بسمه تعالى



............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 1 سطر 1 إلى صفحه 9 سطر 6

[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
( أبواب قصص داود عليه السلام )
( باب 1 )
* ( عمره ووفاته وفضائله وما أعطاه الله ومنحه ) *
* ( وعلل تسميته وكيفية حكمه وقضائه ) *
الايات ، النساء والاسرى " 4 و 17 " وآتينا داود زبورا 163 و 55 .
المائدة " 5 " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون
78 و 79 .
الانعام " 6 " ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف و
موسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين 84 .
الانبياء " 21 " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم و
كنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتيناه حكما وعلما وسخرنا مع داود
الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين * وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم
فهل أنتم شاكرون 78 80 .
النمل " 27 " ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير
من عباده المؤمنين 15 .
سبا " 34 " ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد *
أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير 10 و 11 .
[ 2 ]
1 كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن محمد بن الحسين ، ( 1 ) عن محمد بن
الفضيل ، عن عبدالرحمن بن يزيد ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مات
داود النبي عليه السلام يوم السبت مفجوءا ، فأظلته الطير بأجنحتها ، ومات موسى كليم الله في
التيه فصاح صائح من السماء : مات موسى وأي نفس لاتموت ؟ . ( 2 )
ين : محمد بن الحسين مثله .
2 ل : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن أبي عبدالله الرازي ، عن ابن
أبي عثمان ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الله اختار من الانبياء أربعة للسيف : إبراهيم ، وداود ، وموسى ، وأنا ، الخبر . ( 3 )
3 ن ، ع : سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عمن خلق الله من الانبياء مختونا ،
فقال : خلق الله عزوجل آدم مختونا ، وولد شيث مختونا ، وإدريس ، ونوح ، وسام بن نوح
وإبراهيم ، وداود ، وسليمان ، ولوط ، وإسماعيل ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات
الله عليهم . ( 4 )
4 مع : معنى داود أنه داوى جرحه بود ، وقد قيل : داوى وده بالطاعة حتى
قيل عبد . ( 5 )
أقول : سيأتي الخبر في ذلك في قصة النملة .
5 ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن
سالم ، عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكا في
الارض إلا أربعة بعد نوح : ذو القرنين وإسمه عياش ، وداود ، وسليمان ، ويوسف عليهم السلام
فأما عياش فملك مابين المشرق والمغرب ، وأما داود فملك مابين الشامات إلى بلاد إصطخر
وكذلك ملك سليمان ، وأما يوسف فملك مصر وبراريها لم يجاوزها إلى غيرها . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 2 ) ( 1 ) هكذا في النسخ وهو وهم ، والصحيح كما في المصدر : محمد بن الحصين بالصاد .
( 2 ) فروع الكافي 1 : 31 .
( 3 ) الخصال 1 : 107 .
( 4 ) عيون الاخبار : 134 علل الشرائع : 198 .
( 5 ) معاني الاخبار : 19 .
( 6 ) الخصال 1 : 118 .
[ 3 ]
6 فس : " ولقد آتينا داود " إلى قوله : " المؤمنين " قال : إن الله عزوجل أعطى
داود وسليمان مالم يعط أحدا من أنبياء الله من الآيات : علمهما منطق الطير ، وألان لهما
الحديد والصفر من غير نار ، وجعلت الجبال يسبحن ( 1 ) مع داود ، وأنزل عليه الزبور ،
فيه توحيد وتمجيد ودعاء وأخبار رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما والائمة عليهم السلام ( 2 )
وأخبار الرجعة وذكر القائم عليه السلام لقوله : " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض
يرثها عبادي الصالحون " . ( 3 )
7 فس : " ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه " أي سبحي لله
" والطير وألنا له الحديد " قال : كان داود إذا مر في البراري يقرأ الزبور تسبح الجبال
والطير معه والوحوش ، وألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب .
وقال الصادق عليه السلام : اطلبوا الحوائج يوم الثلثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه
الحديد لداود عليه السلام . وقوله : " أن اعمل سابغات " قال : الدروع " وقدر في السرد " قال :
المسامير التي في الحلقة " واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير " . ( 4 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : " ياجبال أوبي معه " أي قلنا للجبال : ياجبال
سبحي معه ، عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد ، قالوا : أمر الله الجبال أن تسبح معه
إذا سبح فسبحت معه ، وتأويله عند أهل اللغة : رجعي معه التسبيح ، من آب يؤوب ، و
يجوز أن يكون سبحانه فعل في الجبال ما يأتي به منها التسبيح معجزا له ، وأما الطير
فيجوز أن يسبح ويحصل له من التميز مايتأتى منه ذلك بأن يزيد الله في فطنته فيفهم
ذلك . انتهى . ( 5 )
أقول : يمكن أن يكون تسبيح الجبال كناية عن تسبيح الملائكة الساكنين بها ،
أو بأن خلق الله الصوت فيها ، أو على القول بأن للجمادات شعورا فلا حاجة إلى كثير تكلف
. . ( هامش صفحة 3 ) ( 1 ) في نسخة : وجعلت الجبال تسبح مع داود .
( 2 ) في المصدر : والائمة من ذريتهما
( 3 ) تفسير القمي : 476 .
( 4 ) " " : 536 .
( 5 ) مجمع البيان 8 : 381 .
[ 4 ]
وأما الطيور فلا دليل على عدم تمييزها وقابليتها للتسبيح ، مع أن كثيرا من الاخبار دلت
على أن لها تسبيحا ، وما سيأتي من قصة النمل يؤيده .
ثم قال رحمه الله : وقيل : معناه سيري معه ، فكانت الجبال والطير تسير معه أينما
سار . والتأويب : السير بالنهار ، وقيل : معناه : ارجعي إلى مراد داود فيما يريده من حفر
بئر ، واستنباط عين ، واستخراج معدن ( 1 ) " أن اعمل سابغات " أي قلنا له : اعمل من
الحديد دروعا تامات " وقدر في السرد " أي عدل في نسج الدروع ، ومنه قيل لصانعها
سراد وزراد ، والمعنى : لا تجعل المسامير دقاقا فتنفلق ، ولا غلاظا فتكسر الحلق ، ( 2 )
وقيل : السرد : المسامير التي في حلق الدروع . ( 3 )
9 فس : " وعلمناه صنعة لبوس لكم " أي الزرد ( 4 ) " لتحصنكم من بأسكم فهل
أنتم شاكرون " ( 5 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " وسخرنا مع داود الجبال يسبحن
والطير " : قيل : معناه سيرنا الجبال مع داود حيث سار ، فعبر عن ذلك بالتسبيح لما فيه
من الآية العظيمة التي تدعو إلى تسبيح الله تعالى وتعظيمه وتنزيهه عن كل ما لايليق به ،
وكذلك تسخير الطير له تسبيح يدل على أن مسخرها قادر لايجوز عليه مايجوز على العباد ، عن
الجبائي وعلي بن عيسى ، وقيل : إن الجبال كانت تجاوبه بالتسبيح ، وكذلك الطير تسبح
معه بالغداة والعشي معجزة له ، عن وهب ، وفي قوله : " وعلمناه صنعة لبوس لكم " أي
علمناه كيف يصنع الدرع ، قال قتادة : أول من صنع الدرع داود ، إنما كانت صفائح ، جعل
الله سبحانه الحديد في يده كالعجين ، فهو أول من سردها وحلقها فجمعت الخفة والتحصين
وهو قوله : " لتحصنكم من بأسكم " أي ليحرزكم ويمنعكم من وقع السلاح فيكم ،
. . ( هامش صفحة 4 ) ( 1 ) في المصدر زيادة وهي : ووضع طريق " وألنا له الحديد " فصار في يده كالشمع يعمل به ما
شاء من غير أن يدخله النار ولا أن يضربه بالمطرقة ، عن قتادة .
( 2 ) انفلق : انشق ، وفي المصدر فتفلق أي فتشق . وفي نسخة : فتنكسر الحلق .
( 3 ) مجمع البيان 8 : 381 و 382 .
( 4 ) في المصدر : يعني الدرع .
( 5 ) تفسير القمي : 431 .
[ 5 ]
عن السدي ، وقيل : معناه من حربكم ، أي في حالة الحرب والقتال ، وقيل : إن سبب
إلانة الحديد لداود عليه السلام أنه كان نبيا ملكا وكان يطوف في ولايته متنكرا يتعرف
أحوال عما له ومتصرفيه ، فاستقبله جبرئيل ذات يوم على صورة آدمي وسلم عليه ، فرد
السلام وقال : ماسيرة داود ؟ فقال : نعمت السيرة لولا خصلة فيه ، قال : وما هي ؟ قال :
أنه يأكل من بيت مال المسلمين ، فشكره وأثنى عليه وقال : لقد أقسم داود إنه لا يأكل
من بيت مال المسلمين ، فعلم الله سبحانه صدقه فألان له الحديد كما قال : " وألنا له
الحديد " . ( 1 )
10 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي
عن الرضا عليه السلام في قوله تعالى لداود : " وألنا له الحديد " قال : هي الدرع ، والسرد :
تقدير الحلقة بعد الحلقة . ( 2 )
بيان : كأنه تفسير لتقدير السرد .
11 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن
حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " واذكر
عبدنا داود ذا الايد " قال : ذا القوة . ( 3 )
12 فس : " إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق " يعني إذا طلعت
الشمس . ( 4 )
13 ص : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن محمد البرقي ، عن إسماعيل بن
إبراهيم ، عن أبي بكر ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن داود عليه السلام كان يدعو
أن يلهمه الله القضاء بين الناس بما هو عنده تعالى الحق ، فأوحى إليه : يا داود إن الناس
. . ( هامش صفحة 5 ) ( 1 ) مجمع البيان 7 : 58
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط . وقد أورد المصنف هذه الاية وما بعدها في الباب الاتي في ضمن
الايات ، والمناسبة تقتضي ايرادها في هذا الباب .
( 4 ) تفسير القمي : 562 .
[ 6 ]
لا يحتملون ذلك ، وإني سأفعل ، وارتفع إليه رجلان فاستعداه ( 1 ) أحدهما على الآخر
فأمر المستعدى عليه أن يقوم إلى المستعدي فيضرب عنقه ففعل ، فاستعظمت بنو إسرائيل
ذلك وقالت : رجل جاء يتظلم من رجل فأمر الظالم أن يضرب عنقه ! فقال : رب أنقذني
من هذه الورطة ، ( 2 ) قال : فأوحى الله تعالى إليه : يا داود سألتني أن ألهمك القضاء بين
عبادي بما هو عندي الحق ، وإن هذا المستعدي قتل أبا هذا المستعدى عليه ، فأمرت
فضربت ( 3 ) عنقه قودا بأبيه وهو مدفون في حائط كذا وكذا تحت شجرة كذا ، فأته فناده
باسمه فإنه سيجيبك فسله ، قال : فخرج داود عليه السلام وقد فرح فرحا شديدا لم يفرح مثله
فقال لبني إسرائيل : قد فرج الله ، فمشى ومشوا معه فانتهى إلى الشجرة فنادى : يافلان ،
فقال : لبيك يانبي الله ، قال : من قتلك ؟ قال : فلان ، فقالت بنو إسرائيل : لسمعناه
يقول : يانبي الله ، فنحن نقول كما قال ، فأوحى الله تعالى إليه : ياداود إن العباد لا يطيقون
الحكم بما هو عندي الحكم ، فسل المدعي البينة ، وأضف المدعى عليه إلى اسمي . ( 4 )
13 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى
عن ابن محبوب ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه
قضية من قضايا الآخرة ، فأوحى الله إليه : يا داود إن الذي سألتني لم أطلع عليه ( 5 )
أحدا من خلقي ولا ينبغي لاحد أن يقضي به غيري ، قال : فلم يمنعه ذلك أن عاد فسأل
الله أن يريه قضية من قضايا الآخرة ، قال : فأتاه جبرائيل فقال : لقد سألت ربك شيئا ما
سأله قبلك نبي من أنبيائه صلوات الله عليهم ، يا داود إن الذي سألت لم يطلع الله عليه
أحدا من خلقه ، ولا ينبغي لاحد أن يقضي به غيره ، فقد أجاب الله تعالى دعوتك وأعطاك
ما سألت ، إن أول خصمين يردان عليك غدا القضية فيهما من قضايا الآخرة ، فلما أصبح
. . ( هامش صفحة 6 ) ( 1 ) اي استعان به واستنصره .
( 2 ) الورطة : كل امر تعسر النجاة منه .
( 3 ) هكذا في النسخ ، ولعله مصحف ( فضرب ) وان كان العنق قد يؤنث ، ويمكن ان يقرأ
بالخطاب . والقود : القصاص وقتل القاتل بدل القتيل .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط . اضاف الشئ إلى الشئ : اماله واسنده وضمه .
( 5 ) أطلعه عليه : أظهره له .
[ 7 ]
داود وجلس في مجلس القضاء أتى شيخ ( 1 ) متعلق بشاب ومع الشاب عنقود من عنب ، فقال
الشيخ : يانبي الله إن هذا الشاب دخل بستاني ، وخرب كرمي ، وأكل منه بغير
إذني ، ( 2 ) قال : فقال داود للشاب : ماتقول ؟ فأقر الشاب بأنه قد فعل ذلك ، فأوحى الله
تعالى إليه : يا داود إن كشفت لك من قضايا الآخرة فقضيت بها بين الشيخ والغلام لم
يحتملها قلبك ، ولا يرضى بها قومك ، ( 3 ) ياداود إن هذا الشيخ اقتحم على والد هذا الشاب
في بستانه فقتله ، وغصبه بستانه ، ( 4 ) وأخذ منه أربعين ألف درهم ، فدفنها في جانب بستانه
فادفع إلى الشاب سيفا ومره أن يضرب عنق الشيخ ، وادفع إليه البستان ومره أن يحفر
في موضع كذا من البستان ويأخذ ماله ، قال : ففزع داود عليه السلام من ذلك ، وجمع علماء
أصحابه وأخبرهم الخبر ، وأمضى القضية على ما أوحى الله إليه . ( 5 )
كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن
محبوب مثله . ( 6 )
15 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة ، عن فضالة ، عن داود
ابن فرقد ، عن إسماعيل بن جعفر قال : اختصم رجلان إلى داود النبي في بقرة ، فجاء هذا
ببينة ، ( 7 ) وجاء هذا ببينه على أنها له فدخل داود المحراب فقال : يارب قد أعياني أن أحكم
بين هذين ، فكن أنت الذي تحكم ، ( 8 ) فأوحى الله تعالى : اخرج فخذ البقرة من الذي هي
في يده وادفعها إلى آخر واضرب عنقه ، قال : فضجت بنو إسرائيل ( 9 ) وقالوا : جاء هذا
ببينة وجاء هذا ببينة مثل بينة هذا وكان أحقهم بإعطائها الذي هي في يده ، فأخذها منه
. . ( هامش صفحة 7 ) ( 1 ) في الكافي : قال فلما أصبح داود جلس في مجلس القضاء أتاه شيخ .
( 2 ) في الكافي هنا زيادة وهي : وهذا العنقود أخذه بغير اذني .
( 3 ) في الكافي : إني ان كشفت لك عن قضايا الاخرة فقضيت بها بين الشيخ والغلام لم يحتملها
قلبك ولم يرض بها قومك .
( 4 ) في الكافي : وغصب بستانه .
( 5 ) القصص مخطوط . أمضى القضية : أجازها .
( 6 ) فروع الكافي 2 : 361 و 362 .
( 7 ) في الكافي : فجاء هذا ببينة على أنها له .
( 8 ) في المصدر : فكن انت الذي يحكم .
( 9 ) في المصدر : فضجت بنو اسرائيل من ذلك .
[ 8 ]
وضرب عنقه وأعطاها للآخر فدخل داود المحراب فقال : يارب قد ضجت بنو إسرائيل بما
حكمت ( 1 ) فأوحى الله تعالى إليه : إن الذي كانت البقرة في يده لقي أبا الآخر فقتله و
أخذ البقرة منه ، فإذا جاءك مثل هذا فاحكم بينهم بما ترى ، ( 2 ) ولا تسألني أن أحكم
بينهم حتى الحساب . ( 3 )
كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة مثله . ( 4 )
16 ص بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن علي
ابن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان على عهد داود عليه السلام
سلسلة يتحاكم الناس إليها ، وإن رجلا أودع رجلا جوهرا فجحده إياه فدعاه إلى سلسلة
فذهب معه إليها ، وقد أدخل الجوهر في قناة ، فلما أراد أن يتناول السلسلة قال له :
أمسك هذه القناة حتى آخذ السلسلة ، فأمسكها ودنا الرجل من السلسلة فتناولها وأخذها
وصارت في يده ، فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : أن احكم بينهم بالبينات وأضفهم إلى
اسمي يحلفون به ، ورفعت السلسلة . ( 5 )
17 ك : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، ومحمد العطار ، عن الاشعري ، عن محمد بن
يوسف التميمي ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عاش
داود مائة سنة ، منها أربعون سنة ملكه . ( 6 )
18 كا : أبوعلي الاشعري ، عن عيسى بن أيوب ، عن علي بن مهزيار ، عمن
ذكره ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما عرض على آدم ولده نظر إلى داود فأعجبه فزاده
خمسين سنة من عمره ، قال : ونزل عليه جبرئيل وميكائيل فكتب عليه ملك الموت صكا
. . ( هامش صفحة 8 ) ( 1 ) في المصدر : قد ضجت بنو اسرائيل مما حكمت .
( 2 ) أي بما ترى من البينة وبالايمان .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 4 ) فروع الكافي 2 : 366 .
( 5 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 6 ) كمال الدين 289 . وفيه : منها اربعون سنة في ملكه .
[ 9 ]
بالخمسين سنة ، ( 1 ) فلما حضرته الوفاة نزل عليه ملك الموت ، فقال آدم : قد بقي من عمري
خمسون سنة ، فقال : فأين الخمسون التي جعلتها لابنك داود ؟ قال : فإما أن يكون
نسيها أو أنكرها ، فنزل عليه جبرئيل وميكائيل وشهدا عليه فقبضه ملك الموت ، فقال
أبوعبدالله عليه السلام : وكان أول صك كتب في الدنيا . ( 2 )
8 شى : عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى
أهبط ظللا من الملائكة على آدم وهو بواد يقال له الروحاء ( 3 ) وهو واد بين الطائف و


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 9 سطر 7 إلى صفحه 17 سطر 7

مكة ، ثم صرخ بذريته وهم ذر ( 4 ) قال فخرجوا كما يخرج النحل من كورها ( 5 )
فاجتمعوا على شفير الوادي ، فقال الله لآدم : انظر ماذا ترى ؟ فقال آدم : ذرا كثيرا ( 6 )
على شفير الوادي ، فقال الله : يا آدم هؤلاء ذريتك ، أخرجتهم من ظهرك لآخذ عليهم الميثاق
لي بالربوبية ، ولمحمد بالنبوة ، كما أخذته عليهم في السماء ، قال آدم : يارب وكيف
وسعتهم ظهري ؟ قال الله : يا آدم بلطف صنيعي ونافذ قدري ، قال آدم : يارب فما تريد
منهم في الميثاق ؟ قال الله : أن لا يشركوا بي شيئا ، قال آدم : فمن أطاعك منهم يارب
فما جزاؤه ؟ قال الله : أسكنه جنتي ، قال آدم : فمن عصاك فما جزاؤه ؟ قال : أسكنه
. . ( هامش صفحة 9 ) ( 1 ) قد نص فيما تقدم من الاخبار في قصص آدم عليه السلام وفيما ياتي بعد ذلك أن كتابة الصك
صارت سنة بعد مانسى ذلك آدم عليه السلام فتامل . ويعارضها ذلك وخبر تقدم هناك ، وعلى اي لا
صعد القول بصدورها تقية لانها تشتمل على السهو الذي يخالف مذهب الامامية والعامة رووها بطرق
مختلفة . والصك : كتاب الاقرار بالمال أو غيره .
( 2 ) فروع الكافي 2 : 348 349 .
( 3 ) الروحاء : من عمل الفرع على نحو من اربعين يوما ، أو ست وثلاثين يوما ، أو ثلاثين
على اختلاف ذكره ياقوت ، والفرع : قرية من نواحي المدينة عن يسار السقيا بينها وبين المدينة
ثمانية برد على طريق مكة ، وقيل أربع ليال . وتقدم في الحديث الثاني من الباب الثامن من قصص
آدم عليه السلام وادي الدخيا وغيره ، وذكرنا هناك ما يقتضى المقام ، وبذلك يعرف ان ما تقدم
هناك مصحف راجع 11 : 259
( 4 ) في نسخة : ثم خرج بذريته وهم ذر .
( 5 ) الكور بالضم : موضع الزنابير .
( 6 ) في نسخة : ذر كثير .
[ 10 ]
ناري ، قال آدم : يارب لقد عدلت فيهم وليعصينك أكثرهم إن لم تعصمهم . قال أبوجعفر
عليه السلام : ثم عرض الله على آدم أسماء الانبياء وأعمارهم ، قال : فمر آدم باسم داود النبي
عليه السلام فإذا عمره أربعون سنة ، فقال : يارب ماأقل عمر داود وأكثر عمري ! يارب إن أنا زدت
داود من عمري ثلاثين سنة أينفذ ذلك له ؟ قال : نعم يا آدم ، قال : فإني قد زدته من عمري
ثلاثين سنة ، فأنفذ ذلك له وأثبتها له عندك واطرحها من عمري ، قال : فأثبت الله لداود من
عمره ثلاثين سنة ، ولم يكن له عند الله مثبتا ، ومحا من عمر آدم ثلاثين سنة وكانت له عند الله
مثبتا . فقال أبوجعفر عليه السلام : فذلك قول الله : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "
قال : فمحا الله ما كان عنده مثبتا لآدم ، وأثبت لداود مالم يكن عنده مثبتا .
قال : فلما دنا عمر آدم هبط عليه ملك الموت عليه السلام ليقبض روحه ، فقال له آدم
عليه السلام : ياملك الموت قد بقي من عمري ثلاثين سنة ، فقال له ملك الموت : ألم تجعلها لابنك
داود النبي عليه السلام ، وطرحتها من عمرك حيث عرض الله عليك أسماء الانبياء من ذريتك ،
وعرض عليك أعمارهم وأنت بوادي الروحاء ؟ فقال آدم : يا ملك الموت ما أذكر هذا ، فقال
له ملك الموت : يا آدم لاتجهل ، ألم تسأل الله أن يثبتها لداود ويمحوها من عمرك ؟ فأثبتها
لداود في الزبور ومحاها من عمرك من الذكر ، قال : فقال آدم : احضر الكتاب حتى أعلم
ذلك ، قال أبوجعفر عليه السلام : وكان آدم صادقا لم يذكر ، قال أبوجعفر عليه السلام : فمن ذلك
اليوم أمر الله العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل مسمى لنسيان آدم
وجحود ماجعل على نفسه . ( 1 )
أقول : قد مضت الاخبار في ذلك في أبواب قصص آدم عليه السلام وفي بعضها أنه زاد
في عمر داود عليه السلام ستين سنة تمام المائة ، وهو أوفق بسائر الاخبار ، والله يعلم .
19 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ،
عن أبان بن عثمان ، عمن أخبر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : في كتاب علي عليه السلام : إن نبيا
من الانبياء شكا إلى ربه القضاء ، فقال : كيف أقضي بما لم ترعيني ولم تسمع أذني ؟ فقال :
اقض بينهم بالبينات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به . وقال : إن داود عليه السلام قال : يارب أرني
. . ( هامش صفحة 10 ) ( 1 ) تفسير العياشي مخطوط .
[ 11 ]
الحق كما هو عندك حتى أقضي به ، فقال : إنك لا تطيق ذلك ، فألح على ربه حتى
فعل ، فجاءه رجل يستعدي على رجل ، فقال : إن هذا أخذ مالي ، فأوحى الله عزوجل
إلى داود : إن هذا المستعدي قتل أبا هذا وأخذ ماله ، فأمر داود بالمستعدي فقتل فأخذ
ماله فدفعه إلى المستعدى عليه ، قال : فعجب الناس ( 1 ) وتحدثوا حتى بلغ داود عليه السلام
ودخل عليه من ذلك ما كره ، فدعا ربه أن يرفع ذلك ففعل ، ثم أوحى الله عزوجل إليه
أن احكم بينهم بالبينات ، وأضفهم إلى اسمي يحلفون به . ( 2 )
20 يه : قال أبوجعفر عليه السلام : دخل علي عليه السلام المسجد فاستقبله شاب وهو يبكي
وحوله قوم يسكتونه ، فقال علي عليه السلام : ما أبكاك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إن شريحا قضى
علي بقضية ما أدري ماهي ، إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في سفرهم فرجعوا ولم
يرجع أبي ، فسألتهم عنه فقالوا : مات ، فسألتهم عن ماله فقالوا : ماترك مالا ، فقدمتهم
إلى شريح فاستحلفهم ، وقد علمت يا أمير المؤمنين أن أبي خرج ومعه مال كثير ، فقال لهم
أمير المؤمنين عليه السلام : ارجعوا ، فردهم جميعا والفتى معهم إلى شريح ، فقال له : ياشريح كيف
قضيت بين هؤلاء ؟ قال : يا أمير المؤمنين ادعى هذا الفتى على هؤلاء النفر أنهم خرجوا
في سفر وأبوه معهم فرجعوا ولم يرجع أبوه ، فسألتهم عنه فقالوا : مات ، وسألتهم عن ماله
فقالوا : ماخلف شيئا ، فقلت للفتى : هل لك بينة على ماتدعي ؟ قال : لا ، فاستحلفتهم ،
فقال عليه السلام لشريح : ياشريح هيهات ! هكذا تحكم في مثل هذا ؟ فقال : كيف هذا يا
أمير المؤمنين ؟ ( 3 ) فقال علي عليه السلام : ياشريح والله لاحكمن فيه بحكم ماحكم به خلق
قبلي إلا داود النبي عليه السلام يا قنبر ادع لي شرطة الخميس ، ( 4 ) فدعاهم ، فوكل بهم ( 5 )
. . ( هامش صفحة 11 ) ( 1 ) في نسخة . فتعجب الناس .
( 2 ) فروع الكافي 2 : 359 .
( 3 ) في التهذيب : كيف كان هذا يا أمير المؤمنين ؟
( 4 ) الشرطة بالضم : هم اول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت وطائفة من أعوان الولاة ، سموا
بذلك لانهم اعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها ، والمراد منه هنا لعله الاول . الخميس : الجيش
سمى به لانه مقسوم بخمسة أقسام : المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب ، وسئل الاصبغ
ابن نباتة : كيف سميتم شرطة الخميس ؟ فقال : انا ضمنا له الذبح وضمن لنا الفتح ، يعني امير المؤمنين
عليه السلام .
( 5 ) التهذيب خال عن كلمة " بهم " .
[ 12 ]
بكل واحد منهم رجلا من الشرطة ، ثم نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى وجوههم فقال : ماذا
تقولون ؟ أتقولون إني لا أعلم ماصنعتم بأب هذا الفتى ؟ إني إذا لجاهل ، ثم قال :
فرقوهم وغطوا رؤوسهم ، ففرق بينهم وأقيم كل واحد منهم إلى أسطوانة من أساطين
المسجد ورؤوسهم مغطاة بثيابهم ، ثم دعا بعبيد الله بن أبي رافع كاتبه ، فقال : هات صحيفة
ودواتا ، وجلس علي عليه السلام في مجلس القضاء واجتمع الناس إليه ، فقال : إذا أنا كبرت
فكبروا ، ثم قال للناس : افرجوا ، ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه فكشف عن
وجهه ، ثم قال لعبيد الله : اكتب إقراره وما يقول ، ثم أقبل عليه بالسؤال ، ثم قال له :
في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبوهذا الفتى معكم ؟ فقال الرجل : في يوم كذا وكذا ، فقال :
وفي أي شهر ؟ قال : في شهر كذا وكذا ، ( 1 ) قال : وإلى أين بلغتم من سفركم حين مات
أبوهذا الفتى ؟ قال : إلى موضع كذا وكذا ، قال : وفي أي منزل مات ؟ قال : في منزل فلان
ابن فلان ، قال : وما كان من مرضه ؟ ( 2 ) قال : كذا وكذا ، قال : كم يوما مرض ؟ قال :
كذا وكذا يوما ، قال : فمن كان يمرضه ؟ وفي أي يوم مات ؟ ومن غسله ؟ و
أين غسله ؟ ومن كفنه ؟ وبما كفنتموه ؟ ومن صلى عليه ؟ ومن نزل قبره ؟ فلما سأله
عن جميع ما يريد كبر علي عليه السلام وكبر الناس معه ، فارتاب أولئك الباقون ولم يشكوا
أن صاحبهم قد أقر عليهم وعلى نفسه ، فأمر أن يغطى رأسه وأن ينطلقوا به إلى الحبس ،
ثم دعا بآخر فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه ، ثم قال : كلا ، زعمت أني لا أعلم ما
صنعتم ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ما أنا إلا واحد من القوم ، ولقد كنت كارها لقتله ، فأقر ،
ثم دعا بواحد بعد واحد وكلهم يقر بالقتل وأخذ المال ، ثم رد الذي كان أمر به إلى
السجن فأقر أيضا فألزمهم المال والدم .
وقال شريح : يا أمير المؤمنين وكيف كان حكم داود عليه السلام ؟ فقال : إن داود النبي
عليه السلام مر بغلمة يلعبون وينادون بعضهم : مات الدين ، فدعا منهم غلاما فقال له : يا غلام
ما اسمك ؟ فقال : اسمي مات الدين ، فقال له داود : من سماك بهذا الاسم ؟ قال : أمي ،
. . ( هامش صفحة 12 ) ( 1 ) في التهذيب زيادة وهي : فقال : في أي سنة ؟ قال : في سنة كذا وكذا .
( 2 ) في التهذيب : وما كان مرضه ؟
[ 13 ]
فانطلق إلى أمه ، فقال : يا امرأة ما اسم ابنك هذا ؟ قالت : مات الدين ، فقال لها : ومن
سماه بهذا الاسم ؟ قالت : أبوه ، قال : وكيف كان ذلك ؟ قالت : إن أباه خرج في سفر
له ومعه قوم وهذا الصبي حمل في بطني ، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي فسألتهم عنه ،
فقالوا : مات ، قلت : أين ماترك ؟ ( 1 ) قالوا : لم يخلف مالا ، فقلت : أوصاكم بوصية ؟
فقالوا : نعم ، زعم أنك حبلى ، فما ولدت من ولد ذكر أو أنثى فسميه مات الدين ،
فسميته ، فقال : أتعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك ؟ قالت : نعم ، قال : فأحياء
هم أم أموات ؟ قالت : بل أحياء ، قال : فانطلقي بنا إليهم ، ثم مضى معها فاستخرجهم من
منازلهم فحكم بينهم بهذا الحكم فثبت عليهم المال والدم ، ثم قال للمرأة : سمي ابنك
عاش الدين . ( 2 )
يب : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي
بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام مثله . ( 3 )
21 يه : التفليسي ، عن السمندي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أوحى الله تعالى
إلى داود عليه السلام : إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا ، قال :
فبكى داود عليه السلام فأوحى الله تعالى إلى الحديد : أن لن لعبدي داود ، فألان الله تعالى له
الحديد ، فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم ، فعمل عليه السلام ثلاث مائة وستين
درعا ( 4 ) فباعها بثلاث مائة وستين ألفا ، واستغنى عن بيت المال . ( 5 )
22 كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد جميعا ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان
ابن داود ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : من تعذرت عليه الحوائج فليلتمس
طلبها يوم الثلثاء ، فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه السلام . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 13 ) ( 1 ) في نسخة : اين ماله ؟
( 2 ) من لا يحضره الفقيه : 322 .
( 3 ) التهذيب 2 : 96 97 .
( 4 ) في المصدر : فعمل عليه السلام بيده ثلاث مائة وستين درعا .
( 5 ) من لايحضره الفقيه : 355 .
( 6 ) روضة الكافي : 143 .
[ 14 ]
23 شا : روى عبدالله بن عجلان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إذا قام قائم آل
محمد عليه وعليهم السلام حكم بين الناس بحكم داود ، لايحتاج إلى بينة ، يلهمه الله
تعالى فيحكم بعلمه . ( 1 )
أقول : قال صاحب الكامل : كان داود بن إيشا ( 2 ) من أولاد يهودا ، وكان قصيرا أزرق ،
قليل الشعر ، فلما قتل طالوت أتى بنو إسرائيل داود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه عليهم ، ( 3 )
وقيل : إن داود ملك قبل أن يقتل جالوت ، ( 4 ) فلما ملك جعله الله نبيا ملكا ، وأنزل عليه
الزبور وعلمه صنعة الدروع ، وألان له الحديد ، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا
سبح ، ولم يعط الله أحدا مثل صوته ، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحش حتى يؤخذ بأعناقها ،
وكان شديد الاجتهاد ، كثير العبادة والبكاء ، وكان يقوم الليل ، ويصوم نصف الدهر ، وكان
يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف ، وكان يأكل من كسب يده أربعة آلاف ، قيل : أصاب
الناس في زمان داود عليه السلام طاعون جازف ، ( 5 ) فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس ، وكان
يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء ، فلهذا قصده ليدعو فيه ، فلما وقف موضع الصخرة دعا
الله تعالى في كشف الطاعون عنهم ، فاستجاب الله ورفع الطاعون ، فاتخذوا ذلك الموضع
مسجدا ، وكان الشروع في بنائه لاحد عشر سنة مضت من ملكه ، وتوفي قبل أن يستتم
بناؤه وأوصى إلى سليمان بإتمامه .
ثم إن داود عليه السلام توفي ، وكانت له جارية تغلق الابواب كل ليلة وتأتية بالمفاتيح
ويقوم إلى عبادته ، فأغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلا ، فقالت : من أدخلك الدار ؟ قال :
أنا الذي أدخل على الملوك بغير إذن ، فسمع داود عليه السلام قوله فقال : أنت ملك الموت ؟ فهلا
أرسلت إلي فأستعد للموت ؟ قال : قد أرسلنا إليك كثيرا ، قال : من كان رسولك ؟ قال :
أين أبوك وأخوك وجارك ومعارفك ؟ قال : ماتوا ، قال : فهم كانوا رسلي إليك بأنك تموت
. . ( هامش صفحة 14 ) ( 1 ) الارشاد : 345 .
( 2 ) هو داود بن ايشا بن عوبذ بن باعز بن سلمون بن نحشون بن عمى ناذب بن رام بن حصرون
ابن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم .
( 3 ) اي صيروه ملكا .
( 4 ) طالوت ( ظ ) .
( 5 ) الصحيح كما في المصدر : " طاعون جارف " والجارف : الموت العام .
[ 15 ]
كما ماتوا ، ثم قبضه ، فلما مات ورث سليمان ملكه وعلمه ونبوته ، وكان له تسعة عشر
ولدا ، فورثه سليمان دونهم ، وكان عمر داود عليه السلام لما توفي مائة ، صح ذلك عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، وكانت مدة ملكه أربعين سنة . ( 1 )
24 كتاب البيان لابن شهرآشوب : يقال : إن داود عليه السلام جزأ ساعات الليل
والنهار على أهله ، فلم يكن ساعة إلا وإنسان من أولاده في الصلاة ، فقال تعالى : " اعملوا
آل داود شكرا " . ( 2 )
25 نهج : وإن شئت ثلثت بداود عليه السلام صاحب المزامير ، وقارئ أهل الجنة ،
فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ، ويقول لجلسائه : أيكم يكفيني بيعها ؟ ويأكل
قرص الشعير من ثمنها . ( 3 )
بيان : قال الفيروزآبادي : مزامير داود عليه السلام ما كان يتغنى به من الزبور ، وقال
ابن أبي الحديد : إن داود عليه السلام أعطي من طيب النغم ولذة ترجيع القراءة ما كانت الطيور
لاجله تقع عليه وهو في محرابه ، والوحش تسمعه ، فتدخل بين الناس ولا تنفر منهم لما
قد استغرقها من طيب صوته . وسفائف الخوص جمع سفيفة وهي النسيجة منه . والخوص :
ورق النخل . ( 4 )
أقول : لعل هذا كان قبل أن ألان الله له الحديد .
26 كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مابعث كان يصوم حتى يقال ما يفطر
ويفطر حتى يقال مايصوم ، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما ، وهو صوم داود عليه السلام
الخبر . ( 5 )
. . ( هامش صفحة 15 ) ( 1 ) كامل ابن الاثير 1 : 76 و 77 و 78 .
( 2 ) مخطوط
( 3 ) نهج البلاغة 1 : 293 .
( 4 ) شرح النهج 2 : 471 .
( 5 ) فروع الكافي 1 : 187 .
[ 16 ]
الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عنه عليه السلام
مثله . ( 1 )
27 كا : أبوعلي الاشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن علي بن مهزيار
عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عمن رواه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال إن داود
عليه السلام لما ( وقف ) ؟ الموقف بعرفة نظر إلى الناس وكثرتهم ، فصعد الجبل فأقبل يدعو ، فلما
قضى نسكه أتاه جبرئيل فقال له : يا داود يقول لك ربك : لم صعدت الجبل ؟ ظننت أنه
يخفى علي صوت من صوت ؟ ! ثم مضى به إلى البحر إلى جدة فرسب ( 2 ) به في الماء
مسيرة أربعين صباحا في البر ، فإذا صخرة ففلقها فإذا فيها دودة ، فقال : يا داود يقول لك
ربك : أنا أسمع صوت هذه في بطن هذه الصخرة في قعر هذا البحر ، فظننت أنه يخفى
علي صوت من صوت ؟ ! ( 3 )
بيان : لعله إنما ظن هذا غيره فنسب إليه ليعلم غيره ذلك ، أو أنه ظن أن من
أدب الدعاء أن لاتكون الاصوات مختلطة فنبه بذلك على خلافه ، أو أن فعله لما كان
مظنة ذلك عوتب بذلك وإن لم يكن غرضه ذلك والله يعلم .
28 ين : النضر ، عن محمد بن سنان ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : قال داود النبي عليه السلام : لاعبدن الله اليوم عبادة ولاقرأن قراءة لم أفعل
مثلها قط ، فدخل محرابه ففعل ، فلما فرغ من صلاته إذا هو بضفدع في المحراب ، فقال
له : يا داود أعجبك اليوم ما فعلت من عبادتك وقراءتك ؟ فقال : نعم ، فقال : لا يعجبنك ،
فاني أسبح الله في كل ليلة ألف تسبيحة يتشعب لي مع كل تسبيحة ثلاثة آلاف
تحميدة ، وإني لاكون في قعر الماء فيصوت الطير في الهواء فأحسبه جائعا فأطفوله ( 4 )
على الماء ليأكلني وما لي ذنب . ( 5 )
. . ( هامش صفحة 16 ) ( 1 ) فروع الكافي 1 : 187 ، والفاظ الحديث يخالف مارواه محمد بن مسلم بكثير الا انه
بمعناه .
( 2 ) رسب الشئ في الماء : سقط إلى اسفله .
( 3 ) فروع الكافي 1 : 224 .
( 4 ) طفا : علا فوق الماء ولم يرسب ومنه السمك الطافي وهو الذي يموت في الماء فيعلو و
يظهر .
( 5 ) مخطوط .
[ 17 ]
29 ين : الحسن بن محمد ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول :
إن داود النبي عليه السلام كان ذات يوم في محرابه إذ مرت به دودة حمراء صغيرة تدب حتى
انتهت إلى موضع سجوده ، فنظر إليها داود وحدث في نفسه : لم خلقت هذه الدودة ؟ فأوحى
الله إليها : تكلمي ، فقالت له : ياداود هل سمعت حسي أواستبنت ( 1 ) على الصفا أثري ؟
فقال لها داود : لا ، قالت : فإن الله يسمع دبيبي ونفسي وحسي ويرى أثر مشيي فاخفض
من صوتك . ( 2 )
عرائس الثعلبي : قال وهب : إن داود عليه السلام لما تاب الله عليه بكى على خطيئته


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 17 سطر 8 إلى صفحه 25 سطر 8

ثلاثين سنة لا يرقأ له دمعة ( 3 ) ليلا ولا نهارا ، فقسم الدهر على أربعة أيام : يوم للقضاء
بين بني إسرائيل ، ويوم لنسائه ، ويوم يسبح فيه في الفيافي والجبال والساحل ، ويوم يخلو
في دار له فيها أربعة آلاف محراب ، فيجتمع إليه الرهبان فينوح معهم على نفسه ويساعدونه
على ذلك ، فإذا كان يوم سياحته يخرج إلى الفيافي فيرفع صوته بالمزامير فيبكي ويبكي
معه الشجر والمدر والرمال والطير والوحوش والحيتان ودواب البحر وطير الماء والسباع ،
ويبكي معه الجبال والحجارة والدواب والطير حتى يسيل من دموعهم مثل الانهار ، ثم
يجئ إلى البحار فيرفع صوته بالمزامير ويبكي فتبكي معه الحيتان ودواب البحر ، فإذا
أمسى رجع ، وإذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه : إن اليوم يوم نوح داود على
نفسه فليحضر من يساعده ، قال : فيدخل الدار التي فيها المحاريب فيبسط له ثلاثة فرش
من مسوح ( 4 ) حشوها الليف فيجلس عليها ويجئ الرهبان أربعة آلاف راهب عليهم
البرانس وفي أيديهم العصي ، فيجلسون في تلك المحاريب ، ثم يرفع داود صوته بالبكاء
والنوح على نفسه ويرفع الرهبان معه أصواتهم ، فلا يزال يبكي حتى يغرق الفراش من
. . ( هامش صفحة 17 ) ( 1 ) أي استوضحته وعرفته بينا .
( 2 ) مخطوط أورده المسعودي أيضا في اثبات الوصية ، وفيه : فأوحى الله إليه أن تكلمه ،
فقالت له : أنا على صغري وتهاونك بي اكثر لذكر الله منك ، ياداود هل سمعت حسي أو تبينت أثري ؟
( 3 ) أي لا يجف ولا ينقطع .
( 4 ) جمع المسح : البلاس يقعد عليه .
[ 18 ]
دموعه ، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب ، فيجئ ابنه سليمان عليه السلام فيحمله ، ويأخذ
داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول : يارب اغفر ماترى ، فلو عدل
بكاء داود ودموعه ببكاء أهل الدنيا ودموعهم لعدلها ، وقال وهب : لما تاب الله على داود
عليه السلام كان يبدأ بالدعاء ويستغفر للخاطئين قبل نفسه ، فيقول : اللهم اغفر للخاطئين ،
فعساك تغفر لداود معهم .
وروي أنه عليه السلام كان بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين ، ثم يقول : تعالوا إلى
داود الخاطئ ، ولا يشرب شرابا إلا وهو ممزوج بدموع عينيه ، وكان يذر عليه الملح و
الرماد ( 1 ) فيقول وهو يأكل : هذا أكل الخاطئين ، وكان قبل الخطيئة يقوم نصف الليل
ويصوم نصف الدهر ، وبعدها صام الدهر كله ، وقام الليل كله . ( 2 )
. . ( هامش صفحة 18 ) ( 1 ) فيه غرابة ظاهرة وكذا فيما تقدم من قوله : حتى يغرق الفراش من دموعه ، وهو بالاغراق
والمبالغة أشبه .
( 2 ) العرائس : 159 .
[ 19 ]
( باب 2 )
* ( قصة داود عليه السلام واوريا وما صدر عنه من ترك الاولى ) *
* ( وماجرى بينه وبين حزقيل عليهما السلام ( 1 ) *
الايات ، ص " 38 " واذكر عبدنا داود ذا الايد إنه أواب * إنا سخرنا الجبال
معه يسبحن بالعشي والاشراق * والطير محشورة كل له أواب * وشددنا ملكه و
آتيناه الحكمة وفصل الخطاب * وهل أتاك نبؤ الخصم إذ تسوروا المحراب * إذ دخلوا
على داود ففزع منهم قالوا لاتخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا
تشطط واهدنا إلى سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة
فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب * قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن
كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم
وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا
لزلفى وحسن مآب * ياداود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا
تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما
نسوا يوم الحساب 17 26 .
تفسير : " الايد " القوة " أواب " أي رجاع إلى الله تعالى ومرضاته " والاشراق "
هو حين تشرق الشمس ، أي تضئ وتصفو شعاعها وهو وقت الضحى ، أو وقت شروق الشمس
وطلوعها ، والحاصل وقت الرواح والصباح " محشورة " أي مجموعة إليه تسبح الله معه " كل
له " من الجبال والطير لاجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح " وشددنا ملكه " أي قويناه
بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود " وآتيناه الحكمة " أي النبوة ، أو كمال العلم وإتقان
العمل " وفصل الخطاب " قيل : يعني الشهود والايمان ، وقيل : هو علم القضاء والفهم
" إذ تسوروا المحراب " أي تصعدوا سور الغرفة ، تفعل من السور " ففزع منهم " لانهم
. . ( هامش صفحة 19 ) ( 1 ) في أكثر النسخ " خرقيل " بالخاء ، وكذلك في الروايات الاتية .
[ 20 ]
نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب " ولا تشطط " أي ولا تجر علينا
في حكمك " إلى سواء الصراط " أي وسطه وهو العدل " والنعجة " الانثى من الضأن " أكفلنيها "
أي ملكنيها ، وحقيقته : اجعلني أكفلها كما أكفل ماتحت يدي ، وقيل : اجعلها كفلي
أي نصيبي " وعزني في الخطاب " أي غلبني في مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج
ولم أقدر رده ، أو في مغالبته إياي في الخطبة " وقليل ماهم " أي وهم قليل ، وما مزيدة
للابهام والتعجب من قلتهم " أنما فتناه " أي امتحناه " وخر راكعا " قال الاكثر : أي
ساجدا ، وقيل : خر للسجود راكعا ، أي مصليا .
1 فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن الصادق عليه السلام قال : إن داود
عليه السلام لما جعله الله عز وجل خليفة في الارض ، وأنزل عليه الزبور أوحى الله عز و
جل إلى الجبال والطير أن يسبحن معه ، وكان سببه أنه إذا صلى يقوم وزيره ( 1 ) بعد
مايفرغ من الصلاة فيحمد الله ويسبحه ويكبره ويهلله ، ثم يمدح الانبياء عليهم السلام نبيا
نبيا ، ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم وعبادتهم لله سبحانه ، والصبر على بلائه ، ولا يذكر
داود عليه السلام ، فنادى داود ربه فقال : يارب قد أثنيت ( 2 ) على الانبياء بما قد أثنيت عليهم
ولم تثن علي ، فأوحى الله عزوجل إليه : هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا ، وأنا أثني عليهم
بذلك ، فقال : يا رب فابتلني حتى أصبر ، فقال : ياداود تختار البلاء على العافية ؟ إني
أبليت هؤلاء ولم أعلمهم ، وأنا أبليك وأعلمك أنه يأتيك بلائي في سنة كذا و
شهر كذا في يوم كذا ، وكان داود يفرغ نفسه لعبادته يوما ، ويقعد في محرابه ، ويوم يقعد
لبني إسرائيل فيحكم بينهم ، فلما كان في اليوم الذي وعده الله عزوجل اشتدت عبادته
وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلي ، فإذا بطائر قد وقع بين
يديه ، جناحاه من زبرجد أخضر ، ورجلاه من ياقوت أحمر ، ورأسه ومنقاره من اللؤلؤ و
الزبرجد ، فأعجبه جدا ونسي ما كان فيه ، فقام ليأخذه ، فطار الطائر فوقع على حائط بين
داود وبين اوريا بن حنان ، وكان داود قد بعث اوريا في بعث ، فصعد داود الحائط ليأخذ
. . ( هامش صفحة 20 ) ( 1 ) في المصدر : يقوم ببني اسرائيل وزيره .
( 2 ) لعل إسناد الثناء إليه تعالى كان بواسطة أمره الوزير بذلك ، أو تشريعه ذلك في التوراة .
[ 21 ]
الطير ، وإذا امرأة اوريا جالسة تغتسل ، فلما رأت ظل داود نشرت شعرها ، وغطت به
بدنها ، فنظر إليها داود وافتتن بها ورجع إلى محرابه ونسي ما كان فيه ، وكتب إلى صاحبه
في ذلك البعث أن يسيروا إلى موضع كيت وكيت ، ويوضع التابوت بينهم وبين عدوهم ،
وكان التابوت في بني إسرائيل كما قال الله عزوجل : " فيه سكينة من ربكم وبقية مما
ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة " وقد كان رفع بعد موسى عليه السلام إلى السماء
لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي ، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبي أن يبعث إليهم ملكا
يقاتل في سبيل الله تقدس وجهه بعث إليهم طالوت وأنزل عليهم التابوت وكان التابوت إذا
وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر وقتل ، ولا يرجع أحد
عنه إلا ويقتل ، فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه أن ضع التابوت بينك وبين عدوك ، و
قدم اوريا بن حنان بين يدي التابوت ، فقدمه وقتل ، فلما قتل اوريا دخل عليه الملكان
ولم يكن تزوج امرأة اوريا وكانت في عدتها وداود في محرابه يوم عبادته ، فدخل عليه
الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ، ففزع داود منهما فقالا : " لاتخف خصمان بغى
بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط " ولداود حينئذ
تسع وتسعون امرأة مابين مهيرة ( 1 ) إلى جارية ، فقال أحدهما لداود : " إن هذا أخي
له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب " أي ظلمني
وقهرني ، فقال داود كما حكى الله عزوجل : " لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه " إلى
قوله : " وخر راكعا وأناب " قال : فضحك المستعدى عليه من الملائكة وقال : حكم الرجل
على نفسه ، فقال داود : أتضحك وقد عصيت لقد هممت أن أهشم ( 2 ) فاك ، قال : فعرجا ،
وقال الملك المستعدى عليه : لو علم داود أنه أحق بهشم فيه مني ، ففهم داود الامر وذكر
القضية ( 3 ) فبقي أربعين يوما ساجدا يبكي ليله ونهاره ، ولا يقوم إلا وقت الصلاة حتى
انخرق جبينه وسال الدم من عينيه .
. . ( هامش صفحة 21 ) ( 1 ) المهيرة من النساء : الحرة الغالية المهر .
( 2 ) هشم الشئ : كسره .
( 3 ) في نسخة : وذكر الخطيئة .
[ 22 ]
فلما كان بعد أربعين يوما نودي : يا داود مالك ؟ أجائع أنت فنشبعك ، أم ظمآن
فنسقيك ، أم عريان فنكسوك ، أم خائف فنؤمنك ؟ فقال : أي رب وكيف لا أخاف وقد
عملت ماعلمت ( 1 ) وأنت الحكم العدل الذي لايجوزك ظلم ظالم ؟ فأوحى الله عزوجل إليه :
تب ياداود ، فقال : أي رب وأنى لي بالتوبة ؟ قال صر إلى قبر اوريا حتى أبعثه إليك ( 2 )
واسأله أن يغفر لك فإن غفر لك غفرت لك ، قال : يا رب فإن لم يفعل ؟ قال : أستوهبك
منه ، فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور وكان إذا قرأ الزبور لايبقى حجر ولا
شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلا يجاوبه حتى انتهى إلى جبل وعليه نبي عابد يقال له
حزقيل فلما سمع دوي الجبال وصوت السباع علم أنه داود ، فقال : هذا النبي الخاطئ ،
فقال داود : يا حزقيل أتأذن لي أن أصعد إليك ؟ قال : لا ، فإنك مذنب ، فبكى داود
عليه السلام فأوحى الله عزوجل إلى حزقيل : يا حزقيل لاتعير داود بخطيئته ، وسلني العافية ،
فنزل حزقيل وأخذ بيد داود وأصعده إليه ، فقال له داود : يا حزقيل هل هممت بخطيئة
قط ؟ قال : لا ، قال : فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عزوجل ؟ قال : لا ،
قال : فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذاتها ؟ قال : بلى ربما عرص
ذلك بقلبي ، قال فما تصنع ؟ قال : أدخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه ، قال : فدخل داود عليه السلام
الشعب فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية ، وعظام نخرة ، ( 3 ) وإذا لوح من حديد
وفيه مكتوب ، فقرأه داود فإذا فيه : أنا أروى بن سلم ، ملكت ألف سنة ، وبنيت ألف مدينة
وافتضضت ألف جارية ، وكان آخر أمري أن صار التراب فراشي ، والحجارة وسادي ، و
الحيات والديدان جيراني ، فمن يراني فلا يغتر بالدنيا ، ومضى داود حتى أتى قبر اوريا
فناداه فلم يجبه ، ثم ناداه ثانية فلم يجبه ، ثم ناداه ثالثة فقال اوريا : مالك يانبي الله لقد
شغلتني عن سروري وقرة عيني ؟ قال يا اوريا اغفر لي وهب لي خطيئتي ، فأوحى الله عز
وجل : يا داود بين له ما كان منك ، فناداه داود فأجابه في الثالثة فقال : يا اوريا فعلت كذا
. . ( هامش صفحة 22 ) ( 1 ) في نسخة وفي المصدر : وقد عملت ما عملت .
( 2 ) في المصدر : حتى أبعثه لك .
( 3 ) نخر العظم : بلى وتفتت .
[ 23 ]
وكذا ، وكيت وكيت ، ( 1 ) فقال اوريا أيفعل الانبياء مثل هذا ؟ ! فناداه فلم يجبه ، فوقع
داود عليه السلام على الارض باكيا ، فأوحى الله عز وجل إلى صاحب الفردوس ليكشف عنه ،
فكشف عنه ، فقال اوريا : لمن هذا ؟ فقال لمن غفر لداود خطيئته ، فقال : يارب قد وهبت
له خطيئته ، فرجع داود عليه السلام إلى بني إسرائيل وكان إذا صلى قام وزيره يحمد الله ويثني
عليه ، ( 2 ) ويثني على الانبياء عليهم السلام ثم يقول : كان من فضل نبي الله داود قبل الخطيئة
كيت وكيت ، فاغتم داود عليه السلام فأوحى الله عزوجل إليه : ياداود قد وهبت لك خطيئتك
وألزمت عار ذنبك بني إسرائيل ، قال : يارب كيف وأنت الحكم العدل الذي لا تجور ؟
قال : لانه لم يعاجلوك النكير ، ( 3 ) وتزوج داود عليه السلام بامرأة اوريا بعد ذلك ، فولد له
منها سليمان عليه السلام ، ثم قال عز وجل : " فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن
مآب " .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " وظن داود " أي علم " و
أناب " أي تاب ، وذكر أن داود كتب إلى صاحبه أن لاتقدم اوريا بين يدي التابوت و
رده ، فقدم اوريا إلى أهله ومكث ثمانية أيام ثم مات . ( 4 )
بيان : اعلم أن هذا الخبر محمول على التقية ( 5 ) لموافقته لما روته العامة في ذلك ،
وسيأتي تحقيق القول فيه . ( 6 )
2 ن : الهمداني والمكتب والوراق جميعا ، عن علي بن إبراهيم ، عن القاسم بن
محمد البرمكي ، عن أبي الصلت الهروي قال : سأل الرضا عليه السلام علي بن محمد بن الجهم
فقال : مايقول من قبلكم في داود عليه السلام ؟ فقال : يقولون : إن داود عليه السلام كان في محرابه
يصلي إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن مايكون من الطيور ، فقطع داود صلاته و
. . ( هامش صفحة 23 ) ( 1 ) كيت وكيت وقد يكسر آخره : يكنى بهما عن الحديث والخبر .
( 2 ) المصدر خال عن قوله : ويثنى عليه .
( 3 ) في المصدر : لم يعاجلوك بالنكير .
( 4 ) تفسير القمي : 562 565 .
( 5 ) مع معارضته لرواية ابي الجارود وأبي الصلت وغيرهما .
( 6 ) في الحديث آلاتي وفي آخر الباب .
[ 24 ]
قام ليأخذ الطير ، فخرج الطير إلى الدار ، فخرج في أثره ، فطار الطير إلى السطح فصعد
في طلبه فسقط الطير في دار اوريا بن حنان ، فاطلع داود عليه السلام في أثر الطير فإذا بامرأة
اوريا تغتسل ، فلما نظر إليها هواها ، وكان قد أخرج اوريا في بعض غزواته ، فكتب إلى
صاحبه أن قدم اوريا أمام الحرب ، ( 1 ) فقدم فظفر اوريا بالمشركين ، فصعب ذلك على
داود ، فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل اوريا رحمه الله وتزوج داود
بامرأته قال : فضرب عليه السلام بيده على جبهته وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد نسبتم
نبيا من أنبياء الله عليهم السلام إلى التهاون بصلاته حين خرج في أثر الطير ، ثم بالفاحشة ، ثم
بالقتل ، فقال ياابن رسول الله : فما كانت خطيئته ؟ فقال عليه السلام : ويحك إن داود عليه السلام إنما
ظن أن ماخلق الله عزوجل خلقا هو أعلم منه ، فبعث الله عزوجل إليه الملكين فتسورا
المحراب فقالا : " خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء
الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني
في الخطاب " فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال : " لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه "
ولم يسأل المدعي البينة على ذلك ، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له : ماتقول ؟ فكان
هذا خطيئة حكم ( 2 ) لا ماذهبتم إليه ، ألا تسمع الله عزوجل يقول : " ياداود إنا جعلناك
خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق " إلى آخر الآية ؟ فقال : ياابن رسول الله فما
قصته مع اوريا ؟ قال الرضا عليه السلام : إن المرأة في أيام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل
لاتتزوج بعده أبدا ، وأول من أباح الله عزوجل أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود
عليه السلام فتزوج بامرأة اوريا لما قتل وانقضت عدتها منه ، فذلك الذي شق على
اوريا . ( 3 )
بيان : قد مر الخبر بتمامه وبيانه مع أخبار أخر في باب عصمتهم .
. . ( هامش صفحة 24 ) ( 1 ) في المصدر : أمام التابوت .
( 2 ) أي كان خلاف آداب القضاء والحكم .
( 3 ) عيون الاخبار : 107 108 وفيه : فذلك الذي شق على الناس من قتل اوريا . قلت
فلعل مافي المتن أصوب .
[ 25 ]
3 ك ، لى : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن
الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال : إن داود عليه السلام ( 1 ) خرج ذات يوم يقرأ الزبور ، وكان إذا قرأ
الزبور لايبقى جبل ولا حجر ولا طائر ولا سبع إلا جاوبه ، فما زال يمر حتى انتهى إلى جبل ،
فإذا على ذلك الجبل نبي عابد يقال له حزقيل ، فلما سمع دوي الجبال وأصوات السباع
والطير علم أنه داود عليه السلام ، فقال داود : ياحزقيل أتأذن لي فأصعد إليك ؟ قال : لا ، فبكى
داود عليه السلام فأوحى الله جل جلاله إليه : يا حزقيل لاتعير داود وسلني العافية ، فقام حزقيل
فأخذ بيد داود فرفعه إليه ، فقال داود : ياحزقيل هل هممت بخطيئة قط ؟ قال : لا ، قال :
فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عزوجل ؟ قال : لا ، قال : فهل ركنت إلى


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 25 سطر 9 إلى صفحه 33 سطر 9

الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذتها ؟ قال : بلى ربما عرض بقلبي ، قال : فماذا
تصنع إذا كان ذلك ؟ ( 2 ) قال : أدخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه ، قال : فدخل داود النبي
عليه السلام الشعب فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية ، وعظام فانية ، وإذا لوح من حديد
فيه كتابة فقرأها داود عليه السلام فإذا هي : أنا أروى سلم ( 3 ) ملكت ألف سنة ، وبنيت ألف
مدينة ، وافتضضت ألف بكر ، فكان آخر أمري أن صار التراب فراشي ، والحجارة
وسادتي ، والديدان والحيات جيراني ، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا . ( 4 )
4 نبه : دخل داود غارا من غيران بيت المقدس فوجد حزقيل يعبد ربه وقد يبس
. . ( هامش صفحة 25 ) ( 1 ) في المصدر : انه قال في حديث يذكر فيه قصة داود عليه السلام انه خرج إه . قلت :
فالروايات الواردة في قصة داود عليه السلام ورميه بما يخالف مذهب الحق كلها واحدة مرجعها
إلى هشام بن سالم ، والظاهر انه لما كان كثيرا يناظر العامة ويخالطهم ذكر الصادق عليه السلام قصة
داود عليه السلام على مايزعمون لتبكيتهم وشناعة آرائهم وبيان مزعمتهم الباطلة ، والا فالمعروف
بين المسلمين قديما وحديثا أن الامامية وائمتهم عليهم السلام قائلون بعصمة الانبياء وتنزيههم
عن السهو والخطاء وعن كل مايلطخ أذيالهم المقدسة بوسمة الخطيئات والزلات ، وحسبك في ذلك
كتاب الشريف المرتضى المعروف بتنزيه الانبياء .
( 2 ) في كمال الدين : فما كنت تصنع اذا كان ذلك ؟
( 3 ) في نسخة وفي المصدر : أروى شلم .
( 4 ) كمال الدين : 289 290 أمالي الصدوق : 61 .
[ 26 ]
جلده على عظمه فسلم عليه ، فقال : أسمع صوت شبعان ناعم ، ( 1 ) فمن أنت ؟ قال : أنا
داود ، قال : الذي له كذا وكذا امرأة ؟ وكذا وكذا أمة ؟ قال : نعم ، وأنت في هذه الشدة ؟ !
قال : ما أنا في شدة ، ولا أنت في نعمة حتى تدخل الجنة . ( 2 )
5 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن علي بن أحمد ، عن محمد بن أبي عبدالله
الكوفي ، عن موسى النخعي ، عن الحسين بن أبي سعيد ، ( 3 ) عن أبي بصير قال : قلت لابي
عبدالله عليه السلام ما تقول فيما يقول الناس في داود امرأة اوريا ؟ فقال : ذلك شئ تقوله
العامة . ( 4 )
6 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن حماد
ابن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن الشحام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لو أخذت
أحدا يزعم أن داود عليه السلام وضع يده عليها لحددته حدين : حدا للنبوة ، وحدا لما
رماه به . ( 5 )
أقول : روت العامة مثله عن أمير المؤمنين عليه السلام .
7 شى : عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : مابكى أحد بكاء ثلاثة :
آدم ، ويوسف ، وداود ، فقلت : مابلغ من بكائهم ؟ فقال : أما آدم عليه السلام فبكى حين أخرج
من الجنة ، وكان رأسه في باب من أبواب السماء فبكى حتى تأذى به أهل السماء فشكوا
ذلك إلى الله فحط من قامته ، فأما داود فإنه بكى حتى هاج العشب من دموعه ، وإن
كان ليزفر الزفرة فيحرق ما نبت من دموعه ، ( 6 ) وأما يوسف عليه السلام فإنه كان يبكي على
. . ( هامش صفحة 26 ) ( 1 ) نعم الرجل : رفه ، عيشه : طاب ولان واتسع .
( 2 ) تنبيه الخواطر : 1 : 67 68 .
( 3 ) هو الحسين أو الحسن على اختلاف بن هاشم بن حيان المكارى أبوعبدالله الواقفي الثقة
في الحديث .
( 4 و 5 ) قصص الانبياء مخطوط . قلت وقد بان من الحديث ومما قبله ما اخترته قبلا ، فانت
ترى كيف ينكر ويشدد الامام الصادق عليه السلام على قائل هذه المزعمة ، حتى يقول : لو ظفرت
بقائلها لحددته حدين .
( 6 ) لاتخفى غرابته وغرابة ماقبله . وزفر الرجل أخرج نفسه مع مده إياه .
[ 27 ]
أبيه يعقوب وهو في السجن فتأذى به أهل السجن ، فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت
يوما . ( 1 )
8 كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أسباط ، عن أبي إسحاق الخراساني ، ( 2 ) عن
بعض رجاله قال : إن الله عز وجل أوحى إلى داود : إني قد غفرت ذنبك وجعلت عار
ذنبك على بني إسرائيل ، فقال : كيف يارب وأنت لاتظلم ؟ قال : إنهم لن يعاجلوك
بالنكرة . ( 3 )
عرائس الثعلبي : قال : لما علم داود بعد نزول الملكين أنهما نزلا لتنبيهه على
الخطاء خر ساجدا أربعين يوما لايرفع رأسه إلا لحاجة ولوقت صلاة مكتوبة ، ثم يعود
ساجدا ثم لايرفع رأسه إلا لحاجة لابد منها ، ثم يعود فيسجد تمام أربعين يوما ( 4 ) لايأكل ولا
يشرب ، وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه ، وهو ينادي ربه عزوجل ويسأله
التوبة ، وكان يقول في سجوده : " سبحان الملك الاعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء ،
سبحان خالق النور ، ( 5 ) إلهي لم أتعظ بما وعظت به غيري ، سبحان خالق النور ، إلهي
أنت خلقتني وكان في سابق علمك ما أنا صائر إليه ، سبحان خالق النور ، إلهي يغسل
الثوب فيذهب درنه ووسخه والخطيئة لازمة لي لاتذهب عني ، سبحان خالق النور ، إلهي
أمرتني أن أكون لليتيم كالاب الرحيم وللارملة كالزوج الرحيم ( 6 ) فنسيت عهدك ،
. . ( هامش صفحة 27 ) ( 1 ) تفسير العياشي مخطوط .
( 2 ) لم نقف على اسمه وعلى ترجمته وحاله ، مضافا إلى إرساله وكون الرواية موقوفة ، و
الظاهر أن الحديث قطعة من حديث هشام بن سالم المتقدم تحت رقم 1 .
( 3 ) فروع الكافي 1 : 343 وفيه : انهم لم يعاجلوك بالنكير .
( 4 ) في المصدر : خر ساجدا أربعين يوما لايرفع رأسه الا لحاجة لابد منها أو صلاة مكتوبة ، ثم
يعود فيسجد تمام اربعين يوما .
( 5 ) في المصدر هنا زيادة وهي هذه : سبحان الحائل بين القلوب ، الهي خليت بيني وبين عدوى
إبليس فلم أتنبه لفتنته إذ زل بي قدمي ، سبحان خالق النور ، الهي تبكي الثكلى على ولدها اذ فقدته
ويبكي داود على خطيئته ، سبحان خالق النور ، انتهى . قلت : الجملة الثانية لاتخلو عن غرابة لوضوح
أن الله لايخلى بين أنبيائه وعدوه ابليس .
( 6 ) في المصدر : كالزوج العطوف .
[ 28 ]
سبحان خالق النور ، الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء فيقال : هذا داود الخاطئ ، سبحان
خالق النور ، إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي ؟
إلهي بأي قدم أقوم أمامك يوم تزل أقدام الخاطئين ؟ ( 1 ) سبحان خالق النور ، إلهي
الخطيئة لازمة لي ( 2 ) سبحان خالق النور ، إلهي من أين يطلب العبد المغفرة إلا من عند
سيده ؟ سبحان خالق النور ، إلهي مطرت السماء ولم تمطر حولي ، سبحان خالق النور ،
إلهي أعشبت الارض ولم تعشب حولي لخطيئتي ، سبحان خالق النور ، إلهي أنا الذي لا
أطيق حر شمسك فكيف أطيق حر نارك ؟ سبحان خالق النور ، إلهي أنا الذي لا
أطيق صوت رعدك فكيف أطيق صوت جهنم ؟ سبحان خالق النور ، إلهي كيف يستتر
الخاطئون بخطاياهم وأنت شاهدهم حيث كانوا ، سبحان خالق النور ، إلهي قرح الجبين ( 3 )
وجمدت العينان من مخافة الحريق على جسدي ، سبحان خالق النور ، إلهي تسبح لك
الطير بأصوات ضعاف تخافك وأنا العبد الخاطئ الذي لم أرع وصيتك ، سبحان خالق
النور ، إلهي الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصاب ، سبحان خالق النور ( 4 ) إلهي
أسألك يا إله إبراهيم ( 5 ) وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أن تعطيني سؤلي ، فإن إليك
رغبتي ، سبحان خالق النور ، اللهم برحمتك اغفر لي ذنوبي ولا تباعدني من رحمتك
بهواي ، ( 6 ) اللهم إني أعوذ بك من دعوة لا تستجاب ، وصلاة لا تقبل ، وعمل لا يقبل ( 7 )
سبحان خالق النور ، اللهم اغفر لي بنور وجهك الكريم ذنوبي التي أو بقتني ( 8 ) سبحان
. . ( هامش صفحة 28 ) ( 1 ) في المصدر زيادة وهي : يوم القيامة من سوء الحساب .
( 2 ) في المصدر : الهي مضت النجوم وكنت أعرفها بأسمائها فتؤنسني فتركتني والخطيئة لازمة
لى . قلت : لعل لاضطرابها أسقطه المصنف .
( 3 ) في المصدر : الهي رق القلب .
( 4 ) في المصدر هنا زيادة وهي هذه : الهي انا المستغيث وانت المغيث فمن يدعو المغيث إلا
المستغيث ؟ سبحان خالق النور .
( 5 ) في المصدر : الهي أسألك بأبي ابراهيم .
( 6 ) في المصدر : لهواني فانك أرحم الراحمين ، سبحان خالق النور .
( 7 ) في المصدر : وصلاة لاتقبل ، وذنب لايغفر وعذاب لايفتر .
( 8 ) في المصدر : الهي اني أعوذ بك وبنور وجهك الكريم من ذنوبي التي أوبقتني .
[ 29 ]
خالق النور ، إلهي فررت إليك بذنوبي ، ( 1 ) واعترفت بخطيئتي فلا تجعلني من القانطين ،
ولاتخزني يوم الدين ، سبحان خالق النور ، إلهي قرح الجبين ( 2 ) وفنيت الدموع ، وتناثر
الدود من ركبتي ، وخطيئتي ألزم بي من جلدي ، سبحان خالق النور .
قالوا : فأتاه نداء : ياداود أجائع أنت فتطعم ؟ أم ظمآن أنت فتسقى ؟ أمظلوم أنت
فتنصر ؟ ولم يجبه في ذكر خطيئته ، فصاح صيحة هاج ماحوله ، ثم نادى : يارب الذنب
الذي أصبت ، فنودي : ياداود ارفع رأسك ، فقد غفرت لك ، فلم يرفع رأسه حتى جاءه جبرئيل
فرفعه .
وروي أنه لما نادى اوريا فلم يجبه بعد ذكر مافعل بزوجته قام عند قبره ، وجعل
يحثو التراب على رأسه ، ثم نادى : الويل لداود ثم الويل لداود ، سبحان خالق النور ،
الويل لداود ثم الويل له حين يؤخذ بذقنه فيدفع إلى المظلوم ، سبحان خالق النور ،
الويل لداود ثم الويل الطويل له حين يسحب على وجهه مع الخاطئين إلى النار ، سبحان
خالق النور ، الويل لداود ثم الويل الطويل له حين تقر به الزبانية مع الظالمين إلى
النار ، سبحان خالق النور . قال : فأتاه نداء من السماء : يا داود قد غفرت لك ذنبك ، و
رحمت بكاءك ، واستجبت دعاءك ، وأقلت عثرتك . ( 3 )
وعن أبي العالية ( 4 ) قال : كان من دعاء داود عليه السلام : سبحانك إلهي إذا ذكرت
خطيئتي ضاقت علي الارض برحبها ، وإذا ذكرت رحمتك ارتدت إلي روحي ، إلهي أتيت
أطباء عبادك ليداووا لي خطيئتي فكلهم عليك يدلني .
وعن النبي صلى الله عليه وآله قال : خد الدموع في وجه داود عليه السلام خديد الماء ( 5 ) في
الارض . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 29 ) ( 1 ) في المصدر : من ذنوبي .
( 2 ) " " : فرغ الحنين .
( 3 ) اختصره المصنف وهو طويل لا يسعنا ذكره .
( 4 ) في المصدر : اخبرنا ابن فتحويه عن عثمان بن أبي عاتكة أنه قال إه .
( 5 ) في المصدر : خد الماء . قلت : خد الارض : شقها . والخد : جدول الماء .
( 6 ) العرائس : 157 159 قلت : قد سقطت عن المصدر المطبوع جملة كثيرة مما اخرجه
المصنف .
[ 30 ]
تذنيب : قال الطبرسي رحمه الله : اختلف في استغفار داود عليه السلام من أي شئ كان ؟
فقيل : إنه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى ، والخضوع له ، والتذلل بالعبادة
والسجود ، كما حكى سبحانه عن إبراهيم عليه السلام بقوله : " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي
يوم الدين " ( 1 ) وأما قوله : " فغفرنا له ذلك " فالمعنى أنا قبلناه منه وأثبناه عليه ،
فأخرجه على لفظ الجزاء مثل قوله : " يخادعون الله وهو خادعهم " ( 2 ) وقوله : " الله
يستهزئ بهم " ( 3 ) فلما كان المقصود من الاستغفار والتوبة القبول قيل في جوابه : " غفرنا "
وهذا قول من ينزه الانبياء عن جميع الذنوب من الامامية وغيرهم ، ( 4 ) ومن جوز على
الانبياء الصغائر قال : إن استغفاره عليه السلام كان لصغيرة .
ثم إنهم اختلفوا في ذلك على وجوه : أحدها أن اوريا بن حنان خطب امرأة فكان
أهلها أرادوا أن يزوجوها منه ، فبلغ داود جمالها فخطبها أيضا فزوجوها منه وقدموه على
اوريا ، فعوتب داود عليه السلام على الحرص على الدنيا ، عن الجبائي .
وثانيها : أنه أخرج اوريا إلى بعض ثغوره فقتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله
من جنده ( 5 ) إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته ، فعوتب على ذلك بنزول الملكين . ( 6 )
وثالثها : أنه كان في شريعته أن الرجل إذا مات وخلف امرأة فأولياؤه أحق بها
إلا أن يرغبوا عن التزويج بها ، فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوج بها ، فلما قتل اوريا
خطب داود امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته أولياءه أن يخطبوها فعوتب على ذلك .
ورابعها : أن داود كان متشاغلا بالعبادة فأتاه رجل وامرأة محاكمين ( 7 ) إليه فنظر
إلى المرأة ليعرفها بعينها وذلك نظر مباح ، فمالت نفسه ( 8 ) ميل الطباع ، ففصل بينهما
. . ( هامش صفحة 30 ) ( 1 ) الشعراء : 82 .
( 2 ) النساء : 142 .
( 3 ) البقرة : 15 .
( 4 ) وهو الذي اختاره الشريف المرتضى في تنزيه الانبياء وغيره في غيره .
( 5 ) أو قل جزعه على ذلك على ماقيل .
( 6 ) ذكره وما قبله الثعلبي أيضا في العرائس .
( 7 ) في المصدر : متحاكمين .
( 8 ) في المصدر : فمالت نفسه إليها .
[ 31 ]
وعاد إلى عبادة ربه ، فشغله الفكر في أمرها عن بعض نوافله فعوتب .
وخامسها : أنه عوتب على عجلته في الحكم قبل التثبت ، وكان يجب عليه حين
سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيه ، ولايحكم عليه قبل ذلك ،
وإنما أنساه التثبت في الحكم فزعه من دخولهما عليه في غير وقت العادة . انتهى . ( 1 )
وقال الرازي بعد رد الرواية المشهورة والطعن فيها وإقامة الدلائل على بطلانها و
ذكر بعض الوجوه السابقة وتزييفها :
روي أن جماعة من الاعداء طمعوا في أن يقتلوا نبي الله داود عليه السلام وكان له يوم
يخلو فيه بنفسه ويشتغل بطاعة ربه فانتهزوا الفرصة في ذلك اليوم وتسوروا المحراب
فلما دخلوا عليه وجدوا عنده أقواما يمنعونه منهم فخافوا ووضعوا كذبا فقالوا : " خصمان
بغى بعضنا على بعض " إلى آخر القصة . وليس في لفظ القرآن مايمكن أن يحتج به في
إلحاق الذنب بداود إلا ألفاظ أربعة : أحدها قوله : " وظن داود أنما فتناه " وثانيها :
قوله : " فاستغفر ربه " وثالثها : قوله : " وأناب " ورابعها قوله : " فغفرنا له ذلك " ثم نقول :
وهذه الالفاظ لا يدل شئ منها على ماذكروه ، وتقريره من وجوه :
الاول : أنهم لما دخلوا عليه لطلب قتله بهذا الطريق وعلم داود عليه السلام دعاه الغضب
إلى أن يشتغل بالانتقام منهم إلا أنه مال إلى التصفح والتجاوز عنهم طلبا لمرضات الله
تعالى ، فكانت هذه الواقعة هي الفتنة ، لانها جارية مجرى الابتلاء والامتحان ، ثم إنه
استغفر ربه مما هم به من الانتقام منهم ، وتاب عن ذلك الهم وأناب ، فغفرنا له ( 2 )
ذلك القدر من الهم والعزم .
والثاني : أنه وإن غلب على ظنه أنهم دخلوا عليه ليقتلوه إلا أنه ندم على ذلك
الظن ، وقال : لما لم تقم دلالة ولا أمارة على أن الامر كذلك فبئس ما عملت بهم حين
ظننت بهم هذا الظن الردئ ، فكان هذا هو المراد من قوله : " وظن داود أنما فتناه
فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب " منه فغفر الله له ذلك .
. . ( هامش صفحة 31 ) ( 1 ) مجمع البيان 8 : 471 472 .
( 2 ) في المصدر : فغفر له ذلك .
[ 32 ]
الثالث : أن دخولهم عليه كان فتنة لداود إلا أنه عليه السلام استغفر لذلك الداخل
العازم على قتله ، وقوله : " فغفرنا له ذلك " أي لاحترام داود عليه السلام وتعظيمه انتهى . ( 1 )
وقال البيضاوي : أقصى مافي هذه الاشعار بأنه عليه السلام ود أن يكون له ما لغيره
وكان له أمثاله ، فنبهه الله بهذه القضية فاستغفر وأناب عنه . انتهى . ( 2 )
أقول : لما ثبت بما قدمنا عصمتهم عليهم السلام عن جميع الذنوب ( 3 ) لابد من رد ما
يدل على صدور ذنب عنه عليه السلام في ذلك ، وأما الوجوه التي يمكن حملها على ترك الاولى
والافضل كأكثر الوجوه السالفة فهي محتملة ، ولايمكن القطع بها إلا بعد ثبوتها ، وقد
عرفت مايظهر من الاخبار والله يعلم حقيقة الحال . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 32 ) ( 1 ) مفاتيح الغيب 7 : 137 .
( 2 ) أنوار التنزيل 2 : 343 .
( 3 ) راجع 11 : 72 96 .
( 4 ) وقد ذكر هذه الوجوه الشريف المرتضى رضوان الله تعالى عليه في كتاب تنزيه الانبياء
ص 91 ممن جوز على الانبياء الصغائر ثم عقبها بقوله : وكل هذه الوجوه لايجوز على الانبياء عليهم
السلام ، لان فيها ماهو معصية وقد بينا أن المعاصي لا تجوز عليهم ، وفيها ما هو منفر وان لم يكن
معصية مثل أن يخطب امرأة قد خطبها رجل من أصحابه فتقدم عليه وتزوجها ، وأما الاشتغال عن
النوافل فلا يجوز أن يقع عليه عتاب لانه ليس بمعصية ولا هو ايضا منفر ، فاما من زعم أنه عرض اوريا
للقتل وقدمه أمام التابوت عمدا حتى يقتل فقوله أوضح فسادا من أن يتشاغل برده ، وقد روى عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : لا اوتى برجل يزعم أن داود عليه السلام تزوج بامرأة اوريا
إلا جلدته حدين : حد النبوة وحد الاسلام انتهى . وذكر في معنى الاية ماذكره الطبرسي وبعض ما
ذكره الرازي أخيرا . قلت : قوله في الاشتغال بالنوافل : فلا يجوز أن يقع عليه عتاب ، قلت : هو
كذلك في أفراد الامة ، وأما بالنسبة إلى الانبياء والصديقين والابرار فهم ربما بعاتبون على ترك
الاولى وفعل ما كان تركه الاولى ، وعلى أي فأصح الوجوه ماتقدم عن الرضا عليه السلام في الخبر
الثاني .
[ 33 ]
( باب 3 )
* ( ما اوحى اليه عليه السلام وصدر عنه من الحكم ) *
الايات ، الانبياء " 21 " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها
عبادي الصالحون 105 .
تفسير : قال الطبرسي قدس الله سره : فيه أقوال :
أحدها : أن الزبور : كتب الانبياء ، والذكر : اللوح المحفوظ ، وثانيها : أن
الزبور : الكتب المنزلة بعد التوراة ، والذكر : التوراة ، وثالثها : أن الزبور : زبور داود
والذكر : التوراة " أن الارض " أي أرض الجنة ، وقيل : هي الارض المعروفة يرثها أمة
محمد صلى الله عليه وآله وقال أبوجعفر عليه السلام : هم أصحاب المهدي عليه السلام في آخر الزمان . ( 1 )


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 33 سطر 10 إلى صفحه 41 سطر 10

1 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ،
عن ابن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : نزل الزبور في ليلة ثمان عشرة
مضت من شهر رمضان . ( 2 )
وبإسناده ( 3 ) عن داود بن حفص ، عنه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله مثله . ( 4 )
2 ع : بإسناده عن يزيد بن سلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله لم سمي الفرقان فرقانا ؟
فقال : لانه متفرق الآيات والسور ، أنزلت في غير الالواح وغير الصحف ، والتوراة و
الانجيل والزبور أنزلت كلها جملة في الالواح والورق . الحديث . ( 5 )
. . ( هامش صفحة 33 ) ( 1 ) مجمع البيان 7 : 66 ، وقال بعد ذلك : ويدل على ذلك مارواه الخاص والعام عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله
رجلا صالحا من أهل بيتي يملا الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ) انتهى ثم أخرج اخبارا
كثيرة عن طرق العامة في هذا المعنى .
( 2 ) فروع الكافي 1 : 206 .
( 3 ) والاسناد في المصدر هكذا : علي بن ابراهيم عن أبيه ، ومحمد بن القاسم ، عن محمد بن سليمان
عن داود ، عن حفص بن غياث .
( 4 ) اصول الكافي 2 : 628 و 629 .
( 5 ) علل الشرائع : 161 ، ذكره المصنف مسندا في حديث طويل راجعه .
[ 34 ]
3 لى : الدقاق ، عن الصوفي ، عن عبيد الله بن موسى الطبري ، عن محمد بن
الحسين الخشاب ، عن محمد بن محصن ، عن يونس بن ظبيان ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام
قال : إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام : مالي أراك وحدانا ؟ قال : هجرت الناس
وهجروني فيك ، قال : فمالي أراك ساكتا ؟ قال : خشيتك أسكتتني ، قال : فمالي أراك
نصبا ( 1 ) قال : حبك أنصبني ، قال : فمالي أراك فقيرا وقد أفدتك ؟ ( 2 ) قال : القيام بحقك
أفقرني ، قال : فمالي أراك متذللا ؟ قال عظيم جلالك الذي لايوصف ذللني ، وحق ذلك
لك يا سيدي ، قال الله جل جلاله : فابشر بالفضل مني ، فلك ما تحب يوم تلقاني ،
خالط الناس وخالقهم بأخلاقهم ، وزايلهم ( 3 ) في أعمالهم تنل ما تريد مني يوم القيامة
وقال الصادق عليه السلام : أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام : يا داود بي فافرح ،
وبذكري فتلذذ ، وبمناجاتي فتنعم ، فعن قليل أخلي الدار من الفاسقين ، وأجعل لعنتي
على الظالمين . ( 4 )
ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن أورمة
وعن علي بن أحمد ، عن محمد بن هارون ، عن عبيد الله بن موسى مثله . ( 5 )
4 لى : ابن المغيرة ، عن جده ، عن جده ، عن السكوني ، عن الصادق ، عن
آبائه عليهم السلام ( 6 ) قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام : يا داود
كما لاتضيق الشمس على من جلس فيها كذلك لاتضيق رحمتي على من دخل فيها ، وكما
لاتضر الطيرة من لا يتطير منها كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون ، وكما أن أقرب
الناس مني يوم القيامة المتواضعون كذلك أبعد الناس مني يوم القيامة المتكبرون . ( 7 )
5 لى : أبي ، عن سعد ، عن النهدي ، عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن سنان ،
عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال : أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام إن
. . ( هامش صفحة 34 ) ( 1 ) لعل المعنى : مالي أراك مجدا مجتهدا في العبادة متعبا نفسك فيها ؟
( 2 ) أي وقد أعطيتك
( 3 ) أي باينهم وفارقهم في اعمالهم الرديئة وافعالهم الرذيلة .
( 4 ) أمالي الصدوق : 118 .
( 5 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 6 ) في المصدر : عن أبيه عن آبائه .
( 7 ) امالي الصدوق : 183 184 .
[ 35 ]
العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنتي ، قال : فقال داود عليه السلام : يارب وماتلك
الحسنة ؟ قال : يدخل على عبدي المؤمن سرورا ولو بتمرة ، قال : فقال داود عليه السلام : حق
لمن عرفك أن لايقطع رجاءه منك ( 1 )
ص : بإسناده إلى الصدوق مثله . ( 2 )
6 مع ، ن : ماجيلويه ، عن علي ، عن أبيه ، عن داود بن سليمان ، عن علي بن
موسى الرضا ، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام قال : أوحى الله عزوجل إلى
داود عليه السلام : إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأدخله الجنة ، قال : يارب وماتلك
الحسنة ؟ قال : يفرج عن المؤمن كربته ولو بتمرة ، قال : فقال داود عليه السلام : حق لمن عرفك
أن لا ينقطع رجاؤه منك . ( 3 )
7 ب : ابن طريف ، ( 4 ) عن ابن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذكر نحوه ، وفيه : قال : كربة ينفسها عن مؤمن بقدر تمرة ، أو شق
تمرة . ( 5 )
8 ب : هارون ، عن ابن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام إن داود قال
لسليمان : يا بني إياك وكثرة الضحك ، فإن كثرة الضحك تترك العبد حقيرا ( 6 )
يوم القيامة ، يابني عليك بطول الصمت إلا من خير ، فإن الندامة على طول الصمت مرة
واحدة خير من الندامة على كثرة الكلام مرات ، يابني لو أن الكلام كان من فضة كان
ينبغي للصمت أن يكون من ذهب . ( 7 )
. . ( هامش صفحة 35 ) ( 1 ) امالي الصدوق : 359 .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 3 ) معاني الاخبار : 106 عيون الاخبار : 174
( 4 ) هكذا في النسخ وفيه وهم ، والصحيح كما في المصدر وكتب الرجال " ظريف " بالظاء وهو
الحسن بن ظريف بن ناصح الكوفي .
( 5 ) قرب الاسناد : 56 وفيه : ان عبدا من عبادي ليأتيني بالحسنة يوم القيامة فاحكم ( فاحكمه خ )
بالجنة . فقال داود : وماتلك الحسنة ؟ .
( 6 ) في نسخة وفي المصدر : تترك العبد فقيرا .
( 7 ) قرب الاسناد : 33 .
[ 36 ]
9 ما : المفيد ، عن الحسين بن محمد التمار ، عن محمد بن القاسم الانباري ، عن أبيه ،
عن الحسين بن سليمان الزاهد قال : سمعت أبا جعفر الطائي الواعظ يقول : سمعت وهب
ابن منبه يقول : قرأت في زبور داود أسطرا منها ما حفظت ومنها مانسيت ، فما حفظت
قوله : ياداود اسمع مني ما أقول والحق أقول ، من أتاني وهو يحبني أدخلته الجنة ،
ياداود اسمع عني ( 1 ) ما أقول والحق أقول ، من أتاني وهو مستحي من المعاصي التي
عصاني بها غفرتها له ، وأنسيتها حافظيه ، ياداود اسمع مني ما أقول والحق أقول ، من
أتاني بحسنة واحدة أدخلته الجنة ، قال داود : يارب وما هذه الحسنة ؟ قال : من فرج
عن عبد مسلم ، فقال داود : إلهي لذلك لا ينبغي لمن عرفك أن يقطع رجاءه منك . ( 2 )
10 ما : المفيد ، عن الحسن بن حمزة العلوي ، عن محمد الحميري ، عن أبيه ،
عن هارون ، عن ابن زياد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام قال : في حكمة آل داود : ياابن
آدم كيف تتكلم بالهدى وأنت لاتفيق عن الردى ؟ ! ياابن آدم أصبح قلبك قاسيا ، ولعظمة
الله ناسيا ، ( 3 ) فلو كنت بالله عالما وبعظمته عارفا لم تزل منه خائفا ولموعده راجيا ، ويحك
كيف لاتذكر لحدك وانفرادك فيه وحدك ؟ ! ( 4 )
11 ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن أحمد بن سعيد بن يزيد ، عن محمد بن سلمة
الاموي ، عن أحمد بن القاسم الاموي ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن علي عليهم
السلام قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام : ياداود
إن العبد ليأتيني بالحسنة يوم القيامة فأحكمه ( 5 ) بها في الجنة ، قال داود عليه السلام : يا
رب وما هذا العبد الذي يأتيك بالحسنة يوم القيامة فتحكمه بها في الجنة ؟ قال : عبد
مؤمن سعى في حاجة أخيه المسلم أحب قضاءها قضيت له أم لم تقض . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 36 ) ( 1 ) في المصدر : اسمع مني .
( 2 ) الامالي : 65 .
( 3 ) في المصدر : وأنت لعظمة الله ناسيا .
( 4 ) الامالي : 126 127 .
( 5 ) حكمه : ولاه وأقامه حاكما . حكمه في الامر : فوض اليه الحكم .
( 6 ) الامالي : 328
[ 37 ]
12 فس : " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر " قال : الكتب كلها ذكر
" أن الارض يرثها عبادي الصالحون " قال : القائم عليه السلام وأصحابه ، قال : والزبور فيه
ملاحم وتحميد وتمجيد ودعاء . ( 1 )
بيان : قال المسعودي : أنزل الله عليه الزبور بالعبرانية مائة وخمسين سورة . و
جعله ثلاثة أثلاث ، فالثلث الاول فيه ما يلقون من بخت نصر ومايكون من أمره في
المستقبل ، وفي الثلث الثاني مايلقون من أهل الثور ، وفي الثلث الثالث مواعظ وترغيب
ليس فيه أمر ولانهي ولا تحليل ولا تحريم . ( 2 )
13 ص : بالاسناد إلى الصدوق عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن
محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن الثمالي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله تعالى أوحى
إلى داود عليه السلام : أن بلغ قومك أنه ليس من عبد منهم آمره بطاعتي فيطيعني إلا كان
حقا علي أن أعينه على طاعتي ، فإن سألني أعطيته ، وإن دعاني أجبته وإن اعتصم بي
عصمته ، وإن استكفاني كفيته ، وإن توكل علي حفظته ، وإن كاده جميع خلقي كدت
دونه . ( 3 )
14 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن
ابن أورمة ، وعن علي بن أحمد ، عن محمد بن هارون ، عن عبيد الله بن موسى ، عن محمد بن
الحسين ، عن محمد بن محصن ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله تعالى
أوحى إلى داود عليه السلام إن العباد تحابوا بالالسن ، وتباغضوا بالقلوب ، وأظهروا العمل
للدنيا ، وأبطنوا الغش والدغل . ( 4 )
15 ص : بهذا الاسناد عن ابن أورمة ، عن الحسن بن علي رفعه قال : أوحى الله
تعالى إلى داود عليه السلام : اذكرني في أيام سرائك حتى أستجيب لك في أيام ضرائك . ( 5 )
16 ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر ،
. . ( هامش صفحة 37 ) ( 1 ) تفسير القمي : 434 435 .
( 2 ) مروج الذهب في هامش الكامل 1 : 74 .
( 3 5 ) قصص الانبياء مخطوط .
[ 38 ]
عن إسرائيل رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله قال : قال الله عزوجل لداود عليه السلام : أحبني وحببني
إلى خلقي ، قال : يارب نعم أنا أحبك فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : اذكر أيادي عندهم
فإنك إذا ذكرت ذلك لهم أحبوني . ( 1 )
17 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الوشاء
عن علي بن سوقه ، عن عيسى الفراء وأبي علي العطار ، عن رجل ، عن الثمالي ، عن أبي
جعفر عليه السلام قال : بينا داود عليه السلام جالس وعنده شاب رث الهيئة يكثر الجلوس عنده
ويطيل الصمت إذ أتاه ملك الموت فسلم عليه وأحد ( 2 ) ملك الموت النظر إلى الشاب ،
فقال داود عليه السلام : نظرت إلى هذا ، فقال : نعم ، إني أمرت بقبض روحه ( 3 ) إلى سبعة
أيام في هذا الموضع ، فرحمه داود فقال : ياشاب هل لك امرأة ؟ قال : لا وما تزوجت قط
قال داود عليه السلام : فأت فلانا رجلا كان عظيم القدر في بني إسرائيل فقل له : إن داود
يأمرك أن تزوجني ابنتك ، وتدخلها الليلة ، وخذ من النفقة ماتحتاج إليه وكن عندها ،
فإذا مضت سبعة أيام فوافني في هذا الموضع ، فمضى الشاب برسالة داود عليه السلام فزوجه
الرجل ابنته وأدخلوها عليه ، ( 4 ) وأقام عندها سبعة أيام ، ثم وافى داود يوم الثامن ،
فقال له داود عليه السلام : ياشاب كيف رأيت ما كنت فيه ؟ قال : ما كنت في نعمة ولا سرور قط
أعظم مما كنت فيه ، قال داود : اجلس فجلس وداود ينتظر أن يقبض روحه ، فلما طال قال :
انصرف إلى منزلك فكن مع أهلك ، فإذا كان يوم الثامن ( 5 ) فوافني ههنا ، فمضى الشاب
ثم وافاه يوم الثامن وجلس عنده ، ثم انصرف أسبوعا آخر ثم أتاه وجلس ، فجاء ملك
الموت إلى داود عليه السلام فقال داود : ألست حدثتني بأنك أمرت بقبض روح هذا الشاب إلى
سبعة أيام ؟ قال : بلى ، فقال : فقد مضت ثمانية وثمانية وثمانية ، قال : ياداود إن الله تعالى
رحمه برحمتك له فأخر في أجله ثلاثين سنة . ( 6 )
18 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى عن ابن
. . ( هامش صفحة 38 ) ( 1 و 6 ) قصص الانبياء مخطوط . م
( 2 ) أحد اليه النظر : بالغ في النظر اليه .
( 3 ) في نسخة : اني امرت أن أقبض روحه .
( 4 ) أي أدخلها أهلها عليه . ( 5 ) كذا .
[ 39 ]
أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أوحى الله تعالى إلى
داود عليه السلام : إن خلادة ( 1 ) بنت أوس بشرها بالجنة ، وأعلمها أنها قرينتك في الجنة ،
فانطلق إليها فقرع الباب عليها ، فخرجت وقالت : هل نزل في شئ ؟ قال : نعم ، قالت : و
ماهو ؟ قال : إن الله تعالى أوحى إلي وأخبرني أنك قرينتي في الجنة وأن أبشرك بالجنة ،
قالت : أو يكون اسم وافق اسمي ؟ قال : إنك لانت هي ، قالت : يانبي الله ما أكذبك ، ولا
والله ما أعرف من نفسي ماوصفتني به ، قال داود عليه السلام : أخبريني عن ضميرك وسريرتك ماهو ؟
قالت : أما هذا فسأخبرك به ، أخبرك أنه لم يصبني وجع قط نزل بي كائنا ما كان ، وما
نزل ضر بي حاجة وجوع ( 2 ) كائنا ماكان إلا صبرت عليه ولم أسأل الله كشفه عني حتى
يحوله الله عني إلى العافية والسعة ، ولم أطلب بها بدلا ، وشكرت الله عليها وحمدته ،
فقال داود عليه السلام : فبهذا بلغت مابلغت ، ثم قال أبوعبدالله عليه السلام : وهذا دين الله الذي
ارتضاه للصالحين . ( 3 )
19 ختص : قال الله لداود : ياداود احذر القلوب المعلقة بشهوات الدنيا فإن
عقولها محجوبة عني . ( 4 ) .
20 كا : أبوعلي الاشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عثمان بن عيسى ،
عن سعيد بن يسار ، عن منصور بن يونس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : في حكمة آل داود عليه السلام :
على العاقل أن يكون عارفا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه . ( 5 )
21 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن عبدالله بن القاسم ،
عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : فيما أوحى الله عزوجل إلى داود
عليه السلام : يا داود كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون ، كذلك أبعد الناس من الله
المتكبرون . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 39 ) ( 1 ) في قصص الانبياء للجزائري : " جلادة " بالجيم .
( 2 ) في نسخة : ومانزل ضر بي وحاجة وجوع .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 4 ) الاختصاص مخطوط .
( 5 ) اصول الكافي : 2 : 116 .
( 6 ) " " : 2 : 123 .
[ 40 ]
22 كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : قال الله عزوجل لداود عليه السلام : ياداود بشر المذنبين ، وأنذر الصديقين
قال : كيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين ؟ قال : يا داود بشر المذنبين أني أقبل التوبة
وأعفو عن الذنب ، وأنذر الصديقين أن لايعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبد أنصبه للحساب
إلا هلك . ( 1 )
23 ارشاد القلوب : روي أن الله أوحى إلى داود عليه السلام : من أحب حبيبا صدق قوله ،
ومن آنس بحبيب قبل قوله ورضي فعله ، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه ، ومن اشتاق إلى
حبيب جد في السير إليه ، ياداود ذكري للذاكرين ، وجنتي للمطيعين ، وزيارتي للمشتاقين ،
وأنا خاصة للمطيعين . ( 2 )
24 وإن الله أوحى إلى داود : قل لفلان الجبار : إني لم أبعثك لتجمع الدنيا
على الدنيا ، ولكن لترد عني دعوة المظلوم وتنصره ، فإني آليت على نفسي أن أنصره
وأنتصر له ممن ظلم بحضرته ولم ينصره . ( 3 )
25 وأوحى الله إلى داود عليه السلام : اشكرني حق شكري ، قال : إلهي أشكرك حق
شكرك وشكري إياك نعمة منك ، فقال : الآن شكرتني ، ( 4 ) وقال داود عليه السلام : يا رب
وكيف كان آدم يشكرك حق شكرك وقد جعلته أب أنبيائك وصفوتك ، وأسجدت له
ملائكتك ؟ فقال : إنه عرف أن ذلك من عندي فكان اعترافه بذلك حق شكري . ( 5 )
26 وروي أن داود عليه السلام خرج مصحرا منفردا ، فأوحى الله إليه : يا داود مالي
أراك وحدانيا ؟ فقال : إلهي اشتد الشوق مني إلى لقائك ، وحال بيني وبينك خلقك ، ( 6 )
. . ( هامش صفحة 40 ) ( 1 ) اصول الكافي 2 : 314 .
( 2 ) ارشاد القلوب 1 : 73 74 وفيه : للمحبين .
( 3 ) " " 1 : 93 .
( 4 ) في المصدر : كيف أشكرك حق شكرك وشكري اياك نعمة منك ؟ فقال : الان شكرتني حق
شكري .
( 5 ) ارشاد القلوب 1 : 150
( 6 ) في المصدر : وحال بيني وبين خلقك . قلت : اي حال الشوق اليك بيني وبينهم فتركتهم
واقبلت اليك .
[ 41 ]
فأوحى الله إليه : ارجع إليهم فإنك إن تأتني بعبد آبق أثبتك في اللوح حميدا . ( 1 )
27 نبه : روي أنه مكتوب في حكمة آل داود : حق على العاقل أن لايغفل عن
أربع ساعات : فساعة فيها يناجي ربه ، وساعة فيها يحاسب نفسه ، وساعة يفضي إلى
إخوانه ( 2 ) الذين يصدقونه عن عيوب نفسه ، ( 3 ) وساعة يخلي بين نفسه ولذتها فيما يحل
ويحمد ، ( 4 ) فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات . ( 5 )
28 يه : في الصحيح عن إبراهيم بن أبي البلاد قال : كانت امرأة على عهد داود عليه السلام
يأتيها رجل يستكرهها على نفسها ، فألقى الله عزوجل في نفسها فقالت له : إنك لاتأتيني
مرة إلا وعند أهلك من يأتيهم ، قال : فذهب إلى أهله فوجد عند أهله رجلا ، فأتى به
داود عليه السلام فقال : يانبي الله أتى إلي مالم يؤت إلى أحد ، قال : وماذاك ؟ قال : وجدت
هذا الرجل عند أهلي ، فأوحى الله عزوجل إلى داود : قل له : كما تدين تدان . ( 6 )


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 41 سطر 11 إلى صفحه 49 سطر 11

29 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن مفضل ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام : ما اعتصم بي عبد من عبادي
دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته ثم تكيده السماوات والارض ومن فيهن إلا
جعلت له المخرج من بينهن ، وما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من
نيته إلا قطعت أسباب السماوات من يديه ( 7 ) وأسخت الارض من تحته ، ( 8 ) ولم أبال
بأي واد تهالك . ( 9 )
. . ( هامش صفحة 41 ) ( 1 ) ارشاد القلوب 1 : 208 وفيه : اثبتك في اللوح جميلا .
( 2 ) اي وصل اليهم .
( 3 ) في نسخة : على عيوب نفسه .
( 4 ) في المصدر : فيما يحل ويجمل .
( 5 ) تنبيه الخواطر 2 : 23 .
( 6 ) من لا يحضره الفقيه : 471 .
( 7 ) في المصدر : الا قطعت اسباب السماوات والارض من يديه .
( 8 ) قال المصنف في مرآت العقول : واسخت بالخاء المعجمة وتشديد التاء من السخت
هو الشديد ، وهو من اللغات المشتركة بين العرب والعجم ، أي لا ينبت له زرع ولا يخرج له خير
من الارض ، أو من السوخ وهو الانخساف على بناء الافعال اي خسفت الارض به ، وربما يقرء بالحاء
المهملة من السياحة كناية عن الزلزلة .
( 9 ) اصول الكافي 2 : 63 ، وفي نسخة : هلك .
[ 42 ]
30 تم : محمد بن الحسن ، عن أحمد بن إدريس ، عن سلمة بن الخطاب ، عن القاسم بن
يحيى ، عن جده الحسن ، عن داود الرقي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أوحى الله تبارك و
تعالى إلى داود عليه السلام : قل للجبارين : لا يذكروني ، فإنه لايذكرني عبد إلا ذكرته ،
وإن ذكروني ذكرتهم فلعنتهم . ( 1 )
31 ين : ابن أبي البلاد ، عن سعد الاسكاف ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في
بني إسرائيل عابد فأعجب به داود عليه السلام فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : لايعجبك شئ من
أمره فإنه مراء ، قال : فمات الرجل فأتى داود فقيل له : مات الرجل ، فقال : ادفنوا
صاحبكم ، قال : فأنكرت ذلك بنو إسرائيل ، وقالوا : كيف لم يحضره ؟ قال : فلما غسل
قام خمسون رجلا فشهدوا بالله مايعلمون منه إلا خيرا ، فلما صلوا عليه قام خمسون
رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون إلا خيرا ، فلما دفنوه قال : فأوحى الله عزوجل إلى داود
عليه السلام : مامنعك أن تشهد فلانا ؟ قال : الذي أطلعتني عليه من أمره ، قال : إن كان
لكذلك ولكن شهده قوم من الاحبار والرهبان ، فشهدوا لي مايعلمون إلا خيرا ، فأجزت
شهادتهم عليه ، وغفرت له علمي فيه . ( 2 )
33 ج ، يد ، ن : عن الحسن بن محمد النوفلي ، عن الرضا عليه السلام فيما احتج به
على أهل الملل قال لرأس الجالوت : قال داود عليه السلام في زبوره : ( 3 ) " اللهم ابعث مقيم
السنة بعد الفترة " فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد ؟ ( 4 )
34 عدة : فيما أوحى الله إلى داود عليه السلام : من انقطع إلي كفيته ، ومن سألني
أعطيته ، ومن دعاني أجبته ، وإنما أؤخر دعوته وهي معلقة وقد استجبتها حتى يتم قضائي
فإذا تم قضائي أنفذت ماسأل ، قل للمظلوم : إنما أوخر دعوتك وقد استجبتها لك على ( 5 )
. . ( هامش صفحة 42 ) ( 1 ) فلاح السائل مخطوط .
( 2 ) مخطوط قوله : ( وغفرت له ) اي سترت له ما كنت اعلم من عمله .
( 3 ) في المصدر : قال داود عليه السلام في زبوره وانت تقرؤه .
( 4 ) احتجاج الطبرسي : 231 توحيد الصدوق : 442 عيون الاخبار : 93 وقد اخرج الحديث
بتمامه وشرحه في كتاب الاحتجاجات راجع 10 : 299 318 .
( 5 ) في المصدر : وقد استجبتها لك حتى يتم قضائي لك على من ظلمك .
[ 43 ]
من ظلمك لضروب كثيرة غابت عنك وأنا أحكم الحاكمين : إما أن تكون قد ظلمت رجلا
فدعا عليك فتكون هذه بهذه لالك ولا عليك ، وإما أن تكون لك درجة في الجنة لاتبلغها
عندي إلا بظلمه لك ، لاني أختبر عبادي في أموالهم وأنفسهم ، وربما أمرضت العبد فقلت
صلاته وخدمته ، ولصوته إذا دعاني في كربته أحب إلي من صلاة المصلين ، ولربما صلى
العبد فأضرب بها وجهه وأحجب عني صوته ، أتدري من ذلك ياداود ؟ ذلك الذي يكثر
الالتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق وذلك الذي حدثته نفسه لو ولى أمرا لضرب فيه
الاعناق ظلما ، ياداود نح على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها ، لو رأيت الذين يأكلون
الناس بألسنتهم وقد بسطتها بسط الاديم وضربت نواحي ألسنتهم بمقامع من نار ، ثم
سلطت عليهم موبخا لهم يقول : ياأهل النار هذا فلان السليط فاعرفوه ، كم ركعة طويلة
فيها بكاء بخشية قد صلاها صاحبها لا تساوي عندي فتيلا حين نظرت في قلبه فوجدته
أن سلم من الصلاة ، وبرزت له امرأة وعرضت عليه نفسها أجابها وإن عامله مؤمن
خانه . ( 1 )
* أقول : قال السيد قدس الله روحه في كتاب سعد السعود : رأيت في زبور داود
عليه السلام في السورة الثانية ماهذا لفظه : ( 2 ) داود ! إني جعلتك خليفة في الارض ، و
جعلتك مسبحي ونبيي ، وسيتخذ عيسى إلها من دوني من أجل ما مكنت فيه من القوة
. . ( هامش صفحة 43 ) ( 1 ) عدة الداعي : 22 23 .
* قال الثعلبي : قال وهب : لما استخلف داود ابنه سليمان وعظه فقال : يابني اياك والهزل فان
نفعه قليل ويهيج المداوة بين الاخوان واياك والغضب فان الغضب يستخف صاحبه ، وعليك بتقوى
الله وطاعته فانهما يغلبان كل شئ ، واياك وكثرة الغيرة على أهلك من غير شئ فان ذلك يورث سوء
الظن بالناس وان كانوا برآء ، واقطع طمعك عن الناس فانه هو الغنى ، واياك والطمع فهو الفقر
الحاضر ، واياك وما يعتذر منه من القول ، وعود نفسك ولسانك الصدق والزم الاحسان ، وان
استطعت أن يكون يومك خيرا من امسك فافعل ، وصل صلاة مودع ، ولا تجالس السفهاء ، ولاترد
على عالم ، ولا تماره في الدين ، واذا غضبت فالصق نفسك بالارض وتحول من مكانك ، وارج رحمة الله
فانها واسعة وسعت كل شئ . منه رحمه الله .
( 2 ) في المصدر صدر أسقطه المصنف أو كان سقط عن نسخته وهو هذا : مايقول الامم والشعوب
وقد اجتمعوا على الرب وحده ، يريدون ليطفئوا نور الله وقدسه ، ياداود . اه
[ 44 ]
وجعلته يحيي الموتى بإذني ، داود ! صفني لخلقي بالكرم والرحمة ، وإني على كل شئ
قدير ، داود ! من ذا الذي انقطع إلي فخيبته ؟ أو من ذا الذي أناب إلي فطردته عن باب
إنابتي ؟ مالكم لاتقدسون الله وهو مصوركم وخالقكم على ألوان شتى ؟ مالكم لاتحفظون
طاعة الله آناء الليل والنهار وتطردون المعاصي عن قلوبكم ، كأنكم لاتموتون ، وكأن
دنياكم باقيه لاتزول ولا تنقطع ، ( 1 ) ولكم في الجنة عندي أوسع وأخصب لو عقلتم وتفكرتم
وستعلمون إذا حضرتم وصرتم إلي أني بما تعمل الخلق بصير ، سبحان خالق النور .
وفي السورة العاشرة : أيها الناس لا تغفلوا عن الآخرة ، ولا تغرنكم الحياة لبهجة
الدنيا ونضارتها ( 2 ) بني إسرائيل ! لو تفكرتم في منقلبكم ومعادكم وذكرتم القيامة وما
أعددت فيها للعاصين قل ضحككم وكثر بكاؤكم ، ولكنكم غفلتم عن الموت ونبذتم عهدي
وراء ظهوركم ، واستخففتم بحقي كأنكم لستم بمسيئين ولا محاسبين ، كم تقولون ولا
تفعلون ؟ ! وكم تعدون فتخلفون ؟ ! وكم تعاهدون فتنقضون ؟ ! لو تفكرتم في خشونة
الثرى ( 3 ) ووحشة القبر وظلمته لقل كلامكم وكثر ذكركم واشتغالكم لي ، إن الكمال
كمال الآخرة ، وأما كمال الدنيا فمتغير وزائل ، لا تتفكرون في خلق السماوات والارض
وما أعددت فيها من الآيات والنذر وحبست الطير في جو السماء يسبحن ويسرحن ( 4 )
في رزقي ؟ وأنا الغفور الرحيم ، سبحان خالق النور .
وفي السورة السابعة عشر : داود ! اسمع ما أقول ، ومر سليمان يقول بعدك : إن
الارض أورثها محمدا ( 5 ) وأمته وهم خلافكم ، ولا تكون صلاتهم بالطنابير ولا يقدسون
الاوتار ، فازدد من تقديسك ، وإذا زمرتم ( 6 ) بتقديسي فأكثروا البكاء بكل ساعة ،
. . ( هامش صفحة 44 ) ( 1 ) في المصدر : وكأن دنياكم باقية للازل ولا تنقطع .
( 2 ) في نسخة : ولاتغرنكم الحياة الدنيا لبهجة الدنيا ونضارتها . وفي المصدر : ولا تغرنكم
الحياة وبهجة الدنيا ونضارتها ، يابني اسرائيل . اه
( 3 ) في المصدر : لو تفكرتم في خسوفة الثرى .
( 4 ) سرحت المواشي : ذهبت ترعى .
( 5 ) في المصدر : يرثها محمد وامته .
( 6 ) زمر : غنى بالنفخ في القصب ونحوه . زمر بالحديث : بثه وأذاعه . زمر النعام : صوت
ولعل المراد هنا هو الاخير . وفي المصدر : زفرتم .
[ 45 ]
داود ! قل لبني إسرائيل ، لاتجمعوا المال من الحرام فإني لا أقبل صلاتهم ، واهجر أباك
على المعاصي وأخاك على الحرام ، واتل على بني إسرائيل نبأ رجلين كانا على عهد إدريس
فجاءت لهما تجارة وقد فرضت عليهما صلاة مكتوبة فقال الواحد : أبدأ بأمر الله ، وقال
الآخر : أبدأ بتجارتي وألحق أمر الله ، فذهب هذا لتجارته ، وهذا لصلاته ، فأوحيت إلى
السحاب فنفخت ( 1 ) وأطلقت نارا وأحاطت واشتغل الرجل ( 2 ) بالسحاب والظلمة فذهبت
تجارته وصلاته ، وكتب على بابه : انظروا ماتصنع الدنيا والتكاثر بصاحبه .
داود ! إن الكبائر والكبر حرد ( 3 ) لا يتغير أبدا ، فإذا رأيت ظالما قد رفعته
الدنيا فلا تغبطه فإنه لابد له من أحد الامرين : إما أن أسلط عليه ظالما أظلم منه
فينتقم منه ، وإما ألزمه رد التبعات يوم القيامة . داود ! لو رأيت صاحب التبعات قد جعل
في عنقه طوق من نار ، فحاسبوا نفوسكم ، وأنصفوا الناس ، ودعوا الدنيا وزينتها ، يا أيها
الغفول ما تصنع بدنيا يخرج منها الرجل صحيحا ( 4 ) ويرجع سقيما ، ويخرج فيجبى ( 5 )
جباية فيكبل بالحديد والاغلال ، ويخرج الرجل صحيحا فيرد قتيلا . ويحكم لو رأيتم
الجنة وما أعددت فيها لاوليائي من النعيم لما ذقتم دواءها بشهوة ( 6 ) ، أين المشتاقون
إلى لذيذ الطعام والشراب ؟ أين الذين جعلوا مع الضحك بكاء ؟ أين الذين هجموا على
مساجدي في الصيف والشتاء ؟ انظروا اليوم ماترى أعينكم فطال ما كنتم تسهرون والناس
نيام ، فاستمتعوا اليوم ماأردتم فإني قد رضيت عنكم أجمعين ، ولقد كانت أعمالكم الزاكية
تدفع سخطي عن أهل الدنيا يارضوان اسقهم من الشراب الآن فيشربون ، وتزداد وجوههم
نضرة ، فيقول رضوان : هل تدرون لم فعلت هذا ؟ لانه لم تطأ فروجكم فروج الحرام ، ولم
. . ( هامش صفحة 45 ) ( 1 ) في نسخة : ففتحت .
( 2 ) في المصدر : واشتعل الرجل ، قلت : مافي المتن أصح . واشتعل فلان : التهب غضبا .
( 3 ) في نسخة : ان التكاثر والكبر حرب . وفي المصدر : ان البكاء والكبر خود لا يتغير . و
الكل مصحف .
( 4 ) الصحيح كما في المصدر : يدخلها الرجل صحيحا .
( 5 ) جبا يجبو وجبى يجبى الخراج : جمعه . وفي المصدر : فيحيى حياته . قوله : فيكبل اي يقيد .
( 6 ) هكذا في نسخة وفي المصدر ، وفي نسخة اخرى : لماذقتم ذوقا بشهوة .
[ 46 ]
تغبطوا الملوك والاغنياء غير المساكين ، يارضوان أظهر لعبادي ماأعددت لهم ثمانية ألف
ضعف . ياداود من تاجرني فهو أربح التاجرين ، ومن صرعته الدنيا فهو أخسر الخاسرين ،
ويحك ياابن آدم ماأقسى قلبك ! أبوك وأمك يموتان وليس لك عبرة بهما ؟ ! ياابن آدم
ألا تنظر إلى بهيمة ماتت فانتفخت وصارت جيفة ، وهي بهيمة وليس لها ذنب ؟ ولو وضعت
أوزارك على الجبال الراسيات لهدتها . داود ! وعزتي ماشئ أضر عليكم من أموالكم و
أولادكم ، ولا أشده في قلوبكم فتنة منها ، والعمل الصالح عندي مرفوع ، وأنا بكل
شئ محيط . سبحان خالق النور .
وفي السورة الثالثة والعشرين : يابني الطين والماء المهين ، ( 1 ) وبني الغفلة والغرة
لاتكثروا الالتفات إلى ماحرمت عليكم ، فلو رأيتم مجاري الذنوب لاستقذرتموه ، ولو رأيتم
العطرات ( 2 ) قد عوفين من هيجان الطبائع ، فهن الراضيات فلا يسخطن أبدا ، وهن
الباقيات فلا يمتن أبدا ، كلما اقتضها ( 3 ) صاحبها رجعت بكرا ، أرطب من الزبد ، وأحلى
من العسل ، بين السرير والفراش أمواج تتلاطم من الخمر والعسل ، كل نهر ينفذ من آخر
ويحك إن هذا لهو الملك الاكبر ، والنعيم الاطول ، والحياة الرغدة ، والسرور الدائم ،
والنعيم الباقي ، عندي الدهر كله ، وأنا العزيز الحكيم ، سبحان خالق النور .
وفي الثلاثين : ( 4 ) بني آدم رهائن الموتى ، ( 5 ) اعملوا لآخرتكم واشتروها بالدنيا
ولا تكونوا كقوم أخذوها لهوا ولعبا ، واعلموا أن من قارضني نمت بضاعته وتوفر ربحها ،
. . ( هامش صفحة 46 ) ( 1 ) في المصدر : ياابن الماء والطين .
( 2 ) في المصدر : ولو رأيتم الخطوات الالوان أجسامهن مسكا توقل الجارية في كل ساعة بسبعين
حلة قد عوفين من هيجان الطبائع فهن الراضيات فلا يسخطن أبدا اه قلت : هكذا في المصدر ، و
هو كما ترى فيه تصحيفات . قوله : ( قد عوفين من هيجان الطبائع ) لعله اراد بذلك سلامتهن من
عادات النساء ومايعرض لهن من الاسقام والادواء .
( 3 ) في المصدر : افتضها بالفاء . وهما بمعنى واحد اي كلما ازال بكارتهن .
( 4 ) في المصدر : " وفي السورة الثلاثين " وكذا فيما يأتي .
( 5 ) في المصدر : رهائن الموت وهو الصحيح ، والرهائن جمع الرهينة ، أي الموت لازم لهم
فشبههم في لزومه لهم وعدم انفكاكه منهم بالرهن في يد المرتهن .
[ 47 ]
ومن قارض الشيطان قرن معه ، مالكم تتنافسون في الدنيا وتعدلون عن الحق ، غرتكم
أحسابكم ، فما حسب امرئ خلق من الطين ؟ إنما الحسب عندي هو التقوى ، بني آدم !
إنكم وما تعبدون من دون الله في نار جهنم ، أنتم مني برآء ، وأنا منكم برئ ، لا حاجة
لي في عبادتكم حتى تسلموا إسلاما مخلصا وأنا العزيز الحكيم ، سبحان خالق النور . ( 1 )
وفي السادسة والاربعين : بني آدم ! لاتستخفوا بحقي فأستخف بكم في النار ، إن
أكلة الربا تقطع أمعاؤهم وأكبادهم ، إذا ناولتم الصدقات فاغسلوها بماء اليقين ، فإني
أبسط يميني قبل يمين الآخذ ، فإذا كانت من حرام حذفت بها في وجه المتصدق ، وإن
كانت من حلال قلت : ابنوا له قصورا في الجنة ، وليست الرئاسة رئاسة الملك ، إنما الرئاسة
رئاسة الآخرة ، سبحان خالق النور .
وفي السابعة والاربعين : أتدري ياداود لم مسخت بني إسرائيل فجعلت منهم القردة
والخنازير ؟ لانهم إذا جاء الغني بالذنب العظيم ساهلوه ، وإذا جاء المسكين بأدنى منه
انتقموا منه ، وجبت لعنتي على كل متسلط في الارض لايقيم الغني والفقير بأحكام واحدة
إنكم تتبعون الهوى في الدنيا ، ( 2 ) أين المفر مني إذا تخليت بكم ؟ كم قد نهيتكم عن
الالتفات إلى حرم المؤمنين ؟ وطالت ألسنتكم ( 3 ) في أعراض الناس ، سبحان خالق النور
. . ( هامش صفحة 47 ) ( 1 ) في المصدر هنا زيادات لعلها اسقطت عن النساخ ، أو كانت نسخة سعد السعود الموجودة
عند المصنف ناقصة ، وهي : وفي السورة السادسة والثلاثين : ثياب العاصي ثقال على الابدان
ووسخ على الوجه ، والوسخ ينقطع بالماء ، ووسخ الذنوب لا ينقطع الا بالمغفرة ، طوبى للذين
كان باطنهم أحسن من ظاهرهم ، ومن كانت له ودائع فرح بها يوم الازفة ، ومن عمل بالمعاصي و
أسرها من المخلوقين لم يقدر على اسرارها منى ، قد أوفيتكم ماوعدتكم من طيبات الرزق ، ونبات
البر ، وطير السماء ، ومن جميع الثمرات ، ورزقتكم مالم تحتسبوا ، وذلك كله على الذنوب ، معشر
الصوام بشر الصائمين بمرتبة الفائزين ، وقد انزلت على اهل التوراة بما انزلت عليكم ، داود !
سوف تحرف كتبي ، ويفترى علي كذبا ، فمن صدق بكتبي ورسلي فقد أنجح وأفلح وأنا العزيز
سبحان خالق النور ، انتهى .
( 2 ) في نسخة : هب انكم تتبعون الهوى في الدنيا فاين المفر مني .
( 3 ) في المصدر : وأطالت ألسنتكم . قلت : لعل الصواب : واطالة السنتكم .
[ 48 ]
وفي الخامسة والستين : أفصحتم في الخطبة وقصرتم في العمل ، فلو أفصحتم في
العمل وقصرتم في الخطبة لكان أرجى لكم ، ولكنكم عمدتم إلى آياتي فاتخذتموها
هزءا ، وإلى مظالمي فاشتهرتم بها ، وعلمتم أن لا هرب مني ، وأمنتم فجائع الدنيا . ( 1 )
داود ! اتل على بني إسرائيل نبأ رجل دانت له أقطار الارض حتى استوى ، ( 2 ) وسعى في
الارض فسادا ، وأخمد الحق وأظهر الباطل ، وعمر الدنيا ، وحصن ( 3 ) الحصون ، و
حبس الاموال ، فبينما هو في غضارة ( 4 ) دنياه إذ أوحيت إلى زنبور يأكل لحمة خده ، و
يدخل وليلدغ الملك ، فدخل الزنبور وبين يديه ستاره ووزراؤه وأعوانه فضرب خده
فتورمت وتفجرت منه أعين دما وقيحا ، فثير عليه بقطع من لحم ( 5 ) وجهه حتى كان كل
من يجلس عنده شم منم نتنا عظيما ، ( 6 ) حتى دفن جثة بلا رأس ، فلو كان للآدميين عبرة
تردعهم لردعتهم ، ولكن اشتغلوا بلهو الدنيا ولعبهم ، فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يأتيهم
أمري ولا أضيع أجر المحسنين ، سبحان خالق النور . ( 7 )
أقول : سيأتي سائر ما نقلنا من الزبور وسائر حكم داود عليه السلام في كتاب المواعظ
إن شاء الله تعالى .
. . ( هامش صفحة 48 ) ( 1 ) في المصدر : وأسستم فجائع الدنيا .
( 2 ) أي حتى استولى وظهر عليها .
( 3 ) حصن المكان : جعله حصينا .
( 4 ) الغضارة : النعمة وطيب العيش . السعة والخصب .
( 5 ) في المصدر : ويقطع من لحم وجهه .
( 6 ) " " : فكل من جلس عنده شم من دماغه نتنا عظيما .
( 7 ) سعد السعود : 47 51 ، وفي المصدر له ذيل فيه مواعظ لم يذكره المصنف .
[ 49 ]
( باب 4 )
* ( قصة أصحاب السبت ) *
الايات ، البقرة : " 2 " قال الله تعالى : ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت
فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين * فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة
للمتقين 55 و 66 .
النساء " 4 " أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت 47 " وقال تعالى " : وقلنا لهم لا
تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا 154 .
الاعراف " 7 " وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ
تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لايسبتون لاتأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون *
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى
ربكم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ماذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 49 سطر 12 إلى صفحه 57 سطر 12

ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة
خاسئين 163 166 .
النحل " 16 " إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم
يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون 124 .
تفسير : قيل : المعنى : إنما جعل السبت لعنة ومسخا على الذين اختلفوا فيه فحرموه
ثم استحلوه فمسخهم ، وقيل : أي إنما فرض تعظيم السبت على الذين اختلفوا في أمر الجمعة
وهم اليهود ، وكانوا قد أمروا بتعظيم الجمعة فعدلوا عما أمروا به ، وقيل : المختلفون
هم اليهود والنصارى ، قال بعضهم : السبت أعظم الايام لانه سبحانه فرغ فيه من خلق
الاشياء ، وقال آخرون : بل الاحد أعظم لانه ابتدأ خلق الاشياء فيه ، ويؤيد الوسط
ماسيأتي من الخبر .
[ 50 ]
1 ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن عبدالله بن محمد الحجال ، عن علي بن
عقبة ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن اليهود أمروا بالامساك يوم الجمعة
فتركوا يوم الجمعة وأمسكوا يوم السبت ، فحرم عليهم الصيد يوم السبت . ( 1 )
شى : عن علي بن عقبة مثله . ( 2 )
2 فس : إن أصحاب السبت قد كان أملى الله لهم حتى أثروا ( 3 ) وقالوا : إن
السبت لنا حلال ، وإنما كان حرم على أولينا ، وكانوا يعاقبون على استحلالهم السبت ،
فأما نحن فليس علينا حرام ، ( 4 ) ومازلنا بخير منذ استحللنا ، وقد كثرت أموالنا وصحت
أبداننا ، ثم أخذهم الله ليلا وهم غافلون . ( 5 )
3 كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن علي الهمداني ، عن سماعة
ابن مهران ، عن الكلبي النسابة قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الجري ( 6 ) فقال :
إن الله عزوجل مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحرا فهو الجري والزمير ( 7 )
والمارماهي وما سوى ذلك ، وما أخذ منهم برا فالقردة والخنازير والوبر ( 8 ) والورل وما
سوى ذلك . ( 9 )
بيان : قال الجوهري : الورل : دابة مثل الضب .
4 كا : علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبدالرزاق بن
. . ( هامش صفحة 50 ) ( 1 ) علل الشرائع : 35 .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط .
( 3 ) أملى لهم أي امهلهم .
( 4 ) هكذا في النسخ والمصدر ، وفي البرهان : فليس علينا حراما .
( 5 ) تفسير القمي : 168 .
( 6 ) الجري : نوع من السمك النهري الطويل المعروف بالحتكليس ويدعونه في مصر ثعبان
الماء وليس له عظم الا عظم الرأس والسلسلة .
( 7 ) الزمير : نوع من السمك له شوك ناتئ على ظهره ، واكثر مايكون في المياه العذبة .
( 8 ) الوبر : دويبة كالسنور لكنها أصغر منه وهي قصير الذنب والاذنين .
( 9 ) فروع الكافي 2 : 145 .
[ 51 ]
مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمد بن سالم ، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال :
فما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل نبي منهم شرعة
ومنهاجا ، والشرعة والمنهاج سبيل وسنة ، ( 1 ) وكان من السبيل والسنة التي أمر الله عز
وجل بها موسى أن جعل عليهم السبت ، وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل
ذلك من خشية الله من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت أدخلها الله الجنة ، ( 2 )
ومن استخف بحقه واستحل ماحرم الله عليه من العمل الذي نهى الله عنه فيه أدخله الله
عزوجل النار ، وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت غضب الله
عليهم من غير أن يكون ( 3 ) أشركوا بالرحمن ولا شكوا في شئ مما جاء به موسى عليه السلام ،
قال الله عزوجل : " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة
خاسئين " الخبر . ( 4 )
5 فس : " واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ
تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لايسبتون لاتأتيهم " فإنها قرية كانت لبني إسرائيل
قريبة من البحر ، وكان الماء يجري عليها في المد والجزر ، فيدخل أنهارهم وزروعهم ويخرج
السمك من البحر حتى يبلغ آخر زروعهم ، وقد كان الله حرم عليهم الصيد ( 5 ) يوم السبت
فكانوا يضعون الشباك في الانهار ليلة الاحد ، ويصيدون بها السمك ، وكان السمك يخرج
يوم السبت ويوم الاحد لا يخرج وهو قوله : " إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا
يسبتون لاتأتيهم " فنهاهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا فمسخوا قردة وخنازير ، وكان العلة
. . ( هامش صفحة 51 ) ( 1 ) اختصره المصنف .
( 2 ) هكذا في المطبوع ، والنسخ المخطوطة التي عندنا خالية عن الحديث رأسا ، والموجود
في الكافي ومرآت العقول والبرهان هكذا : " وكان من اعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من
خشية الله أدخله الله الجنة " وهذا هو الصحيح فقوله : ( من قوم ثمود ) لعله كانت نسخة المصنف فيها ذلك
أو وهم النساخ فزادوا في العبارة ذلك من الحديث الاتي .
( 3 ) الصحيح كما في المصدر : من غير أن يكونوا .
( 4 ) اصول الكافي : 2 : 28 و 29 .
( 5 ) في المصدر : وقد كان الله قد حرم عليهم الصيد .
[ 52 ]
في تحريم الصيد عليهم يوم السبت أن عيد جميع المسلمين وغيرهم كان يوم الجمعة ، فخالف
اليهود وقالوا : عيدنا السبت ، ( 1 ) فحرم الله عليهم الصيد يوم السبت ، ومسخوا قردة
وخنازير .
حدثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي
جعفر عليه السلام قال : وجدنا في كتاب علي عليه السلام أن قوما من أهل أبلة ( 2 ) من قوم ثمود ،
وأن الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت ( 3 ) ليختبر الله طاعتهم في ذلك ، فشرعت إليهم
يوم سبتهم في ناديهم وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم ، فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها
ولبثوا في ذلك ماشاء الله ، لاينهاهم عنها الاحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها ، ثم
إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم أنما نهيتم عن أكلها يوم السبت ولم تنهوا عن
صيدها ، ( 4 ) فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الايام ، ( 5 ) فقالت طائفة
منهم : الآن نصطادها ، ( 6 ) فعتت وانحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين ، فقالوا :
ننهاهم ( 7 ) عن عقوبة الله أن تتعرضوا بخلاف أمره ، واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار
. . ( هامش صفحة 52 ) ( 1 ) في المصدر : عيدنا يوم السبت .
( 2 ) هكذا في النسخ ، وفي المصدر : أيكة ، وكلاهما مصحفان ، والصحيح كما في سعد السعود
وفي البرهان نقلا عن تفسير القمي والعياشي " أيلة " قال ياقوت : ايلة بالفتح : مدينة على ساحل
بحر القلزم مما يلي الشام ، وقيل : هي آخر الحجاز وأول الشام ، قال أبوزيد : أيلة مدينة صغيرة
عامرة بها زرع يسير ، وهي مدينة لليهود الذين حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا
فمسخوا قردة وخنازير .
( 3 ) هكذا في نسخ وفي المصدر ، وفي سعد السعود : فان الحيتان كانت قد سبقت لهم يوم السبت
ولعل الصحيح كما في نسختين : أن قوما من اهل أيلة من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت
قوله : ( من قوم ثمود ) أي من ذريتهم وأخلافهم .
( 4 ) في التفسير : انما نهيتكم عن أكلها يوم السبت فانتهيتم عن صيدها ؟
( 5 ) " " وسعد السعود : وأكلوها فيما سوى ذلك من الايام .
( 6 ) في سعد السعود : لا الا أن نصطادها .
( 7 ) في التفسير وفي نسخة : ننهاكم ، وفي التفسير : لخلاف أمره . وفي سعد السعود : فقالوا :
الله الله ننهاكم . وفيه أيضا لخلاف أمره .
[ 53 ]
فتنكبت ( 1 ) فلم تعظهم ، فقالت للطائفة التي وعظتهم : " لم تعظون قوما الله مهلكهم أو
معذبهم عذابا شديدا " فقالت الطائفة التي وعظتهم : " معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون "
قال : فقال الله عزوجل : " فلما نسوا ماذكروا به " يعني لما تركوا ماوعظوا به ومضوا على
الخطيئة ، فقالت الطائفة التي وعظتهم : لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم
هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم ، قال : فخرجوا عنهم من
المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء ، فلما أصبح أولياء
الله المطيعون لامر الله غدوا لينظروا ماحال أهل المعصية فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت
فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حس أحد ، فوضعوا سلما على سور المدينة ثم أصعدوا
رجلا منهم فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون ، فقال الرجل لاصحابه :
ياقوم أرى والله عجبا ، قالوا : وما ترى ؟ قال : أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون ، لها
أذناب ، فكسروا الباب ، قال : فعرفت القردة أنسابها من الانس ، ( 2 ) ولم تعرف الانس
أنسابها من القردة ، فقال القوم للقردة : ألم ننهكم ؟ فقال علي عليه السلام : والله الذي فلق الحبة و
برأ النسمة إني لاعرف أنسابها ( 3 ) من هذه الامة لاينكرون ولا يغيرون ( 4 ) بل تركوا
ما أمروا به فتفرقوا ، وقد قال الله تعالى : " فبعدا للقوم الظالمين " فقال الله : " أنجينا
الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون " . ( 5 )
توضيح : قوله : ( ليلة الاحد ) أي لئلا يرجع ما أتاهم يوم السبت ، لكنه مخالف
لسائر الروايات والسير ، والظاهر أن فيه سقطا ، ولعله كان هكذا : ليلة السبت ويصطادون
يوم الاحد . قوله عليه السلام : ( إني لاعرف أنسابها ) أي أشباهها مجازا ، أي أعرف جماعة من
هذه الامة أشباه الطائفة الذين لم ينهوا عن المنكر حتى مسخوا ، ويحتمل أن يكون
. . ( هامش صفحة 53 ) ( 1 ) تنكب عنه : عدل . وفي المصدرين : فسكتت .
( 2 ) في سعد السعود : ولهم أذناب ، فكسروا الباب ، ودخلوا المدينة ، قال : فعرف القردة
اشباهها من الانس ، ولم تعرف الانس اشباهها من القردة .
( 3 ) في سعد السعود : أشباهها .
( 4 ) " " " : ولا يقرون .
( 5 ) تفسير القمي : 226 228 .
[ 54 ]
سماهم أنسابهم لتناسب طيناتهم ، ولا يبعد أن يكون في الاصل أشباههم ، ( 1 ) ويمكن
إرجاع الضمير إلى هذه الامة لكنه أبعد وأشد تكلفا .
أقول : قال السيد ابن طاوس : رأيت في تفسير أبي العباس بن عقدة أنه روى عن
علي بن الحسن ، عن عمرو بن عثمان ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي
عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السلام مثله . ( 2 )
ثم قال : إني وجدت في نسخة حديث غير هذا أنهم كانوا ثلاث فرق : فرقة باشرت
المنكر وفرقة أنكرت عليهم وفرقة داهنت أهل المعاصي فلم تنكر ولم تباشر المعصية ، فنجى
الله الذين أنكروا ، وجعل الفرقة المداهنة ذرا ، ومسخ الفرقة المباشرة للمنكر قردة . ثم
قال : ولعل مسخ المداهنة ذرا لتصغيرهم عظمة الله وتهوينهم بحرمة الله فصغرهم الله . ( 3 )
ص : بالاسناد ، عن الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ،
عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة مثله مع اختصار . ( 4 )
شى : عن أبي عبيدة مثله . ( 5 )
6 كا : العدة ، عن سهل ، عن عمرو بن عثمان ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن طلحة
ابن زيد ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " فلما نسوا ماذكروا به أنجينا الذين ينهون
عن السوء " فقال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف ائتمروا وأمروا فنجوا ، وصنف ائتمروا ولم
يأمروا فمسخوا ذرا ، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا . ( 6 )
بيان : لعل المراد بهلاكهم صيرورتهم قردة .
7 ص : بهذا الاسناد ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى :
. . ( هامش صفحة 54 ) ( 1 ) وقد عرفت أنه كان كذلك في سعد السعود .
( 2 ) سعد السعود : 118 119 .
( 3 ) " " : 119 وقد ذكر المصنف معنى قول ابن طاوس راجعه .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 5 ) تفسير العياشي مخطوط ، اخرجه البحراني ايضا في البرهان 2 : 43 .
( 6 ) روضة الكافي : 158 .
[ 55 ]
" لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " فقال : الخنازير
على لسان داود عليه السلام والقردة على لسان عيسى عليه السلام وقال : إن اليهود أمروا بالامساك
يوم الجمعة فتركوا وأمسكوا يوم السبت فحرم عليهم الصيد يوم السبت ، فعمد رجال
من سفهاء القرية فأخذوا من الحيتان ليلة السبت وباعوا ، ولم ينزل بهم عقوبة فاستبشروا
وفعلوا ذلك سنين ، فوعظهم طوائف فلم يسمعوا وقالوا : " لم تعظون قوما الله مهلكهم
فأصبحوا قردة خاسئين " . ( 1 )
8 شى : عن عبدالصمد بن برار ( 2 ) قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : كانت
القردة هم اليهود الذين اعتدوا في السبت فمسخهم الله قرودا . ( 3 )
9 شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام في قوله : " فجعلناها نكالا
لما بين يديها وماخلفها وموعظة للمتقين " قال : لما معها ينظر إليها من أهل القرى ، ولما
خلفها قال : نحن ولنا فيها موعظة . ( 4 )
بيان : هذا أحد الوجوه التي ذكرت في تفسير الآية مرويا عن ابن عباس وغيره
وقيل : أي عقوبة للذنوب التي تقدمت على الاصطياد ، والذنوب التي تأخرت عنه ، وقيل
لما بين يديها من القرى ، وما خلفها من القرى ، وسيأتي تأويل آخر عن العسكري عليه السلام .
10 شى : عن الاصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : كانت مدينة
حاضرة البحر فقالوا لنبيهم : إن كان صادقا فليحولنا ربنا جريثا ، ( 5 ) فإذا المدينة في
وسط البحر قد غرقت من الليل ، وإذا كل رجل منهم مسوخا جريثا يدخل الراكب
في فيها . ( 6 )
11 شى : عن هارون بن عبدالعزيز ( 7 ) رفعه إلى أحدهم عليهم السلام قال : جاء قوم إلى
. . ( هامش صفحة 55 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 2 ) هكذا في نسخ وفي البرهان ، وفي نسخة : عبدالصمد بن مرار ، وذكر المامقاني عن رجال
الشيخ : عبدالصمد بن مداد ، ولم اتحقق صحيحه .
( 3 و 4 ) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجهما أيضا البحراني في البرهان 1 : 105 .
( 5 ) الجريث : نوع من السمك .
( 6 ) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجه البحراني أيضا في البرهان 2 : 43 .
( 7 ) في نسخة : عن هارون بن عبد .
[ 56 ]
أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وقالوا له : يا أمير المؤمنين إن هذه الجراري ( 1 ) تباع في
أسواقنا ، قال : فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام ضاحكا ، ثم قال : قوموا لاريكم عجبا ، ولا
تقولوا في وصيكم إلا خيرا ، فقاموا معه فأتوا شاطئ الفرات فتفل فيه تفلة وتكلم بكلمات
فإذا بجريثة رافعة رأسها ، فاتحة فاها ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : من أنت ؟ الويل لك
ولقومك ، فقال : نحن من أهل القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يقول الله في كتابه : إذ
تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا " الآية ، فعرض الله علينا ولايتك فقعدنا عنها فمسخنا الله ،
فبعضنا في البر وبعضنا في البحر ، فأما الذين في البحر فنحن الجراري ، وأما الذين
في البر فالضب واليربوع . قال : ثم التفت أمير المؤمنين إلينا فقال : أسمعتم مقالتها ؟ قلنا :
اللهم نعم ، قال : والذي بعث محمدا بالنبوة لتحيض كما تحيض نساؤكم . ( 2 )
12 فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " إنما جعل السبت
على الذين اختلفوا فيه " الآية ، وذلك أن موسى أمر قومه أن يتفرغوا لله في كل سبعة
أيام يوما يجعله الله عليهم ، وهم الذين اختلفوا فيه . ( 3 )
13 م : قال الله تعالى : " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت " لما اصطادوا
السمك فيه " فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " مبعدين عن كل خير " فجعلناها " تلك
المسخة ( 4 ) التي أخزيناهم ولعناهم بها " نكالا " عقابا وردعا " لما بين يديها " بين يدي المسخة
من ذنوبهم الموبقات التي استحقوا بها العقوبات " وما خلفها " للقوم الذين شاهدوهم بعد
مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لما شاهدوا ماحل بهم من عقابنا " وموعظة للمتقين "
الذين يتعظون بها فيفارقون المخزيات ( 5 ) ويعظون بها الناس ويحذرونهم المرديات .
وقال علي بن الحسين عليهما السلام : كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر نهاهم الله و
أنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت ، فتوسلوا إلى حيلة ليحلوا بها لانفسهم ماحرم
. . ( هامش صفحة 56 ) ( 1 ) في البرهان : هذه الجريث .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط . اخرج البحراني الحديث أيضا في البرهان 2 : 44 .
( 3 ) تفسير القمي : 367 .
( 4 ) في المصدر : أي جعلنا تلك المسخة .
( 5 ) في نسخة : فيفارقون المحرمات .
[ 57 ]
الله ، فخدوا أخاديد ( 1 ) وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض ، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك
الطرق ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع ، ( 2 ) فجاءت الحيتان يوم السبت جارية
على أمان الله لها فدخلت في الاخاديد وحصلت في الحياض والغدران ، ( 3 ) فلما كانت عشية
اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها ( 4 ) فرامت الرجوع فلم تقدروا ، فبقيت
ليلتها في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد ( 5 ) ( لاسترسالها ) ؟ فيه وعجزها عن الامتناع لمنع المكان
لها ، فكانوا ( 6 ) يأخذونها يوم الاحد ، ويقولون : ما اصطدنا في السبت ، وإنما اصطدنا
في الاحد ، ( 7 ) وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت
حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم وتنعموا بالنساء ( 8 ) وغيرهن لاتساع أيديهم به ،
فكانوا في المدينة ( 9 ) نيفا وثمانين ألفا ، فعل هذا منهم سبعون ألفا ، ( 10 ) وأنكر عليهم
الباقون ، كما نص الله تعالى : " واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في
السبت " الآية ، وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم عذاب الله ( 11 ) وخوفوهم من
انتقامه وشديد بأسه وحذروهم فأجابوهم عن وعظهم : " لم تعظون قوما الله مهلكهم "


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 57 سطر 13 إلى صفحه 65 سطر 13

بذنوبهم هلاك الاصطلام " أو معذبهم عذابا شديدا " فأجابوا القائلين هذا لهم : " معذرة
إلى ربكم " هذا القول منا لهم ( 12 ) معذرة إلى ربكم إذ كلفنا الامر بالمعروف و
. . ( هامش صفحة 57 ) ( 1 ) خد الارض : شقها . والاخاديد جمع الاخدود : الحفرة المستطيلة .
( 2 ) في المصدر : اذا همت بالرجوع منها إلى اللجج .
( 3 ) الغدران بالضم جمع الغدير .
( 4 ) في المصدر : لتأمن من صائدها .
( 5 ) " " : يتهيأ أخذها يوم الاحد بلا اصطياد .
( 6 ) في نسخة : وكانوا .
( 7 ) " " : وانا اصطدنا في الاحد .
( 8 ) في نسخة من المصدر : وتتمتعوا بالنساء .
( 9 ) في المصدر : وكانوا في المدينة .
( 10 ) في نسخة : فعمل هذا منهم سبعون الفا .
( 11 ) في المصدر : وزجروهم من عذاب الله .
( 12 ) " " : هذا القول منا لكم .
[ 58 ]
النهي عن المنكر ، فنحن ننهي عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم ، ( 1 )
قالوا : " ولعلهم يتقون " ونعظهم أيضا لعلهم تنجع فيهم المواعظ فيتقوا هذه الموبقة و
( يحذروا ) ؟ عقوبتها ، قال الله تعالى : " فلما عتوا " حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم
الزجر " عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين " مبعدين عن الخير مقصين . ( 2 )
قال : فلما نظر العشرة آلاف والنيف أن السبعين ألفا لايقبلون مواعظهم ولا
يحفلون ( 3 ) بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم
وقالوا : إنا نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم ، فأمسوا ليلة فمسخهم الله كلهم
قردة ، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منهم أحد ، ولا يدخل عليهم أحد ، ( 4 ) وتسامع بذلك
أهل القرى فقصدوهم وتسنموا حيطان البلد ( 5 ) فأطلعوا عليهم فإذا كلهم رجالهم
ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم ،
يقول المطلع لبعضهم : أنت فلان ؟ أنت فلان ؟ فتدمع عينه ويؤمي برأسه أن نعم ، ( 6 ) فما
زالوا كذلك ثلاثة أيام ، ثم بعث الله عليهم مطرا وريحا فجرفتهم إلى البحر ، ( 7 ) ومابقي
مسخ بعد ثلاثة أيام ، وأما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها ،
لاهي بأعيانها ولا من نسلها .
ثم قال علي بن الحسين عليهما السلام : إن الله مسخ هؤلاء لاصطيادهم السمك ، فكيف ترى
عند الله عزوجل حال من قتل أولاد رسول الله وهتك حرمته ؟ ! ( 8 ) إن الله تعالى وإن لم
. . ( هامش صفحة 58 ) ( 1 ) في المصدر : مخالفتنا لكم وكراهتنا لفعلكم . قلت : ولعل ما في المتن أصح وكانوا
يخاطبون فرقة اخرى غير الذين اعتدوا في السبت .
( 2 ) مقصين أي مبعدين ، وفي البرهان : مقصرين .
( 3 ) أي لايبالون به ولايهتمون له .
( 4 ) في المصدر : فمسخهم الله كلهم قردة خاسئين ، وبقى باب المدينة مغلقا ( مغلقة خ ل ) لا
يخرج منه احد ، ولا يدخله احد .
( 5 ) تسنم الشئ : علاه وركبه .
( 6 ) في المصدر : ويؤمى برأسه بلا او نعم .
( 7 ) أي ذهبت بهم إلى البحر .
( 8 ) في المصدر : وهتك حريمه .
[ 59 ]
يمسخهم في الدنيا فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ . ثم قال
عليه السلام : أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح فعالهم سألوا ربهم
بجاه محمد وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم ، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله
عزوجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم ، ولكن الله عزوجل لم يلهمهم
ذلك ولم يوفقهم له فجرت معلومات الله فيهم على ما كان سطر في اللوح المحفوظ . ( 1 )
بيان : قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله تعالى : " ولقد علمتم الذين اعتدوا
منكم في السبت " : أي الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت ، وكانت الحيتان
تجتمع في يوم السبت لامنها فحبسوها في السبت وأخذوها في الاحد ، فاعتدوا في السبت ،
أي ظلموا وتجاوزوا ماحد لهم لان صيدها هو حبسها .
وروي عن الحسن أنهم اصطادوا يوم السبت مستحلين بعد مانهوا عنه . " فقلنا لهم
كونوا قردة خاسئين " هذا إخبار عن سرعة مسخه إياهم ، لا أن هناك أمرا ، ومعناه :
جعلناهم قردة ، كقوله : " فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها " . ( 2 )
قال ابن عباس : فمسخهم الله عقوبة لهم ، وكانوا يتعاوون وبقوا ثلاثة أيام لم
يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا ، ثم أهلكهم الله تعالى وجاءت ريح فهبت بهم فألقتهم في
الماء ، وما مسخ الله أمة إلا أهلكها ، فهذه القردة والخنازير ليست من نسل أولئك ،
ولكن مسخ أولئك على صورة هؤلاء يدل عليه إجماع المسلمين على أنه ليس في القردة
والخنازير من هو من أولاد آدم ، ولو كانت من أولاد الممسوخين لكانت من بني آدم . وقال
مجاهد : لم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله كما قال : " كمثل الحمار يحمل
أسفارا " ( 3 ) وحكي عنه أيضا أنه قال : مسخت قلوبهم ، فجعلت كقلوب القردة لا تقبل
وعظا ولا تتقي زجرا ، وهذان القولان يخالفان الظاهر الذي أكثر المفسرين عليه من
غير ضرورة تدعو إليه .
. . ( هامش صفحة 59 ) ( 1 ) تفسير العسكري : 106 108 .
( 2 ) فصلت : 11 .
( 3 ) الجمعة : 5 .
[ 60 ]
وقوله : " خاسئين " أي مبعدين عن الخير ، وقيل : أذلاء صاغرين مطرودين . ( 1 )
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر " أي
مجاورة البحر وقريبة منه وهي أبلة ( 2 ) عن ابن عباس ، وقيل : هي مدين ، عنه أيضا ،
وقيل : الطبرية ، عن الزهري " إذ يعدون في السبت " أي يظلمون فيه بصيد السمك ، و
يتجاوزون الحد في أمر السبت " إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا " أي ظاهرة على وجه
الماء ، عن ابن عباس ، وقيل : متتابعة ، عن الضحاك ، وقيل : رافعة رؤوسها ، قال الحسن : كانت
تشرع إلى أبوابهم مثل الكباش البيض لانها كانت آمنة يومئذ " ويوم لايسبتون لاتأتيهم "
أي ويوم لايكون السبت كانت تغوص في الماء . واختلف في أنهم كيف اصطادوا فقيل :
إنهم ألقوا الشبكة في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك ، ثم كانوا لا يخرجون
الشبكة من الماء إلا يوم الاحد وهذا تسبب محظور ، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس :
اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها ولا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم
الاحد ، وقيل : إنهم اصطادوها وتناولوها باليد في يوم السبت " كذلك نبلوهم " أي مثل
ذلك الاختبار الشديد نختبرهم " بما كانوا يفسقون " أي بفسقهم وعصيانهم ، وعلى المعنى
الآخر لا تأتيهم الحيتان مثل ذلك الاتيان الذي كان منها يوم السبت ، ثم استأنف فقال :
" نبلوهم " .
" وإذ قالت أمة " أي جماعة منهم أي من بني إسرائيل الذين لم يصطادوا وكانوا
ثلاث فرق : فرقة قانصة ، ( 3 ) وفرقة ساكتة ، وفرقة واعظة ، فقال الساكتون للواعظين
الناهين : " لم تعظون قوما الله مهلكهم " أي يهلكهم الله . ولم يقولوا ذلك كراهية لوعظهم
ولكن ( لاياسهم ) ؟ أن يقبل هؤلاء القوم الوعظ ، فإن الامر بالمعروف إنما يجب عند عدم
اليأس عن القبول ، عن الجبائي ، ومعناه : ماينفع الوعظ ممن لايقبل ، والله مهلكهم في الدنيا
بمعصيتهم " أو معذبهم عذابا شديدا " في الآخرة " قالوا " أي قال الواعظون في جوابهم
. . ( هامش صفحة 60 ) ( 1 ) مجمع البيان 1 : 129 .
( 2 ) في المصدر : " أيلة " وهو الصحيح كما استظهرنا قبلا .
( 3 ) من قنص الطير : صاده .
[ 61 ]
" معذرة إلى ربكم " معناه : موعظتنا إياهم معذرة إلى الله ، وتأدية لفرضه في النهي عن
المنكر لئلا يقول لنا : لم لم تعظوهم ، ولعلهم بالوعظ يتقون ويرجعون " فلما نسوا ماذكروا
به " أي فلما ترك أهل القرية ما ذكرهم الواعظون به ولم ينتهوا عن ارتكاب المعصية
بصيد السمك " أنجينا الذين ينهون عن السوء " أي خلصنا الذين ينهون عن المعصية
" وأخذنا الذين ظلموا أنفسهم بعذاب بئيس " أي شديد " بما كانوا يفسقون " أي بفسقهم
وذلك العذاب لحقهم قبل أن مسخوا قردة ، عن الجبائي ، ولم يذكر حال الفرقة الثالثة
هل كانت من الناجية أو من الهالكة .
وروي عن ابن عباس فيهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنه نجت الفرقتان وهلكت الثالثة
وبه قال السدي . والثاني : أنه هلكت الفرقتان ونجت الفرقة الناهية وبه قال ابن زيد ،
وروي ذلك عن أبي عبدالله عليه السلام . والثالث : التوقف فيه ، روي عن عكرمة ، قال : دخلت
على ابن عباس وبين يديه المصحف وهو يبكي ويقرأ هذه الآية ، ثم قال : قد علمت أن
الله تعالى أهلك الذين أخذوا الحيتان ، وأنجا الذين نهوهم ، ولم أدر ماصنع بالذين لم
ينهوهم ولم يواقعوا المعصية ، وهذا حالنا ، واختاره الجبائي ، وقال الحسن : إنه نجا الفرقة
الثالثة لانه ليس شئ أبلغ في الامر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وهم قد ذكروا
الوعيد فقالوا : " الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا " وقال : قتل المؤمن أعظم والله من
أكل الحيتان ( 1 ) " فلما عتوا عما نهوا عنه " أي عن ترك ما نهوا عنه ، يعني لم يتركوا
ما نهوا عنه وتمردوا في الفساد والجرأة على المعصية وأبوا أن يرجعوا عنها " قلنا لهم
كونوا قردة " أي جعلناهم قردة " خاسئين " مبعدين مطرودين ، وإنما ذكر " كن " ليدل
عليه أنه سبحانه لا يمتنع عليه شئ ، وأجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام
سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم ، وحكي ذلك عن أبي الهذيل ، قال قتادة :
صاروا قردة لها أذناب تعاووا بعد أن كانوا رجالا ونساء ، وقيل : إنهم بقوا ثلاثة أيام
ينظر إليهم الناس ثم هلكوا ولم يتناسلوا ، عن ابن عباس قال : ولم يمكث مسخ فوق
. . ( هامش صفحة 61 ) ( 1 ) لعله إشارة إلى ماتقدم عن علي بن الحسين عليهما السلام من قوله : فكيف ترى عند الله عز و
جل حال من قتل أولاد رسول الله وهتك حريمه ؟ .
[ 62 ]
ثلاثة أيام ، وقيل : عاشوا سبعة أيام ثم ماتوا ، عن مقاتل ، وقيل : إنهم توالدوا ، عن
الحسن ، وليس بالوجه ، لان من المعلوم أن القردة ليست من أولاد آدم ، كما أن
الكلاب ليست منهم ، ووردت الرواية عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله
تعالى لم يمسخ شيئا فجعل له نسلا وعقبا .
القصة : قيل : كانت هذه القصة في زمن داود عليه السلام .
وعن ابن عباس قال : أمروا باليوم الذي أمرتم به يوم الجمعة فتركوه واختاروا
يوم السبت فابتلوا به ، وحرم عليهم فيه الصيد ، وأمروا بتعظيمه ، فكانت الحيتان تأتيهم
يوم السبت شرعا بيضا سمانا حتى لا يرى الماء من كثرتها ، فمكثوا كذلك ماشاء الله لا
يصيدون ، ثم أتاهم الشيطان وقال : إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت ، فاتخذوا الحياض
والشبكات فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة ، ثم يأخذونها يوم الاحد ، وعن ابن
زيد قال : أخذ رجل منهم حوتا وربط في ذنبه خيطا وشده إلى الساحل ، ثم أخذه يوم
الاحد وشواه ، فلاموه على ذلك ، فلما لم يأته العذاب أخذوا ذلك وأكلوه وباعوه ، و
كانوا نحوا من اثني عشر ألفا ، فصار الناس ثلاث فرق على ما تقدم ذكره ، فاعتزلتهم
الفرقة الناهية ولم تساكنهم ، فأصبحوا يوما ولم يخرج من العاصية أحد فنظروا فإذا هم
قردة ففتحوا الباب فدخلوا وكانت القردة تعرفهم وهم لا يعرفونها ، فجعلت تبكي فإذا قالوا
لهم : ألم ننهكم ؟ قالت برؤوسها : أن نعم ، قال قتادة : صارت الشبان قردة ، والشيوخ
خنازير . ( 1 )
14 كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ،
عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " لعن الذين كفروا
من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " قال : الخنازير على لسان داود عليه السلام ،
والقردة على لسان عيسى ابن مريم عليه السلام . ( 2 )
. . ( هامش صفحة 62 ) ( 1 ) مجمع البيان 4 : 491 492 493 .
( 2 ) روضة الكافي : 200 .
[ 63 ]
شى : عن أبي عبيدة مثله . ( 1 )
15 فس : أبي ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال : سألته ، عن
قوم من الشيعة ( 2 ) يدخلون في أعمال السلطان ويعملون لهم ويجبون لهم ويوالونهم ، ( 3 )
قال : ليس هم من الشيعة ولكنهم من أولئك . ثم قرأ أبوعبدالله عليه السلام هذه الآية :
" لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " إلى قوله : " ولكن
كثيرا منهم فاسقون " قال : الخنازير على لسان داود ، والقردة على لسان عيسى . ( 4 )
بيان : اعلم أن تلك الروايات اتفقت على خلاف ماهو المشهور بين المفسرين و
المؤرخين من كون المسخ الذي كان في زمان داود عليه السلام بأنهم صاروا قردة ، وإنما مسخ
أصحاب المائدة خنازير ، وقد دل على الجزء الاول قوله تعالى : " كونوا قردة خاسئين "
والحمل على سهو النساخ مع اتفاق التفسيرين والكافي والقصص عليه بعيد ، والحمل على
غلط الرواة أيضا لا يخلو من بعد ، ويمكن توجيهه بوجهين : الاول أن لا يكون هذا
الخبر إشارة إلى قصة أصحاب السبت بل إلى مسخ آخر وقع في زمان داود عليه السلام ولكن
خبر القصص يأبى عنه إلا بتكلف بعيد . الثاني أنه يمكن أن يكون مسخهم في الزمانين
بالصنفين معا ، ويكون المقصود في الآية جعل بعضهم قردة ، ويكون التخصيص في الخبر
لعدم توهم التخصيص في الآية مع كون الفرد الآخر مذكورا فيها وفي الروايات المشهورة
فلا حاجة إلى ذكره ويؤيده أن علي بن إبراهيم ذكر في الموضعين الصنفين معا .
وقال البيضاوي : قيل أهل أبلة ( 5 ) لما اعتدوا في السبت لعنهم الله على لسان
داود فمسخهم قردة وخنازير ، وأصحاب المائدة لما كفروا دعا عليهم عيسى ولعنهم فأصبحوا
خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل انتهى . ( 6 ) وقال الثعلبي في أصحاب السبت : قال قتادة :
. . ( هامش صفحة 63 ) ( 1 ) تفسير العياشي مخطوط .
( 2 ) في المصدر : قال : سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام عن قوم من الشيعة .
( 3 ) " " : ويؤالفونهم .
( 4 ) تفسير القمي : 163 .
( 5 ) في المصدر : " أيلة " وقد عرفت قبلا أنه الصحيح .
( 6 ) انوار التنزيل 1 : 353 .
[ 64 ]
صار الشبان قرودا ، والشيوخ خنازير ، وما نجا إلا الذين نهوا . ( 1 )
ثم اعلم أن الوجهين جاريان في خبري العياشي ، أعني رواية ابن نباتة وهارون
ابن عبدالعزيز ( 2 ) بأن يكونا إشارتين إلى قصة أخرى وإن كان متعلقها تلك القرية التي
وقعت فيها عقوبة السبت ، أو بأن يكونوا مسخوا بتلك الاصناف جميعا بتلك الاسباب
كلها .
وقال الطبرسي رحمه الله : قيل في معناه أقوال :
أحدها أن معناه : لعنوا على لسان داود فصاروا قردة ، وعلى لسان عيسى فصاروا
خنازير ، وقال أبوجعفر الباقر عليه السلام : أما داود فإنه لعن أهل أبلة ( 3 ) لما اعتدوا في
سبتهم وكان اعتداؤهم في زمانه ، فقال : اللهم البسهم اللعنة مثل الرداء ومثل المنطقة على
الحقوين . فمسخهم الله قردة ، وأما عيسى عليه السلام فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة
ثم كفروا بعد ذلك .
وثانيها ماقاله ابن عباس إنه يريد في الزبور وفي الانجيل ، ومعنى هذا أن
الله تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل ، وفي الانجيل كذلك .
وثالثها أن يكون عيسى وداود عليهما السلام أعلما أن محمدا نبي مبعوث ولعنا من يكفر
به انتهى . ( 4 )
والابلة ( 5 ) بضم الهمزة والباء المشددة موضع البصرة الآن وهي إحدى
الجنات الاربعة .
. . ( هامش صفحة 64 ) ( 1 ) العرائس : 160 .
( 2 ) في نسخة : هارون بن عبد .
( 3 ) في المصدر : أيلة .
( 4 ) مجمع البيان 3 : 231 .
( 5 ) قد عرفت أن الصحيح أيلة ، وأكثر المصادر مطبقة عليه .
[ 65 ]
( ابواب )
* ( قصص سليمان بن داود عليه السلام ) *
( باب 5 )
* ( فضله ومكارم أخلاقه وجمل أحواله ) *
الايات ، النساء " 4 " وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط
وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان 163 .
الانعام " 6 " ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان 84 .
الانبياء " 21 " ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الارض التي باركنا فيها
كنا بكل شئ عالمين * ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا
لهم حافظين 81 و 82 .
النمل " 27 " ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير
من عباده المؤمنين * وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا
من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين 15 و 16 .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 65 سطر 14 إلى صفحه 73 سطر 14

