله فانصرف إلى منزله ، وغدا عليه الديصاني ( 2 ) فقال له : يا هشام إني جئتك مسلما ،
* ( هامش ) * * بالجبر ثم أكلا منها لكانت مشيئتهما قد غلبت مشيئته كما قال الامام عليه السلام ، تعالى الله عن العجز
علوا كبيرا . انتهى .
أقول : ويمكن أن يوجه الخبر أيضا بأن إسناد مشيئة الاكل وعدم الذبح ونحوهما في أمثال تلك
الاخبار إلى الله تعالى اسناد للفعل إلى علته البعيدة ، فان العبد وقدرته لما كانت مخلوقة لله تعالى
فهو سبحانه علة بعيدة لافعاله ، فصح نسبة ذلك اليه بهذا الاعتبار ، كما هو الشأن في جميع العلل
الطولية ، فلذا ترى صحة اسناد البناء إلى البناء لانه كان يباشره ، والى الامر لانه أقدره على ذلك
ومكنه منه . وللحديث توجيهات اخرى لايسعنا ذكرها هنا .
( 1 ) الذى في الخبر هو تقسيم الارادة إلى تشريعية وتكوينية وسيجيئ إن شاء الله ، وأما ما استظهره
المصنف فهو انما يفيد التشبيه دون الحقيقة . ط
( 2 ) وفى نسخة : وغدا اليه الديصانى . ( * )
[141]
ولم أجئك متقاضيا للجواب ، فقال له هشام : إن كنت جئت متقاضيا فهاك الجواب ، فخرج
عنه الديصاني ، فأخبر أن هشاما دخل على أبي عبدالله عليه السلام فعلمه الجواب ، فمضى عبدالله
الديصاني حتى أتي باب أبي عبدالله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له ، فلما قعد قال له : يا
جعفر بن محمد دلني على معبودي ، فقال له أبو عبدالله عليه السلام : ما اسمك ؟ فخرج عنه ولم
يخبره باسمه ، فقال له أصحابه : كيف لم تخبره باسمك ؟ قال : لو كنت قلت له : عبدالله
كان يقول : من هذا الذي أنت له عبد ! فقالوا له : عد إليه فقل له . يدلك على معبودك
ولا يسألك عن اسمك فرجع إليه فقال له : يا جعفر دلني على معبودي ولاتسألني عن اسمي
فقال له أبو عبدالله عليه السلام : اجلس - وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها - فقال أبو عبدالله
عليه السلام : ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها فقال له أبو عبدالله عليه السلام : يا ديصاني هذا حصن
مكنون له جلد غليظ ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة
؟ وفضة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهب
المائعة هي على حالها لم يخرج منها مصلح فيخبر عن إصلاحها ، ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن
فسادها ، لا تدري للذكر خلقت أم للانثى يتفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبرا ؟
قال : فأطرق مليا ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا
عبده ورسوله ، وأنك إمام وحجة من الله على خلقه ، وأنا تائب مما كنت فيه .
بيان : يمكن أن يؤول هذا الخبر بوجوه :
الاول : - أن يكون غرض السائل أنه هل يجوز أن يحصل كبير في صغير بنحو
من أنحاء التحقق ، فأجاب عليه السلام بأن له نحوا من التحقق ، وهو دخول الصورة المحسوسة
المتقدرة بالمقدار الكبير بنحو الوجود الظلي في الحاسة أي مادتها الموصوفة بالمقدار
الصغير ، والقرينة على أنه كان مراده المعنى الاعم أنه قنع بالجواب ، ولم يراجع فيه
باعتراض .
الثاني : أن يكون المعنى أن الذي يقدر على أن يدخل ما تراه العدسة لا يصح أن
ينسب إلى العجز ، ولا يتوهم فيه أنه غير قادر على شئ أصلا ، وعدم قدرته على ما ذكرت
ليس من تلقاء قدرته لقصور فيها بل إنما ذلك من نقصان ما فرضته ، حيث إنه محال
[142]
ليس له حظ من الشيئية والامكان فالغرض من ذكر ذلك بيان كمال قدرته تعالى حتى
لايتوهم فيه عجز .
الثالث : أن المعنى أن ما ذكرت محال وما يتصور من ذلك إنما هو بحسب الوجود
الانطباعي وقد فعله فما كان من السؤال له محمل ممكن فهو تعالى قادر عليه ، وما أردت
من ظاهره فهو محال لايصلح لتعلق القدرة به .
الرابع - وهو الاظهر - : أن السائل لما كان قاصرا عن فهم ما هو الحق معاندا فلو
أجاب عليه السلام صريحا بعدم تعلق القدرة به لتشبث بذلك ولج وعاند ، فأجاب عليه السلام بجواب
متشابه له وجهان لعلمه عليه السلام بأنه لايفرق بين الوجود العيني والانطباعي ، ولذا قنع
بذلك ورجع ، كما أنه عليه السلام لما علم أنه عاجز عن الجواب عن سؤال الاسم أورده عليه
إفحاما له ، وإظهارا لعجزه عن فهم الامور الظاهرة ، ولما كان السائلون في الاخبار
الاخر الآتية قابلين لفهم الحق غير معاندين أجابوهم بما هو الحق الصريح . ثم اعلم أنه
على التقادير كلها يدل على أن الابصار بالانطباع ، وإن كان فيما سوى الثاني أظهر ، و
على الرابع يحتمل أيضا أن يكون إقناعيا مبنيا على المقدمة المشهورة لدى الجمهور
أن الرؤية بدخول المرئيات في العضو البصري ، فلا ينافي كون الابصار حقيقة بخروج
الشعاع .
8 - يد : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن ابن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي
ابن عبدالله ، عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن الله عزوجل
لا يوصف ، قال : وقال زرارة : قال أبوجعفر عليه السلام : إن الله عزوجل لا يوصف بعجز وكيف
يوصف وقد قال في كتابه : " وما قدروا الله حق قدره " ؟ فلا يوصف بقدرة إلا كان أعظم
من ذلك .
9 - يد : العطار ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عمن ذكره . عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : إن إبليس قال لعيسى بن مريم : أيقدر ربك على أن يدخل الارض
بيضة لاتصغر الارض ولاتكبر البيضة ؟ فقال عيسى . على نبينا وآله وعليه السلام : ويلك
إن الله لا يوصف بعجز ، ( 1 ) ومن أقدر ممن يلطف الارض ويعظم البيضة .
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : ان الله لا يوصف بالعجز . ( * )
[143]
10 - يد : ما جيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن علي بن أبي أيوب المدني ،
عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قيل لامير المؤمنين عليه السلام :
هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة ؟ قال :
إن الله تبارك وتعالى لاينسب إلى العجز ، والذي سألتني لايكون . ( 1 )
11 - يد : ابن مسرور ، عن ابن عامر ، عن عمه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن
عثمان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أيقدر الله
أن يدخل الارض في بيضة ولا تصغر الارض ولا تكبر البيضة ؟ فقال له : ويلك إن الله
لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممن يلطف الارض ويعظم البيضة ؟ .
12 - يد : ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده أحمد ، عن البزنطي قال : جاء رجل
إلى الرضا عليه السلام فقال : هل يقدر ربك أن يجعل السماوات والارض وما بينهما في بيضة ؟
قال : نعم وفي أصغر من البيضة ، وقد جعلها في عينك وهي أقل من البيضة ، لانك إذا
فتحتها عاينت السماء والارض وما بينهما ، ولو شاء لاعماك عنها .
13 - يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن أبي الخطاب ، عن البزنطي قال : جاء قوم من
وراء النهر إلى أبي الحسن عليه السلام فقالوا له : جئناك نسألك عن ثلاث مسائل ، فإن
أجبتنا فيها علمنا أنك عالم ، فقال : سلوا . فقالوا : أخبرنا عن الله أين كان ، وكيف كان ،
وعلى أي شئ كان اعتماده ؟ فقال : إن الله عزوجل كيف الكيف فهو بلا كيف ، وأين
الاين فهو بلا أين ، وكان اعتماده على قدرته فقالوا : نشهد أنك عالم .
قال الصدوق رحمه الله : يعنى بقوله : " وكان اعتماده على قدرته " أي على ذاته
لان القدرة من صفات ذات الله عزوجل . ثم قال الصدوق رحمه الله : من الدليل على أن
الله قادر أن العالم لما ثبت أنه صنع لصانع ، ولم نجد أن يصنع الشئ من ليس بقادر
عليه بدلالة أن المقعد لايقع منه المشي ، والعاجز لايتأتى له الفعل صح أن الذي صنعه
قادر ، ولو جاز غير ذلك لجاز منا الطيران مع فقد ما يكون به من الآلة ، ولصح لنا
* ( هامش ) * ( 1 ) لان القدرة تتعلق بما يصح حصوله ويمكن وجوده ، فما هو ممتنع وجوده ومتعذر حصوله
لا تتعلق به القدرة ، ولايصح أن يسئل عنه بأن الله قادر ان يفعله أم لا ؟ فاثبات عموم قدرته وتنزيه
ساحته عن العجز والقصور لا ينافى عدم امكان حصول تلك الامور ، وبالجملة فالنقص في القابل ، دون الفاعل . ( * )
[144]
الادراك وإن عدمنا الحاسة فلما كان إجازة هذا خروجا عن المعقول كان الاول مثله .
14 - يد : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن ابن اذينة ،
عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : المشيئة محدثة .
15 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن ابن أبان ، عن بكر بن صالح
عن ابن أسباط ، عن الحسن بن الجهم ، عن بكر بن أعين قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام :
علم الله ومشيئته هما مختلفان أم متفقان ؟ فقال : العلم ليس هو المشيئة ألاترى أنك تقول :
سأفعل كذا إن شاء الله ، ولا تقول : سأفعل كذا إن علم الله ، فقولك : إن شاء الله دليل على
أنه لم يشاء ، فإذا شاء ، كان الذي شاء كما شاء وعلم الله سابق للمشيئة .
بيان : لعل المراد المشيئة المتأخرة عن العلم الحادثة عند حدوث المعلوم ، و
قد عرفت أنه في الله تعالى ليس سوى الايجاد ، ومغائرته للعلم ظاهر . ويحتمل أن يكون
المقصود بيان عدم اتحاد مفهوميهما ، إذ ليست الارادة مطلق العلم إذ العلم يتعلق بكل
شئ بل هي العلم بكونه خيرا وصلاحا ونافعا ، ولاتتعلق إلا بما هو كذلك ، وفرق آخر
بينهما وهو أن علمه تعالى بشئ لا يستدعي حصوله بخلاف علمه به على النحو الخاص
فالسبق على هذا يكون محمولا على السبق الذاتي الذي يكون للعام على الخاص ،
والاول أظهر كما عرفت . ( 1 )
16 - يد : ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن
ابن حميد ، ( 2 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : لم يزل الله مريدا ؟ فقال : إن المريد لا
يكون إلا لمراد معه بل لم يزل عالما قادرا ثم أراد .
بيان : لما عرفت أن الارادة المقارنة للفعل ليس فيه تعالى إلا نفس الايجاد فهي
حادثة ، والعلم أزلي ، وقال بعض المحققين : أي لا يكون المريد بحال إلا حال كون المراد
* ( هامش ) * ( 1 ) قد عرفت دلالة الاخبار على أن المشيئة والارادة نفس المعلوم الخارجى واصراره مع
ذلك على كونها العلم بالصلاح والخير عجيب . ط
( 2 ) ضبطه العلامة في القسم الاول من الخلاصة بضم الحاء قال : عاصم بن حميد " بضم
الحاء " الحناط - بالنون - الحنفى أبوالفضل مولى ، كوفى ثقة ، عين صدوق ، روى عن أبى عبدالله
عليه السلام ص 62 . ( * )
[145]
معه ، ولا يكون مفارقا من المراد ، وحاصلة أن ذاته تعالى مناط لعلمه وقدرته أي صحة
الصدور واللاصدور ، بأن يريد فيفعل وأن لا يريد فيترك ، فهو بذاته مناط لصحة الارادة
وصحة عدمها فلا يكون بذاته مناطا للارادة وعدمها بل المناط فيها الذات مع حال
المراد فالارادة أي المخصصة لاحد الطرفين لم يكن من صفات الذات فهو بذاته عالم قادر
مناط لهما ، وليس بذاته مريدا مناطا لها ، بل بمدخلية مغائر متأخر عن الذات ، و
هذا معنى قوله : لم يزل عالما قادرا ثم أراد .
17 - كتاب زيد النرسي : قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : كان الله وهو لا يريد
بلا عدد أكثر مما كان مريدا .
18 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن اليقطيني ، عن الجعفري قال : قال الرضا
عليه السلام : المشيئة من صفات الافعال فمن زعم أن الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد .
19 - يد : ما جيلويه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن موسى بن عمر ، عن
ابن سنان ، عن أبي سعيد القماط قال : قال أبوعبد الله عليه السلام : خلق الله المشيئة قبل الاشياء
ثم خلق الاشياء بالمشيئة .
20 - يد : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن ابي
عبد الله عليه السلام قال : خلق الله المشيئة بنفسها ، ثم خلق الاشياء بالمشيئة .
بيان : هذا الخبر الذي هو من غوامض الاخبار يحتمل وجوها من التأويل :
الاول : أن لا يكون المراد بالمشيئة الارادة بل إحدى مراتب التقديرات التي
اقتضت الحكمة جعلها من أسباب وجود الشئ كالتقدير في اللوح مثلا والاثبات فيه ،


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 145 سطر 19 الى ص 153 سطر 18

فإن اللوح وما اثبت فيه لم يحصل بتقدير آخر في لوح سوى ذلك اللوح ، وإنما وجد
سائر الاشياء بما قدر في ذلك اللوح ، وربما يلوح هذا المعني من بعض الاخبار كما
سيأتي في كتاب العدل ، وعلى هذا المعنى يحتمل أن يكون الخلق بمعنى التقدير .
الثانى : أن يكون خلق المشيئة بنفسها كناية عن كونها لازمة لذاته تعالى غير
متوقفة على تعلق إرادة اخرى بها فيكون نسبة الخلق إليها مجازا عن تحققها بنفسها
منتزعة عن ذاته تعالى بلا توقف على مشيئة اخرى ، أو أنه كناية عن أنه اقتضى علمه
[146]
الكامل وحكمته الشاملة كون جميع الاشياء حاصلة بالعلم بالاصلح فالمعنى أنه لما
اقتضى كمال ذاته أن لا يصدر عنه شئ إلا على الوجه الاصلح والاكمل فلذا لا يصدر شئ
عنه تعالى إلا بإرادته المقتضية لذلك .
الثالث : ما ذكره السيد الداماد قدس الله روحه أن المراد بالمشيئة هنا مشيئة
العباد لافعالهم الاختيارية لتقدسه سبحانه عن مشيئة مخلوقة زائدة على ذاته عزو
جل ، وبالاشياء أفاعيلهم المترتب وجودها على تلك المشيئة ، وبذلك تنحل شبهة ربما
اوردت ههنا وهي أنه لو كانت أفعال العباد مسبوقة بإرادتهم لكانت الارادة مسبوقة
بإرادة اخرى وتسلسلت الارادات لا إلى نهاية .
الرابع : ما ذكره بعض الافاضل وهو أن للمشيئة معنيين : أحدهما متعلق بالشائي
وهي صفة كمالية قديمة هي نفس ذاته سبحانه وهي كون ذاته سبحانه بحيث يختار ما
هو الخير والصلاح ، والآخر يتعلق بالمشيئ وهو حادث بحدوث المخلوقات لا يتخلف
المخلوقات عنه ، وهو إيجاده سبحانه إياها بحسب اختياره ، وليست صفة زائدة على
ذاته عزوجل وعلى المخلوقات بل هي نسبة بينهما تحدث بحدوث المخلوقات لفرعيتها
المنتسبين معا .
فنقول : إنه لما كان ههنا مظنة شبهة هي أنه إن كان الله عزوجل خلق الاشياء
بالمشيئة فبم خلق المشيئة أبمشيئة اخرى ؟ فيلزم أن تكون قبل كل مشيئة مشيئة إلى مالا
نهاية له فأفاد الامام عليه السلام أن الاشياء مخلوقة بالمشيئة ، وأما المشيئة نفسها فلايحتاج خلقها
إلى مشيئة اخرى بل هي مخلوقة بنفسها لانها نسبة وإضافة بين الشائي والمشيئ تتحصل
بوجوديهما العيني والعلمي ، ولذا أضاف خلقها إلى الله سبحانه لان كلا الوجودين له
وفيه ومنه ، وفي قوله عليه السلام : بنفسها دون أن يقول : بنفسه إشارة لطيفة إلى ذلك ، نظير
ذلك ما يقال : إن الاشياء إنما توجد بالوجود فأما الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود
آخر بل إنما يوجد بنفسه .
الخامس : ما ذكره بعض المحققين بعد ما حقق أن إرادة الله المتجددة هي نفس
أفعاله المتجددة الكائنة الفاسدة فإرادته لكل حادث بالمعنى الاضافي يرجع إلى
[147]
إيجاده ، وبمعنى المرادية ترجع إلى وجوده قال : نحن إذا فعلنا شيئا بقدرتنا واختيارنا
فأردناه أولا ثم فعلناه بسبب الارادة نشأت من أنفسنا بذاتها لابإرادة اخرى وإلا
لتسلسل الامر لا إلى نهاية فالارادة مرادة لذاتها ، والفعل مراد بالارادة ، وكذا الشهوة
في الحيوان مشتهاة لذاتها لذيذة بنفسها ، وسائر الاشياء مرعوبة بالشهوة فعلى هذا المثال
حال مشيئة الله المخلوقة ، وهي ونفس وجودات الاشياء فإن الوجود خير ومؤثر لذاته
ومجعول بنفسه ، والاشياء بالوجود موجودة والوجود مشيئ بالذات ، والاشياء مشيئة
بالوجود وكما أن الوجود حقيقة واحدة متفاوتة بالشدة والضعف والكمال والنقص
فكذا الخيرية والمشيئة ، وليس الخير المحض الذي لايشوبه شر إلا الوجود البحت
الذي لا يمازجه عدم ونقص ، وهو ذات الباري جل مجده ، فهو المراد الحقيقي . إلى
آخر ما حققه .
والاوفق باصولنا هو الوجه الاول كما سيظهر لك في كتاب العدل ، وسيأتي بعض
الاخبار المناسبة لهذا الباب هناك . وخبر سليمان المروزي في باب احتجاجات الرضا
عليه السلام ، وسنورد هناك بعض ما تركنا ههنا إن شاء الله تعالى ، وقد مر بعضها في باب نفي
الجسم والصورة ، وباب نفي الزمان والمكان .
} باب 5 {
} أنه تعالى خالق كلشئ ، وليس الموجد والمعدم الا الله تعالى {
} وأن ما سواه مخلوق {
الايات : الرعد " 13 " قل الله خالق كل شئ 16
المؤمنين " 23 " فتبارك الله أحسن الخالقين 14
الزمر " 39 " الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل * له مقاليد السموات
والارض 62 - 63
1 - يد : في خبر الفتح بن يزيد الجرجاني : قلت لابي الحسن عليه السلام : هل غير الخالق
الجليل خالق ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : " تبارك الله أحسن الخالقين " فقد أخبر
[148]
أن في عباده خالقين وغير خالقين ، منهم عيسى صلى الله عليه خلق من الطين كهيئة الطير
بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله ، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار .
بيان : لاريب في أن خالق الاجسام ليس إلا الله تعالى . وأما الاعراض فذهبت
الاشاعرة إلى أنها جميعا مخلوقة لله تعالى وذهبت الامامية والمعتزلة إلى أن أفعال
العباد وحركاتهم واقعة بقدرتهم واختيارهم فهم خالقون لها . ( 1 )
وما في الآيات من أنه تعالى خالق كل شئ وأمثالها فإما مخصص بما سوى أفعال
العباد ، أو مؤول بأن المعنى أنه خالق كل شئ إما بلا واسطة أو بواسطة مخلوقاته ،
وأما خلق عيسى عليه السلام فذهب الاكثر إلى أن المراد به التقدير والتصوير ، ويظهر من
الخبر أن تكون الهيئة العارضة للطير من فعله - على نبينا وآله وعليه السلام - ومخلوقا له ،
ولااستبعاد فيه ، وإن أمكن أن يكون نسبة الخلق إليه لكونه معدا لفيضان الهيئة
والصورة ، كما تقوله الحكماء ، وكذا السامري ، وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب
العدل إن شاء الله تعالى .
2 - يد : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن
بشر ، ( 2 ) عن محمد بن جمهور العمي ، ( 3 ) عن محمد بن الفضيل بن يسار ، عن عبدالله بن سنان ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال : في الربوبية العظمى والالهية الكبرى لا يكون الشئ
لامن شئ إلا الله ، ولا ينقل الشئ من جوهريته إلى جوهر آخر إلا الله ، ولا ينقل الشئ
من الوجود إلى العدم إلا الله .
* ( هامش ) * ( 1 ) أما المعتزلة فهم لا يبالون بامثال هذا الشرك الظاهر وأما الامامية فهم تبعة أئمة أهل البيت
عليهم السلام وحاشاهم عن القول بذلك وانك لاتجد حتى في خبر واحد صحيح منهم القول بان مع الله
الخالق لكل شئ خالقا اخر لالذات ولالفعل بالمعني المتنازع فيه وهو الايجاد ، بل الاخبار المتكاثرة
يصرح بخلافه . ط
( 2 ) لعل صحيحه أحمد بن بشير بقرينة رواية سهل عنه ، فيكون أحمد بن بشير البرقى ، ذكر الشيخ
في رجاله تضعيفه عن ابن بابويه ، والا فمجهول .
( 3 ) بالعين المهملة ، قال النجاشى في ترجمة ابنه : ينسب إلى بنى العم من تميم ، أطبق الرجاليون
على ضعفه وغلوه . ( * )
[149]
بيان : أي في علم الربوبية والالهية ، والكلام فيه كالكلام فيما سبق ، وذهب
بعض الحكماء إلى أن المؤثر في عالم الوجود ليس إلا الرب تعالى ، وأما غيره فإنما هم
شرائط معدة لافاضته ، قال " بهمنيار " في التحصيل : فإن سألت الحق فلا يصح أن يكون
علة الوجود إلا ما هو برئ من كل وجه عن معنى ما بالقوة ، وهذا هو صفة الاول لاغير
انتهى . ( 1 ) وقد بينا ما هو الحق عند الفرقة المحقة سابقا .
3 - يد ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن النضر ، عن يحيى
الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن الله تبارك
وتعالى خلو ( 2 ) من خلقه وخلقه خلومنه ، وكل ما وقع عليه اسم شئ ماخلا الله عزوجل
فهو مخلوق ، والله خالق كل شئ ، تبارك الذى ليس كمثله شئ .
يد : حمزة بن محمد العلوي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن
عطية ، عن خيثمة ، ( 3 ) عن أبي جعفر عليه السلام مثله إلى قوله : خالق كل شئ .
4 - يد : ما جيلويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي
المغرا رفعه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه وخلقه خلو منه ،
وكل ما وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله عزوجل
* ( هامش ) * ( 1 ) ومراده أن الله سبحانه خالق للذوات ، والانسان خالق للافعال ، وانما قال بذلك من قال
فرارا عن محذور الجبر فوقع في محذور التفويض وقد أشرنا في الحاشية السابقة أن مذهب أئمة أهل
البيت خلاف ذلك ، وأما محذور الجبر فسيجيئ في أخبار الجبر والتفويض أن الذي قام عليه البرهان
وأطبق عليه الكتاب والسنة وهو مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام خلاف القولين جميعا . ط
( 2 ) الخلو بكسر الخاء : الخالى ، يقال : فلان خلو من كذا أى حال برئ منه ، والمراد أن بينه
وبين خلقه مباينة في الذات والصفات ، لا يتصف واحد منهما بصفة الاخر ، ولايشركه في ذاته ، لانه
تعالى وجود صرف لا ماهية له ، ولا يتصف بالعجز والنقص ، والخلق ماهيات ظلمانية ، مشوبات
بالجهل والعجز والنقص . اقول : تقدم الحديث في باب النهي عن التفكر في ذات الله تعالى " ج 3 ح 20 "
مع شرح من المصنف
( 3 ) بضم الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة وفتح المثلثة والميم والهاء . حكى عن جامع الرواة
للفاضل الاردبيلى أن خيثمة هذا هو خيثمة بن عبد الرحمن الجعفى الكوفى ، وحكى العلامة في
القسم الاول من الخلاصة عن على بن أحمد العقيقى أنه كان فاضلا ، ثم قال : وهذا لا يقتضى التعديل
وان كان من المرجحات . ( * )
[150]
5 - ثو : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي العلاء
عن أبي خالد الصيقل ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله عز وجل فوض الامر إلى ملك
من الملائكة فخلق سبع سماوات وسبع أرضين وأشياء ، فلما رأى الاشياء قد انقادت له
قال : من مثلي ؟ فأرسل الله عزوجل نويرة من نار . قلت : وما نويرة من نار ؟ قال :
نار بمثل أنملة . قال : فاستقبلها بجميع ما خلق فتحللت لذلك ( 1 ) حتى وصلت إليه لما
أن دخله العجب .
بيان : لعل المراد بخلق الملك أن الله تعالى خلقها عند إرادة الملك كما سنحقق
في المعجزة .
} باب 6 {
} كلامه تعالى ومعنى قوله تعالى : " قل لو كان البحر مدادا " الاية {
1 - ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن
الطيالسي ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول : لم يزل الله جل اسمه عالما بذاته ولا معلوم ، ولم يزل قادرا بذاته ولا مقدور
قلت : جعلت فداك فلم يزل متكلما ؟ قال : الكلام محدث ، كان الله عزوجل وليس بمتكلم
ثم أحدث الكلام .
بيان : اعلم أنه لاخلاف بين أهل الملل في كونه تعالى متكلما لكن اختلفوا
في تحقيق كلامه وحدوثه وقدمه فالامامية قالوا : بحدوث كلامه تعالى ، وأنه مؤلف
من أصوات وحروف ، وهو قائم بغيره ومعنى كونه تعالى متكلما عندهم أنه موجد
تلك الحروف والاصوات في الجسم كاللوح المحفوظ أو جبرئيل أو النبي صلى الله عليه واله أو غيرهم
كشجرة موسى ، وبه قالت المعتزلة أيضا ، والحنابلة ذهبوا إلى أن كلامه تعالى حروف
وأصوات وهي قديمة ، بل قال بعضهم : بقدم الجلد والغلاف أيضا ، والكرامية ذهبوا
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فتخللت ذلك . ( * )
[151]
إلى أن كلامه تعالى صفة له مؤلفة من الحروف والاصوات الحادثة القائمة بذاته
تعالى . والاشاعرة أثبتوا الكلام النفسي وقالوا : كلامه معنى واحد بسيط قائم بذاته
تعالى ، قديم ، وقد قامت البراهين على إبطال ما سوى المذهب الاول ، وتشهد البديهة
ببطلان بعضها ، وقد دلت الاخبار الكثيرة على بطلان كل منها ، وقد تقدم بعضها و
سيأتي بعضها في كتاب القرآن ، نعم القدرة على إيجاد الكلام قديمة غير زائدة على الذات ،
وكذا العلم بمدلولاتها ، وظاهر أن الكلام غيرهما
2 - فس : جعفر بن أحمد ، عن عبيد الله بن موسى ، عن ابن البطائني ، عن أبيه ،
عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " خالدين فيها لايبغون عنها حولا " قال :
" خالدين فيها " لا يخرجون منها " ولا يبغون عنها حولا " قال : لا يريدون بها بدلا .
قلت : قوله : " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي
ولو جئنا بمثله مددا " قال : قد أخبرك أن كلام الله ليس له آخر ولاغاية ولا ينقطع أبدا .
قلت : قوله : " إن الذين آمنوا ، وعملو الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " قال :
هذه نزلت في أبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر جعل الله لهم جنات الفردوس
نزلا مأوى ومنزلا . قال : ثم قال : قل يا محمد : " إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي أنما
إلهكم إله واحد فمن كان يرجولقاء ربه فيلعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا "
فهذا الشرك شرك رياء .
3 - ج : سأل يحيى بن أكثم أبا الحسن عليه السلام عن قوله تعالى : " سبعة أبحر ما نفدت
كلمات الله " ماهي ؟ فقال : هي عين الكبريت ، وعين اليمن ، وعين البرهوت ، ( 1 ) وعين
الطبرية ، وحمة ما سيدان ، ( 2 ) وحمة إفريقية ، وعين باجوران ، ( 3 ) ونحن الكلمات التي
لاتدرك فضائلها ( 4 ) ولا تستقصى
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الفيروز آبادى : البرهوت كحلزون : واد أو بئر بحضر موت .
( 2 ) الحمة بفتح الحاء وفتح الميم المشددة : العين الحارة ، الماء الذى يستشفى بها الاعلاء .
( 3 ) في نسخة باحروان ، وفى اخرى باحوران ، وفى الاحتجاج المطبوع : باجروان . والمراد
بأبى الحسن على بن محمد الهادى عليه السلام .
( 4 ) في نسخة من الكتاب وفى الاحتجاج المطبوع : لا تدرك فضائلنا . ( * )
[152]
4 - : عن صفوان بن يحيى قال : سأل أبوقرة المحدث عن الرضا عليه السلام فقال :
أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى فقال : ألله أعلم بأي لسان كلمه بالسريانية
أم بالعبرانية ، فأخذ أبوقرة بلسانه فقال : إنما أسألك عن هذا اللسان فقال أبوالحسن
عليه السلام : سبحان الله مما تقول " ومعاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم بمثل ما هم متكلمون ،
ولكنه تبارك وتعالى ليس كمثله شئ ، ولا كمثله قائل فاعل . قال : كيف ذلك ؟ قال :
كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق ، ولا يلفظ بشق فم ولسان ، ولكن
يقول له : " كن " فكان بمشيئته ما خاطب به موسى من الامر والنهي من غير تردد في نفس .
الخبر .
أقول : قد أثبتنا بعض أخبار هذا الباب في باب صفات الذات والافعال ، وباب
نفي الجسم والصورة ، وباب نفي الزمان والمكان .
[153]
} ابواب أسمائه تعالى {
} وحقائقها وصفاتها ومعانيها {
} باب 1 {
} المغايرة بين الاسم والمعنى وان المعبود هو المعنى والاسم حادث {
1 - ج : عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فسأله
رجل فقال : أخبرني عن الرب تبارك وتعالى أله أسماء وصفات في كتابه ؟ وهل أسماؤه
وصفاته هي هو ؟ فقال أبوجعفر عليه السلام : إن لهذا الكلام وجهين : إن كنت تقول هي هو
أنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك ، وإن كنت تقول هذه الاسماء والصفات لم تزل
فإنما لم تزل محتمل معنيين ( 1 ) فإن قلت : لم تزل عنده في علمه وهو يستحقها ( 2 ) فنعم
وإن كنت تقول : لم يزل صورها وهجاؤها ( 3 ) وتقطيع حروفها فمعاذ الله أن يكون معه
شئ غيره بل كان الله تعالى ذكره ولا خلق ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها
إليه ويعبدونه وهي ذكره ، وكان الله سبحانه ولا ذكر ، والمذكور بالذكر هو الله القديم
الذي لم يزل ، والاسماء والصفات مخلوقات ( 4 ) والمعني بها هو الله الذي لا يليق به
الاختلاف ولا الايتلاف ، وإنما يختلف ويأتلف المتجزي ، ولا يقال له : قليل ولاكثير ، ( 5 )
ولكنه القديم في ذاته لان ما سوى الواحد متجزئ ، والله واحد لا متجزئ ولا متوهم
بالقلة والكثرة ، وكل متجزئ أو متوهم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دال على خالق له
فقولك : إن الله قدير خبرت أنه لا يعجزه شئ فنفيت بالكلمة العجز وجعلت العجز
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فان لم تزل محتمل معنيين .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 153 سطر 19 الى ص 161 سطر 18

( 2 ) في الكافي والتوحيد : وهو مستحقها
( 3 ) في الكافى والتوحيد : لم يزل تصويرها وهجاؤها .
( 4 ) في التوحيد : والصفات مخلوقات المعانى . وفى الكافى : والاسماء والصفات مخلوقات
والمعانى .
( 5 ) في التوحيد والكافي : فلا يقال : الله مؤتلف ، ولا الله كثير ، ولا قليل .
[154]
سواه ، وكذلك قولك : عالم إنما نفيت بالكلمة الجهل وجعلت الجهل سواه ، فإذا أفنى
الله الاشياء أفني الصورة والهجاء والتقطيع فلا يزال من لم يزل عالما .
فقال الرجل : فكيف سمينا ربنا سميعا ؟ فقال : لانه لا يخفى عليه ما يدرك
بالاسماع ، ولم نصفه بالسمع المعقول في الراس . وكذلك سميناه بصيرا لانه لا يخفى
عليه ما يدرك بالابصار من لون أو شخص أو غير ذلك ، ولم نصفه ببصر طرفة العين ( 1 ) .
وكذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشئ اللطيف مثل البعوضة وما هو أخفى من ذلك ، و
موضع المشي منها ، ( 2 ) والعقل والشهوة للسفاد والحدب على أولادها ، ( 3 ) وإقامة بعضها
على بعض ، ( 4 ) ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والاودية والقفار
فعلمنا بذلك أن خالقها لطيف بلا كيف إذا لكيفية للمخلوق المكيف . وكذلك سمينا
ربنا قويا بلا قوة البطش المعروف من الخلق ، ولو كان قوته قوة البطش المعروف من
الخلق لوقع التشبيه واحتمل الزيادة ، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان ، وما كان ناقصا
كان غير قديم وما كان غير قديم كان عاجزا ، فربنا تبارك وتعالى لاشبه له ولاضد ولاند ،
ولا كيفية ولا نهاية ولا تصاريف ( 5 ) محرم على القلوب أن تحتمله ، ( 6 ) وعلى الاوهام أن
تحده ، وعلى الضمائر أن تصوره ، ( 7 ) عزوجل عن أداة خلقه وسمات بريته ، ( 8 ) وتعالى
عن ذلك علوا كبيرا . ( 9 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في التوحيد : ولم نصفه بنظر لحظة العين وفى الكافي : ببصر لحظة العين .
( 2 ) في الكافي : وموضع النشوء منها . وفى التوحيد : مثل البعوضة وأحقر من ذلك وموضع
الشق منها .
( 3 ) في الكافي والتوحيد : على نسلها . قلت : حدب عليه : تعطف . والسفاد بكسر السين : نزو
الذكر على الانثى .
( 4 ) في التوحيد : وإفهام بعضها عن بعض .
( 5 ) في الكافى : ولا تبصار بصر .
( 6 ) في الكافي والتوحيد : محرم على القلوب أن تمثله .
( 7 ) في الكافي : أن تكونه . وفى التوحيد : أن تكيفه .
( 8 ) السمة كعدة : العلامة .
( 9 ) أورده الكلينى في الكافى في باب معانى الاسماء واشتقاقها باسناده عن محمد بن أبى عبدالله
رفعه إلى أبي هاشم الجعفرى . ( * )
[155]
يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن محمد بن بشر ، عن الجعفري مثله .
ايضاح : اعلم أن المتكلمين اختلفوا في أن الاسم هل هو عين المسمى أو غيره ،
فذهب أكثر الاشاعرة إلى الاول ، والامامية والمعتزلة إلى الثاني ، وقد وردت هذه
الاخبار ردا على القائلين بالعينية ، وأول بعض المتأخرين كلامهم لسخافته وإن كانت
كلماتهم صريحة فيما نسب إليهم . قال شارح المقاصد : الاسم هو اللفظ المفرد الموضوع
للمعنى على مايعم أنواع الكلمة ، وقد يقيد بالاستقبال والتجرد عن الزمان فيقابل
الفعل والحروف على ما هو مصطلح النحاة ، والمسمى هو المعنى الذي وضع الاسم بإزائه
والتسمية هو وضع الاسم للمعنى ، وقدير ادبها ذكر الشئ باسمه كما يقال : يسمى زيدا
ولم يسم عمروا ، فلاخفاء في تغاير الامور الثلاثة ، وإنما الخفاء فيما ذهب إليه بعض
أصحابنا من أن الاسم نفس المسمى ، وفيما ذكره الشيخ الاشعري من أن أسماء الله
تعالى ثلاثة أقسام : ما هو نفس المسمى ، مثل " الله " الدال على الوجود أي الذات ، وما هو
غيره " كالخالق والرازق " ونحو ذلك مما يدل على فعل ، ومالا يقال إنه هو ولا غيره " كالعالم
والقادر " وكل ما يدل على الصفات . وأما التسمية فغير الاسم والمسمى ، وتوضيحة
أنهم يريدون بالتسمية اللفظ ، وبالاسم مدلوله كما يريدون بالوصف قول الواصف ،
وبالصفة مدلوله ، وكما يقولون : إن القراءة حادثة والمقر وقديم إلا أن الاصحاب
اعتبروا المدلول المطابقي فأطلقوا القول بأن الاسم نفس المسمي للقطع بأن مدلول
الخالق شئ ماله الخلق لانفس الخلق ، ومدلول العالم شئ ماله العلم لانفس العلم ، و
الشيخ أخذ المدلول أعم واعتبر في أسماء الصفات المعاني المقصودة فزعم أن مدلول الخالق
الخلق وهو غير الذات ، ومدلول العالم العلم وهو لاعين ولاغير . انتهى .
فإذا عرفت هذا فاعلم أن الظاهر أن المراد بالاسماء الاسماء الدالة على الذات
من غير ملاحظة صفة ، وبالصفات ما يدل على الذات متصفا بصفة ، واستفسر عليه السلام مراد
السائل وذكر محتملاته وهي ثلاثة ، وينقسم بالتقسيم الاول إلى احتمالين لان المراد
إما معناه الظاهر ، أومؤول بمعني مجازي لكون معناه الظاهر في غاية السخافة .
الاول : أن يكون المراد كون كل من تلك الاسماء والحروف المؤلفة المركبة عين
[156]
ذاته تعالى ، وحكم بأنه تعالى منزه عن ذلك لاستلزامه تركيبه وحدوثه وتعدده كما
سيأتي - تعالى الله عن ذلك - .
الثانى : أن يكون قوله : " هي هو " كناية عن كونها دائما معه في الازل فكأنها
عينه ، وهذا يحتمل معنيين : الاول أن يكون المراد أنه تعالى كان في الازل مستحقا
لاطلاق تلك الاسماء عليه ، وكون تلك الاسماء في علمه تعالى من غير تعدد في ذاته
تعالى وصفاته ، ومن غير أن يكون معه شئ في الازل فهذا حق ، والثاني أن يكون المراد
كون تلك الاصوات والحروف المؤلفة دائما معه في الازل فمعاذ الله أن يكون معه غيره
في الازل ، وهذا صريح في نفي تعدد القدماء ولايقبل التأويل ثم أشار عليه السلام إلى حكمة
خلق الاسماء والصفات بأنها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ويعبدونه ، وهي
ذكره " بالضمير " اي يذكربها ، والمذكور بالذكر قديم ، والذكر حادث ، ومنهم من
قرأ " بالتاء " قال الجوهري : الذكر والذكئرى : نقيض النسيان ، وكذلك الذكرة . انتهى .
قوله عليه السلام : والاسماء والصفات مخلوقات ههنا النسخ مختلفة ، ففي التوحيد
" مخلوقات المعاني " أي معانيها اللغوية ومفهوماتها الكلية مخلوقة ، وفي الاحتجاج ليس
لفظ المعاني أصلا ، وفي الكافي " والمعاني " بالعطف ، فالمراد بها إما مصداق مدلولاتها ، و
يكون قوله : والمعني بها عطف تفسير له ، أوهي معطوفة على الاسماء أي والمعاني وهي
حقائق مفهومات الصفات مخلوقة ، أو المراد بالاسماء الالفاظ وبالصفات ما وضع ألفاظها
له ، وقوله : مخلوقات والمعاني خبران لقوله : الاسماء والصفات أي الاسماء مخلوقات
والصفات هي المعاني
وقوله : والمعني بها هو الله أي المقصود بها المذكور بالذكر ، ومصداق تلك المعاني
المطلوب بها هو ذات الله ، والمراد بالاختلاف تكثر الافراد ، أو تكثر الصفات أو الاحوال
المتغيرة ، أو اختلاف الاجزاء وتباينها بحسب الحقيقة أو الانفكاك والتحلل ، وبالايتلاف
التركب من الاجزاء أو الاجزاء المتفقة الحقائق .
قوله عليه السلام : فإذا أفنى الله الاشياء استدلال على مغايرته تعالى للاسماء وهجاها
وتقطيعها والمعاني الحاصلة منها في الاذهان من جهة النهاية كما أن المذكور سابقا كان
[157]
من جهة البداية ، والحاصل أن عمله تعالى ليس عين قولنا : " عالم " وليس اتصافه تعالى
به متوقفا على التكلم بذلك ، وكذا الصور الذهنية ليست عين حقيقة ذاته وصفاته تعالى
وليس اتصافه تعالى بالصفات متوقفا على حصول تلك الصور إذ بعد فناء الاشياء تفني
تلك الامور مع بقائه تعالى متصفا بجميع الصفات الكمالية كما أن قبل حدوثها
كان متصفا بها .
ثم اعلم أن المقصود مما ذكر في هذا الخبر وغيره من أخبار البابين هو نفي تعقل
كنه ذاته وصفاته تعالى ، وبيان أن صفات المخلوقات مشوبة بأنواع العجز ، والله تعالى
متصف بها معرى من جهات النقص والعجز كالسمع فإنه فينا هو العلم بالمسموعات
بالحاسة المخصوصة ، ولما كان توقف علمنا على الحاسة لعجزنا ، وكان حصولها
لنا من جهة تجسمنا وإمكاننا ونقصنا ، وأيضا ليس علمنا من ذاتنا لعجزنا ، وعلمنا
حادث لحدوثنا ، وليس علمنا محيطا بحقائق ما نسمعه كما هي لقصورنا عن
الاحاطة ، وكل هذه نقائص شابت ذلك الكمال فقد أثبتنا له تعالى ما هو الكمال وهو
أصل العلم ، ونفينا عنه جميع تلك الجهات التي هي من سمات النقص والعجز ، ولما
كان علمه تعالى غير متصور لنا بالكنه ، وأنا لما رأينا الجهل فينا نقصا نفيناه عنه فكأنا
لم نتصور من علمه تعالى إلا عدم الجهل ، فاثباتنا العلم له تعالى إنما يرجع إلى نفي
الجهل لانا لم نتصور علمه تعالى إلا بهذا الوجه ، وإذا تدبرت في ذلك حق التدبر
وجدته نافيا لما يدعيه جماعة عن الاشتراك اللفطي في الوجود وسائر الصفات لامثبتا
له وقد عرفت أن الاخبار الدالة على نفي التعطيل ينفي هذا القول ، وقد سبق تفسير
بعض أجزاء الخبر فيما سبق فلا نعيده .
2 - ج : عن هشام بن الحكم قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أسماء الله عز ذكره
واشتقاقها فقلت : " الله " مما هو مشتق ؟ قال : يا هشام " الله " مشتق من إله ، وإله يقتضي
مألوها ، والاسم غير المسمى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن
عبد الاسم والمعنى فقد كفر ( 1 ) وعبد اثنين ، ومن عبد المعني دون الاسم فذلك التوحيد ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في التوحيد والكافى : فقد أشرك . ( * )
[158]
أفهمت يا هشام ؟ قال : فقلت زدني فقال : " إن الله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما فلو كان
الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها ، ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الاسماء
وكلها غيره ، يا هشام الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس
والنار اسم للمحرق أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتفاضل أعداءنا ( 1 ) والمتخذين
مع الله عزوجل غيره ؟ قلت : نعم . قال : فقال : نفعك الله به وثبتك . قال هشام : فو الله
ما قهرني أحد في علم التوحيد حتى قمت مقامي هذا .
يد : ابن عصام ، والدقاق ، عن الكليني ، عن علي ، عن أبيه ، عن النضر ، عن هشام
مثله .
بيان : هذا الخبر يدل على أن لفظ الجلالة مشتق ، وقد سبق الكلام فيه في باب
التوحيد ، وقوله : الله مشتق من إله إما اسم على فعال بمعنى المفعول أي المعبود أو
غيره من المعاني التي تقدم ذكرها ، أو فعل بمعني عبد أو نحوه ، والظاهر أنه ليس المقصود
أو لا الاستدلال على المغايرة بين الاسم والمسمى ، بل المعنى أن هذا اللفظ بجوهره يدل
على وجود معبود يعبد . ثم بين أنه لا يجوز عبادة اللفظ بوجه ، ثم استدل على المغايرة
بين الاسم والمسمى . ويحتمل أن يكون استدلالا بأن هذا اللفظ يدل على معنى والدال
غير المدلول بديهة ، وعلى هذا يحتمل أن يكون ما يذكر بعد ذلك تحقيقا آخر لبيان
ما يجب أن يقصد بالعبادة ، وأن يكون تتمة لهذا الدليل تكثيرا للايراد وإيضاحا لما
يلزمهم من الفساد بأن يكون المعنى أن العقل لما حكم بالمغايرة فمن توهم الاتحاد
إن جعل هذه الحروف معبودا بتوهم أن الذات عينها فلم يعبد شيئا أصيلا ، إذ ليس لهذه
الاسماء بقاء واستمرار وجود إلا بتبعية النقوشش في الالواح أو الاذهان ، وإن جعل المعبود
مجموع الاسم والمسمى فقد أشرك وعبد مع الله غيره ، وإن عبد الذات الخالص فهو
* ( هامش ) * ( 1 ) تناضل القوم : تباروا وتسابقوا في النضال ، وتراموا للسبق ، والمراد هنا التسابق في الحجاج
والجدل . وفى الكافى : تناقل أعداءنا قلت : ناقلته الحديث : حدثته وحدثنى . وناقل الشاعر
الشاعر : ناقلة ، وفي التوحيد : تنافر أعداءنا والملحدين في الله والمشركين مع الله عزوجل غيره .
قلت : نافره اى حاكمه ، ويقال : نافرته إلى القاضى فنفرنى عليه : أى حاكمته إلى القاضي فقضى لى
عليه بالغلبة . ( * )
[159]
التوحيد ، وبطل الاتحاد بين الاسم والمسمى ، والاول أظهر . ويحتمل أن يكون
المراد بالمألوه من له الاله ، كما يظهر من بعض الاخبار أنه يستعمل بهذا المعني كقوله
عليه السلام : كان إلها إذ لامألوه ، وعالما إذ لامعلوم ، فالمعنى أن الاله يقتضي نسبة إلى غيره
ولا يتحقق بدون الغير ، والمسمي لاحاجة له إلى غيره فالاسم غير المسمى .
ثم استدل عليه السلام على المغايرة بوجهين آخرين : الاول أن لله تعالى أسماءا متعددة
فلو كان الاسم عين المسمى لزم تعدد الآلهة ، لبداهة مغايرة تلك الاسماء بعضها
لبعض قوله : ولكن الله أي ذاته تعالى لاهذا الاسم . الثاني أن الخبز اسم لشئ يحكم
عليه بأنه مأكول ، ومعلوم أن هذا اللفظ غير مأكول ، وكذا البواقي .
وقيل : إن المقصود من أول الخبر إلى آخره بيان المغايرة بين المفهومات العرضية
التي هي موضوعات تلك الاسماء وذاته تعالى الذي هو مصداق تلك المفهومات ، فقوله
عليه السلام : والاله يقتضي مألوها معناه أن هذا المعنى المصدري يقتضي أن يكون في الخارج
موجود هو ذات المعبود الحقيقي ليدل على أن مفهوم الاسم غير المسمى ، والحق تعالى
ذاته نفس الوجود الصرف بلامهية اخرى ، فجميع مفهومات الاسماء والصفات خارجة
عنه فصدقها وحملها عليه ليس كصدق الذاتيات على الماهية - إذ الماهية له كلية - ولا
كصدق العرضيات - إذ لاقيام لافرادها بذاته تعالى - ولكن ذاته تعالى بذاته الاحدية
البسيطة مما ينتزع منه هذه المفهومات وتحمل عليه فالمفهومات كثيرة والجميع غيره
فيلزم من عينية تلك المفهومات تعدد الآلهة . وقوله عليه السلام : الخبز اسم للمأكول
حجة اخرى على ذلك فإن مفهوم المأكول اسم لما يصدق عليه كالخبز ، ومفهوم المشروب
يصدق على الماء ، ومفهوم الملبوس على الثوب ، والمحرق على النار ، ثم إذا نظرت إلى كل
من هذه المعاني في أنفسها وجدتها غير محكوم عليها بأحكامها فإن معنى المأكول غير
مأكول إنما المأكول شئ آخر كالخبز ، وكذا البواقي ولايخفى مافيه .
3 - يد ، مع ، ن : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد الله ، عن
محمد بن عبدالله ، وموسى بن عمرو ، والحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن محمد بن سنان قال
سألت الرضا عليه السلام عن الاسم ما هو ؟ قال : صفة لموصوف
[160]
بيان : أي سمة وعلامة تدل على ذات فهي غير الذات ، أو المعنى أن أسماء الله تعالى
تدل على صفات تصدق عليه ، ويحتمل أن يكون المراد بالاسم هنا ما أشرنا إليه سابقا
أي المفهوم الكلي الذي هو موضوع اللفظ .
4 - ج : سئل أبوالحسن علي بن محمد عليهما السلام عن التوحيد فقيل له : لم يزل الله وحده
لا شئ معه ثم خلق الاشياء بديعا واختار لنفسه أحسن الاسماء أو لم تزل الاسماء
والحروف معه قديمة ؟ فكتب : لم يزل الله موجودا ، ثم كون ما أراد ، لاراد لقضائه ،
ولا معقب لحكمه ، تاهب أوهام المتوهمين ، وقصر طرف الطارفين ، ( 1 ) وثلاشت أوصاف
الواصفين ، واضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنه والوقوع بالبلوغ على علو
مكانه فهو بالموضع الذي لايتناهى ، وبالمكان الذي لم تقع عليه الناعتون بإشارة ( 2 )
ولا عبارة هيهات هيهات .
5 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن يزيد
ابن عبدالله ، عن الحسن بن سعيد الخزار ، عن رجاله ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : الله
غاية من غياه فالمغيى غير الغاية ، توحد بالربوبية ووصف نفسه بغير محدودية فالذاكر
الله غير الله ، والله غير أسماء ، وكل شئ وقع عليه اسم شئ سواه فهو مخلوق ، ألاترى
قوله : العزة لله ، العظمة لله ، وقال : ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها : وقال : قل ادعوا
الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسنى ، فالاسماء مضافة إليه وهو التوحيد
الخالص .
بيان : استدل عليه السلام على المغايرة بين الاسم والمسمى بما اضيف إليه من الاسماء
فإن الاضافة تدل على المغايرة بين الاسم والمسمى يقال : المال لريد ، ولا يقال : زيد
لنفسه ، وقوله : العزة لله ، العظمة لله يومئ إلى أن المراد بالاسم المفهوم كما مر .
6 - يد : ابن المتوكل ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن اورمة ، عن علي بن
الحسين بن محمد ، عن خالد بن يزيد ( 3 ) عن عبدالاعلى ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : اسم الله غير الله
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : وقصر طرف العارفين .
( 2 ) في الاحتجاج المطبوع : لم يقع عليه عيون باشارة إه .
( 3 ) في التوحيد المطبوع عن جابر بن يزيد . ( * )
[161]
وكل شئ وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله ، فأما ما عبرت الالسن عنه أو
عملت الايدي فيه فهو مخلوق ، والله غاية من غاياه ، والمغيى غير الغاية ، والغاية موصوفة
وكل موصوف مصنوع ، وصانع الاشياء غير موصوف بحد مسمى ، لم يتكون فتعرف
كينونته بصنع غيره ، ولم يتناه إلى غاية إلا كانت غيره ، لايزل من فهم هذا الحكم أبدا
وهو التوحيد الخالص فاعتقدوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله عزوجل ، ومن زعم أنه
يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك لان الحجاب والمثال والصورة غيره ، وإنما
هو واحد موحد فكيف يوحد من زعم أنه عرفه بغيره ، إنما عرف الله من عرفه بالله فمن لم
يعرفه به فليس يعرفه ، إنما يعرف غيره ، ليس بين الخالق والمخلوق شئ ، والله خالق
الاشياء لا من شئ ، يسمي بأسمائه فهو غير أسمائه والاسماء غيره ، والموصوف غير
الواصف ، فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضال عن المعرفة ، لا يدرك مخلوق شيئا
إلا بالله ، ولا تدرك معرفة الله إلا بالله ، والله خلو من خلقه وخلقه خلو منه ، وإذا أراد
شيئا كان كما أراد بأمره من غير نطق ، لاملجأ لعباده مما قضى ، ولاحجة لهم فيما ارتضي ،
لم يقدروا على عمل ولا معالجة مما احدث في أبدانهم المخلوقة إلا بربهم ، فمن زعم أنه
يقوى على عمل لم يرده الله عزوجل فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله ، تبارك الله رب
العالمين .
يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن بعض أصحابه ، عن بكر بن
صالح ، عن علي بن الحسن بن محمد ، ( 1 ) عن خالد ، عن عبدالاعلى مثله ، إلى قوله :
والاسماء غيره .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 161 سطر 19 الى ص 169 سطر 18

