بسمه تعالى


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 1 سطر 1 الى ص 9 سطر 18

[ 1 ]
بحار الانوار
الجامعة لدرر اخبار الائمة الاطهار
بحار الانوار
الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار
تأليف
العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى
الشيخ محمد باقر المجلسي
( قدس الله سره )
الجزء الثاني عشر
مؤسسة الوفاء
بيروت - لبنان
كافة الحقوق محفوظة ومسجلة
الطبعة الثانية المصححة
1403 ه - 1983 م
مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان - ص ب : 1457 - هاتف : 386868
بسم الله الرحمن الرحيم
* ( ابواب قصص ابراهيم عليه السلام )
* ( باب 1 )
* ( علل تسميته وسنته وفضائله ومكارم أخلاقه وسننه ) *
* ( ونقش خاتمه عليه السلام ) *
الايات ، آل عمران " 3 " فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين 95
" وقال تعالى " : يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما انزلت التور ؟ ة والانجيل
إلا من بعده أفلا تعقلون * ها أنتم هؤلاء حاججتم فيمالكم به علم فلم تحاجون فيما
ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعملون * ما كان إبراهيم يهوديا ولانصرانيا ولكن
كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا
النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ( 1 ) 65 - 68 .
النساء " 4 " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم
حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا 126 .
النحل " 16 " إن إبراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا
لانعمه اجتبه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة
لمن الصالحين * ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من
المشركين 120 - 123 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " لم تحاجون " : قال ابن عباس و
غيره : أن أحبار اليهود ونصارى نجران اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فتنازعوا في إبراهيم
* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا في النسخ والترتيب يقتضى تقدم الايات على قوله : " فاتبعوا ملة إبراهيم " . ( * )
[ 2 ]
فقالت اليهود : ما كان إبراهيم إلا يهوديا ، وقالت النصارى : ما كان إلا نصرانيا ، فنزلت
الآية " ولكن كان حنيفا " أي مائلا عن الاديان كلها إلى دين الاسلام ; وقيل : أي
مستقيما في دينه .
" إن أولى الناس بإبراهيم " أي أحق الناس بنصرة إبراهيم بالحجة أو بالمعونة
للدين " للذين اتبعوه " في زمانه " وهذا النبي والذين آمنوا " يتولون نصرته بالحجة
لما كان عليه من الحق وتنزيه كل عيب عنه . ( 1 )
" واتخذ الله إبراهيم خليلا " أي محبا لا خلل في مودته لكمال خلته ، والمراد
بخلته الله أنه كان مواليا لاولياء الله ومعاديا لاعداء الله ، والمراد بخلة الله له نصرته على
من أراده بسوء كما أنقذه من نار نمرود وجعلها عليه بردا وسلاما ، وكما فعله بملك مصر
حين راوده عن أهله وجعله إماما للناس وقدوة لهم ( 2 ) " امة " أي قدوة ومعلما للخير ;
وقيل : إمام هدى ; وقيل : سماه امة لان قوام الامة كان به ; وقيل : لانه قام بعمل
امة ; وقيل : لانه انفرد في دهره بالتوحيد فكان مؤمنا وحده والناس كفار " قانتا لله "
أي مطيعا له دائما على عبادته ; وقيل : مصليا " حنيفا " أي مستقيما على الطاعة " اجتب ؟ ه "
أي اختاره الله " في الدنيا حسنة " أي نعمة سابغة في نفسه وفي أولاده وهو قول هذه الامة :
( كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ) وقيل : هي النبوة ; وقيل هي أنه ليس من أهل
دين إلا وهو يرضاه ويتولاه ; وقيل : تنويه الله بذكره ; وقيل : إجابة دعوته حتى اكرم
بالنبوة ذريته " أن اتبع ملة إبراهيم " أي في الدعاء إلى توحيد الله وخلع الانداد له وفي
العمل بسنته . ( 3 )
1 - ج : عن موسى بن جعفر عليه السلام في خبر اليهودي ( 4 ) الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 2 : 456 - 457 . وليست هذه العبارة والتفسير فيه منقولا عن ابن عباس . م
( 2 ) مجمع البيان 3 : 116 . م
( 3 ) مجمع البيان : 6 : 391 . م
( 4 ) والحديث طويل أخرجه بتمامه في كتاب الاحتجاجات في الباب الثانى من احتجاج
أمير المؤمنين عليه السلام راجعه . ( * )
[ 3 ]
عن معجزات النبي صلى الله عليه وآله إنه قال : تيقظ إبراهيم بالاعتبار على معرفة الله وأحاطت دلائله
بعلم الايمان به وهو ابن خمسة عشر سنة . ( 1 )
2 - لى : الطالقاني ، عن الحسن بن علي العدوي ، عن الحسين بن أحمد الطفاوي ،
عن قيس بن الربيع ، عن سعد الخفاف ، عن عطية العوفي ، عن محدوج ، عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال : يا علي إنه أول من يدعي به يوم القيامة يدعي بي فأقوم عن يمين العرش فأكسي
حلة خضراء من حلل الجنة ، ثم يدعى بأبينا إبراهيم عليه السلام فيقوم عن يمين العرش في ظله
فيكسي حلة خضراء من حلل الجنة - وساق الحديث إلى أن قال - : ثم ينادي مناد من
عند العرش : نعم الاب أبوك إبراهيم ، ونعم الاخ أخوك علي ; الخبر . ( 2 )
أقول : قد مر نقش خاتمه عليه السلام في باب نقوش خواتيم الانبياء على نبينا وآله و
عليم السلام .