سبأ " 34 " ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن
من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير * يعملون
له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل
من عبادي الشكور 12 و 13 .
ص " 38 " ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب * قال رب اغفر لي
وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري
بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الاصفاد *
[ 66 ]
هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب * وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب 34 40 .
تفسير : قال المفسرون : الارض التي باركنا فيها هي الشام ، ووجه وصف الريح
تارة بالعاصفة وأخرى بالرخاء بوجوه : الاول : أنها كانت تارة كذا وتارة كذا بحسب
إرادته ، والثاني : أنها كانت في بدء الامر عاصفة لرفع البساط وقلعه ، ثم كانت تصير رخاء
عند تسييرها ، والثالث : أن العصف عبارة عن سرعة سيرها والرخاوة عن كونها لينة
طيبة في نفسها ، الرابع : أن الرخاوة كناية عن انقيادها له في كل ما أمرها به .
وقال الطبرسي رحمه الله : وقيل : كانت الريح تجري به في الغداة مسيرة شهر ، وفي
الرواح كذلك ، وكان يسكن بعلبك ، ( 1 ) ويبنى له بيت المقدس ، ويحتاج إلى الخروج
إليها وإلى غيرها ، قال وهب : وكان سليمان يخرج إلى مجلسه فتعكف عليه الطير ويقوم
له الانس والجن حتى يجلس على سريره ويجتمع معه جنوده ، ثم تحمله الريح إلى
حيث أراد .
قوله تعالى : " من يغوصون له " أي في البحر فيخرجون له الجواهر واللآلي " و
يعملون عملا دون ذلك " أي سوى ذلك من الابنية كالمحاريب والتماثيل وغيرهما " وكنا
لهم حافظين " لئلا يهربوا منه ويمتنعوا عليه ، وقيل : من أن يفسدوا ماعملوه . ( 2 )
قوله : " علما " قال : أي بالقضاء بين الخلق وبكلام الطير والدواب " وورث سليمان "
فيه دلالة على أن الانبياء يورثون المال كتوريث غيرهم ، وقيل : إنه ورثه علمه ونبوته
وملكه دون سائر أولاده ، ( 3 ) والصحيح عند أهل البيت عليهم السلام هو الاول " علمنا منطق
الطير " أهل العربية يقولون : لا يطلق النطق على غير بني آدم ، وإنما يقال الصوت ،
. . ( هامش صفحة 66 ) ( 1 ) بعلبك بالفتح ثم السكون وفتح اللام والباء ثم الكاف مشددة : مدينة قديمة فيها ابنية عجيبة
وآثار عظيمة وقصور على أساطين الرخام لا نظير لها في الدنيا ، بينها وبين دمشق ثلاثة ايام ، و
قيل : اثنا عشر فرسخا من جهة الساحل ، وهو اسم مركب من بعل اسم صنم وبك ، اما اسم رجل
او جعلوه يبك الاعناق اي يدقها . قاله ياقوت .
( 2 ) مجمع البيان 7 : 59 .
( 3 ) في المصدر : ومعنى الميراث هنا انه قام مقامه في ذلك فاطلق عليه اسم الارث كما اطلق
على الجنة اسم الارث ، عن الجبائي ، وهذا خلاف للظاهر ، والصحيح اه .
[ 67 ]
لان النطق عبارة عن الكلام ولا كلام للطير إلا أنه لما فهم سليمان معنى صوت الطير
سماه منطقا مجازا ، وقيل : إنه أراد حقيقة المنطق لان من الطير ماله كلام يهجي ( 1 )
كالطوطي . وقال علي بن عيسى : إن الطير كانت تكلم سليمان معجزة له كما أخبر عن
الهدهد ، ومنطق الطير صوت يتفاهم به معانيها على صيغة واحدة بخلاف منطق الناس
الذي يتفاهمون به المعاني على صيغ مختلفة ، ولذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها ، ولم
تفهم هي عنا لان أفهامها مقصورة على تلك الامور المخصوصة ، ولما جعل سليمان يفهم
عنها كان قد علم منطقها " وأوتينا من كل شئ " أي من كل شئ يؤتى الانبياء والملوك
وقيل : من كل شئ يطلبه طالب لحاجته إليه وانتفاعه به ( 2 ) " حيث أصاب " أي أراد
من النواحي " والشياطين " أي وسخرنا له الشياطين " وآخرين مقرنين في الاصفاد " أي
وسخرنا له آخرين من الشياطين مشددين في الاغلال والسلاسل من الحديد ، وكان يجمع
بين اثنين وثلاثة منهم في سلسلة لا يمتنعون عليه إذا أراد ذلك بهم عند تمردهم ، وقيل :
إنه إنما كان يفعل ذلك بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم " هذا " أي ما تقدم من الملك
" عطاؤنا فامنن أو أمسك " أي فأعط من الناس من شئت وامنع من شئت " بغير حساب "
أي لاتحاسب يوم القيامة على ماتعطي وتمنع . ( 3 )
1 فس : " ولسليمان الريح عاصفة " قال : تجري من كل جانب " إلى الارض
التي باركنا فيها " قال : إلى بيت المقدس والشام . ( 4 )
2 ك : القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن
الصادق عليه السلام قال : إن داود عليه السلام أراد أن يستخلف سليمان عليه السلام لان الله عزوجل
أوحى إليه يأمره بذلك ، فلما أخبر بني إسرائيل ضجوا من ذلك ، وقالوا : يستخلف علينا
. . ( هامش صفحة 67 ) ( 1 ) في المصدر : كلام مهجى .
( 2 ) مجمع البيان 7 : 214 . وفيه : وقيل : من كل شئ علما وتسخيرا في كل ما يصلح ان
يكون معلوما لنا او مسخرا لنا غير ان مخرجه مخرج العموم فيكون ابلغ واحسن .
( 3 ) مجمع البيان 8 : 477 .
( 4 ) تفسير القمي : 431 432 .
[ 68 ]
حدثا ( 1 ) وفينا من هو أكبر منه ؟ فدعا أسباط بني إسرائيل فقال لهم : قد بلغتني مقالتكم
فأروني عصيكم ، فأي عصا أثمرت فصاحبها ولي الامر بعدي ، فقالوا : رضينا ، وقال :
ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه ، فكتبوا ثم جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه
ثم أدخلت بيتا وأغلق الباب وحرسه رؤوس أسباط بني إسرائيل ، فلما أصبح صلى بهم
الغداة ثم أقبل ففتح الباب فأخرج عصيهم وقد أورقت عصا سليمان وقد أثمرت ، فسلموا
ذلك لداود فاختبره بحضرة بني إسرائيل فقال له : يا بني أي شئ أبرد ؟ قال : عفو الله
عن الناس ، وعفو الناس بعضهم عن بعض ، قال : يا بني فأي شئ أحلى ؟ قال : المحبة
وهي روح الله في عباده ، فافتر ( 2 ) داود ضاحكا ، فسار به في بني إسرائيل فقال : هذا خليفتي
فيكم من بعدي ، ثم أخفى سليمان بعد ذلك أمره وتزوج بامرأة واستتر من شيعته
ماشاء الله أن يستتر ، ثم إن امرأته قالت له ذات يوم : بأبي أنت وأمي ما أكمل خصالك
وأطيب ريحك ! ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك في مؤونة أبي ، فلو دخلت السوق
فتعرضت لرزق الله رجوت أن لايخيبك ، فقال لها سليمان : إني والله ماعملت عملا قط ولا
أحسنه ، فدخل السوق فجال يومه ذلك ثم رجع فلم يصب شيئا ، فقال لها : ما أصبت شيئا ،
قالت : لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا ، فلما كان من الغد خرج إلى السوق فجال فيه ( 3 )
فلم يقدر على شئ ورجع فأخبرها ، فقالت : يكون غدا إن شاء الله ، فلما كان في اليوم الثالث
مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد فقال له : هل لك أن أعينك وتعطينا
شيئا ؟ قال : نعم ، فأعانه فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين فأخذهما وحمد الله عزوجل ،
ثم إنه شق بطن إحداهما فإذا هو بخاتم في بطنها ، فأخذه فصيره في ثوبه ( 4 ) وحمد الله ،
وأصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله ، وفرحت امرأته بذلك ، وقالت له : إني أريد أن
تدعو أبوي حتى يعلما أنك قد كسبت ، فدعاهما فأكلا معه ، فلما فرغوا قال لهم : هل
. . ( هامش صفحة 68 ) ( 1 ) الحدث : الشاب .
( 2 ) افتر الرجل : ضحك ضحكا حسنا .
( 3 ) في المصدر : فجال يومه .
( 4 ) " " : فصره في ثوبه . أي ربطه في ثوبه .
[ 69 ]
تعرفوني ؟ قالوا : لا والله إلا أنا لم نر خيرا منك ، ( 1 ) فأخرج خاتمه فلبسه فخر عليه الطير
والريح وغشيه الملك ، وحمل الجارية وأبويها إلى بلاد إصطخر ، واجتمعت إليه الشيعة و
استبشروا به ، ففرج الله عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى
آصف بن برخيا بإذن الله تعالى ذكره ، فلم يزل بينهم يختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه
معالم دينهم ، ثم غيب الله عزوجل آصف غيبة طال أمدها ، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه
ماشاء الله ، ثم إنه ودعهم فقالوا له : أين الملتقى ؟ قال : على الصراط ، وغاب عنهم ماشاء الله ،
واشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلط عليهم بخت نصر . ( 2 )
أقول : تمام الخبر في باب قصة طالوت .
ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن
أورمة ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ، عن أبي الخطاب ، عن العبد الصالح
مثله إلى قوله : فافتر داود ضاحكا .
3 ما : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم
ابن أحمد ، عن الحسن بن علي الزعفراني ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن
هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن سليمان عليه السلام لما سلب ملكه خرج على
وجهه فضاف رجلا عظيما فأضافه وأحسن إليه ، ونزل سليمان منه منزلا عظيما لما رأى
من صلاته وفضله ، قال : فزوجه بنته ، فقال له بنت الرجل ( 3 ) حين رأت منه مارأت :
بأبي أنت وأمي ما أطيب ريحك وأكمل خصالك ! لا أعلم فيك خصلة أكرهها إلا أنك
في مؤونة أبي ، قال : فخرج حتى أتى الساحل فأعان صيادا على ساحل البحر فأعطاه
السمكة التي وجد في بطنها خاتمه . ( 4 )
4 ج : في حديث الزنديق الذي سأل الصادق عليه السلام عن مسائل كان فيما سأله :
. . ( هامش صفحة 69 ) ( 1 ) في المصدر : الا أنا لم نر إلا خيرا منك .
( 2 ) كمال الدين : 91 و 93 94 .
( 3 ) الصحيح كما في المصدر : فقالت له بنت الرجل .
( 4 ) المجالس : 57 .
[ 70 ]
كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون
لسليمان بن داود عليه السلام من البناء مايعجز عنه ولد آدم ؟ قال عليه السلام : غلظوا لسليمان كما
سخروا وهم خلق رقيق غذاؤهم التنسم ، ( 1 ) والدليل على ذلك صعودهم إلى السماء
لاستراق ( السمع ) ؟ ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أو سبب . ( 2 )
5 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه أو غيره ، عن سعد بن سعد
عن الحسن بن الجهم ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : كان لسليمان بن داود عليه السلام ألف امرأة
في قصر واحد ثلاث مائة مهيرة ، ( 3 ) وسبعمائة سرية . ( 4 )
6 كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، رفعه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن
أول من اتخذ السكر سليمان بن داود عليه السلام . ( 5 )
7 ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام
ابن سالم ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان ملك ( سليمان ) ؟ مابين الشامات إلى
بلاد إصطخر . ( 6 )
8 دعوات الراوندي : قال الصادق عليه السلام : كان سليمان عليه السلام يطعم أضيافه
اللحم بالحواري وعياله الخشكار ، ويأكل هو الشعير غير منخول . ( 7 )
بيان : الخبز الحواري : الذي نخل مرة بعد مرة . ( 8 ) والخشكار لم أجده في
أكثر كتب اللغة ، فكأنه معرب مولد ، وفي كتب الطب وبعض كتب اللغة أنه الخبز
المأخوذ من الدقيق غير المنخول ، وقيل : إنه الخبز اليابس ، والاول هو المراد ههنا .
9 نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ولو أن أحدا يجد إلى البقاء سلما أو لدفع
. . ( هامش صفحة 70 ) ( 1 ) في المصدر : غذاؤهم النسيم .
( 2 ) احتجاج الطبرسي : 185 .
( 3 ) المهيرة من النساء : الحرة الغالية المهر .
( 4 ) فروع الكافي 2 : 78 و 79 .
( 5 ) " " 2 : 174 .
( 6 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 7 ) دعوات الراوندي مخطوط .
( 8 ) والدقيق الابيض .
[ 71 ]
الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود عليه السلام ، الذي سخر له ملك الجن والانس مع
النبوة ، وعظيم الزلفة ، ( 1 ) فلما استوفى طعمته واستكمل مدته رمته قسي الفناء بنبال
الموت ، وأصبحت الديار منه خالية ، والمساكن معطلة ، ورثها قوم آخرون . ( 2 )
10 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه السلام
في قوله تعالى : " اعملوا آل داود شكرا " قال : كانوا ثمانين رجلا وسبعين امرأة ، ماأغب
المحراب رجل واحد منهم يصلي فيه ، وكانوا آل داود ، فلما قبض داود عليه السلام ولى
سليمان عليه السلام قال : ياأيها الناس علمنا منطق الطير ، سخر الله له الجن والانس ، وكان
لايسمع بملك في ناحية الارض إلا أتاه حتى يذله ويدخله في دينه ، وسخر الريح له ،
فكان إذا خرج إلى مجلسه عكف عليه الطير وقام الجن والانس ، وكان إذا أراد أن يغزو
أمر بمعسكره فضرب له بساطا من الخشب ، ثم جعل عليه الناس والدواب وآلة الحرب
كلها حتى إذا حمل معه مايريد أمر العاصف من الريح فدخلت تحت الخشب فحمله حتى
ينتهي به إلى حيث يريد ، وكان غدوها شهرا ورواحها شهرا . ( 3 )
بيان : ما أغب المحراب أي لم يكونوا يأتون المحراب غبا ، بل كان كل منهم
يواظبه . *
. . ( هامش صفحة 71 ) ( 1 ) الزلفة : القربة . الدرجة . المنزلة .
( 2 ) نهج البلاغة 1 : 341 342 .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
* روى الثعلبي انه نزل كتاب من السماء على داود عليه السلام مختوما بخاتم من ذهب فيه ثلاث
عشرة مسألة ، فاوحى الله إلى داود أن سل عنها ابنك سليمان فان أخبر بهن فهو الخليفة من بعدك
قال : فدعا داود سبعين قسا وسبعين حبرا وأجلس سليمان بين ايديهم ، فقال : أخبرني يا بني ما
أقرب الاشياء ؟ وما ابعد الاشياء ؟ وما آنس الاشياء ؟ وما اوحش الاشياء ؟ وما أحسن الاشياء ؟ وما
أقبح الاشياء ؟ وما أقل الاشياء ؟ وما اكثر الاشياء ؟ وما القائمان ؟ وما المختلفان ؟ وما المتباغضان ؟
وما الامر الذي اذا ركبه الرجل حمد آخره ؟ والامر الذي اذا ركبه الرجل ذم آخره ؟
قال سليمان : أما أقرب الاشياء فالاخرة ، واما ابعد الاشياء فما فاتك من الدنيا ، واما آنس
الاشياء فجسد فيه روح ناطق ، واما أوحش الاشياء فجسد بلا روح ، واما احسن الاشياء فالايمان بعد
الكفر ، واما اقبح الاشياء فالكفر بعد الايمان ، واما اقل الاشياء فاليقين ، واما اكثر الاشياء فالشك *
[ 72 ]
11 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، بإسناده عن أبي حمزة ، عن الاصبغ قال : خرج
سليمان بن داود عليه السلام من بيت المقدس مع ثلاثمائة ألف كرسي عن يمينه عليها الانس ،
وثلاثمائة ألف كرسي عن يساره عليها الجن ، وأمر الطير فأظلتهم ، وأمر الريح فحملتهم
حتى وردت بهم المدائن ، ثم رجع وبات في إصطخر ، ثم غدا فانتهى إلى جزيرة بركاوان ( 1 )
ثم أمر الريح فخفضتهم حتى كادت أقدامهم يصيبها الماء ، فقال بعضهم لبعض : هل رأيتم
ملكا أعظم من هذا ؟ فنادى ملك من السماء : لثواب تسبيحة واحدة أعظم مما رأيتم . ( 2 )
فس : أبي ، عن ابن أبي نصر ، عن أبان ، عن أبي حمزة مثله . ( 3 )
12 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن
محبوب ، عن أبي ولاد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان لسليمان
عليه السلام حصن بناه الشياطين له فيه ألف بيت ، في كل بيت طروقة ، منهن سبعمائة
أمة قبطية ، وثلاثمائة حرة مهيرة ، فأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا في مباضعة النساء ( 4 )
وكان يطوف بهن جميعا ويسعفهن ( 5 ) قال : وكان سليمان عليه السلام يأمر الشياطين فتحمل له
الحجارة من موضع إلى موضع ، فقال لهم إبليس : كيف أنتم ؟ قالوا : مالنا طاقة بما نحن
. . ( هامش صفحة 72 ) * واما القائمان فالسماء والارض ، واما المختلفان فالليل والنهار ، واما المتباغضان فالموت والحياة ،
واما الامر الذي اذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم على الغضب ، واما الامر الذي اذا ركبه
الرجل ذم آخره فالحدة على الغضب .
قال : ففك ذلك الخاتم فاذا هذه المسائل سواء على ما نزل من السماء ، فقال القسيسون و
الاحبار : ما الشئ الذي اذا صلح صلح كل شئ من الانسان واذا فسد فسد كل شئ منه ؟ فقال :
القلب ، فرضوا بخلافته . منه رحمه الله . قلت ؟ ذكره الثعلبي في العرائس : 161 وفيه بعد قوله :
وما القائمان : وما الساعيان ؟ وما المشتركان ؟ وايضا بعد قوله : فالسماء والارض : واما الساعيان
فالشمس والقمر ، واما المشتركان فالليل والنهار . وفيه : ففكوا الخاتم .
( 1 ) قال ياقوت : بركاوان : ناحية بفارس . بالفتح والسكون .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط . وفي نسخة : وتسبيحة واحدة في الله .
( 3 ) تفسير القمي : 568 .
( 4 ) المباضعة : المجامعة .
( 5 ) سعف واسعف بحاجته : قضاها له .
[ 73 ]
فيه ، فقال إبليس : أليس تذهبون بالحجارة وترجعون فراغا ؟ قالوا : نعم ، قال : فأنتم
في راحة ، فأبلغت الريح سليمان ماقال إبليس للشياطين ، فأمرهم يحملون الحجارة ذاهبين
ويحملون الطين راجعين إلى موضعها ، فتراءى لهم إبليس فقال : كيف أنتم ؟ فشكوا إليه ،
فقال : ألستم تنامون بالليل ؟ قالوا : بلى ، قال : فأنتم في راحة ، فأبلغت الريح ما قالت
الشياطين وإبليس فأمرهم أن يعملوا بالليل والنهار ، فما لبثوا إلا يسيرا حتى مات سليمان ،
وقال : خرج سليمان يستسقي ومعه الجن والانس فمر بنملة عرجاء ( 1 ) ناشرة جناحها ،
رافعة يدها ، وتقول : اللهم إنا خلق من خلقك ، لاغنى بنا عن رزقك فلا تؤاخذنا بذنوب
بني آدم واسقنا ، فقال سليمان عليه السلام لمن كان معه : ارجعوا فقد شفع فيكم غيركم . ( 2 )
وفي خبر : قد كفيتم بغيركم . ( 3 )
بيان : قال الجوهري : طروقة الفحل : أنثاه .
13 سن : اليقطيني ، عن الدهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ،
عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : مابعث الله نبيا قط إلا عاقلا ، وبعض النبيين
أرجح من بعض ، وما استخلف داود سليمان حتى اختبر عقله ، واستخلف داود سليمان
وهو ابن ثلاثة عشر سنة ، ومكث في ملكه أربعين سنة ، وملك ذو القرنين وهو ابن اثني


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 73 سطر 15 إلى صفحه 81 سطر 15

عشر سنة ومكث في ملكه ثلاثين سنة . ( 4 )
14 سن : أبي وعلي بن عيسى الانصاري ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبي
الحسن الثاني عليه السلام قال : إن سليمان بن داود عليهما السلام أتته امرأة عجوز مستعدية على
. . ( هامش صفحة 73 ) ( 1 ) عرجاء مؤنث اعرج ، فهي من اصابته مرض في رجلها فتمشي مشية غير متساوية فيميل
جسدها خطوة إلى اليمين وخطوة إلى الشمال .
( 2 ) شفع لفلان أو فيه إلى زيد : طلب من زيد ان يعاونه .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط ، ورواه المسعودي في اثبات الوصية قال : روى ان القحط اشتد
في زمانه فشكا الناس اليه ذلك وسألوه ان يستسقي لهم فخرج معهم ، فلما ان صار في بعض الطريق
اذا هو بنملة رافعة يديها إلى السماء ، واضعة رجليها في الارض وهي تقول . ثم ذكر مثله الا انه
قال فلا تهلكنا ، وفيه ايضا : فقد سقيتم بغيركم .
( 4 ) محاسن البرقي : 193 .
[ 74 ]
الريح ، فدعا سليمان الريح فقال لها : مادعاك إلى ماصنعت بهذه المرأة ؟ قالت : إن رب
العزة بعثني إلى سفينة بني فلان لانقذها من الغرق ، وكانت قد أشرفت على الغرق ،
فخرجت في سنتي ( 1 ) عجلى إلى ماأمرني الله به ، ومررت بهذه المرأة وهي على سطحها فعثرت
بها ولم أردها فسقطت فانكسرت يدها ، فقال سليمان : يارب بما أحكم على الريح ؟ فأوحى
الله إليه : ياسليمان احكم بأرش كسر هذه المرأة على أرباب السفينة التي أنقذتها الريح من
الغرق ، فإنه لا يظلم لدي أحد من العالمين . ( 2 )
15 سن : علي بن الحكم ، عن أبان ، عن أبي العباس ، عن أبي عبدالله عليه السلام في
قوله : " يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل " فقال : والله ماهي تماثيل الرجال و
( النساء ) ؟ ولكن الشجر وشبهه . ( 3 )
كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن
الحصين ، عن الفضل بن العباس مثله . ( 4 )
16 سر : من كتاب أبان بن تغلب ، عن ابن أسباط وابن أبي نجران والوشاء
جميعا ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبدالله عليه السلام أو عن زرارة عنه عليه السلام ( 5 ) قال : آخر نبي
يدخل الجنة ( 6 ) سليمان بن داود عليه السلام وذلك لما أعطي في الدنيا . ( 7 )
17 مكا : عن زروان المدائني ، ( 8 ) عن أبي الحسن الثاني عليه السلام قال : لقد كان
لسليمان عليه السلام ألف امرأة في قصر : ثلاث مائة مهيرة ، وسبعمائة سرية ، وكان يطيف بهن
في كل يوم وليلة .
. . ( هامش صفحة 74 ) ( 1 ) في المصدر : في سنن ( عجلى ) ؟ .
( 2 ) محاسن البرقي : 302 ، وللحديث صدر تركه المصنف هنا .
( 3 ) " " : 618 .
( 4 ) الفروع 2 : 226 . وفيه : " عن الفضل أبي العباس " وهو الصحيح ، والرجل هو أبوالعباس
فضل بن عبدالملك البقباق .
( 5 ) في المصدر : شك من الحسن .
( 6 ) " " : آخر من يدخل الجنة من النبيين سليمان بن داود .
( 7 ) السرائر : 467 .
( 8 ) في المطبوع : ذروان المدائني ، وليست له في كتب التراجم ذكر حتى يضبط صحيحه .
[ 75 ]
بيان : طيف تطييفا : أكثر الطواف ، وفي بعض النسخ يطوف ، أي كان يأتيهن
جميعا إما بالزيادة أو بالجماع أيضا .
18 محص : ( 1 ) عن عبدالله بن سنان قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إن آخر
الانبياء دخولا إلى الجنة سليمان عليه السلام ، وذلك لما أعطي من الدنيا .
19 يه : بإسناده الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن سليمان عليه السلام
قد حج البيت في الجن والانس والطير والرياح ، وكسا البيت القباطي . ( 2 )
بيان القبطية : ( 3 ) ثوب ينسب إلى مصر ، والجمع قباطي بالضم والكسر . ( 4 )
20 يه : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن أول من كسا
البيت الثياب سليمان بن داود عليه السلام ، كساه القباطي . ( 5 )
21 فس : " ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر " قال : كانت الريح
تحمل كرسي سليمان فتسير به في الغداة مسيرة شهر ، وبالعشي مسيرة شهر " وأسلنا له
عين القطر " أي الصفر " محاريب وتماثيل " قال : الشجر ( 6 ) " وجفان كالجواب " أي جفنة
كالحفرة " وقدور راسيات " أي ثابتات . ثم قال : " اعملوا آل داود شكرا " قال : اعملوا ما
تشكرون عليه . ( 7 )
بيان : يمكن قراءة تشكرون على المعلوم والمجهول ولعل الاخير أظهر .
تفسير : قال الطبرسي نور الله مضجعه : " ولسليمان الريح " أي وسخرنا لسليمان الريح
" غدوها شهر ورواحها شهر " أي مسير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر ، ومسير رواحها
مسيرة شهر ، والمعنى أنها كانت تسير في اليوم مسيرة شهرين للراكب ، قال قتادة : كانت تغدو
مسيرة شهر إلى نصف النهار ، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار ، وقال الحسن : كانت تغدو من
. . ( هامش صفحة 75 ) ( 1 ) في نسخة : ( ختص ) وليست عندنا نسخة الكتابين حتى ( يتعين ) ؟ صحيحه .
( 2 ) من لا يحضره الفقيه : 213 .
( 3 ) بضم القاف وكسره وسكون الباء .
( 4 ) وقد يشدد الياء .
( 5 ) من لايحضره الفقيه : 213 .
( 6 ) اي يعملون تماثيل الشجر .
( 7 ) تفسير القمي : 536 537 .
[ 76 ]
دمشق فيقيل بإصطخر من أرض إصفهان ( 1 ) وبينهما مسيرة شهر للمسرع ، وتروح من إصطخر ،
فتبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر تحمله الريح مع جنوده ، أعطاه الله الريح بدلا من الصافنات
الجياد " وأسلنا له عين القطر " أي أذبنا له عين النحاس وأظهرنا له ، قالوا : جرت له عين
الصفر ثلاثة أيام بلياليهن جعلها الله له كالماء ، وإنما يعمل الناس بما أعطي لسليمان
منه ( 2 ) " ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه " المعنى : وسخرنا له من الجن من
يعمل بحضرته وأمام عينه ما يأمرهم به من الاعمال كما يعمل الآدمي بين يدي الآدمي
بأمر ربه تعالى ، وكان يكلفهم الاعمال الشاقة مثل عمل الطين وغيره ، وقال ابن عباس :
سخرهم الله لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به ، وفي هذا دلالة على أنه قد كان من
الجن من هو غير مسخر له " ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير " المعنى : و
من يعدل من هؤلاء الجن الذين سخرناهم لسليمان عما أمرناهم به من طاعة سليمان
نذقه من عذاب السعير ، أي عذاب النار في الآخرة ، عن أكثر المفسرين ، وفي هذا دلالة
على أنهم قد كانوا مكلفين ، وقيل : معناه : نذيقه العذاب في الدنيا ، وأن الله سبحانه
وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ضربه ضربة أحرقته
" يعملون له ما يشاء من محاريب " وهي البيوت الشريفة ، ( 3 ) وقيل : هي القصور و
المساجد يتعبد فيها ، عن قتادة والجبائي ، قال : وكان مما عملوه بيت المقدس ، وقد كان الله
عزوجل سلط على بني إسرائيل الطاعون ، فهلك خلق كثير في يوم واحد ، فأمرهم
داود عليه السلام أن يغتسلوا ويبرزوا إلى الصعيد بالذراري والاهلين ويتضرعوا إلى الله تعالى
لعله يرحمهم ، وذلك صعيد بيت المقدس قبل بناء المسجد ، وارتفع داود عليه السلام فوق الصخرة
فخر ساجدا يبتهل إلى الله سبحانه وسجدوا معه ، فلم يرفعوا رؤوسهم حتى كشف الله عنهم
الطاعون ، فلما أن شفع الله ( 4 ) داود في بني إسرائيل جمعهم داود بعد ثلاث وقال لهم :
. . ( هامش صفحة 76 ) ( 1 ) هكذا في نسخ وفي المصدر ، وفي نسخة : من أرض همدان ، والصحيح أنها من مدن
فارس ، بينه وبين شيراز اكثر من عشرة فراسخ .
( 2 ) في المصدر : بما اعطى سليمان منه .
( 3 ) في المصدر : وهي بيوت الشريعة .
( 4 ) أي قبل شفاعته فيهم .
[ 77 ]
إن الله تعالى قد من عليكم ورحمكم فجددوا له شكرا بأن تتخذوا من هذا الصعيد الذي
رحمكم فيه مسجدا ، ففعلوا وأخذوا في بناء بيت المقدس ، فكان داود عليه السلام ينقل الحجارة
لهم على عاتقه ، وكذلك خيار بني إسرائيل حتى رفعوه قامة ، ولداود عليه السلام يومئذ سبع
وعشرون ومائة سنة ، فأوحى الله تعالى إلى داود : إن تمام بنائه يكون على يد ابنه
سليمان ، فلما صار داود ابن أربعين ومائة سنة توفاه الله ، واستخلف سليمان فأحب إتمام
بيت المقدس فجمع الجن والشياطين فقسم عليهم الاعمال ، يخص كل طائفة منهم بعمل
فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها ( 1 ) الابيض الصافي من معادنه ، وأمر
ببناء المدينة من الرخام والصفاح ، ( 2 ) وجعلها اثني عشر ربضا ، وأنزل كل ربض منها
سبطا من الاسباط ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا
فرقة يستخرجون الذهب واليواقيت من معادنها ، وفرقة يقلعون الجواهر والاحجار من
أماكنها ، وفرقة يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب ، وفرقة يأتونه بالدر من البحار ،
فأوتي من ذلك بشئ لا يحصيه إلا الله تعالى ، ثم أحضر الصناع وأمرهم بنحت تلك
الاحجار حتى صيروها ألواحا ، ومعالجة تلك الجواهر واللآلي ، وبنى سليمان المسجد
بالرخام الابيض والاصفر والاخضر ، وعمده بأساطين المها الصافي ، وسقفه بألواح
الجواهر ، ( 3 ) وفصص سقوفه وحيطانه باللآلي واليواقيت والجواهر ، وبسط أرضه
بألواح الفيروزج ، فلم يكن في الارض بيت أبهى منه ولا أنور من ذلك المسجد ، كان يضئ
في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه خيار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه
لله تعالى ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا ، فلم يزل بيت المقدس على مابناه سليمان
حتى إذا غزا بخت نصر بني إسرائيل فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما في
سقوفه وحيطانه من الذهب والدرر ( 4 ) واليواقيت والجواهر ، فحملها إلى دار مملكته من أرض
. . ( هامش صفحة 77 ) ( 1 ) المها جمع المهاة بالفتح وهي البلورة والربض بالتحريك : سور المدينة . ومأوى الغنم
والناحية . وكل مايؤوى اليه ويستراح لديه من مال وبيت ونحوه ، منه قدس الله سره .
( 2 ) الصفاح بالضم وتشديد الفاء : الحجارة العريضة الرقيقة .
( 3 ) في نسخة : بأنواع الجواهر .
( 4 ) في المصدر : من الذهب والفضة والدرر .
[ 78 ]
العراق ، قال سعيد بن المسيب : لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس تغلقت أبوابه فعالجها
سليمان فلم تنفتح حتى قال في دعائه : بصلوات أبي داود إلا فتحت الابواب ، ففرغ له
سليمان ( 1 ) عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل خمسة آلاف بالليل وخمسة آلاف بالنهار
ولا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا ويعبد الله فيها " وثماثيل " يعني صورا من نحاس و
شبه ( 2 ) وزجاج ورخام كانت الجن تعملها .
ثم اختلفوا فقال بعضهم : كانت صورا للحيوانات ، وقال آخرون : كانوا يعملون
صور السباع والبهائم على كرسيه ليكون أهيب له ، فذكروا أنهم صوروا أسدين أسفل
كرسيه ، ونسرين فوق عمودي كرسيه ، فكان إذا أراد أن يصعد على الكرسي بسط الاسدان
ذراعيهما ، وإذا علا على الكرسي نشر النسران أجنحتهما فظللاه من الشمس ، ويقال : إن
ذلك كان مما لا يعرفه أحد من الناس ، فلما حاول بخت نصر صعود الكرسي بعد سليمان
حين غلب على بني إسرائيل لم يعرف كيف كان يصعد سليمان عليه السلام فرفع الاسد ذراعيه
فضرب ساقه فقدها فخر مغشيا عليه ، فما جسر أحد بعده أن يصعد ذلك الكرسي ،
قال الحسن : ولم تكن يومئذ التصاوير محرمة وهي محظورة في شريعة نبينا صلى الله عليه وآله فإنه
قال : " لعن الله المصورين " ويجوز أن يكره ذلك في زمن دون زمن ، وقد بين الله سبحانه
أن المسيح عليه السلام كان يصور بأمر الله من الطين كهيئة الطير ، وقال ابن عباس : كانوا
يعملون صور الانبياء والعباد في المساجد ليقتدى بهم ، وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال :
والله ماهي تماثيل الرجال والنساء ولكنها الشجر وما أشبهه .
" وجفان كالجواب " أي صحاف كالحياض التي يجبى فيها الماء أي يجمع ، وكان
سليمان عليه السلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان ، فإنه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل
قصع الناس لكثرتهم ، وقيل : إنه كان يجمع على كل جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه
" وقدور راسيات " أي ثابتات لاتزلن عن أمكنتهن لعظمهن ، عن قتادة ، وكانت باليمن ، و
قيل : كانت عظيمة كالجبال يحملونها مع أنفسهم ، وكان سليمان عليه السلام يطعم جنده انتهى . ( 3 )
. . ( هامش صفحة 78 ) ( 1 ) في المصدر : ففتحت ففرغ له سليمان .
( 2 ) الشبه : النحاس الاصفر .
( 3 ) مجمع البيان 8 : 382 .
[ 79 ]
وقال صاحب الكامل : لما توفي داود عليه السلام ملك بعده ابنه سليمان عليه السلام على
بني إسرائيل ، وكان عمره ثلاث عشر سنة ، وأتاه مع الملك النبوة ، ( 1 ) وسخر له الجن
والانس والشياطين والطير والريح ، فكان إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير
وقام له الانس والجن متى يجلس فيه ، ( 2 ) وقيل : إنه سخر له الريح والجن والشياطين
والطير وغير ذلك بعد أن زال ملكه وأعاده الله إليه ، وكان أبيض جسيما كثير الشعر يلبس
البياض ، وكان يأكل من كسبه ( 3 ) وكان كثير الغزو ، وكان إذا أراد الغزو أمر فعمل
بساط من خشب يسع عسكره فيركبون عليه هم ودوابهم وما يحتاجون إليه ، ثم أمر
الريح فحملته فسار ( 4 ) في غدوته مسيرة شهر وفي روحته كذلك ، وكان له ثلاث مائة
زوجة ، وسبعمائة سرية ، وأعطاه الله أخيرا أنه لايتكلم أحد بشئ إلا حملته الريح فيعلم
مايقول . انتهى . ( 5 )
22 أعلام الدين : قال ابن شهاب : بعث سليمان بن داود عليه السلام بعض عفاريته ،
وبعث معه نفرا من أصحابه ، فقال : اذهبوا معه وانظروا ماذا يقول ، فمروا به في السوق
فرفع رأسه إلى السماء ونظر إلى الناس فهز رأسه ، ومروا به على بيت يبكون على ميت
لهم فضحك ، ومروا به على الثوم يكال كيلا وعلى الفلفل يوزن وزنا فضحك ، ومروا به
على قوم يذكرون الله تعالى وآخرين في باطل فهز رأسه ، ثم ردوه إلى سليمان فأخبروه
بما رأوا منه ، فسأله سليمان عليه السلام : أرأيت إذ مروا بك في السوق لم رفعت رأسك
إلى السماء ونظرت إلى الارض والناس ؟ قال : عجبت من الملائكة على رؤوس الناس ما
أسرع ما يكتبون ! ومن الناس ماأسرع مايملون ! قال : ومررت على أهل بيت يبكون على
ميت وقد أدخله الله الجنة فضحكت ، قال : ومررت على الثوم يكال كيلا ومنه الترياق ،
. . ( هامش صفحة 79 ) ( 1 ) في المصدر زيادة وهي : وسأل الله ان يؤتيه ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فاستجاب له وسخر .
( 2 ) في المصدر : حتى يجلس .
( 3 ) " " : من كسب يده .
( 4 ) " " : فسارت . أي الريح .
( 5 ) الكامل 1 : 78 . وفيه : الا حملته الريح اليه .
[ 80 ]
وعلى الفلفل يوزن وزنا وهو الداء فتعجبت ، ونظرت إلى قوم يذكرون الله وآخرين
في باطل فتعجبت وضحكت . ( 1 )
أقول : قد مر في الباب الاول ( 2 ) وغيره في خبر الشامي أن سليمان عليه السلام ممن
ولد من الانبياء مختونا ، وفي الباب الثاني عن الرضا عليه السلام أنه كان نقش خاتمه : سبحان من
ألجم الجن بكلماته ، وفي أبواب قصص داود عليه السلام بعض مايتعلق بأحواله .
23 وقال الطبرسي رحمه الله : روى الواحدي بالاسناد ، عن محمد بن جعفر بن محمد
عن أبيه عليه السلام قال : أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الارض ومغاربها ، فملك سبعمائة
سنة وسبعة أشهر ، ( 3 ) ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والانس والشياطين والدواب و
الطير والسباع ، وأعطي علم كل شئ ومنطق كل شئ ، وفي زمانه صنعت الصنائع
المعجبة التي سمع بها الناس ، وذلك قوله : " علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن
هذا لهو الفضل المبين " . ( 4 )
أقول : هذا الخبر غريب من حيث اشتماله على ملك المشارق والمغارب ، وكون
ملكه سبعمائة سنة ، ومخالف للاخبار المعتبرة من الجهتين معا ، لكن سيأتي من إكمال
الدين في باب وفاته عليه السلام مايؤيد الثاني .
ثم قال رحمه الله : قال محمد بن كعب : بلغنا أن سليمان بن داود عليه السلام كان عسكره ( 5 )
مائة فرسخ : خمسة وعشرون للانس ، وخمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للوحش
وخمسة وعشرون للطير ، وكان له ألف بيت من القوارير على الخشب فيها ثلاثمائة مهيرة ،
وسبعمائة سرية ، فيأمر الريح العاصف فترفعه ويأمر الرخاء فتسير به ، فأوحى الله تعالى
إليه وهو يسير بين السماء والارض : إني قد زدت في ملكك : إنه لا يتكلم أحد من
. . ( هامش صفحة 80 ) ( 1 ) اعلام الدين مخطوط .
( 2 ) اي باب معنى النبوة وعلة بعثة الانبياء .
( 3 ) في المصدر : وستة اشهر .
( 4 ) مجمع البيان 7 : 214 .
( 5 ) في المصدر : كان معسكره مائة فرسخ .
[ 81 ]
الخلائق بشئ إلا جاءت به الريح فأخبرتك . وقال مقاتل : نسجت الشياطين لسليمان عليه السلام
بساطا فرسخا في فرسخ ، ذهبا في أبريسم ، وكان يوضع فيه منبر من ذهب في وسط البساط
فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة ، فيقعد الانبياء على كراسي الذهب
والعلماء على كراسي الفضة ، وحولهم الناس ، وحول الناس الجن والشياطين وتظله
الطير بأجنحتها حتى لاتقع عليه الشمس ، وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح
إلى الرواح ، ومن الرواح إلى الصباح . ( 1 )
أقول : روى ابن شهر آشوب في البيان الخبر الثاني مختصرا ، وزاد فيه : وله تخت
من عاج ميل في ميل ، وروى ذلك كله في عدة الداعي وزاد في آخره : فيحكى أنه مر
بحراث فقال : لقد أوتي ابن داود ملكا عظيما ، فألقاه الريح في أذنه فنزل ومشى إلى
الحراث وقال : إنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ، ثم قال : لتسبيحة واحدة
يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود ، وفي حديث آخر : لان ثواب التسبيحة يبقى ،
وملك سليمان يفنى . ( 2 )
24 كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن أبي الحسن
الاسدي ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة بعد
عتمة وهو يقول : همهمة همهمة ، وليلة مظلمة ، خرج عليكم الامام عليه قميص آدم ، وفي


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 81 سطر 16 إلى صفحه 89 سطر 16

يده خاتم سليمان ، وعصا موسى . ( 3 )
25 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن سيف ، عن بعض أصحابنا ،
عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال : قلت له : إنهم يقولون في حداثة سنك ، فقال : إن الله
تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم ، فأنكر
ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم ، فأوحى الله تعالى أن خذ عصي المتكلمين وعصا سليمان
واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم ، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت
. . ( هامش صفحة 81 ) ( 1 ) مجمع البيان 7 : 215 .
( 2 ) عدة الداعي : 191 و 192 ، وفيه : كان معسكره مائة فرسخ في مائة فرسخ ، وفيه أيضا :
وحوله ستمائة الف كرسي من ذهب وفضة .
( 3 ) اصول الكافي 1 : 231 و 232 .
[ 82 ]
وأثمرت فهو الخليفة ، فأخبرهم داود عليه السلام ، فقالوا : قد رضينا وسلمنا . ( 1 )
26 كا : محمد بن الحسن وعلي بن إبراهيم الهاشمي ، عن بعض أصحابنا ، عن
سليمان بن جعفر الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : قال علي بن الحسين عليهما السلام
القنزعة ( 2 ) التي على رأس القنبرة ( 3 ) من مسحة سليمان بن داود عليه السلام ، وذلك أن الذكر
أراد أن يسفد ( 4 ) أنثاه فامتنعت عليه ، فقال لها : لاتمتنعي ما أريد إلا أن يخرج الله
عزوجل مني نسمة يذكر به ، فأجابته إلى ما طلب ، فلما أرادت أن تبيض قال لها :
أين تريدين أن تبيضي ؟ فقالت : لا أدري أنحيه عن الطريق ، قال لها : إني أخاف أن
يمر بك مار الطريق ، ولكني أرى لك أن تبيضي قرب الطريق ، فمن يراك قربه توهم أنك
تعرضين للقط الحب من الطريق ، فأجابته إلى ذلك وباضت وحضنت حتى أشرفت على
النقاب ، ( 5 ) فبينا هما كذلك إذ طلع سليمان بن داود عليه السلام في جنوده والطير تظله ،
فقالت له . هذا سليمان قد طلع علينا بجنوده ، ولا آمن أن يحطمنا ويحطم بيضنا ، فقال
لها : إن سليمان عليه السلام لرجل رحيم ، فهل عندك شئ خبيته لفراخك ( 6 ) إذا نقبن ؟
قالت : نعم عندي جرادة خبأتها منك ، أنتظر بها فراخي إذا نقبن ، فهل عندك شئ ؟ قال :
نعم عندي تمرة خبأتها منك لفراخي ، قالت : فخذ أنت تمرتك وآخذ أنا جرادتي ونعرض
لسليمان عليه السلام فنهديهما له ، فإنه رجل يحب الهدية ، فأخذ التمرة في منقاره ، وأخذت
هي الجرادة في رجليها ، ثم تعرضا لسليمان عليه السلام ، فلما رآهما وهو على عرشه بسط يده
لهما فأقبلا فوقع الذكر على اليمين ، ووقعت الانثى على اليسار ، وسألهما عن حالهما
فأخبراه فقبل هديتهما وجنب جنده عنهما وعن بيضهما ، ومسح على رأسهما ودعا لهما
. . ( هامش صفحة 82 ) ( 1 ) اصول الكافي 1 : 383 .
( 2 ) القنزعة : الخصلة من الشعر تترك على الرأس .
( 3 ) بالضم فسكون : نوع من العصافير .
( 4 ) اي اراد ان يجامعها .
( 5 ) حضن الطير بيضه وعلى بيضه : رخم عليها للتفريغ . قوله : ( على النقاب ) من نقيب الحائط
خرقه ، اي حتى اشرفت على خرق البيض .
( 6 ) في المصدر : رحيم بنا فهل عندك شئ هيأته لفراخك اذا نقبن .
[ 83 ]
بالبركة ، فحدثت القنزعة على رأسهما من مسحة سليمان عليه السلام . ( 1 )
27 نبه : روي أن سليمان بن داود عليه السلام مر في موكبه والطير تظله والجن
والانس عن يمينه وعن شماله بعابد ( 2 ) من عباد بني إسرائيل ، فقال : والله ياابن داود
لقد آتاك الله ملكا عظيما ، فسمعه سليمان فقال : لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطي
ابن داود ، إن ما أعطي ابن داود يذهب وإن التسبيحة تبقى . ( 3 )
28 وكان سليمان عليه السلام إذا أصبح تصفح وجوه الاغنياء والاشراف حتى يجئ
إلى المساكين ويقعد معهم ويقول : مسكين مع المساكين . ( 4 )
29 ارشاد القلوب : كان سليمان عليه السلام مع ماهو فيه من الملك يلبس الشعر ، و
إذا جنه الليل شد يديه إلى عنقه ، فلا يزال قائما حتى يصبح باكيا ، وكان قوته من
سفائف الخوص يعملها بيده ، وإنما سأل الملك ليقهر ملوك الكفر . ( 5 )
وروى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن وهب بن منبه ، عن كعب قال : إن سليمان
عليه السلام كان إذا ركب حمل أهله وسائر حشمه وخدمه وكتابه في مدينة من قوارير ،
لها ألف سقف ، وتلك السقوف بعضها فوق بعض على قدر درجاتهم ، وقد اتخذ مطابخ و
مخابز يحمل فيها تنانير الحديد وقدور عظام ، يسع كل قدر عشرة جزاير ، وقد اتخذ
ميادين للدواب أمامه ، فيطبخ الطباخون ، ويخبز الخبازون ، وتجري الدواب بين يديه
بين السماء والارض ، والريح تهوي بهم ، فسار من إصطخر إلى اليمن ، فسلك المدينة مدينة
الرسول صلى الله عليه وآله فقال سليمان : هذا دار هجرة نبي في آخر الزمان ، طوبى لمن آمن به ، و
طوبى لمن اتبعه ، وطوبى لمن اقتدى به ، ورأى حول البيت ( 6 ) أصناما تعبد من دون الله
. . ( هامش صفحة 83 ) ( 1 ) فروع الكافي 2 : 146 .
( 2 ) في المصدر : قال : فمر بعابد .
( 3 ) تنبيه الخواطر 1 : 129 130 .
( 4 ) " " 1 : 203 .
( 5 ) ارشاد القلوب 1 : 192 ، وفيه : وانما سأل الله الملك لاجل القوة والغلبة على ملوك
الكفار ليقهرهم بذلك ، وقبله سأل الله القناعة .
( 6 ) أي بيت الحرام ولعل في العبارة سقط وهو : ثم سار إلى مكة ورأى حول البيت اصناما *
[ 84 ]
فلما جاوز سليمان البيت بكى البيت ، فأوحى الله تعالى إلى البيت : ما يبكيك ؟ قال :
يارب أبكاني هذا نبي من أنبيائك وقوم من أوليائك مروا علي فلم يهبطوا في ،
ولم يصلوا عندي ، ولم يذكروك بحضرتي والاصنام تعبد حولي من دونك ، فأوحى الله
تعالى إليه : أن لاتبك فإني سوف أملاك وجوها سجدا ، وأنزل فيك قرآنا جديدا ،
وأبعث منك نبيا في آخر الزمان أحب أنبيائي إلي ، وأجعل فيك عمارا من خلقي يعبدونني
وأفرض على عبادي فريضة يدفون ( 1 ) إليك دفيف النسور إلى وكورها ، ويحنون ( 2 ) إليك
حنين الناقة إلى ولدها ، والحمامة إلى بيضتها ، وأطهرك من الاوثان وعبدة الشيطان
قال : وروي أن سليمان لما ملك بعد أبيه أمر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاء و
أمر بأن يعمل بديعا مهولا بحيث أن لو رآه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتهيب ، قال : فعمل
له كرسي من أنياب الفيلة وفصصوه بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وأنواع الجواهر وحففوه
بأربع نخلات من ذهب ، شماريخها ( 3 ) الياقوت الاحمر والزمرد الاخضر ، على رأس
نخلتين منها طاووسان من ذهب وعلى رأس الآخرين نسران من ذهب ، بعضها مقابلا لبعض
وجعلوا من جنبتي الكرسي أسدين من الذهب ، على رأس كل واحد منهما عمود من
الزمرد الاخضر ، وقد عقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الاحمر واتخذوا
عناقيدها من الياقوت الاحمر بحيث يظل عريش الكروم النخل والكرسي ، قال : وكان
سليمان عليه السلام إذا أراد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى فيستدير الكرسي كله بما
فيه دوران الرحى المسرعة ، وتنشر تلك النسور والطواويس أجنحتها ، وتبسط الاسدان
أيديهما فتضربان الارض بأذنابهما ، فكذلك كل درجة يصعدها سليمان عليه السلام ، فإذا
استوى بأعلاه أخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأس سليمان
. . ( هامش صفحة 84 ) * قلت : والذي رأيته في كتاب التيجان : 153 لوهب بن منبه أن سليمان سار إلى مكة فنزل وصلى
فيه ومر بقبر اسماعيل فنزل اليه وألم به ، قال : وكان ملك مكة يومئذ البشر بن لبلغ بن عمرو بن
مضاص بن عبد المسيح بن نفيلة بن عبد المدان بن حشرم بن عبدياليل بن جرهم بن قحطان بن هود النبي
عليه السلام ، وكان البشر عاملا لبلقيس .
( 1 ) دف : مشى مشيا خفيفا ، دف الطائر : حرك جناحيه كالحمام .
( 2 ) حن اليه : اشتاق .
( 3 ) شماريخ : جمع الشمروخ : العذق عليه بسر او عنب .
[ 85 ]
عليه السلام ، ثم يستدير الكرسي بما فيه ويدور معه النسران والطاووسان والاسدان
قائلات ( 1 ) برؤوسها إلى سليمان ينضحن ( 2 ) عليه من أجوافها المسك والعنبر ، ثم تناولت
حمامة من ذهب قائمة على عمود من جوهر من أعمدة الكرسي التوراة فيفتحها سليمان عليه السلام
ويقرؤها على الناس ، ويدعوهم إلى فصل القضاء ، ويجلس عظماء بني إسرائيل على كراسي
من الذهب المفصصة بالجوهر وهي ألف كرسي عن يمينه ، وتجئ عظماء الجن وتجلس
على كراسي الفضة عن يساره وهي ألف كرسي حافين جميعا به ، ثم يحف بهم الطير
فتظلهم ، وتتقدم إليه الناس للقضاء ، فإذا دعا بالبينات والشهود لاقامة الشهادات دار
الكرسي بما فيه مع جميع ماحوله دوران ( الرحى ) ؟ المسرعة ويبسط الاسدان أيديهما و
يضربان الارض بأذنابهما ، وينشر النسران والطاووسان أجنحتهما فيفزع منه الشهود و
يدخلهم من ذلك رعب ولا يشهدون إلا بالحق . ( 3 )
( باب 6 )
* ( معنى قول سليمان عليه السلام : هب لي ملكا لاينبغي ) *
* ( لاحد من بعدي ( 4 ) *
1 مع ، ع : أحمد بن يحيى المكتب ، عن أحمد بن محمد الوراق ، عن علي بن هارون
الحميري ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن أبيه ، عن علي بن يقطين قال : قلت لابي
الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : أيجوز أن يكون نبي الله عزوجل بخيلا ؟ فقال : لا ،
فقلت له : فقول سليمان : " رب اغفر لي وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي " ما وجهه
ومعناه ؟ فقال : الملك ملكان : ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس ، وملك مأخوذ
من قبل الله تعالى ذكره كملك آل إبراهيم وملك طالوت وملك ذي القرنين ، فقال سليمان
عليه السلام : " هب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي " أن يقول : إنه مأخوذ بالغلبة والجور
. . ( هامش صفحة 85 ) ( 1 ) في نسخة : مائلات . ( 2 ) اي ترش عليه المسك .
( 3 ) تفسير الثعلبي " الكشف والبيان " مخطوط لم يطبع إلى الان ، والحديث كما ترى مروى
عن وهب بن منبه العامي ، وفي اخباره شواذ وغرائب .
( 4 ) ص : 34 .
[ 86 ]
وإجبار الناس ، فسخر الله عزوجل له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، وجعل
غدوها شهرا ورواحها شهرا ، وسخر الله عزوجل له الشياطين كل بناء وغواص وعلم
منطق الطير ، ومكن في الارض ، فعلم الناس في وقته وبعده أن ملكه لا يشبه ملك الملوك
المختارين ( 1 ) من قبل الناس والمالكين بالغلبة والجور . قال : فقلت له : فقول رسول الله صلى الله عليه وآله :
رحم الله أخي سليمان بن داود ما كان أبخله ؟ ! ( 2 ) فقال : لقوله عليه السلام وجهان : أحدهما
ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه ، والوجه الآخر : يقول : ماكان أبخله إن كان أراد
مايذهب إليه الجهال . ثم قال عليه السلام : قدوالله أوتينا ما أوتي سليمان ومالم يؤت سليمان
ومالم يؤت أحد من الانبياء ، قال الله عزوجل في قصة سليمان : " هذا عطاؤنا فامنن أو
أمسك بغير حساب " وقال عزوجل في قصة محمد صلى الله عليه وآله : " ما آتاكم الرسول فخذوه و
مانهاكم عنه فانتهوا " . ( 3 )
بيان : تأويله عليه السلام للآية الكريمة يحتمل وجهين : الاول أن يكون عليه السلام
قدر في الآية شيئا وهو قوله : أن يقول ، أي هب لي ملكا يكون لعظمته ( 4 ) بحيث لا يقدر
أحد على أن يقول : إنه كملك سائر الملوك مأخوذ بالجور والغلبة . ويؤيده الوجه الاول
من وجهي تأويل الخبر حيث بخل بعرضه في هذا الدعاء ، وسأل الله أن يرفع عنه ألسن
الناس بأن ملكه مأخوذ بالجور ، ولا يكون عرضه عرضة لملام لئام الخلق .
الثاني : أن يكون المعنى أنه عليه السلام سأل ربه ملكا لا يتهيأ للملوك الجائرين ( 5 )
تحصيله بالجور والغلبة ليكون معجزا له على نبوته وآية على خلافته ، فلا يمنع هذا
الكلام أن يعطي الله من بعده من الانبياء والاوصياء أضعاف ما أعطاه ، فيكون قوله : ( لا
ينبغي لاحد من بعدي أن يقول ) بيانا لحاصل المعنى ولازمه لا تقديرا في الكلام ، أي طلب
. . ( هامش صفحة 86 ) ( 1 ) في نسخة : الجبارين .
( 2 ) لم يرو هذا الخبر في اصولنا المتلقاة من المعصومين ، ولا في شئ من اخبارنا ، وهو من
مرويات العامة القائلين بجواز صدور امثاله من نبي في حق نبي آخر ، وسيأتي بعد ذلك ايعاز من
المصنف إلى ان الامام عليه السلام لم اوله ولم يصرح بانه موضوع .
( 3 ) معاني الاخبار : 100 101 علل الشرائع : 35 .
( 4 ) هكذا في النسخ ، والصحيح : يكون عظمته .
( 5 ) في نسخة : للملوك الجبارين .
[ 87 ]
ملكا لم يقدر أحد على تحصيله بقوته لئلا يقال : إن ملكه مأخوذ بالغلبة ، فلا يكون
معجزا له ، فعلى هذا يكون قوله عليه السلام : ( ما أبخله بعرضه ) لانه كان ذلك أيضا مقصودا
له ضمنا وإن كان المقصود بالذات كونه معجزا ، والظاهر أنه عليه السلام كان يعلم أن الخبر
موضوع ، وإنما أوله تحرزا عن طرح الخبر المشهور بينهم تقية ، ولذا ردد عليه السلام بين
الوجهين ، ولو كان صادرا عنه صلى الله عليه وآله لكان عالما بما أراده به ، وأما كون ما أعطاه الرسول
أفضل ( 1 ) فلانه تعالى أعطى سليمان ماأعطى وفوض الامر إليه في بذله ومنعه ولم يفوض
إليه تعيين أمر بخلاف نبينا صلى الله عليه وآله فإنه فوض إليه الامر وأمر الناس باتباعه في كل
مايقول ، وهذا مبني على التفويض وسيأتي تحقيقه في كتاب الامامة .
ويحتمل أن يكون الفضل بسبب أنه فوض إليه إعطاء الامور الدنيوية ومنعها
وأعطى النبي صلى الله عليه وآله الرئاسة العامة في الدين والدنيا لجميع الخلق ، وفيه شئ .
وقال الطبرسي في قوله تعالى : " رخاء " أي لينة سهلة ، وقيل : طيبة سريعة ، و
قيل : أي مطيعة " حيث أصاب " أي حيث أراد سليمان من النواحي . ( 2 )
2 ب : محمد بن عبدالحميد ، عن أبي جميلة ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول سليمان :
" هب لي ( 3 ) ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب " قلت : فأعطي الذي دعا به ؟
قال : نعم ، ولم يعط بعده إنسان ما أعطي نبي الله عليه السلام من غلبة الشيطان فخنقه إلى
. . ( هامش صفحة 87 ) ( 1 ) في الحديث غموض واجمال ، والوجهان اللذان ذكرهما المصنف في معناه ايضا لا يخلوان
عن خفاء واشكال ، ويمكن أن يكون المعنى ان سليمان عليه السلام كان مختارا في بذل ما اعطاه
الله وامساكه وكذا امته كانوا مختارين في قبوله ورده ، ولكن امة نبينا صلى الله عليه وآله
كانوا مكلفين أن يأخذوا بأمره وينتهوا بنهيه ، وهو أيضا لا يخلو عن تأمل والله يعلم وامناؤه .
وذكر الكليني عن زيد الشحام انه قال : سألت ابا عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " هذا عطاؤنا
فامنن او امسك بغير حساب " قال : اعطى سليمان ملكا ثم جرت هذه الاية في رسول الله صلى الله عليه
وآله ، وكان له يعطى مايشاء من يشاء ، ويمنع من يشاء مايشاء ، واعطاه افضل مما اعطى سليمان
لقوله تعالى : " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " .
( 2 ) مجمع البيان 8 : 477 .
( 3 ) في المصدر : رب هب لي .
[ 88 ]
أسطوانة ( 1 ) حتى أصاب بلسانه ( 2 ) يد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال رسول الله : لولا ما دعا به
سليمان لاريتكموه . ( 3 )
تذييل : قال الطبرسي قدس الله روحه : يسال عن هذا فيقال : إن هذا القول من
سليمان يقتضي الضنة والمنافسة لانه لم يرض بأن يسأل الملك حتى أضاف إلى ذلك
أن يمنع غيره منه . وأجيب عنه بأجوبة : أحدها أن الانبياء لا يسألون إلا مايؤذن لهم
في مسألته ، وجائز أن يكون الله أعلم سليمان أنه إن سأل ملكا لايكون لغيره كان أصلح
له في الدين ، وأعلمه أنه لاصلاح لغيره في ذلك ، ولو أن أحدنا صرح في دعائه بهذا
الشرط حتى يقول : اللهم اجعلني أكثر أهل زماني مالا إذا علمت أن ذلك أصلح لي لكان
ذلك منه حسنا جائزا ، ( 4 ) اختاره الجبائي .
وثانيها : أنه يجوز أن يكون عليه السلام التمس من الله آية لنبوته يبين بها من غيره
وأراد : لاينبغي لاحد غيري ممن أنا مبعوث إليه ، ولم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيين
كما يقال : أنا لا أطيع أحدا بعدك ، أي لا أطيع أحدا سواك .
وثالثها : ما قاله المرتضى قدس الله سره : إنه يجوز أن يكون إنما سأل ملك
الآخرة وثواب الجنة ، ويكون معنى قوله : " لاينبغي لاحد من بعدي " لا يستحقه بعد
وصولي إليه أحد ، من حيث لا يصلح ( 5 ) أن يعمل ما يستحق به ذلك لانقطاع
التكليف .
ورابعها : أنه التمس معجزة تختص به ، كما أن موسى عليه السلام اختص بالعصا و
اليد ( 6 ) واختص صالح بالناقة ، ومحمد صلى الله عليه وآله بالقرآن والمعراج ، ويدل عليه ماروي مرفوعا
. . ( هامش صفحة 88 ) ( 1 ) هكذا في نسخة ، وفي اخرى السوايطة ، وفي ثالثة : تحت ابطه ، وفي المصدر : إلى
سوايطه ، والكل مصحف . وفي مجمع البيان إلى سارية .
( 2 ) في المصدر : حتى اصاب لسانه .
( 3 ) قرب الاسناد : 81 .
( 4 ) في المصدر هنا زيادة وهي هذه : ولا ينسب في ذلك إلى شح وضن .
( 5 ) " " : لايصح .
( 6 ) " " : واليد البيضاء .
[ 89 ]
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه صلى صلاة فقال : إن الشيطان عرض لي ليفسد علي الصلاة فأمكنني
الله منه فودعته ( 1 ) ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية ( 2 ) حتى تصبحوا وتنظروا إليه
أجمعين فذكرت قول سليمان " رب هب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي " فرده الله
خاسئا خائبا . أورده البخاري ومسلم في الصحيحين انتهى . ( 3 )
وقال الرازي : أجاب القائلون بأن الشيطان استولى على مملكته معناه أن يعطيه
الله ملكا لايقدر الشياطين أن يقوموا مقامه ويسلبونه منه ، ثم قال بعد ماذكر بعض الاجوبة
السابقة : الثالث أن الاحتراز عن طيبات الدنيا مع القدرة عليها أشق من الاحتراز عنها
حال عدم القدرة عليها ، فكأنه قال : يا إلهي أعطني مملكة فائقة على ممالك البشر بالكلية
حتى أحترز عنها مع القدرة عليها ليصير ثوابي أكمل وأفضل .
الرابع : من الناس من يقول : الاحتراز عن لذات الدنيا عسر صعب لان هذه
اللذات حاضرة وسعادات الآخرة نسيئة ، والنقد يصعب بيعه بالنسيئة ، فقال سليمان :
أعطني يارب مملكة تكون أعظم الممالك الممكنة للبشر حتى أني أبقى مع تلك القدرة
الكاملة في غاية الاحتراز ليظهر للخلق أن حصول الدنيا لايمنع من خدمة المولى ( 4 )
انتهى .
وذكر البيضاوي وجها آخر وهو أن المعنى : لاينبغي لاحد من بعدي لعظمته ،
كقولك : لفلان ماليس لاحد من الفضل والمال ، على إرادة وصف الملك بالعظمة ، لا أن لا


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 89 سطر 17 إلى صفحه 97 سطر 17

يعطى أحد مثله . ( 5 )
اقول : بعد ثبوت عصمة الانبياء وجلالتهم لابد من حمل ماصدر عنهم على محمل
صحيح مجملا وإن لم يتعين في نظرنا ، وما ذكر من الوجوه محتملة وإن كان بعضها لايخلو
من بعد ، وما ذكره الطبرسي أولا أظهر الوجوه ، ( 6 ) ويمكن أن يقال : المنع عن غيره
. . ( هامش صفحة 89 ) ( 1 ) اي فتركته .
( 2 ) السارية : الاسطوانة .
( 3 ) مجمع البيان : 8 : 476 477 .
( 4 ) مفاتيح الغيب 7 : 137 .
( 5 ) انوار التنزيل 2 : 346 .
( 6 ) ويحتمل وجه آخر وهو أنه سأل الله أن يعطيه ملكا كذلك حتى يشكر عليه فيستحق بذلك
[ 90 ]
لم يكن على وجه الضنة بل على وجه الشفقة ، لان ملك الدنيا في نظرهم خسيس دني لا
يليق بالمقربين قربه ، ولما رأى صلاح زمانه في ذلك سأله اضطرارا ومنعه عن غيره إشفاقا
عليهم ، أو يقال : إن كلامه مخصوص بمن عدا الانبياء والاوصياء وهو قريب من الثاني ،
ويحتمل وجوها أخر تركناها مخافة الاطناب .
( باب 7 )
* ( قصة مروره عليه السلام بوادى النمل وتكلمه معها وسائر ماوصل ) *
* ( اليه من أصوات الحيوانات ) *
الايات ، النم " 27 " وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم
يوزعون * حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا
يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني
أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك
في عبادك الصالحين 17 19 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " على واد النمل " هو واد بالطائف ، وقيل : بالشام
" قالت نملة " أي صاحت بصوت خلق الله لها ، ولما كان الصوت مفهوما لسليمان عليه السلام
عبر عنه بالقول ، وقيل : كانت رئيسة النمل " لايحطمنكم " أي لايكسرنكم " سليمان
وجنوده وهم لايشعرون " بحطمكم ووطئكم فإنهم لو علموا بمكانكم لو يطؤوكم ، وهذا
يدل على أن سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الارض ولم تحملهم الريح ، لان
الريح لو حملتهم بين السماء والارض لما خافت النملة أن يطؤوها بأرجلهم ، ولعل هذه القصة
كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان عليه السلام : فإن قيل : كيف عرفت النملة سليمان وجنوده
حتى قالت هذه المقالة ؟ قلنا : إذا كانت مأمورة بطاعته فلابد أن يخلق الله لها من الفهم ما
. . ( هامش صفحة 90 ) * زيادة الثواب وارتقاء الرتبة ، كما شكر ذلك بعد ما اعطاه الله في قوله : " رب أوزعني ان اشكر نعمتك
التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين " ولعله
انسب الوجوه ، ولا يوجب منقصة ، وليست فيه ضنة ولا شح .
[ 91 ]
تعرف به أمور طاعته ، ولايمتنع أن يكون لها من الفهم ماتستدرك به ذلك ، وقد علمنا أنها
تشق ماتجمع من الحبوب بنصفين مخافة أن تصيبه الندى فينبت إلا الكزبرة فإنها تكسرها
بأربع لانها تنبت إذا قطعت بنصفين ، ( 1 ) فمن هداها إلى هذا فإنه يهديها إلى تمييز ما
يحطمها مما لايحطمها ، وقيل : إن ذلك كان منها على سبيل المعجز الخارق للعادة لسليمان
عليه السلام ، قال ابن عباس : فوقف سليمان عليه السلام بجنوده حتى دخل النمل مساكنه
فتبسم ضاحكا من قولها ، وسبب ضحكه التعجب لانه رأى ما لاعهد له به ، وقيل : إنه
تبسم بظهور عدله حتى عرفه النمل ، ( 2 ) وقيل : إن الريح أطارت كلامها إليه من ثلاثة
أميال حتى سمع ذلك فانتهى إليها وهي تأمر النمل بالمبادرة فتبسم من حذرها " رب
أوزعني " أي ألهمني . ( 3 )
أقول : قال الرازي في تفسيره : رأيت في بعض الكتب أن تلك النملة إنما أمرت
غيرها بالدخول لانها خافت أنها إذا رأت سليمان على جلالته فربما وقعت في كفران نعمة
الله ، وهو المراد بقوله : " لايحطمنكم سليمان " فأمرتها بالدخول في مساكنها لئلا ترى
تلك النعم فلاتقع في كفران نعم الله . ( 4 )
1 فس : " وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير " ( 5 ) قعد على كرسيه
وحملته الريح ( 6 ) على وادي النمل ، وهو واد ينبت الذهب والفضة ، وقد وكل الله به النمل
وهو قول الصادق عليه السلام : إن لله واديا ينبت الذهب والفضة ، قد حماه الله بأضعف خلقه
وهو النمل ، لورامته البخاتي ( 7 ) ما قدرت عليه . فلما انتهى سليمان إلى وادي النمل
فقالت نملة : " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا
. . ( هامش صفحة 91 ) ( 1 ) في المصدر : باربع قطع ، لانها تنبت اذا شقت بنصفين .
( 2 ) " " : تبسم بظهور عدله حيث بلغ عدله في الظهور مبلغا عرفه النمل .
( 3 ) مجمع البيان 7 : 215 .
( 4 ) مفاتيح الغيب 7 : 376 .
( 5 ) في المصدر : والطير فهم يوزعون .
( 6 ) " " : وحملته الريح فمرت به على وادي النمل .
( 7 ) " " : البخاتي من الابل . قلت : البخاتي جمع البختية : الابل الخراسانية .
[ 92 ]
يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي
وعلى والدي " إلى قوله : " في عبادك الصالحين " .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " فهم يوزعون " قال : يحبس
أولهم على آخرهم . ( 1 )
بيان : قال البيضاوي : " يوزعون " أي يحبسون بحبس أولهم على آخرهم
ليتلاحقوا . ( 2 )
2 ن ، ع : عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب القرشي ، عن منصور بن عبدالله
الاصفهاني ، عن علي بن مهرويه القزويني ، عن داود بن سليمان الغازي قال : سمعت
علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام في
قوله عزوجل : " فتبسم ضاحكا من قولها " قال : لما قالت النملة : " يا أيها النمل ادخلوا
مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده " ( 3 ) حملت الريح صوت النملة إلى سليمان وهو
مار في الهواء والريح قد حملته فوقف وقال : علي بالنملة ، فلما أتي بها قال سليمان :
يا أيتها النملة أما علمت أني نبي الله وأني لا أظلم أحدا ؟ قالت النملة : بلى ، قال سليمان
فلم حذرتنيهم ظلمي وقلت : " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم " ؟ قالت النملة : خشيت أن
ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن الله تعالى ذكره . ( 4 )
ثم قالت النملة : أنت أكبر أم أبوك داود ؟ قال سليمان عليه السلام : بل أبي داود ، قالت
النملة : فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود ؟ قال سليمان : مالي
بهذا علم ، قالت النملة : لان أباك داود داوى جرحه بود فسمي داود ، وأنت يا سليمان
أرجو أن تلحق بأبيك .
. . ( هامش صفحة 92 ) ( 1 ) تفسير القمي : 476 و 478 .
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 195 .
( 3 ) في المصدر : وجنوده وهم لايشعرون .
( 4 ) في نسخة وفي العلل : فيعبدون غير الله تعالى ذكره . وفي العيون : فيبعدون عن
ذكر الله تعالى .
[ 93 ]
ثم قالت النملة : هل تدري لم سخرت لك الريح من بين سائر المملكة ؟ ( 1 ) قال
سليمان : مالي بهذا علم ، قالت النملة : يعني عزوجل بذلك : لو سخرت لك جميع المملكة
كما سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح ، فحينئذ تبسم ضاحكا
من قولها . ( 2 )
بيان : قال الثعلبي في تفسيره : رأيت في بعض الكتب وذكر نحوه ، وفيه : فقالت
النملة : هل علمت لم سمي أبوك داود ؟ فقال : لا ، قالت : لانه داوى جرحه بود ، هل
تدري لم سميت سليمان ؟ قال : لا ، قالت : لانك سليم ركنت إلى ما أوتيت لسلامة
صدرك ، وآن لك أن تحلق بأبيك . ( 3 )
أقول : التعليل الذي ذكرته النملة يحتمل وجوها من التأويل :
الاول : وهو الذي ارتضيته أن المعنى أن أباك لما ارتكب ترك الاولى وصار
قلبه مجروحا بذلك فداواه بود الله تعالى ومحبته فلذا سمي داود اشتقاقا من الدواء بالود
وأنت لما لم ترتكب بعد وأنت سليم منه سميت سليمان ، فخصوص العلتين للتسميتين
صارتا علة لزيادة اسمك على اسم أبيك .
ثم لما كان كلامها موهما لكونه من جهة السلامة أفضل من أبيه استدركت ذلك
بأن ماصدر عنه لم يصر سببا لنقصه ، بل صار سببا لكمال محبته وتمام مودته ، وأرجو
أن تلحق أنت أيضا بأبيك في ذلك ليكمل محبتك .
الثاني : أن المعنى أن أصل الاسم كان داوى جرحه بود وهو أكثر من اسمك ،
وإنما صار بكثرة الاستعمال داود ، ثم دعا له ورجاه بقوله : أرجو أن تلحق بأبيك ، أي
في الكمال والفضل .
الثالث : ماذكره بعض المعاصرين وهو أن المراد أن هذا الاسم مشتمل على سليم ،
. . ( هامش صفحة 93 ) ( 1 ) في نسخة : من بين سائر الملكة . قلت : الملكة : الملك . والمملكة : عز الملك وسلطانه
وعبيده ، ما تحت أمر الملك من البلاد والعباد .
( 2 ) عيون الاخبار : 233 ، علل الشرائع : 35 36 .
( 3 ) الكشف والبيان مخطوط .
[ 94 ]
أو مأخوذ منه ، والسليم قد يستعمل في الجريح كاللديغ تفألا بصحته وسلامته ، أو أنت
سليم من المداواة التي حصلت لابيك فلهذا سميت سليمان ، فالحرف الزائد للدلالة على
وجود الجرح ، وكما أن الجرح زائد في البدن أو النفس عن أصل الخلقة كان في الاسم
حرف زائد للدلالة على ذلك ، وفيه معنى لطيف وهو أن هذه الزيادة في الاسم الدالة على
الزيادة في المسمى ليست مما يزيد به الاسم والمسمى كمالا ، بل قد تكون الزيادة لغير
ذلك .
الرابع : مايفهم مما عنون الصدوق الباب الذي أورد الخبر فيه به ، ( 1 ) حيث قال :
" باب العلة التي من أجلها زيد في حروف اسم سليمان حرف من حروف اسم أبيه داود "
فلعله رحمه الله حمل الخبر على أن المعنى أنك لما كنت سليما أريد أن يشتق لك اسم
يشتمل على السلامة ، ولما كان أبوك داود داوى جرحه بالود وصار كاملا بذلك أراد الله
تعالى أن يكون في اسمك حرف من حروف اسمه لتلحق به في الكمال ، فزيد فيه الالف
وما يلزمه لتمام التركيب وصحته من النون فصار سليمان ، وإلا لكان السليم كافيا للدلالة
على السلامة ، فلذا زيد حروف اسمك على حروف اسم أبيك ، ولو كان في الخبر " من حروف
اسم أبيك " كما رأينا في بعض النسخ كان ألصق بهذا المعنى . وقوله : ( أرجو أن تلحق بأبيك )
أي لتلك الزيادة فيدل ضمنا وكناية على أنه إنما زيد لذلك ، ولا يخفى بعده .
3 يه : بإسناده إلى حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله عليه السلام : أنه قال : إن سليمان
ابن داود عليه السلام خرج ذات يوم مع أصحابه ليستسقي ، فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها
إلى السماء وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك لا غنى بنا عن رزقك ، فلا تهلكنا بذنوب
بني آدم ، فقال سليمان عليه السلام لاصحابه : ارجعوا لقد سقيتم بغيركم . ( 2 )
أقول : روى البرسي في مشارق الانوار أن سليمان عليه السلام كان سماطه كل يوم
سبعة أكرار ، فخرجت دابة من دواب البحر يوما وقالت : ياسليمان أضفني اليوم ، فأمر
أن يجمع لها مقدار سماطه شهرا ، فلما اجتمع ذلك على ساحل البحر وصار كالجبل العظيم
. . ( هامش صفحة 94 ) ( 1 ) في كتابه العلل .
( 2 ) من لايحضره الفقيه : 138 139 .
[ 95 ]
أخرجت الحوت رأسها وابتلعته ، وقالت : ياسليمان أين تمام قوتي اليوم ؟ هذا بعض قوتي !
فعجب سليمان عليه السلام فقال لها : هل في البحر دابة مثلك ؟ فقالت : ألف أمة ، فقال سليمان :
سبحان الله الملك العظيم .
وروى غيره أن سليمان عليه السلام رأى عصفورا يقول لعصفورة : لم تمنعين نفسك مني ؟
ولو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيتها في البحر ، فتبسم سليمان عليه السلام من كلامه
ثم دعاهما وقال للعصفور : أتطيق أن تفعل ذلك ؟ فقال : لا يارسول الله ، ولكن المرء قد
يزين نفسه ويعظمها عند زوجته ، والمحب لايلام على ما يقول ، فقال سليمان عليه السلام
للعصفورة : لم تمنعينه من نفسك وهو يحبك ؟ فقالت : يانبي الله إنه ليس محبا ولكنه
مدع ، لانه يحب معي غيري ، فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان ، وبكى بكاء شديدا
واحتجب عن الناس أربعين يوما يدعو الله أن يفرغ قلبه لمحبته وأن لا يخالطها بمحبة
غيره .
وروي أنه عليه السلام سمع يوما عصفورا يقول لزوجته : ادني مني حتى أجامعك
لعل الله يرزقنا ولدا يذكر الله تعالى فإنا كبرنا ، فتعجب سليمان من كلامه وقال : هذه
النية خير من مملكتي .
وقال البيضاوي : حكي أنه مر ببلبل يتصوت ويترقص ، فقال : يقول : إذا
أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء ، ( 1 ) وصاحت فاختة فقال : إنها تقول : ليت الخلق
لم يخلقوا . ( 2 )
وقال الزمخشري : روي أن قتادة دخل الكوفة والتف عليه الناس ، ( 3 ) فقال :
سلوا عما شئتم ، وكان أبوحنيفة حاضرا وهو غلام حدث ( 4 ) فقال : سلوه عن نملة سليمان
أكانت ذكرا أم أنثى ؟ فسألوه فأفحم ، فقال أبوحنيفة : كانت أنثى بدليل قوله تعالى :
. . ( هامش صفحة 95 ) ( 1 ) العفاء : التراب .
( 2 ) أنوار التنزيل 2 : 194 .
( 3 ) اي تجمعوا .
( 4 ) الحدث : الشاب .
[ 96 ]
" قالت نملة " وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والانثى فيميز
بينهما بعلامة نحو قولهم : حمامة ذكر ، وحمامة أنثى . انتهى ( 1 )
وقال ابن الحاجب في بعض تصانيفه : إن تأنيث مثل الشاة والنملة والحمامة من
الحيوانات تأنيث لفظي ، ولذلك كان قول من زعم أن النملة في قوله تعالى : " قالت نملة "
أنثى لورود تاء التأنيث في " قالت " وهما ، لجواز أن يكون مذكرا في الحقيقة ، وورود تاء
التأنيث كورودها في فعل المؤنث اللفظي ، ولذا قيل : إفحام قتادة خير من جواب
أبي حنيفة .
أقول : هذا هو الحق وقد ارتضاه الرضي رضي الله عنه وغيره ، والحمد لله الذي
فضح من أراد أن يدعي رتبة أمير المؤمنين عليه السلام بهذه البضاعة من العلم ، وهذا
الناصبي الآخر الذي أراد أعوانه إثبات علو شأنه بأنه تكلم في بدء شبابه بمثل
ذلك . ( 2 )
وقال الثعلبي في تفسيره : قال مقاتل : كان سليمان عليه السلام جالسا إذ مر به طائر
يطوف ، فقال لجلسائه : هل تدرون ما يقول هذا الطائر الذي مر بنا ؟ قالوا : أنت أعلم ،
فقال سليمان : إنه قال لي : السلام عليك أيها الملك المتسلط على بني إسرائيل ، أعطاك
الله سبحانه وتعالى الكرامة ، وأظهرك على عدوك ، إني منطلق إلى فروخي ، ثم أمر
بك الثانية ، وإنه سيرجع إلينا الثانية فانظروا إلى رجوعه ، قال : فنظر القوم طويلا
إذ مر بهم فقال : السلام عليك أيها الملك إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على فروخي
حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ماشئت ، فأخبرهم سليمان بما قال وأذن له .
وعن كعب قال : صاح ورشان ( 3 ) عند سليمان ، فقال : أتدرون ماتقول ؟ قالوا : لا ،
قال : فإنها تقول : لدوا للموت وابنوا للخراب . وصاحت فاختة فقال : تقول : ليت الخلق
. . ( هامش صفحة 96 ) ( 1 ) الكشاف 3 : 280 .
( 2 ) ولو كان ما افاد صحيحا لما كان أيضا يدل على فضله وكماله ، لجواز أن يكون سمع ذلك
من غيره فحفظه . كل ذلك لو كان للقضية واقع فكيف لو كانت من اصلها مختلقة موضوعة .
( 3 ) ورشان بفتح الواو والراء : نوع من الحمام البرى اكدر اللون فيه بياض فوق ذنبه . و
قال الدميري : هو ساق حر وهو ذكر القمارى .
[ 97 ]
لم يخلقوا . وصاح طاووس عنده فقال : أتدرون مايقول ؟ قالوا : لا ، قال : فإنه يقول : كما
تدين تدان . وصاح هدهد عنده فقال : إنه يقول : من لايرحم لايرحم . وصاح صرد ( 1 )
عنده فقال : تقول : استغفروا الله يا مذنبين . وصاح طوطي فقال : يقول : كل حي ميت
وكل جديد بال . وصاح خطاف ( 2 ) فقال : يقول : قدموا خيرا تجدوه . وهدرت حمامة
فقال : تقول : سبحان ربي الاعلى ملء سماواته وأرضه . وصاح قمري فقال : يقول :
سبحان ربي الاعلى . قال : والغراب يدعو على العشار . والحدأ ( 3 ) يقول : كل شئ هالك
إلا وجهه . والقطا ( 4 ) يقول : من سكت سلم . والببغاء ( 5 ) وهو طائر أخضر يقول : ويل لمن
الدنيا همه . والضفدع يقول : سبحان ربي القدوس . والباز يقول : سبحان ربي وبحمده .
والضفدعة تقول : سبحان المذكور بكل مكان .
وروي عن مكحول أنه صاح دراج عند سليمان بن داود عليه السلام فقال : أتدرون مايقول ؟
قالوا : لا ، قال : فإنه يقول : الرحمن على العرش استوى . ( 6 )
4 دعوات الراوندي : ذكروا أن سليمان عليه السلام كان جالسا على شاطئ بحر
فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر ، فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت
الماء ، فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها فدخلت النملة فاها وغاصت
الضفدعة في البحر ساعة طويلة وسليمان يتفكر في ذلك متعجبا ، ثم إنها خرجت من
. . ( هامش صفحة 97 ) ( 1 ) صرد بالضم فسكون : طائر ضخم الرأس أبيض البطن ، اخضر الظهر .
( 2 ) الخطاف بالفتح : طائر طويل الجناحين ، قصير الرجلين ، اسود اللون ، ويسمى في بر


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 97 سطر 18 إلى صفحه 105 سطر 18

الشام بالخطف . قال الدميري : ويسمى زوار الهند وهو من الطيور القواطع إلى الناس تقطع البلاد
البعيدة اليهم رغبة في القرب منهم . قلت : يقال له بالفارسية : برستو .
( 3 ) جمع الحداة بالكسر : طائر من الجوارح ، والعامة تسميه الحدية . قيل : يقال له بالفارسية :
موش كير .
( 4 ) جمع القطاة : طائر في حجم الحمام قيل : طائر يقال له بالفارسية : سنك اشكنك .
( 5 ) الببغاء : طائر يسمع كلام الناس فيعيده ، قال الدميري : هو المسمى بالدرة ، وهو
الطوطي .
( 6 ) الكشف والبيان مخطوط .
[ 98 ]
الماء وفتحت فاها فخرجت النملة من فيها ولم يكن معها الحبة ، فدعاها سليمان عليه السلام
وسالها عن حالها وشأنها وأين كانت ، فقالت : يانبي الله إن في قعر هذا البحر الذي تراه
صخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء ، وقد خلقها الله تعالى هنالك فلا تقدر أن تخرج منها
لطلب معاشها ، وقد وكلني الله برزقها ، فأنا أحمل رزقها ، وسخر الله هذه الضفدعة لتحملني
فلا يضرني الماء في فيها ، وتضع فاها على ثقب الصخرة وأدخلها ، ثم إذا أوصلت رزقها
إليها خرجت من ثقب الصخرة إلى فيها فتخرجني من البحر ، قال سليمان عليه السلام : وهل
سمعت لها من تسبيحة ؟ قالت : نعم ، تقول : يامن لاينساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه
اللجة برزقك لاتنس عبادك المؤمنين برحمتك . ( 1 )
( باب 8 )
* ( تفسير قوله تعالى " فطفق مسحا بالسوق والاعناق " وقوله ) *
* ( عزوجل : " وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب " ) *
الايات : ص " 38 " ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب * إذ عرض عليه
بالعشي الصافنات الجياد * فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت
بالحجاب * ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق * ولقد فتنا سليمان وألقينا على
كرسيه جسدا ثم أناب 30 34 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " نعم العبد " أي سليمان " إنه أواب " أي رجاع
إلى الله تعالى في أموره ابتغاء مرضاته " إذ عرض عليه " متعلق بنعم ، أو باذكر المقدر
" بالعشي " أي بعد زوال الشمس " حب الخير " أي الخيل أو المال " عن ذكر ربي " أي
آثرته على ذكر ربي . ( 2 )
1 فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : " ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه
أواب " إلى قوله : " حتى توارت بالحجاب " وذلك أن سليمان عليه السلام كان يحب الخيل
. . ( هامش صفحة 98 ) ( 1 ) دعوات الراوندي مخطوط .
( 2 ) مجمع البيان 8 : 374 و 375 .
[ 99 ]
ويستعرضها ، فعرضت عليه يوما إلى أن غابت الشمس ، وفاتته صلاة العصر ، فاغتم من
ذلك غما شديدا ، فدعا الله عزوجل أن يرد عليه الشمس حتى يصلي العصر ، فرد الله
سبحانه عليه الشمس إلى وقت صلاة العصر حتى صلاها ، ثم دعا بالخيل فأقبل يضرب
أعناقها وسوقها بالسيف حتى قتلها كلها ، وهو قوله عز اسمه : " ردوها علي فطفق مسحا
بالسوق والاعناق * ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب " إلى قوله :
" إنك أنت الوهاب " وهو أن سليمان لما تزوج باليمانية ولد منها ابن وكان يحبه ،
فنزل ملك الموت على سليمان وكان كثيرا ماينزل عليه ، فنظر إلى ابنه نظرا حديدا ،
ففزع سليمان من ذلك ، فقال لامه : إن ملك الموت نظر إلى ابني نظرة أظنه قد أمر
بقبض روحه ، فقال للجن والشياطين : هل لكم حيلة في أن تفروه من الموت ؟ فقال واحد
منهم : أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق ، فقال سليمان : إن ملك الموت يخرج مابين
المشرق والمغرب ، فقال واحد منهم : أنا أضعه في الارضين السابعة ، ( 1 ) فقال : إن ملك
الموت يبلغ ذلك ، فقال آخر : أنا أضعه في السحاب والهواء ، ( 2 ) فرفعه ووضعه في السحاب
فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب ، فوقع ميتا على كرسي سليمان ، فعلم أنه قد
أخطأ ، فحكى الله ذلك في قوله : " وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب " فقال : " رب اغفر لي
وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري
بأمره رخاء حيث أصاب " والرخاء : اللينة " والشياطين كل بناء وغواص " أي في البحر
" وآخرين مقرنين في الاصفاد " يعني مقيدين قد شد بعضهم إلى بعض ، وهم الذين عصوا
سليمان عليه السلام حين سلبه الله عزوجل ملكه .
وقال الصادق عليه السلام : جعل الله عزوجل ملك سليمان عليه السلام في خاتمه ، فكان إذا
لبسه حضرته الجن والانس والشياطين وجميع الطير والوحش وأطاعوه فيقعد على كرسيه
ويبعث الله عزوجل ريحا تحمل الكرسي بجميع ماعليه من الشياطين والطير والانس و
الدواب والخيل فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان عليه السلام ، وكان يصلي الغداة
. . ( هامش صفحة 99 ) ( 1 ) في المصدر : في الارض السابعة .
( 2 ) " " : في السحاب في الهواء .
[100]
بالشام ، والظهر بفارس ، وكان يأمر الشياطين أن يحملوا الحجارة من فارس يبيعونها
بالشام ، فلما مسح أعناق الخيل وسوقها بالسيف سلبه الله ملكه ، وكان إذا دخل الخلاء
دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه وأخذ من يده الخاتم ولبسه ،
فخرت عليه ( 1 ) الشياطين والجن والانس والطير والوحوش ، وخرج سليمان عليه السلام في
طلب الخاتم فلم يجده ، فهرب ومر على ساحل البحر وأنكرت بنو إسرائيل الشيطان
الذي تصور في صورة سليمان ، وصاروا إلى أمه فقالوا لها : أتنكرين من سليمان شيئا ؟
فقالت : كان أبر الناس بي وهو اليوم يعصيني ، ( 2 ) وصاروا إلى جواريه ونسائه وقالوا :
أتنكرن من سليمان شيئا ؟ قلن : لم يكن يأتينا في الحيض وهو يأتينا في الحيض ، فلما
خاف الشيطان أن يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر ، فبعث الله سمكة فالتقمته وهرب الشيطان
فبقوا بنو إسرائيل يطلبون سليمان عليه السلام أربعين يوما ، وكان سليمان عليه السلام يمر على ساحل
البحر تائبا إلى الله مما كان منه ، فلما كان بعد أربعين يوما مر بصياد يصيد السمك فقال له :
أعينك على أن تعطيني من السمك شيئا ؟ قال : نعم ، فأعانه سليمان عليه السلام ، فلما اصطاد دفع
إلى سليمان عليه السلام سمكة فأخذها فشق بطنها وذهب يغسلها فوجد الخاتم في بطنها فلبسه ،
وحوت ( 3 ) عليه الشياطين والجن والانس والطير والوحوش ورجع إلى ماكان ، وطلب
ذلك الشيطان وجنوده الذين كانوا معه فقيدهم وحبس بعضهم في جوف الماء وبعضهم في
جوف الصخر بأسامي الله ، فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة .
قال : ولما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا وكان آصف كاتب سليمان
وهو الذي كان عنده علم من الكتاب : قد عذرت الناس بجهالتهم فكيف أعذرك ؟ فقال :
لا تعذرني فلقد عرفت الحوت الذي أخذ خاتمك ( 4 ) وأباه وأمه وعمه وخاله ، ولقد قال
لي : اكتب لي ، فقلت له : إن قلمي لايجري بالجور ، فقال : اجلس ولا تكتب ، فكنت
أجلس ولا أكتب شيئا ، ولكن أخبرني عنك ياسليمان صرت تحب الهدهد وهو أخس
. . ( هامش صفحة 100 ) ( 1 ) في نسخة : فحوت ، وفي اخرى : فحشرت .
( 2 ) في المصدر : وهذا اليوم يبغضني .
( 3 ) " " : فخرت عليه .
( 4 ) " " : قد عرفت الجن الذي أخذ خاتمك . وهو الصحيح .
[101]
الطير منتنا ( 1 ) وأخبثه ريحا ، قال : إنه يبصر الماء من وراء الصفا الاصم : فقال : وكيف
يبصر الماء من وراء الصفا وإنما يوارى عنه الفخ بكف من تراب حتى يأخذ بعقبه ؟ ( 2 )
فقال سليمان : قف ياوقاف إنه إذا جاء القدر حال دون البصر . ( 3 )
بيان : قوله : ( حتى يأخذ بعقبه ) أي يأخذ الفخ برجله ، وفي بعض النسخ : بعنقه ،
وفي بعضها : رقبته ، أي يأخذ الفخ أو الصائد رقبته .
وقال الفيروزآبادي : الوقاف : المتأني . والمحجم عن القتال .
أقول : ما ذكره علي بن إبراهيم في تأويل تلك الآيات كلها موافقة لروايات
المخالفين ، وإنما أولها علماؤنا على وجوه أخر : قال الصدوق رحمه الله في الفقيه : قال
زرارة والفضيل : قلنا لابي جعفر عليه السلام : أرأيت قول الله عزوجل : " إن الصلاة كانت على
المؤمنين كتابا موقوتا " ؟ قال : يعني كتابا مفروضا ، وليس يعني وقت فوتها إن جاز ذلك
الوقت ثم صلاها لم تكن صلاة مؤداة ، ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود عليه السلام
حين صلاها بغير وقتها ، ولكنه متى ذكرها صلاها .
ثم قال رحمه الله : إن الجهال من أهل الخلاف يزعمون أن سليمان عليه السلام اشتغل
ذات يوم بعرض الخيل حتى توارث الشمس بالحجاب ، ثم أمر برد الخيل وأمر بضرب
سوقها وأعناقها ، وقال : إنها شغلتني عن ذكر ربي ، وليس كما يقولون ، جل نبي الله
سليمان عليه السلام عن مثل هذا الفعل ، لانه لم يكن للخيل ذنب فيضرب سوقها وأعناقها
لانها لم تعرض نفسها عليه ولم تشغله ، وإنما عرضت عليه وهي بهائم غير مكلفة .
والصحيح في ذلك ماروي عن الصادق عليه السلام أنه قال : إن سليمان بن داود عليه السلام
عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل ، فاشتغل بالنظر إليها حتى توارث الشمس بالحجاب
فقال للملائكة : ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها ، فردوها فقام فطفق مسح
ساقيه وعنقه ، وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك ، وكان ذلك وضوؤهم
. . ( هامش صفحة 101 ) ( 1 ) في المصدر : وهو أخس الطير منبتا .
( 2 ) في نسخة : حتى يؤخذ بعنقه .
( 3 ) تفسير القمي : 565 568 .
[102]
للصلاة ، ثم قام فصلى فلما فرغ غابت الشمس وطلعت النجوم ، وذلك قول الله عزوجل
" ووهبنا لداود سليمان " إلى قوله : " فطفق مسحا بالسوق والاعناق " وقد أخرجت هذا
الحديث مسندا في كتاب الفوائد انتهى . ( 1 )
وقال الطبرسي رحمه الله : " الصافنات " : الخيل الواقفة على ثلاث قوائم ، الواضعة
أطراف السنبك ( 2 ) الرابع على الارض " الجياد " : السريعة المشي ، الواسعة الخطو ، قال
مقاتل : إنه ورث من أبيه ألف فرس ، وكان أبوه قد أصاب ذلك من العمالقة ، وقال الكلبي
غزا سليمان دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس ، وقال الحسن : كانت خيلا خرجت من
البحر لها أجنحة ، وقال : المراد بالخير الخيل هنا ، فإن العرب تسمي الخيل الخير ،
وقيل : معناه حب المال ، وكان سليمان عليه السلام قد صلى الصلاة الاولى وقعد على كرسيه
والخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس .
وفي روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت ، وقال الجبائي : لم يفته الفرض ، و
إنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار لاشتغاله بالخيل ، وقيل : إن ذكر ربي كناية عن
كتاب التوراة انتهى . ( 3 )
ولنذكر بعض ما ذكر من وجوه التأويل في تلك الآيات : قال السيد المرتضى
قدس الله روحه : ظاهر الآية لا يدل على إضافة قبيح إلى النبي ، والرواية إذا كانت مخالفة
لما تقتضيه الادلة لا يلتفت إليها لو كانت قوية ظاهرة ، فكيف إذا كانت ضعيفة واهية ؟ ! والذي
يدل على ما ذكرناه على سبيل الجملة أن الله تعالى ابتدأ الآية بمدحه والثناء عليه ، فقال :
" نعم العبد إنه أواب " وليس يجوز أن يثني عليه بهذا الثناء ثم يتبعه من غير فصل بإضافة
القبيح إليه ، وأنه تلهى بعرض الخيل عن فعل المفروض عليه من الصلاة ، والذي يقتضيه
الظاهر أن حبه للخيل وشغفه بها كان عن إذن ربه وأمره وبتذكيره إياه ، لان الله
تعالى قد أمرنا بارتباط الخيل وإعدادها لمحاربة الاعداء ، فلاينكر أن يكون سليمان عليه السلام
مأمورا بمثل ذلك انتهى . ( 4 )
( 1 ) من لايحضره الفقيه : 53 .
( 2 ) السنبك : طرف الحافر .
( 3 ) مجمع البيان 8 : 474 475 .
( 4 ) تنزيه الانبياء : 93 .
[103]
ثم اعلم أنهم اختلفوا في مرجع الضمير في قوله : " توارت بالحجاب " وقوله :
" ردوها علي " إذ يجوز بحسب ظاهر اللفظ إرجاع الضميرين إلى الشمس وإن لم يجر
لها ذكر بقرينة المقام ولذكر ماله تعلق بها وهو العشي وإلى الخيل والاول إلى الشمس
والثاني إلى الخيل وبالعكس فقيل : بإرجاعهما جميعا إلى الشمس كما مر فيما رواه الصدوق ،
وروى الطبرسي رحمه الله عن ابن عباس أنه قال : سألت عليا عليه السلام عن هذه الآية ، فقال :
مابلغك فيها ياابن عباس ؟ فقلت : سمعت كعبا يقول : اشتغل سليمان بعرض الافراس حتى
فاتته الصلاة ، فقال : ردوها علي يعني الافراس ، وكانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها و
أعناقها بالسيف فقتلها ، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لانه ظلم الخيل بقتلها . فقال
علي عليه السلام : كذب كعب ، لكن اشتغل سليمان بعرض الافراس ذات يوم لانه أراد
جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب ، فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين
بالشمس : ردوها علي ، فردت فصلى العصر في وقتها ، وإن أنبياء الله لايظلمون ولا
يأمرون بالظلم لانهم معصومون مطهرون . ( 1 )
وقيل : بإرجاعهما معا إلى الخيل وفيه وجهان : الاول أنه أمر بإجراء الخيل
حتى غابت عن بصره فأمر بردها فمسح سوقها وأعناقها صيانة لها وإكراما لما رأى من
حسنها ، فمن عادة من عرضت عليه الخيل أن يمر يده على أعرافها وأعناقها وقوائمها ،
ويمكن أن يكون الغرض من ذلك المسح بيان أن إكرامها وحفظها مما يرغب فيه ، لكونها
من أعظم الاعوان على دفع العدو ، أو أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك
يتصنع إلى حيث يباشر أكثر الامور بنفسه ، أو أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها
وعيوبها فكان يمسحها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها مايدل على المرض .
الثاني : أن يكون المسح ههنا هو الغسل فإن العرب تسمي الغسل مسحا ،
فكأنه لما رأى حسنها أراد صيانتها وإكرامها فغسل قوائمها وأعناقها .
وقيل : بإرجاع الاول إلى الشمس والثاني إلى الخيل وهذا يحتمل وجوها :
الاول : ماذكره السيد ( 2 ) رضي الله عنه أن المراد أنه عرقبها ومسح سوقها و
. . ( هامش صفحة 103 ) ( 1 ) مجمع البيان 8 : 475 مفاتيح الغيب 7 : 136 .
( 2 ) راجع تنزيه الانبياء : 94 .
[104]
أعناقها بالسيف من حيث شغلته عن النافلة ، ( 1 ) ولم يكن ذلك على سبيل العقوبة لها ،
لكن حتى لا يتشاغل في المستقبل بها عن الطاعات ، لان للانسان أن يذبح فرسه لاكل
لحمه ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك وجه آخر لحسنه . ( 2 )
وقد قيل : إنه يجوز أن يكون لما كانت الخيل أعز ماله أراد أن يكفر عن تفريطه
في النافلة بذبحها والتصدق بلحمها على المساكين ، قالوا : فلما رأى حسن الخيل وراقته ( 3 )
وأعجبته أراد أن يتقرب إلى الله بالمعجب له الرائق في عينه ، ويشهد بصحة هذا المذهب قوله
تعالى : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " .
الثاني : أنه مسح سوقها وأعناقها وجعلها مسبلة ( 4 ) في سبيل الله .
الثالث : أن يكون قوله : " حتى توارت بالحجاب " بيانا لغاية عرض الخيل واستعادته
بها ، من غير أن يكون فات عنه بسببها شئ ، وإنما أمر بردها إكراما لها كما مر ،
وعلى هذا فقوله : " أحببت حب الخير عن ذكر ربي " يحتمل وجهين ذكرهما الرازي
في تفسيره . ( 5 )
الاول : أن يضمن أحببت معنى فعل يتعدى بعن ، كأنه قيل : أبنت حب الخير
عن ذكر ربي وهو التوراة ، لان ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوح فكذلك في
التوراة ممدوح .
الثاني : أن الانسان قد يحب شيئا ولكنه لايحب أن يحبه ، كالمريض الذي
يشتهي ما يضره في مرضه ، وأما من أحب شيئا وأحب أن يحبه كان ذلك غاية المحبة
فقوله : " أحببت حب الخير " أي أحببت حبي لهذه الخيل ، ثم قال : " عن ذكر ربي "
بمعنى أن هذه المحبة الشديدة إنما حصلت عن ذكر الله وأمره لا عن الشهوة والهوى ،
وأما الاحتمال الرابع فلم يقل به أحد وإن أمكن توجيهه ببعض الوجوه السابقة ، فإذا
. . ( هامش صفحة 104 ) ( 1 ) في المصدر : عن الطاعة .
( 2 ) " " : يحسنه .
( 3 ) الروقة في الخيل : حسن الخلق يعجب الناظر .
( 4 ) من سبل المال : جعله في سبيل الله والخير .
( 5 ) مفاتيح الغيب 7 : 136 .
[105]
أحطت خبرا بما حكيته لك علمت أنه يمكن تأويلها بوجوه كثيرة لايتضمن شئ منها
إثبات ذنب له عليه السلام .
وأما قوله تعالى : " ولقد فتنا سليمان " فاختلف العلماء في فتنته وزلته والجسد
الذي ألقي على كرسيه على أقوال :
الاول : ماذكره الرازي عن بعض رواة المخالفين أن سليمان بلغه خبر مدينة
في البحر ، فخرج إليها بجنوده تحمله الريح فأخذها وقتل ملكها وأخذ بنتا له اسمها جرادة
من أحسن الناس وجها ، فاصطفاها لنفسه وأسلمت فأحبها ، وكانت تبكي على أبيها فأمر
سليمان الشيطان فمثل لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته ، وكانت تذهب إلى تلك الصورة
بكرة وعشيا مع جواريها يسجدن له ، فأخبر آصف سليمان بذلك ، فكسر الصورة وعاقب
المرأة ، ثم خرج وحده إلى بلاده ( 1 ) وفرش الرماد وجلس عليه تائبا إلى الله تعالى ، وكانت
له أم ولد يقال لها أمينة ، إذا دخل للطهارة أو لاصابة امرأة وضع خاتمه عندها ، ( 2 ) فوضعه
عندها يوما وأتاها الشيطان صاحب البحر على صورة سليمان وقال : يا أمينة خاتمي ، فتختم
به وجلس على كرسي سليمان ، فأتاه الطير والجن والانس وتغيرت هيئة سليمان ، فأتى
أمينة لطلب الخاتم فأنكرته فطردته ، فعرف أن الخطيئة قد أدركته ، فكان يدور على البيوت
ويتكفف ( 3 ) وإذا قال : أنا سليمان حثوا عليه التراب وسبوه ، ثم أخذ يخدم
الصيادين ( 4 ) ينقل لهم السمك فيعطونه كل يوم سمكتين ، فمكث على هذه الحالة أربعين
يوما عدد ما عبد الوثن في بيته ، فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم الشيطان وسأل آصف
نساء سليمان فقلن : مايدع امرأة منا في دمها ، ولايغتسل من جنابة ، وقيل : كان نفذ ( 5 )


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 105 سطر 19 إلى صفحه 113 سطر 18

حكمه في كل شئ إلا فيهن ، ثم طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة و
وقعت السمكة في يد سليمان فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم فتختم به ووقع ساجدا لله ورجع
. . ( هامش صفحة 105 ) ( 1 ) هكذا في النسخ وفيه تصحيف والصحيح كما في المصدر : إلى فلاة .
( 2 ) في المصدر زيادة وهي : وكان ملكه في خاتمه .
( 3 ) اي يمد كفه اليهم يستعطى !
( 4 ) في المصدر : السماكين . وهو أنسب بما بعده .
( 5 ) " " : وقيل : بل نفذ حكمه .
[106]
إلى ملكه وأخذ ذلك الشيطان فحبسها في صخرة وألقاها في البحر ، فهؤلاء قالوا : قوله :
" وألقينا على كرسيه جسدا " هو جلوس ذلك الشيطان على كرسيه عقوبة له ، ثم قال :
واعلم أن أهل التحقيق استبعدوا هذا الكلام من وجوه :
الاول : أن الشيطان لو قدر على أن يتشبه بالصورة والخلقة بالانبياء فحينئذ
لايبقى اعتماد على شئ قطعا ، فلعل هؤلاء الذين رأوهم الناس في صورة محمد وموسى و
عيسى عليهم السلام ماكانوا أولئك ، بل كانوا شياطين تشبهوا بهم في الصورة ، ( 1 ) ومعلوم أن ذلك
يبطل الدين بالكلية .
الثاني : أن الشيطان لو قدر على أن يعامل نبي الله تعالى بمثل هذه المعاملة لوجب
أن يقدر على مثلها مع جميع العلماء والزهاد ، وحينئذ وجب أن يقتلهم ويمزق تصانيفهم
ويخرب ديارهم .
الثالث : كيف يليق بحكمة الله وإحسانه أن يسلط الشيطان على أزواج سليمان ، ( 2 )
ولاشك أنه قبيح .
الرابع : لو قلنا : إن سليمان عليه السلام أذن لتلك المرأة في عبادة تلك الصورة فهذا كفر
منه ، وإن لم يأذن فيه فالذنب على تلك المرأة ، فكيف يؤاخذ الله سليمان عليه السلام بفعل لم
يصدر عنه ؟ ! ( 3 ) وقال السيد قدس الله روحه : أما مارواه القصاص الجهال في هذا الباب
فليس مما يذهب على عاقل بطلانه ، وأن مثله لايجوز على الانبياء عليهم السلام ، وأن النبوة
لاتكون في خاتم يسلبها الجني ، وأن الله تعالى لايمكن الجني من التمثل بصورة النبي
ولا غير ذلك مما افتروا به على النبي . ( 4 )
أقول : ثم ذكر رحمه الله وجوها ذكر الطبرسي رحمة الله عليه مختصرا منها مع
غيرها ، منها : أن سليمان عليه السلام قال يوما في مجلسه : لاطوفن الليلة على سبعين امرأة
تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله ، ولم يقل : إن شاء الله ، فطاف
. . ( هامش صفحة 106 ) ( 1 ) في المصدر هنا زيادة وهي : لاجل الاغواء والاضلال .
( 2 ) وكيف يجعله فقيرا حتى يتكفف ؟ !
( 3 ) مفاتيح الغيب 7 : 136 .
( 4 ) تنزيه الانبياء : 95 .
[107]
عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد ، رواه أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وآله
قال : ثم قال : فو الذي نفس محمد بيده لو قال : " إن شاء الله " لجاهدوا في سبيل الله فرسانا ،
فالجسد الذي ألقي على كرسيه كان هذا ، ثم أناب إلى الله تعالى وفرغ إلى الصلاة ( 1 )
والدعاء على وجه الانقطاع إليه سبحانه ، وهذا لا يقتضي أنه وقع منه معصية صغيرة ولا
كبيرة ، لانه عليه السلام وإن لم يستثن ذكره ( 2 ) لفظا فلا بد من أن يكون استثناه ضميرا
واعتقادا ، إذ لو كان قاطعا للقول بذلك لكان مطلقا لما لا يأمن أن يكون كذبا إلا أنه لما
لم يذكر لفظة الاستثناء عوتب على ذلك من حيث ترك ماهو مندوب إليه .
ومنها ماروي أن الجن والشياطين لما ولد لسليمان عليه السلام ابن قال بعضهم لبعض :
إن عاش له ولد لنلقين منه مالقينا من أبيه من البلاء ، فأشفق عليه السلام منهم عليه ، فاسترضعه
في المزن وهو السحاب ، فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على أن الحذر
لاينفع عن القدر ، وإنما عوتب عليه السلام على خوفه من الشياطين ، عن الشعبي وهو المروي
عن أبي عبدالله عليه السلام .
ومنها أنه ولد له ميت جسد بلا روح فألقي على سريره ، عن الجبائي .
ومنها أن الجسد المذكور هو جسد سليمان لمرض امتحنه الله تعالى به ، وتقدير
الكلام : وألقيناه على كرسيه جسدا لشدة المرض ، فيكون جسدا منصوبا على الحال ،
والعرب يقول في الانسان إذا كان ضعيفا : هو جسد بلا روح ولحم على وضم ( 3 ) " ثم أناب "
أي رجع إلى حال الصحة ، عن أبي مسلم . وأما ( 4 ) ماذكر عن ابن عباس أنه ألقي شيطان
اسمه صخر على كرسيه وكان ماردا عظيما لا يقوى عليه جميع الشياطين ، وكان نبي الله
سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه ، فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة
من نسائه ، وأقام أربعين يوما في ملكه وسليمان هارب ، وعن مجاهد أن شيطانا اسمه
. . ( هامش صفحة 107 ) ( 1 ) في نسخة وفي المصدر : فزع إلى الصلاة . اي لجأ اليها .
( 2 ) " " : وان لم يستثن ذلك .
( 3 ) الوضم : خشبة الجزار التي يقطع عليها اللحم .
( 4 ) جواب أما يأتي بعيد هذا وهو قوله : فان جميع ذلك اه .
[108]
آصف قال له سليمان : كيف تفتنون الناس ؟ قال : أرني خاتمك أخبرك بذلك ، فلما
أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه ، وقعد الشيطان على كرسيه ومنعه الله تعالى
نساء سليمان فلم يقربهن ، وكان سليمان يستطعم فلا يطعم حتى أعطته امرأته يوما حوتا
فشق بطنه فوجد خاتمه فيه فرد الله ملكه ، ( 1 ) وعن السدي أن اسم ذلك الشيطان
خيفيق ، ( 2 ) وما ذكر أن السبب في ذلك أن الله سبحانه أمره أن لايتزوج في غير بني
إسرائيل فتزوج من غيرهم ، وقيل : بل السبب فيه أنه وطئ امرأة في حال الحيض
فسال منها الدم فوضع خاتمه ودخل الحمام فجاء الشيطان وأخذه ، وقيل : تزوج
امرأة مشركة ولم يستطع أن يكرهها على الاسلام فعبدت الصنم في داره أربعين يوما
فابتلاه الله بحديث الشيطان والخاتم أربعين يوما ، وقيل : احتجب ثلاثة أيام ولم ينظر في
أمر الناس فابتلي بذلك فإن جميع ( 3 ) ذلك مما لا يعول عليه ، لان النبوة لاتكون في
الخاتم ولايجوز أن يسلبها الله النبي ولا أن يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي و
القعود على سريره والحكم بين عباده ، وبالله التوفيق . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 108 ) ( 1 ) في المصدر : فرد الله عليه ملكه .
( 2 ) في المصدر : حيقيق .
( 3 ) جواب لاما .
( 4 ) مجمع البيان 8 : 475 476 .
[109]
( باب 9 )
* ( قصته عليه السلام مع بلقيس ) *
الايات ، النمل " 27 " وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين *
لاعذبنه عذابا شديدا أو لاذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين * فمكث غير بعيد فقال
أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين * إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من
كل شئ ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم
الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لايهتدون * ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء
في السموات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش
العظيم * قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين * اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم
تول عنهم فانظر ماذا يرجعون * قالت يا أيها الملا إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه
من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت
يا أيها الملا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولوا
قوة وأولوا بأس شديد * والامر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا
دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم
بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون * فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله
خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون *
ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم
بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون * قال يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل
أن يأتوني مسلمين * قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه
لقوي أمين * قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك
فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلونئ أشكر أم أكفر ومن شكر فإنما
يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم * قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم
تكون من الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم
[110]
من قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين *
قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد
من قوارير * قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين 20 44
1 ختص : أحمد بن محمد وفضالة ، عن أبان ، عن أبي بصير وزرارة ، عن أبي
جعفر عليه السلام قال : مازاد العالم على النظر إلى ماخلفه ومابين يديه مد بصره ثم نظر إلى
سليمان عليه السلام ثم مد بيده فإذا هو ممثل بين يديه .
2 وذكر علي بن مهزيار ، عن أحمد بن محمد ، عن حماد بن عثمان ، عن زرارة قال :
سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : مازاد صاحب سليمان على أن قال بإصبعه هكذا ، فإذا
هو قد جاء بعرش صاحبة سبأ ، فقال له حمران : كيف هذا أصلحك الله ؟ فقال : إن أبي
كان يقول : إن الارض طويت له إذا أراد طواها .
3 فس : كان سليمان عليه السلام إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير التي سخرها
الله لسليمان فتظل الكرسي والبساط بجميع من عليه من الشمس ، فغاب عنه الهدهد من
بين الطير فوقعت الشمس من موضعه في حجر سليمان ، فرفع رأسه ، وقال كما حكى الله :
" مالي لا أرى الهدهد " إلى قوله : " بسلطان مبين " أي بحجة قوية ، فلم يمكث إلا قليلا
إذ جاء الهدهد فقال له سليمان : أين كنت ؟ قال : " أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ
بنبأ يقين " أي بخبر صحيح " إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ " و
هذا مما لفظه عام ومعناه خاص ، لانها لم تؤت أشياء كثيرة منها الذكر واللحية ،
ثم قال : وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله " إلى قوله : " فهم لايهتدون "
ثم قال الهدهد : " ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات " أي المطر وفي
" الارض " النبات ( 1 ) ثم قال سليمان : " سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " إلى قوله :
" ماذا يرجعون " فقال الهدهد : إنها في عرش عظيم أي سرير ، فقال سليمان : ألق
الكتاب على قبتها ، فجاء الهدهد فألقى الكتاب في حجرها فارتاعت من ذلك و
جمعت جنودها وقالت لهم كما حكى الله : " يا أيها الملا إني ألقي إلي كتاب كريم "
. . ( هامش صفحة 110 ) ( 1 ) في المصدر : اي النبات .
[111]
أي مختوم " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين "
أي لاتتكبروا علي ، ثم قالت : " يا أيها الملا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى
تشهدون " قالوا لها كما حكى الله : " نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد * والامر إليك فانظري
ماذا تأمرين " فقالت لهم : إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة "
فقال الله عزوجل : " وكذلك يفعلون " ثم قالت : إن كان هذا نبيا من عند الله كما يدعي فلا
طاقة لنابه ، فإن الله لا يغلب ، ولكن سأبعث إليه بهدية فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها و
علمت أنه لايقدر علينا ، فبعثت إليه حقا فيه جوهرة عظيمة ، وقالت للرسول : قل له :
يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار ، فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان عليه السلام بعض جنوده
من الديدان فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبها وأخرج الخيط من الجانب الآخر وقال سليمان
لرسولها : " ما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون * ارجع إليهم فلنأتينهم
بجنود لا قبل لهم بها " أي لا طاقة ( 1 ) " ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون " فرجع إليها
الرسول فأخبرها بذلك وبقوة سليمان فعلمت أنه لامحيص لها ، فارتحلت وخرجت ( 2 )
نحو سليمان ، فلما أخبر الله سليمان بإقبالها نحوه قال للجن والشياطين : " أيكم يأتيني
بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت " من عفاريت الجن : " أنا آتيك به قبل أن
تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين " قال سليمان : أريد أسرع من ذلك ، فقال آصف
ابن برخيا : " أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " فدعا الله باسمه الاعظم فخرج السرير
من تحت كرسي سليمان بن داود عليه السلام فقال سليمان : " نكروا لها عرشها " أي غيروه " ننظر
أتهتدي أم تكون من الذين لايهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو " و
كان سليمان قد أمر أن يتخذ لها بيت من قوارير ووضعه على الماء ، ثم قيل لها : " ادخلي
الصرح " فظنت أنه ماء فرفعت ثوبها وأبدت ساقيها فإذا عليها شعر كثير ، فقيل لها : " إنه
صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين "
. . ( هامش صفحة 111 ) ( 1 ) في المصدر : لا طاقة لهم بها .
( 2 ) " " : فخرجت وارتحلت .
[112]
فتزوجها سليمان وهي بلقيس بنت الشرح ( 1 ) الجبيرية ، وقال سليمان للشياطين :
اتخذوا لها شيئا يذهب هذا الشعر عنها ، فعملوا الحمامات وطبخوا النورة ( 2 ) فالحمامات
والنورة مما اتخذته الشياطين لبلقيس ، وكذا الارحية التي تدور على الماء .
وقال الصادق عليه السلام : أعطي سليمان بن داود عليه السلام مع علمه معرفة المنطق بكل
لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهائم والسباع ، فكان إذا شاهد الحروب تكلم بالفارسية
وإذا قعد لعماله وجنوده وأهل مملكته تكلم بالرومية ، فإذا خلا مع نسائه ( 3 ) تكلم
بالسريانية والنبطية ، وإذا قام في محرابه لمناجاة ربه تكلم بالعربية ، وإذا جلس للوفود
والخصماء تكلم بالعبرانية قوله : " لاعذبنه عذابا شديدا " يقول : لانتفن ريشه ، قوله :
" أن لاتعلوا علي " يقول : لاتعظموا علي ، قوله : " لا قبل لهم بها " يقول : لاطاقة لهم بها ،
وقول سليمان : " ليبلونئ أشكر " الذي آتاني من الملك " أم أكفر " إذا رأيت من هو دوني ( 4 )
أفضل مني علما ، فعزم الله له على الشكر . ( 5 )
4 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره ، عن محمد بن حماد ، عن أخيه أحمد بن
حماد ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك أخبرني
عن النبي صلى الله عليه وآله ورث النبيين كلهم ؟ قال : نعم ، قلت : من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه ؟ قال :
مابعث الله نبيا إلا ومحمد صلى الله عليه وآله أعلم منه قال : قلت : إن عيسى بن مريم عليه السلام كان يحيي الموتى
بإذن الله ، قال : صدقت ، وسليمان بن داود عليه السلام كان يفهم منطق الطير ، وكان رسول الله
صلى الله عليه وآله يقدر على هذه المنازل ، قال : فقال : إن سليمان بن داود عليه السلام قال
للهدهد حين فقده وشك في أمره فقال : " مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين " حين فقده
فغضب عليه فقال : " لاعذبنه عذابا شديدا أو لاذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين " وإنما غضب
. . ( هامش صفحة 112 ) ( 1 ) في نسخة : الشراحيل ، وفي اخرى : الشرجيل . وفي العرائس : بنت البشرخ وهو الهذهاذ
وفي المحبر والطبري : بنت اليشرح ، وفي الكامل ، ابنة أنيشرح وهو الهدهاد ، ثم ذكروا نسبها
وفيه اختلاف يطول ذكره .
( 2 ) في نسخة : وطبخوا النورة والزرنيخ .
( 3 ) في المصدر : فاذا خلا بنسائه .
( 4 ) في نسخة : إذا رأيت من هو أدون .
( 5 ) تفسير القمي : 476 478 .
[113]
لانه كان يدله على الماء فهذا وهو طائر قد أعطي مالم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل
والجن والانس والشياطين والمردة ( 1 ) له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان
الطير يعرفه ، وإن الله يقول في كتابه : " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض
أو كلم به الموتى " وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال ، وتقطع به
البلدان وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإن في كتاب الله لآيات مايراد
بها أمر إلا أن يأذن الله به ، الخبر . ( 2 )
بيان : تحت الهواء لعل المراد منه تحت الارض كما سيأتي ، فإن الارض أيضا
تحت الهواء ، أو المراد معرفته حين كونهم على البساط في الهواء .
5 كا : محمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن
الفضيل ، عن شريس الوابشي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن اسم الله الاعظم
على ثلاثة وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف
بالارض مابينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ، ثم عادت الارض كما كانت
أسرع من طرفة العين ، ونحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان وسبعون حرفا وحرف
عند الله تبارك وتعالى استأثر ( 3 ) به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم . ( 4 )
6 كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن
علي بن محمد النوفلي ، عن أبي الحسن العسكري عليه السلام قال : سمعته يقول : إن اسم الله
الاعظم ثلاثة وسبعون حرفا ، كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الارض فيما بينه


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 113 سطر 19 إلى صفحه 121 سطر 18

وبين سبأ ، فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ، ثم انبسطت الارض في أقل
من طرفة عين ( 5 )
. . ( هامش صفحة 113 ) ( 1 ) في نسخة من المصدر : والشياطين المردة .
( 2 ) اصول الكافي 1 : 226 .
( 3 ) استأثر بالشئ على الغير : استبد به وخص به نفسه .
( 4 و 5 ) اصول الكافي 1 : 230 .
[114]
7 ير : أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضيل ، عن سعد أبي عمر
الجلاب ( 1 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن اسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، كان
عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالارض مابينه وبين سرير بلقيس ، ثم تناول
السرير بيده ثم عادت الارض كما كان أسرع من طرفة عين ، وعندنا نحن من الاسم اثنان
وسبعون حرفا ، وحرف عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب المكتوب عنده . ( 2 )
8 ير : أحمد بن موسى ، عن أحمد بن عبدوس الخليجي ، ( 3 ) عن علي بن الحكم ،
عن محمد بن الفضيل ، عن سعد أبي عمر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن اسم الله الاعظم على اثنين
وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف كاتب سليمان عليه السلام وكان يوحى إليه ( 4 ) حرف واحد
ألف أو واو ، ( 5 ) فتكلم فانخرقت له الارض حتى التفت فتناول السرير ، وإن عندنا من
الاسم أحدا وسبعين حرفا ، وحرف عند الله في غيبه . ( 6 )
أقول : قد أوردنا بعض الاخبار في أبواب الامامة ، وبعضها في أبواب التوحيد .
9 ير : محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضيل ، عن ضريس ( 7 )
الوابشي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك قول العالم : " أنا
آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " قال : فقال : ياجابر إن الله جعل اسمه الاعظم على
ثلاثة وسبعين حرفا ، فكان عند العالم منها حرف واحد فانخسفت الارض مابينه وبين السرير
. . ( هامش صفحة 114 ) ( 1 ) حكى عن رجال أنه سعد بن أبي عمرو الجلاب ، وعن نسخة : سعد بن أبي عمر الجلاب
وعن الفقيه : سعد أبي عمرو الجلاب ، وفي البصائر : عن سعدان عن ابي عمر الجلاب ، و
لعله مصحف .
( 2 ) بصائر الدرجات : 57 .
( 3 ) هكذا في نسخ الكتاب وفي المصدر وهو وهم ، وصحيحه " الخلنجى " بالنون على ما في فهرست
النجاشي والشيخ ورجاله ، نسبة إلى الخلنج ، وهو كمسند : شجر فارسي معرب يتخذ من خشبته الاواني
أو كل جفنة وصحفة وآنية صنعت من خشب ذي طرائق وأساريع موشاة ، على ما حكى عن اللسان
فكان الرجل كان يبيع ذلك .
( 4 ) في المصدر : وكان يؤمى اليه .
( 5 ) لعله على التشبيه .
( 6 ) بصائر الدرجات : 57 .
( 7 ) في نسخة : شريس الوابشي . وكلاهما كزبير .
[115]
حتى التفت القطعتان ( 1 ) وحول من هذه على هذه ، وعندنا من اسم الله الاعظم اثنان و
سبعون حرفا ، وحرف في علم الغيب المكنون عنده . ( 2 )
10 كا : علي بن محمد بن بندار ، عن السياري رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه السلام :
من أراد الاطلاء بالنورة فأخذ من النورة بإصبعه فشمه وجعله على طرف أنفه وقال :
" صلى الله على سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة " لم تحرقه النورة . ( 3 )
11 مل : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الاهوازي ، عن النضر ، عن يحيى
الحلبي ، عن ابن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن صاحب سليمان
تكلم باسم الله الاعظم فخسف مابين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الارض وحزونتها
حتى التقت القطعتان فاجتر العرش ، قال سليمان : يخيل إلي أنه خرج من تحت
سريري ، قال : ودحيت في أسرع من طرفة العين . ( 4 )
بيان : ظاهر أكثر تلك الاخبار أن الارض التي كانت بينه وبين السرير انخسفت
وتحركت الارض التي كان السرير عليها حتى أحضرته عنده . فإن قيل : كيف انخسفت
الابنية التي كانت عليها ؟ قلنا : يحتمل أن تكون تلك الابنية تحركت بأمره تعالى
يمينا وشمالا ، وكذا ماعليها من الحيوانات والاشجار وغيرها ، ويمكن أن يكون حركة
السرير من تحت الارض بأن غار في الارض وطويت وتكاثفت الطبقة التحتانية حتى خرج
من تحت سريره ثم دحيت تلك الطبقة من تحت الارض .
12 ختص : محمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي
عمير ، عن أبان الاحمر قال : قال الصادق عليه السلام : يا أبان كيف تنكر الناس قول أمير المؤمنين
عليه السلام لما قال : " لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته
عن سريره " ولا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس وإتيانه سليمان به قبل
أن يرتد إليه طرفه ؟ أليس نبينا صلى الله عليه وآله أفضل الانبياء ووصيه أفضل الاوصياء ؟ أفلا
. . ( هامش صفحة 115 ) ( 1 ) هكذا في المصدر وفي نسخ من الكتاب ، وفي نسختين : التقت القطعتان .
( 2 ) بصائر الدرجات : 57 .
( 3 ) فروع الكافي 2 : 221 .
( 4 ) كامل الزيارة : 59 .
[116]
جعلوه كوصي سليمان عليه السلام ؟ حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا وأنكر فضلنا ( 1 )
أقول : قال الشيخ أمين الدين الطبرسي برد الله مضجعه في قوله تعالى : " وتفقد
الطير " أي طلبه عند غيبته " فقال مالي لا أرى الهدهد " أي ما للهدهد لا أراه ؟ واختلف
في سبب تفقده فقيل : إنه احتاج إليه في سفره ليدله على الماء ، يقال : إنه يرى الماء في
بطن الارض كما نراه في القارورة ، عن ابن عباس ، وروى العياشي بالاسناد قال : قال
أبوحنيفة لابي عبدالله عليه السلام : كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير ؟ قال : لان الهدهد يرى
الماء في بطن الارض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة ؟ فنظر أبوحنيفة إلى أصحابه
وضحك ! فقال أبوعبدالله عليه السلام : مايضحكك ؟ قال : ظفرت بك جعلت فداك ؟ قال : وكيف
ذاك ؟ قال : الذي يرى الماء في بطن الارض لايرى الفخ في التراب حتى تأخذ بعنقه ؟ ( 2 )
فقال أبوعبدالله عليه السلام : يانعمان أما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر .
وقيل : إنما تفقده لاخلاله بنوبته ، عن وهب ، وقيل : كانت الطيور تظله من الشمس
فلما أخل الهدهد بمكانه بان بطلوع الشمس عليه " أم كان من الغائبين " معناه : أتأخر عصيانا
أم غاب لعذر وحاجة ؟ قال المبرد : لما تفقد سليمان الطير ولم ير الهدهد قال : مالي لا
أرى الهدهد ؟ على تقدير أنه مع جنوده وهو لايراه ، ثم أدركه الشك فشك في غيبته عن
ذلك الجمع بحيث لم يره فقال : " أم كان من الغائبين " أي بل بل أكان من الغائبين ؟ كأنه
ترك الكلام الاول واستفهم عن حاله وغيبته ، ثم أوعده على غيبته فقال : " لاعذبنه
عذابا شديدا " أي بنتف ريشه وإلقائه في الشمس ، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد ، وقيل :
بأن أجعله بين أضداده ، وكما صح نطق الطير وتكليفه في زمانه معجزة له جازت معاتبته
على ماوقع منه من تقصير فإنه كان مأمورا بطاعته فاستحق العقاب على غيبته " أو
لاذبحنه " أو لاقطعن ( 3 ) حلقه عقوبة له على عصيانه " أو ليأتيني بسلطان مبين " أي
بحجة واضحة تكون عذرا له في الغيبة " فمكث غير بعيد " أي فلم يلبث سليمان إلا زمانا
يسيرا حتى جاء الهدهد ، وقيل : معناه : فلبث الهدهد في غيبته قليلا ثم رجع ، وعلى هذا
. . ( هامش صفحة 116 ) ( 1 ) الاختصاص مخطوط .
( 2 ) في المصدر : حتى يؤخذ بعنقه
( 3 ) " " : أي لاقطعن .
[117]
فيجوز أن يكون التقدير : فمكث في مكان غير بعيد ، قال ابن عباس : فأتاه الهدهد بحجة
فقال : " أحطت بما لم تحط به " أي اطلعت على ما لم تطلع عليه " وجئتك من سبأ بنبأ
يقين " أي بخبر صادق ، وسبأ : مدينة بأرض اليمن ، عن قتادة ، وقيل : إن الله بعث إلى سبأ
اثني عشر نبيا ، عن السدي .
وروى علقمة عن ابن عباس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن سبأ فقال : هو رجل
ولد له عشرة من العرب ئيامن ( 1 ) منهم ستة ، وتشاءم منهم أربعة ، فالذين تشاءموا : لخم
وجذام ، وغسان ، وعاملة ، والذين تيامنوا : كندة ، والاشعرون ، والازد
وحمير ، ومذحج ، وأنمار ، ومن الانمار خثعم ، وبجيلة " إني وجدت امرأة تملكهم " أي
تتصرف فيهم بحيث لا يعترض عليها أحد " وأوتيت من كل شئ " وهذا إخبار عن سعة
ملكها ، أي من كل شئ من الاموال وما يحتاج إليه الملوك من زينة الدنيا ، قال الحسن :
وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ ، وقيل : شرحيل ( 2 ) ولدها أربعون ملكا آخرهم
أبوها ، قال قتادة : وكان أولو مشورتها ثلاث مائة واثني عشر قبيلا ، كل قبيل ( 3 ) منهم تحت
رايته ألف مقاتل " ولها عرش عظيم " أي سرير أعظم من سريرك ، وكان مقدمه من ذهب
مرصع بالياقوت الاحمر والزمرد الاخضر ، ومؤخره من فضة مكللة ( 4 ) بألوان
الجواهر ، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق ، وعن ابن عباس قال : كان عرش
بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا ، وطوله في الهواء ثلاثون ذراعا ، وقال أبومسلم : المراد
بالعرش الملك ( 5 ) " وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم "
أي عبادتهم للشمس من دون الله " فصدهم عن السبيل " أي صرفهم عن سبيل الحق " فهم لا
يهتدون * ألا يسجدوا " قرأ أبوجعفر والكسائي ورويس عن يعقوب " ألا يسجدوا "
خفيفة اللام ، والباقون بالتشديد ، فعلى الاول إنما هو على معنى الامر بالسجود ودخلت
الياء للتنبيه ، أو على تقدير ألا ياقوم اسجدوا لله ، وقيل : إنه أمر من الله تعالى لجميع
. . ( هامش صفحة 117 ) ( 1 ) يمن ويأمن لقومه وعلى قومه : كان مباركا عليهم .
( 2 ) في المصدر : شرحبيل .
( 3 ) الصحيح كما في المصدر " ثلاثمائة واثنى عشر قيلا كل قيل اه " والقيل بالفتح : الرئيس .
( 4 ) في المصدر : مكلل .
( 5 ) ذلك المعنى لا يناسب قوله تعالى : " أيكم يأتيني بعرشها "
[118]
خلقه بالسجود له ، وقيل : إنه من كلام الهدهد قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون
لغير الله ، أو قاله لسليمان عند عوده إليه استنكارا لما وجدهم عليه ، والقراءة بالتشديد على
معنى زين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله " الذي يخرج الخبء في السموات والارض "
الخب : المخبوء ، وهو ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه ، وما يوجده الله فيخرجه
من العدم إلى الوجود يكون بهذه المنزلة ، وقيل : الخبء : الغيب ، وقيل : إن خبء السماوات
المطر ، وخبء الارض النبات والاشجار " ويعلم ما تخفون وما تعلنون " أي يعلم السر و
العلانية " الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " من كلام الهدهد ، أو ابتداء إخبار من الله
تعالى ، ( 1 ) فلما سمع سليمان مااعتذر به الهدهد في تأخره " قال سننظر أصدقت أم كنت
من الكاذبين " ثم كتب سليمان عليه السلام كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إليه فذاك قوله :
" اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم " يعني إلى أهل سبأ " ثم تول عنهم " أي استتر منهم قريبا
بعد إلقاء الكتاب إليهم " فانظر ماذا يرجعون " أي يرجع بعضهم إلى بعض من القول ،
فمضى الهدهد بالكتاب فألقاه إليهم فلما رأته بلقيس " قالت " لقومها : " يا أيها
الملا " أي أيها الاشراف " إني ألقي إلي كتاب كريم " قال قتادة : أتاها الهدهد وهي
نائمة مستلقية على قفاها ، فألقى الكتاب على نحرها فقرأت الكتاب ، وقيل : كانت لها
كوة مستقبلة للشمس تقع الشمس عند ما تطلع فيها ، فإذا نظرت إليها سجدت ، فجاء الهدهد
إلى الكوة فسدها بجناحه ، فارتفعت الشمس ولم تعلم ، فقامت تنظر فرمى الكتاب
إليها ، عن وهب وابن زيد ، فلما أخذت الكتاب جمعت الاشراف وهم ثلاثمائة واثنا عشر
قبيلا ، ( 2 ) ثم قالت لهم : " إني ألقي إلي كتاب كريم " سمته كريما لانه كان مختوما
عن ابن عباس ، ويؤيده الحديث : إكرام الكتاب ختمه . وقيل : وصفته بالكريم
لانه صدره ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقيل : لحسن خطه وجودة لفظه وبيانه ، وقيل :
لانه كان ممن يملك الانس والجن والطير ، وقد كانت سمعت بخبر سليمان فسمته
كريما لانه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن
الرحيم " معناه أن الكتاب من سليمان وأن المكتوب فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم * ألا
. . ( هامش صفحة 118 ) ( 1 ) في المصدر : ههنا تمام الحكاية لما قاله الهدهد ، ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله تعالى .
( 2 ) " : قيلا .
[119]
تعلوا علي وأتوني مسلمين " فإن هذا القدر جملة ما في الكتاب " يا أيها الملا أفتوني
في أمري " اي أشيروا علي بالصواب " ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون " أي ما كنت
ممضية أمرا حتى تحضرون ، ( 1 ) وهذا ملاطفة منها لقومها ، قالوا لها في الجواب : " نحن
أولوا قوة " أي أصحاب قوة وقدرة وأهل عدد " وأولوا بأس شديد " أي وأصحاب شجاعة
شديدة " والامر إليك " أي أن الامر مفوض إليك في القتال وتركه " فانظري ماذا تأمرين "
أي ماالذي تأمريننا به لنمتثله ، فإن أمرت بالصلح صالحنا وإن أمرت بالقتال قاتلنا ،
قالت مجيبة لهم عن التعريض بالقتال : " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها " أي إذا
دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أهلكوها وخربوها " وجعلوا أعزة أهلها أذلة " أي أهانوا
أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الامر ، والمعنى أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم و
دخوله بلادهم وانتهى الخبر عنها وصدقها الله فيما قالت فقال : " وكذلك " أي وكما قالت
هي " يفعلون " وقيل : إن الكلام متصل بعضه ببعض " وكذلك يفعلون " من قولها " وإني
مرسلة إليهم " أي إلى سليمان عليه السلام وقومه " بهدية " أصانعه بذلك عن ملكي " فناظرة "
أي منتظرة " بم يرجع المرسلون " بقبول أم رد ، وإنما فعلت ذلك لانها عرفت عادة
الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم ، وكان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أو
نبي ، فإن قبل الهدية تبين أنه ملك وعندها مايرضيه ، وإن ردها تبين أنه نبي .
واختلف في الهدية فقيل : أهدت إليه وصفاء ووصائف ( 2 ) ألبستهم لباسا واحدا
حتى لايعرف ذكر من أنثى ، عن ابن عباس ، وقيل : أهدت مائتي غلام ومائتي جارية
ألبست الغلمان لباس الجواري وألبست الجواري لباس الغلمان ، عن مجاهد ، وقيل : أهدت
له صفائح الذهب في أوعية الديباج ، فلما بلغ ذلك سليمان عليه السلام أمر الجن فموهوا له
الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق ، فلما جاؤوا رأوه ملقى في الطريق في كل
مكان فلما رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاؤوا به ، عن ثابت البناني ، وقيل : إنها عمدت
. . ( هامش صفحة 119 ) ( 1 ) في المصدر هنا زيادة وهي : تريد : الا بحضرتكم ومشورتكم ، وهذا ملاطفة منها لقومها في
الاستشارة منهم لما تعمل عليه .
( 2 ) وصفاء جمع الوصيف : الغلام دون المراهق . ووصائف جمع الوصيفة مؤنث الوصيف .
[120]
إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية فألبست الجواري الاقبية والمناطق ( 1 ) وألبست
الغلمان في سواعدهم أساور من ذهب ، وفي أعناقهم أطواقا من ذهب ، وفي آذانهم أقراطا
وشنوفا ( 2 ) مرصعات بأنواع الجواهر ، وحملت الجواري على خمسمائة رمكة والغلمان
على خمسمائة برذون ، ( 3 ) على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر ، وبعثت إليه
خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة ، وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع ،
وعمدت إلى حقة فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب ،
ودعت رجلا من أشراف قومها اسمه المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب
رأي وعقل ، وكتبت إليه كتابا بنسخة الهدية ، قالت فيها : إن كنت نبيا فميز بين
الوصفاء والوصائف ، وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها ، واثقب الدرة ثقبا مستويا ، و
أدخل الخرزة خيطا من غير علاج إنس ولا جن ، وقالت للرسول : انظر إليه إذا دخلت عليه
فإن نظر إليك نظر غضب فاعلم أنه ملك ، فلا يهولنك أمره ، فأنا أعز منه ، وإن نظر
إليك نظر لطف فاعلم أنه نبي مرسل .
فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر ، فأمر
سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة ففعلوا ، ثم أمرهم أن يبسطوا من
موضعه الذي هو فيه إلى بضع فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة ، وأن يجعلوا
حول الميدان حائطا شرفها من الذهب والفضة ففعلوا ، ثم قال للجن : علي بأولادكم
فاجتمع خلق كثير فأقامهم عن يمين الميدان ويساره ، ثم قعد سليمان عليه السلام في مجلسه
على سريره ، ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره ، وأمر الشياطين
أن يصطفوا صفوفا فراسخ ، وأمر الانس فاصطفوا فراسخ ، وأمر الوحش والسباع والهوام
والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه ويساره ، فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك
سليمان تقاصرت إليهم أنفسهم ، ( 4 ) ورموا بما معهم من الهدايا ، فلما وقفوا بين يدي
. . ( هامش صفحة 120 ) ( 1 ) الاقبية جمع القباء . والمناطق جمع المنطقة : ما يشد به الانسان وسطه ، يقال بالفارسية :
كمربند
( 2 ) أقراط : جمع القرط وهو مايعلق في شحمة الاذن من درة ونحوها ، يقال بالفارسية ، كوشواره
وشنوف جمع الشنف : حلى الاذن أيضا ، وقيل : مايعلق في أعلاها .
( 3 ) الرمكة : الفرس تتخذ للنسل . والبرذون : دابة الحمل الثقيلة .
( 4 ) تقاصرت نفسه : تضاءلت وصغرت .
[121]
سليمان عليه السلام نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق ، وقال : ما وراءكم ؟ فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا
به ، وأعطاه كتاب الملكة ، فنظر فيه وقال : أين الحقة ؟ فأتي بها فحركها ، وجاءه جبرئيل
فأخبره بما في الحقة ، وقال : إن فيها درة يتيمة غير مثقوبة ، وخرزة مثقوبة معوجة الثقب ،
فقال الرسول : صدقت ، فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الخرزة ، فأرسل سليمان عليه السلام إلى
الارضة فجاءت فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر ، ثم
قال : من لهذه الخرزة يسلكها الخيط ؟ فقالت دودة بيضاء : أنا لها يا رسول الله ، فأخذت
الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر ، ثم ميز بين
الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم ، فكانت الجارية تأخذ الماء
من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الاخرى ثم تضرب به الوجه ، والغلام يأخذ
من الآنية يضرب به وجهه ، وكانت الجارية تصب على باطن ساعدها والغلام على
ظهر الساعد ، وكانت الجارية تصب الماء صبا وكان الغلام يحدر الماء ( 1 ) على يده حدرا ،
فميز بينهم بذلك ، هذا كله مروي عن وهب ( 2 ) وغيره . وقيل : إنها أيضا أنفذت مع
هداياها عصا كانت تتوارثها ملوك حمير ، وقالت : أريد أن تعرفني رأسها من أسفلها ، و
بقدح ماء وقالت : تملاه ماء رواء ( 3 ) ليس من الارض ولا من السماء ، فأرسل سليمان
العصا إلى الهواء وقال : أي الرأسين سبق إلى الارض فهو أصلها ، ( 4 ) وأمر بالخيل
فأجريت حتى عرقت وملا القدح من عرقها ، وقال : هذا ليس من ماء الارض ولا من ماء
السماء .
" فلما جاء سليمان " أي فلما جاء الرسول سليمان " قال أتمدونني بمال " أي


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 121 سطر 19 إلى صفحه 129 سطر 18

أتزيدونني مالا ؟ وهذا استفهام إنكار ، يعني أنه لايحتاج إلى مالهم " فما آتاني الله خير
مما آتاكم " أي ما أعطاني الله من الملك والنبوة والحكمة خير مما أعطاكم من الدنيا و
أموالها " بل أنتم بهديتكم تفرحون " إذا أهدى بعضكم إلى بعض ، وأما أنا فلا أفرح بها ،
. . ( هامش صفحة 121 ) ( 1 ) حدر الشئ : أنزله من علو إلى أسفل .
( 2 ) واحاديث وهب غير خالية من اساطير وأوهام .
( 3 ) الرواء : الماء العذب .
( 4 ) في المصدر : فهو أسفلها .
[122]
أشار إلى قلة اكتراثه ( 1 ) بأموال الدنيا ، ثم قال سليمان للرسول : " ارجع إليهم " بما جئت
به من الهدايا " فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها " أي لاطاقة لهم بها ولا قدرة لهم على دفعها
" ولنخرجنهم منها أذلة " أي من تلك القرية ومن تلك المملكة ، وقيل : من أرضها وملكها
" وهم صاغرون " أي ذليلون صغيروا القدر إن لم يأتوا مسلمين ، ( 2 ) فلما رد سليمان عليه السلام
الهدية وميز بين الغلمان والجواري إلى غير ذلك علموا أنه نبي مرسل وأنه ليس
كالملوك الذين يغترون بالاموال .
فلما رجع إليها الرسول وعرفت أنه نبي وأنها لاتقاومه فتجهزت للمسير إليه
وأخبر جبرئيل عليه السلام سليمان عليه السلام أنها خرجت من اليمن مقبلة إليه قال سليمان
لاماثل جنده وأشراف عسكره : " يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني
مسلمين " .
واختلف في السبب الذي خص العرش بالطلب على أقوال :
أحدها : أنه أعجبته صفته ، فأراد أن يراه ، وظهر له آثار إسلامها فأحب أن يملك
عرشها قبل أن تسلم فيحرم عليه أخذ مالها ، عن قتادة ، وثانيها : أنه أراد أن يختبر بذلك
عقلها وفطنتها ، ويختبر هل تعرفه أو تنكره ، عن ابن زيد ، وقيل : أراد أن يجعل دليلا ( 3 )
ومعجزة على صدقه ونبوته ، لانها خلفته في دارها ( 4 ) وأوثقته ووكلت به ثقاة قومها
يحرسونه ويحفظونه ، عن وهب ، وقال ابن عباس : كان سليمان عليه السلام رجلا مهيبا لايبتدئ
بالكلام حتى يكون هو الذي يسأل عنه ، فخرج يوما وجلس على سريره فرأى رهجا
قريبا منه أي غبارا فقال : ما هذا ؟ قالوا : بلقيس يا رسول الله ، فقال : ( 5 ) وقد نزلت
منا بهذا المكان ! وكان ما بين الكوفة والحيرة على قدر فرسخ ، فقال : " أيكم يأتيني
بعرشها " .
. . ( هامش صفحة 122 ) ( 1 ) أي قلة اعتنائه بها .
( 2 ) في المصدر : إن لم يأتوني مسلمين .
( 3 ) " " : أن يجعل ذلك دليلا .
( 4 ) " " : لانها خلفته في دارها .
( 5 ) المصدر خلى عن لفظة ( فقال ) .
[123]
وقوله : " مسلمين " فيه وجهان : أحدهما أنه أراد مؤمنين موحدين ، والآخر
مستسلمين منقادين على مامر بيانه " قال عفريت ( 1 ) من الجن " أي مارد قوي ، عن ابن
عباس " أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك " أي من مجلسك الذي تقضي فيه ، عن قتادة
" وإني عليه لقوي أمين " أي وإني على حمله لقوي ، وعلى الاتيان به في هذه المدة
قادر ، وعلى مافيه من الذهب والجواهر أمين ، وفي هذا دلالة على أن القدرة قبل الفعل ،
لانه أخبر بأنه قوي عليه قبل أن يجئ به ، وكان سليمان عليه السلام يجلس في مجلسه للقضاء
غدوة إلى نصف النهار ، فقال سليمان عليه السلام : أريد أسرع من ذلك ، فعند ذلك " قال الذي
عنده علم من الكتاب " وهو آصف بن برخيا ( 2 ) وكان وزير سليمان وابن أخته ، وكان صديقا
يعرف اسم الله الاعظم الذي إذا دعي به أجاب ، عن ابن عباس ، وقيل : إن ذلك الاسم
" الله " والذي يليه " الرحمن " وقيل : هو " ياحي ياقيوم " وبالعبرانية " اهيا شراهيا " ( 3 ) وقيل :
هو " ياذا الجلال والاكرام " عن مجاهد ، وقيل إنه قال : يا إلهنا وإله كل شئ إلها واحدا
لا إله إلا أنت ، عن الزهري ، وقيل : إن الذي عنده علم من الكتاب كان رجلا من الانس يعلم
اسم الله الاعظم اسمه بلخيا ، عن مجاهد ، وقيل : اسمه اسطوم ، عن قتادة ، وقيل : هو الخضر
عليه السلام ، عن أبي لهيعة ، وقيل : إن الذي عنده علم من الكتاب هو جبرئيل عليه السلام ،
أذن الله له في طاعة سليمان ، وأن يأتيه بالعرش الذي طلبه ، وقال الجبائي : هو سليمان عليه السلام
قال ذلك للعفريت ليريه نعمة الله عليه ، وهذا قول بعيد لم يؤثر عند أهل التفسير ، ( 4 ) وأما
الكتاب المعرف في الآية بالالف واللام فقيل : إنه اللوح المحفوظ ، وقيل : إن المراد به
جنس كتب الله المنزلة على أنبيائه وليس المراد به كتاب بعينه ، والجنس قد يعرف بالالف و
اللام ، وقيل : المراد به كتاب سليمان عليه السلام إلى بلقيس " أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك
طرفك " اختلف في معناه ، فقيل : يريد : قبل أن يصل إليك من كان منك على قدر مد البصر ،
. . ( هامش صفحة 123 ) ( 1 ) قال البغدادي في المحبر : اسمه كودن .
( 2 ) " " " : هو آصف بن برخيا بن شمعياء واسمه ناطورا .
( 3 ) قد تقدم أن صحيحه : إهيه أشر إهيه ، وفي المصدر : إهى أشر إهى ، وإهيه بمعنى واجب
الوجود . وقيل : معنى الجملة : الذي كان ويكون وهو الكائن .
( 4 ) في المصدر : لم يؤثر عن أهل التفسير ، أي لم ينقل عنهم .
[124]
عن قتادة ، وقيل : معناه : قبل أن يبلغ طرفك مداه وغايته ويرجع إليك ، قال سعيد بن
جبير : قال لسليمان : انظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به فوضعه بين يديه ، والمعنى : حتى
يرتد إليك طرفك بعد مده إلى السماء ، وقيل : ارتداد الطرف إدامة النظر حتى يرتد
طرفه خاسئا ، عن مجاهد ، فعلى هذا معناه أن سليمان عليه السلام مد بصره إلى أقصاه وهو
يديم النظر فقبل أن ينقلب إليه بصره حسيرا يكون قد أتي بالعرش . ( 1 ) وقال الكلبي :
خر آصف ساجدا ودعا باسم الله الاعظم فغار عرشها تحت الارض حتى نبع عند كرسي
سليمان ، وذكر العلماء في ذلك وجوها :
أحدها : أن الملائكة حملته بأمر الله تعالى . والثاني : أن الريح حملته . والثالث :
أن الله تعالى خلق فيه حركات متوالية . والرابع : أنه انخرق مكانه حيث هو هناك ، ثم
نبع بين يدي سليمان . والخامس : أن الارض طويت له ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام .
والسادس : أنه أعدمه الله في موضعه وأعاده في مجلس سليمان ، وهذا لايصح على مذهب
أبي هاشم ، ويصح على مذهب أبي علي الجبائي فإنه يجوز فناء بعض الاجسام دون
بعض .
وفي الكلام حذف كثير لان التقدير : قال سليمان له : افعل ، فسأل الله تعالى في ذلك
فحضر العرش فرآه سليمان مستقرا عنده ( 2 ) أي فلما رأى سليمان العرش محمولا إليه
موضوعا بين يديه في مقدار رجع البصر " قال هذا من فضل ربي " أي من نعمته علي و
إحسانه لدي لان تيسير ذلك وتسخيره مع صعوبته وتعذره معجزة له ودلالة على علو
قدره وجلالته وشرف منزلته عند الله تعالى " ليبلونئ أشكر أم أكفر " أي ليختبرني هل
أقوم بشكر هذه النعمة أم أكفر بها " ومن شكر فإنما يشكر لنفسه " لان عائدة شكره
ومنفعته ترجعان إليه وتخصانه دون غيره ، وهذا مثل قوله : " إن أحسنتم أحسنتم
لانفسكم " .
" ومن كفر فإن ربي غني " يعني غني عن شكر العباد ، غير محتاج إليه ، بل هم
. . ( هامش صفحة 124 ) ( 1 ) في نسخة : قد أتاه بالعرش .
( 2 ) في المصدر : فرآه سليمان مستقرا عنده " فلما رآه مستقرا عنده " أي فلما رأى .
[125]
المحتاجون إليه لمالهم فيه من الثواب والاجر " كريم " أي متفضل على عباده شاكرهم و
كافرهم وعاصيهم ومطيعهم ، لايمنعه كفرهم وعصيانهم من الافضال عليهم والاحسان إليهم
" قال " سليمان " نكروا لها عرشها " أي غيروا سريرها إلى حال تنكرها إذا رأته ، وأراد
بذلك اختبار عقلها على ماقيل " ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لايهتدون " أي أتهتدي
إلى معرفة عرشها بفطنتها بعد التغيير أم لاتهتدي إلى ذلك ، عن سعيد بن جبير وقتادة ، وقيل :
أتهتدي أي أتستدل بعرشها على قدرة الله وصحة نبوتي ، وتهتدي بذلك إلى طريق الايمان
والتوحيد أم لا ؟ عن الجبائي ، قال ابن عباس : فنزع ماكان على العرش من الفصوص و
الجواهر ، وقال مجاهد : غير ما كان أحمر وجعل أخضر ، ( 1 ) وما كان أخضر فجعل أحمر ، ( 2 )
وقال عكرمة : زيد فيه شئ ونقص منه شئ " فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه
هو " فلم تثبته ولم تنكره فدل ذلك على كمال عقلها حيث لم تقل : لا ، إذ كان يشبه سريرها
لانها وجدت فيه ماتعرفه ، ولم تقل : نعم إذ وجدت فيه ماغير وبدل ولانها خلفته في
بيتها وحمله في تلك المدة إلى ذلك الموضع غير داخل في مقدور البشر ، قال مقاتل : عرفته
ولكن شبهوا عليها حين قالوا لها : " أهكذا عرشك " فشبهت حين قالت : " كأنه هو "
ولو قيل لها : أهذا عرشك ؟ لقالت : نعم ، قال عكرمة : كانت حكيمة ، قالت : إن
قلت : هوهو خشيت أن أكذب ، وإن قلت : لا خشيت أن أكذب ، فقالت :
كأنه هو ، شبهته به ، فقيل لها : فإنه عرشك ، فما أغنى عنك إغلاق الابواب ،
وكانت قد خلفته وراء سبعة أبواب لما خرجت ، فقالت : " وأوتينا العلم " بصحة نبوة
سليمان " من قبلها " أي من قبل الآية في العرش " وكنا مسلمين " طائعين لامر سليمان ،
وقيل : إنه من كلام سليمان ، عن مجاهد ، ( 3 ) ومعناه : أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة
قبل مجيئها ( 4 ) " وصدها ما كانت تعبد من دون الله " أي منعها عبادة الشمس عن الايمان
بالله تعالى بعد رؤية تلك المعجزات ، ( 5 ) عن مجاهد ، فعلى هذا تكون " ما " موصولة مرفوعة
. . ( هامش صفحة 125 ) ( 1 ) في المصدر : فجعله أخضر . ( 2 ) في المصدر : فجعله أحمر .
( 3 ) في نسخة بعد ذلك : ومعناه : واوتينا العلم بالله وقدرته على مايشاء من قبل هذه
المرة ، وكنا مسلمين مخلصين لله بالتوحيد ، وقيل : معناه اه .
( 4 ) في المصدر : وقيل : انه من كلام قوم سليمان ، عن الجبائي .
( 5 ) " " : بعد رؤية تلك المعجز .
[126]
الموضع بأنها فاعلة صد ، وقيل : معناه : وصدها سليمان عما كانت تعبده من دون الله ، و
حال بينها وبينه ، ومنعها عنه ، فعلى هذا تكون " ما " في موضع النصب ، وقيل : معناه
منعها الايمان والتوحيد عن الذي كانت تعبده من دون الله وهو الشمس ، ثم استأنف فقال :
" إنها كانت من قوم كافرين " أي من قوم يعبدون الشمس قد نشأت فيما بينهم فلم تعرف إلا
عبادة الشمس " قيل لها ادخلي الصرح " والصرح هو الموضع المنبسط المنكشف من غير
سقف .
وذكر أن سليمان عليه السلام لما أقبلت صاحبة سبأ أمر الشياطين ببناء الصرح ، وهو
كهيئة السطح المنبسط من قوارير أجري تحته الماء ، وجمع في الماء الحيتان والضفادع و
دواب البحر ثم وضع له فيه سرير فجلس عليه ، وقيل : إنه قصر من زجاج كأنه الماء بياضا ،
وقال أبوعبيدة : كل بناء من زجاج أو صخر أو غير ذلك مونق ( 1 ) فهو صرح ، وإنما أمر
سليمان عليه السلام بالصرح لانه أراد أن يختبر عقلها وينظر هل تستدل على معرفة الله تعالى
بما ترى من هذه الآية العظيمة ؟ وقيل : إن الجن والشياطين خافت أن يتزوجها سليمان عليه السلام
فلا ينفكون من تسخير سليمان وذريته بعده لو تزوجها وذلك أن أمها كانت جنية
فأساؤوا الثناء عليها ليزهدوه فيها وقالوا : إن في عقلها شيئا ، وإن رجلها كحافر الحمار ،
فلما امتحن ذلك وجدها على خلاف ماقيل ، وقيل : إنه ذكر له أن على رجليها شعرا ،
فلما كشفته بان الشعر فساءه ذلك ، فاستشار الجن في ذلك فعملوا الحمامات ، وطبخوا
له النورة والزرنيخ ، وكان أول ماصنعت النورة " فلما رأته " أي رأت بلقيس الصرح
" حسبته لجة " وهي معظم الماء " وكشفت عن ساقيها " لدخول الماء ، وقيل : إنها لما رأت
الصرح قالت : ما وجد ابن داود عذابا يقتلني به إلا الغرق ؟ ! وأنفت أن تجئ فلا تدخل ( 2 )
ولم يكن من عادتهم لبس الخفاف فلما كشفت عن ساقيها قال لها سليمان : " إنه صرح
ممرد " أي مملس " من قوارير " وليس بماء ، ولما رأت سرير سليمان والصرح " قالت رب
. . ( هامش صفحة 126 ) ( 1 ) في المصدر : موثق .
( 2 ) " " : فأنفت أن تجبن فلا تدخل .
[127]
إني ظلمت نفسي " بالكفر الذي كنت عليه " وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين " فحسن
إسلامها ، وقيل : إنها لما جلست دعاها سليمان إلى الاسلام ، وكانت قد رأت الآيات
والمعجزات فأجابته وأسلمت ، وقيل : إنها لما ظنت أن سليمان عليه السلام يغرقها ثم عرفت
حقيقة الامر قالت : " ظلمت نفسي " إذ توهمت على سليمان ماتوهمت .
واختلف في أمرها بعد ذلك فقيل : إنها تزوجها سليمان وأقرها على ملكها ، و
قيل : إنه زوجها من ملك يقال له تبع وردها إلى أرضها ، وأمر زوبعة أمير الجن باليمن
أن يعمل له ويطيع ، فصنع له المصانع باليمن . ( 1 )
* 13 وروى العياشي في تفسيره بالاسناد قال : التقى موسى بن محمد بن علي بن
موسى ويحيى بن أكثم فسأله عن مسائل قال : فدخلت على أخي علي بن محمد عليه السلام بعد أن
دار بيني وبينه من المواعظ حتى انتهيت إلى طاعته ، فقلت له : جعلت فداك إن يحيى بن
أكثم سألني عن مسائل أفتيه فيها ، فضحك ، فقال : فهل أفتيته فيها ؟ قلت : لا ، قال :
ولم ؟ قلت : لم أعرفها ، قال : وماهي ؟ قلت : قال : أخبرني عن سليمان أكان محتاجا إلى
علم آصف بن برخيا ؟ ثم ذكر المسائل الاخر ، قال : اكتب ياأخي : بسم الله الرحمن الرحيم
سألت عن قول الله تعالى في كتابه : " قال الذي عنده علم من الكتاب " فهو آصف بن برخيا
ولم يعجز سليمان عن معرفة ماعرفه آصف ، لكنه أحب أن يعرف أمته من الانس و
الجن أنه الحجة من بعده ، وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ، ففهمه الله ذلك
لئلا يختلف في إمامته ودلالته ، كما فهم سليمان عليه السلام في حياة داود عليه السلام ليتعرف إمامته
ونبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق . ( 2 )
. . ( هامش صفحة 127 ) ( 1 ) مجمع البيان 7 : 217 225 .
* روى الثعلبي أن أبا بلقيس بنت اليشرح كان يلقب بهذهاذ وكان ملكا عظيم الشأن ولده
أربعون ملكا ، وكان ملك أرض اليمن كلها ، وكان يقول لملوك الاطراف : ليس أحد منكم كفوا لي
وابى أن يتزوج فيهم ، فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن ، وكان الانس اذذاك
يرون الجن ويخالطونهم فولدت له تلقمة وهي بلقيس . ولم يكن له ولد غيرها . منه رحمه الله
قلت : رواه في العرائس : 174 وفيه : البشرخ مكان اليشرح ، والشكر مكان السكن ،
وبلعمة مكان تلقمة .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط .
[128]
ف : سأل يحيى بن أكثم . وذكر نحوه . ( 1 )
14 م : إن الله خص بسورة الفاتحة محمدا صلى الله عليه وآله وشرفه بها ولم يشرك معه فيها
أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السلام فإنه أعطاه منها " بسم الله الرحمن الرحيم " ألا تراه
يحكي عن بلقيس حين قالت : " إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه
بسم الله الرحمن الرحيم " . ( 2 )
أقول : وقال الثعلبي في تفسيره : قالت العلماء بسير الانبياء : إن نبي الله سليمان
عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم فتجهز للمسير
واستصحب من الجن والانس والشياطين والطير والوحوش مابلغ معسكره مائة فرسخ ،
فأمر الريح الرخاء فحملتهم ، فلما وافى الحرم أقام به ماشاء الله أن يقيم ، فكان ينحر كل
يوم طول مقامه بمكة خمسة آلاف بدنة ، وخمسة آلاف ثور ، وعشرين ألف شاة ، وقال
لمن حضر من أشراف قومه : إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا يعطى
النصر على جميع من ناواه ، ( 3 ) ويبلغ هيبته مسيرة شهر ، القريب والبعيد عنده في الحق
سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، قالوا : فبأي دين يدين يانبي الله ؟ قال : بدين الحنيفية
فطوبى لمن أدركه وآمن به وصدقه ، قالوا : فكم بيننا وبين خروجه يا نبي الله ؟ قال :
ذهاب ألف عام ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فإنه سيد الانبياء وخاتم الرسل ، وإن
اسمه لمثبت في زبر الانبياء ، قالوا : فأقام بمكة حتى قضى نسكه ، ثم أحب أن يسير إلى
أرض اليمن فخرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن يوم نجم سهيل ، فوافى صنعاء وقت
الزوال وذلك مسيرة شهر ، فرأى أرض حسنة تزهر خضرتها فأحب النزول بها ليصلي ويتغدى
فطلبوا الماء فلم يجدوا ، وكان دليله على الماء الهدهد ، كان يرى الماء من تحت الارض
فينقر الارض فيعرف موضع الماء وبعده ، ثم تجئ الشياطين فيسلخونه كما يسلخ الاهاب ، ( 4 )
ثم يستخرجون الماء ، قالوا : فلما نزل قال الهدهد : إن سليمان عليه السلام قد اشتغل
. . ( هامش صفحة 128 ) ( 1 ) تحف العقول : 476 و 478 ، وفيه : لتأكد الحجة على الخلق .
( 2 ) تفسير الامام : 10 .
( 3 ) اي من عاداه .
( 4 ) الاهاب : الجلد أو ما لم يدبغ منه .
[129]
بالنزول فارتفع نحو السماء فانظر إلى عرض الدنيا وطولها ، ففعل ذلك ونظر
يمينا وشمالا ، فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط
عليه ، وكان اسم هدهد سليمان يعفور ، واسم هدهد اليمن عنقير ، ( 1 ) فقال عنقير
ليعفور : من أين أقبلت وأين تريد ؟ قال : أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان
ابن داود ، قال : ومن سليمان بن داود ؟ قال : ملك الجن والانس والطير والوحوش
والشياطين والرياح ، فمن أين أنت ؟ قال : أنا من هذه البلاد ، قال : ومن ملكها ؟ قال :
امرأة يقال لها بلقيس ، وإن لصاحبكم سليمان ملكا عظيما ، وليس ملك بلقيس دونه ،
فإنها ملكة اليمن كلها ، وتحت يدها اثني عشر ألف قائد ، تحت كل قائد مائة ألف مقاتل
فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها ؟ قال : أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت
الصلاة إذا احتاج إلى الماء ، قال الهدهد اليماني : إن صاحبك ليسره أن تأتيه بخبر هذه
الملكة ، فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها وما رجع إلى سليمان عليه السلام إلا وقت العصر
فلما طلبه سليمان عليه السلام فلم يجده دعا عريف ( 2 ) الطيور وهو النسر فسأله عنه ، فقال :
ما أدري أين هو ؟ وما أرسلته مكانا ، ثم دعا بالعقاب فقال : علي بالهدهد ، فارتفع فإذا
هو بالهدهد مقبلا فانقض ( 3 ) نحوه ، فناشده الهدهد بحق الله الذي قواك وأغلبك علي
إلا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء ، قال : فولى عنه العقاب وقال له : ويلك ثكلتك أمك
إن نبي الله حلف أن يعذبك أو يذبحك ، ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهى إلى
المعسكر تلقته النسر والطير فقالوا : توعدك نبي الله ، فقال الهدهد : أو مااستثنى نبي الله ؟
فقالوا : بلى " أوليأتيني بسلطان مبين " ( 4 ) فلما أتيا سليمان وهو قاعد على كرسيه قال


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 129 سطر 19 إلى صفحه 137 سطر 18