قال الصدوق رحمه الله : معنى ذلك أن من زعم أنه يقوى على عمل لم يرد الله أن
يقويه عليه فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله ، تبارك الله رب العالمين .
بيان : قوله : اسم شئ أي لفظ الشئ أو هذا المفهوم المركب ، والاول أظهر
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : " عن على بن الحسين بن محمد " مثل ما في الاسناد السابق ، والاسناد مجهول
به وبخالد بن يزيد . وفى الكافى : بكر بن صالح ، عن على بن صالح ، عن الحسن بن محمد بن خالد بن يزيد
عن عبدالاعلى . وهذا أيضا لا يخلو عن جهالة وضعف .
[162]
ثم بين المغايرة بأن اللفظ الذي يعبربه الالسن والخط الذي تعمله الايدي فظاهر
أنه مخلوق . قوله : والله غاية من غاياه اعلم أن الغاية تطلق على المدى والنهاية ، وعلى امتداد
المسافة ، وعلى الغرض والمقصود من الشئ ، وعلى الراية والعلامة . وهذه العبارة تحتمل
وجوها :
الاول : أن تكون الغاية بمعنى الغرض والمقصود أي كلمة الجلالة مقصود من
جعله مقصودا وذريعة من جعله ذريعة أي كل من كان له مطلب وعجز عن تحصيله
بسعيه يتوسل إليه باسم الله . والمغيى - بالغين المعجمة والياء المثناة المفتوحة - أي المتوسل
إليه بتلك الغاية غير الغاية ، أو بالياء المكسورة أي الذي جعل لنا الغاية غاية هو
غيرها ، وفي بعض النسخ : " والمعنى " بالعين المهملة والنون أي المقصود بذلك التوسل ، أو
المعنى المصطلح غير تلك الغاية التي هي الوسيلة إليه .
الثانى : أن يكون المراد بالغاية النهاية ، وبالله الذات لا الاسم أي الرب تعالى غاية
آمال الخلق يدعونه عند الشدائد بأسمائه العظام ، والمغيى بفتح الياء المشددة : المسافة
ذات الغاية ، والمراد هنا الاسماء فكأنها طرق ومسالك توصل الخلق إلى الله في حوائجهم ،
والمعنى أن العقل يحكم بأن الوسيلة غير المقصود بالحاجة ، وهذا لايلائمة قوله : " والغاية
موصوفة " إلا بتكلف تام
الثالث : أن يكون المراد بالغاية العلامة ، وصحفت " غاياه " بغاياته أي علامة من
علاماته ، والمعنى أي المقصود أو المغيى أي ذو العلامة غيرها
الرابع : أن يكون المقصود أن الحق تعالى غاية أفكار من جعله غاية وتفكر فيه ،
والمعنى المقصود أعني ذات الحق غير ما هو غاية أفكارهم ومصنوع عقولهم ، إذ غاية ما يصل
إليه أفكارهم ويحصل في أذهانهم موصوف بالصفات الزائدة الامكانية ، وكل موصوف
كذلك مصنوع .
الخامس : ما صحفه بعض الافاضل حيث قرأ " عانة من عاناه " أي الاسم ملابس
من لابسه . قال في النهاية : معاناة الشئ : ملابسته ومباشرته . أو مهم من اهتم به ، من
قولهم : عنيت به فأناعان ، أي اهتممت به واشتغلت . أو أسير من أسره ، وفي النهاية :
[163]
العاني : الاسير . وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يعنو فهو عان ، أو محبوس من
حبسه وفي النهاية : وعنوا بالاصوات أي احبسوها والمعنى أي المقصود بالاسم غير
العانة أي غير ما نتصوره ونعقله . ثم اعلم أنه على بعض التقادير يمكن أن يقرأ والله
بالكسر بأن يكون الواو للقسم .
قوله : غير موصوف بحد أي من الحدود الجسمانية ، أو الصفات الامكانية ،
أو الحدود العقلية . وقوله : مسمى صفة لحد للتعميم كقوله تعالى : " لم يكن شيئا
مذكورا " ويحتمل أن يكون المراد أنه غير موصوف بالصفات التي هي مدلولات تلك
الاسماء ، وقيل : هو خبر بعد خبر ، أو خبر مبتداء محذوف .
قوله : لم يتكون فيعرف كينونته بصنع غيره قيل : المراد أنه لم يتكون فيكون
محدثا بفعل غيره فتعرف كينونته وصفات حدوثه بصنع صانعه كما تعرف المعلولات بالعلل .
أقول : لعل المراد أنه غير مصنوع حتى يعرف بالمقايسة إلى مصنوع آخر كما تعرف
المصنوعات بمقايسة بعضها إلى بعض فيكون الصنع بمعنى المصنوع وغيره صفة له ، أو
أنه لا يعرف بحصول صورة هي مصنوعة لغيره إذ كل صورة ذهنية مصنوعة للمدرك
معلولة له .
قوله : ولم يتناه أي هو تعالى في المعرفة أو عرفانه ، أو العارف في عرفانه إلى نهاية
إلا كانت تلك النهاية غيره تعالى ومبائنة له غير محمولة عليه .
قوله عليه السلام : لا يزل في بعض النسخ " بالذال " أي ذل الجهل والضلال من فهم هذا
الحكم وعرف سلب جميع ما يغايره عنه ، وعلم أن كل ما يصل إليه أفهام الخلق فهو
غيره تعالى .
قوله عليه السلام : ومن زعم أنه يعرف الله بحجاب أي بالاسماء التي هي حجب بين
الله وبين خلقه ووسائل بها يتوسلون إليه ، بأن زعم أنه تعالى عين تلك الاسماء ، أو
الانبياء والائمة عليهم السلام بأن زعم أن الله تعالى اتحد بهم ، أو بالصفات الزائدة ، فإنها
حجب عن الوصول إلى حقيقة الذات الاحدية ، أو بصورة أي بأنه ذو صورة كما قالت
المشبهة ، أو بصورة عقلية زعم أنها كنه ذاته وصفاته تعالى ، أو بمثال أي خيالي ، أو
[164]
بأن جعل له مماثلا ومشابها من خلقه فهو مشرك لما عرفت مرارا من لزوم تركبه تعالى
وكونه ذا حقائق مختلفة وذا أجزاء ، تعالى الله عن ذلك ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى
أنه لا يمكن الوصول إلى حقيقته تعالى بوجه من الوجوه لابحجاب ورسول يبين
ذلك ، ولا بصورة عقلية ولا خيالية إذ لابد بين المعرف والمعرف من مماثلة وجهة اتحاد
وإلا فليس ذلك الشئ معرفا أصلا ، والله تعالى مجرد الذات عن كل ما سواه فحجابه
ومثاله وصورته غيره من كل وجه إذ لا مشاركة بينه وبين غيره في جنس او فصل أو
مادة أو موضوع أو عارض ، وإنما هو واحد موحد فرد عما سواه ، فإنما يعرف الله بالله
إذا نفى عنه جميع ما سواه وكل ما وصل إليه عقله كما مر أنه التوحيد الخالص .
وقال بعض المحققين : من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال أي بحقيقة
من الحقائق الامكانية كالجسم والنور ، أو بصفة من صفاتها التي هي عليها كما اسند
إلى القائلين بالصورة ، أو بصفة من صفاتها عند حصولها في العقل كما في قول الفلاسفة في رؤية
العقول المفارقة فهو مشرك لان الحجاب والصورة والمثال كلها مغائرة له غير محمولة
عليه فمن عبد الموصوف بها عبد غيره فكيف يكون موحدا له عارفا به ؟ إنما عرف الله
من عرفه بذاته وحقيقته المسلوب عنه جميع ما يغايره فمن لم يعرفه به فليس يعرفه ، إنما
يكون يعرف غيره .
اقول : لا يخفى أن هذا الوجه وما أوردته سابقا من الاحتمالات التي سمحت بها
قريحتي القاصرة لا يخلو كل منها من تكلف ، ( 1 ) وقد قيل فيه وجوه اخر أعرضت
* ( هامش ) * ( 1 ) ولقدأنصف رحمه الله في الاعتراف بأن الرواية لاتتضح بما أورده من الوجوه ، وأما ما استظهره
من أن المراد بها ما ورد في الاخبار من أنه لاصنع لغيره تعالى في المعرفة فهو أهون من الوجوه السابقة
فان مدلول تلك الاخبار بيان أن الفاعل للمعرفة هو الله سبحانه وأما نفى الواسطة والوسيلة من البين
فلا ، كيف والقرآن صريح في أن التقوى والانابة والتدبر والتفكر والتعقل وكذا الانبياء والملائكة
والائمة وسائل لمعرفة الله في آيات كثيرة وقد قال في خصوص القرآن " يهدى به الله من اتبع رضوانه "
الاية ، فالروايات المذكورة لا تنفى الواسطة بهذا المعنى . وأما هذه الرواية فهى صريحة في نفى
الواسطة ، وفى أنه تعالى معروف بذاته وكل شئ سواه معروف معلوم به على خلاف ما اشتهر أن
الاشياء تعرف بذاتها أو صفاتها أو آثارها وأن الله يعرف بالاشياء فالرواية تحتاج في بيانها إلى
اصول علمية عالية غير الاصول الساذجة المعمولة المذكورة في الكتاب ، ولا يضاحها محل آخر . ط ( * )
[165]
عنها صفحا لعدم موافقتها لاصولنا .
والاظهر عندي أن هذا الخبر موافق لما مر وسيأتي في كتاب العدل أيضا من أن
المعرفة من صنعة تعالى وليس للعباد فيها صنع ، وأنه تعالى يهبها لمن طلبها ، ولم يقصر
فيما يوجب استحقاق إفاضتها . والقول بأن غيره تعالى يقدر على ذلك نوع من الشرك
في ربوبيته وإلهيته فإن التوحيد الخالص هو أن يعلم أنه تعالى مفيض جميع العلوم و
الخيرات والمعارف والسعادات كما قال تعالى : " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك
من سيئة فمن نفسك " فالمراد بالحجاب إما أئمة الضلال وعلماء السوء الذين يدعون
أنهم يعرفونه تعالى بعقولهم ولا يرجعون في ذلك إلى حجج الله تعالى فإنهم حجب
يحجبون الخلق عن معرفته وعبادته تعالى ، فالمعني أنه تعالى إنما يعرف بما عرف به
نفسه للناس لا بأفكارهم وعقولهم أو أئمة الحق أيضا فإنه ليس شأنهم إلا بيان الحق للناس
فأما إفاضة المعرفة والايصال إلى البغية فليس إلا من الحق تعالى كما قال سبحانه :
" إنك لا تهدي من أحببت " ويجري في الصورة والمثال ما مر من الاحتمالات
فقوله عليه السلام : ليس بين الخالق والمخلوق شئ أي ليس بينه تعالى وبين خلق
حقيقة أو مادة مشتركة حتى يمكنهم معرفته من تلك الجهة ، بل أو جدهم لا من شئ
كان . قوله عليه السلام : غير الواصف يحتمل أن يكون المراد بالواصف الاسم الذي يصف
الذات بمدلوله . قوله عليه السلام : فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف أي لايؤمن أحد بالله إلا
بعد معرفته ، والمعرفة لا يكون إلا منه تعالى فالتعريف من الله ، والايمان والاذعان و
عدم الانكار من الخلق ، ويحتمل أن يكون المراد على بعض الوجوه السابقة بيان أنه
وإن لم يعرف بالكنه لكن لا يمكن الايمان به إلا بعد معرفته بوجه من الوجوه فيكون
المقصود نفي التعطيل ، والاول أظهر ، وهذه الفقرات كلها مؤيدة للمعني الاخير كما لا يخفي
لمن تأمل فيها . ثم بين عليه السلام كون الاشياء إنما يحصل بمشيئته تعالى وأن إرادة
الخلق لا يغلب إرادته تعالى كما سيأتي تحقيقه في كتاب العدل ، والله الموفق
7 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن اليقطيني ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ،
[166]
عن غير واحد ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : من عبدالله بالتوهم فقد كفر ، ومن عبد الاسم
ولم يعبد المعنى فقد كفر ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد اشرك ، ومن عبد المعني بإيقاع
الاسماء عليه بصفاته التي يصف بها نفسه ( 1 ) فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سر أمره
وعلانيته فاولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وفي حديث آخر : اولئك هم المؤمنون
حقا .
ايضاح : قوله : من عبدالله بالتوهم أي من غير أن يكون على يقين في وجوده
تعالى وصفاته ، أو بأن يتوهمه محدودا مدركا بالوهم فقد كفر لان الشك كفر ، ولان
كل محدود ومدرك بالوهم غيره سبحانه فمن عبده كان عابدا لغيره فهو كافر وقوله
عليه السلام : ومن عبد الاسم أي الحروف أو المفهوم الوصفي له دون المعني أي المعبر عنه بالاسم
فقد كفر لان الحروف والمفهوم غير الواجب الخالق للكل تعالى شأنه .
8 - يد : الدقاق ، عن الكليني ، عن علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن
الحسين بن يزيد ، عن ابن البطائني ، عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله
تبارك وتعالى خلق اسما بالحروف غير منعوت ، ( 2 ) وباللفظ غير منطق ، وبالشخص غير
مجسد ، وبالتشبيه غير موصوف ، وباللون غير مصبوغ ، منفي عنه الاقطار ، مبعد عنه
الحدود ، محجوب عنه حس كل متوهم ، مستتر غير مستور ، فجعله كلمة تامة على أربعة
أجزاء معا ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب
واحدا منها ، وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة التي اظهرت ، ( 3 ) فالظاهر
هو " الله وتبارك وسبحان " ( 4 ) لكل اسم من هذه أربعة أركان فذلك اثني عشر ركنا ، ثم خلق
لكل ركن منها ثلاثين اسما فعلا منسوبا إليها ، فهو الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدوس ،
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : بصقاته التى وصف بها نفسه .
( 2 ) الموجود في الكافى : إن الله خلق إسما بالحروف غير متصوت وفى التوحيد : إن الله تبارك و
تعالى خلق إسما ( أو أسماءا ) بالحروف ، فهو عزوجل بالحروف غير منعوت إه . وفى النسخة المقروة
على المصنف " جعله " بدلا عما في المتن .
( 3 ) في الكافى : فهذه الاسماء التى ظهرت .
( 4 ) في التوحيد المطبوع والكافى : هو الله تبارك وتعالى . ( * )
[167]
الخالق ، البارئ ، المصور ، الحي ، القيوم ، لاتأخذه سنة ولانوم ، العليم ، الخبير ،
السميع ، البصير ، الحكيم ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، العلي ، العظيم ، المقتدر ، القادر ،
السلام ، المؤمن ، المهيمن ، البارئ ( 1 ) المنشئ ، البديع ، الرفيع ، الجليل ، الكريم ،
الرازق ، المحيي ، المميت ، الباعث ، الوارث ( 2 ) فهذه الاسماء وما كان من الاسماء الحسنى حتى تتم ثلاث مائة وستين اسما فهي نسبة لهذه الاسماء الثلاثة ، وهذه الاسماء الثلاثة أركان
وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلاثة ، وذلك قوله عزوجل :
" قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسنى "
بيان : اعلم أن هذا الخبر من متشابهات الاخبار وغوامض الاسرار التي لا يعلم
تأويلها إلا الله والراسخون في العلم ، والسكوت عن تفسيره والاقرار بالعجز عن فهمه
أصوب وأولى وأحوط وأحرى ، ولنذكر وجها تبعا لمن تكلم فيه على سبيل الاحتمال . ( 3 )
فنقول : أسماء في بعض النسخ بصيغة الجمع وفي بعضها بصورة المفرد ، والاخير أظهر ،
والاول لعله مبني على أنه مجزى بأربعة أجزاء كل منها اسم ، فلذا اطلق عليه صيغة
الجمع . وقوله : بالحروف غير منعوت - وفي بعض النسخ كما في الكافي " غير متصوت "
وكذا ما بعده من الفقرات تحتمل كونها حالا عن فاعل " خلق " وعن قوله : اسما ، ويؤيد
الاول ما في أكثر نسخ التوحيد : خلق اسما بالحروف وهو عزوجل بالحروف غير منعوت ( 4 )
* ( هامش ) ، ( 1 ) مكرر ولعله من النساخ .
( 2 ) يأتى شرح هذه الاسماء وغيرها مفصلا من الصدوق قدس الله روحه في " باب عدد أسماء الله
تعالى وفضل إحصائها وشرحها " ولغيره أيضا كالكفعمى في المصباح ، وابن فهد في عدة الداعى .
ولها شروح مستوفاة ، كما أن جمعا من أصحابنا قدس الله أسرارهم أفردوا حول هذه الاسماء وشرحها
كتبا مستقلة تبلغ عدتها عشرين أو أكثر ، وأورد أسماءها العلامة الرازى في كتابه الذريعة ج 2 ص 66
فراجعه .
( 3 ) المراد بالرواية أن ذاته تعالى أجل من أن يحيط به مفاهيم الاسماء ، يسقط عنده كل اسم ورسم
وأن لمعانى الاسماء نحو تأخر عنه عبر عنه بالخلق ، ولها مراتب ودرجات فيما بينها انفسها وقد شرحنا
الرواية في رسالة الصفات من الرسائل السبع بعض الشرح . ط
( 4 ) هذا من قبيل النقل بالمعنى ارتكيه بعض الرواة إصلاحا للمعنى على زعمه مع منافاته البينة
لسائر فقرات الرواية . ط ( * )
[168]
فيكون المقصود بيان المغايرة بين الاسم والمسمى بعدم جريان صفات الاسم بحسب
ظهوراته النطقية والكتبية فيه تعالى ، وأما على الثاني فلعله إشارة إلى حصوله في علمه
تعالى فيكون الخلق بمعنى التقدير والعلم ، وهذا الاسم عند حصوله في العلم الاقدس
لم يكن ذاصوت ولاذاصورة ولاذاشكل ولاذاصبغ . ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن
أول خلقه كان بالافاضة على روح النبي صلى الله عليه واله وأرواح الائمة عليهم السلام بغير نطق وصبغ
ولون وخط بقلم .
ولنرجع إلى تفصيل كل من الفقرات وتوضيحها ، فعلى الاول قوله : غير متصوت
إما على البناء للفاعل أي لم يكن خلقها بإيجاد حرف وصوت ، أو على البناء للمفعول أي
هو تعالى ليس من قبيل الاصوات والحروف حتى يصلح كون الاسم عينه تعالى لكن
الظاهر من كلام اللغويين أن " تصوت " لازم فيكون على البناء للفاعل بالمعنى الثاني
فيؤيد الوجه الاول .
وقوله عليه السلام : وباللفظ غير منطق - بفتح الطاء - أي ناطق ، أو أنه غير منطوق باللفظ
كالحروف ليكون من جنسها ، أو بالكسر - أي لم يجعل الحروف ناطقة على الاسناد
المجازي كقوله تعالى " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق " وهذا التوجيه يجري في الثاني
من احتمالي الفتح " وتطبيق تلك الفقرات على الاحتمال الثاني وهو كونها حالا عن الاسم
بعد ما ذكرنا ظاهر ، وكذا تطبيق الفقرات الآتية على الاحتمالين .
قوله عليه السلام : مستتر غير مستور أي كنه حقيقته مستور عن الخلق مع أنه من حيث
الآثار أظهر من كل شئ ، أو مستتر بكمال ذاته من غير ستر وحاجب ، أو أنه غير مستور
عن الخلق بل هو في غاية الظهور والنقص إنما هو من قبلنا ، ويجري نظير الاحتمالات
في الثاني ، ويحتمل على الثانى أن يكون المراد أنه مستور عن الخلق غير مستور عنه
تعالى .
وأما تفصيل الاجزاء وتشعب الاسماء فيمكن أن يقال : إنه لما كان كنه ذاته
تعالى مستورا عن عقول جميع الخلق فالاسم الدال عليه ينبغي أن يكون مستورا عنهم
فالاسم الجامع هو الاسم الذي يدل على كنه الذات مع جميع الصفات الكمالية ، ولما
[169]
كانت أسماؤه تعالى ترجع إلى أربعة لانها إما أن تدل على الذات ، أو الصفات الثبوتية
الكمالية ، أو السلبية التنزيهية ، أو صفات الافعال فجزأ ذلك الاسم الجامع إلى أربعة
أسماء جامعة ، واحدة منها للذات فقط ، فلما ذكرنا سابقا استبد تعالى به ولم يعطه خلقه ،
وثلاثة منها تتعلق بالانواع الثلاثة من الصفات فأعطاها خلقه ليعرفوه بها بوجه من
الوجوه فهذه الثلاثة حجب ووسائط بين الخلق وبين هذا الاسم المكنون إذ بها يتوسلون
إلى الذات وإلى الاسم المختص بها ، ولما كانت تلك الاسماء الاربعة مطوية في الاسم
الجامع على الاجمال لم يكن بينها تقدم وتأخر ، ولذا قال : ليس منها واحد قبل الآخر .
ويمكن أن يقال على بعض المحتملات السابقة : إنه لما كان تحققها في العلم الاقدس
لم يكن بينها تقدم وتأخر في الوجود ، ( 1 ) كما يكون في تكلم الخلق ، والاول أظهر .
ثم بين الاسماء الثلاثة فأولها " الله " وهو الدال على النوع الاول لكونه موضوعا
للذات المستجمع للصفات الذاتية الكمالية ، والثاني " تبارك " لانه من البركة والنمو
وهو إشارة إلى أنه معدن الفيوض ومنبع الخيرات التي لاتتناهى ، وهو رئيس جميع
الصفات الفعلية من الخالقية والرازقية والمنعمية وسائر ما هو منسوب إلى الفعل كما
أن الاول رئيس الصفات الوجودية من العلم والقدرة وغيرهما ، ولما كان المراد بالاسم
كل ما يدل على ذاته وصفاته تعالى أعم من أن يكون اسما أو فعلا أو جملة لا محذور في عد
" تبارك " من الاسماء . والثالث هو " سبحان " الدال على تنزيهه تعالى عن جميع النقائص
فيندرج فيه ويتبعه جميع الصفات السلبية والتزيهية ، هذا على نسخة التوحيد ، وفي الكافي :
" هو الله تبارك وتعالى وسخر لكل اسم " فلعل المراد أن الظاهر بهذه الاسماء هو الله


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 169 سطر 19 الى ص 177 سطر 18

تعالى ، وهذه الاسماء إنما جعلها ليظهر بها على الخلق فالمظهر هو الاسم ، والظاهر به
هو الرب سبحانه .
ثم لما كان لكل من تلك الاسماء الثلاثة الجامعة شعب أربع ترجع إليها جعل
لكل منها أربعة أركان هي بمنزلة دعائمه فأما " الله " فلدلالته على الصفات الكمالية .
* ( هامش ) * ( 1 ) أو يقال : إن إيجادها لما كان بالافاضة على الارواح المقدسة ولم يكن بالتكلم لم يكن بينها
وبين أجزائها تقدم وتأخر في الوجود ، كما يكون في تكلم الخلق ، والاول أظهر . هكذا في مرآت
العقول ، ولعله سقط هنا عن قلم النساخ .
[170]
الوجودية له أربع دعائم : وهي وجوب الوجود المعبر عنه بالصمدية والقيومية والعلم
والقدرة والحياة ، أو مكان الحياة اللطف أو الرحمة أو العزة ، وإنما جعلت هذه الاربعة
أركانا لان سائر الصفات الكمالية إنما ترجع إليها كالسميع والبصير والخبير مثلا
فإنها راجعة إلى العلم والعلم يشملها وهكذا .
وأما " تبارك " فله أركان أربعة هي الايجاد والتربية في الدارين ، والهداية في الدنيا
والمجازاة في الآخرة أي الموجد أو الخالق والرب والهادي والديان ، ويمكن إدخال
الهداية في التربية ، وجعل المجازاة ركنين : الاثابة والانتقام ، ولكل منها شعب من
أسماء الله الحسنى كما لايخفي بعد التأمل والتتبع .
وأما " سبحان " فله أربعة أركان لانه إما تنزيه الذات عن مشابهة الممكنات ، أو
تنزيهه عن إدراك الحواس والاوهام والعقول ، أو تنزيه صفاته عما يوجب النقص ، أو
تنزيه أفعاله عما يوجب الظلم والعجز والنقص . ويحتمل وجها آخر ، وهو تنزيهه عن
الشريك والاضداد والانداد ، وتنزيهه عن المشاكلة والمشابهة ، وتنزيهه عن إدراك
العقول والاوهام ، وتنزيهه عما يوجب النقص والعجز من التركب والصاحبة والولد
والتغيرات والعوارض والظلم والجور والجهل وغير ذلك ، وظاهر أن لكل منها
شعبا كثيرة ، فجعل عليه السلام شعب كل منها ثلاثين وذكر بعض أسمائه الحسنى على التمثيل
وأجمل الباقي . ويحتمل على ما في الكافي أن تكون الاسماء الثلاثة ما يدل على وجوب
الوجود والعلم والقدرة ، والاثنى عشر ما يدل على الصفات الكمالية والتنزيهية التي
تتبع تلك الصفات ، والمراد بالثلاثين صفات الافعال التي هي آثار تلك الصفات الكمالية
ويؤيده قوله : فعلا منسوبا إليها ، وعلى الاول يكون المعنى أنها من توابع تلك الصفات
فكأنها من فعلها . هذا ما خطر ببالي في حل هذا الخبر ، وإنما أوردته على سبيل
الاحتمال من غير تعيين لمراد المعصوم عليه السلام ، ولعله أظهر الاحتمالات التي أوردها أقوام
على وفق مذاهبهم المختلفة وطرائقهم المتشتتة ، وإنما هداني إلى ذلك ما أورده ذريعتي
إلى الدرجات العلى ووسيلتي إلى مسالك الهدى بعد أئمة الورى عليهم السلام أعني والدي
العلامة قدس الله روحه في شرح هذا الخبر على ما في الكافي حيث قال : الذي يخطر
[171]
بالبال في تفسير هذا الخبر على الاجمال هو أن الاسم الاول كان اسما جامعا للدلالة
على الذات والصفات ، ولما كان معرفة الذات محجوبة عن غيره تعالى جزأ ذلك الاسم
على أربعة أجزاء ، وجعل الاسم الدال على الذات محجوبا عن الخلق ، وهو الاسم الاعظم
باعتبار ، والدال على المجموع اسم أعظم باعتبار آخر ، ويشبه أن يكون الجامع هو الله
والدال على الذات فقط هو ، وتكون المحجوبية باعتبار عدم التعيين كما قيل : إن الاسم
الاعظم داخل في جملة الاسماء المعروفة ، ولكنها غير معينة لنا ، ويمكن أن يكون
غيرها والاسماء التي أظهرها الله للخلق على ثلاثة أقسام :
منها ما يدل على التقديس مثل العلي ، العظيم ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ،
ومنها ما يدل على علمه تعالى ، ومنها ما يدل على قدرته تعالى . وانقسام كل واحد
منها إلى أربعة أقسام بأن يكون التنزيه إما مطلقا أو للذات أو الصفات أو الافعال ، و
يكون ما يدل على العلم إما لمطلق العلم او للعلم بالجزئيات ، كالسميع والبصير ، أو الظاهر
أو الباطن ، وما يدل على القدرة إما للرحمة الظاهرة أو الباطنة أو الغضب ظاهرا أو باطنا
أو ما يقرب من ذلك التقسيم ، والاسماء المفردة على ما ورد في القرآن والاخبار يقرب
من ثلاث مائة وستين اسما ، ذكرها الكفعمي في مصباحه فعليك جمعها والتدبر في ربط
كل منها بركن من تلك الاركان . انتهى كلامه رفع الله مقامه .
أقول : بعض الناظرين في هذا الخبر جعل الاثنى عشر كناية عن البروج الفلكية
والثلاث مائة والستين عن درجاتها ، ولعمري لقد تكلف بأبعد مما بين السماء والارض ،
ومنهم من جعل الاسم كناية عن مخلوقاته تعالى ، والاسم الاول الجامع عن أول مخلوقاته
وبزعم القائل هو العقل ، وجعل ما بعد ذلك كناية عن كيفية تشعب المخلوقات وتعدد
العوالم ، وكفى ما أو مأنا إليه للاستغراب وذكرها بطولها يوجب الاطناب .
قوله : وذلك قوله عزوجل استشهاد بأن له تعالى أسماءا حسنى ، وأنه إنما
وضعها ليدعوه الخلق بها فقال تعالى : قل ادعوه - تعالى - بالله أو بالرحمن أو بغيرهما
فالمقصود واحد وهو الرب وله أسماء حسنى كل منها يدل على صفة من صفاته المقدسة
فأيا ما تدعو فهو حسن . قيل : نزلت الآية حين سمع المشركون رسول الله صلى الله عليه واله يقول
[172]
يا الله يا رحمن فقالوا : إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر ! وقالت اليهود :
إنك لتقل ذكر الرحمن ، وقد أكثره الله في التورية ، فنزلت الآية ردا لما توهموا من
التعدد ، أو عدم الاتيان بذكر الرحمن .
} باب 2 {
} معانى الاسماء واشتقاقها وما يجوز اطلاقه عليه تعالى وما لا يجوز {
1 - ل ، ن : أبي ، عن سعد ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن سليمان قال :
سأل رجل أبا الحسن عليه السلام - وهو في الطواف - فقال له : أخبرني عن الجواد ، فقال : إن
لكلامك وجهين : فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض
الله عزوجل عليه ، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه ، وإن كنت تعني الخالق فهو
الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع ، لانه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له ، وإن منع
منع ما ليس له .
مع : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أبي الجهم ، ( 1 ) عن موسى
ابن بكر ، عن أحمد بن سلمة ( 2 ) مثله ، إلا أن فيه : ما افترض الله عليه . وإن كنت تسأل عن
الخالق . لانه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك ، وإن منعك منعك ما ليس لك
بيان : لعل المراد أن المخلوق إنما يوصف بالبخل إن منع لانه لا يؤدي ما فرض
الله عليه من حقوق الخلق ، وأما الله سبحانه فلا يوصف بالبخل إن منع لانه ليس
لاحد حق على الله فالمراد بقوله : إنه جواد إن منع أنه ليس ببخيل ، أو أنه جواد
من حيث عطاياه الغير المتناهية الآخر ، وهذا المنع لاينافي جوده لعدم لزومه عليه ،
* ( هامش ) * ( 1 ) ضبط الجهم في تنقيح المقال بالجيم المفتوحة والحاء المكسورة والميم ، وقال : وفي
القاموس الجهم ككتف : الوجه الغليظ المجتمع السمج انتهى . أقول : هى كنية لبكير بن أعين بن
سنسن الشيبانى
( 2 ) الظاهر أنه تصحيف ( سليمان ) الوارد في السند السابق ، بقرينة رواية موسى بن بكر عنه
وبقرينة اتحاد مضمون الحديث مع سابقه . ( * )
[173]
ويحتمل أن يكون المراد بقوله : " ما ليس له " أخيرا غيرما هو المراد به أولا أي مالا
يستحق التفضل عليه به وليس صلاحه في إعطائه فجوده من جهة هذا المنع أيضا ثابت
لان إعطاء ما يضر السائل ليس بجود بل منعه عنه عين الجود .
2 - يد ، ن : ما جيلويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن المختار بن محمد بن المختار
الهمداني ، عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سمعته يقول في الله
عزوجل : هو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد الاحد الصمد ، لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد ، منشئ الاشياء ، ومجسم الاجسام ، ومصور الصور ، لو كان
كما يقولون لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولا المنشئ من المنشأ ، فرق بين من جسمه
وصوره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شئ ، ولا يشبه هو شيئا . قلت : أجل جعلني الله فداك
لكنك قلت : الاحد الصمد وقلت : لا يشبه شيئا ، والله واحد والانسان واحد ، أليس قد
تشابهت الوحدانية ؟ قال : يا فتح أحلت ثبتك الله ، إنما التشبيه في المعاني ، فأما في
الاسماء فهي واحدة ، وهي دلالة على المسمى ، وذلك أن الانسان وإن قيل واحد فإنما
يخبر أنه جثة واحدة ، وليس بإثنين فالانسان نفسه ليس بواحد لان أعضاءه مختلفة
وألوانه مختلفة كثيرة غير واحدة ، ( 1 ) وهو أجزاء مجزا ليست بسواء ، دمه غير لحمه ،
ولحمه غير دمه ، وعصبه غير عروقه ، وشعره غير بشره ، وسواده غير بياضه ، وكذلك
سائر الخلق ( 2 ) فالانسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى ، والله جل جلاله واحد لا
واحد غيره ، لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ونقصان فأما الانسان المخلوق المصنوع
المؤلف من أجزاء مختلفة وجواهر شتي غير أنه بالاجتماع شئ واحد
قلت : جعلت فداك فرجت عني فرج الله عنك فقولك : اللطيف الخبير فسره
لي كما فسرت الواحد فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل غير أني احب
أن تشرح ذلك لي .
فقال : يا فتح إنما قلنا : اللطيف للخلق اللطيف ، ولعلمه بالشى اللطيف ( 3 )
* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا في العيون . وفى التوحيد والكافى : وألوانه مختلفة غير واحدة اه .
( 2 ) في العيون والكافى : وكذلك سائر جميع الخلق
( 3 ) في التوحيد والعيون والكافى المطبوعات : أولا ترى وفقك الله وثبتك إلى أثر صنعه في
النبات اللطيف وغير اللطيف .
[174]
وغير اللطيف ، وفي الخلق اللطيف من الحيوان الصغار من البعوض والجرجس وما هو
أصغر منهما ما لا يكاد تستبينه العيون بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الانثى ، و
الحدث المولود من القديم فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من
الموت والجمع لما يصلحه مما في لجج البحار وما في لحاء الاشجار والمفاوز والقفار و
فهم بعضها عن بعض منطقها وما يفهم به أولادها عنها ونقلها الغذاء إليها ثم تأليف ألوانها
حمرة مع صفرة وبياضا مع خضرة ( 1 ) وما لاتكاد عيوننا تستبينه بتمام خلقها ( 2 ) ولا تراه
عيوننا ولا تلمسه أيدينا علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف لطف في خلق ما سميناه بلا
علاج ولا أداة ولا آلة ، وأن كل صانع شئ فمن شئ صنع ، والله الخالق اللطيف الجليل
خلق وصنع لامن شئ .
يد : الدقاق ، عن محمد الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن الحسن بن بردة ،
عن العباس بن عمرو الفقيمي ، عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد العلوي ، عن الفتح بن يزيد
الجرجاني مثله ، مع زيادات وتغييرات أوردناه في باب جوامع التوحيد .
توضيح : أبوالحسن هو الرضا عليه السلام ، كما يظهر من الكليني ، ( 3 ) ويحتمل الهادي
عليه السلام حيث عد الشيخ رحمه الله الفتح من أصحابه والاول أظهر قوله عليه السلام : مجسم
الاجسام أي خالقها أو معطي ما هياتها على القول بجعلها قوله : فرق إما فعل أو اسم
أي الفرق حاصل بينه وبين من جسمه . قوله عليه السلام : أحلت أي أتيت بالمحال . قوله
عليه السلام : إنما التشبيه في المعاني أي التشبيه الممنوع منه إنما هو تشبيه معني حاصل فيه
تعالى بمعنى حاصل للخلق لا محض إطلاق لفظ واحد عليه تعالى وعلى الخلق بمعنيين
متغايرين ، أو المعنى أنه ليس التشبيه في كنه الحقيقة والذات ، وإنما التشبيه في المفهومات
الكلية التي هي مدلولات الالفاظ وتصدق عليه تعالى كما مر تحقيقه .
* ( هامش ) * ( 1 ) في العيون والكافى : وبياضا مع حمرة .
( 2 ) في الكافى وبعض النسخ : لدمامة خلقها .
( 3 ) ومن الصدوق ، حيث إن ايراد الحديث في العيون يدل على ذلك . ( * )
[175]
قوله عليه السلام : فأما في الاسماء فهي واحدة أي الاسماء التي تطلق عليه تعالى و
على الخلق واحدة لكنها لا توجب التشابه إذ الاسماء دالة على المسميات ، وليست
عينها حتى يلزم الاشتراك في حقيقة الذات والصفات . ثم بين عليه السلام عدم كون التشابه
في المعنى في اشتراك لفظ الواحد بأن الوحدة في المخلوق هي الوحدة الشخصية التي
تجتمع مع أنواع التكثرات ، وليست إلا تألف أجزاء واجتماع امور متكثرة ، ووحدته
سبحانه هي نفي الكثرة والتجزي والتعدد عنه مطلقا .
قوله عليه السلام : فأما الانسان يحتمل أن يكون كل من المخلوق والمصنوع والمؤلف
والظرف خبرا ، وإن كان الاول أظهر . قوله : للفصل أي للفرق الظاهر بينه وبين
خلقه . قوله : في لطفه أي مع لطف ذلك المخلوق ، أو بسبب لطفه تعالى . قوله : بتمام في
بعض النسخ " لدمامة " - بالمهملة - وهي الحقارة .
3 - يد ، مع ، ن : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد الله ( 1 ) عن محمد
ابن عبدالله ، وموسى بن عمرو ، والحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن محمد بن سنان قال :
سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : نعم
قلت : يراها ويسمعها ؟ قال : ما كان محتاجا إلى ذلك لانه لم يكن يسألها ولا يطلب
منها ، هو نفسه ، ونفسه هو ، قدرته نافذة فليس يحتاج إلى أن يسمي نفسه ، ولكنه اختار
لنفسه أسماءا لغيره يدعوه بها لانه إذا لم يدع باسمه لم يعرف ، فأول ما اختار لنفسه
العلي العظيم لانه أعلى الاسماء كلها فمعناه الله واسمه العلي العظيم هو أول أسمائه
لانه علي علا كل شئ . ( 2 )
ج : مرسلا مثله
4 - ن : ما جيلويه ، عن عمه ، عن أبي سمينة ، عن محمد بن عبدالله الخراساني
قال : دخل رجل من الزنادقة على الرضا عليه السلام فقال في جملة ما سأل : فأخبرني عن قولكم :
إنه لطيف وسميع وبصير وعليم وحكيم أيكون السميع إلا بالاذن والبصير إلا بالعين
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : عن الحسن بن عبدالله .
( 2 ) تقدم الحديث مع بيان من المصنف في باب العلم وكيفيته تحت رقم 26 . ( * )
[176]
واللطيف إلا بعمل اليدين ، والحكيم إلا بالصنعة ؟ فقال أبوالحسن عليه السلام : إن اللطيف
منا على حد اتخاذ الصنعة أو ما رأيت الرجل يتخذ شيئا يلطف في اتخاذه فيقال : ما
ألطف فلانا ! فكيف لا يقال للخالق الجليل : لطيف ؟ إذ خلق خلقا لطيفا وجليلا ، و
ركب في الحيوان منه أرواحها ، وخلق كل جنس متبائنا من جنسه في الصورة ، ولا
يشبه بعضه بعضا ، فكل له لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته ، ثم نظرنا
إلى الاشجار وحملها أطائبها المأكولة منها وغير المأكولة ، فقلنا عند ذلك : إن خالقنا
لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم . وقلنا : إنه سميع لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين
العرش إلى الثرى من الذرة إلى أكبر منها ، في بر ها وبحرها ، ولا تشتبه عليه لعاتها فقلنا
عند ذلك : إنه سميع لاباذن . وقلنا : إنه بصير لاببصر لانه يرى أثر الذرة السحماء ( 1 )
في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء ، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجنة . ( 2 )
ويرى مضارها ومنافعها وأثر سفادها وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك : إنه بصير لا كبصر
خلقه . قال : فما برح حتى أسلم .
ج : مرسلا مثله .
5 - يد ، ن : الدقاق ، عن الكليني ، عن علان ، عن محمد بن عيسى ، عن الحسين
ابن خالد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال : اعلم علمك الله الخير أن الله تبارك و
تعالى قديم ، والقدم صفة دلت العاقل ( 3 ) على أنه لا شئ قبله ولا شئ معه في ديموميته ( 4 )
فقد بان لنا بإقرار العامة معجزة الصفة ( 5 ) أنه لا شئ قبل الله ، ولاشئ مع الله في بقائه ،
وبطل قول من زعم أنه كان قبله شئ ، أو كان معه شئ في بقائه ، لم يجز أن يكون
خالقا له لانه لم يزل معه فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه ؟ ولو كان قبله شئ كان
* ( هامش ) * ( 1 ) الذرة : صغار النمل . السحماء : السوداء .
( 2 ) الدبيب : المشى كالحية ، أو على اليدين والرجلين كالطفل . والدجنة أى مظلمة .
( 3 ) في الكافى : صفته التى دلت العاقل اه .
( 4 ) أى في ثبوته وامتداده واستمراره .
( 5 ) في التوحيد والعيون والمطبوعين : مع معجزة الصفة .
( * )
[177]
الاول ذلك الشئ لا هذا ، وكان الاول أولى بأن يكون خالقا للاول الثاني .
ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم وابتلاهم إلى أن
يدعوه بها فسمى نفسه سميعا ، بصيرا ، قادرا ، قاهرا ، حيا ، قيوما ، ( 1 ) ظاهرا ، باطنا ،
لطيفا ، خبيرا ، قويا ، عزيزا ، حكيما ، عليما ، وما أشبه هذه الاسماء فلما رأى ذلك
من أسمائه الغالون المكذبون وقد سمعونا نحدث عن الله أنه لاشئ مثله ، ولا شئ
من الخلق في حاله قالوا : أخبرونا إذ زعمتم أنه لا مثل لله ولا شبه له كيف شاركتموه في
أسمائه الحسنى فتسميتم بجميعها ؟ فإن في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها
أو في بعضها دون بعض إذ قد جمعتكم الاسماء الطيبة . قيل لهم : إن الله تبارك وتعالى
ألزم العباد أسماءا من أسمائه على اختلاف المعاني ، وذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين
مختلفين ، والدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم السائغ ( 2 ) وهو الذي خاطب الله
عزوجل به الخلق فكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ماضيعوا ، وقد
يقال للرجل : كلب وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد كل ذلك على خلافه لانه لم
تقع ( 3 ) الاسماء على معانيها التي كانت بنيت عليها لان الانسان ليس بأسد ولاكلب
فافهم ذلك رحمك الله . وإنما تسمى الله بالعالم لغير علم حادث علم به الاشياء واستعان
به على حفظ ما يستقبل من أمره ، والروية فيما يخلق من خلقه ويفنيه مما مضى ( 4 ) مما
أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم ويغيبه كان جاهلا ضعيفا كما أنا رأينا علماء
الخلق إنما سموا بالعلم لعلم حادث ، إذ كانوا قبله جهلة ، وربما فارقهم العلم بالاشياء
فصاروا إلى الجهل . ( 5 ) وإنما سمي الله عالما لانه لا يجهل شيئا فقد جمع الخالق والمخلوق


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 177 سطر 19 الى ص 185 سطر 18

اسم العلم واختلف المعنى على ما رأيت . وسمي ربنا سميعا لا بجزء ( 6 ) فيه يسمع به
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافي : قادرا قائما ناطقا ظاهرا .
( 2 ) في الكافى والعيون : الشائع .
( 3 ) في الكافي والتوحيد المطبوعين : على خلافه وحالاته لم يقع .
( 4 ) في التوحيد المطبوع : ويعينه ما مضى .
( 5 ) في الكافي : فعادوا .
( 6 ) في الكافي ونسخة من العيون : " لا بخرت " وكذا فيما بعده ، وخرت الاذن - بضم الخاء وفتحها
وسكون الراء - : ثقبها . ( * )
[178]
الصوت لا يبصر به كما أن جزءنا الذي نسمع به لانقوي على النظر به ، ولكنه عزوجل
أخبر أنه لا تخفى عليه الاصوات ليس على حد ماسمينا به نحن فقد جمعنا الاسم بالسميع
واختلف المعنى ، وهكذا البصير لابجزء به أبصر كما أنا نبصر بجزء منا لاننتفع به في
غيره ، ولكن الله بصير لايجهل شخصا منظورا إليه فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى و
هو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كماقامت الاشياء ولكنه أخبر
أنه قائم يخبر أنه حافظ كقول الرجل : القائم بأمرنا فلان ، وهو عزوجل القائم على
كل نفس بما كسبت ، والقائم أيضا في كلام الناس الباقي ، والقائم أيضا يخبر عن الكفاية
كقولك للرجل : ثم بأمر فلان أي اكفه ، والقائم منا قائم على ساق فقد جمعنا الاسم ولم
يجمعنا المعنى ، وأما اللطيف فليس على قلة وقضافة وصغر ، ولكن ذلك على النفاذ في
الاشياء والامتناع من أن يدرك كقولك : لطف عني هذا الامر ، ولطف فلان في مذهبه ،
وقوله يخبرك أنه غمض فبهر العقل وفات الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم
فهكذا لطف الله تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف ، واللطافة منا الصغر
والقلة فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى . وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شئ ولا يفوته ( 1 )
ليس للتجربة ولا للاعتبار بالاشياء فتفيده التجربة والاعتبار علما لولاهما ما علم لان
من كان كذلك كان جاهلا والله لم يزل خبيرا بما يخلق ، والخبير من الناس المستخبر
عن جهل المتعلم وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى . وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا
الاشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنم لذراها ، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الاشياء
وقدرته عليها كقول الرجل : ظهرت على أعدائي ، وأظهرني الله على خصمي يخبر عن
الفلج والغلبة فهكذا ظهور الله على الاشياء . ( 2 ) ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده لايخفي
عليه شئ ، وأنه مدبر لكل ما يرى ( 3 ) فأي ظاهر أظهر وأوضح أمرا من الله تبارك و
تعالى فإنك لاتعدم صنعته حيثما توجهت وفيك من آثاره ما يغنيك ، والظاهر منا
* ( هامش ) * ( 1 ) في التوحيد والعيون : ولا يفوته شئ .
( 2 ) في التوحيد : فهكذا ظهور الله على الاعداء .
( 3 ) في التوحيد والكافى : وأنه مدبر لكل ما برئ . ( * )
[179]
البارز بنفسه والمعلوم بحده فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى . ( 1 ) وأما الباطن فليس على
معنى الاستبطان للاشياء بأن يغور فيها ، ولكن ذلك منه على استبطانه للاشياء علما
وحفظا وتدبيرا كقول القائل : أبطنته يعني خبرته وعلمت مكتوم سره ، والباطن منا
بمعنى الغائر في الشئ المستتر ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وأما القاهر فإنه ليس
على علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر كما يقهر العباد بعضهم بعضا فالمقهور منهم يعود
قاهرا والقاهر يعود مقهورا ، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أن جميع ما خلق
متلبس به الذل لفاعله وقلة الامتناع لما أراد به لم يخرج منه طرفة عين غير أنه يقول
له : كن فيكون ، فالقاهر منا على ما ذكرت ووصفت فقد جمعنا الاسم واختلف المعني .
وهكذا جميع الاسماء وإن كنا لم نسمها ( 2 ) كلها فقد تكتفي للاعتبار ( 3 ) بما ألقينا إليك
والله عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا
ج : مرسلا من قوله : إنما نسمي الله تعالى بالعالم إلى قوله : والباطن منا
الغائر في الشئ المستتر فيه ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى . قال : وهكذا جميع الاسماء
وإن كنا لم نسمها كلها .
توضيح : الاقرار إما من أقر بالحق إذا اعترف به ، أو من أقر الحق في مكانه
فاستقر هو ، فقوله عليه السلام : معجزة الصفة على الاول منصوب بنزع الخافض ، وعلى الثاني
منصوب على المفعولية ، والمعجزة اسم فاعل من " أعجزته " بمعني وجدته عاجزا أو جعلته
عاجزا ، أو من أعجزه الشئ بمعنى فاته ، وإضافتها إلى الصفة - والمراد بها القدم - من إضافة
الصفة إلى الموصوف ، وإنما وصفها بالاعجاز لانها تجدهم أو تجعلهم لنباهة شأنها عاجزين
عن إدراكهم كنهها ، أو عن اتصافهم بها ، أو عن إنكارهم لها ، أو لانها تفوتهم وهم فاقدون
لها . ويحتمل أن تكون المعجزة مصدر عجز عن الشئ عجزا أو معجزة بفتح الميم وكسر الجيم
وفتحها أي إقرارهم بعجزهم عن الاتصاف بتلك الصفة ، ويمكن أن يقرأ على بناء المفعول
بأن يكون حالا عن العامة أو صفة لها أي بإقرارهم موصوفين بالعجز عن ترك الاقرار ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافى والتوحيد والعيون : فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى .
( 2 ) في الكافى : وان كنا لم نستجمعها .
( 3 ) في الكافى والعيون : فقد يكتفى الاعتبار وفى التوحيد : فقد يكتفى للاعتبار . ( * )
[180]
أو الحال أن صفة القدم أعجزتهم وألجأتهم إلى الاقرار فالمقر به والمبين شئ واحد ،
وهو قوله : أنه لا شئ قبل الله . قال بعض الافاضل : المراد بقوله : إقرار العامة إذعانهم
أو الاثبات ، وعلى الاول متعلق الاذعان إما معجزة الصفة بحذف الصلة ، أو محذوف أي
إقرار العامة بأنه خالق كلشئ ، ومعجزة الصفة صفة للاقرار أو بدل عنه أي إقرار العامة
بأنه خالق كل شئ معجزة الصفة أي صفة الخالقية لكل شئ أو صفة القدم لا يسع أحدا
أن ينكره ، وأما على الثاني فمعجزة الصفة مفعول الاقرار أو صفة للاقرار ، أو بدل عنه ،
والمفعول محذوف ، وعلى تقدير كونه مفعولا فمعجزة الصفة من إضافة الصفة إلى الموصوف
أي الصفة التي هي معجزة لهم عن أن لا يثبتوا له خالقية كلشئ ، أو المعجزة بمعناه المتعارف
والاضافة لامية أي إثباتهم الخالقية للكل معجزة هذه الصفة حيث لا يسعهم أن ينكروها
وإن أرادوا الانكار ، ويحتمل أن يكون معجزة الصفة فاعل " بان " ويكون قوله : إنه
لا شئ قبل الله بيانا أو بدلا لمعجزة الصفة انتهى .
أقول : لا يخفى أنه يدل على أنه لا قديم سوى الله ، وعلى أن التأثير لايعقل إلا في
الحادث ، وأن القدم مستلزم لوجوب الوجود .
قوله عليه السلام : ثم وصف أي سمى نفسه ، بأسماء بالتنوين ، دعاء الخلق بالنصب أي
لدعائهم ، ويحتمل إضافة الاسماء إلى الدعاء ، والاظهر أنه على صيغة الفعل . وقوله :
إلى أن يدعوه متعلق به أو بالابتلاء أيضا على التنازع ، لكن في أكثر نسخ الكليني مهموز
قوله عليه السلام : وابتلاهم أي بالمصائب والحوائج ، وألجأهم إلى أن يدعوه بتلك الاسماء .
قوله عليه السلام : والدليل على ذلك أي على إطلاق اللفظ الواحد على المعنيين المختلفين ، والقول
السائغ هو ما فسره عليه السلام بقوله : وقد يقال والعلقم : شجر مر ، ويقال للحنظل ولكل
شئ مر : علقم . قوله عليه السلام : على خلافه أي على خلاف موضوعه الاصلي . قوله عليه السلام :
ويفنيه مما مضى كذا في بعض نسخ الكتابين فهو عطف على يخلق ، وفي بعض نسخ " ن " تفيته
ما مضى أي إفناؤها ، وفي بعض نسخ " يد " تقفيه ما مضى مما أفنى أي جعل بعض ما يفني في قفاء
ما مضى أي يكون مستحضرا لما مضى مما أعدمه سابقا حتى يفنى ما يفنى بعده على طريقته ،
وعلى التقديرين معطوف على الموصول . قوله عليه السلام : لا بجزء في " في " لا بخرت في المواضع
[181]
وهو بالفتح والضم : الثقب في الاذن وغيرها . والكبد بالتحريك : المشقة والتعب ،
والقضافة بالقاف والضاد المعجمة ثم الفاء : الدقة والنحافة .
قوله عليه السلام : فبهر العقل أي غلبه فلا يصل العقل إليه ، ويمكن أن يقرأ على البناء
المجهول ( 1 ) وفي " في " فيه العقل ، وفات الطلب أي وفات ذلك الشئ عن الطلب فلا يدركه
الطلب ، أو فات عن العقل الطلب فلا يمكنه طلبه ، ويحتمل على هذا أن يكون الطلب
بمعنى المطلوب ، وعاد أي العقل أو الوهم على التنازع أو ذلك الشئ ، فالمراد أنه صار
ذاعمق ولطافة ودقة لا يدركه الوهم لبعد عمقه وغاية دقته ، وسنام كل شئ : أعلاه ومنه
تسنمه أي علاه : والذرى بضم الذال المعجمة وكسرها جمع الذروة بهما وهي أيضا أعلى
الشئ .
قوله عليه السلام : لا يخفى عليه شئ يحتمل إرجاع الضمير المجرور إلى الموصول أي
لا يخفى على من أراد معرفة شئ من اموره ، من وجوده وعلمه وقدرته وحكمته ، و
على تقدير إرجاعه إليه تعالى لعله ذكر استطرادا ، أو إنما ذكر لانه مؤيد لكونه مدبرا
لكل شئ ، أو لانه مسبب عن علية كل شئ ، أو لان ظهوره لكل شئ وظهور كل
شئ له مسببان عن تجرده تعالى . ويحتمل أن يكون وجها آخر لاطلاق الظاهر
عليه تعالى لان في المخلوقين لما كان المطلع على شئ حاضرا عنده ظاهرا له جاز أن
يعبر عن هذا المعنى بالظهور ، والعلاج : العمل والمزاولة بالجوارح .
6 - يد ، مع : أبي ، عن ابن عيسى ، وسلمة بن الخطاب ، عن القاسم ، ( 2 ) عن
جده ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : سئل عن معنى الله عزوجل فقال : استولى
على ما دق وجل . ( 3 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : على البناء للمفعول .
( 2 ) هو القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد .
( 3 ) أخرجه الكلينى أيضا في الكافى في باب " معانى الاسماء واشتقاقها " عن عدة من أصحابنا
عن أحمد بن محمد البرقى ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبى الحسن موسى
ابن جعفر عليه السلام . وقد تقدم الحديث في باب " نفى الزمان والمكان " تحت رقم 44 " ج 3 ص 336 "
عن المحاسن باسناده عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن ، عن أبى الحسن عليه السلام مع زيادة في المتن ،
وهو هكذا : وسئل عن معنى قول الله : " على العرش استوى " فقال : استولي على مادق وجل انتهى . * ( * )
[182]
بيان : لعله من باب تفسير الشئ بلازمه فإن معنى الالهية يلزمه الاستيلاء
على جميع الاشياء دقيقها وجليلها ، وقيل : السؤال إنما كان عن مفهوم الاسم ومناطه
فأجاب عليه السلام بأن الاستيلاء على جميع الاشياء مناط العبودية بالحق لكل شئ
7 - يد ، مع : المفسر بإسناده إلى أبي محمد عليه السلام قال : الله هو الذي يتأله
إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من دونه ، وتقطع
الاسباب من جميع من سواه .
أقول : تمامه في كتاب القرآن في تفسير سورة الفاتحة .
8 - يد ، مع : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة
عن محمد بن حكيم ، عن ميمون البان ( 1 ) قال . سمعت أبا عبدالله عليه السلام وقد سئل عن قوله
عزوجل : " هو الاول والآخر " فقال : الاول لاعن أول قبله ، ولا عن بدء سبقه ، وآخر
لاعن نهاية كما يعقل من صفات المخلوقين ، ولكن قديم أول ، آخر ، لم يزل ولا يزال
بلا بدء ولا نهاية ، لا يقع عليه الحدوث ، ولا يحول من حال إلى حال ، خالق كل شئ .
9 - يد : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن يحيى ،
عن فضيل بن عثمان ، عن ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل
" هو الاول والآخر " وقلت : أما الاول فقد عرفناه ، وأما الآخر فبين لنا تفسيره ،
فقال : إنه ليس شئ إلا يبيد أو يتغير ، أو يدخله التغير والزوال ، أو ينتقل من لون
إلى لون ، ومن هيئة إلى هيئة ، ومن صفة إلى صفة ، ومن زيادة إلى نقصان ، ومن
نقصان إلى زيادة إلا رب العالمين فإنه لم يزل ولايزال واحدا ، ( 2 ) هو الاول قبل كل
شئ ، وهو الآخر على ما لم يزل لا تختلف عليه الصفات والاسماء كما تختلف على غيره
* ( هامش ) * * وعن الاحتجاج عن الحسن مثله . فالظاهر بقرينة السند والمتن ورواية الكليني الحديث عن
أحمد بن محمد البرقي صاحب المحاسن اتحاده مع ما رواه الصدوق والكلينى ، وأن رواة الحديث
في طريق الصدوق والكلينى لم ينقلوا الحديث بتمامه فسقط من الحديث ما ترى ووقع فيه الاخلال
بحيث غير معناه إلى معنى آخر
( 1 ) بالباء الموحدة والالف والنون المخففة .
( 2 ) في الكافى : فانه لم يزل ولايزال بحالة واحدة . ( * )
[183]
مثل الانسان الذي يكون ترابا مرة ، ومرة لحما ، ومرة دما ، ومرة رفاتا ورميما ،
وكالتمر الذي يكون مرة بلحا ، ومرة بسرا ، ومرة رطبا ، ومرة تمرا فيتبدل عليه
الاسماء والصفات والله عزوجل بخلاف ذلك
بيان : يبيد أي يهلك : والرفات : المتكسر من الاشياء اليابسة . والرميم : ما
بلي من العظام . والبلح محركة : ما بين الخلال والبسر ، قال الجوهري : البلح قبل البسر
لان أول التمر طلع ، ثم خلال ، ثم بلح ، ثم رطب .
أقول : الغرض أن دوام الجنة والنار وأهلهما وغيرها لاينافي آخر يته تعالى
واختصاصها به فإن هذه الاشياء دائما في التغير والتبدل ، وفي معرض الفناء والزوال ،
وهو تعالى باق من حيث الذات والصفات أزلا وأبدا من حيث لا يلحقه تغير أصلا فكل
شئ هالك وفان إلا وجهه تعالى .
10 - م : " الرحمن " قال الامام عليه السلام : الرحمن : العاطف على خلقه بالرزق لا
يقطع عنهم مواد رزقه وإن انقطعوا عن طاعته ، الرحيم بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم
طاعاته ، وبعباده الكافرين في الرزق لهم ، وفي دعائهم إلى موافقته . وقال أمير المؤمنين
عليه السلام : رحيم بعباده المؤمنين ، ومن رحمته أنه خلق مائه رحمة جعل منها رحمة واحدة
في الخلق كلهم فبها يتراحم الناس ، وترحم الوالدة ولدها ، وتحنو الامهات من الحيوانات
على أولادها فإذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة الواحدة إلى تسع وتسعين رحمة
فيرحم بها امة محمد صلى الله عليه واله ، ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة . تمام
الخبر .
11 - فس : قوله : و " أنه تعالى جد ربنا " قال : هو شئ قالته الجن بجهالة فلم
يرضه الله تعالى منهم ، ومعنى جد ربنا أي بخت ربنا .
12 - ل : في خبر الاعمش ، عن الصادق عليه السلام : يقال في افتتاح الصلاة : تعالى
عرشك ، ولا يقال : تعالى جدك .
أقول : قد مضى بعض الاخبار المناسبة للباب في باب إثبات الصانع ، وسيأتي
بعضها في باب الجوامع .
[184]
} باب 3 {
} عدد أسماء الله تعالى وفضل احصائها وشرحها {
الايات ، الفاتحة " 1 " إلى " مالك يوم الدين " 4
البقرة " 2 " وهو بكل شئ عليم 29 " وقال تعالى " : إن الله غفور رحيم 172 و
182 و 199 و 226 " وقال " : والله سريع الحساب 202 " وقال تعالى " : واعلموا أن
الله شديد العقاب 196 " وقال تعالى " : والله رؤف بالعباد 207 " وقال تعالى " : فاعلموا
أن الله عزيز حكيم 209 " وقال تعالى " : فإن الله شديد العقاب 211 " وقال تعالى " : والله
غفور رحيم 218 " وقال تعالى " : إن الله عزيز حكيم 220 " وقال تعالى " : والله سميع
عليم 224 و 256 " وقال تعالى " : والله غفور حليم 225 " وقال تعالى " : فإن الله غفور
رحيم 192 " وقال تعالى " فإن الله سميع عليم 227 " وقال تعالى " : والله عزيز حكيم 228
و 240 " وقال تعالى " : واعلموا أن الله بما تعملون بصير 233 " وقال " : والله بما تعملون
خبير 234 و 271 " وقال تعالى " : واعلموا أن الله غفور حليم 235 " وقال " : واعلموا أن الله
سميع عليم 244 " وقال " : والله واسع عليم ( في مواضع ) 247 و 256 و 261 و 268 " وقال :
وهو العلي العظيم 255 " وقال " : ربنا ( في مواضع ) 127 ، 128 و 129 و 200 و 201 و 250
و 285 " وقال تعالى " : الله لا إله إلا هو الحي القيوم 254 " وقال " : والله غني حليم 263
" وقال " : واعلموا أن الله غني حميد 267 " وقال " : والله على كل شئ قدير 284
آل عمران " 3 " إنك أنت الوهاب 8
النساء " 4 " إن الله كان عليكم رقيبا 2 " وقال " : وكفى بالله حسيبا 6 " وقال " : إن
الله كان توابا رحيما 16 " وقال " : إن الله كان عليا كبيرا 34 " وقال " : إن الله كان عفوا
غفورا 43 " وقال " : وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا 45 " وقال " : وكفى بالله شهيدا 79
" وقال " وكفى بالله وكيلا 81 " وقال " : وكان الله على كل شئ مقيتا 85 " وقال " : إن الله
[185]
كان على كل شئ حسيبا 86 " وقال " : وكان الله واسعا حكيما 130 " وقال " : وكان الله
شاكرا عليما 147
الاعراف " 7 " وهو خير الحاكمين 87 " وقال " : وأنت خير الفاتحين 89 " وقال
تعالى " : ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون
ما كانوا يعملون 180
الانفال " 8 " فإن الله عزيز حكيم 49 " وقال " : إن الله قوي شديد العقاب 52
يونس " 10 " وهو خير الحاكمين 109
هود " 11 " من لدن حكيم خبير 1
يوسف " 12 " الواحد القهار 39 " وقال " : فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين 64
الرعد " 13 " وهو شديد المحال 13
الاسرى " 17 " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسنى 110
طه " 20 " فتعالى الله الملك الحق 114
الحج " 22 " إن الله لقوي عزيز 40
النور " 14 " ويعلمون أن الله هو الحق المبين 25 " وقال تعالى " : والله واسع
عليم 32
الاحزاب " 33 " إن الله كان لطيفا خبيرا 34
فاطر " 35 " إنه غفور شكور 30
الفتح " 48 " وكان الله عزيزا حكيما 7


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 185 سطر 19 الى ص 193 سطر 18