3 - ل : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن أبي عبدالله الرازي ، عن ابن
أبي عثمان ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
إن الله اختار من كل شئ أربعة : اختار من الانبياء للسيف إبراهيم وداود وموسى وأنا ;
واختار من البيوتات أربعة فقال عزوجل : " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل
عمران على العالمين " الخبر . ( 3 )
4 - ع ، ن : سأل الشامي ( 4 ) أمير المؤمنين عليه السلام عمن خلق الله عزوجل من
الانبياء مختونا ، فقال : خلق الله عزوجل آدم مختونا ، وولد شيث مختونا ، وإدريس و
نوح وسام بن نوح وإبراهيم وداود وسليمان ولوط وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله
وسأله عن أول من امر بالختان ، فقال : إبراهيم عليه السلام . ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) تقدم في كتاب الاحتجاجات ان في نسخة : واحاطت دلالته .
( 2 ) امالى الصدوق : 195 . م
( 3 ) الخصال ج 1 : 107 . م
( 4 ) والخبر طويل أخرجه مسندا بتمامه في كتاب الاحتجاجات في باب 5 من احتجاجات امير
المؤمنين عليه السلام راجع ج 1 ص 77 و 79 .
( 5 ) علل الشرائع : 198 : العيون : 134 - 135 . م ( * )
[ 4 ]
5 - ع ، ن : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن
خالد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعت أبي يحدث عن أبيه عليه السلام أنه قال : إنما
اتخذ الله إبراهيم خليلا لانه لم يرد أحدا ، ولم يسأل أحدا قط غير الله عزوجل . ( 1 )
6 - ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن علي بن محمد الحسيني ، عن جعفر بن محمد
ابن عيسى ، عن عبيدالله بن علي ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام قال : كان إبراهيم
أول من أضاف الضيف ، وأول من شاب ، فقال : ماهذه ؟ قيل : وقار في الدنيا ، ونور في
الآخرة . ( 2 )
7 - ع : سمعت بعض المشايخ من أهل العلم يقول : إنه سمي إبراهيم إبراهيم
لانه هم فبر ، وقد قيل : إنه هم بالآخرة فبرئ من الدنيا . ( 3 )
8 - ع : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي
عمير ، عمن ذكره قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : لم اتخذ الله عزوجل إبراهيم خليلا ؟
قال : لكثرة سجوده على الارض . ( 4 )
9 - ع : السناني ، عن الاسدي ، عن سهل ، عن عبدالعظيم الحسني قال :
سمعت علي بن محمد العسكري عليه السلام يقول : إنما اتخذ الله عزوجل إبراهيم خليلا لكثرة
صلواته على محمد وأهل بيته صلوات الله عليه وآله . ( 5 )
10 - ع : محمد بن عمرو بن علي البصري ، عن محمد بن إبراهيم بن خارج الاصم ، عن
محمد بن عبدالله بن الجنيد ، عن عمرو بن سعيد ، عن علي بن زاهر ، عن جرير ، عن الاعمش ،
عن عطية ، عن جابر الانصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما اتخذ الله إبراهيم
خليلا إلا لاطعامه الطعام ، وصلاته بالليل والناس نيام . ( 6 )
11 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن
محمد بن مروان ، عمن رواه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا أتاه ببشارة
الخلة ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماء ودهنا ، فدخل
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 23 . العيون : 231 . م
( 2 ) امالى الشيخ : 216 . م
( 3 - 6 ) علل الشرائع : 23 . راجع الخبر الاتى تحت رقم 51 . ( * )
[ 5 ]
إبراهيم عليه السلام الدار فاستقبله خارجا من الدار ، وكان إبراهيم عليه السلام رجلا غيورا وكان إذا
خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه ; فخرج ذات يوم في حاجة وأغلق بابه ثم
رجع ففتح بابه فإذا هو برجل قائم كأحسن ما يكون من الرجال فأخذته الغيرة وقال له :
يا عبدالله ما أدخلك داري ؟ فقال : ربها أدخلنيها ، فقال إبراهيم : ربها أحق بها مني ، فمن
أنت ؟ قال : أنا ملك الموت ، قال : ففزع إبراهيم عليه السلام وقال : جئتني لتسلبني روحي ؟ فقال :
لا ولكن اتخذ الله عزوجل عبدا خليلا فجئت ببشارته ، فقال إبراهيم : فمن هذا العبد لعلي
أخدمه حتى أموت ؟ قال : أنت هو ، قال : فدخل على سارة فقال : إن الله اتخذني خليلا . ( 1 )
بيان : يحتمل أن يكون قوله : " يقطر رأسه ماء ودهنا " كناية عن حسنه وطراوته
وصفائه ، قال الجوهري : قال رؤبة : ( 2 )
كغصن بان عوده سرعرع * كأن وردا من دهان يمرع ( 3 )
أي يكثر دهنه يقول : كأن لونه يعلى بالدهن لصفائه ، وقال : قوم مدهنون - بتشديد
الهاء - عليهم آثار النعم .