العقاب : قد أتيتك به يانبي الله ، فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه
يجرهما على الارض تواضعا لسليمان ، فأخذ برأسه فمده إليه ، فقال : أين كنت ؟ فقال : يانبي الله
. . ( هامش صفحة 129 ) ( 1 ) في نسخة : " عنفير " وكذا فيما بعده .
( 2 ) : العريف : من يعرف أصحابه . النقيب .
( 3 ) انقض الطائر : هوى ليقع .
( 4 ) أي والاستثناء قوله : أو ليأتيني .
[130]
اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى ، فلما سمع ذلك سليمان عليه السلام ارتعد وعفا عنه وساق القصة
إلى أن قال : وقال مقاتل : حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة و
حولها القادة والجنود فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت رأسها فألقى الكتاب في
حجرها . إلى آخر القصة . ( 1 )
( باب 10 )
* ( مااوحى اليه وصدر عنه من الحكم ، وفيه قصة نفش الغنم ) *
الايات ، الانبياء " 21 " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم
القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما 78 و 79 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : اختلف في الحكم فقيل : إنه زرع وقعت فيه الغنم
ليلا فأكلته ، وقيل : كان كرما قد بدت عناقيده ( 2 ) عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام ،
وقال الجبائي ، أوحى الله إلى سليمان عليه السلام بما نسخ به حكم داود عليه السلام ولم يكن ذلك
عن اجتهاد وهو المعول عليه عندنا . ( 3 )
1 ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن القاشاني ، عن الاصبهاني ، عن المنقري ،
عن سفيان بن نجيح ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال سليمان بن داود عليه السلام : أوتينا ما
أوتي الناس ومالم يؤتوا ، وعلمنا ما علم الناس ومالم يعلموا ، فلم نجد شيئا أفضل من
خشية الله في المغيب والمشهد ، والقصد في الغنى والفقر ، وكلمة الحق في الرضى والغضب ،
والتضرع إلى الله عزوجل على كل حال . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 130 ) ( 1 ) الكشف والبيان مخطوط .
( 2 ) في المصدر هنا زيادة وهي هذه : فحكم داود بالغنم لصاحب الكرم ، فقال سليمان : غير هذا
يانبي الله ، قال : وماذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان ، و
يدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى اذا عاد الكرم كما كان ، ثم دفع كل واحد منهما
إلى صاحبه ماله ، عن ابن مسعود . وروى ذلك عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام .
( 3 ) مجمع البيان 7 : 57 .
( 4 ) الخصال 1 : 114 و 115 . وفيه : في كل حال .
[131]
2 فس : " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا
لحكمهم شاهدين " فإنه حدثني أبي ، عن عبدالله بن يحيى ، ( 1 ) عن ابن مسكان ، عن
أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل كان له كرم ونفشت فيه
غنم لرجل آخر بالليل وقضمته ( 2 ) وأفسدته ، فجاء صاحب الكرم إلى داود عليه السلام فاستعدى
على صاحب الغنم فقال داود عليه السلام : اذهبا إلى سليمان ليحكم بينكما ، فذهبا إليه ، فقال
سليمان : إن كانت الغنم أكلت الاصل والفرع فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم
الغنم وما في بطنها ، وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالاصل فإنه يدفع ولدها إلى
صاحب الكرم ، وكان هذا حكم داود ، وإنما أراد أن يعرف بني إسرائيل أن سليمان
عليه السلام وصيه بعده ، ولم يختلفا في الحكم ، ولو اختلف حكمهما لقال : " وكنا
لحكمهما شاهدين " . ( 3 )
بيان : نفشت الغنم أي رعت ليلا بلا راع .
3 سن : بعض أصحابنا ، عن البزنطي ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن
أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى . " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث " قال :
لم يحكما ، إنما كانا يتناظران " ففهمناها سليمان " .
يه : بسنده الصحيح عن جميل ، عن زرارة مثله . ( 4 )
4 يه : بسنده الصحيح عن الوشاء ، عن أحمد بن عمر الحلبي قال : سألت أبا الحسن
عليه السلام عن قول الله تعالى : " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث " قال : كان حكم
داود عليه السلام رقاب الغنم ، والذي فهم الله عزوجل سليمان أن يحكم لصاحب الحرث باللبن
والصوف ذلك العام كله . ( 5 )
5 يب : الحسين بن سعيد ، عن بعض أصحابنا ، عن المعلى أبي عثمان ، عن أبي بصير
قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل : " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت
. . ( هامش صفحة 131 ) ( 1 ) في نسخة : عبدالله بن بحر .
( 2 ) القضم : الاكل باطراف الاسنان .
( 3 ) تفسير القمي : 431 .
( 4 و 5 ) من لايحضره الفقيه : 339 .
[132]
فيه غنم القوم " فقال : لايكون النفش إلا بالليل ، إن على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث
بالنهار وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار ، إنما رعيها وإرزاقها بالنهار ، فما أفسدت
فليس عليها ، ( 1 ) وعلى صاحب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس ، فما أفسدت
بالليل فقد ضمنوا ، وهو النفش ، وإن داود عليه السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم ،
وحكم سليمان عليه السلام الرسل والثلة وهو اللبن والصوف في ذلك العام . ( 2 )
6 يب : الحسين ، عن عبدالله بن بحر ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : قلت قول الله عزوجل : " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث " قلت :
حين حكما في الحرث كانت قضية واحدة ؟ فقال : إنه كان أوحى الله عزوجل إلى النبيين
قبل داود إلى أن بعث الله داود عليه السلام : أي غنم نفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم ،
ولا يكون النفش إلا بالليل ، وإن على صاحب الزرع أن يحفظ بالنهار ، وعلى صاحب
الغنم حفظ الغنم بالليل ، فحكم داود عليه السلام بما حكمت به الانبياء عليهم السلام من قبله ، و
أوحى الله تعالى إلى سليمان : أي غنم نفشت في الزرع فليس لصاحب الزرع إلا ماخرج
من بطونها ، وكذلك جرت السنة بعد سليمان عليه السلام ، وهو قول الله عزوجل : " وكلا
آتينا حكما وعلما " فحكم كل واحد منهما بحكم الله عزوجل . ( 3 )
7 كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن محمد ، عن بكر بن صالح ،
عن محمد بن سليمان ، عن عيثم بن أسلم ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
إن الامامة عهد من الله عزوجل معهود لرجال مسمين ، ليس للامام أن يزويها ( 4 )
عن الذي يكون من بعده ، إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام : أن اتخذ وصيا
من أهلك ، فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيا إلا وله وصي من أهله ، وكان لداود
عليه السلام أولاد عدة ، وفيهم غلام كانت أمه عند داود عليه السلام ، وكان لها محبا ، فدخل
داود عليه السلام عليها حين أتاه الوحي ، فقال لها : إن الله عزوجل أوحى إلي يأمرني أن
. . ( هامش صفحة 132 ) ( 1 ) في المصدر : فليس عليها وعلى صاحبها شئ .
( 2 و 3 ) تهذيب الاحكام 2 : 179 .
( 4 ) أي يصرفها عنه ويمنعه اياها .
[133]
أتخذ وصيا من أهلي ، فقالت له امرأته : فليكن ابني ، قال : ذاك أريد ، وكان
السابق في علم الله المحتوم عنده أنه سليمان ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود أن
لاتعجل دون أن يأتيك أمري ، فلم يلبث داود عليه السلام أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم
والكرم ، فأوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام : أن اجمع ولدك ، فمن قضى بهذه القضية
فأصاب فهو وصيك من بعدك ، فجمع داود عليه السلام ولده فلما أن اقتص الخصمان قال
سليمان عليه السلام : يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك ؟ قال : دخلتة ليلا
قال : قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا ، ثم قال له
داود عليه السلام : فكيف لم تفض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل فكان ثمن
الكرم قيمة الغنم ؟ فقال سليمان عليه السلام : إن الكرم لم يجتث ( 1 ) من أصله ، وإنما أكل
حمله وهو عائد في قابل ، فأوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام أن القضاء في هذه القضية
ماقضى سليمان به ، يا داود أردت أمرا وأردنا أمرا غيره ، فدخل داود عليه السلام على امرأته
فقال : أردنا أمرا وأراد الله غيره ، ( 2 ) ولم يكن إلا ما أراد الله عزوجل فقد رضينا بأمر
الله عزوجل وسلمنا ، وكذلك الاوصياء عليهم السلام ليس لهم أن يتعدوا بهذا الامر
فيجاوزون صاحبه إلى غيره . ( 3 )
بيان : اعلم أنه لما ثبت بالدلائل العقلية ( 4 ) عدم جواز الاجتهاد والرأي على
الانبياء عليهم السلام وأنهم لايحكمون إلا بالوحي فلذا ذهب بعض أصحابنا وبعض المعتزلة
إلى أنه تعالى أوحى إلى سليمان عليه السلام ما نسخ حكم داود عليه السلام ، وكان حكم داود عليه السلام
أيضا بالوحي ، ويرد عليه أن شريعة سليمان لم تكن ناسخة فكيف نسخت ما ثبت في
شريعة موسى عليه السلام ؟
ويمكن الجواب عنه بأنه لم يثبت امتناع نسخ بعض جزئيات الاحكام في زمن
. . ( هامش صفحة 133 ) ( 1 ) اجتثه : قلعه من أصله .
( 2 ) في المصدر : وأراد الله أمرا غيره .
( 3 ) اصول الكافي 1 : 278 و 279 .
( 4 ) في نسخة : بالدلائل القطعية .
[134]
غير أولي العزم من الرسل ، وأما النسخ الكلي والاتيان بشريعة مبتدأة فهو مختص بأولي
العزم منهم ، مع أنه يمكن أن يكون موسى عليه السلام أخبر بأن هذا الحكم ثابت إلى زمن
سليمان عليه السلام ثم يتغير الحكم . والاصوب في الجواب أن يقال : إن الآية لاتدل على
أن سليمان عليه السلام حكم بخلاف ما حكم به داود عليه السلام بل يحتمل أن يكون المراد :
إذ يريدان أن يحكما في الحرث كما دلت عليه رواية أبي بصير في التفسير ورواية زرارة ،
فهما كانا يتناظران في ذلك منتظرين للوحي أو كان داود عليه السلام عالما بالحكم وكان يسأل
سليمان عليه السلام ليبين فضله على الناس ، فأوحى الله ذلك إلى سليمان عليه السلام ، ويؤيده أن
في خبر معاوية نسب الحكم برقاب الغنم إلى علماء بني إسرائيل والسؤال الذي اشتمل عليه
الخبر محمول على ماذكرنا من إرادة ظهور فضله على بني إسرائيل .
وأما خبر الحلبي فيمكن أن يكون محمولا على التقية ، ويحتمل أيضا أن يكون
المراد بحكم داود الحكم الذي كان شائعا في زمانه ، أو الحكم الذي كان يلقيه على سليمان
ليختبره ويظهر عقله وعلمه ، وكذا القول في سائر الاخبار والله يعلم .
8 يه : عن جابر بن عبدالله الانصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قالت أم
سليمان بن داود لسليمان عليه السلام : يا بني إياك وكثرة النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل
تدع الرجل فقيرا يوم القيامة .
9 نبه : قال سليمان بن داود عليه السلام لابنه : يا بني إياك والمراء فإنه ليست فيه
منفعة ، وهو يهيج بين الاخوان العداوة . ( 1 )
. . ( هامش صفحة 134 ) ( 1 ) تنبيه الخواطر 2 : 12 .
[135]
( باب 11 )
* ( وفاته عليه السلام وما كان بعده ) *
الايات ، البقرة " 2 " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان
ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر 102 .
سبأ " 34 " فلما قضينا عليه الموت مادلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته
فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين 14 .
تفسير : قال الطبرسي رحم الله : " واتبعوا " أي اليهود الذين كانوا على عهد النبي
صلى الله عليه وآله ، أو على عهد سليمان عليه السلام ، أو الاعم ، أي اقتدوا بما كانت " تتلوا
الشياطين " أي تتبع وتعمل به ، وقيل : تقرأ ، وقيل : تكذب ، يقال : تلا عليه : إذا كذب ،
والشياطين : شياطين الجن ، وقيل : شياطين الانس " على ملك سليمان " قيل : أي في
ملك سليمان على وجهين : أحدهما في عهده ، والثاني في نفس ملك سليمان ، كما يقال :
فلان يطعن في ملك فلان ، وقيل : معناه : على عهد ملك سليمان " وما كفر سليمان " بين
بهذا أن ما كانت تتلوه الشياطين وترويه كان كفرا إذ برئ سليمان منه ، ثم بين أن ذلك
الكفر كان من نوع السحر ، فإن اليهود أضافوا إلى سليمان السحر ، وزعموا أن ملكه
كان به فبرأه الله منه ، وقيل : في السبب الذي لاجله أضافت السحر ( 1 ) إلى سليمان عليه السلام
أن سليمان عليه السلام كان قد جمع كتب السحرة ووضعها في خزائنه ، وقيل : كتمها تحت
كرسيه لئلا يطلع الناس عليها ولا يعملوا بها ، فلما مات سليمان عليه السلام استخرجت
السحرة تلك الكتب وقالوا : إنما تم ملك سليمان عليه السلام بالسحر ، وبه سخر الجن
والانس والطير ، وزينوا السحر في أعين الناس بالنسبة إلى سليمان عليه السلام وشاع ذلك
في اليهود وقبلوه لعداوتهم لسليمان عليه السلام " ولكن الشياطين كفروا " بما استخرجوه من
السحر ، أو بما نسبوه إلى سليمان عليه السلام ، أو بأنهم سحروا فعبر عن السحر بالكفر
. . ( هامش صفحة 135 ) ( 1 ) في المصدر : أضافت اليهود السحر إلى سليمان .
[136]
" يعلمون الناس السحر " أي ألقوا السحر إليهم فتعلموه ، أو دلوهم على استخراجه من تحت
الكرسي فتعلموه ( 1 ) " ما دلهم على موته " أي مادل الجن على موته إلا الارضة حيث أكلت
عصاه فسقط فعلموا أنه ميت ( 2 ) " فلما خر " أي سقط ميتا . ( 3 )
1 ع ، ن : الهمداني عن علي ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن
خالد ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه
جعفر بن محمد عليهم السلام ( 4 ) قال : إن سليمان بن داود عليه السلام قال ذات يوم لاصحابه : إن
الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي ، سخر لي الريح والانس و
الجن والطير والوحوش ، وعلمني منطق الطير ، وآتاني من كل شئ ، ومع جميع
ما أوتيت من الملك ماتم لي سرور يوم إلى الليل ، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد
فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي فلا تأذنوا لاحد علي لئلا يرد علي ما ينغص على يومي
قالوا : نعم ، فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره ، ووقف
متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسرورا بما أوتي فرحا بما أعطي إذ نظر إلى شاب
حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره ، فلما بصر به سليمان عليه السلام
قال له : من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم ؟ فبإذن من دخلت ؟ فقال
الشاب : أدخلني هذا القصر ربه وبإذنه دخلت ، فقال : ربه أحق به مني ، فمن أنت ؟
قال : أنا ملك الموت ، قال : وفيما جئت ؟ قال : جئت لاقبض روحك ، قال : امض لما
أمرت به ( 5 ) فهذا يوم سروري ، وأبى الله عزوجل أن يكون لي سرور دون لقائه ، فقبض
ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه ، فبقي سليمان عليه السلام متكئا على عصاه وهو
ميت ماشاء الله والناس ينظرون إليه وهم يقدرون أنه حي فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم
من قال : إن سليمان عليه السلام قد بقي متكئا على عصاه هذه الايام الكثيرة ولم يتعب ولم
. . ( هامش صفحة 136 ) ( 1 ) مجمع البيان 1 : 173 و 174 ، واختصر المصنف بعضه ، ونقل معنى بعض آخر .
( 2 ) في المصدر : الا الارضة ولم يعلموا موته حتى أكلت عصاه فسقط .
( 3 ) مجمع البيان 8 : 383 و 384 .
( 4 ) في عيون الاخبار بعد ذلك : عن أبيه محمد بن علي عليه السلام .
( 5 ) في المصدر : امض بما امرت به .
[137]
ينم ولم يأكل ولم يشرب ، إنه لربنا الذي يجب علينا أن نعبده ، وقال قوم : إن
سليمان عليه السلام ساحر وإنه يرينا أنه واقف متكئ على عصاه ، يسحر أعيننا وليس كذلك ،
فقال المؤمنون : إن سليمان هو عبدالله ونبيه يدبر الله أمره بما شاء ، فلما اختلفوا
بعث الله عزوجل الارضة فدبت في عصاه ، فلما أكلت جوفها انكسرت العصا وخر
سليمان عليه السلام من قصره على وجهه ، فشكرت الجن للارضة صنيعها ، فلاجل ذلك
لاتوجد الارضة في مكان إلا وعندها ماء وطين ، وذلك قول الله عزوجل : " فلما قضينا
عليه الموت مادلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته " يعني عصاه " فلما خر
تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين " ثم قال الصادق
عليه السلام : والله ما نزلت هذه الآية هكذا ، وإنما نزلت : " فلما خر تبينت الانس
أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين . ( 1 )
بيان : نسب صاحب الكشاف هذه القراءة إلى ابن مسعود ، ( 2 ) وعلى القراءة
المشهورة قيل : معناه : علمت الجن بعد ما التبس عليهم أنهم لا يعلمون الغيب ،
وقيل : معناه : علمت عامة الجن وضعفاؤهم أن رؤساءهم لا يعلمون الغيب ، وقيل : المعنى ،
ظهرت الجن ، وأن بما في حيزه بدل منه ( 3 ) أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما
لبثوا في العذاب .
2 ع : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر
عليه السلام قال : أمر سليمان بن داود عليه السلام الجن فصنعوا له قبة من قوارير ، ( 4 ) فبينما
هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف يعملون وهم ينظرون إليه إذ حانت ( 5 )


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 137 سطر 19 إلى صفحه 145 سطر 18

منه التفاتة فإذا رجل معه في القبة ، قال : من أنت ؟ ( 6 ) قال : أنا الذي لا أقبل الرشاء ،
ولا أهاب الملوك ، أنا ملك الموت ، فقبضه وهو قائم متكئ على عصاه في القبة والجن
. . ( هامش صفحة 137 ) ( 1 ) علل الشرائع : 36 عيون الاخبار : 146 147 .
( 2 ) راجع الكشاف 3 : 453 .
( 3 ) في الكشاف : و ( أن ) مع صلتها بدل من الجن بدل الاشتمال .
( 4 ) في التفسير : فبنوا له بيتا من قوارير .
( 5 ) في كلا المصدرين : " خانت " بالخاء .
( 6 ) في التفسير : اذا هو برجل ففزع منه وقال : من انت ؟
[138]
ينظرون إليه ، قال : فمكثوا سنة وهم يدأبون ( 1 ) له حتى بعث الله عزوجل الارضة
فأكلت منسأته وهي العصا ، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في
العذاب المهين .
قال أبوجعفر عليه السلام : إن الجن يشكرون الارضة ماصنعت بعصا سليمان . فما
تكاد تراها في مكان إلا وعندها ماء وطين . ( 2 )
3 فس : أبي ، عن ابن أبي عمير مثله إلى قوله : وهي العصا " فلما خر تبينت الانس
أو لو كان الجن يعلمون الغيب مالبثوا " سنة " في العذاب المهين " فالجن تشكر الارضة بما
عملت بعصا سليمان ، قال : فلا تكاد تراها في مكان إلا وعندها ( 3 ) ماء وطين ، فلما هلك
سليمان عليه السلام وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ، ثم طواه وكتب على ظهره : هذا ما
وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم ، من أراد كذا وكذا
فليفعل كذا وكذا ، ثم دفنه تحت السرير ، ثم استشاره ( 4 ) لهم فقرؤوه فقال الكافرون :
ما كان سليمان يغلبنا إلا بهذا ، وقال المؤمنون : بل هو عبدالله ونبيه ، فقال جل ذكره :
" واتبعوا ماتتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا
يعلمون الناس السحر " . ( 5 )
شى : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما هلك سليمان . إلى آخر
الخبر . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 138 ) ( 1 ) دأب في العمل : جد وتعب واستمر عليه . وفي التفسير : فمكثوا سنة يبنون وينظرون اليه
ويدانون ويعملون .
( 2 ) علل الشرائع : 36 .
( 3 ) في المصدر : الا وجد عندها .
( 4 ) هكذا في النسخ وفي المصدر المطبوع ، والصحيح كما في البرهان : ثم استثاره لهم أي
ثم أظهره لهم ، وفي المصدر : فقرأه .
( 5 ) تفسير القمي : 46 و 47 .
( 6 ) تفسير العياشي مخطوط .
[139]
4 فس : " فلما قضينا عليه الموت مادلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته "
قال : لما أوحى الله تعالى إلى سليمان عليه السلام : إنك ميت أمر الشياطين أن يتخذوا له
بيتا من قوارير ووضعوه في لجة البحر ، ودخله سليمان عليه السلام فاتكأ على عصاه وكان يقرأ
الزبور والشياطين حوله ينظرون إليه ولا يجسرون أن يبرحوا ، فبينا هو كذلك إذ
حانت ( 1 ) منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة ، ففزع منه سليمان عليه السلام فقال له :
من أنت ؟ قال : أنا الذي لا أقبل الرشاء ، ولا أهاب الملوك ، فقبضه وهو متكئ على عصاه
سنة ، والجن يعملون له ولا يعلمون بموته حتى بعث الله الارضة فأكلت منسأته ، فلما
خر على وجهه تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين . ( 2 )
كذا نزلت هذه الآية ، وذلك أن الانس كانوا يقولون : إن الجن يعلمون الغيب ، فلما
سقط سليمان عليه السلام على وجهه علم الانس أن لو علم الجن الغيب لم يعملوا سنة لسليمان
عليه السلام وهو ميت ويتوهمونه حيا ، قال : فالجن تشكر الارضة بما عملت بعصا
سليمان عليه السلام . ( 3 ) وذكر نحو ما مر إلى قوله : عبدالله ونبيه ، وفي بعض النسخ : ماهو
من عند الله ونبيه ، وفي بعضها : إنما هو .
5 ع : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن محمد بن نصير ، عن أحمد بن
محمد ، عن ابن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن البزنطي وفضالة ، عن أبان ، عن أبي بصير ،
عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الجن شكروا الارضة ماصنعت بعصا سليمان عليه السلام ، فما
تكاد تراها في مكان إلا وعندها ماء وطين . ( 4 )
6 ع : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن أورمة ، عن الحسن بن علي ،
عن علي بن عقبة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لقد شكرت الشياطين
الارضة حين أكلت عصا سليمان حتى سقط ، وقالوا : عليك الخراب وعلينا الماء والطين ،
. . ( هامش صفحة 139 ) ( 1 ) في المصدر : خانت بالخاء .
( 2 ) قد عرفت من الزمخشري أن هذه القراءة منسوبة إلى ابن مسعود .
( 3 ) تفسير القمي : 537 .
( 4 ) علل الشرائع : 36 .
[140]
فلا تكاد تراها في موضع إلا رأيت ماء وطينا . ( 1 )
7 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن
محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله تعالى
أوحى إلى سليمان عليه السلام : إن آية موتك أن شجرة تخرج في بيت المقدس ( 2 ) يقال لها
الخرنوبة ، قال : فنظر سليمان عليه السلام يوما إلى شجرة قد طلعت في بيت المقدس ، ( 3 ) فقال
لها سليمان عليه السلام : مااسمك ؟ قالت : الخرنوبة ، فولى مدبرا إلى محرابه حتى قام فيه
متكئا على عصاه فقبضه الله من ساعته ، ( 4 ) فجعلت الانس والجن يخدمونه ويسعون في
أمره كما كانوا من قبل وهم يظنون أنه حي حتى دبت الارضة في عصاه ( 5 ) فأكلت
منسأته فانكسرت ووقع سليمان عليه السلام إلى الارض . ( 6 )
كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب مثله ، وزاد في آخره : أفلاتسمع
لقوله عزوجل : " فلما خر تبينت الجن " الآية . ( 7 )
8 ك : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، ومحمد بن يحيى ، عن الاشعري ، عن محمد بن يوسف
التميمي ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عاش سليمان بن داود
سبعمائة سنة واثني عشر سنة . ( 8 )
. . ( هامش صفحة 140 ) ( 1 ) علل الشرائع : 36 .
( 2 ) في الكافي : من بيت المقدس . قلت : الخرنوب والخروب بضم الخاء وفتحها : شجرة
بريه شوك ذو حمل كالتفاح لكنه بشع ، وشاميه ذو حمل كالخيار شنبر الا انه عريض وله رب وسويق
قاله الفيروزآبادي .
( 3 ) في الكافي : فنظر سليمان عليه السلام يوما فاذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت
المقدس .
( 4 ) في الكافي : قال : فولى سليمان مدبرا إلى محرابه فقام فيه متكئا على عصاه فقبض روحه
من ساعته ، قال : فجعلت .
( 5 ) في الكافي : وهم يظنون أنه حي لم يمت يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتى دبت
الارضة من عصاه .
( 6 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 7 ) روضة الكافي : 144 ، وفيه : وخر سليمان على الارض .
( 8 ) اكمال الدين : 289
[141]
9 فس : أبي ، عن البزنطي ، عن عبدالله بن القاسم ، عن أبي خالد القماط ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قالت بنو إسرائيل لسليمان عليه السلام : استخلف علينا ابنك ، ( 1 ) فقال
لهم : إنه لا يصلح لذلك ، فألحوا عليه فقال : إني سائله عن مسائل فإن أحسن الجواب
فيها استخلفته ، ثم سأله فقال : يابني ماطعم الماء وطعم الخبز ؟ ومن أي شئ ضعف الصوت
وشدته ؟ وأين موضع العقل من البدن ؟ ومن أي شئ القساوة والرقة ؟ ومم تعب البدن
ودعته ؟ ومم تكسب البدن وحرمانه ؟ ( 2 ) فلم يجبه بشئ منها ، فقال أبوعبدالله عليه السلام :
طعم الماء الحياة ، وطعم الخبز القوة ، ( 3 ) وضعف الصوت وشدته من شحم الكليتين ،
وموضع العقل الدماغ ، ألا ترى أن الرجل إذا كان قليل العقل قيل له : ما أخف دماغه !
والقسوة والرقة من القلب وهو قوله : " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله " وتعب البدن و
دعته من القدمين اذا أتعبا في المشي ( 4 ) يتعب البدن وإذا أودعا أودع البدن ( 5 ) وكسب
البدن وحرمانه من اليدين إذا عمل بهما ردتا على البدن ، وإذا لم يعمل بهما لم تردا على
البدن شيئا . ( 6 )
تذنيب : قال الطبرسي رحمه الله : قيل : إن سليمان عليه السلام كان يعتكف في مسجد
بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل وأكثر ، يدخل فيه طعامه وشرابه
ويتعبد فيه ، فلما كان في المرة التي مات فيها لم يكن يصبح يوما إلا وتنبت شجرة كان
يسألها سليمان عليه السلام فتخبره عن اسمها ونفعها وضرها ، فرأى يوما نبتا فقال : ما اسمك ؟
قال : الخرنوب ، قال : لاي شئ أنت ؟ قال : للخراب ، فعلم أنه سيموت ، فقال : اللهم
أعم على الجن موتي ليعلم الانس أنهم لا يعلمون الغيب ، وكان قد بقي من بنائه سنة ، وقال
لاهله : لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بنائه . ودخل محرابه وقام متكئا على
. . ( هامش صفحة 141 ) ( 1 ) في المصدر : استخلفه .
( 2 ) في المصدر : ومم متعب البدن ودعته ؟ ومم مكسبة البدن وحرمانه .
( 3 ) ولعل المراد من الطعم هنا الفائدة والنفع ، أو أن الحياة والقوة لو كانتا مما يطعم لكان
طعمهما طعم الماء والخبز .
( 4 ) في المصدر : اذا تعبا . قلت : الدعة : الراحة .
( 5 ) في المصدر : واذا ودعا ودع البدن ، ومكسب البدن اه .
( 6 ) تفسير القمي : 568 .
[142]
عصاه فمات وبقي قائما سنة ، وتم البناء ، ثم سلط الله على منسأته الارضة حتى أكلتها
فخر ميتا ، فعرف الجن موته وكانوا يحسبونه حيا لما كانوا يشاهدون من طول قيامه قبل ذلك .
وقيل : إن في إماتته قائما وبقائه كذلك أغراضا : منها إتمام البناء ، ومنها أن
يعلم الانس أن الجن لايعلم الغيب وأنهم في ادعاء ذلك كاذبون ، ومنها : أن يعلم أن
من حضر أجله فلا يتأخر إذ لم يتأخر سليمان عليه السلام مع جلالته ، وروي أنه أطلعه الله
سبحانه على حضور وفاته فاغتسل وتحنط وتكفن والجن في عملهم ، وعن أبي عبدالله عليه السلام
قال : كان آصف يدبر أمره حتى دبت الارضة .
قال : وذكر أهل التاريخ أن عمر سليمان عليه السلام كان ثلاثا وخمسين ( 1 ) سنة مدة
ملكه منها أربعون سنة ، وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وابتدأ في بناء بيت المقدس بعد
أربع سنين مضين من ملكه . وقال رحمه الله : وأما الوجه في عمل الجن تلك الاعمال العظيمة
فهو أن الله تعالى زاد في أجسامهم وقوتهم وغير خلقهم عن خلق الجن الذين لايرون
للطافتهم ورقة أجسامهم على سبيل الاعجاز الدال على نبوة سليمان عليه السلام ، فكانوا بمنزلة
الاسراء في يده ، وكانوا تتهيأ لهم الاعمال التي كان يكلفها إياهم ، ثم لما مات عليه السلام
جعل الله خلقهم على ماكانوا عليه فلايتهيأ لهم في هذا الزمان شئ من ذلك . انتهى . ( 2 )
أقول : لااستبعاد في أن يكونوا مخلوقين خلقة يمكنهم التصور بصورة مرئية ولااستحالة
في أن يجعلهم الله مع لطافة أجسامهم قادرين على الاعمال الصعبة كالملك ، وسيأتي القول
فيهم في كتاب السماء والعالم ، وقد مضى في الباب الاول نقلا عن الاحتجاج لذلك وجه .
. . ( هامش صفحة 142 ) ( 1 ) وفي تاريخ اليعقوبي : فمات وله اثنان وخمسون سنة ، وكان له يوم ملك اثنتا عشرة سنة
وتقدم في الخبر السابع مايخالفه ولكنه مجهول ، وفي اثبات الوصية : ملك سبعمائة سنة وست عشرة سنة
وستة اشهر والله يعلم .
( 2 ) مجمع البيان 8 : 383 و 384 .
[143]
( باب 12 )
* ( قصة قوم سبأ وأهل الثرثار ) *
الايات ، سبأ " 34 " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من
رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم و
بدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل * ذلك جزيناهم
بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور * وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى
ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا
وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار
شكور 15 19 .
1 فس : " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال " قال : فإن
بحرا كان من اليمن وكان سليمان أمر جنوده أن يجروا لهم ( 1 ) خليجا من البحر العذب
إلى بلاد الهند ، ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من الصخر والكلس ( 2 ) حتى يفيض
على بلادهم ، وجعلوا للخليج مجاري ، وكانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر
مايحتاجون إليه ، وكانت لهم جنتان عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة أيام فيمن يمر ( 3 )
لاتقع عليه الشمس من التفافها ، فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون
فلم ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ وهي الفأرة الكبيرة ، فكانت تقلع الصخرة التي
لايستقلها الرجل ( 4 ) وترمي بها ، فلما رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد ، فما زال
الجرذ تقلع الحجر حتى خربوا ذلك السد فلم يشعروا حتى غشيهم السيل وخرب بلادهم
. . ( هامش صفحة 143 ) ( 1 ) في المصدر : أن يجروا له .
( 2 ) الكلس بالفارسية ( : ) ؟ آهك .
( 3 ) هكذا في النسخ ، ولعله مصحف ( فمن يمر ) وفي المصدر : فيما يمر ، وفي البرهان : فيها
تمر لايقع عليها الشمس .
( 4 ) في المصدر : تقتلع الصخرة التي لايستقلها الرجال .
[144]
وقلع أشجارهم وهو قوله : " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال " إلى
قوله : " سيل العرم " أي العظيم الشديد " فبدلناهم ( 1 ) بجنتيهم جنتين ذواتي أكل
خمط " وهو أم غيلان " وأثل " قال : هو نوع من الطرفاء ( 2 ) " وشئ من سدر قليل *
ذلك جزيناهم بما كفروا " إلى قوله : " باركنا فيها " قال : مكة " فقالوا ربنا باعد بين
أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث " إلى قوله : " شكور " . ( 3 )
2 سن : عن عبدالله بن المغيرة ، ( 4 ) عن عمرو بن شمر قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام
يقول : إني لالعق ( 5 ) أصابعي من المأدم حتى أخاف أن يرى خادمي أن ذلك من جشع ،
وليس ذلك كذلك ، إن قوما أفرغت عليهم النعمة وهم أهل الثرثار فعمدوا إلى مخ الحنطة
فجعلوه خبزا هجاء فجعلوا ينجون به صبيانهم حتى اجتمع من ذلك جبل ، قال : فمر
رجل صالح على امرأة وهي تفعل ذلك بصبي لها ، فقال : ويحكم اتقوا الله لاتغيروا
مابكم من نعمة ، ( 6 ) فقالت : كأنك تخوفنا بالجوع ؟ أما مادام ثرثارنا يجري فإنا لا
نخاف الجوع ، قال : فأسف الله ( 7 ) عزوجل وضعف لهم الثرثار وحبس عنهم قطر السماء
ونبت الارض ، قال : فاحتاجوا إلى ما في أيديهم فأكلوه ، ثم احتاجوا إلى ذلك الجبل ،
فإن كان ليقسم بينهم بالميزان . ( 8 )
أقول : قد أوردنا أخبارا كثيرة في ذلك في باب آداب الاستنجاء .
3 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سدير
قال : سأل رجل أبا جعفر عليه السلام ( 9 ) عن قول الله عزوجل : " فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا
. . ( هامش صفحة 144 ) ( 1 ) هكذا في النسخ والصحيح كما في المصحف الشريف والمصدر : وبدلناهم .
( 2 ) قيل : طرفاء بالفارسية : كز .
( 3 ) تفسير القمي : 537 و 538 .
( 4 ) في المصدر : عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة .
( 5 ) لعق العسل أو نحوه : لحسه وتناوله بلسانه أو اصبعه .
( 6 ) في المصدر : اتقوا الله ، لايغير مابكم من نعمة .
( 7 ) أي فعل فعل من يأسف ويغضب . وفي المصدر : وأضعف لهم الثرثار . أي صيره
ضعيفا .
( 8 ) محاس البرقي : 586 .
( 9 ) في الكافي في الاسناد الاتي : أبا عبدالله عليه السلام .
[145]
وظلموا أنفسهم " فقال : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض ، وأنهار
جارية ، وأموال ظاهرة ، فكفروا بأنعم الله ( 1 ) وغيروا ما بأنفسهم ، فأرسل الله عليهم سيل
العرم فغرق قراهم ، وأخرب ديارهم ، وذهب بأموالهم ، وأبدلهم مكان جناتهم جنتين
ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل ، ثم قال الله عزوجل : " ذلك جزيناهم
بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور " . ( 2 )
كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب مثله . ( 3 )
ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ،
عن ابن محبوب مثله . ( 4 )
قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " لقد كان لسبأ " المراد بسبأ ههنا القبيلة الذين
هم أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان " في مساكنهم " ( 5 ) أي في بلدهم " آية " أي حجة
على وحدانية الله عز اسمه وكمال قدرته ، وعلامة على سبوغ نعمه ، ثم فسر سبحانه
الآية فقال : " جنتان عن يمين وشمال " أي بستانان عن يمين من أتاهما وشماله ، وقيل :
عن يمين البلد وشماله ، وقيل : إنه لم يرد جنتين اثنتين ، والمراد : كانت ديارهم على وتيرة
واحدة ، إذ كانت البساتين عن يمينهم وشمالهم متصلة بعضها ببعض ، وكان من كثرة النعم
أن المرأة كانت تمشي والمكتل ( 6 ) على رأسها فيمتلئ بالفواكه من غير أن تمس بيدها
شيئا ، وقيل : الآية المذكورة هي أنه لم يكن في قريتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا
عقرب ولا حية ، وكان الغريب إذا دخل بلادهم وفي ثيابه قمل ودواب ماتت ، عن ابن زيد ،
. . ( هامش صفحة 145 ) ( 1 ) في الكافي في الاسناد الاتي : فكفروا نعم الله عزوجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 145 سطر 19 إلى صفحه 153 سطر 18

فغير الله ما بهم من نعمة ، وان الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ، فارسل الله اه . وفيه :
وخرب ديارهم وأذهب أموالهم .
( 2 ) روضة الكافي : 395 و 396 .
( 3 ) اصول الكافي 2 : 274 .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 5 ) هكذا في النسخ وهو تحريف ، والصحيح كما في المصدر : في مسكنهم .
( 6 ) المكتل : زنبيل من خوص .
[146]
وقيل : إن المراد بالآية خروج الازهار والثمار من الاشجار على اختلاف ألوانها وطعومها ،
وقيل : إنها كانت ثلاث عشرة قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله سبحانه يقولون
لهم : " كلوا من رزق ربكم واشكروا له " أي كلوا مما رزقكم الله في هذه الجنان و
اشكروا له يزدكم من نعمه واستغفروه يغفر لكم " بلدة طيبة " أي هذه بلدة مخصبة نزهة
أرضها عذبة ، تخرج النبات وليست بسبخة ، وليس فيها شي ء من الهوام الموذية ، وقيل :
أراد به صحة هوائها ، وعذوبة مائها ، وسلامة تربتها ، وأنه ليس فيها حر يؤذي في القيظ
ولا برد يؤذي في الشتاء " ورب غفور " أي كثير المغفرة للذنوب " فأعرضوا " عن الحق ولم
يشكروا الله سبحانه ولم يقبلوا ممن دعاهم إلى الله من أنبيائه " فأرسلنا عليهم سيل العرم "
وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ من أودية اليمن ، وكان هناك جبلان يجتمع ماء المطر
والسيول بينهما ، فسدوا مابين الجبلين فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة ،
فكانوا يسقون زروعهم وبساتينهم فلما كذبوا رسلهم وتركوا أمر الله بعث الله جرذا نقب ذلك
الردم وفاض الماء عليهم فأغرقهم ، عن وهب . ( 1 )
وقال البيضاوي : " سيل العرم " أي سيل الامر العرم ، أي الصعب ، من عرم الرجل
فهو عارم وعرم : إذا شرس خلقه وصعب ، أو المطر الشديد ، أو الجرذ ، أضاف إليه السيل
لانه نقب عليهم سكرا ( 2 ) ضربت لهم بلقيس فحقنت ( 3 ) به ماء الشجر ، وتركت فيه نقبا
على مقدار مايحتاجون إليه ، أو المسناة ( 4 ) التي عقدت سكرا على أنه جمع عرمة . وهي
الحجارة المركومة ، وقيل : اسم واد جاء السيل من قبله ، وكان ذلك بين عيسى عليه السلام و
محمد صلى الله عليه وآله .
" وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط " مر بشع ، ( 5 ) فإن الخمط
كل نبت أخذ طعما من مرارة ، وقيل : الاراك ، أو كل شجر لا شوك له " وأثل وشئ
. . ( هامش صفحة 146 ) ( 1 ) مجمع البيان 8 : 386 . وفيه : نقبت ذلك الردم . قلت : الردم : السد .
( 2 ) في نسخة : سدا . والسكر بالكسر فالسكون : السد .
( 3 ) أي حبست .
( 4 ) المسناة : ما يبني في وجه السيل .
( 5 ) في المصدر وفي نسخة : ثمر بشع . قلت : شئ بشع أي كريه الطعم يأخذ بالحلق .
[147]
من سدر قليل " والاثل : هو الطرفاء ولا ثمر له ، ووصف السدر بالقلة فإن جناه وهو
النبق مما يطيب أكله ، ولذلك يغرس في البساتين " ذلك جزيناهم بما كفروا " بكفرانهم
النعمة ، أو بكفرهم بالرسل ، إذ روي أنه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم " وهل
نجازي إلا الكفور " وهل نجازي بمثل مافعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر " وجعلنا
بينهم وبين القرى التي باركنا فيها " بالتوسعة على أهلها وهي قرى الشام " قرى ظاهرة "
متواصلة يظهر بعضها لبعض ، أو راكبة متن الطريق ، ظاهرة لابناء السبيل " وقدرنا فيها
السير " بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت الرائح في قرية إلى أن يبلغ الشام " سيروا
فيها " على إرادة القوم بلسان الحال أو المقال " ليالي وأياما " متى شئتم من ليل أو نهار
" آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا " أشروا النعمة وملوا العافية كبني إسرائيل ،
فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل
وتزود الازواد ، فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة " وظلموا أنفسهم " حيث بطروا
النعمة ولم يعتدوا بها " فجعلناهم أحاديث " يتحدث الناس بهم تعجبا ، وضرب مثل
فيقولون : تفرقوا أيدي سبأ " ومزقناهم كل ممزق " ففرقناهم غاية التفريق حتى لحق
غسان منهم بالشام ، وأنمار بيثرب ، وجذام بتهامة ، والازد بعمان . ( 1 )
وقال الطبرسي رحمه الله : روى الكلبي ، عن أبي صالح قال : ألقت طريفة الكاهنة
إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء ، وكانت قد رأت في كهانتها أن سد
مأرب سيخرب ، وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين ، فباع عمرو بن عامر أمواله و
سارهو وقومه حتى انتهوا إلى مكة فأقاموا بها وما حولها ، فأصابتهم الحمى وكانوا ببلد
لا يدرون فيه ماالحمى ، فدعوا طريفة وشكوا إليها الذي أصابهم ، فقالت لهم : قد أصابني
الذي تشتكون وهو مفرق بيننا ، قالوا : فماذا تأمرين ؟ قالت : من كان منكم ذا هم بعيد وجمل
شديد ومزاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد ، فكانت أزد عمان ، ثم قالت : من كان منكم ذا
جلد وقسر وصبر على أزمات الدهر ( 2 ) فعليه بالاراك من بطن مر ، فكانت خزاعة . ثم قالت :
. . ( هامش صفحة 147 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 287 288 .
( 2 ) الجلد : الشدة والقوة . والقسر : القهر والغلبة . وأزمات الدهر : شدائده وما يشد به
الانسان من المكاره .
[148]
من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل ( 1 ) فليلحق بيثرب ذات
النخل ، فكانت الاوس والخزرج . ثم قالت : من كان منكم يريد الخمر والخمير والملك
والتأمير وملابس التاج والحرير فليلحق ببصرى وعوير ، وهما من أرض الشام ، وكان
الذين سكنوها آل جفنة بن غسان . ثم قالت : من كان منكم يريد الثياب الرقاق و
الخيل العتاق وكنوز الارزاق والدم المهراق فليلحق بأرض العراق ، وكان الذين سكنوها
آل جزيمة الابرش ومن كان بالحيرة وآل محرق . ( 2 )
( باب 13 )
* ( قصة أصحاب الرس وحنظلة ) *
الايات ، الحج " 22 " فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على
عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد 45 .
الفرقان " 25 " وعادا وثمود وأصحاب الرس 38 .
ق " 50 " كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس 12 .
1 ع ، ن : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي ، عن الرضا ، عن آبائه
عن الحسين بن علي عليهم السلام قال : أتى علي بن أبي طالب عليه السلام قبل مقتله بثلاثة أيام
رجل من أشراف تميم يقال له عمرو ، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب الرس
في أي عصر كانوا ؟ وأين كانت منازلهم ؟ ومن كان ملكهم ؟ وهل بعث الله عزوجل
إليهم رسولا أم لا ؟ وبماذا أهلكوا ؟ فإني أجد في كتاب الله ذكرهم ولا أجد خبرهم .
فقال له علي عليه السلام : لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ولايحدثك به أحد
بعدي إلا عني ، وما في كتاب الله عزوجل آية إلا وأنا أعرف تفسيرها ، ( 3 ) وفي
أي مكان نزلت من سهل أو جبل ، وفي أي وقت نزلت من ليل أو نهار ، وإن ههنا لعلما
. . ( هامش صفحة 148 ) ( 1 ) المحل : الجدب . الجوع الشديد . كنى بها عن النخل .
( 2 ) مجمع البيان 8 : 387 .
( 3 ) في العيون : الا وأنا أعرفها وأعرف تفسيرها .
[149]
جما وأشار إلى صدره ولكن طلابه يسير ، وعن قليل يندمون لو فقدوني ، قال :
كان من قصتهم يا أخا تميم أنهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت ،
كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها روشاب ( 1 ) كانت أنبطت ( 2 ) لنوح عليه السلام
بعد الطوفان ، وإنما سموا أصحاب الرس لانهم رسوا نبيهم في الارض ، ( 3 ) وذلك
بعد سليمان بن داود عليه السلام ، ( 4 ) وكانت لهم اثنتا عشر قرية على شاطئ نهر يقال له :
الرس من بلاد المشرق ، وبهم سمي ذلك النهر ، ولم يكن يومئذ في الارض نهر أغزر
منه ، ولا أعذب منه ، ولا قرى أكثر ( 5 ) ولا أعمر منها تسمى إحداهن أبان ، والثانية
آذر ، والثالثة دي ، والرابعة بهمن ، والخامسة إسفندار ، والسادسة فروردين ، ( 6 ) و
السابعة أردي بهشت ، والثامنة خرداد ، ( 7 ) والتاسعة مرداد ، والعاشرة تير ، والحادي عشرة
مهر ، والثاني عشرة شهر يورد ، ( 8 ) وكانت أعظم مدائنهم إسفندار وهي التي ينزلها ملكهم ، و
كان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن سازن ( 9 ) بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم ، وبها
العين والصنوبرة ، ( 10 ) وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة ، وأجروا إليها
نهرا من العين التي عند الصنوبرة ، فنبتت الحبة وصارت شجرة عظيمة ، وحرموا ماء العين
والانهار فلا يشربون منها ولا أنعامهم ، ومن فعل ذلك قتلوه ويقولون : هو حياة آلهتنا ،
فلا ينبغي لاحد أن ينقص من حياتها ، ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه
. . ( هامش صفحة 149 ) ( 1 ) في نسخة : روشتاب . وفي العرائس : دوشان .
( 2 ) أنبط البئر : استخرج ماءها . وفي العلل والعرائس " نبعت " وفي النسخة المطبوعة " انبتت "
وهو وهم .
( 3 ) أي دسوهم فيها ووأدوهم .
( 4 ) في العرائس : وذلك قبل سليمان بن داود .
( 5 ) في العيون : ولا قرى أكبر منها ولا أعمر منها . وفي العرائس : ولا قرى أكثر سكانا و
عمرانا منها .
( 6 ) في العلل : بروردين .
( 7 ) في نسخة : والثامنة آذر ، وفي اخرى والعلل : آذار .
( 8 ) في كلا المصدرين : شهريور .
( 9 ) في العلل : بركوذ بن غابور بن فارش بن شارب . وفي العرائس : تركون بن عابور بن
نوش بن سارب .
( 10 ) في العرائس : وفيها العين التي يسقون منها الصنوبرة التي كانوا يعبدونها ، وقد غرسوا .
[150]
قراهم ، وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون
على الشجرة التي بها كلة ( 1 ) من حرير فيها من أنواع الصور ، ثم يأتون بشاء ( 2 ) وبقر
فيذبحونها قربانا للشجرة ، ويشعلون فيها النيران بالحطب ، فإذا سطع دخان تلك الذبائح
وقتارها ( 3 ) في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خروا للشجرة سجدا يبكون
ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم ، فكان الشيطان يجئ فيحرك أغصانها ويصيح من
ساقها صياح الصبي : أني قد رضيت عنكم عبادي ! فطيبوا نفسا ، وقروا عينا ، فيرفعون
رؤوسهم عند ذلك ، ويشربون الخمر ، ويضربون بالمعازف ، ( 4 ) ويأخذون الدستبند ،
فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون ، وإنما سمت العجم شهورها بأبان
ماه وآذر ماه وغيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد
شهر كذا ، وعيد شهر كذا ، حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى ( 5 ) اجتمع إليها صغيرهم
وكبيرهم ، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور ،
وجعلوا له اثني عشر بابا كل باب لاهل قرية منهم ، ويسجدون للصنوبرة خارجا من
السرادق ، ويقربون لها الذبائح أضعاف ماقربوا للشجرة التي في قراهم فيجئ إبليس
عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا ، ويتكلم من جوفها كلاما جهوريا ، و
يعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها ، فيرفعون رؤوسهم من السجود ،
وبهم من الفرح والنشاط ما لايفيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف ، ( 6 ) فيكونون
على ذلك اثني عشر يوما ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ، ثم ينصرفون ، فلما طال
. . ( هامش صفحة 150 ) ( 1 ) الكلة بالكسر : الستر الرقيق . غشاء رقيق يخاط كالبيت يتوقى به من البعوض ويعرف
( بالناموسية ) ويقال بالفارسية ( بشه بند ) وفي العرائس : يضربون على تلك الشجرة مظلة من حرير
فيها اصناف الصور .
( 2 ) جمع الشاة .
( 3 ) القتار بضم : الدخان من المطبوخ .
( 4 ) المعازف : آلات الطرب كالطنبور والعود .
( 5 ) في العيون : عيد شهر قريتهم العظمى .
( 6 ) في العرائس : ولا يتكلمون معه فيديمون الشرب والمعازف ويكونون .
[151]
كفرهم بالله عزوجل وعبادتهم غيره بعث الله عزوجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من
ولد يهودا بن يعقوب ، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عزوجل ومعرفة
ربوبيته ( 1 ) فلا يتبعونه ، فلما رأى شدة تماديهم في الغي والضلال وتركهم قبول ما
دعاهم إليه من الرشد والنجاح وحضر عيد قريتهم العظمى قال : يارب إن عبادك أبوا
إلا تكذيبي والكفر بك ، ( 2 ) وغدوا يعبدون شجرة لاتنفع ولاتضر ، فأيبس شجرهم أجمع ،
وأرهم قدرتك وسلطانك ، فأصبح القوم وقد يبس شجرهم كلها فهالهم ذلك وقطع بهم ،
وصاروا فرقتين : فرقة قالت : سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السماء
والارض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه ، وفرقة قالت : لا بل غضبت آلهتكم
حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها وبهاءها
لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه ، فأجمع رأيهم على قتله ، فاتخذوا أنابيب ( 3 ) طوالا
من رصاص واسعة الافواه ، ثم أرسلوها في قرار العين ( 4 ) إلى أعلى الماء ، واحدة فوق
الاخرى مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء ، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل
عميقة ، وأرسلوا فيها نبيهم ، ( 5 ) وألقموا فاها صخرة عظيمة ، ثم أخرجوا الانابيب من الماء
وقالوا : نرجو الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا رأت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها ، ويصدنا
عن عبادتها ، ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه ، فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان ، فبقوا
عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم ، وهو يقول : " سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة
كربي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي ، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي "
حتى مات ، فقال الله جل جلاله لجبرئيل : ياجبرئيل أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم
. . ( هامش صفحة 151 ) ( 1 ) في العرائس : ويعرفهم ربوبيته ، فلا يتبعونه ولا يسمعون مقالته ، فلما رأى شدة ما هم فيه
من الغي والضلالة .
( 2 ) في العرائس : يارب ان عبادك أبوا تصديقي ودعوتي اليهم ، وما ارادوا الا تكذيبي و
الكفر بك ، ثم غدوا .
( 3 ) انابيب جمع الانبوب : مابين العقدتين من القصب أو الرمح . ويستعار لكل اجوف مستدير
كالقصب ومنه انبوب الماء لقناته . والقناة : مايحفر في الارض ليجري فيه الماء .
( 4 ) في نسخة من العيون : في قرار الارض .
( 5 ) في العرائس : فرسوا فيها نبيهم .
[152]
حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من
سلطاني ؟ كيف وأنا المنتقم ممن عصاني ، ولم يخش عقابي ، وإني حلفت بعزتي
لاجعلنهم عبرة ونكالا للعالمين ، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك ( 1 ) إلا بريح عاصف شديدة
الحمرة فتحيروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض ، ثم صارت الارض من
تحتهم حجر كبريت يتوقد ، ( 2 ) وأظلتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب
فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار ، فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته ،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ( 3 )
بيان : روى الثعلبي في العرائس ( 4 ) هذه الرواية عن علي بن الحسين عليهما السلام
نحوا مما أوردنا .
قوله عليه السلام : ( وبهم سمي ذلك النهر ) أي سمي ذلك النهر الرس لفعلهم حيث
رسوا نبيهم فيه . قال الفيروز آبادي : الرس : البئر المطوية بالحجارة . وبثر كانت لبقية
من ثمود كذبوا نبيهم ورسوه في بئر . والحفر . والدس . ودفن الميت انتهى . قوله عليه السلام :
( وحرموا ماء العين ) يدل على أن العين التي كانت عند الصنوبرة غير الرس الذي كان
عليه قراهم . والكلة بالكسر : الستر الرقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البق . والقترة
بالفتح . الغبرة . والقتار بالضم : ريح البخور والقدر والشواء . والمعازف : الملاهي . قوله :
( ويأخذون الدستبند ) لعل المراد به مايسمى بالفارسية أيضا سنج ، ويحتمل أن يكون
المراد التزين بالاسورة . وكلام جهوري أي عال ، ويظهر منه أن الذين كانوا يتكلمون
في الاشجار الاخر كانوا غير إبليس من أعوانه . وفي القاموس : قطع بزيد كعني فهو
مقطوع به : عجز من سفره بأي سبب كان ، أو حيل بينه وبين ما يؤمله . والبربخ بالبائين
الموحدتين والخاء المعجمة : ما يعمل من الخزف للبئر ومجاري الماء .
2 فس : أصحاب الرس هم الذين هلكوا ، لانهم استغنوا الرجال بالرجال ،
. . ( هامش صفحة 152 ) ( 1 ) في العلل : فلم يدعهم وفي عيدهم ذلك . وفي العرائس : فبينماهم اذ غشيتهم ريح حمراء .
( 2 ) في العرائس : كحجر كبريت تتوقد .
( 3 ) عيون الاخبار : 114 116 علل الشرائع : 25 26 .
( 4 ) راجع العرائس : 87 88 .
[153]
والنساء بالنساء ، والرس : نهر بناحية آذربايجان . ( 1 )
3 مع : معنى أصحاب الرس أنهم نسبوا إلى نهر يقال له الرس من بلاد
المشرق ، وقد قيل : إن الرس هو البئر ، وإن أصحابه رسوا نبيهم بعد سليمان بن داود
عليه السلام وكانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت ، كان غرسها يافث بن
نوح ، فأنبتت ( 2 ) لنوح بعد الطوفان ، وكان نساؤهم يشتغلن بالنساء عن الرجال ، فعذبهم
الله عز وجل بريح عاصف شديدة الحمرة ، وجعل الارض من تحتهم حجر كبريت يتوقد
وأظلتهم سحابة سوداء مظلمة فانكفت عليهم كالقبة جمرة تلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب
الرصاص في النار . ( 3 )
4 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، وماجيلويه ، عن محمد بن أبي القاسم ،
عن محمد بن علي ، عن علي بن العباس ، عن جعفر بن محمد البلخي ، عن الحسن بن راشد ، عن
يعقوب بن إبراهيم قال : سأل رجل أبا الحسن موسى عليه السلام عن أصحاب الرس الذين
ذكرهم الله من هم وممن هم وأي قوم كانوا ؟ فقال : كانا رسين : أما أحدهما فليس الذي
ذكره الله في كتابه ، كان أهله أهل بدو وأصحاب شاة وغنم ، فبعث الله تعالى إليهم صالح
النبي عليه السلام رسولا فقتلوه ، وبعث إليهم رسولا آخر فقتلوه ، ثم بعث إليهم رسولا آخر و
عضده بولي فقتلوا الرسول ، وجاهد الولي حتى أفحمهم ، وكانوا يقولون : إلهنا في البحر
وكانوا على شفيره ، وكان لهم عيد في السنة ، يخرج حوت عظيم من البحر في تلك اليوم
فيسجدون له ، فقال ولي صالح لهم : لا أريد أن تجعلوني ربا ، ولكن هل تجيبوني إلى
مادعوتكم إن أطاعني ذلك الحوت ؟ فقالوا : نعم ، وأعطوه عهودا ومواثيق ، فخرج حوت


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 153 سطر 19 إلى صفحه 161 سطر 18

راكب على أربعة أحوات ، فلما نظروا إليه خروا سجدا ، فخرج ولي صالح النبي إليه
وقال له : ايتني طوعا أو كرها بسم الله الكريم ، فنزل عن أحواته ، فقال الولي : ايتني
عليهن لئلا يكون من القوم في أمري شك ، فأتى الحوت إلى البر يجرها وتجره إلى عند ولي
صالح ، فكذبوه بعد ذلك ، فأرسل الله إليهم ريحا فقذفتهم في اليم أي البحر ومواشيهم ،
. . ( هامش صفحة 153 ) ( 1 ) تفسير القمي : 643 .
( 2 ) في نسخة : فانبطت . وقد تقدم معناه .
( 3 ) معاني الاخبار : 19 .
[154]
فأتى الوحي إلى ولي صالح بموضع ذلك البئر وفيها الذهب والفضة ، فانطلق فأخذه
ففضه ( 1 ) على أصحابه بالسوية على الصغير والكبير .
وأما الذين ذكرهم الله في كتابه فهم قوم كان لهم نهر يدعى الرس ، وكان فيهم أنبياء
كثيرة ، فسأله رجل : وأين الرس ؟ فقال : هو نهر بمنقطع آذربيجان ، وهو بين حد
ارمينية ( 2 ) وآذربيجان ، وكانوا يعبدون الصلبان ، ( 3 ) فبعث الله إليهم ثلاثين نبيا في مشهد
واحد فقتلوهم جميعا ، فبعث الله إليهم نبيا وبعث معه وليا فجاهدهم ، وبعث الله ميكائيل في
أوان وقوع الحب والزرع ، فأنضب ماءهم ( 4 ) فلم يدع عينا ولا نهرا ولا ماء لهم إلا أيبسه
وأمر ملك الموت فأمات مواشيهم ، وأمر الله الارض فابتلعت ما كان لهم من تبرأ وفضة أو آنية
فهو لقائمنا عليه السلام إذا قام ، فماتوا كلهم جوعا وعطشا ، فلم يبق منهم باقية ، وبقي منهم
قوم مخلصون فدعوا الله أن ينجيهم بزرع وماشية وماء ، ويجعله قليلا لئلا يطغوا ، فأجابهم
الله إلى ذلك لما علم من صدق نياتهم ، ثم عاد القوم إلى منازلهم فوجدوها قد صارت
أعلاها أسفلها ، وأطلق الله لهم نهرهم ، وزادهم فيه عليه ما سألوا ، فقاموا على الظاهر و
الباطن في طاعة الله حتى مضى أولئك القوم وحدث بعد ذلك نسل أطاعوا الله في الظاهر و
نافقوه في الباطن ، وعصوا بأشياء شتى فبعث الله من أسرع فيهم القتل ، فبقيت شرذمة منهم
فسلط الله عليهم الطاعون فلم يبق منهم أحدا ، وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لايسكنها
أحد ، ثم أتى الله تعالى بقوم بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين ، ثم أحدث قوم منهم فاحشة
واشتغل الرجال بالرجال والنساء بالنساء فسلط الله عليهم صاعقة فلم يبق منهم باقية . ( 5 )
بيان : قوله : ( بموضع ذلك البئر ) يظهر منه أنهم كانوا دفنوا أموالهم في بئر و
سيظهر مما سننقل من رواية الثعلبي أن فيه تصحيفا .
. . ( هامش صفحة 154 ) ( 1 ) اي ففرقه .
( 2 ) بكسر اوله وبفتح ، وتخفيف الياء الاخيرة وقد يشدد : اسم لصقع عظيم واسع في جهة
شمال ايران .
( 3 ) هكذا في النسخ ، وهو جمع الصليب . وفي العرائس كما يأتي بعد ذلك : يعبدون النيران .
( 4 ) هكذا في النسخ ، وفي العرائس كما يأتي " فانصب " راجعه .
( 5 ) قصص الانبياء مخطوط .
[155]
5 ثو : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي
عبدالله عليه السلام قال : دخلت عليه نسوة فسألته امرأة عن السحق ، فقال : حدها حد الزاني ،
فقالت امرأة : ماذكر الله عزوجل ذلك في القرآن ؟ قال : بلى ، قالت : وأين هو ؟ قال :
هو أصحاب الرس . ( 1 )
6 كا : أبوعلي الاشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عبيس بن هشام ،
عن حسين بن أحمد المنقري ، عن هشام الصيدلاني ( 2 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سأله
رجل عن هذه الآية : " كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس " فقال بيده هكذا ، فمسح
إحداهما بالاخرى ، فقال : هن اللواتي باللواتي ، يعني النساء بالنساء . ( 3 )
قال الثعلبي في العرائس : قال الله عزوجل : " وعادا وثمود وأصحاب الرس " و
قال : " كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس " .
اختلف أهل التفسير وأصحاب الاقاصيص فيهم ، فقال سعيد بن جبير والكلبي و
الخليل بن أحمد دخل كلام بعضهم في بعض ، وكل أخبر بطائفة من حديث : أصحاب
الرس ( 4 ) بقية ثمود قوم صالح عليه السلام وهم أصحاب البئر التي ذكرها الله تعالى في قوله :
" وبئر معطلة وقصر مشيد " وكانوا بفليح اليمامة ( 5 ) نزولا على تلك البئر وكل ركية لم
. . ( هامش صفحة 155 ) ( 1 ) ثواب الاعمال : 259 .
( 2 ) في نسخة : الصيدناني .
( 3 ) فروع الكافي 2 : 73 .
( 4 ) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في المصدر : وكل أخبر بطائفة من حديث أصحاب الرس ان
أصحاب الرس اه .
( 5 ) في نسخة : بفليج اليمامة . وفي المصدر : بفلج اليمامة قال ياقوت في معجم البلدان : الرس :
في القرآن بئر ، يروى انهم كذبوا نبيهم ورسوه في البئر اي دسوه فيها ، ويروى أن الرس قرية
باليمامة يقال لها فلج ، وروى أن الرس ديار لطائفة من ثمود ، وقيل : إنه وادي آذربيجان
وحد آذربيجان ماوراء الرس ، وكان بأران على الرس ألف مدينة فبعث الله اليهم نبيا يقال له
موسى ، وليس بموسى بن عمران فدعاهم إلى الله فكذبوه ، ومخرج الرس من قاليقلاء ويمر بأران
ثم يمر بورثان ثم يمر بالمجمع فيجتمع هو والكر ، وبينهما مدينة البيلقان ، ويمر الكر والرس
جميعا فيصبان في بحر جرجان ، والرس هذا واد عجيب فيه من السمك اصناف كثيرة وفيه سمك يقال
له شورماهي ، لا يكون الا فيه ، ونهر الرس يخرج إلى صحراء البلاسجان وهي إلى شاطئ البحر
في الطول من برزند إلى برذعة ، وفي هذه الصحراء خمسة آلاف قرية وأكثرها خراب ، الا أن
حيطانها وابنيتها باقية لم تتغير لجودة التربة وصحتها ، ويقال : ان تلك القرى كانت لاصحاب الرس
ويقال : انهم رهط جالوت قتلهم داود وسليمان عليهما السلام .
[156]
تطو بالحجارة والآجر فهو رس ، وكان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان ، وكان
بأرضهم جبل يقال له فتح ، مصعدا في السماء ميلا ، وكانت العنقاء ينتابه ( 1 ) وهي
كأعظم مايكون من الطير ، وفيها من كل لون ، وسموها العنقاء لطول عنقها ، وكانت
تكون في ذلك الجبل تنقض على الطير تأكلها ، فجاعت ذات يوم فأعوزها الطير ( 2 ) فانقضت
على صبي فذهبت به ، ثم إنها انقضت على جارية حين ترعرعت فأخذتها فضمتها إلى
جناحين لها صغيرين سوى الجناحين الكبيرين ، فشكوا إلى نبيهم ، فقال : اللهم خذها
واقطع نسلها وسلط عليها آية تذهب بها ، فأصابتها صاعقة فاحترقت فلم ير لها أثر فضربتها
العرب ( 3 ) مثلا في أشعارها وحكمها وأمثالها ، ثم إن أصحاب الرس قتلوا نبيهم فأهلكهم
الله تعالى .
وقال بعض العلماء : بلغني أنه كان رسان : أما أحدهما فكان أهله أهل بدو و
أصحاب غنم ومواش فبعث الله إليهم نبيا فقتلوه ، ثم ( 4 ) بعث إليهم رسولا آخر وعضده
بولي فقتلوا الرسول ، وجاهدهم الولي حتى أفحمهم ، وكانوا يقولون : إلهنا في البحر ،
وكانوا على شفيره ، وكان يخرج إليهم من البحر شيطان في كل شهر خرجة فيذبحون عنده
ويتخذونه عيدا ، فقال لهم الولي : أرأيتم إن خرج إلهكم الذين تدعونه وتعبدونه إلي
وأطاعني أتجيبونني إلى مادعوتكم إليه ؟ فقالوا : بلى ، وأعطوه على ذلك العهود والمواثيق ،
فانتظر حتى خرج ذلك الشيطان على صورة حوت راكبا أربعة أحوات ، وله عنق مستعلية ،
وعلى رأسه مثل التاج ، فلما نظروا إليه خروا له سجدا ، وخرج الولي إليه ، فقال :
ايتني طوعا أو كرها ، بسم الله الكريم ، فنزل عند ذلك عن أحواته ، فقال له الولي : ايتني
عليهن لئلا يكون من القوم في أمري شك ، فأتى الحوت وأتين به حتى أفيضن به إلى البر
يجرونه ، فكذبوه بعد مارأوا ذلك ، ونقضوا العهد ، فأرسل الله تعالى عليهم ريحا فقذفتهم
في البحر ومواشيهم جميعا وما كانوا يملكون من ذهب وفضة ، فأتى الولي الصالح إلى
. . ( هامش صفحة 156 ) ( 1 ) انتابه : أتاه بعد اخرى . قصد اليه . وفي المصدر : تبيت به .
( 2 ) اي اعجزه وصعب عليه نيله .
( 3 ) في المصدر : فلم ير لها أثر بعد ذلك فضربت بها العرب مثلا .
( 4 ) قد سقط عن المصدر من هنا إلى قوله : واما الاخر .
[157]
البحر حتى أخذ التبر والفضة والاواني فقسمها على أصحابه بالسوية على الصغير منهم
والكبير ، وانقطع هذا النسل .
وأما الآخر فهم قوم كان لهم نهر يدعى الرس ينسبون إليه ، وكان فيهم أنبياء
كثيرة ، قل يوم يقوم نبي إلا قتل ، ( 1 ) وذلك النهر بمنقطع آذربيجان بينها وبين
ارمينية فإذا قطعته مدبرا دخلت في حد ارمينية ، وإذا قطعته مقبلا دخلت في حد آذربيجان ،
يعبدون النيران ، ( 2 ) وهم كانوا يعبدون الجواري العذاري ، فإذا تمت لاحداهن
ثلاثين ( 3 ) سنة قتلوها واستبدلوا غيرها ، وكان عرض نهرهم ثلاثة فراسخ ، وكان يرتفع
في كل يوم وليلة حتى يبلغ أنصاف الجبال التي حوله ، وكان لاينصب في بر ولا بحر ،
إذا خرج من حدهم يقف ويدور ، ثم يرجع إليهم ، فبعث الله تعالى إليهم ثلاثين نبيا في
شهر واحد فقتلوهم جميعا ، فبعث الله عزوجل إليهم نبيا وأيده بنصره وبعث معه وليا
فجاهدهم في الله حق جهاده ، فبعث الله تعالى إليه ميكائيل حين نابذوه وكان ذلك في أوان
وقوع الحب في الزرع ، ( 4 ) وكان إذ ذاك أحوج ما كانوا من الماء ، ففجر نهرهم في البحر
فانصب ما في أسفله ، وأتى عيونه ( 5 ) من فوق فسدها ، وبعث إليه خمسمائة ألف من
الملائكة أعوانا له ففرقوا مابقي في وسط النهر ، ( 6 ) ثم أمر الله تعالى جبرائيل فنزل فلم يدع
في أرضهم عينا ولانهرا إلا أيبسه بإذن الله عزوجل ، وأمر ملك الموت فانطلق إلى المواشي
فأماتهم ربضة واحدة ، ( 7 ) وأمر الرياح الاربع : الجنوب ، والشمال ، والدبور ، والصباء ،
. . ( هامش صفحة 157 ) ( 1 ) هكذا في النسخ وهو لايخلو عن تصحيف ، والصواب ما في المصدر : لا يقوم فيهم نبي
الا قتلوه .
( 2 ) في المصدر : وكان من حولهم من أهل ارمينية يعبدون الاوثان ، ومن قدامهم من اهل
آذربيجان يعبدون النيران ، وهم كانوا يعبدون الجواري العذارى .
( 3 ) هكذا في النسخ وهو مصحف ثلاثون راجع المصدر .
( 4 ) في المصدر : الارض مكان الزرع . وفيه : وكانوا عند ذلك احوج ما يكونون إلى الماء
فحفر نهرهم .
( 5 ) في المصدر : وأتى إلى عيونه .
( 6 ) في المصدر : خمسمائة من الملائكة أعوانا له فغرقوا ما بقى في وسط نهرهم .
( 7 ) الربضة بكسر الاول وسكون الثاني : مقتل كل قوم قتلوا في موقعة واحدة . وفي المصدر :
فأماتها دفعة واحدة . وفيه : الارياح الاربع وكذا فيما يأتي .
[158]
فضمت ماكان لهم من متاع ، وألقى الله عزوجل عليهم السبات ، ( 1 ) ثم حفت الرياح ( 2 )
الاربع المتاع أجمع فهبته ( 3 ) في رؤوس الجبال وبطون الاودية ، فأما ماكان من حلي
أو تبر أو آنية فإن الله تعالى أمر الارض فابتلعته فأصبحوا ولا شاة عندهم ولا بقرة ، ولا مال
يعودون إليه ، ولا ماء يشربونه ، ولا طعام يأكلونه ، فآمن بالله تعالى عند ذلك قليل منهم ،
وهداهم إلى غار في جبل له طريق إلى خلفه فنجوا ، وكانوا أحدا وعشرين رجلا وأربع
نسوة وصبيين ، وكان عدة الباقين من الرجال والنساء والذراري ستمائة ألف فماتوا عطشا
وجوعا ، ولم يبق منهم باقية ، ثم عاد القوم إلى منازلهم فوجدوها قد صار أعلاها أسفلها ،
فدعا القوم عند ذلك مخلصين أن يجيئهم بزرع وماء وماشية ويجعله قليلا لئلا يطغوا ،
فأحابهم الله تعالى إلى ذلك لما علم من صدق نياتهم وعلم منهم الصدق ، ( 4 ) وآلوا أن لايبعث
رسولا ممن قاربهم إلا أعانوه وعضدوه ، وعلم الله تعالى منهم الصدق فأطلق الله لهم نهرهم
وزادهم على ماسألوا ، فأقام أولئك في طاعة الله ظاهرا وباطنا حتى مضوا وانقرضوا ، وحدث
بعدهم من نسلهم قوم أطاعوا الله في الظاهر ونافقوه في الباطن ، فأملى الله تعالى لهم ، وكان
عليهم قادرا ، ثم كثرت معاصيهم وخالفوا أولياء الله تعالى فبعث الله عزوجل عدوهم ممن
فارقهم وخالفهم فأسرع فيهم القتل ، وبقيت منهم شرذمة فسلط الله عليهم الطاعون فلم يبق
منهم أحدا ، وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد ، ثم أتى الله بقرن ( 5 ) بعد
ذلك فنزلوها وكانوا صالحين سنين ، ثم أحدثوا فاحشة جعل الرجل يدعو بنته وأخته و
زوجته فينيلها ( 6 ) جاره وأخاه وصديقه يلتمس بذلك البر والصلة ، ثم ارتفعوا من ذلك
إلى نوع آخر : ترك الرجال النساء حتى شبقن واستغنوا بالرجال ، ( 7 ) فجاءت النساء
. . ( هامش صفحة 158 ) ( 1 ) السبات بالضم : النوم أو أوله .
( 2 ) في نسخة : ثم جمعت الرياح .
( 3 ) في نسخه : فبثته ، وفي المصدر : فرمته .
( 4 ) المصدر خلى عن قوله . وعلم منهم الصدق . قوله : آلوا اي حلفوا . وفي المصدر : و
قالوا : انه لايبعث الله رسولا الا ما يليهم ويقاربهم الا أعانوه وصدقوه وعضدوه .
( 5 ) القرن : أهل زمان واحد . وفي المصدر : ثم أتى الله بقوم بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين
فاقاموا فيها ستين سنة .
( 6 ) في المصدر : فيبيت معها .
( 7 ) في المصدر : واستغنى الرجال بالرجال .
[159]
شيطانهن في صورة امرأة وهي الدلهاث ( 1 ) بنت إبليس وهي أخت الشيصار كانتا في بيضة
واحدة فشبهت إلى النساء ( 2 ) ركوب بعضهن بعضا وعلمتهن كيف يصنعن ، فأصل ركوب
النساء بعضهن بعضا من الدلهاث ، فسلط الله على ذلك القرن ( 3 ) صاعقة في أول الليل ،
وخسفا في آخر الليل ، وصيحة مع الشمس ، فلم يبق منهم باقية ، وبادت مساكنهم ، ولا
أحسب منازلهم اليوم تسكن . انتهى ( 4 )
أقول : إنما أوردنا تلك الرواية بطولها لكونها كالشرح لروايتي يعقوب وهشام
بل لايبعد أن يكون من قوله : ( قال بعض العلماء ) إلى آخره رواية يعقوب بعينها ، إذ كثيرا
ماينقل الثعلبي روايات الشيعة في كتابه هكذا ، والراوندي رحمه الله دأبه الاختصار في
الاخبار ، فكثيرا ماوجدناه ترك من خبر رواه عن الصدوق رحمه الله أكثر من ثلاثة أرباعه ،
وإنما أوردنا قصة أصحاب الرس في هذا الموضع لما ورد في الخبر أنهم كانوا بعد سليمان
عليه السلام ومنهم من ذكرها قبل قصص إبراهيم عليه السلام بناء على أنهم من بقية قوم ثمود
والصدوق أوردهم بعد قصص إبراهيم وقبل يعقوب عليهما السلام ، وقد ذكرهم الله في سورة
الفرقان بعد ثمود ، وفي سورة ق قبلهم .
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " وأصحاب الرس " هو بئر رسوا فيها نبيهم
أي ألقوه فيها ، عن عكرمة ، وقيل : إنهم كانوا أصحاب مواش ولهم بئر يقعدون عليها ،
وكانوا يعبدون الاصنام ، فبعث الله إليهم شعيبا فكذبوه فانهار البئر ( 5 ) وانخسف بهم
الارض فهلكوا ، عن وهب ، وقيل : الرس : قرية باليمامة يقال لها : فلح ، قتلوا نبيهم
فأهلكهم الله ، عن قتادة ، وقيل : كان لهم نبي يسمى حنظلة فقتلوه فأهلكوا ، عن سعيد بن جبير
والكلبي ، وقيل : هم أصحاب الرس والرس : بئر بأنطاكية ، قتلوا فيها حبيبا النجار
. . ( هامش صفحة 159 ) ( 1 ) في المصدر : الدلهان بالنون وكذا فيما يأتي .
( 2 ) " " : فشبهت للنساء .
( 3 ) " " : على هؤلاء القوم .
( 4 ) العرائس : 86 87 وفيه : مسكونة مكان تسكن .
( 5 ) انهار البناء : انهدم وسقط .
[160]
فنسبوا إليها ، عن كعب ومقاتل ، وقيل : أصحاب الرس كان نساؤهم سحاقات ، عن أبي عبدالله
عليه السلام . ( 1 )
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " وبئر معطلة " : قال الضحاك : هذه البئر كانت
بحضرموت في بلدة يقال لها حاضوراء ، نزل بها أربعة آلاف ممن آمن بصالح ومعهم
صالح ، فلما حضروا مات صالح ، فسمي المكان حضرموت ، ثم إنهم كثروا فكفروا و
عبدوا الاصنام فبعث الله إليهم نبيا يقال له حنظلة فقتلوه في السوق فأهلكهم الله فماتوا
عن آخرهم ، وعطلت بئرهم ، وخرب قصر ملكهم . ( 2 )
7 كنز الفوائد للكراجكي : روي عن ابن عباس في حديث ذكر فيه إتيان
رجل جهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإسلامه على يده وأنهم تحدثوا يوما في ذكر القبور و
الجهني حاضر فحدثهم أن جهينة بن العوسان ( 3 ) أخبره عن أشياخه أن سنة ( 4 )
نزلت بهم حتى أكلوا ذخائرهم ، فخرجوا من شدة الازل ( 5 ) وهم جماعة في طلب النبات
فجنهم الليل فآووا إلى مغارة : وكانت البلاد مسبعة وهم لا يعلمون ، قال : فحدثني
رجل منهم يقال له مالك ، قال : رأينا في الغار أشبالا ( 6 ) فخرجنا هاربين حتى دخلنا وهدة
من وهاد الارض ( 7 ) بعد ما تباعدنا من ذلك الموضع ، فأصبنا على باب الوهدة حجرا مطبقا
فتعاونا عليه حتى قلبناه فإذا رجل قاعد عليه جبة صوف ، وفي يده خاتم عليه مكتوب : أنا
حنظلة بن صفوان رسول الله ، وعند رأسه كتاب في صحيفة نحاس فيه : بعثني الله إلى حمير و
همدان والعزيز من أهل اليمن بشيرا ونذيرا ، فكذبوني وقتلوني . فأعادوا الصخرة على
ماكانت عليه في موضعها . ( 8 )
. . ( هامش صفحة 160 ) ( 1 ) مجمع البيان 7 : 170 .
( 2 ) " " 7 : 89 .
( 3 ) في المصدر : القوسان .
( 4 ) السنة : القحط والجدب .
( 5 ) الازل : الضيق والشدة .
( 6 ) الاشبال جمع الشبل : ولد الاسد اذا ادرك الصيد .
( 7 ) الوهدة : الارض المنخفضة . الهوة في الارض .
( 8 ) كنز الكراجكي : 179 .
[161]
( باب 14 )
* ( قصة شعيا وحيقوق عليهما السلام ( 1 ) *
1 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن جابر ، عن الباقر عليه السلام قال : قال
علي عليه السلام : أوحى الله تعالى جلت قدرته إلى شعيا عليه السلام إني مهلك من قومك مائة ألف
أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم ، فقال عليه السلام : هؤلاء الاشرار فما بال
الاخبار ؟ فقال : داهنوا أهل المعاصي فلم يغضبوا لغضبي . ( 2 )
2 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن وهب بن منبه قال : كان في بني إسرائيل
ملك ( 3 ) في زمان شعيا وهم متابعون مطيعون لله ، ثم إنهم ابتدعوا البدع فأتاهم ملك
بابل ( 4 ) وكان نبيهم يخبرهم بغضب الله عليهم ، فلما نظروا إلى مالا قبل لهم من الجنود
تابوا وتضرعوا ، فأوحى الله تعالى إلى شعيا إني قبلت توبتهم لصلاح آبائهم ، وملكهم
كان قرحة بساقه وكان عبدا صالحا ، فأوحى الله تعالى إلى شعيا عليه السلام أن مر
ملك بني إسرائيل فليوص وصيته وليستخلف على بني إسرائيل من أهل بيته ، فإني
قابضه يوم كذا ، فليعهد عهده ، فأخبره شعيا عليه السلام برسالته تعالى عز وعلا ، فلما قال له
ذلك أقبل على التضرع والدعاء والبكاء ، فقال : اللهم ابتدأتني بالخير من أول يوم ، و
. . ( هامش صفحة 161 ) قال الثعلبي : هو شعيا بن أمضيا كان قبل مبعث زكريا ويحيى ، وهو الذي بشر بيت المقدس
حين شكا اليه الخراب ، فقال : ابشر فانه يأتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير . قلت :
الظاهر هو أشعياء المذكور في التوراة ، قيل : كان هو ابن آموص ، وآموص أخو امصيا ملك
اليهود ، كان في 700 سنة قبل تولد المسيح عليه السلام . وأما حيقوق فهو حبقوق بالباء المذكور


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 161 سطر 19 إلى صفحه 169 سطر 18

في التوراة قيل : كان في 600 سنة قبل المسيح .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 3 ) قال الثعلبي : كان يدعى صديقة . قلت : لعله صدقيا المذكور في التوراة .
( 4 ) قال الثعلبي : هو سنجاريب ملك بابل . قلت : لعله سنخاريب بالخاء المذكور في
التوراة .
[162]
سببته لي ، وأنت فيما أستقبل رجائي وثقتي ، فلك الحمد بلا عمل صالح سلف مني ، و
أنت أعلم مني بنفسي ، أسألك أن تؤخر عني الموت ، وتنسئ ( 1 ) لي في عمري ، وتستعملني
بما تحب وترضى ، فأوحى الله تعالى إلى شعيا إني رحمت تضرعه ، واستجبت دعوته ، و
قد زدت في عمره خمس عشرة سنة ، فمره فليداو قرحته بماء التين فإني قد جعلته شفاء
مما هو فيه ، وإني قد كفيته وبني إسرائيل مؤونة عدوهم ، فلما أصبحوا وجدوا جنود
ملك بابل مصروعين في عسكرهم موتى ، لم يفلت منهم أحد إلا ملكهم وخمسة نفر ( 2 )
فلما نظروا إلى أصحابهم وما أصابهم كروا منهزمين إلى أرض بابل ، وثبت بنو إسرائيل
متوازرين على الخير ، فلما مات ملكهم ابتدعوا البدع ، ودع كل إلى نفسه ، وشعيا عليه السلام
يأمرهم وينهاهم فلا يقبلون حتى أهلكهم الله .
وعن أنس أن عبدالله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وآله عن شعيا عليه السلام فقال : هو الذي
بشر بي وبأخي عيسى بن مريم عليه السلام . ( 3 )
أقول : قال صاحب الكامل بعد أن ذكر نحوا مما رواه وهب : قيل : إن شعيا أوحى الله
إليه ليقوم في بني إسرائيل يذكرهم بما يوحى على لسانه لما كثرت فيهم الاحداث ،
ففعل فعدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخلها ، وأخذ الشيطان
يهدب ثوبه وأراه بني إسرائيل فوضعوا المنشار على الشجرة فنشروها حتى قطعوه في
وسطها . ( 4 )
أقول : سيأتي بعض أحواله في باب قصص بخت نصر .
3 ج ، ن ، يد : عن الحسن بن محمد النوفلي ، عن الرضا عليه السلام فيما احتج على أرباب
الملل قال عليه السلام للجاثليق : يانصراني كيف علمك بكتاب شعيا ؟ قال : أعرفه حرفا حرفا ،
فقال له ولرأس الجالوت : أتعرفان هذا من كلامه : " ياقوم إني رأيت صورة راكب الحمار
. . ( هامش صفحة 162 ) ( 1 ) اي تؤخر .
( 2 ) قال الثعلبي : وكان احدهم بخت نصر .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 4 ) الكامل 1 : 87 88 .
[163]
لابسا جلابيب النور ، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر " ؟ فقالا : قد قال ذلك شعيا .
ثم قال عليه السلام : وقال شعيا النبي فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة : " رأيت راكبين
أضاء لهما الارض أحدهما على حمار والآخر على جمل " فمن راكب الحمار ؟ ومن راكب
الجمل ؟ قال رأس الجالوت : لا أعرفهما ، فخبرني بهما ، قال : أما راكب الحمار فعيسى
وأما راكب الجمل فمحمد صلى الله عليه وآله ، أتنكر هذا من التوراة ؟ قال : لا ما أنكره .
ثم قال الرضا عليه السلام : هل تعرف حيقوق النبي عليه السلام ؟ قال : نعم إني به لعارف ،
قال : فإنه قال وكتابكم ينطق به : " جاء الله بالبيان من جبل فاران ، وامتلات السماوات
من تسبيح أحمد وأمته ، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر ، يأتينا بكتاب جديد
بعد خراب بيت المقدس " يعني بالكتاب القرآن ، أتعرف هذا وتؤمن به ؟ قال رأس الجالوت
قد قال ذلك حيقوق النبي ولا ننكر قوله . ( 1 )
( باب 15 )
* ( قصص زكريا ويحيى عليهما السلام ) *
الايات ، آل عمران " 3 " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك
ذرية طيبة إنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله
يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين * قال رب
أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل مايشاء * قال
رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا
وسبح بالعشي والابكار 38 41 .
مريم " 19 " كهيعص * ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداء خفيا *
قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا * وإني
. . ( هامش صفحة 163 ) ( 1 ) عيون الاخبار : 91 و 93 ، احتجاج الطبرسي : 229 و 230 و 231 ، توحيد الصدوق :
437 ، و 441 ، و 442 والحديث طويل تقدم بتمامه في كتاب الاحتجاجات . راجع 10 :
( 299 318 . )
[164]
خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من
آل يعقوب واجعله رب رضيا * يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له
من قبل سميا * قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر
عتيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال
رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا * فخرج على قومه من
المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا * يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم
صبيا * وحنانا من لدنا وزكوة وكان تقيا * وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا * وسلام
عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا 1 15 .
الانبياء " 21 " وزكريا إذ نادى ربه رب لاتذرني فردا وأنت خير الوارثين *
فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا
رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين 89 و 90 .
1 فس : " وأصلحنا له زوجه " قال : كانت لاتحيض فحاضت . ( 1 )
2 ن : ماجيلويه ، عن علي ، عن أبيه ، عن الريان بن شبيب قال : دخلت على
الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرم ، فقال : ياابن شبيب أصائم أنت ؟ فقلت : لا ، فقال : إن
هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام ربه فقال : " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة
إنك سميع الدعاء " فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب
" إن الله يبشرك بيحيى " فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عزوجل استجاب الله له كما استجاب
لزكريا عليه السلام . ( 2 )
3 كا : علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سعيد المكاري
عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : ما عنى الله تعالى بقوله في يحيى : " وحنانا
من لدنا وزكوة " ؟ قال : تخنن الله ، قال : قلت : فما بلغ من تخنن الله عليه ؟ قال : كان إذا
قال : يارب قال الله عزوجل له : لبيك يايحيى . ( 3 )
. . ( هامش صفحة 164 ) ( 1 ) تفسير القمي : 433 .
( 2 ) عيون الاخبار : 165 166 .
( 3 ) اصول الكافي : 2 : 534 535 .
[165]
4 لى : القطان ، عن محمد بن سعيد بن أبي شحمة ، عن عبدالله بن سعيد بن هاشم
القناني ، ( 1 ) عن أحمد بن صالح ، عن حسان بن عبدالله الواسطي ، عن عبدالله بن لهيعة ، عن
أبي قبيل ، عن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كان من زهد يحيى بن زكريا عليه السلام
أنه أتى بيت المقدس فنظر إلى المجتهدين من الاحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر ، و
برانس الصوف ، وإذا هم قد خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى سواري
المسجد ، فلما نظر إلى ذلك أتى أمه فقال : يا أماه انسجي لي مدرعة من شعر وبرنسا
من صوف حتى آتي بيت المقدس فأعبدالله مع الاحبار والرهبان ، فقالت له أمه : حتى
يأتي نبي الله وأؤامره ( 2 ) في ذلك ، فلما دخل زكريا عليه السلام أخبرته بمقالة يحيى ، فقال
له زكريا : يابني مايدعوك إلى هذا وإنما أنت صبي صغير ؟ فقال له : يا أبه أما رأيت
من هو أصغر سنا مني قد ذاق الموت ؟ قال : بلى ، ثم قال لامه : انسجي له مدرعة من
شعر ، وبرنسا من صوف ، ففعلت فتدرع المدرعة على بدنه ، ووضع البرنس على رأسه ،
ثم أتى بيت المقدس فأقبل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه ،
فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى ، فأوحى الله عزوجل إليه : يايحيى أتبكي
مما قد نحل من جسمك ؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت إلى النار اطلاعة لتدرعت مدرعة
الحديد فضلا عن المنسوج ، فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه ، وبدا للناظرين أضراسه
فبلغ ذلك أمه فدخلت عليه وأقبل زكريا عليه السلام واجتمع الاحبار والرهبان فأخبروه
بذهاب لحم خديه ، فقال : ما شعرت بذلك ، فقال زكريا عليه السلام : يا بني ما يدعوك إلى
هذا ؟ إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني ، قال : أنت أمرتني بذلك ياأبه ، قال : و
متى ذلك يابني ؟ قال : ألست القائل : إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاؤون من
خشية الله ؟ قال : بلى ، فجد واجتهد وشأنك غير شأني ، فقام يحيى فنفض مدرعته ( 3 ) فأخذته أمه ،
. . ( هامش صفحة 165 ) ( 1 ) في نسخة : القنائي . وفي المصدر : القناني البغدادي سنة خمس وثمانين ومائتين . فهو
إما بفتح القاف ونونين بينهما ألف ، أو بضم القاف وفتح النون المشددة وبعد الالف ياء .
( 2 ) أي اشاوره .
( 3 ) أي اسقطها .
[166]
فقالت : أتأذن لي يابني أن أتخذ لك قطعتي لبود تواريان أضراسك وتنشفان دموعك ؟ فقال
لها : شأنك ، فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه وتنشفان دموعه حتى ابتلتا من دموع
عينيه ( 1 ) فحسر عن ذراعيه ، ثم أخذهما فعصرهما فتحدر الدموع من بين أصابعه ، فنظر
زكريا عليه السلام إلى ابنه وإلى دموع عينيه فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إن هذا
ابني وهذه دموع عينيه وأنت أرحم الراحمين .
وكان زكريا عليه السلام إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإن رأى
يحيى عليه السلام لم يذكر جنة ولا نارا ، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل وأقبل يحيى قد
لف رأسه بعباءة فجلس في غمار الناس ( 2 ) والتفت زكريا عليه السلام يمينا وشمالا فلم ير يحيى
فأنشأ يقول : حدثني حبيبي جبرئيل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى أن في جهنم جبلا يقال له
السكران ، في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان لغضب الرحمن تبارك وتعالى ، في ذلك
الوادي جب قامته مائة عام ، في ذلك الجب توابيت من نار ، في تلك التوابيت صناديق من
نار ، وثياب من نار ، وسلاسل من نار ، وأغلال من نار ، فرفع يحيى عليه السلام رأسه فقال :
واغفلتاه من السكران ، ثم أقبل هائما على وجهه ، ( 3 ) فقام زكريا عليه السلام من مجلسه فدخل
على أم يحيى فقال لها : يا أم يحيى قومي فاطلبي يحيى فإني قد تخوفت أن لانراه إلا
وقد ذاق الموت ، فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل فقالوا لها : ياأم
يحيى أين تريدين ؟ قالت : أريد أن أطلب ولدي يحيى ، ذكرت النار بين يديه فهام على
وجهه ، فمضت أم يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم فقالت له : يا راعي هل رأيت شابا
من صفته كذا وكذا ؟ فقال لها : لعلك تطلبين يحيى بن زكريا ؟ قالت : نعم ذاك ولدي ،
ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه ، قال : إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا ،
ناقعا قدميه ( 4 ) في الماء ، رافعا بصره إلى السماء يقول : " وعزتك مولاي لاذقت بارد الشراب
. . ( هامش صفحة 166 ) ( 1 ) هكذا في النسخ ، وفي المصدر : فبكى حتى ابتلتا من دموع عينيه .
( 2 ) اي في جماعتهم ولفيفهم .
( 3 ) هام على وجهه : ذهب لايدري أين يتوجه .
( 4 ) من نقع الدواء في الماء : اقره فيه .
[167]
حتى أنظر إلى منزلتي منك " فأقبلت أمه فلما رأته أم يحيى دنت منه فأخذت برأسه فوضعته
بين ثدييها وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل فانطلق معها حتى أتى المنزل ، فقالت
له أم يحيى : هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف فإنه ألين ؟ ففعل ، وطبخ
له عدس فأكل واستوفى فنام فذهب به النوم فلم يقم لصلاته ، ( 1 ) فنودي في منامه : يايحيى بن
زكريا أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري ؟ فاستيقظ فقام فقال : يارب
أقلني عثرتي ، إلهي فوعزتك لا أستظل بظل سوى بيت المقدس ، وقال لامه : ناوليني
مدرعة الشعر فقد علمت أنكما ستورداني المهالك ، فتقدمت أمه فدفعت إليه المدرعة و
تعلقت به ، فقال لها زكريا : ياأم يحيى دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه ولن
ينتفع بالعيش ، فقام يحيى عليه السلام فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه ، ثم أتى بيت
المقدس فجعل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى كان من أمره ما كان . ( 2 )
بيان : المدرعة بكسر الميم : القميص . والبرنس : قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها
في صدر الاسلام ، واللبود جمع اللبد ، وغمار الناس بالضم والفتح : زحمتهم وكثرتهم ، و
ثنية الجبل : منعطفه .
5 من خط الشهيد قدس سره نقلا من كتاب زهد الصادق عنه عليه السلام قال :
بكى يحيى بن زكريا عليه السلام حتى ذهب لحم خديه من الدموع ، فوضع على العظم لبودا
يجري عليها الدموع ، فقال له أبوه : يابني إني سألت الله تعالى أن يهبك لي لتقر عيني
بك ، فقال : يا أبه إن على نيران ربنا معاثر ( 3 ) لايجوزها إلا البكاؤون من خشية الله
عزوجل ، وأتخوف أن آتيها فأزل منها ، فبكى زكريا عليه السلام حتى غشي عليه
من البكاء .
6 فس : أبي ، عن حنان بن سدير ، عن عبدالله بن الفضل الهمداني ، ( 4 ) عن
. . ( هامش صفحة 167 ) ( 1 ) فيه غرابة وكذا في قوله : علمت انكما ستورداني المهالك ، والحديث مروى من طرق
العامة وهم في فسحة من ذلك وامثاله .
( 2 ) امالي الصدوق : 18 20 .
( 3 ) المعاثر : المساقط والمهالك .
( 4 ) في المصدر : عبدالله بن الفضيل الهمداني .
[168]
أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : مر عليه رجل عدو لله ولرسوله فقال : " فما
بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين " ثم مر عليه الحسين بن علي عليهما السلام فقال :
لكن هذا لتبكين عليه السماء والارض ، وقال : ومابكت السماء والارض إلا على يحيى بن
زكريا والحسين بن علي عليهما السلام . ( 1 )
7 ب : عنهما ، ( 2 ) عن حنان ، عن الصادق عليه السلام قال : زوروا الحسين عليه السلام
ولاتجفوه فإنه سيد شباب الشهداء ، وسيد شباب أهل الجنة ، وشبيه يحيى بن زكريا
عليه السلام ، وعليهما بكت السماء والارض . ( 3 )
8 كا : علي عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه السلام إن
أمير المؤمنين عليه السلام كان يقرأ : " وإني خفت الموالي من ورائي " يعني أنه لم يكن له وارث
حتى وهب الله له بعد الكبر . ( 4 )
9 فر : سهل بن أحمد الدينوري معنعنا عن أبي عبدالله عليه السلام وساق الحديث في
أحوال القيامة إلى أن قال : ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام : أين فاطمة بنت محمد ؟
أين خديجة بنت خويلد ؟ أين مريم بنت عمران ؟ أين آسية بنت مزاحم ؟ أين أم كلثوم
أم يحيى بن زكريا ؟ فيقمن . الحديث . ( 5 )
10 فس : " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك
. . ( هامش صفحة 168 ) ( 1 ) تفسير القمي : 616 .
( 2 ) اي محمد بن عبدالحميد وعبدالصمد بن محمد .
( 3 ) قرب الاسناد : 48 ، وللحديث صدر يأتي في كتاب المزار ان شاء الله واخرجه البحراني
في تفسيره عن كتاب محمد بن العباس بن الماهيار باسناده عن جعفر بن محمد بن قولويه ، عن أبيه ومحمد
ابن علي بن الحسين ، عن سعد بن عبدالله ، عن احمد بن بكر ، عن موسى بن الفضل ، عن حنان ، عن
ابي عبدالله عليه السلام ، وعنه قال : حدثني محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار
عن عبدالصمد بن أحمد ، عن ابي عبدالله عليه السلام ، وعنه بهذا الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى
عن محمد بن الحسين ، عن ابن سدير ، عن ابي عبدالله مثله . قلت : عبدالصمد بن احمد مصحف محمد .
( 4 ) فروع الكافي 2 : 82
( 5 ) تفسير الفرات : 113 و 114 .
[169]
سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا
بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " الحصور : الذي لا يأتي النساء " قال
رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر " والعاقر التي قد يئست من المحيض
" قال كذلك الله يفعل مايشاء قال " زكريا : " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس
ثلاثة أيام " ( 1 ) وذلك أن زكريا ظن أن الذين بشروه هم الشياطين ( 2 ) " قال
رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " فخرس
ثلاثة أيام . ( 3 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : " هنالك " أي عند ما رأى عند مريم عليها السلام فاكهة
الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف على خلاف العادة " دعا زكريا ربه قال رب
هب لي من لدنك ذرية طيبة " أي طمع في رزق الولد من العاقر ، وقوله : " طيبة " أي مباركة ،
وقيل : صالحة تقية نقية العمل " إنك سميع الدعاء " بمعنى قابل الدعاء ومجيب له
" فنادته الملائكة " قيل : ناداه جبرئيل أي أتاه النداء من هذا الجنس ، وقيل : نادته جماعة
من الملائكة " وهو قائم يصلي في المحراب " أي في المسجد ، وقيل : في محراب المسجد
" أن الله يبشرك بيحيى " سماه الله بهذا الاسم قبل مولده ، واختلف فيه لم سمي بيحيى ؟
فقيل : لان الله أحيا به عقر أمه ، عن ابن عباس ، وقيل : لان الله سبحانه أحياه بالايمان
عن قتادة ، وقيل : لانه سبحانه أحيا قلبه بالنبوة ، ولم يسم قبله أحدا بيحيى " مصدقا
بكلمة من الله " أي بعيسى ، وعليه جميع المفسرين إلا ما حكي عن أبي عبيدة أنه قال :
بكتاب الله ، ( 4 ) وكان يحيى أكبر سنا من عيسى عليه السلام بستة أشهر ، وكلف التصديق به ،


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 169 سطر 19 إلى صفحه 177 سطر 18

وكان أول من صدقه وشهد أنه كلمة الله وروحه ، وكان ذلك إحدى معجزات عيسى و
أقوى الاسباب لاظهار أمره ، فإن الناس كانوا يقبلون قول يحيى لمعرفتهم بصدقه وزهده
( 1 ) اضاف في المصدر : الا رمزا .
( 2 ) سيأتي الايعاز من الطبرسي إلى تخطئة ذلك ، وهو تفسير من علي بن ابراهيم لم يسنده
إلى حديث ولا إلى قائل ، نعم سيأتي حديث يوافق ذلك الا انه مرسل ولم يتابع عليه .
( 3 ) تفسير القمي : 91 92 .
( 4 ) في المصدر : بكتاب من الله .
[170]
" وسيدا " في العلم والعبادة ، وقيل : في الحلم والتقوى ( 1 ) وحسن الخلق ، وقيل : كريما على
ربه ، وقيل : فقيها عالما ، وقيل : مطيعا لربه ، وقيل : مطاعا ، وقيل : سيدا للمؤمنين بالرئاسة
عليهم ، والجميع يرجع إلى أصل واحد " وحصورا " وهو الذي لايأتي النساء ، عن ابن عباس و
ابن مسعود والحسن وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام ، ( 2 ) ومعناه أنه يحصر نفسه
عن الشهوات أي يمنعها ، وقيل : الحصور إنه لايدخل ( 3 ) في اللعب والاباطيل ، عن المبرد
وقيل : العنين ، وهذا لا يجوز على الانبياء لانه عيب وذم ، ولان الكلام خرج مخرج
المدح " ونبيا من الصالحين " أي رسولا شريفا رفيع المنزلة من جملة الانبياء " قال رب
أنى يكون " أي من أين يكون ؟ وقيل : كيف يكون " لي غلام ( 4 ) وقد بلغني الكبر "
أي أصابني الشيب ونالني الهرم ، قال ابن عباس : كان يومئذ ابن عشرين ومائة سنة ، و
كانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة " وامرأتي عاقر " أي عقيم لا تلد ، فإن قيل : لم راجع
زكريا هذه المراجعة وقد بشره الله بأن يهب له ذرية طيبة ؟ قيل : إنما قال ذلك على سبيل
التعرف عن كيفية حصول الولد ، أيعطيهما وهما على ماكانا عليه من الشيب أم يصرفهما
إلى حال الشباب ثم يرزقهما الولد ؟ ويحتمل أن يكون اشتبه الامر عليه أن يعطيه الولد
من امرأته العجوز أم من امرأة أخرى شابة ، فقال تعالى : " كذلك " وتقديره كذلك الامر
الذي أنتما عليه وعلى تلك الحال " الله يفعل مايشاء " معناه : يرزقك الله الولد منها فإنه
هين عليه ، وقيل فيه وجه آخر وهو أنه إنما قال ذلك على سبيل الاستعظام لمقدور الله
تعالى والتعجب الذي يحصل للانسان عند ظهور آية عظيمة ، كمن يقول لغيره : كيف
سمحت نفسك لاخراج ذلك المال النفيس من يدك ؟ تعجبا من جوده ، وقيل : إنه قال
ذلك على وجه التعجب من أنه كيف أجابه الله إلى مراده فيما دعا وكيف استحق لذلك ، ( 5 )
. . ( هامش صفحة 170 ) ( 1 ) في المصدر : في العلم والتقى .
( 2 ) في المصدر : عن أبي عبدالله عليه السلام .
( 3 ) في المصدر : الحصور : الذي لايدخل في اللعب .
( 4 ) في المصدر : اي ولد .
( 5 ) في المصدر وكيف استحق ذلك .
[171]
ومن زعم أنه إنما قال ذلك للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان أو خيلت إليه أن
النداء كان من غير الملائكة فقد أخطأ ، لان الانبياء لابد أن يعرفوا الفرق بين كلام الملك
ووسوسة الشيطان ، ( 1 ) ولا يجوز أن يتلاعب الشيطان بهم حتى يختلط عليهم طريق
الافهام ، ثم سأل الله سبحانه علامة يعرف بها وقت حمل امرأته ليزيد في العبادة شكرا ،
وقيل ليتعجل السرور " قال رب اجعل لي آية " أي علامة لوقت الحمل والولد ،
فجعل الله تلك العلامة في إمساك لسانه عن الكلام إلا إيماء من غير آفة حدثت فيه بقوله :
" قال آيتك " أي قال الله ، أو جبرئيل ، أي علامتك " أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا
رمزا " أي إيماء ، وقيل : الرمز تحريك الشفتين ، وقيل : أراد به صومه ثلاثة أيام لانهم
كانوا إذا صاموا لم يتكلموا إلا رمزا " واذكر ربك كثيرا " أي في هذه الايام الثلاثة ، و
معناه أنه لما منع عن الكلام عرف أنه لم يمنع عن الذكر لله سبحانه والتسبيح له وذلك
أبلغ في الاعجاز " وسبح " أي نزه الله ، وقيل : معناه : صل ( 2 ) " بالعشي والابكار " آخر
النهار وأوله . ( 3 )
11 ن ، ل : ابن الوليد ، عن سعد ، عن أحمد بن حمزة الاشعري ، عن ياسر الخادم
قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : إن أوحش مايكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم
يلد فيخرج من بطن أمه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث
فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا ، وقد سلم الله على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن
روعته فقال : " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " وقد سلم عيسى بن مريم
عليه السلام على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال : " والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت
ويوم أبعث حيا " . ( 4 )
12 ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن الحسن بن القاسم ، عن ثبير بن ( 5 )
. . ( هامش صفحة 171 ) ( 1 ) والا فيجوز ان يلقى الشيطان اليهم كلاما فيزعم أنه من الله ، ( فيبايعه ) ؟ قومه فيعملون و
يضلون .
( 2 ) اضاف في المصدر : كما يقال : فرغت من سبحتي أي صلاتي .
( 3 ) مجمع البيان 2 : 438 439 و 440 .
( 4 ) عيون الاخبار : 142 .
( 5 ) هكذا في النسخ والمصدر ، قال ابن حجر في لسان الميزان ج 2 ص 82 : ثبين بن ابراهيم
ابن شيبان روى عن جعفر الصادق ، وعنه الحسين بن قاسم ، ذكره ابن عقدة في الشيعة فتأمل .
[172]
إبراهيم ، عن سليم بن بلال المدني ، ( 1 ) عن الرضا ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه
عليهم السلام إن إبليس كان يأتي الانبياء من لدن آدم عليه السلام إلى أن بعث الله المسيح عليه السلام
يتحدث عندهم ويسائلهم ، ولم يكن بأحد منهم أشد أنسا منه بيحيى بن زكريا عليه السلام ،
فقال له يحيى : يا بامرة إن لي إليك حاجة ، فقال له : أنت أعظم قدرا من أن أردك
بمسألة فسلني ماشئت ، فإني غير مخالفك في أمر تريده ، فقال يحيى : يا بامرة أحب
أن تعرض علي مصائدك وفخوخك التي تصطاد بها بني آدم ، فقال له إبليس : حبا و
كرامة ، وواعده لغد ، فلما أصبح يحيى عليه السلام قعد في بيته ينتظر الموعد وأغلق عليه الباب
إغلاقا فما شعر حتى ساواه من خوخة كانت في بيته ، فإذا وجهه صورة وجه القرد ، وجسده على
صورة الخنزير ، وإذا عيناه مشقوقتان طولا ، وإذا أسنانه وفمه مشقوق طولا عظما واحدا بلا
ذقن ولا لحية ، ( 2 ) وله أربعة أيد : يدان في صدره ويدان في منكبه ، وإذا عراقيبه قوادمه ، و
أصابعه خلفه ، وعليه قباء وقد شد وسطه بمنطقة فيها خيوط معلقة بين أحمر ( 3 ) وأصفر و
أخضر وجميع الالوان ، وإذا بيده جرس عظيم ، وعلى رأسه بيضة ، وإذا في البيضة حديدة
معلقة شبيهة بالكلاب ، ( 4 ) فلما تأمله يحيى عليه السلام قال له : ماهذه المنطقة التي في وسطك ؟
فقال : هذه المجوسية ، أنا الذي سننتها وزينتها لهم ، فقال له : ماهذه الخيوط الالوان ؟
قال له : هذه جميع أصباغ النساء ، لاتزال المرأة تصبغ الصبغ حتى تقع مع لونها ، فأفتتن
الناس بها ، فقال له : فما هذا الجرس الذي بيدك ؟ قال : هذا مجمع كل لذة من طنبور و
بربط ومعزفة وطبل وناي وصرناي ، ( 5 ) وإن القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذونه
. . ( هامش صفحة 172 ) ( 1 ) في المصدر : سليمان بن بلال المدني ولعله الصحيح وهو سليمان بن بلال التيمي ابوايوب
وابومحمد المدني مولى ابي بكر ، المترجم في رجال الشيخ في اصحاب الصادق عليه السلام ، و
اطراه العامة في كتبهم بالتوثيق والاتقان والصلاح ، توفى سنة 177 على مافي التقريب او 172
على ماحكى عن الذهبي .
( 2 ) في المصدر وفي نسخة : واذا عيناه مشقوقتان طولا وفمه مشقوق طولا ، واذا اسنانه و
فمه عظم واحد بلا ذقن ولا لحية .
( 3 ) في المصدر : من بين احمر .
( 4 ) الكلاب بالفتح وتشديد اللام : حديدة معطوفة يعلق بها اللحم وغيره .
( 5 ) الناي : آلة من آلات الطرب ينفخ فيها ، والكلمة من الدخيل وكذا الصرناي .
[173]
فأحرك الجرس فيما بينهم فإذا سمعوه استخفهم ( 1 ) الطرب ، فمن بين من يرقص ومن بين
من يفرقع أصابعه ، ومن بين من يشق ثيابه ، فقال له : وأي الاشياء أقر لعينك ؟ قال
النساء هن فخوخي ومصائدي ، فإني إذا اجتمعت علي دعوات الصالحين ولعناتهم صرت
إلى النساء فطابت نفسي بهن ، فقال له يحيى عليه السلام : فما هذه البيضة التي على رأسك ؟
قال : بها أتوقى دعوة المؤمنين ، قال : فما هذه الحديدة التي أرى فيها ؟ قال : بهذه أقلب
قلوب الصالحين .
قال يحيى عليه السلام : فهل ظفرت بي ساعة قط ؟ قال : لا ، ولكن فيك خصلة تعجبني
قال يحيى : فما هي ؟ قال : أنت رجل أكول ، فإذا أفطرت أكلت وبشمت فيمنعك ذلك
من بعض صلاتك وقيامك بالليل ، قال يحيى عليه السلام : فإني أعطي الله عهدا ألا أشبع ( 2 )
من الطعام حتى ألقاه ، قال له إبليس : وأنا أعطي الله عهدا أني لا أنصح مسلما حتى ألقاه
ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك . ( 3 )
بيان : الخوخة : كوة تؤدي الضوء إلى البيت . والعراقيب جمع العرقوب وهو
عصب غليظ فوق عقب الانسان . وقال الفيروزآبادي : المعازف : الملاهي كالعود والطنبور ،
والواحد عزف أو معزف كمنبر ومكنسة . وقال : البشم محركة : التخمة والسأمة ،
بشم كفرح .
13 فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " ذكر رحمة ربك
عبده زكريا " يقول : ذكر ربك زكريا فرحمه " إذ نادى ربه نداء خفيا * قال رب إني
وهن العظم مني " يقول : ضعف " ولم أكن بدعائك رب شقيا " يقول : لم يكن دعائي
خائبا عندك " وإني خفت الموالي من ورائي " يقول : خفت الورثة من بعدي " وكانت امرأتي
عاقرا " ولم يكن لزكريا يومئذ ولد يقوم مقامه ويرثه ، وكانت هدايا بني إسرائيل و
نذورهم للاحبار ، وكان زكريا رئيس الاحبار ، وكانت امرأة زكريا أخت مريم بنت
. . ( هامش صفحة 173 ) ( 1 ) اي اطربهم .
( 2 ) في المصدر : اني لا اشبع .
( 3 ) امالي ابن الطوسي : 216 217 .
[174]
عمران بن ماثان ويعقوب بن ماثان ( 1 ) وبنو ماثان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل وبنو ملوكهم
وهم من ولد سليمان بن داود عليه السلام ، فقال زكريا : " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث
من آل يعقوب واجعله رب رضيا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل
له من قبل سميا " يقول : لم يسم باسم يحيى أحد قبله " قال رب أنى يكون لي غلام
وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا " فهو البؤس ( 2 ) " قال كذلك قال ربك
هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا
تكلم الناس ثلاث ليال سويا " صحيحا من غير مرض . ( 3 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : " ذكر رحمة ربك عبده زكريا " أي هذا خبر رحمة
ربك زكريا عبده ، ويعني بالرحمة إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد ، وزكريا اسم
نبي من أنبياء بني إسرائيل ، كان من أولاد هارون بن عمران ، وقيل : معناه : ذكر ربك
عبده بالرحمة " إذ نادى ربه نداء خفيا " أي سرا غير جهر لا يريد به رياء . ( 4 )
وقيل : إنما أخفاه لئلا يهزأ به الناس " قال رب إني وهن العظم مني " أي
ضعف ، وإنما أضاف إلى العظم ( 5 ) لانه مع صلابته إذا ضعف فكيف باللحم والعصب
" واشتعل الرأس شيبا " أي أن الشيب قد عم الرأس " ولم أكن بدعائك رب شقيا " أي
ولم أكن بدعائي إياك فيما مضى مخيبا محروما ، والمعنى أنك قد عودتني حسن الاجابة
فلا تخيبني فيما أسألك ( 6 ) " وإني خفت الموالي من ورائي " وهم الكلالة ، عن ابن
. . ( هامش صفحة 174 ) ( 1 ) المصدر ونسخة خاليان عن قوله : ويعقوب بن ماثان .
( 2 ) هكذا في نسخ ، وفي نسخة : اليؤس ، قلت : اي يائس ، ويحتمل كونه تصحيف اليأس كما
يأتي في كلام المصنف ، ولعل المعنى : وقد بلغت من الكبر حالة آيس فيها من ان يتولد مني ولد .
وفي المصدر : الميؤوس ، ويحتمل ان يكون الجميع مصحف اليبس كما يأتي في كلام الطبرسي .
( 3 ) تفسير القمي : 408 409 .
( 4 ) في المصدر : اي حين دعا ربه دعاء " خفيا " خافيا سرا غير جهر يخفيه في نفسه لا يريد به
رياء .
( 5 ) في المصدر : وانما اضاف الوهن إلى العظم .
( 6 ) في المصدر : قد عودتني حسن الاجابة وما خيبتني فيما سألتك ، ولا حرمتني الاستجابة
فيما دعوتك ولا تخيبني فيما اسألك .
[175]
عباس ، وقيل ، العصبة ، عن مجاهد ، وقيل : هم العمومة وبنو العم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، و
قيل بنو العم ( 1 ) وكانوا اشرار بني إسرائيل " وكانت امرأتي عاقرا " أي عقيما لاتلد " فهب
لي من لدنك وليا " ولدا يليني ويكون أولى بميراثي " يرثني ويرث من آل يعقوب "
وهو يعقوب بن ماثان ، ( 2 ) وأخوه عمران بن ماثان أبومريم ، عن الكلبي ومقاتل ، وقيل :
هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " واجعله رب رضيا " أي مرضيا عندك ممتثلا لامرك
فاستجاب الله دعاءه وأوحى إليه : " يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له
من قبل سميا " أي لم نسم قبله أحدا باسمه .
وقال أبوعبدالله عليه السلام : وكذلك الحسين عليه السلام لم يكن له من قبل سمي ، ( 3 )
ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا ، قيل له : وما بكاؤها ؟ قال : كانت تطلع حمراء
وتغيب حمراء ، وكان قاتل يحيى عليه السلام ولد زنا ، وقاتل الحسين عليه السلام ولد زنا .
وروى سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد ، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال :
خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزل منزلا ولاارتحل منه إلا وذكر يحيى بن زكريا عليه السلام
وقال يوما : من هو ان الدنيا على الله عزوجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من
بغايا بني إسرائيل .
وقيل : إن معنى قوله : " لم نجعل له من قبل سميا " لم تلد العواقر مثله ولدا ، وهو كقوله :
" هل تعلم له سميا " أي مثلا ، عن ابن عباس ومجاهد " قال رب أنى يكون لي غلام و
كانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عيتا " أي قد بلغت من كبر السن إلى حال اليبس
. . ( هامش صفحة 175 ) ( 1 ) اخرج البحراني في تفسيره عن كتاب محمد بن العباس باسناده عن محمد بن همام ، عن
سهل بن محمد ، عن محمد بن اسماعيل العلوي ، عن سدير الصيرفي قال : حدثني أبوالحسن موسى بن
جعفر عليه السلام قال : كنت عند أبي يوما قاعدا حتى اتى رجل فوقف به ، وقال : في القوم باقر
العلوم ورئيسه محمد بن علي ؟ قيل له : نعم ، فجلس طويلا ، ثم قام اليه فقال : ياابن رسول الله اخبرني
عن قول الله عزوجل في قصة زكريا : " واني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا "
الاية ، قال : نعم ، قال : الموالى بنو العم واحب الله ان يهب له وليا من صلبه إلى ان قال : فاني
مخرج من صلبك ولدا يرثك ويرث من آل يعقوب فوهب الله له يحيى عليه السلام .
( 2 ) في المصدر : " ماتان " بالتاء وكذا فيما بعده .
( 3 ) في المطبوع : سميا وهو وهم .
[176]
والجفاف ونحول العظم ، قال قتادة : كان له بضع وسبعون سنة ( 1 ) " قال كذلك " أي قال
الله سبحانه : الامر على ماأخبرتك من هبة الولد على الكبر " قال ربك هو علي هين وقد
خلقتك من قبل " أي من قبل يحيى " ولم تك شيئا " أي شيئا موجودا . ( 2 )
وروى الحكم بن عتيبة ، ( 3 ) عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنما ولد يحيى بعد البشارة
له من الله بخمس سنين . " قال رب اجعل لي آية " وعلامة ( 4 ) أستدل بها على وقت كونه ،
قال الله سبحانه : " آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " أي وأنت سوي صحيح سليم
" فخرج على قومه من المحراب " أي من مصلاه " فأوحى إليهم " أي أشار إليهم وأومأ
بيده ، وقيل : كتب لهم في الارض " أن سبحوا بكرة وعشيا " أي صلوا بكرة وعشيا ،
وقيل : أراد التسبيح بعينه ، قال ابن جريح : أشرف عليهم زكريا عليه السلام من فوق غرفة
كان يصلي فيها لايصعد إليها إلا بسلم ، وكانوا يصلون معه الفجر والعشاء ، فكان يخرج
إليهم فيؤذن لهم ( 5 ) بلسانه ، فلما اعتقل لسانه خرج على عادته وأذن لهم بغير كلام ،
فعرفوا عند ذلك أنه قد جاء وقت حمل امرأته بيحيى ، فمكث ثلاثة أيام لايقدر على الكلام
معهم ويقدر على التسبيح والدعاء ، ثم قال سبحانه : " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " تقديره :
فوهبنا له يحيى وأعطيناه الفهم والعقل وقلنا له : يايحيى خذ الكتاب ، يعني التوراة بما
قواك الله عليه وأيدك به ، ومعناه : وأنت قادر على أخذه ، قوي على العمل ، ( 6 ) وقيل :
معناه : بجد وصحة عزيمة على القيام بما فيه " وآتيناه الحكم صبيا " أي وآتيناه النبوة
في حال صباه وهو ابن ثلاث سنين ، عن ابن عباس .
وروى العياشي بإسناده عن علي بن أسباط قال : قدمت المدينة وأنا أريد مصر
فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام وهو إذ ذاك خماسي ، فجعلت أتأمله
. . ( هامش صفحة 176 ) ( 1 ) في المصدر : بضع وتسعون سنة .
( 2 ) " " : اي انشأتك وأجدتك ولم تك شيئا موجودا .
( 3 ) في المصدر : الحكم بن عيينة وهو وهم .
( 4 ) في المصدر : اي دلالة وعلامة .
( 5 ) " " : فيأذن لهم .
( 6 ) " " : العمل به .
[177]
لاصفه لاصحابنا بمصر ، فنظر إلي فقال : ياعلي إن الله أخذ في الامامة كما أخذ في
النبوة ، قال : " فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما " وقال : " وآتيناه الحكم
صبيا " فقد يجوز أن يعطى الحكم ابن أربعين سنة ، ويجوز أن يعطاه الصبي .
وقيل : إن الحكم الفهم ، وعن معمر : قال : إن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا
نلعب ، فقال : ماللعب خلقت ، فأنزل الله تعالى فيه : " وآتيناه الحكم صبيا " وروي ذلك
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام . " وحنانا من لدنا " والحنان : العطف والرحمة أي و
آتيناه رحمة من عندنا ، وقيل : تحننا على العباد ورقة قلب عليهم ليدعوهم إلى طاعة الله ،
وقيل : محبة منا ، وقيل تحنن الله عليه كان إذا قال : يارب قال له : لبيك يايحيى و
هو المروي عن الباقر عليه السلام ، وقيل : تعطفا منا " وزكوة " أي وعملا صالحا زاكيا أو زكاة
لمن قبل دينه حتى يكونوا أزكياء ، وقيل : يعني بالزكاة طاعة الله والاخلاص ، وقيل :
وصدقة تصدق الله بها على أبويه ، وقيل : وزكيناه بحسن الثناء عليه " وكان تقيا "
أي مخلصا مطيعا متقيا لما نهى الله عنه ، قالوا : وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم
بها " وبرا بوالديه " أي بارا بهما " ولم يكن جبارا " أي متكبرا متطاولا على الخلق
" عصيا " أي عاصيا لربه " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " أي
سلام عليه منا في هذه الاحوال ، ( 1 ) وقيل : سلامة وأمان له منا . انتهى ملخص
تفسيره رحمه الله . ( 2 )
أقول : قول علي بن إبراهيم : ( ويعقوب بن ماثان ) إما عطف على زكريا ، أي
كانت الرئاسة في ذلك الزمان لزكريا ويعقوب عم زوجته ، أو يعقوب مبتداء وابن ماثان


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 177 سطر 19 إلى صفحه 185 سطر 18

خبره ، أي يعقوب الذي ذكره الله هو ابن ماثان لاابن إسحاق ، أو هو مبتداء وبنو ماثان معطوف
. . ( هامش صفحة 177 ) ( 1 ) في المصدر : في هذه الايام . وفيه : ومعناه سلامة وامن له يوم ولد من عبث الشيطان به
واغوائه اياه ، ويوم يموت من بلاء الدنيا ومن عذاب القبر ، ويوم يبعث حيا من هول المطلع و
عذاب النار ، وانما قال : حيا تأكيدا لقوله : يبعث . وقيل : يبعث مع الشهداء لانهم وصفوا بانهم
احياء . وقيل : ان السلام الاول يوم الولادة تفضل ، والثاني والثالث على وجه الثواب والجزاء .
( 2 ) مجمع البيان 6 : 502 503 و 504 505 و 506 .
[178]
عليه ، وقوله : رؤساء خبرهما ، فيكون من قبيل عطف العام على الخاص . ( 1 )
وقال البيضاوي : قيل : يعقوب كان أخا زكريا ، أو عمران بن ماثان ( 2 ) من
نسل سليمان انتهى . ( 3 )
وأما تفسيره العتي بالبؤس أو اليأس ( 4 ) فلعله بيان لحاصل المعنى ولازمه . قال
الجوهري : عتى الشيخ : كبر وولى . ( 5 )
14 ج : سأل سعد بن عبدالله القائم عليه السلام عن تأويل " كهيعص " قال عليه السلام : هذه
الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا ، ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله ، وذلك
أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إياها
فكان زكريا عليه السلام إذا ذكر محمدا صلى الله عليه وآله وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام سري عنه همه
وانجلى كربه ، واذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة ، فقال عليه السلام
ذات يوم : إلهي مابالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت
الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال : " كهيعص "
فالكاف اسم كربلا ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام ، والعين
عطشه ، والصاد صبره ، فلما سمع ذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع
فيهن الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه : إلهي أتفجع ( 6 )
خير جميع خلقك بولده ؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة
ثياب هذه المصيبة ؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ؟ .
ثم كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتينه فافتني
. . ( هامش صفحة 178 ) ( 1 ) ولعله أظهر : فيكون المعنى أن رئاسة الدين والاحبار كانت لزكريا عليه السلام ، ورئاسة
الدنيا والملك ليعقوب بن ماثان وبني ماثان .
( 2 ) في المصدر : أو كان أخا عمران بن ماثان .
( 3 ) انوار التنزيل 2 : 31 .
( 4 ) في نسخة : اليؤس .
( 5 ) من ولى الرطب : أخذ في الهيج اي اليبس .
( 6 ) فجعه : أوجعه باعدامه مايتعلق به من اهل أو مال .
[179]
بحبه ، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده . فرزقه الله يحيى وفجعه به ، وكان حمل
يحيى عليه السلام ستة أشهر ، وحمل الحسين عليه السلام كذلك ، الخبر . ( 1 )
بيان : سري عنه الهم على بناء التفعيل مجهولا : انكشف والبهرة بالضم :
تتابع النفس وانقطاعه من الاعياء . وزفر : أخرج نفسه بعد مده إياه .
15 ع : بالاسناد إلى وهب قال : انطلق إبليس يستقري ( 2 ) مجالس بني إسرائيل
أجمع مايكونون ، ويقول في مريم ويقذفها بزكريا عليه السلام حتى التحم الشر ( 3 ) وشاعت
الفاحشة على زكريا عليه السلام ، فلما رأى زكريا عليه السلام ذلك هرب وأتبعه سفهاؤهم و
شرارهم وسلك في واد كثير النبت حتى إذا توسطه انفرج له جذع شجرة فدخل عليه السلام فيه
وانطبقت عليه الشجرة ، وأقبل إبليس يطلبه معهم حتى انتهى إلى الشجرة التي دخل
فيها زكريا عليه السلام ، فقاس لهم إبليس الشجرة من أسفلها إلى أعلاها حتى إذا وضع يده
على موضع القلب من زكريا عليه السلام أمرهم فنشروا بمنشارهم وقطعوا الشجرة وقطعوه في
وسطها ، ثم تفرقوا عنه وتركوه ، وغاب عنهم إبليس حين فرغ مما أراد ، فكان آخر
العهد منهم به ، ولم يصب زكريا عليه السلام من ألم المنشار شئ ، ثم بعث الله عزوجل الملائكة
فغسلوا زكريا وصلوا عليه ثلاثة أيام من قبل أن يدفن ، وكذلك الانبياء عليهم السلام لا
يتغيرون ولا يأكلهم التراب ويصلى عليهم ثلاثة أيام ثم يدفنون . ( 4 )
16 ك : القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ،
عن الصادق عليه السلام قال : أفضي الامر بعد دانيال عليه السلام إلى عزير عليه السلام ، وكانوا يجتمعون
إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم ، فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه ،
وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا عليه السلام
وترعرع فظهر وله سبع سنين ، فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، وذكرهم بأيام
. . ( هامش صفحة 179 ) ( 1 ) احتجاج الطبرسي : 259 .
( 2 ) أي يتبعها ويطوف فيها .
( 3 ) التحم الشئ : التصق وتلاءم . التحمت الحرب بينهم : اشتبكت .
( 4 ) علل الشرائع : 38 .
[180]
الله ، وأخبرهم أن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل ، وأن العاقبة للمتقين ،
ووعدهم الفرج بقيام المسيح عليه السلام بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول . ( 1 )
أقول : تمامه في باب قصة طالوت .
17 ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان
عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما ولد يحيى عليه السلام رفع إلى السماء فغذي بأنهار
الجنة حتى فطم ، ثم نزل إلى أبيه وكان البيت يضئ بنوره . ( 2 )
18 ص : بهذا الاسناد ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
دعا زكريا عليه السلام ربه فقال : " هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب "
فبشره الله تعالى بيحيى فلم يعلم أن ذلك الكلام من عند الله تعالى جل ذكره ، وخاف
أن يكون من الشيطان ، فقال : " أنى يكون لي ولد " وقال : " رب اجعل لي آية "
فأسكت فعلم أنه من الله تعالى . ( 3 )
19 تفسير النعماني بإسناده عن الصادق عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام حين
سألوه عن معنى الوحي فقال : منه وحي النبوة ، ومنه وحي الالهام ، ومنه وحي الاشارة
وساقه إلى أن قال : وأما وحي الاشارة فقوله عزوجل : " فخرج على قومه من المحراب
فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا " أي أشار إليهم ، لقوله ( 4 ) تعالى : " ألا تكلم الناس
ثلاثة أيام إلا رمزا " . ( 5 )
20 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن عبدالله
ابن محمد الحجال ، عن أبي إسحاق ، عن عبدالله بن هلال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن
ملكا كان على عهد يحيى بن زكريا عليه السلام لم يكفه ما كان عليه من الطروقة حتى تناول
امرأة بغيا فكانت تأتيه حتى أسنت ، فلما أسنت هيأت ابنتها ، ثم قالت لها : إني أريد
أن آتي بك الملك ، فإذا واقعك فيسألك ما حاجتك ( 6 ) فقولي : حاجتي أن تقتل يحيى بن
. . ( هامش صفحة 180 ) ( 1 ) اكمال الدين : 91 و 95 .
( 2 و 3 ) قصص الانبياء مخطوط . قوله : ( فاسكت ) أي اعتقل لسانه وحبس عن الكلام .
( 4 ) كذا في المصدر ، وفي النسخ " كقوله " وهو سهو .
( 5 ) المحكم والمتشابه : 21 .
( 6 ) فيه اجمال أو سقط يأتي شرحه بعد ذلك .
[181]
زكريا عليه السلام ، فلما واقعها سألها عن حاجتها ، فقالت : قتل يحيى بن زكريا عليه السلام فلما
كان في الثالثة بعث إلى يحيى فجاء به فدعا بطست ذهب فذبحه فيها وصبوه على الارض
فيرتفع الدم ويعلو ، وأقبل الناس يطرحون عليه التراب فيعلو عليه الدم حتى صار تلا
عظيما ، ومضى ذلك القرن فلما كان من أمر بخت نصر ماكان رأى ذلك الدم فسأل عنه فلم
يجد أحدا يعرفه حتى دل على شيخ كبير ، فسأله فقال : أخبرني أبي عن جدي أنه كان
من قصة يحيى بن زكريا عليه السلام كذا وكذا ، وقص عليه القصة ، والدم دمه ، فقال
بخت نصر : لا جرم لاقتلن عليه حتى يسكن ، فقتل عليه سبعين ألفا ، فلما وفى عليه
سكن الدم . ( 1 )
21 وفي خبر آخر : إن هذه البغي كانت زوجة ملك جبار قبل هذا الملك ، وتزوجها
هذا بعده ، فلما أسنت وكان لها ابنة من الملك الاول قالت لهذا الملك : تزوج أنت بها
فقال : لاسأل يحيى بن زكريا عليه السلام عن ذلك فإن أذن فعلت ، فسأله عنه فقال : لايجوز
فهيأت بنتها وزينتها في حال سكره وعرضتها عليه ، فكان من حال قتل يحيى عليه السلام ماذكر
فكان ماكان . ( 2 )
22 ص : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : إن زكريا عليه السلام كان خائفا فهرب فالتجأ إلى شجرة فانفرجت له وقالت : يازكريا
ادخل في ، فجاء حتى دخل فيها ، فطلبوه فلم يجدوه ، فأتاهم إبليس وكان رآه فدلهم عليه
فقال لهم : هو في هذه الشجرة فاقطعوها ، وقد كانوا يعبدون تلك الشجرة ، فقالوا : لانقطعها
فلم يزل بهم حتى شقوها وشقوا زكريا عليه السلام . ( 3 )
23 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن الكوفي
عن أبي عبدالله الخياط ، عن عبدالله بن القاسم ، عن عبدالله بن سنان قال : قال أبوعبدالله
عليه السلام : إن الله عزوجل إذا أراد أن ينتصر لاوليائه انتصر لهم بشرار خلقه ،
وإذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه ، ولقد انتصر ليحيى بن زكريا عليه السلام
ببخت نصر . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 181 ) ( 1 4 ) قصص الانبياء مخطوط . والحديث الاخر لايخلو عن غرابة .
[182]
24 ص : في خبر آخر أن عيسى بن مريم عليه السلام بعث يحيى بن زكريا عليه السلام
في اثني عشر من الحواريين يعلمون الناس وينهاهم عن نكاح ابنة الاخت ، قال : وكان لملكهم
بنت أخت تعجبه ، وكان يريد أن يتزوجها ، فلما بلغ أمها أن يحيى عليه السلام نهى عن
مثل هذا النكاح أدخلت بنتها على الملك مزينة ، فلما رآها سألها عن حاجتها ، قالت :
حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريا ، فقال : سلي غير هذا ، فقالت : لا أسألك غير هذا ، فلما
أبت عليه دعا بطشت ودعا بيحيى عليه السلام فذبحه فبدرت ( 1 ) قطرة من دمه فوقعت على الارض
فلم تزل تعلو ( 2 ) حتى بعث الله بخت نصر عليهم ، فجاءته عجوز من بني إسرائيل فدلته
على ذلك الدم ، فألقى في نفسه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن ، فقتل عليها
سبعين ألفا في سنة واحدة حتى سكن . ( 3 )
25 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن عثمان
ابن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن عاقر ناقة صالح
كان أزرق ابن بغي ، وإن قاتل يحيى بن زكريا عليه السلام ابن بغي ، وإن قاتل علي عليه السلام ابن
بغي ، وكانت مراد تقول : مانعرف له فينا أبا ولا نسبا ، وإن قاتل الحسين بن علي عليه السلام
ابن بغي ، وإنه لم يقتل الانبياء ولا أولاد الانبياء إلا أولاد البغايا . وقال في قوله تعالى
جل ذكره : " لم نجعل له من قبل سميا " قال : يحيى بن زكريا عليه السلام لم يكن له سمي
قبله ، والحسين بن علي عليه السلام لم يكن له سمي قبله ، وبكت السماء عليهما أربعين صباحا
وكذلك بكت الشمس عليهما ، وبكاؤها أن تطلع حمراء وتغيب حمراء . وقيل : أي بكى أهل
السماء وهم الملائكة . ( 4 )
بيان : قد يوجه بكاء السماء والارض كما ذكره الراوندي رحمه الله ، ( 5 ) و
يمكن أن يقال : كناية عن شدة المصيبة حتى كأنه بكى عليه السماء والارض ، أو عن
. . ( هامش صفحة 182 ) ( 1 ) اي اسرعت وسبقت .
( 2 ) في نسخة : فلم تزل تغلى .
( 3 و 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 5 ) في قوله : وقيل : أي بكى إه .
[183]
أنه وصل ضرر تلك المصيبة إلى السماء والارض وأثرت فيهما وظهر بها آثار التغير فيهما
أو أنه أمطرت السماء دما ، ( 1 ) وكان يتفجر الارض دما عبيطا ، فهذا بكاؤهما كما فسر
به في الخبر ، ولعل الاخير أظهر .
26 ص : عن أبي عبدالله عليه السلام إن الحسين بن علي عليه السلام بكى لقتله السماء و
الارض واحمرتا ، ولم يبكيا على أحد قط إلا على يحيى بن زكريا عليه السلام . ( 2 )
27 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن فضال ،
عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " فما بكت
عليهم السماء والارض " قال : لم تبك السماء على أحد قبل قتل يحيى بن زكريا عليه السلام
وبعده حتى قتل الحسين عليه السلام فبكت عليه . ( 3 )
28 مل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال عن مروان
ابن مسلم ، عن إسماعيل بن كثير قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : كان قاتل
. . ( هامش صفحة 183 ) ( 1 ) كما في خبر رواه ابن قولويه في الكامل : 90 باسناد ذكره عن عمر بن وهب ( عمرو بن
ثبيت خ ل ) عن ابيه ، عن علي بن الحسين عليه السلام قال : قلت : اي شئ كان بكاؤها ؟ قال : كانت
اذا استقبلت بالثوب وقع عليه شبه أثر البراغيث من الدم . واخرجه في البرهان عن كتاب محمد بن
العباس عن ابن قولويه الا ان فيه : عمر بن ثابت . وفي خبر آخر رواه ابن قولويه ايضا في الكامل :
لما قتل الحسين بن علي عليه السلام امطرت السماء ترابا أحمر . وفي خبر آخر : بكت السماء على
الحسين عليه السلام أربعين صباحا بالدم ، والارض بكت أربعين صباحا بالسواد ، والشمس بكت
اربعين صباحا بالحمرة . راجع الكامل ، وقد اخرج البحراني روايات كثيرة تناسب الباب في تفسير
البرهان عن كتاب تأويل الايات للسيد شرف الدين وهو قدس سره أخرجها عن كتاب ماانزل من
القرآن في اهل البيت عليهم السلام للشيخ الاقدم الثقة محمد بن العباس بن مروان بن الماهيار
المعروف بابن الحجام .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط . قلت : اخرجه ابن قولويه في الكامل : 89 باسناده عن محمد بن
جعفر ، عن محمد بن الحسين ، عن وهيب بن حفص النحاس ، عن ابي بصير ، عن ابي عبدالله عليه
السلام ، وباسناده عن ابيه عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن الحسين ، وفيه : الا على يحيى بن زكريا
والحسين بن علي عليهما السلام .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط ، واخرجه ابن قولويه في كامل الزيارات : 89 باسناده عن علي بن
الحسين بن موسى بن بابويه ، الا ان فيه : منذ قتل يحيى بن زكريا .
[184]
الحسين بن علي عليه السلام ولد زنا ، وكان قاتل يحيى بن زكريا عليه السلام ولد زنا ، ولم تبك السماء
والارض إلا لهما . وذكر الحديث . ( 1 )
29 مل : محمد بن جعفر ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن داود بن فرقد ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : كان الذي قتل الحسين بن علي عليه السلام ولد زنا ، والذي قتل يحيى
ابن زكريا عليه السلام ولد زنا . ( 2 )
30 مل : أبي وابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن
ابن بكير ، عن زرارة ، عن عبدالخالق ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله . ( 3 )
أقول : أوردنا بعض الاخبار في ذلك في باب أحوال الحسين عليه السلام .
31 شى : عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن زكريا لما دعا ربه أن
يهب له فنادته الملائكة بما نادته به فأحب أن يعلم أن ذلك الصوت من الله أوحي إليه
أن آية ذلك أن يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيام ، قال : لما أمسك لسانه ولم يتكلم
. . ( هامش صفحة 184 ) ( 1 ) كامل الزيارات : 79 .
( 2 ) " " : 78 ، واخرجه ايضا في ص 93 باسناده عن ابيه ، عن محمد بن الحسن بن
مهزيار ، عن ابيه ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن فضالة بن ايوب ، عن داود بن
فرقد مثله ، وزاد : وقال : احمرت السماء حين قتل الحسين بن علي عليه السلام سنة ، ثم قال : بكت
السماء والارض على الحسين بن علي ويحيى بن زكريا عليهم السلام وحمرتها بكاؤها . واخرجه البحراني
في التفسير عن كتاب محمد بن العباس عن علي بن مهزيار ، عن ابيه ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة
مثله الا انه اسقط قوله : سنة . قلت : قوله : علي بن مهزيار عن ابيه لايخلو عن وهم .
( 3 ) كامل الزيارات : 78 ، واخرجه البحراني في تفسيره 3 : 4 عن كتاب محمد بن العباس
باسناده عن حميد بن زياد ، عن احمد بن الحسين بن بكر ، وقال : حدثنا الحسن بن علي بن فضال
باسناده إلى عبدالخالق قال : سمعت ابا عبدالله عليه السلام وذكر نحوه ، وللحديث فيه صدر و
هو هكذا : سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول في قول الله عزوجل : " لم نجعل له من قبل سميا " قال :
ذلك يحيى بن زكريا لم يكن من قبل له سميا ، وكذلك الحسين عليه السلام لم يكن له من قبل سميا
ولم تبك السماء الا عليهما اربعين صباحا ، قلت : فما بكاؤها ؟ قال : تطلع الشمس حمراء انتهى
وروى الزيادة ابن قولويه في الكامل باسناده عن ابيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن احمد بن محمد بن
عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن عبدالخالق بن عبد ربه نحوه ،
وفيه : تطلع حمراء وتغرب حمراء .
[185]
علم أنه لا يقدر على ذلك إلا الله ، وذلك قول الله : " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا
تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " . ( 1 )
بيان : يمكن أن يقال : اشتبه عليه في خصوص هذا الموضع لحكمة فاحتاج إلى
استعلام ذلك ، أو يقال : إنه عليه السلام إنما فعل ذلك لزيادة اليقين كما في سؤال إبراهيم
عليه السلام .
32 ل ، ع ، ن : في أسئلة الشامي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ويوم الاربعاء
قتل يحيى بن زكريا عليه السلام . ( 2 )
33 شى : عن حماد ، عمن حدثه ، عن أحدهما عليهما السلام قال : لما سأل ربه أن
يهب له ذكرا فوهب الله له يحيى فدخله من ذلك ( 3 ) فقال : " رب اجعل لي آية قال آيتك
ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " فكان يؤمي برأسه وهو الرمز . ( 4 )
34 شى : عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام " وسيدا وحصورا "
الحصور الذي لا يأتي النساء " ونبيا من الصالحين " . ( 5 )
35 شى : عن حسين بن أحمد ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول :
إن طاعة الله خدمته في الارض ، فليس شئ من خدمته تعدل الصلاة ، فمن ثم نادت الملائكة
زكريا وهو قائم يصلي في المحراب . ( 6 )
36 م : قال الله تعالى في قصة يحيى : " يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه
يحيى لم نجعل له من قبل سميا " قال : لم يخلق أحدا قبله اسمه يحيى ، فحكى الله قصته
إلى قوله : " يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا " قال : ومن ذلك الحكم أنه


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 185 سطر 19 إلى صفحه 193 سطر 18

كان صبيا فقال له الصبيان : هلم نلعب ، فقال : أوه والله ماللعب خلقنا ، وإنما خلقنا
. . ( هامش صفحة 185 ) ( 1 و 4 و 5 و 6 ) تفسير العياشي مخطوط ، وقد ذكر الصدوق الحديث الاخير مرسلا في
الفقيه 1 : 67 .
( 2 ) الخصال 2 : 28 ، علل الشرائع : 199 ، عيون الاخبار : 137 ، والحديث طويل
اخرجه بتمامه في كتاب الاحتجاجات راجع ج 10 ص 75 82 .
( 3 ) اي دخله من ذلك شك انه من الله او من الشيطان . ولا يخفى اضطراب المتن وغرابته .
[186]
للجد لامر عظيم ، ثم قال : " وحنانا من لدنا " يعني تحننا ورحمة على والديه وسائر
عبادنا " وزكوة " يعني طهارة لمن آمن به وصدقه " وكان تقيا " يتقي الشرور والمعاصي
" وبرا بوالديه " محسنا إليهما ، مطيعا لهما " ولم يكن جبارا عصيا " يقتل على الغضب و
يضرب على الغضب ، لكنه مامن عبد لله ( 1 ) عزوجل إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ماخلا
يحيى بن زكريا عليه السلام ، فإنه لم يذنب ولم يهم بذنب ، ثم قال الله عزوجل : " وسلام
عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " .
وقال أيضا في قصة يحيى : ( 2 ) " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من
لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " يعني لما رأى زكريا عليه السلام عند مريم فاكهة الشتاء
في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء وقال لها : " يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن
الله يرزق من يشاء بغير حساب " وأيقن زكريا أنه من عند الله إذ كان لايدخل عليها أحد
غيره قال عند ذلك في نفسه : إن الذي يقدر أن يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف و
فاكهة الصيف في الشتاء لقادر أن يهب لي ولدا وإن كنت شيخا وكانت امرأتي عاقرا ، فهنالك
دعا زكريا ربه فقال : " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " قال الله
عزوجل : " فنادته الملائكة " يعني نادت زكريا " وهو قائم يصلي في المحراب أن الله
يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله " قال : مصدقا بعيسى ، يصدق يحيى بعيسى ( 3 )
" وسيدا " يعني رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته " وحصورا " وهو الذي لايأتي النساء
" ونبيا من الصالحين " قال : وكان أول تصديق يحيى بعيسى أن زكريا كان لايصعد
إلى مريم في تلك الصومعة غيره يصعد إليها بسلم ، فإذا نزل أقفل عليها ثم فتح لها من
فوق الباب كوة صغيرة يدخل عليها منها الريح ، فلما وجد مريم وقد حبلت ساءه ذلك و
قال في نفسه : ماكان يصعد إلى هذه أحد غيري وقد حبلت ، والآن أفتضح في بني إسرائيل
لايشكون أني أحبلتها ، فجاء إلى امرأته فقال لها ذلك ، فقالت : يا زكريا لاتخف فإن
. . ( هامش صفحة 186 ) ( 1 ) في المصدر : ماعبد عبد لله .
( 2 ) " " : في قصة يحيى وزكريا .
( 3 ) المصدر : خلى عن قوله : يصدق يحيى بعيسى .
[187]
الله لن يصنع بك إلا خيرا ، وايتني بمريم أنظر إليها وأسألها عن حالها ، فجاء بها
زكريا عليه السلام إلى امرأته ، فكفى الله مريم مؤونة الجواب عن السؤال ، فلما دخلت إلى
أختها هي الكبرى ، ومريم الصغرى لم تقم إليها امرأة زكريا ، فأذن الله ليحيى وهو في
بطن أمه فنخس في بطنها وأزعجها ونادى أمه : تدخل إليك سيدة نساء العالمين
مشتملة على سيد رجال العالمين فلا تقومين إليها ؟ ! فانزعجت وقامت إليها ، وسجد يحيى
وهو في بطن أمه لعيسى بن مريم ، فذلك أول تصديقه ، ( 1 ) فكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله ( 2 )
في الحسن والحسين عليهما السلام : إنهما سيدا شباب أهل الجنة إلا ماكان من ابني الخالة يحيى
وعيسى . ( 3 )
بيان : نخسه أي غرزه بعود أو إصبع أو نحوهما ، وفي بعض النسخ : بيده . ثم اعلم
أن المؤرخين اختلفوا في أن إيشاع أم يحيى هل كانت أخت مريم أو خالته ، والخبر يدل
على الاول ، وسيأتي تأويل آخر الخبر في قصة المباهلة .
37 كا : علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن الحكم ، عن ربيع بن محمد ،
عن عبدالله بن سليم العامري ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن عيسى بن مريم عليه السلام جاء إلى
قبر يحيى بن زكريا عليه السلام وكان سأل ربه أن يحييه له ، فدعاه فأجابه وخرج إليه من
القبر فقال له : ماتريد مني ؟ فقال له : أريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا ، فقال له : يا
عيسى ماسكنت عني حرارة الموت وأنت تريد أن تعيدني إلى الدنيا وتعود إلي حرارة
الموت ! ( 4 ) فتزكه فعاد إلى قبره . ( 5 )
38 إرشاد القلوب : كان يحيى عليه السلام لباسه الليف ، وأكله ورق الشجرة . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 187 ) ( 1 ) في المصدر : فذلك أول تصديقه به .
( 2 ) في نسخة : ولذلك قول رسول الله .
( 3 ) تفسير العسكري : 277 278 .
( 4 ) في نسخة من المصدر : مرارة الموت .
( 5 ) فروع الكافي 1 : 72 .
( 6 ) ارشاد القلوب : 192 .
[188]
39 يه : قال الصادق عليه السلام : إن رجلا جاء إلى عيسى بن مريم عليه السلام فقال له :
يا روح الله إني زنيت فطهرني ، فأمر عيسى عليه السلام أن ينادى في الناس : لايبقى أحد إلا
خرج لتطهير فلان ، فلما اجتمع واجتمعوا وصار الرجل في الحفرة نادى الرجل في الحفرة :
لا يحدني من لله تعالى في جنبه حد ، فانصرف الناس كلهم إلا يحيى وعيسى عليهما السلام ،
فدنا منه يحيى فقال له : يا مذنب عظني ، فقال له : لاتخلين بين نفسك وبين هواها
فتردى ، ( 1 ) قال : زدني ، قال لاتعيرن خاطئا بخطيئته ، قال : زدني ، قال : لاتغضب ، قال :
حسبي . ( 2 )
40 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم ،
عن إبراهيم بن مهزم ، ( 3 ) عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال : كان يحيى بن زكريا عليه السلام
يبكي ولايضحك ، وكان عيسى بن مريم عليه السلام يضحك ويبكي ، وكان الذي يصنع عيسى عليه السلام
أفضل من الذي كان يصنع يحيى عليه السلام . ( 4 )
41 ص : الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة ، عن الحسن بن علي ، عن الحسن بن
الجهم ، عن الرضا عليه السلام مثله . ( 5 )
أقول : قال صاحب الكامل : لما دعا زكريا ربه وسأله الولد بينا هو ( 6 ) يصلي
في المذبح الذي لهم فإذا برجل شاب وهو جبرئيل عليه السلام ، ففزع زكريا منه ، فقال :
" إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله " ( 7 ) ويحيى أول من آمن بعيسى وصدقه ،
وذلك أن أمه كانت حاملا ( 8 ) فاستقبلت مريم وهي حامل بعيسى عليه السلام فقالت لها : يا
. . ( هامش صفحة 188 ) ( 1 ) في المصدر : فترداك .
( 2 ) من لا يحضره الفقيه : 475 .
( 3 ) في المصدر : ابراهيم بن مهزم عمن ذكره عن ابي الحسن الاول عليه السلام .
( 4 ) اصول الكافي 2 : 665 .
( 5 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 6 ) في المصدر : فبينما هو .
( 7 ) " " : يعني عيسى بن مريم .
( 8 ) " " : كانت حاملا به .
[189]
مريم أحامل أنت ؟ قالت : لماذا تسأليني ؟ قالت : إني أرى ( 1 ) مافي بطني يسجد لما في
بطنك ، فذلك تصديقه ، وقيل : صدق المسيح عليه السلام وله ثلاث سنين ، وإنما ولد قبل
المسيح عليه السلام بثلاث سنين ، وقيل : بستة أشهر ، وكان يأكل العشب وأوراق الشجر ،
وقيل : كان يأكل خبز الشعير ، فمر به إبليس ومعه رغيف شعير فقال : أنت تزعم أنك
زاهد وقد ادخرت رغيف شعير ؟ فقال يحيى : يا ملعون هو القوت ، فقال إبليس : إن أقل
من القوت ( 2 ) يكفي لمن يموت ، فأوحى الله إليه : اعقل مايقول لك . ونبئ صغيرا ، فكان يدعو
الناس إلى عبادة الله ، ويلبس الشعر ، ولم يكن له دينار ولا درهم ولا بيت يسكن إليه ، ( 3 )
أينما جنه الليل أقام ، ولم يكن له عبد ولا أمة ، فنهى ملك زمانه عن تزويج بنت
أخيه أو بنت زوجته فقتله ، فلما سمع أبوه بقتله فر هاربا فدخل بستانا عند بيت المقدس
فيه أشجار فأرسل الملك في طلبه ، فمر زكريا عليه السلام بشجرة فنادته : هلم إلي يانبي الله ،
فلما أتاها انشقت فدخل فيها فانطبقت عليه فبقي في وسطها ، فأتى عدو الله إبليس فأخذ
هدب ردائه فأخرجه من الشجرة ليصدقوه إذا أخبرهم ، ثم لقي الطلب ( 4 ) فقال لهم :
ما تريدون ؟ فقالوا : نلتمس زكريا ، فقال : إنه سحر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها ،
قالوا : لانصدقك ، فأراهم طرف ردائه ، ( 5 ) فأخذوا الفأس وقطعوا الشجرة وشقوها بالمنشار
فمات زكريا عليه السلام فيها ، فسلط الله عليهم أخبث أهل الارض فانتقم به منهم ، وقيل : إن
السبب في قتله أن إبليس جاء إلى مجالس بني إسرائيل فقذف زكريا بمريم ، وقال لهم
ما أحبلها غيره ، وهو الذي كان يدخل عليها ، فطلبوه فهرب ، إلى آخر مامر . ( 6 )
أقول : قال الشيخ في المصباح : في أول يوم من المحرم استجاب الله تعالى دعوة
. . ( هامش صفحة 189 ) ( 1 ) في المصدر : لما اني ارى .
( 2 ) في المصدر : ان الاقل من القوت .
( 3 ) في المصدر : ولا مسكن يسكن اليه .
( 4 ) الطلب : جمع الطالب .
( 5 ) في المصدر : قال : فان لي علامة تصدقوني بها فأراهم طرف ردائه .
( 6 ) الكامل 1 : 170 171 174 175 .
[190]
زكريا عليه السلام ، ( 1 ) وكذا روى السيد في الاقبال عن المفيد ، ( 2 ) ورواه الصدوق في الفقيه
أيضا ، ( 3 ) وسيأتي بعض أخبار هذا الباب في أبواب قصص مريم وعيسى عليه السلام ، وبعضها في باب
أحوال بخت نصر .
42 ك : بإسناده عن أبي رافع ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لما رفع الله عيسى بن مريم عليه السلام
واستخلف في قومه شمعون بن حمون فلم يزل شمعون في قومه يقوم بأمر الله عزوجل حتى
استخلص ربنا تبارك وتعالى وبعث في عباده نبيا من الصالحين وهو يحيى بن زكريا عليه السلام
فمضى شمعون وملك عند ذلك أردشير بن اشكاس ( 4 ) أربعة عشر سنة وعشرة أشهر ، وفي
ثمان سنين من ملكه قتلت اليهود يحيى بن زكريا عليه السلام فلما أراد الله أن يقبضه أوحى
إليه أن يجعل الوصية في ولد شمعون ، ألى آخر ماسيأتي في باب أحوال ملوك
الارض . ( 5 )
بيان : الجمع بين الاخبار الدالة على تقدم وفاة يحيى عليه السلام على رفع عيسى عليه السلام
وبين مادل على تأخرها عنه مشكل إلا أن يحمل بعضها على التقية ، أو يقال : إن الله
أحيا يحيى بعد موته وبعثه إليهم . والله يعلم . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 190 ) ( 1 ) راجع مصباح المتهجد : 537 .
( 2 ) راجع الاقبال 1 : 544 .
( 3 ) راجع من لايحضره الفقيه : 172 .
( 4 ) في نسخة : اردشير بن زاركا ، ولعله مصحف بابكان أو بابك .
( 5 ) اكمال الدين : 130 ، والحديث طويل اخرجه بتمامه مسندا في آخر الكتاب .
( 6 ) تتميم : قد ساق المسعودي في كتابه اثبات الوصية الوصاية من سليمان بن داود عليه السلام
إلى آصف بن برخيا ، ومنه إلى صفورا بن آصف ثم إلى منبه بن صفورا ثم إلى هندوا بن منبه ثم
إلى اسفر بن هندوا ثم إلى ابنه رامن ثم إلى اسحاق بن رامن ثم إلى ايم بن اسحاق ثم إلى زكريا
ابن ايم بن اسحاق ثم إلى اليسابغ ثم إلى روبيل بن اليسابغ ثم بعث الله المسيح عيسى بن مريم
عليه السلام .
وقال اليعقوبي : زكريا بن برخيا بن شوا بن نحرائيل بن سهلون بن ارسوا بن شويل بن ( بعود ) ؟ ( كذا )
ابن موسى بن عمران .
وفي المحبر : زكريا بن بشوى وابنه يحيى من ولد هارون بن عمران . وقال الثعلبي : هو زكريا بن
يوحنا بن ادن بن مسلم بن صدوق بن يجسار بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن ناحور بن سدوم
ابن ثهفاساطين بن ابيا بن رحبعم بن سليمان بن داود عليهما السلام .
[191]
( ابواب )
* ( قصص عيسى وامه وأبويها ) *
( باب 16 )
* ( قصص مريم وولادتها وبعض أحوالها صلوات الله عليها ) *
* ( وأحوال أبيها عمران ) *
الايات ، ال عمران " 3 " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران
على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم * إذ قالت امرأت عمران رب إني
نذرت لك مافي بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم * فلما وضعتها قالت
رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وإني سميتها مريم
وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم * فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا
حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى
لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب 33 37 .
" وقال تعالى " : وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على
نساء العالمين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين * ذلك من أنباء
الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم
إذ يختصمون * إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى
ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن
الصالحين * قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق مايشاء
إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل
ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة
[192]
الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الاكمه والابرص وأحيي الموتى بإذن الله
وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين *
ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من
ربكم فاتقوا الله وأطيعون * إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم 42 51 .
1 كا : حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ،
عن أبان بن عثمان ، عن عبدالاعلى مولى آل سام قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول :
تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها ، فتقول : يارب حسنت خلقي
حتى لقيت ما لقيت ، فيجاء بمريم عليها السلام فيقال : أنت أحسن أم هذه ؟ قد حسناها فلم
تفتتن . ( 1 )
أقول : قد مر تمامه في باب قصص أيوب عليه السلام .
2 شى : عن الحكم بن عيينة ( 1 ) قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله في الكتاب
" إذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين " اصطفاها
مرتين ، والاصطفاء إنما هو مرة واحدة ، قال : فقال لي : ياحكم إن لهذا تأويلا و
تفسيرا ، فقلت له : ففسره لنا أبقاك الله ، قال : يعني اصطفاها أولا من ذرية الانبياء
المصطفين المرسلين ، وطهرها من أن يكون في ولادتها من آبائها وأمهاتها سفاح ، و
اصطفاها بهذا في القرآن " يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي " شكرا لله ، ثم قال
لنبيه محمد صلى الله عليه وآله يخبره بما غاب عنه من خبر مريم وعيسى : يامحمد " ذلك من أنباء الغيب
نوحيه إليك " في مريم وابنها وبما خصهما الله به وفضلهما وأكرمهما حيث قال : " وما
كنت لديهم " يامحمد " إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " حين أيتمت من أبيها وفي
رواية ابن خرزاد : أيهم يكفل مريم حين أيتمت من أبويها " وما كنت لديهم " يامحمد
" إذ يختصمون " في مريم عند ولادتها بعيسى أيهم يكفلها ويكفل ولدها ، قال : فقلت
له : أبقاك الله فمن كفلها ؟ فقال : أما تسمع لقوله : " وكفلها زكريا " الآية .
. . ( هامش صفحة 192 ) ( 1 ) روضة الكافي : 228 .
( 2 ) هكذا في النسخ وفي تفسير البرهان وهو وهم ، والصواب عتيبة .
[193]
وزاد علي بن مهزيار ( 1 ) في حديثه : " فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى
والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك و
ذريتها من الشيطان الرجيم " قال : قلت : أكان يصيب مريم مايصيب النساء من الطمث ؟
قال : نعم ماكانت إلا امرأة من النساء . وفي رواية أخرى : " إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل
مريم " قال : قال استهموا عليها فخرج سهم زكريا فكفل بها .
وقال زيد بن ركانة : اختصموا في بنت حمزة كما اختصموا في مريم ، قال : قلت له :
جعلت فداك حمزة استن السنن والامثال ، كما اختصموا في مريم اختصموا في بنت حمزة ؟
قال : نعم " واصطفاك على نساء العالمين " قال : نساء عالميها ، قال : وكانت فاطمة عليها السلام
سيدة نساء العالمين . ( 2 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " يامريم إن الله اصطفاك " أي اختارك
وألطف لك حتى تفرغت لعبادته واتباع مرضاته ، وقيل : معناه : اصطفاك لولادة المسيح
وطهرك بالايمان عن الكفر ، وبالطاعة عن المعصية ، أو طهرك عن الادناس والاقذار التي
تعرض للنساء مثل الحيض والنفاس حتى صرت صالحة لخدمة المسجد ، أو طهرك عن الاخلاق
الذميمة والطبائع الرديئة " واصطفاك على نساء العالمين " أي على نساء عالمي زمانك ،
لان فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين . وقال أبوجعفر عليه السلام : معنى الآية : اصطفاك من
ذرية الانبياء ، وطهرك من السفاح ، واصطفاك لولادة عيسى من غير فحل ، وخرج بهذا
من أن يكون تكرارا .
أقول : يظهر مما رواه أن فيما عندنا من نسخة العياشي سقطا . ( 3 )


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 193 سطر 19 إلى صفحه 201 سطر 18

ثم قال : " يامريم اقنتي لربك " أي اعبديه واخلصي له العبادة ، أو أديمي الطاعة
له ، أو أطيلي القيام في الصلاة " واسجدي واركعي مع الراكعين " أي كما يعمل الراكعون
. . ( هامش صفحة 193 ) ( 1 ) الظاهر أن الحديث كانت له أسناد متعددة ، وحيث اسقط ناسخ التفسير الاسانيد وقعت
الرواية هكذا مشوشة غير منتظمة .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط . أخرجه البحراني أيضا في تفسير البرهان 1 : 283
( 3 ) وسيأتي تمام ذلك من غير سقط عن تفسير القمي تحت رقم 8 .
[194]
والساجدون ، أو يكون ذلك أمرا لها بأن تعمل السجود والركوع معهم في الجماعة ، و
قيل : معناه : واسجدي لله شكرا واركعي أي وصلي مع المصلين ، ثم قال : " وما كنت لديهم
إذ يلقون أقلامهم " التي يكتبون بها التوراة في الماء ، وقيل : أقلامهم أقداحهم ( 1 )
للاقتراع جعلوا عليها علامات يعرفون بها من يكفل مريم على جهة القرعة " أيهم يكفل
مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون " فيه دلالة على أنهم قد بلغوا في التشاح ( 2 ) عليها
إلى حد الخصومة . وفي وقت التشاح قولان :
أحدهما : حين ولادتها وحمل أمها إياها إلى الكنيسة ، فتشاحوا في الذي
يحضنها ويكفل تربيتها ، وقال بعضهم : كان ذلك وقت كبرها وعجز زكريا عن تربيتها . ( 3 )
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " إذ قالت امرأة عمران " اسمها حنة جدة عيسى ، وكانتا
أختين : إحداهما عند عمران بن أشهم ( 4 ) من ولد سليمان بن داود عليهما السلام وقيل : هو
عمران بن ماثان ، عن ابن عباس ومقاتل ، وليس عمران أبا موسى وبينهما ألف وثمان مائة
سنة ، وكان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل ، والاخرى كانت عند زكريا ايشاع ( 5 ) واسم
أبيها فاقود بن فتيل ، فيحيى ومريم ابنا خالة " رب إني نذرت لك ما في بطني محررا "
أي أوجبت لك أن أجعل مافي بطني محررا ، أي خادما للبيعة يخدم في متعبداتنا ، وقيل :
محررا للعبادة ، أي مخلصا لها ، وقيل : عتيقا خالصا لطاعتك لا أستعمله في منافعي ولا
أصرفه في الحوائج ، قالوا : وكان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة يقوم عليها ويكنسها
ويخدمها ، لا يبرح حتى يبلغ الحلم ، ثم يخير فإن أحب أن يقيم فيه أقام ، وإن
أحب أن يذهب ذهب حيث شاء ، قالوا : وكانت حنة قد أمسك عنها الولد حتى آيست ،
. . ( هامش صفحة 194 ) ( 1 ) الاقداح جمع القدح بالكسر فالسكون سهم الميسر .
( 2 ) تشاحوا على الشئ : أراد كل منهم ان يستأثر به .
( 3 ) مجمع البيان 2 : 440 و 441 .
( 4 ) في المصدر : عمران بن الهشم . وفي تاريخ الطبري : عمران بن ياشهم . وفي العرائس :
عمران بن ساهم .
( 5 ) هكذا في النسخ وفيه سقط ، والصحيح كما في المصدر : اسمها ايشاع .
[195]
فبينما هي تحت شجرة إذ رأت طائرا يزق ( 1 ) فرخا له ، فتحرك نفسها للولد فدعت الله
أن يرزقها ولدا فحملت بمريم " فتقبل مني " أي نذري قبول رضى " إنك أنت السميع "
لما أقول " العليم " بما أنوي " فلما وضعتها " خجلت واستحيت وقالت منكسة رأسها :
" رب إني وضعتها أنثى " وقيل فيه قولان :
أحدهما : أن المراد به الاعتذار من العدول عن النذر لانها أنثى ، والآخر أن المراد
تقديم الذكر في السؤال لها بأنها أنثى لان سعيها أضعف وعملها أنقص ، ( 2 ) فقدم ذكرها
ليصح القصد لها في السؤال بقولها : " وإني أعيذها بك " " والله أعلم بما وضعت وليس
الذكر كالانثى " لانها لاتصلح لما يصلح له الذكر ، وإنما كان يجوز لهم التحرير في
الذكور دون الاناث ، لانها لاتصلح لما يصلح الذكر له من التحرير لخدمة بيت المقدس
لما يلحقها من الحيض والنفاس والصيانة عن التبرج للناس ، وقال قتادة : لم يكن التحرير إلا
في الغلمان فيما جرت به العادة ، وقيل : أرادت أن الذكر أفضل من الانثى على العموم
وأصلح للاشياء " وإني سميتها مريم " وهي بلغتهم العابدة والخادمة فيما قيل ، ( 3 )
وروى الثعلبي بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : حسبك
من نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية ( 4 ) امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد
وفاطمة بنت محمد " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " خافت عليها ما يغلب
على النساء من الآفات فقالت ذلك ، وقيل : إنما استعاذتها من طعنة الشيطان في جنبها
التي لها يستهل الصبي صارخا ، فوقاها الله وولدها عيسى عليه السلام منه بحجاب ، وقيل :
إنما استعاذت من إغواء الشيطان الرجيم إياها " فتقبلها ربها " مع أنوثتها ورضي بها
في النذر التي نذرته ( 5 ) حنة للعبادة في بيت المقدس ، ولم يتقبل قبلها أنثى في ذلك المعنى
. . ( هامش صفحة 195 ) ( 1 ) زق الطائر فرخه : اطعمه بمنقاره .
( 2 ) في المصدر : وعقلها أنقص .
( 3 ) " " هنا زيادة وهي : وكانت مريم أفضل النساء في وقتها وأجملهن .
( 4 ) " " : وآسية بنت مزاحم .
( 5 ) " " في النذر الذي نذرته .
[196]
وقيل : معناه : تكفل بها في تربيتها والقيام بشأنها ، عن الحسن . وقبوله إياها أنه ماعرتها
علة ساعة في ليل أو نهار " بقبول حسن " أصله : بتقبل حسن ، وقيل : معناه : سلك بها طريق
السعداء ، عن ابن عباس " وأنبتها نباتا حسنا " أي جعل نشوءها نشوءا حسنا ، وقيل : سوى
خلقها فكانت تنبت في يوم ماينبت غيرها في عام ، عن ابن عباس ، وقيل : أنبتها في رزقها و
غذائها حتى تمت امرأة بالغة تامة ، عن بان جريح .
وقال ابن عباس : لما بلغت تسع سنين صامت النهار وقامت الليل وتبتلت حتى
غلبت الاحبار " وكفلها زكريا " بالتشديد أي ضمها الله عز اسمه إلى زكريا وجعله
كفيلها ليقوم بها ، وبالتخفيف معناه : ضمها زكريا إلى نفسه ، وضمن القيام بأمرها ، وقالوا
إن أم مريم أتت بها ملفوفة في خرقة إلى المسجد وقالت : دونكم النذيرة ، فتنافس
فيها الاحبار لانها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم ، فقال لهم زكريا عليه السلام : أنا
أحق بها لان خالتها عندي ، فقالت له الاحبار : إنها لو تركت لاحق الناس بها
لتركت لامها التي ولدتها ، ولكنا نقرع عليها فتكون عند من خرج سهمه ، فانطلقوا
وهم تسعة وعشرون رجلا إلى نهر جار فألقوا أقلامهم في الماء فارتفع قلم زكريا فوق الماء و
رسبت أقلامهم ، عن ابن إسحاق وجماعة ، وقيل : بل تلبث قلم زكريا ( 1 ) وقام فوق الماء كأنه في
طين ، وجرت أقلامهم مع جرية الماء فذهب بها الماء ، عن السدي ، فسهمهم زكريا وقرعهم
وكان رأس الاحبار ونبيهم فذلك قوله تعالى : " وكفلها زكريا " .
قالوا : فلما ضم زكريا مريم إلى نفسه بنى لها بيتا واسترضع لها ، وقال محمد بن
إسحاق : ضمها إلى خالتها أم يحيى حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محرابا
في المسجد وجعل بابه في وسطها لا يرقى إليها إلا بسلم مثل باب الكعبة ، ولا يصعد إليها غيره ،
وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها
رزقا " يعني وجد زكريا عندها فاكهة في غير أوانها ، فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء
في الصيف غضا طريا ، وقيل : إنها لم ترضع قط وإنما كان يأتيها رزقها من الجنة
" قال يامريم أنى لك هذا " يعني قال لها زكريا : كيف لك ومن أين لك هذا ؟
. . ( هامش صفحة 196 ) ( 1 ) في المصدر : بل ثبت قلم زكريا .
[197]
كالمتعجب منه " قالت هو من عند الله " أي من الجنة ، وهذه تكرمة من الله لها وإن كان
ذلك خارقا للعادة ، فإن عندنا يجوز أن تظهر الآيات الخارقة للعادة على غير الانبياء
من الاولياء والاصفياء ، ومن منع ذلك من المعتزلة قالوا فيه قولين :
أحدهما : أنه كان ذلك تأسيسا لنبوة عيسى عليه السلام ، عن البلخي ، والآخر أنه كان
بدعاء زكريا عليه السلام لها بالرزق في الجملة ، وكانت معجزة له ، عن الجبائي " إن الله يرزق
من يشاء بغير حساب " . ( 1 )
3 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبدالرحمن بن سالم ، عن
مفضل بن عمر قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام من غسل فاطمة عليها السلام ؟ قال : ذاك أمير المؤمنين
عليه السلام ، كأنما استفظعت ذلك من قوله ، فقال لي : كأنك ضقت مما أخبرتك ؟
فقلت : قد كان جعلت فداك ، فقال : لاتضيقن فإنها صديقة لم يكن يغسلها إلا صديق ،
أما علمت أن مريم عليها السلام لم يغسلها إلا عيسى عليه السلام . ( 2 )
4 شى : عن سيف ، عن نجم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن فاطمة عليها السلام ضمنت
لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقم البيت ، وضمن لها علي عليه السلام ماكان خلف
الباب : نقل الحطب ، ( 3 ) وأن يجئ بالطعام ، فقال لها يوما : يا فاطمة هل عندك شئ ؟
قالت : والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاث إلا شئ آثرتك به ، ( 4 ) قال : أفلا
أخبرتني ؟ قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله نهاني أن أسألك شيئا ، فقال : لا تسألي ابن عمك
شيئا ، إن جاءك بشئ عفوا وإلا فلا تسأليه ، قال : فخرج عليه السلام فلقي رجلا فاستقرض منه
دينارا ، ثم أقبل به وقد أمسى ، فلقي المقداد بن الاسود فقال للمقداد : ما أخرجك في هذه
الساعة ؟ قال : الجوع ، والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين ، قال : فهو أخرجني وقد
. . ( هامش صفحة 197 ) ( 1 ) مجمع البيان 2 : 434 435 و 436 437 .
( 2 ) فروع الكافي 1 : 44 ، ورواه أيضا في الاصول 1 : 459 باسناده عن عدة من أصحابنا
عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن احمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبدالرحمن بن سالم . وفي نسخة :
كأنك استضقت . وفي الطريق الثاني : كانى استعظمت .
( 3 ) في نسخة من البرهان : من نقل الحطب .
( 4 ) في البرهان : منذ ثلاث ايام شئ نقريك به .
[198]
استقرضت دينارا وسأؤثرك به ، فدفعه إليه ، فأقبل فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا وفاطمة
تصلي وبينهما شئ مغطى ، فلما فرغت أحضرت ذلك الشئ ، فإذا جفنة من خبز ولحم
قال : يافاطمة أنى لك هذا ؟ قالت : هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا أحدثك بمثلك ومثلها ؟ قال : بلى ، قال : مثل زكريا إذا دخل
على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال : يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن
الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فأكلوا منها شهرا وهي الجفنة التي يأكل منها القائم
عليه السلام وهو عنده . ( 1 )
5 ل : الفامي وابن مسرور معا ، عن ابن بطة ، عن الصفار ، عن ابن معروف ،
عن حماد ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أول من سوهم عليه مريم بنت
عمران ، وهو قول الله : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " والسهام
ستة . الخبر . ( 2 )
يه : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم وابن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عمن أخبره ،
عن حريز عنه عليه السلام مثله . ( 3 )
بيان : قوله عليه السلام : ( والسهام ستة ) ظاهره أن السهام في تلك الواقعة كانت ستة
لكون المتنازعين ستة ، فيدل على بطلان مامر في كلام الطبرسي رحمه الله أنهم كانوا
تسعة وعشرين ، ويحتمل أن يكون المراد كون سهام القرعة مطلقا ستة إذا لم يزد المطلوب
عليها بضم السهام المبهمة كما دل عليه بعض الاخبار لكنه بعيد .
6 فس : " والتي أحصنت فرجها " قال : مريم لم ينظر إليها شئ " فنفخنا فيها
من روحنا " قال : روح مخلوقة لله . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 198 ) ( 1 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه ايضا البحراني في البرهان 1 : 282 وفيه : وهي
عندنا .
( 2 ) الخصال 1 : 75
( 3 ) من لايحضره الفقيه : 336 .
( 4 ) تفسير القمي : 433 وفيه : قال : روح مخلوقة يعني امرنا .
[199]
7 فس : أبي ، عن داود بن محمد النهدي قال : دخل أبوسعيد المكاري ( 1 ) على أبي
الحسن الرضا عليه السلام فقال له : أبلغ من قدرك أن تدعي ماادعى آباؤك ؟ فقال له الرضا
عليه السلام : مالك أطفأ الله نورك وأدخل الفقر بيتك ؟ أما علمت أن الله أوحى إلى عمران
أني واهب لك ذكرا فوهب له مريم ووهب لمريم عيسى ؟ فعيسى بن مريم من مريم ،
ومريم من عيسى ، ومريم وعيسى واحد ، وأنا من أبي ، وأبي مني ، وأنا وأبي شئ واحد
الخبر . ( 2 )
مع : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن داود بن
محمد النهدي مثله . ( 3 )
8 فس : " إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك مافي بطني محررا فتقبل
مني إنك أنت السميع العليم " فإن الله تبارك وتعالى أوحى إلى عمران إني واهب لك
ذكرا يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى بإذن الله ، ( 4 ) فبشر عمران زوجته بذلك
فحملت فقالت : " رب إني نذرت لك مافي بطني محررا " للمحراب ، وكانوا إذا نذروا نذرا
محررا جعلوا ولدهم للمحراب " فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت
وليس الذكر كالانثى " وأنت وعدتني ذكرا " وإني سميتها مريم وإني أعيذها
بك وذريتها من الشيطان الرجيم " فوهب الله لمريم عيسى عليه السلام ، قال : وحدثني أبي ،
. . ( هامش صفحة 199 ) ( 1 ) هو هاشم ( او هشام ) بن حيان أبوسعيد المكاري على اختلاف ، ترجمع النجاشي والشيخ و
غيرهما ، وكان وجها في الواقفة ، ذكر أبوعمرو الكشي الحديث في ابنه قال : حدثني حمدويه عن
الحسن بن موسى قال : كان ابن أبي سعيد المكاري واقفا ، حدثني حمدويه قال : حدثني الحسن بن
موسى قال : رواه علي بن عمر الزيات ، عن ابن أبي سعيد المكاري قال : دخل على الرضا عليه السلام
فقال له : فتحت بابك للناس وقعدت للناس تفتيهم ولم يكن ابوك يفعل هذا ، قال : ليس علي من
هارون بأس ، فقال له : أطفأ الله نور قلبك وأدخل الفقر بيتك اما علمت ان الله اوحى إلى مريم
أن في بطنك نبيا فولدت مريم عيسى ؟ ثم ذكر نحو الحديث مع ذيل .
( 2 ) تفسير القمي : 551 .
( 3 ) معاني الاخبار : 65 66 ، وفيه : النهدى ، عن بعض اصحابنا قال : دخل ابن ابي سعيد
المكاري . وللحديث فيه ذيل .
( 4 ) في نسخة : باذني .
[200]
عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن
قلنا لكم في الرجل منا قولا فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك ،
إن الله أوحى إلى عمران إني واهب لك ذكرا مباركا يبرئ الاكمه والابرص ويحيي
الموتى بإذني ، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل ، فحدث امرأته حنة بذلك وهي أم مريم
فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما فلما وضعتها أنثى قالت رب إني وضعتها
أنثى وليس الذكر كالانثى لان البنت لا تكون رسولا ، ( 1 ) يقول الله : " والله أعلم بما
وضعت " فلما وهب الله لمريم عيسى عليه السلام كان هو الذي بشر الله به عمران ووعده إياه ،
فإذا قلنا لكم في الرجل منا شيئا وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك ، فلما بلغت
مريم صارت في المحراب وأرخت على نفسها سترا وكان لايراها أحد ، وكان يدخل عليها
زكريا المحراب فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف ، فكان
يقول لها : " أنى لك هذا " فتقول : " هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " .
" وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين "
قال : اصطفاها مرتين : أما الاولى فاصطفاها أي اختارها ، وأما الثانية فإنها حملت من
غير فحل فاصطفاها بذلك على نساء العالمين ، قوله : " يامريم اقنتي لربك واسجدي و
اركعي مع الراكعين " وإنما هو : واركعي واسجدي ، ثم قال الله لنبيه : " ذلك من
أنباء الغيب نوحيه إليك " يامحمد " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما
كنت لديهم إذ يختصمون " قال : لما ولدت اختصموا آل عمران فيها وكلهم قالوا : نحن
نكفلها ، فخرجوا وضربوا بالسهام بينهم ، فخرج سهم زكريا عليه السلام فكفلها زكريا عليه السلام ،
قوله : " وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين " أي ذووجه وجاه . ( 2 )
9 ل : محمد بن علي بن إسماعيل ، عن أبي القاسم بن منيع ، ( 3 ) عن شيبان بن
. . ( هامش صفحة 200 ) ( 1 ) في نسخة : الابنة لا تكون رسولا .
( 2 ) تفسير القمي : 91 و 92 ، وفيه : ذا وجه وجاه .
( 3 ) في نسخة : عن منيع ، وحكى في ذيل الخصال المطبوع جديدا عن النسخ المخطوطة أنه
أبوالعباس بن منيع ، قلت : فيهما وهم والصحيح ما في المتن وما في الخصال المطبوع والظاهر أنه
ابوالقاسم عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البغوي الحافظ كان ابن بنت أحمد بن منيع البغوي ، ولد سنة
[201]
فروخ ، عن داود بن أبي الفرات ، عن علباء بن أحمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خط
رسول الله صلى الله عليه وآله أربع خطط في الارض . وقال : أتدرون ماهذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ،
فقال رسول الله : أفضل نساء الجنة أربع : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم
بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون . ( 1 )
10 ل : سليمان بن أحمد بن أيوب اللحمي ، ( 2 ) عن علي بن عبدالعزيز ، عن
حجاج بن المنهال ، عن داود بن أبي الفرات ، عن علباء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال
خط رسول الله صلى الله عليه وآله أربع خطوط ، ثم قال : خير نساء الجنة مريم بنت عمران ، وخديجة
بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون . ( 3 )
11 ل : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد ، عن أبي عبدالله الرازي ، عن ابن
أبي عثمان ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
إن الله عزوجل اختار من النساء أربعا : مريم ، وآسية ، وخديجة ، وفاطمة . الخبر . ( 4 )
12 ع : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن أحمد ، عن أبان
ابن عثمان ، عن إسماعيل الجعفي قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : إن المغيرة يزعم أن
الحائض تقضي الصلاة كما تقضي الصوم ، فقال : ماله لا وفقه الله ؟ إن امرأة عمران قالت :
" رب إني نذرت لك مافي بطني محررا " والمحرر للمسجد لا يخرج منه أبدا ، فلما
. . ( هامش صفحة 201 ) 214 وتوفى سنة 317 . وشيبان بن فروخ هو شيبان بن فروخ أبي شيبة الحبطي الابلي ابومحمد
المتوفى في سنة 235 أو 236 وله بضع وتسعون سنة . وداود بن أبي الفرات هو داود بن بكر بن
أبي الفرات الاشجعي المدني . وعلباء بالكسر فالسكون هو ابن أحمر اليشكري البصري كان