الحجرات " 49 " إن الله تواب رحيم 12
الذاريات " 51 " إن الله هو الرزاق ذوالقوة المتين 58
الرحمن " 55 " ذو الجلال والاكرام 27
المجادلة " 58 " وإن الله لعفو غفور 2
الحشر " 59 " هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم *
هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر
[186]
سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى يسبح له
ما في السموات والارض وهو العزيز الحكيم 22 - 24
الجمعة " 62 " والله خير الرازقين 11
1 - يد : القطان ، عن ابن زكريا القطان ، عن ابن حبيب ، عن ابن بهلول ، عن
أبيه ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران ، ( 1 ) عن الصادق جعفر بن محمد ،
عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن
أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما ،
مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة ، وهي : الله ، الاله ، الواحد ، الاحد ، الصمد ،
الاول ، الآخر ، السميع البصير ، القدير ، القاهر ، العلي ، الاعلى ، الباقي ، البديع ،
البارئ ، الاكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحي ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحق ، الحسيب ،
الحميد ، الحفي ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، الذارئ ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ،
الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، السيد ، السبوح
الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ، العدل ، العفو ، الغفور ، الغني ، الغياث ، الفاطر ،
الفرد ، الفتاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدوس ، القوي ، القريب ، القيوم ، القابض ،
الباسط ، قاضي الحاجات ، المجيد ، المولى ، المنان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصور ،
* ( هامش ) * ( 1 ) هو سليمان بن مهران أبومحمد الاسدى مولاهم الاعمش الكوفى ، أورد ترجمته العامة و
الخاصة في تراجمهم مع إطرائه والثناء عليه ، قال ابن حجر في ص 210 من تقريبه : سليمان بن مهران
الاسدى الكاهلى ، أبومحمد الكوفى الاعمش ثقة ، حافظ ، عارف بالقراءة ، لكنه يدلس ، من
الخامسة ، مات سنة سبع وأربعين أو ثمان ، وكان مولده أول احدى وستين سنة .
وقال المحقق الداماد قدس الله روحه في ص 78 من رواشحه : الاعمش الكوفى المشهور ، ذكره
الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب الصادق عليه السلام وهو أبومحمد سليمان بن مهران الاسدى مولاهم
معروف بالفضل والثقة والجلالة والتشيع والاستقامة . والعامة أيضا مثنون عليه ، مطبقون على
فضله وثقته ، مقرون بجلالته ، مع اعترافهم بتشيعه ، ومن العجب أن أكثر أرباب الرجال قد تطابقوا
على الاغفال من أمره ، ولقد كان حريا بالذكر والثناء عليه ، لاستقامته وثقته وفضله ، والاتفاق على
علو قدره وعظم منزلته ، له ألف وثلاث مائة حديث ، مات سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وثمانين
سنة . ( * )
[187]
الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضر ، الوتر ، النور ، الوهاب ، الناصر ، الواسع ،
الودود ، الهادي ، الوفي ، الوكيل ، الوارث ، البر ، الباعث ، التواب ، الجليل ،
الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ،
الشافي .
ل : بالاسناد المذكور مثله ، وقال فيه : وقد رويت هذا الخبر من طرق مختلفة
وألفاظ مختلفة .
2 - يد : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي ، عن علي بن موسى الرضا ،
عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : إن لله عزوجل تسعة . و
تسعين اسما ، من دعا الله بها استجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنة .
قال الصدوق رحمه الله : معنى قول النبي صلى الله عليه واله : لله تبارك وتعالى تسعة وتسعون
اسما من أحصاها دخل الجنة إحصاؤها هو الاحاطة بها ، والوقوف على معانيها ، و
ليس معنى الاحصاء عدها : وبالله التوفيق .
" الله والاله " الله والا له المستحق للعبادة ولا تحق العبادة إلاله ، وتقول : لم يزل إلها
بمعنى أنه يحق له العبادة ، ولهذا لما ضل المشركون فقدروا أن العبادة تجب للاصنام ( 1 )
سموها آلهة ، وأصله الالهة وهي العبادة ، ويقال : أصله الاله يقال : أله الرجل يأله
إليه أي فزع إليه من أمر نزل به ، وألهه أي أجاره ، ومثاله من الكلام " الامام " فاجتمعت
همزتان في كلمة كثر استعمالهم لها فاستثقلوهما فحذفوا الاصلية لانهم وجدوا فيما بقي
دلالة عليها ، فاجتمعت لامان أو لهما ساكنة فأدغموها في الاخرى فصارت لاما مثقلة
في قولك : الله .
" الاحد الواحد " الاحد معناه أنه واحد في ذاته ليس بذي أبعاض ولا أجزاء
ولا أعضاء ، ولا يجوز عليه الاعداد والاختلاف لان اختلاف الاشياء ، من آيات وحدانيته
مما دل به على نفسه ، ويقال : لم يزل الله واحدا ومعنى ثان أنه واحد لا نظير له ولا
يشاركه في معنى الوحدانية غيره لان كل من كان له نظراء أو أشباه لم يكن واحدا في
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : فقد رأوا أن العبادة تجب للاصنام . ( * )
[188]
الحقيقه ، ويقال : فلان واحد الناس أي لا نظيرله فيما يوصف به ، والله واحد لامن عدد
لانه عزوجل لايعد في الاجناس ، ولكنه واحد ليس له نظير ، وقال بعض الحكماء
في الواحد والاحد : إنما قيل : الواحد لانه متوحد ، والاول لاثاني له ( 1 ) ثم
ابتدع الخلق كلهم محتاجا بعضهم إلى بعض ، والواحد من العدد في الحساب ليس قبله
شئ بل هو قبل كل عدد ، والواحد كيف ما أردته أو جزأته لم يزد فيه شئ ولم ينقص منه
شئ ، تقول : واحد في واحد فلم يزد عليه شئ ولم يتغير اللفظ عن الواحد فدل أنه لا
شئ قبله ، وإذا دل أنه لا شئ قبله دل أنه محدث الشئ ، وإذا كان هو مفني الشئ دل
أنه لا شئ بعده فإذا لم يكن قبله شئ ولا بعده شئ فهو المتوحد بالازل فلذلك قيل :
واحد أحد ، وفي الاحد خصوصية ليست في الواحد تقول : ليس في الدار واحد يجوز
أن واحدا من الدواب أو الطير أو الوحوش أو الانس لايكون في الدار ، وكان الواحد
بعض الناس وغير الناس ، وإذا قلت : ليس في الدار أحد فهو مخصوص للآدميين دون
سائرهم ، والاحد ممتنع من الدخول في الضرب والعدد والقسمة وفي شئ من الحساب ،
وهو متفرد بالاحدية ، والواحد منقاد للعدد والقسمة وغيرهما داخل في الحساب تقول :
واحد واثنان وثلاثة ، فهذا العدد والقسمة والواحد علة العدد وهو خارج من العدد و
ليس بعدد ، وتقول : واحد في اثنين أو ثلاثة فما فوقها ، وتقول في القسمة : واحد بين اثنين ،
أو ثلاثة لكل واحد من الاثنين واحد ونصف ، ومن الثلاثة ثلث فهذه القسمة ، والاحد
ممتنع في هذه كلها لايقال : أحد واثنان ، ولا أحد في أحد ، ولايقال : أحد بين اثنين ،
والاحد والواحد وغيرهما من هذه الالفاظ كلها مشتقة من الوحدة
" الصمد " : معناه السيد ، ومن ذهب إلى هذا المعنى جازله أن يقول له : لم يزل
صمدا ، ويقال للسيد المطاع في قومه الذي لا يقضون أمرا دونه : صمد ، وقد قال الشاعر :
علوته بحسام ثم قلت له * خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وللصمد معنى ثان وهو أنه المصمود إليه في الحوائج يقال : صمدت صمد هذا
الامر أي قصدت قصده ، ومن ذهب إلى هذا المعنى لم يجزله أن يقول : لم يزل صمدا
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : لاثانى معه . ( * )
[189]
لانه قد وصفه عز وجل بصفة من صفات فعله وهو مصيب أيضا ، والصمد : الذي ليس
بجسم ولاجوف له .
اقول : وقد أخرجت في معنى الصمد في تفسير قل هو الله أحد في هذا الكتاب معاني
اخرى لم احب إعادتها في هذا الباب
" الاول والاخر " ألاول والآخر معناهما أنه الاول بغير ابتداء ، والآخر بغير
انتهاء .
" السميع " السميع معناه إذا وجد المسموع كان له سامعا ، ومعنى ثان أنه سميع
الدعاء أي مجيب الدعاء ، وأما السامع فإنه يتعدى إلى مسموع ويوجب وجوده ،
ولا يجوز فيه بهذا المعنى لم يزل ، والباري عزوجل سميع لذاته .
" البصير " البصير معناه إذا كانت المبصرات كان لها مبصرا فلذلك جاز أن يقال :
لم يزل بصيرا ، ولم يجز أن يقال : لم يزل مبصرا لانه يتعدى إلى مبصر ويوجب وجوده ،
والبصارة في اللغة مصدر البصيرة وبصر بصارة ، والله عزوجل بصير لذاته ، وليس وصفنا
له تبارك وتعالى بأنه سميع بصير وصفا بأنه عالم بل معناه ما قدمناه من كونه مدركا ،
وهذه الصفة صفة كل حي لا آفة به .
بيان : أي ليس السمع والبصر مطلق العلم بل العلم بالجزئيات المخصوصة أو نوع
خاص من العلم وقد مر تحقيقه
" القدير والقاهر " القدير والقاهر معناهما أن الاشياء لاتظيق الامتناع
منه ومما يريد الانفاذ فيها ، وقد قيل : إن القادر من يصح منه الفعل إذا لم يكن في
حكم الممنوع ، والقهر : الغلبة ، والقدرة مصدر قولك : قدر قدرة أي ملك فهو قدير قادر
مقتدر ، وقدرته على ما لم يوجد واقتداره على إيجاده هو قهره وملكه لها ، وقد قال
عز ذكره : " مالك يوم الدين " ويوم الدين لم يوجد بعد ، ويقال : إنه عزوجل قاهر
لم يزل ، ومعناه أن الاشياء لا تطيق الامتناع منه ومما يريد إنفاذه فيها ، ولم يزل
مقتدرا عليها ، ولم تكن موجودة كما يقال : مالك يوم الدين ويوم الدين لم يوجد .
[190]
" العلى " : العلي معناه القاهر ، فالله العلي ذو العلا والتعالي أي ذو القدرة والقهر
والاقتدار ، يقال : علا الملك علوا ، ويقال لكل شئ علا : قدعلا علوا ، وعلا يعلي علاءا
والمعلاة : مكسب الشرف ، وهي من المعالي ، وعلو كل شئ : أعلاه - برفع العين وخفضها -
وفلان من علية الناس ( 1 ) وهو اسم ، ومعنى الارتفاع والصعود والهبوط عن الله تبارك
وتعالى منفي . ومعنى ثان أنه علي تعالى عن الاشباه والانداد وعما خاضت فيه وساوس
الجهال وترامت إليه فكر الضلال فهو علي متعال عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
وأما " الاعلى " فمعناه العلي القاهر ، ويؤيده قوله عزوجل لموسى على نبينا
وآله وعليه السلام : " لا تخف إنك أنت الاعلى " ( 2 ) أي الغالب ، وقوله عزوجل في
تحريص المؤمنين على القتال : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين " ( 3 )
وقوله عزوجل : " إن فرعون علا في الارض " ( 4 ) أي غلبهم واستولي عليهم ، وقد قال
الشاعر في هذا المعنى .
فلما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسر
ومعنى ثان أنه متعال عن الاشباه والانداد أي متنزه كما قال : " تعالى عما
يشركون " . ( 5 )
بيان : الكاسر : العقاب .
" الباقى " الباقي معناه الكائن بغير حدوث ولافناء ، والبقاء ضد الفناء ، بقي الشئ
بقاءا . ويقال : ما بقيت منهم باقية ولا وقتهم من الله واقية ، والدائم في صفاته هو الباقي أيضا
الذي لايبيد ولا يفنى .
" البديع " البديع مبدع البدائع ، ومحدث الاشياء على غير مثال واحتذاء ، وهو
* ( هامش ) * ( 1 ) يقال : فلان من علية قومه - بضم العين وكسرها وكسر اللام والياء المشدة المفتوحة - :
أى من أهل الرفعة والشرف فيهم .
( 2 ) طه : 68 .
( 3 ) آل عمران : 139 .
( 4 ) القصص : 4 .
( 5 ) يونس : 18 . ( * )
[191]
فعيل بمعنى مفعل ، كقوله عزوجل : " عذاب أليم " والمعنى : مؤلم ، وتقول العرب : ضرب وجيع والمعنى : موجع ، وقال الشاعر في هذا المعنى :
أمن ريحانة الداعي السميع * يؤرقني وأصحابي هجوع
فالمعنى : الداعي المسمع . والبدع : الشئ الذي يكون أولا في كل أمر ، ومنه
قوله عزوجل : " قل ما كنت بدعا من الرسل " ( 1 ) أي لست بأول مرسل ، والبدعة :
اسم ما ابتدع من الدين وغيره ، وقال الشاعر في هذا المعني :
وكفاك لم تخلقا للندى * ولم يك بخلهما بدعة
فكف عن الخير مقبوضة * كما حط عن مائة سبعة
واخرى ثلاثة آلافها * وتسع مائيها لها شرعة
ويقال : لقد جئت بأمر بديع أي مبدع عجيب .
بيان : ريحانة اسم المعشوقة ، والارق بالتحريك : السهر ، وأرقني كذا تأريقا
أي أسهرني أي أذهب عني النوم الداعي المسمع من قبل ريحانة ، والحال أن أصحابي
نيام . والابيات الآخر هجو لرجل يوصفه بغاية البخل ، والذي خطر بالبال أن هذا
مبني على حساب العقود ، وغرضه أن كفيه مقبوضتان ، وقوله : فكف يريد بها اليمنى
وإذا حط عن مائة سبعة كان ثلاثة وتسعين ، وعلامة الثلاثة في العقود عقد الخنصر والبنصر
والوسطى من اليمنى ، وعلامة التسعين وضع ظفر السبابة على مفصل العقدة الثانية من الابهام
منها فبهذا وصف كون جميع أصابع كفه اليمنى معقودة ، وقوله : واخرى إشارة إلى
كفه اليسرى ، وعقد الثلاثة المذكورة أولا من اليسرى موضوعة لثلاثة آلاف ، وما كان
للتسعين في اليمنى فهي بعينها لتسعمائة في اليسرى فبهذا بين كون أصابع كفه اليسرى
أيضا كلها معقودة وقوله : لها شرعة أي طريقة وعادة ، فافهم وكن من الشاكرين .
" البارئ " البارئ معناه أنه بارئ البرايا أي خالق الخلائق ، برأهم يبرأهم أي
أي خلقهم يخلقهم ، والبريئة : الخليقة وأكثر العرب على ترك همزها ، وهي فعيلة بمعني
* ( هامش ) * ( 1 ) الاحقاف : 9 . ( * )
[192]
مفعولة . وقال بعضهم : بل هي مأخوذة من بريت العود ، ( 1 ) ومنهم من يزعم أنه من
البرئ وهو التراب أي خلقهم من التراب ، وقالوا : لذلك لايهمز .
" الاكرام " ألاكرم معناه الكريم ، وقد يجيئ أفعل في معنى الفعيل مثل قوله
عزوجل : " وهو أهون عليه " ( 2 ) أي هين عليه ، ومثل قوله تعالى : " لا يصليها إلا
الاشقى " ( 3 ) وقوله : " وسيجنبها الاتقى " ( 4 ) يعني بالاشقى والاتقى الشقي والتقي ، وقد
قال الشاعر في هذا المعنى :
إن الذي سمك السماء بنا لنا * بيتا دعائمه أعز وأطول
" الظاهر " الظاهر معناه أنه الظاهر بآياته التي أظهرها من شواهد قدرته
وآثار حكمته ، وبينات حجته التي عجز الخلق عن إبداع أصغرها وإنشاء أيسرها و
أحقرها عندهم كما قال الله عزوجل : " إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا
ولو اجتمعوا له " ( 5 ) فليس شئ من خلقه إلا وهو شاهدله على وحدانيته من جميع جهاته
وأعرض تبارك وتعالى عن وصف ذاته فهو ظاهر بآياته محتجب بذاته . ومعنى ثان أنه
ظاهر غالب قادر على ما يشاء ، ومنه قوله عزوجل : " فأصبحوا ظاهرين " ( 6 ) أي غالبين
لهم .
" الباطن " الباطن معناه أنه قد بطن عن الاوهام فهو باطن بلا إحاطة لايحيط به
محيط لانه قدم الفكر فخبت عنه ، ( 7 ) وسبق العلوم فلم تحط به ، وفات الاوهام فلم
فلم تكتنهه ، وحارت عنه الابصار فلم تدركه ، فهو باطن كل باطن ، ومحتجب كل محتجب ،
بطن بالذات ، وظهر وعلا بالآيات فهو الباطن بلا حجاب ، والظاهر بلا اقتراب . ومعنى
ثان أنه باطن كلشئ أي خبير بصير بما يسرون وما يعلنون ، وبكل ماذرأ . وبطانة
الرجل : وليجته من القوم الذين يداخلهم ويداخلونه في دخلة أمره ، والمعنى أنه عز و
جل عالم بسرائرهم لا أنه عزوجل يبطن في شئ يواريه .
" الحى " الحي معناه أنه الفعال المدبر ، وهو حي لنفسه لا يجوز عليه الموت .
* ( هامش ) * ( 1 ) ى من برى يبرى بريا أى تحت .
( 2 ) الروم : 27
( 3 ، 4 ) الليل : 15 - 17 .
( 5 ) الحج : 73 .
( 6 ) الصف : 14 .
( 7 ) أى خفى عنه . ( * )
[193]
والفناء ، وليس يحتاج إلى حياة بها يحيى .
" الحكيم " الحكيم معناه أنه عالم ، والحكمة في اللغة : العلم ، ومنه قوله عز
وجل : " يؤتي الحكمة من يشاء " ( 1 ) ومعنى ثان أنه محكم وأفعاله محكمة متقنة من
الفساد ، وقد حكمته وأحكمته لغتان ، وحكمة اللجام سميت بذلك لانها تمنعه من
الجرئ الشديد ، وهو ما أحاطت بحنكه .
" العليم " العليم معناه أنه عليم بنفسه عالم بالسرائر مطلع على الضمائر لا تخفى
عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة ، علم الاشياء قبل حدوثها وبعدما أحدثها ، سرها
وعلانيتها ، ظاهرها وباطنها ، وفي علمه عزوجل بالاشياء على خلاف علم الخلق دليل
على أنه تبارك وتعالى بخلافهم في جميع معانيهم ، والله عالم لذاته ، والعالم من يصح منه
الفعل المحكم المتقن ، فلا يقال : إنه يعلم الاشياء بعلم ، كما لا يثبت معه قديم غيره بل يقال :
إنه ذات عالمة ، وهكذا يقال في جميع صفات ذاته .
" الحليم " الحليم معناه أنه حليم عمن عصاه ، لا يعجل عليهم بعقوبة . ( 2 )
" الحفيظ " الحفيظ معناه الحافظ وهو فعيل بمعنى فاعل ، ومعناه أنه يحفظ
الاشياء ويصرف عنها البلاء ، ولا يوصف بالحفظ على معنى العلم لانا نوصف بحفظ
القرآن والعلوم على المجاز ، والمراد بذلك أنا إذا علمناه لم يذهب عنا كما إذا حفظنا
الشئ لم يذهب عنا .
" الحق " الحق معناه الحق ، ويوصف به توسعا لانه مصدر ، وهو كقولهم :
غياث المستغيثين . ومعنى ثان يراد به أن عبادة الله هي الحق ، وعبادة غيره هي الباطل ،


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 193 سطر 19 الى ص 201 سطر 18

ويؤيد ذلك قوله عزوجل : " ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل " ( 3 )
أي يبطل ويذهب ولا يملك لاحد ثوابا ولا عقابا .
" الحسيب " الحسيب معناه المحصى لكل شئ العالم به ، لا يخفي عليه شئ . و
* ( هامش ) * ( 1 ) البقرة : 269 .
( 2 ) وفى نسخة : لا يعجل عليهم بعقوبته .
( 3 ) الحج : 62 . ( * )
[194]
معنى ثان أنه المحاسب لعباده ، يحاسبهم بأعمالهم ويجازيهم عليها ، وهو فعيل على معنى
مفاعل مثل جليس ومجالس . ومعنى ثالث أنه الكافي ، والله حسبي وحسبك أي كافينا ، و
أحسبني هذا الشئ أي كفاني ، وأحسبته أي أعطيته حتى قال : حسبي ، ومنه قوله عز
وجل : " جزاء من ربك عطاءا حسابا " ( 1 ) أي كافيا
" الحميد " الحميد معناه المحمود وهو فعيل في معنى مفعول ، والحمد : نقيض
الذم ، ويقال : حمدت فلانا إذا رضيت فعله ونشرته في الناس .
" الحفى " الحفي معناه العالم ، ومنه قوله عزوجل : " يسئلونك كأنك حفي
عنها " ( 2 ) أي يسألونك عن الساعة كأنك عالم بوقت مجيئها . ومعنى ثان أنه اللطيف ،
والحفاية مصدر ، الحفي : اللطيف المحتفي بك ببرك وبلطفك .
" الرب " الرب المالك ، وكل من ملك شيئا فهو ربه ، ومنه قوله عزوجل .
" ارجع إلى ربك " ( 3 ) أي إلى سيدك ومليكك ، وقال قائل يوم حنين : لان يربني
رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن . يريد : إن يملكني ويصير لي
ربا ومالكا . ولا يقال لمخلوق الرب بالالف واللام لان الالف واللام دالتان على
العموم ، وإنما يقال للمخلوق : رب كذا فيعرف بالاضافة لانه لايملك غيره فينسب إلى
ملكيته ، والربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة للرب في معنى الربوبية له ، والربيون
الذين صبروا مع الانبياء عليهم الصلاة والسلام .
" الرحمن " الرحمن معناه الواسع الرحمة على عباده يعمهم بالرزق والانعام
عليهم ، ويقال : هو اسم من أسماء الله تبارك وتعالى في الكتب لاسمي له فيه ، ويقال
للرجل : رحيم القلب ، ولا يقال : رحمن لان الرحمن يقدر على كشف البلوى ، ولا يقدر
الرحيم من خلقه على ذلك ، وقد جوز قوم أن يقال للرجل : رحمن ، وأرادوا به الغاية
في الرحمة ، وهذا خطأ ، والرحمن : هو لجميع العالم ، والرحيم هو للمؤمنين خاصة .
" الرحيم " الرحيم معناه أنه رحيم بالمؤمنين يخصهم برحمته في عاقبة أمرهم
* ( هامش ) * ( 1 ) النبأ : 36 .
( 2 ) الاعراف : 187
( 3 ) يوسف : 50 . ( * )
[195]
كما قال الله عزوجل : " وكان بالمؤمنين رحيما " ( 1 ) والرحمن الرحيم اسمان مشتقان
من الرحمة على وزن ندمان ونديم ، ومعنى الرحمة : النعمة ، والراحم : المنعم ، كما قال
عزوجل لرسوله : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ( 2 ) يعنى نعمة عليهم ، ويقال للقرآن :
هدي ورحمة ، وللغيث رحمة يعني نعمة ، وليس معنى الرحمة : الرقة لان الرقة عن الله
عزوجل منفية ، وإنما سمي رقيق القلب من الناس رحيما لكثرة ما يوجد الرحمة منه ،
ويقال : ما أقرب رحم فلان ! إذا كان ذا مرحمة وبر ، والمرحمة : الرحمة ، ويقال : رحمته مرحمة
ورحمة .
" الذارئ " الذارئ معناه الخالق يقال : " ذرأ الله الخلق وبرأهم أي خلقهم ، وقد
قيل : إن الذرية منه اشتق اسمها ، كأنهم ذهبوا إلى أنها خلق الله عزوجل خلقها من
الرجل ، وأكثر العرب على ترك همزها ، وإنما تركوا الهمز في هذا المذهب لكثرة
ترددهان في أفواههم كما تركوا همزة البرية وهمزة برئ وأشباه ذلك ومنهم من يزعم أنها
من ذروت أو ذريت معا يريد أنه قد كثرهم وبثهم في الارض بثا كما قال عزوجل :
" وبث منهما رجالا كثيرا ونساء " . ( 3 )
بيان : ذرو الرياح يكون بالواو والياء معا .
" الرازق " الرازق معناه أنه عزوجل يرزق عباده برهم وفاجرهم رزقا ، بفتح
الراء رواية من العرب ، ولو أرادوا المصدر لقالوا : رزقا بكسر الراء . ويقال : ارتزق الجند
رزقة واحدة أي أخذوه مرة واحدة .
" الرقيب " الرقيب معناه الحافظ ، وهو فعيل بمعنى فاعل ، ورقيب القوم :
حارسهم .
" الرؤوف " الرؤوف معناه الرحيم ، والرأفة : الرحمة .
" الرائى " الرائي معناه العالم ، والرؤية : العلم . ومعنى ثان أنه المبصر ، ومعنى
الرؤية : الابصار ، ويجوز في معنى العلم لم يزل رائيا ، ولا يجوز ذلك في معنى الابصار .
* ( هامش ) * ( 1 ) الاحزاب : 43 .
( 2 ) الانبياء : 107 .
( 3 ) النساء : 2 . ( * )
[196]
" السلام " السلام معناه المسلم ، وهو توسع لان السلام مصدر ، والمراد به أن
السلامة تنال من قبله ، والسلام والسلامة مثل الرضاع والرضاعة واللذاذ واللذاذة . ومعنى
ثان أنه يوصف بهذه الصفة لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنقص والزوال والانتقال
والفناء والموت ، وقوله عزوجل : " لهم دار السلام عند ربهم " ( 1 ) والسلام : هو الله عز
وجل ، وداره الجنة ، ويجوز أن يكون سماها سلاما لان الصائر إليها يسلم فيها من
كل ما يكون في الدنيا من مرض ووصب وموت وهرم وأشباه ذلك ، فهي دار السلامة
من الآفات والعاهات ، وقوله عزوجل : " فسلام لك من أصحاب اليمين " ( 2 ) يقول :
فسلامة لك منهم أي تخبرك عنهم سلامة ، والسلامة في اللغة : الصواب والسداد أيضا ،
ومنه قوله عزوجل : " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " ( 3 ) أي سدادا وصوابا ، و
يقال : سمي الصواب من القول سلاما لانه يسلم من العيب والاثم .
" المؤمن " المؤمن معناه المصدق ، والايمان : التصديق في اللغة ، يدل على ذلك
قوله عزوجل حكاية عن إخوة يوسف على نبينا وآله وعليه السلام : " وما أنت بمؤمن
لنا ولو كنا صادقين " ( 4 ) فالعبد مؤمن مصدق بتوحيد الله وآياته ، والله مؤمن مصدق
لما وعده ومحققه . ومعنى ثان أنه محقق حقق وحدانيته بآياته عند خلقهم وعرفهم
حقيقته لما أبدى من علاماته وأبان من بيناته وعجائب تدبيره ولطائف تقديره . ومعنى
ثالث أنه آمنهم من الظلم والجور ، وقال الصادق عليه السلام : سمي الباري عزوجل مؤمنا
لانه يؤمن من عذابه من أطاعه ، وسمي العبد مؤمنا لانه يؤمن على الله فيجيز الله أمانه ،
وقال عليه السلام : المؤمن من آمن جاره بوائقه . وقال عليه السلام : المؤمن الذي يأتمنه المسلمون
على أموالهم ودمائهم . ( 5 )
" المهيمن " المهيمن معناه الشاهد ، وهو كقوله عزوجل " ومهيمنا عليه " ( 6 ) أي
* ( هامش ) * ( 1 ) الانعام : 127 .
( 2 ) الواقعة : 91 .
( 3 ) الفرقان : 63 .
( 4 ) يوسف : 17 .
( 5 ) وفى نسخة : على أموالهم وانفسهم .
( 6 ) المائدة : 48 . ( * )
[197]
شاهدا عليه . ومعنى ثان أنه اسم مبني من الامين ، والامين اسم من أسماء الله عزوجل
كما بني المبيطر من البيطر والبيطار ، وكان الاصل فيه مؤيمنا فقلبت الهمزة هاءا كما قلبت
همزة أرقت وأيهات فقيل : هرقت وهيهات . وأمين اسم من أسما الله عزوجل ، ومن طول
الالف أراد يا أمين فأخرجه مخرج قولهم : " أزيد " على معنى يا زيد ، ويقال : المهيمن من
أسماء الله عزوجل في الكتب السابقة .
" العزيز " العزيز معناه أنه لا يعجزه شئ ولا يمتنع عليه شئ أراده فهو قاهر للاشياء
غالب غير مغلوب ، وقد يقال في مثل : " من عزيز " أي من غلب سلب ، وقوله عزوجل
حكاية عن الخصمين : " وعزني في الخطاب " ( 1 ) أي غلبني في مجاوبة الكلام ومعنى ثان
أنه الملك ، ويقال للملك العزيز كما قال إخوه يوسف ليوسف على نبينا وآله وعليه
السلام : " يا أيها العزيز " ( 2 ) والمراد به يا أيها الملك .
" الجبار " الجبار معناه القاهر الذي لا ينال ، وله التجبر والجبروت أي التعظم
والعظمة ، ويقال للنخلة التي لاتنال : " جبارة " والجبر أن تجبر إنسانا على ما يكرهه
قهرا تقول : جبرته على ما ليس كذا وكذا ، وقال الصادق عليه السلام : لاجبر ولا تفويض بل
أمر بين أمرين عنى بذلك أن الله تبارك وتعالى لم يجبر عباده على المعاصي ولم يفوض
إليهم أمر الدين حتى يقولوا بآرائهم ومقائيسهم ، فإنه عزوجل قد حدو وظف و
شرع وفرض وسن وأكمل لهم الدين فلا تفويص مع التحديد والتوظيف والشرع والفرض
والسنة وإكمال الدين . ( 3 )
" المتكبر " المتكبر مأخوذ من الكبرياء وهو اسم للتكبر والتعظم .
" السيد " السيد معناه الملك ، ويقال لملك القوم وعظيمهم . سيد ، وقد سادهم
يسودهم ، وقيل لقيس بن عاصم : بم سدت قومك ؟ قال : ببذل الندى وكف الاذى
* ( هامش ) * ( 1 ) ص : 23 .
( 2 ) يوسف : 78 .
( 3 ) سجيئ في باب الجبر والتفويض من المجلد الثالث أن معنى الرواية نفى الجبر والتفويض في
الافعال وإثبات الواسطة لانفى الجبر في الافعال والتفويض في الاحكام . ط ( * )
[198]
ونصر المولى . وقال النبي صلى الله عليه واله : علي سيد العرب ، فقالت عائشة : يا رسول الله ألست
سيد العرب ؟ قال : أنا سيد ولد آدم ، وعلي سيد العرب ، فقالت عائشة : يا رسول الله
وما السيد ؟ قال : من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي وقد أخرجت هذا الحديث
مسندا في كتاب معاني الاخبار فعلى معنى هذا الحديث السيد هو الملك الواجب الطاعة .
" سبوح " سبوح هو حرف مبني على فعول ، وليس في كلام العرب فعول إلا
سبوح قدوس ، ومعناهما واحد ، وسبحان الله تنزيها له عن كل مالا ينبغي أن يوصف
به ، ونصبه لانه في موضع فعل على معنى تسبيحا لله يريد سبحت تسبيحا ، ويجوز أن
يكون نصبا على الظرف ومعناه نسبح لله وسبحوالله
بيان : الواو في قوله : وسبحوالله للحال ، وهو بيان لحاصل معنى الظرفية أي
اسبح الله عند تسبيح كل مسبح لله .
" الشهيد " الشهيد معناه الشاهد بكل مكان صانعا ومدبرا على أن المكان
مكان لصنعه وتدبيره لا على أن المكان مكان له لانه عزوجل كان ولا مكان
" الصادق " الصادق معناه أنه صادق في وعده ، ولا يبخس ( 1 ) ثواب من يفي بعهده .
" الصانع " الصانع معناه أنه صانع كل مصنوع أي خالق كل مخلوق ، ومبدع
جميع البدائع ، وكل ذلك دال على أنه لايشبه شيئا من خلقه لانالم نجد فيما شاهدنا
فعلا يشبه فاعله لانهم أجسام وأفعالهم غير أجسام ، والله تعالى عن أن يشبه أفعاله ، و
أفعاله لحم ودم وعظم وشعر وعصب وعروق وأعضاء وجوارح وأجزاء ونور وظلمة وأرض
وسماء وشجر وحجر وغير ذلك من صنوف الخلق ، وكل ذلك فعله وصنعه عزوجل ،
وجميع ذلك دليل على وحدانيته ، شاهد على انفراده وعلى أنه بخلاف خلقه وأنه لا
شريك له ، وقال بعض الحكماء في هذا المعنى وهو يصف النرجس :
عيون في جفون في فنون * بدت فأجاد صنعتها المليك
بأبصار التغنج طامحات * كأن حداقها ذهب سبيك
على غصن الزمرد مخبرات * بأن الله ليس له شريك
* ( هامش ) * ( 1 ) اى لاينقص ولا يظلم .
[199]
" الطاهر " الطاهر معناه أنه متنزه عن الاشباه والانداد والاضداد والامثال
والحدود والزوال والانتقال ، ومعاني الخلق من العرض والطول والاقطار والثقل والخفة
والدقة والغلظ والدخول والخروج والملازقة والمباينة والرائحة والطعم واللون والمجسمة
والخشونة واللين والحرارة والبرودة والحركة والسكون والاجتماع والافتراق و
التمكن في مكان دون مكان لان جميع ذلك محدث مخلوق وعاجز ضعيف من جميع الجهات
دليل على محدث أحدثه وصانع صنعه قادر قوي طاهر عن معانيها لايشبه شيئا منها لانها
دلت من جميع جهاتها على صانع صنعها ومحدث أحدثها ، وأوجبت على جميع ما غاب
عنها من أشباهها وأمثالها أن يكون دالة على صانع صنعها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
" العدل " العدل معناه الحكم بالعدل والحق ، وسمي به توسعا لانه مصدر
والمراد به العادل ، والعدل من الناس المرضي قوله وفعله وحكمه .
" العفو " العفو اسم مشتق من العفو على وزن فعول ، والعفو : المحو ، يقال : عفي
الشئ : إذا امتحى وذهب ودرس ، وعفوته أنا : إذا محوته ، ومنه قوله عزوجل : " عفا
الله عنك " ( 1 ) أي محا الله عنك إذنك لهم .
" الغفور " الغفور اسم مشتق من المغفرة وهو الغافر الغفار وأصله في اللغة : التغطية
والستر تقول : غفرت الشئ : إذا غطيته ، ويقال : هذا أغفر من هذا أي أستر ، وغفر الخز
والصوف : ما علا فوق الثوب منهما كالزئبر ، يسمى غفرا لانه ستر الثوب ، ويقال لجنة
الرأس : مغفر لانها تستر الرأس ، والغفور : الساتر لعبده برحمته
بيان : الغفر بالتحريك . الزئبر بكسر الزاء فالهمزة الساكنة فالباء الموحدة
المكسورة ، وهو ما يعلو الثوب الجديد مثل ما يعلو الخز
" الغنى " الغني معناه أنه الغني بنفسه عن غيره وعن الاستعانة بالآلات والادوات
وغيرها ، والاشياء كلها سوى الله عزوجل متشابهة في الضعف والحاجة فلا يقوم بعضها
إلا ببعض ولا يستغني بعضها عن بعض .
" الغياث " الغياث معناه المغيث سمي به توسعا لانه مصدر .
* ( هامش ) * ( 1 ) التوبة : 43 . ( * )
[200]
" الفاطر " الفاطر معناه الخالق فطر الخلق أي خلقهم ، وابتدأ صنعة الاشياء و
ابتدعها فهو فاطرها أي خالقها ومبدعها .
" الفرد " الفرد معناه أنه المتفرد بالربوبية والامر دون الخلق . ومعنى ثان
أنه موجود وحده لا موجود معه .
" الفتاح " الفتاح معناه أنه الحاكم ومنه قوله عزوجل : " وأنت خير الفاتحين " ( 1 )
وقوله عزوجل : " وهو الفتاح العليم " . ( 2 )
" الفالق " الفالق اسم مشتق من الفلق ومعناه في أصل اللغة : الشق يقال : سمعت
هذا من فلق فيه ، وفلقت الفستقة فانفلقت ، وخلق الله تبارك وتعالى كل شئ فانفلق عن
جميع ما خلق ، فلق الارحام فانفلقت عن الحيوان ، وفلق الحب والنوى فانفلقا عن النبات
وفلق الارض فانفلقت عن كل ما أخرج منها هو كقوله عزوجل : " والارض ذات الصدع " ( 3 )
صدعها فانصدعت ، وفلق الظلام فانفلق عن الاصباح ، وفلق السماء فانفلقت عن القطر ،
وفلق البحر لموسى على نبينا وآله وعليه السلام فانفلق فكان كل فرق منه كالطود العظيم
" القديم " القديم معناه المتقدم للاشياء كلها ، وكل متقدم لشئ يسمى قديما
إذا بولغ في الوصف ، ولكنه سبحانه قديم لنفسه بلا أول ولا نهاية ، وسائر الاشياء لها
أول ونهاية ، ولم يكن لها هذا الاسم في بدئها فهي قديمة من وجه ومحدثة من وجه ،
وقد قيل : إن القديم معناه أنه الموجود لم يزل ، وإذا قيل لغيره أنه قديم كان على المجاز
لان غيره محدث ليس بقديم .
" الملك " الملك هو مالك الملك قد ملك كل شئ ، والملكوت : ملك الله عزوجل زيدت
فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت ، تقول العرب : رهبوت خير من رحموت أي لان
ترهب خير من أن ترحم .
" القدوس " القدوس معناه الطاهر ، والتقديس : التطهير والتنزيه ، وقوله عز
وجل حكاية عن الملائكة : " ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " ( 4 ) أي ننسبك إلى
* ( هامش ) * ( 1 ) الاعراف : 89 .
( 2 ) سباء : 26 .
( 3 ) الطارق : 12 .
( 4 ) البقرة : 30 . ( * )
[201]
الطهارة ونسبحك . ونسبح بحمدك ونقدس لك بمعنى واحد ، وحظيرة القدس : موضع
القدس من الادناس التي تكون في الدنيا والاوصاب ( 1 ) والاوجاع وأشباه ذلك ، وقد
قيل : إن القدوس من أسماء الله عزوجل في الكتب .
" القوى " القوي " معناه معروف ، وهو القوي بلا معاناة ولااستعانة .
" القريب " القريب معناه المجيب ، ويؤيد ذلك قوله عزوجل : " فإني قريب
اجيب دعوة الداع إذا دعان " ( 2 ) ومعنى ثان أنه عالم بوساوس القلوب . لاحجاب بينه
وبينها . ولامسافة ، ويؤيد هذا المعنى قوله عزوجل : " ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما
توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " ( 3 ) فهو قريب من غير مماسة ،
بائن من خلقه بغير طريق ولا مسافة بل هو على المفارقة لهم في المخالطة ، والمخالفة لهم
في المشابهة ، وكذلك التقرب إلى الله ليس من جهة الطرق والمسائف ( 4 ) إنما هو من جهة
الطاعة وحسن العبادة فالله تبارك وتعالى قريب دان دنوه من غير تنقل لانه ليس باقتطاع
المسائف يدنو ، ولا باجتياز الهواء يعلو كيف وقد كان قبل السفل والعلو ، وقبل أن يوصف
بالعلو والدنو .
" القيوم " القيوم والقيام هما فيعول وفيعال من قمت بالشئ : إذا وليته بنفسك
وتوليت حفظه وإصلاحه ، وتقديره قولهم : ما فيها من ديور ولاديار .
" القابض " القابض اسم مشتق من القبض ، وللقبض معان : منها الملك يقال :
فلان في قبضي ؟ وهذه الضيعة في قبضي ، ومنه قوله عزوجل : " والارض جميعا قبضته
يوم القيمة ، ( 5 ) وهذا كقول الله عزوجل : " وله الملك يوم ينفخ في الصور " ( 6 ) وقوله :


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 201 سطر 19 الى ص 209 سطر 18

" الامر يومئذ لله " ( 7 ) وقوله : " مالك يوم الدين " ( 8 ) ومنها إفناء الشئ ، ومن ذلك قولهم
* ( هامش ) * ( 1 ) جمع الوصب ، وهو المرض والوجع الدائم ونحول الجسم ، وقد يطلق على التعب والفتور
في البدن .
( 2 ) البقرة 186 .
( 3 ) ق : 16 .
( 4 ) المساوف جمع المسافة .
( 5 ) الزمر : 67 .
( 6 ) الانعام : 73 .
( 7 ) الانفطار : 19 .
( 8 ) الحمد : 4 . ( * )
[202]
للميت : قبضه الله إليه ، ومنه قوله عزوجل : " ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه
إلينا قبضا يسيرا " ( 1 ) فالشمس لا يقبض بالبراجم ، والله تبارك وتعالى قابضها ومطلقها ،
ومن هذا قوله عزوجل : " والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ، ( 2 ) فهو باسط على عباده
فضله وقابض ما يشاء من عائدته وأياديه ، والقبض : قبض البراجم أيضا ، وهو عن الله
تعالى ذكره منفى ، ولو كان القبض والبسط الذي ذكره الله عزوجل من قبل البراجم
لما جاز أن يكون في وقت واحد قابضا وباسطا لاستحالة ذلك ، والله تعالى ذكره في
كل ساعة يقبض الانفس ويبسط الرزق ويفعل ما يريد
بيان : البراجم مفاصل الاصابع التي بين الاشاجع ( 3 ) والرواجب ، ( 4 ) وهي
رؤوس السلاميات ( 5 ) من طهر الكف ، إذا قبض القابض كفه ارتفعت
" الباسط " الباسط معناه المنعم المفضل ، قد بسط على عباده فضله وإحسانه و
أسبغ عليهم .
نعمه .
" القاضى " القاضي اسم مشتق من القضاء ، ومعنى القضاء من الله عزوجل ثلاثة
أوجه : فوجه منها هو الحكم والالزام : يقال : قضى القاضي على فلان بكذا أي حكم
عليه به وألزمه إياه ، ومنه قوله عزوجل : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " ( 6 ) و
وجه منها هو الخبر ومنه قوله عزوجل : " وقضينا إلى بنى إسرائيل في الكتاب " ( 7 )
أي أخبرناهم بذلك على لسان النبي ، ووجه منها هو الاتمام ومنه قوله عزوجل :
" فقضيهن سبع سموات في يومين " ( 8 ) ومنه قول الناس : قضى فلان حاجتي يريد أنه
أتم حاجتي على ما سألته .
* ( هامش ) * ( 1 ) الفرقان 45 .
( 2 ) البقرة : 245 .
( 3 ) الاشاجع : اصول الاصابع التى تتصل بعصب ظاهر الكف ، أو هى عروق ظاهر الكف . : مفردها
الاشجع بفتح الهمزة وكسرها .
( 4 ) الرواجب : مفاصل اصول الاصابع ، واحدتها الراجبة .
( 5 ) جمع السلامى : كل عظم مجوف من صغار العظام ، مثل عظام الاصابع .
( 6 ) اسرى : 23 .
( 7 ) اسوى : 4 .
( 8 ) حم السجده : 12 . ( * )
[203]
" المجيد " المجيد المعناه الكريم العزيز ، ومنه قوله عزوجل : " بل هو قرآن
مجيد " ( 1 ) أي كريم عزيز ، والمجد في اللغة نيل الشرف ، ومجد الرجل وأمجد لغتان
وأمجده : كرم فعاله ومعنى ثان أنه مجيد ممجد مجده خلقه أي عظموه .
" المولى " المولى معناه الناصر ، ينصر المؤمنين ويتولى نصرهم على عدو هم ،
ويتولي ثوابهم ، وكراماتهم ، وولي الطفل هو الذي يتولي إصلاح شأنه ، والله ولي
المؤمنين وهو مولاهم وناصرهم ، والمولى في وجه آخر هو الاولى ، ومنه قول النبي
صلى الله عليه واله : من كنت مولاه فعلي مولاه وذلك على إثر كلام قد تقدمه وهو أن قال : أولى بكم
من أنفسكم ، قالوا : بلى يا رسول الله : قال : فمن كنت مولاه أي من كنت أولي به منه بنفسه
فعلي مولاه أي أولى به منه بنفسه .
" المنان " المنان معناه المعطي المنعم ، ومنه قوله عزوجل : " فامنن أو أمسك
بغير حساب " ( 2 ) وقوله عزوجل : " ولا تمنن تسكثر " . ( 3 )
" المحيط " المحيط معناه أنه محيط بالاشياء عالم بها كلها ، وكل من أخذ شيئا
كله أو بلغ علمه أقصاه فقد أحاط به ، وهذا على التوسع لان الاحاطة في الحقيقة
إحاطة الجسم الكبير بالجسم الصغير من جوانبه كإحاطة البيت بما فيه وإحاطة السور بالمدن ،
ولهذا المعنى سمي الحائط حائطا . ومعنى ثان يحتمل أن يكون نصبا على الظرف معناه
مستوليا مقتدرا كقوله عزوجل : " وظنوا أنهم احيط بهم " ( 4 ) فسماه إحاطة لهم لان
القوم إذا أحاطوا بعدو هم لم يقدر العدو على التخلص منهم .
" المبين " المبين معناه الظاهر البين حكمته المظهر لها بما أبان من بيناته و
آثار قدرته ، ويقال : بان الشئ وأبان واستبان بمعنى واحد .
" المقيت " : المقيت معناه الحافظ الرقيب ، ويقال : بل هو القدير .
" المصور " المصور هو اسم مشتق من التصوير ، يصور الصور في الارحام كيف
يشاء ، فهو مصور كل صورة ، وخالق كل مصور في رحم ومدرك ببصر ومتمثل في
نفس ، وليس الله تبارك وتعالى بالصورة والجوارح يوصف ، ولابالحدود والابعاض
( 1 ) البروج : 21 .
( 2 ) ص : 39 .
( 3 ) المدثر : 6 . ( 4 ) يونس : 22 . ( * )
[204]
يعرف ، ولا في سعه الهواء بالاوهام يطلب ، ولكن بالآيات يعرف وبالعلامات والدلالات
يحقق ، وبها يوقن ، وبالقدرة والعظمة والجلال والكبرياء يوصف لانه ليس له في خلقه
شبيه ولا في بريته عديل .
" الكريم " الكريم معناه العزيز ، يقال : فلان أكرم على من فلان أي ألزمنه
ومنه قوله عزوجل : " إنه لقرآن كريم " ( 1 ) وكذلك قوله عزوجل : " ذق إنك أنت
العزيز الكريم " . ( 2 ) ومعنى ثان أنه الجواد المفضل يقال : رجل كريم أي جواد ، وقوم كرام
أي أجواد ، وكريم وكرم مثل أديم وأدم .
" الكبير " الكبير السيد يقال لسيد القوم : كبيرهم ، والكبرياء اسم للتكبر
والتعظم .
" الكافي " الكافي اسم مشتق من الكفاية ، وكل من توكل عليه كفاه ، ولا يلجئه
إلى غيره .
" الكاشف " الكاشف معناه المفرج يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ، و
والكشف في اللغة : رفعك شيئا عما يواريه ويغطيه .
" الوتر " الوتر معناه الفرد ، وكل شئ كان فردا قيل : وتر .
" النور " النور معناه المنير ، ومنه قوله عزوجل : " الله نور السموات والارض " ( 3 )
أي منيرلهم وآمرهم وهاديهم فهم يهتدون به في مصالحهم كما يهتدون في النور الضياء
وهذا توسع ، والنور : الضياء ، والله عزوجل متعال عن ذلك علوا كبيرا لان الانوار
محدثة ، ومحدثها قديم لايشبهه شئ ، وعلى سبيل التوسع قيل : إن القرآن نور ، لان
الناس يهتدون به في دينهم كما يهتدون بالضياء في مسالكهم ، ولهذا المعنى كان النبي
صلى الله عليه واله منيرا .
" الوهاب " الوهاب معروف ، وهو من الهبة يهب لعباده ما يشاء ويمن عليهم
بما يشاء ، ومنه قوله عزوجل : " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور " ( 4 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) الواقعة : 75 .
( 2 ) الدخان : 49 .
( 3 ) النور : 35 .
( 4 ) الشورى : 49 . ( * )
[205]
" الناصر الناصر والنصير بمعنى واحد ، والنصرة : حسن المعونة
" الواسع " الواسع الغني ، والسعة : الغنى ، يقال : فلان يعطي من سعة أي من
غنى ، والوسع : جدة الرجل وقدرة ذات يده ، ويقال : أنفق على قدر وسعك .
" الودود " الودود فعول بمعنى مفعول كما يقال : هيوب ، بمعنى مهيب يراد به
أنه مودود محبوب ، ويقال : بل فعول بمعنى فاعل كقولك : غفور بمعنى غافر أي يود
عباده الصالحين ويحبهم ، والود والوداد مصدر المودة ، وفلان ودك ووديدك أي حبك
وحبيبك .
" الهادى " الهادي معناه أنه عز اسمه يهديهم للحق ، والهدي من الله عزوجل
على ثلاثة أوجه : فوجه هو الدلالة قد دلهم جميعا على الدين . والثاني هو الايمان ، و
الايمان هدى من الله عزوجل كما أنه نعمة من الله . والثالث هو النجاة وقد بين الله
عزوجل أنه سيهدي المؤمنين بعد وفاتهم فقال : " والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل
أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم " ( 1 ) ولا يكون الهدى بعد الموت والقتل إلا الثواب و
النجاة ، وكذلك قوله عزوجل : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات بهديهم ربهم
بإيمانهم " ( 2 ) وهو ضد الضلال الذي هو عقوبة الكافر ، وقال الله عزوجل : " ويضل
الله الظالمين " ( 3 ) أي يهلكهم ويعاقبهم ، وهو كقوله عزوجل : " أضل أعمالهم " ( 4 )
أي أهلك أعمالهم وأحبطها بكفرهم .
" الوفى " الوفي معناه يفي بعهدهم ويوفي بعهده ، ويقال : رجل وفي موف ،
وقد وفيت بعهدك وأوفيت لغتان .
" الوكيل " الوكيل معناه المتولي أي القائم بحفظنا ، وهذا هو معني الوكيل
على المال منا . ومعنى ثان أنه المعتمد والملجأ ، والتوكل : الاعتماد عليه والالتجاء إليه .
" الوارث " الوارث معناه أن كل من ملكه الله شيئا يموت ويبقى ما كان في ملكه
ولا يملكه إلا الله تبارك وتعالى .
* ( هامش ) * ( 1 ) محمد : 4 .
( 2 ) يونس : 9 .
( 3 ) ابراهيم : 27
( 4 ) محمد : 2 . ( * )
[206]
" البر " البر معناه الصادق يقال : صدق فلان وبر ، ويقال : برت يمين فلان : إذا
صدقت ، وأبرها الله أي أمضاها على الصدق .
" الباعث " الباعث معناه أنه يبعث من في القبور ويحييهم وينشرهم للجزاء والبقاء .
" التواب " التواب معناه أنه يقبل التوبة ويعفو عن الحوبة إذا تاب منها العبد
يقال : تاب العبد إلى الله عزوجل فهو تائب تواب إليه ، وتاب الله عليه أي قبل توبته فهو
تواب عليه ، والتؤب : التوبة ، ويقال اتأب فلان من كذا - مهموزا - : إذا استحيى منه ، و
يقال : ما طعامك بطعام تؤبة أي لا يحتشم منه ولا يستحيى منه .
بيان : لعل مراده بقوله : مهموز الهمز الاول أي بوزن باب الافعال ، ( 1 ) ولم
أعثر على ما ذكره من المعنى الاخير فيما عندنا من كتب اللغة .
" الجليل " الجليل معناه السيد يقال لسيد القوم : جليلهم وعظيمهم ، وجل
جلال الله فهو الجليل ، ذو الجلال والاكرام ، ويقال : جل فلان في عيني أي عظم ، وأجللته
أي عظمته
" الجواد " الجواد معناه المحسن المنعم الكثير الانعام والاحسان يقال : جاد
السخي من الناس يجود جودا ، ورجل جواد ، وقوم أجواد وجود أي أسخياء ، ولا يقال
لله عزوجل : سخي لان أصل السخاوة راجع إلى اللين يقال : أرض سخاوية وقرطاس
سخاوي : إذا كان لينا ، وسمي السخي سخيا للينه عند الحوائج إليه .
" الخبير " الخبير معناه العالم ، والخبر والخبير في اللغة واحد ، والخبر علمك
بالشئ يقال : لى به خبر أي علم .
بيان : قال الفيروز آبادي : رجل خابر وخبير وخبر ككتف وحجر : عالم به . ( 2 )
* ( هامش ) * ( 1 ) بل أراد قدس الله روحه أنه من باب الافتعال ، وهو من وأب يئب وأبا وإبة ، من فلان :
استحيى منه وانقبض ، وأتأب منه : استحيى منه ، والابة والتؤبة والموئبة : الحياء ، الخزى .
العار .
( 2 ) في النسخة المقروة على المصنف هكذا : بيان : لعل مراده ان الخبر والخبير مادتهما واحدة ،
والخبير مشتق من الخبر ، وإلا فالخبر بالضم بمعنى العلم ، والخبير بمعنى العالم ، وقد صرح بهما .
قلت ، لعله أفاده أولا ثم عدل إلى ما في المتن . ( * )
[207]
" الخالق " الخالق معناه الخلاق خلق الخلائق خلقا وخليقة ، والخليقة : الخلق :
والجمع الخلائق ، والخلق في اللغة : تقديرك الشئ يقال في مثل : إني إذا خلقت فريت
لاكمن يخلق ولا يفري ، وفي قول أئمتنا عليهم السلام : إن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق
تكوين ، وخلق عيسى على نبينا واله وعليه السلام من الطين كهيئة الطير هو خلق تقدير
أيضا ، ومكون الطير وخالقه في الحقيقة الله عزوجل .
بيان : قال الجوهري : الخلق : التقدير يقال : خلقت الاديم : إذا قدرته قبل
القطع ، وقال الحجاج : ما خلقت إلا فريت ولا وعدت إلا وفيت انتهى . والفري : القطع .
" خير الناصرين " خير الناصرين وخير الراحمين معناه أنه فاعل الخير إذاكثر ذلك
منه سمي خيرا توسعا .
بيان : الظاهر أن الخير بمعنى التفضيل أي الاخير وهو صفة ولا حاجة إلى ما
تكلفه .
" الديان " الديان هو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم ، والدين : الجزاء ،
ولا تجمع لانه مصدر يقال : دان يدين دينا ، ويقال في مثل : كما تدين تدان أي كما
تجزي تجزى ، قال الشاعر :
كما يدين الفتى يوما يدان به * من يزرع الثوم لا يقلعه ريحانا
" الشكور " الشكور والشاكر معناهما أنه يشكر للعبد عمله ، وهو توسع
لان الشكر في اللغة عرفان الاحسان ، وهو المحسن إلى عباده المنعم عليهم لكنه سبحانه
لما كان محازيا للمطيعين على طاعتهم جعل مجازاته شكرا لهم على المجاز ، كما سميت
مكافاة المنعم شكرا . ( 1 )
" العظيم " العظيم معناه السيد ، وسيد القوم : عظيمهم وجليلهم ، ومعنى ثان
أنه يوصف بالعظمة لغلبته على الاشياء وقدرته عليها ، ولذلك كان الواصف بذلك
معظما ، ومعنى ثالث أنه عظيم لان ما سواه كله ذليل خاضع فهو عظيم السلطان عظيم
* ( هامش ) * ( 1 ) الشكور : الكتبر الشكر ، واطلق بصفة المبالغة عليه تعالى لانه يعطى الثواب الجزيل عن
العمل القليل .
[208]
الشأن ، ومعنى رابع أنه المجيد يقال : عظم فلان في المجد عظامة ، والعظامة - مصدر - :
الامر العظيم ، والعظمة من التجبر ، وليس معنى العظيم ضخم طويل عريض ثقيل لان
هذه المعاني معاني الخلق وآيات الصنع والحدث ، وهي عن الله تبارك وتعالى منفية ،
وقد روي في الخبر أنه سمي العظيم لانه خالق الخلق العظيم ورب العرش العظيم
وخالقه .
" اللطيف " اللطيف معناه أنه لطيف بعباده فهو لطيف بهم بار بهم منعم عليهم ،
واللطف : البر والتكرمة ، يقال : فلان لطيف بالناس بار بهم : يبرهم ويلطفهم إلطافا ،
ومعنى ثان أنه لطيف في تدبيره وفعله يقال : فلان لطيف العمل . وقد روي أن معنى
اللطيف هو أنه الخالق للخلق اللطيف كما أنه سمي العظيم لانه الخالق للخلق
العظيم .
" الشافى " الشافي معناه معروف وهو من الشفاء كما قال الله عزوجل حكاية
عن إبراهيم عليه السلام : " وإذا مرضت فهو يشفين " . ( 1 )
فجملة هذه الاسماء الحسنى تسعة وتسعون اسما ، وأما تبارك فهو من
البركة ، وهو عزوجل ذو بركة ، وهو فاعل البركة وخالقها وجاعلها في خلقه ،
وتبارك وتعالى عن الولد والصاحبة والشريك وعما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وقد
قيل : إن معنى قول الله عزوجل : " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون
للعالمين نذيرا " ( 2 ) إنما عنى به أن الله الذي يدوم بقاؤه ويبقى نعمه ويصير ذكره
بركة على عباده واستدامة لنعم الله عندهم هو الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون
للعالمين نذيرا . والفرقان هو القرآن ، وإنما سماه فرقانا لان الله عزوجل فرق به
بين الحق والباطل ، وعبده الذي نزل عليه بذلك هو محمد صلى الله عليه وآله ، و
سماه عبدا لئلا يتخذ ربا معبودا ، وهذا رد على من يغلو فيه ، وبين عزوجل أنه
نزل عليه ذلك لينذر به العالمين وليخوفهم به من معاصي الله وأليم عقابه ، والعالمون :
الناس " الذي له ملك السموات والارض ولم يتخذ ولدا " ( 3 ) كما قالت النصاري إذ
* ( هامش ) * ( 1 ) الشعراء : 80 .
( 2 ) الفرقان : 2 .
( 3 ) الفرقان : 3 . ( * )
[209]
أضافوا إليه الولد كذبا عليه وخروجا من توحيده " ولم يكن له شريك في الملك وخلق
كل شئ فقدره تقديرا " ( 1 ) يعني أنه خلق الاشياء كلها على مقدار يعرفه ، وأنه لم
يخلق شيئا من ذلك على سبيل سهو ولا على غفلة ولا على تنحيب ولا على مجازفة بل على
المقدار الذي يعلم أنه صواب من تدبيره ، وأنه استصلاح لعباده في أمر دينهم ، وأنه عدل
منه على خلقه لانه لو لم يخلق ذلك على مقدار يعرفه على سبيل ما وصفنا لوجد ذلك
التفاوت والظلم والخروج عن الحكم وصواب التدبير إلى العبث وإلى الظلم والفساد
كما يوجد مثل ذلك في فعل خلقه الذين ينحبون في أفعالهم ويفعلون في ذلك مالا
يعرفون مقداره ، ولم يعن بذلك أنه خلق لذلك تقديرا فعرف به مقدار ما يفعله ثم
فعل أفعاله بعد ذلك لان ذلك إنما يوجد في فعل من لا يعلم مقدار ما يفعله إلا بهذا
التقدير وهذا التدبير ، والله سبحانه لم يزل عالما بكل شئ ، وإنما عنى بقوله : " فقدره
تقديرا " أي فعل ذلك على مقدار يعرفه - على ما بيناه - وعلى أن يقدر أفعاله لعباده
بأن يعرفهم مقدارها ووقت كونها ومكانها الذي يحدث فيه ليعرفوا ذلك ، وهذا
التقدير من الله عزوجل كتاب وخبر كتبه لملائكته وأخبرهم به ليعرفوه فلما كان كلامه
لم يوجد إلا على مقدار يعرفه لئلا يخرج عن حد الصدق إلى الكذب وعن حد الصواب
إلى الخطاء وعن حد البيان إلى التلبيس كان ذلك دلالة على أن الله قد قدره على ما هو به
وأحكمه وأحدثه ، فلهذا صار محكما لا خلل فيه ولا تفاوت ولافساد .
بيان : يقال : نحبوا تنحيبا أي جدوا في عملهم ، ولعله كناية عن عدم رعاية
الحكم فيها لان من يجد في عمله لا يقع على ما ينبغي ولايمكنه رعاية الدقائق فيه .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 209 سطر 19 الى ص 217 سطر 18