12 - ع : ابن الوليد ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن أورمة ، عن عبدالله
ابن محمد ، عن داود بن أبى يزيد ، عن عبدالله بن هلال ، عن أبي عبدالله عليه قال : لما جاء
المرسلون إلى إبراهيم جاءهم بالعجل فقال : كلوا ، فقالوا : لانا كل حتى تخبرنا ماثمنه
فقال : إذا أكلتم فقولوا : بسم الله ، وإذا فرغتم فقولوا : الحمد لله ، قال فالتفت جبرئيل
إلى أصحابه وكانوا أربعة وجبرئيل رئيسهم فقال : حق لله أن يتخذ هذا خليلا ، قال أبوعبدالله
عليه السلام : لما القي إبراهيم عليه السلام في النار تلقاه جبرئيل في الهواء وهو يهوي فقال : يا
إبراهيم ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا . ( 4 )
13 - فس : أبي ، عن هارون ، عن ابن صدقة ، عن جعفر بن محمد عليه السلام إن إبراهيم
عليه السلام هو أول من حول له الرمل دقيقا ، وذلك أنه قصد صديقا له بمصر في قرض طعام
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 23 . م
( 2 ) بضم الرا ؟ فالسكون هو رؤبة بن العجاج بن رؤبة التميمى مادح الامويين والعباسيين ،
أخذ عنه اهل اللغة واحتجوا بشعره توفى 145 .
( 3 ) سرع بالفتح والكسر وسرعرع : كل قضيب رطب .
( 4 ) علل الشرائع : 23 - 24 . م ( * )
[ 6 ]
فلم يجده في منزله فكره أن يرجع بالحمار خاليا ، فملا جرابه رملا فلما دخل منزله خلى
بين الحمار وبين سارة استحياء منها ودخل البيت ونام ، ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون
فخبزت وقدمت إليه طعاما طيبا ، فقال إبراهيم : من أين لك هذا ؟ فقالت : من الدقيق
الذي حملته من عند خليلك المصري ، فقال : أما إنه خليلي وليس بمصري ; فلذلك أعطي
الخلة فشكر لله وحمده وأكل . ( 1 )
بيان : لا تنافي بين تلك الاخبار إذ يحتمل أن يكون لكل من تلك الخلال مدخل
في الخلة ، إذ لا تكون الخلة إلا مع اجتماع الخصال التي يرتضيها الرب تعالى .
14 - فس : أبي ، عن سليمان الديلمي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
إذا كان يوم القيامة دعي محمد فيكسى حلة وردية ثم يقام عن يمين العرش ، ثم يدعى
بإبراهيم فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار العرش ، ثم يدعى بعلي أمير المؤمنين فيكسى
حلة وردية فيقام عن يمين النبي ، ثم يدعى بإسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار
إبراهيم . ( 2 ) ثم يدعى بالحسن فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين أمير المؤمنين ، ثم يدعى
بالحسين فيكسى حلة وردية فيقام عن يمين الحسن ، ثم يدعى بالائمة فيكسون حللا
وردية فيقام كل واحد عن يمين صاحبه ، ثم يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم ، ثم
يدعى بفاطمة عليها السلام ونسائها من ذريتها وشيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم
ينادي مناد من بطنان العرش ( 3 ) من قبل رب العزة والافق الاعلى : نعم الاب أبوك يا
محمد وهو إبراهيم ، ونعم الاخ أخوك وهو علي بن أبي طالب ، ونعم السبطان سبطاك وهو
الحسن والحسين ، ونعم الجنين جنينك وهو محسن ، ونعم الائمة الراشدون ذريتك وهو
فلان وفلان ، ونعم الشيعة شيعتك ، ألا إن محمدا ووصيه وسبطيه والائمة من ذريته هم
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى : 141 . م
( 2 ) في المصدر : فيقام على يمين أمير المؤمنين عليه السلام . م
( 3 ) في النهاية : في الحديث : ينادي مناد من بطنان العرش أى من وسطه ، وقيل : من أصله ،
وقيل : البطنان جمع بطن وهو الغامض من الارض ، يريد من دواخل العرش . ومنه كلام على عليه
السلام في الاستسقاء : وتسيل به البطنان . ( * )
[ 7 ]
الفائزون ، ثم يؤمر بهم إلى الجنة ، وذلك قوله : " فمن زحزح عن النار وادخل الجنة
فقد فاز " . ( 1 )
15 - فس : " واتبع ملة إبراهيم حنيفا " قال : هي الحنيفية العشرة التي جاء بها