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 201 سطر 19 إلى صفحه 209 سطر 18

من القراء .
( 1 ) الخصال 1 : 96 و 1 : 164 من الطبعة الجديدة .
( 2 ) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في المصدر : اللخمي بالخاء ، وهو بفتح اللام وسكون
الخاء نسبة إلى لخم وهو مالك بن عدي ، ولخم وجذام قبيلتان من اليمن ، والرجل هو سليمان بن
احمد بن أيوب اللخمي ابوالقاسم الطبراني الحافظ ، عاش مائة سنة ، وسمع وهو ابن ثلاث عشرة
سنة وبقى إلى سنة ستين وثلاث مائة .
( 3 ) الخصال 1 : 96 .
( 4 ) " " 1 : 107 .
[202]
وضعت مريم قالت : " رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالانثى " فلما وضعتها أدخلتها
المسجد ، فلما بلغت مبلغ النساء أخرجت من المسجد ، أنى كانت تجد أياما تقضيها و
هي عليها أن تكون الدهر في المسجد ؟ . ( 1 )
شى : عن إسماعيل بن عبدالرحمن الجعفي مثله . ( 2 )
13 كا : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل
الجعفي مثله . وفيه : فلما وضعتها أدخلتها المسجد ، فساهمت عليها الانبياء ، فأصابت القرعة
زكريا عليه السلام فكفلها زكريا عليه السلام فلم تخرج من المسجد حتى بلغت ، فلما بلغت ماتبلغ
النساء خرجت . فهل كانت تقدر على أن تقضي تلك الايام التي خرجت وهي عليها أن تكون
الدهر في المسجد ؟ ( 3 )
أقول : سيأتي شرحه في كتاب الصلاة إن شاء الله .
14 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن
عيسى ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام ، عن عمران
أكان نبيا ؟ فقال : نعم كان نبيا مرسلا إلى قومه ، وكانت حنة امرأة عمران وحنانة
امرأة زكريا أختين ، فولد لعمران من حنة مريم ، وولد لزكريا من حنانة يحيى عليه السلام
وولدت مريم عيسى عليه السلام وكان عيسى عليه السلام ابن بنت خالته ، وكان يحيى عليه السلام ابن
خالة مريم ، وخالة الام بمنزلة الخالة . ( 4 )
بيان : أي فلذا كان يقال : إن يحيى ابن خالة عيسى .
ثم اعلم أن هذا مخالف لما مر ، وسيأتي أن مريم كانت أخت أم يحيى ، ولعل
أحدهما محمول على التقية ، ويمكن حمل الاخت الوارد في تلك الاخبار على المجاز أيضا ،
ويمكن إرجاع ضمير أختها في خبر إسماعيل الآتي إلى أم مريم .
. . ( هامش صفحة 202 ) ( 1 ) علل الشرائع : 193 .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط ، واخرجه البحراني أيضا في البرهان 1 : 282 .
( 3 ) فروع الكافي 1 : 30 .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
[203]
15 ص : بهذا الاسناد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله تعالى
جل جلاله أوحى إلى عمران إني واهب لك ذكرا مباركا يبرئ الاكمه والابرص ،
ويحيي الموتى بإذن الله ، وإني جاعله رسولا إلى بني إسرائيل ، قال : فحدث عمران
امرأته حنة بذلك وهي أم مريم ، فلما حملت كان حملها عند نفسها غلاما ، فقالت : " رب
إني نذرت لك مافي بطني محررا " فوضعت أنثى فقالت : " وليس الذكر كالانثى " إن
البنت لاتكون رسولا ، فلما أن وهب الله لمريم عيسى بعد ذلك كان هو الذي بشر الله به
عمران . ( 1 )
كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن
محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي بصير مثله .
16 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن أورمة ، عن محمد بن أبي صالح
عن الحسن بن محمد بن أبي طلحة قال : قلت للرضا عليه السلام أيأتي الرسل عن الله بشئ
ثم تأتي بخلافه ؟ قال : نعم إن شئت حدثتك ، وإن شئت أتيتك به من كتاب الله تعالى
جلت عظمته : " ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم " الآية ، فما دخلوها ودخل
أبناء أبنائهم ، وقال عمران : إن الله وعدني أن يهب لي غلاما نبيا في سنتي هذه وشهري
هذا ، ثم غاب وولدت امرأته مريم وكفلها زكريا ، فقالت طائفة : صدق نبي الله ، وقالت
الآخرون : كذب ، فلما ولدت مريم عيسى عليه السلام قالت الطائفة التي أقامت على صدق
عمران : هذا الذي وعدنا الله . ( 2 )
17 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد رفعه قال : قال الصادق عليه السلام
في قوله تعالى : " ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها " قال : أحصنت فرجها قبل أن
تلد عيسى خمسمائة عام ، قال : فأول من سوهم عليه مريم ابنة عمران ، نذرت أمها ما في
بطنها محررا للكنيسة ، فوضعتها أنثى فشبت فكانت تخدم العباد تناولهم حتى بلغت ،
وأمر زكريا عليه السلام أن يتخذ لها حجابا دون العباد ، فكان زكريا عليه السلام يدخل عليها
. . ( هامش صفحة 203 ) ( 1 و 2 ) قصص الانبياء مخطوط ، والحديث الثاني مجهول بمحمد بن ابي صالح والحسن بن محمد بن
ابي طلحة ، ومتنه من البداء الذي تقدم ذكره ومعناه ودفع الاشكال عنه في باب البداء .
[204]
فيرى عندها ثمرة الشتاء في الصيف ، وثمرة الصيف في الشتاء ، قال : " يامريم أنى لك هذا
قالت هو من عند الله " تعالى ، وقال : عاشت مريم بعد عمران خمسمائة سنة . ( 1 )
بيان : لايخفى ما في هذا الخبر من الشذوذ والغرابة والمخالفة لسائر الاخبار و
الآثار . ( 2 )
18 شى : أبوخالد القماط ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
إن امرأة عمران لما نذرت مافي بطنها محررا قال : والمحرر للمسجد إذا وضعته دخل
المسجد فلم يخرج من المسجد أبدا ، فلما ولدت مريم قالت : " رب إني وضعتها أنثى
والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك و
ذريتها من الشيطان الرجيم " فساهم عليها النبيون فأصاب القرعة زكريا وهو زوج
أختها ، وكفلها وأدخلها المسجد ، فلما بلغت ما تبلغ النساء من الطمث وكانت أجمل
النساء وكانت تصلي فتضئ المحراب لنورها ، فدخل عليها زكريا فإذا عندها فاكهة
الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء ، فقال : " أنى لك هذا قالت هو من عند الله "
فهنالك دعا زكريا ربه قال : إني خفت الموالي من ورائي ، إلى ماذكر الله من قصة زكريا
ويحيى . ( 3 )
19 شى : حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " إني نذرت
لك ما في بطني محررا " المحرر يكون في الكنيسة ولا يخرج منها " فلما وضعتها أنثى
قالت رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالانثى " ( 4 ) إن الانثى تحيض فتخرج من
المسجد ، والمحرر لايخرج من المسجد . ( 5 )
20 شى : في رواية حريز ، عن أحدهما عليهما السلام قال : " نذرت مافي بطنها " للكنيسة
. . ( هامش صفحة 204 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 2 ) مع انه مرسل ومرفوع .
( 3 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني أيضا في البرهان 1 : 282 .
( 4 ) في نسخة من البرهان : والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى .
( 5 ) تفسير العياشي مخطوط .
[205]
أن تخدم العباد ، وليس الذكر كالانثى في الخدمة ، قال : فشبت وكانت تخدمهم وتناولهم
حتى بلغت ، فأمر زكريا عليه السلام أن يتخذ لها حجابا دون العباد ، فكان يدخل عليها
فيرى عندها ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء ، فهنالك دعا وسأل ربه
زكريا فوهب له يحيى . ( 1 )
21 شى : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : أوحى الله إلى
عمران إني واهب لك ذكرا مباركا ، يبرئ الاكمه والابرص ، ويحيي الموتى بإذن الله
ورسولا إلى بني إسرائيل ، فأخبر بذلك امرأته حنة فحملت فوضعت مريم ، فقالت : " رب
إني وضعتها أنثى " والانثى لاتكون رسولا ، وقال لها عمران : إنه ذكر يكون نبيا ،
فلما رأت ذلك قالت ماقالت ، فقال الله وقوله الحق : " والله أعلم بما وضعت " فقال أبوجعفر
عليه السلام : فكان ذلك عيسى بن مريم عليه السلام ، فإن قلنا لكم : إن الامر يكون في
أحدنا فكان في ابنه وابن ابنه أو ابن ابن ابنه فقد كان فيه فلا تنكروا ذلك . ( 2 )
أقول : سيأتي بعض أخبارها في أبواب أحوال فاطمة عليها السلام .
22 لى : بإسناده عن ابن عباس في حديث طويل ( 3 ) رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال في فاطمة عليها السلام وما يصيبها من الظلم بعده : ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام
أبيها عزيزة ، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران
فتقول : يافاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ، يافاطمة اقنتي لربك
واسجدي واركعي مع الراكعين ، ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث الله إليها مريم بنت
عمران تمرضها ( 4 ) وتؤنسها في علتها . إلى آخر الخبر . ( 5 )
. . ( هامش صفحة 205 ) ( 1 ) تفسير العياشي مخطوط ، وفي البرهان : وسأل ربه زكريا أن يهب له ذكرا فوهب
له يحيى .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط واخرجه البحراني وما تقدم في البرهان 1 : 282 .
( 3 ) في فضائل علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، ولم يذكر المصنف إسناد الحديث
اختصارا ويذكره في محله وهو هكذا : علي بن أحمد بن موسى الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد
ابن ابي عبدالله الكوفي قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي
عن الحسن بن علي بن ابي حمزة ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس .
( 4 ) مرضه : داواه واعتنى به في مرضه .
( 5 ) امالي الصدوق : 69 و 70 .
[206]
23 ع : بإسناده ( 1 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنما سميت فاطمة محدثة
لان الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة
إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ، يافاطمة اقنتي لربك واسجدي و
اركعي مع الراكعين ، فتحدثهم ويحدثونها ، فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضلة على
نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا : إن مريم كانت سيدة نساء عالمها ، وإن الله عز
وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الاولين والآخرين . ( 2 )
( باب 17 )
* ( ولادة عيسى عليه السلام ) *
الايات ، آل عمران " 3 " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم
قال له كن فيكون 59 .
مريم " 19 " واذكر في الكتاب مريم ( إذ ) ؟ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا * فاتخذت
من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك
إن كنت تقيا * قال إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا * قالت أنى يكون لي غلام
ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس
ورحمة منا وكان أمرا مقضيا * فحملته فانتبذت به مكانا قصيا * فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة
قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا * فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك
تحتك سريا * وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا * فكلي واشربي و
قري عينا * فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم
إنسيا * فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هارون ما كان
. . ( هامش صفحة 206 ) ( 1 ) لم يذكر المصنف الاسناد اختصارا فهو هكذا : حدثنا محمد بن الحسن القطان قال : حدثنا
الحسن بن علي العسكري ، عن محمد بن زكريا الجرهري قال : حدثنا شعيب بن واقد قال : حدثني
إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام .
( 2 ) علل الشرائع : 72 .
[207]
أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا * فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد
صبيا * قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت و
أوصاني بالصلوة والزكوة مادمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا * و
السلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا * ذلك عيسى بن مريم قول الحق
الذي فيه يمترون * ماكان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن
فيكون 16 35 .
الانبياء " 21 " والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية
للعالمين 91 .
التحريم " 66 " ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا و
صدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين 12 .
1 فس : " ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها " قال : لم ينظر إليها
" فنفخنا فيه من روحنا " أي روح الله مخلوقة ( 1 ) " وكانت من القانتين " أي من الداعين . ( 2 )
2 كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن إسماعيل ، ( 3 ) عن محمد بن عمرو الزيات ، عن رجل
من أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لم يولد لستة أشهر إلا عيسى بن مريم ، والحسين
ابن علي عليهما السلام . ( 4 )
3 ع : أحمد بن الحسن ، عن أحمد بن يحيى ، عن بكر بن عبدالله بن حبيب ، عن
تميم بن بهلول ، عن علي بن حسان ، عن عبدالرحمن بن المثنى الهاشمي ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : لم يعش مولود قط لستة أشهر غير الحسين وعيسى بن مريم عليهما السلام . ( 5 )
. . ( هامش صفحة 207 ) ( 1 ) في المصدر : أي روح مخلوقة .
( 2 ) تفسير القمي : 688 .
( 3 ) في المصدر : علي بن اسماعيل ، وهو الصحيح والظاهر انه علي بن اسماعيل السندي بقرينة
روايته عن محمد بن عمرو بن سعيد الزيات كما يظهر من جامع الرواة .
( 4 ) اصول الكافي 1 : 464 و 465 .
( 5 ) علل الشرائع : 79 .
[208]
4 فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام في
حديث طويل في صفة المعراج وساق الحديث إلى أن قال : ثم قال لي جبرئيل : انزل
فصل ، فنزلت وصليت ، فقال لي : تدري أين صليت ؟ فقلت : لا ، فقال : صليت بطور سيناء
حيث كلم الله موسى تكليما ، ثم ركبت فمضينا ( 1 ) ماشاء الله ، ثم قال لي : انزل فصل ،
فنزلت وصليت ، فقال لي : أتدري أين صليت ؟ فقلت : لا ، فقال : صليت في بيت لحم ( 2 ) و
بيت لحم بناحية بيت المقدس حيث ولد عيسى بن مريم عليه السلام الخبر . ( 3 )
5 كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد جميعا ، عن القاسم بن محمد ، عن
سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث قال : رأيت أبا عبدالله عليه السلام يتخلل بساتين
الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع وسجد ، فأحصيت في سجوده خمسمائة
تسبيحة ، ثم استند إلى النخلة فدعا بدعوات ثم قال : يا حفص إنها والله النخلة التي
قال الله جل ذكره لمريم : " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا " . ( 4 )
6 فس : " واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا " قال :
خرجت إلى النخلة اليابسة " فاتخذت من دونهم حجابا " قال : في محرابها " فأرسلنا إليها
روحنا " يعني جبرئيل عليه السلام " فتمثل لها بشرا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك
إن كنت تقيا " ( 5 ) فقال لها جبرئيل : " إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا "
فأنكرت ذلك لانه لم يكن في العادة أن تحمل المرأة من غير فحل ، فقالت : " أنى يكون
لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا " ولم يعلم جبرئيل أيضا كيفية القدرة فقال لها :
" كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا " قال :
فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السلام بالليل فوضعته بالغداة ، وكان حملها تسع ساعات ( 6 )
. . ( هامش صفحة 208 ) ( 1 ) في نسخة : فمضيت .
( 2 ) " " : صليت ببيت لحم .
( 3 ) تفسير القمي : 368 .
( 4 ) روضة الكافي : 143 144 .
( 5 ) في المصدر : يعني ان كنت ممن يتقى الله .
( 6 ) هذا ينافي ما تقدم من أنه لم يولد لستة أشهر إلا عيسى بن مريم ، ولم يسند القمي ذلك
إلى حديث .
[209]
جعل الله الشهور لها ساعات ، ثم ناداها جبرئيل : " وهزي إليك بجذع النخلة " أي هزي
النخلة اليابسة ، فهزت وكان ذلك اليوم سوقا فاستقبلها الحاكة وكانت الحياكة أنبل
صناعة في ذلك الزمان ، فأقبلوا على بغال شهب ، فقالت لهم مريم : أين النخلة اليابسة ؟
فاستهزؤوا بها وزجروها ، فقالت لهم : جعل الله كسبكم نزرا ، ( 1 ) وجعلكم في الناس عارا ، ثم
استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم : جعل الله البركة في كسبكم ، و
أحوج الناس إليكم ، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى ، فلما نظرت إليه قالت :
" ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " ماذا أقول لخالي ؟ وماذا أقول لبني إسرائيل ؟ فناداها
عيسى من تحتها : " ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا " أي نهرا " وهزي إليك بجذع
النخلة " أي حركي النخلة " تساقط عليك رطبا جنيا " أي طيبا ، وكانت النخلة قد يبست منذ
دهر طويل فمدت يدها إلى النخلة فأورقت وأثمرت وسقط عليها الرطب الطري وطابت
نفسها ، فقال لها عيسى : قمطيني وسويني ثم افعلي كذا وكذا ، فقمطته وسوته ، وقال
لها عيسى : " فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت
للرحمن صوما " وصمتا كذا نزلت " فلن أكلم اليوم إنسيا " ففقدوها في المحراب فخرجوا
في طلبها ، وخرج خالها زكريا عليه السلام فأقبلت وهو في صدرها وأقبلن مؤمنات بني إسرائيل
يبزقن في وجهها ، فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها ، فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا
فقالوا لها : " يامريم لقد جئت شيئا فريا * ( 2 ) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما
كانت أمك بغيا " ومعنى قولهم : يا أخت هارون أن هارون كان رجلا فاسقا زانيا
فشبهوها به ، ( 3 ) من أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته بني إسرائيل ؟


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 209 سطر 19 إلى صفحه 217 سطر 18

فأشارت إلى عيسى في المهد فقالوا لها : " كيف نكلم من كان في المهد صبيا " فأنطق الله
عيسى عليه السلام فقال : " إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما
كنت وأوصاني بالصلوة والزكوة مادمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا
. . ( هامش صفحة 209 ) ( 1 ) النزر : القليل أي جعل الله ربحه قليلا .
( 2 ) في المصدر : أي عظيما من المناهى .
( 3 ) راجع ماسيأتي عن الطبرسي في ذلك .
[210]
شقيا * والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا * ذلك عيسى بن مريم
قول الحق الذي فيه يمترون " أي يتخاصمون ، فقال الصادق عليه السلام في قوله : " وأوصاني
بالصلوة والزكوة " قال : زكاة الرؤوس ، لان كل الناس ليست لهم أموال ، وإنما
الفطرة ( 1 ) على الغني والفقير والصغير والكبير .
حدثني محمد بن جعفر قال : حدثني محمد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن يحيى بن
المبارك ، عن عبدالله بن جبلة ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " وجعلني مباركا
أينما كنت " قال : نفاعا . ( 2 )
أقول : في بعض النسخ بعد قوله : " في المهد صبيا " زيادة وهي قوله : فنطق
عيسى عليه السلام بإذن الله بلسان فصيح ، وقال : " إني عبدالله آتاني الكتاب " أي قدر لي أن
أكون صاحب شرع له " وجعلني نبيا " إلى قوله : " ويوم أبعث حيا " قيل : لايكون
على الانسان شئ أشد من هذه المواطن الثلاثة : عند الولادة وقد فارق رفاهية اعتدال
الحرارة الغريزية ، وصدم أهوال الدنيا ، ولمس الايدي له ، وهو موجب لصراخه ، وعند
الممات وما يجده من سكرات الموت ، وفراق الاحبة والمسكن ، ومجاورة الاموات
الذين لا يتعارفون ولا يتزاورون ، وعند الحشر وما يكون من أهوال يوم القيامة ،
فأخبر عيسى عليه السلام أن الله تعالى قد سلمه وآمنه من الآلام والاهوال في هذه الاحوال
الثلاث .
7 ما : المفيد ، عن علي بن بلال ، عن إسماعيل بن علي بن عبدالرحمن ، عن
أبيه ، عن عيسى بن حميد الطائي ، عن أبيه حميد بن قيس ، ( 3 ) عن علي بن الحسين عليهما السلام قال
. . ( هامش صفحة 210 ) ( 1 ) في نسخة : وانها الفطرة .
( 2 ) تفسير القمي : 409 411 .
( 3 ) في المصدر : عن أبيه حميد بن قيس قال : سمعت أبا الحسن علي بن الحسين بن علي بن الحسين
قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبا جعفر بن علي بن الحسين يقول : إن امير المؤمنين عليه
السلام إه .
[211]
إن أمير المؤمنين عليه السلام لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء ، ( 1 ) فقال للناس : إنها
الزوراء فسيروا وجنبوا عنها ، فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة ، فلما أتى
يمنة ( 2 ) السواد إذا هو براهب في صومعة له ، فقال له الراهب : لا تنزل هذه الارض بجيشك
قال : ولم ؟ قال : لانها لاينزلها إلا نبي أو وصي نبي يقاتل ( 3 ) في سبيل الله عزوجل
هكذا نجد في كتبنا ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أنا وصي سيد الانبياء ، وسيد الاوصياء
فقال له الراهب : فأنت إذن أصلع قريش ، ووصي محمد ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أنا
ذلك ، فنزل الراهب إليه فقال : خذ علي شرائع الاسلام ، إني وجدت في الانجيل نعتك
وأنك تنزل أرض براثا ( 4 ) بيت مريم وأرض عيسى عليه السلام ، ( 5 ) فأتى أمير المؤمنين عليه السلام موضعا
. . ( هامش صفحة 211 ) ( 1 ) قال ياقوت في المعجم : زوراء : دجلة بغداد ، وارض بذي خيم ، وحكى عن الازهري أن
مدينة الزوراء ببغداد في الجانب الشرقي ، وعن غيره أنها مدينة ابي جعفر المنصور وهي في الجانب
الغربي . ودار بناها النعمان بن منذر بالحيرة .
وقال : زوراء : فلج ، وفلج مابين الرحيل إلى المجازة وهي أول الدهناء . قلت : الظاهر
أن المراد ههنا هو بغداد .
( 2 ) في المصدر : فلما أتى موضعا من أرضها قال : ما هذه الارض ؟ قيل : أرض بحرا ، فقال :
ارض سباخ جنبوا ويمنوا ، فلما أتى يمنة السواد وإذا هو براهب في صومعة له ، فقال له : ياراهب
انزل ههنا ، فقال له الراهب : لاتنزل اه .
( 3 ) في المصدر : بجيشه يقاتل .
( 4 ) قال ياقوت : براثا محلة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محول ، و
كان لها جامع مفرد تصلى فيه الشيعة وقد خرب عن آخره ، وكذلك المحلة لم يبق لها أثر ، فاما
الجامع فأدركت أنا بقايا من حيطانه وقد خربت في عصرنا واستعملت في الابنية ، وفي سنة 329
فرغ من جامع براثا واقيمت فيه الخطبة ، وكان قبل مسجدا يجتمع فيه قوم من الشيعة يسبون الصحابة
فكبسه الراضي بالله وأخذ من وجده فيه وحبسهم وهدمه حتى سوى به الارض ، وأنهى الشيعة خبره
إلى بجكم الماكاني أمير الامراء ببغداد فأمر باعادة بنائه وتوسيعه واحكامه ، وكانت براثا قبل
بناء بغداد قرية يزعمون أن عليا عليه السلام مر بها لما خرج لقتال الحرورية بالنهروان وصلى في
موضع من الجامع المذكور ، وذكر أنه دخل حماما كان في هذه القرية ، وقيل : بل الحمام كان بالعتيقة
محلة ببغداد خربت أيضا .
( 5 ) في المصدر ههنا زيادة وهي هذه : فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قف ولا تخبرنا بشئ . ثم
أتى موضعا فقال : الكزوا هذه فألكزه برجله عليه السلام إه . قلت : لكزه : ضربه .
[212]
فلكزه برجله فانبجست عين خرارة ، ( 1 ) فقال : هذه عين مريم التي أنبعت لها ، ( 2 )
ثم قال : اكشفوا ههنا على سبعة عشر ذراعا ، فكشف فإذا بصخرة بيضاء ، فقال عليه السلام : على
هذه وضعت مريم عيسى عليه السلام من عاتقها وصلت ههنا ، ( 3 ) ثم قال : أرض براثا هذه بيت مريم
عليها السلام . ( 4 )
8 يب : محمد بن أحمد بن داود ، عن محمد بن همام ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن
سعد بن عمرو الزهري ، عن بكر بن سالم ، عن أبيه ، عن الثمالي ، عن علي بن الحسين عليه السلام
في قوله تعالى : " فحملته فانتبذت به مكانا قصيا " قال : خرجت من دمشق حتى أتت
كربلاء فوضعته في موضع قبر الحسين عليه السلام ثم رجعت من ليلتها . ( 5 )
9 ع : بالاسناد إلى وهب قال : لما أجاء ( 6 ) المخاض مريم عليها السلام إلى جذع
النخلة اشتد عليها البرد ، فعمد يوسف النجار إلى حطب فجعله حولها كالحظيرة ، ثم
أشعل ( 7 ) فيه النار فأصابتها سخونة الوقود من كل ناحية حتى دفئت ، وكسر لها سبع
جوزات وجدهن في خرجه فأطعمها ، فمن أجل ذلك توقد النصارى النار في ليلة الميلاد ،
وتلعب بالجوز . ( 8 )
. . ( هامش صفحة 212 ) ( 1 ) من خر الماء : أسمع صوته فهو خرار .
( 2 ) في المصدر : انبعقت لها . قلت : بعق البئر : حفرها .
( 3 ) في المصدر ههنا زيادة وهي هذه : فنصب أمير المؤمنين عليه السلام الصخرة وصلى اليها
وأقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة ، وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دعوة ، ثم قال : أرض
براثا هذا بيت مريم عليها السلام ، هذا الموضع المقدس صلى فيه الانبياء ، قال أبوجعفر محمد بن
علي عليه السلام : ولقد وجدنا انه صلى فيه ابراهيم قبل عيسى عليه السلام انتهى . قلت : قوله :
على دعوة اي على قرب .
( 4 ) امالي الطوسي : 124 125 . قلت : حديث الراهب والصخرة مما روته الخاصة
والعامة ، وذكره اهل السير ونظمه الشعراء واورد الحميري في قصيدته البائية المذهبة :
ولقد سرى فيما يسير بليلة * بعد العشاء بكربلا في موقف
وسيأتي تفصيل القضية في محلة ، وتقدم الايعاز اليها في ج 10 : 67 68 .
( 5 ) التهذيب 2 : 26 .
( 6 ) في المصدر : لما الجأ .
( 7 ) في المصدر : اشتعل .
( 8 ) علل الشرائع ، 38 والحديث كما ترى من مرويات العامة .
[213]
10 ك : القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن
الصادق عليه السلام قال : لما ولد المسيح أخفى الله ولادته وغيب شخصه ، لان مريم لما حملته
انتبذت به مكانا قصيا ، ثم إن زكريا وخالتها أقبلا يقصان أثرها حتى هجما عليها
وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول : " ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " فأطلق
الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجتها ، فلما ظهر اشتدت البلوى والطلب على
بني إسرائيل ، وأكب الجبابرة والطواغيت عليهم ، حتى كان من أمر المسيح عليه السلام ماقد
أخبر الله به ، واستتر شمعون بن حمون والشيعة حتى أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من
جزائر البحر فأقاموا بها ففجر لهم ( 1 ) فيها العيون العذبة ، وأخرج لهم من كل الثمرات ،
وجعل لهم فيها الماشية ، ( 2 ) وبعث إليهم سمكة تدعى القمد لا لحم لها ولا عظم ، وإنما هي
جلد ودم ، فخرجت من البحر فأوحى الله عزوجل إلى النحر أن يركبها فركبها فأتت
النحل إلى تلك الجزيرة ونهض النحل وتعلق بالشجر فغرس ( 3 ) وبنى وكثر العسل ،
ولم يكونوا يفقدون شيئا من أخبار المسيح . ( 4 )
أقول : تمامه في قصة طالوت .
11 كا : أحمد بن مهران وعلي بن إبراهيم جميعا ، عن محمد بن علي ، عن الحسن بن
راشد ، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام في حديث طويل قال :
أما أم مريم فاسمها مرتا ( 5 ) وهي وهيبة بالعربية ، وأما اليوم الذي حملت فيه مريم
فهو يوم الجمعة للزوال وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الامين ، وليس للمسلمين عيد كان
. . ( هامش صفحة 213 ) ( 1 ) في المصدر : ففجر الله لهم .
( 2 ) في المصدر : وأخرج لهم فيها الماشية .
( 3 ) " " : فعرش . أي بنى عريشا .
( 4 ) اكمال الدين : 91 و 95 .
( 5 ) في المصدر : مرثا بالثاء المثلثة ، قال المصنف في مرآت العقول : مرثا في بعض النسخ
بالمثلثة وفي بعضها بالمثناة . وهيبة بمعنى موهوبة ويحتمل التصغير . وفي خبر عن ابي عبدالله عليه
السلام أن اسمها كان حنة كما في القاموس ، ويحتمل أن يكون احدهما اسما والاخر لقبا ، او يكون
احدهما موافقا للمشهور بين أهل الكتاب .
[214]
أولى منه ، وأما اليوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثاء لاربع ساعات ونصف من
النهار ، والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى هو الفرات ، فحجبت لسانها ( 1 ) ونادى
قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه وأخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم ، فقالوا لها ماقص
الله في كتابه . ( 2 )
12 يب : بإسناده ، عن علي بن الحسن ، عن محمد بن عبدالله بن زرارة ، عن البزنطي
عن أبان بن عثمان ، عن كثير النواء ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : يوم عاشوراء هو اليوم الذي
ولد فيه عيسى بن مريم عليه السلام . ( 3 )
13 يه : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى وابن هاشم ، عن الوشاء ، عن
الرضا عليه السلام قال : ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه السلام وولد فيها
عيسى بن مريم عليه السلام ، الخبر . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 214 ) ( 1 ) في المصدر : والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى هل تعرفه ؟ قال : لا ، قال : هو الفرات
وعليه شجر النخل والكرم ، وليس يساوى بالفرات شئ للكروم والنخيل ، واما اليوم الذي حجبت
فيه لسانها ونادى قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه واخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم فقالوا لها
ما قص الله عليك في كتابه وعلينا في كتابه فهل فهمته ؟ قال : نعم إه قلت : المخاطب هو نصراني ورد
عليه فارشده إلى الاسلام . قال المصنف في مرآت العقول : وكون ولادة عيسى عليه السلام بالكوفة
على شاطئ الفرات مما وردت فيه اخبار كثيرة ، وربما يستبعد ذلك بانه تواتر عند اهل الكتاب
بل عندنا أيضا أن مريم كانت في بيت المقدس ، وكانت محررا لخدمته ، وخرجت إلى بيت خالتها
أو اختها زوجة زكريا فكيف انتقلت إلى الكوفة والى الفرات مع هذه المسافة البعيدة في هذه المدة
القليلة ؟ والجواب أن تلك الامور إنما تستبعد بالنسبة إلينا ، وأما بالنسبة اليها وأمثالها فلا استبعاد
فيمكن أن يكون الله تعالى سيرها في ساعة واحدة آلاف فراسخ بطي الارض ، ويؤيده قوله تعالى
" فانتبذت به مكانا قصيا " أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد ، هذا على فرض كون مدة حملها ساعات
قليلة ، وإلا على فرض كونها تسعة أشهر أو ثمانية أشهر فيمكن أن يكون ذهابها إلى الكوفة بغير
طي الارض أيضا ، والمشهور بينهم أن ولادته كانت في بيت لخم بقرب بيت المقدس .
قلت : بيت لخم بالمهملة والمعجمة كلاهما صحيح وان كان الاول أشهر .
( 2 ) اصول الكافي 1 : 479 480 .
( 3 ) التهذيب 1 : 437 .
( 4 ) من لايحضره الفقيه : 172 . الموجود في المطبوع وروى عن الحسن بن علي الوشاء ، و
لم يذكر بقية الاسناد .
[215]
بيان : لعل الخبر الاول الدال على كون ولادته في يوم عاشوراء محمول على
التقية كما يشهد به بعض الاخبار ، ( 1 ) وكذا الاخبار المختلفة الواردة في زمان الحمل
وموضع الولادة لعل بعضها محمولة على التقية لاشتهارها بين المخالفين . والله يعلم .
14 ص : قال الباقر عليه السلام : إن مريم بشرت بعيسى ، فبينا هي في المحراب إذ
تمثل لها الروح الامين بشرا سويا " قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا
قال إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا " فتفل في جيبها فحملت بعيسى فلم
يلبث أن ولدت . وقال : لم يكن على وجه الارض شجرة إلا ينتفع بها ولها ثمرة ولا
شوك لها حتى قالت فجرة بني آدم كلمة السوء ، فاقشعرت الارض ، وشاكت الشجر ،
وأتى إبليس تلك الليلة فقيل له : قد ولد الليلة ولد لم يبق على وجه الارض صنم إلا خر لوجهه
وأتى المشرق والمغرب يطلبه فوجده في بيت دير ( 2 ) قد حفت به الملائكة ، فذهب يدنو فصاحت
الملائكة : تنح ، فقال لهم : من أبوه ؟ فقالت : فمثله كمثل آدم ، فقال إبليس : لاضلن به
أربعة أخماس الناس . ( 3 )
15 ص : الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن
محبوب ، عن أبي أيوب ، عن زياد بن سوقه ، عن الحكم بن عيينة قال : قال أبوجعفر عليه السلام :
لما قالت العواتق الفرية وهن سبعون لمريم : " لقد جئت شيئا فريا " أنطق الله عيسى
عليه السلام عند ذلك ، فقال لهن : ويلكن تفترين على أمي ؟ أنا عبدالله ، آتاني الكتاب
وأقسم بالله لاضربن كل امرأة منكن حدا بافترائكن على أمي ، قال الحكم : فقلت
للباقر عليه السلام : أفضربهن عيسى عليه السلام بعد ذلك ؟ قال : نعم ولله الحمد والمنة . ( 4 )
16 ع : بإسناده عن وهب اليماني قال : إن يهوديا سأل النبي فقال : يامحمد
أكنت في أم الكتاب نبيا قبل أن تخلق ؟ قال : نعم ، قال : وهؤلاء أصحابك المؤمنون
مثبتون معك قبل أن يخلقوا ؟ قال : نعم ، قال : فما شأنك لم تتكلم بالحكمة حين خرجت
. . ( هامش صفحة 215 ) ( 1 ) مع أنه ضعيف بكثير النواء .
( 2 ) هكذا في النسخ .
( 3 و 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
[216]
من بطن أمك كما تكلم عيسى بن مريم على زعمك وقد كنت قبل ذلك نبيا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله
إنه ليس أمري كأمر عيسى بن مريم عليه السلام إن عيسى بن مريم خلقه الله عزوجل من أم
ليس له أب كما خلق آدم من غير أب ولا أم ، ولو أن عيسى عليه السلام حين خرج من بطن
أمه لم ينطق بالحكمة لم يكن لامه عذر عند الناس ، وقد أتت به من غير أب ، وكانوا
يأخذونها كما يأخذون به من المحصنات ، فجعل الله عزوجل منطقه عذرا لامه . ( 1 )
17 ص : الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم بن
يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن يحيى بن عبدالله قال : كنا بالحيرة فركبت مع
أبي عبدالله عليه السلام فلما صرنا حيال قرية فرق الماصر قال : هي هي ، حين قرب من الشط و
صار على شفير الفرات ، ثم نزل فصلى ركعتين ، ثم قال : أتدري أين ولد عيسى عليه السلام ؟
قلت : لا ، قال : في هذا الموضع الذي أنا فيه جالس ، ثم قال : أتدري أين كانت النخلة ؟
قلت : لا ، فمد يده خلفه فقال : في هذا المكان ، ثم قال : أتدري ما القرار وما الماء المعين ؟
قلت : لا ، قال : هذا هو الفرات ، ثم قال : أتدري ما الربوة ؟ قلت : لا ، فأشار بيده عن يمينه
فقال : هذا هو الجبل إلى النجف ، ( 2 ) وقال : إن مريم ظهر حملها وكانت في واد فيه خمسمائة
بكر تيعبدن ، وقال : حملته تسع ساعات ، فلما ضربها الطلق خرجت من المحراب إلى بيت
ديرلهم فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة فوضعته فحملته فذهبت به إلى قومها ، فلما
رأوها فزعوا فاختلف فيه بنو إسرائيل فقال بعضهم : هو ابن الله ، وقال بعضهم : هو عبدالله و
نبيه ، وقالت اليهود : بل هو ابن الهنة ، ويقال للنخلة التي أنزلت على مريم : العجوة .
بيان : المآصر بالمد جمع الماصر كمجلس أي المحبس ، ولعل المراد محابس الماء ،
والماصر بغير مد : الحاجز بين الشيئين . والحد بين الارضين . وابن الهنة كناية عن ولد
الزنا ، بأن يكون المراد بالهنة الشر والقبيح كما تطلق عليه كثيرا ، وقد يكنى به عن
كل جنس ، فالمعنى ابن رجل .
18 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة ، عن أحمد بن خالد
. . ( هامش صفحة 216 ) ( 1 ) علل الشرائع : 38 .
( 2 ) في نسخة : أي النجف .
[217]
الكرخي ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن سليمان الجعفري ، ( 1 ) عن أبي الحسن عليه السلام قال :
أتدري بما حملت مريم ؟ ( 2 ) قلت : لا ، قال : من تمر صرفان ( 3 ) أتاها به جبرئيل عليه السلام . ( 4 )
سن : أبي وبكر بن صالح ، عن سليمان الجعفري عنه عليه السلام مثله ، وفي آخره :
نزل بها جبرئيل فأطعمها فحملت . ( 5 )
19 ير : علي بن الحسين ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم ،
عن سليمان بن نهيك ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " وآويناهما إلى ربوة ذات
قرار ومعين " قال : الربوة : نجف الكوفة ، والمعين : الفرات .
20 كا : أحمد بن مهران وعلي بن إبراهيم جميعا ، عن محمد بن علي ، عن الحسن بن
راشد ، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام في مسائله التي سأل
النصراني عنها فقال له أبوإبراهيم عليه السلام : والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى هل تعرفه ؟
قال : لا ، قال : هو الفرات . الخبر . ( 6 )
21 سن : أبي ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : ستة كرهها الله تعالى لي فكرهتها للائمة من ذريتي ، وعد منها الرفث
في الصوم ، قال : ( 7 ) وما الرفث في الصيام ؟ قال : ما كره الله لمريم في قوله : " إني نذرت
للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا " قال : قلت : صمتت من أي شئ ؟ قال : من
الكذب . ( 8 )
22 نجم : ذكر أبوجعفر بن بابويه في كتاب النبوة في باب سياقه حديث عيسى بن
. . ( هامش صفحة 217 ) ( 1 ) في نسخة : الجعفي وهو مصحف ، والرجل هو سليمان بن جعفر الجعفري .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 217 سطر 19 إلى صفحه 225 سطر 18

( 2 ) في المحاسن : أتدري مما حملت مريم .
( 3 ) صرفان محركة : تمر رزين صلب المضاغ ، أو هو الصيحاني .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 5 ) محاسن البرقي : 537 .
( 6 ) اصول الكافي 1 : 480 ، والحديث مكرر ، راجع الحديث 11 وذيله .
( 7 ) في المصدر : قال : قلت .
( 8 ) محاسن البرقي : 10 .
[218]
مريم عليه السلام فقال ماهذا لفظه : وقدم عليها وفد من عظماء المجوس ( 1 ) زائرين معظمين
لامر ابنها ، وقالوا : إنا قوم ننظر في النجوم ، فلما ولد ابنك طلع بمولوده نجم من نجوم
الملك ، فنظرنا فيه فإذا ملكه ملك نبوة لا يزول عنه ولا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء
فيجاور ربه عزوجل ما كانت الدنيا مكانها ، ثم يصير إلى ملك هو أطول وأبقى مما كان
فيه ، فخرجنا من قبل المشرق حتى رفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعا عليه من
فوقه ، فبذلك عرفنا موضعه ، وقد أهدينا له هدية جعلناها له قربانا لم يقرب مثله لاحد
قط ، وذلك أنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره ، وهو الذهب والمر واللبان ( 2 ) لان
الذهب سيد المتاع كله ، وكذلك ابنك هو سيد الناس ما كان حيا ، ولان المر جبار
الجراحات وكذلك ابنك يبرئ الله به الجراحات والامراض والجنون والعاهات كلها ،
ولان اللبان يبلغ دخانه السماء ولن يبلغها دخان شئ غيره ( 3 ) وكذلك ابنك يرفعه
الله عزوجل إلى السماء وليس يرفع من أهل زمانه غيره . ( 4 )
23 ع : الدقاق ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن علي بن سالم ،
عن أبيه ، عن أبي بصير قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : لم خلق الله عيسى من غير أب وخلق
سائر الناس من الآباء والامهات ؟ فقال : ليعلم الناس تمام قدرته وكمالها ، ويعلموا أنه
قادر على أن يخلق خلقا من أنثى من غير ذكر ، كما هو قادر على أن يخلقه من غير ذكر
ولا أنثى ، وإنه عزوجل فعل ذلك ليعلم أنه على كل شئ قدير . ( 5 )
24 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن
أذينة ، عن الاحول قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الروح التي في آدم قوله : " فإذا سويته
ونفخت فيه من روحي " قال : هذه روح مخلوقة ، والروح التي في عيسى مخلوقة . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 218 ) ( 1 ) في المصدر : من علماء المجوس .
( 2 ) المر : صمغ وقيل : دواء كالصبر . واللبان بالضم : الكندر
( 3 ) في المصدر : دخان غيره .
( 4 ) فرج المهموم : 28 .
( 5 ) علل الشرائع : 17 .
( 6 ) اصول الكافي 1 : 133 .
[219]
25 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحجال ، عن ثعلبة
ابن ميمون ، عن حمران قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله : " وروح منه " قال : هي
روح الله مخلوقة خلقها في آدم وعيسى عليهما السلام . ( 1 )
أقول : قد مضت الاخبار في تفسير الروح في كتاب التوحيد ، ( 2 ) وستأتي في كتاب
الامامة إن شاء الله تعالى .
26 لى : أبي ، عن ابن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن نوح بن شعيب ، عن
محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن علقمة ، ( 3 ) عن الصادق عليه السلام أنه قال في حديث طويل : ألم
ينسبوا مريم بنت عمران إلى أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف ؟ ! الخبر . ( 4 )
27 وبإسناده عن علي عليه السلام قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا علي إن
فيك شبها من عيسى بن مريم عليه السلام : أحبته النصارى حتى أنزلوه بمنزلة ليس بها ، و
أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه . ( 5 )
28 كا : حميد بن زياد ، عن أبي العباس عبيد الله بن أحمد الدهقان ، عن علي بن
الحسن الطاطري ، عن محمد بن زياد بياع السابري ، عن أبان ، عن رجل ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : إن مريم حملت بعيسى عليه السلام تسع ساعات ، كل ساعة شهرا . ( 6 )
29 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن
سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن
. . ( هامش صفحة 219 ) ( 1 ) اصول الكافي 1 : 133 .
( 2 ) راجع ج 4 : 11 15 .
( 3 ) في المصدر : صالح ، عن علقمة .
( 4 ) امالي الصدوق : 63 و 64 .
( 5 ) نسبوه إلى الربوبية والالوهية وعبدوه ! واخرى نسبوه إلى العصيان وعادوه وسبوه ، قال
الصادق عليه السلام في الرواية المتقدمة : ياعلقمه ما اعجب اقاويل الناس في علي عليه السلام !
كم بين من يقول انه رب معبود ، وبين من يقول انه عبد عاص للمعبود ! ولقد كان قول من ينسبه
إلى العصيان أهون عليه من قول من ينسبه إلى الربوبية .
( 6 ) روضة الكافي : 332 . قوله : ( شهرا ) أي كل ساعة له كان بمنزلة شهر من غيره .
[220]
الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، ثم قال : قالت مريم : " إني نذرت للرحمن صوما "
أي صمتا . ( 1 )
30 كا : علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الوشاء ، عن علي بن أبي حمزة
عن أبي بصير ، عنه عليه السلام مثله . ( 2 )
31 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن معمر بن خلاد ، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال : كانت نخلة مريم عليها السلام العجوة ، ونزلت في كانون . ( 3 )
32 فض ، ضه : عن مجاهد ، عن أبي عمرو وأبي سعيد الخدري في حديث
طويل في ولادة علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال : هذا عيسى بن مريم عليه السلام قال الله
عزوجل فيه : " فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا " إلى قوله .
" إنسيا " فكلم أمه وقت مولده وقال حين أشارت إليه فقالوا كيف نكلم من كان في
المهد صبيا : " إني عبدالله آتاني الكتاب " إلى آخر الآية ، فتكلم عليه السلام في وقت ولادته
فأعطي الكتاب والنبوة ، وأوصى بالصلاة والزكاة في ثلاثة أيام من مولده ، وكلمهم في
اليوم الثاني من مولده . ( 4 )
* تذنيب : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : ( 5 ) " إذ قالت الملائكة " : قال
ابن عباس : يريد جبرئيل " يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه " ففيه قولان : أحدهما
أنه المسيح سماه كلمة ، عن ابن عباس وقتادة وجماعة من المفسرين ، وإنما سمي بذلك
لانه كان بكلمة من الله من غير والد وهو قوله : " كن فيكون " يدل عليه قوله تعالى :
. . ( هامش صفحة 220 ) ( 1 ) فروع الكافي 1 : 187 ، فيه : أي صوما صمتا .
( 2 ) " " 1 : 187 .
( 3 ) " " 2 : 177 .
( 4 ) روضة الواعظين : 72 و 73 الروضة 134 و 135 ، راجع الاخير .
* روى الثعلبي عن مجاهد قال : قالت مريم عليها السلام : كنت اذا خلوت انا وعيسى حدثني
وحدثته ، فاذا شغلني عنه انسان سبح في بطني وانا اسمع . منه رحمه الله .
( 5 ) هكذا في النسخ ، والترتيب يقتضى أن يذكر ذلك إلى قوله : ( واذكر في الكتاب مريم )
في الباب السابق لان الايات المفسرة مذكورة هناك .
[221]
" إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " وقيل : سمي
بذلك لان الله تعالى بشر به في الكتب السالفة ، كما يقول الذي يخبر بالامر إذا خرج
موافقا لامره : قد جاء كلامي ، ومما جاء من البشارة به في التوراة " أتانا الله من سيناء ، و
أشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران " وساعير هو الموضع الذي بعث منه المسيح عليه السلام
وقيل : لان الله يهدي به كما يهدي بكلمته .
والقول الثاني : أن الكلمة بمعنى البشارة ، كأنه قال : ببشارة منه ولد اسمه
المسيح ، والاول أقوى ، ويؤيده قوله : " إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته
ألقاها إلى مريم وروح منه " وإنما ذكر الضمير في اسمه وهو عائد إلى الكلمة لانه واقع
على مذكر فذهب إلى المعنى .
واختلف في أنه لم سمي بالمسيح فقيل : لانه مسح باليمن والبركة ، عن الحسن
وقتادة وسعيد ، وقيل : لانه مسح بالتطهير من الذنوب ، وقيل : لانه مسح بدهن زيت
بورك فيه ، وكانت الانبياء تتمسح به ، عن الجبائي ، وقيل : لانه مسحه جبرئيل بجناحه
وقت ولادته ليكون عوذة من الشيطان ، وقيل : لانه كان يمسح رأس اليتامى لله ، وقيل : لانه
يمسح ( 1 ) عين الاعمى فيبصر ، عن الكلبي ، وقيل : لانه كان لايمسح ذا عاهة بيده إلا أبرأه ، عن ابن
عباس في رواية عطاء والضحاك ، وقال أبوعبيدة : وهو بالسريانية مشيحا ، فعربته العرب " عيسى
ابن مريم " نسبه إلى أمه ردا على النصارى قولهم ( 2 ) : إنه ابن الله " وجيها " ذا جاه وقدر
وشرف " في الدنيا والآخرة ومن المقربين " إلى ثواب الله وكرامته " ويكلم الناس في المهد " أي
صغيرا ، والمهد الموضع الذي يمهد لنوم الصبي ، ويعني بكلامه في المهد : " إني عبدالله
آتاني الكتاب " الآية ، ووجه كلامه في المهد أنه تنزيه لامه ( 3 ) مما قذفت به وجلالة
له بالمعجزة التي ظهرت فيه " وكهلا " أي يكلمهم كهلا بالوحي الذي يأتيه من الله ،
. . ( هامش صفحة 221 ) ( 1 ) في المصدر : لانه كان يمسح .
( 2 ) في المصدر : في قولهم .
( 3 ) " " : تبرأة لامه .
[222]
أعلمنا الله ( 1 ) سبحانه أنه يبقى إلى حال الكهولة ، وفي ذلك إعجاز لكون المخبر في وفق الخبر ، ( 2 )
وقيل : المراد به الرد على النصارى بما كان فيه من التقلب في الاحوال لان ذلك مناف لصفة
الاله " ومن الصالحين " أي ومن النبيين مثل إبراهيم وموسى عليهما السلام ، وقيل : إن المراد
بالآية : ويكلمهم في المهد دعاء إلى الله ، وكهلا بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال وذلك
لانه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وذلك قبل الكهولة ، عن زيد بن أسلم .
وفي ظهور المعجزة في المهد قولان :
أحدهما : أنها كانت مقرونة بنبوة المسيح عليه السلام لانه سبحانه أكمل عقله في تلك
الحال وجعله نبيا ، وأوحى إليه بما تكلم به ، عن الجبائي ، وقيل : كان ذلك على التأسيس
والارهاص لنبوته ، ( 3 ) عن ابن الاخشيد ، ويجوز عندنا الوجهان ، ويجوز أن يكون معجزة
لمريم تدل على طهارتها وبراءة ساحتها إذ لا مانع لذلك ، وقد دلت الادلة الواضحة على
جوازه ، وإنما جحدت النصارى كلام المسيح في المهد مع كونه آية ومعجزة لان في ذلك
إبطال مذهبهم ( 4 ) لانه قال : " إني عبدالله " وهو ينافي قولهم : إنه ابن الله ، فاستمروا على
تكذيب من أخبر بذلك ( 5 ) " قالت مريم أنى يكون لي " أي كيف يكون لي " ولد ولم يمسسني
بشر " لم تقل ذلك استبعادا واستنكارا ، بل إنما قالت استفهاما واستعظاما لقدرة الله تعالى ، لان
في طبع البشر التعجب مما خرج عن المعتاد ، وقيل : إنما قالت ذلك لتعلم أن الله سبحانه
يرزقها الولد وهي على حالتها لم يمسسها بشر ، أو يقدر لها زوجا ثم يرزقها الولد على
مجرى العادة " قال كذلك الله يخلق مايشاء " أي يخلق مايشاء مثل ذلك ، فهي حكاية ماقال
لها الملك ، أي يرزقك الولد وأنت على هذه الحالة لم يمسك بشر " إذا قضى أمرا " أي خلق
أمرا ، وقيل : إذا قدر أمرا " فإنما يقول له كن فيكون " وقيل في معناه قولان : أحدهما
أنه إخبار بسرعة حصول مراد الله تعالى في كل شئ أراد حصوله من غير مهلة ولا معاناة
. . ( هامش صفحة 222 ) ( 1 ) في المصدر : أعلمها الله .
( 2 ) " " : لكون المخبر على وفق الخبر .
( 3 ) أرهصه : أسسه وأثبته .
( 4 ) في المصدر : لان في ذلك ابطالا لمذهبهم .
( 5 ) " " : فاستمروا على تكذيب من أخبر انه شاهده كذلك .
[223]
ولا تكلف سبب ولا أداة ، وإنما كنى بهذه اللفظة لانه لايدخل في وهم العباد شئ أسرع
من كن فيكون ، والآخر أن هذه الكلمة جعلها الله علامة للملائكة فيما يريد إحداثه
وإيجاده لما فيه من المصلحة والاعتبار ، وإنما استعمل لفظة الامر فيما ليس بأمر هنا ليدل
ذلك على أن فعله بمنزلة فعل المأمور في أنه لا كلفة فيه على الآمر . ( 1 )
وقال رحمه الله في قوله " واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا "
أي انفردت من أهلها إلى مكان في جهة المشرق وقعدت ناحية منهم ، قال ابن عباس :
" إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة لانها انتبذت مكانا شرقيا ، وقيل : اتخذت مكانا
تنفرد فيه للعبادة لئلا تشتغل بكلام الناس ، عن الجبائي ، وقيل : تباعدت عن قومها حتى
لايروها ، عن الاصم وأبي مسلم ، وقيل : إنها تمنت أن تجد خلوة فتفلي رأسها ، ( 2 )
فخرجت في يوم شديد البرد فجلست في مشرقة للشمس ، عن عطاء " فاتخذت من دونهم
حجابا " أي فضربت من دون أهلها لئلا يروها سترا وحاجزا بينها وبينهم " فأرسلنا
إليها روحنا " يعني جبرئيل عليه السلام عن ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم ، وسماه الله
روحا لانه روحاني ، وأضافه إلى نفسه تشريفا له " فتمثل لها بشرا سويا " معناه :
فأتاها جبرئيل فانتصب بين يديها في صورة آدمي صحيح لم ينقص منه شئ ، وقال أبومسلم :
إن الروح الذي خلق منه المسيح عليه السلام تصور لها إنسانا ، والاول هو الوجه لاجماع
المفسرين عليه ، وقال عكرمة : كانت مريم إذا حاضت خرجت من المسجد ، وكانت عند
خالتها امرأة زكريا أيام حيضها ، فإذا طهرت عادت إلى بيتها في المسجد ، فبينما هي في
مشرقة لها في ناحية الدار وقد ضربت بينها وبين أهلها سترا لتغتسل وتمتشط إذ دخل
عليها جبرئيل في صورة رجل شاب أمرد سوي الخلق ، فأنكرته فاستعاذت بالله منه " قالت
إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا " معناه إني أعتصم بالرحمن من شرك فاخرج من
عندي إن كنت تقيا .
سؤال : كيف شرطت في التعوذ منه أن يكون تقيا والتقي لايحتاج أن يتعوذ
منه ، وإنما يتعوذ من غير التقي ؟ .
. . ( هامش صفحة 223 ) ( 1 ) مجمع البيان 2 : 442 و 443 .
( 2 ) فلى رأسه أو ثوبه : نقاهما من القمل . وفي نسخة : فتغسل رأسها .
[224]
والجواب أن التقي إذا تعوذ بالرحمن منه ارتدع عما يسخط الله ، ففي ذلك
تخويف وترهيب له ، وهذا كما تقول : إن كنت مؤمنا فلا تظلمني ، فالمعنى : إن كنت
تقيا فاتعظ واخرج .
وروي عن علي عليه السلام أنه قال : " علمت أن التقى ( 1 ) ينهاه عن المعصية " وقيل : إن
معنى قوله ( 2 ) : " إن كنت تقيا " ما كنت تقيا حيث استحللت النظر إلي وخلوت بي ،
فلما سمع جبرئيل منه هذا القول قال لها : " إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا "
أي ولدا طاهرا من الادناس ، وقيل : ناميا في أفعال الخير ، وقيل : يريد نبيا ، عن ابن
عباس " قالت " مريم " أنى يكون لي غلام " أي كيف يكون لي ولد " ولم يمسسني بشر "
على وجه الزوجية " ولم أك بغيا " أي ولم أكن زانية ، وإنما قالت ذلك لان الولد في
العادة يكون من إحدى هاتين الجهتين ، والمعنى أني لست بذات زوج وغير ذات الزوج
لاتلد إلا عن فجور ولست فاجرة ، وإنما يقال للفاجرة بغي بمعنى أنها تبغي الزنا ،
أي تطلبه .
وفي هذه الآية دلالة على جواز إظهار الكرامات ( 3 ) على غير الانبياء عليهم السلام لان
من المعلوم أن مريم ليست بنبية ، وأن رؤية الملك على صورة البشر وبشارة الملك إياها
وولادتها من غير وطء إلى غيرها من الآيات التي أبانها الله بها من أكبر المعجزات ، ومن
لم يجوز إظهار المعجزات على غير النبي اختلفت أقوالهم في ذلك : فقال الجبائي وابنه :
إنها معجزات لزكريا ، وقال البلخي : إنها معجزات لعيسى على سبيل الارهاص و
التأسيس لنبوته " قال كذلك " أي قال لها جبرئيل حين سمع تعجبها من هذه البشارة :
الامر كذلك ، أي كما وصفت لك " قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس " معناه
ولنجعله علامة ظاهرة وآية باهرة للناس على نبوته ودلالة على براءة أمه " ورحمة منا "
أي ولنجعله نعمة منا على الخلق يهتدون بسنته ( 4 ) " وكان أمرا مقضيا " أي وكان خلق
. . ( هامش صفحة 224 ) ( 1 ) في المصدر : علمت أن التقي ينهاه التقى عن المعصية .
( 2 ) في نسخة : معنى قولها .
( 3 ) في المصدر : إظهار المعجزات .
( 4 ) " " : يهتدون بسببه .
[225]
عيسى عليه السلام من غير ذكر أمرا كائنا مفروغا منه محتوما ، قضى الله سبحانه بأنه يكون و
حكم به " فحملته " أي فحملت مريم بعيسى وحبلت في الحال ، قيل : إن جبرئيل أخذ
ردن قميصها ( 1 ) بإصبعه فنفخ فيه فحملت مريم من ساعتها ووجدت حس الحمل ، عن
ابن عباس ، وقيل : نفخ في كمها فحملت ، عن ابن جريح .
وروي عن الباقر عليه السلام أنه تناول جيب مدرعتها فنفخ نفخة فكمل الولد في الرحم
من ساعته ، كما يكمل الولد في أرحام النساء تسعة أشهر ، فخرجت من المستحم ( 2 ) وهي
حامل مثقل فنظرت إليها خالتها فأنكرتها ، ومضت مريم على وجهها مستحيية من خالتها
ومن زكريا " فانتبذت به مكانا قصيا " أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد ، وقيل : معناه
انفردت به مكانا بعيدا من قومها حياء من أهلها وخوفا من أن يتهموها بسوء .
واختلفوا في مدة حملها فقيل : ساعة واحدة ، قال ابن عباس : لم يكن بين الانتباذ
والحمل إلا ساعة واحدة ، لانه تعالى لم يذكر بينهما فصلا لانه قال : فحملته ،
فانتبذت به ، فأجاءها ، والفاء للتعقيب ، وقيل : حملت به في ساعة ، وصور في ساعة ووضعته
في ساعة حين زاغت الشمس من يومها وهي بنت عشر سنين ، عن مقاتل ، وقيل : كانت مدة حملها
تسع ساعات ، وهذا مروي عن أبي عبدالله ، وقيل . ستة أشهر ، وقيل : ثمانية أشهر ، وكان
ذلك آية وذلك أنه لم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره " فأجاءها المخاض " أي أجاءها
الطلق ( 3 ) أي وجع الولادة " إلى جذع النخلة " فالتجأت إليها لتستند إليها ، عن ابن عباس
ومجاهد وقتادة والسدي قال ابن عباس : نظرت مريم إلى أكمة ( 4 ) فصعدت مسرعة فإذا
عليها جذع النخلة ليس عليها سعف ، والجذع ساق النخلة ، والالف واللام دخلت للعهد


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 225 سطر 19 إلى صفحه 233 سطر 18

لا للجنس ، أي النخلة المعروفة ، فلما ولدت " قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا
منسيا " أي شيئا حقيرا متروكا ، عن ابن عباس ، وقيل : شيئا لايذكر ولايعرف ، عن قتادة
وقيل : حيضة ملقاة ، عن عكرمة والضحاك ومجاهد ، قال ابن عباس : فسمع جبرئيل كلامها
. . ( هامش صفحة 225 ) ( 1 ) الردن : أصل الكم . طرفه الواسع .
( 2 ) المستحم : موضع الاستحمام .
( 3 ) في المصدر : ألجأها المخاض .
( 4 ) الاكمة : التل . وفي المصدر : فصعدت مسرعة اليها .
[226]
وعرف جزعها " فناداها من تحتها " وكان أسفل منها تحت الاكمة : " أن لاتحزني " وهو
قول السدي وقتادة والضحاك أن المنادي جبرئيل ناداها من سفح الجبل ، وقيل : ناداها
عيسى ، عن مجاهد والحسن ووهب وسعيد بن جبير وابن زيد وابن جرير والجبائي . و
إنما تمنت الموت كراهية لان يعصى الله فيها ، وقيل : استحياء من الناس أن يظنوا بها
سوءا ، عن السدي ، وروي عن الصادق عليه السلام : لانها لم تر في قومها رشيدا ذا فراسة ينزهها
عن السوء " قد جعل ربك تحتك سريا " أي ناداها جبرئيل أو عيسى ليزول ماعندها من
الغم والجزع : لا تغتمي قد جعل ربك تحت قدميك نهرا تشربين منه وتطهرين من
النفاس ، عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير ، قالوا : وكان نهرا قد انقطع الماء عنه ،
فأرسل الله الماء فيه لمريم وأحيا ذلك الجذع حتى أثمر وأورق ، وقيل : ضرب جبرئيل
برجله فظهر ماء عذب ، وقيل : بل ضرب عيسى برجله فظهر عين ماء تجري وهو المروي
عن أبي جعفر عليه السلام ، وقيل : السري : عيسى عليه السلام ، عن الحسن وابن زيد والجبائي ، و
السري هو الرفيع الشريف ، قال الحسن : كان والله عبدا سريا " وهزي إليك بجذع النخلة "
معناه : اجذبي إليك ، والباء مزيدة ، وقال الفراء : تقول العرب : هزه وهز به " تساقط
عليك رطبا جنيا " الجني بمعنى المجتنى ، من جنيت الثمرة واجتنيتها : إذا قطعتها ، وقال
الباقر عليه السلام : لم تستشف النفساء بمثل الرطب ، إن الله تعالى أطعمه مريم في نفاسها ،
قال : ( 1 ) إن الجذع كان يابسا لا ثمر عليه إذ لو كان عليه ثمر لهزته من غير أن تؤمر به ،
وكان في الشتاء فصار معجزة لخروج الرطب في غير أوانه ولخروجه دفعة واحدة ، فإن
العادة أن يكون نورا أولا ، ثم يصير بلحا ، ثم بسرا . ( 2 ) وروي أنه لم يكن للجذع رأس
وضربته برجلها فأورق ( 3 ) وأثمر وانتثر عليها الرطب جنيا ، والشجرة التي لا رأس لها
لاتثمر في العادة .
. . ( هامش صفحة 226 ) ( 1 ) في المصدر : قالوا .
( 2 ) النور بالفتح : الزهر ، وبالفارسية : شكوفه البلح بالفتح : ثمر النخل مادام أخضر و
لم ينضج وهو كالحصرم من العنب . فاذا اخذ إلى الطول والتلون إلى الحمرة والصفرة فهو بسر
قال الثعالبي في ترتيب حمل النخل : أطلعت ، ثم أبلحت ، ثم ابسرت ، ثم أزهت ، ثم أمعت ، ثم
أرطبت ، ثم أتمرت .
( 3 ) في المصدر : فأورقت . وكذا فيما بعده .
[227]
وقيل : إن تلك النخلة كانت برنية ، ( 1 ) وقيل : كانت عجوة ( 2 ) وهو المروي عن
أبي عبدالله عليه السلام " فكلي واشربي " أي كلي يامريم من هذا الرطب ، واشربي من هذا الماء
" وقري عينا " جاء في التفسير : وطيبي نفسا ، وقيل : معناه : لتبرد عينك سرورا بهذا الولد
الذي ترين ، لان دمعة السرور باردة ، ودمعة الحزن حارة ، وقيل : معناه : لتسكن عينك
سكون سرور برؤيتك ماتحبين " فإما ترين من البشر أحدا " فسألك عن ولدك " فقولي إني
نذرت للرحمن صوما " أي صمتا ، عن ابن عباس ، والمعنى : أوجبت على نفسي لله أن لا أتكلم ، وقيل
صوما ، أي إمساكا عن الطعام والشراب والكلام ، عن قتادة ، وإنما أمرت بالصمت ليكفيها
الكلام ولدها بما يبرئ ساحتها ( 3 ) عن ابن مسعود وابن زيد ووهب ، وقيل : كان في
بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم الصائم
حتى يمسي ، يدل على هذا قوله : " فلن أكلم اليوم إنسيا " أي إني صائمة فلا أكلم
اليوم أحدا ، وكان قد أذن لها أن تتكلم بهذا القدر ثم تسكت ولا تتكلم بشئ آخر ، عن
السدي ، وقيل : كان الله تعالى أمرها أن تنذر لله الصمت ، وإذا كلمها أحد تؤمي بأنها
نذرت صمتا ، لانه لا يجوز أن يأمرها بأن تخبر بأنها نذرت ولم تنذر لان ذلك كذب
عن الجبائي " فأتت به قومها تحمله " أي فأتت مريم بعيسى حاملة له ، وذلك أنها لفته
في خرقة وحملته إلى قومها " قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا " أي أمرا عظيما بديعا ،
إذ لم تلد أنثى قبلك من غير رجل ، عن قتادة ومجاهد والسدي ، وقيل : أمرا قبيحا منكرا
من الافتراء وهو الكذب ، عن الجبائي .
" يااخت هارون " قيل فيه أقوال : أحدها أن هارون كان رجلا صالحا في بني إسرائيل
ينسب إليه كل من عرف بالصلاح ، عن ابن عباس وقتادة وكعب وابن زيد ، والمغيرة بن شعبة
رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وقيل : إنه لما مات شيع جنازته أربعون ألفا كلهم يسمى هارون ،
فقولهم : " يا أخت هارون " معناه : ياشبيهة هارون في الصلاح ماكان هذا معروفا منك .
. . ( هامش صفحة 227 ) ( 1 ) قال الفيروزآبادي : البرني : تمر ، معرب أصله برنيك أي الحمل الجيد . وقال غيره :
نوع من أجود التمر .
( 2 ) العجوة : التمر المحشى . وتمر بالمدينة . وهي ضرب من أجود التمر .
( 3 ) في المصدر : بما يبرئ به ساحتها .
[228]
وثانيها . أن هارون كان أخاها لابيها ليس من أمها ، وكان معروفا بحسن الطريقة
عن الكلبي .
وثالثها : أنه هارون أخو موسى عليه السلام فنسبت إليه لانها من ولده كما يقال :
يا أخا تميم ، عن السدي .
ورابعها : أنه كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر والفساد فنسبت إليه ، وقيل لها :
ياشبيهته في قبح فعله ، عن سعيد بن جبير .
" ماكان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " أي كان أبواك صالحين ، فمن أين
جئت بهذا الولد ؟ " فأشارت إليه " أي فأومأت إلى عيسى بأن كلموه واستشهدوه على
براءة ساحتي ، فتعجبوا من ذلك ثم قالوا : " كيف نكلم من كان في المهد صبيا " معناه
كيف نكلم صبيا في المهد ؟ وقيل : صبيا في الحجر رضيعا ؟ وكان المهد حجر أمه الذي
تربيه فيه إذ لم تكن هيأت له مهدا ، عن قتادة ، وقيل : إنهم غضبوا عند إشارتها إليه ، و
قالوا : لسخريتها بنا أشد علينا من زناها ، فلما تكلم عيسى عليه السلام قالوا : إن هذا الامر
عظيم ، عن السدي .
" قال " عيسى بن مريم : " إني عبدالله " قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من
يدعي له الربوبية ، وكان الله سبحانه أنطقه بذلك لعلمه بما يقوله الغالون فيه ، ثم قال
" آتاني الكتاب وجعلني نبيا " أي حكم لي بإيتاء الكتاب والنبوة ، وقيل : إن الله
سبحانه أكمل عقله في صغره وأرسله إلى عباده وكان نبيا مبعوثا إلى الناس في ذلك الوقت
ملكفا عاقلا ، ولذلك كانت له تلك المعجزة ، عن الحسن والجبائي ، وقيل : إنه كلمهم
وهو ابن أربعين يوما ، عن وهب ، وقيل : يوم ولد ، عن ابن عباس وأكثر المفسرين وهو الظاهر
وقيل : إن معناه إني عبدالله سيؤتيني الكتاب وسيجعلني نبيا ، وكان ذلك معجزة لمريم
عليها السلام على براءة ساحتها " وجعلني مباركا أينما كنت " أي وجعلني معلما للخير
عن مجاهد ، وقيل : نفاعا حيثما توجهت ، ( 1 ) والبركة : نماء الخير ، والمبارك : الذي
ينمي الخير به ، وقيل : ثابتا دائما على الايمان والطاعة ، وأصل البركة الثبوت ، عن
. . ( هامش صفحة 228 ) ( 1 ) وهو المروي عن ابي عبدالله عليه السلام كما تقدم .
[229]
الجبائي " وأوصاني بالصلوة والزكوة " أي بإقامتهما " مادمت حيا " أي مابقيت حيا
مكلفا " وبرا بوالدتي " أي جعلني بارا بها أؤدي شكرها " ولم يجعلني جبارا " أي
متجبرا " شقيا " والمعنى أني بتوفيقه كنت محسنا إليها حتى لم أكن من الجبابرة الاشقياء
" والسلام علي " أي والسلامة علي من الله " يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " أي في
هذه الاحوال الثلاث ، قيل : ولما كلمهم عيسى عليه السلام بذلك علموا براءة مريم ، ثم سكت
عيسى فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان . ( 1 ) انتهى ملخص
تفسيره رحمه الله .
وقال البيضاوي : " ذلك عيسى بن مريم " أي الذي تقدم نعته هو عيسى بن مريم ،
لا ماتصفه النصارى " قول الحق " خبر محذوف ، أي هو قول الحق الذي لاريب فيه ، و
الاضافة للبيان ، والضمير للكلام السابق أو لتمام القصة ، وقيل : صفة عيسى أو بدله أو
خبر ثان ، ومعناه كلمة الله ، وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب ( قول ) بالنصب على أنه مصدر
مؤكد " الذي فيه يمترون " أي في أمره يشكون ، أو يتنازعون ، فقالت اليهود : ساحر ،
وقالت النصارى : ابن الله " إذا قضى أمرا " تبكيت لهم بأن من إذا أراد شيئا أوجده بكن
كان منزها عن شبه الخلق في الحاجة في اتخاذ الولد بإحبال الاناث " والتي أحصنت
فرجها " من الحلال والحرام يعني مريم " فنفخنا فيها " في عيسى فيها ، أي أحييناه في
جوفها ، وقيل : فعلنا النفخ فيها " من روحنا " من الروح الذي هو بأمرنا وحده ، أو من جهة
روحنا جبرئيل " وجعلناها وابنها " أي قصتهما أو حالهما " آية للعالمين " فإن من تأمل
حالهما تحقق كمال قدرة الصانع تعالى .
. . ( هامش صفحة 229 ) ( 1 ) مجمع البيان 6 : 507 و 508 و 511 و 513 .
[230]
( باب 18 )
* ( فضله ورفعة شأنه ومعجزاته وتبليغه ومدة عمره ) *
* ( ونقش خاتمه وجمل أحواله ) *
الايات ، البقرة " 2 " قال الله تعالى : " وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه
بروح القدس " مرتين 87 و 253 .
آل عمران " 3 " وأنزل التوراة والانجيل * من قبل هدى للناس 3 و 4 .
المائدة " 5 " وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة و
آتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين 46
" وقال تعالى " : لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل
اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما
للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد و
إن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون إلى الله و
يستغفرونه والله غفور رحيم * ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و
أمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون
73 و 75 " وقال تعالى : لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن
مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون 78 " وقال تعالى " : إذ قال الله يا عيسى بن مريم
اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ
علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ
فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الاكمه والابرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني
وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا
سحر مبين * وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد
بأننا مسلمون * إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل
[231]
علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن
قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى بن مريم اللهم ربنا
أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير
الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذ به
أحدا من العالمين 11 115 .
المؤمنون " 23 " وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار
ومعين 50 .
يس " 36 " واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون * إذ أرسلنا
إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون * قالوا ماأنتم إلا بشر
مثلنا وما أنزل الرحمن من شئ إن أنتم إلا تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم
لمرسلون * وما علينا إلا البلاغ المبين * قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم
وليمسنكم منا عذاب أليم * قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون *
وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال ياقوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لايسألكم
أجرا وهم مهتدون * ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون * ءأتخذ من دونه آلهة
إن يردن الرحمن بضر لاتغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون * إني إذا لفي ضلال مبين *
إني آمنتم بربكم فاسمعون * قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون * بما غفر لي
ربي وجعلني من المكرمين * وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا
منزلين * إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون 13 29 .
الزخرف " 43 " إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل 59 .
" وقال تعالى " : ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض
الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون * إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط
مستقيم * فاختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم 63 65 .
الصف " 61 " وإذ قال عيسى بن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا
لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد 6 .
[232]
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " وآتينا عيسى بن مريم البينات " أي المعجزات
وقيل : الانجيل " وأيدناه بروح القدس " أي قويناه بجبرئيل ، وقيل : أي الانجيل ،
وقيل : هو الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى ، وقيل : هو الروح الذي نفخ فيه
فأضافه إلى نفسه تشريفا ، والقدس : الطهر ، وقيل : البركة ، وقيل : هو الله تعالى . ( 1 )
" وجعلنا ابن مريم وأمه آية " أي حجة على قدرتنا على الاختراع " وآويناهما
إلى ربوة " أي وجعلنا مأواهما مكانا مرتفعا مستويا واسعا ، والربوة هي الرملة من فلسطين
وقيل : دمشق ، وقيل : مصر ، وقيل بيت المقدس ، وقيل : هي حيرة الكوفة وسوادها ،
والقرار : مسجد الكوفة ، والمعين : الفرات ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام ، ( 2 ) وقيل :
" ذات قرار " أي ذات موضع استقرار ، أي هي أرض مستوية يستقر عليها ساكنوها ، و
قيل : ذات ثمار إذ لاجلها يستقر فيها ساكنوها " ومعين " أي ماء جار ظاهر للعيون . ( 3 )
" أنعمنا عليه " أي بالخلق من غير أب وبالنبوة " وجعلناه مثلا لبني إسرائيل " أي آية
لهم ودلالة يعرفون بها قدرة الله تعالى على مايريد حيث خلقه من غير أب ، فهو مثل لهم
يشبهون به ما يريدون من أعاجيب صنع الله " بالحكمة " أي بالنبوة ، وقيل : بالعلم
بالتوحيد والعدل والشرائع " بعض الذي تختلفون فيه " قيل : أي كله ، كقول لبيد :
أو يخترم بعض النفوس حمامها . أي كل النفوس ، والصحيح أن البعض لايكون في معنى
. . ( هامش صفحة 232 ) ( 1 ) مجمع البيان 1 : 155 و 152 .
( 2 ) قال المسعودي ( في ) ؟ اثبات الوصية : روى ان جبرئيل نفخ في جيبها وقد دخلت إلى المغتسل
للتطهير فخرجت وقد انتفخ بطنها فخافت من خالتها ومن زكريا فخرجت هاربة على وجهها ، و
ان نساء بني اسرائيل ومن كان يتعبد معها رأوا بطنها فشتمنها ونتفن شعرها وخمشن وجهها ، فانطق
الله المسيح عليه السلام في بطنها فقال : وحق النبي المبعوث بعدى في آخر الزمان لئن أخرجني
الله من بطن امي مريم لاقيمن عليكم الحد ، ومضت مريم على وجهها حتى اتت قرية في غربي
الكوفة يقال لها بشوشا ، ويروى بانقيا ، وهي اليوم تعرف بالنخيلة وفيها عظام هود وشعيب و
صالح وعدة من الانبياء والاوصياء عليهم السلام فاشتد بها الطلق فاستندت إلى جذع نخلة نخرة
قد سقط رأسها اه .
( 3 ) مجمع البيان 7 : 107 و 108 . وفيه : ظاهر العيون .
[233]
الكل ، والذي جاء به عيسى في الانجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه وبين لهم في غير
الانجيل ما احتاجوا إليه ، وقيل : معناه : لابين لكم ماتختلفون فيه من أمور الدين دون
أمور الدنيا وهو المقصود ( 1 ) " فاختلف الاحزاب " يعني اليهود والنصارى في أمر عيسى . ( 2 )
1 شى : عن الهذلي ، عن رجل قال : مكث عيسى عليه السلام حتى بلغ سبع سنين ،
أو ثمان سنين ، فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، فأقام بين أظهرهم
يحيي الموتى ويبرئ الاكمه والابرص ، ويعلمهم التوراة ، وأنزل الله عليه الانجيل لما
أراد الله أن يتخذ عليهم حجة . ( 3 )
2 شى : عن محمد بن أبي عمير ، عمن ذكره رفعه قال : إن أصحاب عيسى عليه السلام
سألوه أن يحيي لهم ميتا ، قال : فأتى بهم إلى قبر سام بن نوح ، فقال له : قم بإذن الله يا
سام بن نوح ، قال : فانشق القبر ، ثم أعاد الكلام فتحرك ، ثم أعاد الكلام فخرج سام بن
نوح ، فقال له عيسى : أيهما أحب إليك : تبقى أو تعود ؟ قال : فقال : ياروح الله بل أعود ،
إني لاجد حرقة الموت أو قال : لدغة الموت ( 4 ) في جوفي إلى يومي هذا . ( 5 )
ص : مرسلا مثله . ( 6 )
3 شى : عن أبان بن تغلب قال : سئل أبوعبدالله عليه السلام هل كان عيسى بن مريم
أحيا أحدا بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومدة وولد ؟ قال : فقال : نعم ، إنه كان له
صديق مواخ له في الله ، وكان عيسى يمر به فينزل عليه ، وإن عيسى عليه السلام غاب عنه
حينا ، ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه ( 7 ) فسألها عنه ، فقالت أمه : مات
يارسول الله ، فقال لها : أتحبين أن تريه ؟ قالت : نعم ، قال لها : إذا كان غدا أتيتك حتى


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 233 سطر 19 إلى صفحه 241 سطر 18

أحييه لك بإذن الله ، فلما كان من الغد أتاها فقال لها : انطلقي معي إلى قبره ، فانطلقا
حتى أتيا قبره فوقف عيسى عليه السلام ثم دعا الله فانفرج القبر وخرج ابنها حيا ، فلما رأته
. . ( هامش صفحة 233 ) ( 1 ) المصدر خلى عن قوله : وهو المقصود .
( 2 ) مجمع البيان 9 : 53 و 54 .
( 3 و 5 ) تفسير العياشي مخطوط .
( 4 ) في نسخة : لذعة الموت .
( 6 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 7 ) في البرهان : فخرجت اليه امه لتسلم عليه .
[234]
أمه ورآها بكيا ، فرحمهما عيسى عليه السلام ( 1 ) فقال له : أتحب أن تبقى مع أمك في
الدنيا ؟ قال : يارسول الله بأكل وبرزق ومدة ، أو بغير مدة ولا رزق ولا أكل ؟ فقال :
له عيسى عليه السلام : بل برزق وأكل ومدة تعمر عشرين سنة ، وتزوج ويولد لك ، قال :
فنعم إذا ، قال : فدفعه عيسى إلى امه ( 2 ) فعاش عشرين سنة وتزوج وولد له . ( 3 )
كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي جميلة ،
عن أبان بن تغلب وغيره عنه عليه السلام مثله . ( 4 )
4 شى : عن محمد الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان بين داود وعيسى بن
مريم عليهما السلام أربع مائة سنة ، وكان شريعة عيسى أنه بعث بالتوحيد والاخلاص ، وبما أوصي
به نوح وإبراهيم وموسى عليهم السلام ، وأنزل عليه الانجيل ، وأخذ عليه الميثاق الذي أخذ
على النبيين ، وشرع له في الكتاب إقام الصلاة مع الدين ، والامر بالمعروف ، والنهي
عن المنكر ، وتحريم الحرام ، وتحليل الحلال ، وأنزل عليه في الانجيل مواعظ وأمثال
وليس فيها قصاص ولا أحكام حدود ، ولا فرض مواريث ، وأنزل عليه تخفيف ما كان نزل
على موسى عليه السلام في التوراة ، وهو قول الله في الذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل :
" ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم " وأمر عيسى من معه ممن اتبعه من المؤمنين أن
يؤمنوا بشريعة التوراة والانجيل . ( 5 )
5 شى : البرقي ، عن أبيه رفعه في قول الله : " وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام "
قال : كانا يتغوطان . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 234 ) ( 1 ) في نسخة : فرحمها عيسى عليه السلام .
( 2 ) في البرهان : قال : فنعم اذا ، فدفعه عيسى إلى امه . وفي نسخة من التفسير : قال : فنعم
قال : فدفعه ( فرفعه خ ل ) عيسى إلى امه .
( 3 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني وما قبله في البرهان 1 : 284 .
( 4 ) روضة الكافي : 337 .
( 5 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني ايضا في البرهان 1 : 248 .
( 6 ) تفسير العياشي مخطوط . واخرجه البحراني في البرهان 1 : 492 ، ورواه الصدوق في
العيون : 325 في خبر طويل باسناده عن تميم بن عبدالله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال :
حدثني ابي قال : حدثنا احمد بن علي الانصاري ، عن الحسن بن الجهم ، عن علي بن موسى الرضا
عليه السلام .
[235]
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : قيل فيه قولان : أحدهما أنه احتجاج على النصارى
بأن من ولدته النساء ويأكل الطعام لايكون إلها للعباد ، أي أنهما كانا يعيشان بالغذاء
كما يعيش سائر الخلق فكيف يكون إلها من لايقيمه إلا أكل الطعام ؟ والثاني أن
ذلك كناية عن قضاء الحاجة . ( 1 )
6 شى : عن أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ( 2 ) " لعن الذين كفروا من
بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم " قال : الخنازير على لسان داود عليه السلام ، و
القردة على لسان عيسى بن مريم عليه السلام . ( 3 )
كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي
عبيدة مثله . ( 4 )
بيان : قد مر شرحه في باب قصة أصحاب السبت .
7 شى : عن الفيض بن المختار قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : لما أنزلت
المائدة على عيسى عليه السلام قال للحواريين : لاتأكلوا منها حتى آذن لكم ، فأكل منها
رجل منهم فقال بعض الحواريين : ياروح الله أكل منها فلان ، فقال له عيسى عليه السلام :
أكلت منها ؟ قال له : لا ، فقال الحواريون : بلى والله يا روح الله لقد أكل منها ، فقال
له عيسى : صدق أخاك ، وكذب بصرك . ( 5 )
8 م : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ياعباد الله إن قوم عيسى لما سألوه أن ينزل عليهم
مائدة من السماء قال الله : " إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا
لا أعذبه أحدا من العالمين " فأنزلها عليهم ، فمن كفر منهم بعد مسخه الله إما خنزيرا ،
وإما قردا ، وإما دبا ، وإما هرا ، وإما على صورة بعض الطيور والدواب التي في
. . ( هامش صفحة 235 ) ( 1 ) مجمع البيان 3 : 230 .
( 2 ) في الكافي : قال في قول الله اه .
( 3 ) تفسير العياشي مخطوط . واخرجه البحراني في البرهان .
( 4 ) روضة الكافي : 200 .
( 5 ) تفسير العياشي مخطوط ، واخرجه البحراني ايضا في البرهان 1 : 511 .
[236]
البر والبحر حتى مسخوا على أربعمائة نوع من المسخ . ( 1 )
9 شى : عن عيسى العلوي ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : المائدة التي
نزلت على بني إسرائيل مدلاة بسلاسل من ذهب ، عليها تسعة ألوان وتسعة أرغفة . ( 2 )
10 شى : عن الفضيل بن يسار ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : إن الخنازير من
قوم عيسى عليه السلام سألوا نزول المائدة فلم يؤمنوا فمسخهم الله خنازير . ( 3 )
11 شى : عن عبدالصمد بن بذار ( 4 ) قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : كانت
الخنازير قوما من القصارين كذبوا بالمائدة فمسخوا خنازير . ( 5 )
12 شى : عن ثعلبة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك
وتعالى لعيسى : " ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " قال : لم يقله
وسيقوله ، إن الله إذا علم أن شيئا كائن أخبر عنه خبر ما قد كان . ( 6 )
13 شى : عن سليمان بن خالد قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام قول الله لعيسى :
" ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ( 7 ) فقال : إن الله إذا أراد أمرا
أن يكون قصه قبل أن يكون كأن قد كان . ( 8 )
. . ( هامش صفحة 236 ) ( 1 ) تفسير العسكري : 234 .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط ، واخرجه البحراني في البرهان 1 : 511 دفعتين ، في احداهما ،
تسعة احوتة ، وفي الاخرى : تسعة انوان . والظاهر أن الالوان في المتن مصحفة أنوان ، والاحوتة
جمع الحوت ، والانوان جمع النون : الحوت .
( 3 ) تفسير العياشي مخطوط .
( 4 ) في البرهان : عبدالصمد بن بندار ، وفي تنقيح المقال عن رجال الشيخ : عبدالصمد بن
مدار الصيرفي الكوفي من اصحاب الصادق عليه السلام ، وفي نسختي من رجال الشيخ : عبدالصمد
ابن بلات ، وتقدم فيما مضى : عبدالصمد بن برار ، وعلى اي فالرجل مجهول أبا وحالا .
( 5 و 6 ) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجهما وما قبلهما البحراني في البرهان 1 : 511
و 512 .
( 7 ) في البرهان زيادة : قال الله بهذا الكلام ؟
( 8 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني في البرهان 1 : 512 .
[237]
14 شى : عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام في تفسير هذه الآية : " تعلم
مافي نفسي ولا أعلم مافي نفسك إنك أنت علام الغيوب " قال : إن اسم الله الاكبر ثلاثة
وسبعون حرفا ، فاحتجب الرب تبارك وتعالى منها بحرف ، فمن ثم لايعلم أحد ما في
نفسه عزوجل ، أعطى آدم اثنين وسبعين حرفا فتوارثتها الانبياء حتى صارت إلى عيسى
فذلك قول عيسى : " تعلم مافي نفسي " يعني اثنين وسبعين حرفا من الاسم الاكبر ، يقول
أنت علمتنيها فأنت تعلمها " ولا أعلم مافي نفسك " يقول : لانك احتجبت عن خلقك بذلك
الحرف فلا يعلم أحد مافي نفسك . ( 1 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : " وإذ قال الله " والمعنى : إذ يقول الله يوم القيامة لعيسى :
" ياعيسى بن مريمءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " هذا وإن خرج
مخرج الاستفهام فهو تقريع وتهديد لمن ادعى ذلك عليه من النصارى ، وقيل : أراد بهذا
القول تعريف عيسى عليه السلام أن قوما قد اعتقدوا فيه وفي أمه أنهما إلهان ، واعترض على
قوله : " إلهين " فقيل : لم يعلم في النصارى من اتخذ مريم إلها . والجواب عنه من وجوه :
أحدها : أنهم لما جعلوا المسيح إلها ألزمهم أن يجعلوا والدته أيضا إلها ، لان
الولد يكون من جنس الوالدة ، فهذا على طريق الالزام لهم .
والثاني : أنهم لما عظموهما تعظيم الآلهة اطلق اسم الاله عليهما .
والثالث : أنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك . ويعضده ما حكاه الشيخ
أبوجعفر قدس الله روحه عن بعض النصارى أنه قد كان فيما مضى قوم يقال لهم المريمية
يعتقدون في مريم أنها إله . ( 2 )
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " أي تعلم
. . ( هامش صفحة 237 ) ( 1 ) تفسير العياشي مخطوط ، اخرجه البحراني ايضا في البرهان 1 : 513 .
( 2 ) ويؤيد ذلك ما قال اليعقوبي في تاريخه 1 : 123 في ترجمة قسطنطين وتنصره وجمعه
الاساقفة والبطارخة قال : وكان سبب جمع قسطنطين هؤلاء أنه لما تنصر وحلت النصرانية بقلبه أراد
أن يستقصى علمها فأحصى مقالات أهلها فوجد ثلاث عشرة مقالة ، فمنها قول من قال : ان المسيح
وامه كانا إلهين .
[238]
غيبي وسري ولا أعلم غيبك وسرك ، وإنما ذكر النفس لمزاوجة الكلام ، والعادة جارية
بأن الانسان يسر في نفسه فصار قوله : " ما في نفسي " عبارة عن الاخفاء ، ( 1 ) ثم قال :
" ما في نفسك " على جهة المقابلة ، وإلا فالله منزه عن أن يكون له نفس أو قلب تحل فيه
المعاني . ( 2 )
15 يه : قال الصادق عليه السلام : قيل لعيسى بن مريم مالك لا تتزوج ؟ فقال : وما
أصنع بالتزويج ؟ قالوا : يولد لك ، قال : وما أصنع بالاولاد ؟ إن عاشوا فتنوا ، وإن ماتوا
حزنوا . ( 3 )
بيان : حزنه ( 4 ) بمعنى أحزنه .
16 نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه : وإن شئت قلت في عيسى بن
مريم عليه السلام ، فلقد كان يتوسد الحجر ، ويلبس الخشن ، ( 5 ) وكان إدامه الجوع ، وسراجه
بالليل القمر ، وظلاله في الشتاء مشارق الارض ومغاربها ، وفاكهته وريحانه ماتنبت الارض
للبهائم ، ولم تكن له زوجة تفتنه ، ولا ولد يحزنه ، ولا مال يلفته ، ولا طمع يذله ، دابته
رجلاه ، وخادمه يداه . ( 6 )
بيان : ( كان إدامه الجوع ) لعل المعنى أن الانسان إنما يحتاج إلى الادام لانه
يعسر على النفس أكل الخبز خاليا عنه ، فأما مع الجوع الشديد فيلتذ بالخبز ولا يطلب
غيره ، فهو بمنزلة الادام ، أو أنه كان يأكل الخبز دون الشبع فكان الجوع مخلوطا به
كالادام . ولفته يلفته : لواه وصرفه عن رأيه .
. . ( هامش صفحة 238 ) ( 1 ) لعل المراد بقوله : " ما في نفسي " على هذا الوجه نفسي ونفس أمثالي من سائر الانبياء
عليهم السلام ، أو المراد ما يخصني من اثنين وسبعين حرفا ، فلا ينافى ماورد في سائر الاخبار من
اختصاصه عليه السلام ببعض تلك الاسماء والله يعلم . منه طاب ثراه .
( 2 ) مجمع البيان 3 : 268 و 269 .
( 3 ) الفقيه : 459 ، باب نوادر النكاح .
( 4 ) يحتمل كونه بالتخفيف والتشديد .
( 5 ) في المصدر بعده : ويأكل الجشب .
( 6 ) نهج البلاغة 1 : 293 .
[239]
17 ارشاد القلوب : قال عيسى عليه السلام : خادمي يداي ، ودابتي رجلاي ، وفراشي
الارض ، ووسادي الحجر ، ودفئي في الشتاء مشارق الارض ، وسراجي بالليل القمر ، و
إدامي الجوع ، وشعاري الخوف ، ولباسي الصوف ، وفاكهتي وريحانتي ما أنبتت الارض
للوحوش والانعام ، أبيت وليس لي شئ ، وأصبح ( 1 ) وليس لي شئ ، وليس على وجه
الارض أحد أغنى مني . ( 2 )
18 مع : ( 3 ) المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن الحسين ابن
إشكيب ، ( 4 ) عن عبدالرحمن بن حماد ، عن أحمد بن الحسن ، عن صدقة بن حسان ، عن
مهران بن أبي نصر ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي سعيد الاسكاف ، ( 5 ) عن أبي جعفر عليه السلام
قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في قول الله عزوجل : " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "
قال : الربوة الكوفة ، والقرار : المسجد ، والمعين : الفرات . ( 6 )
19 فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " إلى
قوله : " ومعين " قال : " الربوة " الحيرة ، وذات قرار ومعين : الكوفة . ( 7 )
بيان : لعل المعنى أن القرار هو الكوفة ، والمعين ماؤها ، أي الفرات ، والحيرة
أي كربلا لقربها منهما أضيفت إليهما . ( 8 )
. . ( هامش صفحة 239 ) ( 1 ) في المصدر : ابيت وليس معي شئ ، وأصبحت وليس لي شئ .
( 2 ) ارشاد القلوب : 191 .
( 3 ) في طبعة أمين الضرب " شى " وهو وهم ظاهر ، لان الحديث مروي عن العياشي بوسائط .
وهو موجود في معاني الاخبار .
( 4 ) في المصدر " اسكيت " بالمهملة والتاء ، والصحيح بالباء الموحدة ، فهو اما بالسين المهملة
أو بالشين المعجمة على اختلاف .
( 5 ) هكذا في النسخ وفيه وهم ، والصحيح كما في المصدر : عن سعد الاسكاف .
( 6 ) معاني الاخبار : 106 .
( 7 ) تفسير القمي : 446 .
( 8 ) روى الشيخ باسناده عن ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وابن قولويه في كامل الزيارات
عن علي بن الحسين بن موسى ، عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم ، عن سليمان بن
نهيك ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "
قال : الربوة : نجف الكوفة ، والمعين : الفرات .
[240]
أقول : سيأتي في كتاب الغيبة في حديث المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام أن
بقاع الارض تفاخرت ففخرت الكعبة على البقعة بكربلا ، فأوحى الله إليها : اسكتي ولا
تفخري عليها ، فإنها البقعة المباركة التي نودي منها موسى من الشجرة ، وإنها الربوة
التي آويت إليها مريم والمسيح ، وإن الدالية التي غسل فيها رأس الحسين عليه السلام فيها
غسلت مريم عيسى عليه السلام واغتسلت لولادتها .
20 فس : " واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون " إلى قوله :
" إنا إليكم مرسلون " أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة
الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن تفسير هذه الآية ، فقال : بعث الله رجلين إلى
أهل مدينة أنطاكية ، فجاءاهم بما لايعرفونه ، فغلظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما في
بيت الاصنام ، فبعث الله الثالث فدخل المدينة فقال : ارشدوني إلى باب الملك ، قال : فلما
وقف على باب الملك قال : أنا رجل كنت أتعبد في فلاة من الارض ، وقد أحببت أن أعبد
إله الملك ، فأبلغوا كلامه الملك فقال : أدخلوه إلى بيت الآلهة ، فأدخلوه فمكث سنة مع
صاحبيه ، فقال لهما : بهذا ننقل قوما ( 1 ) من دين إلى دين لا بالخرق ، أفلا رفقتما ؟ ثم قال
لهما : لا تقران بمعرفتي ، ثم أدخل على الملك فقال له الملك : بلغني أنك كنت تعبد
إلهي ، فلم أزل وأنت أخي فسلني حاجتك ، قال : مالي حاجة أيها الملك ، ولكن رجلين
رأيتهما في بيت الآلهة فما حالهما ؟ قال الملك : هذان رجلان أتياني يضلان عن ديني ( 2 )
ويدعوان إلى إله سماوي ، فقال : أيها الملك فمناظرة جميلة ، فإن يكن الحق لهما
اتبعناهما ، وإن يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا ، فكان لهما مالنا وعليهما ماعلينا ،
قال : فبعث الملك إليهما فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما : ما الذي جئتماني ( 3 ) به ؟
قالا : جئنا ندعو إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والارض ويخلق في الارحام مايشاء
ويصور كيف يشاء ، وأنبت الاشجار والثمار ، وأنزل القطر من السماء ، قال : فقال لهما :
. . ( هامش صفحة 240 ) ( 1 ) في المصدر : ينقل قوم .
( 2 ) في نسخة : أتياني يبطلان ديني ، وفي المصدر : أتيا يضلان عن ديني .
( 3 ) في نسخة : جئتمانا به . وفي المصدر : جئتما به .
[241]
إلهكما هذا الذي تدعوان إليه وإلى عبادته إن جئنا كما بأعمى يقدر أن يرده صحيحا ؟
قالا : إن سألناه أن يفعل فعل إن شاء ، قال : أيها الملك علي بأعمى لايبصر قط ( 1 )
قال : فأتي به ، فقال لهما : ادعوا إلهكما أن يرد بصر هذا ، فقاما وصليا ركعتين فإذا
عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى السماء ، فقال : أيها الملك علي بأعمى آخر فأتي به قال :
فسجد سجدة ثم رفع رأسه فإذا الاعمى بصير ، فقال : أيها الملك حجة بحجة ، علي
بمقعد ، فأتي به ، فقال لهما مثل ذلك ، فصليا ودعوا الله فإذا المقعد قد أطلقت رجلاه و
قام يمشي ، فقال : أيها الملك علي بمقعد آخر ، فأتي به ، فصنع به كما صنع أول مرة
فانطلق المقعد ، فقال : أيها الملك قد أتيا بحجتين وأتينا بمثلهما ، ولكن بقي شئ واحد
فإن كان هما فعلاه دخلت معهما في دينهما ، ثم قال : أيها الملك بلغني أنه كان للملك
ابن واحد ومات ، فإن أحياه إلههما دخلت معهما في دينهما ، فقال له الملك :
وأنا أيضا معك ، ثم قال لهما : قد بقيت هذه الخصلة الواحدة : قد مات ابن الملك فادعوا
إلهكما أن يحييه ، قال فخرا ساجدين ( 2 ) لله وأطالا السجود ثم رفعا رأسيهما وقالا للملك :
ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله ، قال فخرج الناس ينظرون فوجدوه
قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب ، قال فأتي به إلى الملك فعرف أنه ابنه ، فقال
له : ماحالك يابني ؟ قال : كنت ميتا فرأيت رجلين بين يدي ربي الساعة ساجدين يسألانه
أن يحييني فأحياني ، قال : يا بني فتعرفهما إذا رأيتهما ؟ قال : نعم ، قال : فأخرج ( 3 )
الناس جملة إلى الصحراء ، فكان يمر عليه رجل رجل فيقول له أبوه : انظر فيقول : لا لا ،
ثم مر عليه بأحدهما ( 4 ) بعد جمع كثير فقال : هذا أحدهما ، وأشار بيده إليه ، ثم مر أيضا


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 241 سطر 19 إلى صفحه 249 سطر 18

بقوم كثيرين ( 5 ) حتى رأى صاحبه الآخر فقال : وهذا الآخر ، قال : فقال النبي صاحب
. . ( هامش صفحة 241 ) ( 1 ) في نسخة : لم يبصر شيئا قط .
( 2 ) في المصدر : فوقعا إلى الارض ساجدين لله .
( 3 ) قال : نعم ، فأخرج إه .
( 4 ) في المصدر : ثم مروا عليه بأحدهما .
( 5 ) ثم مروا أيضا بقوم كثيرين .
[242]
الرجلين : أما أنا فقد آمنت بإلهكما وعلمت أن ما جئتما به هو الحق ، فقال الملك : و
أنا أيضا آمنت بإلهكما ، وآمن أهل مملكته كلهم . ( 1 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ
جاءها المرسلون " : أي حين بعث الله إليهم المرسلين " إذ أرسلنا إليهم اثنين " أي رسولين
من رسلنا " فكذبوهما " قال ابن عباس : ضربوهما وسجنوهما " فعززنا بثالث " أي فقوينا ( 2 )
وشددنا ظهورهما برسول ثالث ، قال شعبة : كان اسم الرسولين شمعون ويوحنا ، والثالث
بولس ، وقال ابن عباس وكعب : صادق وصدوق ، والثالث سلوم ، وقيل : إنهم رسل عيسى
وهم الحواريون ، عن وهب وكعب ، قالا : وإنما أضافهم إلى نفسه لان عيسى
عليه السلام أرسلهم بأمره " فقالوا إنا إليكم مرسلون * قالوا " يعني أهل القرية : " ما
أنتم إلا بشر مثلنا " فلا تصلحون للرسالة " وما أنزل الرحمن من شئ إن أنتم إلا تكذبون *
قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون " وإنما قالوا ذلك بعد ما قامت الحجة بظهور المعجزة
فلم يقبلوها " وما علينا إلا البلاغ المبين * قالوا " أي هؤلاء الكفار : " إنا تطيرنا بكم "
أي تشاءمنا بكم " لئن لم تنتهوا لنرجمنكم " بالحجارة أو لنشتمنكم " وليمسنكم
منا عذاب أليم * قالوا " يعني الرسل : " طائركم معكم " أي الشؤم كله معكم بإقامتكم
على الكفر بالله تعالى " أئن ذكرتم " أي أئن ذكرتم قلتم هذا القول ، وقيل : معناه : لئن
ذكرناكم هددتمونا وهو مثل الاول ، وقيل : معناه : إن تدبرتم عرفتم صحة ماقلناه لكم
" بل أنتم قوم مسرفون " معناه : ليس فينا مايوجب التشاءم بنا ، ولكنكم متجاوزون عن
الحد في التكذيب للرسل والمعصية " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى " وكان اسمه حبيبا
النجار ، عن ابن عباس وجماعة من المفسرين ، وكان قد آمن بالرسل عند ورودهم القرية ،
وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة ، فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل و
هموا بقتلهم جاء يعدو ويشتد " قال ياقوم اتبعوا المرسلين " وإنما علم نبوتهم لانهم
لما دعوه قال : أتأخذون على ذلك أحرا ؟ قالوا : لا ، وقيل : إنه كان به زمانة أو جذام فأبرؤوه
فآمن بهم ، عن ابن عباس .
. . ( هامش صفحة 242 ) ( 1 ) تفسير القمي : 549 550 .
( 2 ) في المصدر : فقويناهما .
[243]
" اتبعوا من لايسألكم أجرا وهم مهتدون " قيل : فلما قال هذا أخذوه فرفعوه إلى
الملك ، فقال له الملك : أفأنت تتبعهم ؟ قال : " وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون "
أي تردون عند البعث " ءأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر " أي إن أراد الله إهلاكي
والاضرار بي " لاتغن عني شفاعتهم شيئا " أي لاتدفع شفاعتهم عني شيئا " ولا ينقذون "
ولا يخلصوني من ذلك " إني إذا لفي ضلال مبين * إني آمنت بربكم فاسمعون " أي
فاسمعوا قولي واقبلوه .
ثم إن قومه لما سمعوا ذلك القول منه وطئوه بأرجلهم حتى مات ، فأدخله الله
الجنة وهو حي فيها يرزق وهو قوله : " قيل ادخل الجنة " وقيل : رجموه حتى قتلوه
عن قتادة ، وقيل إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنة ولا يموت إلا
بفناء الدنيا وهلاك الجنة ، عن الحسن ومجاهد ، وقالا : إن الجنة التي دخلها يجوز
هلاكها ، وقيل : إنهم قتلوه إلا أن الله سبحانه أحياه وأدخله الجنة ، فلما دخلها قال :
" ياليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي " تمنى أن يعلم قومه ما أعطاه الله من المغفرة
وجزيل الثواب ليرغبوا في مثله ويؤمنوا لينالوا ذلك " وجعلني من المكرمين " أي من
المدخلين الجنة .
ثم حكى سبحانه ماأنزله بقومه من العذاب فقال : " وما أنزلنا على قومه من بعده "
أي من بعد قتله أو رفعه " من جند من السماء " يعني الملائكة ، أي لم ننتصر منهم بجند
من السماء ( 1 ) " وما كنا منزلين " أي وما كنا ننزلهم على الامم إذا أهلكناهم ، و
قيل : معناه : وما أنزلنا على قومه من بعده رسالة من السماء قطع الله عنهم الرسالة حين قتلوا
رسله " إن كانت إلا صيحة واحدة " أي كان إهلاكهم عن آخرهم بأيسر أمر صيحة واحدة
حتى هلكوا بأجمعهم " فإذا هم خامدون " أي ساكنون قد ماتوا
قيل : إنهم لما قتلوا حبيب بن موسى النجار ( 2 ) غضب الله عليهم ، فبعث جبرئيل
. . ( هامش صفحة 243 ) ( 1 ) في المصدر زيادة : ولم ننزل لاهلاكهم بعد قتلهم الرسل جندا من السماء يقاتلونهم .
( 2 ) " " : حبيب بن مرى النجار .
[244]
حتى أخذ بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم لايسمع لهم حس
كالنار إذا طفئت . انتهى . ( 1 )
وقال الثعلبي في تفسيره : هو حبيب بن مرى ، وقال ابن عباس ومقاتل : حبيب بن
إسرائيل النجار ، وقال وهب : كان رجلا أسرع فيه الجذام وكان مؤمنا ذا صدقة ، يجمع
كسبه إذا أمسى فيقسمه نصفين : فيطعم نصفه عياله ، ويتصدق بنصفه ، وقال قتادة : كان
حبيب في غار يعبد ربه ، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وما هو عليه من التوحيد
وعبادة الله فوثب القوم إليه فقتلوه . ( 2 )
21 محص : عن سدير قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : هل يبتلي الله المؤمن ؟ فقال :
وهل يبتلي إلا المؤمن ؟ حتى إن صاحب يس قال : " ياليت قومي يعلمون " كان مكنعا ،
قلت : وما المكنع ؟ قال : كان به جذام . ( 3 )
22 لى : علي بن عيسى ، عن علي بن محمد ماجيلويه ، ( 4 ) عن البرقي ، عن أبيه ، عن
محمد بن سنان ، عن أحمد بن النصر الطحان ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله الصادق جعفر
ابن محمد عليه السلام إن عيسى روح الله مر بقوم مجلبين ، فقال : ما لهؤلاء ؟ قيل : يا روح الله إن
فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان ابن فلان في ليلتها هذه ، قال : يجلبون اليوم ويبكون غدا ،
فقال قائل منهم : ولم يا رسول الله ؟ قال : لان صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه ، فقال القائلون
بمقالته : صدق الله وصدق رسوله ، وقال أهل النفاق : ما أقرب غدا ، فلما أصبحوا جاؤوا
. . ( هامش صفحة 244 ) ( 1 ) مجمع البيان 8 : 418 و 419 و 421 و 422 .
( 2 ) الكشف والبيان مخطوط .
( 3 ) التمحيص مخطوط . وروى الكليني في الاصول 2 : 254 في باب شدة ابتلاء المؤمن باسناده
عن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن صفوان ، عن معاوية بن عمار ، عن ناجية قال : قلت لابي جعفر
عليه السلام : ان المغيرة يقول : ان المؤمن لا يبتلى بالجذام ولا البرص ولا بكذا ولا بكذا ، فقال :
ان كان لغافلا عن صاحب يس انه كان مكنعا ثم رد أصابعه فقال : وكاني أنظر إلى تكنيعه
فانذرهم ثم عاد اليهم من الغد فقتلوه ، ثم قال : ان المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة الا انه
لا يقتل نفسه انتهى . وأورده مجملا في الفروع 1 : 31 في باب علل الموت . قلت : قوله : مكنعا من
كنع يده أشلها وأيبسها .
( 4 ) هكذا في النسخ وفيه وهم والصواب : محمد بن علي ماجيلويه كما في المصدر .
[245]
فوجدوها على حالها لم يحدث بها شئ فقالوا : يا روح الله إن التي أخبرتنا أمس أنها
ميتة لم تمت ، فقال عيسى عليه السلام : يفعل الله مايشاء ، فاذهبوا بنا إليها ، فذهبوا يتسابقون
حتى قرعوا الباب ، فخرج زوجها ، فقال له عيسى عليه السلام : استأذن لي على صاحبتك ، قال :
فدخل عليها فأخبرها أن روح الله وكلمته بالباب مع عدة ، قال : فتخدرت فدخل عليها
فقال لها : ما صنعت ليلتك هذه ؟ قالت : لم أصنع شيئا إلا وقد كنت أصنعه فيما مضى ، إنه
كان يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثلها ، وإنه جاءني في ليلتي هذه
وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغيل ، فهتف فلم يجبه أحد ، ثم هتف فلم يجب حتى
هتف مرارا ، فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى أنلته كما كنا ننيله ، فقال لها : تنحي
عن مجلسك ، فإذا تحت ثيابها أفعي مثل جذعة عاض على ذنبه ، فقال عليه السلام : بما صنعت
صرف عنك هذا . ( 1 )
بيان : الجلبة : اختلاط الصوت . والجذعة بالكسر : ساق النخلة .
23 ير : أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن رجل من الكوفيين ، عن محمد بن عمر ،
عن عبدالله بن الوليد قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : مايقول أصحابك في أمير المؤمنين و
عيسى وموسى عليهم السلام أيهم أعلم ؟ قال : قلت : مايقدمون على أولي العزم أحدا ، قال : أما
إنك لو خاصمتهم ( 2 ) بكتاب الله لحججتهم ، ( 3 ) قال : قلت : وأين هذا في كتاب الله ؟
قال : إن الله قال في موسى : " وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة " ولم يقل :
كل شئ ، وقال في عيسى : " ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه " ولم يقل : كل
شئ ، وقال في صاحبكم : " كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " . ( 4 )
24 ج : عن ابن عباس قال : جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا فيما قالوا :
عيسى خير منك ، قال : ولم ذاك ؟ قالوا : لان عيسى بن مريم عليه السلام كان ذات يوم بعقبة
بيت المقدس فجاءته الشياطين ليحملوه ، فأمر الله عزوجل جبرئيل أن اضرب بجناحك الايمن
. . ( هامش صفحة 245 ) ( 1 ) أمالي الصدوق : 299 و 300 وفيه : صرف الله عنك هذا .
( 2 ) في المصدر : لو حاججتهم .
( 3 ) أي لغلبتهم بالحجة .
( 4 ) بصائر الدرجات : 63 .
[246]
وجوه الشياطين ، وألقهم في النار ، فضرب بأجنحته وجوههم وألقاهم في النار ، قال النبي
صلى الله عليه وآله : لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك ، الخبر . ( 1 )
25 فس : " إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير " أي أقدر وهو خلق
تقدير ، حدثنا أحمد بن محمد الهمداني ، عن جعفر بن عبدالله ، عن كثير بن عياش ، عن أبي
الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم "
فإن عيسى عليه السلام كان يقول لبني إسرائيل : إني رسول الله إليكم ، وإني أخلق لكم من
الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، وأبرئ الاكمه والابرص ، الاكمه
هو الاعمى ، قالوا : مانرى الذي تصنع إلا سحرا ، فأرنا آية نعلم أنك صادق ، قال : أرأيتم
إن أخبرتكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم يقول : ما أكلتم في بيوتكم قبل
أن تخرجوا وما ادخرتم إلى الليل تعلمون أني صادق ؟ قالوا : نعم ، فكان يقول للرجل :
أكلت كذا وكذا ، وشربت كذا وكذا ، ورفعت كذا وكذا ، فمنهم من يقبل منه فيؤمن ،
ومنهم من يكفر ، وكان لهم في ذلك آية إن كانوا مؤمنين .
وقال علي بن إبراهيم في قوله : " ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم " : هو
السبت والشحوم والطير الذي حرمه الله على بني إسرائيل . ( 2 )
26 ن ، ل : ابن الوليد ، عن سعد ، عن أحمد بن حمزة الاشعري ، عن ياسر الخادم
قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : إن أوحش مايكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم
يلد ( 3 ) فيخرج من بطن أمه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم
يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا ، وقد سلم الله على يحيى عليه السلام في هذه الثلاثة
المواطن وآمن روعته فقال : " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " وقد سلم
عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال : " والسلام علي يوم ولدت ويوم
أموت ويوم أبعث حيا " . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 246 ) ( 1 ) احتجاج الطبرسي : 28 29 .
( 2 ) تفسير القمي : 92 93 .
( 3 ) في المصدر : يوم يولد ويخرج .
( 4 ) عيون الاخبار : 142 ، الخصال 1 ( : ) ؟ 53 .
[247]
27 فس : الحسين بن عبدالله السكيني ، عن أبي سعيد البجلي ، عن عبدالملك بن
هارون ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال الحسن بن علي عليه السلام فيما ناظر به
ملك الروم : كان عمر عيسى عليه السلام في الدنيا ثلاثة وثلاثين سنة ، ثم رفعه الله إلى السماء ،
ويهبط إلى الارض بدمشق ، وهو الذي يقتل الدجال . ( 1 )
28 ع : أبي ، عن الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه ، عن ابن أبي
عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : مر عيسى بن مريم عليه السلام بصفائح
الروحاء وهو يقول : لبيك ، عبدك وابن أمتك ، لبيك . الخبر . ( 2 )
كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير مثله . ( 3 )
29 مع : معنى المسيح أنه كان يسيح في الارض ويصوم . ( 4 )
20 مع : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبدالله بن جبلة
عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " وجعلني مباركا أينما كنت " قال :
نفاعا . ( 5 )
فس : محمد بن جعفر ، عن محمد بن أحمد ، عن ابن يزيد مثله . ( 6 )
31 ن : بإسناده عن الرضا عليه السلام قال : كان نقش خاتم عيسى عليه السلام حرفين
اشتقهما من الانجيل : طوبى لعبد ذكر الله من أجله ، وويل لعبد نسي الله من أجله . ( 7 )
32 ج : حمران بن أعين قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل :
" وروح منه " قال : هي مخلوقة خلقه الله بحكمته في آدم وعيسى عليهما السلام . ( 8 )
. . ( هامش صفحة 247 ) ( 1 ) تفسير القمي : 595 و 597 و 598 .
( 2 ) علل الشرائع : 145 .
( 3 ) فروع الكافي 1 : 223 و 224 .
( 4 ) معاني الاخبار : 19 .
( 5 ) " " : 64 .
( 6 ) تفسير القمي : 410 411 .
( 7 ) عيون الاخبار : 218 .
( 8 ) احتجاج الطبرسي : 176 .
[248]
33 فس : " إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل
علينا مائدة من السماء " فقال عيسى : " اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " قالوا كما حكى الله :
نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين "
فقال عيسى : " اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا و
آية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين " فقال الله احتجاجا عليهم : " إني منزلها عليكم فمن
يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين " فكانت تنزل المائدة عليهم
فيجتمعون عليها ويأكلون حتى يشبعوا ثم ترفع ، فقال كبراؤهم ومترفوهم : ( 1 ) لاندع
سفلتنا يأكلون منها ، فرفع الله المائدة ، ومسخوا القردة والخنازير . ( 2 )
34 شى : عن يحيى الحلبي في قوله : " هل يستطيع ربك " قال : قراءتها :
" هل تستطيع ربك " يعني هل تستطيع أن تدعو ربك . ( 3 )
بيان : هذا قراءة الكسائي حيث قرأ " تستطيع " بصيغة الخطاب و " ربك " بالنصب
أي تستطيع سؤال ربك .
35 ص : عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : رأيت إبراهيم وموسى
وعيسى عليهم السلام فأما موسى عليه السلام فرجل طوال سبط يشبه رجال الزط ورجال أهل شنوة ( 4 )
وأما عيسى عليه السلام فرجل أحمر جعد ربعة ، قال : ثم سكت ، فقيل له : يارسول الله فإبراهيم ؟
قال : انظروا إلى صاحبكم يعني نفسه . ( 5 )
36 ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن عيسى
ابن عبدالله ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : المائدة التي نزلت على بني إسرائيل كانت
. . ( هامش صفحة 248 ) ( 1 ) المترف : المتنعم .
( 2 ) تفسير القمي : 177 .
( 3 ) تفسير العياشي مخطوط .
( 4 ) هكذا في النسخ ، ولعله مصحف شنوءة ، وهم بطن من الازد ، وقد مر الكلام فيه في الباب
الاول من قصص موسى وهارون .
( 5 ) قصص الانبياء مخطوط .
[249]
مدلاة بسلاسل من ذهب عليها تسعة أحوات ، ( 1 ) وتسعة أرغفة فحسب . ( 2 )
شى : عن عيسى العلوي ، عن أبيه مثله . ( 3 )
37 م : قال النبي صلى الله عليه وآله : إن الله أنزل مائدة على عيسى عليه السلام وبارك له في
أرغفة ( 4 ) وسميكات حتى أكل وشبع منها أربعة آلاف وسبعمائة . ( 5 )
38 ص : الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة ، عن الحسن بن علي ، عن الحسن بن
الجهم ، عن الرضا عليه السلام قال : كان عيسى عليه السلام يبكي ويضحك ، وكان يحيى عليه السلام يبكي
ولايضحك ، وكان الذي يفعل عيسى عليه السلام أفضل . ( 6 )
39 ك : أبي وابن الوليد معا ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن معروف ، عن ابن
مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن محمد بن إسماعيل القرشي ، عمن حدثه ، عن إسماعيل بن
أبي رافع عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن جبرئيل نزل علي بكتاب فيه خبر الملوك
ملوك الارض قبلي ، وخبر من بعث قبلي من الانبياء والرسل وهو حديث طويل أخذنا منه
موضع الحاجة إليه قال : لما ملك اشبخ بن أشجان ( 7 ) وكان يسمى الكيس وملك مائتي
سنة وستا وستين سنة ، ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه بعث الله عيسى بن مريم عليه السلام و
استودعه النور والعلم والحكمة ( 8 ) وجميع علوم الانبياء قبله ، وزاده الانجيل ، وبعثه إلى
بيت المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الايمان بالله وبرسوله ،
. . ( هامش صفحة 249 ) ( 1 ) قد مر برواية العياشي بهذا السند " تسعة الوان " ولعل أحدهما تصحيف الاخر . منه طاب ثراه
قلت : تقدم الكلام هناك راجع .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 249 سطر 19 إلى صفحه 257 سطر 18

( 3 ) تفسير العياشي مخطوط واخرجه وما قبله البحراني في البرهان 1 : 511 .
( 4 ) في المصدر : في أربعة أرغفة .
( 5 ) تفسير العسكري : 77 .
( 6 ) قصص الانبياء مخطوط ، وأخرجه عنه بالاسناد وعن الكافي باسناده عن الحسن بن الجهم
عن ابراهيم بن مهزم ، عن أبي الحسن الاول عليه السلام في باب قصص زكريا ويحيى عليهما
السلام .
( 7 ) في المصدر : اشج بن اشجان .
( 8 ) " " : والحكم .
[250]
فأبى أكثرهم إلا طغيانا وكفرا ، فلما لم يؤمنوا به دعا ربه وعزم عليهم فمسخ منهم
شياطين ليريهم آية فيعتبروا فلم يزدهم إلا طغيانا وكفرا ، فأتى بيت المقدس يدعوهم ( 1 )
ويرغبهم فيما عند الله ثلاثا وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت أنها عذبته ودفنته في
الارض حيا ، وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه ، وماكان الله ليجعل لهم عليه سلطانا ،
وإنما شبه لهم ، وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه ، قوله عزوجل : ( 2 )
" إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا " فلم يقتدروا على قتله ( 3 ) وصلبه
لانهم لو قدروا على ذلك كان تكذيبا لقوله ولكن رفعه الله إليه بعد أن توفاه ، فلما أراد
الله أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا
خليفته على المؤمنين ، ففعل ذلك فلم يزل شمعون يقوم بأمر لله عزوجل ، ( 4 ) ويهتدي
بجميع مقال عيسى عليه السلام في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفار ، فمن أطاعه وآمن
به وبما جاء به كان مؤمنا ، ومن جحده وعصاه كان كافرا حتى استخلصه ربنا عزوجل ،
وبعث في عباده نبيا من الصالحين وهو يحيى بن زكريا عليه السلام فمضى شمعون وملك عند
ذلك أردشير . ( 5 )
أقول : تمامه في باب أحوال الملوك .
40 ك : الطالقاني ، عن ابن عقدة ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ،
عن محمد بن الفضيل ، عن الثمالي ، عن الباقر عليه السلام قال : إن الله أرسل عيسى إلى بني إسرائيل
خاصة ، وكانت نبوته ببيت المقدس ، وكان من بعده من الحواريين اثني عشر . الخبر . ( 6 )
41 ل : بإسناده عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : أول نبي من بني إسرائيل
. . ( هامش صفحة 250 ) ( 1 ) في المصدر : فمكث يدعوهم .
( 2 ) " " : لقوله عزوجل .
( 3 ) " " : فلم يقدروا على قتله .
( 4 ) " " : فلم يزل شمعون في قومه يقوم بامر الله عزوجل .
( 5 ) اكمال الدين : 130 .
( 6 ) " " : 122 و 127 .
[251]
موسى ، وآخرهم عيسى وستمائة نبي . الخبر . ( 1 )
42 يد : بإسناده عن فتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : قلت
له : جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : " تبارك الله
أحسن الخالقين " فقد أخبر أن في عباده خالقين وغير خالقين ، منهم عيسى عليه السلام خلق من
الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله ، والسامري خلق لهم عجلا
جسدا له خوار . ( 2 ) إلى آخر ما مر في كتاب التوحيد . ( 3 )
43 ص : الصدوق بإسناده عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن
محمد الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان بين داود وعيسى عليهما السلام أربعمائة سنة وثمانون سنة ، و
أنزل على عيسى في الانجيل مواعظ وأمثال وحدود ليس فيها قصاص ولا أحكام حدود ولا فرض
مواريث ، وأنزل عليه تخفيف ماكان نزل على موسى عليه السلام في التوراة وهو قوله تعالى حكاية
عن عيسى إنه قال قال لبني إسرائيل : " ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم " وأمر عيسى
من معه ممن تبعه من المؤمنين أن يؤمنوا بشريعة التوراة وشرائع جميع النبيين والانجيل
قال : ومكث عيسى عليه السلام حتى بلغ سبع سنين أو ثمانيا ، فجعل يخبرهم بما يأكلون وما
يدخرون في بيوتهم ، فأقام بين أظهرهم يحيي الموتى ويبرئ الاكمه والابرص ويعلمهم
التوراة ، وأنزل الله عليه الانجيل لما أراد أن يتخذ عليهم حجة ، وكان يبعث إلى الروم
رجلا لا يداوي أحدا إلا برئ من مرضه ، ويبرئ الاكمه والابرص حتى ذكر ذلك
لملكهم فأدخل عليه فقال : أتبرئ الاكمه والابرص ؟ قال : نعم ، قال : أتي بغلام منخسف
الحدقة لم ير شيئا قط ، فأخذ بندقتين فبندقهما ثم جعلهما في عينيه ودعا فإذا هو بصير
. . ( هامش صفحة 251 ) ( 1 ) الخصال 2 : 104 . والحديث طويل ومسند ، اسناده : علي بن عبدالله الاسواري ، عن
احمد بن محمد السجزي ، عن عمرو بن حفص ، عن عبدالله بن محمد بن اسد ، عن ابي علي الحسين
ابن ابراهيم ، عن يحيى بن سعيد البصري ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عتبة بن عميد الليثي ،
عن أبي ذر رحمه الله .
( 2 ) توحيد الصدوق : 44 و 46 ، والحديث مسند راجعه .
( 3 ) والحديث طويل أورده في أبواب متعددة حسب مضمونه ، وتقدم في باب أنه تعالى خالق
كل شئ مايناسب المقام راجع 4 : 147 .
[252]
فأقعده الملك معه وقال : كن معي ولا تخرج من مصري ، فأنزله معه بأفضل المنازل .
ثم إن المسيح عليه السلام بعث آخر وعلمه مابه يحيي الموتى ، فدخل الروم وقال : أنا
أعلم من طبيب الملك ؟ فقالوا للملك ذلك ، قال : اقتلوه ، فقال الطبيب : لا تفعله أدخله
فإن عرفت خطاه قتلته ولك الحجة ، فأدخل عليه فقال : أنا أحيي الموتى ، فركب الملك
والناس إلى قبر ابن الملك وكان قد مات في تلك الايام ، فدعا رسول المسيح وأمن طبيب
الملك الذي هو رسول المسيح أيضا الاول ، فانشق القبر فخرج ابن الملك ، ثم جاء يمشي
حتى جلس في حجر أبيه ، فقال : يابني من أحياك ؟ قال : فنظر فقال : هذا وهذا ، فقاما
فقالا : إنا رسول المسيح إليك ، وإنك كنت لاتسمع من رسله إنما تأمر بقتلهم إذا
أتوك ، فتابع وأعظموا أمر المسيح عليه السلام حتى قال فيه أعداء الله ماقالوا واليهود يكذبونه
ويريدون قتله . ( 1 )
44 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد
ابن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن الصادق عليه السلام إن عيسى عليه السلام لما أراد وداع أصحابه
جمعهم وأمرهم بضعفاء الخلق ، ونهاهم عن الجبابرة ، فوجه اثنين إلى أنطاكية ، فدخلا في
يوم عيد لهم فوجداهم قد كشفوا عن الاصنام وهم يعبدونها ، فعجلا عليهم بالتعنيف ،
فشدا بالحديد وطرحا في السجن ، فلما علم شمعون بذلك أتى أنطاكية حتى دخل عليهما
في السجن ، وقال : ألم أنهكما عن الجبابرة ؟ ( 2 ) ثم خرج من عندهما وجلس مع الناس
مع الضعفاء ، فأقبل يطرح كلامه الشئ بعد الشئ ، فأقبل الضعيف يدفع كلامه إلى من
هو أقوى منه ، وأخفوا كلامه إخفاء شديدا ، فلم يزل يتراقي الكلام حتى انتهى إلى
الملك ، فقال : منذ متى هذا الرجل في مملكتي ؟ قالوا : منذ شهرين ، فقال : علي به ،
فأتوه فلما نظر إليه وقعت عليه محبته فقال : لا أجلس إلا وهو معي ، فرأى في منامه شيئا
أفزعه ، فسأل شمعون عنه فأجاب بجواب حسن فرح به ، ثم ألقي عليه في المنام ما أهاله
فأولها له بما ازداد به سرورا ، فلم يزل يحادثه حتى استولى عليه ، ثم قال : إن في
. . ( هامش صفحة 252 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 2 ) فكان شمعون أيضا نهاهم عن ذلك ، أو كان نهى المسيح كنهيه .
[253]
حبسك رجلين عابا عليك ، قال : نعم ، قال : فعلي بهما ، فلما أتي بهما قال : ماإلهكما
الذي تعبدان ؟ قالا : الله ، قال : يسمعكما إذا سألتماه ويجيبكما إذا دعوتماه ؟ قالا : نعم
قال شمعون : فأنا أريد أن أستبرئ ( 1 ) ذلك منكما ، قالا : قل ، قال : هل يشفي لكما
الابرص ؟ قالا : نعم ، قال : فأتي بأبرص ، فقال : سلاه أن يشفي هذا ، قال : فمسحاه فبرئ ،
قال : وأنا أفعل مثل مافعلتما ، قال : فأتي بآخر فمسحه شمعون فبرئ ، قال : بقيت خصلة
إن أجبتماني إليها آمنت بإلهكما ، قالا : وماهي ؟ قال : ميت تحييانه ؟ قالا : نعم ، فأقبل
على الملك وقال : ميت يعنيك أمره ؟ قال : نعم ابني ، قال : اذهب بنا إلى قبره فإنهما قد
أمكناك من أنفسهما ، ( 2 ) فتوجهوا إلى قبره فبسطا أيديهما فبسط شمعون يديه فما كان
بأسرع من أن صدع القبر وقام الفتى فأقبل على أبيه ، فقال أبوه : ماحالك ؟ قال : كنت
ميتا ففزعت فزعة فإذا ثلاثة قيام بين يدي الله باسطو أيديهم يدعون الله أن يحييني ،
وهما هذان وهذا ، فقال شمعون : أنا لالهكما من المؤمنين ، فقال الملك : أنا بالذي آمنت
به ياشمعون من المؤمنين ، وقال وزراء الملك : ونحن بالذي آمن به سيدنا من المؤمنين ، فلم
يزل الضعيف يتبع القوي فلم يبق بالانطاكية أحد إلا آمن به . ( 3 )
45 ص : في رواية : أتت عيسى امرأة من كنعان بابن لها مزمن ، فقالت : يانبي
الله ابني هذا زمن ( 4 ) ادع الله له ، قال : إنما أمرت أن أبرئ زمنى بني إسرائيل ،
قالت : ياروح الله إن الكلاب تنال من فضول موائد أربابها إذا رفعوا موائدهم ، فأنلنا من
حكمتك ما ننتفع به ، فاستأذن الله تعالى في الدعاء فأذن له فأبرأه . ( 5 )
46 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن سنان
قال : سأل أبي أبا عبدالله عليه السلام هل كان عيسى يصيبه ما يصيب ولد آدم ؟ قال : نعم ، ولقد
كان يصيبه وجع الكبار في صغره ، ويصيبه وجع الصغار في كبره ، ويصيبه المرض ، وكان
. . ( هامش صفحة 253 ) ( 1 ) أي أردت أن استبين ذلك منكما حتى لاتبقى لي شبهة .
( 2 ) أي قد جعلا لك على انفسهما سلطانا وقدرة تقتلهما إن لم يفعلا ذلك .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 4 ) الزمن : المصاب بالزمانة وهي تعطيل بعض القوى .
( 5 ) قصص الانبياء مخطوط .
[254]
إذا مسه وجع الخاصرة في صغره وهو من علل الكبار قال لامه : ابغي لي عسلا وشونيزا
وزيتا فتعجني به ثم ايتني به ، فأتته به فكرهه ( 1 ) فتقول : لم تكرهه وقد طلبته ؟ فيقول
هاتيه ، نعتته لك بعلم النبوة وأكرهته لجزع الصبا ، ويشم الدواء ثم يشربه بعد
ذلك . ( 2 )
47 ص : في رواية إسماعيل بن جابر قال أبوعبدالله عليه السلام : إن عيسى بن مريم
عليه السلام كان يبكي بكاء شديدا ، فلما أعيت مريم كثرة بكائه قال لها : خذي من لحا ( 3 )
هذه الشجرة فاجعلي وجورا ( 4 ) ثم اسقينيه ، فإذا سقى بكى بكاء شديدا ، فتقول مريم :
ماذا أمرتني ؟ فيقول : يا أماه علم النبوة وضعف الصبا . ( 5 )
48 ن : بالاسانيد الثلاثة عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
عليكم بالعدس فإنه مبارك مقدس يرقق القلب ، ويكثر الدمعة ، وقد بارك فيه سبعون
نبيا آخرهم عيسى بن مريم عليه السلام . ( 6 )
49 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن محبوب ، عن داود
الرقي قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : اتقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضا ، إن عيسى
ابن مريم عليه السلام كان من شرائعه السيح في البلاد ، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من
أصحابه قصير وكان كثير اللزوم لعيسى بن مريم عليه السلام ، فلما انتهى عيسى إلى البحر قال
" بسم الله " بصحة يقين منه ، فمشى على ظهر الماء ، فقال الرجل القصير حين نظر إلى
عيسى عليه السلام جازه : " بسم الله " بصحة يقين منه ، فمشى على الماء فلحق بعيسى عليه السلام فدخله
العجب بنفسه ، فقال : هذا عيسى روح الله يمشي على الماء ، وأنا أمشي على الماء فما فضله
. . ( هامش صفحة 254 ) ( 1 ) في نسخة : فأكرهه .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 3 ) اللحاء بالمد والقصر لغة ما على العود من قشره .
( 4 ) الوجور بالفتح والضم : الدواء الذي يصب في الفم والحلق .
( 5 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 6 ) عيون الاخبار : 207 .
[255]
علي ؟ قال : فرمس في الماء فاستغاث بعيسى عليه السلام فتناوله من الماء فأخرجه ، ثم قال له :
ما قلت ياقصير ؟ قال : قلت : هذا روح الله يمشي على الماء ، وأنا أمشي ، ( 1 ) فدخلني من
ذلك عجب ، فقال له عيسى عليه السلام : لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه
فمقتك الله على ماقلت فتب إلى الله عزوجل مما قلت ، قال : فتاب الرجل وعاد إلى مرتبته
التي وضعه الله فيها ، فاتقوا الله ولا يحسدن بعضكم بعضا . ( 2 )
50 كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : مر عيسى بن مريم عليه السلام بصفائح الروحاء وهو يقول : لبيك عبدك ابن
أمتك . ( 3 )
51 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام
ابن سالم ، عن يزيد الكناسي ( 4 ) قال : سألت أبا جعفر عليه السلام كان عيسى بن مريم حين تكلم
في المهد حجة الله على أهل زمانه ؟ فقال : كان يومئذ نبيا حجة الله غير مرسل ، أما تسمع
لقوله حين قال : " إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت و
أوصاني بالصلوة والزكوة مادمت حيا " قلت : فكان يومئذ حجة الله على زكريا عليه السلام في تلك
الحال وهو في المهد ؟ فقال : كان عيسى في تلك الحال آية للناس ، ورحمة من الله لمريم حين تكلم
فعبر عنها ، وكان نبيا حجة على من سمع كلامه في تلك الحال ، ثم صمت فلم يتكلم
. . ( هامش صفحة 255 ) ( 1 ) في المصدر : وأنا امشي على الماء .
( 2 ) اصول الكافي 2 : 306 و 307 .
( 3 ) فروع الكافي 1 : 223 و 224 وقد مضت الرواية تحت رقم 28 ولذا خط عليها في نسخة
خطية .
( 4 ) في المصدر : بريد بالباء الموحدة وفي هامشه : في بعض النسخ : يزيد الكناسي . واستظهر
المامقاني أن الصحيح يزيد وهو أبوخالد الكناسي ، حيث ان الشيخ ذكر بريد بالباء في اصحاب
الصادق عليه السلام وبالياء المثناة في اصحاب الباقر عليه السلام ، ولم يذكر في اصحاب الباقر
عليه السلام بريد بالباء الموحدة فحيث ذكر بريد عن الباقر عليه السلام فهو وهم وصوابه يزيد .
قلت : قد ذكر ابن حجر في لسان الميزان بريد الكناسي بالموحدة في أصحابهما عليهما السلام ،
قال : بريد الكناسي حدث عن أبي جعفر وأبي عبدالله قال الدارقطني وابن ماكولا في المؤتلف
والمختلف : انه من شيوخ الشيعة . قلت : وذكره الطوسي في الرواة عن جعفر الصادق . انتهى .
[256]
حتى مضت له سنتان ، وكان زكريا عليه السلام الحجة لله عزوجل على الناس بعد صمت
عيسى عليه السلام بسنتين ، ثم مات زكريا عليه السلام فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو
صبي صغير ، أما تسمع لقوله عزوجل : " يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم
صبيا " فلما بلغ عيسى سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة حين أوحى الله تعالى إليه ، فكان
عيسى الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين ، وليس تبقى الارض يابا خالد يوما واحدا بغير
حجة لله على الناس منذ يوم خلق الله آدم عليه السلام وأسكنه الارض . ( 1 )
ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى مثله . ( 2 )
52 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى قال : قلت
للرضا عليه السلام : قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول : يهب الله لي غلاما
فقد وهب الله لك فقر عيوننا ، فلا أرانا الله يومك ، فإن كان كون فإلى من ؟ فأشار بيده
إلى أبي جعفر عليه السلام وهو قائم بين يديه ، فقلت : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين ، قال :
وما يضره من ذلك شئ ، قد قام عيسى عليه السلام بالحجة وهو ابن ثلاث سنين . ( 3 )
بيان : هذا الخبر بظاهره ينافي خبر الكناسي ، ويمكن أن يوجه بأنه نزل عليه
الكتاب في السنة الثالثة ولم يؤمر بتبليغه إلى السابعة ، أو يكون المعنى أنه كان في ثلاث
سنين نبيا وإن كان قبله أيضا كذلك ، ويحتمل أن يكون ضمير هو راجعا إلى أبي جعفر
عليه السلام ، ( 4 ) أي كان عيسى عليه السلام حجة في المهد فلا يستبعد أن يكون أبوجعفر عليه السلام
إماما وهو ابن ثلاث سنين .
53 كا : الحسين بن محمد ، عن الخيراني ، عن أبيه قال : كنت واقفا بين يدي أبي
الحسن عليه السلام بخراسان ، فقال له قائل : ياسيدي إن كان كون فإلى من ؟ قال : إلي
أبي جعفر ابني ، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام ، فقال أبوالحسن عليه السلام :
. . ( هامش صفحة 256 ) ( 1 ) اصول الكافي 1 : 382 و 383 .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 3 ) اصول الكافي 1 : 383 .
( 4 ) بعيد جدا .
[257]
إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم عليه السلام رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر
من السن الذي فيه أبوجعفر . ( 1 )
54 نص : علي بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن عبدالله بن جعفر الحميري ، ( 2 )
عن الرضا عليه السلام قال : إن الله تعالى احتج بعيسى عليه السلام وهو ابن سنتين . ( 3 )
55 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن سعدان بن
مسلم ، عن معلى بن خنيس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن عيسى بن مريم عليه السلام لما أن
مر على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في الماء ، فقال له بعض الحواريين : ياروح الله
وكلمته لم فعلت هذا وإنما هو من قوتك ؟ قال : فعلت هذا لدابة تأكله من دواب الماء
وثوابه عند الله عظيم . ( 4 )
56 يه : عن جابر بن عبدالله الانصاري أن أمير المؤمنين عليه السلام سأل عن الديراني
الذي كان في مسجد براثا وأسلم على يديه : من صلى ههنا ؟ قال : صلى عيسى بن مريم عليه السلام
. . ( هامش صفحة 257 ) ( 1 ) اصول الكافي 1 : 384 .
( 2 ) في المصدر : عبدالله بن جعفر قال : دخلت على الرضا عليه السلام انا وصفوان بن يحيى
وأبوجعفر عليه السلام قائم قد اتى عليه ثلاث سنين ، فقلت له : جعلنا الله فداك ان وأعوذ بالله
حدث حدث فمن يكون بعدك ؟ قال : ابني هذا وأومأ اليه قال : فقلنا له : وهو في هذا السن ؟
قال : نعم وهو في هذا السن ، ان الله تبارك وتعالى احتج بعيسى عليه السلام وهو ابن سنتين انتهى .
قلت : فيه غرابة لان عبدالله بن جعفر قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين ، وكان في سن من
يحمل عنه الحديث ، فسمع أهلها منه وأكثروا ، وأبوجعفر الجواد عليه السلام ولد سنة 195 ،


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 257 سطر 19 إلى صفحه 265 سطر 18

فعليه فيكون عبدالله بن جعفر ممن عمر أكثر من 110 سنة وهو بعيد جدا ، فيحتمل قويا اسقاط فاعل
( دخلت ) عن الاسناد ، ويؤيده ماذكره قبل ذلك باسناده عن علي بن محمد الدقاق قال : حدثني محمد
ابن الحسن ، عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن أحمد بن قتادة ، عن المحمودي ، عن اسحاق
ابن اسماعيل ، عن ابراهيم بن أبي محمود قال : كنت واقفا عند رأس أبي الحسن علي بن موسى عليه
السلام بطوس قال له بعض من كان عنده : ان حدث حدث فالى من ؟ قال : إلى ابنى محمد ، وكأن
السائل استصغر سن ابي جعفر ، فقال له ابوالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام : ان الله بعث
عيسى بن مريم ثابتا به شريعته في دون السن الذي اقيم فيه ابوجعفر ثابتا على شريعته . انتهى . بل يمكن
أن يقال باتحاد الحديثين وان احدهما منقول بالمعنى فتأمل .
( 3 ) كفاية الاثر : 324 .
( 4 ) فروع الكافي 1 : 164 .
[258]
وأمه ، فقال له علي عليه السلام : أفأخبرك من صلى ههنا ؟ قال : نعم ، قال : الخليل عليه السلام . ( 1 )
أقول : قد مضى بعض أحوال عيسى في باب قصص زكريا ويحيى عليهما السلام وسيأتي
خبر الظباء في أرض كربلا في باب إخبار الانبياء بشهادة الحسين عليه السلام ، وقد مر في باب
جوامع أحوال الانبياء عن الرضا عليه السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في خبر الشامي أنه عليه السلام قال
ستة لم يركضوا في رحم ، وعد منها الخفاش الذي عمله عيسى بن مريم عليه السلام وطار
بإذن الله عزوجل . وعن الصادق عليه السلام أن الله عزوجل أعطى عيسى حرفين من الاسماء
العظام ، كان يحيي بهما الموتى ، ويبرئ بهما الاكمه والابرص .
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى في وصف عيسى عليه السلام : " ويعلمه الكتاب " ( 2 )
أراد الكتابة ، عن ابن جريح ، قال : أعطى الله تعالى عيسى تسعة أجزاء من الخط وسائر
الناس جزءا ، وقيل : أراد به بعض الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه سوى التوراة
والانجيل مثل الزبور وغيره ، عن أبي علي الجبائي وهو أليق بالظاهر " والحكمة " أي
الفقه وعلم الحلال والحرام ، عن ابن عباس ، وقيل : أراد بذلك جميع ماعلمه من أصول
الدين " والتوراة والانجيل " إنما أفردهما تنبيها على جلالة موقعهما " ورسولا إلى بني
إسرائيل أني قد جئتكم " أي قال لهم ذلك لما بعث إليهم " بآية " أي بدلالة وحجة
" من ربكم " دالة على نبوتي " أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير " معناه : وهذه
الآية أني أقدر لكم وأصور لكم من الطين مثل صورة الطير " فأنفخ فيه " أي في الطير
المقدر من الطين .
وقال في موضع آخر : " فيها " أي في الهيئة المقدرة " فيكون طيرا بإذن الله " و
قدرته ، وقيل : بأمر الله تعالى ، وإنما وصل قوله : " بإذن الله " بقوله : " فيكون طيرا " دون
ماقبله لان تصوير الطين على هيئة الطير والنفخ فيه مما يدخل تحت مقدور العباد ، فأما
جعل الطين طيرا حتى يكون لحما ودما وخلق الحياة فيه فمما لايقدر عليه غير الله
. . ( هامش صفحة 258 ) ( 1 ) من لايحضره الفقيه : 63 .
( 2 ) أورد الاية في الباب الاول من احوال عيسى عليه السلام ، والترتيب يقتضى ايراد تفسيرها
هناك .
[259]
تعالى ، فقال : " بإذن الله " ليعلم أنه فعله تعالى ( 1 ) وليس بفعل عيسى عليه السلام ، وفي
التفسير : أنه صنع من الطين كهيئة الخفاش ، ونفخ فيه فصار طائرا " وأبرئ الاكمه " أي
الذي ولد أعمى ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل : هو الاعمى ، عن الحسن والسدي " والابرص "
الذي به وضح .
قال وهب : وربما اجتمع على عيسى عليه السلام من المرضى في اليوم خمسون ألفا ، من
أطاق منهم أن يبلغه بلغه ، ومن لم يطق أتاه عيسى عليه السلام يمشي إليه ، وإنما كان يداويهم
بالدعاء على شرط الايمان " وأحيي الموتى بإذن الله " إنما أضاف الاحياء إلى نفسه على
وجه المجاز والتوسع ، لان الله كان يحيي الموتى عند دعائه ، وقيل : إنه أحيا أربعة
أنفس : عازر وكان صديقا له ، وكان قد مات منذ ثلاثة أيام فقال لاخته : انطلقي بنا إلى
قبره ، ثم قال : " اللهم رب السماوات السبع ورب الارضين السبع إنك أرسلتني إلى
بني إسرائيل أدعوهم إلى دينك ، وأخبرهم أني أحيي الموتى ، فأحي عازر " فخرج من قبره
وبقي وولد له ، وابن العجوز مر به ميتا على سريره فدعا الله عيسى فجلس على سريره ،
ونزل عن أعناق الرجال ، ولبس ثيابه ورجع إلى أهله ، وبقي وولد له ، وابنة العاشر ،
قيل له : أتحييها وقد ماتت أمس ؟ فدعا الله تعاشت وبقيت وولدت ، وسام بن نوح دعا
باسم الله الاعظم فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه ، فقال : قد قامت القيامة ؟ قال : لا
ولكني دعوتك باسم الله الاعظم ، قال : ولم يكونوا يشيبون في ذلك الزمان لان سام
ابن نوح قد عاش خمسمائة سنة وهو شاب ، ثم قال له : مت ، قال : بشرط أن يعيذني الله
من سكرات الموت ، فدعا الله سبحانه ففعل .
وقال الكلبي : كان عيسى عليه السلام يحيي الاموات بياحي ياقيوم " وأنبئكم بما
تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " كان يقول للرجل : تغديت بكذا وكذا ، ورفعت إلى
بيتك كذا ( 2 ) " إن في ذلك لآية " أي حجة ومعجزة ودلالة " لكم إن كنتم مؤمنين " بالله
لان العلم بالمرسل لابد وأن يكون قبل العلم بالرسول . ( 3 )
. . ( هامش صفحة 259 ) ( 1 ) في المصدر : ليعلم انه من فعله تعالى .
( 2 ) " " : ورفعت إلى الليل كذا وكذا .
( 3 ) مجمع البيان 2 : 445 و 466 وفيه بعد قوله : بالله : اذ كان لا يصح العلم بمدلول المعجزة
[260]
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " إذ قال الحواريون ياعيسى بن مريم هل يستطيع
ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء " قيل فيه أقوال :
أحدها : أن يكون معناه : هل يفعل ربك ذلك بمسألتك إياه لتكون علما على
صدقك ؟ ولا يجوز أن يكونوا شكوا في قدرة الله سبحانه على ذلك ، لانهم كانوا عارفين
مؤمنين ، وكأنهم سألوه ذلك ليعرفوا صدقه وصحة أمره من حيث لا يعترض عليهم ( 1 )
فيه إشكال ولا شبهة ، ومن ثم قالوا : " وتطمئن قلوبنا " كما قال إبراهيم عليه السلام " ولكن
ليطمئن قلبي " عن أبي علي الفارسي .
وثانيها : أن المراد : هل يقدر ربك ؟ وكان هذا في ابتداء أمرهم قبل أن يستحكم
معرفتهم بالله ، ولذلك أنكر عليهم عيسى عليه السلام فقال : " اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " لانهم
لم يستكمل إيمانهم في ذلك الوقت .
وثالثها : أن يكون معناه : هل يستجيب لك ربك ؟ وإليه ذهب السدي في قوله :
يريد : هل يطيعك ربك إن سألته ؟ وهذا على أن يكون استطاع بمعنى أطاع كما يكون
استجاب بمعنى أجاب .
قال الزجاج : يحتمل مسألة الحواريين عيسى المائدة ضربين : أحدهما أن
يكونوا أرادوا أن يزدادوا تثبيتا ، كما قال إبراهيم عليه السلام : " رب أرني كيف تحيي
الموتى ( 2 ) " وجائز أن تكون مسألتهم المائدة قبل علمهم أنه أبرأ الاكمه والابرص و
أحيا الموتى .
" قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " معناه : اتقوا الله أن تسألوه شيئا لم تسأله الامم
قبلكم ، وقيل : معناه الامر بالتقوى مطلقا ، كما أمر الله سبحانه المؤمنين بها في قوله :
" ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ( 3 ) " عن أبي علي الفارسي ، وقيل : أمرهم أن لا يقترحوا
. . ( هامش صفحة 260 ) الا لمن آمن بالله ، لان العلم بالمرسل لابد أن يكون قبل العلم بالرسول ، وفي الاية دلالة على
أن عيسى عليه السلام كان مبعوثا إلى جميع بني اسرائيل .
( 1 ) في المصدر : من حيث لايعرض عليهم .
( 2 ) البقرة : 260 .
( 3 ) آل عمران : 102 .
[261]
الآيات ، وأن لايقدموا بين يدي الله ورسوله ، لان الله تعالى قد أراهم البراهين والمعجزات
بإحياء الموتى وغيره مما هو أوكد مما سألوه وطلبوه ، عن الزجاج .
" قالوا " أي قال الحواريون : " نريد أن نأكل منها " قيل في معناه قولان :
أحدهما أن يكون الارادة التي هي من أفعال القلوب ، ويكون التقدير فيه : نريد السؤال
من أجل هذا الذي ذكرنا ، والآخر أن تكون الارادة هنا بمعنى المحبة التي هي ميل
الطباع ، أي نحب ذلك " وتطمئن قلوبنا " يجوز أن يكونوا قالوه وهم مستبصرون في
دينهم ، ومعناه : نريد أن نزداد يقينا ، وذلك أن الدلائل كلما كثرت مكنت المعرفة في
النفس ، عن عطاء " ونعلم أن قد صدقتنا " بأنك رسول الله ، وهذا يقوي قول من قال : إن
هذا كان في ابتداء أمرهم ، والصحيح أنهم طلبوا المعاينة والعلم الضروري والتأكيد في
الاعجاز " ونكون عليها من الشاهدين " لله بالتوحيد ، ولك بالنبوة ، وقيل : من الشاهدين
لك عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم . ثم أخبر سبحانه عن سؤال عيسى إياه فقال :
" قال عيسى بن مريم " عن قومه لما التمسوا عنه ، وقيل : إنه إنما سأل ربه ذلك حين
أذن له في السؤال : " اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء " أي خوانا عليه طعام من
السماء " تكون لنا عيدا " قيل في معناه قولان : أحدهما : نتخذ اليوم الذي تنزل فيه
عيدا نعظمه نحن ومن يأتي بعدنا ، عن السدي وقتادة وابن جريح وهو قول أبي علي
الجبائي . الثاني : أن معناه : يكون عائدة فضل من الله ( 1 ) ونعمة منه لنا ، والاول هو الوجه
" لاولنا وآخرنا " أي لاهل زماننا ومن يجئ بعدنا ، وقيل : معناه : يأكل منها آخر
الناس كما يأكل أولهم ، عن ابن عباس " وآية منك " أي دلالة منك عظيمة الشأن في إزعاج
قلوب العباد إلى الاقرار بمدلولها ، والاعتراف بالحق الذي يشهد به ظاهرها يدل ( 2 )
على توحيدك وصحة نبوة نبيك " وارزقنا " أي واجعل ذلك رزقا لنا ، وقيل : معناه : و
ارزقنا الشكر عليها ، عن الجبائي " وأنت خير الرازقين " وفي هذا دلالة على أن العباد قد يرزق
بعضهم بعضا ، لانه لو لم يكن كذلك لم يصح أن يقال له سبحانه : " أنت خير الرازقين "
. . ( هامش صفحة 261 ) ( 1 ) في المصدر : تكون عائدة فضل من الله علينا .
( 2 ) " " : تدل .
[262]
كما لايجوز أن يقال : أنت خير الآلهة ، لما لم يكن غيره إلها " قال الله " مجيبا له إلى ما
التمسه : " إني منزلها " يعني المائدة " عليكم فمن يكفر بعد منكم " أي بعد إنزالها
عليكم " فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين " قيل في معناه أقوال :
أحدها : أراد عالمي زمانهم ( 1 ) فجحد القوم وكفروا بعد نزولها فمسخوا قردة و
خنازير ، عن قتادة ، وروي عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنهم مسخوا خنازير .
وثانيها أنه أراد عذاب الاستيصال .
وثالثها : أنه أراد جنسا من العذاب لا يعذب به أحدا غيرهم ، وإنما استحقوا
هذا النوع من العذاب بعد نزول المائدة لانهم كفروا بعد ما رأوا الآية التي هي من أزجر
الآيات عن الكفر بعد سؤالهم لها ، فاقتضت الحكمة اختصاصهم بفن من العذاب عظيم
الموقع ، كما اختصت آيتهم بفن من الزجر عظيم الموقع .
القصة . اختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا ؟ فقال الحسن ومجاهد : إنها لم
تنزل ، وإن القوم لما سمعوا الشرط استعفوا من نزولها ، وقالوا : لانريدها ولاحاجة لنا
فيها ، فلم تنزل ، والصحيح أنها نزلت لقوله سبحانه : " إني منزلها عليكم " ولايجوز أن
يقع في خبره الخلف ، ولان الاخبار قد استفاضت عن النبي والصحابة والتابعين في
أنها نزلت ، قال كعب : إنها نزلت يوم الاحد ، ولذلك اتخذه النصارى عيدا ، واختلفوا
في كيفية نزولها وما عليها ، فروي عن عمار بن ياسر ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : نزلت المائدة
خبزا ولحما ، وذلك أنهم سألوا عيسى عليه السلام طعاما لاينفد يأكلون منها ، قال : فقيل لهم :
فإنها مقيمة لكم مالم تخونوا أو تخبؤوا ( 2 ) وترفعوا ، فإن فعلتم ذلك عذبتم ، قال :
فما مضى يومهم حتى خبؤوا ورفعوا وخانوا .
وقال ابن عباس : إن عيسى بن مريم قال لبني إسرائيل : صوموا ثلاثين يوما ، ثم
سلوا الله ماشئتم يعطكموه ، ( 3 ) فصاموا ثلاثين يوما ، فلما فرغوا قالوا : ياعيسى إنا لو عملنا
. . ( هامش صفحة 262 ) ( 1 ) في المصدر : إنه أراد عالمي زمانه .
( 2 ) " " : وتخبؤوا .
( 3 ) " " : ثم اسألوا الله ماشئتم يعطيكم .
[263]
لاحد من الناس فقضينا عمله لاطعمنا طعاما ، وإنا صمنا وجعنا فادع الله أن ينزل علينا مائدة
من السماء ، فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعتها
بين أيديهم ، ( 1 ) فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام
وروى عطاء بن السائب عن زاذان وميسرة قالا : كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل
اختلفت عليهم الايدي من السماء بكل طعام إلا اللحم ، وروى سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال : أنزل على المائدة كل شئ إلا الخبز واللحم ، وقال عطاء : نزل عليها كل
شئ إلا السمك واللحم ، وقال عطية العوفي : نزل من السماء سمكة فيها طعم كل شئ
وقال عمار وقتادة : كان عليها ثمر من ثمار الجنة ، وقال قتادة : كانت تنزل عليهم بكرة
وعشيا حيث كانوا ، كالمن والسلوى لبني إسرائيل ، وقال يمان بن رئاب : كانوا يأكلون
منها ماشاؤوا ، وروى عطاء بن أبي رياح عن سلمان الفارسي أنه قال : والله ماتبع عيسى عليه السلام
شيئا من المساوي قط ولا انتهر شيئا ، ( 2 ) ولا قهقه ضحكا ولا ذب ذبابا عن وجهه ، ولا
أخذ على أنفه من شئ نتن قط ، ولا عبث قط ، ولما سأله الحواريون أن ينزل عليهم مائدة
لبس صوفا وبكى وقال : " اللهم ربنا أنزل علينا مائدة " الآية ، فنزلت سفرة حمراء بين
غمامتين وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضة حتى سقطت بين أيديهم ، فبكى عيسى
عليه السلام وقال : " اللهم اجعلني من الشاكرين ، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة و
عقوبة " واليهود ينظرون إليها ينظرون إلى شئ لم يروا مثله قط ، ولم يجدوا ريحا أطيب
من ريحه ، فقام عيسى عليه السلام فتوضأ وصلى صلاة طويلة ثم كشف المنديل عنها وقال :
" بسم الله خير الرازقين " فإذا هو سمكة مشوية ليس عليها فلوسها ، تسيل سيلا من الدسم ،
وعند رأسها ملح ، وعند ذنبها خل ، وحولها من أنواع البقول ماعدالكراث ، وإذا خمسة
أرغفة ، على واحد منها زيتون ، وعلى الثاني عسل ، وعلى الثالث سمن ، وعلى الرابع جبن ،
وعلى الخامس قديد ، فقال شمعون : ياروح الله أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة ؟
فقال عيسى : ليس شئ مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ، ولكنه شئ افتعله الله
. . ( هامش صفحة 263 ) ( 1 ) في المصدر : حتى وضعوها بين ايديهم .
( 2 ) الصواب كما في المصدر : ولا انتهر يتيما .
[264]
تعالى بالقدرة الغالبة ، كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله ، وقال الحواريون : ياروح الله
لو أريتنا من هذه الآية اليوم آية أخرى ، فقال عيسى عليه السلام : ياسمكة احيي بإذن الله ،
فاضطربت السمكة وعاد عليها فلوسها وشوكها ففزعوا منها ، فقال عيسى عليه السلام : مالكم
تسألون أشياء إذا أعطيتموها كرهتموها ؟ ! ما أخوفني عليكم أن تعذبوا ، ياسمكة عودي
كما كنت بإذن الله ، فعادت السمكة مشوية كما كانت ، قالوا : ياروح الله كن أول من
يأكل منها ثم نأكل نحن ، فقال عيسى : معاذ الله أن آكل منها ، ولكن يأكل منها من
سألها ، فخافوا أن يأكلوا منها ، فدعا لها عيسى عليه السلام أهل الفاقة والزمنى والمرضى و
المبتلين فقال : كلوا منها ولكم الهناء ولغيركم البلاء ، فأكل منها ألف وثلاث مائة رجل
وامرأة من فقير ومريض ومبتلى وكلهم شبعان يتجشى ، ثم نظر عيسى عليه السلام إلى السمكة
فإذا هي كهيئتها كما نزلت من السماء ، ثم طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى
توارت عنهم فلم يأكل منها يومئذ زمن إلا صح ، ولا مريض إلا برئ ، ولا فقير إلا استغنى
ولم يزل غنيا حتى مات ، وندم الحواريون ومن لم يأكل منها ، وكانت إذا نزلت
اجتمع الاغنياء والفقراء والصغار والكبار يتزاحمون عليها ، فلما رأى ذلك عيسى عليه السلام
جعلها نوبة بينهم ، فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتى
إذا فاء الفئ ( 1 ) طارت صعدا وهم ينظرون في ظلها حتى توارت عنهم ، وكانت تنزل
غبا : يوما ويوما لا ، فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام اجعل مائدتي للفقراء دون الاغنياء
فعظم ذلك على الاغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها ، فأوحى الله تعالى إلى عيسى :
إني شرطت على المكذبين شرطا : إن من كفر بعد نزولها أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا
من العالمين ، فقال عيسى : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز
الحكيم " فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين رجلا باتوا من ليلهم على فرشهم مع نسائهم
في ديارهم فأصبحوا خنازير ، يسعون في الطرقات والكناسات ، ويأكلون العذرة في
الحشوش ، ( 2 ) فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى عليه السلام وبكوا وبكى على الممسوخين
. . ( هامش صفحة 264 ) ( 1 ) اي رجع .
( 2 ) الحشوش : جمع الحش : الكنيف ومواضع قضاء الحاجة ، واصله من الحش بمعنى
البستان ، لانهم كانوا كثيرا ما يتغوطون في البستان .
[265]
أهلوهم فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا .
وفي تفسير أهل البيت عليهم الصلاة والسلام : كانت المائدة تنزل عليهم فيجتمعون
عليها ويأكلون منها ثم يرفع ، ( 1 ) فقال كبراؤهم ومترفوهم : لا ندع سفلتنا يأكلون
منها معنا ، فرفع الله المائدة ببغيهم ومسخوا قردة وخنازير انتهى كلامه رحمه الله . ( 2 )
وقال الثعلبي في تفسيره : قالت العلماء بأخبار الانبياء : بعث عيسى عليه السلام رسولين
من الحواريين إلى أنطاكية ، فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب
صاحب ياسين ، فسلما عليه ، فقال الشيخ لهما : من أنتما ؟ قالا : رسولا عيسى ندعوكم
من عبادة الاوثان إلى عبادة الرحمن ، فقال : أمعكما آية ؟ قالا : نعم ، نحن نشفي المريض
ونبرئ الاكمه والابرص بإذن الله ، فقال الشيخ : إن لي ابنا مريضا صاحب فراش منذ
سنين ، قالا : فانطلق بنا إلى منزلك نتطلع حاله ، فأتى بهما إلى منزله فمسحا ابنه فقام
في الوقت بإذن الله صحيحا ، ففشا الخبر في المدينة وشفى الله على يديهما كثيرا من المرضى
وكان لهم ملك يقال له شلاحن ، ( 3 ) وكان من ملوك الروم يعبد الاصنام ، قالوا : فأنهى
الخبر إليه فدعاهما فقال لهما : من أنتما ؟ قالا : رسولا عيسى ، قال : وما آيتكما ؟ قالا :
نبرئ الاكمه والابرص ، ونشفي المرضى بإذن الله ، قال : وفيم جئتما ؟ قالا : جئناك
ندعوك من عبادة مالا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر ، فقال الملك : ولنا إله
سوى آلهتنا ؟ قالا : نعم ، من أوجدك وآلهتك ، قال : قوما حتى أنظر في أمركما ، فتتبعهما
ناس فأخذوهما وضربوهما في السوق .
وقال وهب بن منبه : بعث عيسى عليه السلام هذين الرسولين إلى أنطاكية فأتياها ولم