اقول : إنما اقتصرنا ههنا في شرح الاسماء على ما ذكره الصدوق رحمه الله ولم
نزد عليه شيئا ، ولم نتعرض لما ذكره أيضا إلا بما يوضح كلامه ، لئلا يطول الكلام في
هذا المقام ، وسنشرحها في كتاب الدعاء إن شاء الله تعالى .
3 - يد : علي بن عبدالله بن أحمد الاسواري ، عن مكي بن أحمد ، عن إبراهيم بن
عبدالرحمن ، عن موسى بن عامر ، عن الوليد بن مسلم ، عن زهير بن محمد ، عن موسى بن عقبة ،
* ( هامش ) * ( 1 ) الفرقان : 3 . ( * )
[210]
عن الاعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه واله قال : إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين
اسما ، مائة إلا واحدا ، إنه وتريحب الوتر ، من أحصاها دخل الجنة ، فبلغنا أن غير
واحد من أهل العلم قال : إن أولها يفتتح بلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك
وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير ، لا إله إلا الله له الاسماء الحسنى ، الله ،
الواحد ، الصمد ، الاول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الخالق ، البارئ ، المصور ،
الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الرحمن ،
الرحيم ، اللطيف ، الخبير ، السميع ، البصير ، العلي ، العظيم ، البار ، المتعالي ، الجليل ،
الجميل ، الحي ، القيوم ، القادر ، القاهر ، الحكيم ، القريب ، المجيب ، الغني ،
الوهاب ، الودود ، الشكور ، الماجد ، الاحد ، الولي ، الرشيد ، الغفور ، الكريم ،
الحليم ، التواب ، الرب ، المجيد ، الحميد ، الوفي ، الشهيد ، المبين ، البرهان ، الرؤوف ،
المبدئ ، المعيد ، الباعث ، الوارث ، القوي ، الشديد ، الضار ، النافع ، الوافي ، الحافظ ،
الرافع ، القابض ، الباسط ، المعز ، المذل ، الرازق ، ذوالقوة المتين ، القائم ، الوكيل ،
العادل ، الجامع ، المعطي ، المجتبى ، المحيي ، المميت ، الكافي ، الهادي ، الابد ،
الصادق ، النور ، القديم ، الحق ، الفرد ، الوتر ، الواسع ، المحصي ، المقتدر ، المقدم ،
المؤخر ، المنتقم ، البديع .
4 - ير : أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضيل ، عن ضريس
الوابشي ، ( 1 ) عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن اسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين
حرفا ، وإنما عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فحسف بالارض ما بينه وبين سرير
بلقيس ، ثم تناول السرير بيده ثم عادت الارض كما كانت أسرع من طرفة عين ، وعندنا
نحن من الاسم اثنين وسبعين حرفا ، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
* ( هامش ) * ( 1 ) ضريس وزان زبير ، والوابشى نسبة إلى قبيلة بنى وابش ، بطن من قيس عيلان ، تنسب إلى
وابش بن زيد بن عدوان بن الحارث بن قيس عيلان بطن من مضر . هكذا في تنقيح المقال ، ولكن
الموجود في سبائك الذهب للسويدى في ص 33 : وابش بن زيد بن عدوان بن عمرو بن قيس عيلان . ( * )
[211]
5 - ير : أحمد بن محمد ، عن أبي عبد الله البرقي يرفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال : ،
إن الله عزوجل جعل اسمه الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، فأعطي آدم منها خمسة
وعشرين حرفا وأعطى نوحا منها خمسة وعشرين حرفا ، وأعطى منها إبراهيم ثمانية
أحرف ، وأعطى موسى منها أربعة أحرف ، وأعطى عيسى منها حرفين ، وكان يحيي بهما
الموتى ويبرئ بهما الاكمة والابرص ، وأعطى محمدا اثنين وسبعين حرفا ، واحتجب
حرفا لئلا يعلم ما في نفسه ويعلم ما في نفس العباد .
اقول : قد أوردنا كثيرا من تلك الاخبار في أبواب الامامة وباب قصة بلقيس .
6 - غو : روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال : إن لله أربعة آلاف اسم ، ألف لا يعلمها
إلا الله ، وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة ، وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة والنبيون ،
وأما الالف الرابع فالمؤمنون يعلمونه ، ثلاث مائة منها في التورية ، وثلاث مائة في
الانجيل ، وثلاث مائة في الزبور ، ومائة في القرآن ، تسعة وتسعون ظاهرة ، وواحد
منها مكتوم ، من أحصاها دخل الجنة .
[212]
} باب 4 {
} جوامع التوحيد {
الايات ، البقرة " 2 " الله إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما
في السموات وما في الارض ( إلى آخر الآيات ) 255 - 257 " وقال تعالى " : واعلم أن
الله عزيز حكيم 260 " وقال " : والله واسع عليم 261 " وقال " : واعلموا أن الله غني
حميد 267
آل عمران " 3 " الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق
مصدقا لما بين يديه وأنزل التورية والانجيل * من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان
إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام * إن الله لا يخفى عليه
شئ في الارض ولا في السماء * هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء لا إله إلا هو
العزيز الحكيم 2 - 6 " وقال تعالى " : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم
قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم 18 " وقال تعالى " : قل اللهم مالك الملك تؤتي
الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على
كل شئ قدير * تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت
وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب 26 - 27 " وقال " : وإن الله هو العزيز
الحكيم 62 " وقال " : والله واسع عليم 73 " وقال تعالى " : وله أسلم من في السموات
والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون 83 " وقال " : ولله ما في السموات وما في الارض
وإلى الله ترجع الامور 109 " وقال " : والله عليم بذات الصدور 154 " وقال " : والله يحيي
ويميت والله بما تعملون بصير 156 " وقال " : والله بما تعملون خبير 180
النساء " 4 " والله عليم حكيم 26 وقال وكان الله عليما حكيما 17 و 111 " وقال " :
والله أشد بأسا وأشد تنكيلا 84 " وقال " : الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيمة
لاريب فيه ومن أصدق من الله حديثا 87 " وقال " : إن الله كان بما تعملون خبيرا 94 " وقال " :
وكان الله غفورا رحيما 96 " وقال " : ولله ما في السموات ومافي الارض وكان الله بكل شئ
[213]
محيطا 126 " وقال " : وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما 127 " وقال " : وكان الله
غنيا حميدا 131
المائدة " 5 " إن الله شديد العقاب 2 " وقال " : إن الله سريع الحساب 4 " وقال " :
إن الله عليم بذات الصدور 7 " وقال " : والله عزيز ذو انتقام 95 " وقال " : اعلموا أن الله شديد
العقاب وأن الله غفور رحيم 98 " وقال " : لله ملك السموات والارض وما فيهن وهو على
كل شئ قدير 120
الانعام " 6 " الحمد الله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور
ثم الذين كفروا بربهم يعدلون * هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى
عنده ثم أنتم تمترون * وهو الله في السموات وفي الارض يعلم سركم وجهركم ويعلم
ما تكسبون 1 - 3 " وقال تعالى " : قل لمن ما في السموات والارض قل لله كتب على نفسه
الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيمة لاريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون * وله
ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم * قل أغير الله أتخذو ليا فاطر السموات
والارض وهو يطعم ولا يطعم قل إني امرت ان أكون أول من أسلم ولا تكونن من
المشركين 14 " وقال تعالى " : وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك
بخير فهو على كل شئ قدير * وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير 17 - 18 " وقال
تعالى " : وهو الذي خلق السموات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق
وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير 73 " وقال تعالى :
إن الله فالق الحب والنوى يحرج الحي من ميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله
فأنى تؤفكون * فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير
العزيز العليم * وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا
الآيات لقوم يعلمون * وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا
الآيات لقوم يفقهون * وهو الذي أنزل من السماء ماء فاخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا
منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب
والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمروينعه إن في ذلكم لآيات
[214]
لقوم يؤمنون * وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه
وتعالى عما يصفون * بديع السموات والارض أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة
وخلق كل شئ ، وهو بكل شئ عليم * ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه
وهو على كل شئ وكيل * لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير
95 - 103 " وقال تعالى " : وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لامبدل لكلماته وهو السميع
العليم 115 " وقال " : وربك الغني ذو الرحمة 133 " وقال تعالى " : أغير الله أبغي ربا وهو
رب كل شئ 164 " وقال " : وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض
درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم 165
الاعراف : 7 " إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام ثم
استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات
بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين 54 " إلى قوله تعالى " : إن رحمت الله قريب
من المحسنين * وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته 56 - 57
الانفال " 8 " واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون 24 " وقال " :
وإن تولوا فاعلموا أن الله موليكم نعم المولى ونعم النصير 40 " وقال " : وإلى الله ترجع
الامور 44
التوبة " 9 " إن الله له ملك السموات والارض يحيي ويميت ومالكم من دون الله
من ولي ولا نصير 116 و " قال " : حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش
العظيم 129
يونس " 10 " إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام ثم
استوي على العرش يدبر الامر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه
أفلا تذكرون 3 " وقال تعالى : " : هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره
منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم
يعلمون 6 " وقال تعالى " : قل من يرزقكم من السماء والارض أم من يملك السمع
والابصار ومن يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون
[215]
الله فقل أفلا تتقون * فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى
نصرفون 31 - 32 " قال " : لا تبديل لكلمات الله 64 " وقال " : إن العزة لله جميعا هو
السميع العليم 65 " وقال " : هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن
في ذلك لآيات لقوم يسمعون 67 " وقال تعالى " : وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا
هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم 107
هود " 11 " وهو الذي خلق السموات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء
ليبلوكم أيكم أحسن عملا 7 " وقال " : والله على كل شئ وكيل 12 " وقال " : ما من دابة
إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم 56 " وقال " : إن ربي على كل شئ
حفيظ 57
يوسف " 12 " فاطر السموات والارض أنت وليي في الدنيا والآخرة 101
الرعد " 13 " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم
سوء فلا مرد له ومالهم من دونه من وال * هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ
السحاب الثقال * ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب
بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال 11 - 13 " وقال " : والله يحكم لا معقب
لحكمه وهو سريع الحساب 41
ابراهيم " 14 " إلى صراط العزيز الحميد * الله الذي له ما في السموات وما في
الارض 1 - 2
النحل " 16 " أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل
سجدا لله وهم داخرون * ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من دابة والملائكة
وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون 48 - 50 " وقال تعالى " :
ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم 60 " وقال تعالى " : ولله غيب السموات
والارض 77
ألاسرى " 17 " وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك
ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا 111
[216]
مريم " 19 " وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا * رب السموات والارض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل
تعلم له سميا 64 - 65
طه " 20 " تنزيلا ممن خلق الارض والسموات العلى * الرحمن على العرش استوى *
له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى * وإن تجهر بالقول فإنه
يعلم السر وأخفى * الله لا إله إلا هو له الاسماء الحسنى 4 - 8 " وقال " : إنما إلهكم الله
الذي لا إله إلا هو وسع كل شئ علما 98 " وقال تعالى " : وعنت الوجوه للحي القيوم
وقد خاب من حمل ظلما 111
الانبياء " 21 " وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون 112
الحج " 22 " ألم تر أن الله يسجدله من في السموات ومن في الارض والشمس
والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن
يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء 18 " وقال تعالى " : ولله عاقبة الامور 41
" وقال تعالى " : إن الله لعفو غفور * ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ،
وأن الله سميع بصير * ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله
هو العلي الكبير * ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة إن الله لطيف
خبير * له ما في السموات وما في الارض وإن الله لهو الغني الحميد * ألم تر أن الله سخر لكم
ما في الارض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الارض إلا بإذنه
إن الله بالناس لرؤف رحيم * وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الانسان
لكفور 60 - 66 " وقال تعالى " : يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الامور 76
النور " 24 " ألا إن لله ما في السموات والارض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون
إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شئ عليم 64
الفرقان " 25 " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا *
الذي له ملك السموات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق
كل شئ فقدره تقديرا 1 - 2 " وقال تعالى " : وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح
[217]
بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا * الذي خلق السموات والارض وما بينهما في
ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فسئل به خبيرا 58 - 59
الشعراء " 26 " وإن ربك لهو العزيز الرحيم 191 " وقال تعالى " : وتوكل
على العزيز الرحيم * الذي يريك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين * إنه هو السميع
العليم 217 - 220
القصص " 28 " وربك يخلق ما يشاء ويختار وما كان لهم الخيرة سبحان الله و
وتعالى عما يشركون * وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون * وهو الله لا إله إلا
هو له الحمد في الاولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون 68 - 70 " وقال تعالى " :
ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه
ترجعون 88
العنكبوت " 29 " إن الله لغني عن العالمين 6 " وقال " : يعذب من يشاء وإليه
تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الارض ولا في السماء ومالكم من دون الله من ولي ولا
نصير 21 - 22
الروم " 30 " ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم 5 " وقال تعالى " : فسبحان الله
حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السموات والارض وعشيا وحين تظهرون *
يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الارض بعد موتها وكذلك
تخرجون 17 - 19 " وقال عزوجل " : وله من في السموات والارض كل له قانتون 26
" وقال تعالى " : وله المثل الاعلى في السموات والارض وهو العزيز الحكيم 27


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 217 سطر 19 الى ص 225 سطر 18

لقمان " 26 " لله ما في السموات والارض إن الله هو الغني الحميد 26
التنزيل " 32 " الله الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم
استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون 4 " وقال سبحانه " :
ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم * الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق
الانسان من طين 6 - 7
الاحزاب " 33 " والله يقول الحق وهو يهدي السبيل 4 " وقال تعالى " : وكفى
[218]
بالله حسيبا 39 " وقال " : وكان الله بكل شئ عليما 40 " وقال " : وكان بالمؤمنين
رحيما 43 " وقال " : وكفى بالله وكيلا 48 " وقال " : ولن تجد لسنة الله تبديلا 62
سبا " 34 " الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الارض وله الحمد في الآخرة
وهو الحكيم الخبير 1 " وقال تعالى " : وربك على كل شئ حفيظ 21
فاطر " 35 " من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب و
العمل الصالح يرفعه 10 " وقال تعالى " : يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني
الحميد 15 " وقال تعالى " : فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا 43
يس " 36 " فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون 83
الصافات " 37 " سبحان ربك رب العزة عما يصفون 180
الزمر " 29 " أليس الله بكاف عبده ويخو فونك بالذين من دونه ومن يضلل الله
فماله من هاد * ومن يهد الله فماله من مضل أليس الله بعزيزذي انتقام 36 - 37
المؤمن " 40 " تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب
شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير 2 - 3
السجدة " 40 " تنزيل من حكيم حميد 42 " وقال تعالى " : إن ربك لذو مغفرة
وذو عقاب أليم 43
حمعسق " 42 " كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم *
له ما في السموات وما في الارض وهو العلي العظيم * تكاد السموات يتفطرن من فوقهن
والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض ألا إن الله هو الغفور الرحيم *
والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل 2 - 6 " وقال تعالى " :
الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز 19 " وقال عزوجل " : فإن يشأ الله يختم
على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور * وهو الذي
يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا
وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد * ولو بسط الله الرزق
لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير * وهو الذي
[219]
ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد 24 - 28 " وقال سبحانه " :
لله ملك السموات والارض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور *
أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير 49 - 50 " وقال تعالى " :
صراط الله الذي له ما في السموات وما في الارض ألا إلى الله تصير الامور 53
الزخرف " 43 " وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله وهو الحكيم العليم *
وتبارك الذي له ملك السموات والارض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون 84 - 85
الدخان " 44 " رب السموات والارض وما بينهما إن كنتم موقنين * لا إله إلا هو
يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الاولين 7 - 8
الجاثية " 45 " فلله الحمد رب السموات ورب الارض رب العالمين * وله الكبرياء
في السموات والارض وهو العزيز الحكيم 36 - 37
الاحقاف " 46 " حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * ما خلقنا السموات
والارض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى 1 - 3 " وقال سبحانه " : قل إن افتريته فلا
تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور
الرحيم 8
الفتح " 48 " ولله جنود السموات والارض وكان الله عليما حكيما 4 " وقال تعالى " :
ولله جنود السموات والارض وكان الله عزيزا حكيما 7 " وقال سبحانه " : ولله ملك السموات
والارض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما 14
النجم " 53 " وأن إلى ربك المنتهى * وأنه هو أضحك وأبكى * وأنه هو أمات
وأحياء * وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى * من نطفة إذا تمنى * وأن عليه النشأة
الاخرى * وأنه هو أغنى وأقنى * وأنه هو رب الشعرى 42 - 49
الرحمن " 55 " يسئله من في السموات والارض كل يوم هو في شأن 29 " وقال " :
تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام 78
الحديد " 57 " سبح لله ما في السموات والارض وهو العزيز الحكيم * له ملك
السموات والارض يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير * هو الاول والآخر والظاهر
[220]
والباطن وهو بكل شئ عليم * هو الذي خلق السموات والارض في ستة أيام ثم استوى
على العرش يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو
معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير * له ملك السموات والارض وإلى الله ترجع الامور
يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور 2 - 7 " وقال تعالى " :
لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من
يشاء والله ذو الفضل العظيم 29
الحشر " 59 " والصف " 61 " سبح لله ما في السموات وما في الارض وهو العزيز
الحكيم 1
الجمعة " 62 " يسبح لله ما في السموات وما في الارض الملك القدوس العزيز
الحكيم 2
المنافقين " 63 " ولله خزائن السموات والارض 7 " وقال تعالى " : ولله العزة
ولرسوله وللمؤمنين 8
التغابن " 64 " يسبح لله ما في السموات وما في الارض له الملك وله الحمد وهو
على كل شئ قدير * هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون
بصير * خلق السموات والارض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير * يعلم
ما في السموات والارض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور 1 - 4 " وقال
تعالى " : والله عني حميد 6 " وقال عزوجل " : إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم
ويغفرلكم والله شكور حليم * عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم - 18
الطلاق " 65 " إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا 3
التحريم " 66 " والله موليكم وهو العليم الحكيم 2
الملك " 67 " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير * الذي خلق
الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور 1 - 2
البروج " 85 " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد * الذي له ملك
السموات والارض والله على كل شئ شهيد 8 - 9 " وقال تعالى " : إن بطش ربك لشديد *
[221]
إنه هو يبدئ ويعيد * وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد 12 - 16
" وقال تعالى " : والله من ورائهم محيط 20
الاعلى " 87 " سبح اسم ربك الاعلى * الذى خلق فسوى * والذي قدر
فهدى * والذي أخرج المرعى * فجعله غثاء أحوى 2 - 6
الناس " 114 " قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس 2 - 4
1 - يد ، لى : ابن عصام ، عن الكليني ، عن محمد بن علي بن معن ، عن محمد بن علي
ابن عاتكة ، عن الحسين بن النضر الفهري ، عن عمر والاوزاعي ، عن عمرو بن شمر ، عن
جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ، عن ابيه ، عن جده عليهم السلام قال :
قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة خطبها بعد موت النبي صلى الله عليه واله بتسعة أيام - وذلك حين فرغ
من جمع القرآن - فقال : الحمد لله الذي أعجز الاوهام أن تنال إلا وجوده ، وحجب
العقول عن أن تتخيل ذاته في امتناعها من الشبه والشكل ، بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته
ولم يتبعض بتجزية العدد في كماله ، فارق الاشياء لاعلى اختلاف الاماكن ، وتمكن منها
لا على الممازجة ، وعلمها لابأداة لا يكون العلم إلابها ، وليس بينه وبين معلومه علم غيره
إن قيل : " كان " فعلى تأويل أزلية الوجود ، وإن قيل : " لم يزل " فعلى تأويل نفي العدم
فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا .
ف : خطبة المعروفة بالوسيلة : الحمد الله الذي أعدم الاوهام أن تنال إلى وجوده
إلى آخر مامر .
أقول : سيأتي الخطبة بتمامها في أبواب المواعظ مع شرحها .
2 - يد ، ن : حدثنا . أبوالعباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضوان الله
علمه ، قال : حدثنا أبوسعيد الحسن بن علي العدوي ، قال : حدثنا الهيثم بن عبدالله
الرماني ، قال : حدثني علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر
ابن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام
قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس في مسجد الكوفة فقال : الحمد لله الذي لامن
شئ كان ، ولا من شئ كون ما قد كان ، المستشهد بحدوث الاشياء على أزليته ، وبما
[222]
وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، لم يخل منه
مكان فيدرك بأينية ، ولاله شبح مثال فيوصف بكيفية ، ولم يغب عن شئ فيعلم بحيثية
مبائن لجميع ما أحدث في الصفات ، وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات ،
وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات ، محرم على بوارع ناقبات الفطن
تحديده ، وعلى عوامق ثاقبات الفكر تكييفه ، وعلى غوائص سابحات النظر تصويره ،
لا تحويه الاماكن لعظمته ، ولا تذرعه المقادير لجلاله ، ولا تقطعه المقائيس لكبريائه ،
ممتنع عن الاوهام أن تكتنهه ، وعن الافهام أن تستغرقه ، وعن الاذهان أن تمتثله ، وقد
يئست من استنباط الاحاطة به طوامح العقول ، ونضبت عن الاشارة إليه بالاكتناه
بحار العلوم ، ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم ، واحد لامن
عدد ، ودائم لابأمد ، وقائم لابعمد ، وليس بجنس فتعادله الاجناس ، ولا بشبح فتضارعه
الاشباح ، ولاكالاشياء فتقع عليه الصفات ، قد ضلت العقول في أمواج تيار إدراكه ، و
تحيرت الاوهام عن إحاطة ذكر أزليته ، وحصرت الافهام عن استشعار وصف قدرته ،
وغرقت الاذهان في لجج أفلاك ملكوته ، مقتدر بالآلاء ، وممتنع بالكبرياء ، ومتملك
على الاشياء ، فلادهر يخلقه ، ولاوصف يحيط به ، قد خضعت له رواتب الصعاب في محل
تخوم قرارها ، واذعنت له رواصن الاسباب في منتهى شواهق أقطارها ، مستشهد بكلية
الاجناس على ربوبيته ، وبعجزها على قدرته ، وبفطورها على قدمته ، وبزوالها على
بقائه ، فلالها محيص عن إدراكه إياها ، ولا خروج من إحاطته بها ، ولا احتجاب عن
إحصائه لها ، ولا امتناع من قدرته عليها ، كفى بإتقان الصنع لها آية ، وبمركب الطبع
عليها دلالة ، وبحدوث الفطر عليها قدمة ، وبأحكام الصنعة لها عبرة ، فلا إليه حد منسوب ،
ولا له مثل مضروب ، ولاشئ عنه بمحجوب ، تعالى عن ضرب الامثال والصفات المخلوقة
علوا كبيرا ، وأشهد أن لا إله إلا هو إيمانا بربوبيته ، وخلافا على من أنكره ، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله ، المقر في خير مستقر ، المتناسخ من أكلام الاصلاب ومطهرات
الارحام ، المخرج من أكرم المعادن محتدا ، وأفضل المنابت منبتا ، من أمنع ذروة ( 1 ) و
* ( هامش ) * ( 1 ) " أمنع " من منع جاره أى حامى عنه وصانه من أن يضام ، أو من منع الحصن أى تعسر الوصول * ( * )
[223]
أعز أرومة ، من الشجرة التي صاغ الله منها أنبياءه ، ( 1 ) وانتجب منها امناءه ، الطيبة
العود ، المعتدلة العمود ، الباسقة الفروع ، الناضرة الغصون ، ( 2 ) اليانعة الثمار ، الكريمة
الحشا ، ( 3 ) في كرم غرست ، ( 4 ) وفي حرم أنبتت ، ( 5 ) وفيه تشعبت وأثمرت وعزت وامتنعت
فسمت به وشمخت حتى أكرمه الله عزوجل بالروح الامين ، والنور المنير ، والكتاب
المستبين ، وسخر له البراق ، وصافحته الملائكة ، وأرعب به الا بالس ، وهدم به الاصنام
والآلهة المعبودة دونه ، سنته الرشد ، وسيرته العدل ، وحكمه الحق ، صدع بما أمره
ربه ، وبلغ ما حمله ، حتى أفصح بالتوحيد دعوته ، وأظهر في الخلق أن لا إله إلاالله
وحده لا شريك له ، حتى خلصت الوحدانية ، وصفت الربوبية ، ( 6 ) وأظهر الله بالتوحيد
حجته ، وأعلي بالاسلام درجته ، واختار الله عزوجل لنبيه ما عنده من الروح والدرجة
والوسيلة ، صلى الله عليه وعلى اله الطاهرين .
بيان : قوله عليه السلام : ولا من شئ كون ما قد كان رد على من يقول : بأن كل
حادث مسبوق بالمادة . المستشهد بحدوث الاشياء على أزليته الاستشهاد : طلب
الشهادة أي طلب من العقول بما بين لها من حدوث الاشياء الشهادة على أزليته ، أو من
الاشياء أنفسها بأن جعلها حادثة فهي بلسان حدوثها تشهد على أزليته ، والمعنى على
* ( هامش ) * * إليه ، يقال : مكان منيع ، ويقال : امرأة منيعة كناية عن العفيفة . والذروة بضم الذال وكسرها وسكون
الراء : العلو والمكان المرتفع وأعلى الشئ ، ولعله إشارة إلى شرف والدته صلى الله عليه وآله وسلم
ومجدها وعلو نسبها وحسبها وقداستها وشدة عفتها .
( 1 ) صاغ الشئ : هيأه على مثال مستقيم .
( 2 ) نضر الشجر : اخضر وحسن وكان جميلا .
( 3 ) الحشا : ما انضمت عليه الضلوع . ما في البطن . والجمع : الاحشاء . ويقال : فلان في حشا
فلان أى في كنفه . وفلان خيرهم حشا أى رعاية .
( 4 ) الكرم بفتح الكاف والراء صفة بمعنى الكريم والطيب ، يستوى فيه المذكر والمؤنث و
المفرد والجمع يقال : رجل كرم ونساء كرم وأرض كرم . وبسكون الراء يأتى بمعنى أرض منقاة
من الحجارة .
( 5 ) الحرم بفتح الحاء والراء مصدر بمعنى ما يحميه الرجل ويدافع عنه ، وبالضمتين جمع الحريم : كل
موضع تجب حمايته ، وحريم الرجل : ما يدافع عنه ويحميه ، ومنه سميت نساء الرجل بالحريم .
( 6 ) اى خلصت ونقيت .
[224]
التقديرين : أن العقل يحكم بأن كل حادث يحتاج إلى موجد ، وأنه لابد من أن تنتهي
سلسلة الاحتياج إلى من لايحتاج إلى موجد فيحكم بأن علة العلل لابد أن يكون
أزليا ، وإلا لكان محتاجا إلى موجد آخر بحكم المقدمة الاولى .
وبما وسمها به من العجز على قدرته الوسم : الكي ، شبه عليه السلام ما أظهر عليها
من آثار العجز والامكان والاحتياج بالسمة التي تكون على العبيد والنعم وتدل على
كونها مقهورة مملوكة . وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه إذ فناؤها يدل على إمكانها
وحدوثها فيدل على احتياجها إلى صانع ليس كذلك .
لم يخل منه مكان فيدرك بأينية أي ليس ذامكان حتى يكون في مكان دون
مكان كما هو من لوازم المتمكنات فيدرك بأنه ذوأين ومكان ، بل نسبة المجرد إلى
جميع الامكنة على السواء ، ولم يخل منه مكان من حيث الاحاطة العلمية والعلية
والحفظ والتربية ، أو أنه لم يخل منه مكان حتى يكون إدراكه بالوصول إلى مكانه
بل آثاره ظاهرة في كل شئ . ولاله شبح مثال فيوصف بكيفية إضافة الشبح بيانية ،
أي ليس له شبح مما ثل له لا في الخارج ولا في الاذهان فيوصف بأنه ذو كيفية من
الكيفيات الجسمانية أو الامكانية ويحتمل أن يكون المراد بالكيفية : الصورة العلمية . ولم يغب عن شئ فيعلم بحيثية أي لم يغب عن شئ من حيث العلم حتى يعلم
أنه ذوحيث ومكان إذ شأن المكانيات أن يغيبوا عن شئ فلا يحيطوا به علما فيكون
كالتأكيد للفقرة السابقة ، ويحتمل أن يكون " حيث " هنا للزمان ، قال ابن هشام : قال
الاخفش : وقد ترد حيث للزمان . أي لم يغب عن شئ بالعدم ليكون وجوده مخصوصا
بزمان دون زمان ، ويحتمل على هذا أن يكون إشارة إلى ما قيل : من أنه تعالى لما
كان خارجا عن الزمان فجميع الازمنة حاضرة عنده كخيط مع ما فيه من الزمانيات
وإنما يغيب شئ عما لم يأت إذا كلام داخلا في الزمان . ويحتمل أن يكون الحيثية
تعليلية أي لم يجهل شيئا فيكون علمه به معللا بعلة ، وعلى هذا يمكن أن يقرأ يعلم
على بناء المعلوم . وفي التوحيد : لم يغب عن علمه شئ
وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات أي أظهر بما أبدع من الذوات
[225]
المتغيرة المنتقلة من حال إلى حال أنه يمتنع إدراكه إما لوجوب وجود المانع من
حصول حقيقته في الاذهان لما مر ، أو لان حصوله فيها يستلزم كونه كسائر الذوات الممكنة
محلا للصفات المتغيرة فيحتاج إلى صانع ، أو لان العقل يحكم بمباينة الصانع للمصنوع
في الصفات فلايدرك كما تدرك تلك الذوات ، ويحتمل أن يكون الظرف متعلقا بالادراك
أي يمتنع عن أن يدرك بخلقه أي بمشابهتها ، أو بالصور العلمية التي هي مخلوقة له .
من جميع تصرف الحالات أي الصفات الحادثة المتغيرة . محرم على بوارع ناقبات
الفطن تحديده البوارع جمع البارعة وهي الفائقة . والنقب : الثقب ، ولعل المراد بالتحديد
العقلي ، ويحتمل الاعم والثاقبات : النافذات أو المضيئات . والتكييف : إثبات الكيف
له أو الاحاطة بكيفية ذاته وصفاته أي كنهها . وكذا التصوير : إثبات الصورة ، أو
تصوره بالكنه ، والاخير فيهما أظهر .
قوله : لعظمته أي لكونه أعظم شأنا من أن يكون محتاجا إلى المكان . قوله عليه السلام :
لجلاله أي لكونه أجل قدرا عن أن يكون ذا مقدار . قوله عليه السلام : ولا تقطعه من قطعه
كسمعه أي أبانه ، أو من قطع الوادي وقطع المسافة ، والمقائيس أعم من المقائيس الجسمانية
والعقلانية . والكنه بالضم : جوهر الشئ وغايته وقدره ووقته ووجهه ، واكتنهه وأكنهه :
بلغ كنهه ، ذكره الفيروز آبادي
قوله عليه السلام : أن تستغرقه قال الفيروز آبادي : استغرق : استوعب . وفي التوحيد :
أن تستعرفه أي تطلب معرفته . قوله عليه السلام : أن تمتثله قال الفيروز آبادي : امتثله :
تصوره : وفي التوحيد : تمثله . قوله : من استنباط أي استخراج الاحاطة به وبكنهه


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 225 سطر 19 الى ص 233 سطر 18

طوامح العقول أي العقول الطامحة الرفيعة ، وكل مرتفع طامح
قوله عليه السلام : ونضبت يقال : نصب الماء نضوبا أي غار أي يبست بحار العلوم قبل أن
تشير إلى كنه ذاته ، أو تبين غاية صفاته . قوله : بالصغر - بالضم - أي مع الذل والسمو :
الارتفاع والعلو ، ولعل اضافة اللطائف إلى الخصوم ليست من قبيل إضافة الصفة إلى
الموصوف ، بل المراد المناظرات اللطيفة بينهم ، أو فكرهم الدقيقة ، أو عقولهم ونفوسهم
اللطيفة .
[226]
قوله عليه السلام : واحد لامن عدد أي من غير أن يكون فيه تعدد ، أومن غير أن يكون
معه ثان من جنسه . والامد : الغاية ، والعمد بالتحريك جمع العمود أي ليس قيامه
قياما جسمانيا يكون بالعمد البدنية أو بالاعتماد على الساقين ، أو أنه قائم باق من
غير استناد إلى سبب يعتمد عليه ويقيمه كسائر الموجودات الممكنة . قوله عليه السلام ليس
بجنس أي ذا جنس ، فيكون ممكنا معادلا لسائر الممكنات الداخلة تحت جنسه أو
أجناسها . والشبح بالتحريك : الشخص ، وجمعه أشباح . والمضارعة : المشابهة ، وقال
الجزري : التيار : موج البحر ولجته انتهى . وحصر الرجل كعلم : تعب ، وحصرت
صدورهم : ضاقت ، وكل من امتنع من شئ لم يقدر عليه فقد حصر عنه ، ذكرها الجوهري
والاستشعار : لبس الشعار والثوب الذي يلي الجسد كناية عن ملازمة الوصف ، و
يحتمل أن يكون المراد به هنا طلب العلم والشعور ، والملكوت : الملك والعزة و
السلطان . قوله عليه السلام : بالآلاء أي عليها ، والتملك : الملك قهرا ، وضمن معنى
التسلط والاستيلاء وفي بعض نسخ التوحيد : مستملك
قوله : يخلقه من باب الافعال من الخلق : ضد الجديد ، والراتب : الثابت
والصعب : نقيض الذلول ، والتخم : منتهي الشئ ، والجمع التخوم بالضم ، والرصين :
المحكم الثابت ، وأسباب السماء : مراقيها أو نواحيها أو أبوابها ، والشاهق : المرتفع
من الجبال والابنية وغيرها ، فرواتب الصعاب إشارة إلى الجبال الشاهقة التي تشبه
الابل الصعاب حيث أثبتها بعروقها إلى منتهي الارض ، ويحتمل أن تكون إشارة إلى
جميع الاسباب الارضية من الارض والجبال والماء والثور والسمكة والصخرة وغيرها
حيث أثبت كلا منها في مقرها بحيث لا يزول عنه ولا يتزلزل ولا يضطرب ، وإنما عبر
عنها بالصعاب إشارة إلى أن من شأنها أن تضطرب وتزلزل لولا أن الله أثبتها بقدرته . و
رواصن الاسباب إشارة إلى الاسباب السماوية من الافلاك والكواكب حيث رتبها على
نظام لا يختل ولا يتبدل ولا يختلف ، ولذا أورد عليه السلام في الاول التخوم وفي الثاني
الشواهق ، وما بعد ذلك من الفقرات مؤكدة لما مر ، والادراك والاحاطة والاحصاء
[227]
كل منها يحتمل أن يكون بالعلم أو بالقدرة والعلية والقهر والغلبة ، أو بالمعني
الاعم ، أو بالتوزيع
قوله عليه السلام : كفى بإتقان الصنع الباء زائدة أي كفى إحكام صنعه تعالى للاشياء
لكونها آية لوجوده وصفاته الكمالية ، والمركب مصدر ميمي بمعنى الركوب ، أى
كفى ركوب الطبائع وغلبتها على الاشياء للدلالة على من جعل الطبائع فيها وجعلها مسخرة
لها ، ويحتمل أن يكون اسم مفعول من التركيب كما يقال : ركبت الفص في الخاتم
أو عليه ، أي كفى الطبع الذي ركب على الاشياء دلالة على مركبها ، وعلى التقديرين
رد على الطبيعيين المنكرين للصانع بإسناد الاشياء إلى الطبائع ، والفطر : الخلق و
الابتداء والاختراع ، ويحتمل أن يكون هنا الفطر بكسر الفاء وفتح الطاء على صيغة
الجمع أي كفى حدوث الخلق على الاشياء دلالة على قدمه .
قوله عليه السلام : فلا إليه حد أي ليس له حد ينسب إليه . قوله : إيمانا حال أو مفعول
لاجله ، وكذا قوله : خلافا . قوله عليه السلام : المقر على صيغة المفعول وخير مستقر المراد به
إما عالم الارواح أو الاصلاب الطاهرة أو أعلي عليين بعد الوفات .
قوله : المتناسخ أي المتزايل والمنتقل ، والمحتد بكسر التاء : الاصل ، يقال : فلان
في محتد صدق ، ذكره الجوهري . والمنبت بكسر الباء : موضع النبات . والارومة بفتح
الهمزة وضم الراء : أصل الشجرة . وبسق النخل بسوقا : طال ، ومنه قوله تعالى : " والنخل
باسقات " ( 1 ) واليانع : النضيج . والحشا واحد أحشاء البطن ، والمراد هنا داخل الشجرة
ويحتمل أن يكون من قولهم أنا في حشاه أي في كنفه وناحيته . وسمت وشمخت كلاهما
بمعنى ارتفعت ، والباء في قوله : به لتعديتهما ، والمراد بالشجرة : الابراهيمية ، ثم
القرشية ، ثم الهاشمية . وصدع بالحق : تكلم به جهارا ، والافصاح : البيان بفصاحة
أي أظهر دعوته متلبسا بالتوحيد ويمكن أن تقرأ " دعوته " بالرفع ليكون فاعل الافصاح
والضمير في قوله : حجته ودرجته راجع إلى الرسول .
3 - يد ، ن : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا
* ( هامش ) * ق : 10 . ( * )
[228]
محمد بن عمر والكاتب ، عن محمد بن أبي زياد القلزمي ، عن محمد بن أبي زياد الجدي - صاحب
الصلاة بجدة - قال : حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب ، قال : سمعت
أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد ، قال ابن أبي زياد :
ورواه لي أيضا أحمد بن عبدالله العلوي مولى لهم وخالا لبعضهم ، عن القاسم بن أيوب
العلوي : أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام جمع بني هاشم فقال : إني اريد
أن أستعمل الرضا على هذا الامر من بعدي فحسده بنو هاشم ، وقالوا : تولي رجلا
جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة فابعث إليه يأتنافترى من جهله ما تستدل به عليه ،
فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم : يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما نعبد الله عليه
فصعد عليه السلام المنبر فقعد مليا لايتكلم مطرقا ثم انتفض انتفاضة واستوى قائما وحمد الله
وأثنى عليه ، وصلى على نبيه وأهل بيته ثم قال : أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله
توحيده ، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق ، ،
وشهادة كل موصوف أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف ، وشهادة كل صفة وموصوف
بالاقتران ، وشهادة الاقتران بالحدث ، وشهادة الحدث بالامتناع من الازل الممتنع
من الحدث ، فليس الله من عرف بالتشبيه ذاته ، ( 1 ) ولاإياه وحد من اكتنهه ، ولا حقيقته
أصاب من مثله ، ولا به صدق من نهاه ، ولا صمد صمده من أشار إليه ، ولا إياه عنى من
شبهه ، ولاله تذلل من بعضه ، ولا إياه أراد من توهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ،
وكل قائم في سواه معلول ، بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته ، وبالفطرة
تثبت حجته خلقة الله الخلق حجاب بينه وبينهم ، ( 2 ) ومباينته إياهم مفارقته أينينهم ،
وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لاابتداء له لعجز كل مبتدء عن ابتداء غيره ، وأدوه إياهم ( 3 )
دليل على أن لاأداة فيه ، لشهادة الادوات بفاقة المادين ، فأسماؤه تعبير ، وأفعاله تفهيم ،
وذاته حقيقة ، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه ، وغيوره تحديد لما سواه ، فقد جهل الله من
* ( هامش ) * ( 1 ) في التوحيد والعيون المطبوعين : فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته .
( 2 ) وفى نسخة : خلق اله الخلق حجاب بينه وبينهم .
( 3 ) في التوحيد والعيون : وإدواؤه إياهم ، وهو الصحيح
[229]
استوصفه ، وقد تعداه من اشتمله ، ( 1 ) وقد أخطأه من اكتنهه ، ومن قال : " كيف ؟ " فقد
شبهه ، ومن قال : " لم ؟ " فقد عله ، ومن قال : " متى ؟ " فقد وقته ، ومن قال : " فيم ؟ "
فقد ضمنه ، ومن قال : " إلام ؟ " فقد نهاه ، ومن قال : " حتام ؟ " فقدغياه ، ومن غياه
فقد غاياه ، ومن غاياه فقد جزاه ، ومن جزاه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه ،
لا يتغير الله بانغيار المخلوق ( 2 ) ، كما لا ينحد بتحديد المحدود ، ( 3 ) أحد لا بتأويل
عدد ، ظاهر لا بتأويل المباشرة متجل لاباستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مباين لا
بمسافة ، قريب لابمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لا بعد عدم ، فاعل لاباضطرار ،
مقدر لا بجول فكرة ، مدبر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ، شاء لا بهمة ، مدرك لا
بمجسة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة ، لا تصحبه الاوقات ، ولاتضمنه الاماكن ،
ولا تأخذه السنات ، ولا تحده الصفات ، ولا تفيده الادوات ، سبق الاوقات كونه ، والعدم
وجوده ، والابتداء أزله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف
أن لا جوهر له ، وبمضادته بين الاشياء عرف أن لاضد له ، وبمقارنته بين الامور عرف أن
لاقرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والجلاية بالبهم ، والجسوء بالبلل ، ( 4 ) والصرد بالحرور ،
مؤلف بين متعادياتها ، مفرق بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها ، وبالتأليفها
على مؤلفها ، ذلك قوله عزوجل : " ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون "
ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم ألا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها ألا غريزة لمغرزها ،
دالة بتفاوتها ألا تفاوت لمفاوتها ، مخبرة بتوقيتها ألا وقت لموقتها ، حجب بعضها عن
بعض ليعلم ألا حجاب بينه وبينها من غيرها له معنى الربوبية إذ لامربوب ، وحقيقة
الالهية إذلا مألوه ، ومعنى العالم ولا معلوم ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ، وتأويل السمع
ولا مسموع ، ليس مذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئية ،
كيف ولا تغيبه مذ ، ولا تدنيه قد ، ولا يحجبه لعل ، ولا يوقته متى ، ولا يشتمله حين ، ولا
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة من العيون : وقد تعداه من استمثله .
( 2 ) في نسخة من العيون : لا يتغير بتغيير المخلوق .
( 3 ) في التوحيد والعيون : لا يتحدد بتحديد المحدود .
( 4 ) جسأ جسوءا أو جسوا كلاهما بمعنى واحد وفى بعض نسخ العيون : والجف بالبلل ( * )
[230]
تقارنه مع ، إنما تحد الادوات أنفسها ، وتشير الآلة إلى نظائرها ، وفي الاشياء يوجد
أفعالها ، منعتها مذ القدمة ، وحمتها قد الازلية ، وجنبتها لولا التكملة ، افترقت فدلت
على مفرقها ، وتباينت فأعربت عن مباينها ، بها تجلى صانعها للعقول ، ( 1 ) وبها احتجب
عن الرؤية ، وإليها تحاكم الاوهام ، وفيها أثبت غيره ، ومنها انيط الدليل ، وبها عرفها
الاقرار ، بالعقول يعتقد التصديق بالله ، وبالاقرار يكمل الايمان به ، لاديانه إلا بعد
معرفة ، ولا معرفة إلا بإخلاص ، ولا إخلاص مع التشبيه ، ولا نفي مع إثبات الصفات
للتشبيه ، فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه ، لا
تجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، أو يعود فيه ما هو ابتدأه ،
إذا لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ كنهه ، ولا متنع من الازل معناه ، ولما كان للبارئ معنى غير
المبروء ، ولوحد له وراء إذا حد له أمام ، ولو التمس له التمام إذا لزمه النقصان ، كيف
يستحق الازل من لا يمتنع من الحدث ، وكيف ينشئ الاشياء من لايمتنع من الانشاء ،
إذا لقامت فيه آية المصنوع ، ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه ، ليس في محال القول
حجة ، ولا في المسألة عنه جواب ، ولا في معناه له تعظيم ، ولا في إبانته عن الخلق ضيم ،
إلا بامتناع الازلي أن يثنى ، ومالا بدأ له أن يبدأ ، لا إله إلا الله العلي العظم ، كذب
العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا ، وصلى الله عليه محمد وآله
الطاهرين .
ج : رواه مرسلا من قوله : وكان المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام إلى
آخر الخبر .
4 - ما : المفيد ، عن الحسن بن حمزة العلوي ، عن محمد بن الحميري ، عن أبيه ، عن
ابن عيسى ، عن مروك بن عبيد ، ( 2 ) عن محمد بن زيد الطوسي ( 3 ) قال : سمعت الرضا عليه السلام
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : لما تجلى صانعها للعقول .
( 2 ) مروك : بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الواو بعدها كاف هو مروك بن عبيد بن سالم بن
أبي حفصة مولى بنى عجل ، واسم مروك صالح ، واسم أبى حفصة زياد ، روى الكشى عن محمد بن مسعود
قال : سألت على بن الحسن عن مروك بن عبيد بن سالم بن أبى حفصة ، فقال : ثقة ، شيخ ، صدوق .
( 3 ) وفى نسخة : عن محمد بن زيد الطبرى . ( * )
[231]
يتكلم في توحيد الله فقال : أول عبادة الله معرفته إلى آخر الخطبة . ( 1 )
جا : عن الحسن بن حمزة مثله بتغيير ما .
بيان : مليا أي طويلا . والانتفاض : شبه الارتعاد والاقشعرار . قوله عليه السلام :
أول عبادة الله أي أشرفها وأقدمها زمانا ورتبة لاشتراط قبول سائر الطاعات بها ، وأصل
المعرفة التوحيد ، إذ مع إثبات الشريك أو القول بتركب الذات أو زيادة الصفات يلزم
القول بالامكان فلم يعرف المشرك الواجب ولم يثبته ، ونظام التوحيد وتمامه نفي الصفات
الزائدة الموجودة عنه إذ أول التوحيد نفي الشريك ، ثم نفي التركب ثم نفي الصفات
الزائدة ، فهذا كما له ونظامه ، ثم استدل عليه السلام على نفي زيادة الصفات ويمكن تقريره
بوجوه :
ألاول : أن يكون إشارة إلى دليلين : الاول أن كل صفة وموصوف لابد من
أن يكونا مخلوقين إذا لصفة محتاجة إلى الموصوف لقيامها به وهو ظاهر ، والموصوف محتاج
إلى الصفة في كماله والصفة غيره ، وكل محتاج إلى الغير ممكن فلا يكون شئ منهما
واجبا ولا المركب منهما ، فثبت احتياجهما إلى علة ثالثة ليس بموصوف ولاصفة وإلا
لعاد المحذور .
الثانى : أن الصانع لابد أن يكون كاملا أزلا وأبدا لشهادة جميع العقول به فلابد
من أن تكون الصفات الزائدة مقارنة له غير منفكة عنه ، ويجوز قدم الجميع لبطلان
تعدد القدماء فيلزم حدوث الذات والصفات معا فلا يكون شئ منها واجبا فالمراد بقوله :
شهادة كل موصوف وصفة شهادة كل موصوف فرض كونه صانعا وصفته ، أو الصفات اللازمة
للذوات
الوجه الثاني أن يكون إشارة إلى دليلين على وجه آخر :
الاول : أنه لو كانت له تعالى صفات زائدة لكانت ممكنة لامتناع تعدد الواجب ،
ولا يجوز أن يكون الواجب موجدا لها إما لامتناع كون الشئ قابلا وفاعلا لشئ
واحد ، أو لان تأثير الواجب فيها يتوقف على اتصافه بتلك الصفات إذ لو لم يتوقف
* ( هامش ) * ( 1 ) يوجد في ص 149 من أمالى المفيد المطبوع في النجف مع اختلافات وإسقاطات كثيرة . ( * )
[232]
التأثير في تلك الصفات التي هي منشأ صدور جميع الممكنات عليها لم يتوقف التأثير في
شئ عليها فلا يثبت له تعالى شئ من الصفات فتكون معلولة لغيره تعالى ، ومن كانت جميع
صفاته الكمالية من غيره لا يكون واجبا صانعا لجميع الموجودات بالضرورة .
الثاني : أن التوصيف اقتران خاص يوجب الاحتياج من الجانبين كما مر ، و
الاحتياج موجب للحدوث المنافي للازلية .
الوجه الثالث أن يكون راجعا إلى دليل واحد وتقريره : أنه لو كانت الصفات
زائدة لكانت الذات والصفات مخلوقة وهذا خلف ، وبين الملازمة بقوله : وشهادة كل
صفة وموصوف بالاقتران بنحو ما مر من الاحتياج المستلزم للامكان .
قوله عليه السلام : فليس الله من عرف بالتشبيه ذاته أي ليس من عرف ذاته بالتشبيه
بالممكنات واجبا لانه يكون ممكنا مثلها ، ويمكن أن يقرأ " الله " بالرفع والنصب ،
وأولال أظهر . قوله : من اكتنهه أي بين كنه ذاته أو طلب الوصول إلى كنهه إذ لو كان
يعرف كنهه لكان شريكا مع الممكنات في التركب والصفات الامكانية فهو ينا في التوحيد ،
أو لان حصول الكنه في الذهن يستلزم تعدد أفراد الواجب كما قيل .
قوله عليه السلام : من مثله أي جعل له شخصا ومثالا ، أو مثله في ذهنه وجعل الصورة
الذهنية مثالا له ، أو المراد : أثبت له مثلا وشبهه بغيره ، قال الفيروز آبادي : مثله له
تمثيلا : صوره له حتى كأنه ينظر إليه ، ومثل فلانا فلانا وبه : شبهه به . انتهى وعلى
ما ذكره يمكن أن يقرأ بالتخفيف أيضا . قوله عليه السلام : من نهاه بالتشديد أي جعل له
حدا ونهاية من النهايات الجسمانية ، ومن جعله كذلك فلم يصدق بوجوده بل بممكن
غيره ، ويحتمل أن يكون المعنى جعله نهاية لفكره وزعم أنه وصل إلى كنهه . قوله
عليه السلام ولا صمد صمده أي لا قصد نحوه من أشار إليه إشارة حسية ، أو الاعم منها ومن
الوهمية والعقلية ، وفي " جا " : من أشار إليه بشئ من الحواس . قوله عليه السلام : من بعضه
أي حكم بأن له أجزاءا وأبعاضا فهو في عبادته لم يتذلل لله بل لمن عرفه وهو غيره تعالى .
قوله عليه السلام : من توهمه أي من تخيل له في نفسه صورة أو هيئة وشكلا ، أو المعنى أن
كل ما يصل إليه عقول العارفين فهو غير كنهه تعالى .
[233]
قوله عليه السلام : كل معروف بنفسه مصنوع أي كل ما يعلم وجوده ضرورة بالحواس
من غير أن يستدل عليه بالآثار فهو مصنوع ، أو كل ما هو معلوم بكنه الحقيقة إما
بالحواس أو الاوهام أو العقول فهو مصنوع مخلوق إما لما ذكر أن كنه الشئ إنما يعلم
من جهة أجزائه ، وكل ذي جزء فهو مركب ممكن ، أو لما مر من أن الصورة العقلية تكون
فردا لتلك الحقيقة فيلزم التعدد وهو يستلزم التركب . ويحتمل أن يكون المعنى أن
الاشياء إنما تعلم بصورها الذهنية ، والمعروف بنفسه هو نفس تلك الصورة وهو حال في
محل حادث ممكن محتاج فكيف يكون كنه حقيقة الباري تعالى شأنه فيكون قوله عليه السلام :
وكل قائم في سواه معلول كالدليل عليها ، وعلى الاولين يكون نفيا لحلوله تعالى في
الاشياء وقيامه بها ، ويؤيد المعنى الاول قوله عليه السلام : بصنع الله يستدل عليه .
قوله عليه السلام : بالفطرة تثبت حجته أي بأن فطرهم وخلقهم خلقة قابلة للتصديق
والاذعان والمعرفة والاستدلال ، أو بتعريفهم في الميثاق وفطرهم على ذلك التعريف ،
وقد مر بيانه في باب الدين الحنيف . ويحتمل أن يكون المراد هنا أن حجته تمام على
الخلق بما فطر وابتدع من خلقه . قوله : خلقة الله الخلق أي كونه خالقا وأن الخالق لا
يكون بصفة المخلوق ويكون مبائنا له في الصفات صار سببا لا حتجابه عن الخلق فلا
يدركونه بحواسهم ولا عقولهم ، والحاصل أن كماله ونقص مخلوقيه حجاب بينه و
بينهم .
قوله عليه السلام : ومباينته إياهم أي مباينته تعالى إياهم ليس بحسب المكان حتى
يكون في مكان وغيره في مكان آخر بل إنما هي بأن فارق أينيتهم فليس له أين ومكان ،


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 233 سطر 19 الى ص 241 سطر 18