إبراهيم التي لم تنسخ إلى يوم القيامة . ( 2 )
16 - فس : " إن إبراهيم كان امة قا ؟ تا لله حنيفا " أي طاهرا " اجتب ؟ ه " أي اختاره
" وهداه إلى صراط مستقيم " قال : إلى الطريق الواضح ، ثم قال لنبيه : " ثم أوحينا إليك
أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا " وهي الحنيفية العشرة التي جاء بها إبراهيم عليه السلام خمسة
في الرأس وخمسة في البدن ، فالتي في الرأس : فطم الشعر ( 3 ) وأخذ الشارب ، وإعفاء
اللحى ، والسواك ، والخلال ; وأما التي في البدن : فالغسل من الجنابة ، والطهور بالماء ،
وتقليم الاظفار ، وحلق الشعر من البدن ، والختان ، وهذه لم تنسخ إلى يوم القيامة . ( 4 )
17 - فس : " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الايدي ، والابصار "
يعنى أولي القوة " إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الاخيار *
واذكر إسماعيل " الآية .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " أولي الايدي والابصار "
يعني أولي القوة في العبادة والبصر فيها . ( 5 )
18 - فس : الحسين بن عبدالله السكيني ، عن أبي سعيد البجلي ، ( 6 ) عن عبدالملك
ابن هارون ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم السلام قال : عرض ملك الروم على الحسن بن علي
صور الانبياء فأخرج صنما ، فقال عليه السلام : هذه صفة إبراهيم عليه السلام عريض الصدر طويل
الجبهة ; الخبر . ( 7 )
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى : 116 - 117 . م
( 2 ) " : 141 . م
( 3 ) طم الشعر : جزه وقطعه .
( 4 ) تفسير القمى : 167 . م
( 5 ) أو عزنا إلى اسمه في ج 10 ص 112 .
( 6 ) تفسير القمى ص 571 . م
( 7 ) تفسير القمى : 597 . والخبر طويل أخرجه بتمامه في باب مناظرات الحسنين عليهما السلام
راجع ج 10 ص 111 . ( * )
[ 8 ]
19 - ع : أبي ، عن سعد ، عن أيوب بن نوح ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن
البختري ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان الناس لا يشيبون فأبصر إبراهيم عليه السلام شيبا في
لحيته ، فقال : يارب ما هذا ؟ فقال : هذا وقار . فقال : رب زدني وقارا . ( 1 )
20 - ع : ابن الوليد عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، عن الحسين
ابن عمار ، ( 2 ) عن نعيم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أصبح إبراهيم عليه السلام فرأى في لحيته
شيبا شعرة بيضاء ، فقال : الحمد لله رب العالمين الذي بلغني هذا المبلغ ولم أعص الله
طرفة عين . ( 3 )
21 - ع : علي بن حاتم ، عن جعفر بن محمد ، عن يزيد بن هارون ، عن عثمان
الزنجاني ، عن جعفر بن الزمان ، عن الحسن بن الحسين ، عن خالد بن إسماعيل بن أيوب
المخزومي ، عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه سمع أبا الطفيل يحدث : إن عليا عليه السلام يقول :
كان الرجل يموت وقد بلغ الهرم ولم يشب ، فكان الرجل يأتي النادي ( 4 ) فيه الرجل
وبنوه فلا يعرف الاب من الابن ، فيقول ( 5 ) أبوكم ؟ فلما كان زمان إبراهيم قال : اللهم
اجعل لي شيبا ( 6 ) أعرف به ، قال : فشاب وابيض رأسه ولحيته . ( 7 )
22 - ع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى وابن أبي الخطاب معا ،
عن ابن محبوب ، عن محمد بن عرفة قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : إن من قبلنا يقولون إن
إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ختن نفسه بقدوم على دن ، فقال : سبحان الله ! ليس كما يقولون
كذبوا ، فقلت له : صف لي ذلك ، فقال : إن الانبياء عليهم السلام كانت تسقط عنهم غلفهم ( 8 ) مع
سررهم يوم السابع . الخبر . ( 9 )
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 45 - 46 . م
( 2 ) في نسخة : الحسن بن عمار .