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 265 سطر 19 إلى صفحه 273 سطر 18

يصلا إلى ملكها ، فطالت مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكر الله ، فغضب الملك
وأمر بهما فأخذا وحبسا وجلد كل واحد منهما مائة جلدة ، قالوا : فلما كذب الرسولان
وضربا بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا ( 4 ) على أثرهما لينصرهما ، فدخل
. . ( هامش صفحة 265 ) ( 1 ) في المصدر : ثم ترتفع .
( 2 ) مجمع البيان 3 : 264 267 .
( 3 ) لم يذكر اسمه في مجمع البيان .
( 4 ) الصفا : الحجر والنصارى يسمونه بطرس باليونانية ، وبالسريانية : كيفاس ، وهما بمعنى
الحجر . وكان تلامذة المسيح يسمون بالحجر لابتناء المسيحية والكنيسة عليهم .
[266]
شمعون البلدة متنكرا وجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به ، فرفع خبره إلى الملك ( 1 )
فدعاه فرضي عشرته وأنس به وأكرمه ، ثم قال له ذات يوم : أيها الملك بلغني أنك
حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك ، فهل كلمتهما وسمعت
قولهما ؟ فقال الملك : حال الغضب بيني وبين ذلك ، قال : فإن رأى الملك دعاهما حتى
يتطلع ما عندهما ، ( 2 ) فدعاهما الملك فقال لهما شمعون : من أرسلكما إلى ههنا ؟ قالا : الله
الذي خلق كل شئ وليس له شريك ، قال لهما شمعون : فصفاه وأوجزا ، فقالا : إنه
يفعل مايشاء ، ويحكم مايريد ، قال شمعون : وما آيتكما ؟ قالا له : ما تتمناه ، فأمر
الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين ، موضع عينيه كالجبهة ، فما زالا يدعوان ربهما
حتى انشق موضع البصر ، فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين
يبصر بهما ، فتعجب الملك فقال شمعون للملك : إن أنت سألت ( 3 ) إلهك حتى يصنع
صنيعا مثل هذا فيكون لك ولالهك شرفا ، فقال له الملك : ليس لي عنك سر ، إن إلهنا
الذي نعبده لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع ! وكان شمعون إذا دخل الملك بيت الصنم
يدخل بدخوله ويصلي كثيرا ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم ، فقال الملك للرسولين :
إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما ، قالا : إلهنا قادر على كل
شئ ، فقال الملك : إن ههنا ميتا مات منذ سبعة أيام ابن لدهقان وأنا أخذته ولم أدفنه
حتى يرجع أبوه وكان غائبا ، فجاؤوا بالميت وقد تغير وأروح ، وجعلا يدعوان ربهما
علانية ، وجعل شمعون يدعو ربه سرا ، فقام الميت وقال : إني قد مت منذ سبعة أيام
وأدخلت في سبعة أودية من النار ، وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله ، ثم قال : فتحت
أبواب السماء فنظرت فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة ؟ قال الملك : ومن
الثلاثة ؟ قال : شمعون وهذان ، وأشار إلى صاحبيه ، فتعجب الملك ، فلما علم شمعون
أن قوله قد أثر في الملك أخبره بالحال ودعاه فآمن قوم ، ( 4 ) وكان الملك فيمن آمن ،
. . ( هامش صفحة 266 ) ( 1 ) في المجمع : ورفعوا خبره إلى الملك .
( 2 ) " " : حتى نتطلع ماعندهما .
( 3 ) " " : أرأيت لو أنت سألت .
( 4 ) " " : دعاه إلى الله فآمن وآمن من أهل مملكته قوم .
[267]
وكفر آخرون . انتهى . ( 1 )
وذكر الطبرسي رحمه الله هذه القصة إلى هذا الموضع ، ثم قال : وقد روى مثل
ذلك العياشي بإسناده عن الثمالي وغيره عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام إلا أن في
بعض الروايات : بعث الله الرسولين إلى أهل أنطاكية ثم بعث الثالث ، وفي بعضها أن
عيسى أوحى الله إليه أن يبعثهما ، ثم بعث وصيه شمعون ليخلصهما ، وأن الميت الذي
أحياه الله بدعائهما كان ابن الملك ، وساق الخبر إلى آخر ما أورده علي بن إبراهيم ، ( 2 )
ثم قال : وقال ابن إسحاق : بل كفر الملك وأجمع هو وقومه على قتل الرسل ، فبلغ
ذلك حبيبا وهو على باب المدينة الاقصى فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة
الرسل . انتهى . ( 3 )
وقال صاحب الكامل والثعلبي في العرائس : لما كانت مريم بمصر نزلت على دهقان
وكانت داره يأوي إليها الفقراء والمساكين ، فسرق له مال فلم يتهم إلا المساكين ، فحزنت
مريم ، فلما رأى عيسى عليه السلام حزن أمه قال : أتريدين أن أدله على ماله ؟ قالت : نعم ، قال : إنه
أخذه الاعمى والمقعد اشتركا فيه حمل الاعمى المقعد فأخذه ، فقيل للاعمى : ليحمل المقعد ، فأظهر
المقعد العجز ، فقال له المسيح : كيف قويت على حمله البارحة لما أخذتما المال ! ( 4 ) فاعترفا
فأعاداه ونزل بالدهقان أضياف ولم يكن عنده شراب فاهتم لذلك ، فلما رآه عيسى عليه السلام دخل
. . ( هامش صفحة 267 ) ( 1 ) الكشف والبيان مخطوط .
( 2 ) باختلاف كثير في ألفاظه .
( 3 ) مجمع البيان 8 : 419 و 420 .
( 4 ) في العرائس زيادة : فلما سمعوه يقول ذلك ضربوا الاعمى حتى قام ، فلما استقل قائما هوى
المقعد إلى كوة الخزانة ، فقال عيسى للدهقان : هكذا احتالا على مالك البارحة ، لان الاعمى استعان
بقوته والمقعد بعينيه ، فقال الاعمى والمقعد : صدق والله ، فردا على الدهقان ماله كله ، فاخذه
الدهقان ووضعه في خزانته وقال : يامريم خذي نصفه ، فقالت : إني لم اخلق لذلك ، قال الدهقان
فاعطيه لابنك ؟ قالت : هو أعظم مني شأنا ، ثم لم يلبث الدهقان أن أعرس لابن له ، فصنع عيدا
فجمع عليه أهل مصر كلهم فكان يطعمهم شهرين ، فلما انقضى ذلك زاره قوم من اهل الشام ولم
يعلم الدهقان بهم حتى نزلوا به وليس عنده يومئذ شراب .
[268]
بيتا للدهقان فيه صفان من جرار ، فأمر عيسى عليه السلام يده على أفواهها وهو يمشي فامتلات
شرابا ، وعمره حينئذ اثنتا عشرة سنة ، وكان في الكتاب يحدث الصبيان بما يصنع أهلوهم وبما
يأكلون ، قال وهب : بينما عيسى عليه السلام يلعب مع الصبيان إذ وثب غلام على صبي فضربه
على رجله فقتله ، فألقاه بين رجلي المسيح متلطخا بالدم ، ( 1 ) فانطلقوا به إلى الحاكم في
ذلك البلد وقالوا : قتل صبينا ، فسأله الحاكم فقال : ماقتلته ، فأرادوا أن يبطشوا به فقال :
ايتوني بالصبي حتى أسأله من قتله ، فعجبوا من قوله وأحضروه عند القتيل ، ( 2 ) فدعا
الله تعالى وأحياه ، فقال : من قتلك ؟ فقال : قتلني فلان ، ( 3 ) فقال بنو إسرائيل للقتيل :
من هذا ؟ قال : عيسى بن مريم ، ثم مات من ساعته .
وقال عطاء : سلمت مريم عيسى عليه السلام إلى صباغ يتعلم عنده ، فاجتمع عند الصباغ
ثياب وعرض له حاجة ، فقال للمسيح عليه السلام : هذه ثياب مختلفة الالوان ، وقد جعلت في
كل ثوب خيطا على اللون الذي تصبغ به فاصبغها حتى أعود من حاجتي هذه ، فأخذها
المسيح وألقاها في حب واحد ، فلما عاد الصباغ سأله عن الثياب فقال : صبغتها ، فقال :
أين هي ؟ قال : في هذا الحب ، قال : كلها ؟ قال : نعم ، قال : قد أفسدتها على أصحابها
وتغيظ عليه ، فقال له المسيح : لاتعجل وانظر إليها ، فقام وأخرج كل ثوب منها على
اللون الذي أراد صاحبه ، فتعجب الصباغ منه ، وعلم أن ذلك من الله تعالى .
ولما عاد عيسى وأمه إلى الشام ( 4 ) نزلا بقرية يقال لها ناصرة وبها سميت
. . ( هامش صفحة 268 ) ( 1 ) في العرائس زيادة وهي : فاطلع الناس عليه فاتهموه به فأخذوه .
( 2 ) في المجمع : فتعجبوا من قوله وأحضروا عنده القتيل فدعا الله تعالى فاحياه .
( 3 ) في المصدر زيادة : يعني الذي قتله .
( 4 ) في العرائس : قال وهب : لما مات هردوس الملك بعد اثنتى عشر سنة من مولد عيسى عليه
السلام أوحى الله تعالى إلى مريم يخبرها بموت هردوس ويأمرها مع ابن عمها يوسف النجار إلى
الشام ، فرجع عيسى وامه وسكنا في جبل الخليل في قرية يقال لها ناصرة وبها سميت النصارى وكان
عيسى عليه السلام يتعلم في الساعة علم يوم ، وفي اليوم علم شهر ، وفي الشهر علم سنة ، فلما تمت
ثلاثون سنة أوحى الله تعالى اليه اه .
[269]
النصارى فأقام إلى أن بلغ ثلاثين سنة ، فأوحى الله إليه أن يبرز للناس ويدعوهم إلى الله
تعالى ، ويداوي الزمنى والمرضى والاكمه والابرص وغيرهم من المرضى ، ففعل
ما أمر به ، فأحبه الناس وكثر أتباعه ، ( 1 ) وحضر يوما طعام بعض الملوك كان دعا
الناس إليه ، فقعد على قصعة يأكل منها ولا ينقص ، قال الملك : من أنت ؟ قال : أنا عيسى
ابن مريم ، فنزل الملك ( 2 ) وأتبعه في نفر من أصحابه فكانوا الحواريين ، وقيل : إن
الحواريين هم الصباغ الذي تقدم ذكره وأصحاب له ، وقيل : كانوا صيادين ، وقيل :
كانوا قصارين ، وقيل : ملاحين والله أعلم . ( 3 )
أقول : وقال السيد ابن طاوس في سعد السعود : رأيت في الانجيل أن عيسى
عليه السلام صعد السفينة ومعه تلاميذه وإذا اضطراب عظيم في البحر حتى كادت السفينة
تتغطى بالامواج ، وكان هو كالنائم ، فتقدم إليه تلاميذه وأيقظوه وقالوا : ياسيدنا نجنا
لكيلا نهلك ، فقال لهم : ياقليلي الايمان ماأخوفكم ! فعند ذلك قام وانتهر الرياح فصار
( هدء ) ؟ عظيما ، ( 4 ) فتعجب الناس ( 5 ) وقالوا : كيف هذا ؟ إن الرياح والبحر لتسمعان
منه . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 269 ) ( 1 ) في المصدر : وعلا ذكره . وفي العرائس بعد ذلك زيادة راجع .
( 2 ) في الكامل : فنزل الملك عن ملكه .
( 3 ) الكامل 1 : 108 ، العرائس : 217 219 .
( 4 ) الهدء والهدوء : السكون .
( 5 ) في المصدر : فتعجب الناس من ذلك .
( 6 ) سعد السعود : 56 .
[270]
( باب 19 )
* ( ماجرى بينه عليه السلام وبين ابليس لعنه الله ) *
1 لى : ابن شاذويه ، عن محمد الحميري ، عن أبيه ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي
عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما مضى
لعيسى عليه السلام ثلاثون سنة بعثه الله عزوجل إلى بني إسرائيل ، فلقيه إبليس على عقبة
بيت المقدس وهي عقبة أفيق ، ( 1 ) فقال له : ياعيسى أنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أن
تكونت من غير أب ؟ قال عيسى : بل العظمة للذي كونني ، وكذلك كون آدم وحواء
قال إبليس : ياعيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تكلمت في المهد صبيا ؟ قال
عيسى : يا إبليس بل العظمة للذي أنطقني في صغري ولو شاء لابكمني ، قال إبليس :
فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيه فيصير
طيرا ؟ قال عيسى : بل العظمة للذي خلقني وخلق ما سخر لي ، قال إبليس : فأنت الذي
بلغ من عظم ربوبيتك أنك تشفي المرضى ؟ قال عيسى : بل العظمة للذي بإذنه أشفيهم
وإذا شاء أمرضني ، قال إبليس فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تحيي الموتى ؟ قال
عيسى : بل العظمة للذي بإذنه أحييهم ، ولا بد من أن يميت ما أحييت ويميتني ، قال
إبليس : يا عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تعبر البحر فلا تبتل قدماك
ولا ترسخ فيه ؟ قال عيسى : بل العظمة للذي ذلله لي ولو شاء أغرقني ، قال إبليس : يا
عيسى فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنه سيأتي عليك يوم تكون السماوات والارض
ومن فيهن دونك ، وأنت فوق ذلك كله تدبر الامر ، وتقسم الارزاق ؟ فأعظم عيسى عليه السلام
ذلك من قول إبليس الكافر اللعين ، فقال عيسى : سبحان الله ملء سماواته وأرضه ، ومداد
كلماته ، وزنة عرشه ، ورضى نفسه .
قال : فلما سمع إبليس لعنه الله ذلك ذهب على وجهه لايملك من نفسه شيئا حتى
وقع في اللجة الخضراء .
. . ( هامش صفحة 270 ) ( 1 ) بفتح الهمزة ثم الكسر فالسكون .
[271]
قال ابن عباس : فخرجت امرأة من الجن تمشي على شاطئ البحر فإذا هي بإبليس
ساجدا على صخرة صماء تسيل دموعه على خديه ، فقامت تنظر إليه تعجبا ، ثم قالت
له : ويحك يا إبليس ماترجو بطول السجود ؟ فقال لها : أيتها المرأة الصالحة ابنة الرجل
الصالح أرجو إذ أبر ربي عزوجل قسمه ( 1 ) وأدخلني نار جهنم أن يخرجني من النار برحمته . ( 2 )
2 ص : الصدوق بإسناده عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن
بريد القصراني قال : قال لي أبو عبدالله عليه السلام : صعد عيسى عليه السلام على جبل بالشام يقال
له أريحا ، فأتاه إبليس في صورة ملك فلسطين فقال له : ياروح الله أحييت الموتى وأبرأت
الاكمه والابرص ، فاطرح نفسك عن الجبل ، فقال عيسى عليه السلام : إن ذلك أذن لي فيه
وهذا لم يؤذن لي فيه . ( 3 )
3 ص : الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن محمد بن خالد ، عن ابن أبي
عمير ، عن هشام بن سالم ، عن الصادق عليه السلام قال : جاء إبليس إلى عيسى عليه السلام فقال :
أليس تزعم أنك تحيي الموتى ؟ قال عيسى : بلى ، قال إبليس : فاطرح نفسك من فوق
الحائط ، فقال عيسى : ويلك إن العبد لايجرب ربه .
وقال إبليس : يا عيسى هل يقدر ربك على أن يدخل الارض في بيضة والبيضة
كهيئتها ؟ فقال : إن الله تعالى لايوصف بعجز ، والذي قلت لايكون يعني هو مستحيل
في نفسه كجمع الضدين . ( 4 )
4 شى : عن سعد الاسكاف ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لقي إبليس عيسى بن مريم
عليه السلام فقال : هل نالني من حبائلك شئ ؟ قال : جدتك التي قالت : " رب إني
وضعتها أنثى " إلى قوله : " من الشيطان الرجيم " . ( 5 )
بيان : يعني كيف ينالك من حبائلي وجدتك دعت حين ولدت والدتك أن يعيذها
الله وذريتها من شر الشيطان الرجيم وأنت من ذريتها ؟ .
. . ( هامش صفحة 271 ) ( 1 ) في المصدر : اذا ابر ربي عزوجل قسمه .
( 2 ) امالي الصدوق : 122 123 .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط . والظاهر أن التفسير من الراوندي رحمه الله .
( 5 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني ايضا في البرهان 1 : 282 .
[272]
( باب 20 )
* ( حواريه وأصحابه وأنهم لم سموا حواريين ) *
* ( وأنه لم سمى النصارى نصارى ) *
الايات ، آل عمران " 3 " فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله
قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون * ربنا آمنا بما أنزلت
واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين * ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين 52 54 .
الحديد " 57 " وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الانجيل وجعلنا في قلوب الذين
اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق
رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون 27 .
الصف " 61 " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم
للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل
وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين 14 .
1 فس : روى ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " فلما
أحس عيسى منهم الكفر " أي لما سمع ورأى أنهم يكفرون ، والحواس الخمس التي
قدرها الله في الناس السمع للصوت ، والبصر للالوان وتميزها ، والشم لمعرفة الروائح
الطيبة والمنتنة ، ( 1 ) والذوق للطعوم وتميزها ، واللمس لمعرفة الحار والبارد واللين
والخشن . ( 2 )
2 ع ، ن : الطالقاني ، عن أحمد الهمداني ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن
أبيه قال : قلت للرضا عليه السلام : لم سمي الحواريون الحواريين ؟ قال : أما عند الناس
فإنهم سموا حواريين لانهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل ، وهو
. . ( هامش صفحة 272 ) ( 1 ) في نسخة : والخبيثة .
( 2 ) تفسير القمي : 93 .
[273]
اسم مشتق من الخبز الحوارى ، ( 1 ) وأما عندنا فسمي الحواريون حواريين لانهم
كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير ، قال : فقلت
له : فلم سمي النصارى نصارى ؟ قال : لانهم من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام نزلتها
مريم وعيسى عليهما السلام بعد رجوعهما من مصر . ( 2 )
مع : مرسلا مثله . ( 3 )
3 ل : عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، عن أحمد بن الفضل بن المغيرة ، عن منصور
ابن عبدالله بن إبراهيم الاصبهاني ، عن علي بن عبدالله ، عن محمد بن هارون بن حميد ، عن محمد
ابن المغيرة الشهرزوري ، عن يحيى بن الحسين المدائني ، عن ابن لهيعة ، ( 4 ) عن أبي الزبير ،
عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين : مؤمن
آل يس ، وعلي بن أبي طالب ، وآسية امرأة فرعون . ( 5 )
أقول : روى الثعلبي في تفسيره عن أبي بكر عبدالرحمن بن عبدالله بن علي ، عن
عبدالله بن فارس بن محمد العمري ، عن إبراهيم بن الفضل بن مالك ، عن الحسين بن عبدالرحمن
ابن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى ، عن عمرو بن جميع ، عن محمد بن أبي ليلى ، عن أخيه عيسى
عن عبدالرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سباق ( 6 ) الامم ثلاث
لم يكفروا بالله طرفة عين : علي بن أبي طالب ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون ، فهم
. . ( هامش صفحة 273 ) ( 1 ) الخبز الحوارى : الذي نخل مرة بعد مرة .
( 2 ) علل الشرائع : 38 ، عيون الاخبار : 233 و 234 .
( 3 ) معاني الاخبار : 19 .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 273 سطر 19 إلى صفحه 281 سطر 18

( 4 ) في المطبوع : " أبي لهيعة " وهو مصحف ، والصحيح ابن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء وهو
عبدالله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان بن ربيعة بن ثوبان الحضرمي الاعدولي ويقال : النافقي أبو
عبد الرحمن المصري الفقيه القاضي المتوفى سنة 174 . وأبوالزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس
الاسدي مولاهم أبوالزبير المكي المتوفى سنة 126 ، ترجمهما العامة في كتبهم .
( 5 ) الخصال 1 : 82 .
( 6 ) بالضم جمع السابق .
[274]
الصديقون : حبيب النجار مؤمن آل يس ، وحزبيل مؤمن آل فرعون ، وعلي بن أبي طالب
وهو أفضلهم . ( 1 )
4 شى : عن مروان ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ذكر النصارى
وعداوتهم فقال : قول الله : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون " قال :
أولئك كانوا قوما بين عيسى ومحمد ينتظرون مجئ محمد صلى الله عليه وآله . ( 2 )
5 شى : عن محمد بن يوسف الصنعاني ، عن أبيه قال : سألت أبا جعفر عليه السلام " إذ
أوحيت إلى الحواريين " قال : ألهموا . ( 3 )
6 كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن معاوية بن عمار ، عن
ناجية قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : ( 4 ) إن المغيرة يقول : إن المؤمن لا يبتلى بالجذام ولا
بالبرص ولا بكذا ولا بكذا ، فقال : إن كان لغافلا عن صاحب يس ، إنه كان مكنعا ،
ثم رد أصابعه فقال : كأني أنظر إلى تكنيعه أتاهم فأنذرهم ثم عاد إليهم من الغد
فقتلوه . ( 5 )
بيان : كنعت أصابعه أي ( تشنجت ) ؟ ويبست ، وكنع يده تكنيعا : جعلها شلا .
7 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، وعدة من أصحابنا ، عن ( سها ) ؟ بن زياد
جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي يحيى كوكب الدم ، ( 6 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن
حواري عيسى عليه السلام كانوا شيعته ، وإن شيعتنا حواريونا ، وما كان حواري عيسى عليه السلام
بأطوع له من حوارينا لنا ، وإنما قال عيسى عليه السلام للحواريين : " من أنصاري إلى الله قال
الحواريون نحن أنصار الله " فلا والله مانصروه من اليهود ولا قاتلوهم دونه ، وشيعتنا والله
. . ( هامش صفحة 274 ) ( 1 ) الكشف والبيان مخطوط ، وذكره أيضا في العرائس : 228 .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني أيضا في البرهان 1 : 493 .
( 3 ) " " " " " " " " 1 : 511 .
( 4 ) في المصدر : عن ابي عبدالله عليه السلام .
( 5 ) اصول الكافي 2 : 254 .
( 6 ) اسمه زكريا .
[275]
لم يزالوا منذ قبض الله عز ذكره رسوله صلى الله عليه وآله ينصرونا ويقاتلون دوننا ، ويحرقون و
يعذبون ويشردون في البلدان ، جزاهم الله عنا خيرا . ( 1 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : " فلما أحس " أي وجد ، وقيل : أبصر ورأى ، و
قيل : علم " عيسى منهم الكفر " وأنهم لايزدادون إلا إصرارا على الكفر بعد ظهور الآيات
والمعجزات امتحن المؤمنين من قومه بالسؤال والتعرف عما في اعتقادهم من نصرته " قال
من أنصاري إلى الله " وقيل : إنه لما عرف منهم العزم على قتله قال : من أنصاري إلى الله ،
وفيه أقوال :
أحدها : أن معناه : من أعواني على هؤلاء الكفار مع معونة الله تعالى ؟ عن السدي
وابن جريح .
والثاني : أن معناه : من أنصاري في السبيل إلى الله ؟ عن الحسن لانه دعاهم إلى
سبيل الله .
والثالث : أن معناه : من أعواني على إقامة الدين المؤدي إلى الله ؟ أي إلى نيل ثوابه
كقوله : " إني ذاهب إلى ربي سيهدين " ( 2 ) ومما يسأل على هذا أن عيسى إنما بعث
للوعظ دون الحرب فلما استنصر عليهم ؟ فيقال لهم : للحماية من الكافرين الذين أرادوا
قتله عند إظهار الدعوة ، عن الحسن ومجاهد ، وقيل أيضا : يجوز أن يكون طلب النصرة
للتمكين من إقامة الحجة ولتميز الموافق والمخالف . ( 3 )
" قال الحواريون " واختلف في سبب تسميتهم بذلك على أقوال :
أحدها : أنهم سموا بذلك لنقاء ثيابهم ، عن سعيد بن جبير .
وثانيها : أنهم كانوا قصارين ( 4 ) يبيضون الثياب ، عن أبي نجيح ، ( 5 ) عن
أبي أرطاة .
. . ( هامش صفحة 275 ) ( 1 ) روضة الكافي : 268 .
( 2 ) الصافات : 99 .
( 3 ) في المصدر : ولتميز الموافق من المخالف .
( 4 ) من حار الثوب وحوره : غسله وبيضه .
( 5 ) في المصدر : ابن ابي نجيح . وهو عبدالله بن ابي نجيح يسار المكي المتوفى سنة 131 ،
وابوه يسار المكي ابونجيح مولى ثقيف توفى سنة 109 .
[276]
وثالثها : أنهم كانوا صيادين يصيدون السمك ، عن ابن عباس والسدي .
ورابعها : أنهم كانوا خاصة الانبياء ، عن قتادة والضحاك ، وهذا أوجه لانهم
مدحوا بهذا الاسم كأنه ذهب إلى نقاء قلوبهم كنقاء الثوب الابيض بالتحوير ، وقال
الحسن : الحواري : الناصر ، والحواريون : الانصار ، وقال الكلبي : الحواريون :
أصفياء عيسى عليه السلام وكانوا اثني عشر رجلا ، وقال عبدالله بن المبارك : سموا حواريين
لانهم كانوا نورانيين ، عليهم أثر العبادة ونورها وحسنها ، كما قال تعالى : " سيماهم في
وجوههم من أثر السجود ( 1 ) " .
" نحن أنصار الله " معناه : نحن أعوان الله على الكافرين من قومك ، أي أعوان رسول
الله أو أعوان دين الله " آمنا بالله " أي صدقنا أنه واحد لاشريك له " واشهد " يا عيسى
" بأنا مسلمون " أي كن شهيدا لنا عند الله ، اشهدوه على إسلامهم لان الانبياء شهداء
الله على خلقه يوم القيامة ، كما قال سبحانه : " ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ( 2 ) " .
" ربنا " أي يا ربنا " آمنا بما أنزلت " على عيسى " واتبعنا الرسول فاكتبنا
مع الشاهدين " أي في جملة الشاهدين بجميع ما أنزلت لنفوز بما فازوا به ، وننال ما نالوا
من كرامتك ، وقيل : معناه : واجعلنا مع محمد صلى الله عليه وآله وأمته ، عن ابن عباس ، وقد سماهم الله
شهداء بقوله : " لتكونوا شهداء على الناس ( 3 ) " أي من الشاهدين بالحق من عندك ، هذا
كله حكاية قول الحواريين .
وروي أنهم اتبعوا عيسى وكانوا إذا جاعوا قالوا : ياروح الله جعنا ، فيضرب بيده
على الارض سهلا كان أو جبلا فيخرج لكل إنسان منهم رغيفين يأكلهما ، فإذا عطشوا
قالوا : ياروح الله عطشنا ، فيضرب بيده على الارض سهلا كان أو جبلا فيخرج ماء فيشربون
قالوا : يا روح الله من أفضل منا ؟ إذا شئنا أطعمتنا وإذا شئنا سقيتنا ، وقد آمنا بك و
اتبعناك ، قال : أفضل منكم من يعمل بيده ، ويأكل من كسبه ، فصاروا يغسلون الثياب
بالكراء . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 276 ) ( 1 ) الفتح : 29 .
( 2 ) النحل : 84 .
( 3 ) البقرة : 143 .
( 4 ) مجمع البيان 2 : 447 و 448 .
[277]
" في قلوب الذين اتبعوه " ( 1 ) في دينه ، يعني الحواريين وأتباعهم اتبعوا عيسى
عليه السلام " رأفة " وهي أشد الرقة " ورهبانية ابتدعوها " هي الخصلة من العبادة يظهر
فيها معنى الرهبة إما في لبسة ، ( 2 ) أو انفراد عن الجماعة ، أو غير ذلك من الامور التي يظهر
فيها نسك صاحبه ، والمعنى : ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم ، وقيل : هي رفض النساء ،
واتخاذ الصوامع ، وقيل : هي لحاقهم بالبراري والجبال في خبر مرفوع عن النبي صلى الله عليه وآله
فما رعاها الذين من بعدهم حق رعايتها ، وذلك لتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وآله وقيل : إن
الرهبانية هي الانقطاع عن الناس للانفراد بالعبادة " ما كتبناها " أي مافرضناها عليهم .
وروي عن ابن مسعود قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وآله على حمار فقال : ياابن أم
عبد هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، فقال :
ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الايمان فقاتلوهم ،
فهزم أهل الايمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا القليل ، فقالوا : إن ظهرنا هؤلاء
أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا نتفرق في الارض إلى أن يبعث الله النبي
الذي وعدنا به عيسى عليه السلام يعنون محمدا صلى الله عليه وآله فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا
رهبانية ، فمنهم من تمسك بدينه ، ومنهم من كفر ، ثم تلا هذه الآية : " ورهبانية
ابتدعوها " الآية ، ثم قال : ياابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي ؟ قلت : الله ورسوله
أعلم ، قال : الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة . ( 3 )
" من أنصاري إلى الله " أي مع الله ، أو فيما يقرب إلى الله " نحن أنصار الله " أي أنصار
دينه " فآمنت طائفة " أي صدقت بعيسى عليه السلام " وكفرت طائفة " أخرى به ، قال ابن
عباس : يعني في زمن عيسى عليه السلام ، وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق : فرقة
قالت : كان الله فارتفع ، وفرقة قالت : كان ابن الله فرفعه إليه ، وفرقة قالوا : كان عبدالله و
رسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون ، واتبع كل فرقة طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت
. . ( هامش صفحة 277 ) ( 1 ) في المصدر : وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه .
( 2 ) في المصدر : إما في كنيسة .
( 3 ) مجمع البيان 9 : 243 .
[278]
الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث محمد صلى الله عليه وآله ، فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرين
وذلك قوله : " فأيدنا " إلى قوله : " ظاهرين " أي عالين غالبين ، وقيل : معناه : أصبحت
حجة من آمن بعيسى عليه السلام ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وآله بأن عيسى كلمة الله وروحه ، و
قيل : بل أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى عليه السلام ، وقيل : فآمنت طائفة بمحمد صلى الله عليه وآله
وكفرت طائفة به ، فأصبحوا قاهرين لعدوهم بالحجة والقهر والغلبة . ( 1 )
8 كا : أحمد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن بعض أصحابه رفعه ( 2 ) قال
قال عيسى بن مريم عليه السلام : يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي ، قالوا : قضيت
حاجتك ياروح الله ، فقام فغسل أقدامهم ، فقالوا : كنا نحن أحق بهذا ياروح الله ، فقال :
إن أحق الناس بالخدمة العالم ، إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس
كتواضعي لكم ، ثم قال عيسى عليه السلام : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر ، وكذلك في
السهل ينبت الزرع لا في الجبل . ( 3 )
9 كا : علي بن محمد بن بندار ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي
عن علي بن المعلى ، عن القاسم بن محمد رفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال : قيل له : ما بال
أصحاب عيسى عليه السلام كانوا يمشون على الماء وليس ذلك في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ؟ قال : إن
أصحاب عيسى عليه السلام كفوا المعاش ، وإن هؤلاء ابتلوا بالمعاش . ( 4 )
10 كا : العدة ، عن البرقي ، عن ابن أسباط ، عن العلاء ، عن محمد ، عن أحدهما
عليهما السلام قال : قلت : إنا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع ولا يقول بالحق
فهل ينفعه ذلك شيئا ؟ فقال : يامحمد إنما مثل أهل البيت ( 5 ) مثل أهل بيت كانوا في بني
. . ( هامش صفحة 278 ) ( 1 ) مجمع البيان 9 : 282 .
( 2 ) الموجود في المصدر وفي مرآت العقول : وبهذا الاسناد عن محمد بن خالد ، عن محمد بن
سنان رفعه . والاسناد الذي قبله هكذا : أحمد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد البرقي .
( 3 ) اصول الكافي 1 : 37 .
( 4 ) فروع الكافي 1 : 347 .
( 5 ) في نسخة : ان مثل اهل البيت .
[279]
إسرائيل ، كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة ( إلا ) ؟ دعا فأجيب ، وإن رجلا منهم اجتهد
أربعين ليلة ثم دعا فلم يستجب له ، فأتى عيسى بن مريم عليه السلام يشكو إليه ماهو فيه ويسأله
الدعاء له ، قال : فتطهر عيسى عليه السلام وصلى ركعتين ( 1 ) ثم دعا الله عزوجل ، فأوحى
الله عزوجل إليه : ياعيسى إن عبدي أتاني من غير الباب الذي أوتى منه ، إنه دعاني
وفي قلبه شك منك ، فلو دعاني حتى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله مااستجبت له ، قال :
فالتفت إليه عيسى عليه السلام فقال : تدعو ربك وأنت في شك من نبيه ؟ ! فقال : يا روح الله و
كلمته قد كان والله ماقلت ، فادع الله أن يذهب به عني ، قال : فدعا له عيسى عليه السلام فتاب
الله عليه وقبل منه ، وصار في حد أهل بيته . ( 2 )
11 ين : أبوالحسن بن عبدالله ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
إن موسى عليه السلام حدث قومه بحديث لم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بمصر فقاتلوه فقاتلهم
فقتلهم ، وإن عيسى عليه السلام حدث قومه بحديث فلم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بتكريت ( 3 )
فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم ، وهو قول الله عزوجل : " فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت
طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين " . ( 4 )
12 يد ، ن ، ج : عن الحسن بن محمد النوفلي في خبر طويل يذكر فيه احتجاج
الرضا عليه السلام على أرباب الملل قال : قال الجاثليق للرضا عليه السلام : أخبرني عن حواري
عيسى بن مريم كم كان عدتهم ؟ وعن علماء الانجيل كم كانوا ؟ قال الرضا عليه السلام : على
الخبير سقطت ، أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا ، وكان أفضلهم وأعلمهم الوقا ( 5 )
وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال : يوحنا الاكبر بأج ، ( 6 ) ويوحنا بقرقيسياء ( 7 )
. . ( هامش صفحة 279 ) ( 1 ) المصدر خلى عن قوله : ركعتين .
( 2 ) اصول الكافي 2 : 400 .
( 3 ) بفتح التاء : بلدة مشهورة بين بغداد والموصل ، منها إلى بغداد ثلاثون فرسخا .
( 4 ) مخطوط .
( 5 ) وهو المسمى عند النصارى لوقا وينسب اليه أحد الاناجيل . وفي الاحتجاج : لوقا .
( 6 ) هكذا في العيون ، وفي التوحيد : بأح ، وفي الاحتجاج : باحى ، ولم نجد أمكنة بهذه
الاسامي ولعلها مصحف " اخى " بضم الالف وتشديد الخاء والقصر : ناحية من نواحي البصرة في شرقي
دجلة ذات أنهار وقرى .
( 7 ) قرقيسياء : بكسر القاف ويقصر : بلدة على الفرات سميت بقرقيساء بن طهمورث .
[280]
ويوحنا الديلمي بزجار ( 1 ) وعنده كان ذكر النبي صلى الله عليه وآله وذكر أهل بيته وأمته ، وهو
الذي بشر أمة عيسى وبني إسرائيل به . ( 2 )
أقول : وجدت في بعض الكتب أن عيسى عليه السلام كان مع بعض الحواريين في بعض
سياحته ، فمروا على بلد ، فلما قربوا منه وجدوا كنزا على الطريق ، فقال من معه :
ائذن لنا يا روح الله أن نقيم ههنا ونحوز هذا الكنز لئلا يضيع ، فقال عليه السلام لهم : أقيموا
ههنا وأنا أدخل البلد ولي فيه كنز أطلبه ، فلما دخل البلد وجال فيه رأى دارا خربة
فدخلها فوجد فيها عجوزة ، فقال لها : أنا ضيفك في هذه الليلة ، وهل في هذه الدار أحد
غيرك ؟ قالت : نعم لي ابن مات أبوه وبقي يتيما في حجري ، وهو يذهب إلى الصحارى ويجمع
الشوك ويأتي البلد فيبيعها ويأتيني بثمنها نتعيش به ، فهيأت لعيسى عليه السلام بيتا ، فلما
جاء ولدها قالت له : بعث الله لنا في هذه الليلة ضيفا صالحا ، يسطع من جبينه أنوار
الزهد والصلاح ، فاغتنم خدمته وصحبته ، فدخل الابن على عيسى عليه السلام وخدمه وأكرمه
فلما كان في بعض الليل سأل عيسى عليه السلام الغلام عن حاله ومعيشته وغيرها ، فتفرس عليه السلام
فيه آثار العقل والفطانة والاستعداد للترقي على مدارج الكمال ، لكن وجد فيه أن
قلبه مشغول بهم عظيم ، فقال له : ياغلام أرى قلبك مشغولا بهم لا يبرح فأخبرني به
لعله يكون عندي دواء دائك ، فلما بالغ عيسى عليه السلام قال : نعم في قلبي هم وداء لايقدر
على دوائه أحد إلا الله تعالى ، فقال : أخبرني به لعل الله يلهمني مايزيله عنك ، فقال
الغلام : إني كنت يوما أحمل الشوك إلى البلد فمررت بقصر ابنة الملك فنظرت إلى القصر
فوقع نظري عليها فدخل حبها شغاف ( 3 ) قلبي وهو يزداد كل يوم ولا أرى لذلك دواء
إلا الموت ، فقال عيسى عليه السلام : إن كنت تريدها أنا أحتال لك حتى تتزوجها ، فجاء
الغلام إلى أمه وأخبرها بقوله ، فقالت أمه : ياولدي إني لا أظن هذا الرجل يعد بشئ
. . ( هامش صفحة 280 ) ( 1 ) هكذا في العيون ، وفي التوحيد : بزجان ، وفي الاحتجاج : بزخار ، وكلها غير معروف ،
نعم الرجان كشداد : واد بنجد وموضع بفارس يقال فيه أرجان أيضا .
( 2 ) التوحيد : 433 العيون : 89 الاحتجاج : 228 ، وتقدم الحديث مفصلا راجع ج 10 : 303 .
( 3 ) الشغاف : غلاف القلب . حبته . وحبة القلب : مهجته .
[281]
لا يمكنه الوفاء به ، فاسمع له وأطعه في كل مايقول ، فلما أصبحوا قال عيسى عليه السلام
للغلام : اذهب إلى باب الملك ، فإذا أتى خواص الملك ووزراؤه ليدخلوا عليه قل لهم :
أبلغوا الملك عني أني جئته خاطبا كريمته ، ثم ائتني وأخبرني بما جرى بينك وبين
الملك ، فأتى الغلام باب الملك ، فلما قال ذلك لخاصة الملك ضحكوا وتعجبوا من قوله و
دخلوا على الملك وأخبروه بما قال الغلام مستهزئين به ، فاستحضره الملك ، فلما دخل على
الملك وخطب ابنته قال الملك مستهزئا به : أنا لا أعطيك ابنتي إلا أن تأتيني من اللآلي
واليواقيت والجواهر الكبار كذا وكذا ، ووصف له ما لا يوجد في خزانة ملك من ملوك
الدنيا ، فقال الغلام : أنا أذهب وآتيك بجواب هذا الكلام ، فرجع إلى عيسى عليه السلام
فأخبره بما جرى ، فذهب به عيسى عليه السلام إلى خربة كانت فيها أحجار ومدر كبار ، فدعا
الله تعالى فصيرها كلها من جنس ماطلب الملك وأحسن منها ، فقال : ياغلام خذ منها ما
تريد واذهب به إلى الملك ، فلما أتى الملك بها تحير الملك وأهل مجلسه في أمره ، وقالوا
لايكفينا هذا ، فرجع إلى عيسى عليه السلام فأخبره ، فقال : اذهب إلى الخربة وخذ منها ماتريد
واذهب بها إليهم ، فلما رجع بأضعاف ماأتى به أولا زادت حيرتهم ، وقال الملك : إن
لهذا شأنا غريبا ، فخلا بالغلام واستخبره عن الحال ، فأخبره بكل ماجرى بينه وبين عيسى
عليه السلام وما كان من عشقه لابنته ، فعلم الملك أن الضيف هو عيسى عليه السلام ، فقال : قل
لضيفك : يأتيني ويزوجك ابنتي ، فحضر عيسى عليه السلام وزوجها منه ، وبعث الملك ثيابا
فاخرة إلى الغلام فألبسها إياه وجمع بينه وبين ابنته تلك الليلة ، فلما أصبح طلب الغلام
وكلمه فوجده عاقلا فهما ذكيا ولم يكن للملك ولد غير هذه الابنة فجعل الغلام ولي عهده ( 1 )


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 281 سطر 19 إلى صفحه 289 سطر 18

ووارث ملكه ، وأمر خواصه وأعيان مملكته ببيعته وطاعته .
فلما كانت الليلة الثانية مات الملك فجأة وأجلسوا الغلام على سرير الملك وأطاعوه
وسلموا إليه خزائنه ، فأتاه عيسى عليه السلام في اليوم الثالث ليودعه ، فقال الغلام : أيها
الحكيم إن لك علي حقوقا لا أقوم بشكر واحد منها لو بقيت أبد الدهر ، ولكن عرض
في قلبي البارحة أمر لو لم تجبني عنه لاأنتفع بشئ مما حصلتها لي ، فقال : وماهو ؟ قال
. . ( هامش صفحة 281 ) ( 1 ) ولي العهد : وريث الملك .
[282]
الغلام : إنك إذا قدرت على أن تنقلني من تلك الحالة الخسيسة إلى تلك الدرجة الرفيعة
في يومين فلم لاتفعل هذا بنفسك ، وأراك في تلك الثياب وفي هذه الحالة ؟ فلما أحفى في
السؤال قال له عيسى عليه السلام : إن العالم بالله وبدار كرامته وثوابه والبصير بفناء الدنيا و
خستها ودناءتها لايرغب إلى هذا الملك الزائل وهذه الامور الفانية ، وإن لنا في قربه
تعالى ومعرفته ومحبته لذات روحانية لا نعد تلك اللذات الفانية عندها شيئا ، فلما
أخبره بعيوب الدنيا وآفاتها ونعيم الآخرة ودرجاتها قال له الغلام : فلي عليك حجة
أخرى لم اخترت لنفسك ماهو أولى وأحرى وأوقعتني في هذه البلية الكبرى ؟ فقال له
عيسى : إنما اخترت لك ذلك لامتحنك في عقلك وذكائك ، وليكون لك الثواب في ترك
هذه الامور الميسرة لك أكثر وأوفى ، وتكون حجة على غيرك ، فترك الغلام الملك ، و
لبس أثوابه البالية ، وتبع عيسى عليه السلام فلما رجع عيسى إلى الحواريين قال : هذا كنزي
الذي كنت أظنه في هذا البلد فوجدته . والحمد لله .
وذكر الثعلبي في العرائس نحوا من ذلك مع اختصار إلى أن قال : فكان معه
ابن العجوز إلى أن مات ، فمر به ميتا على سرير ( 1 ) فدعا الله عزوجل عيسى فجلس
على سريره ونزل عن أعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله
فبقي وولد له . ( 2 )
. . ( هامش صفحة 282 ) ( 1 ) في العرائس : ومر به وهو ميت على سريره .
( 2 ) العرائس : 220 و 221 .
[283]
( باب 21 )
* ( مواعظه وحكمه وما اوحى اليه صلوات الله على نبينا وآله وعليه ) *
الايات ، المائدة " 5 " وإذ قال الله يا عيسى بن مريمءأنت قلت للناس اتخذوني
وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك مايكون لي أن أقول ماليس لي بحق إن كنت
قلته فقد علمته تعلم مافي نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ماقلت لهم
إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني
كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر
لهم فإنك أنت العزيز الحكيم 116 118 .
1 فس : " وإذ قال الله يا عيسى بن مريمءأنت قلت " فلفظ الآية ماض و
معناه مستقبل ، ولم يقله بعد وسيقوله ، وذلك أن النصارى زعموا أن عيسى عليه السلام قال لهم :
إني وأمي إلهين من دون الله ، فإذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النصارى وبين عيسى
فيقول له : ءأنت قلت لهم ما يدعون عليك ؟ فيقول عيسى : " سبحانك ما يكون لي أن
أقول " الآية ، والدليل على أن عيسى لم يقل لهم ذلك قوله : " هذا يوم ينفع الصادقين
صدقهم " . ( 1 )
2 كا : علي ، عن أبيه ومحمد بن القاسم . ( 2 ) عن محمد بن سليمان ، عن داود ، عن
حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : أنزل الانجيل لثلاث عشرة
ليلة خلت من شهر رمضان . ( 3 )
3 وعن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الجوهري ،
عن البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : نزل الانجيل في اثني عشر ليلة
مضت من شهر رمضان . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 283 ) ( 1 ) تفسير القمي : 178 .
( 2 ) في نسخة من الكتاب والمصدر : علي ، عن أبيه ، عن محمد بن القاسم .
( 3 ) اصول الكافي 2 : 628 و 629 .
( 4 ) فروع الكافي 1 : 206 .
[284]
بيان : لعل الخبر الاول محمول على نزوله إلى بيت المعمور كما يشعر به صدره
الذي تركناه ، ( 1 ) والثاني على نزوله إلى الارض .
4 ع : بإسناده عن يزيد بن سلام أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله لم سمي الفرقان فرقانا
قال : لانه متفرق الآيات والسور ، أنزلت في غير الالواح وغير الصحف ، ( 2 ) والتوراة
والانجيل والزبور أنزلت كلها ( 3 ) جملة في الالواح والورق . ( 4 )
5 لى : ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده ، عن محمد بن علي القرشي ، عن محمد بن
سنان ، عن عبدالله بن طلحة ، وإسماعيل بن جابر وعمار بن مروان ، عن الصادق جعفر
ابن محمد عليهما السلام أن عيسى بن مريم عليه السلام توجه في بعض حوائجه ومعه ثلاثة نفر من أصحابه
فمر بلبنات ثلاث من ذهب على ظهر الطريق ، فقال عيسى عليه السلام لاصحابه : إن هذا يقتل
الناس ، ثم مضى ، فقال أحدهم : إن لي حاجة ، قال : فانصرف ، ثم قال الآخر : إن لي
حاجة فانصرف ، ثم قال الآخر : لي حاجة فانصرف ، فوافوا عند الذهب ثلاثتهم ، فقال
اثنان لواحد : اشتر لنا طعاما ، فذهب يشتري لهما طعاما فجعل فيه سما ليقتلهما كيلا
يشاركاه في الذهب ، وقال الاثنان : إذا جاء قتلناه كي لا يشاركنا ، فلما جاء قاما إليه
فقتلاه ثم تغذيا فماتا ، فرجع إليهم عيسى عليه السلام وهم موتى حوله ، فأحياهم بإذن الله تعالى
ذكره ، ثم قال : ألم أقل لكم : إن هذا يقتل الناس ؟ ! ( 5 )
6 لى : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن هشام بن جعفر ، عن حماد ، عن عبدالله بن
سليمان وكان قارئا للكتب قال : قرأت في الانجيل : ياعيسى جد في أمري ولا تهزل . و
اسمع وأطع ، ياابن الطاهرة الطهر البكر البتول أنت من غير فحل ، أنا خلقتك آية للعالمين
. . ( هامش صفحة 284 ) ( 1 ) اذ ذكر في صدره أن نزول القرآن إلى بيت المعمور كان في ليلة القدر ، فعلى هذا يكون
نزول الانجيل إلى بيت المعمور في سنة والى الارض في اخرى . منه رحمه الله .
( 2 ) في المصدر : وغيره من الصحف .
( 3 ) في المصدر : نزلت كلها .
( 4 ) علل الشرائع : 161 .
( 5 ) امالي الصدوق : 109 .
[285]
فإياي فاعبد ، وعلي فتوكل ، خذ الكتاب بقوة فسر لاهل سوريا ( 1 ) بالسريانية ، بلغ
من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول ، صدقوا النبي الامي صاحب الجمل و
المدرعة والتاج وهي العمامة ، والنعلين ، والهراوة ( 2 ) وهي القضيب ، الانجل العينين ، ( 3 )
الصلت الجبين ، ( 4 ) الواضح الخدين ، الاقنى الانف ، ( 5 ) مفلج الثنايا ، ( 6 ) كأن عنقه
إبريق فضة ، كأن الذهب يجري في تراقيه ، له شعرات من صدره إلى سرته ، ليس على بطنه
ولا على صدره شعر ، أسمر اللون ، دقيق المسربة ، ( 7 ) شثن الكف والقدم ، ( 8 ) إذا التفت
التفت جميعا ، وإذا مشى كأنما يتقلع من الصخرة ، ( 9 ) وينحدر من صبب ، ( 10 ) وإذا جاء
مع القوم بذهم ، ( 11 ) عرقه في وجهه كاللؤلؤ وريح المسك ينفح منه ، لم ير قبله مثله ولا
بعده ، طيب الريح ، نكاح النساء ، ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في
الجنة لاصخب فيه ولا نصب ، ( 12 ) يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك ، لها
فرخان مستشهدان ، كلامه القرآن ، ودينه الاسلام ، وأنا السلام ، طوبى لمن أدرك زمانه
وشهد أيامه ، وسمع كلامه . قال عيسى : يا رب وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة أنا
غرستها ، تظل الجنان ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، برده برد الكافور ، وطعمه
. . ( هامش صفحة 285 ) ( 1 ) هكذا في الكتاب والمصدر ، وهو مصحف سورى كبشرى : موضع بالعراق من ارض بابل
وهي مدينة السريانين .
( 2 ) الهراوة بالكسر : العصا الضخمة كهراوة الفأس والمعول .
( 3 ) نجل الرجل : وسعت عينه وحسنت فهو أنجل .
( 4 ) أي واسعه .
( 5 ) القنا في الانف : طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه .
( 6 ) الفلج : فرجة ما بين الثنايا والرباعيات .
( 7 ) المسربة بضم الراء : الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة .
( 8 ) أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر ، وقيل : هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر .
( 9 ) أراد قوة مشيه كانه يرفع رجليه من الارض رفعا قويا لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه .
( 10 ) أي من موضع منحدر .
( 11 ) أي غلبهم في المشي .
( 12 ) الصخب : اختلاط الاصوات . النصب : البلاء . الداء .
[286]
طعم الزنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبدا ، فقال عيسى : اللهم
اسقني منها ، قال : حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي ،
وحرام على الامم أن يشربوا منها حتى يشرب أمة ذلك النبي ، أرفعك إلي ثم أهبطك
في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب ، ولتعينهم على اللعين الدجال ،
أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم ، إنهم أمة مرحومة . ( 1 )
أقول : سيأتي شرحه في باب شمائل النبي صلى الله عليه وآله .
7 لى : الوراق ، عن سعد ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه ، عن الحسين بن
سعيد ، عن الاحول ، ( 2 ) عن جميل بن صالح ، عن الصادق عليه السلام قال : قام عيسى بن مريم
عليه السلام في بني إسرائيل ، فقال : يابني إسرائيل لاتحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها
ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تعينوا الظالم على ظلمه فيبطل فضلكم . الخبر . ( 3 )
8 يد ، مع ، لى : الطالقاني ، عن أحمد الهمداني ، عن جعفر بن عبدالله بن
جعفر العلوي ، عن كثير بن عياش القطان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
لما ولد عيسى بن مريم عليه السلام كان ابن يوم كأنه ابن شهرين ، فلما كان ابن سبعة أشهر
أخذت والدته بيده وجاءت به إلى الكتاب وأقعدته بين يدي المؤدب ، فقال له المؤدب :
قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال عيسى عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال له
المؤدب : قل : أبجد ، فرفع عيسى رأسه فقال : وهل تدري ما أبجد ؟ فعلاه بالدرة ليضربه ، فقال
يا مؤدب لاتضربني إن كنت تدري وإلا فاسألني حتى أفسر لك ، فقال : فسر لي ، فقال
عيسى : أما الالف آلاء الله ، والباء بهجة الله ، والجيم جمال الله ، والدال دين الله " هوز " الهاء
هول جهنم ، والواو ويل لاهل النار ، والزاء زفير جهنم " حطي " حطت الخطايا عن
المستغفرين " كلمن " كلام الله لا مبدل لكلماته " سعفص " صاع بصاع والجزاء بالجزاء " قرشت "
. . ( هامش صفحة 286 ) ( 1 ) أمالي الصدوق : 163 و 164 .
( 2 ) في المصدر : الحارث بن محمد بن النعمان الاحول وهو الصحيح ، وأخرجه عنه وعن المعاني
في كتاب العلم مطابقا لذلك راجع ج 2 : 66 وأخرجه هنالك ايضا عن الامالي باسناد آخر .
( 3 ) أمالي الصدوق : 183 .
[287]
قرشهم ، ( 1 ) فحشرهم ، فقال المؤدب : أيتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم ، ولا حاجة له
في المؤدب . ( 2 )
9 ل : بإسناده ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال الحواريون
لعيسى بن مريم عليه السلام : يامعلم الخير علمنا أي الاشياء أشد ، فقال : أشد الاشياء غضب
الله عزوجل ، قالوا : فبم يتقى غضب الله ؟ ( 3 ) قال : بأن لا تغضبوا ، قالوا : وما بدء
الغضب ؟ قال : الكبر والتجبر ومحقرة الناس . ( 4 )
10 لى : ابن مسرور ، عن محمد الحميري ، عن أبيه ، عن ابن أبي الخطاب ، عن
ابن أسباط عن عمه ، عن الصادق عليه السلام قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام لبعض أصحابه : مالا
تحب أن يفعل بك فلا تفعله بأحد ، وإن لطم أحد خدك الايمن فأعط الايسر . ( 5 )
11 لى : أبي ، ( 6 ) عن البرقي ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن شريف بن سابق
التفليسي ، عن إبراهيم بن محمد ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مر عيسى بن مريم عليه السلام بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به من قابل
فإذا هو ليس يعذب ، فقال : يارب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب ، ثم
مررت به العام فإذا هو ليس يعذب ، فأوحى الله عزوجل إليه : ياروح الله إنه أدرك
له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه . قال : وقال عيسى بن مريم
عليه السلام ليحيى بن زكريا عليه السلام : إذا قيل فيك مافيك فاعلم أنه ذنب ذكرته فاستغفر
الله منه ، وإن قيل فيك ماليس فيك فاعلم أنها حسنة كتبت لك لم تتعب فيها . ( 7 )
. . ( هامش صفحة 287 ) ( 1 ) في المعاني : قرشهم ( قرشتهم خ ل ) جهنم .
( 2 ) التوحيد : 238 و 239 . معاني الاخبار : 18 أمالي الصدوق : 190 191 وأخرجه
أيضا في كتاب العلم وشرح غريب الفاظه ، راجع ج 2 : 316 .
( 3 ) في المصدر : فبم نتقي غضب الله ؟ .
( 4 ) الخصال 1 : 7 .
( 5 ) أمالي الصدوق : 220 .
( 6 ) في المصدر : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن أبيه .
( 7 ) أمالي الصدوق : 306 .
[288]
13 لى : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن الحسن بن علي بن
أبي حمزة ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : كان
عيسى ابن مريم عليه السلام يقول لاصحابه : يابني آدم اهربوا من الدنيا إلى الله ، وأخرجوا قلوبكم
عنها ، فإنكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم ، ولا تبقون فيها ولاتبقى لكم ، هي الخداعة
الفجاعة ، المغرور من اغتر بها ، المغبون من اطمأن إليها ، الهالك من أحبها وأرادها ، فتوبوا
إلى بارئكم ، ( 1 ) واتقوا ربكم ، واخشوا يوما لايجزي والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز
عن والده شيئا ، أين آباؤكم ؟ أين أمهاتكم ؟ أين إخوتكم ؟ ( 2 ) أين أخواتكم ؟ أين
أولادكم ؟ دعوا فأجابوا ، واستودعوا الثرى ، وجاوروا الموتى ، وصاروا في الهلكى ، و
خرجوا عن الدنيا ، وفارقوا الاحبة ، واحتاجوا إلى ماقدموا واستغنوا عما خلفوا ( 3 )
فكم توعظون وكم تزجرون ( 4 ) وأنتم لاهون ساهون ، مثلكم في الدنيا مثل البهائم همتكم
بطونكم ( 5 ) وفروجكم ، أما تستحيون ممن خلقكم وقد أوعد من عصاه النار ، ولستم ممن
يقوي على النار ؟ ووعد من أطاعه الجنة ومجاورته في الفردوس الاعلى ، فتنافسوا فيه ، وكونوا
من أهله ، وأنصفوا من أنفسكم ، وتعطفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم ، وتوبوا إلى
الله توبة نصوحا ، وكونوا عبيدا أبرارا ، ولا تكونوا ملوكا جبابرة ، ولا من العتاة الفراعنة
المتمردين على من قهرهم بالموت ، جبار الجبابرة رب السماوات ورب الارضين ، وإله
الاولين والآخرين مالك يوم الدين ، ( 6 ) شديد العقاب ، أليم العذاب ، لا ينجو منه
ظالم ، ولا يفوته شئ ، ولا يعزب عنه شئ ، ولا يتوارى منه شئ ، أحصى كل شئ علمه
وأنزله منزلته في جنة أو نار .
ابن آدم الضعيف ! أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك وبياض نهارك وفي كل
. . ( هامش صفحة 288 ) ( 1 ) في المصدر : فتوبوا إلى الله بارئكم .
( 2 ) في نسخة : أين إخوانكم .
( 3 ) في المصدر : واستغنوا عما خلفوا .
( 4 ) في نسخة : ولا تزجرون .
( 5 ) في نسخة : همكم بطونكم .
( 6 ) " " : ملك يوم الدين .
[289]
حال من حالاتك ؟ قد أبلغ من وعظ ، وأفلح من اتعظ . ( 1 )
14 كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط عنهم عليهم السلام ، لى : ابن
المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ،
عن أبي بصير ، ( 2 ) عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال : كان فيما وعظ الله
تبارك وتعالى به عيسى بن مريم عليه السلام أن قال له : ياعيسى أنا ربك ورب آبائك ، اسمي
واحد ، وأنا الاحد المتفرد بخلق كل شئ ، وكل شئ من صنعي ، وكل خلقي إلي
راجعون . ( 3 )
ياعيسى أنت المسيح بأمري ، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ، وأنت
تحيي الموتى بكلامي ، فكن إلي راغبا ، ومني راهبا ، فإنك لن تجد مني ملجأ إلا
إلي . ياعيسى أوصيك وصية المتحنن ، عليك بالرحمة حين حقت لك مني الولاية
بتحريك ( 4 ) مني المسرة ، فبوركت كبيرا وبوركت صغيرا حيثما كنت ، أشهد أنك
عبدي ابن أمتي . يا عيسى أنزلني من نفسك كهمك ، واجعل ذكري لمعادك ، وتقرب
إلي بالنوافل ، وتوكل علي أكفك ، ولا تول غيري فأخذلك . ( 5 )
يا عيسى اصبر على البلاء وارض بالقضاء ، وكن كمسرتي فيك ، فإن مسرتي
أن أطاع فلا أعصى . يا عيسى أحي ذكري بلسانك ، وليكن ودي في قلبك . يا عيسى
تيقظ في ساعات الغفلة ، واحكم لي بلطيف الحكمة . ( 6 ) ياعيسى كن راغبا راهبا ، و
أمت قلبك بالخشية . يا عيسى راع الليل لتحري مسرتي ، واظمأ نهارك ليوم حاجتك
عندي . ياعيسى نافس في الخير جهدك لتعرف بالخير حيثما توجهت . يا عيسى احكم في


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 289 سطر 19 إلى صفحه 297 سطر 18

عبادي بنصحي ، وقم فيهم بعدلي ، فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان
. . ( هامش صفحة 289 ) ( 1 ) أمالي الصدوق : 331 و 332 .
( 2 ) ورواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول : 496 .
( 3 ) في الكافي والتحف : كل إلي راجعون .
( 4 ) التحري : الاجتهاد في الطلب وطلب ماهو أحرى وأحق .
( 5 ) في الكافي : ولا توكل على غيري فأخذلك .
( 6 ) في الكافي والتحف : واحكم لي لطيف الحكمة .
[290]
[ كا : ياعيسى لاتكن جليسا لكل مفتون ] كا ، لي : ياعيسى حقا أقول ما آمنت بي خليقة
إلا خشعت لي ، وما خشعت لي إلا رجت ثوابي ، فأشهدك أنها آمنة من عقابي مالم
تغير أو تبدل سنتي . ياعيسى ابن البكر البتول ابك على نفسك بكاء من قد ودع الاهل وقلى
الدنيا ، وتركها لاهلها ، وصارت رغبته فيما عند الله . ( 1 )
يا عيسى كن مع ذلك تلين الكلام ، وتفشي السلام ، يقظان إذا نامت عيون الابرار
حذارا للمعاد ( 2 ) والزلازل الشداد ، وأهوال يوم القيامة حيث لاينفع أهل ولا ولد ولا مال .
يا عيسى اكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون . ياعيسى كن خاشعا صابرا
فطوبى لك إن نالك ماوعد الصابرون . ياعيسى رح من الدنيا يوما فيوما ، وذق ماقد ذهب
طعمه ، فحقا أقول ماأنت إلا بساعتك ويومك ، فرح من الدنيا بالبلغة ، وليكفك الخشن
الجشب ، فقد رأيت إلى ماتصير ، ومكتوب ماأخذت وكيف أتلفت . ياعيسى إنك مسؤول
فارحم الضعيف كرحمتي إياك ، ولا تقهر اليتيم .
ياعيسى ابك على نفسك في الصلاة ، ( 3 ) وانقل قدميك إلى مواضع الصلوات ، ( 4 )
وأسمعني لذاذة نطقك بذكري ، فإن صنيعي إليك حسن . يا عيسى كم من أمة قد
أهلكتها بسالف ذنب قد عصمتك منه . ( 5 ) ياعيسى ارفق بالضعيف ، وارفع طرفك الكليل
إلى السماء ، وادعني فإني منك قريب ، ولا تدعني إلا متضرعا إلي وهمك هم واحد ،
فإنك متى تدعني ( 6 ) كذلك أجبك . ياعيسى إني لم أرض بالدنيا ثوابا لمن كان قبلك ،
ولا عقابا لمن انتقمت منه . ( 7 ) ياعيسى إنك تفنى وأنا أبقى ، ومني رزقك ، وعندي ميقات
. . ( هامش صفحة 290 ) ( 1 ) في الكافي والتحف : فيما عند الهه .
( 2 ) في الكافي : حذرا للمعاد .
( 3 ) في الكافي والتحف : ابك على نفسك في الخلوات .
( 4 ) " " " " : إلى مواقيت الصلوات اي إلى مواضعها .
( 5 ) " " " " : قد اهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها .
( 6 ) في التحف : متى دعوتني .
( 7 ) في الامالي : ولا عقابا لمن كان قبلك ، ولا عقابا لمن انتقمت منه .
[291]
أجلك ، وإلي إيابك ، وعلي حسابك ، فاسألني ولا تسأل غيري ، فيحسن منك الدعاء ،
ومني الاجابة .
يا عيسى ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر ! الاشجار كثيرة وطيبها قليل ،
فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرتها . يا عيسى لا يغرنك المتمرد علي
بالعصيان ، يأكل رزقي ويعبد غيري ، ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه ، ثم يرجع إلى
ماكان ، ( 1 ) أفعلي يتمرد ، أم لسخطي يتعرض ؟ ( 2 ) فبي حلفت لآخذنه أخذة ليس له
منها منجى ، ولادوني ملتجأ ، أين يهرب ؟ من سمائي وأرضي ؟ يا عيسى قل لظلمة بني
إسرائيل لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم ، والاصنام في بيوتكم ، فإني وأيت ( 3 )
أن أجيب من دعاني ، وأن أجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم حتى يتفرقوا ، يا عيسى كم
أجمل النظر ( 4 ) وأحسن الطلب والقوم في غفلة لايرجعون ، تخرج الكلمة من أفواههم لا
تعيها قلوبهم ، يتعرضون لمقتي ، ويتحببون بي إلى المؤمنين . ( 5 )
يا عيسى ليكن لسانك في السر والعلانية واحدا ، وكذلك فليكن قلبك وبصرك ،
واطو قلبك ولسانك عن المحارم ، وغض طرفك عما لاخير فيه ، ( 6 ) فكم ناظر نظرة زرعت
في قلبه شهوة ، ووردت به موارد الهلكة ! . ( 7 )
ياعيسى كن رحيما مترحما ، وكن للعباد كما تشاء أن يكون العباد لك ، وأكثر
ذكر الموت ومفارقة الاهلين ، ولا تله فإن اللهو يفسد صاحبه ، ولا تغفل فإن الغافل مني
بعيد ، واذكرني بالصالحات حتى أذكرك .
ياعيسى تب إلي بعد الذنب ، وذكر بي الاوابين ، وآمن بي ، وتقرب إلي
. . ( هامش صفحة 291 ) ( 1 ) في الكافي والتحف : ثم يرجع إلى ما كان عليه .
( 2 ) " " " " : فعلي يتمرد أم بسخطي يتعرض ؟ .
( 3 ) " " " " : فاني آليت . وأيت أي وعدت . آليت : حلفت .
( 4 ) في الكافي : كم اطيل النظر ؟
( 5 ) في نسخة من الكافي : ويتحببون بقربي إلى المؤمنين .
( 6 ) في الكافي : وكف بصرك عما لا خير فيه . فكم من ناظر نظرة قد زرعت .
( 7 ) " " : موارد حياض الهلكة .
[292]
المؤمنين ، ( 1 ) ومرهم يدعوني معك ، وإياك ودعوة المظلوم فإني وأيت ( 2 ) على نفسي
أن أفتح لها بابا من السماء ، ( 3 ) وأن أجيبه ولو بعد حين . يا عيسى اعلم أن صاحب
السوء يغوي ، ( 4 ) وأن قرين السوء يردي ، فاعلم من تقارن ، واختر لنفسك إخوانا من
المؤمنين . ياعيسى تب إلي فإنه لا يتعاظمني ذنب أن أغفره وأنا أرحم ( الراحمين ) ؟ . ياعيسى
اعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك ، واعبدني ليوم كألف سنة مما
تعدون فإني أجزي ( 5 ) بالحسنة أضعافها ، وإن السيئة توبق صاحبها ، وتنافس في
العمل الصالح ، ( 6 ) فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار .
يا عيسى ازهد في الفاني المنقطع ، وطئ رسوم منازل من كان قبلك فادعهم وناجهم
هل تحس منهم من أحد ، فخذ موعظتك منهم ، واعلم أنك ستحلقهم في اللاحقين .
يا عيسى قل لمن تمرد بالعصيان وعمل بالادهان يستوقع عقوبتي ، ( 7 ) وينتظر
إهلاكي إياه سيصطلم مع الهالكين ، طوبى لك يا ابن مريم ثم طوبى لك إن أخذت
بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحما ، وبدأك بالنعم منه تكرما ، وكان لك في الشدائد ،
لا تعصه ياعيسى فإنه لايحل لك عصيانه ، قد عهدت إليك كما عهدت إلى من كان قبلك
وأنا على ذلك من الشاهدين .
ياعيسى ما أكرمت خليقة بمثل ديني ، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي . ياعيسى
اغسل بالماء منك ماظهر ، وداو بالحسنات منك مابطن ، فإنك إلي راجع [ كا : يا عيسى
أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضا من غير تكدير ، وطلبت منك قرضا لنفسك فبخلت به
. . ( هامش صفحة 292 ) ( 1 ) في الكافي : وتقرب بي إلى المؤمنين .
( 2 ) " " : آليت .
( 3 ) " " : أن أفتح لها بابا من السماء بالقبول .
( 4 ) " " : واعلم ان صاحب السوء يعدى .
( 5 ) " " : فيه اجزى بالحسنة أضعافها .
( 6 ) " " : فامهد لنفسك في مهلة ، ونافس في العمل الصالح .
( 7 ) " " : قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالادهان : ليتوقع عقوبتي .
[293]
عليها لتكون من الهالكين . ياعيسى تزين بالدين ، وحب المساكين ، وامش على الارض
هونا ، وصل على البقاع فكلها طاهر . ]
كا ، لي : يا عيسى شمر فكل ما هو آت قريب ، واقرأ كتابي وأنت طاهر ،
وأسمعني منك صوتا حزينا . [ كا : يا عيسى لاخير في لذاذة لاتدوم ، وعيش من صاحبه
يزول ، يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت لاوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت
نفسك شوقا إليه ، فليس كدار الآخرة دار ، تجاور فيها الطيبون ، ويدخل عليهم فيها
الملائكة المقربون ، وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون ، دار لا يتغير فيها
النعيم ، ولا يزول عن أهلها ، ياابن مريم نافس فيها مع المتنافسين ، فإنها أمنية المتمنين
حسنة المنظر ، طوبى لك ياابن مريم إن كنت لها من العاملين ، مع آبائك آدم وإبراهيم
في جنات ونعيم لا تبغي لها بدلا ولا تحويلا ، كذلك أفعل بالمتقين . ياعيسى اهرب
إلي مع من يهرب من نار ذات لهب ، ونار ذات أغلال وأنكال ، لايدخلها روح ، ولايخرج
منها غم أبدا ، قطع كقطع الليل المظلم ، من ينج منها يفز ، ولن ينجو منها من كان من
الهالكين ، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين ، وكل فظ غليظ ، وكل مختال فخور .
ياعيسى بئست الدار لمن ركن إليها وبئس القرار دار الظالمين ، إني أحذرك نفسك فكن
بي خبيرا .
يا عيسى كن ( حيثما ) ؟ كنت مراقبا لي ، واشهد علي أني خلقتك وأنت عبدي ،
وأني صورتك وإلى الارض أهبطتك . يا عيسى لا يصلح لسانان في فم واحد ، ولا قلبان
في صدر واحد ، وكذلك الاذهان . يا عيسى لاتستيقظن عاصيا ولا تستنبهن لاهيا ، و
افطم نفسك ( 1 ) عن الشهوات الموبقات ، ولك شهوة تباعدك مني فاهجرها ، واعلم أنك
مني بمكان الرسول الامين ، فكن مني على حذر ، واعلم أن دنياك مؤديتك إلي وأني
آخذك بعلمي ، وكن ذليل النفس عند ذكري ، خاشع القلب حين تذكرني ، يقظانا عند
نوم الغافلين . ياعيسى هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك ، فخذها مني فإني رب العالمين .
ياعيسى إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله علي ، وكنت عنده حين يدعوني ، وكفى
. . ( هامش صفحة 293 ) ( 1 ) أي افصل نفسك عن الشهوات ، واقطعها عنها . والموبقات : المهلكات .
[294]
بي منتقما ممن عصاني ، أين يهرب مني الظالمون ؟ ياعيسى أطب الكلام ، وكن حيثما
كنت عالما متعلما . ياعيسى أفض بالحسنات إلي حتى يكون لك ذكرها عندي ، و
تمسك بوصيتي فإن فيها شفاء للقلوب . ]
[ لي : قال : وكان فيما وعظ الله عزوجل به عيسى بن مريم عليه السلام أيضا أن قال له ]
كا ، لي : ياعيسى لا تأمن إذا مكرت مكري ، ولاتنس عند خلوتك بالذنب ذكري ( 1 )
[ كا : يا عيسى حاسب نفسك بالرجوع إلي حتى تتنجز ثواب ماعمله العاملون ، أولئك
يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين . ياعيسى كنت خلقا بكلامي ، ولدتك مريم بأمري المرسل
إليها روحي جبرئيل الامين من ملائكتي ، حتى قمت على الارض حيا تمشي كل ذلك
في سابق علمي . ياعيسى زكريا بمنزلة أبيك وكفيل أمك ، إذ يدخل عليها المحراب
فيجد عندها رزقا ، ونظيرك يحيى من خلقي وهبته لامه بعد الكبر من غير قوة بها ، أردت
بذلك أن يظهر لها سلطاني ، وتظهر فيك قدرتي ، أحبكم إلي أطوعكم لي وأشدكم
خوفا مني . ]
كا ، لي : ياعيسى تيقظ ولاتيأس من روحي وسبحني مع من يسبحني ، وبطيب
الكلام فقد سني [ كا : يا عيسى كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي وتقلبهم في
أرضي ؟ يجهلون نعمتي ويتولون عدوي وكذلك يهلك الكافرون . ]
كا ، لي : يا عيسى إن الدنيا سجن منتن الريح وحش وفيها ما قد ترى مما قد ألح
عليه الجبارون ، ( 3 ) وإياك والدنيا فكل نعيمها يزول وما نعيمها إلا قليل . [ كا : يا
عيسى ابغني عند وسادك تجدني ، وادعني وأنت لي محب فإني أسمع السامعين ، أستجيب
. . ( هامش صفحة 294 ) ( 1 ) في الكافي : ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكرى .
( 2 ) في نسخة : اولئك يؤتون أجرهم مرتين .
( 3 ) في الامالي : ياعيسى ان الدنيا سجن ضيق منتن الريح وخشن وفيها ( وحسن فيها خ ل ) ما
قد ترى مما قد ألح عليه الجبارون . وفي الكافي : ياعيسى ان الدنيا سجن منتن الريح وحسن فيها
ماقد ترى مما قد تذابح عليه الجبارون . قال المصنف في كتابه مرآت العقول : قوله : ( حسن فيها ) أي
زين للناس فيها ماقد ترى من زخارفها التي اقتتل عليها الجبارون وذبح بعضهم بعضا لاجلها .
[295]
للداعين إذا دعوني . يا عيسى خفني وخوف بي عبادي لعل المذنبين أن يمسكوا عماهم
عاملون به ، فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون . يا عيسى ارهبني رهبتك من السبع ، والموت الذي
أنت لاقيه ، فكل هذا أنا خلقته فإياي فارهبون . ]
كا ، لي : ياعيسى إن الملك لي وبيدي ، وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في
جوار الصالحين [ كا : ياعيسى إني إن غضبت عليك لم ينفعك رضى من رضي عنك ، وإن رضيت
عنك لم يضرك غضب المغضبين . ياعيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي ، ( 1 ) واذكرني
في ملئك أذكرك في ملا خير من ملا الآدميين .
كا ، لي : ياعيسى ادعني دعاء الغريق ( 2 ) الذي ليس له مغيث ، ياعيسى لاتحلف ( 3 )
باسمي كاذبا فيهتز عرشي غضبا . يا عيسى الدنيا قصيرة العمر ، طويلة الامل ، وعندي
دار خير مما يجمعون . ياعيسى : قل لظلمة بني إسرائيل : كيف أنتم صانعون إذا أخرجت
لكم كتابا ينطق بالحق فتنكشف سرائر قد كتمتموها . ( 4 ) [ كا : وأعمال كنتم بها
عاملين . ]
كا ، لي : ياعيسى قل لظلمة بني إسرائيل : غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم ، أبي
تغترون أم علي تجترئون ؟ تتطيبون بالطيب لاهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة
الجيف المنتنة ، كأنكم أقوام ميتون . يا عيسى قل لهم : قلموا أظفاركم من كسب
الحرام ، وأصموا أسماعكم عن ذكر الخناء ، واقبلوا علي بقلوبكم ، فإني لست
أريد صوركم . يا عيسى افرح بالحسنة فإنها لي رضى ، وابك على السيئة فإنها
لي سخط ، ( 5 ) وما لاتحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك ، وإن لطم خدك الايمن فأعط
. . ( هامش صفحة 295 ) ( 1 ) ذكره ابن شعبة في التحف وأسقط قوله : اذكرك في نفسي .
( 2 ) في الكافي : ياعيسى ادعني دعاء الحزين الغريق .
( 3 ) في الكافي والتحف : لا تحلف بي كاذبا .
( 4 ) في الكافي والتحف : اذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق وانتم تشهدون بسرائر قد
كتمتموها .
( 5 ) في الكافي والتحف : فانها شين .
[296]
الايسر ، ( 1 ) وتقرب إلي بالمودة جهدك وأعرض عن الجاهلين [ كا : يا عيسى ذل ( 2 )
لاهل الحسنة وشاركهم فيها ، وكن عليهم شهيدا ، وقل لظلمة بني إسرائيل : يا أخدان
السوء والجلساء عليه إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير . ]
كا ، لي : ياعيسى قل لظلمة بني إسرائيل : الحكمة تبكي فرقا مني وأنتم بالضحك
تهجرون ! أتتكم براءتي أم لديكم أمان من عذابي أم تتعرضون لعقوبتي ؟ فبي حلفت
لاتركنكم مثلا للغابرين .
ثم إني أوصيك ياابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي منهم أحمد ( 3 )
صاحب الجمل الاحمر ، والوجه الاقمر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشديد البأس ،
الحيي ( 4 ) المتكرم ، فإنه رحمة للعالمين ، وسيد ولد آدم عندي ، يوم يلقاني أكرم
السابقين علي ، وأقرب المرسلين مني ، العربي الامي الديان بديني ، الصابر في ذاتي
المجاهد للمشركين ببدنه عن ديني . ( 5 ) ياعيسى آمرك أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم
أن يصدقوا به ويؤمنوا به ويتبعوه ( 6 ) وينصروه . قال عيسى : إلهي من هو ؟ قال : يا
عيسى ارضه فلك الرضى ، قال : اللهم رضيت فمن هو ؟ قال ( 7 ) : محمد رسول الله إلى الناس
كافة أقربهم مني منزلة ، وأوجبهم عندي شفاعة ، ( 8 ) طوباه من نبي ، وطوباه لامته
. . ( هامش صفحة 296 ) ( 1 ) في الكافي والتحف : فاعطه الايسر .
( 2 ) في التحف " دل " بالمهملة أي أرشدهم ولعله مصحف :
( 3 ) في الكافي : فهو أحمد . وفي تحف العقول : وحبيبي أحمد .
( 4 ) الحيي : ذو الحياء .
( 5 ) في الكافي : المجاهد المشركين بيده عن ديني . وفي تحف العقول : المجاهد للمشركين
بذبه عن ديني .
( 6 ) في الكافي : وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه .
( 7 ) " " : قال عيسى عليه السلام : الهي من هو حتى ارضيه ؟ فلك الرضى ، قال هو محمد .
ومثله في تحف العقول الا انه قال : حتى ارضيه ذلك الرضى .
( 8 ) في الكافي والتحف : وأحضرهم شفاعة ، طوبى له من نبي وطوبى لامته .
[297]
إن هم ( 1 ) لقوني على سبيله ، يحمده أهل الارض ويستغفر له أهل السماء ، أمين ميمون
مطيب ، ( 2 ) خير الماضين والباقين ( 3 ) عندي ، يكون في آخر الزمان ، إذا خرج أرخت السماء
عزاليها ، وأخرجت الارض زهرتها . [ كا : حتى يروا البركة ] كا ، لي : وأبارك
فيما وضع يده عليه ، كثير الازواج ، قليل الاولاد ، يسكن بكة ( 4 ) موضع أساس
إبراهيم .
ياعيسى دينه الحنفية ( 5 ) وقبلته مكية ، وهو من حزبي وأنا معه ، فطوباه طوباه
له الكوثر ، ( 6 ) والمقام الاكبر ، من جنات عدن يعيش أكرم معاش ، ويقبض شهيدا ،
له حوض أبعد من مكة ( 7 ) إلى مطلع الشمس من رحيق مختوم ، فيه آنية مثل نجوم
السماء [ كا : وأكواب مثل مدر الارض ] [ لي : ماؤه ] كا لي : عذب ، فيه من كل شراب ،
وطعم كل ثمار في الجنة ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، أبعثه على فترة
بينك وبينه ، ( 8 ) يوافق سره علانيته ، وقوله فعله ، لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم به ،
دينه الجهاد في عسر ويسر ، تنقاد له البلاد ، ويخضع له صاحب الروم على دينه ودين
أبيه إبراهيم ، ويسمي عند الطعام ، ويفشي السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كل يوم
خمس صلوات متواليات [ كا : ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار و ] كا ، لي : يفتتح
بالتكبير ويختتم بالتسليم ، ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها ، ويخشع
. . ( هامش صفحة 297 ) ( 1 ) في بعض نسخ الكافي : اذهم . وفي تحف العقول : انهم .
( 2 ) في الكافي : طيب مطيب .
( 3 ) " " : خير الباقين عندي .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 297 سطر 19 إلى صفحه 305 سطر 18

( 4 ) قال ياقوت : بكة : هي مكة بيت الله الحرام ابدلت الميم باء ، وقيل : بكة بطن مكة .
وقيل : موضع البيت والمسجد ومكة وما وراءه ، وقيل : البيت مكة وما ولاه بكة ، وقال ابن الكلبي
سميت مكة لانها بين جبلين بمنزلة المكوك . وقال ابوعبيدة : بكة اسم لبطن مكة وذلك انهم
يتباكون فيه أي يزدحمون ، وقيل : مكة : موضع البيت ، وبكة : موضع القرية ، وقيل : بكة موضع
البيت ، ومكة : الحرم كله . وقيل : بكة : الكعبة والمسجد ، ومكة : ذو طوى وهو بطن مكة .
( 5 ) في الكافي والامالي : دينه الحنيفية . وفي الكافي : وقبلته يمانية .
( 6 ) " " : فطوبى له ثم طوبى له ، له الكوثر . وفيه : أكرم من عاش .
( 7 ) " " : أكبر من بكة .
( 8 ) " " : لم يظمأ أبدا ، وذلك من قسمي له وتفضيلي اياه على فترة بينك وبينه .
[298]
لي قبله [ كا : ورأسه ] كا ، لي : النور في صدره ، والحق في لسانه ، ( 1 ) وهو مع الحق
حيثما كان [ كا : أصله يتيم ضال برهة من زمانه عما يراد به ] .
كا ، لي : تنام عيناه ولاينام قلبه ، له الشفاعة ، وعلى أمته تقوم الساعة ، ويدي فوق
أيديهم إذا بايعوه ، ( 2 ) فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى [ كا : بما عاهد عليه ]
كا ، لي : وفيت له بالجنة ، فمر ظلمة بني إسرائيل لايدرسوا ( 3 ) كتبه ، ولا يحرفوا سنته ، وأن
يقرؤوه السلام ، فإن له في المقام شأنا من الشأن . ياعيسى كل مايقر بك مني فقد دللتك
عليه ، وكل مايباعدك مني قد نهيتك عنه ، ( 4 ) فارتد لنفسك . ( 5 )
ياعيسى إن الدنيا حلوة ، وإنما استعملتك فيها لتطيعني ، ( 6 ) فجانب منها ما
حذرتك ، وخذ منها ما أعطيتك عفوا [ كا : يا عيسى ] كا ، لي : انظر في عملك نظر العبد
المذنب الخاطئ ، ولا تنظر في عمل غيرك نظر الرب ( 7 ) وكن فيها زاهدا ، ولا ترغب
فيها فتطعب . ياعيسى اعقل وتفكر وانظر في نواحي الارض كيف كان عاقبة الظالمين .
ياعيسى كل وصيتي نصيحة لك ، وكل قولي [ كا : لك ] كا ، لي : حق وأنا الحق المبين ،
وحقا أقول : لئن أنت عصيتني بعد أن أبنأتك مالك من دوني ولي ولا نصير . ياعيسى
ذلل قلبك بالخشية ، وانظر إلى من هو أسفل منك ، ولا تنظر إلى من هو فوقك ، واعلم
أن رأس كل خطيئة وذنب حب الدنيا فلا تحبها فإني لا أحبها .
يا عيسى أطب بي ( 8 ) قلبك ، وأكثر ذكري في الخلوات ، واعلم أن سروري أن
تبصبص إلي وكن في ذلك حيا ولاتكن ميتا .
. . ( هامش صفحة 298 ) ( 1 ) في الكافي : والحق على لسانه وهو على الحق حيثما كان .
( 2 ) الكافي خال عن قوله : اذا بايعوه .
( 3 ) في الكافي : أن لا يدرسوا .
( 4 ) " " : فقد نهيتك عنه .
( 5 ) أي فاطلب .
( 6 ) الكافي والتحف خاليان عن قوله : لتطيعني .
( 7 ) في الكافي : ولاتنظر في عمل غيرك بمنزلة الرب .
( 8 ) في الكافي والتحف : أطب لي .
[299]
ياعيسى لا تشرك بي شيئا ، وكن مني على حذر ، ولا تغتر بالصحة ولا تغبط
نفسك فإن الدنيا كفئ زائل ، وما أقبل منها كما أدبر ، فنافس في الصالحات جهدك ،
وكن مع الحق حيثما كان ، وإن قطعت وأحرقت بالنار فلا تكفر بي بعد المعرفة ، ولا
تكن مع الجاهلين [ كا : فإن الشي ء يكون مع الشئ ] كا ، لي : ياعيسى صب [ كا ، إلي ]
كا ، لي : الدموع من عينيك ، واخشع لي بقلبك . ياعيسى استغفرني ( 1 ) في حالات الشدة
فإني أغيث المكروبين ، وأجيب المضطرين ، وأنا أرحم الراحمين . ( 2 )
بيان : قال الجزري : قد تكرر فيه ذكر المسيح عليه السلام فسمي به لانه كان لايمسح
بيده ذا عاهة إلا برئ ، وقيل : لانه كان أمسح الرجل لا أخمص له ، وقيل : لانه خرج
من بطن أمه ممسوحا بالدهن ، وقيل : لانه كان يمسح الارض أي يقطعها ، وقيل : المسيح
الصديق ، وقيل : هو بالعبرانية مشيحا فعربت .
قوله تعالى : ( وصية المتحنن ) أي أوصيك وقد أحسنت إليك برحمتي وربيتك في
درجات الكمال بلطفي حين حقت ، وفي الكافي : حتى حقت ، أي ثبتت ووجبت لك ولايتي
ومحبتي بسبب أنك تطلب مسرتي ولا تفعل إلا ما يوجب رضاي .
قوله : ( فبوركت ) البركة : النمو والزيادة ، أي زيد في علمك وقربك وكمالك
في صغرك وكبرك ، أو جعلتك ذا بركة في اليد واللسان بإحياء الموتى وإبراء ذوي العاهات
وتكثير القليل من الطعام والشراب . قوله : ( كهمك ) أي اجعلني واتخذني قريبا منك
كقرب همك وما يخطر ببالك منك ، أو اهتم بأوامري كما تهتم بأمور نفسك . قوله :
( ولا تول غيري ) أي لاتتخذ غيري ولي أمرك ، أو لاتجعل حبك لغيري . قوله : ( واحكم )
أي اقض بين الناس بما علمتك من لطائف الحكمة . قوله : ( نافس ) المنافسة : الرغبة في
الشئ والانفراد به . قوله : ( بنصحي ) أي بما علمتك للحكم بينهم لنصحي لهم ، أو كما
أني لك ناصح فكن أنت ناصحا لهم .
وقال الفيروزآبادي : البتول : المنقطعة عن الرجال ، ومريم العذراء ، وفاطمة بنت
. . ( هامش صفحة 299 ) ( 1 ) في الكافي والتحف : استغث بي .
( 2 ) روضة الكافي : 131 141 ، الامالي : 308 312 .
[300]
سيد المرسلين عليهما الصلاة والسلام لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء الامة فضلا ودينا
وحسبا ، والمنقطعة عن الدنيا إلى الله .
قوله : ( وقلى الدنيا ) أي أبغضها . قوله : ( رح من الدنيا ) أي اقطع عنك كل يوم
شيئا عن علائق الدنيا لكيلا يصعب عليك مفارقتها عند حلول أجلك . قوله : ( ما أنت إلا
بساعتك ) أي لا تعلم بقاءك بعد تلك الساعة وهذا اليوم فاغتنمها . ( 1 )
قوله : ( فرح من الدنيا ) أي اترك الدنيا واكتف منها بالبلاغ والكفاف ، أو كن
بحيث إذا فارقت الدنيا لم تكن أخذت منها سوى البلغة ، ويحتمل أن يكون المراد بالبلغة
ما يبلغ الانسان من زاد الآخرة إلى درجاتها الرفيعة .
قوله : ( وليكفك الخشن ) أي من الثياب ( الجشب ) أي من الطعام ، والظاهر كونهما
إما صفة للثياب أولهما ، والجشب : الغليظ . قوله : ( إلى مايصير ) أي الثوب والطعام ،
فإن مصير الاول إلى البلى ، والثاني إلى ماترى .
قوله ( كرحمتي ) الكاف إما للتشبيه في أصل الرحمة لا في كيفيتها وقدرها ، أو
للتعليل ، أي لرحمتي إياك . قوله : ( لذاذة نطقك ) أي نطقك اللذيذ ، أو التذاذك بذكري .
قوله ( طرفك الكليل ) قال الجزري : طرف كليل : إذا لم يحقق المنظور به ، أي لاتحدق النظر
إلى السماء حياء بل انظر بتخشع ، ويحتمل أن يكون وصف الطرف بالكلال لبيان عجز
قوى المخلوقين .
قوله : ( تحت أحضانكم ) جمع الحضن وهو ما دون الابط إلى الكشح ( 2 ) وهو
كناية عن ضبط الحرام بحفظه وعدم رده إلى أهله ، ولعل المراد بالاصنام الدراهم والدنانير
والذخائر التي كانوا يحرزونها في بيوتهم ولا يؤدون حق الله منها ، كما ورد في الخبر :
" ملعون من عبد الدينار والدرهم " قله : ( لعنا عليهم ) أي إجابتي للظالمين فيما يطلبون
من دنياهم موجب لبعدهم عن رحمتي واستدراج مني لهم ، والتفرق إما عن الدعاء أو
بالموت .
. . ( هامش صفحة 300 ) ( 1 ) في نسخة : فاغتنمهما .
( 2 ) الابط : باطن الكتف . الكشح : ما بين السرة ووسط الظهر .
[301]
قوله : ( مترحما ) الرحم : رقة القلب ، والترحم : إعمالها وإظهارها . قوله : ( و
اذكرني بالصالحات ) أي بفعل الاعمال الصالحة فإنها مسببة عن ذكره تعالى ، وذكره
تعالى له إثابته ، أو ذكره في الملا الاعلى بخير . قوله : ( يغوي ) وفي الكافي ( يعدي ) أي
يؤثر أخلاقه الذميمة فيمن يصاحبه ، يقال : أعداه الداء وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب
الداء .
قوله : ( يردي ) أي يهلك من يقارنه . قوله تعالى ( هل تحس منهم من أحد ) أي
هل تشعر بأحد منهم وتراه ، أو تسمع صوته ، والاصطلام : الاستيصال . قوله : ( بأدب إلهك )
أي بالآداب التي أمرك بها إلهك ، أو المراد التخلق بأخلاق الله . قوله : ( بمثل رحمتي ) أي
الجنة أو المغفرة قوله ( فيضا ) أي كثيرا واسعا ، والظاهر أن المقصود بهذا الخطاب
أمته عليه السلام كقوله تعالى لنبينا صلى الله عليه وآله : " لئن أشركت ليحبطن عملك " .
والهون : السكينة والوقار . قوله : ( وصلى على البقاع ) هذا خلاف ما هو المشهور
من أن جواز الصلاة في كل البقاع من خصائص نبينا صلى الله عليه وآله ، بل كان يلزمهم الصلاة في
معابدهم ، فيمكن أن يكون هذا الحكم فيهم مختصا بالفرائض ، أو بغيره من أمته .
قوله : ( شمر ) أي جد في العبادة فإن الموت آت ، وكل ماهو آت قريب .
قوله : ( وزهقت ) أي هلكت واضمحلت . قوله : ( مع آبائك ) أي تكون معهم ، أو طوبى لك
معهم . والانكال جمع النكل بالكسر وهو القيد الشديد . قوله : ( فكن بي ) أي بمعونتي خبيرا
بعيوب نفسك ، أو كن عالما بي وبرحمتي ونعمتي وعقوبتي حتى لاتغلبك نفسك . قوله :
( مراقبا لي ) أي تنتظر فضلي وإحساني وتخاف عذابي وتعلم أني مطلع على سرائر أمرك .
قوله تعالى : ( لايصلح لسانان في فم واحد ) أي بأن تقول في حضور القوم شيئا وفي غيبتهم
غيره ، أو تمزج الحق بالباطل . ( ولا قلبان في صدر واحد ) أي لايجتمع حبه تعالى وحب
غيره في قلب واحد ، فلا يجتمعان إلا بأن يكون لك قلبان وهو محال ، كما قال تعالى :
" ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " . ( 1 )
قوله تعالى : ( وكذلك الاذهان ) أي لا يجتمع شيئان متضادان في ذهن واحد
. . ( هامش صفحة 301 ) ( 1 ) الاحزاب : 4 .
[302]
كالتوجه إلى الله وإلى الدنيا ، والتوكل على الله وعلى غيره ، ويحتمل أن يكون ذكر
اللسان والقلب تمهيدا لبيان الاخير ، أي كما لايمكن أن يكون في فم لسانان وفي صدر
قلبان فكذلك لايجوز أن يكون في ذهن واحد أمران متضادان يصيران منشأين لامور
مختلفة متباينة : قوله تعالى : ( لاتستيقظن عاصيا ) أي لاتنبه غيرك والحال أنك عاص ،
بل ابدأ بإصلاح نفسك قبل إصلاح غيرك ، وكذا الفقرة الثانية ، ويشكل بأن الاستيقاظ
لم يرد متعديا ، ( 1 ) فيحتمل أن يكون المراد : لايكن تيقظك تيقظا ناقصا مخلوطا بالعصيان
أو لا يكن تيقظك عند الموت بعد العصيان ، فتكون الفقرة الثانية تأسيسا وهو أولى من
التأكيد . قوله : ( مؤديتك إلي ) أي تردك إلي بالموت ، وأعاقبك بما عملت من معاصيك .
قوله : ( في جنبي ) أي في قربي أو طاعتي . قوله تعالى : ( وأفض ) من الافضاء بمعنى
الايصال ، أو من الافاضة بمعنى الاندفاع والاسراع في السير ، أي أقبل إلي بسبب
حسناتك أو معها .
قوله تعالى : ( بالرجوع إلي ) أي بسبب أن مرجعك إلي . قوله : ( بكلامي ) أي
بلفظ " كن " من غير والد . قوله : ( ونظيرك يحيى ) أي في الزهد والعبادة وسائر الكمالات ،
أو في الولادة فإنه من حيث تولده من شيخ كبير يئس من الولد فكأنه أيضا خلق من
غير والد . قوله : ( من غير قوة بها ) أي كانت يائسة لا تستعد بحسب القوى البشرية
عادة لتولده منها .
قوله : ( قد ألح ) في الكافي ( قد تذابح ) قال الفيروزآبادي : تذابحوا : ذبح بعضهم
بعضا . قوله : ( ابغني عند وسادك ) أي اطلبني ، وتقرب إلي عندما تتكئ على وسادك
للنوم بذكري تجدني لك حافظا في نومك ، أو قريبا منك مجيبا في تلك الحال أيضا ، أو
اطلبني بالعبادة عند إرادة التوسد أو في الوقت الذي يتوسد فيه الناس تجدني مفيضا
عليك مترحما . قوله : ( أذكرك في نفسي ) أي أفيض عليك من رحماتي الخاصة من غير أن
يطلع عليها غيري . قوله : ( عن ذكر الخناء ) أي الفحش في القول . والاخدان جمع الخدن
بالكسر وهو الصديق . قوله تعالى : ( الحكمة تبكي ) إسناد البكاء إلى الحكمة مجازي
. . ( هامش صفحة 302 ) ( 1 ) نعم يوجد ذلك في المنجد حيث قال : استيقظه : طلب يقظته . نبهه من النوم .
[303]
لانها سببه ، ويمكن أن يقدر مضاف أي أهل الحكمة ، ويحتمل على بعد أن يقرأ على
باب الافعال . قوله : ( تهجرون ) من الهجر وهو الهزء وقبيح الكلام .
قوله : ( للغابرين ) أي للباقين . قوله : ( يوم يلقاني ) أي تظهر سيادته في ذلك اليوم ،
ويحتمل تعلقه بما بعده . قوله : ( الديان يديني ) الديان : القهار ، والحاكم والقاضي
أي يقهرهم على الدخول في دين الله ، أو يحكم بينهم بحكم الله ، أو يتعبد الله بدين الحق
من دان بمعنى عبد . والعزلاء : فم المزادة الاسفل ، والجمع العزالي بكسر اللام وفتحها
وإرخاؤها كناية عن كثرة الامطار والخصب والسعة . قوله : ( من رحيق مختوم ) أي من
جنسه ، قال الجزري : الرحيق من أسماء الخمر يريد به خمر الجنة ، والمختوم : المصون
الذي لم يبتذل لاجل ختامه .
وقال الفيروزآبادي : الكوب بالضم : كوز لاعروة له أو لاخرطوم ، والجمع أكواب .
وقال الجزري : في الحديث : إن شعار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله في الغزو : يامنصور أمت أمت ( 1 )
أي علامتهم التي كانوا يتعارفون بها في الحرب . قوله : ( يتيم ) أي بلا أب أو بلا نظير ،
أو منفرد عن الخلق ( ضال برهة ) أي طائفة من زمانه ( عما يراد به ) أي الوحي والبعثة ،
أو ضال من بين قومه لايعرفونه بالنبوة فكأنه ضل عنهم ثم وجدوه ، وسيأتي شرحه في كتاب
أحوال النبي صلى الله عليه وآله قوله : ( فارتد لنفسك ) الارتياد : الطلب أي اطلب لنفسك ماهو خير
لك . قوله : ( عفوا ) أي فضلا وإحسانا ، أو حلالا طيبا .
قال الفيروزآبادي : العفو : أحل المال وأطيبه ، وخيار الشئ وأجوده ، والفضل
والمعروف . قوله : ( نظر الرب ) أي النظر في أعمال الغير ومحاسبتها شأن الرب لا شأن
العبد . قوله : ( وكن فيها ) أي في تلك النظرة ، أو في الدنيا . قوله : ( أطب بي قلبك ) أي
كن محبا لي راضيا عني ، يقال : طابت نفسه بكذا أي رضيها وأحبها . قوله : ( أن تبصبص إلي )
قال الجزري يقال : بصبص الكلب بذنبه : إذا حركه ، وإنما يفعل ذلك من خوف أو
طمع . قوله : ( ولا تغبط نفسك ) الظاهر أنه على بناء التفعيل يقال : غبطهم أي حملهم
. . ( هامش صفحة 303 ) ( 1 ) قال : هو أمر بالموت ، والمراد به التفأل بالنصر بعد الامر بالاماتة مع حصول الغرض
للشعار فانهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لاجل ظلمة الليل .
[304]
على الغبطة ، أي لا تجعل نفسك في أمور الدنيا بحيث يغبطها الناس ، أو لا تجعل نفسك
بحيث تغبط الناس على مافي أيديهم ، والاول أظهر . قوله : ( فإن الشئ يكون مع
الشئ ) أي لكل عمل جزاء ، أو كل شئ يكون مع مجانسه فلاتكن مع الجاهلين تكن
مثلهم .
15 لى : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، ( 1 ) عن ابن المغيرة ، عن طلحة بن زيد ،
عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال : مر عيسى بن مريم عليه السلام على قوم يبكون
فقال : على مايبكي هؤلاء ؟ فقيل : يبكون على ذنوبهم ، قال : فليدعوها يغفر لهم . ( 2 )
16 لى : ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن علي
الخزاز قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول : قال عيسى بن مريم عليه السلام للحواريين :
يابني إسرائيل لا تأسوا على مافاتكم من دنياكم إذا سلم دينكم ، كما لايأسى أهل الدنيا
على مافاتهم من دينهم إذا سلمت دنياهم . ( 3 )
ين : الحسن بن علي مثله . ( 4 )
17 ف : مواعظ المسيح عليه السلام في الانجيل وغيره . ومن حكمه : طوبى للمتراحمين ،
أولئك هم المرحومون يوم القيامة . طوبى للمصلحين بين الناس أولئك هم المقربون يوم
القيامة . طوبى للمطهرة قلوبهم أولئك يزورون الله يوم القيامة . طوبى للمتواضعين في
الدنيا أولئك يرثون منابر الملك يوم القيامة . طوبى للمساكين لهم ملكوت السماء . طوبى
للمحزونين هم الذين يسرون . طوبى للذين يجوعون ويظمؤون خشوعا ، هم الذين
يسبقون . ( 5 ) طوبى للمسبوبين من أجل الطهارة فإن لهم ملكوت السماء . طوباكم ( 6 )
إذا حسدتم وشتمتم وقيل فيكم كل كلمة قبيحة كاذبة حينئذ فافرحوا وابتهجوا فإن
أجركم قد كثر في السماء .
. . ( هامش صفحة 304 ) ( 1 ) في المصدر : أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه .
( 2 ) الامالي : 297 .
( 3 ) " : 297 .
( 4 ) مخطوط .
( 5 ) في المصدر : هم الذين يسقون . وزاد في نسخة : طوبى للذين يعملون الخير أصفياء الله يدعون .
( 6 ) في المصدر : طوبى لكم .
[305]
وقال : ياعبيد السوء تلومون الناس على الظن ولا تلومون أنفسكم على اليقين ؟ ( 1 )
ياعبيد الدنيا تحلقون رؤوسكم وتقصرون قمصكم وتنكسون رؤوسكم ولا تنزعون
الغل ( 2 ) من قلوبكم ؟ ! ياعبيد الدنيا مثلكم كمثل القبور المشيدة يعجب الناظر ظهرها ،
وداخلها عظام الموتى ، مملوءة خطايا . ياعبيد الدنيا إنما مثلكم كمثل السراج يضئ للناس
ويحرق نفسه ! يابني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوا على الركب ، ( 3 ) فإن
الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الارض الميتة بوابل المطر . يا بني إسرائيل
قلة المنطق حكم عظيم ، فعليكم بالصمت فإنه دعة ( 4 ) حسنة وقلة وزر ، وخفة من الذنوب
فحصنوا باب العلم فإن بابه الصبر ، وإن الله يبغض الضحاك من غير عجب ، والمشاء
إلى غير أرب ، ( 5 ) ويحب الوالي الذي يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ، فاستحيوا الله
في سرائركم كما تستحيون الناس في علانيتكم ، واعلموا أن كلمة الحكمة ضالة المؤمن ،
فعليكم قبل أن يرفع ، ورفعه أن يذهب رواته ، ( 6 ) ياصاحب العلم عظم العلماء لعلمهم
ودع منازعتهم ، وصغر الجهال لجهلهم ولا تطردهم ، ولكن قربهم وعلمهم .
ياصاحب العلم اعلم أن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ عليها ، يا
صاحب العلم اعلم أن كل معصية عجزت عن توبتها بمنزلة عقوبة تعاقب بها ، ياصاحب
العلم كرب لاتدري متى تغشاك فاستعد لها قبل أن تفجأك .
وقال لاصحابه : أرأيتم لو أن أحدا مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن عورته
. . ( هامش صفحة 305 ) ( 1 ) هنا في المصدر زيادة وهي : ياعبيد الدنيا تحبون أن يقال فيكم ماليس فيكم ، وأن يشار
اليكم بالاصابع .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 305 سطر 19 إلى صفحه 313 سطر 18

( 2 ) الغل : الحقد والغش .
( 3 ) جثا جثوا : جلس على ركبتيه . وفي نسخة من المصدر : ولو حبوا . من حبا الولد : زحف
على يديه وبطنه .
( 4 ) الدعة : السكينة . الراحة وخفض العيش .
( 5 ) الارب : الحاجة . وفي المصدر " أدب " . ولعله مصحف .
( 6 ) في المصدر : فعليكم قبل أن ترفع ، ورفعها أن تذهب رواته .
[306]
أكان كاشفا عنها أم يرد على ماانكشف منها ؟ قالوا : بل يرد على ماانكشف منها ، قال :
كلا بل تكشفون عنها ! فعرفوا أنه مثل ضربه لهم ، فقالوا : ياروح الله وكيف ذاك ؟ قال
ذاك الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلايسترها . بحق أقول لكم أعلمكم
لتعلموا ( 1 ) ولا أعلمكم لتعجبوا بأنفسكم ، إنكم لن تنالوا ماتريدون إلا بترك ماتشتهون ،
ولن تظفروا بما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون ، إياكم والنظرة فإنها تزرع
في القلوب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة ، طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل
بصره في نظر عينه ( 2 ) لاتنظروا في عيوب الناس كالارباب ، وانظروا في عيوبهم كهيئة عبيد
الناس ، إنما الناس رجلان : مبتلى ومعافى ، فارحموا المبتلى ، واحمدوا الله على العافية .
يابني إسرائيل أما تستحيون من الله ؟ إن أحدكم لايسوغ له شرابه حتى يصفيه
من القذى ، ( 3 ) ولايبالي أن يبلغ أمثال الغيلة ، ( 4 ) ألم تسمعوا أنه قيل لكم في التوراة
صلوا أرحامكم ، وكافوا أرحامكم ؟ وأنا أقول لكم : صلوا من قطعكم ، وأعطوا من منعكم
وأحسنوا إلى من أساء إليكم ، وسلموا على من سبكم ، وأنصفوا من خاصمكم ، واعفوا
عمن ظلمكم ، كما أنكم تحبون أن يعفى عن إساءتكم فاعتبروا بعفو الله عنكم ، ألا
ترون أن شمسه أشرقت على الابرار والفجار منكم ، وأن مطره ينزل على الصالحين و
الخاطئين منكم ؟ فإن كنتم لاتحبون إلا من أحبكم ولاتحسنون إلا إلى من أحسن إليكم
ولا تكافئون إلا من أعطاكم فما فضلكم إذا على غيركم ؟ قد يصنع هذا السفهاء الذين
ليست عندهم فضول ولا لهم أحلام ، ولكن إن أردتم أن تكونوا أحباء الله وأصفياء الله فأحسنوا
إلى من أساء إليكم ، واعفوا عمن ظلمكم ، وسلموا على من أعرض عنكم ، اسمعوا قولي ، و
احفظوا وصيتي ، وارعوا عهدي كيما تكونوا علماء فقهاء .
بحق أقول لكم : إن قلوبكم بحيث تكون كنوزكم ، وكذلك الناس يحبون
. . ( هامش صفحة 306 ) ( 1 ) في نسخة : لتعطوا .
( 2 ) في نسخة من المصدر : ولم يجعل قلبه في نظر عينيه .
( 3 ) القذى : مايقع في العين أو الشراب من تبنة ونحوها .
( 4 ) الغيلة : الاجمة . الشجر الكثير الملتف . وفي المصدر وفي نسخة : ولا يبالي أن يبلغ
أمثال الفيلة من الحرام .
[307]
أموالهم وتتوق ( 1 ) إليها أنفسهم ، فضعوا كنوزكم في السماء حيث لايأكلها السوس ، ولا
ينالها اللصوص .
بحق أقول لكم : إن العبد لايقدر على أن يخدم ربين ، ولامحالة إنه يؤثر أحدهما
على الآخر وإن جهد ، كذلك لايجتمع لكم حب الله وحب الدنيا .
بحق أقول لكم : إن شر الناس لرجل عالم آثر دنياه على علمه فأحبها وطلبها
وجهد عليها حتى لو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل ، وماذا يغني عن الاعمى سعة
نور الشمس وهو لايبصرها ؟ كذلك لايغني عن العالم علمه إذا هو لم يعمل به ، ما أكثر
ثمار الشجر وليس كلها ينفع ولا يؤكل ( 2 ) وما أكثر العلماء وليس كلهم ينتفع بما علم !
وما أوسع الارض وليس كلها تسكن ! وما أكثر المتكلمين وليس كل كلامهم يصدق !
فاحتفظوا من العلماء الكذبة الذين عليهم ثياب الصوف ، منكسو رؤوسهم إلى الارض ،
يزورون ( 3 ) به الخطايا ، يطرفون من تحت حواجبهم ( 4 ) كما ترمق الذئاب ، وقولهم
يخالف فعلهم ، وهل يجتنى من العوسج العنب ؟ ومن الحنظل التين ؟ وكذلك لا يؤثر
قول العالم الكاذب إلا زورا ، وليس كل من يقول يصدق . بحق أقول لكم : إن الزرع
ينبت في السهل ولاينبت في الصفا ، وكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولاتعمر في قلب
المتكبر الجبار ، ألم تعلموا أنه من شمخ برأسه ( 5 ) إلى السقف شجه ، ومن خفض برأسه
عنه استظل تحته وأكنه ، وكذلك من لم يتواضع لله خفضه ، ومن تواضع لله رفعه ، إنه
ليس على كل حال يصلح العسل في الزقاق ، وكذلك القلوب ليس على كل حال تعمر
الحكمة فيها ، إن الزق مالم ينخرق أو يقحل أو يتفل فسوف يكون للعسل وعاء ، و
كذلك القلوب مالم تخرقها الشهوات ويدنسها الطمع ويقسيها النعيم فسوف تكون
أوعية للحكمة .
. . ( هامش صفحة 307 ) ( 1 ) تاق اليه : اشتاق .
( 2 ) في المصدر : ويؤكل .
( 3 ) زور : من الكلام ، وزور الشئ : حسنه وقومه .
( 4 ) في نسخة من المصدر : يرمقون من تحت حواجبهم اه .
( 5 ) شمخ برأسه : رفعه .
[308]
بحق أقول لكم : إن الحريق ليقع في البيت الواحد فلايزال ينتقل من بيت إلى
بيت حتى تحترق بيوت كثيرة إلا أن يستدرك البيت الاول فيهدم من قواعده فلا تجد فيه
النار محلا ، ( 1 ) وكذلك الظالم الاول لو أخذ على يديه لم يوجد من بعده إمام ظالم
فيأتمون ( 2 ) به كما لو لم تجد النار في البيت الاول خشبا وألواحا لم تحرق شيئا .
بحق أقول لكم : من نظر إلى الحية تؤم أخاه لتلدغه ولم يحذره حتى قتلته
فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه ، وكذلك من نظر إلى أخيه يعمل الخطيئة ولم
يحذره عاقبتها حتى أحاطت به فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه ، ومن قدر على أن
يغير الظالم ثم لم يغيره فهو كفاعله ، وكيف يهاب الظالم وقد أمن بين أظهركم لاينهى
ولايغير عليه ولا يؤخذ على يديه ، فمن أين يقصر الظالمون أم كيف لايغترون ؟ فحسب
أحدكم أن يقول : لا أظلم ومن شاء فليظلم ، ويرى الظلم فلا يغيره ، فلو كان الامر على
ما تقولون لم تعاقبوا مع الظالمين الذين لم تعملوا بأعمالهم حين تنزل بهم العثرة في الدنيا ،
ويلكم يا عبيد السوء كيف ترجون أن يؤمنكم الله من فزع يوم القيامة وأنتم تخافون
الناس في طاعة الله ، وتطيعونهم في معصيته ، وتفون لهم بالعهود الناقضة لعهده ؟ بحق أقول
لكم : لايؤمن الله من فزع ذلك اليوم من اتخذ العباد أربابا من دونه .
ويلكم ياعبيد السوء من أجل دنيا دنية وشهوة رديئة تفرطون في ملك الجنة و
تنسون هول يوم القيامة ! ويلكم ياعبيد الدنيا من أجل نعمة زائلة وحياة منقطعة تفرون من الله
وتكرهون لقاءه ! فكيف يحب الله لقاءكم وأنتم تكرهون لقاءه ؟ وإنما يحب الله لقاء من يحب
لقاءه ، ويكره لقاء من يكره لقاءه ، وكيف تزعمون أنكم أولياء الله من دون الناس وأنتم
تفرون من الموت وتعتصمون بالدنيا ؟ فماذا يغني عن الميت طيب ريح حنوطه وبياض
أكفانه وكل ذلك يكون في التراب ، كذلك لا يغني عنكم بهجة دنياكم التي زينت
لكم ، وكل ذلك إلى سلب وزوال ، ماذا يغني عنكم نقاء أجسادكم وصفاء ألوانكم و
إلى الموت تصيرون ، وفي التراب تنسون ، وفي ظلمة القبر تغمرون ؟ ! ويلكم يا عبيد الدنيا
. . ( هامش صفحة 308 ) ( 1 ) في نسخة : فلا تجد فيه النار عملا . وفي المصدر : معملا . والمعمل : موضع العمل .
( 2 ) كذا في الكتاب ومصدره ، وفي نسخة " فيؤتم به " وهو الاصح .
[309]
تحملون السراج في ضوء الشمس وضوؤها كان يكفيكم ، وتدعون أن تستضيؤوا بها في
الظلم ومن أجل ذلك سخرت لكم ! كذلك استضأتم بنور العلم لامر الدنيا وقد كفيتموه
وتركتم أن تستضيؤوا به لامر الآخرة ومن أجل ذلك أعطيتموه ، تقولون : إن الآخرة حق
وأنتم تمهدون الدنيا ، وتقولون : إن الموت حق وأنتم تفرون منه ، وتقولون : إن الله
يسمع ويرى ولا تخافون إحصاءه عليكم ، فكيف ( 1 ) يصدقكم من سمعكم فإن من كذب
من غير علم أعذر ممن كذب على علم وإن كان لاعذر في شئ من الكذب .
بحق أقول لكم : إن الدابة إذا لم تركب ( 2 ) ولم تمتهن وتستعمل لتصعب ويتغير
خلقها ، وكذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت ويتبعها دؤوب العبادة ( 3 ) تقسو وتغلظ .
ماذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره وجوفه وحش مظلم ؟ كذلك لا
يغني عنكم أن يكون نور العلم بأفواهكم وأجوافكم منه وحشة معطلة ! فاسرعوا إلى
بيوتكم المظلمة فأنيروا فيها ، كذلك فاسرعوا إلى قلوبكم القاسية بالحكمة قبل أن ترين
عليها الخطايا ( 4 ) فتكون أقسى من الحجارة ، كيف يطيق حمل الاثقال من لا يستعين
على حملها ؟ أم كيف تحط أوزار من لا يستغفر الله منها ؟ أم كيف تنقى ثياب من لا يغسلها ؟
وكيف يبرأ من الخطايا من لايكفرها ؟ ( 5 ) أم كيف ينجو من غرق البحر من يعبر بغير سفينة ؟
وكيف ينجو من فتن الدنيا من لم يداوها بالجد والاجتهاد ؟ وكيف يبلغ من يسافر بغير
دليل ؟ وكيف يصير إلى الجنة من لا يبصر معالم الدين ؟ وكيف ينال مرضاة الله من
لايطيعه ؟ وكيف يبصر عيب وجهه من لاينظر في المرآة ؟ وكيف يستكمل حب خليله من
لايبذل له بعض ماعنده ؟ وكيف يستكمل حب ربه من لا يقرضه بعض مارزقه ؟
بحق أقول لكم : إنه كما لاينقص البحر أن تغرق فيه السفينة ولا يضره ذلك
شيئا كذلك لاتنقصون الله بمعاصيكم شيئا ولا تضرونه بل أنفسكم تضرون ، وإياها تنقصون ،
. . ( هامش صفحة 309 ) ( 1 ) في المصدر : وكيف .
( 2 ) في المصدر : إذا لم ترتكب . قلت : ارتكب بمعنى ركب . وامتهن الفرس : استعمله للخدمة
والركوب .
( 3 ) في المصدر : تتبعها دؤوب العبادة . قلت دأب في العمل دؤوبا : جد وتعب واستمر عليه .
( 4 ) أي قبل أن تغلب عليها الذنوب والخطايا وغطتها .
( 5 ) أي من لم يمحها بالاستغفار .
[310]
وكما لاينقص نور الشمس كثرة من يتقلب فيها بل به يعيش ويحيى كذلك لا ينقص الله
كثرة مايعطيكم ويرزقكم ، بل برزقه تعيشون وبه تحيون ، يزيد من شكره إنه شاكر
عليم .
ويلكم ياأجراء السوء الاجر تستوفون ، والرزق تأكلون ، والكسوة تلبسون ، و
المنازل تبنون ، وعمل من استأجركم تفسدون ؟ ! يوشك رب هذا العمل أن يطالعكم ( 1 )
فينظر في عمله الذي أفسدتم فينزل بكم مايخزيكم ، ويأمر برقابكم فتجذ من أصولها ( 2 )
ويأمر بأيديكم فتقطع من مفاصلها ، ثم يأمر بجثتكم ( 3 ) فتجر على بطونها ، حتى توضع
على قوارع الطريق ، حتى تكونوا عظة للمتقين ، ونكالا للظالمين .
ويلكم ياعلماء السوء لاتحدثوا أنفسكم أن آجالكم تستأخر من أجل أن الموت
لم ينزل بكم ، فكأنه قد حل بكم فأظعنكم ، فمن الآن فاجعلوا الدعوة في آذانكم ، و
من الآن فنوحوا على أنفسكم ، ومن الآن فابكوا على خطاياكم ، ومن الآن فتجهزوا
وخذوا أهبتكم ، ( 4 ) وبادروا التوبة إلى ربكم .
بحق أقول لكم : إنه كما ينظر المريض إلى طيب الطعام فلا يلتذه مع ما يجده
من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع مايجد من
حب المال ، وكما يلتذ المريض نعت الطبيب العالم بما يرجو فيه من الشفاء فإذا ذكر
مرارة الدواء وطعمه كدر عليه الشفاء كذلك أهل الدنيا يلتذون ببهجتها وأنواع ما فيها ،
فإذا ذكروا فجأة الموت كدرها عليهم وأفسدها .
بحق أقول لكم : إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لايهتدي بها إلا من يعرف
مجاريها ومنازلها ، وكذلك تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي لها منكم إلا من عمل بها .
ويلكم ياعبيد الدنيا نقوا القمح وطيبوه ، وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ، ويهنئكم أكله ،
. . ( هامش صفحة 310 ) ( 1 ) في نسخة من الكتاب والمصدر : يوشك رب هذا العمل أن يطالبكم .
( 2 ) أي تقطع أو تكسر من اصولها .
( 3 ) في المصدر : بجثثكم .
( 4 ) الاهبة بالضم فسكون : العدة ، يقال : أخذ للسفر اهبته .
[311]
كذلك فأخلصوا الايمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه . ( 1 )
بحق أقول لكم : لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به
فلم يمنعكم منه ريح قطرانه ، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها
معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها ، ويلكم ياعبيد الدنيا لا كحكماء تعقلون ، ولا كحلماء
تفقهون ، ولا كعلماء تعلمون ، ولا كعبيد أتقياء ، ولا كأحرار كرام ، توشك الدنيا أن
تقتلعكم من أصولكم فتقلبكم على وجوهكم ، ثم تكبكم على مناخركم ، ثم تأخذ
خطاياكم بنواصيكم ويدفعكم العلم من خلفكم حتى يسلماكم إلى الملك الديان عراة
فرادى فيجزيكم بسوء أعمالكم .
ويلكم ياعبيد الدنيا أليس بالعلم أعطيتم السلطان على جميع الخلائق فنبذتموه
فلم تعملوا به ، وأقبلتم على الدنيا فبها تحكمون ، ولها تمهدون ، وإياها تؤثرون وتعمرون
فحتى متى أنتم للدنيا ليس لله فيكم نصيب ؟ .
بحق أقول لكم : لاتدركون شرف الآخرة إلا بترك ماتحبون ، فلا تنتظروا
بالتوبة غدا ، فإن دون غد يوما وليلة ، قضاء الله فيهما يغدو ويروح .
بحق أقول لكم : إن صغار الخطايا ومحقراتها لمن مكائد إبليس يحقرها لكم و
يصغرها في أعينكم ، وتجتمع فتكثر وتحيط بكم .
بحق أقول لكم : إن المدحة بالكذب والتزكية في الدين لمن رأس الشرور المعلومة
وإن حب الدنيا لرأس كل خطيئة .
بحق أقول لكم : ليس شئ أبلغ في شرف الآخرة وأعون على حوادث الدنيا من
الصلاة الدائمة ، وليس شئ أقرب إلى الرحمن منها ، فدوموا عليها ، واستكثروا منها ،
وكل عمل صالح يقرب إلى الله فالصلاة أقرب إليه وآثر عنده .
بحق أقول لكم : إن كل عمل المظلوم الذي لم ينتصر بقول ولا فعل ولا حقد هو
في ملكوت السماء عظيم ، أيكم رأى نورا اسمه ظلمة أو ظلمة اسمها نور ؟ كذلك لايجتمع للعبد
أن يكون مؤمنا كافرا ، ولا مؤثرا للدنيا راغبا في الآخرة ، وهل زراع شعير يحصد قمحا ؟
. . ( هامش صفحة 311 ) ( 1 ) الغب : العاقبة .
[312]
أو زراع قمح يحصد شعيرا ؟ كذلك يحصد كل عبد في الآخرة ما زرع ، ويجزى بما
عمل .
بحق أقول لكم : إن الناس في الحكمة رجلان : فرجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء
فعله ، ورجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله ، وشتان بينهما ! فطوبى للعلماء بالفعل ، وويل
للعلماء بالقول .
بحق أقول لكم : من لاينقي من زرعه الحشيش يكثر فيه حتى يغمره فيفسده ، و
كذلك من لايخرج من قلبه حب الدنيا يغمره حتى لايجد لحب الآخرة طعما . ويلكم
ياعبيد الدنيا اتخذوا مساجد ربكم سجونا لاجسادكم ، واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى
ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات .
بحق أقول لكم : أجزعكم ( 1 ) على البلاء لاشدكم حبا للدنيا ، وإن أصبركم
على البلاء لازهدكم في الدنيا . ويلكم ياعلماء السوء ألم تكونوا أمواتا فأحياكم فلما
أحياكم متم ؟ ( 2 ) ويلكم ألم تكونوا أميين فعلمكم فلما علمكم نسيتم ؟ ( 3 ) ويلكم ألم
تكونوا جفاة ففقهكم الله فلما فقهكم جهلتم ؟ ( 4 ) ويلكم ألم تكونوا ضلالا فهداكم
فلما هداكم ضللتم ؟ ( 5 ) ويلكم ألم تكونوا عميا فبصركم فلما بصركم عميتم ؟ ( 6 ) ويلكم
ألم تكونوا صما فأسمعكم فلما أسمعكم صممتم ؟ ويلكم ألم تكونوا بكما فأنطقكم
فلما أنطقكم بكمتم ؟ ( 7 ) ويلكم ألم تستفتحوا فلما فتح لكم نكصتم على أعقابكم ؟
. . ( هامش صفحة 312 ) ( 1 ) في المصدر : إن أجزعكم .
( 2 ) بخوضكم في الدنيا والشهوات ، وترككم الاقبال على الاخرة ، فكنتم خلقتم للاخرة ونعيمها
والبقاء فيها فأعرضتم عنها واقبلتم إلى الدنيا فصرتم ميتين بل أشد خيبة منهم ، لانكم في الاخرة
معذبون وعن نعيمها محرومون .
( 3 ) حيث إنكم لم تعملوا بما تعلمون فكانكم نسيتم ذلك .
( 4 ) بترككم العمل بفقهكم .
( 5 ) الهداية هنا بمعنى إرادة الطريق ، أي هديتم السبيل ، فمشيتم على غيره فضللتم .
( 6 ) أي بصركم فلم تبصروا ولم تنفعكم البصائر ، حيث إنكم عملتم عمل من لايبصر شيئا .
( 7 ) حيث إنكم تركتم القول فيما أنطقكم له .
[313]
ويلكم ألم تكونوا أذلة فأعزكم فلما عززتم قهرتم واعتديتم وعصيتم ؟ ويلكم ألم
تكونوا مستضعفين في الارض تخافون أن يتخطفكم ( 1 ) الناس فنصركم وأيدكم فلما
نصركم استكبرتم وتجبرتم ؟ فياويلكم من ذل يوم القيامة كيف يهينكم ويصغركم ؟ و
ياويلكم يا علماء السوء إنكم لتعملون عمل الملحدين وتأملون أمل الوارثين وتطمئنون
بطمأنيته الآمنين ، وليس أمر الله على ماتتمنون ( 2 ) وتتخيرون ، بل للموت تتوالدون ،
وللخراب تبنون وتعمرون ، وللوارثين تمهدون .
بحق أقول لكم : إن موسى كان يأمركم أن لاتحلفوا بالله كاذبين ، وأنا أقول :
لاتحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ، ( 3 ) ولكن قولوا : لا ونعم . يابني إسرائيل عليكم بالبقل
البري ، وخبز الشعير ، وإياكم وخبز البر فإني أخاف عليكم أن لا تقوموا بشكره .
بحق أقول لكم : إن الناس معافى ومبتلى ، فاحمدوا الله على العافية ، وارحموا
أهل البلاء .
بحق أقول لكم : إن كل كلمة سيئة تقولون بها تعطون جوابها يوم القيامة . يا
عبيد السوء إذا قرب أحدكم قربانه ليذبحه فذكر أن أخاه واجد عليه ( 4 ) فليترك قربانه
وليذهب إلى أخيه فليرضه ( 5 ) ثم ليرجع إلى قربانه فليذبحه . ياعبيد السوء إذا أخذ ( 6 ) قميص
أحدكم فليعط رداءه معه ، ومن لطم خده منكم فليمكن من خده الآخر ومن سخر منكم
ميلا فليذهب ميلا آخر معه . ( 7 )
. . ( هامش صفحة 313 ) ( 1 ) تخطف الشئ : استلبه . اجتذبه وانتزعه .
( 2 ) في المصدر : على ماتمنون .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 313 سطر 19 إلى صفحه 321 سطر 18

( 3 ) في المصدر : ان موسى كان يأمركم أن لاتحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ولكن قولوا :
لا ونعم اه . وما في الكتاب أحسن ، ولعله من اسقاط الناسخ .
( 4 ) وجد عليه : غضب .
( 5 ) في نسخة : فليترضه . أي فليطلب رضاه .
( 6 ) في المصدر : إن اخذ .
( 7 ) هذه ومابعدها من الاداب الخلقية التي ينبغي رعايتها والمواظبة عليها في كل ملة ما لا
تستلزم معاونة الظالم وتجريه على ظلمه ، فلا تنافي ما ثبت في شريعة موسى عليه السلام وعيسى
عليه السلام كان مأمورا بتبعيتها من قانون القصاص والجزاء : كقوله تعالى : " وكتبنا عليهم فيها
[314]
بحق أقول لكم : ماذا يغني عن الجسد إذا كان ظاهره صحيحا وباطنه فاسدا ؟ وما
يغني ( 1 ) عنكم أجسادكم إذا أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم ؟ وما يغني عنكم أن تنقوا
جلودكم وقلوبكم دنسة .
بحق أقول لكم : لا تكونوا كالمنخل يخرج الدقيق الطيب ويمسك النخالة ،
كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم .
بحق أقول لكم : ابدؤوا بالشر فاتركوه ، ثم اطلبوا الخير ينفعكم ، فإنكم
إذا جمعتم الخير مع الشر لم ينفعكم الخير .
بحق أقول لكم : إن الذي يخوض النهر لابد أن يصيب ثوبه الماء وإن جهد أن لا
يصيبه ، كذلك من يحب الدنيا لاينجو من الخطايا .
بحق أقول لكم : طوبى للذين يتهجدون من الليل ، أولئك الذين يرثون النور
الدائم من أجل أنهم قاموا في ظلمة الليل على أرجلهم في مساجدهم يتضرعون إلى ربهم
رجاء أن ينجيهم في الشدة غدا .
بحق أقول لكم : إن الدنيا خلقت مزرعة ، يزرع ( 2 ) فيها العباد الحلو والمر والشر
. . ( هامش صفحة 314 ) أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح
قصاص " وكذا لايصح قول من ادعى أن ذلك منسوخ في شريعتنا ، حيث إن الاداب الحسنة لاتنسخ أبدا ،
وذلك مما لاريب فيه . والعجب من امة يدعون أنهم من امة عيسى عليه السلام ويسمون أنفسهم
بالمسيحيين كيف لم يؤثر فيهم واحد من هذه الاداب الخلقية ؟ بل أدبوا أنفسهم بنقيضها ، أترونهم
إذا اخذ قميص أحدهم يعطى رداءه أيضا ؟ ! وإذا لطم خده يمكن خده الاخر ؟ ! أو سخر ميلا يذهب
ميلا اخر ؟ ! أم ترونهم على خلاف ذلك ؟ أليسوا هم الذين أخذوا رداء العز والسيادة والقادة من
الامم ، وألبسوهم مكانه لباس الذل والقيادة ؟ أليسوا سودوا وجوه العالمين بلطام الظلم والاستبداد ؟
أليسوا قد سخروا العباد ، وخربوا البلاد ، وأشاعوا قوانين الظلم والفساد ، وروجوا دساتير الفحشاء
والمنكرات ، وهددوا عائلة البشرية كل آن بالسلح النارية المهلكة ؟ ! أعاذنا الله وجميع الامم
من شرورهم .
( 1 ) في المصدر : وماتغنى .
( 2 ) في المصدر : تزرع .
[315]
والخير ، الخير له مغبة ( 1 ) نافعة يوم الحساب ، والشر له عناء وشقاء يوم الحصاد .
بحق أقول لكم : إن الحكيم يعتبر بالجاهل ، والجاهل يعتبر بهواه ، أوصيكم
أن تختموا على أفواهكم بالصمت حتى لا يخرج منها ما لايحل لكم .
بحق أقول لكم : إنكم لاتدركون ما تأملون إلا بالصبر على ماتكرهون ، ولا
تبلغون ( 2 ) ماتريدون إلا بترك ماتشتهون .
بحق أقول لكم : ياعبيد الدنيا كيف يدرك الآخرة من لا تنقص شهوته من الدنيا
ولا تنقطع منها رغبته .
بحق أقول لكم : ياعبيد الدنيا ما الدنيا تحبون ، ولا الآخرة ترجون ، لو كنتم
تحبون الدنيا أكرمتم العمل الذي به أدركتموها ، ولو كنتم تريدون الآخرة عملتم عمل
من يرجوها .
بحق أقول لكم : ياعبيد الدنيا إن أحدكم يبغض صاحبه على الظن ، ولا يبغض
نفسه على اليقين ، وأقول لكم : ( 3 ) إن أحدكم ليغضب إذا ذكر له بعض عيوبه وهي حق ،
ويفرح إذا مدح بما ليس فيه .
بحق أقول لكم : إن أرواح الشياطين ما عمرت في شئ ما عمرت في قلوبكم ،
وإنما أعطاكم الله الدنيا لتعملوا فيها للآخرة ، ولم يعطكموها لتشغلكم عن الآخرة ،
وإنما بسطها لكم لتعلموا أنه أعانكم بها على العبادة ، ولم يعنكم بها على الخطايا ، وإنما
أمركم فيها بطاعته ، ولم يأمركم فيها بمعصيته ، وإنما أعانكم بها على الحلال ولم يحل
لكم بها الحرام ، وإنما وسعها لكم لتواصلوا فيها ولم يوسعها لكم لتقاطعوا فيها .
بحق أقول لكم : إن الاجر محروص عليه ، ولا يدركه إلا من عمل له .
بحق أقول لكم : إن الشجرة لا تكمل إلا بثمرة طيبة ، كذلك لايكمل الدين
إلا بالتحرج عن المحارم .
. . ( هامش صفحة 315 ) ( 1 ) المغبة : عاقبة الشئ .
( 2 ) في المصدر : ولا تبتغون . وما في الكتاب أحسن .
( 3 ) " " : بحق أقول لكم .
[316]
بحق أقول لكم : إن الزرع لايصلح إلا بالماء والتراب ، كذلك الايمان لا يصلح
إلا بالعلم والعمل .
بحق أقول لكم : إن الماء يطفئ النار ، كذلك الحلم يطفئ الغضب .
بحق أقول لكم : إنه لايجتمع الماء والنار في إناء واحد ، كذا لايجتمع الفقه و
الغي ( 1 ) في قلب واحد .
بحق أقول لكم : إنه لايكون مطر بغير سحاب ، كذلك لا يكون عمل في مرضاة
الرب إلا بقلب تقي . ( 2 )
بحق أقول لكم : إن النفس ( 3 ) نور كل شئ ، وإن الحكمة نور كل قلب ، و
التقوى رأس كل حكمة ، والحق باب كل خير ، ورحمة الله باب كل حق ، ومفاتيح
ذلك الدعاء والتضرع والعمل ، وكيف يفتح باب بغير مفتاح ؟ !
بحق أقول لكم : إن الرجل الحكيم لا يغرس شجرة إلا شجرة يرضاها ، ولا
يحمل على خيله إلا فرسا يرضاه ، كذلك المؤمن العالم لا يعمل إلا عملا يرضاه ربه .
بحق أقول لكم : إن الصقالة تصلح السيف وتجلوه ، كذلك الحكمة للقلب تصقله
وتجلوه ، وهي في قلب الحكيم مثل الماء في الارض الميتة تحيي قلبه كما يحيي الماء الارض
الميتة ، وهي في قلب الحكيم مثل النور في الظلمة يمشي بها في الناس .
بحق أقول لكم : إن نقل الحجارة من رؤوس الجبال أفضل من أن تحدث من
لايعقل عنك حديثك ، كمثل الذي ينقع الحجارة لتلين ، وكمثل الذي يصنع ( 4 ) الطعام
لاهل القبور . طوبى لمن حبس الفضل من قوله الذي يخاف عليه المقت من ربه ، ولايحدث
حديثا لايفهمه ، ( 5 ) ولا يغبط امرءا ( 6 ) في قوله حتى يستبين له فعله ، طوبى لمن تعلم
. . ( هامش صفحة 316 ) ( 1 ) في نسخة : والعي . وفي نسخة من المصدر : والعمى .
( 2 ) في المصدر : بقلب نقي .
( 3 ) في نسخة من الكتاب والمصدر : ان الشمس . وهو الظاهر .
( 4 ) في المصدر : يضع .
( 5 ) في نسخة من المصدر : الا يفهم .
( 6 ) في المصدر : أمرا .
[317]
من العلماء ما جهل ، وعلم الجاهل مما علم ، طوبى لمن عظم العلماء لعلمهم وترك منازعتهم
وصغر الجهال لجهلهم ، ولا يطردهم ولكن يقربهم ويعلمهم .
بحق أقول لكم : يا معشر الحواريين إنكم اليوم في الناس كالاحياء من الموتى فلا
تموتوا بموت الاحياء .
وقال المسيح : يقول الله تبارك وتعالى : يحزن عبدي المؤمن أن أصرف عنه الدنيا
وذلك أحب مايكون إلي وأقرب ما يكون مني ، ويفرح أن أوسع عليه في الدنيا و
ذلك أبغض مايكون إلي وأبعد مايكون مني . والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على
محمد وآله وسلم تسليما . ( 1 )
بيان : قوله : ( فضول ) أي فضل علم وكمال . وقوله : ( إن قلوبكم بحيث تكون
كنوزكم ) أي قلب كل أحد يكون دائما متعلقا بكنزه الذي يدخره ، فإن كان كنزكم
الاعمال الصالحة التي تكنزونها في السماء تكون قلوبكم سماوية ، والغرض أن تعلق
القلب بكنوز الدنيا وزخارفها لا يجتمع مع حبه تعالى . قوله : ( يطرفون ) أي ينظرون
ورمقته أرمقه أي نظرت إليه . قوله : ( أو يقحل ) بالقاف والحاء المهملة ، أي ييبس . و
تفل كفرح : تغيرت رائحته . قوله : ( أمل الوارثين ) أي الذين يرثون الفردوس . قوله :
( ومن سخر ) على بناء المجهول من باب التفعيل ، والتسخير هو التكليف والحمل على
العمل بغير أجرة . قوله : ( والجاهل يعتبر ) لعله على بناء المجهول ، ويحتمل المعلوم
أيضا ، أي بعد ما يتبع هواه ويجد سوء عاقبته يعتبر به . وقال الجزري : فيه : تحرجوا
أن يأكلوا معهم ، أي ضيقوا على أنفسهم ، وتحرج فلان : إذا فعل فعلا يخرج به من
الحرج أي الاثم والضيق .
أقول : قال السيد ابن طاوس رحمه الله في سعد السعود : قرأت في الانجيل : قال
عيسى عليه السلام : سمعتم ماقيل للاولين لاتزنوا ، وأنا أقول لكم : إن من نظر إلى امرأة
فشتهاها فقد فقد زنى بها في قلبه . إن خانتك عينك اليمنى فاقلعها وألقها عنك ، لانه خير
. . ( هامش صفحة 317 ) ( 1 ) تحف العقول : 501 513 .
[318]
لك أن تهلك أحد أعضائك ولا تلقي جسدك كله في نار جهنم ، وإن شككتك يدك اليمنى
فاقطعها وألقها عنك فإنه خير لك أن تهلك أحد أعضائك من أن يذهب كل جسدك في
جهنم . ( 1 )
وفي موضع آخر : قال عليه السلام : أقول لكم : لا تهتموا ماذا تأكلون ، ( 2 ) ولا ماذا
تشربون ، ولا لاجسادكم ما تلبس ، أليس النفس أفضل من المأكل ؟ والجسد أفضل من
اللباس ؟ انظروا إلى طيور السماء التي لاتزرع ولا تحصد ولا تحزن ، ( 3 ) وربكم
السماوي بقوتها ، ( 4 ) أليس أنتم أفضل منهم ؟ من منكم يهتم فيقدر أن يزيد على قامته
ذراعا واحدة ؟ فلماذا تهتمون باللباس ؟ ( 5 )
وقال عليه السلام في موضع آخر : أي إنسان منكم يسأله ابنه خبزا فيعطيه حجرا ؟ ( 6 )
أو يسأله شملة فيعطيه حية ؟ فإذا كنتم أنتم الاشرار تعرفون تعطون العطايا الصالحة
لابنائكم فكان بالاحرى ربكم أن يعطيكم الخيرات لمن يسأله . ( 7 )
وفي موضع آخر : قال واحد من تلاميذه : ائذن لي أولا ياسيدي أن أمضي فأواري
أبي ، فقال له عيسى عليه السلام : دع الموتى يدفنون موتاهم واتبعني . ( 8 )
18 لى : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن الدهقان ، عن درست ، عن عبدالله
ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان المسيح عليه السلام يقول : من كثر همه سقم بدنه ،
ومن ساء خلقه عذب نفسه ، ومن كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر كذبه ذهب بهاؤه ، ومن
. . ( هامش صفحة 318 ) ( 1 ) سعد السعود : 55 و 56 وفيه : في نار جهنم .
( 2 ) في المصدر : لاتهتموا لانفسكم ماذا تأكلون .
( 3 ) في المصدر : ولا تحزن في الهواء . قلت : لعله مصحف " تخزن " بالخاء .
( 4 ) توصيف الرب بالسماوي اما للدلالة على عظمته تعالى ، أو للايعاز إلى انه ليس من
الماديات . حيث إنهم كانوا يعتقدون أن عالم العقول والمجردات فوق عالم الماديات فتأمل .
( 5 ) سعد السعود : 56 .
( 6 ) في المصدر : يسأله ابنه خمرا فيؤتيه جمرا .
( 7 و 8 ) سعد السعود : 56 .
[319]
لاحى الرجال ( 1 ) ذهبت مروءته . ( 2 )
19 لى : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن مرار ، عن يونس ، عن ابن أسباط ،
عن البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله عزوجل أوحى إلى عيسى بن
مريم عليه السلام : ياعيسى ماأكرمت خليقة بمثل ديني ، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي ، اغسل
بالماء منك ماظهر ، وداو بالحسنات مابطن ، فإنك إلي راجع ، فشمر فكل ماهو آت
قريب ، وأسمعني منك صوتا حزينا . ( 3 )
20 فس : أبي ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود رفعه إلى علي بن
الحسين عليه السلام قال : مكتوب في الانجيل : لاتطلبوا علم مالاتعلمون ( 4 ) ولما عملتم بما علمتم
فإن العلم إلا لم يعمل به لم يزدد من الله إلا بعدا . الخبر . ( 5 )
21 ل : أبي ، عن سعد ، عن الاصبهاني ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة ،
عن الزهري ، عن علي بن الحسين عليه السلام قال : قال المسيح عليه السلام للحواريين : إنما الدنيا
قنطرة فاعبروها ولاتعمروها . ( 6 )
22 ل : ابن المتوكل ، عن السعدآبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان
عن زياد بن المنذر ، عن ابن طريف ، عن ابن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال عيسى
ابن مريم عليه السلام : الدينار داء الدين ، والعالم طبيب الدين ، فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء
إلى نفسه فاتهموه ، واعلموا أنه غير ناصح لغيره . ( 7 )
23 ل : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن هاشم ، عن ابن ميمون ، عن جعفر
. . ( هامش صفحة 319 ) ( 1 ) أي نازع الرجال .
( 2 ) أمالي الصدوق : 324 .
( 3 ) " " : 360 .
( 4 ) في المصدر : ما لا تعملون .
( 5 ) تفسير القمي : 587 . وفيه : فان العالم اذا لم يعمل به لم يزد بعلمه من الله الا بعدا .
( 6 ) الخصال 1 : 34 . وللحديث صدر تركه المصنف .
( 7 ) الخصال 1 : 56 . وللحديث صدر أخرجه المصنف في كتاب العلم ، راجع ج 2 : 107 .
[320]
ابن محمد ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام : طوبى لمن كان صمته
فكرا ، ونظره عبرا ، ووسعه بيته ، وبكى على خطيئته ، وسلم الناس من يده ولسانه . ( 1 )
24 ما : المفيد ، عن الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب
عن ابن أسباط ، عن البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أوحى الله إلى
عيسى بن مريم عليه السلام : ياعيسى هب لي من عينيك الدموع ، ومن قلبك الخشوع ، واكحل
عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون ، وقم على قبور الاموات فنادهم بالصوت الرفيع
لعلك تأخذ موعظتك منهم ، وقل : إني لاحق في اللاحقين . ( 2 )
25 ما : المفيد ، عن أحمد بن الوليد ، عن أيبه ، عن الصفار ، عن القاساني ، عن
الاصبهاني ، عن المنقري ، عن حفص قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : قال عيسى بن
مريم عليه السلام لاصحابه : تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ، ولا تعملون للآخرة
ولا ترزقون ( 3 ) فيها إلا بالعمل ، ويلكم علماء السوء ! الاجرة تأخذون والعمل لاتصنعون
يوشك رب العمل أن يطلب عمله ، وتوشكوا أن تخرجوا من الدنيا إلى ظلمة القبر ، كيف
يكون من أهل العلم من مصيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه ؟ وما يضره أشهى إليه
مما ينفعه . ( 4 )
26 ع : بإسناد العمري ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال : مر
أخي عيسى عليه السلام بمدينة وفيها رجل وامرأة يتصايحان فقال : ماشأنكما ؟ قال : يانبي
الله هذه امرأتي وليس بها بأس ، صالحة ، ولكني أحب فراقها ، قال : فأخبرني على كل
حال ماشأنها ؟ قال : هي خلقة الوجه من غير كبر ، قال لها : ياامرأة أتحبين أن يعود ماء
وجهك طريا ؟ قالت : نعم ، قال لها : إذا أكلت فإياك أن تشبعي ( 5 ) لان الطعام إذا
. . ( هامش صفحة 320 ) ( 1 ) الخصال 1 : 142 .
( 2 ) أمالي الطوسي : 8 .
( 3 ) في المصدر : وانتم لاترزقون فيها بغير عمل ( الا بالعمل خ ل ) .
( 4 ) امالي ابن الطوسي : 129 و 130 .
( 5 ) في المصدر ونسخة من الكتاب ، فاياك أن تشبعين .
[321]
تكاثر على الصدر فزاد في القدر ذهب ماء الوجه ، ففعلت ذلك فعاد وجهها طريا . ( 1 )
27 وقال صلى الله عليه وآله : مر أخي عيسى عليه السلام بمدينة وإذا في ثمارها الدود ، فشكوا إليه ما
بهم ، فقال : دواء هذا معكم وليس تعملون ، أنتم قوم إذا غرستم الاشجار صببتم التراب ثم
صببتم الماء ، وليس هكذا يجب ، بل ينبغي أن تصبوا الماء في أصول الشجر ثم تصبوا
التراب لكيلا يقع فيه الدود ، فاستأنفوا كما وصف فذهب ذلك عنهم . ( 2 )
28 وقال صلى الله عليه وآله : مر أخي عيسى عليه السلام بمدينة وإذا وجوههم صفر ، وعيونهم زرق ،
فصاحوا إليه وشكوا مابهم من العلل ، فقال : دواؤه معكم ، أنتم إذا أكلتم اللحم طبختموه
غير مغسول ، وليس يخرج شئ من الدنيا إلا بجنابة ، فغسلوا بعد ذلك لحومهم فذهبت
أمراضهم .
29 وقال : مر أخي عيسى عليه السلام بمدينة وإذا أهلها أسنانهم منتثرة ، ووجوههم
منتفخة ، فشكوا إليه ، فقال : أنتم إذا نمتم تطبقون أفواهكم فتغلي الريح في الصدور حتى
تبلغ إلى الفم ، فلايكون لها مخرج ، فترد إلى أصول الاسنان فيفسد الوجه ، فإذا نمتم
فافتحوا شفاهكم وصيروه لكم خلقا ، ففعلوا فذهب ذلك عنهم . ( 3 )
30 مع : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن علي بن حديد ، عمن ذكره ، عن أبي
عبدالله عليه السلام قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام في خطبته قام لها ( 4 ) في بني إسرائيل : أصبحت
فيكم وإدامي الجوع ، وطعامي ماتنبت الارض للوحوش والانعام ، وسراجي القمر ، و
فراشي التراب ، ووسادتي الحجر ، ليس لي بيت يخرب ، ولا مال يتلف ، ولا ولد يموت ،
ولا امرأة تحزن ، أصبحت وليس لي شئ ، وأمسيت وليس لي شئ وأنا أغنى ولد


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 321 سطر 19 إلى صفحه 329 سطر 18

آدم . ( 5 )
31 مع : أبي ، عن محمد العطار ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن سهل الازدي
. . ( هامش صفحة 321 ) ( 1 ) علل الشرائع : 169 .
( 2 ) " " : 191 .
( 3 ) " " : 192 .
( 4 ) في نسخة من الكتاب ومصدره : في خطبة قام فيها . وفي نسخة اخرى من المصدر : قام بها .
( 5 ) معاني الاخبار : 74 .
[322]
العابد قال : سمعت أبا فروة الانصاري وكان من السائحين يقول : قال عيسى بن مريم عليه السلام
يامعشر الحواريين بحق أقول لكم : إن الناس يقولون : إن البناء بأساسه ، وأنا لاأقول
لكم كذلك ، قالوا : فماذا تقول ياروح الله ؟ قال : بحق أقول لكم : إن آخر حجر يضعه
العامل هو الاساس ، قال أبوفروة : إنما أراد خاتمة الامر . ( 1 )
32 ما : جماعة ، عن أبي المفضل بإسناده عن شقيق البلخي ، عمن أخبره من أهل
العلم قال : قيل لعيسى بن مريم عليه السلام : كيف أصبحت ياروح الله ؟ قال : أصبحت وربي
تبارك وتعالى من فوقي ، والنار أمامي ، والموت في طلبي ، لا أملك ما أرجو ، ولا أطيق دفع
ماأكره ، فأي فقير أفقر مني ؟ ! الخبر . ( 2 )
33 مع : أبي ، عن محمد العطار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن عمرو ، عن صالح
ابن سعيد ، عن أخيه سهل الحلواني ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : بينا عيسى بن مريم في
سياحته إذ مر بقرية فوجد أهلها موتى في الطريق والدور ، قال : فقال : إن هؤلاء ماتوا
بسخطة ، ولو ماتوا بغيرها تدافنوا ، ( 3 ) قال : فقال أصحابه : وددنا أنا عرفنا قصتهم ،
فقيل له : نادهم ياروح الله ، قال : فقال : ياأهل القرية ، قال : فأجابه مجيب منهم : لبيك يا
روح الله ، قال : ماحالكم ؟ وماقصتكم ؟ قال : أصبحنا في عافية وبتنا في الهاوية ، قال : فقال :
وما الهاوية ؟ فقال : بحار من نار ، فيها جبال من النار ، قال : ومابلغ بكم ماأرى ؟ قال : حب
الدنيا وعبادة الطاغوت ، قال : وما بلغ من حبكم الدنيا ؟ قال : كحب الصبي لامه ، إذا
أقبلت فرح وإذا أدبرت حزن ، قال : وما بلغ من عبادتكم الطواغيت ؟ قال : كانوا إذا أمرونا
أطعناهم ، قال : فكيف أنت أجبتني من بينهم ؟ قال : لانهم ملجمون بلجم من نار ( 4 )
عليهم ملائكة غلاظ شداد ، وإني كنت فيهم ولم أكن منهم ، فلما أصابهم العذاب أصابني
معهم ، فأنا متعلق بشعرة على شفير ( 5 ) جهنم ، أخاف أن أكبكب في النار ، ( 6 ) قال :
. . ( هامش صفحة 322 ) ( 1 ) معاني الاخبار : 99 .
( 2 ) امالي الطوسي : 49 .
( 3 ) في المصدر : لتدافنوا .
( 4 ) في نسخة : لانهم ملجمون بلجام من نار .
( 5 ) الشفير : ناحية كل شئ . ومن الوادي : ناحيته من أعلاه .
( 6 ) كبكب الشئ : قلبه وصرعه .
[323]
فقال عيسى عليه السلام لاصحابه : إن النوم على المزابل وأكل خبز الشعير خير كثير مع سلامة
الدين . ( 1 )
34 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة ، عن عيسى بن العباس ،
عن محمد بن عبدالكريم التفليسي ، عن عبدالمؤمن بن محمد رفعه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
أوحى الله تعالى جلت عظمته إلى عيسى عليه السلام جد في أمري ولا تترك ، إني خلقتك من
غير فحل آية للعالمين ، أخبرهم آمنوا بي وبرسولي النبي الامي ، نسله من مباركة ، و
هي مع أمك في الجنة ، طوبى لمن سمع كلامه ، وأدرك زمانه ، وشهد أيامه ، قال عيسى :
يارب وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة تحتها عين ، من شرب منها شربة لم يظمأ بعدها
أبدا ، قال عيسى : يارب اسقني منها شربة ، قال : كلا ياعيسى إن تلك العين محرمة
على الانبياء حتى يشربها ذلك النبي ، وتلك الجنة محرمة على الامم حتى يدخلها
أمة ذلك النبي . ( 2 )
35 ص : الصدوق بإسناده عن ابن سنان قال : قال الصادق عليه السلام : قال عيسى
ابن مريم عليه السلام لجبرئيل متى قيام الساعة ؟ فانتفض ( 3 ) جبرئيل انتفاضة أغمي عليه منها
فلما أفاق قال : ياروح الله ماالمسؤول أعلم بها من السائل ، وله من السماوات والارض
لاتأتيكم إلا بغتة ، وقال الحواريون لعيسى : يامعلم الخير علمنا أي الاشياء أشد ؟ قال :
أشد الاشياء غضب الله ، قالوا : فبما يتقى غضب الله ؟ قال : بأن لاتغضبوا ، قالوا : وما
بدء الغضب ؟ قال : الكبر والتجبر ومحقرة الناس . ( 4 )
36 ختص : الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن البزنطي ، عن عبدالكريم
ابن عمرو ، عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن عيسى بن مريم عليه السلام
قال : داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله ، وأبرأت الاكمه والابرص بإذن الله ، وعالجت
. . ( هامش صفحة 323 ) ( 1 ) معاني الاخبار : 97 ، وفيه : خير كثير مع عافية الدنيا والاخرة مع سلامة الدين .
( 2 و 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 3 ) أي ارتعد واضطرب .
[324]
الموتى فأحييتهم بإذن الله ، وعالجت الاحمق فلم أقدر على إصلاحه ، فقيل : ياروح الله وما
الاحمق ؟ قال : المعجب برأيه ونفسه ، الذي يرى الفضل كله له لا عليه ، ويوجب ويوجب الحق
كله لنفسه ولا يوجب عليها حقا ، فذلك الاحمق الذي لاحيلة في مداواته . ( 1 )
37 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن سنان ، عن البزنطي ، عن أبي
بصير ، عن الصادق عليه السلام قال إن عيسى عليه السلام مر بقوم مجلبين ( 2 ) فسأل عنهم ، فقيل :
بنت فلان تهدى إلى بيت فلان ، فقال : صاحبتهم ميتة من ليلتهم ، فلما كان من الغد قيل :
إنها حية ، فذهب مع الناس إلى دارها ، فخرج زوجها ، فقال له : سل زوجتك ما
فعلت البارحة من الخير ؟ فقالت : ما فعلت شيئا إلا أن سائلا كان يأتيني كل ليلة جمعة
فيما مضى ، وإنه جاءنا ليلتنا فهتف فلم يجب ، فقال : عز علي أنها لا تسمع صوتي و
عيالي يبقون الليلة جياعا ، ( 3 ) فقمت متنكرة فأنلته مقدار ما كنت أنيله فيما مضى ، قال
عيسى عليه السلام : تنحي عن مجلسك ، فتنحت فإذا تحت ثيابها أفعي عاض على ذنبه ، فقال :
بما تصدقت صرف عنك هذا . ( 4 )
38 جا : أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار
عن رجل ، عن واصل بن سليمان ، عن ابن سنان قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : كان
المسيح عليه السلام يقول لاصحابه : إن كنتم أحبائي وإخواني فوطنوا أنفسكم على العداوة و
البغضاء من الناس ، فإن لم تفعلوا فلستم بإخواني ، إنما أعلمكم لتعملوا ، ( 5 ) ولا
أعلمكم لتعجبوا ، إنكم لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ماتشتهون ، وبصبركم على ما
. . ( هامش صفحة 324 ) ( 1 ) الاختصاص مخطوط .
( 2 ) أجلب القوم : ضجوا واختلطت أصواتهم .
( 3 ) في نسخة : ضياعا .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط . وتقدم الحديث عن الامالي في باب فضله عليه السلام مع اختلاف
في ألفاظه وتفصيل .
( 5 ) في المصدر : لتعلموا .
[325]
تكرهون ، وإياكم والنظرة فإنها تزرع في قلب صاحبها الشهوة ، وكفى بها لصاحبها
فتنة .
ياطوبى لمن يرى بعينيه ( 1 ) الشهوات ولم يعمل بقلبه المعاصي ، ما أبعد ما قد فات
وأدنى ماهو آت ! ويل للمغترين لو قد آزفهم مايكرهون ، ( 2 ) وفارقهم ما يحبون ، و
جاءهم مايوعدون ، في خلق هذا الليل والنهار معتبر ، ويل لمن كانت الدنيا همه ، والخطايا
عمله ، كيف يفتضح غدا عند ربه ؟ ولا تكثروا الكلام في غير ذكر الله ، فإن الذين
يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم ولكن لايعلمون ، لاتنظروا إلى عيوب الناس
كأنكم رئايا عليهم ، ولكن انظروا في خلاص أنفسكم فإنما أنتم عبيد مملوكون ، إلى
كم يسيل الماء على الجبل لايلين ؟ ! إلى كم تدرسون الحكمة لايلين عليها قلوبكم ؟ ! عبيد
السوء فلا عبيد أتقياء ، ( 3 ) ولا أحرار كرام ، إنما مثلكم كمثل الدفلى يعجب بزهرها
من يراها ، ويقتل من طعمها . والسلام . ( 4 )
بيان : قال الفيروز آبادي : الدفل بالكسر وكذكرى : نبت مر فارسيته :
" خرزهره " قتال ، زهره كالورد الاحمر ، وحمله كالخرنوب . ( 5 )
39 عدة : قال عيسى عليه السلام : بحق أقول لكم : كما نظر ( 6 ) المريض إلى الطعام
فلا يلتذ به من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع
مايجده من حلاوة الدنيا .
بحق أقول لكم : كما أن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعبت وتغير خلقها
كذلك القلوب إذا لم ترقق ( 7 ) بذكر الموت وبنصب العبادة تقسو وتغلظ .
. . ( هامش صفحة 325 ) ( 1 ) في المصدر : بعينه .
( 2 ) في المصدر : قد اريهم . قلت : آزفهم اي أعجلهم .
( 3 ) في المصدر : لا عبيد أتقياء .
( 4 ) أمالي المفيد : 121 و 122 . وفي نسخة : ويتفل من طعمها .
( 5 ) خرنوب بالضم نبت معروف فارسيته : جنك جنكك .
( 6 ) في المصدر : ينظر .
( 7 ) في نسخة : إذا لم ترفق .
[326]
وبحق أقول لكم : إن الزق إذا لم ينخرق يوشك أن يكون وعاء العسل ، كذلك
القلوب إذا لم تخرقها الشهوات أو يدنسها الطمع أو يقسها النعيم ( 1 ) فسوف تكون
أوعية الحكمة . ( 2 )
40 وعن الصادق عليه السلام قال : في الانجيل إن عيسى عليه السلام قال : اللهم ارزقني
غدوة رغيفا من شعير ، وعشية رغيفا من شعير ، ولا ترزقني فوق ذلك فأطغى . ( 3 )
41 نبه : أوحى الله إلى عيسى عليه السلام : أن كن للناس في الحلم كالارض تحتهم ،
وفي السخاء كالماء الجاري ، وفي الرحمة كالشمس والقمر فإنهما يطلعان على البر
والفاجر . ( 4 )
42 وقال عليه السلام : من ذا الذي يبني على موج البحر دارا ؟ تلكم الدنيا فلا
تتخذوها قرارا . ( 5 )
43 وصنع عيسى عليه السلام للحواريين طعاما ، فلما أكلوا وضأهم بنفسه ، قالوا :
ياروح الله نحن أولى أن نفعله منك ، قال : إنما فعلت هذا لتفعلوه بمن تعلمون . ( 6 )
44 وقال عليه السلام : هول لا تدري متى يغشاك لم لا تستعد له ( 7 ) قبل أن
يفجأك . ( 8 )
45 وقيل له عليه السلام : من أدبك ؟ قال : ما أدبني أحد ، رأيت قبح الجهل
فجانبته . ( 9 )
. . ( هامش صفحة 326 ) ( 1 ) في المصدر : النعم .
( 2 ) عدة الداعي : 77 .
( 3 ) " " : 83 .
( 4 ) تنبيه الخواطر 1 : 80 .
( 5 ) " " 1 : 133 .
( 6 ) " " 1 : 83 .
( 7 ) في المصدر : وقال عليه السلام : لاتدري متى يغشاك الموت لم لاتستعد له ؟ .
( 8 ) تنبيه الخواطر 1 : 86 .
( 9 ) " " 1 : 96 .
[327]
46 وقال عليه السلام : طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره ( 1 )
47 وروي أنه عليه السلام مر مع الحواريين على جيفة ، ( 2 ) فقال الحواريون : ماأنتن
ريح هذا ( الكلب ؟ ) ! فقال عيسى عليه السلام : ماأشد بياض أسنانه ! . ( 3 )
48 وقال عليه السلام : لا تتخذوا الدنيا ربا فتتخذكم عبيدا ، اكنزوا كنزكم عند
من لا يضيعه ، فإن صاحب كنز الدنيا يخاف عليه الآفة ، وصاحب كنز الله لا يخاف عليه
الآفة . ( 4 )
49 وقال عليه السلام : يا معشر الحواريين إني قد أكببت لكم الدنيا على وجهها
فلا تنعشوها ( 5 ) بعدي ، فإن من خبث الدنيا أن عصي الله فيها ، وإن من خبث الدنيا أن
الآخرة لا تدرك ( 6 ) إلا بتركها ، فاعبروا الدنيا ولا تعمروها ، واعلموا أن أصل كل
خطيئة حب الدنيا ، ورب شهوة أورثت أهلها حزنا طويلا . ( 7 )
50 وقال عليه السلام : إني بطحت ( 8 ) لكم الدنيا وجلستم على ظهرها ، فلا ينازعنكم
فيها إلا الملوك والنساء ، فأما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لم يتعرضوا لكم ما تركتم
دنياهم ، وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة . ( 9 )
51 وقال عليه السلام : لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في قلب مؤمن ، كما لايستقيم الماء
والنار في إناء واحد . ( 10 )
52 وقيل له عليه السلام : لو اتخذت بيتا ، قال : يكفينا خلقان من كان قبلنا . ( 11 )
. . ( هامش صفحة 327 ) ( 1 ) تنبيه الخواطر 1 : 96 . وفيه : لموعود غائب لم يره .
( 2 ) في المصدر : على جيفة كلب .
( 3 ) تنبيه الخواطر 1 : 117 .
( 4 ) " " 1 : 129 .
( 5 ) في نسخة : فلا تغشوها بعدي .
( 6 ) في المصدر : لا تنال ولا تدرك .
( 7 ) تنبيه الخواطر 1 : 129 .
( 8 ) بطحه : ألقاه على وجهه .
( 9 11 ) تنبيه الخواطر 1 : 129 . والخلقان كعثمان جمع الخلق : البالي .
[328]
53 وروي أن عيسى عليه السلام اشتد به المطر والرعد يوما ، فجعل يطلب شيئا
يلجأ إليه ، فرفعت له خيمة من بعيد فأتاها فإذا فيها امرأة فحاد عنها ، ( 1 ) ( فإذا ) ؟ هو بكهف
في جبل فأتاه فإذا فيه أسد فوضع يده عليه وقال : إلهي لكل شئ مأوى ، ولم تجعل لي
مأوى ، فأوحى الله تعالى إليه : مأواك في مستقر رحمتي ، وعزتي لازوجنك يوم القيامة
مائة حورية خلقتها بيدي ، ولاطعمن في عرسك أربعة آلاف عام ، يوم منها كعمر الدنيا ،
ولآمرن مناديا ينادي : أين الزهاد في الدنيا ؟ احضروا عرس الزاهد عيسى بن مريم . ( 2 )
54 وقال عيسى : ويل لصاحب الدنيا كيف يموت ويتركها ، ويأمنها وتغره ،
ويثق بها وتخذله ، ويل للمغترين كيف رهقهم مايكرهون ؟ وفارقهم مايحبون ؟ وجاءهم
ما يوعدون ؟ وويل لمن الدنيا همه ، والخطايا أمله ، كيف يفتضح غدا عند الله ؟ ( 3 )
55 وقيل لعيسى عليه السلام : علمنا عملا واحدا يحبنا الله عليه ، قال : أبغضوا الدنيا
يحببكم الله . ( 4 )
56 وروي أن عيسى عليه السلام كوشف بالدنيا فرآها في صورة عجوز هتماء ، عليها
من كل زينة ، فقال لها : كم تزوجت ؟ فقالت : لا أحصيهم ، قال : وكلهم مات عنك أو
كلهم طلقك ؟ قالت : بل كلهم قتلت ، فقال عيسى عليه السلام : بؤسا لازواجك الباقين كيف تهلكهم ( 5 )
واحدا واحدا ولم يكونوا منك على حذر . ( 6 )
بيان : قال الفيروزآبادي : هتم كفرح : انكسرت ثناياه من أصولها فهو أهتم .
57 نبه : أوحى الله تعالى إلى عيسى : إذا أنعمت عليك بنعمة فاستقبلها بالاستكانة
أتممها عليك . ( 7 )
. . ( هامش صفحة 328 ) ( 1 ) أي فمال عنها .
( 2 و 3 ) تنبيه الخواطر 1 : 132 .
( 4 ) " " 1 : 134 .
( 5 ) في المصدر : بؤسا لازواجك الباقين كيف لايعتبرون بأزواجك الماضين ؟ كيف تهلكينهم
واحدا واحدا ولا يكونوا منك على حذر .
( 6 ) تنبيه الخواطر 1 : 146 .
( 7 ) " " 1 : 202 .
[329]
58 وقيل : بينما عيسى بن مريم عليه السلام جالس وشيخ يعمل بمسحاة ويثير
الارض ، ( 1 ) فقال عيسى عليه السلام : اللهم انزع منه الامل ، فوضع الشيخ المسحاة واضطجع
فلبث ساعة ، فقال عيسى : اللهم اردد إليه الامل ، فقام فجعل يعمل ، فسأله عيسى عن ذلك
فقال : بينما أنا أعمل إذ قالت لي نفسي : إلى متى تعمل وأنت شيخ كبير ؟ فألقيت المسحاة
واضطجعت ، ثم قالت لي نفسي : والله لابد لك من عيش مابقيت ، فقمت إلى مسحاتي . ( 2 )
59 وقال عليه السلام : بما ذا نفع امرؤ نفسه ؟ باعها بجميع مافي الدنيا ثم ترك ما
باعها به ميراثا لغيره وأهلك نفسه ، ولكن طوبى لامرئ خلص نفسه واختارها على جميع
الدنيا . ( 3 )
60 وروي أنه عليه السلام ذم المال وقال : فيه ثلاث خصال ، فقيل : وماهن ياروح الله ؟
قال : يكسبه المرء من غير حله ، وإن هو كسبه من حله منعه من حقه ، وإن هو وضعه في
حقه شغله إصلاحه عن عبادة ربه . ( 4 )
61 وكان عليه السلام إذا مر بدار قد مات أهلها وخلف فيها غيرهم يقول : ويحا
لاربابك الذين ورثوك كيف لم يعتبروا بإخوانهم الماضين . ( 5 )
62 وكان يقول : يادار تخربين وتفنى سكانك ، ويانفس اعملي ترزقي ، وياجسد
انصب تسترح . ( 6 )
63 وكان عليه السلام يقول : ياابن آدم الضعيف اتق ربك ، وألق طمعك ، وكن في
الدنيا ضعيفا ، وعن شهوتك عفيفا ، عود جسمك الصبر ، وقلبك الفكر ، ولا تحبس لغد
رزقا فإنها خطيئة عليك ، وأكثر حمد الله على الفقر فإن من العصمة أن لاتقدر على