وهم محبوسون في مطمورة المكان ، ( 1 ) أو المعني أن مباينته لمخلوقيه في الصفات صار سببا
لان ليس له مكان .
قوله عليه السلام : وأدوه إياهم ( 2 ) أي جعلهم ذوي أدوات يحتاجون إليها في الاعمال
* ( هامش ) * ( 1 ) المطمورة : الحفيرة التى تحت الارض تخبا فيها الحبوب ونحوها . الحبس .
( 2 ) وفي نسخة من التوحيد والعيون : وإدواؤه إياهم . أى إعطاؤه تعالى إياهم الادوات يدل
على أن لاأدات له ، وإلا يلزم الاحتياج إليها وإلى من يعطيها ، مضافا إلى لزوم التسلسل . ( * )
[234]
من الاعضاء والجوارح والقوى وسائر الآلات دليل على أنه ليس فيه شئ منها ، لشهادة
الادوات فيما يشاهد في المادين بفاقتهم واحتياجهم إليها وهو منزه عن الاحتياج ، أو المعنى
أن الادوات التي هي أجزاء للمادين تشهد بفاقتهم إلى موجد ، لكون كل ذي جزء محتاجا
ممكنا فكيف تكون فيه تعالى .
قوله : فأسماؤه تعبير أي ليست عين ذاته وصفاته ، بل هي معبرات عنها ، وأفعاله
تفهيم ليعرفوه ويستدلوا بها على وجوده وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته قوله عليه السلام :
وذاته حقيقة أي حقيقة مكنونة عالية لا تصل إليها عقول الخلق بأن يكون التنوين
للتعظيم والتبهيم ، أو خليقة بأن تتصف بالكمالات دون غيرها ، أو ثابتة واجبة لا يعتريها
التغير والزوال فإن الحقيقة ترد بتلك المعاني كلها . وفى بعض نسخ التوحيد : حقاقة
أي مثبتة موجدة لسائر الحقائق .
قوله عليه السلام : وكنهه تفريق بينه وبين خلقه لعل الغرض بيان أنه لا يشترك في
ذاتي مع الممكنات بأبلغ وجه أي كنهه يفرق بينه وبينهم لعدم اشتراكه معهم في شئ ،
ويحتمل أن يكون المعنى أن غاية توحيد الموحدين ومعرفتهم نفي الصفات الممكنات
عنه ، والحاصل عدم إمكان معرفة كنهه ، بل إنما يعرف بالوجوه التي ترجع إلى نفي
النقائص عنه كما مر تحقيقه ، ويؤيد الاول قوله عليه السلام : وغيوره تحديد لما سواه ، فالغيور
إما مصدر أو جمع غير أي كونه مغائرا له تحديد لما سواه فكل ما سواه مغائر له في الكنه ،
ويحتمل أن يكون المراد بالمغايرة : المباينة بحيث لا يكون من توابعه أصلا لاجزءا له
ولا صفة أي كل ما هو غير ذاته فهو سواه فليس جزءا له ولاصفة . ( 1 ) قوله عليه السلام : من استوصفه
أي من طلب وصف كنهه ، أو سأل عن الاوصاف والكيفيات الجسمانية له فقد جهل
عظمته وتنزهه .
قوله عليه السلام : وقد تعداه أي تجاوزه ولم يعرفه من اشتمله أي توهمه شاملا
لنفسه محيطا به من قولهم : اشتمل الثوب : إذا تلفف به فيكون ردا على القائلين بالحلول
* ( هامش ) * ( 1 ) في النسخة المقروة على المصنف كذا : ويحتمل أن يكون المراد بقوله : ما سواه ما لم يكن من
توابعه أصلا ، لاجزءا له ولاصفة أى كل ما هو غير ذاته فهو سواه ، فليس له جزء ولا صفة زائدة . ( * )
[235]
والاتحاد ، أو من توهم أنه تعالى محيط بكل شئ إحاطة جسمانية ، ويحتمل أن يكون
كناية عن نهاية المعرفة به والوصول إلى كنهه ، وفي بعض نسخ " يد " : أشمله ( 1 ) أي جعل
شيئا شاملا له بأن توهمه محاطا بمكان ، ومثله قوله عليه السلام : من اكتنهه أي توهم أنه
أصاب كنهه .
قوله عليه السلام : ومن قال : كيف ( 2 ) أي سأل عن الكيفيات الجسمانية فقد شبهه
بخلقه ، ومن قال : لم صار موجودا أولم صارعا لما أو قادرا ؟ فقد علله بعلة ، وليس لذاته
وصفاته علة . وفي " جا " . وأكثر نسخ " يد " : علله ، وهو أظهر ، ومن قال : متى وجد ؟
فقد وقت أول وجوده وليس له أول ، ومن قال : فيم أي في أي شئ هو ؟ فقد جعله في ضمن
شئ ، وجعل شيئا متضمنا له ، وهو من خواص الجسمانيات ، ومن قال : إلام ؟ أي إلى
أي شئ ينتهي شخصه فقد نهاه أي جعل له حدودا ونهايات جسمانية ، وهو تعالى منزه
عنها ، ومن قال : حتام يكون وجوده ؟ فقد غياه أي جعل لبقائه غاية ونهاية ، ومن
جعل له غاية فقد غاياه أي حكم باشتراكه مع المخلوقين في الفناء فيصح أن يقال :
غايته قبل غاية فلان او بعده ، ومن قال به فقد حكم باشتراكه معهم في الماهية في الجملة
فقد حكم بأنه ذو أجزاء ، ومن قال به فقد وصفه بالامكان والعجز وسائر نقائص
الممكنات ، ومن حكم به فقد ألحد في ذاته تعالى . ويحتمل أن يكون المعنى : أن من
جعل لبقائه غاية فقد جعل لذاته أيضا غايات وحدودا جسمانية بناءا على عدم ثبوت
مجرد سوى الله تعالى ، وتفرع التجزء ومابعده على ذلك ظاهر . ويمكن أن يقال :
الغاية في الثاني بمعنى العلة الغائية كما هو المعروف أو الفاعلية ، وقد تطلق عليها أيضا
بناءا على أن المعلول ينتهي إليها فهي غاية له ، فعلى الاول المعنى أنه من حكم بانتهائه
فقد علق وجوده على غاية ومصلحة ، كاممكنات التي عند انتهاء المصلحة ينتهي بقاؤهم ،
وعلى الثاني المراد أنه لو كان وجوده واجبا لما تطرق إليه الفناء فيكون مستندا إلى
علة ، وعلى الوجهين فيكون وجوده زائدا على ذاته فاتصف حينئذ بالصفات الزائدة ،
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى بعض نسخ العيون : استمثله : أي تجاوز حقه ولم يعرفه من طلب له مثالا من خلقه .
( 2 ) لان " كيف " يسأل بها عن كيفيات الاجسام ، يقال : كيف زيد صحيح أم سقيم ؟ والله تعالى
متعال عن وقوعه محلا للعوارض ، واتصافه بما يتصف به خلقه . ( * )
[236]
وهذا قول بتعدد الواجب وهو إلحاد فيه ، وفى " جا " : ومن قال : حتام ؟ فقد غياه ، ومن
غياه فقد حواه ، ومن حواه فقد ألحد فيه
قوله عليه السلام : لا يتغير الله بانغيار المخلوق أي ليس التغيرات التي تكون في
مخلوقاته موجبة للتغير في ذاته وصفاته الحقيقية بل إنما التغير في الاضافات
الاعتبارية كما أن خلقه للمحدودين حدودا لا يوجب كونه متحددا بحدود مثلهم ،
ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يتغير كتغير المخلوقين ولا يتحدد كتحدد المحدودين
وفي " جا " لا يتغير الله بتغير المخلوق ولا يتحدد بتحدد المحدود
قوله عليه السلام : أحد لا بتأويل عدد أي بأن يكون معه ثان من جنسه ، أو بأن يكون
واحدا مشتملا على أعداد ، ( 1 ) وقد مر تحقيقه مرارا . قوله عليه السلام : ظاهر لا بتأويل
المباشرة أي ليس ظهوره بأن يباشره حاسة من الحواس ، أو ليس ظهوره بأن يكون
فوق جسم يباشره كما يقال : ظهر على السطح ، بل هو ظاهر بآثاره غالب على كل شئ
بقدرته . قوله عليه السلام : متجل التجلي : الانكشاف والظهور ، ويقال : استهل الهلال
على المجهول والمعلوم أي ظهر وتبين ( 2 ) أي ظاهر لا بظهور من جهة الرؤية .
قوله عليه السلام : لا بمزايلة أي لا بمفارقة مكان بأن انتقل عن مكان إلى مكان حتى
خفي عنهم ، أو بأن دخل في بواطنهم حتى عرفها بل لخفاء كنهه عن عقولهم ، وعلمه
ببواطنهم وأسرارهم . قوله عليه السلام : لا بمسافة أي ليس مباينته لبعده بحسب المسافة
عنهم بل لغاية كماله ونقصهم باينهم في الذات والصفات . قوله عليه السلام : لا بمداناة أي
ليس قربه قربا مكانيا بالدنو من الاشياء بل بالعلم والعلية والتربية والرحمة .
قوله عليه السلام : لابتجسم أي لطيف لا بكونه جسما له قوام رقيق أو حجم صغير
أو تركيب غريب وصنع عجيب أو لالون له بل لخلقه الاشياء اللطيفة وعلمه بها ، كما
* ( هامش ) * ( 1 ) بل بمعنى أنه لاشبيه ولانظير له في الوجود ، ولا يشاركه شئ في الصفات والنعوت ، وليس
في ذاته كثرة ولا تركيب .
( 2 ) ويقال استهل القوم الهلال اى نظروا اليه أى منكشف وظاهر لخلقه ، لا بالانكشاف الحاصل
من جهة الابصار الذى هو الرؤية ، لتنزهه عن ذلك ، بل بما ظهرلهم من آثار ملكه وسلطانه ،
ودقائق لطفه وتدبيره فما يرى شئ الا وهو مرآة لظهوره ، ودليل على وجوده ووحدانيته . ( * )
[237]
مر ، أو تجرده . قوله عليه السلام : فاعل لابضطرار أي هو فاعل مختار ليس بموجب ، وفي
النهج : لاباضطراب آلة أي لا بتحريك الآلات والادوات . ( 1 ) قوله : لا بجول فكرة أي
ليس في تقديره للاشياء محتاجا إلى جولان الفكر وحركته ، وفى النهج بعد ذلك : غني
لا باستفادة . قوله عليه السلام : لا بحركة أي حركة ذهنية أو بدنية .
قوله عليه السلام : لا بهمامة أي عزم واهتمام وتردد . قوله : شاء أي ذو مشية لا بهمة
وقصد وعزم حادث ، والجس : المس باليد ، وموضعه المجسة . قوله عليه السلام : لا تصحبه
الاوقات أي دائما لحدوثها وقدمه ، أو ليس بزماني أصلا . قوله عليه السلام : ولا تضمنه
بحذف إحدى التائين ، والسنة : مبدأ النوم . قوله : ولا تحده الصفات أي لا تحيط به صفات
زائدة ، أو لاتحده توصيفات الخلق . قوله عليه السلام : ولا تفيده الادوات ، أي لا ينتفع ولا
يستفيد منها ، وفي بعض نسخ " يد " : ولا تقيده - بالقاف - ليس فعله مقيدا مقصورا
على الادوات ليحتاج إليها ، وفي خطبة أمير المؤمنين عليه السلام : ولا ترفده ، من قولهم :
رفدت فلانا إذا أعنته .
قوله : كونه بالرفع أي كان وجوده سابقا على الازمنة والاوقات بحسب الزمان
الوهمي أو التقديري ، وكان علة لها ، أو غلبها فلم يقيد بها . قوله عليه السلام والعدم وجوده
بنصب العدم ورفع الوجود أي وجوده لوجوبه سبق وغلب العدم فلا يعتريه عدم أصلا ،
وقيل : المراد عدم الممكنات لان عدم العالم قبل وجوده كان مستندا إلى عدم الداعي
إلى إيجاده المستند إلى وجوده فوجوده سبق على الممكنات أيضا ، وقيل : اريد به
إعدام الممكنات المقارنة لابتداء وجوداتها فيكون كناية عن أزليته وعدم ابتداء لوجوده ،
وفيه بعد . قوله : والابتداء أزله أي سبق وجوده الازلي كل ابتداء فليس لوجوده ولا شئ
من صفاته ابتداء ، أو أن أزليته سبق بالعلية كل ابتداء ومبتداء .
قوله : بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له أي بخلقه المشاعر الادراكية و
إفاضتها على الخلق عرف أن لا مشعر له إما لما مر من أنه تعالى لا يتصف بخلقه ، أو
* ( هامش ) * ( 1 ) بل بمجرد الارادة والمشيئة . ( * )
[238]
لانا بعد إفاضة المشاعر علمنا احتياجنا في الادراك إليها فحكمنا بتنزهه تعالى عنها
لاستحالة احتياجه تعالى إلى شئ أو لما يحكم العقل به من المباينة بين الخالق والمخلوق
في الصفات
وقال ابن ميثم : لانه لو كان له مشاعر لكان وجودها له إما من غيره وهو محال
أما أولا فلانه مشعر المشاعر ، وأما ثانيا فلانه يكون محتاجا في كماله إلى غيره
فهو ناقص بذاته وهذا محال ، وإما منه وهو أيضا محال لانها إن كانت من كمالات
الوهيته كان موجدا لها من حيث هو فاقد كمالا فكان ناقصا بذاته وهذا محال ، وإن
لم تكن كمالا كان إثباتها له نقصا لان الزيادة على الكمال نقصان فكان إيجاده لها
مستلزما لنقصانه وهو محال
واعترض عليه بعض الافاضل بوجوه : أحدها بالنقض لانه لو تم ما ذكره يلزم
أن لايثبت له تعالى على الاطلاق صفة كمالية كالعلم والقدرة ونحوهما ، وثانيها بالحل
باختيار شق آخر وهو أن يكون ذلك المشعرعين ذاته سبحانه كالعلم والقدرة ، وثالثها
بأن هذا الكلام على تقدير تمامه استدلال برأسه لم يظهر فيه مدخلية قوله عليه السلام :
بتشعيره المشاعر في نفي المشعر عنه تعالى ، وإنما استعمله في إثبات مقدمة لم تثبت به وقد
ثبت بغيره
ثم قال : فالاولى أن يقال : قد تفرر أن الطبيعة الواحدة لايمكن أن يكون بعض
أفرادها علة لبعض آخر لذاته فإنه لو فرض كون نار مثلا علة لنار فعلية هذه ومعلولية
تلك إما لنفس كونهما نارا فلا رجحان لاحديهما في العلية وللاخرى في المعلولية بل
يلزم أن يكون كل نار علة للاخرى بل علة لذاتها ومعلولة لذاتها وهو محال ، وإن كانت
العلية لانضمام شئ آخر فلم يكن ما فرضناه علة علة بل العلة حينئذ ذلك الشئ فقط لعدم
الرجحان في إحديهما للشرطية والجزئية أيضا لاتحادهما من جهة المعنى المشترك ، وكذلك
لو فرض المعلولية لاجل ضميمة فقد تبين أن جاعل الشئ يستحيل أن يكون مشاركا
لمجعلوه وبه يعرف أن كل كمال وكل أمر وجودي يتحقق في الموجودات الامكانية
فنوعه وجنسه مسلوب عنه تعالى ولكن يوجد له ما هو أعلا وأشرف منه . أما الاول فلتعاليه
[239]
عن النقص ، وكل مجعول ناقص وإلا لم يكن مفتقرا إلى جاعل ، وكذا ما يساويه في
المرتبة كآحاد نوعه وأفراد جنسه ، وأما الثاني فلان معطي كل كمال ليس بفاقد له ،
بل هو منبعه ومعدنه ، وما في المجعول رشحه وظله . انتهى . وقال ابن أبي الحديد : وذلك
لان الجسم لا يصح منه فعل الاجسام ، وهذا هو الدليل الذي يعول عليه المتكلمون
في أنه تعالى ليس بجسم .
قوله وبتجهيره الجواهر أي بتحقيق حقائقها وإيجاد ماهياتها عرف أنها ممكنة وكل
ممكن محتاج إلى مبدأ ، فمبدأ المبادي لا يكون حقيقة من هذه الحقائق . قوله : وبمضادته
بين الاشياء عرف أن لا ضد له المراد بالضد إما المعنى المصطلح أي موجودان متعاقبان
على موضوع أو محل واحد ، أو المعنى العرفي الذي هو المساوي للشئ في القوة ، فعلى
الاول نقول : لما خلق الاضداد في محالها ، ووجدناها محتاجة إليها علمنا عدم كونه
ضد الشئ للزوم الحاجة إلى المحل المنافية لوجوب الوجود ، أو لانها لما رأينا كلا
من الضدين يمنع وجود الآخر ويدفعه ويفنيه فعلمنا أنه تعالى منزه عن ذلك ، أو
لان التضاد إنما يكون للتحدد بحدود معينة لا تجامع غيرها كمراتب الالوان و
الكيفيات وهو تعالى منزه عن الحدود ، وأيضا كيف يضاد الخالق مخلوقه والفائض
مفيضه ؟ وأما على الثاني فلان المساوي في القوة للواجب يجب أن يكون واجبا فيلزم
تعدد الواجب وقد مر بطلانه .
قوله عليه السلام : وبمقارنته بين الامور أي بجعل بعضها مقارنا لبعض كالاعراض و
محالها والمتمكنات وأمكنتها والملزومات ولوازمها عرف أنه ليس له قرين مثلها
لدلالة كل نوع منها على أنواع النقص والعجز والافتقار ، وقيل : أي جعلها متحددة
بتحددات متناسبة موجبة للمقارنة عرف أن لا قرين له ، وكيف يناسب المتحدد بتحدد
خاص دون المتحدد بتحدد آخر من لا تحدد له فإن نسبة اللا متحدد مطلقا إلى المتحددات
كلها سواء . قوله عليه السلام : ضاد النور بالظلمة يدل على أن الظلمة أمر وجودي كما
هو المشهور إن كان التضاد محمولا على المعنى المصطلح ، والجلاية : الوضوح والظهور ،
والبهم : الخفاء ، وفي النهج : والوضوح بالبهمة . وفسرهما الشراح بالبياض والسواد
[240]
ولا يخفي بعده ، وقال الفيروز آبادي : جسأ جسوءا : صلب ، وجسأت الارض وبالضم فهي
مجسوءة من الجساء ، وهو الجلد الخشن ، والماء الجامد ، والصرد بفتح الراء وسكونها :
البرد فارسي معرب والحرور بالفتح : الريح الحارة .
قوله عليه السلام : مؤلف بين متعادياتها كما ألف بين العناصر المختلفة الكيفيات ،
وبين الروح والبدن ، وبين القلوب المتشتتة الاهواء وغير ذلك . قوله : مفرق بين متدانياتها
كما يفرق بين أجزاء العناصر وكلياتها للتركيب ، وكما يفرق بين الروح والبدن ،
وبين أجزاء المركبات عند انحلالها ، والابدان بعد موتها ، وبين القلوب المتناسبة لحكم
لا تحصى فدل التأليف والتفريق المذكوران الواقعان على خلاف مقتضى الطبائع على
قاسر يقسرها عليهما ، وكونهما على غاية الحكمة ونهاية الاحكام على علم القاسر وقدرته
وكماله
قوله عليه السلام : ذلك قوله عزوجل يحتمل أن يكون استشهادا لكون المضادة
والمقارنة دليلين على عدم اتصافه بهما كما فسر بعض المفسرين الآية بأن الله تعالى
خلق كل جنس من أجناس الموجودات نوعين متقابلين وهما زوجان لان كل واحد
منهما مزدوج بالآخر كالذكر والانثى ، والسواد والبياض ، والسماء والارض ، والنور
والظلمة والليل والنهار ، والحار والبارد ، والرطب واليابس ، والشمس والقمر
والثوابت والسيارات ، والسهل والجبل ، والبحر والبر ، والصيف والشتاء والجن و
الانس ، والعلم والجهل ، والشجاعة والجبن ، والجود والبخل ، والايمان والكفر ،
والسعادة والشقاوة ، والحلاوة والمرارة ، والصحة والسقم ، والغناء والفقر ،
والضحك والبكاء ، والفرح والحزن ، والحياة والموت إلى غير ذلك مما لا يحصى ، خلقهم
كذلك ليتذكروا أن لهم موجدا ليس هو كذلك . ويحتمل أن يكون استشهادا لكون
التأليف والتفريق دالين على الصانع لدلالة خلق الزوجين على المفرق والمؤلف لهما
لانه خلق الزوجين من واحد بالنوع فيحتاج إلى مفرق يجعلهما متفرقين وجعلهما
مزاوجين مؤتلفين الفة بخصوصهما فيحتاج إلى مؤلف يجعلهما مؤتلفين . وقيل : كل
موجود دون الله ففيه زوجان اثنان ، كالماهية والوجود ، والوجوب والامكان ، والمادة
[241]
والصورة ، والجنس والفصل ، وأيضا كل ما عداه يوصف بالمتضايفين ، كالعلية والمعلولية
والقرب والبعد ، والمقارنة والمباينة ، والتألف والتفرق ، والمعاداة والموافقة ، وغيرها
من الامور الاضافية . وقال بعض المفسرين : المراد بالشئ الجنس ، وأقل ما يكون
تحت الجنس نوعان فمن كل جنس نوعان كالجوهر منه المادي والمجرد ، ومن المادي
الجماد والنامي ، ومن النامي النبات والمدرك ، ومن المدرك الصامت والناطق ، وكل
ذلك يدل على أنه واحد لاكثرة فيه ، فقوله : " لعلكم تذكرون " أي تعرفون من اتصاف
كل مخلوق بصفة التركيب والزوجية والتضايف أن خالقها واحد أحد لا يوصف بصفاتها
قوله : ليعلم أن لاقبل له ولا بعد يدل على عدم كونه تعالى زمانيا ، ويحتمل
أن يكون المعنى : عرفهم معنى القبلية والبعدية ليحكموا أن ليس شئ قبله ولا بعده ، و
يعلم الفقرات التالية بما قدمنا في الكلمات السابقة . والغرائز : الطبائع ، ومغرزها
موجد غرائزها ومفيضها عليها ، ويمكن حملها وأمثالها على الجعل البسيط إن كان واقعا ،
والمفاوت على صيغة اسم الفاعل : من جعل بينها التفاوت وتوقيتها : تخصيص حدوث كل
منها بوقت وبقائها إلى وقت .
قوله عليه السلام : حجب بعضها عن بعض أي بالحجب الجسمانية أو الاعم ليعلم أن
ذلك نقص وعجز وهو منزه عن ذلك بل ليس لهم حجاب عن الرب إلا انفسهم لامكانهم
ونقصهم . قوله : له معنى الربوبية أي القدرة على التربية إذ هي الكمال . قوله : إذلا
مألوه أي من له الا له أي كان مستحقا للمعبودية إذ لا عابد ، وإنما قال : وتأويل
السمع لانه ليس فيه تعالى حقيقة بل مؤول بعلمه بالمسموعات . قوله عليه السلام : ليس


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 241 سطر 19 الى ص 249 سطر 18

مذ خلق استحق معنى الخالق إذ الخالقية التي هي كما له هي القدرة على خلق كل ما علم
أنه أصلح ، ونفس الخلق من آثار تلك الصفة الكمالية ، ولا يتوقف كما له . عليه و
البرائية بالتشديد : الخلاقية .
قوله عليه السلام : كيف ولا تغيبه مذأي كيف لا يكون مستحقا لهذه الاسماء في الازل
والحال أنه لا يصير " مذ " الذي هو لاول الزمان سببا لان يغيب عنه شئ فإن الممكن
إذا كان قبل ذلك المبدأ أو بعده يغيب هذا عنه ، والله تعالى جميع الاشياء مع أزمنتها
[242]
حاضرة في علمه في الازل ، أو أنه ليس لوجوده زمان حتى يغيب عن غيره فيقال : مذ كان
موجودا كان كذا ، ولما لم يكن زمانيا لا تدانيه كلمة " قد " التي هي لتقريب الماضي
إلى الحال ، أو ليس في علمه شدة وضعف حتى تقربه كلمة " قد " التى للتحقيق إلى
العلم بحصول شئ ، ولا تحجبه كلمة " لعل " التي هي لترجي أمر في المستقبل أي لا يخفي
عليه الامور المستقبلة ، أو ليس له شك في أمر حتى يمكن أن يقول : " لعل " وليس
له وقت أول حتى يقال له : متى وجد ؟ أو متى علم ؟ أو متى قدر ؟ وهكذا ، أو مطلق
الوقت كما مر مرارا ، ولا يشتمله حين وزمان ، وعلى الاحتمال الثاني تأكيد فيؤيد
الاول . ولا تقارنه " مع " بأن يقال : كان شئ معه أزلا ، أو مطلق المعية بناءا على نفي
الزمان ، أو الاعم من المعية الزمانية أيضا فمن كان كذلك فليس تخلف الخلق عنه
عجزا له ونقصا في كماله بل هو عين كما له حيث راعى المصلحة في ذلك ، ويمكن أن
تطبق بعض الفقرات ما قيل : إنه لخروجه عن الزمان كان جميع الزمانيات حاضرة
عنده في الازل كل في وقته ، وبذلك وجهوا نفي التخلف مع الحدوث ، لكن في هذا القول
إشكالات ليس المقام موضع ذكرها ، وليس في جا وج " كيف " وفيهما : لا تغيبه مذ ،
فلا يحتاج إلى تكلف .
قوله عليه السلام : إنما تحد الادوات أنفسها الادوات والآلات : الجوارح البدنية
والقوي الجسمانية أي هذه الاعضاء والقوى إنما تحد وتشير إلى جسماني مثلها فالمراد
بقوله : أنفسها أنواعها وأجناسها ، وقيل : يعني ذوي الادوات والآلات .
أقول : لايبعد أن يكون المراد بالادوات هذه الحروف والكلمات التي نفاها
عنه تعالى سابقا فيكون كالتعليل لما سبق ، وفي الاشياء الممكنة توجد فعال تلك الآلات
والادوات وآثارها لافيه تعالى .
قوله عليه السلام : منعتها في النهج : منعتها منذ القدمة ، وحمتها قد الازلية ، وجنبتها
لولا التكملة ، بها تجلى صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العيون ، وقد روي القدمة
والازلية والتكملة بالنصب ، وقيل : كذا كانت في نسخة الرضي - رضي الله عنه - بخطه
فتكون مفعولات ثانية ، والمفعولات الاول الضمائر المتصلة بالافعال ، وتكون " منذ
[243]
وقد ولولا " في موضع الرفع بالفاعلية ، والمعنى حينئذ : أن إطلاق لفظ " منذ وقد ولولا "
على الآلات تمنعها عن كونها أزلية قديمة كاملة فلا تكون الآلات محددة له سبحانه ،
مشيرة إليه جل شأنه إذهي لحدوثها ونقصها بعيدة المناسبة عن الكامل المطلق القديم في
ذاته : أما الاولى فلانها لابتداء الزمان ، ولا ريب أن منذ وجدت الآلة تنافي قدمها ،
وأما الثانية فلانها لتقريب الماضي من الحال فقولك : قد وجدت هذه الآلة تحكم بقربها
من الحال وعدم أزليتها ، وقوله : حمتها أي منعتها ، وأما لولا فلان قولك إلى المستحسنة
منها والمتوقد من الاذهان : ما أحسنها لولا أن فيها كذا فيدل على نقص فيها فيجنبها
عن الكمال المطلق ويروى أيضا برفع القدمة والازلية والتكملة على الفاعلية فتكون
الضمائر المتصلة مفعولات أول ، وقدومنذ ولو لا مفعولات ثانية ، ويكون المعنى أن قدم
الباري سبحانه وأزليته وكماله المطلق منعت الآلات والادوات عن إطلاق لفظ قد و
منذ ولولا عليه سبحانه لانه تعالى قديم كامل ، وقد ومنذ لا يطلقان إلا على محدث ،
ولو لا لا تطلق إلا على ناقص .
أقول : ويحتمل أن يكون المراد القدمة التقديرية أي لو كانت قديمة لمنعت عن
إطلاق مذعليها ، وكذا في نظيريها .
قوله عليه السلام : بها تجلى أي بمشاعرنا وخلقه إياها وتصويره لها تجلي لعقولنا
بالوجود والعلم والقدرة . قوله عليه السلام : وبها امتنع أي بمشاعرنا استنبطنا استحالة
كونه تعالى مرئيا بالعيون لانا بالمشاعر والحواس كملت عقولنا ، وبعقولنا استخرجنا
الدلالة على أنه لا تصح رؤيته ، أو بإيجاد المشاعر مدركة بحاسة البصر ظهر امتناعه عن
نظر العيون لان المشاعر إنما تدرك بالبصر لانها ذات وضع ولون وغيره من شرائط
الرؤية فيها علمنا أنه يمتنع أن يكون محلا لنظر العيون ، أو لما رأينا المشاعر إنما تدرك
ما كان ذاوضع بالنسبة إليها علمنا أنه لا يدرك بها لاستحالة الوضع فيه .
ثم اعلم أنه على ما في تلك النسخ الفقرتان الاوليان مشتركتان إلا أنه يحتمل إرجاع
الضميرين البارزين في منعتها وحمتها إلى الاشياء لا سيما إذا حملنا الادوات والآلات على
الحروف ، وأما الثالثة فالمعنى أنه لولا أن الكلمة أي اللغات والاصوات أو الآراء والعزائم
[244]
أو المخلوقات فإنها كلم الرب لدلالتها على وجوده وسائر كمالاته ، افترقت واختلفت
فدلت على مفرق فرقها ، وتباينت فأعربت وأظهرت عن مبائنها أي من جعلها متبائنة
أو عن صانع هو مبائن لها في الصفات ، لما تجلى وظهر صانعها للعقول كما قال تعالى
" ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم " . ( 1 ) وبها أي بالعقول احتجب عن الرؤية لان
الحاكم بامتناع رؤيته هو العقل ، وإلى العقل تتحاكم الاوهام عند اختلافها .
قوله عليه السلام : وفيها أثبت غيره أي كل ما يثبت ويرتسم في العقل فهو غيره تعالى ،
ويحتمل أن يكون غيره مصدرا بمعنى المغايرة أي بها يثبت مغايرته الممكنات ، ويمكن
إرجاع الضمير إلى الاوهام أي القول بالشريك له تعالى فعل الوهم لا العقل لكن فيه
تفكيك ، ومن العقول يستنبط الدليل على الاشياء ، وبالعقول عرف الله العقول أو ذويها
الاقرار به تعالى ، ويمكن إرجاع الضميرين أيضا إلى الاوهام أي الاوهام معينة للعقل
وآلات في استنباط الدليل ، وبالاوهام عرف الله العقول الاقرار بأنه ليس من جنسها
ومن جنس مدركاتها ، وبما ذكرنا يظهر جواز إرجاع الضميرين في النهج إلى العقول ،
كما أنه يجوز إرجاع جميع الضمائر هنا إلى الآلات والادوات ، ولكنهما بعيدان ،
والاخير أبعد .
قوله : ولاديانة الديانة مصدردان يدين ، وفي الصادر الديانة : " ديندار كشتن "
أي لا تدين بدين الله ، أو من دان بمعنى أطاع وعبد أي لا عبادة إلا بعد معرفة الله . والاخلاص
هو جعل المعرفة خالصة عما لا يناسب ذاته المقدسة من الجسمية والعرضية والصفات
الزائدة والعوارض الحادثة ، وحمله على الاخلاص في العبادة لايستقيم الا بتكلف ، ولا
يتحقق الاخلاص مع تشبيهه تعالى بخلقه في الذات والصفات ، وفي بعض النسخ كما
في " ج " ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبيه . وقوله : للتشبيه متعلق بالنفي أي لم ينف
التشبيه من أثبت له الصفات الزائدة .
وفي أكثر النسخ " للتنبيه " ولعل المراد به الاشارة إلى ما مر من أنه يجب إخراجه
تعالى عن حد النفي وحد التشبيه أي إذا نفينا عنه التشبيه لايلزم النفي المطلق مع أنا
* ( هامش ) * ( 1 ) ومن آياته خلق السموات والارض واختلاف ألسنتكم وألوانكم " الروم : 22 " . ( * )
[245]
نثبت الصفات لتنبيه الخلق على اتصافه بها على وجه لا يستلزم النقص كما تقول : عالم
لا كعلم العلماء ، قادر لا كقدرة القادرين . وإنما قال : للتنبيه إشارة إلى أنه لايمكن
تعقل كنه صفاته تعالى ، ثم بين عليه السلام ذلك بقوله : فكل ما في الخلق الخ .
ثم استدل عليه السلام بعدم جريان الحركة والسكون عليه بوجوه :
ألاول : أنه تعالى أجراهما على خلقه وأحدثهما فيهم فكيف يجريان فيه ، بناءا
على ما مر مرارا من أنه تعالى لا يتصف بخلقه ولايستكمل به ؟ واستدل عليه بعضهم
بأن المؤثر واجب التقدم بالوجود على الاثر فذلك الاثر إما أن يكون معتبرا في
صفات الكمال فيلزم أن يكون تعالى باعتبار ما هو موجد له ومؤثر فيه ناقصا بذاته ،
مستكملا بذلك الاثر ، والنقص عليه محال ، وإن لم يكن معتبرا في صفات كماله فله
الكمال المطلق بدون ذلك الاثر فكان إثباته له نقصا في حقه لان الزيادة على الكمال
المطلق نقصان ، وهو عليه تعالى محال ، أو لانه لو جريا عليه لم ينفك أحدهما عنه فيدل
على حدوثه كما استدل المتكلمون على حدوث الاجسام بذلك ، والاول أظهر لفظا
. ومعنى
الثانى : أنه يلزم أن تكون ذاته متفاوتة متغيرة بأن يكون تارة متحركا ،
واخرى ساكنا ، والواجب لا يكون محلا للحوادث والتغيرات ، لرجوع التغير فيها إلى
الذات .
الثالث : أنه يلزم ان يكون ذاته وكنهه متجزيا إما لان الحركة من لوازم
الجسم ، أو لان الحركة بأنواعها إنما تكون في شئ يكون فيه ما بالقوة وما بالفعل ،
أو لانه يستلزم شركته مع الممكنات فيلزم تركبه مما به الاشتراك وما به الامتياز .
وأما قوله عليه السلام : ولامتنع إلى قوله : غير المبروء كالتعليل لما سبق .
قوله عليه السلام : ولو حد له وراء أي لو قيل : إن له وراءا وخلفا فيكون له أمام أيضا
فيكون منقسما إلى شيئين ولو وهما فيلزم التجزي كما مر ، ثم بين عليه السلام أنه لايجوز
أن يكون الله مستكملا بغيره ، أو يحدث فيه كمال لم يكن فيه ، وإلا لكان في ذاته ناقصا ،
والنقص منفي عنه تعالى بإجماع جميع العقلاء ، وأيضا يستلزم الاحتياج إلى الغير في الكمل
[246]
المنافي لوجوب الوجود كما مر ، ثم أشار عليه السلام إلى أن الازلي لا يكون إلا من كان واجبا
بالذات ممتنعا عن الحدوث ، وإلا كان ممكنا محتاجا إلى صانع فلا يكون أزليا إذ كل
مصنوع حادث ، ويحتمل أن يكون المراد بامتناع الحدوث امتناع أن يحدث فيه الحوادث
وكونه محلالها ، وبيانه بأنه ينافي الازلية والوجوب .
قوله عليه السلام : وكيف ينشئ الاشياء أي جميعها من لا يمتنع من كونه منشئا إذ هو
نفسه ومن أنشأه لا يكونان من منشآته ، فكيف يكون منشئا للجميع ؟ أو أن منشئ كل
شئ ومبدعه لا يكون إلا واجبا كما مر في باب " أنه تعالى خالق كل شئ " ، ويحتمل
أن يكون المراد عدم الامتناع من إنشاء شئ فيه إذ لا يجوز أن يكون منشئ تلك الصفة
نفسه ولا غيره . ثم استدل على جميع ما تقدم بأنه لو كان فيه تلك الحوادث والتغيرات
وإمكان الحدوث لقامت فيه علامة المصنوع ، ولكان دليلا على وجود صانع آخر غيره
كسائر الممكنات ، لاشتراكه معهم في صفات الامكان ، وما يوجب الاحتياج إلى العلة
لا مدلولا عليه بأنه صانع .
قوله عليه السلام : ليس في محال القول حجة أي ليس في هذا القول المحال أي إثبات
الحوادث والصفات الزائدة له حجة ، ولا في السؤال عن هذا القول لظهور خطأه جواب ،
وليس في إثبات معنى هذا القول له تعالى تعظيم بل هو نقص له كما عرفت ، وليس في إبانته
تعالى عن الخلق في الاتصاف بتلك الصفات حيث نفيت عنه تعالى وأثبتت فيهم ضيم أي
ظلم على الله تعالى ، أو على المخلوقين إلا بأن الازلي يمتنع من الثنينية ، وإثبات الصفات
الزائدة يوجب الاثنينية في الازلي ، وبأن ما لا بدأ له - على المصدر - أو بدئ له - على فعيل
بمعنى مفعل - يمتنع من أن يبدأ ويكون له مبدأ ، وما نسبوا إليه تعالى مما مر مستلزم
لكونه تعالى ذا مبدأ وعلة فالمعنى : أنه لا يتوهم ظلم إلا بهذا الوجه ، وهذا ليس بظلم ،
كما في قول الشاعر :
ولاعيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتايب
والعادلون بالله هم الذين يجعلون غيره تعالى معادلا ومتشابها له . ( * )
[247]
اقول : قد روي في ف والنهج مثل هذه الخطبة مع زيادات عن أمير المؤمنين عليه السلام
وقد أوردتها في أبواب خطبه عليه السلام .
5 - نهج ، ج : عن أمير المؤمنين عليه السلام : الحمدلله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ،
ولا يحصي نعمه العادون ، ولا يؤدي حقه المجتهدون ، الذي لايدركه بعد الهمم ، ولا
يناله غوص الفطن ، ( 1 ) الذي ليس لصفته حد محدود ، ولا نعت موجود ، ولا وقت معدود ،
ولا أجل ممدود ، فطر الخلائق بقدرته ، ونشر الرياح برحمته ، ووتد بالصخور ميدان
أرضه ، أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ،
وكمال توحيده الاخلاص له ، وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها
غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن
قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزاه ، ومن جزاه فقد جهله ، ومن أشار إليه فقد حده ،
ومن حده فقد عده ، ومن قال : فيم فقد ضمنه ، ومن قال : علام ؟ فقد أخلا منه ، كائن
لاعن حدث ، موجود لاعن عدم ، مع كل شئ لا بمقارنة ، وغير كل شئ لا بمزايلة ، فاعل
لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه ، متوحد إذ لاسكن يستأنس به
* ( هامش ) * ( 1 ) وغوصها : استغراقها في بحر المعقولات لتلتقط در رالحقيقة ، وهي وإن بعدت في الغوص لا
تنال حقيقة الذات الاقدس قال ابن ميثم : إسناد الغوص ههنا إلى الفطن على سبيل الاستعارة ، إذ
الحقيقة إسناده إلى الحيوان بالنسبة إلى الماء ، وهو مستلزم لتشبيه المعقولات بالماء ، ووجه الاستعارة
ههنا أن صفات الجلال ونعوت الكمال لما كانت في عدم تناهيها والوقوف على حقائقها وأغوارها
تشبه البحر الخضم الذى لايصل السائح له إلى ساحل ، ولا ينتهى الغائص فيه إلى قرار ، وكان السائح
لذلك البحر والخائض في تياره هي الفطن الثاقبة لاجرم كانت الفطنة شبيهة بالغائص في البحر فاسند
الغوص اليها ، وفى معناه الغوص إلى الفكر ، ويقرب منه اسناد الادراك إلى بعد الهمم ، اذ كان الادراك
حقيقة في لحوق الجسم لجسم آخر . واضافة الغوص إلى الفطن والبعد إلى الهمم اضافة لمعنى الصفة
بلفظ المصدر إلى الموصوف ، والتقدير : لاتناله الفطن الغائصة ، ولا تدركة الهمم البعيدة . ووجه
الحسن في هذه الاضافة وتقديم الصفة أن المقصود لما كان هو المبالغة في عدم اصابة ذاته تعالى بالفطنة
من حيث هى ذات غوص وبالهمة من حيث هى بعيدة كانت تلك الحيثية مقصودة بالقصد الاول ، والبلاغة
تقتضى تقديم الاهم . ( * )
[248]
ولا يستوحش لفقده ، أنشأ الخلق إنشاءا ( 1 ) وابتدأه ابتداءا بلا روية أجالها ، ولا تجربة
استفادها ، ولا حركة أحدثها ، ولا همامة نفس اضطرب فيها ، أجل الاشياء لاوقاتها ، ( 2 )
ولام بين مختلفاتها ، وغر زغرائز ها ، وألزمها أشباحها ، عالما بها قبل ابتدائها ، محيطا
بحدودها وانتهائها ، عارفا بقرائنها وأحنائها .
بيان : الفقرة الاولى إقرار بالعجز عن الحمد باللسان كما أن الثانية اعتراف
بالقصور عن الشكر بالجنان ، والثالثة عن العمل بالاركان . والهمة : القصد والارادة ،
وبعدها : علوها وتعلقها بالامور العالية أي لا تدركه الهمم العالية المتعرضة لصعاب
الامور الطائرة إلى إدراك عوالي الامور والفطن بكسر الفاء وفتح الطاء جمع فطنة
بالكسر : الحذق وجودة استعداد الذهن لتصور ما يرد عليه ، أي لا يصل إلى كنه حقيقته
الفطن الغائصة في بحار الافكار .
قوله عليه السلام : الذي ليس لصفته أي لا يدخل في صفاته الحقيقية حد محدود من
الحدود والنهايات الجسمانية ، ويحتمل أن يكون الصفة بمعنى التوصيف أي لا يمكن
توصيفه بحد ، ووصف الحد بالمحدود إما لان كل حد من الحدود الجسمانية فله
حد أيضا كالسطح ينتهي إلى الخطو مثلا ، أو على المبالغة كقولهم : شعر شاعر ، ويمكن
أن يقرأ على الاضافة وإن كان خلاف ما هو المضبوط ، ويمكن أن يكون المعنى : أنه
ليس لتوصيفه تعالى بصفات كماله حد ينتهى إليه بل محامده أكثر من أن تحصى ، ( 3 )
ولا يوصف أيضا بنعت موجود أي بالصفات الزائدة ردا على الاشعري ، وإنما قيد
بقوله : موجود إذ لاضير في توصيفه بالصفات الاعتبارية والاضافية ، ويحتمل أن يكون
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : أنشأ الخلق إنشاءا واحدا .
( 2 ) في النهج : آجال الاشياء لا وقاتها .
( 3 ) أو كان المعنى - كما حكى عن أبى الحسن الكندرى - بأن يؤول حد محدود على ما يؤول به كلام
العرب : ولا يرى الضب بها ينحجر أى ليس بهاضب فينحجر ، حتى يكون المراد أنه ليس له صفة
فتحد ، اذ هو تعالى واحد من كل وجه ، منزه عن الكثرة بوجه ما فيمنع أن يكون له صفة تزيد على
ذاته ، كما في سائر الممكنات ، وصفاته المعلومة ليست من ذلك في شئ ، انما هى نسب واضافات لا
يوجب وصفه بها كثرة في ذاته ، قال : ومما يؤكد هذا التأويل قوله بعد ذلك : فمن وصف الله سبحانه
فقد قرنه .
[249]
المراد نعت موجود في المخلوقين ، أو يكون الموجود من الوجدان أي نعت يحيط به العقل ،
واحتمال الاضافة فيها وفي قرينتيها باق مع بعده ، ولا يمكن وصفه أيضا بالوقت والاجل ،
والفرق بينهما باعتبار الابتداء وا نتهاء أي ليس له وقت معدود من جهة الازل ، ولا
أجل مؤجل ممدود من جهة الابد ، وقال ابن أبي الحديد : يعني بصفته ههنا كنهه و
حقيقته ، يقول : ليس لكنهه حد فيعرف بذلك الحد قياسا على الاشياء المحدودة لانه
ليس بمركب وكل محدود مركب .
ثم قال : ولا نعت موجود أي لا يدرك بالرسم كما يدرك الاشياء برسومها وهو
أن يعرف بلازم من لوازمها وصفة من صفاتها . ثم قال : ولا وقت معدود ولاأجل ممدود
وفيه إشارة إلى الرد على من قال : إنا نعلم كنه الباري تعالى لا في هذه الدنيا بل في
الآخرة . وقال ابن ميثم : المراد أنه ليس لمطلق ما يعتبره عقولنا له من الصفات السلبية
والاضافية نهاية معقولة تقف عندها فيكون حدا له ، وليس لمطلق ما يوصف به أيضا
وصف موجود يجمعه فيكون نعتا له ومنحصرا فيه ثم قال : ليس لصفته حد أي ليس
لها غاية بالنسبة إلى متعلقاتها كالعلم بالنسبة إلى المعلومات ، والقدرة إلى المقدورات
انتهى . ولا يخفى بعد تلك الوجوه .
والفطر : الابتداع ، والخلائق جمع خليقة بمعني المخلوق أو الطبيعة ، والاول
أظهر ، ونشر الرياح ( 1 ) أي بسطها برحمته أي بسبب المطر أو الاعم ، ويؤيد الاول قوله تعالى :
" وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته " . ( 2 ) وتد بالصخور يقال : وتد أي ضرب
الوتد في حائط أو غيره ، والصخور : الحجارة العظام . والميدان بالتحريك : الحركة بتمائل هو الاسم من ماديميد ميدا ، وهو من إضافه الصفة إلى موصوفها ، والتقدير : وتد


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 249 سطر 19 الى ص 257 سطر 18

* ( هامش ) * ( 1 ) قال ابن ميثم : ان نشر الرياح وبسطها لما كان سببا عظيما من أسباب بقاء أنواع الحيوان
والنبات واستعدادات الامزجة للصحة والنمو وغيرها حتى قال كثير من الاطباء : انها تستحيل
روحا حيوانيا ، وكانت عناية الله سبحانه وتعالى وعموم رحمته شاملة لهذا العالم وهى مستند كل
موجود لاجرم كان نشرها برحمته ، ومن أظهر آثار الرحمة الالهية بنشر الرياح حملها للسحاب
المقرع بالماء وإثارتها له على وفق الحكمة لتصيب الارض الميتة فينبت بها الزرع ويملا الضرع .
( 2 ) الاعراف : 57 . ( * )
[250]
بالصخور أرضه المائدة ، وإنما أسند إلى الصفة لانها العلة في إيجاد الجبال كما
قال تعالى : " وألقى في الارض رواسي أن تميدبكم " ( 1 ) وقال : " والجبال أوتادا " . ( 2 )
ثم اعلم أنهم اختلفوا في أنه لم صارت الجبال سببا لسكون الارض على أقوال :
الاول : أن السفينة إذا القيت على وجه الماء فإنها تميل فإذا وضعت فيها
أجرام ثقيلة استقرت ، ولعل غرضهم أن الارض إذا لم توتد بالجبال لامكن أن تتحرك
بتموج الهواء ونحوه حركة قسرية .
الثانى : ما ذكره الفخر الرازي حيث قال : قد ثبت أن الارض كرة ، وأن هذه
الجبال بمنزلة خشونات وتضريسات ( 3 ) على وجه الكرة فلو فرضنا أن الارض كانت كرة
حقيقة لتحركت بالاستدارة بأدنى سبب لان الجرم البسيط المستدير يجب كونه متحركا
على نفسه بأدنى سبب وإن لم تجب حركته بنفسه عقلا ، أما إذا حصل على سطحها
هذه الجبال فكل واحد إنما يتوجه بطبعه إلى المركز فيكون بمنزلة الاوتاد ، ولا يخفى
ما فيه من التشويش والفساد .
الثالث : ما يخطر بالبال وهو أن يكون مدخلية الجبال لعدم اضطراب الارض
بسبب اشتباكها واتصال بعضها ببعض في أعماق الارض بحيث تمنعها عن تفتت
أجزائها وتفرقها فهي بمنزلة الاوتاد المغروزة المثبتة في الابواب المركبة من قطع
الخشب الكثيرة بحيث تصير سببا لالتصاق بعضها ببعض وعدم تفرقها ، وهذا معلوم
ظاهر لمن حفر الابار في الارض فإنها تنتهي عند المبالغة في حفرها إلى الاحجار الصلبة
الرابع : ما أول بعضهم الآية به ، وهو أن المراد بالاوتاد الانبياء والعلماء ، و
بالارض الدنيا فإنهم سبب استقرار الدنيا ، ولا يخفى أنه لو استقام هذا الوجه في
الآية لا يجري في كلامه عليه السلام إلا بتكلف لا يرتضيه عاقل .
الخامس : أن يقال المراد بالارض قطعاتها وبقاعها لا مجموع كرة الارض ، و
* ( هامش ) * ( 1 ) النحل : 14 .
( 2 ) النبأ : 7 .
( 3 ) تضاريس الارض : ما برز عليها كالاضراس . ( * )
[251]
يكون الجبال أوتادا لها أنها حافظة لها عن الميدان والاضطراب بالزلزلة ونحوها ،
إما لحركة البخارات المحتقنة في داخلها بإذن الله تعالى ، أو لغير ذلك من الاسباب
التي يعلمها مبدعها ومنشئها ، ويؤيده ما سيأتي من خبر ذي القرنين ، وسيأتي تمام القول
في ذلك في كتاب السماء والعالم .
قوله عليه السلام : وكمال معرفته التصديق به الفرق بينهما إما بحمل المعرفة على
الاذعان بثبوت صانع في الجملة ، والتصديق على الاذعان بكونه واجب الوجود ،
أومع سائر الصفات الكمالية ، أو بحمل الاول على المعرفة الفطريقة ، والثاني على
الاذعان الحال بالدليل ، أو الاول على المعرفة الناقصة والثاني على التامة التي وصلت
حد اليقين ، وإنما قال عليه السلام : وكمال التصديق به توحيده لان من لم يوحده وأثبت له
شريكا فقد حكم بما يستلزم امكانه فلم يصدق به بل بممكن غيره . ( 1 ) فمن وصف الله
* ( هامش ) * ( 1 ) قوله : وكمال توحيده الاخلاص له أي وكمال توحيده جعله مختارا خالصا من الدنس ، وتنزيهه
عن شوائب العجز والنقص ، وتقديسه عما يلحق الممكنات ويعرضها من التجسم والتركب وغيرهما
من الصفات السلبية . وأما قوله : وكمال الاخلاص له نفى الصفات له يحتمل أن يكون المراد به
نفى المعانى والاحوال قال ابن ميثم : وكمال توحيده الاخلاص له ففيها اشارة إلى أن التوحيد
المطلق للعارف انما يتم بالاخلاص له وهو الزهد الحقيقى الذى هو عبارة عن تنحية كل ما سوى الحق
الاول عن سنن الايثار ، وبيان ذلك أنه ثبت في علم السلوك أن العارف مادام يلتفت مع ملاحظة
جلال الله وعظمته إلى شئ سواه فهو بعد واقف دون مقام الوصول ، جاعل مع الله غيرا ، حتى أن أهل
الاخلاص ليعدون ذلك شركا خفيا ، كما قال بعضهم :
من كان في قلبه مثقال خردلة * سوى جلالك فاعلم أنه مرض
أقول : ما قلناه أظهر وأنسب ، وسياق الكلام تشهد بذلك . وقال في شرح قوله : نفى الصفات
عنه بعد احتماله ما ذكرنا : قلت : قد تقرر في مباحث القوم بيان أن كل ما يوصف به تعالى من الصفات
الحقيقية والسلبية والاضافية اعتبارات تحدثها عقولنا عند مقايسة ذاته سبحانه إلى غيرها ، ولا
يلزم تركيب في ذاته ولاكثرة ، فيكون وصفه تعالى بها أمرا معلوما من الدين ليعم التوحيد ، والتنزيه
كل طبقة من الناس ، ولما كانت عقول الخلق على مراتب من التفاوت كان الاخلاص الذى ذكره عليه السلام
أقصى ما تنتهى اليه القوى البشرية عند غرقها في أنوار كبرياء الله ، وهو أن تعتبره فقط من غير ملاحظة
شئ آخر ، وكان اثباته عليه السلام الصفة في موضع آخر وصفه في الكتاب العزيز وسنن النبوية
اشارة إلى الاعتبارات التى ذكرناها ، اذ كان من هو دون درجة الاخلاص يمكن أن يعرف الله سبحانه
بدونها انتهى .
وقال صدر المتألهين في شرح قوله عليه السلام ذلك : أراد به نفى الصفات التى وجودها غيره * ( * )
[252]
أي بالصفات الزائدة ، فقد قرنه أي جعل له شيئا يقارنه دائما . ومن حكم بذلك فقد ثناه
أي حكم باثنينية الواجب إذالقديم لايكون ممكنا ، ومن حكم بذلك فقد حكم بأنه
ذو أجزاء لتركبه مما به الاشتراك وما به الامتياز ، أو لان التوصيف بالاوصاف الزائدة
الموجودة المتغائرة لا يكون إلا بسبب الاجزاء المتغائرة المختلفة ، أو لان إله العالم و
مبدعه إما أن يكون ذاته تعالى فقط مع قطع النظر عن هذه الصفات أو ذاته معها ، و
الاول باطل لان الذات الخالية عنها لا تصلح للالهية ، وكذا الثاني لان واجب الوجود
إذا يصير عبارة عن كثرة مجتمعة من امور موجودة فكان مر كبا فكان ممكنا .
قوله عليه السلام : ومن أشار إليه إي بالاشارة الحسية فقد حده بالحدود الجسمانية
أو بالاشارة العقلية فقد حده بالحدود العقلانية ، ومن حده فقد عده أي جعله ذا
عدد وأجزاء ، وقيل عده من الممكنات ولا يخفي بعده .
قوله عليه السلام : ولا يستوحش كأن كلمة " لا " تأكيد للنفي السابق أي ولا سكن
يستوحش لفقد ، ( 1 ) أو زائدة كما في قوله تعالى : " ما منعك أن لا تسجد " ( 2 ) ويحتمل كون
الجملة حالية .
قوله : عليه السلام وألزمها أشباحها الضمير المنصوب في قوله : ألزمها إما راجع إلى
الغرائز أو إلى الاشياء ، فعلى الاول المراد بالاشباح الاشخاص أي جعل الغرائز و
الطبائع لازمة لها ، وعلى الثاني فالمراد بها إما الاشخاص أي ألزم الاشياء بعد كونها
كلية أشخاصها ، أو الارواح إذ يطلق على عالمها في الاخبار عالم الاشباح ، وفي بعض
* ( هامش ) * * وجود الذات ، وإلا فذاته بذاته مصدق لجميع النعوت الكمالية والاوصاف الالهية من دون قيام أمر
زائد بذاته تعالى فرض انه صفة كمالية له ، فعلمه وقدرته وارادته وحياته وسمعه وبصره كلها موجودة
بوجود ذاته الاحدية ، مع أن مفهوماتها متغايرة ومعانيها متخالفة فان كمال الحقيقة الوجودية في
جامعيتها للمعاني الكثيرة الكمالية مع وحدة الوجود .
( 1 ) أراد عليه السلام أنه تعالى متوحد بداته ومتفرد بوحدانيته ، لا أنه انفرد عن مثل له ، اذا
المتعارف من استعمال لفظة " متوحد " اطلاقها على من كان له من يستأنس بقربه ، ويستوحش لبعده ،
( 2 ) الاعراف : 11 . ( * )
[253]
النسخ : أسناخها أي اصولها قوله عليه السلام : بقرائنها أي بما يقترن بها . والاحناء جمع
حنو وهو الجانب والناحية . ( 1 )
6 - ج : في خطبة اخرى له عليه السلام : أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفته توحيده ،
ونظام توحيده نفي الصفات عنه ، جل أن تحله الصفات لشهادة العقول أن كل من حلته
الصفات مصنوع ، وشهادة العقول أنه جل جلاله صانع ليس بمصنوع ، فصنع الله يستدل
عليه ، وبالعقول يعقد معرفته ، وبالفكر تثبت حجته ، جعل الخلق دليلا عليه فكشف
به عن ربوبيته ، هو الواحد الفرد في أزليته ، لا شريك له في إلهيته ، ولاند له في ربوبيته
بمضادته بين الاشياء المتضادة علم أن لاضد له ، وبمقارنته بين الامور المقترنة علم أن
لاقرين له .
شا : أبوالحسن الهزلي ، عن الزهري وعيسى بن زيد ، عن صالح بن كيسان ، أن
أمير المؤمنين عليه السلام قال في الحث على معرفة الله سبحانه والتوحيد له : أول عبادة الله معرفته
إلى آخر الخبر .
7 - ج : وقال عليه السلام في خطبة اخرى : دليله آياته ، ووجوده إثباته ، ومعرفته
توحيده ، وتوحيده تمييزه من خلقه ، وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة ، إنه رب
خالق ، غير مربوب مخلوق ، ما تصور فهو بخلافه . ثم قال بعد ذلك : ليس بإله من عرف
بنفسه ، هو الدال بالدليل عليه ، والمؤدي بالمعرفة إليه
ايضاح : قوله عليه السلام : ووجوده إثباته لعل الوجود مصدر بمعني الوجدان ،
يقال : وجده وجودا ووجدانا أي أدركه أي ليس يمكن من وجدان كنه ذاته إلا إثباته ،
ويحتمل أن يكون الحمل على المبالغة أي وجوده ظاهر مستلزم للاثبات
قوله عليه السلام : بينونة صفة أي تميزه عن الخلق بمباينته لهم في الصفات ، لا باعتزاله
عنهم في المكان . والمؤدي على اسم الفاعل ويحتمل اسم المفعول .
* ( هامش ) * ( 1 ) وكل ما فيه اعوجاج من البدن كالضلع ، أو من غير البدن وهو كناية عما خفى ، أو من قولهم
أحناء الامور أي مشتبهاتها . والقرائن : ما يقترن بها على وجه التركيب أو المجاورة او العروض
أو ما يصدر عنها من الافعال . وقال ابن ابي الحديد : القرائن جمع قرونة وهى النفس
[254]
8 - ج : وقال عليه السلام في خطبة اخرى : لايشمل بحد ، ولا يحسب بعد ، وإنما
تحد الادوات أنفسها ، وتشير الآلات إلى نظائرها ، منعتها منذ القدمة ، وحمتها قد
الازلية ، وجنبتها لو لا التكملة ، بها تجلى صانعها للعقول ، ( 1 ) وبها امتنع من نظر
العيون ، ( 2 ) لا تجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هو أحراه ؟ ويعود
فيه ما هو أبداه ؟ ويحدث فيه ما هو أحدثه ؟ إذا لتفاوتت ذاته ، ولجز أكنهه ، ولامتنع من
الازل معناه ، ولكان له وراء إذا وجد له أمام ، ولالتمس التمام إذا لزمه النقصان ، وإذا
لقامت آية الممنوع فيه ، ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه ، وخرج بسلطان
الامتناع ( 3 ) من أن يؤثر فيه ما في غيره ، الذي لا يحول ولا يزول ، ولا يجوز عليه الافول ، ( 4 )
لم يلد فيكون مولودا ، ولم يولد فيصير محدودا ، جل عن اتخاذ الابناء ، وطهر عن
ملامسة النساء ، لاتناله الاوهام فتقدره ، ولاتتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدركه
الحواس فتحسه ، ولا تلمسه الايدي فتمسه ، ولا يتغير بحال ، ولا يتبدل بالاحوال ،
ولاتبليه الليالي والايام ، ولا يغيره الضياء والظلام ، ولا يوصف بشئ من الاجزاء ، ولا
بالجوارح والاعضاء ، ولا بعرض من الاعراض ، ولا بالغيرية والابعاض ، ولا يقال : له
حد ولانهاية ، ولا انقطاع ولا غاية ، ولاأن الاشياء تحويه فتقله أو تهويه ، ولا أن الاشياء
تحمله فيميله أو يعد له ، ليس في الاشياء بوالج ( 5 ) ولاعنها بخارج ، يخبر لابلسان و
لهوات ، ويسمع لا بخروق وأدوات ، يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولايتحفظ ، ويريد ولا
يضمر ، يحب ويرضى من غير رقة ، ويبغض ويغضب من غير مشقة ، يقول لما أراد كونه :
* ( هامش ) ( 1 ) أى بوجود هذه الالات ظهر وجوده تعالى للعقول ، لاستلزام وجودها لوجود صانعها
بالضرورة ، وشهادة إحكامها وإتقانها بعلمه وحكمته وارادته ، فيكون ماشهد به وجود هذه الالات
من وجود صانعها أجلى وأوضح من أن يقع فيه شك أو يحلقه شبهة .
( 2 ) يمكن رجوع الضمير إلى الالات والى العقول .
( 3 ) أى سلطان العزة الازلية الممتنعة عن لوازم الامكان وسمات الحدوث . وقوله : وخرج
عطف على قوله : لا يجرى عليه السكون .
( 4 ) أفل القمر : اذاغاب .
( 5 ) الوالج : الداخل . ( * )
[255]
" كن " فيكون ، لابصوت يقرع ، ولانداء يسمع ، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ، و
مثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا ، لا يقال له : كان بعد أن
لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات ، ولايكون بينها وبينه فصل ، ( 1 ) ولاله عليها فضل
فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدع والبديع ، خلق الخلائق من غير مثال ( 2 )
خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه ، وأنشأ الارض فأمسكهم من غير
اشتغال ، وأرساها على غير قرار ، وأقامها بغير قوائم ، وربعها بغير دعائم ، وحصنها من
الاود والاعوجاج ، ومنعها من التهافت والانفراج ، أرسى أوتادها ، وضرب أسدادها ،
واستفاض عيونها ، وخذ أوديتها ، فلم يهن مابناه ، ( 3 ) ولاضعف ماقواه ، وهو الظاهر
عليها بسلطانه وعظمته ، والباطن لها بعلمه ومعرفته ، ( 4 ) والعالي على كل شئ منها بجلاله
وعزته ، لايعجزه شئ منها طلبه ، ولايمتنع عليه فيغلبه ، ولايفوته السريع منها فيسبقه ،
ولايحتاج إلى ذى مال فيرزقه ، خضعت الاشياء له فذلت مستكينة لعظمته ، لاتستطيع
الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره ، ولاكفؤله فيكافيه ولانظير له فيساويه ،
هو المفني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها ، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها
بأعجب من إنشائها واختراعها كيف ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها وما
كان من مراحها وسائمها وأصناف أسناخها ( 5 ) وأجناسها ، ومتبلدة أممها وأكياسها على
إحداث بعوضة ماقدرت على إحداثها ، ولاعرفت كيف السبيل إلى إيجادها ، ولتحيرت
عقولها في علم ذلك وتاهت ( 6 ) وعجزت قواها ، وتناهت ورجعت خاسئة ؟ سيرة عارفة
بأنها مقهورة ، مقرة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضعف عن إفنائها وأنه يعود سبحانه
بعد فناء الدنيا وحده لاشئ معه كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلاوقت
* ( هامش ) * ( 1 ) عطف على قوله : فتجرى .
( 2 ) وفى نسخة : على غير مثال
( 3 ) أى فلم يضعف .
( 4 ) قيد الظهور بالسلطان والعظمة احترازا من الظهور الحسى الامكانى ، وكذا البطون بالعلم
والمعرفة تنزيها عن خفائه كذلك .
( 5 ) في نسخة : أشباحها .
( 6 ) أى وضلت . ( * )
[256]
ولامكان ولاحين ولازمان ، عدمت عند ذلك الآجال والاوقات ، وزالت السنون و
الساعات ، فلاشئ إلا الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الامور ، بلاقدرة منهاكان
ابتداء خلقها ، وبغير امتناع منها كان فناؤها ، ولوقدرت على الامتناع لدام بقاؤها ، لم
يتكاءده صنع شئ منها إذصنعه ، ولم يؤده منها خلق مابرأه وخلقه ، ولم يكونها لتشديد
سلطان ، ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانة بها على ند ؟ كاثر ، ولا للاحتراز
بها من ضد مشاور ، ولا للازدياد بها في ملكه ، ولالمكاثرة شريك في شركه ، ولا لوحشة
كانت منه فأراد أن يستأنس إليها ، ثم هويفنيها بعد تكوينها لالسأم ( 1 ) دخل عليه في
تصريفها وتدبيرها ، ولالراحة واصلة إليه ، ولالثقل شئ منها عليه ، لايمله طول بقائها
فيدعوه إلى سرعة إفنائها ، لكنه سبحانه دبرها بلطفه ، وأمسكها بأمره ، وأتقنها
بقدرته ، ثم يعيدها بعد الفناء من غيرحاجة منه إليها ، ولا استعانة بشئ منها عليها ، ولا
لانصراف من حال وحشة إلى حال استيناس ، ولا من حال جهل وعمى إلى حال علم و
التماس ، ولا من فقر وحاجة إلى غنى وكثرة ، ولا من ذل وضعة إلى عز وقدرة .
تبيان : لايشمل بحد أي بالحدود والنهايات الجسمانية ، أوبالحد العقلي
المركب من الجنس والفصل ، ولايحسب بعد أي بالاجزاء والصفات الزائدة المعدودة ،
وقال ابن أبي الحديد : يحتمل أن يريد لايحسب أزليته بعد أي لايقال له : منذوجد كذا
وكذا كما يقال للاشياء المتقدمة العهد ، ويحتمل أن يريد به أنه ليس بمماثل للاشياء
فيدخل تحت العدد كما تعد الجواهر وكماتعد الامور المحسوسة أقول : وقدمر تفسير
كثير من الفقرات .
قوله عليه السلام : إذا وجد له أمام أي لو جرت عليه الحركة لكان له أمام يتحرك
إليه ، وحينئذ يستلزم أن يكون له وراء لانهما إضافتان لاتنفك إحديهما عن الاخرى
وذلك محال لان كل ذي وجهين فهو منقسم ، وكل منقسم ممكن ، ويحتمل أن يكونا
كنايتين عما بالقوة وما بالفعل ، ليشمل سائر أنواع الحركة كما أو مأنا إليه سابقا .
قوله عليه السلام : ولالتمس التمام أي الحركة إنما تكون لتحصيل أمر بالقوة فمع عدمه
ناقص ، والنقص عليه محال .
* ( هامش ) * ( 1 ) أي لالملالة . ( * )
[257]
قوله عليه السلام : وخرج بسلطان الامتناع قيل : هومعطوف على كان مدلولا عليه
وسلطان الامتناع : وجوب الوجود والتجرد وكونه ليس بمتحيز ولاحال في المتحيز ،
وقيل : هو معطوف على قوله : بها امتنع عن نظر العيون يعني بها امتنع عن نظر
العيون وخرج بسلطان ذلك الامتناع أي امتناع أن يكون مثلها في كونها مرئية
للعيون عن أن يؤثر فيه مايؤثر في غيره من المرئيات ، وهي الاجسام والجسمانيات ،
وقيل : إنه معطوف على قوله : بها تجلي أي بها تجلي للعقول وخرج بسلطان امتناع
كونه مثلا لها أي بكونه واجب الوجود ممتنع العدم عن أن يكون ممكنا فيقبل
أثرا كما يقبل الممكنات .
أقول : الاظهر عطفه على قوله : لايجري عليه الحركة والسكون لكون
مابعدها من الفقرات دليلا عليها ومن توابعها ، وسلطان الامتناع وجوب الوجود المقتضي
للامتناع عن الاشتراك مع الممكنات ، وأما العطف عن الفقرات السابقة مع تخلل
الفقرات الاجنبية فلايخفى بعده .
قوله عليه السلام : لا يحول أي لايتغير ، وقال الفيروز آبادي : كل ما تحرك أو تغير من
الاستواء إلى العوج فقد حال . والافول : الغيبة . قوله عليه السلام : فيكون مولودا أي من
جنسه ونوعه لان الوالد والولد يتشار كان في النوع والصنف والعوارض فيكون جسما
مركبا محتاجا ، ويحتمل أن يكون المراد بالمولود المخلوق أي فيكون مخلوقا .
وقال ابن أبي الحديد : المراد : أنه يلزم من فرض صحة كونه والدا صحة كونه
مولودا على التفسير المفهوم من الوالدية وهو أن يتصور من بعض أجزائه حي آخر من


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 257 سطر 19 الى ص 265 سطر 18