( 3 و 7 ) علل الشرائع : 46 . م
( 4 ) النادى : مجلس القوم ما داموا مجتمعين فيه .
( 5 ) في نسخة : فقال .
( 6 ) في نسخة : اجعل لى شيئا .
( 8 ) الغلفة هى الجليدة التى يقطعها الخاتن .
( 9 ) علل الشرائع : 171 . م ( * )
[ 9 ]
بيان : بينه وبين خبر الشامي تناف ظاهرا ، ويمكن الجمع بأن يكون المراد به
أن سائر الانبياء غير اولي العزم لم يكونوا يحتاجون إلى الختان فكيف يحتاج إبراهيم
إليه مع أنه ولد مختونا ؟ ويحتمل أن يكون تبقى لغلفهم بقية تسقط في اليوم السابع .
23 - ص : كان على عهد إبراهيم عليه السلام رجل يقال : له ما ريا بن أوس قد أتت عليه
ستمائة سنة وستون سنة ، وكان يكون في عيضة ( 1 ) له بينه وبين الناس خليج من ماء
غمر ، وكان يخرج إلى الناس في كل ثلاث سنين فيقيم في الصحراء في محراب له يصلي
فيه ، فخرج ذات يوم فيما كان يخرج فإذا هو بغنم كان عليها الدهن ( 2 ) فأعجب بها وفيها
شاب كان وجهه شقة قمر ، فقال : يا فتى لمن هذا الغنم ؟ قال : لابراهيم خليل الرحمن ، قال :
فمن أنت ؟ قال أنا ابنه إسحاق ; فقال : ما ريا في نفسه : اللهم أرني عبدك وخليلك حتى أراه قبل
الموت ، ثم رجع إلى مكانه ، ورفع إسحاق ابنه خبره إلى أبيه فأخبره بخبره ، فكان إبراهيم يتعاهد
ذلك المكان الذي هو فيه ويصلي فيه ، ( 3 ) فسأله إبراهيم عن اسمه وما أتى عليه من السنين
فخبره ، فقال : أين تسكن ؟ فقال : في غيضة ، فقال إبراهيم : إني أحب أن آتي موضعك
فأنظر إليه وكيف عيشك فيها ، قال : إني أيبس من الثمار الرطب ما يكفيني إلى قابل ،
لا تقدر أن تصل إلى ذلك الموضع فإنه خليج وماء غمر ، فقال له إبراهيم : فمالك فيه معبر ؟
قال : لا ، قال : فكيف تعبر ؟ قال : أمشي على الماء ، قال إبراهيم : لعل الذي سخر لك
الماء يسخره لي ، قال : فانطلق وبدأ ماريا فوضع رجله في الماء وقال : بسم الله ، قال إبراهيم :
بسم الله ، فالتفت ماريا وإذا إبراهيم يمشي كما يمشي هو ، فتعجب من ذلك فدخل الغيضة
فأقام معه إبراهيم ثلاثة أيام لا يعلمه من هو ، ثم قال له : ياماريا ما أحسن موضعك ! هل


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 9 سطر 19 الى ص 17 سطر 2

لك أن تدعو الله أن يجمع بيننا في هذا الموضع ؟ فقال : ما كنت لافعل ، قال : ولم ؟ قال :
لاني دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين لم يجبني فيها ، قال : وما الذي دعوته ؟ فقص عليه
* ( هامش ) * - ( 1 ) الغيضة : الاجمة . مجتمع الشجر في مغيض الماء .
( 2 ) كناية اما عن سمنها أى ملئت دهنا ، أو صفائها أى طليت به .
( 3 ) في الهامش : كان ههنا سقطا كما سيظهر مما سيأتى في سائر الروايات في باب جمل احواله
عليه السلام . منه دام ظله . ( * )
[ 10 ]
خبر الغنم وإسحاق ، فقال إبراهيم : فإن الله قد استجاب منك ، أنا إبراهيم ، فقام وعانقه
فكانت أول معانقة . ( 1 )
24 - ص : عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : رأيت إبراهيم وموسى و
عيسى عليهم السلام ، فأما موسى فرجل طوال سبط يشبه رجال الزط ورجال أهل شنوة ، ( 2 )
وأما عيسى فرجل أحمر جعد ربعة ، ( 3 ) قال : ثم سكت ، فقيل له : يا رسول الله فإبراهيم ؟ قال :
انظروا إلى صاحبكم . يعني نفسه صلى الله عليه وآله . ( 4 )
25 - نوادر الراوندى : بإسناده عن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أول من قاتل في سبيل الله إبراهيم الخليل عليه السلام حيث أسرت
الروم لوطا عليه السلام فنفر إبراهيم عليه السلام واستنقذه من أيديهم ، ( 5 ) وأول من اختتن إبراهيم
عليه السلام اختتن بالقدوم على رأس ثمانين سنة . ( 6 )
26 - وبهذا الاسناد قال : قال علي عليه السلام : قيل لابراهيم عليه السلام : تطهر ، فأخذ
شاربه ، ( 7 ) ثم قيل له : تطهر فنتف تحت جناحه ، ( 8 ) ثم قيل له : تطهر فحلق عانته ،
ثم قيل له : تطهر فاختتن . ( 9 )
27 - ك : أبي ، عن أحمد بن إدريس ومحمد العطار معا ، عن الاشعري ، عن محمد بن
* ( هامش ) * ( 1 و 4 ) مخطوط . م
( 2 ) السبط من الشعر : ما استرسل ضدالجعد . وقال الفيروز آبادي : الزط بالضم جيل من الهند
معرب جت بالفتح والمستوى الوجه . والكوسج . وقال الجزرى : هم جنس من السودان والهنود .