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 329 سطر 19 إلى صفحه 337 سطر 18

ماتريد . ( 7 )
. . ( هامش صفحة 329 ) ( 1 ) في المصدر : ويثير به الارض .
( 2 ) تنبيه الخواطر 1 : 272 .
( 3 ) " " 2 : 115 .
( 4 ) " " 2 : 118 .
( 5 ) " " 2 : 219 .
( 6 ) " " 2 : 220 .
( 7 ) " " 2 : 229 .
[330]
64 وقال عليه السلام : النوم على المزابل ( 1 ) وأكل كسر خبز الشعير في طلب الفردوس
يسير . ( 2 )
65 وكان عليه السلام يقول : يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي
وتقربوا إلى الله بالتباعد منهم ، ( 3 ) والتمسوا رضاه بسخطهم . ( 4 )
66 وقال عليه السلام لاصحابه : استكثروا من الشئ الذي لاتأكله النار ، قالوا : وما
هو ؟ قال : المعروف . ( 5 )
67 ين : ابن المغيرة ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : تمثلت الدنيا
لعيسى عليه السلام في صورة امرأة زرقاء ، فقال لها : كم تزوجت ؟ قالت : كثيرا ، قال : فكل
طلقك ؟ قالت : بل كلا قتلت ، قال : فويح أزواجك الباقين كيف لايعتبرون بالماضين ؟ ( 6 )
68 ين : فضالة ، عن السكوني ، عن الصادق ، عن أبيه عليهما السلام قال : كان عيسى
عليه السلام يقول : هول لا تدري متى يلقاك ما يمنعك أن تستعد له قبل أن يفجأك ؟ ( 7 )
69 كا : علي ، عن أبيه ، وعلي بن محمد جميعا ، عن الاصفهاني ، عن المنقري ،
عن حفص ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال عيسى عليه السلام : اشتدت مؤونة الدنيا ومؤونة
الآخرة ، أما مؤونة الدنيا فإنك لا تمد يدك إلى شئ منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك
إليها ، وأما مؤونة الآخرة فإنك لاتجد أعوانا يعينونك عليها . ( 8 )
70 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن الحسن بن طريف ، ( 9 )
. . ( هامش صفحة 330 ) ( 1 ) في نسخة من المصدر : النوم على الحصير .
( 2 ) تنبيه الخواطر 2 : 230 .
( 3 ) في المصدر : بالتباعد عنهم .
( 4 ) تنبيه الخواطر 2 : 235 .
( 5 ) " " 2 : 249 .
( 6 و 7 ) مخطوط .
( 8 ) روضة الكافي : 144 .
( 9 ) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في المصدر " ظريف " بالظاء المعجمة ، والرجل هو الحسن
ابن ظريف بن ناصح أبومحمد الكوفي الثقة .
[331]
عن أبيه ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام : من كثر
كذبه ذهب بهاؤه . ( 1 )
71 كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن
أبي العباس الكوفي جميعا عن عمرو بن عثمان ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : اجتمع الحواريون إلى عيسى عليه السلام فقالوا له : يامعلم الخير أرشدنا ، فقال لهم : إن
موسى كليم الله عليه السلام أمركم أن لاتحلفوا بالله تبارك وتعالى كاذبين ، وأنا آمركم أن لا
تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين ، قالوا : ياروح الله زدنا ، فقال : إن موسى نبي الله عليه السلام
أمركم أن لاتزنوا ، وأنا آمركم أن لاتحدثوا أنفسكم بالزنا فضلا عن أن تزنوا ، فإن
من حدث نفسه بالزنا كان كمن أوقد في بيت مزوق فأفسد التزاويق الدخان وإن لم
يحترق البيت . ( 2 )
72 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن شريف بن سابق ، عن
الفضل بن أبي قرة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قالت الحواريون
لعيسى : ياروح الله من نجالس ؟ قال : من يذكركم الله رؤيته ، ويزيد في علمكم منطقه ،
ويرغبكم في الآخرة عمله . ( 3 )
73 كا : حميد بن زياد ، عن الخشاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذ بن ثابت ، عن عمرو بن
جميع ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان المسيح عليه السلام يقول : لاتكثروا الكلام في غير ذكر الله
فإن الذين يكثرون الكلام ( 4 ) قاسية قلوبهم ولكن لايعلمون . ( 5 )
74 ج ، يد ، ن : عن الحسن بن محمد النوفلي في خبر طويل يذكر فيه احتجاج
الرضا عليه السلام على أرباب الملل ، قال : قال الرضا عليه السلام للجاثليق : يانصراني هل تعرف
. . ( هامش صفحة 331 ) ( 1 ) اصول الكافي 2 : 341 .
( 2 ) فروع الكافي 2 : 70 .
( 3 ) اصول الكافي 1 : 39 .
( 4 ) في المصدر : يكثرون الكلام في غير ذكر الله .
( 5 ) اصول الكافي 2 : 114 .
[332]
في الانجيل قول عيسى عليه السلام : إني ذاهب إلى ربكم وربي ، ( 1 ) والبارقليطا جائي ، ( 2 )
هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له ، وهو الذي يفسر لكم كل شئ ، وهو الذي
يبدي فضائح الامم ، وهو الذي يكسر عمود الكفر ؟ فقال الجاثليق : ماذكرت شيئا في
الانجيل ( 3 ) إلا ونحن مقرون به ، فقال : أتجد هذا في الانجيل ثابتا ؟ قال : نعم . قال
الرضا عليه السلام : ياجاثليق ألا تخبرني عن الانجيل الاول حين افتقدتموه عند من وجدتموه
ومن وضع لكم هذا الانجيل ؟ قال له : ما افتقدنا الانجيل إلا يوما واحدا حتى وجدناه
غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا ومتى ، فقال له الرضا عليه السلام : ما أقل معرفتك بسر
الانجيل وعلمائه ! ( 4 ) فإن كان هذا كما تزعم فلم اختلفتم في الانجيل ؟ وإنما وقع
الاختلاف في هذا الانجيل الذي في أيديكم اليوم ، فلو كان على العهد الاول لم تختلفوا
فيه ، ولكني مفيدك علم ذلك :
اعلم أنه لما افتقد الانجيل الاول اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم :
قتل عيسى بن مريم وافتقدنا الانجيل وأنتم العلماء فما عندكم ؟ فقال لهم الوقا و
مرقابوس : ( 5 ) إن الانجيل في صدورنا ونحن نخرجه إليكم سفرا سفرا في كل أحد ،
فلا تحزنوا عليه ولا تخلوا الكنائس ، فإنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتى
نجمعه كله ، فقعد الوقا ومرقابوس ويوحنا ومتى فوضعوا لكم هذا الانجيل بعدما
افتقدتم الانجيل الاول ، وإنما كان هؤلاء الاربعة تلاميذا لتلاميذ الاولين ، أعلمت
ذلك ؟ قال الجاثليق : أما هذا فلم أعلمه ( 6 ) وقد عملته الآن ، وقد بان لي من فضل
علمك بالانجيل وسمعت أشياء مما علمته شهد قلبي أنها حق ، فاستزدت كثيرا من الفهم
. . ( هامش صفحة 332 ) ( 1 ) في المصدر : ربي وربكم .
( 2 ) في التوحيد : والفارقليطا . وفي العيون : والبارقليطا يعني محمد جاء .
( 3 ) في الاحتجاج : من الانجيل . وفي التوحيد : مما في الانجيل .
( 4 ) في العيون والاحتجاج : ما اقل معرفتك بسنن الانجيل وعلمائه ! .
( 5 ) زاد في الاحتجاج : ويوحنا ومتى .
( 6 ) في الاحتجاج : وأما قبل هذا فلم أعلمه .
[333]
فقال له الرضا عليه السلام : فكيف شهادة هؤلاء عندك ؟ قال : جائزة ، هؤلاء علماء الانجيل ، و
كل ما شهدوا به فهو حق ، فقال الرضا عليه السلام للمأمون ومن حضره من أهل بيته : ( 1 )
اشهدوا عليه ، قالوا : قد شهدنا ، ثم قال للجاثليق : بحق الابن وأمه هل تعلم أن متى
قال : " إن المسيح هو داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهوذا بن خضرون ؟ " ( 2 )
وقال مرقابوس في نسبة عيسى بن مريم : " إنه كلمة الله أحلها في الجسد الآدمي فصارت
إنسانا ؟ " وقال الوقا : " إن عيسى بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم ، فدخل فيهما روح
القدس ؟ " ثم إنك تقول من شهادة عيسى عليه السلام على نفسه : " حقا أقول لكم : إنه لايصعد
إلى السماء إلا من نزل منها إلا راكب البعير خاتم الانبياء ، فإنه يصعد إلى السماء و
ينزل " فما تقول في هذا القول ؟ قال الجاثليق : هذا قول عيسى لاننكره ، قال الرضا عليه السلام :
فما تقول في شهادة الوقا ومرقابوس ومتى على عيسى وما نسبوه إليه ؟ قال الجاثليق :
كذبوا على عيسى ( ، ) ؟ قال الرضا عليه السلام : ياقوم أليس قد زكاهم وشهد أنهم علماء الانجيل
وقولهم حق ؟ فقال الجاثليق : يا عالم المسلمين ( 3 ) أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء
وساق الحديث إلى أن قال عليه السلام لرأس الجالوت : في الانجيل مكتوب : إن ابن البرة
ذاهب ، والبارقليطا جائي من بعده ، وهو يخفف الآصار ، ويفسر لكم كل شئ ، و
يشهد لي كما شهدت لكم ، أنا جئتكم بالامثال وهو يأتيكم بالتأويل ، أتؤمن بهذا في
الانجيل ؟ قال : نعم . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 333 ) ( 1 ) في المصادر : وأهل بيته وغيرهم .
( 2 ) هكذا في النسخ ، وفي المصادر : هو ابن داود ، وفي التوحيد وفي نسخة من العيون :
حضرون ، وفي الانجيل : حصرون .
( 3 ) في هامش التوحيد : يا أعلم المسلمين خ ل .
( 4 ) احتجاج الطبرسي : 229 و 230 و 231 ، توحيد الصدوق : 437 و 440 و 442 ،
عيون الاخبار : 91 94 ، وفيها : نعم لا انكره . وتقدم الحديث بتمامه في كتاب الاحتجاجات ،
راجع ج 10 ص 299 318 .
[334]
( باب 22 )
* ( تفسير الناقوس ) *
1 لى ، مع : صالح بن عيسى العجلي ، عن محمد بن علي الفقيه ، ( 1 ) عن أبي نصر
الشعراني ، عن سلمة بن الوضاح ، عن أبيه ، عن أبي إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، ( 2 )
عن عاصم بن ضمرة ، عن الحارث الاعور قال : بينا أنا أسير مع أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام في الحيرة إذا نحن بديراني يضرب بالناقوس ، قال : فقال علي بن
أبي طالب عليه السلام : ياحارث أتدري مايقول هذا الناقوس ؟ قلت : الله ورسوله وابن عم رسوله
أعلم ، قال : إنه يضرب مثل الدنيا وخرابها ويقول : لا إله إلا الله حقا حقا ، صدقا
صدقا ، إن الدنيا قد غرتنا ، وشغلتنا واستهوتنا واستغوتنا ، ياابن الدنيا مهلا مهلا ، ياابن
الدنيا دقا دقا ، ياابن الدنيا جمعا جمعا ، تفني الدنيا قرنا قرنا ، مامن يوم يمضي عنا إلا
أوهى ( 3 ) منا ركنا ، قد ضيعنا دارا تبقى واستوطنا دارا تفنى ، لسنا ندري ما فرطنا فيها
إلا لو قد متنا .
قال الحارث : يا أمير المؤمنين النصارى يعلمون ذلك ؟ قال : لو علموا ذلك لما
اتخذوا المسيح إلها من دون الله عزوجل ، قال : فذهبت إلى الديراني فقلت له : بحق
المسيح عليك لما ضربت بالناقوس على الجهة التي تضربها ، قال : فأخذ يضرب وأنا أقول حرفا
حرفا حتى بلغ إلى قوله : إلا لو قد متنا ، فقال : بحق نبيكم من أخبرك بهذا ؟ قلت :
هذا الرجل الذي كان معي أمس ، قال : وهل بينه وبين النبي من قرابة ؟ قلت : هو ابن
عمه ، قال : بحق نبيكم أسمع هذا من نبيكم ؟ قال : قلت : نعم ، فأسلم ، ثم قال لي : والله
إني وجدت في التوراة أنه يكون في آخر الانبياء نبي وهو يفسر ما يقول الناقوس . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 334 ) ( 1 ) في الامالي أبوبكر محمد بن علي بن علي ، وفي المعاني أبوبكر محمد بن محمد بن علي
الفقيه .
( 2 ) في المصدر : أبي إسحاق الهمداني .
( 3 ) في نسخة من المصدر : أوهن .
( 4 ) أمالي الصدوق : 136 معاني الاخبار : 68 و 69 . وقد أخرجه المصنف ايضا في كتاب
العلم راجع ج 2 : 321 .
[335]
( باب 23 )
* ( رفعه إلى السماء ) *
الايات ، آل عمران " 3 " إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك
من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة ثم إلي
مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون * فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا
شديدا في الدنيا والآخرة ومالهم من ناصرين * وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات
فيوفيهم أجورهم والله لايحب الظالمين 55 57 .
النساء " 4 " وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما * وقولهم إنا قتلنا المسيح
عيسى بن مريم رسول الله وماقتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي
شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وماقتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله
عزيزا حكيما * وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون
عليهم شهيدا 156 159 .
1 لى : بإسناده عن حبيب بن عمرو قال : لما توفي أمير المؤمنين عليه السلام قام
الحسن عليه السلام خطيبا فقال : أيها الناس في هذه الليلة رفع عيسى بن مريم . الخبر . ( 1 )
2 د : في ليلة إحدى وعشرين من رمضان رفع عيسى بن مريم عليه السلام . ( 2 )
3 ك : بإسناده عن أبي رافع ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لما ملك اسيخ بن أشكان ( 3 )
. . ( هامش صفحة 335 ) ( 1 ) امالي الصدوق : 192 .
( 2 ) مخطوط .
( 3 ) في نسخة : اسنج . وفي المصدر : اشج بن أشجان ، وكان يسمى الكيس ، وكان قد ملك إه
وقال المسعودي في اثبات الوصية : 59 في ترجمة روبيل بن اليسابغ وشرح ما وقع في
أيامه من ملك دارا والاسكندر وقتله وما وقع في زمانهما : وملك عند ذلك أشبح بن اشبحان
مائتى وستين سنة ، وفي إحدى وخمسين سنة من ملكه بعث الله عزوجل المسيح عيسى بن مريم
عليه السلام اه . وقال اليعقوبي : كان عيسى عليه السلام في زمان حيردوس . وفي الكامل : و
في اثنتين واربعين سنة من ملك هيردوس بن انطيقوس كانت ولادة المسيح .
[336]
وملك مائتين وستا وستين سنة ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه بعث الله عزوجل عيسى
ابن مريم عليه السلام واستودعه النور والعلم والحكمة وجميع علوم الانبياء قبله ، وزاده الانجيل
وبعثه إلى بيت المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الايمان بالله و
رسوله فأبى أكثرهم إلا طغيانا وكفرا ، وأتى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغبهم فيما
عند الله ثلاثة وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت أنها عذبته ودفنته في الارض حيا
وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه ، وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه ، وإنما شبه لهم
وماقدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه لقوله تعالى : " إني متوفيك ورافعك إلي
ومطهرك من الذين كفروا " فلم يقدروا على قتله وصلبه لانهم لو قدروا على ذلك كان
تكذيبا لقوله : " ولكن رفعه الله إليه " بعد أن توفاه ، فلما أراد أن يرفعه أوحى إليه أن
استودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا . ( 1 ) إلى آخر ماسيأتي في
باب أحوال ملوك الارض .
4 ص : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال أبوجعفر عليه السلام :
لما كانت الليلة التي قتل فيها علي عليه السلام لم يرفع عن وجه الارض حجر إلا وجد تحته
دم عبيط ( 2 ) حتى طلع الفجر ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون عليه السلام ، و
كذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم عليه السلام وكذلك الليلة التي قتل فيها الحسين
عليه السلام . ( 3 )
5 فس : " قوله بهتانا عظيما " أي قولهم : إنها فجرت . قوله : " وقولهم إنا
قتلنا المسيح ( 4 ) " لما رفعه الله إليه " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " . ( 5 )
6 فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن حمران بن أعين ،
عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه
. . ( هامش صفحة 336 ) ( 1 ) إكمال الدين : 130 .
( 2 ) أي خالص طري .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 4 ) في المصدر : المسيح عيسى بن مريم رسول الله .
( 5 ) تفسير القمي : 146 .
[337]
عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا ، ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو
ينفض رأسه من الماء ، فقال : إن الله أوحى إلي أنه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود
فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي ؟ فقال شاب منهم : أنا
ياروح الله ، قال : فأنت هوذا ، فقال لهم عيسى : أما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح
اثنتي عشرة كفرة ، ( 1 ) فقال له رجل منهم : أنا هو يانبي الله ؟ فقال له عيسى : أتحس
بذلك في نفسك فلتكن هو ، ثم قال لهم عيسى عليه السلام : أما إنكم ستفترقون بعدي على
ثلاث فرق : فرقتين مفتريتين على الله في النار ، وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة
ثم رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه .
ثم قال أبوجعفر عليه السلام : إن اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل
الذي قال له عيسى عليه السلام : إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة ، و
أخذوا الشاب الذي ألقي عليه شبح عيسى فقتل وصلب ، وكفر الذي قال له عيسى :
تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة . ( 2 )
7 فس " يا أيها الذين آمنو كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين
من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت
طائفة " قال : التي كفرت هي التي قتلت شبيه عيسى وصلبته ، والتي آمنت هي التي
قبلت شبيه عيسى حتى يقتل " فأيدنا الذين آمنوا " هي التي لم تقتل شبيه عيسى على
الاخرى فقتلوهم " على عدوهم فأصبحوا ظاهرين " . ( 3 )
8 ص : بالاسناد إلى الصدوق عن حمزة العلوي ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 337 سطر 19 إلى صفحه 345 سطر 18

ابن علي بن يوشع ، عن علي بن محمد الجريري ، ( 4 ) عن حمزة بن يزيد ، عن عمر ، عن جعفر
. . ( هامش صفحة 337 ) ( 1 ) في المصدر : اثنى عشر كفرة ، وهكذا فيما يأتي .
( 2 ) تفسير القمي : 93 .
( 3 ) " " : 678 ، الموجود في المصدر : والتي آمنت هي التي قبلت ، فقتلت الطائفة
التي قتلته وصلبته وهو قوله : " فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين " وفي البرهان :
والتي آمنت هي التي قتلت الطائفة التي قتلت شبه عيسى ( هي التي قبلت ، فقتلت الطائفة التي
قتلته خ ) وصلبته ، وهو قوله إه .
( 4 ) في نسخة : الجزري .
[338]
عن آبائه ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لما اجتمعت اليهود على عيسى عليه السلام ليقتلوه بزعمهم
أتاه جبرئيل عليه السلام فغشاه بجناحه ، وطمح عيسى ببصره فإذا هو بكتاب في جناح جبرئيل
" اللهم إني أدعوك باسمك الواحد الاعز ، وأدعوك اللهم باسمك الصمد ، وأدعوك
اللهم باسمك العظيم الوتر ، وأدعوك اللهم باسمك الكبير المتعال الذي ثبت أركانك كلها
أن تكشف عني ما أصبحت وأمسيت فيه " فلما دعا به عيسى عليه السلام أوحى الله تعالى إلى
جبرئيل : ارفعه إلى عندي . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يابني عبدالمطلب سلوا ربكم بهؤلاء
الكلمات ، فوالذي نفسي بيده ما دعا بهن عبد بإخلاص دينه إلا اهتز له العرش ، وإلا
قال الله لملائكته : اشهدوا أني قد استجبت له بهن ، وأعطيته سؤله في عاجل دنياه وآجل
آخرته ، ثم قال لاصحابه : سلوا بها ، ولا تستبطئوا الاجابة . ( 1 )
9 شى : عن ابن عمر ، عن بعض أصحابنا ، عن رجل حدثه ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : رفع عيسى بن مريم عليه السلام بمدرعة صوف من غزل مريم ، ومن نسج مريم ، ومن خياطة
مريم ، فلما انتهى إلى السماء نودي : يا عيسى ألق عنك زينة الدنيا . ( 2 )
10 م : قوله عزوجل : " وأيدناه بروح القدس " هو جبرئيل ، وذلك حين
رفعه من روزنة ( 3 ) بيته إلى السماء ، وألقي شبهه على من رام قتله فقتل بدلا منه . ( 4 )
11 ن : الطالقاني ، عن الكوفي ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ،
عن الرضا عليه السلام أنه قال في حديث طويل في وصف الائمة عليهم السلام : وإنهم يقتلون بالسيف
أو بالسم وساق الحديث إلى أن قال عليه السلام : ما شبه أمر أحد من أنبياء الله وحججه
عليهم السلام للناس إلا أمر عيسى بن مريم وحده ، لانه رفع من الارض حيا ، وقبض روحه
بين السماء والارض ، ثم رفع إلى السماء ورد عليه روحه ، وذلك قوله عز وجل : " إذ قال
الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا " وقال عزوجل حكاية
. . ( هامش صفحة 338 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه أيضا البحراني في البرهان 1 : 285 .
( 3 ) الروزنة : الكوة . معربة .
( 4 ) تفسير الامام : 148 و 149 .
[339]
لقول عيسى عليه السلام : ( 1 ) " وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب
عليهم وأنت على كل شئ شهيد " الخبر . ( 2 )
12 ك : بإسناده عن سدير الصيرفي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : وأما غيبة
عيسى فإن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل ، فكذبهم الله عزوجل بقوله : " وما
قتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم " . ( 3 )
13 وبإسناده عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن في القائم من أهل
بيت محمد صلى الله عليه وآله شبها ( 4 ) من خمسة من الرسل وساق الحديث إلى أن قال : وأما شبهه
من عيسى عليه السلام فاختلاف من اختلف فيه : قالت طائفة منهم : ( 5 ) ماولد ، وقالت طائفة :
مات ، وطائفة قالت : قتل وصلب . ( 6 )
14 وبإسناده عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : في صاحب هذا الامر
أربع سنن من أربعة أنبياء وساق الحديث إلى أن قال : وأما من عيسى فيقال : إنه
مات ولم يمت . ( 7 )
أقول : سيأتي الاخبار الكثيرة في ذلك في كتاب الغيبة ، وقد مر في باب جوامع
أحوالهم عليهم السلام عن الرضا عليه السلام أن عيسى لما أراد اليهود قتله دعا الله بحفنا فنجاه من
القتل ورفعه إليه .
15 وعن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : ينزل على القائم عليه السلام تسعة آلاف ملك
وثلاثمائة وثلاث عشر ملكا وهم الذين كانوا مع عيسى لما رفعه الله إليه . ( 8 )
. . ( هامش صفحة 339 ) ( 1 ) في المصدر : لقول عيسى عليه السلام يوم القيامة .
( 2 ) عيون الاخبار : 118 120 .
( 3 ) كمال الدين : 201 و 202 .
( 4 ) في المصدر : سنة . شبهة خ ل .
( 5 ) في المصدر : حتى قالت طائفة منهم .
( 6 ) كمال الدين : 188 ، وفي قوله : قتل وصلب غرابة لم نعرف قائله .
( 7 ) " " : 91 .
( 8 ) والاحاديث كلها مسندة في المصدر كما يأتي في كتاب الغيبة .
[340]
بيان : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " وبكفرهم " : أي بجحود هؤلاء
بعيسى " وقولهم على مريم بهتانا عظيما " أي أعظم كذب وأشنعه ، وهو رميهم إياها
بالفاحشة ، عن ابن عباس والسدي ، قال الكلبي : مر عيسى عليه السلام برهط فقال بعضهم
لبعض : قد جاءكم الساحر ابن الساحرة ، والفاعل ابن الفاعلة ! فقذفوه بأمه ، فسمع ذلك
عيسى عليه السلام فقال : " اللهم أنت ربي خلقتني ولم أتهم من تلقاء نفسي ، اللهم العن من
سبني وسب والدتي " فاستجاب الله دعوته فمسخهم خنازير " وقولهم إنا قتلنا المسيح
عيسى بن مريم رسول الله " يعني وقول اليهود إنا قتلنا عيسى بن مريم رسول الله حكاه الله
سبحانه عنهم ، أي رسول الله في زعمه ، وقيل : إنه من قول الله سبحانه لا على وجه الحكاية
لهم ، وتقديره : الذي هو رسولي " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " اختلفوا في
كيفية التشبيه ، فروي عن ابن عباس أنه قال : لما مسخ الله الذين سبوا عيسى وأمه
بدعائه بلغ ذلك يهودا وهو رأس اليهود فخاف أن يدعو عليه ، فجمع اليهود واتفقوا على
قتله ، فبعث الله جبرئل يمنعه منهم ويعينه عليهم ، وذلك معنى قوله : " وأيدناه بروح القدس "
فاجتمع اليهود حول عيسى عليه السلام فجعلوا يسألونه فيقول لهم : يامعشر اليهود إن الله
تعالى يبغضكم ، فثاروا إليه ( 1 ) ليقتلوه ، فأدخله جبرئيل عليه السلام خوخة البيت ( 2 ) الداخل
لها روزنة في سفقها فرفعه جبرئيل إلى السماء ، فبعث يهودا رأس اليهود رجلا من أصحابه
اسمه ططيانوس ( 3 ) ليدخل عليه الخوخة فيقتله فدخل فلم يره فأبطأ عليهم فظنوا أنه
يقاتله في الخوخة ، فألقى الله عليه شبه عيسى عليه السلام ، فلما خرج على أصحابه قتلوه وصلبوه ،
وقيل : ألقي عليه شبه وجه عيسى ولم يلق عليه شبه جسده ، فقال بعض القوم : إن الوجه
وجه عيسى والجسد جسد ططيانوس ، وقال بعضهم : إن كان هذا ططيانوس فأين عيسى ؟ وإن
كان هذا عيسى فأين ططيانوس ؟ فاشتبه الامر عليهم ، وقال وهب بن منبه : أتى عيسى عليه السلام
ومعه سبعة عشر من الحواريين ( 4 ) في بيت ، فأحاطوا بهم فلما دخلوا عليهم صيرهم الله
. . ( هامش صفحة 340 ) ( 1 ) في المطبوع " فشاروا إليه " وهو وهم . وفي المصدر : فساروا إليه .
( 2 ) في المصدر : في خوخة البيت .
( 3 ) في المصدر : طيطانوس ، وكذا فيما يأتي بعده . وفي الكامل : نطليانوس .
( 4 ) " " : ومعه سبعة من الحواريين .
[341]
كلهم على صورة عيسى ، فقالوا لهم : سحرتمونا ؟ لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا ،
فقال عيسى عليه السلام لاصحابه : من يشري نفسه منكم اليوم بالجنة ؟ فقال رجل منهم اسمه
سرجس : ( 1 ) أنا ، فخرج إليهم ، فقال : أنا عيسى ، فأخذوه وقتلوه وصلبوه ، ورفع الله
عيسى من يومه ذلك ، وبه قال قتادة ومجاهد وابن إسحاق ، وإن اختلفوا في عدد الحواريين
ولم يذكر أحد غير وهب أن شبهه ألقي على جميعهم ، بل قالوا : ألقي شبههه على واحد
ورفع الله عيسى من بينهم . قال الطبري : وقول وهب أقوى ، لانه لو ألقي شبهه على
واحد منهم مع قول عيسى : " أيكم يلقى عليه شبهي فله الجنة " ثم رأوا عيسى رفع من بينهم
لما اشتبه عليهم ولما اختلفوا ، وإن جاز أن يشتبه على أعدائهم من اليهود الذين ماعرفوه ، لكن
ألقي شبهه على جميعهم وكانوا يرون كل واحد منهم بصورة عيسى ، فلما قتل أحدهم اشتبه
الحال عليهم .
وقال أبوعلي الجبائي : إن رؤساء اليهود أخذوا إنسانا فقتلوه وصلبوه على موضع
عال ، ولم يمكنوا أحدا من الدنو إليه فتغيرت حليته ، وقالوا : قد قتلنا عيسى ، ليوهموا
بذلك على عوامهم لانهم كانوا أحاطوا بالبيت الذي فيه عيسى فلما دخلوه كان عيسى قد رفع
من بينهم ، فخافوا أن يكون ذلك سببا لايمان اليهود به ففعلوا ذلك ، والذين اختلفوا
فيه هم غير الذين صلبوا من صلبوه ، ( 2 ) وإنما هم باقي اليهود ، وقيل : إن الذي دلهم
عليه وقال : هذا عيسى أحد الحواريين ، أخذ على ذلك ثلاثين درهما وكان منافقا ، ثم
إنه ندم على ذلك واختنق حتى قتل نفسه ، وكان اسمه بورس زكريا نوطا ، ( 3 ) وهو
ملعون في النصارى ، وبعض النصارى يقول : إن بورس زكريا نوطا هو الذي شبه لهم
فصلبوه وهو يقول : لست بصاحبكم ، أنا الذي دللتكم عليه ، وقيل : إنهم حبسوا المسيح
مع عشرة من أصحابه في بيت فدخل عليهم رجل من اليهود فألقى الله عليه شبه عيسى ورفع
عيسى فقتلوا الرجل ، عن السدي .
. . ( هامش صفحة 341 ) ( 1 ) في الكامل : اسمه يوشع .
( 2 ) في المصدر : غير الذين صلبوه .
( 3 ) " " : بودس زكريا بوطا ، وكذا فيما بعده ، ولعله هو الذي يسميه النصارى يهودا
اسخر يوطى .
[342]
" وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه " قيل : إنه يعني بذلك عامتهم ، لان
علماءهم علموا أنه غير مقتول ، عن الجبائي ، وقيل : أراد بذلك جماعتهم اختلفوا ( 1 )
فقال بعضهم : قتلناه ، وقال بعضهم : لم نقتله " مالهم به من علم إلا اتباع الظن " أي
لم يكن لهم بمن قتلوه علم ، لكنهم اتبعوا ظنهم ، فقتلوه ظنا منهم أنه عيسى ولم يكن به
وإنما شكوا في ذلك لانهم عرفوا عدة من في البيت ، فلما دخلوا عليهم وفقدوا واحدا
منهم التبس عليهم أمر عيسى وقتلوا من قتلوه على شك منهم في أمر عيسى ، هذا على قول
من قال : لم يتفرق أصحابه حتى دخل عليهم اليهود ، وأما من قال : تفرق أصحابه عنه
فإنه يقول : كان اختلافهم في أن عيسى عليه السلام هل كان فيمن بقي أو فيمن خرج اشتبه
الامر عليهم .
وقال الحسن : معناه : اختلفوا في عيسى عليه السلام فقالوا مرة : هو عبدالله ، ومرة هو
ابن الله ، ومرة هو الله . وقال الزجاج : معنى اختلاف النصارى فيه أن منهم من ادعى
أنه إله لم يقتل ، ومنهم من قال : قتل .
" وما قتلوه يقينا " اختلف في الهاء في " قتلوه " فقيل : إنه يعود إلى الظن ،
أي ماقتلوا ظنهم يقينا ، كما يقال : قتلته علما ، ( 2 ) عن ابن عباس وجويبر ، ومعناه :
ما قتلوا ظنهم الذي اتبعوه في المقتول الذي قتلوه ، وهم يحسبونه عيسى يقينا أنه
عيسى ولا أنه غيره ، لكنهم كانوا منه على شبهة ، وقيل : إن الهاء عائد إلى عيسى عليه السلام
يعني ماقتلوه يقينا ، أي حقا ، فهو من تأكيد الخبر ، عن الحسن ، أراد أن الله سبحانه نفى
عن عيسى القتل على وجه التحقيق واليقين " بل رفعه الله إليه " يعني بل رفع الله عيسى
إليه ، ولم يصلبوه ولم يقتلوه " وكان الله عزيزا حكيما " معناه : لم يزل الله منتقما من
أعدائه ، حكيما في أفعاله وتقديراته ، فاحذروا أيها السائلون محمدا أن ينزل عليكم
كتابا من السماء حلول عقوبة بكم ، كما حل بأوائلكم في تكذيبهم رسله ، عن ابن عباس
وما مر في تفسير هذه الآية من أن الله ألقى شبه عيسى عليه السلام على غيره فإن ذلك من
. . ( هامش صفحة 342 ) ( 1 ) في المصدر : جماعة اختلفوا . وهو الصواب .
( 2 ) في المصدر : ماقتلته علما .
[343]
مقدور الله سبحانه بلاخلاف بين المسلمين فيه ، ويجوز أن يفعله الله سبحانه على وجه التغليظ
للمحنة والتشديد في التكليف وإن كان ذلك خارقا للعادة ، فإنه يكون معجزا للمسيح
عليه السلام ، كما روي أن جبرئيل عليه السلام كان يأتي نبينا صلى الله عليه وآله في صورة دحية الكلبي .
ومما يسأل على هذه الآية أن يقال : قد تواترت اليهود والنصارى مع كثرتهم و
اجتمعت على أن المسيح قتل وصلب ، فكيف يجوز عليهم أن يخبروا عن الشئ بخلاف
ماهو به ؟ ولو جاز ذلك فكيف يوثق بشئ من الاخبار ؟
والجواب : أن هؤلاء دخلت عليهم الشبهة ، كما أخبر الله سبحانه عنهم بذلك ، فلم
يكن اليهود يعرفون عيسى عليه السلام بعينه ، وإنما أخبروا أنهم قتلوا رجلا قيل لهم إنه
عيسى ، فهم في خبرهم صادقون وإن لم يكن المقتول عيسى ، وإنما اشتبه الامر على
النصارى لانه شبه عيسى ألقي على غيره فرأوا من هو على صورته مقتولا مصلوبا ، فلم يخبر
أحد من الفريقين إلا عما رآه وظن أن الامر على ما أخبر به فلا يؤدي ذلك إلي بطلان
الاخبار بحال . ( 1 )
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي " قيل
في معناه أقوال :
أحدها أن المراد به أني قابضك برفعك من الارض إلى السماء من غير وفاة بموت
عن الحسن وكعب وابن جريح وابن زيد والكلبي وغيرهم ، وعلى هذا القول يكون
للمتوفي تأويلان :
أحدهما : إني رافعك إلي وافيا لم ينالوا منك شيئا ، من قولهم : توفيت كذا
واستوفيته ، أي أخذته تاما . والآخر : إني متسلمك ، من قولهم : توفيت منك ( 2 ) كذا
أي تسلمته .
وثانيها : إني متوفيك وفاة نوم ، ورافعك إلي في النوم ، عن الربيع ، قال : رفعه
نائما ، ويدل عليه قوله : " وهو الذي يتوفاكم بالليل ( 3 ) " أي ينيمكم ، إن النوم أخو
. . ( هامش صفحة 343 ) ( 1 ) مجمع البيان 3 : 135 137 .
( 2 ) في المصدر : توفيت منه .
( 3 ) الانعام : 60 .
[344]
الموت ، ( 1 ) وقوله : " الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ( 2 ) " .
وثالثها : إني متوفيك وفاة موت ، عن ابن عباس ووهب ، قالا : أماته الله ثلاث
ساعات .
وأما النحويون فيقولون : هو على التقديم والتأخير ، أي إني رافعك ومتوفيك ،
لان الواو لا توجب الترتيب بدلالة قوله : " فكيف كان عذابي ونذر ( 3 ) " والنذر قبل
العذاب ( 4 ) وهذا مروي عن الضحاك .
ويدل عليه ماروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : عيسى عليه السلام ( 5 ) لم يمت وإنه
راجع إليكم قبل يوم القيامة . وقد صح عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : كيف أنتم إذا نزل ابن
مريم فيكم وإمامكم منكم ؟ رواه البخاري ومسلم في الصحيحين ، ( 6 ) فعلى هذا يكون
تقديره : إني قابضك بالموت بعد نزولك من السماء .
وقوله : " ورافعك إلي " فيه قولان : أحدهما : أني رافعك إلى سمائي ( 7 )
والآخر أن معناه : رافعك إلى كرامتي ( 8 ) " ومطهرك من الذين كفروا " بإخراجك من
بينهم فإنهم أرجاس ، وقيل : تطهيره منعه من كفر يفعلونه بالقتل الذي كانوا هموا به
لان ذلك رجس طهره الله منه " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم
القيامة " بالظفر والنصرة ، أو بالحجة والبرهان قال ابن زيد : ولهذا لا ترى اليهود حيث
. . ( هامش صفحة 344 ) ( 1 ) في المصدر : لان النوم أخو الموت .
( 2 ) الزمر : 42 .
( 3 ) القمر : 16 .
( 4 ) في المصدر هنا زيادة وهي : بدلالة قوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " .
( 5 ) في المصدر : إن عيسى .
( 6 ) أورده البخاري في صحيحه بطريقه عن أبي هريرة في باب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام
ج 1 ص 94 ، ومسلم في صحيحه بطرقه عنه في ج 1 ص 94 .
( 7 ) في المصدر : وسمى رفعه إلى السماء رفعا إليه تفخيما لامر السماء يعني رافعك لموضع لا
يكون عليك إلا أمري .
( 8 ) في المصدر : كما قال حكاية عن إبراهيم عليه السلام : " اني ذاهب إلى ربي سيهدين "
أي إلى حيث أمرني ربي ، سمى ذهابه إلى الشام ذهابا إلى ربه .
[345]
كانوا إلا أذل من النصارى ، ولهذا أزال الله الملك عنهم وإن كان ثابتا في النصارى ، وقيل :
المعني به أمة محمد صلى الله عليه وآله ، وإنما سماهم تبعا وإن كانت لهم شريعة على حدة لانه وجد
فيهم التبعية صورة ومعنى ، أما الصورة فلانه يقال : فلان يتبع فلانا إذا جاء بعده ، و
أما المعنى فلان نبينا صلى الله عليه وآله كان مصدقا لعيسى وكتابه ، وعلى أن شريعة نبينا و
سائر الانبياء متحدة في أبواب التوحيد . ( 1 )
( باب 24 )
* ( ماحدث بعد رفعه وزمان الفترة بعده ونزوله من السماء ) *
* ( وقصص وصيه شمعون بن حمون الصفا ) *
الايات ، الزخرف " 43 " وإنه لعلم للساعة فلاتمترن بها 61 .
تفسير : المشهور بين المفسرين أن الضمير راجع إلى عيسى عليه السلام ، أي نزول عيسى
من أشراط ( 2 ) الساعة يعلم به قربها " فلا تمترن بها " أي بالساعة ، وقيل : الضمير
راجع إلى القرآن .
1 ك : بإسناده عن أبي رافع ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لما أراد الله أن يرفع
عيسى عليه السلام أوحى إليه : أن استودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا
خليفته على المؤمنين ، ففعل ذلك فلم يزل شمعون في قومه يقوم بأمر الله عزوجل ويهتدي
بجميع مقال عيسى عليه السلام في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفار ، ( 3 ) فمن أطاعه و
آمن بما جاء به كان مؤمنا ، ومن جحده وعصاه كان كافرا حتى استخلص ( 4 ) ربنا تبارك
وتعالى وبعث في عباده نبيا من الصالحين وهو يحيى بن زكريا عليه السلام فمضى شمعون وملك


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 345 سطر 19 إلى صفحه 353 سطر 18

. . ( هامش صفحة 345 ) ( 1 ) مجمع البيان ج 2 : 449 450 .
( 2 ) الاشراط جمع الشرط : العلامة .
( 3 ) في المصدر : وجاهد الكفار .
( 4 ) اي حتى اختار .
[346]
عند ذلك أردشير بن أشكاس ( 1 ) أربعة عشر سنة وعشرة أشهر ، وفي ثمان سنين من ملكه قتلت
اليهود يحيى بن زكريا عليه السلام ، فلما أراد الله أن يقبضه أوحى إليه أن يجعل الوصية في
ولد شمعون ويأمر الحواريين وأصحاب عيسى بالقيام معه ، ففعل ذلك . ( 2 ) إلى آخر ما
سيأتي في باب أحوال ملوك الارض .
2 ج : سأل نافع مولى ابن عمر أبا جعفر عليه السلام : كم بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله
من سنة ؟ قال عليه السلام : أجيبك بقولك أم بقولي ؟ قال : أجبني بالقولين ، قال : أما بقولي
فخمسمائة سنة ، وأما قولك فستمائة سنة . ( 3 )
فس : أبي عن ابن محبوب ، عن الثمالي ، عن أبي الربيع مثله . ( 4 )
3 ل : أحمد بن محمد بن الهيثم ، عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب ، عن ابن بهلول ، عن
أبي معاوية ، عن الاعمش ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : إن أمة
عيسى افترقت بعده على اثنتين وسبعين فرقة ، فرقة منها ناجية ، وإحدى وسبعون في النار
الخبر . ( 5 )
4 ل : بإسناده عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن بني إسرائيل تفرقت على
عيسى إحدى وسبعين فرقة ، فهلك سبعون فرقة ، ويتخلص فرقة . الخبر . ( 6 )
5 ك : كانت للمسيح عليه السلام غيبات يسيح فيها في الارض ، ولا يعرف قومه وشيعته
خبره ، ثم ظهر فأوصى إلى شمعون بن حمون عليه السلام فلما مضى شمعون غابت الحجج
. . ( هامش صفحة 346 ) ( 1 ) في المصدر : أردشير بن زاركا ( اسكان خ ل ) ولعله مصحف أردشير بابكان . نص على
ذلك المسعودي في اثبات الوصية .
( 2 ) كمال الدين : 130 .
( 3 ) احتجاج الطبرسي : 177 . وفيه وأما بقولك .
( 4 ) تفسير القمي : 217 و 218 . والحديث طويل تقدم بالفاظه في كتاب الاحتجاجات
راجع ج 10 ص 161 .
( 5 و 6 ) الخصال 2 : 141 .
[347]
بعده ( 1 ) فاشتد الطلب ، وعظمت البلوى ، ودرس الدين ، وأضيعت الحقوق ، وأميتت
الفروض والسنن ، وذهب الناس يمينا وشمالا لا يعرفون أيا من أي ، فكانت الغيبة مائتين
وخمسين سنة . ( 2 )
6 ك : ابن الوليد عن الصفار وسعد معا ، عن أيوب بن نوح ، عن ابن المغيرة ،
عن سعد بن أبي خلف ، عن معاوية بن عمار قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : بقي الناس بعد عيسى
ابن مريم عليه السلام خمسين سنة ومائتي سنة بلا حجة ظاهرة . ( 3 )
7 ك : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن أبي
خلف ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان بين عيسى عليه السلام وبين
محمد صلى الله عليه وآله خمسمائة عام ، منها مائتان وخمسون عاما ليس فيها نبي ولا عالم ظاهر ، قلت :
فما كانوا ؟ قال : كانوا مستمسكين ( 4 ) بدين عيسى ، قلت : فما كانوا ؟ قال : مؤمنين . ثم
. . ( هامش صفحة 347 ) ( 1 ) ذكر المسعودي أسماء الحجج والاوصياء ونبذة من أحوالهم في كتابه اثبات الوصية ،
فذكر أن الله أوحى إلى زكريا أن يسلم مواريث الانبياء ومافي يديه إلى عيسى عليه السلام ،
وقال : وروى في خبر آخر أن الله أوحى اليه أن يستودع النبوة ومواريث الانبياء وما في يديه
إلى نبي من بني اسرائيل يقال له اليسابغ ، ثم شرع في بيان أحواله إلى أن قال : فلما أراد الله أن
يقبض اليسابغ أوحى اليه أن يستودع النور والحكمة والاسم الاعظم ابنه روبيل وقام روبيل بن
اليسابغ عليه السلام بأمر الله عزوجل وتدبير ما استودعه ، وملك في أيامه دارا بن شهزادان
أربع عشرة سنة ، وبعد سنة من ملكه بنى مدينة وسماها داراجرد ( مصحف دارابجرد ) وملك
بعده الاسكندر اربع عشرة سنة ، وكان بنى بعد سنتين من ملكه مدينة باصبهان سماها جى ، وملك
بعد الاسكندر أشج بن أشجان مائتى سنة ، وفي احدى وخمسين سنة من ملكه بعث الله عزوجل
المسيح عيسى بن مريم عليه السلام . ثم ذكر جملة من احوال المسيح عليه السلام إلى أن قال : و
أوصى إلى شمعون وأمرهم بطاعته وسلم اليه الاسم الاعظم والتابوت ، وذكر بعد شمعون يحيى بن
زكريا عليه السلام ، ثم منذر بن شمعون ، ثم دانيال . ثم قال : وروى في خبر آخر أن العزير و
دانيال كانا قبل المسيح ويحيى بن زكريا عليهم السلام .
( 2 و 3 ) كمال الدين : 96 .
( 4 ) في المصدر : متمسكين .
[348]
قال عليه السلام : ولا تكون الارض إلا وفيها عالم . ( 1 )
8 ك : عن إسماعيل بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : كانت الفترة
بين عيسى عليه السلام وبين محمد صلى الله عليه وآله أربعمائة سنة وثمانين سنة . ( 2 )
أقول : تمامه بإسناده في باب أحوال الملوك ، والمعول على الاخبار الاولة ، و
يمكن تأويل هذا الخبر بأن يقال : لم يحسب بعض زمان الفترة من أولها لقرب العهد
بالدين .
9 شى : عن أبي الصهباء البكري ( 3 ) قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام و
دعا رأس الجالوت ( 4 ) وأسقف النصارى فقال : إني سائلكما عن أمر وأنا أعلم به منكما
فلاتكتما ، ثم دعا أسقف النصارى فقال : أنشدك بالله الذي أنزل الانجيل على عيسى
عليه السلام ، وجعل على رجله البركة ، وكان يبرئ الاكمه والابرص ، وأزال ألم العين ،
وأحيا الميت ، وصنع لكم من الطين طيورا ، وأنبأكم بما تأكلون وما تدخرون ، فقال :
دون هذا أصدق ؟ فقال علي عليه السلام : بكم افترقت بنو إسرائيل بعد عيسى ؟ فقال : لا والله
ولا فرقة واحدة ، فقال علي عليه السلام : كذبت والذي لا إله إلا هو ، لقد افترقت على اثنتين
وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة ، إن الله يقول : " منهم أمة مقتصدة وكثير
منهم ساء ماكانوا يعملون " فهذه التي تنجو . ( 5 )
10 فر : جعفر بن محمد الفزاري رفعه ( 6 ) إلى أبي جعفر عليه السلام قال : ياخيثمة ( 7 )
. . ( هامش صفحة 348 ) ( 1 ) كمال الدين : 96 . قوله : ولاتكون الارض اه أي لاتكون خاليا من عالم ظاهر أو مستور .
( 2 ) " " : 130 و 131 .
( 3 ) هو صهيب البكري البصري ، يقال : المدني مولى ابن عباس ، روى عن مولاه ابن عباس و
علي بن ابي طالب عليه السلام وابن مسعود .
( 4 ) في البرهان : دعا رأس الجالوت .
( 5 ) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجه البحراني ايضا في البرهان 1 : 487 .
( 6 ) في المصدر : جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن أبي جعفر عليه السلام .
( 7 ) بضم الخاء وسكون الياء وفتح الثاء .
[349]
سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله ما هو والتوحيد حتى يكون خروج الدجال ،
وحتى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام من السماء ، ويقتل الله الدجال على يديه ، ويصلي بهم
رجل منا أهل البيت ، ألا ترى أن عيسى عليه السلام يصلي خلفنا وهو نبي إلا ونحن أفضل
منه . ( 1 )
11 ل : ماجيلويه ، عن عمه ، عن أحمد بن هلال ، عن الفضل بن دكين ، عن معمر
ابن راشد ، ( 2 ) عن النبي صلى الله عليه وآله قال : من ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم
لنصرته فقدمه وصلى خلفه . ( 3 )
12 عم : حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي سعيد عقيصا ، عن الحسن
ابن علي صلوات الله عليه أنه قال : مامنا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم
الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه . ( 4 )
أقول : الاخبار الدالة على أن عيسى عليه السلام ينزل ويصلي خلف القائم عجل الله
فرجه كثيرة ، وقد أوردتها الخاصة والعامة بطرق مختلفة ، وسيأتي بعضها في كتاب
الغيبة .
13 فس : أبي ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن أبي حمزة ،
عن شهر بن حوشب ( 5 ) قال : قال لي الحجاج : يا شهر آية في كتاب الله قد أعيتني
فقلت : أيها الامير أية آية هي ؟ فقال : قوله : " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به
قبل موته " والله إني لآمر باليهودي والنصراني فتضرب عنقه ( 6 ) ثم أرمقه بعيني فما أراه
. . ( هامش صفحة 349 ) ( 1 ) تفسير فرات : 44 ، وللحديث صدر تركه المصنف .
( 2 ) في الاسناد وهم ظاهر لان معمر بن راشد وهو الازدي مولاهم أبوعروة البصري
نزيل اليمن مات سنة 154 ، وهو ابن 58 سنة ، فهو لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله ،
والوهم حصل من تقطيع الحديث ، لان الموجود في الامالي : معمر بن راشد قال : سمعت أبا عبدالله
الصادق عليه السلام يقول : أتى يهودي النبي صلى الله عليه وآله ، ثم ذكر حديثا طويلا إلى
أن قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : ومن ذريتي المهدي .
( 3 ) لم نجد الحديث في الخصال ولكنه موجود في الامالي : 131 فالظاهران ( ل ) مصحف ( لى ) .
( 4 ) اعلام الورى : 244 . ( 5 ) بفتح المهملة والشين .
( 6 ) في نسخة : والله إني لامر باليهودي والنصراني فأضرب عنقه اه .
[350]
يحرك شفتيه حتى يخمد ، ( 1 ) فقلت : أصلح الله الامير ليس على ما تأولت ، قال : كيف
هو ؟ قلت : إن عيسى عليه السلام ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي
ولا نصراني ( 2 ) إلا آمن به قبل موته ، ويصلي خلف المهدي ، قال : ويحك أنى لك هذا
ومن أين جئت به ؟ فقلت : حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ،
فقال : جئت والله بها من عين صافية . ( 3 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : اختلف فيه على أقوال : أحدها أن كلا الضميرين
يعودان إلى المسيح ، أي ليس يبقى أحد من أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلا ويؤمنن
بالمسيح قبل موت المسيح إذا أنزله الله إلى الارض وقت خروج المهدي في آخر الزمان
لقتل الدجال ، فتصير الملل كلها ملة واحدة ، وهي ملة الاسلام الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام
عن ابن عباس وأبي مالك والحسن وقتادة وابن زيد ، وذلك حين لاينفعهم الايمان ، واختاره
الطبري ، قال : والآية خاصة لمن يكون منهم في ذلك الزمان ، ثم ذكر رواية علي بن
إبراهيم وقال : وذكر أبوالقاسم البلخي مثل ذلك ، وضعف الزجاج هذا الوجه ،
قال : إن الذين يبقون إلى زمن عيسى عليه السلام من أهل الكتاب قليل ، والآية تقتضي عموم
إيمان أهل الكتاب إلا أن تحمل على أن جميعهم يقولون : إن عيسى الذي ينزل في آخر
الزمان نحن نؤمن به .
وثانيها : أن الضمير في " به " يعود إلى المسيح ، والضمير في " موته " إلى الكتابي ،
ومعناه : لايكون أحد من أهل الكتاب يخرج من الدنيا إلا ويؤمن بعيسى عليه السلام قبل موته
إذا زا تكليفه وتحقق الموت ولكن لاينفعه الايمان .
وثالثها : أن يكون المعنى : ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وآله قبل موت الكتابي ، عن عكرمة
ورواه أيضا أصحابنا . انتهى . ( 4 )
أقول : يمكن أن يكون الوجه الاول مبنيا على الرجعة فلا يكون مختصا بأهل
الكتاب الموجودين في ذلك الزمان .
. . ( هامش صفحة 350 ) ( 1 ) في المصدر : حتى يحمل .
( 2 ) في نسخة : يهودي ولا غيره .
( 3 ) تفسير القمي : 146 .
( 4 ) مجمع البيان 3 : 137 و 138 .
[351]
( باب 25 )
* ( قصص أرميا ودانيال وعزير وبخت نصر ( 1 ) *
الايات ، البقرة " 2 " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي
هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال
بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك
آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن
الله على كل شئ قدير 259 .
الاسراء " 17 " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين و
. . ( هامش صفحة 351 ) ( 1 ) في العرائس : ان أرمياهوابن خلفياء ، وكان من سبط هارون بن عمران وسمى خضرا لانه
جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تزهر خضراء وفي قاموس الانجيل أنه ابن حلقيا ، وكان
في سنة 600 قبل المسيح عليه السلام تقريبا . وفي الكامل انه ابن حزقيا . وأما دانيال فكان من
ذرية داود عليه السلام ، واسر في سنة 606 قبل ميلاد المسيح وجئ به إلى بابل على مافي
قاموس الانجيل ، وكان بخت نصر رأى رؤيا هائلة فقصها على دانيال فعبرها فصار بذلك معززا
مكرما عند بخت نصر ، وكان مقيما عنده إلى أن فتح الفرس بابل ، فصار عند كورش ملك الفرس
فولاه القضاء وجعل اليه جميع أمره ، ومات بالسوس من اعمال خوزستان . ذكر البغدادي في
كتابه المحبر نسب دانيال فقال : هو دانيال بن يخننا بن حزقيا ، وهو يوناخين بن صدقيا الملك ابن
اهياقيم بن أوشيا بن أمين بن حزقيا بن ( أحاذين ) ؟ بن ياثم بن عزريا بن أمصيا بن مهياس بن أخزيا
ابن ربهيا بن رام بن ياهوشا بن أسا بن أبيا بن راحبعم بن سليمان بن داود عليهما السلام ، وذكرهم
الطبري واليعقوبي مع اختلافات . وأما عزير فكان معاصرا لدانيال ، وسيأتي قصصه . واما
بخت نصر قال الفيروزآبادي : بخت أصله بوخت ومعناه ابن : ونصر كبقم : صنم انتهى ، وهو
الذي يقال له : بنوكد نصر ، وفي قاموس الانجيل : انه مات في 561 قبل المسيح عليه السلام ،
ونسبه على مافي الطبري : بخت نصر بن نبوزرادان بن سنحاريب صاحب الموصل وناحيتها
ابن داريوش بن عييرى بن تيرى بن رويا بن رابيا بن سلامون بن داود بن طامى بن هامل بن هرمان بن
فودى بن همول بن درمى بن قمائل بن صامان بن رغما بن نمروز بن كوش بن حام بن نوح عليه السلام .
[352]
لتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد
فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم ( وأمددناكم ) ؟ بأموال
وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لانفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء
وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا
تتبيرا 4 7 .
تفسير : قال البيضاوي : " وقضينا " أي أوحينا إليهم قضاء مقضيا ( 1 ) في التوراة " مرتين "
إفسادتين : أولاهما مخالفة أحكام التوراة وقتل شعياء وقتل ارميا ، وثانيتهما قتل زكريا
ويحيى وقصد قتل عيسى عليه السلام " وعد أولهما " أي وعد ( 2 ) عقاب أولاهما " عبادا لنا " بخت
نصر ( 3 ) عامل لهراسف إلى بابل ( 4 ) وجنوده ، وقيل : جالوت ، وقيل : سخاريب ( 5 )
من أهل نينوى " فجاسوا " ترددوا لطلبكم " خلال الديار " وسطها للقتل والغارة " الكرة "
أي الدولة والغلبة " عليهم " على الذين بعثوا عليكم وذلك بأن ألقى الله في قلب بهمن بن
إسفنديار لما ورث الملك من جده كشتاسف بن لهراسف شفقة عليهم فرد أسراءهم إلى
الشام ، وملك دانيال عليهم ، فاستولوا على من كان فيها من أتباع بخت نصر ، أو بأن سلط
داود على جالوت فقتله . والنفير من ينفر مع الرجل من قومه " فإذا جاء وعد الآخرة "
وعد عقوبة المرة الآخرة " ليسوءوا وجوهكم " أي بعثناهم ليسوءوا وجوهكم ليجعلوها بادية
آثار المساءة فيها " وليتبروا " ليهلكوا " ماعلوا " ماغلبوه واستولوا عليه أو مدة علوهم ،
وذلك بأن سلط الله عليهم الفرس مرة أخرى ، فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه
. . ( هامش صفحة 352 ) ( 1 ) في المصدر : وحيا مقضيا مبتوتا .
( 2 ) في المصدر : وعيد .
( 3 ) قال الطبرسي في مجمع البيان : سلط الله عليهم سابورذا الاكتاف ملكا من ملوك فارس في
قتل زكريا ، وسلط عليهم في قتل يحيى بخت نصر . قلت : يقال : ان الذي سلطه الله عليهم هو
كورش .
( 4 ) في المصدر : على بابل .
( 5 ) " " وفي العرائس : سنجاريب ، وفي مجمع البيان والكامل والطبري : سنحاريب .
وفي قاموس الانجيل : سنخاريب .
[353]
جوذر ، ( 1 ) وقيل : خردوس ، قيل : دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما
يغلي فسألهم عنه فقالوا : دم قربان لم يقبل منا ، فقال : ماصدقوني ، فقتل عليه ألوفا منهم
فلم يهدأ الدم ، ثم قال : إن لم تصدقوني ماتركت منكم أحدا ، فقالوا : إنه دم يحيى ،
فقال : لمثل هذا ينتقم منكم ربكم ، ثم قال : يايحيى قد علم ربي وربك ما أصاب قومك
من أجلك فاهدأ بإذن الله قبل أن لا أبقي منكم أحدا ، فسكن . ( 2 )
وقال الطبرسي رحمه الله : اختلف المفسرون في الكرتين ، قالوا : لما عتا بنو إسرائيل
في المرة الاولى سلط الله عليهم ملك فارس ، وقيل : بخت نصر ، وقيل : ملكا من ملوك
بابل ، فخرج إليهم وحاصرهم وفتح بيت المقدس ، وقيل : إن بخت نصر ملك بابل بعد
سخاريب ( 3 ) وكان من جيش نمرود ، وكان لزنية لا أب له ، فظهر على بيت المقدس وخرب
المسجد ، وأحرقت التوراة ، وألقى الجيف في المسجد ، وقتل على دم يحيى عليه السلام سبعين ألفا
وسبى ذراريهم ، وأغار عليهم ، وأخرج أموالهم ، وسبى سبعين ألفا وذهب بهم إلى بابل ،
وبقوا في مدة مائة سنة تستعبدهم المجوس وأولادهم ، ثم تفضل الله عليهم بالرحمة وأمر
ملكا من ملوك فارس عارفا بالله سبحانه فردهم إلى بيت المقدس ، فأقامهم به ( 4 ) مائة سنة
على الطريقة المستقيمة والطاعة ، ثم عادوا إلى الفساد والمعاصي ، فجاءهم ملك من ملوك
الروم اسمه انطياخيوس ( 5 ) فخرب بيت المقدس وسبى أهله ، وقيل : غزاهم ملك الرومية
وسباهم ، عن حذيفة ، وقال محمد بن إسحاق : كانت بنو إسرائيل يعصون الله تعالى وفيهم
الاحداث ، والله يتجاوز عنهم ، وكان أول مانزل بهم بسبب ذنوبهم أن الله بعث إليهم شعيا
قبل مبعث زكريا ، ( 6 ) وكان لبني إسرائيل ملك كان شعيا يرشده ويسدده ، فمرض الملك وجاء


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 353 سطر 19 إلى صفحه 361 سطر 18

. . ( هامش صفحة 353 ) ( 1 ) في المصدر : جؤذرذ .
( 2 ) انوار التنزيل 1 : 689 و 690 . وفيه " فهدأ " مكان " فسكن " .
( 3 ) في المصدر : سنحاريب وكذا فيما بعده .
( 4 ) في المصدر : فأقاموا به .
( 5 ) في المصدر : انطياخوس .
( 6 ) في المصدر هنا زيادة ، هي : وشعيا هو الذي بشر بعيسى عليه السلام وبمحمد صلى الله
عليه وآله وسلم .
[354]
سخاريب إلى باب بيت المقدس بستمائة ألف راية ، فدعا الله شعيا فبرئ الملك ومات جمع
سخاريب ولم ينج منهم إلا خمسة نفر ، منهم سخاريب ، فهرب وأرسلوا خلفه من أخذه
ثم أمر الله بإطلاقه ليخبر قومه بما نزل بهم فأطلقوه وملك سخاريب بعد ذلك سبع
سنين ، ( 1 ) واستخلف بخت نصر ابن ابنه فلبث سبع عشرة سنة ، وهلك ملك بني إسرائيل
ومرج أمرهم وتنافسوا في الملك ، وقتل بعضهم بعضا ، فقام شعيا فيهم خطيبا فوعظهم فهموا
بقتله فهرب ودخل شجرة فقطعوا الشجرة بالمنشار ، فبعث الله إليهم أرميا من سبط هارون
ثم خرج من بينهم لما رأى من أمرهم ، ودخل بخت نصر وجنوده بيت المقدس وفعل مافعل
ثم رجع إلى بابل بسبا يابني إسرائيل ، فكانت هذه الدفعة الاولى ، وقيل أيضا : إن سبب ذلك
كان قتل يحيى بن زكريا عليه السلام وإنه دم يحيى لم يزل يغلي حتى قتل بخت نصر منهم
سبعين ألفا أو اثنين وسبعين ألفا ، ثم سكن الدم ، وذكر الجميع أن يحيى بن زكريا عليه السلام
هو المقتول في الفساد الثاني ، قال مقاتل : وكان بين الفساد الثاني والاول مائتا سنة وعشر
سنين ، وقيل : إنما غزا بني إسرائيل في المرة الاولى بخت نصر ، والمرة الثانية ملوك
فارس والروم ، وذلك حين قتلوا يحيى عليه السلام فقتلوا منهم مائة ألف وثمانين ألفا ، وخرب
بيت المقدس ، فلم يزل بعد ذلك خرابا حتى بناه عمر بن الخطاب ، فلم يدخله بعد ذلك
رومي إلا خائفا ، وقيل : إنما غزاهم في المرة الاولى جالوت ، وفي الثانية بخت نصر .
انتهى . ( 2 )
وقال صاحب الكامل : ما روي من أن بخت نصر هو الذي خرب بيت المقدس و
قتل بني إسرائيل عند قتلهم يحيى بن زكريا عليه السلام باطل عند أهل السير والتواريخ
وأهل العلم بأمور الماضين ، وذلك بأنهم مجمعون على أن بخت نصر غزا بني إسرائيل
عند قتل نبيهم شعيا في عهد أرميا ، وبين عهد أرميا وقتل يحيى ( 3 ) أربعمائة سنة وإحدى و
. . ( هامش صفحة 354 ) ( 1 ) في المصدر : وهلك سنحاريب بعد ذلك بسبع سنين .
( 2 ) مجمع البيان 6 : 339 و 400 .
( 3 ) وهو عليه السلام قتل بعد ميلاد المسيح عليه السلام بثلاثين سنة تقريبا .
[355]
ستون سنة عند اليهود والنصارى ، ويذكرون أن ذلك في كتبهم وأسفارهم ، ويوافقهم
المجوس في مدة غز وبخت نصر بني إسرائيل إلى موت الاسكندر ، ويخالفهم في مدة
مابين موت الاسكندر ومولد يحيى فيزعمون أن مدة ذلك إحدى وخمسون سنة .
انتهى . ( 1 )
أقول : ستعرف أن أخبارنا أيضا مختلفة في ذلك ، لانه يظهر من خبر ابن عمارة
وخبر ملاقاة داود دانيال وغيرهما كون بخت نصر متصلا بزمان سليمان عليه السلام ، ويظهر
من خبر هارون بن خارجة وأبي بصير وغيرهما كون خروج بخت نصر بعد قتل يحيى عليه السلام
ولايبعد كون بخت نصر معمرا ( 2 ) وكذا دانيال فيكونا قد أدركا الوقتين معا ، ويمكن أن يكون
إحداهما محمولة على التقية ، والاخبار الدالة على كون خروجه بعد قتل يحيى عليه السلام
أقوى سندا وقد سبق بعضها في قصة يحيى والله يعلم .
. . ( هامش صفحة 355 ) ( 1 ) الكامل 1 : 104 . قلت : ذكر ذلك أيضا الثعلبي في العرائس ثم قال : وإنما الصحيح
في ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق بن يسار قال : عمرت بنو اسرائيل بيت المقدس بعد ما عمرت
الشام : وعاد اليها ملكها بعد خراب بخت نصر اياها وسبيهم منها ، فجعلوا يحدثون الاحداث بعد
مهلك عزير عليه السلام ، فبعث الله فيهم الانبياء ، ففريقا يكذبون وفريقا يقتلون ، حتى كان آخر
من بعث إليهم من انبيائهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وكانوا من آل داود عليه السلام ،
فمات زكريا وقتل يحيى فلما رفع عيسى من بين ظهورهم وقتلوا يحيى عليه السلام بعث الله عليهم
ملكا من ملوك بابل يقال له كردوس ، فسار إليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم الشام ، فلما دخل
عليهم أمر رئيسا من رؤوس جنوده يقال له بنوا رازادان صاحب القتل ، فقال له : إني حلفت بالههم
لئن ظهرت وظفرت على أهل بيت المقدس لاقتلنهم حتى تسيل دماؤهم في وسط عسكري ، فامره
أن يقتلهم ، ثم ان بنوارازادان دخل بيت المقدس فاقام في البقعة التي كانوا يقربون فيها قربانهم
فوجد فيها دما يغلي ، فسألهم عنه فقالوا : هذا دم قربان قربناه فلم يقبل منا ، فقال : ماصدقتموني . الخبر اه
ثم ذكر نحو ما تقدم في قصة بخت نصر . ويظهر من المسعودي في اثبات الوصية أن الذي قتل
الناس لقتلهم يحيى عليه السلام هو بخت نصر بن ملت نصر بن بخت نصر الاكبر ، وبذلك يرتفع
الاشكال بحذافيره .
( 2 ) وربما يؤيد ذلك ما ذكره الثعلبي في العرائس من أن عمر بخت نصر كان أيام مسخه نيفا
وخمسمائة عام وخمسين يوما ، فتامل .
[356]
1 فس : أبي ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي ( 1 ) وعتوا عن أمر ربهم أراد الله
أن يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم ، فأوحى الله إلى أرميا ياأرميا مابلد انتخبته من بين البلدان
وغرست فيه من كرائم الشجر فأخلف فأنبت خرنوبا ؟ فأخبر أرميا أحبار بني إسرائيل
فقالوا له : راجع ربك ليخبرنا مامعنى هذا المثل ، فصام أرميا سبعا فأوحى الله إليه : ياأرميا
أما البلد فبيت المقدس ، وأما ما أنبت فيه فبنو إسرائيل الذين أسكنتهم فيها ، فعملوا
بالمعاصي ، وغيروا ديني ، وبدلوا نعمتي كفرا ، فبي حلفت لامتحننهم بفتنة يظل الحكيم
فيها حيران ، ( 2 ) ولاسلطن عليهم شر عبادي ولادة وشرهم طعاما ، فليتسلطن عليهم
بالجبرية فيقتل مقاتليهم ، ويسبي حريمهم ، ويخرب بيتهم الذي يعتزون به ، ويلقي
حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مائة سنة ، فأخبر أرميا أحبار بني إسرائيل
فقالوا له : راجع ربك فقل له : ماذنب الفقراء والمساكين والضعفاء ؟ فصام أرميا سبعا ثم
أكل أكلة فلم يوح إليه شئ ، ثم صام سبعا وأكل أكلة ولم يوح إليه شئ ، ثم صام
سبعا فأوحى الله إليه : يا أرميا لتكفن عن هذا أو لاردن وجهك إلى قفاك ، قال : ثم
أوحى الله إليه : قل لهم : لانكم رأيتم المنكر فلم تنكروه ، فقال أرميا : رب أعلمني من
هو حتى آتيه وآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أمانا ، قال : ايت موضع كذا وكذا ، فانظر
إلى غلام أشدهم زمانة ، وأخبثهم ولادة ، وأضعفهم جسما ، وأشرهم غذاء فهو ذاك ، فأتى
أرميا ذلك البلد فإذا هو بغلام في خان زمن ملقى على مزبلة وسط الخان ، وإذا له أم
تزبي ( 3 ) بالكسر ، وتفت الكسر في القصعة ، وتحلب عليه خنزيرة لها ، ثم تدنيه من
ذلك الغلام فيأكله ، فقال أرميا : إن كان في الدنيا الذي وصفه الله فهو هذا ، فدنا منه فقال
له : مااسمك ؟ فقال : بخت نصر ، فعرف أنه هو ، فعالجه حتى برئ ، ثم قال له : أتعرفني
. . ( هامش صفحة 356 ) ( 1 ) في المصدر : المعاصي .
( 2 ) " " : يظل فيها الحكيم حيرانا .
( 3 ) في المصدر وفي نسخة " تربي " وهو مصحف وصحيحه بالزاي المعجمة يقال : زبى اللحم
اي نثره في الزبية ، والزبية : حفيرة يشتوى فيها ويخبز .
[357]
قال : لا ، أنت رجل صالح ، قال : أنا أرميا نبي بني إسرائيل ، أخبرني الله أنه سيسلطك على
بني إسرائيل فتقتل رجالهم ، وتفعل بهم كذا وكذا ( 1 ) قال : فتاه في نفسه ( 2 ) في ذلك
الوقت .
ثم قال أرميا : اكتب لي كتابا بأمان منك ، فكتب له كتابا ، وكان يخرج في
الجبل ويحتطب ويدخله المدينة ويبيعه ، فدعا إلى حرب بني إسرائيل ( 3 ) وكان مسكنهم
في بيت المقدس ، وأقبل بخت نصر فيمن أجابه نحو بيت المقدس ، وقد اجتمع إليه بشر كثير ،
فلما بلغ أرميا إقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الامان الذي كتبه له
بخت نصر ، فلم يصل إليه أرميا من كثرة جنوده وأصحابه ، فصير الامان على قصبة أو
خشبة ورفعها ، فقال : من أنت ؟ فقال : أنا أرميا النبي الذي بشرتك بأنك سيسلطك الله
على بني إسرائيل ( 4 ) وهذا أمانك لي ، قال : أما أنت فقد آمنتك ، وأما أهل بيتك فإني
أرمي من ههنا إلى بيت المقدس فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي ،
وإن لم تصل فهم آمنون ، وانتزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة
حتى علقتها في بيت المقدس ، فقال : لاأمان لهم عندي ، فلما وافى نظر إلى جبل من تراب
وسط المدينة وإذا دم يغلي وسطه ، كلما ألقي عليه التراب خرج وهو يغلي ، فقال :
ماهذا ؟ فقالوا : هذا نبي كان لله فقتله ملوك بني إسرائيل ودمه يغلي ، وكلما ألقينا
عليه التراب خرج يغلي ، فقال بخت نصر : لاقتلن بني إسرائيل أبدا حتى يسكن هذا
الدم ، وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا عليه السلام ، وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء
بني إسرائيل ، وكان يمر بيحيى بن زكريا عليه السلام فقال له يحيى : اتق الله أيها الملك
لا يحل لك هذا ، فقالت له مرأة ( 5 ) من اللواتي كان يزني بهن حين سكر : أيها الملك
اقتل يحيى ، فأمر أن يؤتى برأسه فأتوا برأس يحيى عليه السلام في الطست ، وكان الرأس يكلمه
. . ( هامش صفحة 357 ) ( 1 ) في نسخة : وتفعل بهم وتفعل كذا وكذا . وفي المصدر : وتفعل بهم ما تفعل قال اه .
( 2 ) " " : وتاه الغلام في نفسه .
( 3 ) في المصدر : فدعا إلى حرب بني إسرائيل فأجابوه .
( 4 ) في نسخة : بشرتك بانك متسلط على بني اسرائيل .
( 5 ) في نسخة : فقالت له المرأة اه .
[358]
ويقول له : ياهذا اتق الله لايحل لك هذا ، ثم غلى الدم في الطست حتى فاض إلى الارض
فخرج يغلي ولا يسكن ، وكان بين قتل يحيى وخروج بخت نصر مائة سنة ، ولم يزل
بخت نصر يقتلهم ، وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان
والدم يغلي حتى أفنى من ثم ، ( 1 ) فقال : بقي أحد في هذه البلاد ؟ قالوا : عجوز في
موضع كذا وكذا ، فبعث إليها فضرب عنقها على الدم فسكن ، وكانت آخر من بقي .
ثم أتى بابل فبنى بها مدينة وأقام وحفر بئرا فألقى فيها دانيال وألقى معه اللبوة ،
فجعلت اللبوة تأكل طين البئر ويشرب دانيال لبنها ، فلبث بذلك زمانا ، فأوحى الله إلى
النبي الذي كان ببيت المقدس أن اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني
السلام ، قال : وأين دانيال يارب ؟ ( 2 ) فقال : في بئر بابل ( 3 ) في موضع كذا وكذا . قال :
فأتاه فأطلع في البئر فقال : يادانيال ، قال : لبيك صوت غريب ، قال : إن ربك يقرؤك
السلام وقد بعث إليك بالطعام والشراب ، فدلاه إليه ، ( 4 ) قال : فقال دانيال : الحمد لله
الذي لاينسى من ذكره ، الحمد لله الذي لايخيب من دعاه ، الحمد لله الذي من توكل عليه
كفاه ، الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره ، الحمد لله الذي يجزي بالاحسان
إحسانا ، الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة ، الحمد لله الذي يكشف ضرنا عند كربتنا
والحمد لله الذي هو ثقتنا حين ينقطع الحيل منا ، ( 5 ) والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين
ساء ظننا بأعمالنا .
قال : فأري بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد ، ورجليه من نحاس ، وصدره
من ذهب ، قال : فدعا المنجمين فقال لهم : مارأيت ؟ فقالوا : ماندري ولكن قص علينا ما
. . ( هامش صفحة 358 ) ( 1 ) في نسخة وفي المصدر : حتى أفناهم من ثم .
( 2 ) " " : وأين هو يارب .
( 3 ) في المصدر : في بئر ببابل .
( 4 ) دلا الدلو : أرسلها في البئر . دلاه بالحبل من السطح : أرسله فتدلى .
( 5 ) في المصدر : حين تنقطع الحيل منا .
[359]
رأيت في المنام ، فقال : وأنا أجري عليكم الارزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون مارأيت في
المنام ؟ فأمر بهم فقتلوا ، قال : فقال له بعض من كان عنده : إن كان عند أحد شئ فعند
صاحب الجب ، فإن اللبوة لم تتعرض له ، وهي تأكل الطين وترضعه ، فبعث إلى دانيال
فقال : مارأيت في المنام ؟ فقال : رأيت كأن رأسك من حديد ، ورجليك من نحاس ، و
صدرك من ذهب ( 1 ) قال : هكذا رأيت فماذاك ؟ قال : قد ذهب ملكك وأنت مقتول إلى
ثلاثة أيام يقتلك رجل من ولد فارس ، قال : فقال له : إن علي لسبع مدائن ، على باب
كل مدينة حرس ، وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة من نحاس على باب كل مدينة
لايدخل غريب إلا صاحت عليه حتى يؤخذ ، قال : فقال له : إن الامر كما قلت لك ، قال :
فبث الخيل وقال : لاتلقون أحدا من الخلق إلا قتلتموه كائنا من كان ، وكان دانيال جالسا
عنده ، وقال : لاتفارقني هذه الثلاثة الايام ، فإن مضت قتلتك ، ( 2 ) فلما كان في اليوم
الثالث ممسيا أخذه الغم فخرج فتلقاه غلام كان اتخذه ابنا له من أهل فارس ( 3 ) وهو
لايعلم أنه من أهل فارس فدفع إليه سيفه وقال له : ياغلام لا تلقى أحدا من الخلق إلا
وقتلته وإن لقيتني أنا فاقتلني ، فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله .
فخرج أرميا على حماره ومعه تين ( 4 ) قد تزوده وشئ من عصير ، فنظر إلى سباع البر و
سباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف ( 5 ) ففكر في نفسه ساعة ثم قال : " أنى يحيي
هذه الله بعد موتها وقد أكلتهم السباع ؟ ( 6 ) فأماته الله مكانه وهو قول الله تبارك وتعالى : " أو
. . ( هامش صفحة 359 ) ( 1 ) في نسخة : رأيت كان رأسك من كذا ، ورجليك من كذا ، وصدرك من كذا .
( 2 ) في المصدر : فان مضت هذه الثلاثة الايام وأنا سالم قتلتك .
( 3 ) في نسخة : كان اتخذه ابنا يخدمه من أهل فارس ، وفي اخرى كان اتخذه ولدا وكان
من أهل فارس . وفي المصدر : كان يخدم ابنا له من أهل فارس .
( 4 ) في المصدر : ومعه قين . القين : العبد . والمعنى : كان معه عبد حمله ليستعين به . والظاهر
أنه مصحف والصحيح مافي المتن .
( 5 ) في المصدر : تأكل الجيف .
( 6 ) في نسخة : أنى يحيي الله هؤلاء وقد أكلتهم السباع .
[360]
كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله
مائة عام ثم بعثه " أي أحياه ، فما رحم الله بني إسرائيل وأهلك بخت نصر رد بني إسرائيل
إلى الدنيا وكان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل هرب ودخل في عين وغاب
فيها وبقي أرميا ميتا مائة سنة ، ثم أحياه الله فأول ما أحيا منه عينيه ( 1 ) في مثل غرقئ
البيض ، فنظر فأوحى الله تعالى إليه : " كم لبثت قال لبثت يوما " ثم نظر إلى الشمس وقد
ارتفعت فقال : " أو بعض يوم " فقال الله تبارك وتعالى : " بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك
وشرابك لم يتسنه " أي لم يتغير " وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى
العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما " فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع
إليه ، وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من ههنا وههنا ويلتزق بها
حتى قام وقام حماره فقال : " أعلم أن الله على كل شئ قدير " ( 2 )
بيان : قوله : ( فأخلف ) أي فسد ، من قولهم : أخلف الطعام : إذا تغير طعمه و
رائحته ، وأخلف فلان أي فسد ، أو لم يأت بما هو عادته ، من قولهم : أخلف الوعد ، أو
من قولهم : أخلفت النجوم : أمحلت فلم يكن فيها مطر ، ويحتمل أن يكون المراد تغير
أهل القرية وفسادهم . والكسر : كعنب جمع الكسرة أي الخبز المتكسر اليابس . قوله :
( فتاه ) أي تكبر أو تحير . والنشاب : النبل . واللبوة : الانثى من الاسد .
قوله : ( وكان عزير ) هذا إنكار لما ذكره الاكثر من أن القائل كان عزيرا . و
الغرقئ كزبرج : القشرة الملتزقة ببياض البيض ، أو البياض الذي يؤكل .
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " أو كالذي مر على قرية " : وهو عزير ، عن
قتادة وعكرمة والسدي وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام ، وقيل : هو أرميا ، عن وهب ، وهو
المروي عن أبي جعفر عليه السلام ، ( 3 ) وقيل : هو الخضر ( 4 ) عن ابن إسحاق ، والقرية التي
. . ( هامش صفحة 360 ) ( 1 ) في المصدر : عيناه ، وهو الصحيح .
( 2 ) تفسير القمي : 77 80 .
( 3 ) وعن أبي عبدالله عليه السلام كما سيأتي في الاخبار .
( 4 ) ذكر الثعلبي أن أرميا هو الخضر .
[361]
مر عليها هي بيت المقدس لما خربه بخت نصر ، عن وهب وقتادة والربيع وعكرمة ، وقيل
هي الارض المقدسة ، عن الضحاك ، وقيل : هي القرية التي خرج منها الالوف حذر الموت
عن أبي زيد " وهي خاوية على عروشها " أي خالية ، وقيل : خراب ، وقيل : ساقطة على
أبنيتها وسقوفها ، كأن السقوف سقطت ووقع البنيان عليها " قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها "
أي كيف يعمر الله هذه القرية بعد خرابها ؟ وقيل : كيف يحيي الله أهلها بعدما ماتوا ؟
ولم يقل ذلك إنكارا ولا تعجبا ولا ارتيابا ، ولكنه أحب أن يريه الله إحياءها مشاهدة
ليحصل له العلم به ضرورة " فأماته الله مائة عام ثم بعثه " أحياه " قال كم لبثت " في التفسير
أنه سمع نداء من السماء : كم لبثت ؟ يعني في منامك ، وقيل : إن القائل له نبي ، وقيل :
ملك ، وقيل : بعض المعمرين ممن شاهده عند موته وإحيائه " قال لبثت يوما أو بعض يوم "
لان الله تعالى أماته في أول النهار وأحياه بعد مائة سنة في آخر النهار ، فقال : " يوما " ثم
التفت فرأى بقية من الشمس فقال : " أو بعض يوم " ثم قال : " بل لبثت مائة عام " معناه
بل لبثت في مكانك مائة سنة " فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه " أي لم تغيره السنون
وإنما قال : " لم يتسنه " على الواحد لانه أراد جنس الطعام والشراب ، وقيل : أراد به
الشراب ، لانه أقرب المذكورين إليه ، وقيل : أراد عصيرا وتينا وعنبا ، وهذه الثلاثة
أسرع الاشياء تغيرا وفسادا ، فوجد العصير حلوا ، والتين والعنب كما جنيا لم يتغيرا
" وانظر إلى حمارك " كيف تفرقت أجزاؤه ، وتبددت عظامه ، ثم انظر كيف يحييه الله ،
وإنما قال ذلك ليستدل بذلك على طول مماته " ولنجعلك آية للناس " فعلنا ذلك ، وقيل
معناه : فعلنا ذلك إجابة لك إلى ماأردت " ولنجعلك آية للناس " أي حجة للناس في البعث


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 361 سطر 19 إلى صفحه 369 سطر 18

" وانظر إلى العظام كيف ننشرها ( 1 ) " كيف نحييها ، وبالزاي كيف نرفعها من الارض فنردها
إلى أماكنها من الجسد ، ونركب بعضها على بعض " ثم نكسوها " أي نلبسها " لحما " و
اختلف فيه فقيل : أراد عظام حماره ، وقيل : أراد عظامه ، قالوا : أول ماأحيا الله منه عينه ، وهو
في مثل غرقئ البيض ، فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفرقة تجتمع إليه ، وإلى اللحم
. . ( هامش صفحة 361 ) ( 1 ) بالراء قراءة أهل الحجاز والبصرة ، وبالزاي قراءة أهل الكوفة والشام .
[362]
الذي قد أكلته السباع تأتلف إلى العظام من ههنا ومن ههنا ، وتلتزق بها ( 1 ) حتى قام وقام
حماره " فلما تبين له " يعني ظهر وعلم ، وقيل : إنه رجع وقد أحرق بخت نصر التوراة
فأملاها من ظهر قلبه ، فقال رجل منهم : حدثني أبي عن جدي أنه دفن التوراة في كرم
فإن أريتموني كرم جدي أخرجتها لكم ، فأروه فأخرجها فعارضوا ذلك بما أملى فما
اختلفا في حرف ، فقالوا : فما جعل الله التوراة في قلبه إلا وهو ابنه ، فقالوا : " عزير ابن
الله " فقال : ( 2 ) " أعلم أن الله على كل شئ قدير " أي لم أقل ماقلت عن شك وارتياب ،
أو أنه ازداد لما عاين وشاهد يقينا وعلما ، إذ كان قبل ذلك علم استدلال فصار علم ضرورة
ومعاينة . ( 3 )
2 ل : ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده رفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال : ملك
الارض كلها أربعة : مؤمنان وكافران ، فأما المؤمنان : فسليمان بن داود وذو القرنين عليهما السلام
والكافران : نمرود وبخت نصر . ( 4 )
3 ج : هشام بن الحكم في خبر الزنديق قال الصادق عليه السلام : أمات الله أرميا
النبي الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر وقال : أنى
يحيي هذه الله بعد موتها ؟ فأماته الله مائة عام ثم أحياه ، ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم ،
وكيف تلبس اللحم ، وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل ، فلما استوى قاعدا قال : " أعلم
أن الله على كل شئ قدير " . ( 5 )
4 ما : الفحام ، عن محمد بن عيسى بن هارون ، عن إبراهيم بن عبدالصمد ، عن
أبيه ، عن جده قال : قال سيدنا الصادق عليه السلام : من اهتم لرزقه كتب عليه خطيئة ، إن
دانيال كان في زمن ملك جبار عات أخذه فطرحه في حب ، وطرح معه السباع فلم تدنو
. . ( هامش صفحة 362 ) ( 1 ) في المصدر : يلتزم ويلتزق بها .
( 2 ) " " : قال .
( 3 ) مجمع البيان 2 : 370 و 371 .
( 4 ) الخصال 1 : 121 و 122 . وفي ذيله : واسم ذي القرنين عبدالله بن ضحاك بن معد .
( 5 ) احتجاج الطبرسي : 188 .
[363]
منه ولم يخرجه ، ( 1 ) فأوحى الله إلى نبي من أنبيائه أن ائت دانيال بطعام ، قال : يارب
وأين دانيال ؟ قال : تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فاتبعه فإنه يدلك إليه ، فأتت به
الضبع إلى ذلك الجب ، فإذا فيه دانيال ، فأدلى إليه الطعام ، فقال دانيال : الحمد لله
الذي لاينسى من ذكره ، والحمد لله الذي لايخيب من دعاه ، الحمد لله الذي من توكل
عليه كفاه ، الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره ، الحمد لله الذي يجزي
بالاحسان إحسانا ، وبالصبر نجاة .
ثم قال الصادق عليه السلام : إن الله أبى إلا أن يجعل أرزاق المتقين من حيث لايحتسبون
وأن لايقبل لاوليائه شهادة في دولة الظالمين . ( 2 )
ص : الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن القاساني ، عن الاصبهاني عن
المنقري ، عن حفص ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله . ( 3 )
5 ك : القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن
الصادق عليه السلام قال : إن سليمان عليه السلام لما حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بإذن
الله تعالى ذكره ، ( 4 ) فلم يزل بينهم تختلف إلى الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم ، ثم
غيب الله عزوجل آصف غيبة طال أمدها ، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ماشاء الله ، ثم
إنه ودعهم فقالوا له : أين الملتقى ؟ قال : على الصراط ، وغاب عنهم ماشاء الله ، واشتدت
البلوى على بني إسرائيل بغيبته ، وتسلط عليهم بخت نصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ،
ويطلب من يهرب ويسبي زراريهم ، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم
دانيال ، واصطفى من ولد هارون عزيرا ، وهم حينئذ ( 5 ) صبية صغار ، فمكثوا في يده و
بنو إسرائيل في العذاب المهين ، والحجة دانيال أسير في يد بخت نصر تسعين سنة ، فلما
عرف فضله وسمع أن بني إسرائيل ينتظرون خروجه ويرجون الفرج في ظهوره وعلى
. . ( هامش صفحة 363 ) ( 1 ) هكذا في النسخ ، والصواب كما في المصدر : فلم تدن منه ولم تجرحه .
( 2 ) أمالي ابن الطوسي : 188 و 189 .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 4 ) في المصدر : بأمر الله .
( 5 ) " " : وهم يومئذ .
[364]
يده أمر أن يجعل في جب عظيم واسع ، ويجعل معه الاسد ليأكله ، فلم يقربه ، وأمر أن
لا يطعم ، فكان الله تعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يد نبي من أنبياء بني إسرائيل ، فكان
يصوم دانيال النهار ، ويفطر الليل على مايدلى إليه من الطعام ، واشتدت البلوى على
شيعته وقومه المنتظرين لظهوره ، وشك أكثرهم في الدين لطول الامد ، فلما تناهى
البلاء بدانيال وبقومه رأى بخت نصر في المنام كأن ملائكة من السماء قد هبطت إلى الارض
أفواجا إلى الجب الذي فيه دانيال مسلمين عليه يبشرونه بالفرج ، فلما أصبح ندم على
ما أتى إلى دانيال ، فأمر أن يخرج من الجب ، فلما أخرج اعتذر إليه مما ارتكب منه
من التعذيب ، ثم فوض إليه النظر في أمور ممالكه والقضاء بين الناس . فظهر من كان
مستترا من بني إسرائيل ورفعوا رؤوسهم ، واجتمعوا إلى دانيال عليه السلام موقنين بالفرج ،
فلم يلبث إلا القليل عن تلك الحال حتى مضى لسبيله ، ( 1 ) وأفضى الامر بعده إلى عزير
وكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم ، فغيب الله عنهم شخصه
مائة عام ثم بعثه ، وغابت الحجج بعده ، واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ظهر
يحيى عليه السلام . ( 2 )
أقول : تمام الخبر في باب قصة طالوت .
6 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى وهب بن منبه قال : كان بخت نصر
منذ ملك يتوقع فساد بني إسرائيل ويعلم أنه لايطيقهم إلا بمعصيتهم ، فلم يزل يأتيه العيون
باخبارهم حتى تغيرت حالهم ، وفشت فيهم المعاصي ، وقتلوا أنبياءهم ، وذلك قوله تعالى
جل ذكره : " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين " إلى قوله :
" فإذا جاء وعد أولاهما " يعني بخت نصر وجنوده أقبلوا فنزلوا بساحتهم ، فلما رأوا ذلك
فزعوا إلى ربهم وتابوا وثابروا على الخير ، وأخذوا على أيدي سفهائهم ، وأنكروا المنكر
وأظهروا المعروف ، فرد الله لهم الكرة على بخت نصر ، وانصرفوا بعد مافتحوا المدينة ،
وكان سبب انصرافهم أن سهما وقع في جبين فرس بخت نصر فجمح ( 3 ) به حتى أخرجه
. . ( هامش صفحة 364 ) ( 1 ) في المصدر : فلم يلبث الا القليل على تلك الحال حتى مات .
( 2 ) كمال الدين : 91 و 94 و 95 . وفيه : حتى ولد يحيى عليه السلام .
( 3 ) جمح الفرس : تغلب على راكبه وذهب به لاينثنى . استعصى .
[365]
من باب المدينة ، ثم إن بني إسرائيل تغيروا فما برحوا حتى كر عليهم ، وذلك قوله
تعالى : " فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم " فأخبرهم أرميا عليه السلام أن بخت نصر
يتهيأ للمسير إليكم ، وقد غضب الله عليكم ، وأن الله تعالى جلت عظمته يستتيبكم لصلاح
آبائكم ويقول : هل وجدتم أحدا عصاني فسعد بمعصيتي ؟ أم هل علمتم أحدا أطاعني
فشقي بطاعتي ؟ وأما أحباركم ورهبانكم فاتخذوا عبادي خولا يحكمون فيهم بغير كتابي
حتى أنسوهم ذكري ، وأما ملوككم وأمراؤكم فبطروا نعمتي ، وغرتهم الحياة الدنيا
وأما قراؤكم وفقهاؤكم فهم منقادون للملوك يبايعونهم على البدع ويطيعونهم في معصيتي
وأما الاولاد فيخوضون مع الخائضين ، وفي كل ذلك ألبسهم العافية ( 1 ) فلابدلنهم
بالعز ذلا ، وبالامن خوفا ، إن دعوني لم أجبهم ، وإن بكوا لم أرحمهم .
فلما بلغهم ذلك نبيهم كذبوه وقالوا : لقد أعظمت الفرية على الله ، تزعم أن الله
معطل مساجده من عبادته ! فقيدوه وسجنوه ، فأقبل بخت نصر وحاصرهم سبعة أشهر حتى
أكلوا خلاهم ، وشربوا أبوالهم ، ثم بطش بهم بطش الجبارين بالقتل والصلب والاحراق
وجذع الانوف ونزع الالسن والانياب ووقف النساء ، فقيل له : إن لهم صاحبا كان
يحذرهم بما أصابهم فاتهموه وسجنوه ، فأمر بخت نصر فأخرج من السجن ، فقال له :
أكنت تحذر هؤلاء ؟ قال : نعم ، قال : وأنى علمت ذلك ؟ قال : أرسلني الله به إليهم ، قال
فكذبوك وضربوك ؟ قال : نعم ، قال : لبئس القوم قوم ضربوا نبيهم وكذبوا رسالة ربهم ،
فهل لك أن تلحق بي فأكرمك ، وإن أحببت أن تقيم في بلادك آمنتك ؟ قال أرميا عليه السلام :
إني لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا من أمانه لم
يخافوك ، فأقام أرميا عليه السلام مكانه بأرض إيليا ( 2 ) وهي حينئذ خراب قد هدم بعضها ، فلما
سمع به من بقي من بني إسرائيل اجتمعوا إليه فقالوا : عرفنا أنك نبينا فانصح لنا ،
فأمرهم أن يقيموا معه ، فقالوا : ننطلق إلى ملك مصر نستجير ، فقال أرميا عليه السلام : إن
ذمة الله أوفى الذمم ، فانطلقوا إلى مصر وتركوا أرميا ، فقال لهم الملك : أنتم في ذمتي ،
. . ( هامش صفحة 365 ) ( 1 ) لعله مصحف " البستهم العافية " .
( 2 ) ايلياء بالمد والقصر وقيل فيه لغة ثالثة حذف الياء الاولى : اسم مدينة بيت المقدس .
[366]
فسمع ذلك بخت نصر فأرسل إلى ملك مصر : ابعث بهم إلي مصفدين وإلا آذنتك
بالحرب .
فلما سمع أرميا عليه السلام بذلك أدركته الرحمة لهم ، فبادر إليهم لينقذهم ، فورد عليهم
وقال : إن الله تعالى جل ذكره أوحى إلي أني مظهر بخت نصر على هذا الملك ، وآية
ذلك أنه تعالى أراني موضع سرير بخت نصر الذي يجلس عليه بعد ما يظفر بمصر ، ثم
عمد فدفن أربعة أحجار في ناحية من الارض ، فصار إليهم بخت نصر فظفر بهم وأسرهم ، فلما
أراد أن يقسم الفئ ويقتل الاسارى ويعتق منهم كان منهم أرميا ، فقال له بخت نصر :
أراك مع أعدائي بعد ماعرضتك له من الكرامة ؟ فقال له أرميا عليه السلام : إني جئتهم مخوفا
أخبرهم خبرك ، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك هذا وأنت بأرض بابل ، ارفع سريرك
فإن تحت كل قائمة من قوائمه حجرا دفنته بيدي وهم ينظرون ، فلما رفع بخت نصر
سريره وجد مصداق ماقال ، فقال لارميا عليه السلام : إني لاقتلنهم إذ كذبوك ولم يصدقوك
فقتلهم ولحق بأرض بابل ، فأقام أرميا بمصر مدة ، فأوحى الله تعالى إليه : الحق بإيليا ،
فانطلق حتى إذا رفع له شخص بيت المقدس ورأى خرابا عظيما ، قال : " أنى يحيي هذه
الله " فنزل في ناحية واتخذ مضجعا ثم نزع الله روحه وأخفى مكانه على جميع ( الخلائق ) ؟
مائة عام ، وكان قد وعده الله أنه سيعيد فيها الملك والعمران ، فلما مضى سبعون عاما أذن
الله في عمارة إيليا فأرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس يقال له كوشك ، ( 1 ) فقال :
إن الله يأمرك أن تنفر بقوتك ورجالك حتى تنزل إيليا فتعمرها ، فندب الفارسي
لذلك ثلاثين ألف قهرمان ، ( 2 ) ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل بما يصلح لذلك من
الآلة والنفقة ، فسار بهم فلما تمت عمارتها بعد ثلاثين سنة أمر عظام أرميا أن يحيى ،
فقام حيا كما ذكره الله في كتابه . ( 3 )
بيان : ثابر : واظب .
. . ( هامش صفحة 366 ) ( 1 ) هكذا في النسخ . والذي في الكامل : أن بشتاسب بن لهراسب امر أن يعمر بيت المقدس
ويرجع بني اسرائيل إلى الشام .
( 2 ) القهرمان : الوكيل أو أمين الدخل والخرج .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
[367]
7 ص : بالاسناد المذكور عن وهب بن منبه أنه لما انطلق بخت نصر بالسبي
والاسارى من بني إسرائيل وفيهم دانيال وعزير عليهما السلام وورد أرض بابل اتخذ بني إسرائيل
خولا ، ولبث سبع سنين ، ثم إنه رأى رؤيا عظيما امتلا منها رعبا ونسيها ، فجمع قومه
وقال : تخبرون بتأويل رؤياي المنسية إلى ثلاثة أيام وإلا صلبتكم ، وبلغ دانيال ذلك من
شأن الرؤيا وكان في السجن ، فقال لصاحب السجن : إنك أحسنت صحبتي ، فهل لك أن
تخبر الملك أن عندي علم رؤياه وتأويله ؟ فخرج صاحب السجن وذكر لبخت نصر فدعا
به ، وكان لا يقف بين يديه أحد إلا سجد له ، فلما طال قيام دانيال وهو لايسجد له قال
للحرس : اخرجوا واتركوه ، فخرجوا فقال : يا دانيال مامنعك أن تسجد لي ؟ فقال : إن
لي ربا آتاني هذا العلم على أني لا أسجد لغيره ، فلو سجدت لك انسلخ عني العلم ، فلم
تنتفع بي ، فتركت السجود نظرا إلى ذلك ، قال بخت نصر : وفيت لالهك فصرت آمنا
مني ، فهل لك علم بهذه الرؤيا ؟ قال : نعم ، رأيت صنما عظيما رجلاه في الارض ، ورأسه
في السماء ، أعلاه من ذهب ، ووسطه من فضة ، وأسفله من نحاس ، وساقاه من حديد ، و
رجلاه من فخار ، فبينا أنت تنظر إليه وقد أعجبك حسنه وعظمه وإحكام صنعته والاصناف
التي ركبت فيه إذ قذفه ملك بحجر من السماء ، فوقع على رأسه فدقه حتى طحنه ،
فاختلط ذهبه وفضته ونحاسه وحديده وفخاره حتى خيل لك أنه لو اجتمع الجن و
الانس على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا ، وحتى خيل لك أنه لو هبت أدنى
ريح لذرته لشدة ما انطحن ، ثم نظرت إلى الحجر الذي قذف به يعظم فينتثر حتى ملا
الارض كلها ، فصرت لاترى إلا السماء والحجر ، قال بخت نصر : صدقت ، هذه الرؤيا
التي رأيتها فما تأويلها ؟ قال دانيال عليه السلام : أما الصنم الذي رأيت فإنها أمم تكون في
أول الزمان وأوسطه وآخره ، وأما الذهب فهو هذا الزمان وهذه الامة التي أنت فيها
وأنت ملكها ، وأما الفضة فإنه يكون ابنك يليها من بعدك ، وأما النحاس فأمة الروم ،
وأما الحديد فأمة فارس ، وأما الفخار فأمتان تملكهما امرأتان : إحداهما في شرقي
اليمن ، وأخرى في غربي الشام ، أما الحجر الذي قذف به الصنم فدين يفقده الله به هذه
[368]
في الامة آخر الزمان ( 1 ) ليظهره عليها ، يبعث الله نبيا أميا من العرب فيذل الله له
الامم والاديان كما رأيت الحجر ظهر على الارض فانتثر فيها . ( 2 )
فقال بخت نصر : مالاحد عندي يد أعظم من يدك ، وأنا أريد أن أجزيك ، إن
أحببت أن أردك إلى بلادك وأعمرها لك ، وإن أحببت أن تقيم معي فأكرمك ؟ فقال
دانيال عليه السلام : أما بلادي أرض كتب الله عليها الخراب إلى وقت ، والاقامة معك أوثق
لي ، فجمع بخت نصر ولده وأهل بيته وخدمه وقال لهم : هذا رجل حكيم قد فرج الله به
عني كربة قد عجزتم عنها ، وقد وليته أمركم وأمري ، يابني خذوا من علمه ، وإن
جاءكم رسولان أحدهما لي والآخر له فأجيبوا دانيال قبلي ، فكان لايقطع أمرا دونه ، و
لما رأوا قوم بخت نصر ذلك حسدوا دانيال ، ثم اجتمعوا إليه وقالوا : كانت لك الارض
ويزعم عدونا أنك أنكرت عقلك ، قال : إني أستعين برأي هذا الاسرائيلي لاصلاح
أمركم فإن ربه يطلعه عليه ، قالوا : نتخذ إلها يكفيك ما أهمك وتستغني عن دانيال
فقال : أنتم وذاك ، فعملوا صنما عظيما وصنعوا عيدا وذبحوا له ، وأوقدوا نارا عظيمة
كنار نمرود ودعوا الناس بالسجود لذلك الصنم فمن لم يسجد له ألقي فيها .
وكان مع دانيال عليه السلام أربعة فتية من بني إسرائيل : يوشال ويوحين وعيصوا
ومريوس ، وكانوا مخلصين موحدين ، فأتي بهم ليسجدوا للصنم ، فقالت الفتية : هذا ليس
بإله ، وكن خشبة صماء عملها الرجال ، فإن شئتم أن نسجد للذي خلقها فعلنا ،
فكتفوهم ثم رموا بهم في النار ، فلما أصبحوا طلع عليهم بخت نصر فوق قصر فإذا معهم
خامس وإذا بالنار قد عادت جليدا ( 1 ) فامتلا رعبا ، فدعا دانيال عليه السلام فسأله عنهم فقال : أما
الفتية فعلى ديني يعبدون إلهي ولذلك أجارهم والخامس بحر البرد ، ( 4 ) أرسله الله تعالى
جلت عظمته إلى هؤلاء نصرة لهم ، فأمر بخت نصر فأخرجوا فقال لهم : كيف بتم ؟ قالوا :
. . ( هامش صفحة 368 ) ( 1 ) هكذا في نسخ . وفي نسخة : هذه الامة ، ولعل الصحيح : فدين يفقد الله به هذه الامة في
آخر الزمان .
( 2 ) ذكر الثعلبي في العرائس النوم وتعبيره على كيفية اخرى فراجعه .
( 3 ) الجليد : مايجمد على الارض من الماء .
( 4 ) هكذا في النسخ ، وفي هامش المطبوع حكى عن نسخة : ملك البرد .
[369]
بتنا بأفضل ليلة منذ خلقنا ، فألحقهم بدانيال وأكرمهم بكرامته حتى مرت بهم ثلاثون
سنة . ( 1 )
8 ص : بالاسناد المتقدم عن وهب قال : ثم إن بخت نصر رأى رؤيا أهول من
الرؤيا الاولى ونسيها أيضا ، فدعا علماء قومه قال : رأيت رؤيا أخشى أن يكون فيها هلاككم
وهلاكي فما تأويلها ؟ فعجزوا وجعلوا علة عجزهم دانيال ، فأخرجهم ودعا دانيال عليه السلام
فسأله فقال : رأيت شجرة عظيمة شديدة الخضرة ، فرعها في السماء ، عليها طير السماء ، وفي
ظلها وحوش الارض وسباعها ، فبينما أنت تنظر إليها قد أعجبتك بهجتها إذ أقبل ملك
يحمل حديدة كالفأس على عنقه وصرخ بملك آخر في باب من أبواب السماء يقول له : كيف
أمرك الله أن تفعل بالشجرة ؟ أمرك أن تجتثها من أصلها أم أمرك أن تأخذ بعضها ؟
فناداه الملك الاعلى : إن الله تعالى يقول : خذ منها وأبق ، فنظرت إلى الملك حتى ضرب
رأسها بفأسه فانقطع وتفرق ما كان عليها من الطير ، وما كان تحتها من السباع والوحوش ،
وبقي الجذع لا هيئة له ولا حسن ، فقال بخت نصر : فهذه الرؤيا رأيتها فما تأويلها ؟
قال : أنت الشجرة وما رأيت في رأسها من الطيور فولدك وأهلك ، وأما مارأيت في
ظلها من السباع والوحوش فخولك ورعيتك ، وكنت قد أغضبت الله فيما تابعت قومك من
عمل الصنم ، فقال بخت نصر : كيف يفعل ربك بي ؟ قال : يبتليك ببدنك فيمسخك سبع
سنين فإذا مضت رجعت إنسانا كما كنت أول مرة ، فقعد بخت نصر يبكي سبعة أيام ،
فلما فرغ من البكاء ظهر فوق بيته فمسخه الله عقابا فطار ، وكان دانيال عليه السلام يأمر ولده وأهل
مملكته أن لا يغيروا من أمره شيئا حتى يرجع إليهم ، ثم مسخه الله في آخر عمره بعوضة


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 369 سطر 19 إلى صفحه 377 سطر 18

فأقبل يطير حتى دخل بيته فحوله الله إنسانا فاغتسل بالماء ولبس المسوح ثم أمر بالناس
فجمعوا فقال : إني وإياكم كنا نعبد من دون الله ما لاينفعنا ولايضرنا ، وإنه قد تبين
لي من قدرة الله تعالى جل وعلا في نفسي أنه لا إله إلا الله إله بني إسرائيل ، فمن تبعني
فإنه مني وأنا وهو في الحق سواء ، ومن خالفني ضربته بسيفي حتى يحكم الله بيني و
بينكم ، وإني قد أجلتكم إلى الليلة فإذا أصبحتم فأجيبوني ، ثم انصرف ودخل بيته و
. . ( هامش صفحة 369 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط .
[370]
قعد على فراشه فقبض الله تعالى روحه وقص وهب قصته هذه عن ابن عباس ، ثم قال
ماأشبه إيمانه بإيمان السحرة !
9 ص : لما توفي بخت نصر تابع الناس ابنه ، وكانت الاواني التي عملت
الشياطين لسليمان بن داود عليه السلام من اللؤلؤ والياقوت غاص عليها الشياطين حتى استخرجوها
من قعور الابحر الصم ( 1 ) التي لاتعبر فيها السفن ، وكان بخت نصر غنم كل ذلك من
بيت المقدس وأوردها أرض بابل ، واستعمر فيه دانيال عليه السلام فقال : إن هذه الآنية طاهرة
مقدسة صنعها النبي ابن النبي ليسجد ربه عز وعلا فلا تدنسها بلحم الخنازير وغيرها
فإن لها ربا سيعيدها حيث كانت ، فلم يطعه ( 2 ) واعتزل دانيال وأقصاه وجفاه ، وكانت
له امرأة حكيمة نشأت في تأديب دانيال تعظه وتقول : إن أباك كان يستغيث بدانيال ، فأبى
ذلك ، فعمل في كل عمل سوء حتى عجت الارض منه إلى الله تعالى جلت عظمته ، فبينا
هو في عيد إذا بكف ملك يكتب على الجدار ثلاثة أحرف ، ثم غابت الكف والقلم وبهتوا
فسألوا دانيال بحق تأويل ذلك المكتوب وكان كتب : " وزن فخف ، ووعد فأنجز ، و
جمع فتفرق " فقال : أما الاول فإنه عقلك وزن فخف فكان خفيفا في الميزان ، والثاني
وعد أن يملك فأنجزه اليوم ، والثالث فإن الله كان قد جمع لك ولوالدك من قبلك ملكا
عظيما ثم تفرق اليوم ، فلا يجتمع إلى يوم القيامة ، فقال له : ثم ماذا ؟ قال : يعذبك
الله ، فأقبلت بعوضة تطير حتى دخلت في إحدى منخريه فوصلت إلى دماغه وتؤذيه ، فأحب
الناس عنده من حمل مرزبة ( 3 ) يضرب بها رأسه ، ويزداد كل يوم ألما إلى أربعين ليلة حتى
مات وصار إلى النار . ( 4 )
بيان : هذه القصص المنقولة عن وهب ليست مما يعتمد عيله ، ( 5 ) وإيمان بخت نصر
. . ( هامش صفحة 370 ) ( 1 ) في نسخة : الصيم . وهو بالكسر وتشديد الياء : الصلب الشديد .
( 2 ) في نسخة : فأطاعه وهو مصحف .
( 3 ) المرزبة : عصية من حديد .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 5 ) لانها لم يرد من طرق أئمتنا أهل العصمة عليهم السلام مايوافقها ويثبتها .
[371]
مخالف لظواهر الاخبار المعتبرة ، وأما مسخه فقد ورد في توحيد المفضل بن عمر المروي
عن الصادق عليه السلام مايومئ إليه حيث قال عليه السلام : وترى كثيرا من الفساق يعاجلون بالعقوبة
إذا تفاقم طغيانهم ، وعظم ضررهم على الناس وعلى أنفسهم ، كما عوجل فرعون بالغرق ،
وبخت نصر بالتيه ، وبلبيس بالقتل . ( 1 )
10 ص : الصدوق ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن جابر
الجعفي ، عن الباقر صلوات الله عليه قال : سألته عن تعبير الرؤياء عن دانيال عليه السلام أهو
صحيح ؟ قال : نعم ، كان يوحى إليه وكان نبيا ، وكان ممن علمه الله تأويل الاحاديث ، و
كان صديقا حكيما ، وكان والله يدين بمحبتنا أهل البيت ؟ قال جابر : بمحبتكم أهل
البيت ؟ قال : إي والله ، وما من نبي ولا ملك إلا وكان يدين بمحبتنا . ( 2 )
11 ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن السياري ،
عن إسحاق بن إبراهيم ، عن الرضا عليه السلام قال : إن الملك قال لدانيال : أشتهي أن يكون
لي ابن مثلك ، فقال : ما محلي من قلبك ؟ قال : أجل محل وأعظمه ، قال دانيال : فإذا
جامعت فاجعل همتك في ، قال : ففعل الملك ذلك فولد له ابن أشبه خلق الله بدانيال . ( 3 )
12 ص : الصدوق ، عن جعفر بن محمد بن شاذان ، عن أبيه ، عن الفضل ، عن محمد بن
زياد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال عزير
يارب إني نظرت في جميع أمورك وإحكامها فعرفت عدلك بعقلي ، وبقي باب لم أعرفه ،
إنك تسخط على أهل البلية فتعمهم بعذابك وفيهم الاطفال ، فأمره الله تعالى أن يخرج
إلى البرية وكان الحر شديدا ، فرأى شجرة فاستظل بها ونام ، فجاءت نملة فقرصتها
فدلك الارض برجله فقتل من النمل كثيرا ، فعرف أنه مثل ضرب ، فقيل له : يا عزير
إن القوم إذا استحقوا عذابي قدرت نزوله عند انقضاء آجال الاطفال فماتوا أولئك بآجالهم
وهلك هؤلاء بعذابي . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 371 ) ( 1 ) وهذا كما ترى لم يدل على مسخه . بل يدل على أن الله تعالى عاجله بالعقوبة وهي التيه
والتيه يأتي على معان وهي الصلف والتكبر . الضلال . القفر يضل فيه . ولعل المراد هنا المعنى
الاخير . وليس من معانيه المسخ ، والمعنى الاخير لايلازم المسخ .
( 2 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
[372]
بيان : قال الفيروزآبادي : القرص . أخذك لحم إنسان بإصبعك حتى تؤلمه . و
لسع البراغيث . والقبض . والقطع .
13 ك : أبي وابن الوليد معا عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن معروف ، عن
ابن مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن محمد بن إسماعيل القرشي ، عمن حدثه ، عن
إسماعيل بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : ملك بخت نصر مائة سنة وسبعا
وثمانين سنة ، وقتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريا عليه السلام وخرب
بيت المقدس ، وتفرقت اليهود في البلدان ، وفي سبع وأربعين سنة من ملكه بعث الله العزير
نبيا إلى أهل القرى التي أمات الله أهلها ثم بعثهم له ، وكان من قرى شتى فهربوا فرقا
من الموت ، فنزلوا في جوار عزير وكانوا مؤمنين ، وكان عزير يختلف إليهم ويسمع كلامهم
وإيمانهم وأحبهم على ذلك وآخاهم عليه فغاب عنهم يوما واحدا ، ثم أتاهم فوجدهم
موتى صرعى فحزن عليهم وقال : " أنى يحيي هذه الله بعد موتها " تعجبا منه حيث أصابهم
وقد ماتوا أجمعين في يوم واحد ، فأماته الله عند ذلك مائة عام وهي مائة سنة ، ثم بعثه الله
وإياهم وكانوا مائة ألف مقاتل ، ثم قتلهم الله أجمعين لم يفلت ( 1 ) منهم واحد على يدي
بخت نصر ، ثم ملك مهرويه بن بخت نصر ست عشرة سنة وعشرين يوما ، ( 2 ) فأخذ عند ذلك
دانيال عليه السلام وخد له ( 3 ) خدا في الارض وطرح فيه دانيال وأصحابه وشيعته من المؤمنين ،
وألقى عليهم النيران ، فلما رأى أن النار لاتقربهم ( 4 ) ولا تحرقهم استودعهم الجب و
فيه الاسد والسباع وعذبهم بكل نوع من العذاب ( 5 ) حتى خلصهم الله منه ، وهم الذين
ذكرهم الله في كتابه فقال : " قتل أصحاب الاخدود * النار ذات الوقود " فلما أراد الله أن
يقبض دانيال عليه السلام أمره أن يستودع ( 6 ) نور الله وحكمته مكيخا بن دانيال ففعل . ( 7 )
. . ( هامش صفحة 372 ) ( 1 ) أي لم يتخلص .
( 2 ) في المصدر : وست وعشرين يوما .
( 3 ) أي شق له حفيرة وألقاه فيها . وفي المصدر : وحفر له جبا .
( 4 ) في المصدر : فلما رأى أن النار ليست تقربهم .
( 5 ) " " : بكل لون من العذاب .
( 6 ) " " : أمره أن استودع .
( 7 ) كمال الدين : 130 و 131 .
[373]
14 شى : عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " أو كالذي مر على
قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها " فقال : إن الله بعث على
بني إسرائيل ( 1 ) نبيا يقال له أرميا فقال : قل لهم : مابلد تنقيته من كرائم البلدان وغرست
فيه من كرائم الغرس ونقيته من كل غريبة فأخلف فأنبت خرنوبا ؟ قال : فضحكوا و
استهزؤوا به ، فشكاهم إلى الله ، قال : فأوحى الله إليه أن قل لهم : إن البلد بيت المقدس
والغرس بنو إسرائيل تنقيته من كل غريبة ، ونحيت عنهم كل جبار ، فأخلفوا فعملوا
بمعاصي الله فلاسلطن عليهم في بلدهم من يسفك دماءهم ، ويأخذ أموالهم ، فإن بكوا إلي
فلم أرحم بكاءهم ، وإن دعوا لم أستجب دعاءهم ، ثم لاخربنها مائة عام ، ثم لاعمرنها ،
فلما حدثهم جزعت العلماء فقالوا : يارسول الله ماذنبنا نحن ولم نكن نعمل بعملهم ؟
فعاود لنا ربك ، فصام سبعا فلم يوح إليه شئ ، فأكل أكلة ثم صام سبعا فلم يوح
إليه شئ ، فأكل أكلة ثم صام سبعا فلما أن كان يوم الواحد والعشرين أوحى الله إليه
لترجعن عما تصنع ، أتراجعني في أمر قضيته أو لاردن وجهك على دبرك ؟ ثم أوحى إليه
قل لهم : لانكم رأيتم المنكر فلم تنكروه ، فسلط الله عليهم بخت نصر فصنع بهم ماقد
بلغك ، ثم بعث بخت نصر إلى النبي فقال : إنك قد نبئت عن ربك وحدثتهم بما أصنع
بهم ، فإن شئت فأقم عندي فيمن شئت وإن شئت فاخرج ، فقال : لا بل أخرج ، فتزود عصيرا
وتينا وخرج ، فلما أن كان مد البصر التفت إليها فقال : " أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله
مائة عام " أماته غدوة ، وبعثه عشية قبل أن تغيب الشمس ، وكان أول شئ خلق منه عيناه
في مثل غرقئ البيض ، ثم قيل له : " كم لبثت قال لبثت يوما " فلما نظر إلى الشمس لم تغب
قال : " أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى
حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما " قال :
فجعل ينظر إلى عظامه كيف يصل بعضها إلى بعض ويرى العروق كيف يجري ، فلما
استوى قائما قال : " أعلم أن الله على كل شئ قدير " وفي رواية هارون : ( 2 ) فتزود
عصيرا ولبنا . ( 3 )
. . ( هامش صفحة 373 ) ( 1 ) في البرهان : بعث إلى بني اسرائيل .
( 2 ) أي هارون بن خارجة الاتية بعد ذلك .
( 3 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني أيضا في البرهان 1 : 248 .
[374]
15 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن اليقطيني ، عن النضر
عن يحيى الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله ، و
فيه : فسلط الله عليهم بخت نصر ، وسمي به لانه رضع بلبن كلبة ، وكان اسم الكلب بخت
واسم صاحبه نصر ، وكان مجوسيا أغلف ، أغار على بيت المقدس ودخله في ستمائة ألف
علم ، ثم بعث بخت نصر إلى النبي فقال : إنك نبئت عن ربك وخبرتهم بما أصنع
بهم ، فإن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فاخرج ، قال : بل أخرج ، فتزود عصيرا ولبنا
وخرج . ( 1 )
ين : النضر مثله إلى قوله : فصنع بهم ماقد بلغك . ( 2 )
16 شى : أبوطاهر العلوي ، عن علي بن محمد العلوي ، عن علي بن مرزوق ، عن
إبراهيم بن محمد قال : ذكر جماعة من أهل العلم أن ابن الكواء قال لعلي عليه السلام : يا أمير
المؤمنين ما ولد أكبر من أبيه من أهل الدنيا ؟ قال : نعم أولئك ولد عزير حيث مر على
قرية خربة وقد جاء من ضيعة له ، تحته حمار ، ومعه شنة فيها قتر ( 3 ) وكوز فيه عصير
فمر على قرية خربة فقال : " أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام " فتوالد
ولده وتناسلوا ثم بعث الله إليه فأحياه في المولد الذي أماته فيه فأولئك ولده أكبر
من أبيهم . ( 4 )
17 خص : ابن عيسى ، عن الحسن ، عن الحسين بن علوان ، عن محمد بن داود
العبدي ، عن الاصبغ بن نباتة أن عبدالله بن الكواء اليشكري قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام
فقال : يا أمير المؤمنين إن أبا المعتمر تكلم آنفا بكلام لايحتمله قلبي ، فقال : وما ذاك ؟
قال : يزعم أنك حدثته أنك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنا قد رأينا أو سمعنا برجل
. . ( هامش صفحة 374 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 2 ) مخطوط .
( 3 ) هكذا في النسخ وفي البرهان ، واستظهر في هامش المطبوع أنه مصحف " لبن " والشنة :
القربة الخلق .
( 4 ) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجه البحراني أيضا في البرهان 1 : 248 .
[375]
أكبر سنا من أبيه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : فهذا الذي كبر عليك ؟ قال : نعم ، فهل
تؤمن أنت بهذا وتعرفه ؟ فقال : نعم ويلك يابن الكواء افقه ( 1 ) عني أخبرك عن ذلك ،
إن عزيرا خرج من أهله وامرأته في شهرها وله يومئذ خمسون سنة ، فلما ابتلاه الله عز
وجل بذنبه وأماته مائة عام ثم بعثه فرجع إلى أهله وهو ابن خمسين سنة ، فاستقبله ابنه
وهو ابن مائة سنة ، ورد الله عزيرا في السن الذي كان به ، فقال ما يريد . ( 2 )
18 كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن وهب ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : قال علي عليه السلام : إن دانيال عليه السلام كان يتيما لا أم له
ولا أب ، وإن امرأة من بني إسرائيل عجوزا كبيرة ضمته فربته ، وإن ملكا من ملوك
بني إسرائيل كان له قاضيان ، وكان لهما صديق ، وكان رجلا صالحا ، وكان له امرأة
بهية جميلة ، وكان يأتي الملك فيحدثه ، واحتاج الملك إلى رجل يبعثه في بعض أموره فقال
للقاضيين : اختارا رجلا أرسله في بعض أموري ، فقالا : فلان ، فوجهه الملك ، فقال الرجل
للقاضيين : أوصيكما بامرأتي خيرا ، فقالا : نعم ، فخرج الرجل ، فكان القاضيان يأتيان
باب الصديق فعشقا امرأته فراوداها عن نفسها فأبت ، فقالا لها : والله لئن لم تفعل ( 3 )
لنشهدن عليك عند الملك بالزنا ثم لنرجمنك ، فقالت : افعلا ماأحببتما ، فأتيا الملك فأخبراه
وشهدا عنده أنها بغت ، فدخل الملك من ذلك أمر عظيم واشتد بها غمه وكان بها معجبا
فقال لهما : إن قولكما مقبول ولكن ارجموها بعد ثلاثة أيام ، ونادى في البلد الذي هو
فيه : احضروا قتل فلانة العابدة فإنها قد بغت ، فإن القاضيين قد شهدا عليها بذلك ،
فأكثر الناس في ذلك ، وقال الملك لوزيره : ماعندك في هذا من حيلة ؟ فقال : ما عندي في
ذلك من شئ .
فخرج الوزير يوم الثالث وهو آخر أيامها فإذا هو بغلمان عراة يلعبون وفيهم
دانيال لايعرفه ، ( 4 ) فقال دانيال : يامعشر الصبيان تعالوا حتى أكون أنا الملك وتكون
. . ( هامش صفحة 375 ) ( 1 ) فقه عنه الكلام : فهمه .
( 2 ) مختصر بصائر الدرجات : 22 ، فيه : فقال له مايريد . وللحديث ذيل طويل تركه المصنف .
( 3 ) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في المصدر : لئن لم تفعلي .
( 4 ) في المصدر : وهو لايعرفه .
[376]
أنت يافلان العابدة ، ويكون فلان وفلان القاضيين شاهدين عليها ، ثم جمع ترابا وجعل
سيفا من قصب ، وقال للصبيان : خذوا بيد هذا فنحوه إلى مكان كذا وكذا ، وخذوا بيد هذا
فنحوه إلى مكان كذا وكذا ، ثم دعا بأحدهما وقال له : قل حقا فإنك إن لم تقل حقا
قتلتك ، والوزير قائم ينظر ويسمع ، فقال : إنها بغت ، ( 1 ) فقال : متى ؟ فقال : يوم كذا وكذا
قال : مع من ؟ قال : مع فلان ابن فلان ، قال : وأين ؟ قال : موضع كذا وكذا ، ( 2 ) قال :
ردوه إلى مكانه وهاتوا الآخر ، فردوه إلى مكانه وجاؤوا بالآخر ، فقال له : بما تشهد ؟
فقال : أشهد أنها بغت ، قال : متى ؟ قال : يوم كذا وكذا ، قال : مع من ؟ قال : مع فلان ابن
فلان ، قال : وأين ؟ قال : موضع كذا وكذا ، ( 3 ) فخالف أحدهما صاحبه ، فقال دانيال : الله
أكبر شهدا بزور ، يا فلان ناد في الناس أنهما شهدا على فلانة بزور فاحضروا قتلهما .
فذهب الوزير إلى الملك مبادرا فأخبره الخبر ، فبعث الملك إلى القاضيين فاختلفا
كما اختلف الغلامان ، فنادى الملك في الناس وأمر بقتلهما . ( 4 )
19 كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن
ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله عزوجل أوحى إلى داود عليه السلام
أن ائت عبدي دانيال فقل له : إنك عصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت
لك ، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك ، فأتاه داود عليه السلام فقال : يادانيال إني رسول الله
إليك وهو يقول لك : إنك عصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت
لك ، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك ، فقال له دانيال : قد أبلغت يا نبي الله ، فلما
كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال : يارب إن داود نبيك أخبرني عنك أنني قد
عصيتك فغفرت لي ، وعصيتك فغفرت لي ، وعصيتك فغفرت لي ، وأخبرني عنك أني إن
. . ( هامش صفحة 376 ) ( 1 ) في المصدر : فقال : أشهد أنها بغت .
( 2 و 3 ) في المصدر : بموضع كذا وكذا .
( 4 ) فروع الكافي 2 : 363 و 364 . وللحديث صدر طويل في قضايا غريبة لامير المؤمنين
عليه السلام .
[377]
عصيتك الرابعة لم تغفر لي ، فوعزتك وجلالك لئن لم تعصمني لاعصينك ثم لاعصينك
ثم لاعصينك . ( 1 )
ين : ابن محبوب مثله . ( 2 )
20 كا : علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي
عبدالله عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : أكرموا الخبز فإنه قد عمل فيه ما بين العرش إلى
الارض ومافيها من كثير من خلقه . ثم قال لمن حوله : ألا أحدثكم ؟ ( 3 ) قالوا : بلى يارسول
الله فداك الآباء والامهات ، فقال : إنه كان نبي فيما كان قبلكم يقال له دانيال ، وإنه
أعطى صاحب معبر ( 4 ) رغيفا لكي يعبر به ، فرمى صاحب المعبر بالرغيف وقال : ماأصنع
بالخبز ؟ هذا الخبز عندنا قد يداس بالارجل ، فلما رأى دانيال ذلك منه رفع يده إلى
السماء وقال : ( 5 ) اللهم أكرم الخبز فقد رأيت يارب ماصنع هذا العبد وما قال ، فأوحى
الله ( 6 ) عزوجل إلى السماء أن تحبس الغيث ( 7 ) وأوحى إلى الارض أن كوني طبقا كالفخار
قال : فلم يمطر شئ حتى أنه بلغ من أمرهم أن بعضهم أكل بعضا ، فلما بلغ منهم ما
أراد الله عزوجل من ذلك قالت امرأة لاخرى ولهما ولدان : فلانة ! ( 8 ) تعالي حتى
نأكل أنا وأنت اليوم ولدي فإذا جعنا غدا ( 9 ) أكلنا ولدك ، قالت لها : نعم ، فأكلتاه ،
فلما أن جاعتا من بعد راودت الاخرى على أكل ولدها فامتنعت عليها ، فقالت لها : بيني
وبينك نبي الله ، فاختصما إلى دانيال ، فقال لهما : وقد بلغ الامر إلى ما أرى ؟ قالتا له :
. . ( هامش صفحة 377 ) ( 1 ) اصول الكافي 2 : 435 و 436 .
( 2 ) مخطوط .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 377 سطر 19 إلى صفحه 385 سطر 18

( 3 ) في المصدر : ألا اخبركم ؟
( 4 ) المعبر : السفينة .
( 5 ) في المصدر : ثم قال .
( 6 ) " " : قال فاوحى الله .
( 7 ) الاصح : أن تحبسي الغيث .
( 8 ) في المصدر : يافلانة .
( 9 ) " " : فاذا كان غدا .
[378]
نعم يانبي الله وأشر ، ( 1 ) فرفع يده إلى السماء فقال : اللهم عد علينا بفضلك وفضل رحمتك
ولا تعاقب الاطفال ومن فيه خير بذنب صاحب المعبر وأضرابه لنعمتك ، قال : فأمر الله
تبارك وتعالى السماء أن امطري على الارض ، وأمر الارض أن انبتي لخلقي ماقد فاتهم من
خيرك ، فإني قد رحمتهم بالطفل الصغير . ( 2 )
21 كا : علي بن محمد ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن عبدالله بن
سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إذا لقيت السبع فقل :
أعوذ برب دانيال والجب من شر كل أسد مستأسد . ( 3 )
22 فس : أبي ، عن إسماعيل بن أبان ، عن عمر بن عبدالله الثقفي قال : لما
أخرج هشام بن عبدالملك أبا جعفر عليه السلام إلى الشام سأله عالم النصارى عن مسائل ، فكان
فيما سأله : أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت بابنين جميعا حملتهما في ساعة واحدة ،
وولدتهما في ساعة واحدة ، وماتا في ساعة واحدة ، ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد ، فعاش
أحدهما خمسين ومائة سنة ، وعاش الآخر خمسين سنة ، من هما ؟ فقال أبوجعفر عليه السلام : هما
عزير وعزرة ، كان حمل أمهما على ماوصفت ، ووضعتهما على ما وصفت ، وعاش عزرة مع
عزير ثلاثين سنة ، ثم أمات الله عزيرا مائة سنة وبقي عزرة يحيى ، ثم بعث الله عزيرا فعاش
مع عزرة عشرين سنة ، الخبر . ( 4 )
بيان : قد عرفت اختلاف القوم في أن الذي أماته الله مائة عام هل هو أرميا أو
عزير ، وقد دلت الروايات على كل منهما أيضا ، ولعل الاخبار الدالة على كونه عزيرا
محمولة على التقية أو على ما يوافق روايات أهل الكتاب بأن يكونوا أجابوهم على معتقدهم
ويمكن القول بوقوعه على كل منهما وإن كانت الآية وردت في أحدهما .
23 كا : الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد بن سعد رفعه ، عن أبي حمزة ، عن علي
. . ( هامش صفحة 378 ) ( 1 ) في المصدر : وأشد ، قال اه .
( 2 ) فروع الكافي 2 : 165 و 166 .
( 3 ) اصول الكافي 2 : 571 .
( 4 ) تفسير القمي : 88 90 وفيه : وبقى عزرة حيا .
[379]
ابن الحسين عليهما السلام قال : إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال عليه السلام إن أمقت عبيدي
إلي الجاهل المستخف بحق أهل العلم ، التارك للاقتداء بهم ، وإن أحب عبيدي إلي
التقي الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء . ( 1 )
24 ل ، ع ، ن : سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن الاربعاء وما يتطير منه ،
فقال عليه السلام : آخر أربعاء من الشهر إلى أن قال : ويوم الاربعاء خرب بيت المقدس ، ويوم
الاربعاء أحرق مسجد سليمان بن داود بإصطخر من كورة فارس . ( 2 )
25 دعوات الراوندي : قال : أوحى الله إلى عزير عليه السلام ياعزير إذا وقعت في
معصية فلا تنظر إلى صغرها ولكن انظر من عصيت ، ( 3 ) وإذا أوتيت رزقا مني فلاتنظر
إلى قلته ولكن انظر من أهداه ، وإذا نزلت بك بلية فلا تشك إلى خلقي كما لاأشكوك
إلى ملائكتني عند صعود مساويك وفضائحك . ( 4 )
( باب 26 )
* ( قصص يونس وأبيه متى ) *
الايات ، يونس " 10 " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا
كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحيوة الدنيا ومتعناهم إلى حين 98 .
الانبياء " 21 " وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات
أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك
ننجي المؤمنين 88 .
. . ( هامش صفحة 379 ) ( 1 ) اصول الكافي 1 : 35 . وللحديث صدر تركه المصنف .
( 2 ) الخصال 2 : 28 ، علل الشرائع : 199 ، عيون الاخبار : 137 ، والحديث طويل أخرجه
المصنف مسندا في احتجاجات امير المؤمنين عليه السلام راجع 10 : 81 .
( 3 ) في نسخة : انظر إلى من عصيت .
( 4 ) دعوات الراوندي مخطوط .
[380]
الصافات " 37 " وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون * فساهم
فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم * فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في
بطنه إلى يوم يبعثون * فنبذناه بالعراء وهو سقيم * وأنبتنا عليه شجرة من يقطين * و
أرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا فمتعناهم إلى حين 139 148 .
ن " 68 " ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم * لولا أن تداركه نعمة
من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم * فاجتباه ربه فجعله من الصالحين 48 50 .
تفسير : " ولاتكن كصاحب الحوت " قال الطبرسي : يعني يونس عليه السلام أي لاتكن
مثله في استعجال عقاب قومه ( 1 ) ولا تخرج من بين قومك قبل أن يأذن الله لك كما خرج ( 2 )
" إذ نادى وهو مكظوم " أي دعا ربه في جوف الحوت وهو محبوس عن التصرف في الامور ،
وقيل : مكظوم أي مختنق بالغم إذ لم يجد لغيظه شفاء " لولا أن تداركه نعمة من ربه "
أي لولا أن أدركته رحمة من ربه بإجابة دعائه وتخليصه من بطن الحوت " لنبذ " أي طرح
" بالعراء " أي بالفضاء " وهو مذموم " قد أتى بما يلام عليه ، ( 3 ) لكن الله تعالى تداركه
بنعمة من عنده فنبذ بالعراء وهو غير مذموم . ( 4 )
1 فس : " كصاحب الحوت " يعني يونس عليه السلام لما دعا على قومه ثم ذهب
مغاضبا لله ، وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " إذ نادى ربه وهو
مكظوم " أي مغموم ، وقال علي بن إبراهيم في قوله : " لولا أن تداركه نعمة من ربه " قال :
النعمة : الرحمة " لنبذ بالعراء " قال : العراء : الموضع الذي لاسقف له . ( 5 )
2 فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل قال : قال لي أبوعبدالله عليه السلام : ما
رد الله العذاب إلا عن قوم يونس ، وكان يونس يدعوهم إلى الاسلام فيأبون ذلك ، فهم
. . ( هامش صفحة 380 ) ( 1 ) في المصدر : في استعجال عقاب قومه واهلاكهم .
( 2 ) " " : كما خرج هو .
( 3 ) " " : ملوم قد اتى بما يلام عليه .
( 4 ) مجمع البيان 10 : 341 .
( 5 ) تفسير القمي 693 .
[381]
أن يدعو عليهم وكان فيهم رجلان : عابد وعالم ، وكان اسم أحدهما مليخا ، ( 1 ) والآخر
اسمه روبيل ، فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم ، وكان العالم ينهاه ويقول : لا
تدع عليهم فإن الله يستجيب لك ، ولا يحب هلاك عباده ، فقبل قول العابد ولم يقبل من العالم
فدعا عليهم ، فأوحى الله إليه : يأتيهم العذاب في سنة كذا وكذا ، في شهر كذا وكذا ، في يوم كذا
وكذا ، فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد ، وبقي العالم فيها ، فلما كان في ذلك
اليوم نزل العذاب ، فقال العالم لهم : يا قوم افزعوا إلى الله فلعله يرحمكم ويرد العذاب
عنكم ، ( 2 ) فقالوا : كيف نصنع ؟ قال : اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة وفرقوا بين النساء و
الاولاد ، وبين الابل وأولادها ، وبين البقر وأولادها ، وبين الغنم وأولادها ، ثم ابكوا وادعوا ،
فذهبوا وفعلوا ذلك وضجوا وبكوا فرحمهم الله وصرف عنهم العذاب وفرق العذاب على الجبال
وقد كان نزل وقرب منهم ، فأقبل يونس ينظر ( 3 ) كيف أهلكهم الله فرأى الزارعون يزرعون
في أرضهم ، قال لهم : ما فعل قوم يونس ؟ فقالوا له ولم يعرفوه : إن يونس دعا عليهم
فاستجاب الله له ونزل العذاب عليهم فاجتمعوا وبكوا فدعوا فرحمهم الله وصرف ذلك عنهم
وفرق العذاب على الجبال ، فهم إذا يطلبون يونس ليؤمنوا به ، فغضب يونس ومر على
وجهه مغاضبا به ( 4 ) كما حكى الله ، حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت ( 5 )
وأرادوا أن يدفعوها فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه ، فلما توسطوا البحر بعث الله حوتا
عظيما فحبس عليهم السفينة من قدامها ، فنظر إليه يونس ففزع منه وصار ( 6 ) إلى مؤخر
السفينة فدار إليه الحوت ( 7 ) وفتح فاه فخرج ( 8 ) أهل السفينة فقالوا : فينا عاص فتساهموا
. . ( هامش صفحة 381 ) ( 1 ) يأتي في خبر أبي عبيدة الحذاء أن اسمه تنوخا وهو العابد .
( 2 ) في نسخة : فيرد العذاب عنكم .
( 3 ) في نسخة : وينظر . وفي اخرى : لينظر .
( 4 ) في المصدر : مغاضبا لله .
( 5 ) شحن السفينة : ملاءها .
( 6 ) في نسخة : فصار .
( 7 ) " " : فدار الحوت .
( 8 ) في نسخ : فخرج .
[382]
فخرج سهم يونس ، وهو قول الله عزوجل : " فساهم فكان من المدحضين " فأخرجوه فألقوه
في البحر فالتقمه الحوت ومر به في الماء .
وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليه السلام عن سجن طاف أقطار الارض بصاحبه ،
فقال : يايهودي أما السجن الذي طاف أقطار الارض بصاحبه فإنه الحوت الذي حبس
يونس في بطنه ، فدخل في بحر القلزم ، ثم خرج إلى بحر مصر ، ثم دخل إلى بحر
طبرستان ، ثم خرج في دجلة الغوراء ، ( 1 ) قال : ثم مرت به تحت الارض حتى لحقت
بقارون ، وكان قارون هلك في أيام موسى عليه السلام ووكل الله به ملكا يدخل في الارض
كل يوم قامة رجل ، وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره ، فسمع قارون صوته
فقال للملك الموكل به : أنظرني فإني أسمع كلام آدمي ، فأوحى الله إلى الملك الموكل
به : أنظره ، فأنظره ، ثم قال قارون : من أنت ؟ قال يونس : أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى
قال : فما فعل الشديد الغضب ( 2 ) لله موسى بن عمران ؟ قال : هيهات هلك ، قال : فما فعل الرؤوف
الرحيم على قومه هارون بن عمران ؟ قال : هلك ، قال : فما فعلت كلثم بنت عمران التي
كانت سميت لي ؟ قال : هيهات مابقي من آل عمران أحد ، فقال قارون : وا أسفاه على آل
عمران ، فشكر الله له ذلك ، فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا
فرفع عنه ، فلما رأى يونس ذلك نادى في الظلمات : " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني
كنت من الظالمين " فاستجاب الله له وأمر الحوت فلفظه على ساحل البحر وقد ذهب جلده
ولحمه ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهي الدباء ، فأظلته من الشمس فسكن ، ( 3 ) ثم
أمر الله الشجرة فتنحت عنه ووقعت الشمس عليه ، فجزع فأوحى الله إليه : يا يونس لم
ترحم مائة ألف أو يزيدون وأنت تجزع من ألم ساعة ؟ فقال : يارب عفوك عفوك ، فرد الله
بدنه ( 4 ) ورجع إلى قومه وآمنوا به ، وهو قوله : " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها
. . ( هامش صفحة 382 ) ( 1 ) في المصدر : دجلة الغور . وفي معجم البلدان : دجلة العوراء بالعين المهملة : اسم لدجلة
البصرة علم لها .
( 2 ) في نسخة : شديد الغضب .
( 3 ) في المصدر : فاظل به من الشمس فشكر .
( 4 ) في نسخة : فرد الله صحة بدنه .
[383]
إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحيوة الدنيا ومتعناهم إلى حين "
فقالوا : فمكث يونس في بطن الحوت تسع ساعات ، ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله : " ولو شاء
ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " يعني لو
شاء الله أن يجبر الناس كلهم على الايمان لفعل .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لبث يونس في بطن الحوت
ثلاثة أيام ، ونادى في الظلمات : ظلمة بطن الحوت ، وظلمة الليل ، وظلمة البحر : أن لا
إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، ( 1 ) فاستجاب له ربه ( 2 ) فأخرجه الحوت
إلى الساحل ، ثم قذفه فألقاه بالساحل ، ( 3 ) وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهو القرع ،
فكان يمصه ويستظل به بورقه ، وكان تساقط شعره ( 4 ) ورق جلده ، وكان يونس عليه السلام
يسبح ويذكر الله الليل والنهار ، ( 5 ) فلما أن قوي واشتد بعث الله دودة فأكلت أسفل
القرع فذبلت القرعة ( 6 ) ثم يبست ، فشق ذلك على يونس فظل حزينا فأوحى الله إليه :
مالك حزينا يا يونس ؟ قال : يارب هذه الشجرة التي تنفعني سلطت عليها دودة فيبست ،
قال : يايونس أحزنت لشجرة لم تزرعها ولم تسقها ولم تعن بها ( 7 ) إن يبست حين استغنيت
عنها ، ولم تحزن لاهل نينوى أكثر من مائة ألف ؟ أردت أن ينزل عليهم العذاب ؟ إن
أهل نينوى قد آمنوا واتقوا فارجع إليهم ، فانطلق يونس عليه السلام إلى قومه فلما دنا من
نينوى استحيى أن يدخل فقال لراع لقيه : ائت أهل نينوى فقل لهم : إن هذا يونس قد
جاء ، قال الراعي : أتكذب ؟ أما تستحيي ويونس قد غرق في البحر وذهب ؟ قال له يونس :
. . ( هامش صفحة 383 ) ( 1 ) في المصدر : سبحانك تبت اليك اني كنت من الظالمين .
( 2 ) في نسخة : فاستجاب الله له .
( 3 ) في المصدر : فألقاه إلى الساحل .
( 4 ) " " : وكان قد تساقط شعره .
( 5 ) " " : وكان يونس يسبح الله ويذكره الليل والنهار .
( 6 ) ذبل النبات : قل ماؤه وذهبت نضارته .
( 7 ) في نسخة : ولم تعبأ بها .
[384]
اللهم إن هذه الشاة تشهد لك أني يونس ، ( 1 ) فلما أتى الراعي قومه وأخبرهم أخذوه
وهموا بضربه ، فقال : إن لي بينة بما أقول ، قالوا : من يشهد ؟ قال : هذه الشاة تشهد ،
فشهدت بأنه صادق ، ( 2 ) وأن يونس قد رده الله إليهم ( 3 ) فخرجوا يطلبونه فوجدوه
فجاؤوا به وآمنوا وحسن إيمانهم فمتعهم الله إلى حين وهو الموت ، وأجارهم من ذلك
العذاب . ( 4 )
وقال علي بن إبراهيم في قوله : " وذا النون إذ ذهب مغاضبا " قال : هو يونس ، و
معنى ذاالنون أي ذا الحوت ، قوله : " فظن أن لن نقدر عليه " قال : أنزله على أشد
الامرين فظن به أشد الظن ، وقال : إن جبرئيل استثنى في هلاك قوم يونس ولم يسمعه
يونس ، قلت : ماكان حال يونس لما ظن أن الله لن يقدر عليه ؟ قال : كان من أمر شديد ،
قلت : وما كان سببه حتى ظن أن الله لن يقدر عليه ؟ قال : وكله إلى نفسه طرفة عين .
قال : وحدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالله بن سنان ، ( 5 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
سمعت أم سلمة النبي صلى الله عليه وآله يقول في دعائه : " اللهم ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين
أبدا " فسألته في ذلك ، فقال صلى الله عليه وآله : ياأم سلمة وما يؤمنني ، وإنما وكل الله يونس بن متى
إلى نفسه طرفة عين فكان منه ماكان . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 384 ) ( 1 ) في المصدر هنا زيادة هي هذه : فانطق الله الشاة له بانه يونس .
( 2 ) في نسخة : فشهدت أنه صادق .
( 3 ) " " : قد رده الله اليكم .
( 4 ) تفسير القمي : 293 296 .
( 5 ) في المصدر وفي البرهان : عبد الله بن سيار .
( 6 ) أخرجه المصنف مختصرا ، وأصله في المصدر : 432 هكذا : قال : كان رسول الله صلى الله
عليه وآله في بيت ام سلمة في ليلتها ، فقدته من الفراش فدخلها من ذلك ما يدخل النساء ، فقامت تطلبه
في جوانب البيت حتى انتهت اليه وهو في جانب من البيت قائما رافعا يديه يبكي وهو يقول :
" اللهم لاتنزع مني صالح ما أعطيتني أبدا ، اللهم ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ، اللهم لا
تشمت بي عدوا ولا حاسدا ابدا ، اللهم لاتردني من سوء استنقذتني منه أبدا " قال : فانصرفت ام
سلمة تبكي حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله لبكائها ، فقال لها : مايبكيك يا ام
سلمة ؟ فقالت : بأبي أنت وامي يارسول الله ولم لا أبكي وأنت بالمكان الذي انت به من الله قد
غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر تسأله أن لايشتمت بك عدوا أبدا ، وأن لا يردك في سوء
استنقذك منه أبدا ، وأن لاينزع منك صالح ما اعطاك أبدا ، وأن لايكلك إلى نفسك طرفة عين أبدا ،
فقال : ياام سلمة وما يؤمنني اه .
[385]
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " وذا النون إذ ذهب مغاضبا "
يقول : من أعمال قومه " فظن أن لن نقدر عليه " يقول : ظن أن لن يعاقب بما صنع . ( 1 )
بيان : قوله تعالى : " فلولا كانت قرية " قال الطبرسي رحمه الله : قيل : إن معناه
فهلا كان أهل قرية آمنوا في وقت ينفعهم إيمانهم ، أعلم الله سبحانه أن الايمان لا ينفع
عند وقوع العذاب ، ولا عند حضور الموت الذي لايشك فيه ، لكن قوم يونس لما آمنوا
كشفنا عنهم العذاب ، عن الزجاج ، قال : وقوم يونس لم يقع بهم العذاب إنما رأوا الآية
التي تدل على العذاب ، فمثلهم مثل العليل الذي يرجو العافية ويخاف الموت ، ( 2 ) و
قيل : إن معناه : فما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها ، يريد بذلك : لم يكن هذا معروفا
لامة من الامم كفرت ثم آمنت عند نزول العذاب وكشف عنهم ، أي لم أفعل هذا بأمة
قط إلا قوم يونس لما آمنوا عند نزول العذاب كشفت عنهم العذاب ( 3 ) بعد ما تدلى
عليهم ، عن قتادة وابن عباس ، وقيل : إنه أراد بقوله : " فلولا كانت قرية آمنت " قوم
ثمود فإنه قد جاءهم العذاب يوما فيوما كما جاء قوم يونس إلا أن قوم يونس استدركوا
ذلك بالتوبة وأولئك لم يستدركوا ، فوصف أهل القرية بأنهم سوى قوم يونس ليعرفهم
به بعض التعريف ، إذ كان أخبر عنهم على سبيل الاخبار عن النكرة ، عن الجبائي ، وهذا
إنما يصح إذا كان " إلا قوم يونس " مرفوعا . انتهى . ( 4 )
قوله : ( أنزله على أشد الامرين ) ظاهره أن المراد أن الله تعالى لما كلفه أمرا
شديدا وهو الصبر على وقوع خلاف ما أخبر به ظن به تعالى ظنا شديدا لا يليق به ، أو
المعنى أنه لما وكله الله إلى نفسه وهو أشد الامور ظن بالله أشد الظن بفرط الرجاء


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 385 سطر 19 إلى صفحه 393 سطر 18

حيث غفل عن عقابه تعالى ، وسيأتي بسط القول في تأويل الآية .
3 ع : الدقاق ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن علي بن سالم ،
. . ( هامش صفحة 385 ) ( 1 ) تفسير القمي : 432 .
( 2 ) هكذا في النسخ وفيه سقط واضح ، والصحيح كما في المصدر : مثل العليل الذي يتوب
في مرضه وهو يرجو العافية ويخاف الموت .
( 3 ) في المصدر : كشف عنهم العذاب .
( 4 ) مجمع البيان 5 : 134 و 135 .
[386]
عن أبيه ، عن أبي بصير قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : لاي علة صرف الله عزوجل العذاب
عن قوم يونس وقد أظلهم ولم يفعل ذلك بغيرهم من الامم ؟ فقال : لانه كان في علم الله عز
وجل أنه سيصرفه عنهم لتوبتهم ، وإنما ترك إخبار يونس بذلك لانه عزوجل أراد
أن يفرغه لعبادته في بطن الحوت فيستوجب بذلك ثوابه وكرامته . ( 1 )
شى : عن أبي بصير مثله . ( 2 )
بيان : يمكن توجيه الخبر بوجهين : الاول أن يكون السؤال عن علة عدم نزول
العذاب عليهم دفعة بل بأن أظلهم ولم ينزل بهم حتى تابوا ، فالجواب أنه لما علم الله
أنهم يتوبون بعد رؤيته جعله مظلا ( 3 ) بهم حتى تابوا فصرف عنهم .
الثاني : أن يكون السؤال على ظاهره ويكون الجواب أنهم لما تابوا صرف عنهم ،
والتعرض لحديث العلم لبيان أنه كان عالما بتوبتهم ، وإنما لم يخبر يونس للحكمة
المذكورة ، والاول أظهر لا سيما في الخبر الآتي .
4 ع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن الحسن بن علي بن
فضال ، عن أبي المغرا ، عن سماعة أنه سمعه عليه السلام وهو يقول : مارد الله العذاب عن قوم
قد أظلهم إلا قوم يونس ، فقلت : أكان قد أظلهم ؟ فقال : نعم حتى نالوه بأكفهم ، قلت :
فكيف كان ذلك ؟ قال : كان في العلم المثبت عند الله عزوجل الذي لم يطلع عليه أحد أنه
سيصرفه عنهم . ( 4 )
5 ع : أبي ، عن الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه ، ( 5 ) عن ابن أبي
. . ( هامش صفحة 386 ) ( 1 ) علل الشرائع : 37 .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط ، وألفاظه على مافي البرهان هكذا : عن أبي بصير ، عن أبي
عبدالله عليه السلام قال : لما أظل قوم يونس العذاب دعوا الله فصرفه عنهم ، قلت : كيف ذلك ؟
قال : كان في العلم أنه يصرفه عنهم .
( 3 ) في نسخة : مظللة .
( 4 ) علل الشرائع : 37 .
( 5 ) المصدر خال عن قوله : عن أخيه .
[387]
عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : مر يونس بن متى عليه السلام بصفائح
الروحاء وهو يقول : لبيك كشاف الكرب العظام لبيك . الخبر . ( 1 )
كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير مثله . ( 2 )
6 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن سجيم ، ( 3 ) عن
ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول وهو رافع يده إلى السماء : " رب لا
تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا " لا أقل من ذلك ولا أكثر ، قال : فما كان بأسرع من أن
تحدر الدموع من جوانب لحيته ، ثم أقبل علي فقال : ياابن أبي يعفور إن يونس بن متى
وكله الله عزوجل إلى نفسه أقل من طرفة عين فأحدث ذلك الظن ، ( 4 ) قلت : فبلغ به
كفرا أصلحك الله ؟ قال : لا ، ولكن الموت على تلك الحال هلاك . ( 5 )
7 ن : في خبر ابن الجهم أنه سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل :
" وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه " فقال الرضا عليه السلام : ذلك يونس بن
متى عليه السلام ذهب مغاضبا لقومه " فظن " بمعنى استيقن " أن لن نقدر عليه " أي لن نضيق
عليه رزقه ، ومنه قول الله عزوجل : " وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه " أي ضيق
عليه فقتر " فنادى في الظلمات " ظلمة الليل ، ( 6 ) وظلمة البحر ، وبطن الحوت " أن لا
إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني
لها في بطن الحوت فاستجاب الله له ، وقال عزوجل : " فلولا أنه كان من المسبحين * للبث
في بطنه إلى يوم يبعثون " . ( 7 )
. . ( هامش صفحة 387 ) ( 1 ) علل الشرائع : 145 .
( 2 ) فروع الكافي 1 : 223 و 224 .
( 3 ) الصحيح كما في المصدر " سحيم " بالحاء المهملة .
( 4 ) في المصدر : فأحدث ذلك الذنب . قلت : الحديث كما ترى ضعيف بمحمد بن سنان ، وسحيم
لم يثبت حاله ، مع أن معارض بما سيأتي .
( 5 ) اصول الكافي 2 : 581 .
( 6 ) في المصدر : أي ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت .
( 7 ) عيون الاخبار : 112
[388]
بيان : ( بتركي مثل هذه العبادة ) أي لما عبدالله تعالى في بطن الحوت أحسن العبادة
وذكره أحسن الذكر لفراغ باله عن الشواغل خضع لله وأقر بالظلم حيث ترك قبل دخوله
في بطن الحوت مثل تلك العبادة ، ولعل ذكر الآية الاخيرة لبيان أنه كان مشتغلا بالتسبيح
في بطن الحوت ، ويحتمل أن يكون عليه السلام تأول الآية بأنه لو لم يكن خارجا من بطن
الحوت من المسبحين للبث في بطنه ، لانه كان أصلح له وأفرغ لعبادته ، ولكنه لما كان في
الخارج أيضا من المسبحين وكان يترتب على خروجه هداية الخلق أيضا فلذا أخرجناه .
ولنذكر بعض ماقيل من التأويلات في تلك الآيات :
قال السيد قدس الله روحه : أما من ظن أن يونس عليه السلام خرج مغاضبا لربه
من حيث لم ينزل بقومه العذاب فقد خرج في الافتراء على الانبياء بسوء الظن بهم عن
الحد ، وليس يجوز أن يغاضب ربه إلا من كان معاديا ( 1 ) وجاهلا بأن الحكمة في
سائر أفعاله ، وهذا لا يليق بأتباع الانبياء من المؤمنين فضلا عمن عصمه الله ورفع درجته ،
وأقبح من ذلك ظن الجهال أنه ظن أن ربه لا يقدر عليه من جهة القدرة التي يصح
بها الفعل ، ويكاد يخرج عندنا من ظن بالانبياء مثل ذلك عن باب التمييز والتكليف ،
ولكن كان غضبه عليه السلام على قومه لمقامهم على تكذيبه وإصرارهم على الكفر ويأسه من
إقلاعهم وتوبتهم فخرج من بينهم خوفا من أن ينزل العذاب بهم وهو مقيم بينهم ، فأما
قوله : " فظن أن لن نقدر عليه " فمعناه أنا لانضيق عليه المسلك ، ونشدد عليه المحنة
والتكليف ، لان ذلك مما يجوز أن يظنه النبي ، ولاشك في أن قول القائل : قدرت
وقدرت بالتشديد والتخفيف معناه التضييق ، قال الله تعالى : " ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما
آتاه الله ( 2 ) ، وقال تعالى : " الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( 3 ) " وقال تعالى : " وأما
. . ( هامش صفحة 388 ) ( 1 ) في المصدر : معاديا له .
( 2 ) الطلاق : 7 .
( 3 ) الرعد : 26 . وفي المصدر بعد الاية : اي يوسع ويضيق .
[389]
إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ( 1 ) " والتضييق ( 2 ) الذي قدره الله عليه هو مالحقه من الحصول في
بطن الحوت ، وما لحقه في ذلك من المشقة الشديدة إلى أن نجاه الله تعالى منها . وأما
قوله تعالى : " فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " فهو
على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخضوع بين يديه ، وليس لاحد أن يقول : كيف
يعترف بأنه كان من الظالمين ولم يقع منه ظلم ؟ وذلك أنه يمكن أن يريد أني من الذين
يقع منهم الظلم ، فيكون صدقا وإن ورد على سبيل الخشوع والخضوع ، لان جنس البشر
لا يمتنع منه وقوع الظلم ، والفائدة في ذلك التطأمن ( 3 ) لله تعالى والتخاضع ونفي التكبر
والتجبر كما يقول الانسان إذا أراد أن يكسر نفسه : إنما أنا من البشر ولست من
الملائكة ، وأنا ممن يخطئ ويصيب ، وهو لا يريد إضافة الخطاء إلى نفسه . انتهى . ( 4 )
أقول : على ماذكره رحمه الله يحتمل أن يكون الغرض عد نعمه تعالى عليه بأني
مع كوني ممن يقع منه الظلم عصمتني عنه ، فلو وكلتني إلى نفسي لكنت مثلهم ظالما ، ولكن
بعصمتك نجيتني ، ومن آداب الدعاء والمسألة عد النعم السالفة للمنعم على السائل .
ثم قال رحمه الله : ووجه آخر وهو أنا قد بينا في قصة آدم عليه السلام أن المراد بذلك
أنا نقصنا الثواب وبخسنا حظنا منه ، لان الظلم في أصل اللغة : النقص والثلم ، ومن
ترك المندوب فقد ظلم نفسه من حيث نقصها ثواب ذلك . ( 5 ) وأما قوله تعالى : " فاصبر
لحكم ربك ولاتكن كصاحب الحوت " فليس على ماظنه الجهال من أنه ثقل عليه أعباء
النبوة لضيق خلقه فقذفها ، وإنما الصحيح أن يونس لم يقو على الصبر على تلك المحنة
التي ابتلاه الله بها لغاية الثواب ، فشكا إلى الله تعالى منها وسأله الفرج والخلاص ،
. . ( هامش صفحة 389 ) ( 1 ) الفجر : 16 .
( 2 ) في المصدر : أي ضيق ، والتضييق إه .
( 3 ) التطأمن : الانخفاض والخشوع .
( 4 ) تنزيه الانبياء : 99 و 100 .
( 5 ) في المصدر : ومن ترك المندوب إليه وهو لو فعله لاستحق الثواب يجوز أن يقول : إنه
ظلم نفسه من حيث نقصها ذلك الثواب .
[390]
ولو صبر لكان أفضل ، فأراد الله لنبيه صلى الله عليه وآله أفضل المنازل وأعلاها . انتهى . ( 1 )
أقول : لما كان الظاهر من أكثر الاخبار أنه كان هجرته عن القوم بعد العلم
بتوبتهم وصرف العذاب عنهم فيحتمل أن يكون غضبه كناية عن حزنه وأسفه على طلب
العذاب لهم ، وخوفه من أن يكذبوه بعد رجوعه إليهم حيث لم يقع ما أخبر به ، وأما
قوله تعالى : " فظن أن لن نقدر عليه " فالاكثر على أنه بمعنى التضييق كما مر . وقد
قيل فيه وجوه أخر :
الاول : أن يكون هذا من باب التمثيل ، يعني كانت حاله ومثله كحالة من ظن
أن لن نقدر عليه في خروجه من قومه من غير انتظار لامر الله . ( 2 )
والثاني : أن يفسر القدر بالقضاء ، فالمعنى : فظن أن لن نقضي عليه بشدة وهو
قول مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ، ورواية العوفي عن ابن عباس ، واختيار الفراء و
الزجاج ، ويؤيده أنه قرئ في الشواذ بضم النون وتشديد الدال المكسورة .
والثالث : أن المعنى : فظن أن لن نعمل فيه قدرتنا ، لان بين القدرة والفعل مناسبة
فلايبعد جعل أحدهما مجازا عن الآخر .
الرابع : أنه استفهام بمعنى التوبيخ .
ثم اختلفوا في الظلمات فقيل : أي في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت ،
وقيل : ظلمة الليل والبحر والحوت ، وقيل : كان حوت ( 3 ) في بطن حوت .
8 ل : الفامي وابن مسرور ، عن ابن بطة ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن
حماد ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أول من سوهم عليه مريم بنت
عمران وهو قول الله تعالى : " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " و
السهام ستة ، ثم استهموا في يونس لما ركب مع القوم فوقفت السفينة في اللجة فاستهموا
فوقع السهم على يونس ثلاث مرات ، قال : فمضى يونس إلى صدر السفينة فإذا الحوت
فاتح فاه فرمى بنفسه . الخبر . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 390 ) ( 1 ) تنزيه الانبياء : 100 و 101 .
( 2 ) كما يقول السلطان فيمن فر من خوفه : إنه ظن أن خرج من سلطاني ؟ لا يكون ذلك ، بل
هو في قبضتي وسلطاني .
( 3 ) كذا في النسخ . ( 4 ) الخصال 1 : 75 .
[391]
9 مع : معنى يونس أنه كان مستأنسا لربه ، مغاضبا لقومه ، وصار مؤنسا
لقومه بعد رجوعه إليهم . ( 1 )
10 ير : ابن معروف ، عن سعدان ، عن صباح المزني ، عن الحارث بن حصيرة ،
عن حبة العرني ( 2 ) قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات
وعلى أهل الارض أقر بها من أقر ، وأنكرها من أنكر ، أنكرها يونس فحبسه الله في
بطن الحوت حتى أقر بها . ( 3 )
بيان : المراد بالانكار عدم القبول التام وما يلزمه من الاستشفاع والتوسل بهم .
11 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة ، عن الحسن بن علي بن
محمد ، عن رجل ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : خرج يونس عليه السلام مغاضبا من قومه
لما رأى من معاصيهم حتى ركب مع قوم في سفينة في اليم فعرض لهم حوت ليغرقهم ، فساهموا
ثلاث مرات ، فقال يونس : إياي أراد ( فاقذفوني ) ؟ ، ولما أخذت السمكة يونس أوحى الله
تعالى جل وعلا إليها أني لم أجعله لك رزقا فلاتكسر له عظما ، ولا تأكل له لحما ، قال
فطافت به البحار ، فنادى في الظلمات : " أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "
وقال : لما صارت السمكة في البحر الذي فيه قارون سمع قارون صوتا لم يسمعه ، فقال للملك
الموكل به : ماهذا الصوت ؟ قال : هو يونس النبي عليه السلام في بطن الحوت ، قال : فتأذن لي أن
أكلمه ؟ قال : نعم ، قال : يايونس مافعل هارون ؟ قال : مات ، فبكى قارون ، قال : ما
فعل موسى ؟ قال : مات ، فبكى قارون ، فأوحى الله تعالى جلت عظمته إلى الملك الموكل
به : أن خفف العذاب على قارون لرقته على قرابته .
. . ( هامش صفحة 391 ) ( 1 ) معاني الاخبار : 19 .
( 2 ) حبة بفتح أوله ثم موحدة ثقيلة ابن جوين بجيم مصغر العرني بضم المهملة و
فتح الراء بعدها نون أبوقدامة الكوفي صدوق له أغلاط ، وكان غاليا في التشيع من الثانية ، وأخطأ
من زعم أن له صحبة مات سنة ست ، وقيل تسع وسبعين . منه رحمه الله . قلت : ترجمه بذلك ابن حجر
في التقريب : 92 .
( 3 ) بصائر الدرجات : 22 .
[392]
وفي خبر ( آخر ) ؟ : ارفع عنه العذاب بقية أيام الدنيا لرقته على قرابته ، ثم قال
أبوعبدالله عليه السلام : إن النبي صلى الله عليه وآله يقول : ما ينبغي لاحد أن يقول : أنا خير من يونس
ابن متى عليه السلام .
بيان : لعل المعنى على تقدير صحة الخبر أنه لا ينبغي أن يقول أحد : أنا خير
من يونس من حيث المعراج ، بأن يظن أني صرت من حيث العروج إلى السماء أقرب
إلى الله تعالى منه ، فإن نسبته تعالى إلى السماء والارض والبحار نسبة واحدة ، وإنما
أراني الله تعالى عجائب خلقه في السماوات وأرى يونس عجائب خلقه في البحار ، وإني
عبدت الله في السماء وهو عبدالله في ظلمات البحار ، ولكن التفضيل من جهات أخر . ( 1 )
12 شى : عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : وجدنا
في بعض كتب أمير المؤمنين عليه السلام قال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله أن جبرئيل عليه السلام حدثه
أن يونس بن متى عليه السلام بعثه الله إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة ، وكان رجلا يعتريه
الحدة ، ( 2 ) وكان قليل الصبر على قومه والمداراة لهم ، عاجزا عما حمل من ثقل حمل أوقار
النبوة وأعلامها ، وأنه يفسخ تحتها ( 3 ) كما يفسخ الجذع تحت حمله ، وأنه أقام فيهم
يدعوهم إلى الايمان بالله والتصديق به واتباعه ثلاثا وثلاثين سنة ، فلم يؤمن به ولم
يتبعه من قومه إلا رجلان : اسم أحدهما روبيل واسم الآخر تنوخا ، ( 4 ) وكان روبيل
من أهل بيت العلم والنبوة والحكمة ، وكان قديم الصحبة ليونس بن متى من قبل أن يبعثه
الله بالنبوة ، وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا منهمكا في العبادة ( 5 ) وليس له
هامش ص 392
( 1 ) ولعل المعنى أن أحدا لايغتر بنفسه حيث لم يصدر عنه ذنب ، أو يسمع قصة يونس عليه
السلام وغضبه حين رأى أن قومه نجا من العذاب فيقول : أنا خير من يونس ! لان ترك العصيان و
الطاعة لايكونان الا بعصمة الله وتوفيقه .
( 2 ) أي يصيبه البأس والغضب .
( 3 ) كناية عن ضعف العزم وعدم التحمل فيما يعرض له .
( 4 ) تقدم في خبر جميل أن اسمه مليخا .
( 5 ) انهمك في الامر : جد فيه ولج .
[393]
علم ولاحكم ، وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوت منها ، وكان تنوخا رجلا حطابا
يحتطب على رأسه ويأكل من كسبه ، وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا
لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته ، فلما رأى يونس عليه السلام أن قومه لا
يجيبونه ولا يؤمنون به ضجر وعرف من نفسه قلة الصبر فشكا ذلك إلى ربه ، وكان فيما
شكا أن قال : يارب إنك بعثتني إلى قومي ولي ثلاثون سنة ، فلبثت فيهم أدعوهم إلى
الايمان بك ، والتصديق برسالاتي ، وأخوفهم عذابك ونقمتك ثلاثا وثلاثين سنة
فكذبوني ولم يؤمنوا بي ، وجحدوا نبوتي واستخفوا برسالاتي ، وقد تواعدوني وخفت
أن يقتلوني ، فأنزل عليهم عذابك فإنهم قوم لايؤمنون .
قال : فأوحى الله إلى يونس أن فيهم الحمل والجنين والطفل والشيخ الكبير و
المرأة الضعيفة والمستضعف المهين ، وأنا الحكم العدل ، سبقت رحمتي غضبي ، لا أعذب
الصغار بذنوب الكبار من قومك ، وهم يايونس عبادي وخلقي وبريتي في بلادي وفي عيلتي
أحب أن أتأناهم وأرفق بهم وأنتظر توبتهم ، وإنما بعثتك إلى قومك لتكون حيطا
عليهم ، تعطف عليهم بالرحم الماسة منهم ، وتأناهم برأفة النبوة ، وتصبر معهم بأحلام
الرسالة ، وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوي ، العالم بمداواة الداء ، فخرقت بهم ، ( 1 )
ولم تستعمل قلوبهم بالرفق ، ولم تسسهم بسياسة المرسلين ، ثم سألتني عن سوء نظرك
العذاب لهم عند قلة الصبر منك ، وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه ، وأحسن صحبة
وأشد تأنيا في الصبر عندي ، وأبلغ في العذر ، فغضبت له حين غضب لي وأجبته حين
دعاني .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 393 سطر 19 إلى صفحه 401 سطر 18