نوعه على سبيل الاستحالة لذلك الجزء كما في النطفة فصح أن يكون مولودا من والد
آخر لان الاجسام متماثلة في الجسمية وقد ثبت ذلك في موضعه ، وأما أنه لايصح
كونه مولودا فلان كل مولود متأخر عن والده بالزمان فيكون محدثا .
وقال ابن ميثم : يمكن أن يكون خطابيا غايته الاقناع ، ويمكن أن يكون
المراد بالوالديه والمولودية ماهو أعم من المعني المشهور فإن الملازمة على المعنى المشهور
غير واجب كما في اصول الحيوان الحادثة ، حينئذ فبيانها أن مفهوم الولد هوالذي
[258]
يتولد وينفصل عن آخر مثله عن نوعه لكن أشخاص النوع الواحد لاتتعين إلا بواسطة
المادة وعلائقها كما علم في مظانه من الحكمة ، وكل ما كان ماديا فهو متولد عن
مادته وصورته وأسباب وجوده وتركيبه ، ولو كان مولودا بذلك المعنى لكان منتهيا إلى
حدوده وهي أجزاؤه التي تقف عندها وتنتهي في التحليل إليها ، ولكان محاطا ومحدودا
بالمحل الذي تولد منه . انتهي
قوله عليه السلام : فتقدره أي بمقدار وشكل وكيف ، والفطنة : سرعة الفهم . قوله عليه السلام :
فتصوره أي بصورة خيالية أو عقلية . قوله عليه السلام : فتحسه أي تدركه بنحو الاحساس
الموقوف على مباشرة ووضع خاص ردا على من زعم أنه يمكن أن يدرك بالحواس
بدون مقارنة ومحاذاة . كذا ينبغي أن يفهم لا كما ذكره الفاضل البحراني حيث قال : أي
لو أدركته الحواس لصدق أنها أحسته ، أي لصدق هذا الاسم فيلزم أن يصدق عليه
تعالى كونه محسوسا ، وإنما ألزم عليه السلام ذلك لكون الاحساس أشهر وأبين في
استحالته على الله سبحانه ، وقال في الفقرة التالية : أي لوصدق أنها تلمسه لصدق أنها
تمسه ، وهو ظاهر ، إذ كان المس أعم من اللمس ، وكلاهما ممتنعان عليه لاستلزامهما
الجسمية . انتهى .
أقول : في الاعمية نظر ، والاظهر أن يقال - على نحو ماسبق : أن المراد باللمس
الاحساس بحاسة اللمس ، وبالمس : المماسة والمقارنة المخصوصة .
قوله : بحال أي أبدا أو بسبب حدوث حال . قوله عليه السلام : بالغيرية والابعاض
أي ليس له أبعاض يغاير بعضها بعضا . والنهاية تأكيد للحد كما أن الغاية تأكيد
للانقطاع . أو المراد بالحد الحدود العارضة ، وبالنهاية نهاية المكان الذي هو تعالى
فيه ، وبالانقطاع : ماهو من جانب الازل ، وبالغاية : ماهو من جانب الابد . أويقال :
المراد بالانقطاع انقطاع وجوده ، وبالغاية الزمان الذي ينقطع فيه فيكون كالتأكيد له .
قوله : فتقله بالنصب با ضمار " أن " في جواب النفي ، أو بالرفع على العطف أي ليس
بذي مكان يحويه فيرتفع بارتقاعه ، وينخفض بالنخفاضه ، وكذا ليس محمولا على شئ
فيميله إلى جانب أو يعدله على ظهره من غير ميل . قوله : ولاعنها بخارج خروجا مكانيا
[259]
بأن يكون في مكان آخر سوى أمكنتها ، أوليس عنها بخارج علما وقدرة وتربية و
اللهوات : هي اللحمات في سقف أقصى الفم .
قوله عليه السلام : ولايلفظ يدل على أن التلفظ صريح في إخراج الحروف من آلة النطق
بخلاف القول والكلام . قوله عليه السلام : يحفظ أي يعلم الاشياء ويحصيها . ، ولايتحفظ أي
لايتكلف ذلك كالواحد منا بتحفظ الدرس ليحفظه ، ويحتمل أن يكون المراد بالتحفظ
الانتقاش في الحافظة . ، وقيل : أي يحفظ العباد ويحرسهم ، ولايحرز ولايشفق على نفسه
خوفا من أن يبدره بادرة ، ولايخفي بعده عن السياق . قوله عليه السلام : من غير مشقة أي
البغض والغضب في المخلوق يستلزمان ثوران دم القلب واضطرابه وانزعاجه ، وكل ذلك
مشقة والله منزه عنها .
قوله عليه السلام : يقول لما أراد لعل غرضه بيان معنى الآية وأنه ليس مراده تعالى
التكلم الحقيقي بأن يكون له صوت يقرع الاسماع ، ونداء يسمعه الآذان ، بل ليس له
إلا تعلق إرادته تعالى ، وإنما هذا الكلام الذي عبر عن الارادة به فعله تعالى وخلقه
للاشياء وتمثيلها وتصويرها ، وليست الارادة قديمة وإلا لكان إلها ثانيا فيكون موافقا
للاخبار الدالة على حدوث الارادة ، وقد مر شرحها ، ويحتمل أن يكون " إنما كلامه "
إشارة إلى الكلام الحقيقي ، وبيانا لكيفية صدوره وكونه حادثا لاقديما . وقال ابن
ميثم : لابصوت يقرع أي ليس بذي حاسة للسمع فيقرعها الصوت ، ولانداء يسمع أي
لا يخرج منه الصوت . وقوله : أنشأه أي أوجده في لسان النبي صلى الله عليه وآله ، ومثله أي سوى مثاله
في ذهنه ، وقيل : المعنى مثله لجبرئيل عليه السلام في اللوح .
أقول : على التقادير يدل على أن القدم ينافي الامكان ، وأن القول بقدم العالم
شرك .
قوله عليه السلام : الصفات المحدثات في أكثر نسخ " ج والنهج " الصفات معرفة باللام ،
وفي بعضها بدونها ، وهو أظهر ليعود الضمير في قوله عليه السلام بينها إلى ذوات المحدثات
لاصفاتها ، وعلى التقدير الآخر يمكن أن يرتكب فيه شبه استخدام . قوله عليه السلام خلا
من غيره أي مضى وسبق ، والمعنى : أنه لم يحتذ في صنعته حذو غيره كالواحد منا قوله
[260]
عليه السلام : من غير اشتغال أي بإمساكها عن غيره من الامور .
قوله عليه السلام : وأرساها أي أثبتها على غير قرار أي مقر يتمكن عليه ، بل قامت
بأمره ، والاعوجاج عطف تفسيري للاود بالتحريك . والتهافت : التساقط قطعة قطعة .
والاسداد إما جمع السد بمعني الجبل ، أو بمعنى الحاجز أي التي تحجز بين بقاعها و
بلادها ، والسد بالضم أيضا السحاب الاسود . واستفاض بمعني أفاض ، وخد أي شق . ،
والاستكانة : الخضوع . قوله : من نفعه أي أنفة واستغناء بالغير ، ويمكن أن يكون ذكره
على الاستطراد والاستتباع . قوله عليه السلام : فيكافئه أي يساويه في وجوب الوجود وسائر
الكمالات ، أو يقابله ويفعل مثل فعله ويعارضه .
قوله عليه السلام : من مراحها قال ابن أبي الحديد : المراح بالضم النعم ترد إلى المراح
بالضم أيضا ، وهوالموضع الذي تأوى إليه النعم ، وليس المراح ضد السائم على مايظنه
بعضهم ، ويقول : إنه من عطف المختلف أو المتضاد ، بل أحدهما هو الآخر ، وضدهما
المعلوفة ، ومثل هذا العطف كثير انتهي .
أقول : كونه من قبيل عطف الضد ين ليس ببعيد ، إما باعتبارا وصفين والحالتين
أوبأن يكون المراد بسائمها مالاترجع إلى مراح . وأسناخها : اصولها ، ( 1 ) وفي بعض
النسخ : أشباحها أي أشخاصها ، والمتبلدة : ذوالبلادة ، ضد الاكياس ( 2 ) والخاسئ :
الذليل الصاغر . والحسير الكال المعيي .
قوله عليه السلام : عن إفنائها أي إعدامها بالمرة . وقال ابن ميثم : فإن قلت : كيف تقر العقول
بالعجز عن إفناء البعوضه مع سهولته ؟ قلت : العبد إذا نظر إلى نفسه وجدها عاجزه عن
كل شئ إلا بإقدار إلهي ، وأنه ليس له إلا الاعداد لحدوث ماينسب إليه من الآثار
وأيضا فإن الله سبحانه كما أقدر العبد كذلك أقدر البعوضه على الهرب والامتناع
بالطيران وغيره بل على أن تؤذيه ولا يتمكن من دفعها عن نفسه . انتهى .
ثم إن كلامه عليه السلام يدل على أنه تعالى يفني جميع الاشياء حتى النفوس والارواح
والملائكة ، وسيأتي القول فيه في كتاب العدل والمعاد .
* ( هامش ) * ( 1 ) والمراد منها الانواع ، أى أصناف الداخلة في أنواعها .
( 2 ) جمع الكيس بالتشديد : الفطن . ، الحسن الفهم والادب . ( * )
[261]
قوله عليه السلام : لم يتكاده بالمد أي لم يشق عليه ، ويجوز يتكأده بالتشديد والهمزة .
ولم يؤده أي لم يثقله . والند : المثل والنظير . ، والمكاثرة المغالبة بالكثرة . والمشاورة :
المواثبة .
9 - ج : ومن خطبة له عليه السلام : الحمدلله الذي لاتدركه الشواهد ، ولاتحويه
المشاهد ، ولاتراه النواظر ، ولاتحجبه السواتر ، الدال على قدمه بحدوث خلقه ، و
بحدوث خلقه على وجوده ، وباشتباههم على أن لاشبه له ، الذي صدق في ميعاده ، وارتفع
عن ظلم عباده ، وقام بالقسط في خلقه ، وعدل عليهم في حكمه ، مستشهد بحدوث الاشياء
على أزليته ، وبماوسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على
دوامه ، واحد لابعدد ، ودائم لابأمد ، وقائم لابعمد ، تتلقاه الاذهان لابمشاعرة ، وتشهد
له المرائي لابمحاضرة ، لم تحط به الاوهام بل تجلي لها بها ، وبها امتنع منها ، و
اليها حاكمها ، ليس بذي كبرا متدت به النهايات فكبرته تجسيما ، ولابذي عظم تناهت
به الغايات فعظمته تجسيدا ، بل كبر شأنا وعظم سلطانا .
ايضاح : الشواهد : الحواس من قولهم : شهد فلان كذا : إذا حضره ، أو لانها
تشهد على ما تدركه وتثبته عند العقل . والمشاهد : المجالس . قوله عليه السلام : لابمشاعرة
أي لا من طريق المشاعر والحواس ، والمرائي جمع مرآة بفتح الميم من قولهم : هو حسن
في مرآة عيني يعني أن الرؤية تشهد بوجوده تعالى من غير محاضرة منه للحواس ، ويحتمل
أن يكون جمع مرئي أي المرئيات تشهد بوجوده وصفاته الكمالية ، من غير أن يكون
حاضرا عندها محسوسا معها .
قوله عليه السلام : لم تحط به الاوهام قيل : الاوهام ههنا هي العقول أي أنه سبحانه
لم تحط به العقول ولم تتصور كنه ذاته ، ولكنه تجلي للعقول بالعقول ، وتجليه ههنا
هو كشف مايمكن أن تصل إليه العقول من صفاته الاضافية والسلبية ومايمكن الوصول
إليه من أسرار مخلوقاته . وقوله عليه السلام : وبالعقول امتنع من العقول أي بالعقول وبالنظر
علمنا أنه تعالى يمتنع أن تدركه العقول .
[262]
وقوله عليه السلام : وإلى العقول حاكم العقول أي جعل العقول المدعية أنها أحاطت
به وأدركته كالخصم له سبحانه ، ثم حاكمها إلى العقول السليمة الصحيحة فحكمت له
سبحانه على العقول بأنها ليست أهلا لذلك . وقيل الاوهام بمعناها ، ولما كانت اعتبارها
لاحوال أنفسها من وجوداتها والتغيرات اللاحقة لها شاهدة لحاجتها إلى موجد ومقيم
ومساعدة للعقول على ذلك وكان إدراكها لذلك في أنفسها على وجه جزئي مخالف
لا دراك العقول فكانت مشاهدة له بحسب ماطبعت عليه وبقدر إمكانها ، وهومتجل لها
كذلك . والباء في " بها " للسببية إذوجودها هوالسبب المادي في تجليه لها ، ويحتمل
أن تكون بمعنى " في " أي تجلي لها في وجودها . وبل للاضراب عن الاحاطة به .
وقوله : وبها امتنع منها أي لما خلقت قاصرة عن إدراك المعاني الكلية وعن
التعلق بالمجردات كانت بذلك مبدء الامتناعه عن إدراكها له ، وإن كانت لذلك الامتناع
أسباب آخر . ويحتمل أن يكون المراد أنه تعالى باعترافها امتنع منها لانها عند طلبها
لمعرفته تعالى بالكنه اعترفت بالعجز عن إدراكها له .
قوله عليه السلام : وإليها حاكمها أي جعلها حكما بينها وبينه عند رجوعها من طلبه
خاسئة حسيرة معترفه بأنه لاينال كنه معرفته ، وإسناد المحاكمة إليها مجاز . وقيل :
يحتمل أن يكون أحد الضميرين في كل من الفقرات الثلاث راجعا إلى الاوهام ، والآخر
إلى الاذهان فيكون المعنى أن بالاوهام وخلقه تعالى لها وإحكامها أو بإدراك
الاوهام آثار صنعته وحكمته تجلى للعقول ، وبالعقول وحكمها بأنه تعالى لا يدرك
بالاوهام امتنع من الاوهام ، وإلى العقول حاكم الاوهام لو ادعت معرفته حتى تحكم
العقول بعجزها عن إدراك جلاله ، ويؤيده ما مر في الخطبة الكبيرة من بعض الفقرات
على بعض الوجوه .
أقول : ويحتمل أن يكون الاوهام أعم منها ومن العقول ، وهذا الاطلاق شائع
فالمراد : تجلى الله لبعض الاوهام أي العقول ببعض الحواس ، وهكذا على سياق مامر .
قوله : النهايات أي السطوح المحيطة به .
10 - ن : وجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحباء والشرط من الرضا عليه السلام
[263]
إلى العمال في شأن الفضل بن سهل وأخيه ، ولم ارو ذلك عن أحد : أما بعد فالحمدلله
البدئ البديع القادر القاهر ، الرقب على عباده ، المقيت على خلقه ، ( 1 ) الذي خضع
كل شئ لملكته ، وذل كل شئ لعزته ، واستسلم كل شئ لقدرته ، وتواضع كل شئ
لسلطانه وعظمته ، وأحاط بكل شئ علمه ، وأحصى عدده ، فلا يؤوده كبير ، ولا يعزب
عنه صغير ، الذي لا تدركه أبصار الناظرين ، ولاتحيط به صفة الواصفين ، له الخلق و
الامر ، والمثل الاعلى في السماوات والارض ، وهو العزيز الحكيم الخبير .
بيان المثل بالتحريك : الحجة أو الصفة وما يتمثل به ويضرب من الامثال أي
له تعالى الحجة الاعلى والصفة العليا ، وهي الوجوب الذاتي ، والغنى المطلق ، والنزاهة
عن صفات المخلوقين ، أو الامثال الحسنة التي يضربها لافهام الخلق ، ولا ينافي ذلك
النهي عن ضرب الامثال لغيره تعالى في قوله " فلا تضربوا لله الامثال " ( 2 ) لان عقولهم
قاصرة عن ذكر ما يناسب علو ذاته تعالى ، على أنه يحتمل أن يكون المراد بالامثال
الاشباه
11 - ع : ما جيلويه ، عن محمد العطار ، عن سهل ، عن ابن بزيع ، عن محمد بن
زيد قال : جئت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد فأملى علي : ( 3 ) الحمد لله فاطر الاشياء
إنشاءا ، ومبتدعها ابتداءا بقدرته وحكمته ، لا من شئ فيبطل الاختراع ، ولا لعلة فلا
يصح الابتداع ، خلق ما شاء كيف شاء ، متوحدا بذلك لاظهار حكمته وحقيقة ربوبيته
تضبطه العقول ، ولا تبلغه الاوهام ، ولا تدركه الابصار ، ولا يحيط به مقدار ، عجزت
دونه العبارة ، وكلت دونه الابصار ، وضل فيه تصاريف الصفات ، احتجب بعير حجاب
محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، عرف بغير رؤية ، ووصف بغير صورة ، ونعت بغير
جسم ، لا إله إلا هو الكبير المتعال .
يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن سهل مثله
12 - مع : حدثنا أبوالحسن أحمد بن محمد بن عيسى بن أحمد بن عيسى بن علي بن
* ( هامش ) * ( 1 ) المقيت : المقتدر . الحافظ للشئ والشاهد له .
( 2 ) النحل : 74 .
( 3 ) أى قاله لى فكتبت عنه . ( * )
[264]
الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، عن محمد بن إبراهيم بن أسباط ،
عن أحمد بن محمد بن زياد القطان ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن عيسى بن جعفر بن محمد
ابن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن آبائه ، عن عمر بن علي ، عن أبيه
علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : التوحيد ظاهره في باطنه ، وباطنه
في ظاهره ، ظاهره موصوف لا يرى ، وباطنه موجود لا يخفى ، يطلب بكل مكان ، ولم
يخل عنه مكان طرفة عين ، حاضر غير محدود ، وغائب غير مفقود
بيان : لعل المراد به أن كل ما يتعلق بالتوحيد من وجود الباري تعالى وصفاته
ظاهره مقرون بباطنه أي كل ما كان ظاهرا منه بوجه فهو باطن ومخفي بوجه آخر
وكذا العكس . ثم بين عليه السلام ذلك بأن ظاهره أنه موصوف بالوجود وسائر
الكمالات بما أظهر من الآثار في الممكنات ، ولكنه لا يرى فهو باطن عن الحواس ،
وباطنه أنه موجود خاص لا كالموجودات ، ولكنه لايخفى من حيث الآثار ، ويمكن
أن يقال : فسر عليه السلام كلا منهما بما يناسب ضده لبيان تلازمهما ، ويحتمل أيضا أن
يكون المراد بالظاهر مجمل التوحيد أوما يكتفي به العوام ، وبالباطن مفصله أو
ما يجب أن يعرفه الخواص ، فالمقصود بقوله : ظاهره في باطنه أن كلا منهما لا ينافي
الآخر ، وإنما الفرق بينهما بالاجمال والتفصيل ، وما ذكر بعد قوله : وباطنه إلى آخر
الخبر ، تفسير لباطن التوحيد ، وعلى الاولين قوله عليه السلام : يطلب إلى آخره توضيح
لما ادعى أولا من التلازم والله يعلم .
13 - يد ، مع : محتمل بن سعيد بن عزيز السمرقندي ، ( 1 ) عن محمد بن أحمد الزاهد
السمرقندي بإسناد رفعه إلى الصادق عليه السلام أنه سأله رجل فقال له : إن أساس الدين
التوحيد والعدل ، وعلمه كثير ، ولابد لعاقل منه فاذكر ما يسهل الوقوف عليه ، ويتهيأ حفظه ،
فقال : أما التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز عليك ، وأما العدل فأن لا تنسب إلى
خالقك ما لامك عليه .
14 - يد : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر وغيره ، ( 2 )
* ( هامش ) * ( 1 ) كذا في النسخ ولم نثر عليه في كتب الرجال .
( 2 ) في الكافى : أحمد بن النضر وغيره عمن ذكره ، عن عمرو بن ثابت .
[265]
عن عمرو بن ثابت ، عن رجل سماه ، عن أبي إسحاق السبيعي ، ( 1 ) عن الحارث الاعور
قال : خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوما خطبة بعد العصر ، فعجب الناس
من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله ، قال أبو إسحاق : فقلت للحارث :
أو ما حفظتها ؟ قال : قد كتبتها ، فأملاها علينا من كتابه : الحمد لله الذي لا يموت ، ولا
تنقضي عجائبه ، لانه كل يوم في شأن ، من إحداث بديع لم يكن ، الذي لم يولد فيكون
في العز مشاركا ، ولم يلد فيكون موروثا هالكا ، ( 2 ) ولم تقع عليه الاوهام فتقدره
شبحا ماثلا ، ولم تدركه الابصار فيكون بعد انتقالها حائلا ، الذي ليست له في أوليته
نهاية ، ولا في آخريته حد ولا غاية ، الذي لم يسبقه وقت ، ولم يتقدمه زمان ، ولم
يتعاوره زيادة ولا نقصان ، ولم يوصف بأين ولابما ولا بمكان ، ( 3 ) الذي بطن من خفيات
الامور ، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير ، الذي سئلت الانبياء
عنه فلم تصفه بحد ولاببعض ، ( 4 ) بل وصفته بأفعاله ، ودلت عليه بآياته ، لا تستطيع عقول
* ( هامش ) * ( 1 ) نسبة إلى السبيع ، قال السويدى في ص 79 من سبائك الذهب : السبيع بطن من همدان
والنسبة إلى السبيع سبعى بفتح الباء وحذف الياء ، ومن بني السبيع أبواسحاق السبعى الفقيه المشهور
واسمه عمرو بن عبدالله انتهى
أقول : ترجم له الخاصة والعامة في تراجمهم ، أورده الشيخ في رجاله في عداد أصحاب أمير المؤمنين
والحسن والصادق عليهم السلام : وحكى عن اختصاص المفيد أنه صلى أربعين سنة صلاة الغداة بوضوء
العتمة ، وكان يختم القرآن في كل ليلة ، ولم يكن في زمانه أعبد منه ولا أوثق في الحديث عند
الخاص والعام ، وكان من ثقات على بن الحسين عليهما السلام ، ولد في الليلة التي قتل فيها أمير المؤمنين


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 265 سطر 19 الى ص 273 سطر 18

عليه السلام ، وقبض وله تسعون سنة ، وهو من همدان ، اسمه عمرو بن عبدالله بن على بن ذي حمير بن السبيع
الهمدانى انتهى . وأورده ابن حجر في تقريبه وقال : مكثر ، ثقه ، عابد ، من الثالثة ، اختلط بآخره ، مات
سنة 29 ، وقيل : قبل ذلك . وحكى عن المقدسى انه قال : قال : شريك سمعت أبا إسحاق يقول : ولدت
في سنتين من امارة عثمان ، وقلل أبوبكر بن عياش : دفنا أبا إسحاق سنة ست أو سبع وعشرين ومائة
انتهى . وعن ابن خلكان : أنه من أعيان التابعين راى عليا عليه السلام ، وكان يقول : رفعنى أبى
حتى رأيت على بن أبي طالب عليه السلام يخطب وهو أبيض الرأس واللحية ، وكان كثير الرواية ،
ولد لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان ، وتوفى سنة 129 وقيل : 127 وقيل : 128 وقال يحيى بن
معين : مات سنة 132 .
( 2 ) في الكافي : لم يلد فيكون في العز مشاركا ، ولم يولد فيكون موروثا . وما هنا أبلغ .
( 3 ) في التوحيد : ولا يوصف باين ولابم ولا بمكان .
( 4 ) في نسخة : ولا بنقص وفى اخرى : ولا بنقض ( * )
[266]
المتفكرين جحده لان من كانت السماوات والارض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع
لهن فلا مدفع لقدرته ، الذي بان من الخلق فلا شئ كمثله ، ( 1 ) الذي خلق الخلق لعبادته
وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم ، وقطع عذرهم بالحجج ، فعن بينة هلك من هلك ،
وعن بينة نجا من نجا ، ولله الفضل مبدءا ومعيدا ، ثم إن الله - وله الحمد - افتتح الكتاب
بالحمد لنفسه ، وختم أمر الدنيا ومجئ الآخرة ( 2 ) بالحمد لنفسه فقال : " وقضي بينهم
بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين "
الحمد لله الابس الكبرياء بلا تجسد ، والمرتدي بالجلال بلاتمثيل ، والمستوي
على العرش بلازوال ، والمتعالي عن الخلق بلاتباعد ، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم
وليس له حد ينتهى إلى حده ، ولاله مثل فيعرف بمثله ، ذل من تجبر عنه ، وصغر من
تكبردونه ، وتواضعت الاشياء لعظمته ، وانقادت لسلطانه وعزته ، وكلت عن إدراكه
طروف العيون ، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق ، الاول قبل كل شئ والآخر
بعد كل شي ، ولا يعدله شئ ، ( 3 ) الظاهر على كل شئ بالقهر له ، والمشاهد لجميع
الاماكن بلا انتقال إليها ، ولا تلمسه لامسة ، ولاتحسه حاسة ، وهو الذي في السماء
إله وفي الارض إله ، وهو الحكيم العليم ، أتقن ما أراد خلقه من الاشياء كلها بلامثال
سبق إليه ، ( 4 ) ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه ، إبتداء ما أراد إبتداءه ، وأنشأ ما
أراد إنشاءه ، على ما أراد من الثقلين : الجن والانس لتعرف بذلك ربوبيته ، ويمكن
فيهم طواعيته .
نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها ، ونستهديه لمراشدا مورنا ،
ونعوذ به من سيئات أعمالنا ، ونستغفره للذنوب التي سلفت منا ، ونشهد أن لا إله
إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، بعثه بالحق دالا عليه ، وهاديا إليه فهدانا به من
الضلالة ، واستنقذنا به من الجهالة ، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ونال
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافى : الذى نأى من الخلق فلا شئ كمثله .
( 2 ) في الكافى : ومحل الاخرة .
( 3 ) في الكافى : الاول قبل كل شئ ولاقبل له ، والاخر بعد كل شئ ولا بعد له . ولعله أظهر .
( 4 ) في الكافى : اتقن ما اراد خلقه من الاشباح كلها لا بمثال سبق اليه . ( * )
[267]
ثوابا كريما ، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا واستحق ، عذابا أليما ،
فانجعوا بما يحق عليكم من السمع والطاعة ، وإخلاص النصيحة ، وحسن الموازرة ،
وأعينوا أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة ، وهجر الامور المكروهة ، وتعاطوا الحق
بينكم ، وتعاونوا عليه ، ( 1 ) وخذوا على يدي الظالم السفيه ، مروا بالمعروف ، وانهوا
عن المنكر ، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم ، عصمنا الله وإياكم بالهدي ، وثبتنا وإياكم
على التقوى ، وأستغفر الله لي ولكم
بيان : قوله عليه السلام : ولا تنقضي عجائبه أى كلما تأمل الانسان يجد من آثار
قدرته وعجائب صنعته مالم يكن وجده قبل ذلك ولا ينتهي إلى حد ، وأنه كل يوم
يظهر من آثار صنعه خلق عجيب وطور غريب يحار فيه العقول والافهام .
قوله عليه السلام : فيكون في العز مشاركا كمشاركة الولد لوالده في العز واستحقاق
التعظيم . قوله : موروثا أى يرثه ولده بعد موته كما هو شأن كل والد ، والحاصل أن
كل والد حادث هالك موروث . قوله عليه السلام : شبحا ماثلا أى قائما ، أو مماثلا ومشابها
للممكنات .
قوله عليه السلام : حائلا أي متغيرا من حال الشئ يحول إذا تغير أي لا تدركه
الابصار ، وإلا لكان بعد انتقالها عنه متغيرا ومنقلبا عن الحالة التي كانت له عند
الابصار من المقابلة والمحاذاة والوضع الخاص وغير ذلك ، أو عن حلوله في الباصرة
بزوال صورته والموافقة له في الحقيقة عنها . وبعض الافاضل قرأ " بعد " مضمومة الباء ،
مرفوعة الاعراب على أن يكون إسم كان ، والحائل بمعنى الحاجز أي كان بعد انتقال
الابصار إليه حائلا من رؤيته ، ومنهم من قرأه " خائلا " بالخاء المعجمة أي ذا خيال و
صورة متمثلة في المدرك ، والتعاور : الورود على التناوب .
قوله عليه السلام : ولا بما إذ ليست له ماهية يمكن أن تعرف حتى يسأل عنها بما هو .
قوله عليه السلام : بطن من خفيات الامور أي أدرك الباطن من خفيات الامور ونفذ علمه
في بواطنها ، أو المراد أن كنهه تعالى أبطن وأخفى من خفيات الامور
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافي : وتعاونوا به دونى . ( * )
[268]
قوله عليه السلام : بما جعل فيهم أي من الاعضاء والجوارح والقوة والاستطاعة .
قوله : بالحجج أي الباطنة وهي العقول ، والظاهرة وهي الانبياء والاوصياء . قوله : فعن
بينة أي بسبب بينة واضحة : أو معرضا ومجاوزا عنها ، أو " عز " بمعنى " بعد " أي بعد
وضوح بينة ، والثاني لا يجري في الثاني ، وفي الكافي : وبمنه نجا من نجا .
قوله عليه السلام : مبدءا ومعيدا أي حال إبداء الخلق وإيجاده في الدنيا وحال إرجاعهم
وإعادتهم بعد الفناء ، أو مبدءا حيث بدأ العباد مفطورين على معرفته ، قادرين على طاعته ،
ومعيدا حيث لطف بهم ، ومن عليهم بالرسل والائمة الهداة . قوله عليه السلام : وله الحمد
الجملة اعتراضية .
قوله عليه السلام : افتتح الكتاب في " في " : افتتح الحمد لنفسه أي في التنزيل الكريم ، أو
في بدء الايجاد بإيجاد الحمد ، أو ما يستحق الحمد عليه ، وماهنا يؤيد الاول .
قوله عليه السلام : ومجئ الآخرة أي ختم أول أحوال الآخرة ، وهو الحشر والحساب ، و
يمكن أن يقدر فعل آخر يناسبه أي بدأ مجئ الآخرة قوله عليه السلام : وقضي بينهم أي
بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار ، ويظهر من الخبر أن القائل هو الله ، ويحتمل أن
يكون الملائكة بأمره تعالى
قوله عليه السلام : بلا تمثيل أي بمثال جسماني قوله بلا زوال أي بغير استواء جسماني
يلزمه إمكان الزوال ، أولا يزول اقتداره واستيلاؤه أبدا قوله : من تجبر عنه في الكافي
مكان عنه غيره ، فهو حال عن الفاعل ، وكذا قوله : دونه قوله : لعظمته أي عند عظمته ،
أو عنده بسبب عظمته ، والاحتمالان جاريان فيما بعده . قوله عليه السلام : بلا مثال أي لافي
الخارج ولافي الذهن .
قوله : ولا لغوب أي تعب ويمكن إرجاع ضمير لديه إليه تعالى وإلى الخلق ،
فالظرف على الاول متعلق بخلق ، وعلى الثاني بدخل قوله : ويمكن على التفعيل ،
والطواعية : الطاعة ، وفي " في " : طاعته ، وقال الفيروز آبادي : المراشد : مقاصد الطرق .
قوله عليه السلام : فانجعوا في بعض النسخ بالنون والجيم من قولهم : أنجع أي أفلح أي
أفلحوا بما يجب عليكم من الاخذ سمعا وطاعة ، أو من النجعة بالضم وهي طلب الكلا
[269]
من موضعه ، وفي بعضها بالباء الموحدة فالخاء المعجمة ، قال الجزري : فيه : أتاكم أهل
اليمن هم أرق قلوبا وأبخع طاعة . أي أبلغ وأنصح في الطاعة من غيرهم ، كأنهم بالغوا
في بخع أنفسهم أي قهرها وإذ لالها بالطاعة . قال الزمخشري في الفائق : أي أبلغ طاعة
من بخع الذبيحة : إذا بالغ في ذبحها ، وهو أن يقطع عظم رقبتها ، هذا أصله ثم كثر
حتى استعمل في كل مبالغة فقيل : بخعت له نصحي وجهدي وطاعتي .
قوله عليه السلام : وإخلاص النصيحة أي لله ولكتابه ولرسوله وللائمة ولعامة
المسلمين ، والموازرة : المعاونة قوله عليه السلام : وأعينوا أنفسكم أي على الشيطان ، وفي
" في " على أنفسكم أي النفس الامارة بالسوء ، قوله عليه السلام : وتعاطوا الحق أي تناولوه
بأن يأخذه بعضكم من بعض ليظهر ولا يضيع .
15 - يد : الدقاق ، عن محمد الاسدي وابن زكريا القطان ، عن ابن حبيب ،
عن ابن بهلول ، عن أبيه عن أبي معاوية ، عن الحصين بن عبدالرحمن ، عن أبيه ، و
حدثنا أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ ، عن محمد بن العباس بن بسام ، عن سعيد بن محمد
البصري ، عن عمرة بنت أوس ، قالت : حدثني جدي الحصين بن عبدالرحمن ، عن أبيه :
عن أبى عبدالله الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام استنهض الناس
في حرب معاوية في المرة الثانية ، فلما حشد الناس قام خطيبا فقال : الحمد لله الواحد
الاحد الصمد المتفرد الذي لامن شئ كان ، ولا من شئ خلق ما كان ، قدرته بان بها
من الاشياء ، وبانت الاشياء منه ، فليست له صفة تنال ، ولاحد يضرب له فيه الامثال
كل دون صفاته تحبير اللغات ، وضل هنالك تصاريف الصفات ، وحارقي ملكوته عميقات
مذاهب التفكير ، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير ، وحال دون غيبه المكنون
حجب من الغيوب ، وتاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الامور ، فتبارك
الله الذي لا يبلغه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن ، وتعالى الذي ليس له وقت معدود ،
ولا أجل ممدود ، ولا نعت محدود ، وسبحان الذي ليس له أول مبتدأ ، ولا غاية منتهى ،
ولا آخر يفنى ، سبحانه هو كما وصف نفسه ، والواصفون لا يبلغون نعته ، حد الاشياء كلها
عند خلقه إياها ، إبانة لها من شبهه ، وإبانة له من شبهها ، فلم يحلل فيها فيقال : هو
[270]
فيها كائن ، ولم ينأعنها فيقال : هو منها بائن ولم يخل منها فيقال له : أين : لكنه
سبحانه أحاط بها علمه ، وأتقنها صنعه ، وأحصاها حفظه ، لم يعزب عنه خفيات غيوب
الهواء ، ولا غوامض مكنون ظلم الدجى ، ولاما في السموات العلى والارضين السفلى ،
لكل شئ منها حافظ ورقيب ، وكل شئ منها بشئ محيط ، والمحيط بما أحاط منها
الله الواحد الاحد الصمد ، الذي لم تغيره صروف الازمان ، ولم يتكأده صنع شئ
كان ، إنما قال لما شاء أن يكون : " كن " فكان ، ابتدع ما خلق مثال سبق ، ولا تعب
ولا نصب ، وكل صانع شئ فمن شئ صنع ، والله لامن شئ صنع ما خلق ، وكل عالم
فمن بعد جهل تعلم ، والله لم يجهل ولم يتعلم ، أحاط بالاشياء علما قبل كونها فلم يزدد
بكونها علما ، علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بعد تكوينها ، لم يكونها لشدة سلطان
ولا خوف من زوال ولانقصان ، ولا استعانة على ضد مساور ( 1 ) ولاند مكاثر ، ( 2 ) ولا شريك
مكائد ( 3 ) لكن خلائق مربوبون وعباد داخرون فسبحان الذي لا يؤوده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير
ما برأ ، ولا من عجز ولا من فترة بما خلق اكتفى ، علم ما خلق ، وخلق ما علم ، لابالتفكير
ولا بعلم حادث أصاب ما خلق ، ( 4 ) ولا شبهة دخلت عليه فيمالم يخلق ، لكن قضاء مبرم ،
وعلم محكم ، وأمر متقن ، توحد بالربوبية ، وخص نفسه بالوحدانية ، واستخلص
المجد والثناء فتحمد بالتحميد ، ( 5 ) وتمجد بالتمجيد ، وعلا عن اتخاذ الابناء ، و
تطهر وتقدس عن ملامسة النساء ، و عزوجل عن مجاورة الشركاء ، فليس له فيما خلق
ضد ، ولا فيما ملك ند ، ولم يشرك في ملكه أحد ، الواحد الاحد ، الصمد المبيد للابد ( 6 )
* ( هامش ) * ( 1 ) ساوره : واثبه أو وثب عليه ، والمساور : المواثب . وفى التوحيد المطبوع : ولا استعانة
على ضد مشاور ولعله تصحيف المثاور أى المواثب . وفى الكافى ونسخة من الكتاب : ضد منا وأي ضد
معاد ، وفى المرآت : ضد مناف .
( 2 ) اى يغالبه بالكثرة ، أو من كائر الماء : أراد لنفسه منه كثيرا .
( 3 ) اى يمكر به ويخدعه في اموره وصنعه ، وفى الكافى : ولا شريك مكابر أي يعارضه بالكبر ،
أو يعانده في حقه .
( 4 ) في الكافى : لا بالتفكير في علم حادث أصاب ما خلق .
( 5 ) في الكافى : واستخلص المجد والثناء وتفرد بالتوحيد والمجد والثناء ، وتوحد بالتحميد .
( 6 ) في نسخة : المبدء للابد . ( * )
[271]
والوارث للامد ، الذي لم يزل ولا يزال وحدانيا أزليا قبل بدء الدهور ، وبعد صرف
الامور ، الذي لايبيد ولا يفقد ، ( 1 ) بذلك أصف ربي ، فلا إله إلا الله من عظيم ما أعظمه ،
وجليل ما أجله ، وعزيز ما أعزه ، وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
توضيح : قوله : حشد أي جمع . قوله عليه السلام : المتفرد أي في الخلق والتدبير ، أو
بسائر الكمالات . قوله عليه السلام : قدرته مبتدء وبان بها خبره ، أو خبره كافية فكانت جملة
استينافية ، فكأن سائلا سأل وقال : فكيف خلق لا من شئ ؟ فأجاب : بأن قدرته كافية ،
وفي " في " قدرة ، أي له قدرة ، أو هو عين القدرة بناءا على عينية الصفات ، وقيل : نصب
على التمييز ، أو على أنه منزوع الخافض أي ولكن خلق الاشياء قدرة أو بقدرة .
قوله : ولاحد أي جسماني أو عقلي ، أو ليس لمعرفة ذاته وصفاته تعالى حدو
نهاية حتى يضرب له فيه الامثال إذا لامثال إنما تصح إذا كان له مشابهة بالممكنات
بأحد هذه الوجوه ، والكلال : العجز والاعياء ، والتحبير : التحسين أي أعيا قبل الوصول
إلى بيان صفاته ، أو عند تزيين الكلام باللغات البديعة الغريبة .
قوله عليه السلام : وضل هنالك أي في ذاته تعالى ، أو في توصيفه بصفاته تصاريف
صفات الواصفين ، وأنحاء تعبيرات العارفين ، أو ضل وضاع في ذاته الصفات المتغيرة الحادثة
فيكون نفيا للصفات الحادثة عنه تعالى ، أو مطلق الصفات أي ليس في ذاته التغيرات
الحاصلة من عروض الصفات المتغائرة ، فيكون نفيا لزيادة الصفات مطلقا ، كل ذلك
أفاده الوالد العلامة قدس الله روحه .
قوله عليه السلام : في ملكوته فعلوت من الملك ، وقد يخص بعالم الغيب وعالم المجردات
والملك بعالم الشهادة وعالم الماديات ، وأفكر في الشئ وفكر فيه وتفكر بمعني
أي تحير في إدراك حقائق ملكوته وخواصها وآثارها وكيفية نظامها وصدورها عنه
تعالى الافكار العميقة الواقعة في مذاهب التفكير ، أو مذاهب التفكير العميقة فيكون
إسناد الحيرة إليها إسنادا مجازيا .
قوله عليه السلام : دون الرسوخ في علمه الرسوخ : الثبوت أي انقطع جوامع تفسيرات
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافى : الذى لا يبيد ولا ينفد
[272]
المفسرين قبل الثبوت في علمه ، أو عنده إشارة إلى قوله تعالى : " والراسخون في العلم
يقولون آمنا به " ( 1 ) وقد مرت الاشارة إلى توجيهه في باب النهي عن التفكر في ذاته
تعالى .
قوله عليه السلام : وحال دون غيبه المكنون المكنون : المستور ، والمراد به معرفة ذاته
وصفاته ، فالمراد بالحجب الحجب النورانية والظلمانية المعنوية من كماله تعالى ونقص
مخلوقاته ، أو الاعم منها ومن سائر العلوم المغيبة فالحجب أيضا أعم ، أو المراد أسرار
الملكوت الاعلى من العرش والكرسي والملائكة الحافين بهما وسائر ما هو مستور عن
حواسنا بالحجب الجسمانية . والتية : التحير ، والادنى : الاقرب ، والاداني : جمع
الدني وهو القريب ، والاضافة في طامحات العقول ولطيفات الامور من إضافة الصفة إلى
الموصوف ، والطامح : المرتفع ، والظرف في قوله : في لطيفات متعلق بالطامحات بأن
يكون في بمعنى إلى ، أو حال منه .
قوله عليه السلام : فتبارك إما مشتق من البروك بمعنى الثبات والبقاء ، أو من البركة
وهي الزيادة . والهمة : العزم ، ويقال : فلان بعيد الهمة : إذا كانت إرادته تتعلق بالامور
العالية . قوله : ولا نعت محدود أي الحدود الجسمانية أو العقلانية بأن يحاط بنعته .
قوله عليه السلام ولا آخر يفنى أي بعده . قوله عليه السلام : كما وصف نفسه أي في كتبه ، وعلى ألسنة
رسله وحججه ، وبقلم صنعه على دفاتر الآفاق والانفس .
قوله عليه السلام : حد الاشياء كلها أي جعل للاشياء حدودا ونهايات ، أو أجزاءا و
ذاتيات ، ليعلم بها أنها من صفات المخلوقين والخالق منزه عن صفاتهم ، أو خلق الممكنات
التي من شأنها المحدودية ليعلم بذلك أنه ليس كذلك ، كما قال تعالى : فخلقت الخلق
لاعرف ، أو خلقها محدودة لانها لم يكن يمكن أن تكون غير محدودة لامتناع مشابهة الممكن
الواجب في تلك الصفات التي هي من لوازم وجوب الوجود ، ولعل الاوسط أظهر
قوله عليه السلام : ولم يخل منها أي بالخلو الذي هو بمعنى عدم الملكة بقرينة التفريع
أي كخلو المحل عن الحال ، والمكان عن المتمكن ، والدجى جمع دجية بالضم وهي الظلمة
* ( هامش ) * ( 1 ) آل عمران : 7 .
[273]
قوله عليه السلام : لكل شئ منها حافظ ورقيب الظرف خبر لقوله : حافظ ورقيب أو متعلق
بكل منهما والمبتداء محذوف أي هو لكل شئ منها حافظ ورقيب ، والاول أظهر ، فيكون
إشارة إلى الملائكة الموكلين بالعرش والكرسي والسماوات والارضين والبحار والجبال
وسائر الخلق .
قوله : وكل شئ منها أي من السماوات والارض وما بينهما محيط بشئ منها
إحاطة علم وتدبير فيكون مؤكدا للسابق على أحد الوجهين ، أو إحاطة جسمية والمحيط
بكل من تلك المحيطات علما وقدرة وتدبيرا هو الله الواحد . والدخور : الصغار والذل .
قوله عليه السلام : ولا من عجز أي لم يكتف بخلق ما خلق لعجز ولا فتور ، بل لعدم كون
الحكمة في أزيد من ذلك ، ثم أكد عليه السلام ذلك بقوله : علم ما خلق وخلق ما علم أي
ما علم أن الصلاح في خلقه ، ويقال : استخلصه لنفسه أي استخصه .
قوله : فتحمد بالتحميد يقال : هو يتحمد على أي يمتن أي أنعم علينا واستحق
الحمد والثناء بأن رخص لنا في تحميده ، أو بأن حمد نفسه ولم يكل حمده إلينا ، وفي
" في " : توحيد بالتوحيد ، فالتوحيد يحتمل الوجهين أيضا ، والتمجد : إظهار المجد و
العظمة ، والتمجيد يحتمل الوجهين أيضا . قوله : المبيد للابد أي الملك المفني للدهر
والزمان والزمانيات : والوارث للامد أي الباقي بعد فناء الامد أي الغاية والنهاية ،
أو امتداد الزمان .
قوله عليه السلام : وبعد صرف الامور أي تغيرها وفنائها ، وهذا ناظر إلى قوله :
لا يزال ، كما أن ما قبله ناظر إلى قوله : لم يزل ، وفي " في " : صروف الامور .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 273 سطر 19 الى ص 281 سطر 18

أقول : رواه إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات بإسناده عن إبراهيم بن
إسماعيل اليشكري - قال : وكان ثقة - أن عليا عليه السلام سئل عن صفة الرب سبحانه وتعالى
فقال - وذكر نحو مامر بأدنى تغيير إلى قوله - : كذلك الله الواحد الاحد الصمد ،
المبيد للامد ، والوارث للابد ، الذي لايبيد ولاينفد ، فتعالى الله العلي الاعلى ، عالم
كل خفية وشاهد كل نجوى ، لاكمشاهدة شئ من الاشياء ، ملا السموات العلى إلى
الارضين السفلى ، وأحاط بجميع الاشياء علما ، فعلا الذي دنا ، ودنا الذي علا ، له المثل
الاعلى ، والاسماء الحسنى تبارك وتعالى .
[274]
* 16 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن
إسماعيل بن مهران ، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني ، عن فرج بن فروة ، عن مسعدة
ابن صدقة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على
المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له
حبا وبه معرفة فغضب أمير المؤمنين عليه السلام ونادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس حتى
غص المسجد بأهله ثم قام متغير اللون فقال : الحمد لله الذي لا يفره المنع ، ولا يكديه
الاعطاء ، إذ كل معط منتقص سواه ، الملئ بفوائد النعم وعوائد المزيد ، وبجوده ضمن
عيالة الخلق ، فأنهج سبيل الطلب للراغبين إليه ، فليس بما سئل أجود منه بما لم يسأل
وما اختلف عليه دهر فتختلف منه الحال ، ولو وهب ماتنفست عنه معادن الجبال وضحكت
عنه أصداف البحار ، من فلز اللجين وسبائك العقيان ونضائد المرجان لبعض عبيده لما
أثر ذلك في جوده ، ( 1 ) ولا أنفد سعة ما عنده ، ولكان عنده من ذخائر الافضال مالاينفده
مطالب السؤال ، ولا يخطر لكثرته على بال لانه الجواد الذي لا تنقصه المواهب ، ( 2 ) ولا
يبخله إلحاح الملحين ، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له : " كن " فيكون ، الذي عجزت
الملائكة على قربهم من كرسي كرامته ، وطول ولههم إليه ، وتعظيم جلال عزه ، وقربهم
من غيب ملكوته أن يعلموا من أمره إلا ما أعلمهم ، وهم من ملكوت القدس بحيث هم
ومن معرفته على ما فطرهم عليه أن قالوا : سبحانك لا علم لنا إلاما علمتنا إنك أنت العليم
الحكيم .
* ( هامش ) * * الظاهر من اتحاد بعض فقرات الحديث وتشابه مضمونه مع ما في نهج البلاغة أنه جملة من
خطبة الاشباح التى هى من جلائل خطبه عليه السلام ، ولكنه يخالفها بكثير من التقديم والتاخير و
الاسقاط والزيادة ولايسعنا ضبط موارد اختلافهما ، لا فضاء ذلك إلى الخروج من وضع التعليقة ، فعلى الباحث أن يراجعه .
( 1 ) في النهج : من فلز اللجين والعقيان ، ونثارة الدر وحصيد المرجان ما أثر ذلك في جوده .
أقول : حصيد المرجان : محصوده ، وفيه إشارة إلى ما حققته كاشفات الفنون جديدها وقديمها من أن
المرجان نبات .
( 2 ) في النهج : لانه الجواد الذى لا يغيضه سؤال السائلين ، أقول : لا يغيضه أى لا ينقصه .
[275]
فما ظنك أيها السائل بمن هو هكذا ؟ سبحانه وبحمده لم يحدث فيمكن فيه
التغيير والانتقال ، ولم يتصرف في ذاته بكرور الاحوال ، ولم يختلف عليه حقب الليالي
والايام ، الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، ولا مقدار احتذاعليه ( 1 ) من معبود
كان قبله ، ولم تحط به الصفات فيكون بإدراكها إياه بالحدود متناهيا ، ومازال ليس
كمثله شئ عن صفة المخلوقين متعاليا ، وانحسرت الابصار عن أن تناله فيكون بالعيان
موصوفا وبالذات التي لا يعلمها إلا هو عند خلقه معروفا ، وفات لعلوه على الاشياء مواقع
رجم المتوهمين ، وارتفع عن أن تحوى كنه عظمته فهاهة رويات المتفكرين ، فليس له
مثل فيكون ما يخلق مشبها به ، وما زال عند أهل المعرفة به عن الاشباه والاضداد
منزها ، كذب العادلون بالله إذ شبهوه بمثل أصنافهم ، ( 2 ) وحلوه حلية المخلوقين
بأوهامهم ، وجزوه بتقدير منتج من خواطر هممهم ، ( 3 ) وقدروه على الخلق المختلفة
القوى بقرائح عقولهم ، وكيف يكون من لا يقدر قدره مقدرا في رويات الاوهام وقد
ضلت في إدراك كنهه هواجس الاحلام ؟ ( 4 ) لانه أجل من أن تحده ألباب البشر بالتفكير ،
أو تحيط به الملائكة على قربهم من ملكوت عزته بتقدير ، تعالى عن أن يكون له كفو فيشبه
به ، لانه اللطيف الذي إذا أرادت الاوهام أن تقع عليه في عميقات غيوب ملكه ، و
حاولت الفكر المبرات من خطر الوسواس إدراك علم ذاته ، وتولهت القلوب إليه لتحوى
منه مكيفا في صفاته ، وغمضت مداخل العقول من حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم
إلهيته ردعت خاسئة وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه ، رجعت
إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته ، ( 5 ) ولا يخطر ببال اولي
الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته ، لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لانه
* ( هامش ) * ( 1 ) احتذا عليه أى قاس وطبق عليه ، وكان ذلك المثال أو المقدار من معبود قد سبقه بالخلقة ،
والحاصل أنه لم يقتد بخالق آخر في صنعه وخلقته ، إذ لا خالق سواه .
( 2 ) في النهج : إذ شبهوك بأصنامهم .
( 3 ) في التوحيد المطبوع ونسخة من الكتاب : وخواطرهم .
( 4 ) الاحلام جمع الحلم : العقل ، ويأتى بمعني الامانى أيضا يقال : أحلام نائم أي أمانى كاذبة .
( 5 ) في التوحيد المطبوع : لا ينال بجوب الاعتساف كنه معروفته . ( * )
[276]
خلاف خلقه ، فلا شبه له من المخلوقين ، وإنما يشبه الشئ ، بعديله ، فأما مالا عديل له
فكيف يشبه بغير مثاله ، وهو البدئ الذي لم يكن شئ قبله ، والآخر الذي ليس شئ
بعده ، لاتناله الابصار في مجد جبروته ، ( 1 ) إذ حجبها بحجب لا تنفذ في ثخن كثافته . ولا
تخرق إلى ذي العرش متانة خصائص ستراته ، الذي صدرت الامور عن مشيته ، و
تصاغرت عزة المتجبرين دون جلال عظمته ، وخضعت له الرقاب ، وعنت له الوجوه من
مخافته ، وظهرت في بدائع الذي أحدثها آثار حكمته ، وصار كل شئ خلق حجة له
ومنتسبا إليه ، فإن كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة فيه ، فقدر ما خلق فأحكم
تقديره ، ووضع كل شئ بلطف تدبيره موضعه ، ووجهه بجهة فلم يبلغ منه شئ محدود
منزلته ، ( 2 ) ولم يقصر دون الانتهاء إلى مشيته ، ولم يستصعب إذأمر ( 3 ) بالمضي إلى
إرادته ، بلا معاناة للغوب مسه ، ولا مكائدة ( 4 ) لمخالف له على أمره ، فتم خلقه وأذعن
لطاعته ، ووافى الوقت الذي أخرجه إليه ، إجابة لم يعترض دونها ريث المبطئ ، ولا
أناة المتلكئ ، ( 5 ) فأقام من الاشياء أودها ، ونهي معالم حدودها ، ولاءم بقدرته بين
متضاداتها ، ووصل أسباب قرائنها ، وخالف بين ألوانها ، وفرقها أجناسا مخلتفات في
الاقدار والغرائز ( 6 ) والهيئات ، بدايا خلائق أحكم صنعها ، وفطرها على ما أراد و
ابتدعها ، ( 7 ) انتظم علمه صنوف ذرئها ، وأدرك تدبيره حسن تقديرها .
أيها السائل اعلم أن من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه ، وبتلاحم
أحقاق ( 8 ) مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته ( 9 ) أنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته ولم
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : من مجد جبروته . والجبروت صيغة مبالغة بمعنى القدرة والسلطة والعظمة .
( 2 ) في التوحيد المطبوع : فلم يبلغ منه شئ حدود منزلته .
( 3 ) في التوحيد المطبوع : ولم يستصعب أو امره بالمضى إلى إرادته .
( 4 ) في بعض النسخ : المكابدة ، وفى التوحيد المطبوع : المكابرة .
( 5 ) تلكا عليه : اعتل عن الامر : أبطأ وتوقف . والمتلكئ : المتعلل والمبطئ والمتوقف .
( 6 ) الغرائز : الطبائع .
( 7 ) في نسخة : وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها .
( 8 ) وفى نسخة : حقاق .
( 9 ) قال ابن ميثم : والذى يقال من وجه الحكمة في احتجاب المفاصل : هو أنها لو خلقت ظاهرة
عرية عن الاغشية ليبست رطوباتها وقست فيتعذر تصرف الحيوان بها كما هو الان ، وأنها كانت معرضة
للافات المفسدة لها وغير ذلك من خفى تدبيره ولطيف حكمته . ( * )
[277]
يشاهد قلبه اليقين بأنه لاند له ، وكأنه لم يسمع بتبرئ التابعين من المتبوعين ، وهم
يقولون : " تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذنسو يكم برب العالمين " فمن ساوى ربنا
بشئ فقد عدل به ، والعادل به كافر بما نزلت به محكمات آياته ، ونطقت به شواهد
حجج بيناته ، لانه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا ، وفي
حواصل رويات همم النفوس محدودا مصرفا ، ( 1 ) المنشئ أصناف الاشياء بلا روية احتاج
إليها ، ولا قريحة غريزة أضمر عليها ، ( 2 ) ولا تجربة أفادها من مر حوادث الدهور ، ولا
شريك أعانه على ابتداع عجائب الامور ، الذي لما شبهه العادلون بالخلق المبعض
المحدود في صفاته ، ذي الاقطار والنواحي المختلفة في طبقاته ، وكان عزوجل الموجود
بنفسه لا بأداته ، انتفى أن يكون قد روه حق قدره " فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة
الانداد ، وارتفاعا عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد : " وما قدرواالله حق
قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما
يشركون " فما ذلك القرآن عليه من صفته فاتبعه ليوصل بينك وبين معرفته ، وائتم
به ، واستضئ بنور هدايته ، فإنها نعمة وحكمة او تيتهما ، فخذما اوتيت وكن من
الشاكرين ، وما دلك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول
وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله عزوجل ، فإن ذلك منتهى حق الله عليك .
واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام ( 3 ) في السدد
المضروبة دون الغيوب ، فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ،
فقالوا : " آمنا به كل من عند ربنا " فمدح الله عزوجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم
يحيطوا به علما ، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا ،
* ( هامش ) * ( 1 ) الحواصل جمع الحوصلة ، هى من الطائر بمنزلة المعدة من الانسان : والرويات جمع الروية :
النظر والتفكر في الامور ، والهمم جمع الهمة : العزم القوى .
( 2 ) القريحة : الطبع . وملكة يقتدر بها على الاجادة في نظم الشعر وانشاء الخطب ونحوه ،
الغريزة : الطبيعة ، وأضمر الامر : أخفاه ، وأضمر في نفسه شيئا : عزم عليه .
( 3 ) اقتحم المنزل : هجمه ، الامر : رمى نفسه فيه بشدة ومشقة . ( * ) .
[278]
فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين ( 1 ) .
تبيان قوله : فغضب لعل غضبه عليه السلام لان السائل سأل عن الصفات الجسمانية
والسمات الامكانية ، أو لانه ظن أنه يمكن الوصول إلى كنه صفته .
وقوله : الصلاة منصوب بفعل مقدر أي احضروا الصلاة أو أقيموها . وجامعة
منصوب على الحال من الصلاة ، ويحتمل رفعهما بالابتدائية والخبرية . وغص المسجد
بفتح الغين أي امتلا . قوله عليه السلام : لا يفره أي لايزيده في ماله ، يقال : وفرت الشئ
وفرا ووفر الشئ نفسه وفورا ، يتعدى . قوله : ولا يكديه أي لا يفقره . قوله :
منتقص على صيغة المفعول أي منقوص ، ويكون الانتقاص متعديا ولازما كالنقص ، وقال
الجزري : الملئ بالهمزة : الثقة الغني ، والعائدة : المعروف .
قوله عليه السلام : عيالة الخلق أي كونهم عياله يعولهم ويرزقهم ، ومن قولهم : عال الرجل
عيالة أي كثر عياله ، وفي النهج : عياله الخلائق ضمن أرزاقهم . قوله عليه السلام : فليس بماسئل
فإن جوده لا يتوقف على شئ سوى الاستحقاق والاستعداد ، وهذا لا ينافي الحث على
الدعاء والامر بالسؤال ، فإن الدعاء من متممات الاستعداد ، وفيه تنزيه له تعالى عن
صفة المخلوقين لان السؤال محرك لجودهم ، والله تعالى منزه عن أن يكون فيه تغير
أو اختلاف ، وإنما التغير في الممكن القابل للفيض والجود بحسب استعداده و
استيهاله .
قوله عليه السلام : وما اختلف عليه دهر إشارة إلى ما قالوا : من أن الزمان ظرف
المتغيرات ، ولما لم يكن فيه تعالى تغير لا تختلف عليه الدهور والازمان ، ويحتمل
أن يكون المراد نفي اختلاف الازمنة بالنسبة إليه بأن يكون موجودا في زمان ، معدوما
في زمان آخر ، أو عالما في زمان جاهلا في زمان آخر وهكذا ، والاول أظهر .
قوله : ما تنفست عنه لا يخفى مناسبته لما قيل : من أن المعادن تتولد من بخارات
الارض ، ولا يخفى أيضا لطف تشبيه الصدف بالفم ، والدر بالسن ، واللحمة التي في
* ( هامش ) * ( 1 ) روى العياشى ذيل الحديث عن مسعدة بن صدقة باختلاف في ألفاظه ، وأخرجه المصنف في
أول باب النهى عن التفكر في ذات الله سابقا مع بيان فراجعه . ( * )
[279]
الصدف في رقة طرفها ولطافتها باللسان والفلز اسم الاجسام الذائبة كالذهب والفضة
والرصاص . واللجين مصغرا اسم الفضة ، والعقيان : الذهب الخالص . والنضد : وضع
الاشياء بعضها فوق بعض ، ولا يبعد أن يكون المراد بالمرجان هنا صغار اللؤلؤ كما فسر
به في قوله تعالى : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " . ( 1 )
قوله : لا يبخله على بناء التفعيل أي لا يصيره بخيلا ، أو على بناء الافعال من قولهم :
أبخله : إذا وجده بخيلا . ( 2 )
قوله عليه السلام : أن قالوا كلمة أن إما مفسرة لبيان كيفية عجزهم ، أو مقدر
قبلها كلمة " إلى " أي إلى أن قالوا ، أو اللام التعليلية أي لانهم قالوا ، أو هي بمعنى إذ
كما قيل في قوله تعالى : " بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم " ( 3 ) والحقب بالضم وبضمتين :
ثمانون سنة أو أكثر ، والدهر ، والسنة ، أو السنون .
قوله عليه السلام : على غير مثال امتثله أي لم يمثل لنفسه مثالا قبل خلق العالم ليخلقها
على هيئة ذلك المثال كما هو دأب المخلوقين في أبنيتهم وصنائعهم ، أولم يمثل له فاعل
آخر قبله مثالا اتبعه ، أو المراد بالمثال ما يرتسم في الخيال كما مر .
قوله عليه السلام ولم تحط به الصفات أي الصفات الجسمانية فيكون بإدراك الصفات
له أي بلحوقها وعروضها له متناهيا بالحدود ، أو لم تحط به توصيفات الواصفين فيكون
بإدراكها إياه متناهيا محدودا بالحدود العقلانية ، وتنتهي العقول إلى غاية معرفته
قوله : متعاليا خبر بعد خبر ، وقوله : عن صفة متعلق به .
قوله عليه السلام : رجم المتوهمين الرجم : الظن ، وكلام مرجم كمعظم لا يوقف على
حقيقته أي فات عن مواقع ظنون المتوهمين فلم تدركه في كل ما وقعت عليه ، لكونه
أعلى من كل ما توهمت الاوهام ، وأنه أعلى الاشياء قدرا ورتبة وكما لا ورفعة ،
ولا يبعد أن يكون فات تصحيف فاق . والفهاهة : العي ، وهي إما كناية عن غاية روياتهم
* ( هامش ) * ( 1 ) الرحمن : 22 .
( 2 ) الاظهر الثانى ، لان التبخيل معناه النسبة إلى البخل وهو لا يناسب المقام .
( 3 ) ص : 3 ، أقول : ويحتمل أن يكون جملة أن قالوا مبتدءا مؤخرا وقوله : من معرفته
خبرا مقدما . ( * )
[280]
وأفكارهم بحيث انتهت أفكارهم وعرض لهم الاعياء ، أو إشارة إلى ضعف روياتهم وقصورها
أي روياتهم الفهة الكالة ، ( 1 ) وقال الجزري : قد عدلنا بالله أي أشركنا به وجعلنا له
مثلا ومنه قول على عليه السلام : كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم .
قوله عليه السلام : خواطر هممهم الهمة : العزم أي قد روه تعالى بتقدير هو نتيجة
العزمات الباطلة التي خطرت ببالهم من التصدي لمعرفته تعالى بعقولهم فلزمهم كونه
تعالى ذا أجزاء ، وفي بعض النسخ بخواطرهم ( 2 ) والقرائح جمع قريحة ، وهي القوة التي
يستنبط بها المعقولات . قوله عليه السلام : من لا يقدر قدره إشارة إلى قوله تعالى : " وما قدروا
الله حق قدره " ( 3 ) أي ما عرفوا الله حق معرفته ، أو ما عظموا الله حق تعظيمه . والهواجس :
الخواطر والوساوس
قوله عليه السلام : في عميقات غيوب ملكه أي إذا أرادت الاوهام أن تثبته في منتهى
ملكه المغيب عن الابصار كفوق العرش مثلا ، أو إذا أرادت أن تصل إلى حقيقته بسبب
التفكرات العميقة في أسرار ملكه أي خلقه أو سلطنته ( 4 ) وخطر الوساوس بتسكين
الطاء مصدر خطر له خاطر أي عرض في قلبه ، وتولهت إليه أي اشتد عشقها حتى أصابه
الوله وهو الحيرة .
قوله عليه السلام : وغمضت مداخل العقول أي غمض دخولها ودق في الاقطار العميقة
التي لا تبلغها التوصيفات . ( 5 ) والردع : الكف والمنع ، وردعت على بناء المجهول أي
كل من الاوهام والفكر والقلوب ، والخاسئ : المبعد والصاغر ، وقوله : تجوب أي
تقطع ، والمهاوي : المهالك ، الواحدة مهواة ، وهي ما بين حبلين أو حائطين أو نحو
ذلك ، والسدف جمع سدفة وهي الظلمة والقطعة من الليل المظلم ، وجبهت أي ردت
من جبهته ، أي صككت جبهته ، والجور : العدول عن الطريق ، والاعتساف : قطع
* ( هامش ) * ( 1 ) الفهة مؤنث الفه : العى ، الغفلة والسقطة .
( 2 ) وفى التوحيد المطبوع : وجزوه بتقدير منتج خواطرهم .
( 3 ) الانعام : 91 .
( 4 ) وفى نسخة : أو سلطانه .
( 5 ) أو المعنى : خفيت طرق الفكر ودقت ، وبلغت في الخفاء والدقة إلى حدلا يبلغه الوصف . ( * )
[281]
المسافة على غير جادة معلومة ، وقوله : وهي تجوب في موضع الحال ، والعامل ردعت
ومتخلصة أيضا حال ، والعامل اما تجوب أو ردعت . وتخلصها إليه : توجهها بكليتها في
طلب إدراكه سبحانه ، والحاصل أن جلاله تعالى يردع تلك العقول والاوهام في حال
قطعها مهالك ظلم الجهالات والمغيبات ، وتخلصها وتوجهها التام إلى معرفته فترجع
بعد ذلك معترفة بأنه لاينال كنه معرفته بالعقل الذي شأنه الجور والاعتساف ، وبأنه
لايخطر ببال اولى الرويات أي أصحاب الفكر . خاطرة أي صورة مطابقة من تقدير
جلال عزته لما قد مر مرارا أنه منزه من أن يكون في قوى المحدودين كنه ذاته و
صفاته لان تلك الصورة مخلوقة له ، وهو لا يشابه خلقه فكيف يوافقه في الحقيقة أو يشبهه
وإنما يشبه الشئ بعد يله فيلزم أن تكون تلك الصورة عديلا له ، أو المراد أن العقل و
الوهم والخيال إنما تحيط بما جانسها وشابهها وبما شاهد أمثاله من الممكنات ، وهو
تعالى ليس له شبيه ولا عديل فكيف تحيط به .
قوله عليه السلام : في مجد جبروته أي بسببه أو كائنا فيه ، والحاصل أن عظمة جبروته
وجلاله تمنع عن نفوذ الابصار فيه قوله عليه السلام : إذ حجبها أي الابصار ، وإرجاع الضمير
إلى الجبروت بعيد أي حجب الابصار عنه بحجب لاتنفذ الابصار في ثخن كثافته أي
غلظته ، والاظهر " كثافتها " لرجوع الضمير إلى الحجب ، ولعل الافراد لاخذ الحجب
كلها بمنزلة حجاب واحد ، أو يقال : إن الضمير راجع إلى الحجاب المذكور في ضمن
الحجب ، أي لا تنفذ في واحد منها فكيف في جميعها ، والمراد بالحجب الحجب المعنوية
الراجعة إلى تقدسه تعالى ونقص الممكنات .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 281 سطر 19 الى ص 289 سطر 18