وفى معجم القبائل : شنوءة : بطن من الازد ، من القحطانية وهم بنو نصر بن الازد ، وبطن من بنى
راشد من لخم من القحطانية كانت مساكنهم بالبر الشرقى من صعيد مصر بين ترعة شريف إلى معصرة
بوش .
( 3 ) الربعة : الوسيط القامة .
( 5 ) في المصدر : حتى استنقذه من أيديهم . م
( 6 ) نوادر الراوندى : 23 . م
( 7 ) ههنا في المصدر زيادة وهى هكذا : ثم قيل له : تطهر فاخذ من أظفاره . م
( 8 ) في المصدر : جناحيه . م
( 9 ) النوادر : 23 ، وتقدم الكلام في نحو الحديث عن المصنف بعد الخبر 22 ، ولعل الحديثين
وأمثالهما محمولة على التقية . ( * )
[ 11 ]
يوسف التميمي ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عاش إبراهيم
مائة وخمسا وسبعين سنة . ( 1 )
28 - يج : كان إبراهيم عليه السلام مضيافا فنزل عليه يوما قوم ولم يكن عنده شئ ،
فقال : إن أخذت خشب الدار وبعته من النجار فإنه ينحته صنما ووثنا فلم يفعل ، وخرج
بعد أن أنزلهم في دار الضيافة ومعه إزار إلى موضع وصلى ركعتين فلما فرغ لم يجد الازار
علم أن الله هيأ أسبابه ، فلما دخل داره رأى سارة تطبخ شيئا ، فقال لها : أنى لك هذا ؟
قالت : هذا الذي بعثته على يد الرجل ، وكان الله سبحانه أمر جبرئيل أن يأخذ الرمل
الذي كان في الموضع الذي صلى فيه إبراهيم ويجعله في إزاره والحجارة الملقاة هناك أيضا ،
ففعل جبرئيل عليه السلام ذلك ، وقد جعل الله الرمل جاورس مقشرا ، والحجارة المدورة شلجما ،
والمستطيلة جزرا . ( 2 )
29 - شى : عن عبيد الله الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين
عليه السلام : " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا " لا يهوديا يصلي إلى المغرب ، ولا نصرانيا
يصلي إلى المشرق " ولكن كان حنيفا مسلما " يقول : كان حنيفا مسلما على دين محمد صلى الله عليه وآله . ( 3 )
30 - شى : عن ابن سنان ، عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : إذا سافر أحدكم فقدم
من سفره فليأت أهله بما تيسر ولو بحجر فإن إبراهيم عليه السلام كان إذا ضاق أتى قومه ، وأنه
ضاق ضيقة فأتى قومه فوافق منهم أزمة فرجع كما ذهب ، فلما قرب من منزله نزل عن
حماره فملا خرجه رملا إرادة أن يسكن به روح سارة ، ( 4 ) فلما دخل منزله حط الخرج
عن الحمار وافتتح الصلاة ، فجاءت سارة ففتحت الخرج فوجدته مملوءا دقيقا فاعتجنت منه
واختبزت ، ثم قالت لابراهيم : انفتل من صلاتك فكل ، فقال لها : أنى لك هذا ؟ قالت
من الدقيق الذي في الخرج ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : أشهد أنك الخليل . ( 5 )
بيان : الازمة : الشدة والقحط .