فقال يونس : يارب إنما غضبت عليهم فيك ، وإنما دعوت عليهم حين عصوك ،
فوعزتك لا أتعطف عليهم برأفة أبدا ، ولا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم وتكذيبهم
إياي وجحدهم بنبوتي ، فأنزل عليهم عذابك فإنهم لا يؤمنون أبدا ، فقال الله : يايونس
إنهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي ، يعمرون بلادي ، ويلدون عبادي ، ومحبتي أن
. . ( هامش صفحة 393 ) ( 1 ) أي لم تتصرف فيهم حسن التصرف . ويمكن أن يكون مصحف " حزقت " بالزاي من حزق
الوتر أو الرباط : جذبه وشده . وحزق الشئ : عصره وضغطه فيكون كناية عن التشديد في أمرهم .
[394]
أتأناهم للذي سبق من علمي فيهم وفيك ، وتقديري وتدبيري غير علمك وتقديرك ، وأنت
المرسل وأنا الرب الحكيم ، وعلمي فيهم يايونس باطن في الغيب عندي لا تعلم مامنتهاه ،
وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له ، يايونس قد أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم
وما ذلك يايونس بأوفر لحظك عندي ، ولا أجمل لشأنك ، ( 1 ) وسيأتيهم عذاب في شوال
يوم الاربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس ، فأعلمهم ذلك .
قال : فسر بذلك يونس ولم يسؤه ولم يدر ما عاقبته ، فانطلق يونس إلى تنوخا
العابد فأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم ، وقال له :
انطلق حتى أعلمهم بما أوحى الله إلي من نزول العذاب ، فقال تنوخا : فدعهم في غمرتهم
ومعصيتهم حتى يعذبهم الله ، فقال له يونس : بل نلقي روبيل فنشاوره فإنه رجل عالم
حكيم من أهل بيت النبوة ، فانطلقا إلى روبيل فأخبره يونس عليه السلام بما أوحى الله إليه من
نزول العذاب على قومه في شوال يوم الاربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس ، فقال
له : ماترى انطلق بنا حتى أعلمهم ذلك ، فقال له روبيل : ارجع إلى ربك رجعة نبي
حكيم ورسول كريم ، وسله أن يصرف عنهم العذاب فإنه غني عن عذابهم ، وهو يحب
الرفق بعباده وما ذلك بأضر لك عنده ، ولا أسوأ لمنزلتك لديه ، ولعل قومك بعد ماسمعت
ورأيت من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوما فصابرهم وتأنهم ، فقال له تنوخا : ويحك يا
روبيل ما أشرت ( 2 ) على يونس وأمرته بعد كفرهم بالله ، وجحدهم لنبيه ، وتكذيبهم إياه
وإخراجهم إياه من مساكنه ، وما هموا به من رجمه ؟ فقال روبيل لتنوخا : اسكت فإنك
رجل عابد لا علم لك .
ثم أقبل على يونس فقال : أرأيت يايونس إذا أنزل الله العذاب على قومك أنزله ( 3 )
فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا ويبقى بعض ؟ فقال له يونس : بل يهلكهم جميعا ، وكذلك
سألته ، مادخلتني لهم رحمة تعطف فأراجع الله فيهم وأسأله أن يصرف عنهم ، فقال له روبيل :
. . ( هامش صفحة 394 ) ( 1 ) في البرهان : بأوفر سخطك عندي ولا أحمد لشأنك .
( 2 ) " " : على ما أشرت .
( 3 ) " " : أينزله .
[395]
أتدري يا يونس لعل الله إذا أنزل عليهم العذاب فأحسوا به أن يتوبوا إليه ويستغفروا
فيرحمهم فإنه أرحم الراحمين ، ويكشف عنهم العذاب من بعد ماأخبرتهم عن الله أنه ينزل
عليهم العذاب يوم الاربعاء فتكون بذلك عندهم كذابا ، فقال له تنوخا : ويحك ياروبيل
لقد قلت عظيما ، يخبرك النبي المرسل أن الله أوحى إليه أن العذاب ينزل عليهم فترد
قول الله وتشك فيه وفي قول رسول الله اذهب فقد حبط عملك ، فقال روبيل لتنوخا : لقد
فشل رأيك .
ثم أقبل على يونس فقال : إذا نزل الوحي والامر من الله فيهم على ما أنزل عليك
فيهم من إنزال العذاب عليهم وقوله الحق أرأيت إذا كان ذلك فهلك قومك كلهم وخربت
قريتهم أليس يمحو الله اسمك من النبوة ، وتبطل رسالتك ، وتكون كبعض ضعفاء الناس
ويهلك على يديك مائة ألف من الناس ؟ ( 1 ) فأبى يونس أن يقبل وصيته فانطلق ومعه
تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد ، ورجع يونس إلى قومه فأخبرهم أن الله أوحى
إليه أنه ينزل العذاب ( 2 ) عليكم يوم الاربعاء في شوال في وسط الشهر بعد طلوع
الشمس ، فردوا عليه قوله فكذبوه وأخرجوه من قريتهم إخراجا عنيفا ، فخرج يونس عليه السلام
ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد ، وأقاما ينتظران العذاب ، وأقام روبيل مع
قومه في قريتهم حتى إذا دخل عليهم شوال صرخ روبيل بأعلى صوته في رأس الجبل
إلى القوم : أنا روبيل ، شفيق عليكم ، رحيم بكم ، هذا شوال قد دخل عليكم ،
وقد أخبركم يونس نبيكم ورسول ربكم أن الله أوحى إليه أن العذاب ينزل عليكم
في شوال في وسط الشهر يوم الاربعاء بعد طلوع الشمس ، ولن يخلف الله وعده رسله ،
فانظروا ماأنتم صانعون ، فأفزعهم كلامه ووقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب فأجفلوا
نحو روبيل وقالوا له : ماذا أنت تشير به علينا ( 3 ) يا روبيل ؟ فإنك رجل عالم حكيم ،
لم نزل نعرفك بالرقة علينا ( 4 ) والرحمة لنا ، وقد بلغنا ماأشرت به على يونس فينا فمرنا
. . ( هامش صفحة 395 ) ( 1 ) في البرهان : مائة ألف أو يزيدون من الناس .
( 2 ) " " : أوحى اليه أني منزل عليكم العذاب .
( 3 ) " " : ماذا أنت مشير به علينا .
( 4 ) " " : بالرأفة علينا .
[396]
بأمرك ، وأشر علينا برأيك ، فقال لهم روبيل : فإني أرى لكم وأشير عليكم أن
تنظروا وتعمدوا إذا طلع الفجر يوم الاربعاء في وسط الشهر أن تعدلوا الاطفال ( 1 )
عن الامهات في أسفل الجبل في طريق الاودية ، وتقفوا النساء في سفح الجبل ، ( 2 ) و
يكون هذا كله قبل طلوع الشمس ، فإذا رأيتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق فعجوا ( 3 )
الكبير منكم والصغير بالصراخ والبكاء ، والتضرع إلى الله ، والتوبة إليه والاستغفار له
وارفعوا رؤوسكم إلى السماء وقولوا : ربنا ظلمنا وكذبنا نبيك ، وتبنا إليك من ذنوبنا ،
وإن لا تغفر لنا ( 4 ) وترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين ، فاقبل توبتنا وارحمنا ياأرحم
الراحمين ، ثم لاتملوا من البكاء والصراخ والتضرع إلى الله والتوبة إليه حتى تتوارى
الشمس بالحجاب ، أو يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك ، فأجمع رأي القوم جميعا على
أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل .
فلما كان يوم الاربعاء الذي توقعوا العذاب ( 5 ) تنحى روبيل من القرية حيث يسمع
صراخهم ويرى العذاب إذا نزل ، فلما طلع الفجر يوم الاربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم
روبيل به ، فلما بزغت الشمس أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة ، لها صرير وحفيف وهدير
فما رأوها عجوا جميعا بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله ، وتابوا إليه واستغفروه ، و
صرخت الاطفال بأصواتها تطلب أمهاتها ، وعجت سخال ( 6 ) البهائم تطلب اللبن ، وعجت
الانعام تطلب الرعي ، ( 7 ) فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان صيحتهم وصراخهم
ويدعوان الله عليهم بتغليظ العذاب عليهم ، وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم و
. . ( هامش صفحة 396 ) ( 1 ) في البرهان : أن تعزلوا الاطفال عن الامهات .
( 2 ) في البرهان زيادة هي هذه : وكل المواشي جميعا عن اطفالها .
( 3 ) " " : فعجوا عجيجا .
( 4 ) " " : وان لم تغفر لنا .
( 5 ) " " : توقعوا فيه العذاب .
( 6 ) جمع السخلة : ولد الشاة .
( 7 ) في البرهان : وعجت سخال البهائم تطلب الثدى ، وسغب الانعام تطلب الرعي . قلت :
سغب : جاع .
[397]
يرى ما نزل وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم ، فلما أن زالت الشمس وفتحت أبواب
السماء وسكن غضب الرب تعالى رحمهم الرحمن فاستجاب دعاءهم وقبل توبتهم وأقالهم
عثرتهم ، وأوحى إلى إسرافيل أن اهبط إلى قوم يونس فإنهم قد عجوا إلي بالبكاء و
التضرع ، وتابوا إلي واستغفروا لي فرحمتهم وتبت عليهم ، وأنا الله التواب الرحيم ، أسرع
إلى قبول توبة عبدي التائب من الذنوب ، وقد كان عبدي يونس ورسولي سألني نزول
العذاب على قومه وقد أنزلته عليهم ، وأنا الله أحق من وفى بعهده ، وقد أنزلته عليهم ، ولم
يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلكهم ، فاهبط إليهم فاصرف
عنهم ماقد نزل بهم من عذابي .
فقال إسرافيل : يارب إن عذابك قد بلغ أكتافهم وكاد أن يهلكهم وما أراه إلا
وقد نزل بساحتهم ، فكيف أنزل أصرفه ؟ ( 1 ) فقال الله : كلا إني قد أمرت ملائكتي
أن يصرفوه ( 2 ) ولا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمري فيهم وعزيمتي ، فاهبط يا إسرافيل
عليهم واصرفه عنهم ، واصرف به إلى الجبال بناحية مفاوض العيون ، ومجاري السيول في
الجبال العادية المستطيلة على الجبال فأذلها به ولينها حتى تصير ملينة ( 3 ) حديدا جامدا
فهبط إسرافيل عليهم فنشر أجنحته فاستاق ( 4 ) بها ذلك العذاب حتى ضرب بها تلك
الجبال التي أوحى الله إليه أن يصرفه إليها . قال أبوجعفر عليه السلام : وهي الجبال التي بناحية
الموصل اليوم فصارت حديدا إلى يوم القيامة .
فلما رأى قوم يونس أن العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم عن رؤوس
الجبال وضموا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم ، وحمدوا الله على ماصرف عنهم ، وأصبح
يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه لا يشكان أن العذاب قد نزل بهم
وأهلكهم جميعا لما خفيت أصواتهم عندهما ، ( 5 ) فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع
. . ( هامش صفحة 397 ) ( 1 ) في البرهان : فالى أين أصرف ؟
( 2 ) في نسخة : أن يوقفوه .
( 3 ) " " وفي البرهان : ملتئمة .
( 4 ) استاق الماشية : حثها على السير من خلف ، عكس قادها .
( 5 ) في البرهان : لما خفيت أصواتهم عنهما .
[398]
طلوع الشمس ينظران إلى ماصار إليه القوم ، فلما دنوا من القوم واستقبلتهم الحطابون
والحماة ( 1 ) والرعاة بأغنامهم ونظروا إلى أهل القرية مطمئنين قال يونس لتنوخا :
ياتنوخا كذبني الوحي ، وكذبت وعدي لقومي ، ولا عزة لي ولا يرون لي وجها أبدا ( 2 )
بعدما كذبني الوحي ، فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه ناحية البحر مستنكرا ( 3 )
فرارا من أن يراه أحد من قومه فيقول له : ياكذاب ، فلذلك قال الله : " وذا النون إذ
ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه " الآية ، ورجع تنوخا إلى القرية فلقي روبيل فقال له :
ياتنوخا أي الرأيين كان أصوب وأحق أن يتبع ؟ رأيي أو رأيك ؟ فقال له تنوخا : بل
رأيك كان أصوب ، ولقد كنت أشرت برأي الحكماء العلماء ، ( 4 ) فقال له تنوخا : أما
إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي حتى استبان فضلك لفضل علمك
وما أعطاك الله ربك من الحكمة مع التقوى أفضل ( 5 ) من الزهد والعبادة بلا علم ، فاصطحبا
فلم يزالا مقيمين مع قومهما ، ومضى يونس على وجهه مغاضبا لربه فكان من قصته ماأخبر
الله به في كتابه إلى قوله : " فآمنوا فمتعناهم إلى حين " .
قال أبوعبيدة : قلت لابي جعفر عليه السلام : كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع
إليهم بالنبوة والرسالة فآمنوا به وصدقوه ؟ قال : أربعة أسابيع : سبعا منها في ذهابه إلى
البحر ، وسبعا منها في رجوعه إلى قومه ، فقلت له : وماهذه الاسابيع شهور أو أيام أو
ساعات ؟ فقال : ياعبيدة ( 6 ) إن العذاب أتاهم يوم الاربعاء في النصف من شوال ، وصرف
عنهم من يومهم ذلك ، فانطلق يونس مغاضبا فمضى يوم الخميس سبعة أيام في مسيره إلى
البحر ، وسبعة أيام في بطن الحوت ، وسبعة أيام تحت الشجرة بالعراء ، وسبعة أيام في
. . ( هامش صفحة 398 ) ( 1 ) في البرهان : والحمارة . قلت : هم أصحاب الحمير في السفر .
( 2 ) " " : لا وعزة ربي لا يرون لي وجهي أبدا .
( 3 ) " " : ناحية بحر ايلة متنكرا .
( 4 ) " " : والعلماء .
( 5 ) في البرهان : مع أن التقوى أفضل .
( 6 ) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في البرهان : يا باعبيدة .
[399]
رجوعه إلى قومه ، فكان ذهابه ورجوعه مسيرة ثمان وعشرين يوما ، ثم أتاهم فآمنوا به و
صدقوه واتبعوه ، فلذلك قال الله : " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس
لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي " . ( 1 )
ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن
ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة ، عنه عليه السلام مثله مع اختصار . ( 2 )
بيان : قوله : ( يفسخ ) الفسخ بالسين المهملة والخاء المعجمة : الطرح والنقض
والتفريق ، وبالشين المعجمة والحاء المهملة : تفريج ما بين الرجلين ، ويقال : فشح عنه أي
عدل ، وبالشين المعجمة والجيم أيضا معناه قريب مما ذكر ، ويقال : أفسج عني بالسين
المهملة والجيم أي تركني وخلا عني ، والكل لايخلو من مناسبة . والجذع : الناقة
الشابة أو ما دخلت في الخامسة . والفشل : الضعف والجبن . وأجفلوا إليه أي انقلعوا
وأسرعوا إليه .
وقوله عليه السلام : ( بعد ما كذبني الوحي ) أي باعتقاد القوم . وقوله : ( مغاضبا لربه )
أي على قومه لربه تعالى . أي كان غضبه لله تعالى لا للهوى ، أو خائفا عن تكذيب قومه
لما تخلف عنه من وعد ربه .
13 شى : عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن يونس لما آذاه قومه دعا الله
عليهم فأصبحوا أول يوم ووجوههم مصفرة ، ( 3 ) وأصبحوا اليوم الثاني ووجوههم مسودة ( 4 )
قال : وكان الله واعدهم أن يأتيهم العذاب حتى نالوه برماحهم ، ففرقوا بين النساء و
أولادهن ، والبقر وأولادها ، ولبسوا المسوح والصوف ، ووضعوا الحبال في أعناقهم ، و
الرماد على رؤوسهم ، وضجوا ضجة واحدة إلى ربهم ( 5 ) وقالوا : آمنا بإله يونس ، قال :
. . ( هامش صفحة 399 ) ( 1 ) تفسير العياشي مخطوط . وأخرجه البحراني ايضا في البرهان 2 : 200 202 .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 3 ) في نسخة : ووجوههم صفرة . وفي البرهان : صفر .
( 4 ) في البرهان : ووجوههم سود .
( 5 ) " " : وصاحوا صيحة واحدة إلى ربهم .
[400]
فصرف الله عنهم العذاب إلى جبال آمد ، ( 1 ) قال : وأصبح يونس وهو يظن أنهم هلكوا
فوجدهم في عافية فغضب وخرج كما قال الله مغاضبا حتى ركب سفينة فيها رجلان ،
فاضطربت السفينة فقال الملاح : ياقوم في سفينتي لمطلوب ، فقال يونس : أنا هو ، وقام ليلقي
نفسه ، فأبصر السمكة وقد فتحت فاها فهابها وتعلق به الرجلان وقالا له : أنت ويحك ونحن
رجلان ؟ فساهمهم ( 2 ) فوقعت السهام عليه فجرت السنة بأن السهام إذا كانت ثلاث مرات
أنها لاتخطئ ، فألقى نفسه فالتقمه الحوت فطاف به البحار سبعة ( 3 ) حتى صار إلى البحر
المسجور وبه يعذب قارون ، فسمع قارون دويا ( 4 ) فسأل الملك عن ذلك ، فأخبره أنه
يونس ، وأن الله حبسه في بطن الحوت ، فقال له قارون : أتأذن لي أن أكلمه ؟ فأذن له ،
فسأله عن موسى عليه السلام فأخبره أنه مات فبكى ، ثم سأله عن هارون عليه السلام فأخبره أنه
مات ( 5 ) فبكى وجزع جزعا شديدا ، وسأله عن أخته كلثم وكانت مسماة له فأخبره
أنها ماتت فبكى وجزع جزعا شديدا ، قال : فأوحى الله ( 6 ) إلى الملك الموكل به أن ارفع
عنه العذاب بقية الدنيا لرقته على قرابته . ( 7 )
14 شى : عن معمر قال : قال أبوالحسن الرضا عليه السلام : إن يونس عليه السلام لما أمره
الله بما أمره فأعلم قومه فأظلهم العذاب ففرقوا وبين أولادهم وبين البهائم وأولادها ، ثم
. . ( هامش صفحة 400 ) ( 1 ) قال ياقوت : آمد بكسر الميم : أعظم ديار بكر .
( 2 ) في البرهان : أنت وحدك ( ويحك خ ) ونحن رجلان ، نتساهم فتساهموا . ( فساهم خ ) .
( 3 ) " " : البحار السبعة . وهو الصواب .
( 4 ) " " : صوتا ، مكان دويا .
( 5 ) " " : فقال : يايونس فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران ؟ فأخبره أنه مات
قال : فما فعل الرؤوف العطوف على قومه هارون بن عمران ؟ فأخبره أنه مات .
( 6 ) في البرهان : وكانت سميت له فاخبره أنها ماتت ، فقال : وا أسفاه على آل عمران ،
فاوحى الله .
( 7 ) تفسر العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني في البرهان 2 : 203 ، وفي نسخة منه :
على قومه .
[401]
عجوا إلى الله وضجوا ، فكف الله العذاب عنهم ، فذهب يونس عليه السلام مغاضبا فالتقمه الحوت
فطاف به سبعة أبحر ، فقلت له : كم بقي في بطن الحوت ؟ قال : ثلاثة أيام ثم لفظه الحوت
وقد ذهب جلده وشعره ، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين فأظلته ، فلما قوي أخذت في
اليبس ، فقال : يارب شجرة أظلتني يبست ، فأوحى الله إليه : يايونس تجزع لشجرة
أظلتك ولا تجزع لمائة ألف أو يزيدون من العذاب ؟ ! . ( 1 )
بيان : الاختلاف الذي وقع في تلك الاخبار في مدة مكثه في بطن الحوت يشكل
رفعه ، ولعل بعضها محمولة على التقية . ( 2 )
15 قب : الثمالي قال : دخل عبدالله بن عمر على زين العابدين عليه السلام وقال :
ياابن الحسين أنت الذي تقول : إن يونس بن متى إنما لقي من الحوت مالقي لانه
عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها ؟ قال : بلى ثكلتك أمك ، قال : فأرني آية
ذلك إن كنت من الصادقين ، ( 3 ) فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة ، ثم أمر بعد
ساعة بفتح أعيننا ، فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه ، فقال ابن عمر : ياسيدي
دمي في رقبتك ، الله الله في نفسي ، فقال : هيه وأريه ان كنت من الصادقين . ( 4 )
ثم قال : يا أيها الحوت ، قال : فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم
وهو يقول : لبيك لبيك ياولي الله ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا حوت يونس ياسيدي ،
قال : أنبئنا بالخبر ، قال : ياسيدي إن الله تعالى لم يبعث نبيا من آدم إلى أن صار جدك
محمد إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت ، فمن قبلها من الانبياء سلم وتخلص ، ومن
توقف عنها وتمنع من حملها ( 5 ) لقي مالقي آدم عليه السلام من المعصية ، ومالقي نوح عليه السلام


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 401 سطر 19 إلى صفحه 409 سطر 18

. . ( هامش صفحة 401 ) ( 1 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني عنه أيضا في البرهان 2 : 203 .
( 2 ) أو الاشتباه من الراوي .
( 3 ) في البرهان : فأرني برهان ذلك إن كنت من الصادقين .
( 4 ) في البرهان : فقال علي بن الحسين عليه السلام : أردت البرهان ؟ فقال عبدالله بن عمر :
أرني إن كنت من الصادقين .
( 5 ) تمنع عن الشئ : كف عنه . وفي المصدر والبرهان : تتعتع في حملها . ولعله من تتعتع
في الكلام : تردد فيه من عى ، فهو كناية عن عدم القبول والتردد في حملها .
[402]
من الغرق ، ومالقي إبراهيم عليه السلام من النار ، وما لقي يوسف عليه السلام من الجب ، ومالقي أيوب عليه السلام
من البلاء ، ومالقي داود عليه السلام من الخطيئة إلى أن بعث الله يونس عليه السلام ، فأوحى الله إليه :
أن يا يونس تول أمير المؤمنين عليا والائمة الراشدين من صلبه في كلام له ، قال :
فكيف أتولى من لم أره ولم أعرفه ، وذهب مغتاظا ، ( 1 ) فأوحى الله تعالى إلي أن التقمي
يونس ولا توهني له عظما ، فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات
ثلاث ، ينادي : إنه لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، قد قبلت ولاية علي
ابن أبي طالب والائمة الراشدين من ولده ، فلما أن آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته
على ساحل البحر ، فقال زين العابدين عليه السلام : ارجع أيها الحوت إلى وكرك ، واستوى
الماء . ( 2 )
بيان : قوله عليه السلام : ( هيه وأريه ) الظاهر أن الهائين للسكت ، أي هي السمكة
أريكها إن كنت من الصادقين كما قلت ، ويحتمل أن تكون " أن " مخففة بحذف اللام .
16 نبه : علي بن الحكم ، عمن رفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال : إن داود النبي
عليه السلام قال : يارب أخبرني بقريني في الجنة ونظيري في منازلي ، فأوحى الله تبارك
وتعالى إليه : إن ذلك متى أبا يونس ، قال : فاستأذن الله في زيارته فأذن له ، فخرج هو
وسليمان ابنه عليهما السلام حتى أتيا موضعه ، فإذا هما ببيت من سعف ، فقيل لهما : هو في
السوق ، فسألا عنه فقيل لهما : اطلباه في الحطابين ، فسألا عنه فقال لهما جماعة من الناس :
نحن ننتظره ، الآن يجئ ، فجلسا ينتظرانه إذا أقبل وعلى رأسه وقر من حطب ، فقام إليه
الناس فألقى عنه الحطب وحمد الله وقال : من يشتري طيبا بطيب ؟ ( 3 ) فساومه واحد وزاده
آخر حتى باعه من بعضهم ، قال : فسلما عليه ، فقال : انطلقا بنا إلى المنزل ، واشترى
طعاما بما كان معه ثم طحنه وعجنه في نقير له ، ثم أجج نارا وأوقدها ، ثم جعل العجين
في تلك النار وجلس معهما يتحدث ، ثم قام وقد نضجت خبيزته ، فوضعها في النقير و
. . ( هامش صفحة 402 ) ( 1 ) في البرهان : وذهب مغاضبا .
( 2 ) مناقب آل أبي طالب 3 : 281 ، وأخرجه أيضا البحراني في البرهان 4 : 37 .
( 3 ) في المصدر : حطبا بطيب .
[403]
فلقها ( 1 ) وذر عليها ملحا ، ووضع إلى جنبه مطهرة ملا ماء ، وجلس على ركبتيه وأخذ
لقمة فلما رفعها إلى فيه قال : بسم الله ، فلما ازدردها ( 2 ) قال : الحمد لله ، ثم فعل ذلك
بأخرى وأخرى ، ثم أخذ الماء فشرب منه فذكر اسم الله ، فلما وضعه قال : الحمد لله ،
يارب من ذا الذي أنعمت عليه وأوليته مثل ماأوليتني ؟ قد صححت بصري وسمعي وبدني
وقويتني حتى ذهبت إلى الشجر لم أغرسه ( 3 ) ولم أهتم لحفظه جعلته لي رزقا ، وسقت
إلي من اشتراه مني فاشتريت بثمنه طعاما لم أزرعه ، وسخرت لي النار فأنضجته ، و
جعلتني آكله بشهوة أقوى به على طاعتك فلك الحمد ، قال : ثم بكى ، قال داود : يابني
قم فانصرف بنا فإني لم أر عبدا قط أشكر لله من هذا . ( 4 )
بيان : قال الجزري : النقير : أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر ويلقى
عليه الماء ليصير نبيذا .
17 فس : " وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق " يعني هرب " إلى الفلك المشحون
فساهم " أي ألقى السهام " فكان من المدحضين " أي من المغوصين " فالتقمه الحوت وهو مليم
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين " قال : الدباء . ( 5 )
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " إذ أبق إلى الفلك المشحون " أي فر من قومه
إلى السفينة المملوءة من الناس والاحمال خوفا من أن ينزل العذاب وهو مقيم فيهم " فساهم "
يونس القوم بأن ألقوا السهام على سبيل القرعة ، أي قارعهم " فكان من المدحضين " أي من
المقروعين ، عن الحسن وابن عباس ، وقيل : من المسهومين ، عن مجاهد ، والمراد : من الملقين
في البحر ، واختلف في سبب ذلك فقيل : إنهم أشرفوا على الغرق فرأوا أنهم إن طرحوا
. . ( هامش صفحة 403 ) ( 1 ) في المصدر : فلفها .
( 2 ) أي بلعها .
( 3 ) في المصدر : حتى ذهبت إلى شجر لم أغرسه .
( 4 ) تنبيه الخواطر 1 : 18 و 19 .
( 5 ) تفسير القمي : 560 . قلت : الدباء بالضم وتشديد الباء والمد وقيل : يجوز القصر :
القرع ، وقيل : الدباء اعم من القرع لان القرع لا يطلق الا على الرطب . وقيل : الدباء هو
اليابس منه .
[404]
واحدا منهم في البحر لم يغرق الباقون ، وقيل : إن السفينة احتبست فقال الملاحون : إن
ههنا عبدا آبقا ، فإن من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لاتجري ، فلذلك اقترعوا فوقعت
القرعة على يونس ثلاث مرات فعلموا أنه المطلوب فألقى نفسه في البحر ، وقيل : إنه
لما وقعت القرعة عليه ألقوه في البحر " فالتقمه الحوت " اي ابتلعه ، وقيل : إن الله سبحانه
أوحى إلى الحوت : إني لم أجعل عبدي رزقا لك ، ولكني جعلت بطنك له مسجدا ، فلا
تكسرن له عظما ، ولاتخدشن له جلدا " وهو مليم " أي مستحق اللوم لوم العتاب ،
لا لوم العقاب على خروجه من بين قومه من غير أمر ربه ، وعندنا أن ذلك إنما وقع
منه تركا للمندوب ، وقد يلام الرجل على ترك المندوب ، ومن يجوز الصغيرة على الانبياء
قال : قد وقع ذلك صغيرة مكفرة .
واختلف في مدة لبثه في بطن الحوت فقيل : كان ثلاثة أيام ، عن مقاتل بن حيان ،
وقيل : سبعة أيام ، عن عطاء ، وقيل : عشرين يوما ، عن الضحاك ، وقيل : أربعين يوما ، عن
السدي ومقاتل بن سليمان والكلبي " فلولا أنه كان من المسبحين " أي كان من المصلين
في حال الرخاء فنجاه الله عند البلاء ، عن قتادة ، وقيل : كان تسبيحه أنه كان يقول : " لا إله
إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " عن سعيد بن جبير .
وقيل : " من المسبحين " أي من المنزهين الله عما لا يليق به " للبث في بطنه إلى يوم
يبعثون " أي لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة " فنبذناه بالعراء " أي طرحناه
بالمكان الخالي الذي لانبت فيه ولا شجر ، وقيل : بالساحل ، ألهم الله الحوت حتى قذفه
ورماه من جوفه على وجه الارض " وهو سقيم " أي مريض حين ألقاه الحوت " وأنبتنا عليه
شجرة من يقطين " وهو القرع ، عن ابن مسعود ، وقيل : هو كل نبت يبسط على وجه الارض
ولا ساق له ، عن ابن عباس والحسن .
وروى ابن مسعود ( 1 ) قال : خرج يونس من بطن الحوت كهيئة فرخ ليس عليه
ريش ، فاستظل بالشجرة من الشمس " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " قيل : إن الله
سبحانه أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل ، عن قتادة ، وكانت رسالته هذه بعد مانبذه
. . ( هامش صفحة 404 ) ( 1 ) في المصدر : روى عن ابن مسعود .
[405]
الحوت ، عن ابن عباس ، فعلى هذا يجوز أن يكون أرسل على قوم بعد قوم ، ويجوز أن
يكون أرسل إلى الاولين بشريعة فآمنوا بها .
وقيل في معنى " أو " في قوله : " أو يزيدون " وجوه :
أحدها أنه على طريق الابهام على المخاطبين ، كأنه قال : أرسلناه إلى إحدى
العدتين .
وثانيها : أن " أو " تخيير كأن الرائي خير بين أن يقول : هم مائة ألف أو يزيدون
عن سيبويه ، والمعنى أنهم كانوا عددا لو نظر إليهم الناظر لقال : هم مائة ألف أو يزيدون .
وثالثها : أن " أو " بمعنى الواو ، كأنه قال : ويزيدون ، عن بعض الكوفيين ، وقال
بعضهم : معناه : بل يزيدون ، وهذان القولان الاخيران غير مرضيين عند المحققين ، وأجود
الاقوال الاول والثاني .
واختلف في الزيادة على مائة ألف كم هي ؟ فقيل : عشرون ألفا ، عن ابن عباس و
مقاتل ، وقيل : بضع وثلاثون ألفا ، عن الحسن والربيع ، وقيل : سبعون ألفا ، عن مقاتل بن
حيان .
" فآمنوا فمتعناهم إلى حين " حكى سبحانه عنهم أنهم آمنوا بالله وراجعوا التوبة
فكشف عنهم العذاب ، ومتعهم بالمنافع واللذات إلى انقضاء آجالهم . ( 1 )
وقال رحمه الله : إن قوم يونس كانوا بأرض نينوى من أرض الموصل ، وكان يدعوهم
إلى الاسلام فأبوا ، فأخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث إن لم يتوبوا ، فقالوا : إنا
لم نجرب عليه كذبا ، فإن بات ( 2 ) فيكم تلك الليلة فليس بشئ ، وإن لم يبت فاعلموا
أن العذاب مصبحكم ، فلما كان في جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم ، فلما
أصبحوا تغشاهم العذاب ، قال وهب : أغامت السماء ( 3 ) غيما أسود هائلا يدخن دخانا
شديدا ، فهبط حتى غشي مدينتهم واسودت سطوحهم .
. . ( هامش صفحة 405 ) ( 1 ) مجمع البيان 8 : 458 و 459 .
( 2 ) في المصدر : فانظروا فان بات .
( 3 ) اغامت السماء : كانت ذات غيم .
[406]
وقال ابن عباس : كان العذاب فوق رؤوسهم قدر ثلثي ميل ، فلما رأوا ذلك أيقنوا
بالهلاك فطلبوا نبيهم فلم يجدوه فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم
ولبسوا المسوح وأظهروا التوبة ، ( 1 ) وفرقوا بين كل والدة وولدها .
قال ابن مسعود : بلغ من توبة أهل نينوى أن ترادوا ( 2 ) المظالم بينهم حتى أن
كان الرجل يأتي إلى الحجر وقد وضع عليه أساس بنيانه فيقلعه ويرده ، وروي أنه قال
شيخ من بقية علمائهم : ( 3 ) قولوا : " ياحي حين لاحي ، وياحي محيي الموتى ، وياحي
لا إله إلا أنت " فقالوها فكشف عنهم العذاب ، وقال ابن مسعود : لما ابتلعه الحوت ابتلع
الحوت حوت آخر فأهوى به إلى قرار الارض ، وكان في بطنه أربعين ليلة ، فنادى في الظلمات
أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فاستجاب الله له فأمر الحوت فنبذه على
ساحل البحر وهو كالفرخ المتمعط ، ( 4 ) فأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، فجعل يستظل
تحتها ، ووكل الله به وعلا ( 5 ) يشرب من لبنها إلى أن رده الله إلى قومه . ( 6 ) وقيل :
إنه عليه السلام أرسل إلى قوم غير قومه الاولين انتهى . ( 7 )
وقال صاحب الكامل : كان يقطر عليه من شجرة اليقطين اللبن . ( 8 )
وقال الشيخ في المصباح : في اليوم التاسع من المحرم أخرج الله يونس من بطن
الحوت . ( 9 )
. . ( هامش صفحة 406 ) ( 1 ) في المصدر : وأظهروا الايمان والتوبة .
( 2 ) " " : يرادوا .
( 3 ) " " : وروى عن أبي مخلد انه قال : لما غشى قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ
من بقية علمائهم فقالوا له : لقد نزل بنا العذاب فما ترى ؟ قال : قولوا .
( 4 ) المتمعط : الذي سقط شعره من داء يعرض له .
( 5 ) الوعل : تيس الجبل .
( 6 ) في المصدر : يشرب من لبنها فيبست الشجرة فبكى عليها ، فأوحى الله تعالى إليه : تبكي على
شجرة يبست ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون ؟ أردت أن اهلكهم ؟ فخرج يونس فاذا هو بغلام
يرعى فقال : من أنت ؟ قال : من قوم يونس ، قال : اذا رجعت اليهم فأخبرهم أنك لقيت يونس
فاخبرهم الغلام ورد الله عليه بدنه ورجع إلى قومه وآمنوا به .
( 7 ) مجمع البيان 5 : 135 و 136 .
( 8 ) الكامل 1 : 126 .
( 9 ) مصباح المتهجد : 528 .
[407]
( باب 27 )
* ( قصة أصحاب الكهف والرقيم ) *
الايات ، الكهف " 18 " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا
عجبا * إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا *
فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا * ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما
لبثوا أمدا * نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى *
وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والارض لن ندعو من دونه إلها
لقد قلنا إذا شططا * هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا * وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف
ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا * وترى الشمس إذا طلعت
تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من
آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا * وتحسبهم أيقاظا
وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم
لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا * وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم
قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى
المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولايشعرن بكم أحدا * إنهم
إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولم تفلحوا إذا أبدا * وكذلك أعثرنا
عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لاريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا
ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا *
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة
[408]
وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم مايعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا
تستفت فيهم منهم أحدا * ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله و
اذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لاقرب من هذا رشدا * ولبثوا في كهفهم
ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا * قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والارض أبصر
به وأسمع مالهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا 9 26 .
تفسير : قال المفسرون : اختلف في معنى الرقيم فقيل : إنه كان اسم الوادي الذي
كان فيه الكهف ، وقيل : هو اسم الجبل ، وقيل : هو القرية التي خرجوا منها ، وقيل : هو لوح
من حجارة كتبوا فيه قصتهم ثم وضعوه على باب الكهف ، وقيل : جعل ذلك اللوح في خزائن
الملوك لانه من عجائب الامور ، وقيل : الرقيم اسم كلبهم ، وقيل : الرقيم : كتاب ، ولذلك الكتاب
خبر ، ولم يخبر الله عما فيه ، وقيل : إن أصحاب الرقيم هم الثلاثة الذين دخلوا في غار فانسد
عليهم كما سيأتي شرحه " وهيئ لنا من أمرنا " أي من الامر الذي نحن عليه من مفارقة
الكفار " رشدا " نصير بسببه راشدين مهتدين ، أو اجعل أمرنا كله رشدا كقولك : رأيت
منك أسدا " فضربنا على آذانهم " أي ضربنا عليها حجابا يمنع السماع ، أي أنمناهم
إنامة لاينبههم فيها الاصوات ، فحذف المفعول " ثم بعثناهم " أيقظناهم " لنعلم " ليتعلق
علمنا تعلقا حاليا مطابقا لتعلقه أولا تعلقا استقباليا " أي الحزبين " من المؤمنين و
الكافرين من قوم أصحاب الكهف حين وقع بينهم التنازع في مدة لبثهم ، وقيل : يعني
بالحزبين أصحاب الكهف لما استيقظوا ، اختلفوا في مقدار لبثهم " إنهم فتية " قالوا أي
شبان ، وسيأتي في الخبر تفسيره " وربطنا على قلوبهم " أي قويناها وشددنا عليها
بالالطاف والخواطر المقوية للايمان حتى وطنوا أنفسهم على إظهار الحق ، والثبات
على الدين ، والصبر على المشاق ( 1 ) " إذ قاموا " بين يدي ملكهم " لقد قلنا إذا شططا " ( 2 )
. . ( هامش صفحة 408 ) ( 1 ) في المجمع : ومفارقة الوطن .
( 2 ) " " : معناه ان دعونا مع الله إلها آخر فلقد قلنا اذا قولا مجاوزا للحق غاية في
البطلان .
[409]
والله لقد قلنا قولا ذا شطط ، أي ذا بعد عن الحق ، مفرط في الظلم " عليهم " أي على عبادتهم ( 1 )
" بسلطان بين " أي ببرهان ساطع ظاهر " وإذ اعتزلتموهم " هذا خطاب بعضهم لبعض ،
وقال ابن عباس : هذا قول تمليخا " من أمركم مرفقا " أي ماترفقون وتنتفعون به " تزاور
عن كهفهم " تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم ، لان الكهف كان ( جنوبيا ) ؟ ، أو لان
الله زورها عنهم ، والزور : الميل " ذات اليمين " أي جهة اليمين " تقرضهم " أي تعدل عنهم
وتتركهم " وهم في فجوة منه " أي في متسع من الكهف يعني في وسطه بحيث ينالهم روح
الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس ، وذلك أن باب الكهف كان في مقابلة بنات
نعش ، وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه ، وأن الشمس
إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الايمن ، وهو الذي يلي المغرب ، و
تغرب محاذية لجانبه الايسر ، فيقع شعاعها على جنبيه ، ويحلل عفونته ، ويعدل هواه ،
ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم ، وقيل : بل الله صرف عنهم الشمس بقدرته
" وليا مرشدا " من يليه ويرشده " وتحسبهم أيقاظا " لانفتاح عيونهم ، أو لكثرة تقلبهم
" وهم رقود " أي نيام ، ونقلبهم كيلا تأكل الارض مايليها من أبدانهم " وكلبهم " أي
كلب الراعي الذي تبعهم ، وقيل : إنهم مروا بكلب فتبعهم فطردوه فعد ففعلوا ذلك
مرارا ، فقال لهم : ماتريدون مني ؟ لاتخشوا خيانتي فأنا أحب أولياء الله فنوموا حتى
أحرسكم ، وقيل : كان كلب صيدهم " بالوصيد " بفناء الكهف ، وقيل : الوصيد : الباب ،
وقيل : العتبة " ولملئت منهم رعبا " خوفا يملا صدرك لما ألبسهم الله من الهيبة ، أو لعظم
أجرامهم وانفتاح عيونهم ، وقيل : لوحشة مكانهم .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 409 سطر 19 إلى صفحه 417 سطر 18

وقال الطبرسي : روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزوت مع معاوية نحو
الروم فمروا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا
إليهم ، فقلت له : ليس هذا لك فقد منع ذلك من هو خير منك ، قال الله : " لو اطلعت "
الآية ، فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم علمهم ، فبعث رجالا فلما دخلوا الكهف أرسل الله
عليهم ريحا أخرجتهم . ( 2 )
. . ( هامش صفحة 409 ) ( 1 ) في المجمع : على عبادتهم غير الله .
( 2 ) مجمع البيان 6 : 456 .
[410]
" وكذلك بعثناهم " أي وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا " ليتساءلوا
بينهم " ليسأل بعضهم بعضا فيتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيزدادوا يقينا .
قال المفسرون : إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم الله في آخر النهار ، فلذلك قالوا
" يوما " فلما رأوا الشمس قالوا : " أو بعض يوم " .
" قالوا ربكم " قال ابن عباس : القائل هو تمليخا رئيسهم " بورقكم " الورق :
الدراهم " فلينظر أيها " أي أي أهلها " أزكى طعاما " أحل وأطيب ، أو أكثر وأرخص " و
ليتلطف " وليتكلف اللطف في المعاملة حتى لا يغبن ، أو في التخفي حتى لا يعرف
" يرجموكم " يقتلوكم بالرجم ، أو يؤذوكم أو يشتموكم " أعثرنا عليهم " أي أطلعنا عليهم
" ليعلموا أن وعد الله " بالبعث " حق " لان نومهم وانتباههم كحال من يموت ثم يبعث
" إذ يتنازعون " أي فعلنا ذلك حين تنازعوا في البعث ، فمنهم من أنكره ، ومنهم من قال
ببعث الارواح دون الاجساد ، ومنهم من أثبت البعث فيهما ، وقيل : إن معناه : إذ يتنازعون
في قدر مكثهم وفي عددهم وفيما يفعل بهم بعد أن اطلعوا عليهم فسقطوا ميتين ، فقال بعضهم :
ماتوا ، وقال بعضهم : ناموا نومهم أول مرة ، وقالت طائفة : نبني عليهم بنيانا يسكنه الناس
ويتخذونه قرية ، وقال آخرون : لنتخذن عليهم مسجدا يصلى فيه .
وقوله : " ربهم أعلم بهم " اعتراض إما من الله ردا على الخائضين في أمرهم من
أولئك المتنازعين ، أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول ، أو من المتنازعين للرد إلى الله
بعد ماتذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم فلم يتحقق لهم ذلك " سيقولون "
أي الخائضون في قصتهم في عهد الرسول من أهل الكتاب والمؤمنين " ثلاثة رابعهم كلبهم "
قيل : هو قول اليهود ، وقيل : قول السيد من نصارى نجران " ويقولون خمسة " قالته
النصارى ، أو العاقب " رجما بالغيب " يرمون رميا بالخبر الخفي الذي لا مطلع لهم عليه
أو ظنا بالغيب " ويقولون سبعة " قاله المسلمون ، واستدل على هذا بإتباعه بقوله :
" قل ربي " وإتباع الاولين بقوله : " رجما بالغيب " .
" ما يعلمهم إلا قليل من الناس " قال ابن عباس : أنا من ذلك القليل ، هم سبعة و
ثامنهم كلبهم " فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا " فلا تجادل في شأن الفتية إلا جدالا ظاهرا
[411]
غير متعمق ، وهو أن تقص عليهم مافي القرآن من غير تجهيل لهم ، أو إلا مراءا يشهده
الناس ويحضرونه " ولا تستفت " ولا تسأل أحدا منهم عن قصتهم سؤال مسترشد .
واختلف في قوله : " ولبثوا في كهفهم " فقيل : إنه إخبار عن الواقع ، وقيل :
إنه حكاية لكلام أهل الكتاب بقرينة قوله : " قل الله أعلم " .
" أبصر به وأسمع " أي ما أبصره وما أسمعه فلا يخفى عليه شئ ! " من ولي "
أي من يتولى أمورهم .
1 ص : ابن بابويه ، عن محمد بن يوسف بن علي ، عن الحسن بن علي بن نضر ( 1 )
الطرسوسي ، عن أبي الحسن بن قرعة القاضي بالبصرة ، عن زياد عن عبدالله البكائي ، عن
محمد بن إسحاق ، عن إسحاق بن يسار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما كان في عهد
خلافة عمر أتاه قوم من أحبار اليهود فسألوه [ ( 2 ) ] ؟ عن أقفال السماوات ماهي ؟ وعن مفاتيح السماوات
ماهي ؟ وعن قبر سار بصاحبه ماهو ؟ وعمن أنذر قومه ليس من الجن ولا من الانس ، و
عن خمسة أشياء مشت على وجه الارض لن يخلقوا في الارحام ، وما يقول الدراج في
صياحه ، وما يقول الديك والفرس والحمار والضفدع والقنبر ، فنكس عمر رأسه ، ( 3 ) و
. . ( هامش صفحة 411 ) ( 1 ) في نسخة : " نصر " بالصاد المهملة ، ولعل الصحيح : الحسن بن علي بن نصر الطوسي .
( 2 ) في العرائس هنا زيادة هي هكذا : فقالوا له أنت ولي الامر بعد محمد وصاحبه ، وانا
نريد أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا علمنا أن الاسلام حق وأن محمدا كان نبيا ، وان لم تخبرنا
علمنا أن الاسلام باطل وأن محمدا لم يكن نبيا ، فقال : سلوا عما بدالكم ، قالوا : أخبرنا عن
أقفال السماوات .
( 3 ) في العرائس : مايقول الدراج في صياحه ؟ ومايقول الديك في صراخه ؟ وما يقول الفرس
في صهيله ؟ ومايقول الضفدع في نعيقه ؟ ومايقول الحمار في نهيقه ؟ وما يقول القنبر في صفيره ؟
قال : فنكس عمر رأسه في الارض ! ثم قال : لاعيب بعمر اذا سئل عما لا يعلم أن يقول : لا أعلم !
فوثب اليهود وقالوا : نشهد ان محمدا لم يكن نبيا وأن الاسلام باطل ، فوثب سلمان الفارسي وقال
لليهود : قفوا قليلا ، ثم توجه نحو علي بن ابي طالب كرم الله وجهه حتى دخل عليه ، فقال : يا
أبا الحسن اغث الاسلام ، فقال : وماذاك ؟ فاخبره الخبر ، فاقبل يرفل في بردة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فلما نظر اليه عمر وثب قائما فاعتنقه ، وقال : ياأبا الحسن أنت لكل معضلة وشدة تدعا
فدعا علي كرم الله وجهه اليهود فقال : سلوا عما بدالكم ، فان النبي صلى الله عليه وسلم علمني ألف
باب من العلم فتشعب لي من كل باب الف باب ، فسألوه عنها ، فقال علي كرم الله وجهه : ان لي
عليكم شريطة .
[412]
قال : يا أبا الحسن ماأرى جوابهم إلا عندك ! فقال لهم علي عليه السلام : إن لي عليكم شريطة :
إذا أنا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا ؟ قالوا : نعم .
فقال عليه السلام : أما أقفال السماوات هو الشرك بالله ، فإن العبد والامة إذا كانا
مشركين مايرفع لهما إلى الله سبحانه عمل ، فقالوا : ما مفاتيحها ؟ فقال علي عليه السلام : شهادة
أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . فقالوا : أخبرنا عن قبر سار بصاحبه ، قال : ذاك
الحوت حين ابتلع يونس عليه السلام فدار به في البحار السبعة . فقالوا : أخبرنا عمن أنذر قومه
لامن الجن ولا من الانس ، قال : تلك نملة سليمان إذ قالت : " ياأيها النمل ادخلوا
مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده " .
قالوا : فأخبرنا عن خمسة أشياء مشت على الارض ماخلقوا في الارحام ، قال : ذاك
آدم وحواء وناقة صالح وكبش إبراهيم وعصا موسى . قالوا : فأخبرنا ما تقول هذه
الحيوانات ؟ قال : الدراج يقول : الرحمن على العرش استوى ، والديك يقول : اذكروا
الله ياغافلين ، والفرس يقول إذا مشى المؤمنون إلى الكافرين : ( 1 ) اللهم انصر عبادك
المؤمنين على عبادك الكافرين ، والحمار يلعن العشار وينهق في عين الشيطان ، والضفدع
يقول : سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار ، والقنبر يقول : اللهم العن مبغضي
محمد وآل محمد .
قال : وكانت الاحبار ثلاثة فوثب اثنان وقالا : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله . قال : فوقف الحبر الآخر وقال : ياعلي لقد وقع في
قلبي ماوقع في قلوب أصحابي ولكن بقيت خصلة أسألك عنها ، فقال علي عليه السلام : سل ،
قال : أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان فماتوا ثلاث مائة وتسع سنين ثم
أحياهم الله ما كان قصتهم ؟ فابتدأ علي عليه السلام وأراد أن يقرأ سورة الكهف . فقال الحبر :
ماأكثر ماسمعنا قرآنكم ، فإن كنت عالما بهم أخبرنا بقصة هؤلاء وبأسمائهم وعددهم و
اسم كلبهم واسم كهفهم واسم ملكهم واسم مدينتهم .
. . ( هامش صفحة 412 ) ( 1 ) زاد في العرائس : إلى الجهاد .
[413]
فقال علي عليه السلام : لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ، يا أخا اليهود حدثني
محمد صلى الله عليه وآله أنه كان بأرض الروم مدينة يقال لها أقسوس ( 1 ) وكان لها ملك صالح فمات ملكهم
فاختلفت كلمتهم فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له دقيانوس ( 2 ) فأقبل في مائة ألف حتى
دخل مدينة أقسوس فاتخذها دار مملكته ، واتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ
واتخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض مثل ذلك من الرخام الممرد ، ( 3 )
واتخذ في ذلك المجلس أربعة آلاف أسطوانة من ذهب ، واتخذ ألف قنديل من ذهب لها
سلاسل من اللجين تسرج ( 4 ) بأطيب الادهان ، واتخذ في شرقي المجلس ثمانين كوة ، ( 5 )
ولغربيه كذلك ، وكانت الشمس إذا طلعت طلعت في المجلس كيفما دارت ، واتخذ فيه سريرا
من ذهب طوله ثمانون ذراعا في عرض أربعين ذراعا ، له قوائم من فضة مرصعة بالجواهر ، وعلاه
بالنمارق ، واتخذ من يمين السرير ثمانين كرسيا من الذهب مرصعة بالزبرجد الاخضر
فأجلس عليها بطارقته ، واتخذ من يسار السرير ثمانين كرسيا من الفضة مرصعة بالياقوت
الاحمر فأجلس عليها هراقلته ( 6 ) ثم علا السرير فوضع التاج على رأسه .
فوثب اليهودي فقال : مم كان تاجه ؟ قال : من الذهب المشبك ، ( 7 ) له سبعة أركان ( 8 )
على كل ركن لولؤة بيضاء تضئ كضوء المصباح في الليلة الظلماء ، واتخذ خمسين غلاما
. . ( هامش صفحة 413 ) ( 1 ) قال الثعلبي : ويقال هي طرسوس كان اسمها في الجاهلية اقسوس فلما جاء الاسلام سموها
طرسوس . منه رحمه الله . قلت : قال ياقوت : افسوس بضم الهمزة وسكون الفاء : بلد بثغورطرطوس
يقال انه بلد اصحاب الكهف .
( 2 ) في نسخة : دقيوس وكذا فيما يأتي ، قال ابن الاثير : اسمه دقيوس ، ويقال : دقيانوس .
وزاد في العرائس : وكان جبارا كافرا .
( 3 ) في نسخة : من الزجاج الممرد .
( 4 ) " " وفي العرائس : تسرج كل ليلة .
( 5 ) في العرائس : مائة وثمانين .
( 6 ) في نسخة : هرابذته .
( 7 ) " " وفي العرائس : الذهب السبيك .
( 8 ) في العرائس : له تسعة أركان .
[414]
من أولاد الهراقلة ( 1 ) فقرطقهم بقراطق الديباج الاحمر ، ( 2 ) وسرولهم بسراويلات
الحرير الاخضر ، وتوجهم ودملجهم وخلخلهم ، وأعطاهم أعمدة من الذهب ، ووقفهم على
رأسه ، واتخذ ستة غلمة وزراءه ، فأقام ثلاثة عن يمينه ، وثلاثة عن يساره ، فقال
اليهودي : ما كان أسماء الثلاثة ( 3 ) والثلاثة ؟ فقال علي عليه السلام : الذين عن يمينه أسماؤهم
تمليخا ومكسلمينا وميشيلينا ( 4 ) وأما الذين عن يساره فأسماؤهم مرنوس وديرنوس و
شاذريوس ، ( 5 ) وكان يستشيرهم في جميع أموره ، وكان يجلس في كل يوم في صحن داره
والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره ، ويدخل ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من ذهب
مملوء من المسك المسحوق ، وفي يد الآخر جام من فضة مملوء من ماء الورد ، وفي يد
الآخر طائر أبيض له منقار أحمر ، فإذا نظر الملك إلى ذلك الطائر صفر به فيطير الطائر
حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه ، ثم يقع على جام المسك فيحمل مافي الجام بريشه
وجناحه ، ثم يصفر به الثانية فيطير الطائر على تاج الملك فينفذ ما في ريشه وجناحه على
رأس الملك . ( 6 )
فلما نظر الملك إلى ذلك عتا وتجبر فادعى الربوبية من دون الله ، ودعا إلى ذلك
. . ( هامش صفحة 414 ) ( 1 ) في نسخة : من أولاد البطارقة .
( 2 ) في العرائس : فمنطقهم بمناطق الديباج الاحمر .
( 3 ) في نسخة : ما كان اسم الثلاثة .
( 4 ) " " : مجسلمينا . وفي العرائس : محسلمينا .
( 5 ) " " : مرطونس وكشطونس وسادنوس . وفي العرائس : مرطليوس ، كشطوس ،
سادنيوس . وفي مجمع البيان : كمسلمينا وتمليخا ومرطولس ونينونس وسارينونس ودربونس
وكشوطبنونس وهو الراعي . وفي المحبر : قال الكلبي : هم مسكسملينا ، ويمليخا ، ومرطولس ،
وذنوانس ، وديودنس ، وساربيونس ، وكشفوطدبيوس ، وبطينوسوس ، قال : واسم الملك الذي
هربوا منه دقيانوس ، والملك الذي ظهروا في زمانه تيديسوس ، واسم المدينة افسوس ، واسم
الرستاق الذي كانوا منه انوس ، واسم الكهف انجلوس وذكرهم الطبري وابن الاثير في تاريخهما
مع اختلاف .
( 6 ) في عرائس الثعلبي : فمكث الملك في ملكه ثلاثين سنة من غير أن يصيبه صداع ولا وجع
ولا حمى ولا لعاب ولا بصاق ولا مخاط فلما رأى ذلك من نفسه وماله عتا اه منه رحمه الله .
[415]
وجوه قومه ، فكل من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه ، وكل من لم يبايعه قتله
فاستجابوا له رأسا ، واتخذ لهم عيدا في كل سنة مرة ، فبيناهم ذات يوم في عيد و
البطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيه
فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه ( 1 ) فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه
يقال له تمليخا وكان غلاما فقال في نفسه : لو كان دقيانوس إلها كما يزعم إذا ماكان يغتم
ولا يفزع ، وماكان يبول ولا يتغوط ، وما كان ينام ، وليس هذه من فعل الاله ، قال : وكان
الفتية الستة كل يوم عند أحدهم وكانوا ذلك اليوم عند تمليخا ، فاتخذ لهم من طيب
الطعام ، ثم قال لهم : يا إخوتاه قد وقع في قلبي شئ منعني الطعام والشراب والمنام ،
قالوا : وماذاك يا تمليخا ؟ قال : أطلت فكري في هذه السماء فقلت : من رفع سقفها محفوظة
بلا عمد ولا علاقة من فوقها ؟ ومن أجرى فيها شمسا وقمرا آيتان مبصرتان ؟ ( 2 ) ومن زينها
بالنجوم ؟ ثم أطلت الفكر في الارض فقلت : من سطحها على ظهر اليم الزاخر ؟ ( 3 ) ومن
حبسها بالجبال أن تميد على كل شئ ؟ ( 4 ) وأطلت فكري في نفسي من أخرجني جنينا ( 5 )
من بطن أمي ؟ ومن غذاني ؟ ومن رباني ؟ إن لها صانعا ومدبرا غير دقيوس الملك ،
وما هو إلا ملك الملوك ، وجبار السماوات ، فانكبت الفتية على رجليه يقبلونها ، وقالوا
بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى ، فأشر علينا ، ( 6 ) قال : فوثب تمليخا فباع تمرا من
حائط له بثلاثة الآف درهم وصرها في ردنه ( 7 ) وركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة ،
. . ( 1 ) في نسخة : على ناحية .
( 2 ) " " : آيتين مبصرتين .
( 3 ) " " : على صميم الماء الزخار .
( 4 ) في العرائس : ومن حبسها وربطها بالجبال الرواسي لئلا تميد .
( 5 ) في العرائس : فقلت : من اخرجني جنينا .
( 6 ) " " : فأشر علينا فقال : يا اخواني ما أجد لي ولكم حيلة الا الهرب من هذا
الجبار إلى ملك السماوات والارض ، فقالوا : الرأي مارأيت ، فوثب تمليخا فابتاع تمرا بثلاثة
دراهم وصرها في ردائه .
( 7 ) الردن : اصل الكم : طرفه الواسع وكانت العرب تضع فيه الدراهم والدنانير . وفي نسخة :
صرها في ردائه .
[416]
فلما ساروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا : يا إخوتاه جاءت مسكنة الآخرة وذهب ملك
الدنيا ، انزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم ، لعل الله أن يجعل لكم من أمركم فرجا
ومخرجا ، فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم
تقطر دما .
قال : فاستقبلهم راع فقالوا : يا أيها الراعي هل من شربة لبن أو ماء ؟ فقال الراعي :
عندي ماتحبون ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك ، وما أظنكم إلا هرابا من دقيوس
الملك ، قالوا : ياأيها الراعي لايحل لنا الكذب ، أفينجينا منك الصدق ؟ فأخبروه بقصتهم
فانكب الراعي على أرجلهم يقبلها ، ويقول : ياقوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم ،
ولكن امهلوني حتى أرد الاغنام على أربابها وألحق بكم ، فتوقفوا له فرد الاغنام و
أقبل يسعى يتبعه الكلب له . ( 1 )
قال : فوثب اليهودي فقال : ياعلي ماكان اسم الكلب ؟ ومالونه ؟ فقال علي عليه السلام :
لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ، أما لون الكلب فكان أبلقا ( 2 ) بسواد ، وأما اسم الكلب
فقطمير ، فلما نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم : إنا نخاف أن يفضحنا بنباحه ، فألحوا
عليه بالحجارة ، فأنطق الله تعالى جل ذكره الكلب : ذروني حتى أحرسكم من عدوكم
فلم يزل الراعي يسير بهم حتى علاهم ( 3 ) جبلا فانحط بهم على كهف يقال له
الوصيد ، ( 4 ) فإذا بفناء الكهف عيون وأشجار مثمرة ، فأكلوا من الثمر وشربوا من الماء
وجنهم الليل فآووا إلى الكهف وربض الكلب على باب الكهف ومد يديه عليه ، فأوحى الله
تعالى عز وعلا إلى ملك الموت بقبض أرواحهم ، ووكل الله بكل رجل ملكين يقلبانه من
ذات اليمين إلى ذات الشمال ، ومن ذات الشمال إلى اليمين ، فأوحى الله تعالى عز وعلا
إلى خزان الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين ، وتقرضهم ذات الشمال ، ( 5 )
. . ( هامش صفحة 416 ) ( 1 ) في نسخة : فتبعه كلبه .
( 2 ) كذا في النسخ .
( 3 ) " " : حتى علا بهم .
( 4 ) في العرائس : فوثب اليهودي وقال : ياعلي مااسم ذلك الجبل ؟ وما اسم الكهف ؟ قال
أمير المؤمنين : يا أخا اليهود اسم الجبل ناجلوس ، واسم الكهف الوصيد .
( 5 ) في العرائس : تزاور عن كهفهم ذات اليمين اذا طلعت ، واذا غربت تقرضهم ذات الشمال .
[417]
فلما رجع دقيوس ( 1 ) من عيده سأل عن الفتية فأخبر أنهم خرجوا هرابا فركب في ثمانين
ألف حصان ، ( 2 ) فلم يزل يقفو أثرهم حتى علا فانحط إلى كهفهم فلما نظر إليهم إذا هم
نيام ، فقال الملك : لو أردت أن أعاقبهم بشئ لما عاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم ، و
لكن ايتوني بالبنائين فسد باب الكهف بالكلس والحجارة ، وقال لاصحابه : قولوا لهم :
يقولوا لالههم الذي في السماء لينجيهم وأن يخرجهم من هذا الموضع .
قال علي عليه السلام : يا أخا اليهود فمكثوا ثلاث مائة سنة وتسع سنين ، فلما أراد
الله أن يحييهم أمر إسرافيل الملك أن ينفخ فيهم الروح ، فنفخ فقاموا من رقدتهم ، فلما أن
بزغت الشمس قال بعضهم : قد غفلنا في هذه الليلة عن عبادة إله السماء ، فقاموا فإذا العين قد
غارت ، وإذا الاشجار قد يبست ، فقال بعضهم : إن أمورنا لعجب ، مثل تلك العين الغزيرة
قد غارت والاشجار قد يبست في ليلة واحدة ! ومسهم الجوع فقالوا : ابعثوا بورقكم هذه إلى
المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا ،
قال تمليخا : لا يذهب في حوائجكم غيري ، ولكن ادفع أيها الراعي ثيابك إلي ، قال :
فدفع الراعي ثيابه ومضى يؤم المدينة ، فجعل يرى مواضع لايعرفها ، وطريقا هو ينكرها
حتى أتى باب المدينة وإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه : لا إله إلا الله عيسى رسول الله ، قال :
فجعل ينظر إلى العلم وجعل يمسح عينيه ويقول : أراني نائما ، ثم دخل المدينة حتى
أتى السوق فأتى رجلا خبازا فقال : أيها الخباز ما اسم مدينتكم هذه ؟ قال : أقسوس
قال : ومااسم ملككم ؟ قال : عبدالرحمن ، قال : ادفع إلي بهذه الورق طعاما ، فجعل الخباز
يتعجب من ثقل الدراهم ومن كبرها . قال فوثب اليهودي وقال : يا علي وما كان وزن


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 417 سطر 19 إلى صفحه 425 سطر 18

كل درهم منها ؟ قال : وزن كل درهم عشرة دراهم وثلثي درهم ، ( 3 ) فقال الخباز : يا
هذا أنت أصبت كنزا ؟ فقال تمليخا : ماهذا إلا ثمن تمر بعتها منذ ثلاث ، وخرجت من هذه
. . ( هامش صفحة 417 ) ( 1 ) تقدم ان دقيانوس ودقيوس كلاهما صحيح .
( 2 ) في نسخة وفي العرائس : ثمانين الف فارس .
( 3 ) في العرائس : ثلثا درهم . وهو الصواب .
[418]
المدينة ، وتركت الناس يعبدون دقيوس الملك ، قال : فأخذ الخباز بيد تمليخا وأدخله
على الملك فقال : ماشأن هذا الفتى ؟ قال الخباز : هذا رجل أصاب كنزا ، ( 1 ) فقال الملك :
يافتى لاتخف فإن نبينا عيسى عليه السلام أمرنا أن لانأخذ من الكنز إلا خمسها ، فأعطني
خمسها وامض سالما .
فقال تمليخا : انظر أيها الملك في أمري ما أصبت كنزا ، أنا رجل من أهل هذه
المدينة ، فقال الملك : أنت من أهلها ؟ قال : نعم ، قال : فهل تعرف بها أحدا ؟ قال : نعم ،
قال : مااسمك ؟ ( 2 ) قال : اسمي تمليخا ، قال : وماهذه الاسماء أسماء أهل زماننا ، فقال
الملك : فهل لك في هذه المدينة دار ؟ قال : نعم اركب أيها الملك معي ، قال : فركب الملك
والناس معه فأتى بهم أرفع دار في المدينة ، قال تمليخا : هذه الدار لي ، فقرع الباب فخرج
إليهم شيخ وقد وقع حاجباه على عينيه من الكبر ، فقال : ماشأنكم ؟ فقال الملك : أتاها هذا
الغلام بالعجائب ، يزعم أن هذه الدار داره ، فقال له الشيخ : من أنت ؟ قال : أنا تمليخا
ابن قسطيكين ، ( 3 ) قال : فانكب الشيخ على رجليه يقبلهما ويقول : هو جدي ورب
الكعبة ، فقال : أيها الملك هؤلاء الستة الذين خرجوا هرابا من دقيوس الملك . ( 4 )
قال : فنزل الملك عن فرسه وحمله على عاتقه وجعل الناس يقبلون يديه ورجليه ، فقال :
يا تمليخا مافعل أصحابك ؟ فأخبر أنهم في الكهف ، وكان يومئذ بالمدينة ملك مسلم ( 5 )
. . ( هامش صفحة 418 ) ( 1 ) في العرائس : فغضب الخباز وقال : ألا ترضى ان أصبت كنزا أن تعطيني بعضه حتى
تذكر رجلا جبارا كان يدعى الربوبية قد مات منذ ثلاث مائة سنة ، وتسخر بي ؟ ثم أمسكه واجتمع
الناس ثم انهم أتوا به إلى الملك وكان عاقلا عادلا فقال لهم : ما قصة هذا الفتى ؟ قالوا : اصاب
كنزا .
( 2 ) في العرائس : قال : فسم لنا ، فسمى له نحوا من ألف رجل فما عرفوا منهم رجلا واحدا
قالوا : ياهذا مانعرف هذه الاسماء وليست هي من أهل زماننا .
( 3 ) في نسخة : ابن فسطين . وفي العرائس : ابن فلسين .
( 4 ) وفي العرائس : ولقد كان عيسى عليه السلام أخبرنا بقصتهم وأنهم سيحيون .
( 5 ) أي مسلم بعيسى عليه السلام .
[419]
وملك يهودي فركبوا في أصحابهم فلما صاروا قريبا من الكهف قال لهم تمليخا : إني
أخاف أن تسمع أصحابي أصوات حوافر الخيول فيظنون أن دقيوس الملك قد جاء
في طلبهم ، ولكن امهلوني حتى أتقدم فأخبرهم ، فوقف الناس فأقبل تمليخا حتى دخل
الكهف فلما نظروا إليه اعتنقوه وقالوا : الحمد لله الذي نجاك من دقيوس ، قال
تمليخا : دعوني عنكم وعن دقيوسكم ، قال : كم لبثتم ؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم !
قال تمليخا : بل لبثتم ثلاث مائة وتسع سنين ، وقد مات دقيوس وانقرض قرن بعد قرن ،
وبعث الله نبيا يقال له المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ورفعه الله إليه ، ( 1 ) وقد أقبل إلينا الملك
والناس معه قالوا : يا تمليخا أتريد أن تجعلنا فتنة للعالمين ؟ قال تمليخا : فما تريدون ؟
قالوا : ادع الله جل ذكره وندعوه معك حتى يقبض أرواحنا ، فرفعوا أيديهم ، فأمر الله
تعالى بقبض أرواحهم وطمس الله باب الكهف على الناس ، فأقبل الملكان يطوفان على باب
الكهف سبعة أيام لايجدان للكهف بابا ، فقال الملك المسلم : ماتوا على ديننا ، أبني على
باب الكهف مسجدا ، وقال اليهودي : لا بل ماتوا على ديني أبني على باب الكهف
كنيسة ، فاقتتلا فغلب المسلم وبنى مسجدا عليه . يايهودي أيوافق هذا ما في توراتكم ؟
قال : مازدت حرفا ولا نقصت ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . ( 2 )
بيان : هذا مختصر مما رواه الثعلبي في عرائسه . ( 3 )
واللجين مصغرا : الفضة . والنمرقة بضم النون والراء وبكسرهما : الوسادة .
قوله : ( كيفما دارت ) أقول : وجدت في بعض الكتب هكذا ( واتخذ لشرقي المجلس مائتي
. . ( هامش صفحة 419 ) ( 1 ) لم يذكر في العرائس بعث المسيح عليه السلام ورفعه بل قال : وآمن أهل المدينة بالله
العظيم إه . وقد اختلف انهم كانوا قبل المسيح عليه السلام أو بعده ، قال ابن الاثير في الكامل :
وكانت شريعتهم شريعة عيسى عليه السلام وزعم بعضهم أنهم كانوا قبل المسيح وأن المسيح أعلم
قومه بهم وأن الله بعثهم من رقدتهم بعد رفع المسيح ، والاول اصح .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 3 ) العرائس : 232 236 . وفيه زيادات كثيرة خرجنا بعضها .
[420]
كوة ، ولغربيه كذلك ، فكانت الشمس من حين تطلع إلى حين تغيب تدور في المجلس كيفما
دارت ) ولعله أصوب . والبطريق : القائد من قواد الروم وهو معرب ، والجمع البطارقة
والهرقل بكسر الهاء والقاف : ملك الروم .
وقال الجزري : القرطق : قباء معرب كرته وقد تضم طاؤه ، وقال الفيروزآبادي :
القرطق كجندب معرب كرته ، وقرطقته فتقرطق : ألبسته إياه فلبسه . انتهى . والدملج
والدملوج : المعضد .
قوله عليه السلام : ( واتخذ ستة غلمة ) أقول : في بعض الكتب : واصطفى ستة أغلمة من
أولاد العلماء فجعلهم وزراءه . وفيه : فأسماء الذين عن يمينه : يمليخا ومكسلمينا و
مخسمينا ، والذين عن يساره : مرطوش وكشطونش وساذنوش .
2 ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن القاسم بن يحيى ،
عن جده الحسن بن راشد ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : صلى النبي صلى الله عليه وآله ذات
ليلة ثم توجه إلى البقيع فدعا أبا بكر وعمر وعثمان وعليا فقال : امضوا حتى تأتوا
أصحاب الكهف وتقرؤوهم مني السلام ، وتقدم أنت يا أبا بكر فإنك أسن القوم ، ثم
أنت ياعمر ، ثم أنت ياعثمان ، فإن أجابوا واحدا منكم وإلا تقدم أنت ياعلي كن آخرهم
ثم أمر الريح فحملتهم حتى وضعتهم على باب الكهف ، فتقدم أبوبكر فسلم فلم يردوا
فتنحى ، فتقدم عمر فسلم فلم يردوا عليه ، وتقدم عثمان وسلم فلم يردوا عليه ، وتقدم
علي وقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهل الكهف الذين آمنوا بربهم وزادهم
هدى ، وربط على قلوبهم ، أنا رسول رسول الله إليكم ، فقالوا : مرحبا برسول الله وبرسوله ، و
عليك السلام ياوصي رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قال : فكيف علمتم أني وصي النبي ؟
فقالوا : إنه ضرب على آذاننا ألا نكلم إلا نبيا أو وصي نبي ، فكيف تركت رسول الله
صلى الله عليه وآله ؟ وكيف حشمه ؟ وكيف حاله ؟ وبالغوا في السؤال ، وقالوا : خبر
أصحابك ( 1 ) هؤلاء أنا لانكلم إلا نبيا أو وصي نبي ، فقال لهم : أسمعتم ما يقولون ؟
قالوا : نعم ، قال : فاشهدوا ، ثم حولوا وجوههم قبل المدينة فحملتهم الريح حتى وضعتهم
. . ( هامش صفحة 420 ) ( 1 ) في نسخة فأخبر أصحابك .
[421]
بين يدي رسول الله فأخبروه بالذي كان ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله : قد رأيتم وسمعتم فاشهدوا
قالوا : نعم ، فانصرف النبي إلى منزله وقال لهم : احفظوا شهادتكم .
أقول : رواه الثعلبي في تفسيره بتغيير ما ، وسيأتي بأسانيد في معجزات النبي
وأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما .
3 ما : ابن بشران ، عن الحسن بن صفوان ، عن عبدالله بن محمد ، عن أبي خيثمة ،
عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن صالح بن كيسان ، عن نافع أن عبدالله بن
عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بينما ثلاثة رهط يتماشون أخذهم المطر فآووا إلى غار في
جبل ، فبينماهم فيه انحطت صخرة فأطبقت عليهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا أفضل
أعمال عملتموها فسلوه بها لعله يفرج عنكم .
قال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان كبيران وكانت لي امرأة وأولاد صغار فكنت
أرعى عليهم ، فإذا أرحت عليهم غنمي بدأت بوالدي فسقيتهما ، فلم آت حتى نام أبواي
فطيبت الاناء ثم حلبت ، ثم قمت بحلابي عند رأس أبوي والصبية ينضاعون عند رجلي ، أكره
أن أبدأ بهم قبل أبوي ، وأكره أن أوقظهما من نومهما ، فلم أزل كذلك حتى أضاء الفجر
اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء ،
ففرج لهم فرجة فرأوا منها السماء .
وقال الآخر : اللهم إنه كانت لي بنت عم فأحببتها حبا كانت أعز الناس إلي ،
فسألتها نفسها ، فقالت : لا حتى تأتيني بمائة دينار ، فسعيت حتى جمعت مائة دينار فأتيتها
بها ، فلما كنت بين رجليها قالت : اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه ، فقمت عنها ،
اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فيها فرجة ، ففرج الله لهم
فيها فرجة .
وقال الثالث : اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق ذرة ، فلما قضى عمله عرضت
عليه فأبى أن يأخذها ورغب عنه ، فلم أزل أعتمل به حتى جمعت منه بقرا ورعاتها ، فجاءني
وقال : اتق الله وأعطني حقي ولا تظلمني ، فقلت له : اذهب إلى تلك البقر ورعاتها فخذها
. . ( هامش صفحة 421 ) ( 1 ) في المصدر : فذهب فاستاقها .
[422]
فذهب واستاقها ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا مابقي منها
ففرج الله عنهم فخرجوا يتماشون . ( 1 )
بيان : قال الجوهري : أراح إبله أي ردها إلى المراح ، وأرحت على الرجل
حقه : إذا رددته عليه انتهى . وانضاع الفرخ : صاح وتلوى عند الجوع . وفي النهاية :
الفرق بالتحريك : مكيال يسع ستة عشر رطلا انتهى . وفي بعض النسخ " يفرق " بصيغة
الفعل ولعله تصحيف .
4 فس : " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " يقول :
قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب منه ، وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم عليه السلام
ومحمد صلى الله عليه وآله ، وأما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم ، أي مكتوب فيهما أمر الفتية و
أمر إسلامهم وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان أمرهم وحالهم .
قال علي بن إبراهيم : فحدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : كان سبب نزول سورة الكهف أن قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران :
النضر بن حارث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، والعاص بن وائل السهمي ليتعلموا من
اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى الله عليه وآله ، فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود
فسألوهم فقالوا : اسألوه عن ثلاث مسائل فإن أجابكم فيها على ماعندنا فهو صادق ، ثم
سلوه عن مسألة واحدة فإن ادعى علمها فهو كاذب ، قالوا : وما هذه المسائل ؟ قالوا :
اسألوه عن فتية كانوا في الزمن الاول فخرجوا وغابوا وناموا كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا
وكم كان عددهم ؟ وأي شئ كان معهم من غيرهم ؟ وماكان قصتهم ؟ واسألوه عن موسى
حين أمره الله أن يتبع العالم ويتعلم منه من هو ؟ وكيف تبعه ؟ وما كان قصته معه ؟ و
اسألوه عن طائف طاف من مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سد يأجوج ومأجوج من
هو ؟ وكيف كان قصته ؟ ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث المسائل ، وقالوا لهم : إن
أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق ، وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه ، قالوا :
. . ( هامش صفحة 422 ) ( 1 ) أمالي ابن الطوسي : 252 و 253 . والحديث لايناسب الباب ، لان الباب في ذكر أصحاب
الكهف الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه .
[423]
فما المسألة الرابعة ؟ قالوا : اسألوه متى تقوم الساعة ؟ فإن ادعى علمها فهو كاذب ، فإن
قيام الساعة لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى .
فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك يزعم
أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل ، فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق ، وإن
لم يخبرنا ( 1 ) علمنا أنه كاذب ، فقال أبوطالب : سلوه عما بدا لكم ، فسألوه عن الثلاث
المسائل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : غدا أخبركم ولم يستثن ( 2 )
فاحتبس الوحي عنه ( 3 ) أربعين يوما حتى اغتم النبي وشك أصحابه الذين كانوا آمنوا
به ، وفرحت قريش واستهزؤوا وآذوا ، وحزن أبوطالب ، فلما أن كان بعد أربعين يوما ( 4 )
نزل عليه جبرئيل بسورة الكهف ، فقال رسول الله : ياجبرئيل لقد أبطأت ، فقال : إنا لا
نقدر أن ننزل إلا بإذن الله ، فأنزل : " أم حسبت " يا محمد " أن أصحاب الكهف والرقيم
كانوا من آياتنا عجبا " ثم قص قصتهم ، فقال : " إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا
آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا " .
فقال الصادق عليه السلام : إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات ،
وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الاصنام ، فمن لم يجبه قتله ، وكان هؤلاء ( 5 ) قوما
مؤمنين يعبدون الله عزوجل ، ووكل الملك بباب المدينة حرسا ولم يدع أحدا يخرج
حتى يسجد الاصنام ، وخرج هؤلاء بعلة الصيد ، وذلك أنهم مروا براع في طريقهم
فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم ، وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم ، فقال
الصادق عليه السلام : فلايدخل ( 6 ) الجنة من البهائم إلا ثلاثة : حمار بلعم ( 7 ) بن باعوراء ، و
ذئب يوسف ، وكلب أصحاب الكهف .
. . ( هامش صفحة 423 ) ( 1 ) في نسخة : وان لم يجبنا .
( 2 ) أي لم يقل : ان شاء الله .
( 3 ) في المصدر : فاحتبس الوحي عليه .
( 4 ) في نسخة : أربعين صباحا .
( 5 ) " " : وكانوا هؤلاء .
( 6 ) في المصدر : لايدخل .
( 7 ) " " : حمارة بلعم .
[424]
فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا من دين ذلك الملك ، فلما أمسوا
دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم ، فألقى الله عليهم النعاس كما قال تبارك وتعالى :
" فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا " فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته
وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا ، فقال بعضهم لبعض : كم
نمنا ههنا ؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا : نمنا يوما أو بعض يوم ، ثم قالوا لواحد
منهم : خذ هذا الورق وادخل المدينة متنكرا لايعرفوك فاشتر لنا طعاما ، فإنهم إن علموا
بنا وعرفونا قتلونا أوردونا في دينهم ، فجاء ذلك الرجل فرأى المدينة بخلاف الذي عهدها ،
ورأى قوما بخلاف أولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم ، فقالوا له : من
أنت ؟ ومن أين جئت ؟ فأخبرهم ، فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتى
وقفوا على باب الكهف ، وأقبلوا يتطلعون فيه ، فقال بعضهم : هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم ،
وقال بعضهم : هم خمسة وسادسهم كلبهم ، وقال بعضهم : هم سبعة وثامنهم كلبهم ، و
حجبهم الله ( 1 ) بحجاب من الرعب فلم يكن أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم ، وإنه
لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكونوا أصحاب دقيانوس شعروا بهم ، فأخبرهم صاحبهم
أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل ، وأنهم آية للناس ، فبكوا وسألوا الله تعالى أن
يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا ، ثم قال الملك : ينبغي أن نبني ههنا مسجدا و
نزوره ( 2 ) فإن هؤلاء قوم مؤمنون ، فلهم في كل سنة نقلتين ينامون ستة أشهر على جنوبهم
اليمنى ، وستة أشهر على جنوبهم اليسرى ( 3 ) والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف
وذلك قوله : " نحن نقص عليك نبأهم بالحق " أي خبرهم إلى قوله : " بالوصيد " أي
بالفناء " وكذلك بعثناهم " أي أنبهناهم إلى قوله : " وكذلك أعثرنا عليهم " وهم الذين
ذهبوا إلى باب الكهف ( 4 ) إلى قوله : " سبعة وثامنهم كلبهم " فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله
. . ( هامش صفحة 424 ) ( 1 ) من قوله ( حجبهم الله ) إلى قوله : ( كما كانوا ) كان في التفسير الصغير ولم يكن في نسخ الكبير
منه طاب ثراه . قلت : هو موجود في النسخة المطبوعة .
( 2 ) في المصدر : ينبغي أن يبنى ههنا مسجد نزوره .
( 3 ) في نسخة : جنوبهم الايمن وجنوبهم الايسر .
( 4 ) في المصدر : ذهبوا إلى باب الكهف " ليعلموا أن وعد الله حق " إلى قوله : " سبعة
وثامنهم كلبهم " .
[425]
قل لهم : " ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل " ثم انقطع خبرهم ، فقال : " فلا تمار
فيهم " إلى قوله : " إلا أن يشاء الله " أخبره أنه إنما حبس الوحي أربعين صباحا لانه قال
لقريش : غدا أخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن ، فقال الله : " ولا تقولن " إلى قوله
" رشدا " ثم عطف على الخبر الاول الذي حكى عنهم أنهم يقولون : " ثلاثة رابعهم
كلبهم " فقال : " ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا " وهو حكاية عنهم ،
ولفظه خبر ، والدليل على أنه حكاية عنهم قوله : " قل الله أعلم بما لبثوا " .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " لن ندعو من دونه إلها لقد
قلنا إذا شططا " يعني جورا على الله إن قلنا : إن له شريكا ، وقوله : " لولا يأتون عليهم
بسلطان بين " يعني بحجة بينة أن معه شريكا ، وقوله : " وتحسبهم أيقاظا وهم رقود "
يقول : ترى أعينهم مفتوحة " وهم رقود " يعني نيام " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال "
في كل عام مرتين لئلا تأكلهم الارض ، وقوله : " فلينظر أيها أزكى طعاما " يقول :
أيها أطيب طعاما ، وقوله : " وكذلك أعثرنا عليهم " يعني أطلعنا على الفتية " ليعلموا
أن وعد الله حق " في البعث " والساعة لاريب فيها " يعني لاشك فيها بأنها كائنة ، وقوله
" رجما بالغيب " يعني ظنا بالغيب ما يستفتونهم ، وقوله : " فلا تمار فيهم إلا مراء
ظاهرا " يقول : حسبك ماقصصنا عليك من أمرهم " ولا تستفت فيهم منهم أحدا " يقول :
لا تسأل عن أصحاب الكهف أحدا من أهل الكتاب . ( 1 )
5 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة ، عن الحسن بن محمد
الحضرمي ، عن عبدالله بن يحيى الكاهلي ، عن أبي عبدالله عليه السلام وذكر أصحاب الكهف


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 425 سطر 19 إلى صفحه 433 سطر 18

فقال : لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم فافعلوا فعلهم ، فقيل له : وما كلفهم قومهم ؟
قال : كلفوهم الشرك بالله فأظهروه لهم ، وأسروا الايمان حتى جاءهم الفرج . وقال :
إن أصحاب الكهف كذبوا فآجرهم وصدقوا فآجرهم الله . ( 2 ) وقال : كانوا صيارفة كلام ،
ولم يكونوا صيارفة الدراهم . وقال : خرج أصحاب الكهف على غير ميعاد ، فلما صاروا
. . ( هامش صفحة 425 ) ( 1 ) تفسير القمي : 392 396
( 2 ) يعني أن الله آجرهم في كلتا الحالتين حيث إنهم عملوا بما يقتضي التكليف في كل حالة .
[426]
في الصحراء أخذ هذا على هذا وهذا على هذا العهد والميثاق ، ثم قال : أظهروا أمركم
فأظهروه فإذا هم على أمر واحد . وقال : إن أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا
الكفر ، فكانوا على إظهارهم الكفر أعظم أجرا منهم على إسرارهم الايمان . وقال : ما
بلغت تقية أحد مابلغت تقية أصحاب الكهف وإن كانوا ليشدون الزنانير ، ويشهدون
الاعياد ، فأعطاهم الله أجرهم مرتين . ( 1 )
شى : عن الكاهلي مثله . ( 2 )
بيان : قوله : ( صيارفة كلام ) أي كانوا يميزون كلام الحق من الباطل .
6 ص : بالاسناد إلى ابن أورمة ، عن الحسن بن علي ، عن إبراهيم بن محمد ، عن
محمد بن مروان ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن أصحاب الكهف كذبوا
الملك فأجروا ، وصدقوا فأجروا . ( 3 )
7 ص : بالاسناد عن ابن أورمة ، عن البزنطي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي
عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم " قال : هم قوم
فقدوا ، فكتب ملك ذلك الزمان أسماءهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في صحف من
رصاص . ( 4 )
شى : عن محمد ، عن أحمد بن علي ، عنه عليه السلام مثله . ( 5 )
8 ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه ، عن
. . ( هامش صفحة 426 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرج البحراني بعضه في البرهان 2 : 456 .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 4 ) " " . والظاهر أن قوله عليه السلام : ( قوم فقدوا ) تفسير لاصحاب
الكهف ، وما بعده تفسير للرقيم ، فعليه فالرقيم هو صحف من رصاص كتب فيه اسماؤهم وأخبارهم
وترجمتهم .
( 5 ) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجه أيضا البحراني في البرهان 2 : 456 ، الا أن فيه :
هم قوم فروا . وزاد في آخره : فهو قوله : فهو قوله : أصحاب الكهف والرقيم .
[427]
أبان بن عثمان ، عن أبي جميلة ، عن جابر بن يزيد ، عن عبدالرحمن بن الحارث البرادي ( 1 )
عن ابن أبي أوفى ( 2 ) قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : خرج ثلاثة نفر يسيحون في
الارض ، فبينماهم يعبدون الله في كهف في قلة جبل حتى بدت صخرة من أعلى الجبل
حتى التقت باب الكهف ، فقال بعضهم : يا عباد الله والله لاينجيكم منها وبقيتم فيه إلا أن
تصدقوا عن الله ، فهلموا ماعملتم خالصا لله ، فقال أحدهم : اللهم إن كنت تعلم أني
طلبت جيدة لحسنها وجمالها وأعطيت فيها مالا ضخما حتى إذا قدرت عليها وجلست
منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار فقمت عنها فرقا منك ( 3 ) فارفع عنا هذه
الصخرة ، قال : فانصدعت حتى نظروا إلى الضوء .
ثم قال آخر : اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت قوما كل رجل منهم بنصف درهم
فلما فرغوا أعطيتهم أجورهم فقال رجل : لقد عملت عمل رجلين والله لاآخذ إلا درهما
ثم ذهب وترك ماله عندي فبذرت بذلك النصف الدرهم في الارض فأخرج الله به رزقا
وجاء صاحب النصف الدرهم فأراده فدفعت إليه عشرة آلاف درهم حقه ، فإن كنت تعلم
أنما فعلت ذلك مخافة منك فارفع عنا هذه الصخرة ، قال : فانفرجت حتى نظر بعضهم
إلى بعض .
ثم قال الآخر : اللهم إن كنت تعلم أن أبي وأمي كانا نائمين فأتيتهما بقصعة
من لبن فخفت أن أضعه فيقع فيه هامة وكرهت أن أنبههما من نومهما فيشق ذلك عليهما
فلم أزل بذلك حتى استيقظا فشربا اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء لوجهك
فارفع عنا هذه الصخرة ، فانفرجت حتى سهل الله لهم المخرج . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
من صدق الله نجا . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 427 ) ( 1 ) في نسخة : البراري .
( 2 ) هو عبدالله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الاسلمي صحابي شهد الحديبية ، و
مات سنة 87 بالكوفة .
( 3 ) أي خوفا منك .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
[428]
9 شى : عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن أصحاب الكهف أسروا
الايمان وأظهروا الكفر ، فآجرهم الله مرتين . ( 1 )
10 شى : عن سليمان بن جعفر الهذلي ( 2 ) قال : قال لي جعفر بن محمد عليهما السلام :
ياسليمان من الفتى ؟ قال : قلت : جعلت فداك الفتى عندنا الشاب ، قال لي : أما علمت أن
أصحاب الكهف كانوا كلهم كهولا فسماهم الله فتية بإيمانهم ؟ يا سليمان من آمن بالله و
اتقى فهو الفتى . ( 3 )
11 شى : عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : خرج أصحاب
الكهف على غير معرفة ولا ميعاد ، فلما صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود
والمواثيق ، فأخذ هذا على هذا وهذا على هذا ، ثم قالوا : أظهروا أمركم فأظهروه فإذا
هم على أمر واحد . ( 4 )
12 شى : عن درست ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه ذكر أصحاب الكهف فقال : كانوا
صيارفة كلام ، ولم يكونوا صيارفة دراهم . ( 5 )
13 شى : عن محمد بن سنان ، عن البطيخي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله :
" لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا " قال : إن ذلك لم يعن به النبي
صلى الله عليه وآله ، إنما عنى به المؤمنين بعضهم لبعض ، لكنه حالهم التي هم عليها . ( 6 )
14 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن درست الواسطي
قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : مابلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدون
الاعياد ويشدون الزنانير فأعطاهم الله أجرهم مرتين . ( 7 )
شى : عن درست مثله . ( 8 )
. . ( هامش صفحة 428 ) ( 1 ) تفسير العياشي مخطوط .
( 2 ) في البرهان : الهمداني . النهدي خ ل .
( 3 5 ) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجها وما قبلها البحراني في البرهان 2 : 456 .
( 6 ) " " " ، أخرجه البحراني أيضا في البرهان 2 : 457 .
( 7 ) اصول الكافي 2 : 218 .
( 8 ) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني أيضا في البرهان 2 : 456 وفيه : ما
بلغت تقية أحد ما بلغت تقية اصحاب الكهف ، كانوا ليشهدون الزنانير ويشهدون الاعياد اه .
[429]
15 كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير
عن خالد بن عمارة ، عن سدير الصيرفي قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : حديث بلغني عن
الحسن البصري فإن كان حقا فإنا لله وإنا إليه راجعون ، قال : وما هو ؟ قلت : بلغني
أن الحسن البصري كان يقول : لو غلا دماغه من حر الشمس مااستظل بحائط صيرفي ،
ولو تفرث كبده ( 1 ) عطشا لم يستسق من دار صيرفي ماء ، وهو عملي وتجارتي وعليه
نبت لحمي ودمي ومنه حجي وعمرتي ، فجلس ثم قال : كذب الحسن ، خذ سواء ،
وأعط سواء ، فإذا حضرت الصلاة دع مابيدك وانهض إلى الصلاة ، أما علمت أن أصحاب
الكهف كانوا صيارفة ؟ . ( 2 )
بيان : لعله عليه السلام إنما ذكر ذلك إلزاما عليهم حيث ظنوا أنهم كانوا صيارفة
الدراهم لئلا ينافي ما سبق ، والصدوق رحمه الله قال في الفقيه بعد إيراد الخبر : يعني صيارفة
الكلام ، ولم يعن صيارفة الدراهم . ( 3 ) ولعله رحمه الله ذهب عليه أن هذا المعنى لايناسب
هذا المقام ، وقد يوجه الخبر على ماحمله عليه بوجوه :
الاول : أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة الكلام يميزون بين الحق والباطل ،
فينبغي أن تكون أيضا كذلك ، فلم تنقل هذا الكلام عن الحسن مع أن قوله ليس
بحجة ، ومع ذلك ظاهر الفساد لان الاستظلال بظل الكافر والاستسقاء من داره جائز
والصيرفي لا يكون شرا منه ! وأيضا بيع الصرف من الامور الضرورية التي يجب
كفاية .
الثاني : أن يقرأ يعني ولم يعن على بناء المجهول ، فالمراد أن الحسن وهم ( 4 )
في تأويل ما روي في ذم الصيارفة ، فإن المعني بها صيارفة الكلام ، قال ابن الاثير : في
حديث الخولاني : " من طلب صرف الحديث يبتغي به إقبال وجوه الناس إليه " أراد بصرف
. . ( هامش صفحة 429 ) ( 1 ) تفرث : شق وفتت .
( 2 ) فروع الكافي 1 : 359 360 .
( 3 ) من لايحضره الفقيه : 354 .
( 4 ) أي غلط .
[430]
الحديث مايتكلفه الانسان من الزيادة فيه على قدر الحاجة ، وإنما كره ذلك لما يدخله
من الرياء والتصنع لما تخالطه من الكذب انتهى .
أقول : وعلى هذا يمكن أن يقرأ على بناء المعلوم أيض بأن يكون الضميران
راجعين إلى الرسول صلى الله عليه وآله .
الثالث : أن يكون المعنى أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة الكلام كما يقال : فلان
يحسن صرف الكلام ، أي تفضيل ( 1 ) بعضه على بعض ، فأصل الصرف والتمييز ليس بحرام
بل هو من الكلام ، وإنما الحرام مايصدر عن بعض الصيارفة من الغش والرباء و
غيرهما .
الرابع : أن يكون ذكره عليه السلام ذلك بعد رد قول الحسن أمرا بالتقية بأن أصحاب
الكهف كانوا صيارفة كلام يصرفونه عن ظاهره في مقام التقية ، وعليه يمكن أن يحمل
خبر الكاهلي .
تتمة : قال الثعلبي في تفسيره : قال محمد بن إسحاق : مرج ( 2 ) أهل الانجيل و
كثرت فيهم الخطايا حتى عبدوا الاصنام وذبحوا للطواغيت ، وفيهم بقايا على دين
المسيح عليه السلام متمسكين بعبادة الله عزوجل وتوحيده حتى ظهر فيهم ملك يقال له
دقيانوس ، كان ينزل قرى الروم ولا يترك في قرية ينزلها أحدا إلا فتنه أن يعبد الاصنام ،
ويذبح للطواغيت ، حتى نزل مدينة أصحاب الكهف وهي أفسوس ، فلما نزلها كبر ذلك
على أهل الايمان وهربوا في كل وجه ، فبعث الشرط يتبعونهم فيقدمهم إلى الجامع الذي
يذبح فيه للطواغيت فيخيرهم بين القتل وبين عبادة الاصنام والذبح للطواغيت ، فمنهم من
يرغب في الحياة ، ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله تعالى فيقتل ، فلما رأى ذلك أهل الشدة في
الايمان بالله عزوجل جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل فيقتلون ويقطعون ، ثم
يربط ما قطع من أجسادهم على سور المدينة من نواحيها كلها ، وعلى كل باب من أبوابها
. . ( هامش صفحة 430 ) ( 1 ) في نسخة : أي يفضل . والظاهر أن كلاهما مصحفان والصحيح " تفصيل " بالصاد ، يقال :
صرف الكلام أي اشتق بعضه من بعض .
( 2 ) أي فسد .
[431]
حتى عظمت الفتنة ، فلما رأى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا وصاموا و
اشتغلوا بالدعاء والتسبيح لله عزوجل ، وكانوا من أشراف الروم ، وكانوا ثمانية نفر فبكوا
وتضرعوا وجعلوا يقولون : ربنا رب السماوات والارض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا
إذا شططا ، اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة ، فبيناهم على ذلك إذ أدركهم الشرط
وكانوا قد دخلوا في مصلى لهم فوجدوهم سجودا على وجوههم يبكون ويتضرعون إلى
الله عزوجل ويسألونه أن ينجيهم من دقيانوس وفئته ، فلما رأوهم رفعوا أمرهم إلى
دقيانوس وقالوا : هؤلاء الفتية من أهل بيتك يسخرون منك ، ويعصون أمرك ، فلما سمع
ذلك أتى بهم تفيض أعينهم من الدمع معفرة وجوههم في التراب فقال لهم : اختاروا إما
أن تذبحوا لآلهتنا وإما أن أقتلكم ، فقال مكسلمينا وكان أكبرهم : إن لنا إلها ملا
السماوات والارض عظمته ، لن ندعو من دونه إلها أبدا ، اصنع بنا مابدا لك ، وكذا قال
أصحابه ، فأمر بهم فنزع منهم لبوسهم وكان عليهم من لبوس عظمائهم ، وقال : إني سأؤخركم
لاني أراكم شبانا فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلا تذكرون فيه و
تراجعون عقولكم ، ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة فنزعت منهم ، ثم أخرجوا
وانطلق دقيانوس إلى مدينة أخرى قريبا منهم فلما رأى الفتية ذلك ائتمروا بينهم أن
يأخذ كل رجل نفقة من بيت أبيه فيتصدقوا بها ويتزودوا مما بقي ثم ينطلقوا إلى كهف
قريب من المدينة في جبل يقال له ينجلوس ( 1 ) فيعبدون الله حتى إذا جاء دقيانوس أتوه
فيصنع بهم ماشاء ، ففعلوا ذلك ، واتبعهم كلب كان لهم فاشتغلوا فيه بالصلاة والصيام و
التسبيح والتكبير والتحميد ، وكانوا كلما نفدت نفقتهم يذهب يمليخا ( 2 ) وكان أجملهم وأجلدهم
ويضع ثيابا كان عليه ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فينطلق إلى المدينة
فيشتري طعاما ويتسمع ( 3 ) ويتجسس لهم الاخبار ، فلبثوا بذلك مالبثوا ، ثم قدم الجبار
إلى المدينة فأمر العظماء فذبحوا للطواغيت ، وكان يمليخا بالمدينة يشتري لاصحابه
. . ( هامش صفحة 431 ) ( 1 ) في المحبر : اسمه انجلوس .
( 2 ) في نسخة : " تمليخا " وكذا فيما يأتي .
( 3 ) يتسمع الرجل : أصغى اليه .
[432]
طعامهم وشرابهم فرجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل ، فلما أخبرهم فزعوا و
وقعوا سجودا يتضرعون إلى الله تعالى ، فقال يمليخا : يا إخوتاه ارفعوا رؤوسكم فاطعموا
منه ، وتوكلوا على ربكم ، فرفعوا رؤوسهم وأعينهم تفيض من الدمع حزنا وخوفا على
أنفسهم فطعموا منه ، وذلك مع غروب الشمس ، ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون ويذكر
بعضهم بعضا فبيناهم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف ، وكلبهم باسط ذراعيه
بباب الكهف ، فأصابه ما أصابهم ونفقتهم عند رؤوسهم ، فلما كان من الغد تفقدهم دقيانوس
فأرسل إلى آبائهم فسألهم عنهم ، فقالوا له : أما نحن فلم نعصك ، فلم تقتلنا بقوم مردة
قد ذهبوا بأموالنا فأهلكوها في أسواق المدينة ؟ ثم انطلقوا ( 1 ) فارتقوا إلى جبل يدعى ينجلوس
فأمر بالكهف أن يسد عليهم ، وقال : دعوهم كما هم في الكهف يموتوا جوعا وعطشا .
ثم إن رجلين مؤمنين كانا في بيت الملك يكتمان إيمانهما اسمهما يندروس و
روياس ائتمرا أن يكتبا شأن الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوح من رصاص ، ثم
يجعلانه في تابوت من نحاس ، ثم يجعلان التابوت في البنيان ، وقالا : لعل الله يظهر على
هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عليهم حين يقرأ هذا الكتاب ، ففعلا
ثم بنيا عليه ، فبقي دقيانوس مابقي ثم مات وقومه ، وقرون بعده كثيرة ، وخلفت الملوك
بعد الملوك .
وقال عبيد بن عمير : كانوا فتيانا مطوقين مسورين ذوي ذوائب ، وكان معهم كلب
صيدهم ، فخرجوا في عيد لهم عظيم في زي وموكب وأخرجوا معهم آلهتهم وقد قذف الله
في قلوبهم الايمان ، وكان أحدهم وزير الملك فآمنوا وأخفى كل منهم إيمانه من أصحابه
فتفرقوا وعزم كل منهم على أن يخرج من بين القوم ، فاجتمعوا تحت شجرة فأظهروا
أمرهم فإذا هم على أمر واحد ، فانطلقوا إلى الكهف ، ففقدهم قومهم فطلبوهم فأعمى الله
عليهم أخبارهم فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح : فلان وفلان وفلان أبناء ملوكنا ،
فقدناهم في شهر كذا من سنة كذا في مملكة فلان بن فلان ، ووضعوا اللوح في خزانة
الملك .
. . ( هامش صفحة 432 ) ( 1 ) في نسخة : فارتفعوا .
[433]
وقال وهب : جاء حواري عيسى عليه السلام إلى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن يدخلها
فقيل له : إن على بابها صنما لايدخلها أحد إلا سجد له ، فكره أن يدخلها ، فأتى حماما
قريبا من تلك المدينة فكان يؤاجر نفسه من الحمامي ويعمل فيه ، ورأى صاحب الحمام
في حمامه البركة ، وجعل يقول عليه ، وعلقه فتية ( 1 ) من أهل المدينة ، فجعل يخبرهم خبر
السماء والارض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه ، وكانوا على مثل حاله ، وكان
يشترط على صاحب الحمام أن الليل لايحول بيني وبينه أحد ولا بين الصلاة ، وكان على ذلك
حتى أتى ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام فعيره الحواري وقال له : أنت ابن الملك
تدخل مع هذه ؟ فاستحيى فذهب فرجع مرة أمرى فقال له مثل ذلك فسبه وانتهره
ولم يلتفت حتى دخلا معا وماتا جميعا في الحمام ، فأتي الملك فقيل له : قتل صاحب الحمام
ابنك ، فالتمس فلم يقدر عليه ، فقال : من كان يصحبه ؟ فسمي الفتية ، فالتمسوا ( 2 ) فخرجوا
من المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع وهو على مثل إيمانهم فذكروا له أنهم التمسوا
فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوا وقالوا : نبيت ههنا و
نصبح إن شاء الله فترون رأيكم ، فضرب الله على آذانهم ، فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم
حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف ، وكلما أراد الرجل منهم دخوله أرعب فلم يطق أحد
دخوله ، وقال قائل : أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم ؟ قال : بلى ، قال : فابن عليهم باب
الكهف واتركهم فيه يموتوا عطشا وجوعا ، ففعل .
قال وهب : وصبروا بعد ماسد عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان ، ثم إن راعيا
أدركه المطر عند الكهف فقال : لو فتحت هذا الكهف فأدخلته غنمي من المطر . فلم يزل


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 433 سطر 19 إلى صفحه 441 سطر 18

يعالجه حتى فتح ورد الله إليهم أرواحهم من الغد حين أصبحوا .
وقال محمد بن إسحاق : ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له تندوسيس ، ( 3 )
. . ( هامش صفحة 433 ) ( 1 ) قال الجوهري : العلق : الهوى ، وقد علقتها بالكسر وعلق حبها بقلبه أي هواها .
منه رحمه الله .
( 2 ) أي طلبوا .
( 3 ) في المحبر أنه تيديسوس .
[434]
فلما ملك بقي في ملكه ثمانيا وثلاثين ( 1 ) سنة ، فتحزب الناس في ملكه أحزابا : منهم من
يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق ، ومنهم من يكذب بها ، وكبر ذلك على الملك وبكى إلى
الله عزوجل وتضرع إليه وحزن حزنا شديدا ، فلما فشا ذلك في ملكه دخل بيته و
أغلقه عليه ، ولبس مسحا ، ( 2 ) وجعل تحته رمادا ، وجعل يتضرع إلى الله ليله ونهاره ،
ويبكي مما يرى فيه الناس فأحيا الله الفتية فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم ، طيبة أنفسهم ،
فسلم بعضهم على بعض ، فأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون لها ( 3 ) إذا
أصبحوا من ليلتهم ، ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا ، فلما قضوا صلاتهم قال بعضهم لبعض :
" كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم " وكل ذلك في أنفسهم
يسير ، فقال لهم يمليخا : افتقدتم والتمستم بالمدينة ، وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم
فتذبحون للطواغيت أو يقتلكم ، فما شاء الله بعد ذلك فعل ، فقال لهم مكسملينا : ( 4 ) ياإخوتاه
اعلموا أنكم ملاقو الله ، ولا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم غدا ، ثم قالوا ليمليخا :
انطلق إلى المدينة فتسمع مايقال لنا بها اليوم ، وما الذي نذكر به عند دقيانوس وتلطف
ولا يشعرن بنا أحد ، وابتع لنا طعاما فأتنا به ، وزدنا على الطعام الذي جئتنا به أمس
فإنه كان قليلا فقد أصبحنا جياعا .
فانطلق يمليخا في الثياب التي كان يتنكر فيها ، ( 5 ) فلما أتى باب المدينة رأى فوق
ظهر الباب علامة تكون لاهل الايمان ، فعجب من ذلك فتحول إلى باب آخر فرأى
مثل ذلك ، ورأى ناسا كثيرا محدثين لم يكن رآهم قبل ذلك ، فجعل يمشي ويعجب ، ثم
دخل المدينة فسمع الناس يحلفون باسم عيسى بن مريم فزاده فرقا ، فقال في نفسه : لعل
هذه المدينة ليست بالمدينة التي أعرف ، ثم لقي فتى من أهلها فقال له : ما اسم هذه المدينة
يافتى ؟ فقال : أفسوس ، فقال في نفسه : لعل بي مسا أو أمرا أذهب عقلي ، والله يحق لي
أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزى أو يصيبني شر ، فدنا من الذين يبيعون الطعام
. . ( هامش صفحة 434 ) ( 1 ) في نسخة : ثمانين .
( 2 ) المسح بالكسر ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد .
( 3 ) في نسخة : يستيقظون فيها .
( 4 ) في المطبوع " مكسلمينا " في جميع الموارد .
( 5 ) " " : كان يتكدى فيها .
[435]
فأخرج الورقة التي كانت معه فأعطاها رجلا منهم فقال : ياعبدالله بعني بهذا الورق طعاما ،
فأخذها الرجل فنظر إلى ضرب الورق ونقشها فتعجب منها ثم طرحها إلى رجل من
أصحابه فنظر إليها ، ثم جعلوا يتطارحونها من رجل إلى رجل ويتعجبون منها ، ثم
جعلوا يتسارون بينهم ويقول بعضهم لبعض : إن هذا الرجل قد أصاب كنزا خبيئا في
الارض منذ زمان ودهر طويل ، فلما رآهم يتسارون فرق فرقا شديدا وجعل يرتعد
ويظن أنهم عرفوه ، وإنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقيانوس ، وجعل ناس آخر
يأتونه فيتعرفونه فقالوا له : من أنت يافتى ؟ وما شأنك ؟ والله لقد وجدت كنزا من كنوز
الاولين وأنت تريد أن تخفيه منا ، فشاركنا فيه نخف عليك ما وجدت ، فإنك إن لم
تفعل نأت بك السلطان فنسلمك إليه فيقتلك ، فقال في نفسه : قد وقعت في كل شئ
أحذر منه .
ثم قالوا : يافتى إنك لا تستطيع أن تكتم ماوجدت ، فجعل يمليخا ما يدري ما
يقول لهم ، وما يرجع إليهم ، وفرق حتى لايحير جوابا ، ( 1 ) فأخذوا كساءه فطووا في
عنقه ، ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة ملبيا حتى سمع به من فيها ، فقيل : أخذ رجل
عنده كنز ، واجتمع عليه أهل المدينة صغيرهم وكبيرهم فجعلوا ينظرون إليه ويقولون :
والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة وما نعرفه ، وكان يمليخا ينتظر أن يأتي أبوه و
إخوته فيخلصوه منهم ، ويخاف أن يذهبوا به إلى دقيانوس حتى ذهبوا به إلى رأسي
المدينة : أربوس واسلطيوس وكانا رجلين صالحين ، فقال أحدهما : أين الكنز الذي وجدت ؟
هذا الورق يشهد عليك أنك وجدت كنزا ، فقال : ماوجدت كنزا ، ولكن هذا الورق ورق
آبائي ونقش هذه المدينة وضربها ، ولكن والله ما أدري ما شأني وما أقول لكما ، فقال
أحدهما : ممن أنت ؟ فقال : أما ما أرى فكنت أرى أني من أهل المدينة ، قالوا : فمن أبوك
ومن يعرفك بها ؟ فأنبأهم باسم أبيه ، فلم يجدوا له أحدا يعرفه ولا أباه ، فقال له أحدهما : أتظن
أنا نرسلك ونصدقك ونقش هذا الورق وضربها أكثر من ثلاثمائة سنة وأنت غلام شاب
تظن أنك تأفكنا وتسخر بنا ؟ فقال يمليخا : أنبئوني عن شئ أسألكم عنه ، قالوا : سل ،
. . ( هامش صفحة 435 ) ( 1 ) من أحار الجواب : رده .
[436]
قال : مافعل الملك دقيانوس ؟ قالا له : ليس نعرف اليوم ملكا يسمى دقيانوس على وجه
الارض ، ولم يكن إلا ملك قد هلك منذ زمان ودهر طويل وهلكت بعده قرون كثيرة
فقال يمليخا : والله ماهو بمصدقي أحد من الناس بما أقول ، ( 1 ) لقد كنا فتية وأن الملك
أكرهنا على عبادة الاوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا ، فلما انتبهنا
خرجت لاشتري لاصحابي طعاما وأتجسس الاخبار فإذا أنا كما ترون ، فانطلقوا معي
إلى الكهف الذي في جبل ينجلوس أريكم أصحابي .
فلما سمع أربوس ذلك قال : ياقوم هذه آية ( 2 ) من آيات الله عزوجل جعلها
لكم على يدي هذا الفتى ، فانطلقوا جميعا معه نحو أصحاب الكهف ، فلما رأى الفتية أن
يمليخا قد احتبس عليهم بطعامهم ظنوا أنه قد أخذه دقيانوس ، فبيناهم يظنون و
يتخوفون إذ سمعوا الاصوات وظنوا أنهم رسل دقيانوس فقاموا إلى الصلاة وسلم
بعضهم إلى بعض ، وقالوا : انطلقوا بنا نأت أخانا يمليخا فإنه الآن بين يدي الجبار ، فلم
يروا إلا أربوس وأصحابه وقوفا على باب الكهف وسبقهم يمليخا فدخل عليهم يبكي
وقص عليهم النبأ كله ، فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمان كله ، و
إنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقا للبعث .
ثم دخل أربوس فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة ، ففتح التابوت
فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوب فيهما : أن مكسملينا ومجسملينا ويمليخا و
مرطونس وكسوطونس وبيورس وبكرنوس وبطينوس كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس
الجبار مخافة أن يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف ، فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف
فسد عليهم بالحجارة ، وإنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم ، ( 3 )
فلما رأوه عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم آية البعث ، ثم دخلوا عليهم فوجدوهم جلوسا
مشرقة وجوههم لم تبل ثيابهم ، فخر أربوس وأصحابه سجدا .
. . ( هامش صفحة 436 ) ( 1 ) في نسخة : ما أحد من الناس بمصدقي بما أقول .
( 2 ) " " : يا قوم لعل هذه آية .
( 4 ) أي إن اطلع عليهم .
[437]
فبعث أربوس بريدا إلى ملكهم الصالح تندوسيس أن اعجل لعلك تنظر إلى آية
من آيات الله أظهرها الله في ملكك وجعلها آية للعالمين ليكون نورا وضياء وتصديقا
للبعث ، فاعجل على فتية بعثهم الله وقد كان توفاهم أكثر من ثلاث مائة سنة ، فلما أتى
الملك الخبر قام ورجع إليه عقله وذهب عنه همه ، وقال : أحمدك الله ( 1 ) رب السماوات و
الارض ، وأعبدك وأسبح لك ، تطولت علي ورحمتني برحمتك ، فلم تطفئ النور الذي
كنت جعلت لآبائي ، فأتاهم مع أهل مدينته .
فلما رأى الفتية تندوسيس فرحوا به وخروا سجدا على وجوههم ، وقام الملك
قدامهم ثم اعتنقهم وبكى وهم جلوس بين يديه على الارض يسبحون الله عزوجل و
يحمدونه ، ثم قالوا للملك : نستودعك الله ، ونقرء عليك السلام ، حفظك الله وحفظ ملكك
ونعيذك بالله من شر الجن والانس ، فبينا الملك قائم إذ رجعوا إلى مضاجعهم فناموا و
توفى الله أنفسهم ، وقام الملك إليهم فجعل ثيابه عليهم ، وأمر أن يجعلوا لكل رجل منهم
تابوتا من ذهب ، فلما أمسوا ونام أتوه في المنام فقالوا : إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة ،
ولكنا خلقنا من تراب ، وإلى التراب نصير ، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب
حتى يبعثنا الله عزوجل منه ، فأمر الملك حينئذ بتوابيت من ساج فجعلوا فيها ، وحجبهم
الله تعالى حين خرجوا من عندهم بالرعب ، فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم وأمر الملك
فجعل على باب الكهف مسجدا يصلى فيه ، وجعل لهم عيدا عظيما ، وأمر أن يؤتى كل
سنة . ( 2 )
. . ( هامش صفحة 437 ) ( 1 ) في نسخة : أحمدك اللهم .
( 2 ) الكشف والبيان مخطوط .
[438]
( باب 28 )
* ( قصة أصحاب الاخدود ) *
الايات ، البروج " 85 " والسماء ذات البروج * واليوم الموعود * وشاهد و
مشهود * قتل أصحاب الاخدود * النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود * وهم على ما
يفعلون بالمؤمنين شهود * وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد * الذي له
ملك السموات والارض والله على كل شئ شهيد 1 9 .
تفسير : قال البيضاوي : الاخدود : الشق في الارض " النار " بدل من الاخدود
بدل اشتمال " ذات الوقود " صفة لها بالعظمة ، وكثرة مايرتفع به لهبها " إذ هم عليها "
على حافة النار قاعدون " شهود " يشهد بعضهم لبعضهم عند الملك بأنه لم يقصر فيما أمره
به ، أو يشهدون على مايفعلون يوم القيامة حين تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم " وما نقموا
منهم " وما أنكروا منهم . ( 1 )
1 فس : " واليوم الموعود " أي يوم القيامة " وشاهد ومشهود " قال : الشاهد يوم
الجمعة والمشهود يوم القيامة " قتل أصحاب الاخدود " قال : كان سببهم أن الذي هيج
الحبشة على غزوة اليمن ذانواس ( 2 ) وهو آخر من ملك من حمير تهود واجتمعت معه حمير
على اليهودية ، وسمى نفسه يوسف وأقام على ذلك حينا من الدهر ، ثم أخبر أن بنجران
بقايا قوم على دين النصرانية ، وكانوا على دين عيسى عليه السلام وعلى حكم الانجيل ، ورأس
ذلك الدين عبدالله بن بريامن ، ( 3 ) حمله أهل دينه ( 4 ) على أن يسير إليهم ويحملهم على
. . ( هامش صفحة 438 ) ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 660 661 .
( 2 ) في تاريخ اليعقوبي : ذو نواس بن أسعد وكان اسمه زرعة . وفي الكامل لابن الاثير :
ذو نواس بن تبان أسعد بن كرب . وفيه عن ابن عباس : أن اسمه يوسف بن شرحبيل وكان قبل مولد
النبي صلى الله عليه وآله بسبعين سنة ، وقد فصل اليعقوبي وابن الاثير ترجمته وأخباره .
( 3 ) في نسخة : عبدالله بن يامن . وفي تاريخ اليعقوبي : عبدالله بن الثامر . وفي الكامل :
عبدالله بن التامر .
( 4 ) في نسخة : وحمله أهل دينه . وفي المصدر : فحمله .
[439]
اليهودية ويدخلهم فيها ، فسار حتى قدم نجران ، فجمع من كان بها على دين النصرانية
ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها فأبوا عليه فجادلهم وعرض عليهم وحرص
الحرص كله فأبوا عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها ، واختاروا القتل ، فخد لهم
خدودا وجمع فيها الحطب وأشعل فيه النار ، فمنهم من أحرق بالنار ، ومنهم من قتل بالسيف
ومثل بهم كل مثلة ، فبلغ عدد من قتل وأحرق بالنار عشرين ألفا ، وأفلت رجل منهم
يدعى دوس ( 1 ) على فرس له وركضه واتبعوه حتى أعجزهم في الرمل ، ورجع ذونواس
إلى ضيعة في جنوده ، ( 2 ) فقال الله : " قتل أصحاب الاخدود " إلى قوله : " العزيز الحميد "
قوله : " إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات " أي أحرقوهم " ثم لم يتوبوا فلهم عذاب
جهنم ولهم عذاب الحريق " . ( 3 )
2 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن أبي جميلة ،
عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن أسقف نجران دخل على أمير المؤمنين عليه السلام فجرى
ذكر أصحاب الاخدود ، فقال عليه السلام : بعث الله تعالى نبيا حبشيا إلى قومه وهم حبشية
فدعاهم إلى الله تعالى ، فكذبوه وحاربوه وظفروا به وخدوا الخدود وجعلوا فيها الحطب
والنار ، فلما كان حرا قالوا لمن كان على دين ذلك النبي : اعتزلوا وإلا طرحناكم فيها ،
فاعتزل قوم كثير ، وقذف فيها خلق كثير حتى وقعت امرأة ومعها ابن لها من شهرين ،
فقيل لها : إما أن ترجعي وإما أن تقذفي في النار ، فهمت تطرح نفسها فلما رأت ابنها
رحمته ، فأنطق الله تعالى الصبي وقال : يا أماه ألقي نفسك وإياي في النار ، فإن هذا
في الله قليل .
وتلا عند الصادق عليه السلام رجل : " قتل أصحاب الاخدود " فقال : قتل أصحاب الاخدود .
وسئل أمير المؤمنين عليه السلام عن المجوس أي أحكام تجري فيهم ؟ قال : هم أهل الكتاب ، كان
لهم كتاب وكان لهم ملك سكر يوما فوقع على أخته وأمه ، فلما أفاق ندم وشق ذلك عليه ،
. . ( هامش صفحة 439 ) ( 1 ) في المصدر : دوس ذو ثعلبان .
( 2 ) " " : من جنوده .
( 3 ) تفسير القمي : 719 .
[440]
فقال للناس : هذا حلال ، فامتنعوا عليه فجعل يقتلهم وحفر لهم الاخدود ويلقيهم فيها .
بيان : لعل الصادق عليه السلام قرأ " قتل " على بناء المعلوم ، فالمراد بأصحاب الاخدود
الكفار كما هو أحد احتمالي القراءة المشهورة ولم ينقل في الشواذ .
3 ص : الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن أورمة ،
عن علي بن هلال الصيقل ، عن شريك بن عبدالله ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر
عليه السلام قال : ولى عمر رجلا كورة من الشام فافتتحها ، وإذا أهلها أسلموا ، فبنى لهم مسجدا
فسقط ، ثم بنى فسقط ، فم بناه فسقط ، فكتب إلى عمر بذلك ، فلما قرأ الكتاب سأل أصحاب
محمد صلى الله عليه وآله هل عندكم في هذا علم ؟ قالوا : لا ، فبعث إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأقرأه
الكتاب ، فقال : هذا نبي كذبه قومه فقتلوه ودفنوه في هذا المسجد وهو متشحط في
دمه ، ( 1 ) فاكتب إلى صاحبك فلينبشه فإنه سيجده طريا ليصل عليه وليدفنه في موضع
كذا ، ثم ليبن مسجدا فإنه سيقوم ، ففعل ذلك ثم بنى المسجد فثبت . ( 2 )
4 وفي رواية : اكتب إلى صاحبك أن يحفر ميمنة أساس المسجد ، فإنه سيصيب
فيها رجلا قاعدا يده على أنفه ووجهه ، فقال عمر : من هو ؟ قال علي : فاكتب إلى
صاحبك فليعمل ما أمرته ، فإن وجده كما وصفت لك أعلمتك إن شاء الله ، فلم يلبث إذ
كتب العامل : أصبت الرجل على ما وصفت ، فصنعت الذي أمرت فثبت البناء ، فقال عمر
لعلي عليه السلام : ماحال هذا الرجل ؟ فقال : هذا نبي أصحاب الاخدود . وقصتهم معروفة
في تفسير القرآن . ( 3 )
5 سن : أبي ، عن هارون بن الجهم ، عن المفضل بن صالح ، عن جابر الجعفي
عن أبي جعفر عليه السلام قال : بعث الله نبيا حبشيا إلى قومه فقاتلهم ، فقتل أصحابه وأسروا
وخدوا لهم أخدودا من نار ثم نادوا : من كان من أهل ملتنا فليعتزل ، ومن كان على دين هذا
النبي فليقتحم النار ، فجعلوا يقتحمون ، ( 4 ) وأقبلت امرأة معها صبي لها فهابت النار ،
. . ( هامش صفحة 440 ) ( 1 ) تشحط بالدم : تضرج به وتمرغ فيه .
( 2 و 3 ) قصص الانبياء مخطوط . وقوله : وقصتهم معروفة إه لعله من كلام الراوندي .
( 4 ) في المصدر : يقتحمون النار .
[441]
فقال لها : ( 1 ) اقتحمي ، قال : فاقتحمت النار ، وهم أصحاب الاخدود . ( 2 )
أقول : قال الطبرسي رحمه الله : روى مسلم في الصحيح ، ( 3 ) عن هدية بن ( 4 )
خالد ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى ، ( 5 ) عن صهيب ، عن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال : كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر ، ( 6 ) فلما مرض الساحر قال :
إني قد حضر أجلي فادفع إلي غلاما أعلمه السحر ، فدفع إليه غلاما ، وكان يختلف إليه ،
وبين الساحر والملك راهب ، فمر الغلام بالراهب فأعجبه كلامه وأمره ، فكان يطيل عنده
القعود فإذا أبطأ عن الساحر ضربه ، وإذا أبطأ عن أهله ضربوه ، فشكا ذلك إلى الراهب
فقال : يا بني إذا استبطأك الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا استبطأك أهلك فقل :
حبسني الساحر ، فبينما هو ذات يوم إذا بالناس قد غشيتهم ( 7 ) دابة عظيمة فظيعة ،
فقال : اليوم أعلم أمر الساحر أفضل أم أمر الراهب ، فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر
الراهب أحب إليك فاقتل هذه الدابة ، فرمى فقتلها ومضى الناس فأخبر بذلك الراهب
فقال : أي بني إنك ستبتلى فإذا ابتليت فلا تدل علي .
قال : وجعل يداوي الناس فيبرئ الاكمه والابرص ، فبينما هو كذلك إذ عمى
. . ( هامش صفحة 441 ) ( 1 ) في المصدر : فقال لها صبيها .
( 2 ) محاسن البرقي : 249 و 25 .
( 3 ) راجع صحيح مسلم 8 : 229 من طبعة محمد علي صبيح . أخرج الطبرسي مختصره ومعناه .
( 4 ) هكذا في النسخ وفي مجمع البيان ، وفيه تصحيف ، صوابه : هدبة بضم الهاء وسكون
الدال بعدها الباء الموحدة ويقال له أيضا هداب بفتح الهاء وتثقيل الدال وهو الموجود في


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 441 سطر 19 إلى صفحه 449 سطر 18

صحيح مسلم ، قال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين ج 2 س 556 : هدبة بن خالد بن الاسود
ابن هدبة أبوخالد القيسي البصري أخو امية ويقال : هداب ، سمع هما ما عندهما وحماد بن سلمة
وسليمان بن المغيرة عند مسلم ، روى عنه البخاري ومسلم ، مات سنة ست أو سبع أو ثمان ، و
قيل : خمس وثلاثين ومأتين . وترجمه أيضا ابن حجر في التقريب : 531 وقال نحو ذلك .
( 5 ) في مجمع البيان : ثابت بن عبدالرحمن بن أبي ليلى وفيه تصحيف ، والصواب ثابت ،
عن عبدالرحمن ، والظاهر أن ثابت هذا هو البناني ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب والمقدسي
في الجمع بين رجال الصحيحين في ترجمة حماد بن سلمة : روى عن ثابت البناني .
( 6 ) في صحيح مسلم : وكان له ساحر فلما كبر قال للملك : اني قد كبرت فابعث إلي غلاما .
( 7 ) في نسخة : قد حبستهم .
[442]
جليس للملك ، فأتاه وحمل إليه مالا كثيرا فقال : اشفني ولك ما ههنا ، فقال : إني لا
أشفي أحدا ، ولكن يشفي الله ، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك . قال : فآمن فدعا الله
له فشفاه ، فذهب فجلس إلى الملك فقال : يافلان من شفاك ؟ قال : ربي ، قال : أنا ؟ قال :
لا ربي وربك الله ، قال : أو أن لك ربا غيري ؟ قال : نعم ربي وربك الله ، فأخذه فلم
يزل به ( 1 ) حتى دله على الغلام ، فبعث إلى الغلام فقال : لقد بلغ من أمرك أن
تشفي الاكمه والابرص ؟ قال : ما أشفي أحدا ، ولكن ربي يشفي ، قال : أو أن لك ربا
غيري ؟ قال نعم ربي وربك الله ، فأخذه فلم يزل به حتى دله على الراهب فوضع المنشار
عليه فنشره حتى وقع شقين ، ( 2 ) وقال للغلام : ارجع عن دينك ، فأبى فأرسل معه نفرا
فقال : اصعدوا به جبل كذا وكذا ، فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه منه ، ( 3 ) قال :
فعلوا به الجبل فقال : اللهم اكفنيهم بم شئت ، قال : فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعون
وجاء إلى الملك فقال : ماصنع أصحابك ؟ قال : كفانيهم الله ، فأرسل به مرة أخرى ، قال :
انطلقوا به فلججوه ( 4 ) في البحر ، فإن رجع وإلا فغرقوه ، فانطلقوا به في قرقور ( 5 )
فلما توسطوا به البحر قال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، قال فانكفأت ( 6 ) بهم السفينة ،
وجاء حتى قام بين يدي الملك ، فقال : ماصنع أصحابك ؟ قال : كفانيهم الله ، ثم قال :
إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به : اجمع الناس ثم اصلبني على جذع ثم خذ
سهما من كنانتي ثم ضعه على كبد القوس ثم قل : باسم رب الغلام ، فإنك ستقتلني ، قال :
فجمع الناس وصلبه ، ثم أخذ سهما من كنانته فوضعه على كبد القوس وقال : باسم رب
الغلام ، ورمى فوقع السهم في صدغه ومات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، فقيل له :
. . ( هامش صفحة 442 ) ( 1 ) في هامش المطبوع : وفي رواية " فلم يزل يعذبه " في الموضعين . قلت : هو الموجود
في صحيح مسلم .
( 2 ) في نسخة وفي الصحيح : حتى وقع شقاه .
( 3 ) أي فدحرجوه منه .
( 4 ) لعل الصحيح : فلججوا في البحر من لجج القوم : ركبوا اللجة .
( 5 ) القرقور بالضم : السفينة الطويلة .
( 6 ) أي فانقلبت .
[443]
أرأيت ما كنت تخاف قد نزل والله بك ، آمن الناس ، فأمر بالاخدود فخددت على أفواه
السكك ، ثم أضرمها نارا فقال : من رجع عن دينه فدعوه ومن أبى فاقحموه فيها ، فجعلوا
يقتحمونها ، وجاءت امرأة بابن لها فقال لها : ياأمة اصبري فإنك على الحق . ( 1 )
وقال ابن المسيب : كنا عند عمر بن الخطاب إذ ورد عليه أنهم احتفروا فوجدوا
ذلك الغلام وهو واضع يده على صدغه ، فكلما مدت يده عادت إلى صدغه ، فكتب عمر :
واروه حيث وجدتموه .
وروى سعيد بن جبير قال : لما انهزم أهل اسفندهان قال عمر بن الخطاب : ماهم
بيهود ولا نصارى ، ولا لهم كتاب وكانوا مجوسا ، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : بلى قد كان
لهم كتاب ولكنه رفع ، وذلك أن ملكا لهم سكر فوقع على ابنته أو قال : على
أخته فلما أفاق قال لها : كيف المخرج مما وقعت فيه ؟ قالت : تجمع أهل مملكتك و
تخبرهم أنك ترى نكاح البنات وتأمرهم أن يحلوه ، فجمعهم فأخبرهم ، فأبوا أن يتابعوه
فخد لهم أخدودا في الارض وأوقد فيه النيران وعرضهم عليها ، فمن أبى قبول ذلك قذفه
في النار ، ومن أجاب خلى سبيله .
وقال الحسن : كان النبي صلى الله عليه وآله إذا ذكر عنده أصحاب الاخدود تعوذ بالله من
جهد البلاء .
وروى العياشي بإسناده عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أرسل علي عليه السلام
إلى أسقف نجران يسأله عن أصحاب الاخدود فأخبره بشئ ، فقال علي عليه السلام : ليس
كما ذكرت ، ولكن سأخبرك عنهم ، إن الله بعث رجلا حبشيا نبيا وهم حبشية فكذبوه
فقاتلهم فقتلوا أصحابه وأسروه وأسروا أصحابه ، ثم بنوا له حيرا ، ( 2 ) ثم ملؤوه نارا ، ثم
جمعوا الناس فقالوا : من كان على ديننا وأمرنا فليعتزل ، ومن كان على دين هؤلاء فليرم
نفسه في النار معه ، فجعل أصحابه يتهافتون في النار ، فجاءت امرأة معها صبي لها ابن شهر ،
فلما هجمت على النار هابت ورقت على ابنها ، فناداها الصبي : لاتهابي وارمي بي وبنفسك
. . ( هامش صفحة 443 ) ( 1 ) إلى هنا تم الخبر في صحيح مسلم وفيه اختلافات كثيرة راجعه .
( 2 ) الحير : الحظيرة . والموضع الذي يتحير فيه الماء .
[444]
في النار فإن هذا والله في الله قليل ، فرمت بنفسها في النار وصبيها وكان ممن تكلم في المهد .
وبإسناده عن ميثم التمار قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام وذكر أصحاب الاخدود
فقال : كانوا عشرة ، وعلى مثالهم عشرة يقتلون في هذا السوق .
وقال مقاتل : كان أصحاب الاخدود ثلاثة : واحد منهم بنجران ، والآخر بالشام ،
والآخر بفارس ، حرقوا بالنار ، أما الذي بالشام فهو أنطياخوس الرومي ، وأما الذي بفارس
فهو بخت نصر ، وأما الذي بأرض العرب فهو يوسف بن ذي نواس ، فأما ماكان ( 1 ) بفارس
والشام فلم ينزل الله تعالى فيهما قرآنا ، وأنزل في الذي كان بنجران ، وذلك أن رجلين
مسلمين ممن يقرؤون الانجيل أحدهما بأرض تهامة والآخر بنجران اليمن آجر أحدهما
نفسه في عمل يعمله ، وجعل يقرء الانجيل ، فرأت ابنة المستأجر النور يضئ من قراءة
الانجيل ، فذكرت ذلك لابيها فرمق ( 2 ) حتى رآه ، فسأله فلم يخبره ، فلم يزل به حتى
أخبره بالدين والاسلام فتابعه مع سبعة وثمانين إنسانا من رجل وامرأة ، وهذا بعد مارفع
عيسى عليه السلام إلى السماء فسمع يوسف بن ذي نواس بن سراحيل بن ( 3 ) تبع الحميري
فخد لهم في الارض ، وأوقد فيها ، فعرضهم على الكفر فمن أبى قذفه في النار ، ومن رجع
عن دين عيسى عليه السلام لم يقذف فيها ، وإذا امرأة جاءت ومعها ولد صغير لا يتكلم ، فلما
قامت على شفير الخندق نظرت إلى ابنها فرجعت ، فقال لها : يا أماه إني أرى أمامك
نارا لا تطفأ ، فلما سمعت من ابنها ذلك قذفا في النار ، فجعلها الله وابنها في الجنة ، و
قذف في النار سبعة وسبعون . ( 4 )
قال ابن عباس : من أبى أن يقع في النار ضرب بالسياط ، فأدخل ( 5 ) أرواحهم إلى
الجنة قبل أن تصل أجسامهم إلى النار . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 444 ) ( 1 ) الصواب كما في المصدر : فاما من كان .
( 2 ) رمقه : لحظه لحظا خفيفا . أطال النظر اليه .
( 3 ) في المصدر : " شراحيل " وهو الصحيح .
( 4 ) في المصدر : سبعة وسبعون انسانا .
( 5 ) في المصدر : فأدخل الله أرواحهم في الجنة .
( 6 ) مجمع البيان 10 : 464 466 .
[445]
( باب 29 )
* ( قصة جرجيس عليه السلام ) *
1 ص : الصدوق ، عن جعفر بن محمد بن شاذان ، عن أبيه ، عن الفضل ، عن محمد بن
زياد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنه
قال : بعث الله جرجيس عليه السلام إلى ملك بالشام يقال له : داذانة ( 1 ) يعبد صنما ، فقال له :
أيها الملك اقبل نصيحتي ، لاينبغي للخلق أن يعبدوا غير الله تعالى ، ولا يرغبوا إلا إليه ،
فقال له الملك : من أي أرض أنت ؟ قال : من الروم قاطنين بفلسطين ، فأمر بحبسه ، ثم مشط
جسده بأمشاط من حديد حتى تساقط لحمه ونضح جسده بالخل ، ( 2 ) ودلكه بالمسوح
الخشنة ، ثم أمر بمكاوي ( 3 ) من حديد تحمى فيكوى بها جسده ، ولما لم يقتل أمر بأوتاد
من حديد فضربوها في فخذيه وركبتيه وتحت قدميه ، فلما رأى أن ذلك لم يقتله أمر
بأوتاد طوال من حديد فوقذت ( 4 ) في رأسه فسال منها دماغه ، وأمر بالرصاص فأذيب و
صب على أثر ذلك ، ثم أمر بسارية ( 5 ) من حجارة كانت في السجن لم ينقلها إلا ثمانية عشر
رجلا فوضعت على بطنه ، فلما أظلم الليل وتفرق عنه الناس رآه أهل السجن وقد جاءه
ملك فقال له : يا جرجيس إن الله تعالى جلت عظمته يقول : اصبر وابشر ولاتخف ، إن
. . ( هامش صفحة 445 ) ( 1 ) في الكامل : دازانة . وفي العرائس : راذانة .
( 2 ) أي بل جسده بالخل . وفي المطبوع " نزح " وهو مصحف .
( 3 ) المكاوى جمع المكواة : حديدة يكوى بها .
( 4 ) هكذا في النسخ ، وقذه بمعنى ضربه شديدا حتى أشرف على الموت لكنه لايناسب المقام ،
وفي الكامل والعرائس : فسمر بها رأسه . ولعله أوفق ، يقال : سمر العين أي فقأها بمسامير محماة .
( 5 ) السارية : الاسطوانة ، وعند الملاحين : العمود الذي ينصب في وسط السفينة لتعليق القلوع
به . والاول هو المراد هنا .
[446]
الله معك يخلصك ، وإنهم يقتلونك أربع مرات في كل ذلك أرفع عنك الالم والاذى .
فلما أصبح الملك دعاه فجلده بالسياط على الظهر والبطن ، ثم رده إلى السجن ،
ثم كتب إلى أهل مملكته أن يبعثوا إليه بكل ساحر ، فبعثوا بساحر استعمل كل ماقدر
عليه من السحر فلم يعمل فيه ، ثم عمل إلى سم فسقاه فقال جرجيس : " بسم الله الذي
يضل عند صدقه كذب الفجرة وسحر السحرة " فلم يضره ، فقال الساحر : لو أني سقيت
بهذا أهل الارض لنزعت قواهم ، وشوهت خلقهم ، وعميت أبصارهم ، فأنت يا جرجيس
النور المضئ ، والسراج المنير ، والحق اليقين ، أشهد أن إلهك حق ، ومادونه باطل ، آمنت
به وصدقت رسله ، وإليه أتوب بما فعلت ، فقتله الملك . ثم أعاد جرجيس عليه السلام إلى السجن
وعذبه بألوان العذاب ، ثم قطعه أقطاعا ، وألقاها في جب ، ( 1 ) ثم خلا الملك الملعون و
أصحابه على طعام له وشراب فأمر الله تعالى جل وعلا أعصارا أنشأت سحابة سوداء وجاءت
بالصواعق ورجفت الارض وتزلزلت الجبال حتى أشفقوا أن يكون هلاكهم ، وأمر الله
ميكائيل فقام على رأس الجب وقال : قم يا جرجيس بقوة الله الذي خلقك فسواك ، فقام
جرجيس حيا سويا وأخرجه من الجب ، وقال : اصبر وابشر ، فانطلق جرجيس حتى قام
بين يدي الملك وقال : بعثني الله ليحتج بي عليكم ، فقام صاحب الشرطة وقال : آمنت
بإلهك الذي بعثك بعد موتك ، وشهدت أنه الحق ، وجميع الآلهة دونه باطل ، واتبعه
أربعة آلاف آمنوا وصدقوا جرجيس عليه السلام فقتلهم الملك جميعا بالسيف ، ثم أمر بلوح من
نحاس أوقد عليه النار حتى احمر فبسط عليه جرجيس ، وأمر بالرصاص فأذيب وصب في
فيه ، ثم ضرب الاوتاد في عينيه ورأسه ، ثم ينزع ويفرغ بالرصاص مكانه ، فلما رأى أن
. . ( هامش صفحة 446 ) ( 1 ) لم يذكر الثعلبي وابن الاثير هذا بل ذكرا أن رجلا صنع صورة ثور مجوف ثم حشاها
نفطا ورصاصا وكبريتا وزرنيخا وأدخل جرجيس في وسطها ، ثم أوقد تحت الصورة النار
حتى التهب وذاب كل شئ فيها واختلط ومات جرجيس في جوفها ، فلما مات أرسل الله ريحا عاصفا
فملاءت السماء سحابا أسود فيه رعد وبرق وصواعق ، وأرسل الله أعصارا ملاءت بلادهم عجاجا وقتاما
حتى اسود ما بين السماء والارض ، فمكثوا اياما متحيرين في تلك الظلمة لايفصلون بين الليل والنهار ،
وأرسل الله ميكائيل فاحتمل الصورة التي فيها جرجيس حتى إذا أقلها ضرب بها الارض ففزع من
روعها أهل الشام فخروا لوجوههم صاعقين وانكسرت الصورة فخرج منها جرجيس حيا . انتهى .
[447]
ذلك لم يقتله فأوقد عليه النار حتى مات وأمر برماده فذر في الرياح ، فأمر الله تعالى رياح
الارضين في الليلة فجمعت رماده في مكان ، فأمر ميكائيل فنادى جرجيس فقام حيا سويا
بإذن الله ، فانطلق جرجيس إلى الملك وهو في أصحابه ، فقام رجل وقال : إن تحتنا أربعة
عشر منبرا ومائدة بين أيدينا وهي من عيدان شتى ، منها مايثمر ومنها ما لايثمر ، فسل ربك أن
يلبس كل شجرة منها لحاها ، وينبت فيها ورقها وثمرها ، فإن فعل ذلك فإني أصدقك ،
فوضع جرجيس ركبتيه على الارض ودعا ربه تعالى عظم شأنه فما برح مكانه حتى أثمر
كل عود فيها ثمرة ، فأمر به الملك فمد بين الخشبتين ووضع المنشار على رأسه فنشر
حتى سقط المنشار من تحت رجليه ثم أمر بقدر عظيمة فألقي فيها زفت وكبريت ورصاص
وألقي فيها جسد جرجيس فطبخ حتى اختلط ذلك كله جميعا ، فأظلمت الارض لذلك ، و
بعث الله إسرافيل فصاح صيحة خر منها الناس لوجوههم ، ثم قلب إسرافيل القدر فقال :
قم يا جرجيس بإذن الله ، فقام حيا سويا بقدرة الله ، وانطلق جرجيس إلى الملك ، ولما رأى
الناس عجبوا منه فجاءته امرأة وقالت : أيها العبد الصالح كان لنا ثور نعيش به فمات ،
فقال لها جرجيس : خذي عصاي هذه فضعيها على ثورك وقولي : إن جرجيس يقول : قم
بإذن الله ، ففعلت فقام حيا فآمنت بالله . فقال الملك : إن تركت هذا الساحر أهلك قومي
فاجتمعوا كلهم أن يقتلوه ، فأمر به أن يخرج ويقتل بالسيف ، فقال جرجيس عليه السلام لما
أخرج : لا تعجلوا علي ، فقال : اللهم إن أهلكت أنت عبدة الاوثان أسألك أن تجعل اسمي
وذكري صبرا لمن يتقرب إليك عند كل هول وبلاء ، ثم ضربوا عنقه فمات ، ثم أسرعوا
إلى القرية فهلكوا كلهم . ( 1 )
أقول : هذه القصة مذكورة في التواريخ أطول من ذلك تركنا إيرادها لعدم
الاعتماد على سندها . ( 2 )
. . ( هامش صفحة 447 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 2 ) ذكرها الثعلبي مفصلا في العرائس : 243 246 وابن الاثير في الكامل 1 : 214
229 ، والقصة كما ترى مروية من طرق العامة ، ولم يرد من أئمتنا فيها شئ ، وأمرها موكولة
إلى الله انه هو العالم بالصواب .
[448]
( باب 30 )
* ( قصة خالد بن سنان العبسي عليه السلام ) *
1 كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه وأحمد بن محمد الكوفي ، عن علي بن عمرو بن
أعين ( 1 ) جميعا ، عن محسن بن أحمد بن معاذ ، عن أبان بن عثمان ، عن بشير النبال ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس إذ جاءته امرأة فرجب بها ( 2 ) و
أخذ بيدها وأقعدها ، ثم قال : ابنة نبي ضيعه قومه خالد بن سنان ، دعاهم فأبوا أن يؤمنوا
وكانت نار يقال لها نار الحدثان ، تأتيهم كل سنة فتأكل بعضهم ، وكانت تخرج في وقت
معلوم ، فقال لهم : إن رددتها عنكم تؤمنون ؟ قالوا : نعم ، قال : فجاءت فاستقبلها بثوبه فردها
ثم تبعها حتى دخلت كهفها ودخل معها ، وجلسوا على باب الكهف وهم يرون أن لا
يخرج أبدا ، فخرج وهو يقول : هذا هذا ، وكل هذا من ذا ، زعمت بنو عبس أني لا
أخرج وجبيني يندى ، ثم قال : تؤمنون بي ؟ قالوا : لا ، قال : فإني ميت يوم كذا و
كذا ، فإذا أنا مت فادفنوني فإنه سيجئ عانة من حمر يقدمها عير أبتر حتى يقف على
قبري فانبشوني وسلوني عما شئتم ، فلما مات دفنوه ، وكان ذلك اليوم إذ جاءت العانة
اجتمعوا وجاؤوا يريدون نبشه ، فقالوا : ما آمنتم به في حياته ، فكيف تؤمنون به بعد وفاته ؟ !
ولئن نبشتموه ليكونن سبة عليكم ، فاتركوه فتركوه . ( 3 )
بيان : قال السيوطي في شرح شواهد المغني ناقلا عن العسكري ( 4 ) في ذكر أقسام
النار : نار الحرتين كانت في بلاد عبس تخرج من الارض فتؤذي من مر بها ، وهي التي دفنها
خالد بن سنان النبي عليه السلام .
قال خليل : " كنار الحرتين لها زفير * تصم مسامع الرجل السميع " انتهى .
. . ( هامش صفحة 448 ) ( 1 ) في المصدر : علي بن عمرو بن أيمن .
( 2 ) رحب بها أي أحسن وفده ودعاه إلى الرحب وقال له : مرحبا .
( 3 ) روضة الكافي : 342 و 343 .
( 4 ) هو أبوهلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري المتوفى سنة 395 صاحب التصانيف
الممتعة .
[449]
وقال القزويني في كتاب عجائب المخلوقات : نار الحرتين كانت ببلاد عبس ، و
إذا كان الليل تسطع من الماء ، وكانت بنو طئ تنفس منها إبلها من مسيرة ثلاث ، وربما
بدرت منها عنق فتأتي كل شئ يقربها فتحرقها ، وإذا كان النهار كانت دخانا ، فبعث الله
تعالى خالد بن سنان العبسي وهو أول نبي من بني إسماعيل فاحتفر لها بئرا وأدخلها
فيها ، وإن الناس ينظرون حتى غيبها . وقال الصفدي في شرح لامية العجم : قال
بعضهم : النار عند العرب أربعة عشر نارا إلى أن قال : ونار الحرتين التي أطفأها الله بخالد
ابن سنان العبسي ، احتفر لها بئرا ، ثم أدخلها فيها والناس يرونه ثم اقتحم فيها حتى
غيبها وخرج منها انتهى . ( 1 )
فظهر أنه كان " نار الحرتين " فصحف بما ترى . قوله : ( هذا هذا ) أي شأني وأمري
هذا ( وكل هذا من ذا ) أي من الله تعالى . قوله : ( يندى ) كيرضى أي يبتل من العرق .
وروى صاحب الكامل ( 2 ) هكذا : لادخلنها وهي تلظى ، ولاخرجن منها وبناني
تندى . ( 3 )
والعانة : القطيع من حمر الوحش ، والعير الحمار الوحشي . والابتر : المقطوع
الذنب . والسبة بالضم : العار ، أي نبش قبر نبيكم عار لكم ، أو عدم إيمانكم به مع
ظهور تلك المعجزات عار لكم ، ويؤيد الاول ما رواه صاحب الكامل حيث قال : وكره
. . ( هامش صفحة 449 ) ( 1 ) وقال الجاحظ في كتاب الحيوان 1 : 217 بعد ذكر النيران وأقسامها : ونار اخرى
وهي نار الحرتين ، وهي نار خالد بن سنان أحد بني مخزوم من بني قطيعة بن عبس ، ولم يكن في
بني إسماعيل نبي قبله ، وهو الذي أطفأ الله به نار الحرتين ، وكانت حرة ببلاد بني عبس ، فاذا


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 449 سطر 19 إلى صفحه 457 سطر 18

كان الليل فهي نار تسطع في السماء ، وكانت طئ تتبين بها إبلها من مسيرة ثلاث ، وربما بدرت
منها العنق فتأتي كل شئ فتحرقه ، وإذا كان النهار فانما هي دخان يفور ، فبعث الله خالد بن
سنان فاحتفر لها بئرا ثم أدخلها فيها والناس ينظرون ، ثم اقتحم فيها حتى غيبها إه .
( 2 ) الكامل 1 : 131 .
( 3 ) في الكامل : وهو يقول : بددا بددا كل هاد مؤد إلى الله الاعلى ، لادخلنها وهي تلظى ،
ولاخرجن منها وثيابي تندى . وفي كتاب الحيوان : يقول : كذب ابن راعية المعز ، لاخرجن
منها وجبتي تندل .
[450]
ذلك بعض لهم وقالوا : نخاف إن نبشناه نسبنا العرب بأنا نبشنا ميتا لنا ، فتركوه . ( 1 )
2 ص : الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن علي بن
شجرة ، عن عمه ، عن بشير النبال ، عن الصادق عليه السلام قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس
إذا امرأة أقبلت تمشي حتى انتهت إليه فقال لها : مرحبا بابنة نبي ضيعه قومه أخي خالد
ابن سنان العبسي ، ثم قال : إن خالدا دعا قومه فأبوا أن يجيبوه ، وكانت نار تخرج في
كل يوم فتأكل ماتليها من مواشيهم وما أدركت لهم ، فقال لقومه : أرأيتم إن رددتها عنكم
أتؤمنون بي وتصدقونني ؟ قالوا : نعم ، فاستقبلها فردها بقوة حتى أدخلها غارا وهم
ينظرون ، فدخل معها فمكث حتى طال ذلك عليهم ، فقالوا : إنا لنراها قد أكلته فخرج
منها ، فقال : أتجيبونني وتؤمنون بي ؟ قالوا : نار خرجت ودخلت لوقت ، فأبوا أن يجيبوه
فقال لهم : إني ميت بعد كذا فإذا أنا مت فادفنوني ، ثم دعوني أياما فانبشوني ، ثم
سلوني أخبركم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، فلما كان الوقت جاء ما قال فقال
بعضهم : لم نصدقه حيا نصدقه ميتا ؟ فتركوه ، وإنه كان بين النبي صلى الله عليه وآله وعيسى عليه السلام
ولم يكن بينهما فترة . ( 2 )
بيان : أي لم تكن فترة كاملة بحيث لايبعث نبي أصلا .
3 ك : ابن الوليد ، عن محمد بن الوليد الخزاز ( 3 ) والسندي بن محمد معا ، عن ابن
أبي عمير ، عن أبان بن عثمان الاحمر ، عن بشير النبال ، عن أبي جعفر الباقر وأبي عبدالله
الصادق عليهما السلام قال : جاءت ابنة خالد بن سنان العبسي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها : مرحبا
يابنت أخي ، وصافحها وأدناها وبسط لها رداءه ، ثم أجلسها عليه إلى جنبه ، ثم قال :
هذه ابنة نبي ضيعه قومه خالد بن سنان العبسي ، وكانت اسمها محياة ابنة خالد بن
سنان . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 450 ) ( 1 ) في كتاب الحيوان : وذهبوا ينبشونه اختلفوا فصاروا فرقتين ، وابنه عبدالله في الفرقة
التي أبت أن تنبشه وهو يقول : اذا ادعى ابن المنبوش ، فتركوه .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 3 ) في المصدر : ابن الوليد ، عن سعد ، عن محمد بن الوليد الخزاز . وهو الصحيح .
( 4 ) كمال الدين : 370 و 371 .
[451]
4 ج : قال الصادق عليه السلام في أسئلة الزنديق الذي سأله عن مسائل ، فكان فيما سأله :
أخبرني عن المجوس هل بعث إليهم خالد بن سنان ؟ قال عليه السلام : إن خالدا كان عربيا
بدويا وما كان نبيا ، وإنما ذلك شئ يقوله الناس . ( 1 )
بيان : الاخبار الدالة على نبوته أقوى وأكثر .
( باب 31 )
* ( ماورد بلفظ نبي من الانبياء وبعض نوادر أحوالهم ) *
* ( وأحوال اممهم وفيه ذكر نبي المجوس ) *
الايات ، آل عمران " 3 " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما
أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن
قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين *
فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين 146 148 .
الانعام " 6 " ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به
يستهزؤن 10 .
" وقال تعالى " : ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ماكذبوا وأوذوا حتى
أتاهم نصرنا 34 " وقال تعالى " : ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء و
الضراء لعلهم يتضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم
الشيطان ماكانوا يعملون * فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى
إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد
لله رب العالمين 42 45 " وقال " : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس و
الجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا 112 .
. . ( هامش صفحة 451 ) ( 1 ) الاحتجاج : 189 والحديث طويل أخرجه في كتاب الاحتجاجات راجع ج 10 : 179 ،
ويأتي قطعة منه أيضا في الباب الاتي تحت رقم 26 .
[452]
الاعراف " 7 " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون * فما كان
دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين 4 و 5 .
يونس " 10 " ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات
وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين 23 " وقال تعالى " : ولكل أمة رسول
فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لايظلمون 47 .
هود " 11 " ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم
ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شئ لما جاء أمر
ربك وما زادوهم غير تتبيب * وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه
أليم شديد 100 102 " وقال تعالى " : فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية
ينهون عن الفساد في الارض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ماأترفوا فيه
وكانوا مجرمين * وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون 116 و 117 .
الرعد " 13 " ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم
فكيف كان عقاب 32 .
الاسراء " 17 " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح 17 .
مريم " 19 " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا 74 " وقال تعالى " :
وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا . 98
طه " 20 " أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في
ذلك لآيات لاولي النهى 128 .
الانبياء " 21 " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين *
فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم
لعلكم تسألون * قالوا ياويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم
حصيدا خامدين 11 15 " وقال تعالى " : ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين
سخروا منهم ماكانوا به يستهزؤن 41 .
الحج " 22 " وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير 48 .
[453]
" وقال تعالى " : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في
أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم * ليجعل مايلقي
الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد 52 54 .
الشعراء " 26 " وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون * ذكرى وما كنا ظالمين
108 و 109 .
النمل " 27 " قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين 69 .
القصص " 28 " وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن
من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين * وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في
أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون 58 و 59 .
التنزيل " 32 " أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم
إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون 26 .
سبأ " 34 " وماأرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون *
وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا ومانحن بمعذبين 34 و 35 .
ص " 38 " كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص 3 .
المؤمن " 40 " أولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من
قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الارض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله
من واق * ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد
العقاب 21 22 .
الزخرف " 43 " وكم أرسلنا من نبي في الاولين * وما يأتيهم من نبي إلا كانوا
به يستهزؤن * فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الاولين 6 8 " وقال تعالى " : و
كذلك ماأرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة
وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا
بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين 23 25 .
[454]
ق " 50 " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من
محيص 36 .
الذاريات " 51 " كذلك ماأتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو
مجنون 52 .
التغابن " 64 " ألم يأتكم نبؤ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب
أليم * ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى
الله والله غني حميد 5 6 .
1 فس : " الربيون " الجموع الكثيرة ، والربة الواحدة : عشرة آلاف " فما
وهنوا لما أصابهم في سبيل الله " من قتل نبيهم . " وإسرافنا في أمرنا " يعنون خطاياهم . ( 1 )
" وكذلك جعلنا لكل نبي " يعني مابعث الله نبيا إلا وفي أمته " شياطين الانس
والجن يوحي بعضهم إلى بعض " أي يقول بعضهم لبعض : لاتؤمنوا بزخرف القول غرورا
فهذا وحي كذب . ( 2 )
قوله : " فجاءها بأسنا بياتا " أي عذابا بالليل " أو هم قائلون " يعني وقت
القيلولة نصف النهار . ( 3 )
وقال البيضاوي : " منها قائم " أي باق كالزرع القائم " وحصيد " أي ومنها عافي
الاثر كالزرع المحصود . ( 4 )
2 فس : " غير تتبيب " أي غير تخسير ( 5 ) " فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم "
أي طولت لهم الامل ثم أهلكتهم . ( 6 )
أقول : لعله : بيان لحاصل المعنى ، والاملاء : الامهال .
. . ( هامش صفحة 454 ) ( 1 ) تفسير القمي : 108 109 .
( 2 ) " " : 201 202 .
( 3 ) " " : 211 .
( 4 ) " البيضاوي 1 : 577 .
( 5 ) " القمي : 314 .
( 6 ) " " : 342 .
[455]
3 فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : " هم أحسن أثاثا ورءيا " قال : عنى به
الثياب والاكل والشرب ، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : الاثاث :
المتاع ، ورءيا : الجمال والمنظر الحسن . ( 1 )
4 فس : " تسمع لهم ركزا " أي حسا ، حدثنا جعفر بن أحمد ، عن عبيد الله بن
موسى ، ( 2 ) عن ابن البطائني ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت :
قوله : " وكم أهلكنا " الآية ، قال : أهلك الله من الامم ما لايحصون ، ( 3 ) فقال : يامحمد " هل
تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا " أي ذكرا . ( 4 )
بيان : قال البيضاوي الركز : الصوت الخفي . ( 5 )
5 فس : " أفلم يهد لهم " يقول : يبين لهم . ( 6 ) وقال البيضاوي : " يركضون "
يهربون مسرعين راكضين دوابهم أو مشبهين بهم من فرط إسراعهم " حصيدا " مثل الحصيد
وهو النبت المحصود " خامدين " ميتين من خمدت النار . ( 7 ) قوله تعالى : " بطرت معيشتها "
أي بسبب معيشتها . قال البيضاوي : " في أمها " أي في أصلها التي هي أعمالها ، ( 8 ) لان
أهلها يكون أفطن وأنبل . ( 9 )
6 فس : " ولات حين مناص " أي ليس هو وقت مفر . ( 10 ) وقال البيضاوي :
. . ( هامش صفحة 455 ) ( 1 ) تفسير القمي : 413 .
( 2 ) في المصدر : عبدالله بن موسى .
( 3 ) " " : ما لاتحصون .
( 4 ) تفسير القمي : 416 و 417 .
( 5 ) أنوار التنزيل 2 : 49 .
( 6 ) تفسير القمي : 425 .
( 7 ) أنوار التنزيل 2 : 77 .
( 8 ) أعمال البلد : ما يكون تحت حكمها ويضاف اليها .
( 9 ) أنوار التنزيل 2 : 221 .
( 10 ) تفسير القمي : 561 .
[456]
( لا ) هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد . ( 1 ) وقال : " فنقبوا في البلاد "
أي فخرقوا في البلاد وتصرفوا فيها ، أو جالوا في الارض كل مجال حذر الموت " هل من
محيص " لهم من الله أو من الموت . ( 2 )
7 فس : قوله : " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا " يعني مابعث الله نبيا إلا
وفي أمته " شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض " أي يقول بعضهم لبعض : لا
تؤمنوا بزخرف القول غرورا ، فهذا وحي كذب . ( 3 ) قوله : " بياتا " أي عذابا بالليل " أو هم
قائلون " يعني نصف النهار . ( 4 ) قوله : " بطرت معيشتها " أي كفرت . ( 5 ) قوله : " من
واق " أي من دافع . ( 6 ) قوله : " أشد منهم بطشا " أي من قريش ( 7 ) قوله : " فنقبوا في
البلاد " أي مروا . ( 8 )
8 ع : بإسناد العلوي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن
نبيا من أنبياء الله بعثه الله عزوجل إلى قومه فبقي فيهم أربعين سنة فلم يؤمنوا به ،
فكان لهم عيد في كنيسة فأتبعهم ذلك النبي فقال لهم : آمنوا بالله ، قالوا له : إن كنت
نبيا فادع لنا الله أن يجيئنا بطعام على لون ثيابنا ، وكانت ثيابهم صفراء ، فجاء بخشبة
يابسة فدعا الله عزوجل عليها فاخضرت وأينعت وجاءت بالمشمش حملا ، فأكلوا ، فكل
من أكل ونوى أن يسلم على يد ذلك النبي خرج مافي جوف النوى من فيه حلوا ، ومن نوى
أنه لايسلم خرج ما في جوف النوى من فيه مرا . ( 9 )
9 ن : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن الانصاري ، عن الهروي قال : سمعت علي
. . ( هامش صفحة 456 ) ( 1 ) أنوار التنزيل 2 : 337 .
( 2 ) " " 2 : 460 .
( 3 ) تفسير القمي : 201 و 202 . تقدم تفسير الاية قبل ذلك وهو مكرر .
( 4 ) " " : 211 .
( 5 ) " " : 490 .
( 6 ) " " : 585 .
( 7 ) " " : 607 .
( 8 ) " " : 646 .
( 9 ) علل الشرائع : 191 .
[457]
ابن موسى الرضا عليه السلام يقول : أوحى الله عزوجل إلى نبي من أنبيائه : إذا أصبحت فأول
شئ يستقبلك فكله ، والثاني فاكتمه ، والثالث فاقبله ، والرابع فلا تؤيسه ، والخامس
فاهرب منه . قال : فلما أصبح مضى فاستقبله جبل أسود عظيم فوقف وقال : أمرني ربي
أن آكل هذا ، وبقي متحيرا ، ثم رجع إلى نفسه فقال : إن ربي جل جلاله لا يأمرني
إلا بما أطيق ، فمشى إليه ليأكله ، فكلما دنا منه صغر حتى انتهى إليه فوجده لقمة
فأكلها فوجدها أطيب شئ أكله ، ثم مضى فوجد طستا من ذهب فقال : أمرني ربي أن
أكتم هذا ، فحفر له وجعله فيه ، وألقى عليه التراب ، ثم مضى فالتفت فإذا الطست قد
ظهر فقال : قد فعلت ما أمرني ربي عزوجل فمضى ، فإذا هو بطير وخلفه بازي فطاف
الطير حوله فقال : أمرني ربي أن أقبل هذا ، ففتح كمه فدخل الطير فيه ، فقال له البازي
أخذت صيدي وأنا خلفه منذ أيام ، فقال : إن الله عزوجل أمرني أن لا أؤيس هذا ،
فقطع من فخذه قطعة فألقاها إليه ثم مضى ، فلما مضى إذا هو بلحم ميتة منتن مدود فقال :
أمرني ربي عزوجل أن أهرب من هذا ، فهرب منه ورجع .
ورأى في المنام كأنه قد قيل له : إنك قد فعلت ما أمرت به ، فهل تدري ماذا كان ؟
قال : لا ، قال له : أما الجبل فهو الغضب ، إن العبد إذا غضب لم ير نفسه وجهل قدره من
عظم الغضب ، فإذا حفظ نفسه وعرف قدره وسكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي
أكلتها ، وأما الطست فهو العمل الصالح إذا كتمه العبد وأخفاه أبى الله عزوجل إلا
أن يظهره ليزينه به مع مايدخر له من ثواب الآخرة ، وأما الطير فهو الرجل الذي يأتيك
بنصيحة فاقبله واقبل نصيحته ، وأما البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلا تؤيسه ،


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 457 سطر 19 إلى صفحه 465 سطر 18