قوله : ولا تخرق أي الابصار متوجها إلى ذي العرش متانة ستراته الخصيصة به
تعالى ، والمتانة : الاستحكام ، وإنما نسب الخرق إليها مجازا أي ستراته المتينة ، و
يمكن أن يقرأ تخرق على بناء المجهول ، ومتانة بالنصب بنزع الخافض أي لمتانة ، وفي
بعض النسخ : مباثة - بالباء الموحدة ثم الثاء المثلثة - من باث الشئ يبوث بوثا أي بحث
عنه فيكون فاعلا للخرق أي لا تخرق الحجب إلى ذي العرش البحث عن خصائص ستراته ،
ويقال : تصاغرت إليه نفسه أي تحاقرت ، وعنت الوجوه أي خضعت وذلت .
[282]
قوله عليه السلام : فوجهه بجهة أي وجه كل شئ إلى جهة ، وغاية خلقه لها ، كالخيل
للركوب ، والفلك للدوران ، وأصناف الانسان للعلم والمعرفة وسائر الصنائع والحرف
كما قال تعالى : " لكل وجهة هو موليها " ( 1 ) وقال النبي صلى الله عليه واله : كل ميسر لما خلق له .
قوله عليه السلام : فلم يبلغ منه شئ محدود منزلته أي منزلة الرب تعالى ، أو أن كلا
منهم في مرتبة التقصير عما خلق له وعما هيئ له من الكمال ، والاظهر : فلم يتعد ، ولعله
صحف أي لايمكن لاحد التعدي والتجاوز عما قدر له من الكمال والاستعداد ، و
يؤيده ما في النهج : قدر ما خلق ، فأحكم تقديره ، ودبره فألطف تدبيره ، ووجهه
لوجهته فلم يتعد حدود منزلته ، ولم يقصر دون الانتهاء إلى غايته .
قوله عليه السلام : ولم يستصعب أي لم يمتنع . قوله عليه السلام : بلا معاناة أي مقاساة شدة ،
واللغوب : التعب والاعياء أي لم يكن له تعالى في خلق الاشياء وتدبيرها على ما ذكر
معاناة ولا لغوب ، كما قال تعالى : " وما مسنا من لغوب " ( 2 ) والكايدة في بعض النسخ
بالباء الموحدة من قولهم : كابدت الامر : إذا قاسيت شدته ، وفي بعضها بالياء المثناة
من تحت من الكيد .
قوله : ووافى الوقت أي لم يتأخر عن الوقت الذي أراد وجوده فيه . وإجابة
مفعول لاجله . قوله عليه السلام : لم يعترض ( 3 ) أي لم يعرض للاشياء في إجابة دعوته سبحانه
بطؤ ولا تأخير ، أولم يعرض له تعالى من جهة ما هو فاعل شئ من تلك الكيفيات ، و
الريث : البطؤ ، والاناة : التأني ، والمتلكئ : المتأخر والمتوقف ، والاود بالتحريك :
الاعوجاج
قوله عليه السلام : ونهى أي أنهى وأعلم وبين المعالم التي وضع على الحدود التي
لا ينبغي لها التجاوز عنها في غاياتها التي مرت الاشارة إليها ، أو من النهاية أي وضع
* ( هامش ) * ( 1 ) البقرة : 148 .
( 2 ) ص : 38 .
( 3 ) اعترض دون الشئ : حال دونه ، أى لم يحل دون اجابته بطؤ المطى ، وتثاقله ، ولا
تأنى المتعلل واناته ، بل أجابوا كلهم ربهم طائعين مقهورين بلا تأخير ولا توقف . ( * )
[283]
معالم الحدود في نهاية ما قرر لهم من امتدادات المسافات المعنوية التي لا ينبغي لهم أن
يخرجوا عنها ، ويقال : لائم بين كذا وكذا أي جمع . قوله عليه السلام : ووصل أسباب قرائنها
إشارة إلى أن الموجودات لاتنفك عن أشياء تقترن بها من الهيئات والاشكال والغرائز
وغيرها ، واقتران الشيئين مستلزم لاقتران أسبابهما واتصالها ، وذلك الوصل مستند
إليه تعالى لانه مسبب الاسباب ، وقيل : المراد بالقرائن : النفوس المقرونة بالابدان
واعتدال المزاج سبب بقاء الروح أي وصل أسباب أنفسها بتعديل أمزجتها ، وقيل :
المراد هدايتها لما هو الاليق بها في معاشها ومعادها من قول القائل : وصل الملك أسباب
فلان ، إذا علقه عليه ووصله ببره وإنعامه ، ثم المراد بالاجناس أعم مما هو مصطلح
المنطقيين . وقوله عليه السلام : بدايا خبر مبتدأ محذوف أي هي بدايا مخلوقات ، وبدايا ههنا
جمع بديئة ، وهي الحالة العجيبة ، يقال : أبدى الرجل : إذا جاء بالامر المعجب البدئ
والبديئة أيضا : الحالة المبتدأة المبتكرة ، ومنه قولهم : فعله بادئ بدئ - على فعيل -
أي أول كل شئ .
قوله عليه السلام : انتظم علمه لعله بمعنى نظم وإن لم يرد فيما عندنا من كتب اللغة ،
أو علمه منصوب بنزع الخافض أي بعلمه ، أو في علمه أي انتظم في علمه تعالى جميع أصناف
الخلق وأحوالها فكأن علمه تعالى سلك نظم جميع الاشياء فيه ، ويحتمل أن يكون من
قولهم : انتظمه بالرمح : إذا اختله وجعله فيه كما مر . قوله : وبتلاحم التلاحم : الالتيام
والالتصاق ، والحقة بالضم : رأس الورك الذي فيها عظم الفخذ ، ورأس العضد الذي فيه
الوابلة ، والجمع أحقاق وحقاق بالكسر أي من شبهه بخلقه في ربط مفاصلهم ، ودخول
بعضها في بعض ، وشدة ارتباطها واستحكامها ، وكون المفاصل محتجبة بما يسترها و
يكتنفها من اللحم والجلد ، وكل ذلك بتدبير حكمته ، فمن حكم بهذا التشبيه فإنه
لم يعقد غيب ضميره أي ما غيب في ضميره أو ضميره المغيب عن الخلق على معرفته تعالى ،
ويمكن أن يقرأ يعقد على المعلوم وغيب بالنصب وعلى المجهول وغيب بالرفع .
قوله : لم يتناه في العقول أي لم تصل العقول إلى نهاية معرفته بالوصول إلى كنه
[284]
ذاته وصفته : ، أوليس في العقول ذانهايات ، وكونه في مهب الفكر أي محلها مكيفا على
الوجهين ظاهر بنحو ما مر تقريره مرارا ، وكذا كونه محدودا بالحدود الجسمانية أو
العقلانية ، وكونه مصرفا أي متغيرا ، ولا يخفى ما في تشبيه الرويات أو محلها بالحواصل
من اللطف . وإضافة الرويات إلى الهمم لامية أي الرويات نشأت من همم النفوس و
عزماتها ، ويحتمل أن تكون بيانية بأن يكون المراد بهمم النفوس خواطرها .
قوله : أضمر عليها الضمير راجع إلى القريحة ولعل على تعليلية ، ويحتمل أن يراد
بالقريحة نفس الفكر مجازا . قوله : أفادها أي استفادها ، والسدد جمع السدة وهي
الباب المغلق ، وقد مر الكلام في آخر الخطبة في باب النهي عن التفكر .
* 17 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن علي بن عباس ، عن
جعفر بن محمد الاشعري ، عن فتح بن يزيد الجرجاني قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا
عليه السلام أسأله عن شئ من التوحيد ، فكتب إلي بخطه : - قال جعفر : وإن فتحا أخرج
إلى الكتاب فقرأته بخط أبي الحسن عليه السلام :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملهم عباده الحمد ، وفاطرهم على معرفة ربوبيته ،
الدال على وجوده بخلقه ، وبحدوث خلقه على أزليته ، وباشتباههم على أن لاشبه له ، ( 1 )
المستشهد بآياته على قدرته ، الممتنع من الصفات ذاته ، ومن الابصار رؤيته ، ومن
الاوهام الاحاطة به ، لاأمد لكونه ، ولا غاية لبقائه ، لا تشمله المشاعر ، ( 2 ) ولا تحجبه
* ( هامش ) * ( * ) أخرجه الكلينى في الكافى عن محمد بن الحسين ، عن صالح بن حمزة ، عن فتح بن عبدالله
مولى بنى هاشم قال : كتبت إلى أبي إبراهيم عليه السلام أسأله عن شئ من التوحيد - إلى آخر الحديث
وعن على بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن شباب الصيرفى واسمه محمد بن الوليد ، عن على بن
سيف بن عميرة ، قال : حدثنى إسماعيل بن قتيبة قال : دخلت أنا وعيسى بن شلقان على أبى عبدالله
عليه السلام فابتدأنا فقال : عجبا لاقوام يدعون على أمير المؤمنين عليه السلام مالا يتكلم به قط !
خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس بالكوفة فقال : الحمد لله الملهم . ثم ذكر مثل الحديث
إلا أن في آخره اختلافا واختصارا ، ورواء الرضى رحمه الله في النهج باختلاف في صدره وذيله .
( 1 ) في نسخة : وبأشباههم على ان لاشبه له .
( 2 ) في النهج : لا تستلمه المشاعر . أى لاتصل إليه الحواس . ( * )
[285]
الحجاب ، ( 1 ) فالحجاب بينه وبين خلقه ، لامتناعه مما يمكن في ذواتهم ، ولامكان
ذواتهم مما يمتنع منه ذاته ، ولافتراق الصانع والمصنوع ، ( 2 ) والرب والمربوب ، والحاد
والمحدود ، أحد لابتأويل عدد ، ( 3 ) الخالق لا بمنى حركة ، السميع لابأداة ، البصير لا
بتفريق آلة ، الشاهد لابمماسة ، البائن لاببراح مسافة ، ( 4 ) الباطن لاباجتنان ، الظاهر
لابمحاذ ، الذي قد حسرت دون كنهه نوافذ الابصار ، وأقمح وجوده جوائل الاوهام ، ( 5 )
أول الديانة معرفته ، وكمال المعرفة توحيده ، وكمال التوحيد نفي الصفات عنه ، لشهادة
كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة الموصوف أنه غير الصفة ، وشهادتهما جميعا على
أنفسهما بالبينة ، الممتنع منها الازل ، ( 6 ) فمن وصف الله فقد حده ، ومن حده فقد عده ،
ومن عده فقد أبطل أزله ، ومن قال : كيف فقد استوصفه ، ومن قال : علام فقد حمله ،
ومن قال : أين فقد أخلي منه ، ومن قال : إلام فقد وقته ، عالم إذ لامعلوم ، وخالق
إذ لامخلوق ، ورب إذ لامربوب ، وإله إذ لامألوه ، وكذلك يوصف ربنا وهو فوق ما يصفه
الواصفون .
توضيح : لا أمد أي أزلا ، ولا غاية أي أبدا . قوله : وبين خلقه وفي " في " بعد ذلك :
خلقه إياهم لامتناعه وهو أظهر ، والمعنى على ما في الكتاب أن ليس احتجابه إلا لهذه
الوجوه وقد مر تحقيقها مرارا ( 7 ) قوله : مما يمتنع كلمة " من " صلة أو تبعيضية
قوله عليه السلام : لا بتفريق آلة أي بفتح العين أو بعث الاشعة وتوريعها على المبصرات
على القول بالشعاع ، أو تقليب الحدقة وتويجهها مرة إلى هذا المبصر ومرة إلى ذاك ، كما يقال :
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافى : لاتحجبه الحجب ، والحجاب بينه وبين خلقه خلقه اياهم . وفى النهج :
لاتحجبه التواتر .
( 2 ) في الكافى : من المصنوع . وكذا في الجملتين اللتين بعده .
( 3 ) في الكافي : الواحد بلا تأويل عدد .
( 4 ) في الكافي : والظاهر البائن لا بتراخى مسافة ، أزله نهيه لمجاول الافكار ، ودوامه ردعه
لطامحات العقول ، قد حسر كنهه نوافذ الابصار ، وقمح وجوده جوائل الاوهام .
( 5 ) في التوحيد المطبوع : وامتنع وجوده .
( 6 ) في التوحيد المطبوع : الممتنع فيها الازل .
( 7 ) بأنه خالق برئ عن الامكان ولوازمه وأنهم مخلوقة ممكنة ، قاصرة عن نيل الوصول إلى
ذاته وصفاته فالحجاب بينه وبين خلقه قصورهم وكماله . ( * )
[286]
فلان مفرق الهمة والخاطر إذا وزع فكره على حفظ أشياء متبائنة ومراعاتها ،
والبراح : الزوال عن المكان ، وفي النهج والكافي : لا بتراخي مسافة .
قوله عليه السلام : لا باجتنان الاجتنان : الاستتار أي أنه باطن ، بمعنى أن العقول
والافهام لا تصل إلى كنهه لاباستتاره بستر وحجاب ، أو علم البواطن لابالدخول فيها
والاستتار بها قوله : لا بمحاذ أي لا بأن يحاذيه شئ فيراه ، وليست هذه الكلمة في بعض
النسخ ، وفيها : الظاهر الذي قد حسرت . وقمعه كمنعه : ضربه بالمقمعة ، ( 1 ) وقهره
وذلله كأقمعه . ( 2 ) وأقمعته : طلع على فرددته ، والوجود يحتمل أن يكون هنا بمعنى
الوجدان . وجوائل الاوهام : الاوهام الجائلة المتردده في أنواع دقائق المعاني . قوله
بالبينة أي المباينة للآخر ، وفي الكافي : بالتثنية وهي أظهر ، وقد مر شرح سائر الفقرات .
18 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن ابن
محبوب ، عن حماد بن عمرو النصيبي قال : سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن التوحيد فقال :
واحد ، صمد ، أزلي ، صمدي ، لاظلل له يمسكه ، وهو يمسك الاشياء بأظلتها ، عارف
بالمجهول ، معروف عند كل جاهل ، فرداني لاخلقه فيه ولاهو في خلقه ، غير محسوس
ولا مجسوس ، لا تدركه الابصار ، علا فقرب ، ودنا فبعد ، وعصي فغفر ، واطيع فشكر ،
لا تحويه أرضه ، ولا تقله سماواته ، وأنه حامل الاشياء بقدرته ، ديمومي أزلي ، لاينسا
ولا يلهو ، ولا يغلط ولا يلعب . ولا لارادته فصل ، وفصله جزاء ، وأمره واقع ، لم يلد فيورث ،
ولم يولد فيشارك ، ولم يكن له كفوا أحد .
بيان : صمدي النسبة للمبالغة كالاحمري . قوله عليه السلام : لا ظل له الظل من كل شئ
شخصه أو وقاؤه أو ستره أي لاشخص ولاشبح له يمسكه كالبدن للنفس ، والفرد المادي
للحصة ، أولا واقي له يقيه ، ومنهم من حمل الظلال على المثل الافلاطونية ، وقيل : المراد
بالظل الكنف ، يقال : فلان في ظل فلان أي كنفه .
* ( هامش ) * ( 1 ) المقمعة : خشبة أو حديدة يضرب بها الانسان ليذل .
( 2 ) وصرفه عما يريد . وأقمعه : قهره وذلله ورده . ( * )
[287]
أقول : ويحتمل أن يكون المراد بالظل الروح إذ كثيرا ما يطلق عالم الظلال على
عالم الارواح ، أو الابنية التي يكون الخلق عليها أو تحتها ، وهو يمسك الاشياء بأظلتها
أي بأشخاصها وأشباحها ، أو بوقاياتها أو بمثلها أو أرواحها أو بالابنية التي تقلها وتظلها
والباء للسببية أو بمعنى مع .
قوله عليه السلام : ولا لارادته فصل أي لافصل بينها وبين المراد أي لا يتأخر ولا ينفصل
مراده عن إرادته ، أو لاتنقطع إرادته بل هو كل يوم في شأن أبدالدهر ، أو لاقاطع لارادته
يمنعها عن تعلقها بالمراد . وقيل : أي ليست إرادته فاصلة بين شئ وشئ ، بل تتعلق
بكل شئ ، وقيل : ليس لارادته فصل أي شئ يداخله فيكون به راضيا أو ساخطا إنما
كونه راضيا أو ساخطا بالاثابة والعقاب كما قال : وفصله جزاء ، أو المعني أنه لا يكون
لارارته في فعل العبد قطع بالمراد فيتعين وقوعه إنما قطعه في المراد من العبد الجزاء
أقول : على الوجوه الاولة المراد بقوله : وفصله جزاء أن فصله بين عباده المشار
إليه بقوله سبحانه : " يفصل بينهم يوم القيمة " ( 1 ) جزاء لهم ، وهو غير جائر فيه ، ويحتمل
أن يكون الفصل في الاول القضاء بالحق بين الحق والباطل أي لا يقضي في إرادته أحد ،
بل هو الفاصل بينهم في الآخرة بمجازاتهم ، وفي بعض النسخ : وفضله بالضاد المعجمة أي
سمي ما يتفضل به عليهم جزاءا ولا يستحق أحد عليه شيئا .
19 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار وسعد معا ، عن ابن عيسى والنهدي ، وابن
أبي الخطاب ، كلهم عن ابن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن إسحاق بن غالب ،
عن أبي عبدالله عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله في بعض خطبه : الحمد
لله الذي كان في أوليته وحدانيا ، وفي أزليته متعظما بالالهية ، متكبرا بكبريائه
وجبروته ، ابتدأ ما ابتدع وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سبق لشئ مما خلق ، ربنا
القديم بلطف ربوبيته ، وبعلم خبره فتق ، وبإحكام قدرته خلق جميع ما خلق ، وبنور
الاصباح فلق ، فلامبدل لخلقه ، ولا مغير لصنعه ، ولا معقب لحمكه ، ( 2 ) ولاراد لامره ،
* ( هامش ) * ( 1 ) الحج : 17 .
( 2 ) قال الراغب : لا معقب لحكمه أى لا احد يتعقبه ويبحث عن فعله ، من قولهم : عقب
الحاكم على حكم من قبله : اذا تتبعه ، ويجوز أن يكون ذلك نهيا للناس أن يخوضوا في البحث
عن حكمه وحكمته اذا خفيت عليهم ، ويكون ذلك من نحو النهى عن الخوض في سر القدر . ( * )
[288]
ولا مستراح عن دعوته ولا زوال لملكه ، ولا انقطاع لمدته وهو الكينون أولا ، ( 1 ) والديموم
أبدا ، المحتجب بنوره دون خلقه في الافق الطامح ، والعز الشامخ ، والملك الباذخ ، فوق
كل شئ علا ومن كل شئ دنا ، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى ، وهو بالمنطر الاعلى ،
فأحب الاختصاص بالتوحيد إذا احتجب بنوره ، وسما في علوه ، واستتر عن خلقه ، وبعث
إليهم الرسل لتكون له الحجة البالغة على خلقه ، ويكون رسله إليهم شهداء عليهم ، وانبعث
فيهم النبيين مبشرين ومنذرين ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة
وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه ، فيعرفوه بربوبيته بعدما أنكرو ، ويوحدوه بالالهية
بعد ما عندوا .
بيان : قوله : متعظما أي مستحقا للتعظيم أو عظيما في غاية العظمة ، وكذا قوله
متكبرا ، والغرض أنه لم يكن عظمته وكبرياؤه وإلهيته متوقفة على إيجاد خلقه
وقوله : ربنا مبتدأ وفتق خبره ، والظرفان متعلقان بفتق ، وإضافة العلم إلى الخبر
للتأكيد ، وفي بعض النسخ بالجيم . قوله : فلق أي ظلمة الليل ، وهو إشارة إلى قوله
تعالى : " فالق الاصباح " . ( 2 )
قوله : لا معقب لحكمه أي لاراد له ، وحقيقته الذي يعقب الشئ بالابطال ،
والمستراح : محل الاستراحة أي لا مفر عن دعوته ، والكينون والديموم مبالغتان في الكائن
والدائم . قوله : المحتجب بنوره أي ليس حجابه إلا نوريته أي تجرده وكماله و
رفعته وجلاله ، والطامح : المرتفع كالشامخ والباذخ ، يقال : جبل شامخ أي شاهق ،
وشرف باذخ أي عال .
قوله : وهو بالمنظر الاعلى المنظر : الموضع المرتفع الذي ينظر إليه أي موضعه
أرفع من أن ينظر إليه بالابصار والاوهام والعقول ، أو المراد بالمنظر المدارك والمشاعر
أي هو أعلى وأرفع من أن يكون في مشاعر الخلق ، ويحتمل أن يكون كناية عن علمه
* ( هامش ) * ( 1 ) في التوحيد المطبوع : وهو الكينون أزلا .
( 2 ) الانعام : 96 ( * )
[289]
بكل شئ أي المرضع الذي ينظر فيه ( 1 ) أعلى من كل شئ ، إذ الاعلي ينظر إلى الاسفل
غالبا بسهولة .
قوله : فأحب الاختصاص بالتوحيد أي بكونه موحدا أي لا يوحده ولا يعرفه غيره
كما هو ، إذهو محتجب عنهم ، أو أحب أن يوحدوه فقط دون غيره ، إذ لو كان ظاهرا
للعقول والحواس كان مشاركا للممكنات في الوحدة الاعتبارية فلا تكون الوحدة
الصادقة عليه مختصة به ، وعلى هذا فالمحبة مؤولة باقتضاء ذاته تعالى من حيث كماله
ذلك ، وكذا على الاول ، إلا أن يقال : إن المراد أنه حجب عنهم أولا ما يمكنهم
من معرفته ثم أفاض معرفته عليهم بتوسط الانبياء والرسل ، وبما يحصل لهم من القربات
بالطاعات ليعلموا أن ليس توحيدهم له إلا بتوفيقه وهدايته تعالى ، ويؤيده ما بعده لا
سيما قوله : وليعقل العباد .
20 - يد : ابن الوليد عن محمد العطار ، وأحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن بعض
أصحابه رفعه قال : جاء رجل إلى الحسن بن علي عليهما السلام فقال له : يابن رسول الله صف
لي ربك حتى كأني أنظر إليه ، فأطرق الحسن بن علي عليه السلام مليا ثم رفع رأسه فقال :
الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم ، ولا آخرمتناه ، ولا قبل مدرك ، ولا بعد محدود ، ولا
أمد بحتى ، ولا شخص فيتجزأ ، ولا اختلاف صفة فيتناهى ، فلا تدرك العقول وأوهامها
ولا الفكر وخطراتها ولا الالباب وأذهانها صفته فيقول : متى ؟ ، ولابدئ مما ،
ولا ظاهر على ما ، ولا باطن فيما ، ولا تارك فهلا ، خلق الخلق فكان بديئا بديعا ، ابتدء
ما ابتدع ، وابتدع ما ابتدء وفعل ما أراد ، وأراد ما استزاد ، ذلكم الله رب العالمين ( 2 )


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 289 سطر 19 الى ص 297 سطر 18

بيان : قوله : معلوم هذه الصفة والصفات التي بعدها موضحات مؤكدات ،
إذ لو كان له أول لكان معلوما ، وهكذا . قوله عليه السلام : فيتناهي أي اختلاف الصفات
ينافي الازلية والابدية كمامر مرارا قوله عليه السلام : فتقول متى أي لو كانت العقول تبلغ
صفته لكان كسائر الممكنات فكان يصح أن يقال : متى وجد ؟ ومن أي شئ بدئ ؟ على
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : ينظر منه .
( 2 ) وفى نسخة : ذلكم الله ربى رب العالمين . ( * )
[290]
المجهول ، أو بدأ الاشياء بأن يقرأ على الفعل المعلوم ، أو على فعيل ، وعلى أي شئ علا
فهو ظاهر ، وفي أي شئ بطن حتى يقال : إنه باطن ، أو يقال لشئ ترك : هلا فعل تحضيضا
وتحريصا على الفعل أو توبيخا على تركه ، والابتداع : إيجاد بلا مادة أو بلا مثال .
21 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن الحسن بن
بردة ، عن العباس بن عمرو الفقيمي ، عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد العلوي ، عن فتح بن
يزيد الجرجاني قال : لقيته عليه السلام ( 1 ) على الطريق عند منصرفي عن مكة إلى خراسان ،
وهو سائر إلى العراق فسمعته يقول : من اتقى الله يتقى ، ومن أطاع الله يطاع . فتلطفت
في الوصول إليه ( 2 ) فوصلت فسلمت فرد علي السلام ، ثم قال : يا فتح من أرضي الخالق
لم يبال بسخط المخلوق ، ومن أسخط الخالق فقمن أن يسلط عليه سخط المخلوق ، و
أن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن
تدركه ، والاوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والابصار عن الاحاطة به ، جل
عما وصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، فهو في نأيه
قريب ، وفي قربه بعيد ، ( 3 ) كيف الكيف فلا يقال له : كيف ؟ وأين الاين فلا يقال له : أين ؟
إد هو مبدع الكيفوفية والاينونية . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) أقول : الضمير يرجع إلى أبي الحسن عليه السلام كما في الكافى حيث قال في صدر الحديث
بعد ذكر اسناده : الفتح بن يزيد الجرجانى قال : ضمنى وأبا الحسن عليه السلام الطريق في منصر في
من مكة إلى خراسان اه والمراد من أبى الحسن هو أبوالحسن الثانى الرضا عليه السلام كما تقدم
قبل ذلك ، أو أبوالحسن الثالث عليه السلام كما حكى عن كشف الغمة ، ولعل الطبقة لا يأبى صلاحيته
للرواية عنهما عليهما السلام ، فحيث اطلق أبا الحسن ولم يقيده بالثانى أو الثالث فيحتاج تعيينه
إلى قرينة ، والامر سهل .
( 2 ) تلطف الامر وفى الامر : ترفق فيه .
( 3 ) اشارة إلى أن قربه بالاشياء وبعده عنها ليس بالالتصاق والافتراق ، اذ لو كان كذلك لا متنع
أن يكون قريبا في حال بعده ، وبعيدا في حال قربه ، بل يكون قريبا باعتبار احاطته علما بالاشياء ،
وقهره قدرة عليها ، وبعيدا عنهم باعتبار عدم مجانسته ومشابهته عنهم ، وعن عقولهم وادراكاتهم
باعتبار أنها لا يمكنها أن تحوم حول حمى ذاته وصفاته .
( 4 ) أخرجه الكلينى في الكافى إلى هنا . ( * )
[291]
يا فتح كل جسم مغذى بغذاء إلا الخالق الرازق ، فإنه جسم الاجسام وهو
ليس بجسم ولا صورة ، لم يتجزأ ولم يتناه ، ولم يتزايد ولم يتناقص ، مبرأ من ذات ما
ركب في ذات من جسمه ، وهو اللطيف الخبير ، السميع البصير ، الواحد الاحد الصمد ،
لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، منشئ الاشياء ومجسم الاجسام ، ومصور
الصور ، لو كان كما تقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولا الرازق من المرزوق ،
ولا المنشئ من المنشأ ، لكنه المنشئ فرق بين من جسمه وصوره وشيأه وبينه إذا
كان لايشبهه شئ .
قلت : فالله واحد والانسان واحد فليس قد تشابهت الوحدانية ؟ قال : أحلت
ثبتك الله إنما التشبيه في المعاني ، وأما في الاسماء فهي واحدة ، وهي دلالة على المسمى ،
وذلك أن الانسان وإن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين ، و
الانسان نفسه ليس بواحد لان أعضاءه مختلفة ، وألوانه مختلفة غير واحدة ، وهو أجزاء
مجزى ، ليس سواء ( 1 ) دمه غير لحمه ، ولحمه غير دمه ، وعصبه غير عروقه ، وشعره غير
بشره ، وسواده غير بياضه ، وكذلك سائر جميع الخلق فالانسان واحد في الاسم لاواحد
في المعنى ، ( 2 ) والله جل جلاله واحد لا واحد غيره ، ولا اختلاف فيه ولا تفاوت ، ولا زيادة
ولانقصان ، فأما الانسان المخلوق المصنوع المؤلف فمن أجزاء مختلفة وجواهر شتى ،
غير أنه بالاجتماع شئ واحد .
قلت : فقولك : اللطيف فسره لي ، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل
غير أني احب أن تشرح لي . فقال : يا فتح إنما قلت : اللطيف للخلق اللطيف و
لعلمه بالشئ اللطيف ، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق
اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه
العيون ، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الانثى ، والمولود من القديم ، فلما رأينا
صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد ، والهرب من الموت ، والجمع لما يصلحه مما في لجج
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة من التوحيد : ليست بسواء .
( 2 ) في التوحيد المطبوع : فالانسان واحد بالاسم لاواحد بالمعنى . ( * )
[292]
البحار ، وما في لحاء الاشجار والمفاوز والقفار ، وإفهام بعضها عن بعض منطقها ، وما
تفهم به أولادها عنها ، ونقلها الغذاء إليها ، ثم تأليف ألوانها حمزة مع صفرة ، وبياضا مع
حمرة علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف ، وأن كل صانع شئ فمن شئ صنع ، والله الخالق
اللطيف الجليل خلق وصنع لامن شئ
قلت : جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى يقول :
" تبارك الله أحسن الخالقين " فقد أخبر أن في عباده خالقين وغير خالقين ، منهم عيسى
خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله ، والسامري خلق لهم
عجلا جسدا له خوار .
قلت : إن عيسى خلق من الطين طيرا دليلا على نبوته ، والسامري خلق عجلا
جسدا لنقض نبوة موسى وشاء الله أن يكون ذلك كذلك ؟ إن هذا لهو العجب ، فقال :
ويحك يافتح إن الله إرادتين ومشيتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر
وهو لا يشاء ، أو مارأيت أنه نهي آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك ؟
ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله ، ( 1 ) وأمر إبراهيم بذبح ابنه
إسماعيل وشاء أن لا يذبحه ولولم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشية الله عزوجل .
قلت : فرجت عني فرج الله عنك غير أنك قلت : السميع البصير ، سميع باذن ،
وبصير بالعين ؟ فقال : إنه يسمع بما يبصر ، ويرى بما يسمع ، بصير لابعين مثل عين المخلوقين ،
وسميع لا بمثل سمع السامعين ، لكن لما لا تخفى عليه خافية ( 2 ) من أثر الذرة السوداء على
الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار ، قلنا : بصير لا بمثل عين المخلوقين ،
وسميع بما لم تشتبه عليه ضروب اللغات ، ( 3 ) ولم يشغله سمع عن سمع ، قلنا : سميع لا
بمثل السامعين .
قلت : جعلت فداك قد بقيت مسألة . قال : هات لله أبوك . قلت : يعلم القديم الشئ
الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ؟ قال : ويحك إن مسائلك لصعبة ، أما سمعت
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى نسخة : ولو لم يشأ أن يأكلا لغلبت مشيتهما مشية الله .
( 2 ) في التوحيد المطبوع : لكن لما لم يخف عليه خافية .
( 3 ) في التوحيد المطبوع : ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات أه . ( * )
[293]
الله يقول " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " وقوله : " ولعلا بعضهم على بعض " وقال :
- يحكي قول أهل النار " ارجعنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل " وقال : " ولوردوا
لعادوا لما نهوا عنه " فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون " فقمت
لاقبل يده ورجله فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه فخرجت وبي من السرور والفرح
ما أعجز عن وصفه لما تبينت من الخير والحظ .
بيان : قمن بالتحريك وكسر الميم أيضا أي خليق وجدير . قوله : مغذى بغذاء
أي كل جسم ذي روح له غذاء يقويه ولو كان التسبيح والتفديس ، ويحتمل أن يكون
الغذاء شاملا لكل شئ يقوي الجسم ويربيه ويبقيه فلا حاجة إلى تخصيص الجسم .
قوله عليه السلام : من ذات ما ركب أي هو مبرء من كل حقيقة وماهية وعارض ركب في ذوات
الاجسام .
قوله وبينه يحتمل التشديد والتخفيف فلا تغفل ، ( 1 ) واللحاء بكسر اللام ممدودا
قشر الشجر . قوله عليه السلام : لله أبوك قال الجزري : إذا اضيف الشئ إلى عظيم شريف
اكتسى عظما وشرفا ، كما قيل : بيت الله ، وناقة الله ، فإذا وجد من الولد ما يحسن موقعه
ويحمد قيل : لله أبوك في معرض المدح والتعجب أي أبوك لله خالصا حيث أنجب بك
وأتى بمثلك . انتهى وقد مضى شرح أكثر أجزاء الخبر ، وسيأتي شرح بعضها في كتاب
العدل إن شاء الله تعالى
22 - يد : أخبرني أبوالعباس الفضل بن العباس الكندي - فيما أجازه لي بهمدان سنة
أربع وخمسين وثلاث مائة - قال : حدثنا محمد بن سهل - يعني العطار البغدادي لفظا من
كتابه سنة خمس وثلاث مائة - قال : حدثنا عبدالله بن محمد البلوي ، ( 2 ) قال : حدثنا
* ( هامش ) * ( 1 ) فعلى التخيف يكون مصدر بان يبين اى انقطع ، ومبتدءا لقوله : إذا كان لا يشبهه شئ .
اى انقطاعه عن الخلق وبينونته عنهم يثبت إذا لم يكن يشبهه شئ .
( 2 ) البلوى كعلوي نسبة إلى بلى كرضى قبيلة من أهل مصر ، وهو عبدالله بن محمد بن عمير بن
محفوظ البلوى أبومحمد المصرى ، ضعفه النجاشى في ترجمة محمد بن الحسن الجعفرى ، قال :
روى عند البلوى ، والبلوى رجل ضعيف مطعون عليه ، وذكر بعض أصحابنا أنه رأي له رواية رواه
عنه على بن محمد البردعى صاحب الزنج وهذا أيضا مما يضعفه . انتهى ونص بعد ذلك على اسمه ،
وقال الغضائري : كذاب : وضاع للحديث ، لا يلتفت إلى حديثه ولا يعبا به . ( * )
[294]
عمارة بن زيد ( 1 ) قال : حدثني عبيد الله بن العلا ، قال : حدثني صالح بن سبيع ، عن عمرو بن
محمد بن صعصعة بن صوحان قال : حدثني أبي ، عن أبي المعتمر مسلم بن أوس قال : حضرت
مجلس علي عليه السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر اللون كأنه من متهودة
اليمن فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننطر إليه ، فسبح
علي عليه السلام ربه وعظمه عزوجل ، وقال : الحمد لله الذي هو أول لابدئ مما ، ولا
باطن فيما ، ولا يزال مهما ، ولا ممازج مع ما ، ولا خيال وهما ، ليس بشبح فيرى ، ولا
بجسم فيتجزأ ، ولابذي غاية فيتناهى ، ولا بمحدث فيبصر ، ولا بمستتر فيكشف ، ولا
بذي حجب فيحوى ، كان ولا أماكن تحمله أكنافها ، ولاحملة ترفعه بقوتها ، ( 2 ) ولا كان
بعد أن لم يكن ، بل حارت الاوهام أن يكيف المكيف للاشياء ، ومن لم يزل بلا مكان
ولا يزول باختلاف الازمان ، ولا ينقلب شأنا بعد شأن ، البعيد من حدس القلوب ،
المتعالي عن الاشباه والضروب ، الوتر علام الغيوب ، فمعاني الخلق عنه منفية ، وسرائرهم
عليه غير خفية ، المعروف بغير كيفية ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، ولاتدركه
الابصار ، ولاتحيطه الافكار ، ( 3 ) ولاتقدره العقول ، ولا تقع عليه الاوهام ، فكلما
قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود ، وكيف يوصف بالاشباح وينعت بالالسن
الفصاح من لم يحلل في الاشياء فيقال : هو فيها كائن ، ولم ينأعنها فيقال : هو عنها بائن ،
* ( هامش ) * ( 1 ) هو عمارة بن زيد أبوزيد الخيوانى ، لا يعرف الا من جهة البلوى ، حكى عن رجال النجاشى
أنه قال : عمارة بن زيد أبوزيد الخيواني الهمدانى ، لا يعرف من أمره غير هذا ، ذكر الحسين بن
عبيد الله أنه سمع بعض أصحابنا يقول : سئل عبدالله بن محمد البلوى عن عمارة بن زيد : هذا الذى
حدثك ؟ قال : رجل نزل من السماء حدثنى ثم عرج " وينسب اليه كتب منها : كتاب المغازى ، كتاب
حروب أمير المؤمنين عليه السلام ، كتاب مقتل الحسين بن على عليه السلام وأشياء كثيرة تنسب اليه . انتهى
وقال ابن الغضائرى : وأصحابنا يقولون : انه اسم ما تحته أحد ، وكل ما يرويه كذب والكذب بين
في وجد حديثه . أقول : وباقى رجال السند مثله في الجهالة .
( 2 ) إيعاز إلى بطلان مقالة التجسيم والتشبيه ، وأنه سبحانه مقدس عن ذلك ، وأن قوله تعالى
" الرحمن على العرش استوى " وقوله : " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " ليسا محمولين على
ظاهرهما .
( 3 ) في التوحيد المطبوع : ولا يحيط به الافكار . ( * )
[295]
ولم يخل منها فيقال : أين ، ولم يقرب منها بالالتزاق ، ولم يبعد عنها بالافتراق ، بل هو
في الاشياء بلا كيفية ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ، وأبعد من الشبهة ( 1 ) من كل
بعيد ، لم يخلق الاشياء من اصول أزلية ، ولامن أوائل كانت قبله بدية ، بل خلق ما خلق
وأتقن خلقه ، وصور ما صور فأحسن صورته ، فسبحان من توحد في علوه فليس لشئ
منه امتناع ، ولاله بطاعة أحد من خلقه انتقام ، ( 2 ) إجابته للداعين سريعة ، والملائكة
له في السماوات والارض مطيعة ، كلم موسى تكليما بلا جوارح وأدوات ولا شفة ولا
لهوات ، ( 3 ) سبحانه وتعالى عن الصفات ، فمن زعم أن إله الخلق محدود فقد جهل الخالق
المعبود . والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة .
بيان : قوله عليه السلام : لا بدئ على فعيل أي لا يقال : بدأ الاشياء مما إذ لم يخلقها
من شئ ، وكونه فعيلا بمعنى المفعول أو فعلا على بناء المجهول بعيد . قوله عليه السلام : و
لا يزال مهما كلمة مهماهنا ظرف زمان جئ بها لتعميم الازمان أي لا يزول أبدا ، و
بحتمل أن يكون حرف نفي آخر مقدرا ، أو يكون معطوفا على المنفي سابقا أى ليس
لا يزال مقيدا بمهما يكن كذا ، ويمكن أن يكون سقوط أحدهما من النساخ لتوهم التكرار ،
ولا ممازج مع ما أي لا يمكن أن يقال : مع أي شئ ممازج .
قوله عليه السلام : ولا خيال وهما أي غير متخيل بالوهم . قوله عليه السلام : ليس بشبح أي
شخص . قوله عليه السلام : ولا بمحدث فيبصر أي لو كان مبصرا لكان محدثا فلا يتوهم منه أن
كل محدث مبصر . قوله : فيحوي أن تكون الحجب حاوية له ، أو يكون جسما محويا
بالحدود والنهايات . قوله : عليه السلام : والضروب وهي جمع الضرب بمعني المثل ، ( 4 ) أو المراد
ضرب الامثال . قوله عليه السلام : بالاشباح أي الصور الخيالية والعقلية ، أو بصفات
الاشخاص .
* ( هامش ) * ( 1 ) في التوحيد المطبوع : وأبعد من الشبه .
( 2 ) في التوحيد المطبوع : ولاله بطاعة أحد من خلقه انتفاع . وهو الصحيح .
( 3 ) جمع اللهاة ، وهو اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم .
( 4 ) او الشكل . ( * )
[296]
قوله عليه السلام : من اصول أزلية رد على الفلاسفة القائلين بالعقول والهيولى
القديمة . ( 1 ) قوله : كانت قبله أي قبل خلق هذا العالم أي لم يكن خلق هذا العالم على
مثال علم آخر كانت بدية أي مبتدأة مخلوقة قبله ، أو مبتدأة بنفسه من غير علة ، بل خلق
ما خلق ابتداءا من غير أصل مع غاية الاتقان والاحكام ، وصور ما صور بعلمه من غير
مثال على نهاية الحسن .
قوله : انتقام أي لا يحتاج في الانتقام عن العاصين إلى طاعة أحد من خلقه بل
قدرته كافية ، أو لاينتقم مع الطاعة فيكون ظالما ، والاظهر أنه تصحيف " انتفاع " كما
سيأتي مما سننقله من النهج .
23 - يد : أبي وابن عبدوس ، عن ابن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي
عمير قال : دخلت على سيدي موسى بن جعفر عليه السلام فقلت له : يابن رسول الله علمني
التوحيد فقال : يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ( 2 ) ما ذكره الله تعالى ذكره في كتابه
فتهلك ، واعلم أن الله تبارك وتعالى واحد أحد صمد ، لم يلد فيورث ، ولم يولد
فيشارك ، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا ، وأنه الحي الذي لا يموت ، والقادر
الذي لا يعجز ، والقاهر الذي لا يغلب ، والحليم الذي لا يعجل ، والدائم الذي لا يبيد
والباقي الذي لا يفنى ، والثابت الذي لا يزول ، والغني الذي لا يفتقر ، والعزيز الذي لا يذل ،
والعالم الذي لا يجهل ، والعدل الذي لا يجور ، والجواد الذي لا يبخل ، وأنه لا تقدره
العقول ، ولا تقع عليه الاوهام ، ولا تحيط به الاقطار ، ولا يحويه مكان ، ولا تدركه
الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير ،
ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ، ولا خمسة إلا هو سادسهم ، ولا أدنى من ذلك
ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ، وهو الاول الذي لا شئ قبله ، والآخر الذى لاشئ
بعده ، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث ، تعالى عن صفات المخلوقين علوا كبيرا .
* ( هامش ) * ( 1 ) الكلام يصلح ردا على المادة الثابتة القديمة وعلى القائلين بتركب الخلقة من النور والظلمة وأمثال
ذلك وأما العقول المجردة التى قيل بها فلا يشملها لان كلمة " من " نشوئية تدل على المادية ، ولا يقال :
إن الاشياء خلقت من العقول . واما التوسط في السببية فالكلام لا يشمل نفى الاسباب من الوجود بلا شبهة . ط
( 2 ) وفى نسخة لاتجاوز في التوحيد . ( * )
[297]
24 - يد : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن الجوهري ، عن الضبي ، عن أبي بكر
الهذلي ، عن عكرمة قال : بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام إليه نافع بن الازرق
فقال : يابن عباس تفتي في النملة والقملة صف لنا إلهك الذي تعبده ، فأطرق ابن عباس
إعظاما لله عزوجل ، وكان الحسين بن علي عليه السلام جالسا ناحية فقال : إلي يابن الازرق
فقال : لست إياك أسأل ! فقال ابن عباس : يابن الازرق إنه من أهل بيت النبوة وهم
ورثة العلم ، فأقبل نافع بن أزرق نحو الحسين عليه السلام فقال له الحسين عليه السلام : يا نافع إن
من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الارتماس ، مائلا عن المنهاج ، ظاعنا في
الاعوجاج ، ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل ، يابن الازرق أصف إلهي بما وصف به
نفسه ، واعرفه بما عرف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، فهو غريب غير
ملتصق ، وبعيد غير متقص ، يوحد ولا يبعض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ،
لا إله إلا هو الكبير المتعال .
بيان : على القياس أي مقايسة الرب تعالى بالخلق أو الاعم أي الحكم بالعقل في
الله تعالى ودينه ، والتقصي : غاية البعد .
25 - يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن علي بن سيف بن عميرة ،
عن محمد بن عبيد قال : دخلت على الرضا عليه السلام فقال لي : قل للعباسي : يكف عن الكلام
في التوحيد وغيره ، ويكلم الناس بما يعرفون ، ويكف عما ينكرون ، وإذا سألوك
عن التوحيد فقل - كما قال الله عزوجل - : " قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد " وإذا سألوك عن الكيفية فقل - كما قال الله عزوجل - : " ليس


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 297 سطر 19 الى ص 305 سطر 18