* ( هامش ) * ( 1 ) كمال الدين : 289 . م
( 2 ) الخرائج لم نجده . م
( 3 و 5 ) مخطوط . م
( 4 ) في نسخة : أن يسكن به زوجه سارة . ( * )
[ 12 ]
31 - شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت قوله : " إن إبراهيم لاواه
حليم " قال : الاواه : الدعاء . ( 1 )
32 - شى : عن عبدالرحمن ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " إن إبراهيم لحليم
أواه منيب " قال : دعاء . ( 2 )
شى : عن زراره وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام
مثله . ( 3 )
33 - شى : عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام في قوله
تعالى : " إن إبراهيم كان امة قانتا لله حنيفا " قال : شئ فضله الله به . ( 4 )
34 - شى : يونس بن ظبيان ، عن أبي عبدالله عليه السلام : " إن إبراهيم كان أمة قانتا "
امة واحدة . ( 5 )
35 - شى : عن سماعة قال : سمعت عبدا صالحا يقول : لقد كانت الدنيا وما كان
فيها إلا واحد يعبد الله ، ولو كان معه غيره إذا لاضافه إليه حيث يقول : " إن إبراهيم كان
امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين " فصبر بذلك ما شاء الله ، ثم إن الله تبارك وتعالى
آنسه بإسماعيل وإسحاق فصاروا ثلاثة . ( 6 )
36 - كا : محمد بن الحسن ، عمن ذكره ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن سنان ، عن زيد
الشحام قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عليه السلام
عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ، وإن الله
اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما ، فلما جمع
له الاشياء قال : " إني جاعلك للناس إماما " قال : فمن عظمها في عين إبراهيم قال : " ومن
ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " قال : لا يكون السفيه إمام التقي . ( 7 )
37 - كا : علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسين ، عن إسحاق بن
عبدالعزيز بن أبي السفاتج ، ( 8 ) عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول : إن
* ( هامش ) * ( 1 - 6 ) مخطوط .
( 7 ) اصول الكافى 1 : 175 . م
( 8 ) بفتح السين جمع السفتجة بالضم وقيل : بالفتح معرب سفتة . ( * )
[ 13 ]
الله اتخذ إبراهيم عليه السلام عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، واتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ،
واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، واتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما ، فلما جمع
له هذه الاشياء وقبض يده قال له : " يا إبراهيم إني جاعلك للناس إماما " فمن عظمها
في عين إبراهيم عليه السلام قال : يارب ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين . ( 1 )
38 - كا : علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : أول من اتخذ النعلين إبراهيم عليه السلام . ( 2 )
39 - وبهذا الاسناد عنه عليه السلام قال : أول من شاب إبراهيم ، فقال : يارب ما هذا ؟
قال : نور وتوقير ، قال : رب زدني منه . ( 3 )
40 - كا : علي بن محمد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبان ، عن
معاوية بن عمار ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن إبراهيم عليه السلام كان أبا أضياف
فكان إذا لم يكونوا عنده خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفايتح يطلب الاضياف ، وإنه
رجع إلى داره فإذا هو برجل أوشبه رجل في الدار ، فقال : يا عبدالله بإذن من دخلت هذه
الدار ؟ قال : دخلتها بإذن ربها ، يردد ذلك ثلاث مرات ، فعرف إبراهيم عليه السلام أنه
جبرئيل فحمد ربه ، ثم قال : أرسلني ربك إلى عبد من عبيده يتخذه خليلا ، قال إبراهيم
فأعلمني من هو ، أخدمه حتى أموت ، فقال : فأنت هو ، قال ولم ذلك ، ( 4 ) قال :
لانك لم تسأل أحدا شيئا قط ، ولم تسأل شيئا قط فقلت : لا . ( 5 )
41 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عمن حدثه ، عن سعد بن ظريف ( 6 )
عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان الناس يعتبطون ( 7 ) اعتباطا ، فلما كان زمان إبراهيم
* ( هامش ) * ( 1 ) اصول الكافى 1 : 175 . م
( 2 ) فروع الكافى 2 : 208 . م
( 3 ) " " " : 217 . م
( 4 ) في نسخة ومم ذلك ؟ .
( 5 ) لم نجده . م
( 6 ) هكذا في النسخ والصحيح طريف بالطاء المهملة وزان أمير وهو سعد بن طريف الحنظلى
الاسكاف الكوفى مولى بنى تميم .
( 7 ) اعتبط وأعبطه الموت : اخذه شابا لاعلة فيه . ( * )
[ 14 ]
عليه السلام قال : يارب اجعل للموت علة يوجربها الميت ويسلى بها عن المصائب ، قال : فأنزل
الله عزوجل الموم وهو البرسام ( 1 ) ثم أنزل بعده الداء . ( 2 )
محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن عاصم بن حميد ، عن ابن ظريف ( 3 )
عنه عليه السلام مثله . ( 4 )
42 - فس : " فيما لكم به علم " يعني بما في التوراة والانجيل " فلم تحاجون فيما
ليس لكم به علم " يعني بما في صحف إبراهيم عنه عليه السلام . ( 5 )
43 - نوادر الراوندى : بإسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم السلام قال :
قال رسول الله : إن الولدان تحت عرش الرحمن يستغفرون لآبائهم يحضنهم إبراهيم عليه السلام
وتربيهم سارة عليهما السلام في جبل من مسك وعنبر وزعفران .