وأما اللحم المنتن فهي الغيبة فاهرب منها . ( 1 )
10 ص : الصدوق ، عن ابن موسى ، عن محمد بن هارون ، عن عبيد الله بن موسى ،
عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن محصن ، عن يونس بن ظبيان قال : قال الصادق عليه السلام : إن
الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل : إن أحببت أن تلقاني غدا في حظيرة
القدس فكن في الدنيا وحيدا غريبا مهموما محزونا مستوحشا من الناس بمنزلة الطير الواحد
. . ( هامش صفحة 457 ) ( 1 ) عيون الاخبار : 152 153 .
[458]
فإذا كان الليل آوى وحده استوحش من الطيور واستأنس بربه . ( 1 )
11 شى : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله : " فأتى الله بنيانهم من
القواعد " قال : كان بيت غدر يجتمعون فيه . ( 2 )
12 شى : عن أبي السفاتج ، عن أبي عبدالله عليه السلام إنه قرأ " فأتى الله بيتهم من
القواعد " يعني بيت مكرهم . ( 3 )
13 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن
ابن محبوب ، عن الهيثم بن واقد الجزري قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن الله عز
وجل بعث نبيا من أنبيائه إلى قومه ، وأوحى إليه أن قل لقومك : إنه ليس من أهل
قرية ولا ناس ( 4 ) كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سراء فتحولوا عما أحب إلى ما أكره إلا
تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون ، وليس من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على معصيتي
فأصابهم فيها ضراء فتحولوا عما أكره إلى ماأحب إلا تحولت لهم عما يكرهون إلى
ما يحبون ، وقل لهم : إن رحمتي سبقت غضبي ، فلا تقنطوا من رحمتي فإنه لا يتعاظم
عندي ذنب أغفره ، وقل لهم : لا يتعرضوا معاندين لسخطي ولا يستخفوا بأوليائي فإن لي
سطوات عند غضبي لايقوم لها شئ من خلقي . ( 5 )
14 كتاب المحتضر للحسن بن سليمان : من كتاب الشفاء والجلاء ، عن أبي
جعفر عليه السلام قال : مر نبي من أنبياء بني إسرائيل برجل بعضه تحت حائط وبعضه خارج قد
. . ( هامش صفحة 458 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 2 ) تفسير العياشي مخطوط . وأخرجه البحراني أيضا في البرهان 2 : 367 ، وأخرج مثله أيضا
باسناده عن محمد بن مسلم وفي آخره : اذا ارادوا الشر .
( 3 ) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجه ايضا البحراني في البرهان 2 : 367 . وقد عرفت
مرارا أن الروايات المشعرة للتحريف مأولة أو مطروحة .
( 4 ) في نسخة من المصدر : ولا اناس .
( 5 ) اصول الكافي 2 : 274 و 275 .
[459]
نقبته الطير ومزقته الكلاب ، ثم مضى فرفعت له مدينة فدخلها فإذا هو عظيم من عظمائها
ميت على سرير مسجى بالديباج حوله المجامر ، فقال : يارب أشهد أنك حكم عدل
لاتجور ، عبدك لم يشرك بك طرفة عين أمته بتلك الميتة ، وهذا عبدك لم يؤمن بك طرفة
عين أمته بهذه الميتة ، قال الله عزوجل : عبدي ! أنا كما قلت حكم عدل لا أجور ، ذاك عبدي
كانت له عندي سيئة وذنب أمته بتلك الميتة لكي يلقاني ولم يبق عليه شئ ، وهذا عبدي
كانت له عندي حسنة فأمته بهذه الميتة لكي يلقاني وليس له عندي شئ . ( 1 )
15 كا : علي بن إبراهيم الهاشمي ، عن جده محمد بن الحسن بن محمد بن عبدالله ، ( 2 ) عن
سليمان الجعفري ، عن الرضا عليه السلام قال : أوحى الله عزوجل إلى نبي من الانبياء : إذا
أطعت رضيت ، وإذا رضيت باركت ، وليس لبركتي نهاية ، وإذا عصيت غضبت ، وإذا غضبت
لعنت ، ولعنتي تبلغ السابع من الوراء . ( 3 )
بيان : الوراء : ولد الولد .
16 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن محمد بن عيسى ، عن الدهقان
عن درست ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : شكا نبي من الانبياء إلى
الله عزوجل الضعف ، فقيل له : اطبخ اللحم باللبن فإنهما يشدان الجسم . ( 4 )
17 كا : بالاسناد المقدم عن ابن سنان ، عنه عليه السلام قال : إن نبيا من الانبياء
شكا إلى الله الضعف وقلة الجماع فأمره بأكل الهريسة . ( 5 )
. . ( هامش صفحة 459 ) ( 1 ) الحديث ساقط في بعض نسخ الكتاب ولم نجده في المصدر ايضا .
( 2 ) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في المصدر : عبيد الله ، وهو أبوالحسن الجواني علي
ابن ابراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن
ابي طالب عليهم السلام ، المترجم في كتب رجالنا ويوجد ذكر ابنه محمد وآبائه في مقاتل الطالبيين .
( 3 ) اصول الكافي 2 : 275 .
( 4 ) فروع الكافي 2 : 169 .
( 5 ) " " 2 : 170 .
[460]
18 كا : بهذا الاسناد عنه عليه السلام قال : شكا نبي من الانبياء إلى الله عزوجل
قلة النسل ، فقال : كل اللحم بالبيض . ( 1 )
19 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن فرات بن أحنف أن بعض
أنبياء بني إسرائيل شكا إلى الله عزوجل قسوة القلب وقلة الدمعة ، فأوحى الله إليه أن
كل العدس فأكل العدس فرق قلبه وكثرت دمعته . ( 2 )
20 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح رفعه إلى أبي عبدالله
عليه السلام أنه قال : شكا نبي من الانبياء إلى الله عزوجل الغم ، فأمره عزوجل
بأكل العنب . ( 3 )
21 كا : محمد بن عبدالله بن جعفر ، عن أبيه ، عن علي بن سليمان بن رشيد ،
عن مروك ( 4 ) بن عبيد ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : مابعث الله عزوجل نبيا
إلا ومعه رائحة السفرجل . ( 5 )
22 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن
أبي أسامة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : العطر من سنن المرسلين . ( 6 )
23 ل : الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام : الطيب في الشارب من أخلاق
النبيين . ( 7 )
. . ( هامش صفحة 460 ) ( 1 ) فروع الكافي 2 : 171 .
( 2 ) " " 2 : 176 . فيه : وجرت دمعته .
( 3 ) " " 2 : 178 فيه : وأمره الله .
( 4 ) مروك بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو هو مروك بن عبيد بن سالم أبي حفصة مولى
بني عجل ، واسم مروك صالح ، واسم أبي حفصة زياد ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الجواد
عليه السلام ، وقال في الفهرست : له كتاب . وترجمه الكشي والنجاشي في رجالهما ووثقه
الاول .
( 5 ) فروع الكافي 2 : 180 . ولعله اراد بذلك الترغيب في أكل السفرجل وأنه نافع للجسد
وأن الانبياء كانوا يكثرون أكله حتى يستشم منهم رائحته ، أو كناية عن أن الانبياء كانت اجسادهم
كأرواحهم طيبة .
( 6 ) فروع الكافي 2 : 222 .
( 7 ) الخصال 2 : 155 .
[461]
24 كا : علي ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : ثلاث أعطيهن الانبياء عليهم السلام : العطر ، والازواج ، والسواك . ( 1 )
25 كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن مهدي ، عن
أبي الحسن موسى عليه السلام قال : مابعث الله نبيا ولا وصيا إلا سخيا . ( 2 )
26 لى : القطان والدقاق والسناني جميعا عن ابن زكريا القطان ، عن محمد بن
العباس ، عن محمد بن أبي السرى ، عن أحمد بن عبدالله بن يونس ، عن ابن طريف ، عن ابن
نباتة قال : قال علي عليه السلام على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، فقام إليه الاشعث بن
قيس فقال : ياأمير المؤمنين كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث
إليهم نبي ؟ فقال : بلى ياأشعث قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم نبيا ، وكان لهم ملك
سكر ( ذات ) ؟ ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها ، فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى
بابه ، فقالوا : أيها الملك دنست علينا ديننا فأهلكته ، فاخرج بظهرك نقم عليك الحد ،
فقال لهم : ( اجتمعوا ) ؟ واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم ،
فاجتمعوا فقال لهم : هل علمتم أن الله عزوجل لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم
وأمنا حواء ؟ قالوا : صدقت أيها الملك ، قال : أفليس قد زوج بنيه بناته ، وبناته من بنيه ؟
قالوا : صدقت ، هذا هو الدين ، فتعاقدوا على ذلك ، فمحا الله مافي صدورهم من العلم ، ورفع
عنهم الكتاب فهم الكفرة يدخلون النار بغير حساب ، والمنافقون أشد حالا منهم ، فقال
الاشعث : والله ماسمعت بمثل هذا الجواب ، والله لاعدت إلى مثلها أبدا . الخبر . ( 3 )
27 ج : في خبر الزنديق الذي سأل الصادق عليه السلام عن مسائل ، فكان فيما سأله :
أخبرني عن المجوس أبعث الله إليهم نبيا ؟ فإني أجد لهم كتبا محكمة ، ومواعظ بليغة ، و
أمثالا شافية يقرون بالثواب والعقاب ، ولهم شرائع يعملون بها ، فقال عليه السلام : مامن أمة
. . ( هامش صفحة 461 ) ( 1 ) الفروع 2 : 222 .
( 2 ) " 1 : 172 وللحديث صدر وذيل تركهما المصنف .
( 3 ) الامالي : 205 207 والحديث طويل قد اخرج قطعة منه عن كتاب التوحيد في
كتاب التوحيد راجع ج 4 : 27 .
[462]
إلا خلا فيها نذير ، وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله فأنكروه وجحدوا كتابه ، قال :
ومن هو ؟ فإن الناس يزعمون أنه خالد بن سنان ، قال عليه السلام : إن خالدا كان عربيا بدويا
ماكان نبيا ، وإنما ذلك شئ يقوله الناس ، قال : أفزردشت ؟ قال : إن زردشت أتاهم
بزمزمة وادعى النبوة ، فآمن منهم قوم ، وجحده قوم فأخرجوه ، فأكلته السباع في برية
من الارض ، قال : فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلى الصواب في دهرهم أم العرب ؟ قال :
العرب في الجاهلية كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس ، وذلك أن المجوس كفرت
بكل الانبياء ، وجحدت كتبها ، وأنكرت براهينها ، ولم تأخذ بشئ من سننها وآثارها ( 1 )
وأن كيخسرو ملك المجوس في الدهر الاول قتل ثلاث مائة نبي ، وكانت المجوس لاتغتسل
من الجنابة ، والعرب كانت تغتسل ، والاغتسال من خالص شرائع الحنيفية ، وكانت المجوس
لاتختتن وهو من سنن الانبياء ، وأن أول من فعل ذلك إبراهيم خليل الله ، وكانت المجوس
لاتغسل موتاها ولاتكفنها ، وكانت العرب تفعل ذلك ، وكانت المجوس ترمي الموتى في الصحارى
والنواويس ، ( 2 ) والعرب تواريها في قبورها وتلحد لها ، وكذلك السنة على الرسل ،
إن أول من حفر له قبر آدم أبوالبشر وألحد له لحد ، وكانت المجوس تأتي الامهات و
تنكح البنات والاخوات ، وحرمت ذلك العرب ، وأنكرت المجوس بيت الله الحرام وسمته
بيت الشيطان ، والعرب كانت تحجه وتعظمه ، وتقول : بيت ربنا ، وتقر بالتوراة و
الانجيل ، وتسأل أهل الكتاب ( 3 ) وتأخذ ، وكانت العرب في كل الاسباب أقرب إلى
الدين الحنيف ( 4 ) من المجوس ، قال : فإنهم احتجوا بإتيان الاخوات أنها سنة من
آدم ، قال : فما حجتهم في إتيان البنات والامهات وقد حرم ذلك آدم وكذلك نوح و
إبراهيم وموسى وعيسى وسائر الانبياء عليهم السلام . ( 5 )
. . ( هامش صفحة 462 ) ( 1 ) في المصدر : وجحدت كتبهم وأنكرت براهينهم ولم تأخذ بشئ من سننهم وآثارهم .
( 2 ) جمع الناووس والناؤوس : مقبرة النصارى ، ويطلق على حجر منقور تجعل فيه جثة الميت .
( 3 ) في المصدر : أهل الكتب .
( 4 ) " " : الدين الحنيفية . وفي كتاب الاحتجاجات : الدين الحنيفي .
( 5 ) احتجاج الطبرسي : 189 ، والحديث طويل أخرجه المصنف في كتاب الاحتجاجات راجع
ج 10 : 165 192 وتقدم هناك شرح بعض ألفاظه الغريبة .
[463]
28 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن بعض
أصحابنا قال : سئل أبوعبدالله عليه السلام عن المجوس أكان لهم نبي ؟ فقال : نعم ، أما بلغك
كتاب رسول الله إلى أهل مكة : أن أسلموا وإلا نابذتكم بحرب ، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله
أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الاوثان ، فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله إني لست آخذ
الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه : زعمت أنك لا تأخذ
الجزية إلا من أهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر ، ( 1 ) فكتب إليهم
النبي صلى الله عليه وآله : إن المجوس كان لهم نبي فقتلوه ، وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيهم بكتابهم
في اثني عشر ألف جلد ثور . ( 2 )
29 يه : المجوس تؤخذ منهم الجزية لان النبي صلى الله عليه وآله قال : سنوا بهم سنة
أهل الكتاب ، وكان لهم نبي ( 3 ) فقتلوه ، وكتاب يقال له جاماست ، كان يقع في اثني
عشر ألف جلد ثور فحرقوه . ( 4 )
30 كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : إن قوما فيما مضى قالوا لنبي لهم ادع لنا ربك يرفع عنا الموت ، فدعا لهم فرفع
الله عنهم الموت فكثروا حتى ضاقت عليهم المنازل وكثر النسل ويصبح الرجل يطعم أباه
وجده وأمه وجد جده ، ويوضئهم ويتعاهدهم ، فشغلوا عن طلب المعاش ، فقالوا : سل
لنا ربك أن يردنا إلى حالنا التي كنا عليها ، فسأل نبيهم ربه فردهم إلى حالهم . ( 5 )
31 كا : الحسين بن محمد رفعه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه قال : قلت
لابي عبدالله عليه السلام : إني لاكره الصلاة في مساجدهم ، فقال : لاتكره ، فما من مسجد بني
إلا على قبر نبي أو وصي نبي قتل فأصاب تلك البقعة رشة من دمه فأحب الله أن يذكر
. . ( هامش صفحة 463 ) ( 1 ) بفتح الاول والثاني : قصبة بلاد البحرين ، وقيل غير ذلك ايضا .
( 2 ) فروع الكافي 1 : 161 .
( 3 ) في المصدر : وكان لهم نبي اسمه زرادشت . وفي نسخة : اسمه دامشت . وفي اخرى :
دامس . ولعل الاخيرين مصحف الاول .
( 4 ) من لايحضره الفقيه : 161 .
( 5 ) فروع الكافي 1 : 72 .
[464]
فيها : فأد فيها الفريضة والنوافل ، واقض فيها مافاتك . ( 1 )
32 كا : علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن يونس ، عن إسحاق بن عمار ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله لم يعذب أمة فيما إلا يوم الاربعاء وسط الشهر . ( 2 )
33 كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن المفضل ، عن جابر ،
عن أبي جعفر عليه السلام قال : صلى في مسجد الخيف سبعمائة نبي ، وإن مابين الركن والمقام
لمشحون من قبور الانبياء ، وإن آدم لفي حرم الله عزوجل . ( 3 )
34 كا : العدة ، عن سهل ، عن محمد بن الوليد ، عن شباب الصيرفي ، ( 4 ) عن
معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : دفن مابين الركن اليماني والحجر الاسود
سبعون نبيا ، أماتهم الله جوعا وضرا . ( 5 )
35 كا : العدة ، عن سهل ، عن محمد بن عبدالحميد ، عن يحيى بن عمرو ، عن ابن
سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أوحى الله إلى بعض أنبيائه : الخلق الحسن يميث
الخطيئة ( 6 ) كما تميث الشمس الجليد . ( 7 )
36 كا : العدة ، عن البرقي ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : إن الله عزوجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين
أن ائت هذا الجبار فقل له : إني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الاموال ، وإنما
استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين ، فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفارا . ( 8 )
. . ( هامش صفحة 464 ) ( 1 ) فروع الكافي 1 : 103 .
( 2 ) " " 1 : 189 وفيه : الا في يوم الاربعاء .
( 3 ) " " 1 : 224 .
( 4 ) في المصدر : محمد بن الوليد شباب الصيرفي . وهو الصواب .
( 5 ) فروع الكافي 1 : 224 .
( 6 ) يميث أي يذيب . والجليد : مايجمد من الماء ، أي خلق الحسن يذيب الخطيئة ويذهبها
كما تذيب الشمس الجليد .
( 7 ) اصول الكافي 2 : 100 .
( 8 ) " " 2 : 333 .
[465]
37 نهج : الحمد لله الذي لبس العز والكبرياء ، واختارهما لنفسه دون خلقه ،
وجعلهما حمى ( 1 ) وحرما على غيره ، واصطفاهما لجلاله ، وجعل اللعنة على من نازعه فيهما
من عباده ، ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين ،
فقال سبحانه وهو العالم بمضمرات القلوب ومحجوبات الغيوب : " إني خالق بشرا من
طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون
إلا إبليس " اعترضته الحمية ، فافتخر على آدم بخلقه ، وتعصب عليه لاصله ، فعدو الله
إمام المتعصبين ، وسلف المستكبرين ، ( 2 ) الذي وضع أساس العصبية ، ونازع الله رداء
الجبرية ، وادرع لباس التعزز ، وخلع قناع التذلل ، ألا ترون كيف صغره الله بتكبره
ووضعه بترفعه ؟ فجعله في الدنيا مدحورا ، ( 3 ) وأعد له في الآخرة سعيرا ؟ .
ولو أراد الله سبحانه أن يخلق آدم من نور يخطف الابصار ضياؤه ويبهر العقول
رواؤه وطيب يأخذ الانفاس عرفه لفعل ، ولو فعل لظلت له الاعناق خاضعة ، ولخفت
البلوى فيه على الملائكة ، ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله ، تمييزا
بالاختبار لهم ، ونفيا للاستكبار عنهم ، وإبعادا للخيلاء منهم .
فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل ، وجهده الجهيد ، و
كان قد عبدالله ستة آلاف سنة لايدرى ( 4 ) أمن سني الدنيا أو من سني الآخرة عن كبر
. . ( هامش صفحة 465 ) ( 1 ) الحمى : مايحمى ويدافع عن وصول الغير إليه والتصرف فيه .
( 2 ) السلف : كل من تقدم من الاباء وذوي القرابة .
( 3 ) أي مطرودا .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 465 سطر 19 إلى صفحه 473 سطر 18

( 4 ) في المطبوع هنا هامش نثبته بعينه : فأما قوله : لاندري ففي نسخة السيد الرضي على البناء
للفاعل ، وفي غيرها من النسخ بالبناء للمفعول ، والرواية الاولى تستلزم أنه عليه السلام ممن لا
يدرى أن تلك السنين من أي السنين والثانية يحتمل فيها كونه ممن يدرى ذلك . ابن ميثم .
وفيه ايضا : لاندري بالنون في نسخة السيد ، وعلى نسخ غيره بالياء ، وجهده بفتح الجيم : اجتهاده
وجده . ابن أبي الحديد .
حدكم بالحاء المهملة أي بأسكم وسطوتكم او منعكم ورفعكم . قوله : ( وله جدكم ) بالجيم أي
تجتهدوا بالخلاص من فتنته بمقاومته وقهره . ابن ميثم .
[466]
ساعة واحدة ، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله سبحانه بمثل معصية ؟ كلا ماكان الله سبحانه
ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا ، إن حكمه في أهل السماء وأهل الارض
لواحد ، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة ( 1 ) في إباحة حمى حرمه على العالمين .
فاحذروا عباد الله أن يعديكم بدائه ، وأن يستفزكم بخيله ورجله ، ( 2 ) فلعمري لقد
فوق لكم سهم الوعيد ، وأغرق لكم بالنزع الشديد ، ورماكم من مكان قريب ، وقال :
" رب بما أغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم أجمعين " قذفا بغيب بعيد ، ورجما
بظن مصيب ، ( 3 ) فصدقه به أبناء الحمية ، وإخوان العصبية ، وفرسان الكبر والجاهلية
حتى إذا انقادت له الجامحة منكم ، واستحكمت الطماعية منه فيكم ، فنجمت الحال من
السر الخفي إلى الامر الجلي ، استفحل سلطانه عليكم ، ودلف بجنوده نحوكم ، فأقحموكم
ولجات الذل ، وأحلوكم ورطات القتل ، وأوطؤوكم إثخان الجراحة طعنا في عيونكم ، و
حزا في حلوقكم ، ودقا لمناخركم ، وقصدا لمقاتلكم ، وسوقا بخزائم القهر إلى النار المعدة
لكم ( 4 ) فأصبح أعظم في دينكم جرحا ، وأورى في دنياكم قدحا ، من الذين أصبحتم لهم
مناصبين ، وعليهم متألبين ، فاجعلوا عليه حدكم ( 5 ) وله جدكم ، فلعمر الله لقد فخر على
أصلكم ، ووقع في حسبكم ، ودفع في نسبكم ، وأجلب بخيله عليكم ، ( 6 ) وقصد برجله ( 7 ) سبيلكم ،
يقتنصونكم بكل مكان ، ويضربون منكم كل بنان ، لاتمتنعون بحيلة ، ولاتدفعون بعزيمة في
حومة ذل ، وحلقة ضيق ، وعرصة موت ، وجولة بلاء ، فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية
. . ( هامش صفحة 466 ) ( 1 ) الهوادة : الميل واللين والرخصة .
( 2 ) في المصدر : وأن يستفزكم بندائه وأن يجلب عليكم بخيله ورجله .
( 3 ) في بعض النسخ : غير مصيب .
( 4 ) المصدر خال عن قوله : لكم .
( 5 ) الحد : البأس وما يعترى من الغضب .
( 6 ) في مجمع البحرين " اجلب عليهم " من الجلبة وهي الصياح أي صح عليهم بخيلك ورجلك
واحشرهم عليهم ، يقال : جلب على فرسه جلبا أي استحثه للعدو وصاح به ليكون هو السابق ، و
هو ضرب من الخديعة ، وأجلب فيه لغة .
( 7 ) أي برجالته ونصرائه .
[467]
وأحقاد الجاهلية ، فإنما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان ونخواته
ونزغاته ونفثاته ، واعتمدوا وضع التذلل على رؤوسكم ، وإلقاء التعزز تحت أقدامكم ، و
خلع التكبر من أعناقكم ، واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم إبليس وجنوده
فإن له من كل أمة جنودا وأعوانا ورجلا وفرسانا ، ولا تكونوا كالمتكبر على ابن أمه
من غير مافضل جعله الله فيه سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد ، وقدحت
الحمية في قلبه من نار الغضب ، ونفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر الذي أعقبه الله به
الندامة ، وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة .
ألا وقد أمعنتم في البغي ، وأفسدتم في الارض مصارحة لله بالمناصبة ، ومبارزة
للمؤمنين بالمحاربة ، فالله الله في كبر الحمية ، وفخر الجاهلية ، فإنه ملاقح الشنآن ( 1 )
ومنافخ الشيطان اللاتي ( 2 ) خدع بها الامم الماضية ، والقرون الخالية ، حتى أعنقوا في
حنادس جهالته ، ومهاوي ضلالته ذللا على سياقه ، سلسا في قياده أمرا تشابهت القلوب فيه
وتتابعت القرون عليه وكبرا تضايقت الصدور به .
ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبروا عن حسبهم وترفعوا
فوق نسبهم ، وألقوا الهجينة على ربهم ، وجاحدوا الله على ماصنع بهم ، مكابرة لقضائه ، ومغالبا
لآلائه ، فإنهم قواعد أساس العصبية ، ودعائم أركان الفتنة ، وسيوف اعتزاء الجاهلية ،
فاتقوا الله ولا تكونوا لنعمه عليكم أضدادا ، ولا لفضله عندكم حسادا ، ولا تطيعوا
الادعياء ( 3 ) الذين شربتم بصفوكم كدرهم ، وخلطتم بصحتكم مرضهم ، وأدخلتم في
. . ( هامش صفحة 467 ) ( 1 ) الملاقح جمع ملقح كمكرم : الفحول التي تلقح الاناث وتستولد الاولاد . والشنآن :
البغض .
( 2 ) في المصدر : التي .
( 3 ) الادعياء جمع الدعى : من تبنيته أي جعلته لك ابنا . المتهم في نسبه . الذي يدعى غير أبيه
أو غير امه . ولعل المراد هنا المعنى الثاني والمراد منهم الاخساء المنتسبون إلى الاشراف ، و
الاشرار المنتسبون إلى الاخيار . قوله : ( شربتم بصفوكم كدرهم ) لعل المراد من الصفو الاصالة
والشرف او الخلوص في العمل ، ومن الكدر مايقابلهما ، والمعنى انهم استفادوا من شرفكم وأصالتكم
أو أنهم خلطوا صافى أخلاصكم بكدر نفاقهم .
[468]
حقكم باطلهم ، وهم أساس الفسوق ، وأحلاس العقوق ، اتخذهم إبليس مطايا ضلال ، و
جندا بهم يصول على الناس ، وتراجمة ينطق على ألسنتهم استراقا لعقولكم ، ودخولا في
عيونكم ، ونفثا في أسماعكم فجعلكم مرمى نبله ، ( 1 ) وموطئ قدمه ، ومأخذ يده ، فاعتبروا
بما أصاب الامم المستكبرين من قبلكم من بأس الله وصولاته ، ووقائعه ومثلاته ، ( 2 ) و
اتعظوا بمثاوي خدودهم ، ومصارع جنوبهم ، واستعيذوا بالله من لواقح الكبر كما تستعيذونه
من طوارق الدهر ، ( 3 ) فلو رخص الله في الكبر لاحد من عباده لرخص فيه لخاصة أنبيائه
ورسله ، ( 4 ) ولكنه سبحانه كره إليهم التكابر ورضي لهم التواضع ، فألصقوا بالارض
خدودهم ، وعفروا في التراب وجوههم ، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين ، وكانوا أقواما
مستضعفين ، قد اختبرهم الله ( 5 ) بالمخمصة ، وابتلاهم بالمجهدة ، وامتحنهم بالمخاوف ، و
مخضهم بالمكاره ، ( 6 ) فلا تعتبروا الرضى والسخط بالمال والولد جهلا بمواقع الفتنة والاختبار
في مواضع الغنى والاقتار ، ( 7 ) فقد قال سبحانه وتعالى : " أيحسبون أنما نمدهم به من مال
وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " فإن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين
في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم ، ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون
عليهما السلام على فرعون ، وعليهما مدارع الصوف ، وبأيديهما العصي فشرطا له إن أسلم
بقاء ملكه ودوام عزه ، فقال : ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك
. . ( هامش صفحة 468 ) ( 1 ) في نسخة : ونثا في اسماعكم . والنبل بالفتح : السهام .
( 2 ) المثلات بفتح فضم : العقوبات . والمثاوى جمع المثوى : المنزل . ومنازل الخدود : المواضع
التي توضع الخدود عليها في القبور . ومصارع الجنوب : مطارحها على التراب .
( 3 ) الطوارق : الدواهي والتقلبات .
( 4 ) في نسخة : لخاصة أنبيائه وملائكته . وفي المصدر : لخاصة أنبيائه وأوليائه .
( 5 ) في المصدر : وقد اختبرهم الله .
( 6 ) من مخض اللبن : حركه ليخرج زبده . وفي نسخة : " محضهم " أي أخلصهم من العيوب و
الشرك والنقيصة بسبب المكاره ، وفي اخرى " محصهم " أي ابتلاهم واختبرهم ، أو خلصهم مما
يشوبهم من الذنوب وطهرهم منها .
( 7 ) الاقتار : الفقر . وفي المصدر : في مواضع الغنى والاقتدار ، وقد قال اه .
[469]
وهما بما ترون من حال الفقر والذل ؟ ! فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب ؟ إعظاما للذهب
وجمعه ، واحتقارا للصوف ولبسه ، ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم
كنوز الذهبان ومعادن العقيان ومغارس الجنان وأن يحشر معهم طير السماء ووحوش
الارض لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء ، واضمحل الانباء ، ( 1 ) ولما وجب للقابلين
أجور المبتلين ، ( 2 ) ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين ، ولا لزمت الاسماء معانيها ،
ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم ، وضعفة فيما ترى الاعين من
حالاتهم ، مع قناعة تملا القلوب والعيون غنى ، وخصاصة تملا الابصار والاسماع أذى ولو
كانت الانبياء عليهم السلام أهل قوة لاترام وعزة لاتضام وملك تمتد نحوه أعناق الرجال وتشد إليه
عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم في الاستكبار ( 3 ) ولآمنوا عن رهبة
قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم فكانت النيات مشتركة ، والحسنات مقتسمة ، ولكن الله سبحانه
أراد أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والاستكانة لامره
والاستسلام لطاعته أمورا له خاصة ، لايشوبها من غيرها شائبة ، وكلما كانت البلوى و
الاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل ، ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الاولين من لدن
آدم عليه السلام إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع ،
فجعلها بيته الحرام الذي جعله الله للناس قياما ، ثم وضعه بأوعر بقاع الارض حجرا ، و
أقل نتائق الدنيا ( 4 ) مدرا ، وأضيق بطون الاودية قطرا ، بين جبال خشنة ، ورمال دمثة ،
وعيون وشلة ، وقرى منقطعة ، لا يزكو بها خف ولا حافر ولا ظلف . ( 5 )
. . ( هامش صفحة 469 ) ( 1 ) في نسخة : واضمحل الاشياء . وفي المصدر : واضمحلت الانباء .
( 2 ) في هامش المطبوع : مبتلين بفتح اللام كالمعطين والمرتضين جمع معطى ومرتضى .
( 3 ) في نسخة : وأبعد لهم من الاستكبار . قوله ( أهون ) أي أضعف تأثيرا في تربيتهم واتعاظهم
بأقوالهم ( وأبعد لهم ) أي أشد توغلا بهم في الاستكبار لان الانبياء يكونون قدوتهم في الكبر والعظمة
حينئذ .
( 4 ) في المصدر : نتائق الارض .
( 5 ) لايزكو أي لاينمو . خف أي ذا خف أي جمال وخيل وبقر وغنم ، تعبير عنها بما ركبت عليه
قوائمها .
[470]
ثم أمر سبحانه آدم عليه السلام وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع
أسفارهم ، وغاية لملقى رحالهم ، تهوي ( 1 ) إليه ثمار الافئدة من مفاوز ( 2 ) قفار سحيقة ،
ومهاوي ( 3 ) فجاج عميقة ، وجزائر بحار منقطعة ، حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهلون لله
حوله ، ويرملون على أقدامهم شعثان غبرا له ، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم ، وشوهوا
بإعفاء الشعور ( 4 ) محاسن خلقهم ، ابتلاء عظيما ، وامتحانا شديدا ، واختبارا مبينا ، و
تمحيصا بليغا ، جعله الله تعالى سببا لرحمته ، ووصلة إلى جنته ، ولو أراد سبحانه أن يضع
بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار وسهل وقرار جم الاشجار ( 5 ) داني الثمار
ملتف البنى ، ( 6 ) متصل القرى ، بين برة سمراء وروضة خضراء وأرياف محدقة ، و
عراص مغدقة ، وزروع ناضرة ، ( 7 ) وطرق عامرة لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب
ضعف البلاء ، ولو كانت ( 8 ) الاساس المحمول عليها والاحجار المرفوع بها بين زمردة
خضراء وياقوتة حمراء ونور وضياء لخفف ذلك مضارعة ( 9 ) الشك في الصدور ، ولوضع
مجاهدة إبليس عن القلوب ، ولنفى معتلج الريب ( 10 ) من الناس ، ولكن الله سبحانه يختبر
. . ( هامش صفحة 470 ) ( 1 ) أي تسرع إليه وتميل .
( 2 ) المفاوز جمع مفازة : الفلاة لا ماء بها .
( 3 ) المهاوي : منخفضات الاراضي .
( 4 ) إعفاء الشعور : تركها بلا حلق ولا قص .
( 5 ) جم الاشجار : كثيرها .
( 6 ) البنى جمع البنية بضم الباء وكسرها : ما ابتنيته .
( 7 ) في المصدر : ورياض ناضرة .
( 8 ) " " : ولو كان الاساس . والاساس بكسر الهمزة أو فتحها جمع اس مثلثة أصل
البناء .
( 9 ) في نسخة : " مصارعة الشك " وفي المصدر " مسارعة الشك " ولعله أصوب .
( 10 ) اعتلجت الامواج : التطمت ، ومنه : اعتلجت الهموم في صدره ، والمعنى : زال تلاطم
الريب والشك من صدور الناس .
[471]
عباده بأنواع الشدائد ، ويتعبدهم بألوان المجاهد ، ( 1 ) ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجا
للتكبر من قلوبهم ، وإسكانا للتذلل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله ، و
أسبابا ذللا لعفوه .
فالله الله في عاجل البغي ، وآجل وخامة الظلم ، وسوء عاقبة الكبر ، فإنها مصيدة
إبليس العظمى ، ومكيدته الكبرى التي تساور قلوب الرجال مساورة السموم القاتلة ،
فما تكدي أبدا ، ولا تشوي أحدا ، لا عالما لعلمه ، ولا مقلا في طمره ، ( 2 ) وعن ذلك ما
حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات ، ومجاهدة الصيام في الايام المفروضات ،
تسكينا لاطرافهم ، وتخشيعا لابصارهم ، وتذليلا لنفوسهم ، وتخفيضا لقلوبهم ، وإذهابا
للخيلاء عنهم ، لما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعا ، والتصاق ( 3 ) كرائم
الجوارح بالارض تصاغرا ، ولحوق البطون بالمتون من الصيام تذللا ، مع ما في الزكاة من
صرف ثمرات الارض ، وغير ذلك إلى أهل المسكنة والفقر .
انظروا إلى ما في هذه الافعال من قمع نواجم الفخر ، وقدع طوالع الكبر ، ولقد
نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصب لشئ من الاشياء إلا عن علة تحتمل تمويه
الجهلاء ، أو حجة تليط بعقول السفهاء غيركم ، فإنكم تتعصبون لامر مايعرف له سبب
ولا علة . ( 4 )
أما إبليس فتعصب على آدم عليه السلام لاصله ، وطعن عليه في خلقته فقال : أنا ناري
وأنت طيني ، وأما الاغنياء من مترفة ( 5 ) الامم فتعصبوا لآثار مواقع النعم فقالوا :
. . ( هامش صفحة 471 ) ( 1 ) في المصدر : بأنواع المجاهد . وفي هامش المطبوع : المجاهد جمع المجهدة وهي
المشقة . منه رحمه الله .
( 2 ) الطمر بالكسر : الثوب الخلق ، والمعنى أن البغي والظلم والكبر مصائد ابليس و
أسلحته المهلكة لاينجو منها العالم فضلا عن الجاهل ، ولا الفقير فضلا عن الغني .
( 3 ) في نسخة : وإلصاق .
( 4 ) في المصدر : لايعرف له سبب ولا علة .
( 5 ) المترف على صيغة اسم المفعول : الذي أبطره النعم فأصر على البغي ويتمتع بما يشاء من
اللذات .
[472]
" نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين " فإن كان لابد من العصبية فليكن تعصبكم
لمكارم الخصال ، ومحامد الافعال ، ومحاسن الامور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء
من بيوتات العرب ، ويعاسيب القبائل ، بالاخلاق الرغيبة ، والاحلام العظيمة ،
والاخطار الجليلة ، والآثار المحمودة ، فتعصبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار ، والوفاء
بالذمام ، ( 1 ) والطاعة للبر ، والمعصية للكبر ، والاخذ بالفضل ، والكف عن البغي ،
والاعظام للقتل ، والانصاف للخلق ، والكظم للغيظ ، واجتناب الفساد في الارض .
واحذروا ما نزل بالامم قبلكم من المثلات ( 2 ) بسوء الافعال ، وذميم الاعمال ،
فتذكروا في الخير والشر أحوالهم ، واحذروا أن تكونوا أمثالهم ، فإذا تفكرتم في تفاوت
حاليهم فالزموا كل أمر لزمت العزة به شأنهم ، ( 3 ) وزاحت الاعداء ( 4 ) له عنهم ، و
مدت العافية فيه عليهم ، وانقادت النعمة له معهم ، ووصلت الكرامة عليه حبلهم ، من ( 5 )
الاجتناب للفرقة ، واللزوم للالفة ، والتحاض عليها ، والتواصي بها ، واجتنبوا كل أمر
كسر فقرتهم ، وأوهن منتهم ، من تضاغن القلوب ، وتشاحن الصدور ، ( 6 ) وتدابر
النفوس ، ( 7 ) وتخاذل الايدي ، وتدبروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم كيف كانوا
في حال التمحيص والبلاء ، ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء ؟ وأجهد العباد بلاء ؟ وأضيق
أهل الدنيا حالا ؟ اتخذتهم الفراعنة عبيدا فساموهم سوء العذاب ، وجرعوهم المرار ، فلم
تبرح الحال بهم في ذل الهلكة ، وقهر الغلبة ، لايجدون حيلة في امتناع ، ولا سبيلا إلى
. . ( هامش صفحة 472 ) ( 1 ) الجوار بالكسر : المجاورة بمعنى الاحتماء بالغير من الظلم . والذمام : العهد والامان .
( 2 ) المثلات : العقوبات .
( 3 ) في نسخة : حالهم .
( 4 ) أي تباعدت الاعداء وزالت عنهم . وفي نسخة من المصدر : " راحت " وكأنه
مصحف .
( 5 ) " من الاجتناب " بيان لاسباب سعاداتهم .
( 6 ) تشاحن الصدور : مل ؤها من الحقد والعداوة ، وفي نسخة من المصدر : وتشاخص
الصدور .
( 7 ) تدابر القوم : تعادوا ، اختلفوا وتقاطعوا .
[473]
دفاع ، حتى إذ رأى الله جد الصبر منهم على الاذى في محبته ، والاحتمال للمكروه من
خوفه ، جعل لهم من مضائق البلاء فرجا ، فأبدلهم العز مكان الذل ، والامن مكان الخوف
فصاروا ملوكا حكاما ، وأئمة أعلاما ، وبلغت الكرامة من الله لهم مالم تذهب ( 1 ) الآمال
إليه بهم ، فانظروا كيف كانوا حيث كانت الاملاء مجتمعة ، والاهواء متفقة ، والقلوب
معتدلة ، والايدي مترادفة ، والسيوف متناصرة ، والبصائر نافذة ، والعزائم واحدة ، ألم
يكونوا أربابا في أقطار الارضين ؟ وملوكا على رقاب العالمين ؟ فانظروا إلى ماصاروا إليه
في آخر أمورهم حين وقعت الفرقة ، وتشتت الالفة ، واختلفت الكلمة والافئدة ، وتشعبوا
مختلفين ، وتفرقوا متحازبين ، ( 2 ) قد خلع الله عنهم لباس كرامته ، وسلبهم غضارة نعمته ، و
بقي قصص أخبارهم فيكم عبرا للمعتبرين منكم . ( 3 )
فاعتبروا ( 4 ) بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل عليهم السلام ، فما أشد
اعتدال الاحوال ، وأقرب اشتباه الامثال ، ( 5 ) تأملوا أمرهم في حال تشتتهم وتفرقهم
ليالي كانت الاكاسرة والقياصرة أربابا لهم يحتازونهم عن ريف الآفاق ، وبحر العراق ، و
خضرة الدنيا إلى منابت الشيح ، ومهافي الريح ، ونكد المعاش ، فتركوهم عالة مساكين
إخوان دبر ووبر ، أذل الامم دارا ، وأجدبهم قرارا ، لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون
بها ، ولا إلى ظل ألفة يعتمدون على عزها ، فالاحوال مضطربة ، والايدي مختلفة ، و
الكثرة متفرقة ، في بلاء أزل ، وإطباق جهل ، من بنات موؤودة ، وأصنام معبودة ، وأرحام
مقطوعة ، وغارات مشنونة .
فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولا ( 6 ) فعقد بملته طاعتهم


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 473 سطر 19 إلى صفحه 481 سطر 18

. . ( هامش صفحة 473 ) ( 1 ) في المصدر : مالم تبلغ .
( 2 ) في نسخة من المصدر : متحاربين .
( 3 ) المصدر خلى عن كلمة " منكم " .
( 4 ) في المصدر : واعتبروا .
( 5 ) الاعتدال : التناسب . والاشتباه : التشابه .
( 6 ) المراد نبينا محمد صلى الله عليه وآله .
[474]
وجمع على دعوته ألفتهم ، كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها ؟ وأسالت لهم جداول
نعيمها ؟ والتفت الملة بهم في عوائد بركتها ؟ فأصبحوا في نعمتها غرقين ، وعن خضرة عيشها
فكهين ، قد تربعت الامور بهم في ظل سلطان قاهر ، وآوتهم الحال إلى كنف عز غالب ،
وتعطفت الامور عليهم في ( ذرى ) ؟ ملك ثابت ، فهم حكام على العالمين ، وملوك في أطراف
الارضين ، يملكون الامور على من كان يملكها عليهم ، ويمضون الاحكام فيمن كان يمضيها
فيهم ، لا تغمز لهم قناة ، ولا تقرع لهم صفاة .
ألا وإنكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة ، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم
بأحكام الجاهلية ، وإن الله سبحانه قدامتن على جماعة هذه الامة فيما عقد بينهم من حبل
هذه الالفة التي ينتقلون في ظلها ، ( 1 ) ويأوون إلى كنفها بنعمة لا يعرف أحد من
المخلوقين لها قيمة ، لانها أرجح من كل ثمن ، وأجل من كل خطر .
واعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة أعرابا ، ( 2 ) وبعد الموالاة أحزابا ، ماتتعلقون من
الاسلام إلا باسمه ، ولا تعرفون من الايمان إلا رسمه ، تقولون : النار ولا العار ، كأنكم
تريدون أن تكفئوا الاسلام على وجهه ، انتهاكا لحريمه ، ونقضا لميثاقه الذي وضعه الله
لكم حرما في أرضه ، وأمنا بين خلقه ، وإنكم إن لجأتم إلى غيره حاربكم أهل الكفر ،
ثم لا جبرئيل ولا ميكائيل ولا مهاجرون ولا أنصار ينصرونكم إلا المقارعة بالسيف ، حتى
يحكم الله بينكم ، وإن عندكم الامثال من بأس الله وقوارعه وأيامه ( 3 ) ووقائعه فلا
تستبطئوا وعيده جهلا بأخذه ، وتهاونا ببطشه ، ويأسا من بأسه ، فإن الله سبحانه لم يلعن
القرن الماضي ( 4 ) بين أيديكم إلا لتركهم الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فلعن السفهاء ( 5 )
. . ( هامش صفحة 474 ) ( 1 ) في نسخة : يتقلبون في ظلها .
( 2 ) أي صرتم من أعراب البادية الذين لم يعلموا من الاسلام إلا أحكاما قليلة ، وقد ورد في
الخبر النهي عن التعرب بعد الهجرة ، قال الطريحي في مجمع البحرين : يعني الالتحاق ببلاد الكفر
والاقامة بها بعد المهاجرة عنها إلى بلاد الاسلام ، وكان من رجع من الهجرة إلى موضعه من غير
عذر يعدونه كالمرتد .
( 3 ) وأيامه أي الايام التي انزل فيه العقوبات على أهل المعاصي . منه رحمه الله .
( 4 ) في نسخة : الا القرون الماضية .
( 5 ) في المصدر : فلعن الله السفهاء .
[475]
لركوب المعاصي ، والحلماء لترك التناهي ، ألا وقد قطعتم قيد الاسلام ، وعطلتم حدوده
وأمتم أحكامه .
ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي والنكث والفساد في الارض ، فأما الناكثون
فقد قاتلت ، وأما القاسطون فقد جاهدت ، وأما المارقة ( 1 ) فقد دوخت ، وأما شيطان الردهة
فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه ، ورجة صدره ، وبقيت بقية من أهل البغي ، ( 2 )
ولئن أذن الله تعالى في الكرة ( 3 ) عليهم لاديلن منهم إلا ما يتشذر في أطراف البلاد
تشذرا .
أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب ، ( 4 ) وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر ، وقد
علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره
وأنا وليد ( 5 ) يضمني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ( 6 ) ويمسني جسده ، ويشمني
عرفه ، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه ، وماوجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ( 7 )
ولقد قرن الله سبحانه به من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه ،
يرفع لي في كل يوم علما من أخلاقه ، ( 8 ) ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في
كل سنة بحراء ( 9 ) فأراه ولايراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول
. . ( هامش صفحة 475 ) ( 1 ) الناكثون : أصحاب الجمل . القاسطون : معاوية وأصحابه . المارقون : الخوارج ومن
حاربه في النهروان .
( 2 ) هم معاوية ومن بقى بعد صفين .
( 3 ) الكرة : الحملة في الحرب .
( 4 ) أي اكابرهم .
( 5 ) في المصدر : وأنا ولد .
( 6 ) " " : ويكنفني إلى فراشه .
( 7 ) الخطلة واحدة الخطل : الخطأ ينشأ من عدم الروية .
( 8 ) في المصدر : من أخلاقه علما .
( 9 ) قال ابن ميثم : الحراء بالكسر والمد : جبل بمكة يذكر ويونث يصرف ولايصرف .
منه رحمه الله .
[476]
الله صلى الله عليه وآله وخديجة رضي الله ( عنها ) ؟ وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة
ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله ، فقلت : يارسول الله ماهذه الرنة ؟
فقال : هذا الشيطان قد أيس ( 1 ) من عبادته ، إنك تسمع ما أسمع ، وترى ماأرى ، إلا
أنك لست بنبي ولكنك وزير ، وإنك لعلى خير .
ولقد كنت معه صلى الله عليه وآله لما أتاه الملا من قريش فقالوا له : يا محمد إنك قد ادعيت
عظيما لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك ، ونحن نسألك أمرا إن أجبتنا إليه وأريتناه
علمنا أنك نبي ورسول ، وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب ، فقال صلى الله عليه وآله لهم : وما
تسألون ؟ قالوا : تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها ، وتقف بين يديك ، فقال صلى الله عليه وآله :
أن الله على كل شئ قدير ، فإن فعل الله ذلك لكم أتؤمنون وتشهدون بالحق ؟ قالوا :
نعم ، قال : فإني سأريكم ماتطلبون ، وإني لاعلم أنكم لاتفيئون إلى خير ، وإن فيكم
من يطرح في القليب ، ومن يحزب الاحزاب . ( 2 )
ثم قال : يا أيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين أني رسول
الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله ، فوالذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها
وجاءت ولها دوي شديد ، وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وآله مرفرفة ، وألقت بغصنها الاعلى على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وببعض أغصانها على
منكبي وكنت عن يمينه صلى الله عليه وآله ، فلما نظر القوم إلى ذلك قالوا علوا واستكبارا :
فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها ، فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال ، وأشده
دويا ، فكادت ( 3 ) تلتف برسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالوا كفرا وعتوا : فمر هذا النصف فليرجع
إلى نصفه كما كان ، فأمره صلى الله عليه وآله فرجع ، فقلت أنا : لا إله إلا الله ، إني أول ( 4 ) مؤمن
بك يارسول الله ، وأول من أقر ( 5 ) بأن الشجرة فعلت مافعلت بأمر الله تبارك وتعالى ،
. . ( هامش صفحة 476 ) ( 1 ) المصدر خلى عن لفظة " قد " .
( 2 ) قال الجزري : الاحزاب جمع حزب بالكسر : الطوائف من الناس ، ومنه حديث ابن
الزبير أن يحزبهم أي يقويهم ويشد منهم ، أو يجعلهم من حزبه ، أو يجعلهم أحزابا . منه رحمه الله .
( 3 ) في نسخة : فكانت .
( 4 ) في المصدر : فاني .
( 5 ) في نسخة : وأول من آمن .
[477]
تصديقا لنبوتك ، وإجلالا لكلمتك ، ( 1 ) فقال القوم كلهم : بل ساحر كذاب ، عجيب
السحر ، خفيف فيه ، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا ؟ يعنونني ، وإني لمن قوم لا
تأخذهم في الله لومة لائم ، سيماهم سيماء الصديقين ، وكلامهم كلام الابرار ، عمار الليل
ومنار النهار ، متمسكون بحبل القرآن ، يحيون سنن الله وسنن رسوله صلى الله عليه وآله لايستكبرون
ولا يعلون ولا يغلون ولا يفسدون ، قلوبهم في الجنان ، وأجسادهم في العمل . ( 2 )
بيان : بهره : غلبه . والرواء بضم الراء والهمز والمد : المنظر الحسن . والعرف
بالفتح : الريح الطيبة . قوله عليه السلام : ( لايدري ) أي لايدريه أكثر الناس .
قوله عليه السلام : ( بأمر ) الباء للاستصحاب . قوله عليه السلام . ( ملكا ) أي في الظاهر ،
لكونه في السماء ومخلوطا بهم .
وقال الجزري : الهوادة : الرخصة والسكون . والمحاباة . وقال : هذا شئ حمى
أي محظور لايقرب . وأعداه الداء : أي أصابه مثل ما بصاحب الداء . والاستفزاز : الازعاج و
الاستنهاض على خفة وإسراع . والرجل : اسم جمع لراجل .
قوله عليه السلام : ( لقد فوق ) أي وضع فوق سهمه فوق سهمه على الوتر ( وأغرق ) أي استوفى مد
القوس ، وبالغ في نزعها ، ليكون مرماه أبعد ، ووقع سهامه أشد .
قوله : ( من مكان قريب ) لقربه بهم وجريانه منهم مجرى الدم . قوله عليه السلام :
( بظن مصيب ) في بعض النسخ ( غير مصيب ) ووجه بوجوه :
الاول أنه قال ما قال لا على وجه العلم ، بل على سبيل التوهم ، والمصيب الحق
هو العلم دون التوهم أو الظن وإن اتفق وقوعهما .
الثاني : أن قوله : " لاغوينهم " بمعنى الشرك أو الكفر ، والذين استثناهم المعصومون
من المعاصي ، ولاريب في كون هذا الظن غير مصيب . ( 3 )
الثالث : أنه عليه السلام إنما قال ذلك لان غوايتهم كان منهم اختبارا ، وتصديق أبناء
. . ( هامش صفحة 477 ) ( 1 ) في المصدر : تصديقا بنبوتك ، واجلالا لسلمتك .
( 2 ) نهج البلاغة 1 : 372 و 395 .
( 3 ) لانه لايظفر باغواء الجميع بهذا المعنى .
[478]
الحمية له يعود إلى وقوع الغواية منهم على وفق ظنه ، فكان ظنه في نسبتها إليه خطأ
وبعبارة أخرى لما ظن أنه قادر على إجبارهم على المعاصي وسلب اختياركم حكم عليه السلام
بخطائه ، ولعل هذا أصوب .
قوله عليه السلام : ( الجامحة ) أي النفوس الجامحة ، ( 1 ) من جمح الفرس : إذا اعتز راكبه
وغلبه . وكل ماطلع وظهر فقد نجم ، واستفحل أي قوي واشتد . ودلف أي تقدم . وقحم
في الامر : رمى بنفسه فيه من غير روية .
والولجة بالتحريك : موضع أو كهف يستتر فيه المارة من مطر وغيره . والورطات :
المهالك .
قوله عليه السلام : ( إثخان الجراحة ) أي جعلكم واطئين لاثخانها وهو كثرتها كما قيل
فهو مفعول ثان للايطاء ، ويحتمل أن يكون مفعولا أولا وهو أظهر .
والحز : القطع والخزائم جمع خزامة وهي حلقة من شعر تجعل في وترة أنف
البعير فيشد فيها الزمام ، وورى الزند أي خرجت ناره . والقدح : إخراجها من الزند .
وتألبوا : تجمعوا .
قوله عليه السلام : ( يقتنصونكم ) أي يتصيدونكم . والحومة : معظم الماء والحرب و
غيرهما ، وموضع الجار والمجرور نصب على الحال ، أي يقتنصونكم في حومة ذل . والجولة :
الموضع الذي تجول فيه . والنزغ : الافساد . وفي النهاية : المسلحة : القوم الذين يحفظون
الثغر من العدو ، لانهم يكونون ذوي سلاح ، أو لانهم يسكنون المسلحة وهي كالثغر و
المرقب يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة انتهى .
وكلمة " ما " في قوله عليه السلام : ( من غير مافضل ) زائدة للتأكيد . وأمعن في الطلب
أي جد وأبعد . والمصارحة : المكاشفة . والمناصبة : المعاداة . وأعنق : أسرع . وليلة ظلماء
حندس أي شديدة الظلمة . والمهواة : الوهدة يتردى الصيد فيها . وذللا بضمتين جمع
ذلول . وسلسا كذلك جمع سلس ، وهما بمعنى سهل الانقياد .
. . ( هامش صفحة 478 ) ( 1 ) في هامش المطبوع : أي الانفس الجامحة ، أو الاخلاق الجامحة . ابن أبي الحديد .
[479]
قوله عليه السلام : ( أمرا ) أي اعتمدوا أمرا . قوله عليه السلام : ( تضايقت الصدور به ) كناية
عن كثرته . قوله عليه السلام : ( تكبروا عن حسبهم ) قيل : أي جهلوا أصلهم أنه الطين المنتن
فتكبروا .
قوله عليه السلام : ( وألقوا الهجينة ) أي نسبوا ما في الانسان من القبائح إلى ربهم ، أو
نسبوا الخطاء إليه تعالى فيما اختار لهم من خليفة الحق . ( 1 )
قوله عليه السلام : ( مكابرة لقضائه ) أي لحكمه عليهم بمتابعة أئمة الحق ، أو لما أوجب
عليهم من شكر النعمة . والآلاء : الانبياء والاوصياء عليهم السلام .
واعتزاء الجاهلية : نداؤهم : يا لفلان ! فيسمون قبيلتهم فيدعونهم إلى المقاتلة و
إثارة الفتنة . ( 2 ) قوله : ( لنعمه عليكم أضددا ) لعل المعنى أن تلك الخصال توجب زوال
النعم عنكم ، فكأنكم أضداد وحساد لنعم الله عليكم .
قوله عليه السلام : ( شربتم بصفوكم ) أي شربتم كدرهم مستبدلين ذلك بصفوكم ، أو
متلبسين بصفوكم . والاحلاس جمع حلس بالكسر : وهو كساء رقيق يكون على ظهر
البعير ملازما له ، فقيل لكل ملازم أمر هو حلس ذلك الامر ، ذكره الجزري .
والنفث : النفخ ، استعير هنا لوساوس الشيطان ، وفي بعض النسخ " نثا " من نث
الحديث : إذا أفشاه . ومصارع جنوبهم : مساقطها . ولواقح الكبر : ما يوجب حصوله . و
خفض الجناح كناية عن لين الجانب وحسن الخلق والشفقة . والمخمصة : الجوع .
والمجهدة : المشقة . ومحصهم بالمهملتين أي خلصهم وطهرهم ، وبالمعجمتين أي حركهم
وزلزلهم . والذهبان بالضم والكسر : جمع الذهب . والعقيان بالكسر : الذهب الخالص .
والبلاء : الامتحان . والانباء : الاخبار بالوعد والوعيد .
قوله عليه السلام : ( ولا لزمت الاسماء معانيها ) أي كانت تنفك الاسماء عن المعاني
فتصدق الاسماء بدون ( مسميتها ) ؟ ، كالمؤمن والمسلم والزاهد وغيرها . والخصاصة : الفقر .
. . ( هامش صفحة 479 ) ( 1 ) وقيل : أي انهم باحتقار غيرهم من الناس قبحوا خلق الله لهم .
( 2 ) وقيل : تفاخرهم بأنسابهم كل منهم ينتسب إلى ابيه وما فوقه من أجداده ، وكثيرا مايجر
التفاخر إلى الحرب ، وهي انما تكون بدعوة الرؤساء فهم سيوفها .
[480]
وضامه حقه : انتقصه . والضيم : الظلم .
قوله عليه السلام : ( تمتد نحوه ) أي يؤمله المؤملون ، ويرجوه الراجون ، فإن كل
من أمل شيئا يطمح إليه بصره ، ويسافر برغبته إليه ، فكني عن ذلك بمد العنق ، وشد
عقد الرحال .
قوله عليه السلام : ( فكانت النيات مشتركة ) أي بين الله وبين ما يأملون من الشهوات ،
غير خالصة له تعالى ، وحسناتهم مقتسمة بينه تعالى وبين تلك الشهوات ، أو المعنى أنهم
لو كانوا كذلك لآمن بهم جل الخلق للرغبة والرهبة ، فلم يتميز المؤمن والمنافق ، و
المخلص والمرائي . وجبل وعرأي غليظ حزن .
قوله عليه السلام : ( وأقل نتائق الدنيا ) قال ابن أبي الحديد : أصل هذه اللفظة من قولهم
امرأة نتاق أي كثيرة الحبل والولادة ، يقال : ضيعة منتاق أي كثيرة الريع فجعل عليه السلام
الضياع ذوات المدر التي يثار للحرث نتائق ، وقال : إن مكة أقلها صلاحا للزرع ، لان
أرضها حجرية . ( 1 ) والقطر : الجانب .
قوله عليه السلام : ( دمثة ) أي سهلة ، وكلما كان الرمل أسهل كان أبعد من أن ينبت و
من أن يزكو به الدواب لانها تتعب في المشي به . قوله : ( وشلة ) أي قليلة الماء . قوله : ( أعطافهم )
عطفا الرجل : جانباه ، أي يميلو جوانبهم معرضين عن كل شئ متوجهين نحوه . والمثابة :
المرجع والنجعة في الاصل طلب الكلاء ، ثم سمي كل من قصد أمرا يروم النفع فيه
منتجعا . وثمرة الفؤاد هي سويداء القلب . والسحيق : البعيد . والفج : الطريق بين الجبلين
وهز المناكب : كناية عن السفر إليه مشتاقين . ( 2 ) وقوله : ( يهلون ) أي يرفعون
. . ( هامش صفحة 480 ) ( 1 ) قال في النهاية : في حديث علي عليه السلام " أقل نتائق الدنيا مدرا " النتائق جمع نتيقة
فعيلة بمعنى مفعولة من النتق وهو أن يقلع الشئ فترفعه من مكانه لترمى به ، هذا هو الاصل و
أراد بها ههنا البلاد لرفع بنائها وشهرتها في موضعها . انتهى . وماذكرناه في الاصل ذكر ابن ابي
الحديد ولعله أوفق . منه رحمه الله .
( 2 ) وقيل : أي يحركوا مناكبهم أي رؤوس أكتافهم لله ، يرفعون أصواتهم بالتلبية وذلك في
السعي والطواف .
[481]
أصواتهم بالتلبية . والرمل : سعي فوق المشي . والسرابيل جمع السربال وهو القميص ،
أي خلعوا المخيط .
قوله : ( ملتف البنى ) أي مشتبك العمارة . ( 1 ) والبرة : الواحدة من البر وهو
الحنطة . والارياف جمع ريف ، وهو كل أرض فيها زرع ونخل ، وقيل : هو ما قارب الماء
من الارض . والمحدقة : المطيفة . ( 2 ) والغدق : الماء الكثير . والنضارة : الحسن . ومضارعة
الشك : مقاربته ، وفي بعض النسخ بالصاد المهملة . ( 3 ) والاعتلاج : الاضطراب .
قوله عليه السلام : ( فتحا ) بضمتين أي مفتوحة . وقوله : ( ذللا ) أي سهلة . ووخامة
العاقبة : رداءتها .
قوله عليه السلام : ( فإنها ) قيل : الضمير يعود إلى مجموع البغي والظلم والكبر ، وقيل
إلى الاخير باعتبار جعله مصيدة ، وهي بسكون الصاد وفتح الياء آلة يصطاد بها . و
المساورة : المواثبة . قوله عليه السلام : ( ماتكدي ) ( 4 ) أي لاترد عن تأثيرها . ويقال : رمى
فأشوى : إذا لم يصب المقتل .
قوله عليه السلام : ( ماحرس الله ) ما زائدة . قوله عليه السلام : ( عتاق الوجوه ) إما من العتق
بمعنى الحرية ، أو بمعنى الكرم ، والعتيق : الكريم من كل شئ ، والخيار من كل شئ .
والنواجم جمع ناجمة وهو مايطلع ويظهر من ( الكبر ) ؟ . والقدع : الكف والمنع . ويقال : لاط
حبه بقلبي يليط : إذا لصق . ومواقع النعم : الاموال والاولاد ، وآثارها هي الترفه و
الغناء والتلذذ بها ، ويحتمل أن يكون الموقع مصدرا . والمجداء جمع ماجد ، والمجد :
الشرف في الآباء ، والحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكونا في آبائه . والنجداء :


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 481 سطر 19 إلى صفحه 489 سطر 18

الشجعان ، واحدهم نجيد . وبيوتات العرب : قبائلها . واليعسوب : السيد والرئيس
والمقدم . والرغيبة : المرغوبة . قوله عليه السلام : ( لخلال الحمد ) أي الخصال المحمودة .
. . ( هامش صفحة 481 ) ( 1 ) وقيل : أي كثير العمران .
( 2 ) أي المحيطة من كل جهة .
( 3 ) وفي المصدر بالسين المهملة .
( 4 ) من أكدى الرجل ، لم يظفر بحاجة .
[482]
قوله عليه السلام : ( ومدت العافية ) على البناء للمفعول وهو ظاهر ، أو على البناء للفاعل
من قولهم : مد الماء : إذا جرى وسال . قوله عليه السلام : ( ووصلت ) استعار الوصل لاجتماعهم
عن كرامة الله لهم حال كونهم على ذلك الامر ، ورشح بذكر الحبل . والتحاض تفاعل
من الحض وهو الحث والتحريص . وتواصى القوم أي أوصى بعضهم بعضا . والفقرة واحدة
فقر : الظهر ، ويقال لمن أصابته مصيبة شديدة : قد كسرت فقرته . والمنة بالضم : القوة .
والاعباء : الاثقال .
قوله عليه السلام : ( فساموهم ) أي الزموهم . والمرار بالضم : شجر مر ، واستعير شرب
الماء المر لكل من يلقى شدة .
قوله عليه السلام : ( وبلغت الكرامة ) قوله : ( بهم ) متعلق بقوله : ( بلغت ) وقوله :
( لهم ) بالكرامة ، وقوله : ( إليه ) بقوله : ( لم تذهب ) ( 1 ) والاملاء جمع الملا أي الجماعات
والاشراف . والترافد : التعاون .
قوله عليه السلام : ( متحازبين ) أي مختلفين أحزابا . وغضارة النعمة : طيبها ولذتها . قوله
عليه السلام : ( فما أشد اعتدال الاحوال ) أي ما أشبه الاشياء بعضها ببعض ! وإن حالكم
لشبيهة بحال أولئك .
قوله عليه السلام : ( يحتازونهم ) أي يعبدونهم . وبحر العراق : دجلة والفرات ، أما
الاكاسرة فطردوهم عن بحر العراق ، والقياصرة عن الشام وما فيه من المراعي والمنتجع .
والشيح : نبت معروف . ومنابت الشيح : أرض العرب . ومها في الريح : المواضع التي تهفو
فيها الريح ، أي تهب وهي الفيافي والصحاري . ونكد المعاش : ضيقه وقلته . والعالة جمع
عائل وهو الفقير . والدبر بالتحريك : الجرح الذي يكون في ظهر البعير . ( 2 ) والجدب :
قلة الزرع والشجر . والازل : الضيق والشدة .
قوله : ( وإطباق جهل ) بكسر الهمزة ، أي جهل عام مطبق عليهم ، أو بفتحها أي
. . ( هامش صفحة 482 ) ( 1 ) وبقوله : ( مالم تبلغ ) على مافي المصدر .
( 2 ) والوبر : شعر الجمال ، والمراد أنهم كانوا رعاة ظاعنين من واد إلى آخر ، لم تكن لهم
بلدة ولا حاضرة يعيشون فيها .
[483]
جهل متراكم بعضه فوق بعض . ووأد البنات : قتلهن . وشن الغارة عليهم : تفريقها عليهم
من جميع جهاتهم . قوله عليه السلام : ( والتفت الملة ) أي كانوا متفرقين ، فالتفت ملة محمد صلى الله عليه وآله
بهم فجمعتهم ، يقال : التف الحبل بالحطب أي جمعه ، والتف الحطب بالحبل أي اجتمع
به . وقوله : ( في عوائد حال ) أي جمعتهم الملة كائنة في عوائد بركتها .
قوله عليه السلام : ( فكهين ) أي أشرين مرحين ، ( 1 ) فكاهة صادرة عن خضرة عيش النعمة
قوله عليه السلام : ( قد تربعت ) أي أقامت . ويقال : تعطف الدهر على فلان أي أقبل حظه
وسعادته بعد أن لم يكن كذلك . والذرى : الاعالي .
قوله عليه السلام : ( لايغمز ) يقال : غمزه بيده أي نخسه . والقناة : الرمح ، ويكنى
عن العزيز الذي لايضام ، فيقال : لا يغمز له قناة ، أي هو صلب ، والقناة إذا لم تلن في
يد الغامز كانت أبعد عن الحطم والكسر .
وقوله : ( لاتقرع لهم صفاة ) مثل يضرب لمن لا يطمع في جانبه لعزته وقوته .
والصفاة : الصخرة والحجر الاملس .
وقوله : ( بأحكام ) متعلق بثلمتم . وقوله : ( بنعمة ) متعلق بقوله : ( امتن ) قوله :
( النار ولا العار ) أي ادخلوا النار ولاتلتزموا العار . ( 2 )
وقال الجوهري : كفأت الاناء : قلبته ، وزعم ابن الاعرابي أن أكفأته لغة ، و
كفأت القوم كفاء : إذا أرادوا وجها فصرفتهم عنه إلى غيره . قوله : ( إلى غيره ) الضمير عائد
إلى الاسلام أو إلى الله .
قوله : ( فلا تستبطئوا ) أي فلاتستبعدوا . قوله : ( لترك التناهي ) يقال : تناهوا عن
المنكر أي نهى بعضهم بعضا . ودوخه أي ذلله . وشيطان الردهة : هو ذو الثدية ، ( 3 )
. . ( هامش صفحة 483 ) ( 1 ) أشر : بطر ، أي أخذته دهشة وحيرة عند هجوم النعمة . أو طغى بالنعمة أو عندها فصرفها
إلى غير وجهها فهو أشر . ومرح الرجل : اشتد فرحه ونشاطه حتى جاوز القدر ، وتبختر واختال
فهو مرح .
( 2 ) هكذا في النسخ ، ولعل الاصوب : أي ندخل النار ولا نلتزم العار .
( 3 ) في هامش المطبوع : ذو الثدية لقب رجل اسمه ثرمله فمن قال في الثدى انه مذكر يقول
انما ادخلوا الهاء في التصغير لان معناه اليد وذلك ان يده كانت قصيرة مقدار الثدى يدل على ذلك
انهم كانوا يقولون فيه ذو اليدية وذو الثدية جميعا ، الصحاح .
[484]
فقد روي أنه رماه الله يوم النهر بصاعقة . ( 1 ) والردهة : نقرة في الجبل يجتمع فيها الماء .
وإنما سمي بذلك لانه وجد بعد موته في حفرة ، وقيل : هو أحد الابالسة . والوجبة :
اضطراب القلب . والرجة : الحركة والزلزلة . وأدلت من فلان أي قهرته وغلبته . و
التشذر : التبدد والتفرق . والكلاكل : الصدور ، ( 2 ) الواحدة : كلكل ، أي أنا أذللتهم
وصرعتهم إلى الارض . والنواجم جمع ناجمة وهي ماعلا قدره وطار صيته . والخطل : خفة
وسرعة ، ويقال للاحمق العجل : خطل . قوله : ( لاتفيئون ) أي لا ترجعون .
قوله عليه السلام : ( في القليب ) أي قليب بدر ، ( 3 ) والدوي : صوت ليس بالعالي . و
قصف الطير : اشتد صوته . ورفرف الطائر بجناحيه : إذا بسطهما عند السقوط على شئ
يحوم عليه ليقع فوقه والعتو : التكبر والتجبر .
قوله : ( خفيف فيه ) أي سريع . قوله عليه السلام : ( ولا يغلون ) كل من خان خفية في
شئ فقد غل .
أقول : إنما أوردت هذه الخطبة الشريفة بطولها لاشتمالها على جمل قصص
الانبياء عليهم السلام وعلل أحوالهم وأطوارهم وبعثتهم ، والتنبيه على فائدة الرجوع إلى قصصهم
والنظر في أحوالهم وأحوال أممهم وغير ذلك من الفوائد التي لاتحصى ولا تخفى على من
تأمل فيها صلوات الله على الخطيب بها .
38 كا : بعض أصحابنا ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن عبدالرحمن ، عن
أبي الحسن عليه السلام قال : إن الاحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق وإنما حدثت ،
فقلت : وما العلة في ذلك ؟ فقال : إن الله عز ذكره بعث رسولا إلى أهل زمانه فدعاهم
إلى عبادة الله وطاعته ، فقالوا : إن فعلنا ذلك فما لنا ؟ فوالله ما أنت بأكثرنا مالا ، ولا
. . ( هامش صفحة 484 ) ( 1 ) في هامش المطبوع : ذو الثدية كسمية لقب حرقوص بن زهير كبير الخوارج ، أو هو بالمثناة
تحت . منه طاب ثراه .
( 2 ) قيل : القرن : القوة والشدة ، وانما ذكره لتشبههم بالثور ، كما ذكر الكلكل لتشبيههم
بالجمل . منه رحمه الله .
( 3 ) طرح فيه نيف وعشرون من أكابر قريش .
[485]
بأعزنا عشيرة ، فقال : إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة ، وإن عصيتموني أدخلكم الله النار
فقالوا : وما الجنة والنار ؟ فوصف لهم ذلك ، فقالوا : متى نصير إلى ذلك ؟ فقال : إذا متم
فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما ورفاتا ! فازدادوا له تكذيبا وبه استخفافا ، فأحدث
الله عزوجل فيهم الاحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك ، فقال : إن الله
عز ذكره أراد أن يحتج عليكم بهذا ، هكذا تكون أرواحكم إذا متم ، وإن بليت
أبدانكم تصير الارواح إلى عقاب حتى تبعث الابدان . ( 1 )
39 دعوات الراوندي : روي أن الله أوحى إلى نبي من الانبياء في الزمن
الاول : إن لرجل في أمته دعوات مستجابة ، فأخبر به ذلك الرجل ، فانصرف من عنده
إلى بيته فأخبر زوجته بذلك ، ( 2 ) فألحت عليه أن يجعل دعوة لها فرضي ، فقال : سل
الله أن يجعلني أجمل نساء الزمان ، فدعا الرجل فصارت كذلك ، ثم إنها لما رأت رغبة
الملوك والشبان المتنعمين فيها متوفرة زهدت في زوجها الشيخ الفقير وجعلت تغالظه و
تخاشنه وهو يداريها ولا يكاد يطيقها ، فدعا الله أن يجعلها كلبة فصارت كذلك ! ثم أجمع
أولادها يقولون : ياأبه إن الناس يعيرونا أن أمنا كلبة نائحة وجعلوا يبكون ويسألونه
أن يدعو الله أن يجعلها كما كانت ، فدعا الله تعالى فصيرها مثل التي كانت في الحالة
الاولى ، فذهبت الدعوات الثلاث ضياعا . ( 3 )
. . ( هامش صفحة 485 ) ( 1 ) روضة الكافي : 90 .
( 2 ) في نسخة : وأخبر زوجته بذلك .
( 3 ) دعوات الراوندي مخطوط .
[486]
( باب 32 )
* ( نوادر اخبار بني اسرائيل ) *
الايات ، البقرة " 2 " يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني
فضلتكم على العالمين 122 .
المائدة " 5 " ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الارض
لمسرفون 32 " وقال تعالى " : لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم
رسول بما لاتهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون * وحسبوا أن لاتكون فتنة فعموا
وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون 70 و 71 .
الجاثية " 45 " ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من
الطيبات وفضلناهم على العالمين * وآتيناهم بينات من الامر فما اختلفوا إلا من بعد
ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون
16 و 17 .
الحشر " 59 " كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ
منك إني أخاف الله رب العالمين * فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك
جزاء الظالمين 16 و 17 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل عابد
اسمه برصيصا ، عبدالله زمانا من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوذهم فيبرؤون
على يده ، وإنه أتي بامرأة في شرف قد جنت وكان لها إخوة فأتوه بها وكانت عنده ، فلم
يزل به الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت ، فلما استبان حملها قتلها ودفنها ،
فلما فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب وأنه
دفنها في مكان كذا ، ثم أتى بقية إخوتها رجلا رجلا فذكر ذلك له ، فجعل الرجل يلقى
[487]
أخاه فيقول : والله لقد أتاني آت ذكر لي شيئا يكبر علي ذكره ، فذكره بعضهم لبعض حتى
بلغ ذلك ملكهم ، فسار الملك والناس فاستنزلوه فأقر لهم بالذي فعل ، فأمر به فصلب ،
فلما رفع على خشبته تمثل له الشيطان فقال : أنا الذي ألقيتك في هذا ، فهل أنت مطيعي
فيما أقول لك أخلصك مما أنت فيه ؟ قال : نعم ، قال : اسجد لي سجدة واحدة ، فقال :
كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة ؟ فقال : أكتفي منك بالايماء ، فأومأ له بالسجود ،
فكفر بالله ، وقتل الرجل ، فأشار الله تعالى إلى قصته في هذه الآية . ( 1 )
1 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الوشاء
عن أبي جميلة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل عابد يقال له جريح ، وكان
يتعبد في صومعة فجاءته أمه وهو يصلي فدعته فلم يجبها ، فانصرفت ، ثم أتته ودعته
فلم يلتفت إليها فانصرفت ، ثم أتته ودعته فلم يجبها ولم يكلمها فانصرفت وهي تقول :
أسأل إله بني إسرائيل أن يخذلك ، فلما كان من الغد جاءت فاجرة وقعدت عند صومعته
قد أخذها الطلق فادعت أن الولد من جريح ، ففشا في بني إسرائيل أن من كان يلوم الناس
على الزنا قد زنى ، وأمر الملك بصلبه ، فأقبلت أمه إليه تلطم وجهها ، فقال لها : اسكتي
إنما هذا لدعوتك ، فقال الناس لما سمعوا ذلك منه : وكيف لنا بذلك ؟ ( 2 ) قال : هاتوا
الصبي ، فجاؤوا به فأخذه فقال : من أبوك ؟ فقال : فلان الراعي لبني فلان ، فأكذب الله ( 3 )
الذين قالوا ماقالوا في جريح ، فحلف جريح ألا يفارق أمه يخدمها . ( 4 )
2 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب
عن الحكم بن مسكين ، عن النعمان بن يحيى الازرق ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي
جعفر عليه السلام قال : إن ملكا من بني إسرائيل قال : لابنين مدينة لايعيبها أحد ، فلما
فرغ من بنائها اجتمع رأيهم على أنهم لم يروا مثلها قط ، فقال له رجل : لو أمنتني على
. . ( هامش صفحة 487 ) ( 1 ) مجمع البيان 9 : 265 .
( 2 ) أي كيف لنا العلم بذلك .
( 3 ) أي بين كذبهم .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
[488]
نفسي أخبرتك بعيبها ، فقال : لك الامان ، فقال : لها عيبان : أحدهما أنك تهلك عنها ،
والثاني أنها تخرب من بعدك ، فقال الملك : وأي عيب أعيب من هذا ؟ ثم قال : فما نصنع ؟
قال : تبني ما يبقى ولا يفنى وتكون شابا لاتهرم أبدا فقال الملك لابنته ذلك ، فقالت : ما
صدقك أحد غيره من أهل مملكتك . ( 1 )
3 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ،
عن ابن بكير ، عن عبدالملك بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل
وكان له بنتان فزوجهما من رجلين : واحد زراع ، وآخر يعمل الفخار ، ( 2 ) ثم إنه
زارهما فبدأ بامرأة الزراع فقال لها : كيف حالك ؟ قالت : قد زرع زوجي زرعا كثيرا ،
فإن جاء الله بالسماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالا ، ثم ذهب إلى الاخرى فسألها
عن حالها ، فقالت : قد عمل زوجي فخارا كثيرا ، فإن أمسك الله السماء عنا فنحن أحسن
بني إسرائيل حالا ، فانصرف وهو يقول : اللهم أنت لهما . ( 3 )
4 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الوشاء
عن الحسن بن الجهم ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل
يكثر أن يقول : " الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين " فغاظ إبليس ذلك فبعث إليه
شيطانا فقال : قل : العاقبة للاغنياء ، فجاءه فقال ذلك ، فتحاكما إلى أول من يطلع عليهما
على قطع يد الذي يحكم عليه ، فلقيا شخصا فأخبراه بحالهما ، فقال : العاقبة للاغنياء ،
فرجع ( 4 ) وهو يحمد الله ويقول : " العاقبة للمتقين " فقال له : تعود أيضا ؟ فقال : نعم على
يدي الاخرى ، ( 5 ) فخرجا فطلع الآخر فحكم عليه أيضا ، فقطعت يده الاخرى ، وعاد
أيضا يحمد الله ويقول : " العاقبة للمتقين " فقال له : تحاكمني على ضرب العنق ؟ فقال :
نعم ، فخرجا فرأيا مثالا فوقفا عليه ، فقال : إني كنت حاكمت هذا وقصا عليه قصتهما
. . ( هامش صفحة 488 ) ( 1 و 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 2 ) الفخار : الخزف .
( 4 ) في قصص الانبياء للجزائري : فقطع يده فرجع .
( 5 ) " " " : على اليد الاخرى .
[489]
قال : فمسح يديه فعادتا ، ثم ضرب عنق ذلك الخبيث ، وقال : هكذا العاقبة
للمتقين . ( 1 )
5 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن أحمد بن محمد ،
عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان قاض في بني إسرائيل وكان يقضي بالحق
فيهم ، فلما حضرته الوفاة قال لامرأته : إذا مت فاغسليني وكفنيني وغطي وجهي ،
وضعيني على سريري ، فإنك لاترين سوءا إن شاء الله تعالى ، فلما مات فعلت ما كان
أمرها به ثم مكثت بعد ذلك حينا ثم إنها كشفت عن وجهه فإذا دودة تقرض من
منخره ، ( 2 ) ففزعت من ذلك ، فلما كان بالليل أتاها في منامها يعني رأته في النوم ( 3 )
فقال لها : فزعت مما رأيت ؟ قالت : أجل ، قال : والله ماهو إلا في أخيك ، وذلك أنه
أتاني ومعه خصم له ، فلما جلسا قلت : اللهم اجعل الحق له ، فلما اختصما كان الحق
له ففرحت فأصابني مارأيت لموضع هواي مع موافقة الحق له . ( 4 )
6 ص : بالاسناد إلى الصدوق عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن
ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام إن قوما من بني إسرائيل قالوا
لنبي ( 5 ) لهم : ادع لنا ربك يمطر علينا السماء إذا أردنا ، فسأل ربه ذلك فوعده أن
يفعل ، فأمطر السماء عليهم كلما أرادوا فزرعوا فنمت زروعهم وحسنت ، فلما حصدوا لم
يجدوا شيئا ، فقالوا : إنما سألنا المطر للمنفعة ، فأوحى الله تعالى : إنهم لم يرضوا
بتدبيري لهم . أو نحو هذا . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 489 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط وقد أخرجه وما قبله الجزائري أيضا في قصصه : 248 و 249 .


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 489 سطر 19 إلى صفحه 497 سطر 18

( 2 ) قرض الشئ : قطعه .
( 3 ) الظاهر أنه تفسير من الراوندي .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 5 ) هو موسى بن عمران عليه السلام كما تقدم .
( 6 ) قصص الانبياء مخطوط ، وأخرجه وما قبله وما بعده الجزائري في قصص الانبياء :
251 ، ولم يذكر قوله : ( أو نحو هذا ) والظاهر أنه من كلام المصنف أو الراوندي ، ولعله
كانت نسخته مطموسة أو مغلوطة ، والحديث مذكور في الكافي مسندا ، وأخرجه المصنف في باب ما
ناجى به موسى عليه السلام ربه ، والحديث مفصل مشروح ، وفيه : ياموسى أنا كنت المقدر لبني
اسرائيل فلم يرضوا بتقديري فأجبتهم إلى ارادتهم فكان مارأيت .
[490]
7 وقال : قال أبوعبدالله عليه السلام : كان روشان يفرخ في شجرة ، وكان رجل يأتيه إذا
أدرك الفرخان فيأخذ الفرخين ، فشكا ذلك الورشان إلى الله تعالى فقال : إني سأكفيكه
قال : فأفرخ الورشان وجاء الرجل ومعه رغيفان ، فصعد الشجرة ( 1 ) وعرض له سائل فأعطاه
أحد الرغيفين ، ثم صعد فأخذ الفرخين ونزل بهما فسلمه الله لما تصدق به . ( 2 )
8 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن
محبوب ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن رجلا كان في بني إسرائيل قد
دعا الله أن يرزقه غلاما ، يدعو ثلاثا وثلاثين سنة ، ( 3 ) فلما رأى أن الله تعالى لايجيبه
قال : يارب أبعيد أنا منك فلا تسمع مني ، أم قريب أنت فلا تجيبني ؟ ( 4 ) فأتاه آت في
منامه فقال له : إنك تدعو الله بلسان بذي ، ( 5 ) وقلب علق غير نقي ، وبنية غير صادقة ،
فاقلع من بذائك ، وليتق الله قلبك ، ولتحسن نيتك ، قال : ففعل الرجل ذلك فدعا الله ( 6 )
عزوجل فولد له غلام . ( 7 )
كا : محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى مثله . ( 8 )
9 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن
محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل
رجل عاقل كثير المال ، وكان له ابن يشبهه في الشمائل من زوجة عفيفة ، وكان له ابنان من
زوجة غير عفيفة ، فلما حضرته الوفاة قال لهم : هذا مالي لواحد منكم ، فلما توفي قال
. . ( هامش صفحة 490 ) ( 1 ) في نسخة : فيصعد الشجرة .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط . والورشان * نوع من الحمام البري اكدر اللون فيه بياض فوق
ذنبه . وقيل : هو ذكر القمارى .
( 3 ) في الكافي : يدعو ثلاث سنين .
( 4 ) " " : أبعيد أنا منك فلا تسمعني ، أم قريب أنت مني فلا تجيبني ؟ قال اه .
( 5 ) " " : انك تدعو الله مذ ثلاث سنين بلسان بذي وقلب عات غير تقي .
( 6 ) " " : ثم دعا الله .
( 7 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 8 ) اصول الكافي 2 : 324 و 325 .
[491]
الكبير : أنا ذلك الواحد ، وقال الاوسط : أنا ذلك ، وقال الاصغر : أنا ذلك ، فاختصموا
إلى قاضيهم ، قال : ليس عندي في أمركم شئ ، انطلقوا إلى بني غنام ( 1 ) الاخوة
الثلاثة ، فانتهوا إلى واحد منهم فرأوا شيخا كبيرا ، فقال لهم : ادخلوا إلى أخي فلان فهو
أكبر مني ( 2 ) فاسألوه ، فدخلوا عليه فخرج شيخ كهل فقال : سلوا أخي الاكبر مني ، ( 3 )
فدخلوا على الثالث فإذا هو في المنظر أصغر ، فسألوه أولا عن حالهم ثم مبينا لهم ( 4 )
فقال : أما أخي الذي رأيتموه أولا هو الاصغر ، وإن له امرأة سوء تسوؤه وقد صبر
عليها مخافة أن يبتلي ببلاء لاصبر له عليه فهرمته ، وأما الثاني أخي فإن عنده زوجة تسوؤه
وتسره فهو متماسك الشباب ، وأما أنا فزوجتي تسرني ولا تسوؤني ولم يلزمني منها
مكروه قط منذ صحبتني فشبابي معها متماسك .
وأما حديثكم الذي هو حديث أبيكم فانطلقوا أولا وبعثروا قبره ( 5 ) واستخرجوا
عظامه واحرقوها ثم عودوا لاقضي بينكم ، فانصرفوا فأخذ الصبي سيف أبيه ، وأخذ
الاخوان المعاول ، فلما أن هما بذلك قال لهم الصغير : لاتبعثروا ( 6 ) قبر أبي وأنا أدع
لكما حصتي ، فانصرفوا إلى القاضي ، فقال : يقنعكما هذا ، ائتوني بالمال ، فقال للصغير :
خذ المال ، فلو كانا ابنيه لدخلهما من الرقة كما دخل على الصغير . ( 7 )
10 ص : بهذا الاسناد عن ابن محبوب ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن أبي
الحسن موسى عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل صالح ، وكانت له امرأة صالحة ،
فرأى في النوم أن الله تعالى قد وقت لك من العمر كذا وكذا سنة ، وجعل نصف عمرك
. . ( هامش صفحة 491 ) ( 1 ) في قصص الجزائري : بني الاغنام .
( 2 ) " " " : فهو أكبر مني سنا .
( 3 ) " " " : سلوا أخي الاكبر مني سنا .
( 4 ) لم يذكر الجزائري قوله : ثم مبينا لهم ، ولعله مصحف : ثم بينوا له حالهم .
( 5 ) بعثره : بدده . قلب بعضه على بعض . وفي قصص الجزائري : وانبشوا قبره .
( 6 ) في قصص الجزائري : لاتنبشوا .
( 7 ) قصص الانبياء مخطوط ، وأخرجه الجزائري في قصص الانبياء : 250 .
[492]
في سعة ، وجعل النصف الآخر في ضيق ، فاختر لنفسك إما النصف الاول وإما النصف
الاخير .
فقال الرجل : إن لي زوجة صالحة وهي شريكي في المعاش فأشاورها في ذلك و
تعود إلي فأخبرك ، فلما أصبح الرجل قال لزوجته : رأيت في النوم كذا وكذا ، فقالت
يافلان اختر النصف الاول وتعجل العافية لعل الله سيرحمنا ويتم لنا النعمة ، فلما كان
في الليلة الثانية أتى الآتي فقال : ما اخترت ؟ فقال : اخترت النصف الاول ، فقال : ذلك
لك ، فأقبلت الدنيا عليه من كل وجه ، ولما ظهرت نعمته قالت له زوجته : قرابتك والمحتاجون
فصلهم وبرهم وجارك وأخوك فلان فهبهم ، فلما مضى نصف العمر وجاز حد الوقت
رأى الرجل الذي رآه أولا في النوم ، فقال : إن الله تعالى قد شكر لك ذلك ولك تمام
عمرك سعة مثل مامضى . ( 1 )
11 ص : بهذا الاسناد عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
خرجت امرأة بغي على شباب من بني إسرائيل فأفتنتهم ، فقال بعضهم : لو كان العابد
فلان رآها أفتنته ، وسمعت مقالتهم فقالت : والله لاأنصرف إلى منزلي حتى أفتنه فمضت
نحوه في الليل فدقت عليه ، فقال : آوي عندك ، فأبى عليها ، فقالت : إن بعض شباب بني
إسرائيل راودوني عن نفسي ، فإن أدخلتني وإلا لحقوني وفضحوني ، فلما سمع مقالتها
فتح لها ، فلما دخلت عليه رمت بثيابها ، فلما رأى جمالها وهيئتها وقعت في نفسه ، فضرب
يده عليها ، ثم رجعت إليه نفسه ، وقد كان يوقد تحت قدر له ، فأقبل حتى وضع يده على
النار ، فقالت : أي شئ تصنع ؟ فقال : أحرقها لانها عملت العمل ، فخرجت حتى أتت
جماعة بني إسرائيل ، فقالت : الحقوا فلانا فقد وضع يده على النار ، فأقبلوا فلحقوه وقد
احترقت يده . ( 2 )
12 ص : عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبدالله عليه السلام إن عابدا كان في بني
إسرائيل فأضاف امرأة من بني إسرائيل فهم بها فأقبل كلما هم بها قرب إصبعا من أصابعه
. . ( هامش صفحة 492 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط ، واخرجه الجزائري في القصص : 250 و 251 .
( 2 ) " " " ، " " " " " : 251 .
[493]
إلى النار ، فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح ، قال لها : اخرجي لبئس الضيف كنت لي . ( 1 )
13 ص : عن حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل
رجل وكان محتاجا فألحت عليه امرأته في طلب الرزق ، فابتهل إلى الله في الرزق ، فرأى
في النوم : أيما أحب إليك : درهمان من حل أو ألفان من حرام ؟ فقال : درهمان من حل ،
فقال : تحت رأسك ، فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه فأخذهما واشترى بدرهم سمكة
فأقبل إلى منزله فلما رأته المرأة أقبلت عليه كاللائمة ، وأقسمت أن لاتمسها ، فقام الرجل
إليها فلما شق بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم . ( 2 )
14 ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن
ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني
إسرائيل جبار وإنه أقعد في قبره ورد إليه روحه ، فقيل له : إنا جالدوك مائة جلدة
من عذاب الله ، قال : لا أطيقها ، فلم يزالوا ينقصونه من الجلد وهو يقول : لا أطيق حتى
صاروا إلى واحدة ، قال : لا أطيقها ، قالوا : لن نصرفها عنك ، قال : فلماذا تجلدونني ؟
قالوا : مررت يوما بعبد لله ( 3 ) ضعيف مسكين مقهور فاستغاث بك فلم تغثه ولم تدفع عنه
قال : فجلدوه جلدة واحدة فامتلا قبره نارا . ( 4 )
15 ص : الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن
ابن أسباط ، عن أبي إسحاق الخراساني ، عن وهب بن منبه قال : رووا أن رجلا من بني
إسرائيل بنى قصرا فجوده وشيده ، ثم صنع طعاما فدعا الاغنياء وترك الفقراء ، فكان إذا
جاء الفقير قيل لكل واحد منهم : إن هذا طعام لم يصنع لك ولا لاشباهك ، قال : فبعث
الله ملكين في زي الفقراء ، فقيل لهما مثل ذلك ، ثم أمرهما الله تعالى بأن يأتيا في زي
الاغنياء فأدخلا وأكرما وأجلسا في الصدر ، فأمرهما الله تعالى أن يخسفا المدينة ومن
فيها .
. . ( هامش صفحة 493 ) ( 1 و 2 ) قصص الانبياء مخطوط ، وأخرج الاول منهما الجزائري في القصص : 251 .
( 3 ) في نسخة : بعبد الله . وفي قصص الجزائري : مررت بعبد من عباد الله .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط ، وأخرجه الجزائري أيضا في قصصه : 252 .
[494]
16 وبإسناده أن بني إسرائيل الصغير منهم والكبير كانوا يمشون بالعصي
مخافة أن يختال أحد في مشيته . ( 1 )
17 ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن
محمد بن عبدالله بن زرارة ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان
في بني إسرائيل عابد وكان محارفا تنفق عليه امرأته ، فجاءها يوما فدفعت إليه غزلا فذهب
فلا يشترى بشئ ، فجاء إلى البحر فإذا هو بصياد قد اصطاد سمكا كثيرا ، فأعطاه الغزل
وقال : انتفع في شبكتك ، فدفع إليه سمكة فأخذها وخرج بها إلى زوجته ، فلما شقها بدت
من جوفها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم . ( 2 )
18 ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده ( 3 ) عن ابن محبوب ، عن داود الرقي
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان أبوجعفر عليه السلام يقول : نعم الارض الشام ، وبئس القوم
أهلها اليوم ، وبئس البلاد مصر ، أما إنها سجن من سخط الله عليه من بني إسرائيل ،
ولم يكن دخل بنو إسرائيل مصر إلا من سخطة ومعصية منهم لله ، لان الله عزوجل قال :
" ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم " يعني الشام ، فأبوا أن يدخلوها وعصوا
فتاهوا في الارض أربعين سنة ، قال : وماكان خروجهم من مصر ودخولهم الشام إلا من بعد
توبتهم ورضى الله عنهم .
ثم قال أبوجعفر : إني أكره أن آكل شيئا طبخ في فخار مصر ، وما أحب أن
أغسل رأسي من طينها مخافة أن تورثني تربتها الذل وتذهب بغيرتي . ( 4 )
19 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الحسين
ابن سيف ، عن أخيه علي ، عن أبيه ، عن محمد بن مارد ، عن عبدالاعلى ابن أعين قال :
. . ( هامش صفحة 494 ) ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط ، وأخرجه الجزائري ايضا في قصصه : 252 . اختال في مشيته :
تبختر وتكبر .
( 2 ) مخطوط .
( 3 ) فيه إرسال وتقدم قبل ذلك إسناد الصدوق إلى ابن محبوب ، فانه يروى عن سعد ، عن
ابن عيسى ، عن ابن محبوب .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط ، وأخرجه الجزائري في القصص : 252 .
[495]
قلت لابي عبدالله عليه السلام : حديث يرويه الناس : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : حدث عن بني
إسرائيل ولا حرج ، قال : نعم ، قلت : فنحدث بما سمعنا عن بني إسرائيل ولا حرج علينا ؟
قال : أما سمعت ما قال : كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ماسمع ، قلت كيف هذا ؟
قال : ماكان في الكتاب ( 1 ) أنه كان في بني إسرائيل فحدث أنه كان في هذه الامة ( 2 )
ولا حرج . ( 3 )
بيان : قال الجزري : فيه : حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، أي لابأس ولاإثم
عليكم أن تحدثوا عنهم ما سمعتم ، وإن استحال أن يكون في هذه الامة ، مثل ما روي
أن ثيابهم كانت تطول ، وأن النار كانت تنزل من السماء فتأكل القربان وغير ذلك ، لا
أن يحدث عنهم بالكذب ، ويشهد لهذا التأويل ما جاء في بعض رواياته فإن فيهم
العجائب .
وقيل : معناه : إن الحديث عنهم إذا أديته كما سمعته حقا كان أو باطلا لم يكن
عليك إثم لطول العهد ، ووقوع الفترة ، بخلاف الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله ، لانه إنما
يكون بعد العلم بصحة روايته وعدالة راويه .
وقيل : معناه : إن الحديث عنهم ليس على الوجوب ، لان قوله صلى الله عليه وآله في أول الحديث
" بلغوا عني " على الوجوب ، ثم أتبعه بقوله : " وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج "
أي لاحرج عليكم إن لم تحدثوا عنهم .
20 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن محمد
ابن سنان ، عمن أخبره ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف ( 4 )
من أمر الدنيا شيئا ، فنخر إبليس نخرة فاجتمع إليه جنوده ، فقال : من لي بفلان ؟ فقال
بعضهم : أنا ، فقال : من أين تأتيه ؟ فقال : من ناحية النساء ، قال : لست له لم يجرب النساء
. . ( هامش صفحة 495 ) ( 1 ) أي القرآن .
( 2 ) أي في بني اسرائيل .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط ، وأخرجه المصنف في كتاب العلم 2 : 159 عن المعاني بالاسناد ،
وأوردنا هناك تفسيرا للحديث عن الخطابي فراجعه .
( 4 ) أي لم يكتسب ، من أمر الدنيا أي من ذنوبها .
[496]
فقال له آخر : فأنا له ، قال : من أين تأتيه ؟ قال : من ناحية الشراب واللذات ، قال :
لست له ، ليس هذا بهذا ، قال آخر : فأنا له ، قال : من أين تأتيه ؟ قال : من ناحية البر
قال : انطلق فأنت صاحبه ، فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاءه يصلي ، قال : وكان الرجل
ينام والشيطان لا ينام ، ويستريح والشيطان لايستريح ، فتحول إليه الرجل وقد تقاصرت
إليه نفسه واستصغر عمله .
فقال : ياعبدالله بأي شئ قويت على هذه الصلاة ؟ فلم يجبه ، ثم أعاد عليه فلم يجبه
ثم أعاد عليه فقال : يا عبدالله إني أذنبت ذنبا وأنا تائب منه ، فإذا ذكرت الذنب قويت
على الصلاة ، قال : فأخبرني بذنبك حتى أعمله وأتوب فإذا فعلته قويت على الصلاة ،
قال : ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين ونل منها ، قال : ومن أين لي
درهمين ؟ ماأدري ما الدرهمين ، ( 1 ) فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناوله إياهما .
فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية ، فأرشده الناس ، وظنوا
أنه جاء يعظها ، فأرشدوه فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين وقال : قومي ، فقامت فدخلت
منزلها وقالت : ادخل ، وقالت : إنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها ، فأخبرني
بخبرك ، فأخبرها ، فقالت له : يا عبدالله إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة ، وليس
كل من طلب التوبة وجدها ، وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك ، فانصرف
فإنك لاترى شيئا ، فانصرف ، وماتت من ليلتها ، فأصبحت فإذا على بابها مكتوب : احضروا
فلانة فإنها من أهل الجنة ، فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لا يدفنونها ارتيابا في أمرها ،
فأوحى الله عزوجل إلى نبي من الانبياء لا أعلمه إلا موسى بن عمران عليه السلام : أن ائت
فلانة فصل عليها ، ومر الناس أن يصلوا عليها ، فإني قد غفرت لها ، وأوجبت لها الجنة
بتثبيطها ( 2 ) عبدي فلانا عن معصيتي . ( 3 )
ايضاح : ( فنخر إبليس ) أي مد الصوت في خياشيمه . وقوله : ( تقاصرت إليه نفسه )
أي ظهر له التقصير من نفسه يقال : تقاصر أي أظهر القصر . والجلباب القميص . وثوب
. . ( هامش صفحة 496 ) ( 1 ) كذا في النسخ والمصدر ، والصواب : الدرهمان .
( 2 ) ثبطه عن الامر : عوقه وشغله عنه .
( 3 ) روضة الكافي : 384 و 385 .
[497]
واسع للمرأة دون الملحفة ، أو ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة . وقوله : ( لا أعلمه )
الشك فيه من الراوي .
21 كا : أحمد بن محمد بن أحمد ، عن علي بن الحسن ، عن محمد بن عبدالله بن زرارة ،
عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل
عابد وكان محارفا لايتوجه في شئ فيصيب فيه شيئا ، فأنفقت عليه امرأته حتى لم يبق
عندها شئ ، فجاؤوا يوما من الايام فدفعت إليه نصلا من غزل وقالت له : ماعندي غيره
انطلق فبعه واشتر لنا شيئا نأكله ، فانطلق بالنصل الغزل ليبيعه فوجد السوق قد غلقت ،
ووجد المشترين قد قاموا وانصرفوا ، فقال لو أتيت هذا الماء فتوضأت منه وصببت علي منه
وانصرفت ، فجاء إلى البحر وإذا هو بصياد قد ألقى شبكته فأخرجها وليس فيها إلا سمكة
رديئة قد مكثت عنده حتى صارت رخوة منتنة ، فقال له : بعني هذه السمكة وأعطيك
هذا الغزل تنتفع به في شبكتك ، قال : نعم ، فأخذ السمكة ودفع إليه الغزل ، وانصرف
بالسمكة إلى منزله ، فأخبر زوجته الخبر ، فأخذت السمكة لتصلحها فلما شقتها بدت من
جوفها لؤلؤة ، فدعت زوجها فأرته إياها فأخذها فانطلق بها إلى السوق فباعها بعشرين
ألف درهم ، وانصرف إلى منزله بالمال ، فوضعه فإذا سائل يدق الباب ويقول : يا أهل
الدار تصدقوا رحمكم الله على المسكين ، فقال له الرجل : ادخل فدخل ، فقال له : خذ
إحدى الكيسين ، فأخذ أحد الكيسين ( 1 ) وانطلق ، فقالت له امرأته : سبحان الله بينما
نحن مياسير إذ ذهبت بنصف يسارنا ، فلم يكن ذلك بأسرع من أن دق السائل الباب فقال
له الرجل : ادخل فدخل ، فوضع الكيس في مكانه ، ثم قال : كل هنيئا مريئا ، إنما


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 497 سطر 19 إلى صفحه 505 سطر 18

أنا ملك من ملائكة ربك ، إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا ، ثم ذهب . ( 2 )
توضيح : رجل محارف أي محدود محروم ، وهو خلاف قولك : مبارك . والنصل :
الغزل قد خرج من المغزل .
22 كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، وأبوعلي الاشعري ، عن
. . ( هامش صفحة 497 ) ( 1 ) في المصدر : فاخذ احداهما .
( 2 ) روضة الكافي : 385 و 386 .
[498]
محمد بن عبدالجبار جميعا ، عن علي بن حديد ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام
قال : ساله حمران فقال : جعلني الله فداك لو حدثتنا متى يكون هذا الامر فسررنا به ،
قال : ياحمران إن لك أصدقاء وإخوانا ومعارف ، إن رجلا كان فيما مضى من العلماء وكان
له ابن لم يكن يرغب في علم أبيه ولا يسأله عن شئ ، وكان له جار يأتيه ويسأله ويأخذ
عنه ، فحضر الرجل الموت فدعا ابنه فقال : يا بني إنك قد كنت تزهد فيما عندي وتقل
رغبتك فيه ، ولم تكن تسألني عن شئ ولي جار قد كان يأتيني ويسألني ويأخذ مني
ويحفظ عني ، فإن احتجت إلى شئ فأته ، وعرفه جاره ، فهلك الرجل وبقي ابنه فرأى
ملك ذلك الزمان رؤيا فسأل عن الرجل فقيل له : قد هلك ، فقال الملك : هل ترك ولدا ؟
فقيل له : نعم ترك ابنا ، فقال : ائتوني به ، فبعث إليه ليأتى الملك ، فقال الغلام : والله ما
أدري لما يدعوني الملك ، وما عندي علم ، ولئن سألني عن شئ لافتضحن ، فذكر ماكان
أوصاه أبوه به ، فأتى الرجل الذي كان يأخذ العلم من أبيه فقال له : إن الملك قد بعث
إلي يسألني ، ولست أدري فيم بعث إلي ، وقد كان أبي أمرني أن آتيك إن احتجت إلى
شئ ، فقال الرجل : ولكني أدري فيما بعث إليك ، فإن أخبرتك فما أخرج الله لك من
شئ فهو بيني وبينك ، فقال : نعم ، فاستحلفه واستوثق منه أن يفي ( 1 ) فأوثق له الغلام ،
فقال : إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا ؟ فقل له : هذا زمان الذئب ، فأتاه
الغلام فقال له الملك : أتدري لما أرسلت إليك ؟ فقال : أرسلت إلي تريد أن تسألني عن
رؤيا رأيتها أي زمان هذا ؟ فقال له الملك : صدقت ، فأخبرني أي زمان هذا ؟ فقال له :
زمان الذئب ، فأمر له بجائزة فقبضها الغلام وانصرف إلى منزله ، وأبى أن يفي لصاحبه ،
وقال : لعلي لا أنفد هذا المال ولا آكله حتى أهلك ، ولعلي لا أحتاج ولا أسأل عن مثل
هذا الذي سألت عنه ، فمكث ماشاء الله .
ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه يدعوه فندم على ماصنع ، وقال : والله ماعندي
علم آتيه به ، وما أدري كيف أصنع بصاحبي وقد غدرت به ولم أف له ، ثم قال : لآتينه
على كل حال ، ولاعتذرن إليه ولاحلفن له ، فلعله يخبرني ، فأتاه فقال : إني قد صنعت
. . ( هامش صفحة 498 ) ( 1 ) في المصدر : أن يفي له .
[499]
الذي صنعت ، ولم أف لك بما كان بيني وبينك ، وتفرق ما كان في يدي وقد احتجت
إليك فأنشدك الله أن لاتخذلني ، أنا أوثق لك أن لايخرج لي شئ إلا كان بيني وبينك
وقد بعث إلي الملك ولست أدري عما يسألني ، فقال : إنه يريد أن يسألك عن رويا رآها
أي زمان هذا ؟ فقل له : إن هذا زمان الكبش ، فأتى الملك فدخل عليه فقال : لما بعثت
إليك ؟ فقال : إنك رأيت رؤيا ، وإنك تريد أن تسألني أي زمان هذا ، فقال له : صدقت
فأخبرني أي زمان هذا ؟ فقال : هذا زمان الكبش ، فأمر له بصلة فقبضها ، وانصرف إلى
منزله ، وتدبر رأيه في أن يفي لصاحبه أو لا يفي ( 1 ) فهم مرة أن يفعل ومرة أن لايفعل
ثم قال : لعلي لا أحتاج إليه ( 2 ) بعد هذه المرة أبدا ، وأجمع رأيه على الغدر وترك الوفاء
فمكث ماشاء الله .
ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه فندم على ماصنع فيما بينه وبين صاحبه ، وقال
بعد غدر مرتين : ( 3 ) كيف أصنع وليس عندي علم ، ثم أجمع رأيه على إتيان الرجل فأتاه
فناشده الله تبارك وتعالى وسأله أن يعلمه وأخبره أن هذه المرة يفي له ، وأوثق له وقال :
لاتدعني على هذه الحال فإني لا أعود إلى الغدر وسأفي لك ، فاستوثق منه ، فقال : إنه
يدعوك يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا ؟ فإذا سألك فأخبره أنه زمان الميزان ، قال :
فأتى الملك فدخل عليه فقال له : لم بعثت إليك ؟ فقال : إنك رأيت رؤيا وتريد أن تسألني
أي زمان هذا ، فقال : صدقت ، فأخبرني أي زمان هذا ؟ قال : هذا زمان الميزان ، فأمر
له بصلة فقبضها وانطلق بها إلى الرجل فوضعها بين يديه وقال : قد جئتك بما خرج لي
فقاسمنيه .
فقال له العالم : إن الزمان الاول كان زمان الذئب وإنك كنت من الذئاب ، و
إن الزمان الثاني كان زمان الكبش يهم ولا يفعل ، وكذلك كنت أنت تهم ولا تفي ، و
كان هذا زمان الميزان وكنت فيه على الوفاء ، فاقبض مالك لاحاجة لي فيه ، ورده عليه . ( 4 )
. . ( هامش صفحة 499 ) ( 1 ) في المصدر : أو لايفي له .
( 2 ) " " : لعلي أن لا احتاج إليه .
( 3 ) في نسخة : بعد غدره مرتين .
( 4 ) روضة الكافي : 362 و 363 .
[500]
بيان : قوله عليه السلام : ( إن لك أصدقاء وإخوانا ) لعل المقصود من إيراد الحكاية
بيان أن هذا الزمان ليس زمان الوفاء بالعهود ، فإن عرفتك زمان ظهور الامر فلك أصدقاء
ومعارف فتحدثهم به فيشيع الخبر بين الناس وينتهي إلى الفساد ، والعهد بالكتمان لا
ينفع ، لانك لاتفي به إذ لم يأت بعد زمان الميزان .
أو المعنى أن لك معارف فانظر إليهم هل يوافقونك في أمر ؟ أو يفون بعهدك في
شئ ؟ فكيف يظهر الامام عليه السلام في مثل هذا الزمان .
أو المراد أنه يمكنك استعلام ذلك ، فانظر في حال معارفك وإخوانك فمهما رأيت
منهم العزم على الانقياد والطاعة والتسليم التام لامامهم فاعلم أنه زمان ظهور القائم
عجل الله تعالى فرجه ، فإن قيامه مشروط بذلك ، وأهل كل زمان يكون عامتهم على
حالة واحدة كما يظهر من القصة .
قوله : ( ولكني أدري ) لعل علمه كان بإخبار ذلك العالم ، وكان العالم أخذه
من الانبياء حيث أخبروا بوحي السماء أن الملك سيرى تلك الاحلام وهذه تعبيرها ، أو
بأن أخذ من العالم نوعا من العلم يمكنه استنباط أمثال تلك الامور به ، على أنه يحتمل
أن يكون نبيا علم ذلك بالوحي .
23 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن ابن فضال ، عن الحسن
ابن الجهم قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : إن رجلا في بني إسرائيل عبدالله أربعين
سنة ، ثم قرب قربانا فلم يقبل منه ، فقال لنفسه : وما أوتيت إلا منك ، وما الذنب إلا
لك ، قال : فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : ذمك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين
سنة . ( 1 )
24 نبه : بنى ملك في بني إسرائيل مدينة فتنوق ( 2 ) في بنائها ، ثم صنع للناس
طعاما ونصب على باب المدينة من يسأل عنها ، ( 3 ) فلم يعبها إلا ثلاثة عليهم الاكسية
. . ( هامش صفحة 500 ) ( 1 ) اصول الكافي 2 : 73 .
( 2 ) أي تجود في بنائها .
( 3 ) في المصدر : من يسأل عنها عيبها .
[501]
فإنهم قالوا : رأينا عيبين ، فسألهم ، فقالوا : تخرب ، ويموت صاحبها ، فقال : هل تعلمون
دارا تسلم من هذين العيبين ؟ قالوا : نعم الآخرة ، فخلى ملكه وتعبد معهم زمانا ، ثم
ودعهم ، فقالوا : هل رأيت منا ماتكرهه ؟ قال : لا ، ولكن عرفتموني فإنكم تكرموني ( 1 )
فأصحب من لايعرفني . ( 2 )
25 كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن يزيد
الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن فتية من أولاد ملوك بني إسرائيل كانوا متعبدين
وكانت العبادة في أولاد ملوك بني إسرائيل ، وإنهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا ،
فمروا بقبر على ظهر طريق قد سفى عليه السافي ، ليس يتبين منه إلا رسمه ، فقالوا :
لو دعونا الله الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فساءلناه كيف وجد طعم الموت ، فدعوا الله
وكان دعاؤهم الذي دعوا الله به : " أنت إلهنا يا ربنا ، ليس لنا إله غيرك ، والبديع الدائم
غير الغافل ، الحي الذي لايموت ، لك في كل يوم شأن ، تعلم كل شئ بغير تعليم ،
انشر لنا هذا الميت بقدرتك " قال : فخرج من ذلك القبر رجل أبيض الرأس واللحية
ينفض رأسه من التراب فزعا شاخصا بصره إلى السماء ، فقال لهم : مايوقفكم على قبري ؟
فقالوا : دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت ؟ فقال لهم : لقد سكنت ( 3 ) في قبري
تسعة وتسعين سنة ماذهب عني ألم الموت وكربه ، ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقي ،
فقالوا له : مت يوم مت وأنت على مانرى أبيض الرأس واللحية ؟ قال : لا ، ولكن لما
سمعت الصيحة : اخرج اجتمعت تربة عظامي إلى روحي فبقيت فيه ، فخرجت فزعا
شاخصا بصري مهطعا إلى صوت الداعي ، ( 4 ) فابيض لذلك رأسي ولحيتي . ( 5 )
26 كا : علي بن محمد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد ، عن غير واحد ، عن علي بن
. . ( هامش صفحة 501 ) ( 1 ) في المصدر : فأنتم تكرموني .
( 2 ) تنبيه الخواطر 1 : 74 .
( 3 ) في نسخة من المصدر : لقد مكثت .
( 4 ) أي ناظرا وقد رفعت رأسي إلى الداعي .
( 5 ) فروع الكافي 1 : 72 .
[502]
أسباط ، عن الحسن بن الجهم قال : قال أبوالحسن عليه السلام : قال أبوجعفر عليه السلام : إن
رجلا من بني إسرائيل كان له ابن وكان له محبا فأتي في منامه فقيل له : إن ابنك ليلة
يدخل بأهله يموت ، قال : فلما كان تلك الليلة وبنى عليه أبوه ( 1 ) توقع أبوه ذلك
فأصبح ابنه سليما ، فأتاه أبوه فقال : يابني هل عملت البارحة شيئا من الخير ؟ قال : لا
إلا أن سائلا أتى الباب وقد كانوا ادخروا لي طعاما فأعطيته السائل ، فقال : بهذا دفع
عنك . ( 2 )
27 كا : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن أبي الحسن عليه السلام قال :
سمعته يقول : كان رجل من بني إسرائيل ولم يكن له ولد فولد له غلام ، وقيل له : إنه
يموت ليلة عرسه ، فمكث الغلام ، فلما كان ليلة عرسه نظر إلى شيخ كبير ضعيف فرحمه
الغلام فدعاه فأطعمه ، فقال له السائل : أحييتني أحياك الله ، قال : فأتاه آت في النوم ،
فقال له : سل ابنك ماصنع ، فسأله فخبره بصنعه ، قال : فأتاه الآتي مرة أخرى في النوم
فقال له : إن الله أحيا لك ابنك بما صنع بالشيخ . ( 3 )
28 ما : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن علي بن حبيش ( 4 )
عن عباس بن محمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن الحسين بن أبي غندر ( 5 )
عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان رجل شيخ ناسك يعبد الله في بني إسرائيل ،
فبينا هو يصلي وهو في عبادته إذ بصر بغلامين صبيين قد أخذا ديكا وهما ينتفان ريشه ،
فأقبل على ماهو فيه من العبادة ولم ينههما عن ذلك ، فأوحى الله إلى الارض : أن سيخي
. . ( هامش صفحة 502 ) ( 1 ) أي أدخله على أهله .
( 2 ) فروع الكافي 1 : 163 فيه : بهذا دفع الله عنك .
( 3 ) فروع الكافي 1 : 163 .
( 4 ) هكذا في النسخ ، وفي المصدر : أبوالقاسم علي بن حبشي ، ترجمه الشيخ في رجاله أيضا
هكذا قال : علي بن حبشي بن قوني الكاتب خاصي ، روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة اثنين وثلاثين
وثلاثمائة إلى وقت وفاته وله منه اجازة . ونقل عن الشيخ ابي علي انه " حبش " بغير ياء .
( 5 ) غندر كقنفذ أو جندب .
[503]
بعبدي ، فساخت به الارض ، فهو يهوي أبد الآبدين ، ( 1 ) ودهر الداهرين . ( 2 )
29 وبهذا الاسناد عن الحسين ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته
يقول : إن الله أهبط ملكين إلى قرية ليهلكهم ، فإذا هما برجل تحت الليل ( 3 ) قائم يتضرع
إلى الله ويتعبد ، قال : فقال أحد الملكين للآخر : إني أعاود ربي في هذا الرجل ، وقال
الآخر : بل تمضي لما أمرت ولا تعاود ربي فيما قد أمر به ، قال : فعاود الآخر ربه في
ذلك ، فأوحى الله إلى الذي لم يعاود ربه فيما أمره : أن أهلكه معهم فقد حل به معهم
سخطي ، إن هذا لم يتمعر وجهه قط غضبا لي ، والملك الذي عاود ربه فيما أمر سخط
الله عليه فأهبط في جزيرة فهو حتى الساعة فيها ساخط عليه ربه . ( 4 )
بيان : تمعر وجهه : تغير .
30 كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحكم بن
مسكين ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان ملك في بني إسرائيل وكان
له قاض ، وللقاضي أخ ، وكان رجل صدق وله امرأة قد ولدتها الانبياء ، فأراد الملك أن
يبعث رجلا في حاجة فقال للقاضي : ابغني رجلا ثقة ، فقال : ما أعلم أحدا أوثق من أخي
فدعاه ليبعثه ، فكره ذلك الرجل ، وقال لاخيه : إني أكره أن أضيع امرأتي ، فعزم
عليه فلم يجد بدا من الخروج ، فقال لاخيه : ياأخي إني لست أخلف شيئا أهم علي من
امرأتي فاخلفني فيها وتول قضاء حاجتها ، قال : نعم ، فخرج الرجل وقد كانت المرأة كارهة
لخروجه ، فكان القاضي يأتيها ويسألها عن حوائجها ويقوم لها فأعجبته فدعاها إلى نفسه
فأبت عليه ، فحلف عليها لئن لم تفعل ليخبرن الملك أنها قد فجرت ، ( 5 ) فقالت : اصنع
مابدا لك ، لست أجيبك إلى شئ مما طلبت ، فأتى الملك فقال : إن امرأة أخي قد فجرت
وقد حق ذلك عندي ، ( 6 ) فقال له الملك : طهرها ، فجاء إليها فقال : إن الملك قد أمرني
. . ( هامش صفحة 503 ) ( 1 ) في المصدر : وهوى في الدردون أبد الابدين . قلت : لم نجد الدردون في المعاجم ولعله
مصحف الدردور : موضع في البحر يجيش ماؤه فيخاف فيه الغرق .
( 2 ) أمالي الطوسي : 63 .
( 3 ) هكذا في النسخ وفي المصدر .
( 4 ) امالي الطوسي : 63 . وأخرجه ايضا عن كتاب الحسين بن سعيد والكافي راجع رقم 37 .
( 5 ) في المصدر : لئن لم تفعلي لنخبرن الملك أنك قد فجرت .
( 6 ) أي قد ثبت ذلك عندي .
[504]
برجمك فما تقولين ؟ تجيبني وإلا رجمتك ، فقالت : لست أجيبك فاصنع مابدا لك ، فأخرجها
فحفر لها فرجمها ومعه الناس ، فلما ظن أنها قد ماتت تركها وانصرف وجن بها الليل
وكان بها رمق فتحركت فخرجت من الحفيرة ، ثم مشت على وجهها حتى خرجت من
المدينة ، فانتهت إلى دير فيه ديراني فنامت ( 1 ) على باب الدير ، فلما أصبح الديراني
فتح الباب فرآها فسألها عن قصتها فخبرته فرحمها فأدخلها الدير ، وكان له ابن صغير لم
يكن له غيره ، ( 2 ) وكان حسن الحال ، فداواها حتى برئت من علتها واندملت ، ثم دفع
إليها ابنه فكانت تربيه .
وكان للديراني قهرمان ( 3 ) يقوم بأمره فأعجبته فدعاها إلى نفسه ، فأبت فجهد
بها فأبت ، فقال : لئن لم تفعلي لاجهدن في قتلك ، فقالت : اصنع ما بدا لك ، فعمد إلى
الصبي فدق عنقه ، وأتى الديراني فلما رآه ( 4 ) قال لها : ماهذا فقد تعلمين صنيعي بك ؟
فأخبرته بالقصة ، فقال لها : ليس تطيب نفسي أن تكوني عندي فاخرجي ، فأخرجها ليلا
ودفع إليها عشرين درهما وقال لها : تزودي هذه ، الله حسبك .
فخرجت ليلا فأصبحت في قرية فإذا فيها مصلوب على خشبة وهو حي ، فسألت عن
قصته ، فقالوا : عليه دين عشرون درهما ، ومن كان عليه دين عندنا لصاحبه صلب حتى
يؤدي إلى صاحبه ، فأخرجت العشرين درهما ودفعتها إلى غريمه وقالت : لا تقتلوه ،
فأنزلوه عن الخشبة ، فقال لها : ماأحد أعظم علي منة منك ، نجيتني من الصلب ومن
الموت ، فأنا معك حيثما ذهبت ، فمضى معها ومضت حتى انتهيا إلى ساحل البحر ، فرأى
جماعة وسفنا ، فقال لها : اجلسي حتى أذهب أنا أعمل لهم وأستطعم وآتيك به ، فأتاهم
فقال لهم : ما في سفينتكم هذه ؟ قالوا : في هذه تجارات وجوهر وعنبر وأشياء من التجارة ،
وأما هذه فنحن فيها ، قال : وكم يبلغ مافي سفينتكم ؟ قالوا : كثيرا لانحصيه ، قال : فإن
. . ( هامش صفحة 504 ) ( 1 ) في المصدر : فباتت .
( 2 ) " " : لم يكن له ابن غيره .
( 3 ) القهرمان : الوكيل أو امين الدخل والخرج .
( 4 ) في المصدر : وأتى الديراني فقال : عمدت إلى فاجرة قد فجرت فدفعت اليها ابنك فقتلته
فجاء الديراني فلما رآه اه .
[505]
معي شيئا هو خير مما في سفينتكم ، قالوا : ومامعك ؟ قال : جارية لم تروا مثلها قط ، قالوا :
فبعناها ، قال : نعم على شرط أن يذهب بعضكم فينظر إليها ثم يجيئني فيشتريها ولا
يعلمها ، ويدفع إلي الثمن ولا يعلمها حتى أمضي أنا ، فقالوا : ذلك لك ، فبعثوا من نظر
إليها ، فقال : مارأيت مثلها قط ، فاشتروها منه بعشرة آلاف درهم ، ودفعوا إليه الدراهم
فمضى بها .
فلما أمعن ( 1 ) أتوها فقالوا لها : قومي وادخلي السفينة ، قالت : ولم ؟ قالوا : قد
اشتريناك من مولاك ، قالت : ماهو بمولاي ، قالوا : لتقومين أو لنحملنك ، فقامت ومضت
معهم ، فلما انتهوا إلى الساحل لم يأمن بعضهم بعضا عليها ، فجعلوها في السفينة التي فيها
الجوهر والتجارة ، وركبوا هم في السفينة الاخرى ، فدفعوها فبعث الله عزوجل عليهم
رياحا فغرقتهم وسفينتهم ونجت السفينة التي كانت فيها حتى انتهت إلى جزيرة من جزائر
البحر وربطت السفينة ، ثم دارت في الجزيرة فإذا فيها ماء وشجر فيه ثمر ، فقالت : هذا
ماء أشرب منه ، وثمر آكل منه ، أعبدالله في هذا الموضع .
فأوحى الله عزوجل إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل : أن يأتي ذلك الملك فيقول
إن في جزيرة من جزائر البحر خلقا من خلقي ، فاخرج أنت ومن في مملكتك حتى تأتوا
خلقي هذا فتقروا له بذنوبكم ، ثم تسألوا ذلك الخلق أن يغفر لكم ، فإن غفر لكم غفرت
لكم ، فخرج الملك بأهل مملكته إلى تلك الجزيرة فرأوا امرأة ، فتقدم إليها الملك فقال
لها : إن قاضي هذا أتاني فخبرني أن امرأة أخيه فجرت فأمرته برجمها ولم يقم عندي
البينة ، ( 2 ) فأخاف أن أكون قد تقدمت على ما لا يحل لي فأحب أن تستغفري لي ،


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 505 سطر 19 إلى صفحه 513 سطر 18

فقالت : غفر الله لك ، اجلس .
ثم أتى زوجها ولا يعرفها فقال : إنه كان لي امرأة وكان من فضلها وصلاحها ،
وإني خرجت عنها وهي كارهة لذلك ، فاستخلفت أخي عليها ، فلما رجعت سألت عنها
فأخبرني أخي أنها فجرت فرجمها ، وأنا أخاف أن أكون قد ضيعتها فاستغفري لي ، فقالت :
. . ( هامش صفحة 505 ) ( 1 ) أي ابعد .
( 2 ) في نسخة : ولم تقم عندي البينة .
[506]
غفر الله لك اجلس ، فأجلسته إلى جنب الملك .
ثم أتى القاضي فقال : إنه كان لاخي امرأة وإنها أعجبتني فدعوتها إلى الفجور
فأبت ، فأعلمت الملك أنها قد فجرت وأمرني برجمها فرجمتها وأنا كاذب عليها فاستغفري لي ،
قالت : غفر الله لك ، ثم أقبلت على زوجها فقالت : اسمع .
ثم تقدم الديراني فقص قصته ، وقال : أخرجتها بالليل ، وأنا أخاف أن تكون
قد لقيها سبع فقتلها ، فقالت : غفر الله لك اجلس .
ثم تقدم القهرمان فقص قصته ، فقالت للديراني : اسمع غفر الله لك . ثم تقدم
المصلوب فقص قصته فقالت : لاغفر الله لك .
قال : ثم أقبلت على زوجها فقالت : أنا امرأتك ، وكل ماسمعت فإنما هو قصتي
وليست لي حاجة في الرجال ، فأنا أحب أن تأخذ هذه السفينة وما فيها وتخلي سبيلي
فأعبدالله عز وجل في هذه الجزيرة فقد ترى مالقيت من الرجال ففعل وأخذ السفينة وما فيها
وخلى سبيلها وانصرف الملك وأهل مملكته . ( 1 )
31 كا : علي بن محمد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر ، عن محمد بن
سليمان الديلمي ، عن أبيه قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : فلان من عبادته ودينه وفضله
كذا ، فقال : كيف عقله ؟ قلت : لا أدري ، فقال : إن الثواب على قدر العقل ، إن رجلا
من بني إسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر ، خضراء نضرة ، كثيرة الشجر
طاهرة الماء ، ( 2 ) وإن ملكا من الملائكة مر به فقال : يا رب أرني ثواب عبدك هذا ،
فأراه الله ذلك فاستقله الملك ، فأوحى الله إليه : أن اصحبه ، فأتاه الملك في صورة إنسي ،
فقال له : من أنت ؟ فقال : أنا رجل عابد ، بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك
لاعبدالله معك فكان معه يومه ذلك ، فلما أصبح قال له الملك : إن مكانك لنزه ومايصلح
إلا للعبادة ، ( 3 ) فقال له العابد : إن لمكاننا هذا عيبا ، فقال له : وماهو ؟ قال : ليس لربنا
. . ( هامش صفحة 506 ) ( 1 ) فروع الكافي 2 : 74 76 .
( 2 ) في المطبوع : ظاهرة الماء .
( 3 ) في نسخة : ولا يصلح الا للعبادة .
[507]
بهيمة ، فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع ، فإن هذا الحشيش يضيع ، فقال له الملك :
ومالربك حمار ؟ فقال : لو كان له حمار ماكان يضيع مثل هذا الحشيش ! فأوحى الله إلى الملك :
إنما أثيبه على قدر عقله . ( 1 )
32 كا : علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسن بن الحسين ، عن
محمد بن سنان ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال :
إن رجلا ركب البحر بأهله فكسر بهم فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل
فإنها نجت على لوح من ألواح السفينة حتى ألجأت إلى جزيرة من جزائر البحر ، و
كان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها ، فلم يعلم إلا و
المرأة قائمة على رأسه ، فرفع رأسه إليها فقال : إنسية أم جنية ؟ فقالت : إنسية ، فلم
يكلمها كلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله ، فلما أن هم بها اضطربت ،
فقال لها : مالك تضطربين ؟ فقالت : أفرق من هذا ، ( 2 ) وأومأت بيدها إلى السماء قال :
فصنعت من هذا شيئا ؟ قالت : لا وعزته ، قال : فأنت تفرقين منه هذا الفرق ولم تصنعي من
هذا شيئا وإنما استكرهتك استكراها فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف وأحق منك ،
قال : فقام ولم يحدث شيئا ، ورجع إلى أهله وليس له همة ( 3 ) إلا التوبة والمراجعة ، فبينما هو
يمشي إذ صادفه راهب يمشي في الطريق ، فحميت عليهما الشمس ، فقال الراهب للشاب :
ادع الله يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس ، فقال الشاب : ماأعلم أن لي عند ربي
حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئا ، قال : فأدعو أنا وتؤمن أنت ، قال : نعم ، فأقبل الراهب
يدعو والشاب يؤمن ، ( 4 ) فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة فمشيا تحتها مليا ( 5 ) من
. . ( هامش صفحة 507 ) ( 1 ) اصول الكافي 1 : 12 . أخرج المصنف الحديث في كتاب العقل والجهل عن الامالي ،
وتقدم هناك بيان الحديث راجع 1 : 84
( 2 ) أي أخاف منه .
( 3 ) في المصدر : وليست له همة الا التوبة والمراجعة ، فبينا هو يمشي .
( 4 ) أمن الرجل : قال آمين .
( 5 ) الملى : الطويل من الزمان .
[508]
النهار ، ثم انفرجت ( 1 ) الجادة جادتين فأخذ الشاب في واحدة ، وأخذ الراهب في واحدة
فإذا السحاب ( 2 ) مع الشاب ، فقال الراهب : أنت خير مني لك أستجيب ولم يستجب
لي ، فخبرني ( 3 ) ماقصتك ، فأخبره بخبر المرأة ، فقال : غفر لك ما مضى حيث دخلك
الخوف ، فانظر كيف تكون فيما تستقبل . ( 4 )
33 كا : محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، ( 5 ) عن الرضا عليه السلام
قال : إن الرجل كان إذا تعبد في بني إسرائيل لم يعد عابدا حتى يصمت قبل ذلك
عشر سنين . ( 6 )
34 كا : العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، ( 7 ) عن أبي عمارة قال : روينا أن عابد
بني إسرائيل كان إذا بلغ الغاية في العبادة صار مشاء في حوائج الناس عانيا بما
يصلحهم . ( 8 )
35 كا : علي ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل جميعا ، عن ابن أبي عمير ،
عن حفص بن البختري قال : أبطأت عن الحج فقال لي أبوعبدالله عليه السلام : مابطأ بك ( 9 )
عن الحج ؟ فقلت : جعلت فداك تكفلت برجل فخفرني ، ( 10 ) فقال : مالك والكفالات ؟ أما
علمت أنها أهلكت القرون الاولى ؟
. . ( هامش صفحة 508 ) ( 1 ) في نسخة : ثم انفرقت . وفي المصدر : ثم تفرقت .
( 2 ) في المصدر : السحابة .
( 3 ) " " : أخبرني .
( 4 ) اصول الكافي 2 : 69 و 70 .
( 5 ) في المصدر : أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد بن عبيد الله قال : سمعت الرضا عليه
السلام يقول : لايكون الرجل عابدا حتى يكون حليما ، وان الرجل اه .
( 6 ) اصول الكافي 2 : 111 .
( 7 ) في المصدر : عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عمارة قال : كان حماد بن أبي حنيفة
إذا لقيني قال : كرر علي حديثك فاحدثه قلت : روينا إه . قوله : ( عانيا ) من عنى بالامر : اشتغل و
اهتم به وأصابه مشقة بسببه ، فهو عان .
( 8 ) اصول الكافي : 2 : 199 .
( 9 ) في نسخة من المصدر : ما أبطأ بك ؟
( 10 ) خفر فلانا : نقض عهده وغدر به .
[509]
ثم قال : إن قوما أذنبوا ذنوبا كثيرة فأشفقوا منها وخافوا خوفا شديدا فجاء آخرون
فقالوا : ذنوبكم علينا ، فأنزل الله عزوجل عليهم العذاب . ثم قال تبارك وتعالى : خافوني
واجترأتم علي . ( 1 )
36 دعوات الراوندي : روي أن عابدا في بني إسرائيل سأل الله تبارك وتعالى
فقال : يارب ماحالي عندك ؟ أخير فأزداد في خيري ، أو شر فأستعتب ( 2 ) قبل الموت ؟
قال : فأتاه آت فقال له : ليس لك عند الله خير ، قال : يارب وأين عملي ؟ قال : كنت إذا
عملت خيرا أخبرت الناس به ، فليس لك منه إلا الذي رضيت به لنفسك ، قال : فشق
ذلك عليه وأحزنه ، قال : فكرر الله إليه الرسول فقال : يقول الله تبارك وتعالى : فمن
الآن فاشتر مني نفسك فيما تستقبل بصدقة ، تخرجها عن كل عرق كل يوم صدقة ،
قال : يارب أو يطيق هذا أحد ؟ فقال تعالى : لست أكلفك إلا ما تطيق ، قال : فماذا
يارب ؟ فقال : " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا
بالله " تقول هذا كل يوم ثلاث مائة وستين مرة ، يكون كل كلمة صدقة عن كل
عرق من عروقك ، قال : فلما رأى بشارة ذلك قال : يارب زدني ، قال : إن زدت زدتك . ( 3 )
37 ين : النضر ، عن درست ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن
الله بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها ، فلما انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا
يدعو الله ويتضرع إليه ، فقال أحدهما للآخر : أما ترى هذا الداعي ، فقال : قد رأيته ولكن
أمضي لما أمرني به ربي ، فقال : ولكني لا أحدث شيئا حتى أرجع إلى ربي ، ( 4 )
فعاد إلى الله تبارك وتعالى فقال : يارب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك
ويتضرع إليك ، فقال : امض لما أمرتك به فإن ذلك رجل لم يتمعر ( 5 ) وجهه غضبا
لي قط . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 509 ) ( 1 ) فروع الكافي 1 : 356 .
( 2 ) أي فأسترضاك وأطلب منك العتبى .
( 3 ) دعوات الراوندي مخطوط .
( 4 ) في الكافي : لا ولكن لا احدث شيئا حتى اراجع ربي .
( 5 ) في نسخة : لم يتغير .
( 6 ) مخطوط . وقد أخرجه عن الامالي قبل ذلك راجع رقم 29 .
[510]
كا : محمد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن النضر
مثله . ( 1 )
38 ختص : الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي الكوفي
عن محمد بن سنان ، عن علي بن جميل الغنوي ، عن أبي حمزة الثمالي قال : كان رجل من
أبناء النبيين له ثروة من مال ، وكان ينفق على أهل الضعف وأهل المسكنة وأهل الحاجة
فلم يلبث أن مات ، فقامت امرأته في ماله كقيامه ، فلم يلبث المال أن نفد ، ونشأ له ابن فلم
يمر على أحد إلا ترحم على أبيه ، وسأل الله أن يخيره ( 2 ) فجاء إلى أمه فقال : ماكان
حال أبي فإني لا أمر على أحد إلا ترحم عليه وسأل الله أن يخيرني ؟ فقالت : إن أباك كان
رجلا صالحا ، وكان له مال كثير ، فكان ينفق على أهل الضعف وأهل المسكنة وأهل
الحاجة ، فلما أن مات قمت في ماله كقيامه ، فلم يلبث المال أن نفد ، قال لها : يا أمة إن
أبي كان مأجورا فيما ينفق وكنت آثمة ! قالت : ولم يابني ؟ فقال : كان أبي ينفق ماله ،
وكنت تنفقين مال غيرك ، قالت : صدقت يابني وما أراك تضيق علي ، قال : أنت في حل
وسعة ، فهل عندك شئ نلتمس به من فضل الله ؟ قالت : عندي مائة درهم ، فقال : إن الله
تبارك وتعالى إذا أراد أن يبارك في شئ بارك ، ( 3 ) فأعطته المائة درهم فأخذها ، ثم خرج
يلتمس من فضل الله عزوجل ، فمر برجل ميت على ظهر الطريق من أحسن مايكون
هيئة ، فقال : أريد تجارة بعد هذا أن آخذه ( 4 ) وأغسله وأكفنه وأصلي عليه وأقبره
ففعل ، فأنفق عليه ثمانين درهما ، وبقيت معه عشرون درهما ، فخرج على وجهه يلتمس
به من فضل الله فاستقبله رجل ( 5 ) فقال : أين تريد يا عبدالله ؟ فقال : أريد ألتمس
من فضل الله ، قال : وما معك شئ [ تلتمس ] ؟ ( 6 ) من فضل الله ، قال : نعم معي عشرون
. . ( هامش صفحة 510 ) ( 1 ) فروع الكافي 1 : 343 ، وفيه " غيظا " مكان " غضبا " .
( 2 ) أي يجعل الابن ذا خير .
( 3 ) في المصدر : بارك فيه .
( 4 ) " " : أنا آخذه .
( 5 ) " " : شخص .
( 6 ) في نسخة : تلتمس به .
[511]
درهما ، قال : وأين يقع منك عشرون درهما ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يبارك
في شئ بارك فيه ، قال : صدقت ، ثم قال : فأرشدك وتشركني ؟ قال : نعم ، قال : فإن
أهل هذه الدار يضيفونك فاستضفهم ، فإنه كلما جاءك الخادم معه هر أسود فقل له :
تبيع هذا الهر ؟ وألح عليه فإنك ستضجره فيقول : أبيعكه بعشرين درهما ، فإذا
باعكه فأعطه العشرين درهما ، وخذه فاذبحه ، وخذ رأسه فاحرقه ، ثم خذ دماغه ، ثم توجه
إلى مدينة كذا وكذا ، فإن ملكهم أعمى فأخبرهم أنك تعالجه ولا يرهبنك ماترى من
القتلى والمصلبين ، فإن أولئك كان يختبرهم على علاجه ، فإذا لم ير شيئا قتلهم ، فلا
يهولنك ، وأخبر بأنك تعالجه واشترط عليه فعالجه ، ولا تزده أول يوم من كحلة ، فإنه
سيقول لك : زدني فلا تفعل ، ثم اكحله من الغد أخرى ، فإنك سترى ما تحب ،
فيقول لك : زدني فلا تفعل ، فإذا كان اليوم الثالث فاكحله فإنك سترى ما تحبه فيقول
لك : زدني ، فلا تفعل .
فلما أن فعل ذلك برئ ، ( 1 ) فقال : أفدتني ملكي ورددته علي وقد زوجتك ابنتي ( 2 )
قال : إن لي أما ، قال : فأقم معي مابدا لك ، فإذا أردت الخروج فاخرج ، قال : فأقام
في ملكه سنة يدبره بأحسن تدبير وأحسن سيرة ، فلما أن حال عليه الحول قال له : إني
أريد الانصراف ، فلم يدع شيئا إلا زوده من كراع وغنم ( 3 ) وآنية ومتاع ، ثم خرج
حتى انتهى إلى الموضع الذي رأى فيه الرجل ، فإذا الرجل قاعد على حاله ، فقال : ماوفيت ،
فقال الرجل : فاجعلني في حل مما مضى .
قال : ثم جمع الاشياء ففرقها فرقتين ، ثم قال : تخير ، فتخير أحدهما ، ثم قال :
وفيت ؟ قال : لا ، قال : ولم ؟ قال : المرأة مما أصبت ، قال : صدقت ، فخذ ما في يدي لك
مكان المرأة ، قال : ولا آخذ ( 4 ) ماليس لي ولا أتكثر به ، قال : فوضع على رأسها المنشار
. . ( هامش صفحة 511 ) ( 1 ) هنا حذف واختصار تقديره : فمضى الرجل وعالجه فلما أن فعل ذلك برئ اه .
( 2 ) لايخلو الموضع عن سقط .
( 3 ) في المصدر : من كراع وإبل وغنم .
( 4 ) " " : لا ولا آخذ .
[512]
ثم قال : اختر ، ( 1 ) فقال : قد وفيت ، وكل ما معك وكل ماجئت به فهو لك ، وإنما
بعثني الله تبارك وتعالى لاكافيك عن الميت الذي كان على الطريق فهذا مكافاتك
عليه . ( 2 )
39 كنز الفوائد للكراجكي : عن عبدالله بن موهب ( 3 ) قال : أصاب بعض عمال
معاوية محفرا بمصر احتفره بعض أهلها لحاجتهم ، فأفضى بهم ذلك إلى مخضب ( 4 ) عظيم
مطبق فظنوه مالا ، فبعث العامل إليه أمناءه ليحفروا مافيه ، فلما فتحوه أصابوا شابا
عليه جبة صوف وكساء صوف وخف إلى نصف ساقه ، وأصابوا عند رأسه كتابا بالعبرانية
فيه : أنا حبيب بن ناجز ( 5 ) صاحب رسول الله موسى بن عمران عليه السلام من أراد أن يأخذ
بالناموس الاكبر فليخالف بني إسرائيل فإنهم قد تؤاكلوا الحكم ، وعملوا بالهوى ، وباعوا
الرضى ، وتركوا المنهاج الذي أخذ عليه ميثاقهم . ( 6 )
. . ( هامش صفحة 512 ) ( 1 ) هكذا في النسخ ، وفي المصدر " أجذ " وهو الاصوب ، أي اقطعها وانصفها ؟ قال :
لا قد وفيت .
( 2 ) الاختصاص : 214 126 . والحديث موقوف غير خال عن التشويش ، وفي بعض
مضمونه غرابة .
( 3 ) في نسخة : عبدالله بن وهب ، وعبدالله بن موهب هو أبوخالد قاضي فلسطين لعمر بن
عبدالعزيز .
( 4 ) المخضب : وعاء لغسل الثياب أو خضبها .
( 5 ) في المصدر : حبيب بن نوباجر .
( 6 ) كنز الكراجكي : 180 .
[513]
( باب 33 )
* ( بعض أحوال ملوك الارض ) *
الايات ، الدخان " 44 " أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم
كانوا مجرمين 37 .
ق " 50 " وأصحاب الايكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد 14 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " أهم خير أم قوم تبع " أي أمشركو قريش
أظهر نعمة وأكثر أموالا وأعز في القوة والقدرة أم قوم تبع الحميري ؟ الذي سار
بالجيوش حتى حيز الحيرة ، ثم أتى سمرقند فهدمها ثم بناها ، وكان إذا كتب كتب :
باسم الذي ملك برا وبحرا وضحا وريحا ، عن قتادة ، وسمى تبعا لكثرة أتباعه من الناس ،
وقيل : سمي تبعا لانه تبع من قبله من ملوك اليمن ، والتبابعة : اسم ملوك اليمن ،
فتبع لقب له ، كما يقال خاقان لملك الترك ، وقيصر لملك الروم ، واسمه أسعد أبوكرب .
وروى سهل بن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : لاتسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم .
وقال كعب : نعم الرجل الصالح ذم الله قومه ولم يذمه .
وروى الوليد بن صبيح عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن تبعا قال للاوس والخزرج
كونوا ههنا حتى يخرج هذا النبي ، أما أنا لو أدركته لخدمته وخرجت معه . ( 1 )
1 ع ، ن : سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام لم سمي تبع تبعا ؟ فقال : لانه
كان غلاما كاتبا ، وكان يكتب لملك كان قبله ، فكان إذا كتب كتب : بسم الله الذي خلق
ضحا وريحا ، ( 2 ) فقال الملك : اكتب وابدأ باسم ملك الرعد ، فقال : لا أبدأ إلا باسم


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 513 سطر 19 إلى صفحه 521 سطر 18

. . ( هامش صفحة 513 ) ( 1 ) مجمع البيان 9 : 66 .
( 2 ) ضحا وريحا في أكثر النسخ " صبحا " وهو تصحيف ، قال الجوهري : قولهم : جاء فلان بالضح
والريح أي بما طلعت عليه الشمس وما جرت عليه الريح يعني من الكثرة ، والعامة تقول : بالضيح
والريح ، وليس بشئ . منه رحمه الله .
[514]
إلهي ، ثم أعطف على حاجتك ، فشكر الله عزوجل له ذلك فأعطاه ملك ذلك الملك فتابعه
الناس على ذلك فسمي تبعا . ( 1 )
2 ما : ويروى أن عبيد بن الابرص الاسدي قال للمنذر بن ماء السحاب ( 2 )
حين حيره ( 3 ) وأراد قتله : إن شئت من الاكحل وإن شئت من الابجل وإن شئت من
الوريد ، فقال : أبيت اللعن ، ثلاث خصال كسحائب عاد ، ولا خير فيها لمرتاد .
بيان : الاكحل : هو عرق الحياة أو عرق في اليد . والابجل : عرق غليظ في
الرجل ، أو في اليد بإزاء الاكحل . والوريدان : عرقان في العنق . وقال الجزري في قوله :
أبيت اللعن : كان هذا في تحايا الملوك في الجاهلية والدعاء لهم ، ومعناه : أبيت أن تفعل
فعلا تلعن بسببه وتذم .
3 ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ،
عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر ، عن أبيه
عليهما السلام ، عن جابر ، عن سلمان الفارسي رضي الله عنهما يحدث أنه كان في ملوك فارس
ملك يقال له روذين ، جبار عنيد عات ، فلما اشتد في ملكه فساده في الارض ابتلاه الله
بالصداع في شق رأسه الايمن حتى منعه من المطعم والمشرب ، فاستغاث وذل ودعا
وزراءه فشكا إليهم ذلك ، فأسقوه الادوية ، وأيس من سكونه ، فعند ذلك بعث الله نبيا فقال له :
اذهب إلى روذين عبدي الجبار في هيئة الاطباء ، وابتدئه بالتعظيم له ، والرفق به و
منه ( 4 ) سرعة الشفاء بلا دواء تسقيه ولاكي تكويه ، فإذا رأيته قد أقبل بوجهه إليك
فقل : إن شفاء دائك في دم صبي رضيع بين أبويه يذبحانه لك طائعين غير مكرهين ،
فتأخذ من دمه ثلاث قطرات ، فتسعط به في منخرك الايمن تبرأ من ساعتك . ففعل النبي
. . ( هامش صفحة 514 ) ( 1 ) علل الشرائع : 199 ، عيون الاخبار : 136 .
( 2 ) هكذا في النسخ ، والصحيح : ماء السماء ، وهو اسم ام المنذر سميت بذلك لحسنها وجمالها .
راجع مروج الذهب 2 : 98 وغيره من التواريخ في ملوك الحيرة .
( 3 ) حيره : أوقعه في الحيرة . المرتاد : الطالب .
( 4 ) من منى الرجل الشئ : جعله يتمناه .
[515]
ذلك ، فقال الملك : ما أعرف في الناس هذا ، قال : إن بذلت العطية وجدت البغية ، ( 1 )
قال : فبعث الملك بالرسل في ذلك فوجدوا جنينا بين أبويه محتاجين فأرغبهما في العطية ،
فانطلقا بالصبي إلى الملك فدعا بطاس من فضة وشفرة وقال لامه : امسكي ابنك في
حجرك ، فأنطق الله الصبي وقال : أيها الملك كفهما عن ذبحي ، فبئس الوالدان هما ،
أيها الملك إن الصبي الضعيف إذا ضيم ( 2 ) كان أبواه يدفعان عنه ، وإن أبوي ظلماني ،
فإياك أن تعينهما على ظلمي ، ففزع الملك فزعا شديدا أذهب عنه الداء ، ونام روذين في
تلك الحالة فرأى في النوم من يقول له : إن الاله الاعظم أنطق الصبي ومنعك ومنه أبويه من ذبحه ، وهو ابتلاك بالشقيقة لنزعك من سوء السيرة في البلاد ، وهو الذي ردك
إلى الصحة وقد وعظك بما أسمعك ، فانتبه ولم يجد وجعا ، وعلم أن كله من الله تعالى
فسار في البلاد بالعدل . ( 3 )
4 ك : أبي وابن الوليد معا ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن معروف ، عن
ابن مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن محمد بن إسماعيل القرشي ، عمن حدثه ، عن
إسماعيل بن أبي رافع ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن جبرئيل نزل علي بكتاب
فيه خبر الملوك ملوك الارض قبلي ، وخبر من بعث قبلي من الانبياء والرسل وهو حديث
طويل أخذنا منه موضع الحاجة إليه قال : لما ملك أشبخ بن أشجان ( 4 ) وكان يسمى
الكيس وملك مائتين ( 5 ) وستا وستين سنة ، ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه بعث الله
عيسى بن مريم عليه السلام ، واستودعه النور والعلم والحكمة وجميع علوم الانبياء قبله ، وزاده
الانجيل ، وبعثه إلى بيت المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته ، وإلى
الايمان بالله وبرسوله ، فأبى أكثرهم إلا طغيانا وكفرا ، فلما لم يؤمنوا به دعا ربه و
. . ( هامش صفحة 515 ) ( 1 ) البغية بضم الباء وكسرها وكالرضية : مايرغب فيه ويطلب .
( 2 ) أي إذا ظلم .
( 3 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 4 ) في المصدر وفي إثبات الوصية للمسعودي : أشج بن أشجان .
( 5 ) " " مائتي سنة .
[516]
عزم عليه فمسخ منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا ، فلم يزدهم ذلك إلا طغيانا وكفرا ،
فأتى بيت المقدس يدعوهم ( 1 ) ويرغبهم فيما عند الله ثلاثا وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود
وادعت أنها عذبته ودفنته في الارض حيا ، وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه ، وما كان الله
ليجعل لهم عليه سلطانا ، وإنما شبه لهم ، وماقدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه
قوله ( 2 ) عزوجل : " إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا " فلم
يقتدروا ( 3 ) على قتله وصلبه لانهم لو قدروا على ذلك كان تكذيبا لقوله : " ولكن رفعه الله
إليه " بعد أن توفاه عليه السلام ، فلما أراد الله أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع ( 4 ) نور الله و
حكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا خليفته على المؤمنين ، ففعل ذلك فلم يزل شمعون
يقوم بأمر الله ( 5 ) عزوجل ويهتدي بجميع مقال عيسى عليه السلام في قومه من بني إسرائيل و
يجاهد الكفار ، فمن أطاعه وآمن به وبما جاء به كان مؤمنا ، ومن جحده وعصاه كان
كافرا حتى استخلص ربنا عزوجل وبعث في عباده نبيا من الصالحين وهو يحيى بن
زكريا عليه السلام ( 6 ) فمضى شمعون ، ( 7 ) وملك عند ذلك أردشير بن أشكان ( 8 ) أربع عشرة
سنة وعشرة أشهر ، وفي ثمانية سنين ( 9 ) من ملكه قتلت اليهود يحيى بن زكريا عليه السلام ،
فلما أراد الله أن يقبضه أوحى إليه أن يجعل الوصية في ولد شمعون ويأمر الحواريين و
أصحاب عيسى عليه السلام بالقيام معه ، ( ففعل ) ؟ ذلك وعندها ملك سابور بن أردشير ثلاثين سنة
. . ( هامش صفحة 516 ) ( 1 ) في المصدر : فمكث يدعوهم .
( 2 ) في نسخة وفي المصدر : لقوله .
( 3 ) في المصدر : ولم يقدروا .
( 4 ) " " : أن استودع .
( 5 ) " " : فلم يزل شمعون في قومه يقوم بأمر الله عزوجل ويجتبى ( يهتدى خ ) .
( 6 ) تقدم اختلاف الروايات في ذلك في باب قصة يحيى وزكريا عليهما السلام ، وتقدم هناك
بيان من المصنف راجعه .
( 7 ) في نسخة من المصدر : وقبض .
( 8 ) " " : أردشير بن زازكان ، وفي المصدر : أردشير بن زاركا ( اسكان خ ل ) وفي
إثبات الوصية : أردشير بن بابكان وهو الصواب .
( 9 ) في المصدر : وفي ثمان سنين .
[517]
حتى قتله الله ، وعلم الله ونوره وتفصيل حكمته في ذرية يعقوب بن شمعون ( 1 ) ومعه
الحواريون من أصحاب عيسى عليه السلام وعند ذلك ملك بخت نصر ( 2 ) مائة سنة وسبعا و
ثمانين سنة ، وقتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريا عليه السلام وخرب
بيت المقدس ، وتفرقت اليهود في البلدان ، وفي سبع وأربعين سنة من ملكه بعث الله العزير ( 3 )
نبيا إلى أهل القرى التي أمات الله أهلها ثم بعثهم له ، وكانوا من قرى شتى فهربوا فرقا
من الموت ، فنزلوا في جوار عزير وكانوا مؤمنين ، وكان عزير يختلف إليهم ويسمع كلامهم
وإيمانهم وأحبهم على ذلك وآخاهم عليه ، فغاب عنهم يوما واحدا ، ثم أتاهم فوجدهم
موتى صرعى فحزن عليهم وقال : " أنى يحيي هذه الله بعد موتها " تعجبا منه حيث أصابهم
وقد ماتوا أجمعين في يوم واحد ، فأماته الله عند ذلك مائة عام وهى مائة سنة ، ( 4 ) ثم بعثه
الله وإياهم ، وكانوا مائة ألف مقاتل ، ثم قتلهم الله أجمعين لم يفلت منهم واحد على يدي
بخت نصر .
ثم ملك مهرويه بن بخت نصر ( 5 ) ستة عشرة سنة وعشرين يوما ، ( 6 ) فأخذ عند
ذلك دانيال وحفر له جبا ( 7 ) في الارض ، وطرح فيه دانيال وأصحابه وشيعته من المؤمنين ،
وألقى عليهم النيران ، فلما رأى أن النار لا تقربهم ( 8 ) ولا تحرقهم استودعهم الجب وفيه
الاسد والسباع ، وعذبهم بكل نوع ( 9 ) من العذاب حتى خلصهم الله منه ، وهم الذين
. . ( هامش صفحة 517 ) ( 1 ) في اثبات الوصية : أوحى الله إليه أن يجعل الامامة في ولد شمعون ، فاحضر ولد شمعون
والحواريين من أصحاب عيسى عليه السلام وأمرهم باتباع منذر بن شمعون .
( 2 ) تقدم الخلاف في ذلك وأن بخت نصر كان قبل عيسى عليه السلام أكثر من 600 سنة ،
وأن الذي اختاره المسعودي في اثبات الوصية هو بخت نصر بن ملتنصر بن بخت نصر الاكبر .
( 3 ) راجع قصة عزير عليه السلام .
( 4 ) في المصدر : فلبث فيهم مائة سنة .
( 5 ) " " : وملك بعده مهرفيه بن بخت نصر . وفي اثبات الوصية : ملك ابنه فهرا .
( 6 ) في المصدر : ست عشر سنة وست وعشرين يوما .
( 7 ) في نسخة : وخد له خدا في الارض .
( 8 ) في المصدر : فلما رأى أن النار ليست تقربهم .
( 9 ) " " : بكل لون .
[518]
ذكرهم الله في كتابه فقال : " قتل أصحاب الاخدود * النار ذات الوقود " فلما أراد الله أن
يقبض دانيال عليه السلام أمره أن يستودع ( 1 ) نور الله وحكمته مكيخا بن دانيال ، ففعل وعند
ذلك ملك هرمز ثلاثة وستين سنة ( 2 ) وثلاثة أشهر وأربعة أيام ، وملك بعده بهرام ستا و
عشرين ، ( 3 ) وولى أمر الله مكيخا بن دانيال وأصحابه المؤمنون وشيعته الصديقون غير
أنهم لا يستطيعون أن يظهروا الايمان في ذلك الزمان ولا أن ينطقوا به .
وعند ذلك ملك بهرام بن بهرام سبع سنين ، ( 4 ) وفي زمانه انقطعت الرسل وكانت
الفترة وولى أمر الله يومئذ مكيخا بن دانيال وأصحابه المؤمنون ، فلما أراد الله أن يقبضه
أوحى إليه في منامه أن يستودع نور الله وحكمته انشوا بن مكيخا ، وكانت الفترة بين عيسى
عليه السلام وبين محمد صلى الله عليه وآله أربعمائة سنة وثمانين سنة ، وأولياء الله يومئذ في الارض ذرية
انشوا بن مكيخا يرث ذلك منهم واحد بعد واحد ممن يختاره الجبار عزوجل .
فعند ذلك ملك سابور بن هرمز اثنتين وتسعين سنة ، وهو أول من عقد التاج و
لبسه ، ( 5 ) وولى أمر الله يومئذ انشوا بن مكيخا ، وملك بعده أردشير أخو سابور سنتين ، و
في زمانه بعث الله عزوجل الفتية أهل الكهف ( 6 ) والرقيم ، وولى أمر الله يومئذ دسيحاء ( 7 )
ابن انشوا بن مكيخا ، وعند ذلك ملك سابور بن أردشير خمسين سنة ، وولى أمر الله يومئذ
في الارض دسيحا بن انشوا . وملك بعده يزدجرد بن سابور إحدى وعشرين سنة وخمسة
. . ( هامش صفحة 518 ) ( 1 ) في المصدر : أن استودع .
( 2 ) في نسخة : ثلاثة وثلاثين سنة . وفي مروج الذهب : ملك سنة ، وقيل : اثنين وعشرين شهرا .
( 3 ) في اثبات الوصية : ملك ثلاث سنين وثلاثة أشهر وأربعة أيام ، وفي مروج الذهب :
ملك ثلاث سنين .
( 4 ) في اثبات الوصية : ملك اثنى وعشرين سنة ، وفي مروج الذهب : سبع عشرة سنة ،
وقيل غير ذلك . وفي اثبات الوصية : ثم ملك نرسى بن بهرام بن بهرام ، وملك بعده هرمز
ابن نرسى سبع سنين . وفي مروج الذهب زاد بعد بهرام : بهرام بن بهرام بن بهرام وقال : وكان
ملكه أربع سنين وأربعة أشهر ، وقال : كان ملك نرسى سبع سنين وقيل : ونصفا .
( 5 ) في اثبات الوصية : وبنى السوس وجنديسابور .
( 6 ) في المصدر : أصحاب الكهف .
( 7 ) في نسخة : رسيحا ، وفي المصدر : دشيخا ، وفي موضع : دشبحا ، وفي اثبات الوصية :
رشيخا .
[519]
أشهر وتسعة عشر يوما ، وولى أمر الله يومئذ في الارض دسيحا بن انشوا ، فلما أراد الله تبارك
وتعالى أن يقبض دسيحا أوحى إليه في منامه أن يستودع علم الله ونوره وتفصيل حكمته
نسطورس بن دسيحا ففعل .
وعند ذلك ملك بهرام جور ستا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وثمانية عشر يوما ، و
ولى أمر الله في الارض نسطورس بن دسيحا . ( 1 )
وعند ذلك ملك فيروز بن يزدجرد بن بهرام سبعا وعشرين سنة ، ( 2 ) وولى أمر الله
في الارض نسطورس بن دسيحا وأصحابه المؤمنون ، فلما أراد الله عزوجل أن يقبضه إليه
أوحى إليه في منامه أن يستودع علم الله ونوره وحكمته وكتبه مرعيدا ، وعند ذلك ملك
فلاس ( 3 ) بن فيروز أربع سنين ، وولى أمر الله مرعيدا ، وملك بعده قباد بن فيروز ثلاثا وأربعين
سنة ، وملك بعده جاماسف أخو قباد ستا وأربعين سنة ، ( 4 ) وولى أمر الله في الارض يومئذ
مرعيدا .
وعند ذلك ملك كسرى بن قباد ستا وأربعين سنة وثمانية أشهر ، وولى أمر الله
يومئذ مرعيدا وأصحابه وشيعته المؤمنون ، فلما أراد الله عزوجل أن يقبض مرعيدا أوحى
إليه في منامه أن يستودع ( 5 ) نور الله وحكمته بحيرا الراهب ففعل ، وعند ذلك ملك
هرمز بن كسرى ثمان وثلاثين سنة ، ( 6 ) وولى أمر الله يومئذ بحيرا وأصحابه المؤمنون
وشيعته الصديقون ، وعند ذلك ملك كسرى بن هرمز أبرويز ، وولى أمر الله يومئذ في
الارض بحيرا ، حتى إذا طالت المدة ، وانقطع الوحي ، واستخف بالنعم ، واستوجب
الغير ، ودرس الدين ، وتركت الصلاة ، واقتربت الساعة ، وكثرت الفرق ، وصار الناس
. . ( هامش صفحة 519 ) ( 1 ) في اثبات الوصية : ثم ملك بعده يزدجرد بن بهرام ابنه ثمان عشر سنة وثلاثة أشهر
وأياما .
( 2 ) هكذا في النسخ وفي مروج الذهب ، وفي اثبات الوصية : سبع عشرة سنة ولعله مصحف .
( 3 ) في مروج الذهب " بلاس " بالباء والسين : وفي اليعقوبي " بلاش " بالباء والشين المعجمة .
( 4 ) في نسخة : ستا واربعين سنة ، وفي مروج الذهب : ملك جاماسب نحوا من سنتين .
( 5 ) في المصدر : أن استودع ، وكذا فيما قبله .
( 6 ) " " : ثلاث وثمانين سنة ، وفي مروج الذهب وتاريخ اليعقوبي : اثنتى عشرة سنة .
[520]
في حيرة وظلمة ، وأديان مختلفة ، وأمور متشتتة ، وسبل ملتبسة ، ومضت تلك القرون
كلها ، فمضى صدر منها على منهاج نبيها ، وبدل آخرها نعمة الله كفرا وطاعته عدوانا .
فعند ذلك استخلص الله عزوجل لنبوته ورسالته من الشجرة المشرفة الطيبة ،
والجرثومة المتخيرة ( 1 ) التي اصطفاها الله عزوجل في ( سابق ) ؟ علمه ونافذ قوله ، قبل
ابتداء خلقها ، وجعلها منتهى خيرته ، وغاية صفوته ، ( 2 ) ومعدن خاصته محمدا صلى الله عليه وآله ، و
اختصه بالنبوة ، واصطفاه بالرسالة ، وأظهر بدينه الحق ليفصل بين عباد الله القضاء ، و
يعطي في الحق جزيل العطاء ، ويحارب أعداء رب السماء ، وجمع عند ذلك ربنا تبارك و
تعالى لمحمد صلى الله عليه وآله علم الماضين ، وزاده من عنده القرآن الحكيم بلسان عربي مبين ، لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، فيه خبر الماضين وعلم
الباقين . ( 3 )
بيان : جرثومة الشئ بالضم : أصله .
5 ك : ( 4 ) علي بن عبدالله الاسواري ، عن مكي بن أحمد قال : سمعت إسحاق بن
إبراهيم الطوسي يقول وكان قد أتى عليه سبعة وتسعون سنة على باب يحيى بن منصور
قال : رأيت سربايك ( 5 ) ملك الهند في بلد تسمى صوح ، ( 6 ) فسألته ( 7 ) كم أتى عليك
. . ( هامش صفحة 520 ) ( 1 ) في المصدر : من الشجرة المشرقة الطيبة ، والجرثومة المثمرة .
( 2 ) " " : وعلية صفوته ، أي من أشراف القوم وجلتهم ، ومن اهل الرفعة والشرف .
( 3 ) كمال الدين : 130 132 . قلت : سيأتي خبر بحيرا في أحوالات نبينا محمد صلى الله
عليه وآله وسلم . وأخبار الملوك بتفاصيلها مذكورة في كتب تواريخ الفرس والعرب ولا يسعنا
ذكرها وبيان الخلاف في مدة أعمارهم وملكهم ، وقد أشرنا إلى بعض الخلاف من كتاب اثبات
الوصية لان المظنون أن الصدوق والمسعودي أخذا الحديث من مصدر واحد .
( 4 ) في نسخة ( كا ) وهو وهم . والحديث لم يوجد في كمال الدين المطبوع .
( 5 ) الصحيح كما في التراجم " سرباتك " ذكره ابن الاثير في اسد الغابة 2 : 266 وابن
حجر في لسان الميزان 3 : 10 ، قال ابن الاثير بعد مانقل صدر الحديث إلى قوله : وقبل كتاب
النبي ( صلى ) ؟ الله عليه وآله : أخرجه أبوموسى ، وبحق ماتركه ابن منده وغيره ، فان تركه أولى
من اثباته ، ولولا شرطنا أننا لانخل بترجمة ذكروها أو أحدهم لتركنا هذه وأمثالها . وقال ابن حجر
بعد نقل صدر الحديث : قال الذهبي : هذا كذب واضح . قلت : والحديث كما ترى غير وارد من
طرقنا بل هو من مرويات اهل السنة .
( 6 ) في اسد الغابة : تسمى قنوج .
( 7 ) في نسخة : فسألناه .
[521]
من السنين ؟ قال : تسعمائة سنة وخمس وعشرون سنة وهو مسلم ، فزعم أن النبي صلى الله عليه وآله
أنفذ إليه عشرة من أصحابه ، منهم حذيفة بن اليمان ، وعمرو بن العاص ، وأسامة بن زيد ،
وأبوموسى الاشعري ، وصهيب الرومي ، وسفينة وغيرهم يدعونه ( فدعوه خ ) إلى الاسلام
فأجاب وأسلم ، وقبل كتاب النبي صلى الله عليه وآله ، فقلت له : كيف تصلي مع هذا ( بهذا خ )
الضعف ؟ فقال لي : قال الله عزوجل " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم "
الآية ، فقلت له : ماطعامك ؟ فقال لي : آكل ماء اللحم والكراث ، وسألته هل يخرج
منك شئ ؟ فقال : في كل أسبوع مرة شئ يسير .
وسألته عن أسنانه فقال : أبدلتها عشرين مرة ، ورأيت له في إسطبله شيئا من
الدواب أكبر من الفيل يقال له زندفيل ، فقلت له : ماتصنع بهذا ؟ قال : يحمل ثياب
الخدم إلى القصار ، ومملكته مسيرة أربع سنين في مثلها ، ومدينته طولها خمسون فرسخا
في مثلها ، وعلى كل باب منها عسكر مائة ألف وعشرين ألفا ، إذا وقع في إحدى الابواب
حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لاتستعين بغيرها وهو في وسط المدينة .
وسمعته يقول : دخلت المغرب فبلغت إلى الرمل رمل عالج ، وصرت إلى قوم موسى
عليه السلام فرأيت سطوح بيوتهم مستوية ، وبيدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت
والباقي يتركونه هناك ، وقبورهم في دورهم ، وبساتينهم من المدينة على فرسخين ، ليس
فيهم شيخ ولاشيخة ، ولم أر فيهم علة ، ولا يعتلون إلى أن يموتوا ، ولهم أسواق إذا أراد
الانسان منهم شراء شئ صار إلى السوق فوزن لنفسه ، وأخذ ما يصيبه وصاحبه غير حاضر ،
وإذا أرادوا الصلاة حضروا فصلوا وانصرفوا ، لايكون بينهم خصومة ولا كلام يكره إلا


............................................................................
-بحار الانوار جلد: 14 من صفحه 521 سطر 19 إلى صفحه 522 سطر 18

ذكر الله عزوجل والصلاة وذكر الموت .
6 كا : علي عن أبيه عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار قال : حدثني إسماعيل
ابن جابر قال : كنت فيما بين مكة والمدينة أنا وصاحب لي ، فتذاكرنا الانصار ، فقال
أحدنا : هم نزاع ( 1 ) من قبائل ، وقال أحدنا : هم من أهل اليمن ، قال : فانتهينا إلى
أبي عبدالله عليه السلام وهو جالس في ظل شجرة فابتدأ الحديث ولم نسأله فقال : إن تبعا
. . ( هامش صفحة 521 ) ( 1 ) بضم النون وتشديد الزاي جمع النزيع : الغريب .
[522]
لما أن جاء من قبل العراق جاء معه العلماء وأبناء الانبياء ، فلما انتهى إلى هذا الوادي
لهذيل أتاه ناس من بعض القبائل فقالوا : إنك تأتي أهل بلدة قد لعبوا بالناس زمانا طويلا
حتى اتخذوا بلادهم حرما ، وبنيتهم ربا أوربة ، فقال : إن كان كما تقولون قتلت
مقاتليهم ، وسبيت ذريتهم ، وهدمت بنيتهم ، قال : فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه ،
قال : فدعا العلماء وأبناء الانبياء فقال : انظروني فأخبروني لما أصابني هذا ؟ قال : فأبوا
أن يخبروه حتى عزم عليهم ، قالوا : حدثنا بأي شئ حدثت نفسك ؟ قال : حدثت
نفسي أن أقتل مقاتليهم ، وأسبي ذريتهم ، وأهدم بنيتهم ، فقالوا : إنا لا نرى الذي
أصابك إلا لذلك ، قال : ولم هذا ؟ قالوا : لان البلد حرم الله ، والبيت بيت الله ، وسكانه
ذرية إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام فقال : صدقتم ، فما مخرجي مما وقعت فيه ؟ قالوا :
تحدث نفسك بغير ذلك فعسى الله أن يرد عليك ، قال : فحدث نفسه بخير فرجعت حدقتاه
حتى ثبتتا مكانهما ، قال : فدعا بالقوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم ، ثم أتى البيت
وكساه ، وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع
في رؤوس الجبال ، ونثرت الاعلاف في الاودية للوحش ، ثم انصرف من مكة إلى المدينة ،
فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان وهم الانصار . وفي رواية أخرى : كساه النطاع
وطيبه . ( 1 )
إلى هنا انتهى ما أردت إيراده في المجلد الخامس من بحار الانوار في شهر الله المعظم
المكرم شهر رمضان من شهور سنة سبع وسبعين وألف من الهجرة المقدسة ، والحمد لله
أولا وآخرا ، وصلى الله على محمد سيد المرسلين ، وأهل بيته الطاهرين المكرمين ، ولعنة
الله على أعدائهم أجمعين .
. . ( هامش صفحة 522 ) ( 1 ) فروع الكافي 1 : 224 .