كمثله شئ " وإذا سألوك عن السمع فقل - كما قال الله عزوجل - : " هو السميع العليم "
كلم الناس بما يعرفون . ( 1 )
26 - يد : ابن عصام ، عن الكليني ، عن علان ، عن سهل وغيره ، عن محمد بن
سليمان عن علي بن إبراهيم الجعفري ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
قال : إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته ، ولا يبلغون كنه عظمته ، لا تدركه الابصار
* ( هامش ) * ( 1 ) أورده أيضا في باب التوحيد ونفى الشريك . ( * )
[298]
وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ، ولايوصف بكيف ولاأين ولاحيث ، وكيف أصفه
بكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف ،
أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الاين حتى صار أين فعرفت الاين بما أين لنا من الاين ،
أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار الحيث فعرفت الحيث بما حيث
لنا من الحيث ، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان ، وخارج من كل شئ ، لاتدركه
الابصار وهو يدرك الابصار ، لا إله إلا هو العلي العظيم ، وهو اللطيف الخبير
بيان : الحيث تأكيد للاين للاين أو هو بمعنى الجهة أو الزمان كما مر سابقا .
27 - يد : ابن الوليد ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن اورمة ، عن يحيى بن
يحيى ، عن عبدالله بن الصامت : عن عبدالاعلى ، عن العبد الصالح - يعني موسى بن جعفر عليهما السلام -
قال : إن الله لا إله إلا هو كان حيا بلا كيف ولا أين ، ولا كان في شئ ولا كان على شئ ،
ولا ابتدع لمكانه مكانا ( 1 ) ولا قوي بعد ما كون الاشياء ، ولا يشبهه شئ ، مكون ولا كان
خلوا من القدرة على الملك قبل إنشائه ، ولا يكون خلوا من القدرة بعد ذهابه ، كان
عزوجل إلها حيا بلا حياة حادثة ، ملكا قبل أن ينشئ شيئا ، ومالكا بعد إنشائه ، و
ليس لله حد ، ولايعرف بشئ يشبهه ، ولا يهرم للبقاء ، ولا يصعق لذعرة شئ ، ولخوفه تصعق
الاشياء كلها ، فكان الله حيا بلا حياة حادثة ، ولاكون موصوف ، ولاكيف محدود ، ولا
أين موقوف ، ولامكان ساكن ، بل حي لنفسه ، ومالك لم تزل له القدرة ، أنشأ ما
شاء حين شاء بمشيته وقدرته ، كان أو لا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا أين ، وكل شئ
هالك إلا وجهه ، له الخلق والامر ، تبارك الله رب العالمين .
بيان : الذعر بالضم : الخوف ، قوله عليه السلام : ولا أين موقوف أي موقوف عليه كما
في الكافي أي أين استقر الرب تعالى عليه ، أو المعنى أنه لو كان له أين لكان وجوده
متوقفا عليه محتاجا إليه ، ويحتمل على ما في الكتاب أن يكون الموقوف بمعنى الساكن
وتقييد المكان بالساكن مبني على المتعارف الغالب من كون المكان المستقر عليه ساكنا .
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة . ولا ابتدع لكانه مكانا . وسيأتى ذيل الخبر الاتى بيان من المصنف يناسب ذلك . ( * )
[299]
قوله عليه السلام : له الخلق أي خلق الممكنات مطلقا ، والامر أي الامر التكليفي . وقيل :
المراد بالخلق عالم الاجسام والماديات أو الموجودات العينية ، وبالامر عالم المجردات
أو الموجودات العلمية .
28 - يد : العطار ، عن أبيه ، عن ابن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم
بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له :
يا أبا جعفر أخبرني عن ربك متى كان ؟ فقال : ويلك إنما يقال لشئ لم يكن فكان :
متى كان ؟ إن ربي تبارك وتعالى كان لم يزل حيا بلا كيف ولم يكن له كان ، ولاكان
لكونه كيف ، ولا كان له أين ، ولا كان في شئ ، ولا كان على شئ ، ولا ابتدع لكانه
مكانا ، ولا قوي بعد ما كون شيئا ، ولا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا ، ولا كان مستوحشا
قبل أن يبدع شيئا ، ولايشبه شيئا مكونا ( 1 ) ولا كان خلوا من القدرة على الملك
قبل انشائه ، ( 2 ) ويكون منه خلوا بعد ذهابه ، لم يزل حيا بلاحياة ، وملكا قادرا
قبل أن ينشئ شيئا ، وملكا جبارا بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ، ولاله
أين ، ولاله حد ، ولا يعرف بشئ يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشئ ،
ولا يخوفه شئ ، تصعق الاشياء كلها من خيفته ، كان حيا بلا حياة حادثة ، ( 4 ) ولا كون
موصوف ، ولا كيف محدود ، ولا أثر مقفو ، ( 5 ) ولا مكان جاور شيئا ، بل حي يعرف ، وملك
لم يزل ، له القدرة والملك ، أنشأ ما شاء بمشيته ، ( 6 ) لا يحد ولا يبعض ولا يفنى ، كان
أولا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا أين ، وكل شئ هالك إلا وجهه ، له الخلق والامر ،
تبارك الله رب العالمين . ويلك أيها السائل إن ربي لاتغشاه الاوهام ، ولا تنزل به الشبهات
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافى : ولا يشبه شيئا مذكورا .
( 2 ) في الكافي : ولا كان خلوا من الملك قبل انشائه .
( 3 ) أي ملكا قاهرا مسلطا على منشآته ، قادرا على ابقائها وإفنائها .
( 4 ) في التوحيد المطبوع : بلا حياة عارية .
( 5 ) قفى اثره اى تبعه ، وفى الكافى : " ولا اين موقوف عليه " بدل ما في التوحيد .
( 6 ) في التوحيد المطبوع : انشأ ما شاء كيف شاء بمشيته . وفي الكافى : حين شاء بمشيته .
[300]
ولا يجار من شي ، ( 1 ) ولا يجاوره شئ ، ( 2 ) ولا تنزل به الاحداث ( 3 ) ولا يسأل عن شئ يفعله ،
ولا يقع على شئ ، ( 4 ) ولا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في الارض وما
بينهما وما تحت الثرى .
بيان : قوله : بلا كيف أى بلا حياة زائدة ولا كيفيات تعد من لوازم الحياة في
الممكنات . قوله عليه السلام : لم يكن له كان الظاهر أن كان اسم لم يكن لانه عليه السلام لما
قال : " كان " أو همت العبارة أن له زمانا فنفي عليه السلام ذلك بأنه كان بلا زمان ، والتعبير بكان
لضيق العبارة . وقيل : كان اسم بعمنى الكون أي ليس له وجود زائد ، ولم نظفر به في
اللغة ، لكن نقل عن بعض أهل العربية قلب الواو والياء ألفا مع انفتاح ما قبلهما
مطلقا ، وقيل : أي لم يتحقق كون شئ له من الصفات الزائدة .
وقوله : ولا كان لكونه كيف أي لم يكن وجوده زائدا ليكون اتصافه به مكيفا
بكيف ، أو لم يكن وجوده مقرونا بالكيفيات ، ومنهم من فصل ولم يكن له عن كان
أي لم يكن الكيف ثابتا له بأن يكون الواو للعطف التفسيري أو للحال ، وكان ابتداء
كلام وهي تامة ، والتي بعدها ناقصة حالا عن اسم كان أي كان أزلا والحال أنه ليس له
كيف . قوله : ولاابتدع لكانه لعل إضافته إلى الضمير بتأويل ، أو أنه اسم بمعنى
الكون ، وفي بعض النسخ : لمكانه كما في الكافي أي ليكون مكانا له .
قوله عليه السلام : ولا يصعق أي لا يفزع أولا يغشى عليه للخوف من شئ . قوله : كون
موصوف أي يمكن أن يوصف أو زائد أو موصوف بكونه في زمان أو مكان . وقيل : المراد
بالكون الموصوف الوجود المتصف بالتغير أو عدمه عما من شأنه التغير المعبر عنهما
بالحركة والسكون . قوله : يعرف أي أنه حي بإدراك آثار يعد من آثار الحياة . قوله :
ولايحار بالحاء المهملة من الحيرة ، أو بالجيم على بناء المجهول أي لا يجيره أحد من شئ
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة من التوحيد : ولايحاذر . وفى نسخة من الكتاب : لا يحار من شئ ولا يحاوره شئ .
( 2 ) في التوحيد المطبوع ونسخة من الكافى : لا يجاوزه اى لا يخرج من حكمه ومشيئته شئ .
( 3 ) أحداث الدهر : نوائبه .
( 4 ) في الكافى : ولا يندم على شئ . ( * )
[301]
29 - ف : عن الحسين بن علي صلوات الله عليهما : أيها الناس اتقوا هؤلاء المارقة ( 1 )
الذين يشبهون الله بأنفسهم ، يضاهؤون قول الذين كفروا من أهل الكتاب ، بل هو الله
ليس كمثله شئ ، وهو السميع البصير ، لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ، وهو
اللطيف الخبير ، استخلص الوحدانية والجبروت ، وأمضى المشية والارادة والقدرة
والعلم بما هو كائن ، لامنازع له في شئ من أمره ، ولا كفوله يعادله ، ولاضد له ينازعه ،
ولا سمي له يشابهه ، ولا مثل له يشاكله ، لاتتداوله الامور ، ولاتجري عليه الاحوال ،
ولا تنزل عليه الاحداث ، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته ، ولا يخطر على القلوب مبلغ
جبروته لانه ليس له في الاشياء عديل ، ولا تدركه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكير
بتفكيرهم ، إلا بالتحقيق إيقانا بالغيب لانه لا يوصف بشئ من صفات المخلوقين ،
وهو الواحد الصمد ، ما تصور في الاوهام فهو خلافه ، ليس برب من طرح تحت البلاغ ، ( 2 )
ومعبود من وجد في هواء أو غير هواء ، هو في الاشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه ، ومن
الاشياء بائن لا بينونة غائب عنها ، ليس بقادر من قارنه ضد ، أو ساواه ند ، ليس عن الدهر
قدمه ، ولا بالناحية أممه ، احتجب عن العقول كما احتجب عن الابصار ، وعمن في السماء
احتجابه عمن في الارض ، قربه كرامته ، وبعده اهانته ، لايحله في ، ولاتوقته إذ ، ولاتؤامره
إن ، علوه من غير نوقل ، ( 3 ) ومجيئه من غير تنقل ، يوجد المفقود ، ويفقد الموجود ،
ولاتجتمع لغيره الصفتان في وقت ، يصيب الفكر منه الايمان به موجودا ووجود الايمان
لاوجود صفة ، به نوصف الصفات لانها يوصف ، وبه تعرف المعارف لابها يعرف ، فذلك الله
لاسمي له سبحانه ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير .
بيان : استخلص الوحدانية أي جعلها خالصة لنفسه لايشاركه فيها غيره ،
* ( هامش ) * ( 1 ) مرق من الدين : خرج منه بضلالة او بدعة ، والمارقة مؤنث المارق وهو من مرق من الدين
ويطلق المارقة على الخوارج ايضا لمروقهم من الدين .
( 2 ) البلاغ بفتح الباء : ما يبلغ . الوصول إلى الشئ ، ولعل المعنى : ليس برب من طرح تحت
بلوغ الافكار ، ورمى تحت وصول الاوهام .
( 3 ) في التحف المطبوع : علوه من غير توقل . وهو الصحيح ، من قولهم : توقل في الجبل : صعدفيه . ( * )
[302]
ولتحقيق : التصديق ، والاستثناء منقطع أي ولكن يدرك بالتصديق بما أخبر عنه الانبياء
والحجج إيمانا بالغيب . قوله عليه السلام : تحت البلاغ لعل المعنى أنه يكون محتاجا إلى
أن يبلغ إليه الامور ، أو يكون تحت ثوب يكون قدر كفايته محيطا به ، ويحتمل أن
يكون تصحيف التلاع جمع التلعة فإن الاصنام تنحت من الاحجار المطروحة تحتها ،
أو اليراع وهو شئ كالبعوض يغشي الوجه ، أو النقاع جمع النقع بالكسر وهو الغبار
أو السماء أو البلاء أو البناء بقرينة قرينتها وهي الهواء .
قوله عليه السلام محظور بها عليه أي بأن يكون داخلا فيها فتحيط الاشياء به كالحظيرة
وهي ما تحيط بالشئ خشبا أو قصبا . قوله عليه السلام : ليس عن الدهر قدمه أي ليس قدمه قدما
زمانيا يقارنه الزمان دائما . ( 1 ) والامم بالتحريك : القصد أي ليس قصده بأن يتوجه
إلى ناحية مخصوصة فيوجد فيه ، بل أينما تولوا فثم وجه الله .
قوله عليه السلام : ولا تؤامره إن أي ليست كلمة إن التي يستعملها المخلوقون عند
ترددهم بقولهم : إن كان كذا فأي شئ يكون سببا لمشاورته ومؤامرته في الامور ، ونوقل
فوعل من النقل ، ولم أجده فيما حضر عندي من كتب اللغة . ( 2 ) قوله عليه السلام : في وقت أي
في وقت من الاوقات والتقييد بالاجتماع لعله وقع تنزلا لما يتوهم من أن الاعدام يتأتى
من غيره تعالى .
قوله عليه السلام : يصيب الفكر أي لايصيب منه تعالى التفكر فيه إلا أن يؤمن بأنه
موجود ، وأن يجد صفة الايمان ويتصف به لا أن ينال منه وجود صفة أي كنه صفة أو صفة
موجودة زائدة . فقوله : ووجود معطوف على الايمان . وقوله : لا وجود أي لا يصيب
وجود ، والاصوب أن العاطف في قوله : ووجود زائد فيستقيم الكلام . قوله : به توصف
* ( هامش ) * ( 1 ) الجملة من جوامع الكلم بها يفسر موارد كثيرة من الخطب والروايات الدالة على تقدمه
تعالى على الكل وتأخره عن الكل واحاطته بالكل وان ليس معه في أزلية ذاته قديم آخر والاكان
الهامثله - تعالى عن ذلك - وانه أزلى أبدى كل ذلك من غير تطبيق على امتداد غير متناه زمانى والا
لكان زمانيا فهو محيط بالجميع بعين احاطته بكل جزء منه فلو فرض قديم زمانى كنفس الزمان كان
تعالى قبله ومتقدما عليه بعين تقدمه على أجزائه فتأمل وتبصر في موارد كثيرة تكر عليك . ط
( 2 ) قد عرفت صحيحة وهو التوقل . ( * )
[303]
الصفات أي هو موجد للصفات وجاعل الاشياء متصفة بها ، فكيف يوصف نفسه بها ،
وبإفاضته تعرف المعارف فلا يعرف هو بها ، إذ لايعرف الله بمخلوقه كما مر .
30 - ف : عن أبي الحسن الثالث عليه السلام قال : إن الله لا يوصف إلا بما وصف به
نفسه ، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والاوهام أن تناله ، والخطرات
أن تحده ، والابصار عن الاحاطة به ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، كيف الكيف بغير أن
يقال : كيف ؟ وأين الاين بلا أن يقال : أين ؟ هو منقطع الكيفية والاينية ، الواحد
الاحد ، جل جلاله ، وتقدست أسماؤه .
31 - م : عن أبي محمد ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تتجاوزوا
بنا العبودية ثم قولوا ما شئتم ولا تغلوا ، وإياكم والغلو كغلو النصارى فإني برئ
من الغالين . قال : فقام إليه رجل فقال له : يابن رسول الله صف لنا ربك ، فإن من قبلنا
قد اختلفوا علينا . فقال الرضا عليه السلام : إنه من يصف ربه بالقياس لا يزال الدهر في
الالتباس ، مائلا عن المنهاج ، ظاعنا في الاعوجاج ، ( 1 ) ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل ،
ثم قال : أعرفه بما عرف به نفسه ، أعرفه من غير رؤية ، وأصفه بما وصف به نفسه من غير
صورة ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، معروف بالآيات ، بعيد بغير تشبيه ، و
متدان في بعده لا بنظير ، لايتوهم ديمومته ، ولا يمثل بخلقه ، ولايجوز في قضيته ، الخلق
لما علم منه منقادون ، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون ، لا يعلمون بخلاف
ما علم منهم ولا غيره يريدون ، فهو قريب غير ملتزق ، وبعيد غير متقص ، يحقق ولا يمثل ، ( 2 )
ويوحد ولايبعض ، يعرف بالآيات ، ويثبت بالعلامات ، فلا إله غيره الكبير المتعال .
ثم قال الامام عليه السلام : حدثني أبي ، عن جدي ، عن رسول الله أنه قال : ما عرف الله من
شبهه بخلقه ، ولاعد له من نسب إليه ذنوب عباده .
32 - جع : سئل أمير المؤمنين عليه السلام بم عرفت ربك ؟ قال : بما عرفني نفسه ، لا
يشبهه صورة ، ولايقاس بالناس ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، فوق كل شئ ولا يقال
* ( هامش ) * ( 1 ) أى سائر اوراحلا .
( 2 ) اى يحقق ويثبت وجوده ولكن لا يشبه بمخلوقاته ، أولا يعتمل مثاله في الحاسة ، ولا يتصور
له مثالا وهميا في الواهمة .
[304]
شئ تحته ، وتحت كل شئ ولايقال شئ فوقه ، أمام كل شئ ولا يقال شئ خلفه ، وخلف
كل ولا يقال شئ أمامه ، داخل في الاشياء لاكشئ في شئ ، سبحان من هو هكذا
لاهكذا غيره .
33 - جع : دخل علي بن الحسين عليهما السلام مسجد المدينة فرأي قوما يختصمون ،
فقال لهم : فيما تختصمون ؟ قالوا : في التوحيد ، قال : أعرضوا علي مقالتكم ، قال بعض
القوم : إن الله يعرف بخلقه سماواته وأرضه ، وهو في كل مكان . قال علي بن الحسين
عليهما السلام : قولوا : نور لاظلام فيه ، وحياة لاموت فيه ، وصمد لامدخل فيه . ثم قال : من
كان ليس كمثله شئ وهو السميع البصير كان نعته لايشبه نعت شئ فهو ذاك
34 - يد : الدقاق ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، عن
عبدالله بن داهر ، عن الحسين بن يحيى الكوفي ، عن قثم بن قتادة ، عن عبدالله بن يونس ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على منبر الكوفة ، إذ قام إليه رجل
يقال له : ذعلب ، ( 1 ) ذرب اللسان ، بليغ في الخطاب ، شجاع القلب ، فقال : يا أمير المؤمنين
هل رأيت ربك ؟ فقال : ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره ؟ قال : يا أمير المؤمنين
كيف رأيته ؟ قال : يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب
بحقائق الايمان ، ويلك يا ذعلب إن ربي لطيف اللطافة فلا يوصف باللطف ، عظيم
العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبرياء لايوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف
بالغلظ ، قبل كل شئ لا يقال شئ قبله ، وبعد كل شئ لا يقال له بعد ، ( 2 ) شاء الاشياء
لا بهمة ، دراك لا بخديعة ( 3 ) هو في الاشياء كلها غير متمازج بها ولا بائن عنها ، ظاهر لا
بتأويل المباشرة ، متجل لاباستهلال رؤية ، بائن لا بمسافة ، ( 4 ) قريب لا بمداناة ، لطيف
لا بتجسم ، موجود لابعد عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ،
* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر الذال المعجمة وسكون العين المهملة واللام المفتوحة او المكسورة على ما حكى عن
قواعد الشهيد ، بعدهاباء .
( 2 ) في التوحيد المطبوع : فلا يقال شئ بعده .
( 3 ) لا بمكر وحيلة يتوسل بهما إلى مدركاته كما هو شأن بعض الناس ، بل يعلم وإحاطة على
عالم الوجود والنفوس .
( 4 ) في الكافى : ناء لابمسافة وهو أظهر . ( * )
[305]
سميع لا بآلة ، بصير لابأداة ، لاتحويه الاماكن ، ولا تصحبه الاوقات ، ( 1 ) ولاتحده
الصفات ، ولا تأخذه السنات ، ( 2 ) سبق الاوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله ،
بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضاد ته بين
الاشياء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الاشياء عرف أن لاقرين له ، ضاد النور بالظلمة ،
والجسوء بالبلل ، ( 3 ) والصرد بالحرور ، مؤلف بين معتادياتها ، مفرق بين متدانياتها ،
دالة بتفريقها على مفرقها ، وبتأليفها على مؤلفها ، وذلك قوله عزوجل : " ومن كل شئ
خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لاقبل له ولابعد ، شاهدة
بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها ، مخبرة بتوقيتها أن لاوقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض
ليعلم أن لاحجاب بينه وبين خلقه غير خلقه ، كان ربا ولامربوب ، وإلها ولامألوه ، وعالما
إذ لامعلوم ، وسميعا إذلامسموع . ثم أنشأ يقول : ( 4 )
ولم يزل سيدي بالحمد معروفا * ولم يزل سيدي بالجود موصوفا
وكان إذ ليس نور يستضاء به * ولا ظلام على الآفاق معكوفا
فربنا بخلاف الخلق كلهم * وكل ما كان في الاوهام موصوفا
ومن يرده على التشبيه ممتثلا * يرجع أخا حصر بالعجز مكتوفا
وفي المعارج يلقى موج قدرته * موجا يعارض طرف الروح مكفوفا
فاترك أخا جدل في الدين منعمقا * قد باشر الشك فيه الرأي مأووفا
واصحب أخاثقة حبا لسيده * وبالكرامات من مولاه محفوفا
أمسى دليل الهدى في الارض مبتسما ( 5 ) * وفي السماء جميل الحال معروفا


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 305 سطر 19 الى ص 313 سطر 18

* ( هامش ) * ( 1 ) أى لا يلازمه الاوقات ولا تكون معه سبحانه . وفى الكافي : لا تضمنه الاوقات أى لا
تشتمل عليه .
( 2 ) جمع السنة بكسر السين : فتور يتقدم النوم .
( 3 ) في الكافي يس : واليبس بالبلل والخشن باللين والصرد بالحرور . والجسوء والجسء : الماء
الجامد .
( 4 ) الاشعار من أحسن الدليل على ان الخلقة غير منقطعة من حيث أولها كما أنها كذلك من
حيث آخرها . ط
( 5 ) في نسخة من الكتاب والتوحيد المطبوع : في الارض منتشرا . ( * )
[306]
قال : فخر ذعلب مغشيا عليه ثم أفاق وقال : ما سمعت بهذا الكلام ، ولا أعود
إلى شئ من ذلك .
قال الصدوق رحمه الله : في هذا الخبر ألفاظ قد ذكرها الرضا عليه السلام في خطبته ، و
هذا تصديق قولنا في الائمة عليهم السلام : أن علم كل واحد منهم مأخوذ عن أبيه حتى يتصل
ذلك بالنبي صلى الله عليه واله .
بيان : ذرب اللسان : حدته . قوله عليه السلام : معكوفا أي محبوسا . أخا حصر أي
مصاحبا للعي والعجز . وكتفت الرجل أي شددت يديه إلى خلفه بالكتاف وهو حبل .
والطرف : العين ، ومكفوفا حال منه أي يجعل عين الروح عمياء . قوله عليه السلام : مأووفا
حال عن الرأي ، ويمكن أن يقرأ على الاصل بالواوين لضرورة الشعر ، أو بإشباع فتحة
الميم .
قوله عليه السلام : حبا لسيده الحب بالكسر : المحبوب ، ويمكن أن يقرأ بالضم
أيضا بأن يكون مصدرا مؤولا بمعنى المفعول ، ويمكن أن يكون مفعولا لاجله لكن
عطف قوله : وبالكرامات يحتاج إلى تكلف أي ولكونه محفوفا وقوله : دليل الهدى
بالرفع ، ويحتمل النصب بالخبرية ، فيكون الاسم ضميرا راجعا إلى الاخ ، ولعله
نظرا إلى المصرع الثاني أظهر .
35 - نهج : ومن خطبة له عليه السلام . الحمد لله خالق العباد ، وساطح المهاد ، ومسيل
الوهاد ، ومخصب النجاد ، ليس لاوليته ابتداء ، ولالازليته انقضاء ، هو الاول لم يزل ،
والباقي بلا أجل ، خرت له الجباه ، ووحدته الشفاه ، حد الاشياء عند خلقه لها إبانة
له من شبهها ، ( 1 ) لا تقدره الاوهام بالحدود والحركات ، ولا بالجوارح والادوات ، لا
يقال له : متى ، ولايضرب له أمد بحتى ، الظاهر لا يقال : مما ، والباطن لا يقال : فيما ،
لاشبح فيتقضى ، ( 2 ) ولا محجوب فيحوى ، لم يقرب من الاشياء بالتصاق ، ولم يبعد عنها
بافتراق ، لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة ولاكرور لفظة ولا ازدلاف ربوة و
* ( هامش ) * ( 1 ) أى حد الاشياء تنزيها لذاته عن مماثلتها ، وتمييزاله عن مشابهتها .
( 2 ) أى ليس بجسم فيفنى بالانحلال . ( * )
[307]
لا انبساط خطوة في ليل داج ولا غسق ساج ، يتفيأ عليه القمر المنير ، وتعقبه الشمس
ذات النور في الافول والكرور ، ( 1 ) وتقليب الازمنة والدهور ، من إقبال ليل مقبل ، و
إدبارنهار مدبر ، قبل كل غاية ومدة ، وكل إحصاء وعدة ، تعالى عما ينحله المحددون
من صفات الاقدار ، ونهايات الاقطار ، وتأثل المساكن ، وتمكن الاماكن ، فالحد
لخلقه مضروب ، وإلى غيره منسوب ، لم يخلق الاشياء من اصول أزلية ، ولامن أوائل
أبدية ، بل خلق ما خلق فأقام حده ، وصور ما صور فأحسن صورته ، ليس لشئ منه
امتناع ، ولاله بطاعة شئ انتفاع ، علمه بالاموات الماضين كعلمه بالاحياء الباقين ، وعلمه
بما في السموات العلى كعلمه بما في الارضين السفلى .
ايضاح : ساطح المهاد أي باسط الارض التي هي بمنزلة الفراش للخلق ، و
الوهد : المكان المنخفض ، والنجاد : ما ارتفع من الارض أي مجري السيول في الوهاد ،
ومنبت العشب والنبات والاشجار في النجاد . قوله : انقضاء أي في طرف الابد ، ويحتمل
أن يكون المراد بالاولية العلية أي ليست له علة ، وليس لوجوده في الازل انقضاء ،
والاول أوفق بالفقرتين الآتيتين لفا ونشرا ، وشخوص اللحظة : مد البصر بلا حركة
جفن ، وكرور اللفظة : رجوعها ، وقيل : ازدلاف الربوة صعنود إنسان أو حيوان ربوة
من الارض ، وهي الموضع المرتفع ، وقيل : ازدلاف الربوة تقدمها في النظر ، فإن الربوة
أول ما يقع في العين من الارض عند مد البصر من الزلف بمعنى القرب .
قوله عليه السلام : داج اي مظلم ، والغسق محركة : ظلمة أول الليل ، وقوله : ساج
أي ساكن ، كما قال تعالى : " واليل إذاسجى " ( 2 ) أي سكن أهله ، أو ركد ظلامه من
سجى البحر سجوا إذا سكنت أمواجه . قوله عليه السلام : يتفيأ هذا من صفات الغسق ومن
تتمة نعته ، ومعنى يتفيأ عليه : يتقلب ذاهبا وجائيا في حالتي أخذه في الضوء إلى التبدر ،
وأخذه في النقص إلى المحاق ، والضمير في عليه للغسق .
وقوله : وتعقبه أي تتعقبه فخذف إحدى التائين ، والضمير فيه للقمر . وقوله :
* ( هامش ) * ( 1 ) الافول : المغيب ، والكرور : الرجوع بالشروق .
( 2 ) الضحى : 3 . ( * )
[308]
من إقبال ليل متعلق بتقليب ، والمعنى أن الشمس تعاقب القمر فتطلع عند افوله ، ويطلع
عند افولها . قول عليه السلام : قبل كل غاية أي هو سبحانه قبل كل غاية ، قوله : عما ينحله
أي ينسبه إليه .
قوله عليه السلام : وتأثل المساكن يقال : مجد مؤثل أي أصيل ، وبيت مؤثل أي
معمور ، وأثل : ملكه : عظمه ، وتأثل : عظم . وتمكن الاماكن : ثبوتها واستقرارها .
أقول : يحتمل أن يكون المعنى التأثل في المساكن والتمكن في الاماكن . قوله عليه السلام :
ولا من أوائل أبدية . أقول : على هذه النسخة الاصول الازلية هي الاوائل الابدية ،
إذا ما ثبت قدمه امتنع عدمه . قوله عليه السلام : فأقام حده أي أتقن حدود الاشياء على وفق
الحكمة الالهية من المقادر والاشكال والنهايات والآجال .
36 - نهج : من خطبة له عليه السلام : الحمد لله الذي بطن خفيات الامور ، ودلت
عليه أعلام الظهور ، ( 1 ) وامتنع على عين البصير ، فلا عين من لم يره تنكره ، ولا قلب من
أثبته يبصره ، سبق في العلو فلا شئ أعلامنه ، وقرب في الدنو فلا شئ أقرب منه ، فلا
استعلاؤه باعده عن شئ من خلقه ، ولا قربه ساواهم في المكان به ، لم يطلع العقول على
تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار
قلب ذي الجحود ، تعالى الله عما يقول المشبهون به والجاحدون له علوا كبيرا .
بيان : بطن خفيات الامور أي علم بواطنها ، وقيل : أي دخل بواطن الامور
الخفية أي هو ؟ أي عند العقول منها . قول عليه السلام : فلا عين من لم يره أي لا تنكر وجوده
عين من لم يره لشهادة فطرته على ظهوروجوده ، أو أنه لا سبيل من جهة عدم إبصاره
إلى إنكاره ، إذ كان حظ العين إدراك ما صح إدراكه بها لامطلقا .
قوله عليه السلام : يبصره أي يحيط بكنهه . قوله عليه السلام على إقرار أي تشهد أعلام وجوده
لغاية ظهورها ووضوحها على أن الجاحد إنما يجحد بلسانه لا بقلبه كما مر مرارا .
37 - نهج : من خطبة له عليه السلام : الحمد لله الذي لم تسبق له حال حالا فيكون
* ( هامش ) * ( 1 ) الاعلام جمع علم بالتحريك وهو ما يهتدى به وكل ما يدل على شئ ، وأعلام الظهور : الادلة
الظاهرة التى بها تهتدى اليه . ( * )
[309]
أو لاقبل أن يكون آخرا ، ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا ، كل مسمى بالوحدة
غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ،
وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز ، وكل سميع غيره يصم عن لطيف
الاصوات ويصمه كبيرها ، ويذهب عنه ما بعد منها ، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الالوان
ولطيف الاجسام ، وكل ظاهر غيره غير باطن ، وكل باطن غيره غير ظاهر ، لم يخلق ما خلقه
لتشديد سلطان ، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ند مثاور ، ولا شريك
مكاثر ، ولاضد منافر ، ولكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون ، لم يحلل في الاشياء
فيقال : هو فيها كائن ، ولم ينأعنها فيقال : هو منها بائن ، لم يؤده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير
ماذرأ ، ولا وقف به عجز عما خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدر ، بل قضاء
متقن ، وعلم محكم ، وأمر مبرم ، المأمول مع النقم ، المرهوب مع النعم .
بيان : قوله عليه السلام : لم تسبق له حال حالا إما مبني على مامر من عدم كونه
تعالى زمانيا ، فإن السبق والتقدم والتأخر إنما تلحق الزمانيات المتغيرات ، وهو
تعالى خارج عن الزمان : أو المعنى أنه ليس فيه تبدل حال وتغير صفة بل كل ما
يستحقه من الصفات الذاتية الكمالية يستحقها أزلا وأبدا فلا يمكن أن يقال : كان
استحقاقه للاولية قبل استحقاقه للآخرية ، أو كان ظاهرا ثم صار باطنا بل ، كان أزلا
متصفا بجميع ما يستحقه من الكمالات ، وليس محلا للحوادث والتغيرات ، أو أنه
لايتوقف اتصافه بصفة على اتصافه باخرى بل كلها ثابتة لذاته بذاته من غير ترتيب بينها
ولعل الاوسط أظهر .
قوله عليه السلام : كل مسمى بالوحدة غيره قليل قيل : المعنى أنه تعالى لا يوصف
يالقلة وإن كان واحدا إذ المشهور من معنى الواحد كون الشئ مبدءا لكثرة يكون عادا
لها ومكيالا ، وهو الذي تلحقه القلة والكثرة الاضافيتان ، فإن كل واحد بهذا المعنى
هو قليل بالنسبة إلى الكثرة التي تصلح أن تكون مبدءا لها ، ولما كان تعالى منزها
عن الوصف بالقلة والكثرة لما يستلزمانه من الحاجة والنقصان اللازمين لطبيعة الامكان
أثبت القلة لكل ما سواه فاستلزم إثباتها لغيره في معرض المدح له نفيها عنه ، وقيل :
[310]
إن المراد بالقليل الحقير لان أهل العرف يحقرون القليل ويستعظمون الكثير .
اقول : الاظهر أن المراد أن الوحدة الحقيقية مخصوصة به تعالى ، وإنما يطلق
على غيره بمعنى مجازي مؤول بقلة معاني الكثرة فإن للكثرة معاني مختلفة : الكثرة
بحسب الاجناس أو الانواع أو الاصناف أو الافراد والاشخاص أو الاعضاء أو الاجزاء
الخارجية أو العقلية أو الصفات العارضة ، فيقال للجنس : جنس واحد مع اشتماله
على جميع أنواع التكثرات لكون كثرته أقل مما اشتمل على التكثر الجنسي أيضا
وهكذا ، فظهر أن معنى الواحد في غيره تعالى يرجع إلى القليل ، ولذا قال عليه السلام : كل
مسمى بالوحدة إشارة إلى أن غيره تعالى ليس بواحد حقيقة ، هذا ما خطر بالبال والله
يعلم . وقدمر تفسير سائر الفقرات ونظائرها مرارا .
38 - نهج : من خطبة له عليه السلام : المعروف من غيررؤية ، ( 1 ) والخالق من غير
رؤية ، الذي لم يزل قائما دائما ، إذ لاسماء ذات أبراج ، ولاحجب ذات ارتاج ، ولادليل
داج ، ولابحر ساج ، ولا جبل ذو فجاج ، ولافج ذواعوجاج ، ولاأرض ذات مهاد ، ولاخلق
ذواعتماد ، ذلك مبتدع الخلق ووارثه ، وإله الخلق ورازقه ، والشمس والقمر دائبان في
مرضاته ، يبليان كل جديد ، ويقربان كل بعيد ، قسم أرزاقهم وأحصى آثارهم وأعمالهم ،
وعدد أنفاسهم وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضمير ، ومستقرهم ومستودعهم
من الارحام والظهور ، إلى أن تتناهي بهم الغايات ، هو الذي اشتدت نقمته على أعدائه
في سعة رحمته ، واتسعت رحمته لاوليائه في شدة نقمته ، قاهر من عازه ، ( 2 ) ومدمر من
شاقه ، ومذل من ناواه ، وغالب من عاداه ، من توكل عليه كفاه ، ومن سأله أعطاه ،
ومن أقرضه قضاه ، ومن شكره جزاه . عباد الله زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا ،
وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا ، وتنفسوا قبل ضيق الخناق ، وانقادوا قبل عنف السياق ،
واعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من
غيرها زاجر ولاواعظ .
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخ من النهج : الحمد لله المعروف من غير رؤية .
( 2 ) عازه : عارضه في العزة . ( * )
[311]
بيان : الروية : التفكر ، والقائم في صفاته تعالى بمعنى الدائم الثابت الذي
لا يزول ، أو العالم بالخلق الضابط لاحوالهم أينما كانوا ، أو قيامه توكيله الحفظة عليهم ،
أو حفظه للخلق وتدبيره لامورهم ، أو مجازاته بالاعمال ، أو قهره لعباده واقتداره عليهم .
والابراج قيل : هو جمع البرج بالضم بمعنى الركن ، وأركانها أجزاؤها وتداويرها
وخوارجها ومتمماتها ، أو البرج بالمعنى المصطلح أي البروج الاثنى عشر ، والاظهر
عندي أنه جمع البرج بالتحريك أي الكواكب ، قال الفيروز آبادي : البرج الجميل : الحسن
الوجه ، أو المضئ البين المعلوم ، والجمع أبراج .
قوله عليه السلام : ذات ارتاج إما بالكسر مصدرأرتج أي أغلق ، أو بالفتح جمع الرتاج
وهو الباب المغلق ، ( 1 ) وفيه : أنه قلما يجمع فعال على أفعال . وروي ذات رتاج على
المفرد ، والداجي : المظلم . والساجي : الساكن ، والفجاج بالكسر جمع فج بالفتح وهو
الطريق الواسع بين الجبلين . والمهاد : الفراش أي أرض مبسوطة ممكنة للتعيش عليها
كالمهاد .
قوله عليه السلام : ذواعتماد أي ذوقوة وبطش ، أو يسعى برجلين فيعتمد عليهما .
ودأب في عمله أي جد وتعب ، والشمس والقمر دائبان لتعاقبهما على حالة واحدة لا يفتران
ولايسكنان ، وروي دائبين بالنصب على الحال ، ويكون خبر المبتداء يبليان
قوله عليه السلام : وأحصى آثارهم أي آثار أقدامهم ووطئهم في الارض ، أو حركاتهم
وتصرفاتهم ، أو مايبقي بعدهم من سنة حسنة أو سيئة ، كما فسر به قوله تعالى : " ونكتب
ما قدموا وآثارهم " ( 2 ) وروي عدد أنفاسها على الاضافة . وخائنة الاعين : ما يسارق
من النظر إلى ما لايحل ، أو أن ينظر نظرة بريبة .
قوله عليه السلام : من الارحام متعلقة بمستقرهم ومستودعهم بيانا لهما على اللف
والنشر ، ولما كان تحقق الغرض وكمال الذات وحلول الروح في الرحم عبر عنه بالمستقر
وعن الظهر بالمستودع ، ويكون الظرف أعني قوله : إلى أن تتناهى متعلقا بالافعال
* ( هامش ) * ( 1 ) والباب العظيم .
( 2 ) يس : 12 . ( * )
[312]
السابقة أي قسم وأحصى وعدد ، وتكون تناهي الغاية بهم كناية عن موتهم ، ويحتمل
أن يكون المراد : مستقرهم ومأواهم على ظهر الارض ومستودعهم في بطنها بعد الموت
ويكون " من " بمعنى " مذ " أي مذ زمان كونهم في الارحام والظهور إلى أن تناهي الغاية أي
إلى أن يحشروا في القيامة وصاروا إلى النعيم أو إلى الجحيم ، ويحتمل أن يكون المراد
بالمستقر والمستودع من استقر فيه الايمان ومن استودع الايمان ثم يسلب كما دلت
عليه الاخبار الكثيرة ، وتوجيه الظرفين بعد مامر غير خفي .
قوله عليه السلام : في سعة رحمته أي في حال سعة رحمته على أوليائه ، واتسعت رحمته
لاوليائه في حال شدة نقمته على أعدائه ، فالمراد تنزيهه تعالى عن صفة المخلوقين فإن
رحمتهم لاتكون في حال غضبهم وبالعكس ، أو اشتدت نقمته على أعدائه في حال سعة رحمته
عليهم فإن رحمته تعالى شاملة لهم في دنياهم ، وهم فيها يستعدون للنقمة الشديدة ، و
لايخفى بعده . والمعازة : المغالبة والمدمر : المهلك . والمشاقة : المعاداة والمنازعة .
قوله عليه السلام : وتنفسوا قبل ضيق الخناق استعار لفظ التنفس لتحصيل الراحة
والبهجة في الجنة بالاعمال الصالحة في الدنيا ، واستعار لفظ الخناق من الحبل المخصوص
للموت أي انتهزوا لفرصة للعمل قبل تعذره بزوال وقته . قوله عليه السلام : قبل عنف السياق
أي السوق العنيف عند قبض الروح ، أو في القيامة إلى الحساب .
قوله عليه السلام : من لم يعن على بناء المجهول أي لم يعنه الله على نفسه حتى يجعل له
منها واعظا وزاجرا لم يمنعه المنع والزجر من غيرها ، أو على بناء المعلوم كما روي أيضا
أي من لم يعن الواعظين له والمنذرين على نفسه لم ينتفع بالوعظ والزجر لان هوى نفسه
يغلب وعظ كل واعظ .
39 - نهج : ومن خطبة له عليه السلام : لايشغله شأن ، ولايغيره زمان ، ولا يحويه مكان ،
ولا يصفه لسان ، ولا يعزب عنه قطر الماء ، ولا نجوم السماء ولاسوا في الريح في الهواء ، ( 1 )
ولادبيب النمل على الصفا ، ولا مقيل الذر في الليلة الظلماء ، يعلم مساقط الاوراق وخفي
طرف الاحداق .
* ( هامش ) * ( 1 ) السوافى جمع سافية ، يقال سفت الريح التراب والورق أى حملته . ( * )
[313]
بيان : مقيل الذر أي نومها أو محل نومها .
40 - نهج : روي عن نوف البكالي ( 1 ) قال : خطبنا بهذه الخطبه أمير المؤمنين عليه السلام
- وهو قائم علي حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي ( 2 ) وعليه مدرعة من صوف ( 3 )
وحمائل سيفه ليف ، وفي رجليه نعلان من ليف ، وكأن جبينه ثفنة بعير - فقال عليه السلام : الحمد
لله الذي إليه مصائر الخلق وعواقب الامر ، نحمده على عظيم إحسانه ونير برهانه ،
ونوامي ( 4 ) فضله وامتنانه ، حمدا يكون لحقه قضاءا ولشكره أداءا ، وإلى ثوابه مقربا ،
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح النون والمعروف ضمها وسكون الواو بعده فاء ، هكذا في تنقيح المقال ، وهو نوف
ابن فضالة البكالى ، كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وخواصه ، ترجم له ابن حجر في
ص 527 من تقريبه قال : نوف - بفتح النون وسكون الواو - ابن فضالة : بفتح الفاء والمعجمة -
البكالى - بكسر الموحدة وتخفيف الكاف - ابن امرأة كعب ، شامى مستور ، وإنما كذب ابن عباس مارواه
عن أهل الكتاب ، من الثالثة ، مات بعد التسعين .
( 2 ) ابن اخت أمير المؤمنين عليه السلام ، امه ام هانى بنت أبيطالب ، اورد ترجمته الشيخ في
رجاله في أصحاب النبى صلى الله عليه وآله وفى اصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وقال : ويقال : إنه
ولد على عهد النبى صلى الله عليه وآله ، وليست له صحبة نزل الكوفة . انتهى . وأورده ابن عبدالبر
في الاستيعاب وقال : ولاه خاله على بن أبيطالب عليه السلام على خراسان ، قالوا : كان فقيها . وترجم له
أيضا ابن حجر في الاصابة ، وأثبت ولادته على عهد النبي صلى الله عليه وآله ونقل رؤيته النبى صلى الله
عليه وآله وسلم عن الحاكم وقال : قال ابن مندة : مختلف في صحبته . وقال البخارى : له صحبة ،
ذكره الازدى وغيره فيمن لم يرو عنه غير واحد من الصحابة . وقال ابن حبان : لا اعلم بصحبته شيئا


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 313 سطر 19 الى ص 321 سطر 18

صحيحا أعتمد عليه . وقال البغوى : ولد على عهد النبى صلى الله عليه وآله وليست له صحبة ، وقال
ابن السكن نحوه أه . وفى التقريب : صحابى صغير ، له رؤية . وقال العجلى : تابعى ثقة . أقول :
وكان في حرب صفين مع خاله عليه السلام ، وضبط هبيرة بالهاء المضمومة والباء الموحدة المفتوحة
والياء المثناة من تحت والراء المهملة والهاء .
( 3 ) المدرعة بالكسر فالسكون : ثوب يعرف عند بعض العامة بالدراعية : قميص ضيق الاكمام ، قال
في القاموس : ولا يكون الا من صوف ، وفى المنجد : جبة مشقوق المقدم .
( 4 ) نوامى جمع نام بمعنى الزائد . ( * )
[314]
ولحسن مزيده موجبا ، ونستعين به استعانة راج لفضله ، مؤمل لنفعه ، واثق بدفعه ،
معترف له بالطول ، ( 1 ) مذعن له بالعمل والقول ، ونؤمن به إيمان من رجاه موقتا ؟ ، وأناب
إليه مؤمنا ، وخنع له مذعنا وأخلص له موحدا ، وعظمه ممجدا ، ولاذبه راغبا مجتهدا ،
لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا ، ولم يلد فيكون موروثا هالكا ، ولم يتقدمه وقت
ولازمان ، ولم يتعاوره زيادة ولانقصان ، بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن
والقضاء المبرم ، فمن شواهد خلقه خلق السموات موطدات بلاعمد ، قائمات بلاسند ،
دعاهن فأجبن طائعات مذعنات ، غير متلكئات ولامبطئات ، ( 2 ) ولولاإقرار هن له بالربوبية
وإذعانهن بالطواعية لما جعلهن موضعا لعرشه ، ولامسكنا لملائكته ، ولامصعدا للكلم
الطيب والعمل الصالح من خلقه ، جعل نجومها أعلاما يستدل بها الحيران في مختلف فجاج
الاقطار لم يمنع ضوء نورها إدلهمام سجف الليل المظلم ، ولا استطاعت جلابيب ( 3 ) سواد
الحنادس أن ترد ما شاع في السموات من تلالؤ نور القمر ، فسجان من لايخفى عليه سواد غسق
داج ، ولاليل ساج في بقاع الارضين المتطاطئات ، ولافي يفاع السفع المتجاورات ، وما
يتجلجل به الرعد في افق السماء ، وما تلاشت عنه بروق الغمام ، وما تسقط من ورقة
تزيلها عن مسقطها عواصف الانواء وانهطال السماء ، ويعلم مسقط القطرة ومقرها ، و
مسحب الذرة ومجرها ، وما يكفي البعوضة من قوتها ، وما تحمل الانثى في بطنها .
والحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش او سماء أو أرض أو جان أو إنس ، لايدرك
بوهم ، ولايقدر بفهم ، ولا يشغله سائل ، ولا ينقصه نائل ، ولا ينظر بعين ، ولايحد بأين ، و
لا يوصف بالازواج ، ولا يخلق بعلاج ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، الذي
كلم موسى تكليما ، وأراه من آياته عظيما ، بلا جوارح ولاأدوات ، ولانطق ولالهوات
بل إن كنت صادقا أيها المتكلف لوصف ربك فصف جبرئيل وميكائيل وجنود الملائكة
المقربين في حجرات القدس مرجحنين ، متولهة عقولهم أن يحدوا حسن الخالقين ، و
* ( هامش ) * ( 1 ) الطول بفتح الطاء : الفضل .
( 2 ) التلكؤ الاعتلال . وعن الامر : التباطوء والتوقف .
( 3 ) الجلابيب : القميص او الثواب الواسع . وفى المغرب : ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء . ( * )
[315]
إنما يدرك بالصفات ذووا الهيئات والادوات ، ومن ينقضي إذا بلغ أمد حده بالفناء
فلا إله إلاهو ، أضاء بنوره كل ظلام ، وأظلم بظلمته كل نور .
بيان : البكالي بفتح الباء وتخفيف الكاف منسوب إلى بكال قبيلة ، كذا ذكره
الجوهري . وقال الراوندي رحمه الله : منسوب إلى بكالة ، وهو اسم حي من همدان .
وقال ابن أبي الحديد : إنما هو بكال بكسر الباء اسم حي من حمير ( 1 ) والثفنة - بكسر الفاء -
من البعير : الركبة المصائر جمع المصير وهو مصدر صار إلى كذا ومعناه المرجع ، قال تعالى :
" وإلى الله المصير " . ( 2 )
قوله عليه السلام : مذعن له من أذعن له أي خضع وذل ، والخنوع أيضا : الخضوع والذل .
قوله عليه السلام : ولازمان تأكيد للوقت ، وقيل : الوقت جزء الزمان ، ويمكن حمل أحدهما
على الموجود والآخر على الموهوم ، والتعاور : التناوب ، ويقال : أبرم الامر أي أحكمه .
قوله عليه السلام : موطلات أي مثبتات . ( 3 )
قوله عليه السلام : ولولا إقرارهن قيل : إقرارهن له بالربوبية راجع إلى شهادة حالهن
بالامكان والحاجة إلى الرب والانقياد لحكم قدرته ، وظاهر أنه لولا إمكانها وانفعالها
عن قدرته وتدبيره لم يكن فيها عرش ولم يكن أهلا لسكنى الملائكة ، وصعود الكلم
الطيب والاعمال الصالحة ، ولفظ الدعاء والاقرار والاذعان مستعارة . وربما يقال :
إنها محمولة على الحقيقة نظرا إلى أن لها أرواحا ، والادلهمام : شدة ظلمة الليل ،
والسجف : الستر ، والحندس من الليل : الشديد الظلمة ، والمتطاطي : المنخفض ،
واليفاع : ما ارتفع من الارض ، والسفع : الجبال ، وسماها سفعا لان السفعة سواد
مشرب حمرة ، وكذلك لونها في الاكثر ، والتجلجل : صوت الرعد
قوله عليه السلام : وما تلاشت عنه قال ابن أبي الحديد قال : ابن الاعرابي : لشأ
الرجل : إذا اتضع وخس بعد رفعه ، وإذا صح أصلها صح استعمال الناس " تلاشي " بمعنى
اضمحل . وقال القطب الراوندي تلاشي مركب من لاشئ ، ولم يقف على أصل الكلمة
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى القاموس بنى بكال ككتاب : بطن من حمير منهم نوف بن فضالة التابعى .
( 2 ) آل عمران : 28 ، نور : 42 ، فاطر : 18 .
( 3 ) في مداراتها على ثقل أجرامها .
[316]
أي يعلم ما يصوت به الرعد ، ويعلم ما يضمحل عنه البرق . فإن قلت : هو سبحانه عالم
بما يضيئه البرق وبما لايضيئه فلم خص عليه السلام ما يتلاشي عنه البرق ؟ قلت : لان علمه
بما ليس يضئ أعجب وأغرب لان ما يضيئه البرق يمكن أن يعلمه اولوا الابصار الصحيحة
قوله عليه السلام : عواصف الانواء ( 1 ) الانواء جمع نوء وهو سقوط نجم من منازل القمر
الثمانية والعشرين في المغرب مع الفجر ، وطلوع رقيبه من المشرق مقابلا له من ساعته ،
ومدة النوء ثلاثة عشر يوما إلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما ، وإنما سمي نوءا
لانه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق أي نهض وطلع ، وقيل : أراد
بالنوء الغروب وهو من الاضداد . قال أبوعبيدة : ولم يسمع في النوء أنه السقوط إلا في
هذا الموضع . وإنما أضاف العواصف إليها لان العرب تضيف الرياح والامطار والحر
والبرد إلى الساقط منها ، أو لان أكثر ما يكون عصفا فيها ، والانهطال : الانصباب ، و
سحبه كمنعه : جره على وجه الارض ، وأكل وشرب أكلا وشربا شديدا .
قوله عليه السلام : ولا يشغله سائل أي عن سائل آخر ، والنائل : العطاء أي لاينقص
خزائنه عطاء . قوله عليه السلام : لا يوصف بالازواج أي بالامثال أو الاضداد أو بصفات
الازواج ، أو ليس فيه تركب وازدواج أمرين كما مر تحقيقه ، أو بأن له صاحبة .
قوله عليه السلام : تكليما مصدر للتأكيد لازالة توهم السامع التجوز في كلامه
تعالى ، والمراد بالآيات إما الآيات التسع أو الآيات التي ظهرت عند التكليم من سماع الصوت
من الجهات الست وغيره ، ويؤيد الثاني قوله عليه السلام : بلا جوارح إلى قوله : ولا لهوات ،
إذالظاهر تعلقه بالتكليم ، ويحتمل تعلقه بالجميع على اللف والنشر غير المرتب .
قوله عليه السلام مرجحنين ( 2 ) أي مائلين إلى جهة التحت خضوعا لجلال الباري عز
سلطانه ، ويحتمل أن يكون كناية عن عظمة شأنهم ورزانة قدرهم أو عن نزولهم وقتا
بعد وقت بأمره تعالى ، قال الجزري : ارجحن الشئ : إذامال من ثقله وتحرك . قوله
عليه السلام : أمد حده الاضافة بيانية ، وحمل الحد على النهايات والاطراف بعيد جدا .
* ( هامش ) * ( 1 ) العواصف : الرياح الشديدة .
( 2 ) بتقديم الجيم المعجمة على الحاء المهملة كمقشعرين . ( * )
[317]
قوله عليه السلام أضاء بنوره كل ظلام الظلام إما محسوس فإضاءته بأنوار الكواكب
والنيرين ، أو معقول وهو ظلام الجهل فإضاءته بأنوار العلم والشرائع قوله : وأظلم
بظلمته كل نور إذ جميع الانوار المحسوسة أو المعقوله مضمحلة في نور علمه ، وظلام
بالنسبة إلى نور براهينه في جميع مخلوقاته الكاشفة عن وجوده ، وقال ابن أبي الحديد :
تحت قوله عليه السلام معنى دقيق وسر خفي وهو أن كل رذيلة في الخلق البشري غير مخرجة
عن حد الايمان مع معرفته بالادلة البرهانية ، غير مؤثرة نحو أن يكون العارف
بخيلا أو جبانا ، وكل فضيلة مع الجهل به سبحانه ليست بفضيلة في الحقيقة ، لان
الجهل به يكشف تلك الانوار نحو أن يكون الجاهل به جوادا أو شجاعا . ويمكن
أن يكون الظلام والنور كنايتين عن الوجود والعدم ، ويحتمل على بعد أن يكون الضمير
في قوله : بظلمته راجعا إلى كل نور لتقدمه رتبة فيرجع حاصل الفقرتين حينئذ إلى
أن النور هو ما ينسب إليه تعالى فبتلك الجهة نور ، وأما الجهات الراجعة إلى الممكنات
فكلها ظلمة .
41 - نهج : في وصيته للحسن المجتبى صلوات الله عليهما : واعلم يا بني أنه لو
كان لربك شريك لاتتك رسله ، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، ولعرفت أفعاله وصفاته ،
ولكنه إله واحد كما وصف نفسه ، لا يضاده في ملكه أحد ، ولا يزول أبدا ، ولم يزل
أو لاقبل الاشياء بلا أولية ، وآخرا بعد الاشياء بلا نهاية ، ( 1 ) عظم عن أن تثبت ربوبيته
بإحاطة قلب أو بصر .
42 - نهج : من خطبة له عليه السلام الحمد لله الذي انحسرت الاوصاف عن كنه
معرفته ، وردعت عظمته العقول فلم تجد مساغا إلى بلوغ غاية ملكوته ، هو الله الحق
المبين ، أحق وأبين مماتراه العيون ، لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبها ، ولم تقع
عليه الاوهام بتقدير فيكون ممثلا ، خلق الخلق على غير تمثيل ولا مشورة مشير ، ولا
معونة معين ، فتم خلقه بأمره ، وأذعن لطاعته فأجاب ولم يدافع ، وانقاد ولم ينازع .
43 - نهج : من خطبة له عليه السلام : كل شئ خاشع له ، وكل شئ قائم به ، غنى
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : أول قبل الاشياء بلا أولية ، وآخر بعد الاشياء بلا نهاية . ( * )
[318]
كل فقير ، وعز كل ذليل ، وقوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف ، ( 1 ) من تكلم سمع
نطقه ، ومن سكت علم سره ، ومن عاش فعليه رزقه ، ومن مات فاليه منقلبه ، لم ترك
العيون فتخبر عنك بل كنت قبل الواصفين من خلقك ، لم تخلق الخلق لوحشة ، ولا
استعملتهم لمنفعة ، ولايسبقك من طلبت ، ولايفلتك من أخذت ، ( 2 ) ولا ينقص سلطانك
من عصاك ، ولايزيد في ملكك من أطاعك ، ولا يرد أمرك من سخط قضاءك ، ولايستغني
عنك من تولى عن أمرك ، كل سر عندك علانية ، وكل غيب عندك شهادة ، أنت الابد
لاأمد لك ، وأنت المنتهى لامحيص عنك ، ( 3 ) وأنت الموعد لا منجأمنك إلا إليك ، بيدك
ناصية كل دابة ، وإليك مصير كل نسمة ، سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك ، وما أصغر
عظمه في جنب قدرتك ، وما أهول ما نرى من ملكوتك ، وما أحقر ذلك فيما غاب عنا
من سلطانك ، وما أسبغ نعمتك في الدنيا ، وما أصغرها في نعم الآخرة .
بيان : قوله : فاليه منقلبه أي انقلابه . قوله عليه السلام : بل كنت قبل الواصفين قيل :
أي لما كان سبحانه قبل الموجودات قديما أزليا لم يكن جسما ولا جسمانيا فاستحال
رؤيته ، وقال بعض الافاضل : يحتمل أن يكون المراد أن العلم بوجودك ليس من جهة
أخبار العيون ، بل من جهة أنك قبل الاشياء ومبدأ الممكنات . أقول : يمكن أن يكون
المعني أنه لو كان العلم بوجودك من جهة الرؤية لما علم تقدمك على الواصفين ، إذالرؤية
إنما تفيد العلم بوجود المرئي حين الرؤية ، فلاتفيد للرائين الواصفين العلم بكونه موجودا
قبلهم .
قوله عليه السلام : ولايسبقك أي لايفوتك هربا . قوله عليه السلام : ولا يفلتك أي لايفلت منك
فإن أفلت لازم . قوله عليه السلام : أمرك أي قدرك الذي قدرت قوله عليه السلام : عن أمرك
أي الامر التكليفي . قوله عليه السلام : وأنت المنتهي أي في العلية ، أو ينتهي إليك أخبارهم
وأعمالهم ، أو ينتهون إليك بعد الحشر . وقال الجزري : كل دابة فيها روح فهي نسمة ،
وقد يراد بها الانسان .
* ( هامش ) * ( 1 ) الملهوف : الحزين ذهب له مال أو فجع بحميم . المظلوم يعادي ويستغيث .
( 2 ) أى لايتخلص منك من أخذته .
( 3 ) أى لامهرب منك . ( * )
[319]
44 - ما : أحمد بن محمد بن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن عيسى بن هارون الضرير ،
عن محمد بن زكريا المكي ، ( 1 ) عن كثير بن طارق ، ( 2 ) عن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام ،
عن أبيه عليه السلام قال : خطب علي بن أبي طالب عليه السلام بهذه الخطبة في يوم الجمعة
فقال : الحمد لله المتوحد بالقدم والاولية ، الذي ليس له غاية في دوامه ولاله أولية ،
أنشأ صنوف البرية لامن اصول كانت بدية ، وارتفع عن مشاركة الانداد ، وتعالى عن
اتخاذ صاحبة وأولاد ، هو الباقي بغير مدة ، والمنشئ لابأعوان ولا بآلة ، فطن ولا
بجوارح صرف ما خلق ، لايحتاج إلى محاولة التفكير ، ولا مزاولة مثال ولا تقدير ، أحدثهم
على صنوف من التخطيط والتصوير ، لابروية ولاضمير ، سبق علمه في كل الامور ، و
نفذت مشيته في كل ما يريد من الازمنة والدهور ، انفرد بصنعه الاشياء فأتقنها بلطائف
التدبير ، سبحانه من لطيف خبير ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير .
45 - نهج : من خطبة له عليه السلام : وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، الاول
لاشئ قبله والآخر لاغاية له ، لاتقع الاوهام له على صفة ولاتعقد القلوب منه على كيفية
ولاتناله التجزئة والتبعيض ولاتحيط به الابصار والقلوب .
وقال عليه السلام : قد علم السرائر وخبر الضمائر ، له الاحاطة بكل شئ ، والغلبة
لكل شئ ، والقوة على كل شئ .
وقال عليه السلام : الحمد لله العلي عن شبه المخلوقين ، الغالب لمقال الواصفين ، الظاهر
بعجائب تدبيره للناظرين ، والباطن بجلال عزته عن فكر المتوهمين ، العالم بلا اكتساب
ولاازدياد ولاعلم مستفاد ، المقدر لجميع الامور بلا روية ولا ضمير ، الذي لاتغشاه
الظلم ، ولا يستضئ بالانوار ، ولا يرهقه ليل ، ( 3 ) ولا يجري عليه نهار ، ليس إدراكه
بالابصار ، ولاعلمه بالاخبار
* ( هامش ) * ( 1 ) ولعل الصحيح ( المالكى ) كما يأتى عن النجاشى
( 2 ) ترجم له النجاشى في ص 224 من رجاله قال كثير بن طارق أبوطارق القنبرى من ولد
قنبر مولى على بن أبى طالب عليه السلام ، روى عن زيد وغيره ، له كتاب ، أخبرنا محمد بن جعفر المؤدب
قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال : حدثنا أبوبكر محمد بن عيسى بن هارون بن سلام الضرير ،
قال : حدثنا محمد بن زكريا المالكى قال : حدثنى كثير بن طارق أبوطارق بكتابه .
( 3 ) أى لا يلحقه ولا يغشاه ليل . ( * )
[320]
} باب 5 {
} ابطال التناسخ ( 1 ) {
1 - ن : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الانصاري ، عن الحسن بن
الجهم قال : قال المأمون للرضا عليه السلام : يا أبا الحسن ما تقول في القائلين بالتناسخ ؟ فقال
الرضا عليه السلام : من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم ، يكذب بالجنة والنار .
2 - ن : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد
قال : قال أبوالحسن عليه السلام ( 2 ) : من قال : بالتناسخ فهو كافر .
3 - ج : عن هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق أبا عبدالله عليه السلام فقال : أخبرني
عمن قال : بتناسخ الارواح من أي شئ قالوا ذلك ؟ وبأي حجة قاموا على مذاهبم ؟
قال : إن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدين ، وزينوا لانفسهم الضلالات
وأمرجوا ( 3 ) أنفسهم في الشهوات ، وزعموا أن السماء خاوية ، ( 4 ) ما فيها شئ مما يوصف
وأن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين ، بحجة من روي : أن الله عزوجل خلق
آدم على صورته ، وأنه لاجنة ولانار ، ولابعث ولانشور ، والقيامة عندهم خروج الروح
من قالبه وولوجه في قالب آخر ، إن كان محسنا في القالب الاول اعيد في قالب أفضل
منه حسنا في أعلا درجة الدنيا . وإن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة
في الدنيا ، أو هوام مشوهة الخلقة ، ( 5 ) وليس عليهم صوم ولاصلاة ولا شئ من العبادة أكثر
من معرفة من تجب عليهم معرفته ، وكل شئ من شهوات الدنيا مباح لهم من فروج النساء
وغير ذلك من نكاح الاخوات والبنات والخالات وذوات البعولة ، وكذلك الميتة والخمر
* ( هامش ) * ( 1 ) التناسخ : انتقال النفس الناطقة من بدن إلى بدن آخر ، والذين يعتقدون ذلك يسمون
( التناسخية ) .
( 2 ) الظاهر أنه الرضا عليه السلام .
( 3 ) من قولهم : أمر جوالدابة أى أرسلوها ترعى في المرج أى الارض الواسعة فيها نبت كثير ،
تمرج فيها الدواب .
( 4 ) خوى البيت : سقط وتهدم . فرغ وخلا . وفى نسخة : خالية .
( 5 ) أي مقبحة الخلقة . ( * )
[321]
والدم فاستقبح مقالتهم كل الفرق ، ولعنهم كل الامم ، فلما سئلوا الحجة زاغوا و
حادوا ، فكذب مقالتهم التوراة ، ولعنهم الفرقان ، وزعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل
من قالب إلى قالب ، وأن الارواح الازلية هي التي كانت في آدم ، ثم هلم جرا
تجري إلى يومنا هذا في واحد بعد آخر فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل
على أن أحدهما خالق صاحبه ؟ وقالوا : إن الملائكة من ولد آدم كل من صار في أعلا
درجة من دينهم خرج من منزلة الامتحان والتصفية فهو ملك ، فطورا تخالهم نصارى
في أشياء ، وطورا دهرية يقولون إن الاشياء على غير الحقيقة فقد كان يجب عليهم أن
لا يأكلوا شيئا من اللحمان لان الدواب عندهم كلها من ؟ ولد آدم حو لوا في صورهم فلا
يجوز أكل لحوم القربات .
بيان : قوله عليه السلام : إن إلههم ينتقل أي الطبيعة ، ولذا قال عليه السلام : فطورا تخالهم
نصارى للقول بحلول إلههم في المخلوق ، وطورا دهرية لان الطبيعة ليست بإله ، فهم
نافون للصانع حيث يقولون : إن الاشياء على غير الحقيقة أي خلقت بالاهمال من غير
أن يكون لها صانع راعى الحكمة في خلقها .
4 - كش : طاهر بن عيسى ، عن جعفر بن محمد ، عن الشجاعي ، عن الحمادي رفعة
إلى أبي عبدالله عليه السلام : سئل عن التناسخ قال : ؟ لمن نسخ الاول ؟ .
بيان : لعله مبني على حدوث العالم واستحالة غير المتناهي ، والحاصل أن قولهم
بالتناسخ إذا كان لعدم القول بالصانع فلا ينفعهم إذ لابد لهم من القول ببدن أول لبطلان
لاتناهي الافراد المترتبة فيلزمهم القول بصانع للروح والبدن الاول فهذا الكلام لدفع


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 321 سطر 19 الى ص 322 سطر 18

ما هو مبنى قولهم بالتناسخ حيث يزعمون أنه ينفعهم القول به لعدم القول بالصانع .
وقال السيد الداماد قدس الله روحه : هذا إشارة إلى برهان إبطال التناسخ على
القوانين الحكمية والاصول البرهانية ، تقريره أن القول بالتناسخ إنما يستطب لو
قيل بأزلية النفس المدبرة للاجساد المختلفة المتعاقبة على التناقل والتناسخ ، وبلا تناهي
تلك الاجساد المتناسخة بالعدد في جهة الازل كما هو المشهور من مذهب الذاهبين
إليه والبراهين الناهضة على استحالة اللانهاية العددية بالفعل مع تحقق الترتب
والاجتماع في الوجود قائمة هناك بالقسط بحسب متن الواقع المعبر عنه بوعاء الزمان
[322]
أعني الدهر وإن لم يتصحح إلا الحصول التعاقبي بحسب ظرف السيلان والتدريج والفوت
واللحوق أعني الزمان ، وقد استبان ذلك في الافق المبين ، والصراط المستقيم ، وتقويم
الايمان ، وقبسات حق اليقين وغيرها من كتبنا وصحفنا فإذن لا محيص لسلسلة الاجساد
المترتبة من مبدء متعين هو الجسد الاول في جهة الازل ، يستحق باستعداده المزاجي
أن تتعلق به نفس مجردة تعلق التدبير والتصرف فيكون ذلك مناط حدوث فيضانها
عن جود المفيض الفياض الحق جل سلطانه ، وإذا انكشف ذلك فقد انصرح أن كل
جسد هيولاني بخصوصية مزاجه الجسماني واستحقاقه الاستعدادي يكون مستحقا
لجوهر مجرد بخصوصه يدبره ويتعلق به ويتصرف فيه ويتسلط عليه فليتثبت .
} باب 6 نادر {
كش : حمدويه ، عن محمد بن عيسى ، عن جعفر بن عيسى ، عن علي بن يونس بن بهمن
قال : قلت للرضا عليه السلام : جعلت فداك إن أصحابنا قد اختلفوا ، فقال : في أي شئ اختلفوا ؟
فتداخلني من ذلك شئ فلم يحضرني إلا ما قلت : جعلت فداك من ذلك ما اختلف فيه زرارة
وهشام بن الحكم ، فقال زرارة : النفي ليس بشئ وليس بمخلوق ، وقال هشام : إن النفي
شئ مخلوق : فقال لي : قل في هذا بقول هشام ولا تقل بقول زرارة .
قد تم المجلد الثاني من كتاب بحار الانوار على يد مؤلفه ختم الله له بالحسنى
في غرة شهر ربيع الثاني من شهور سنة سبع وسبعين بعد الالف من الهجرة المقدسة
النبوية على هاجرها وآله الطاهرين ألف ألف صلاة وتحية .
إلى هنا تم الجزء الرابع من هذه الطبعة المزدانة بتعاليق نفيسة قيمه


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 4 من ص 322 سطر 19 الى ص 322 سطر 24

وفوائد جمة ثمينة ، وبه يتم المجلد الثاني حسب تجزئة المصنف . ويحوي
هذا الجزء 316 حديثا في 17 باب ، ويتلوه الجزء الخامس
وهو كتاب العدل والمعاد ، والله الموفق للخير والرشاد .
رمضان المبارك
1376 ه