( باب 2 )
* ( قصص ولادته عليه السلام إلى كسر الاصنام ، وما جرى بينه وبين ) *
* ( فرعونه ، وبيان حال أبيه ) *
الايات ، البقرة " 2 " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آته الله الملك إذ قال
إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا احيي واميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من
المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين 258 .
الانعام " 6 " وإذ قال إبراهيم لابيه آذر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك
في ضلال مبين * وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين *
فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما
رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين *
* ( هامش ) * ( 1 ) البرسام : التهاب في الحجاب الذى بين الكبد والقلب .
( 2 - 4 ) فروع الكافى ج 1 : 31 . م .
( 3 ) تقدم الكلام فيه .
( 5 ) تفسير القمى : 94 : م ( * )
[ 15 ]
فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني برئ مما
تشركون * إنى وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين *
وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ماتشركون به إلا أن يشاء
ربي شيئا وسع ربى كل شئ علما أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون
أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالامن إن كنتم
تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون * وتلك
حجتنا آتيناهم إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم 74 - 83 .
التوبة " 9 " وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له
أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لاواه حليم 114 .
مريم " 19 " واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لابيه يا
أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما
لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن
عصيا * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا * قال
أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لارجمنك واهجرني مليا * قال سلام عليك
سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا * وأعتزلكم وماتدعون من دون الله وأدعو ربي عسى
ألا أكون بدعاء ربي شقيا 41 - 48 .
الانبياء " 21 " ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لابيه
وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد
كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين * قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين * قال بل
ربكم رب السموات والارض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين * وتالله لاكيدن
أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين * فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون *
قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم *
قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون * قالوا ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم *
قال بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم ( * )
[ 16 ]
أنتم الظالمون * ثم نكسوا علي رءوسهم لقد علمت ماهؤلاء ينطقون * قال أفتعبدون من
دون الله مالاينفعكم شيئا ولا يضركم * اف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون *
قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا ناركوني بردا وسلاما على
إبراهيم * وآرادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين * ونجيناه ولوطا إلى الارض التي باركنا
فيها للعالمين 51 - 71 .
الشعراء " 26 " واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ قال لابيه وقومه ما تعبدون * قالوا
نعبد أصناما فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو
يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون * قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم
وآباؤكم الاقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين *
والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي
أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين * رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل
لي لسان صدق في الآخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم * واغفر لابي إنه كان من
الضالين * ولا تحزني يوم يبعثون 69 - 87 .
العنكبوت " 29 " وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدو الله واتقوه ذلكم خير لكم إن
كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من
دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون *
وإن تكذبوا فقد كذب امم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين 16 - 18
" ثم قال تعالى " : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أوحر قوه فأنجه الله من
النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * وقال إنما اتخذتم من دون الله أو ثانا مودة بينكم
في الحيوة الدنيا ثم يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار و
مالكم من ناصرين * فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز
الحكيم 24 - 26 .
الصافات " 37 " وإن من شيعته لابراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم * إذ قال
لابيه وقومه ماذا تعبدون * أئفكا آلهة دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين * ( * )
[ 17 ]
فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم * فتولوا عنه مدبرين * فراغ إلى آلهتهم فقال
ألا تأكلون * مالكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين * فأقبلوا إليه يزفون * قال


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 17 سطر 3 الى ص 25 سطر 3

أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون * قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم *
فأرادو به كيدا فجعلناهم الاسفلين * وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين 83 - 99 .
الزخرف " 43 " وإذ قال إبراهيم لابيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي
فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون 26 - 28 .
الممتحنة " 60 " قد كانت لكم اسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم
إنا برءآؤ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنابكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء
أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لابيه لاستغفرن لك وما أملك لك من الله
من شئ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا
واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم 4 - 5 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " ألم تر " : أي ألم ينته علمك " إلى
الذي حاج إبراهيم " أي خاصمه وهو نمرود بن كنعان ، وهو أول من تجبر وادعى
الربوبية ، واختلف في وقت المحاجة فقيل : عند كسر الاصنام قبل إلقائه في النار ; وقيل :
بعده ، وهو المروي عن الصادق عليه السلام " في ربه " أي في رب إبراهيم الذي يدعو إلى توحيده
وعبادته " أن آته الله " أي لان آتاه " الملك " والهاء تعود إلى المحاج لابراهيم ، أي بطر
الملك ونعيم الدنيا حمله على المحاجة ، والملك على هذا الوجه جائز أن ينعم الله به على
أحد ، فأما الملك بتمليك الامر والنهي وتدبير امور الناس وإيجاب الطاعة على الخلق
فلا يجوز أن يؤتيه الله إلا من يعلم أنه يدعو إلى الصلاح والسداد والرشاد ; وقيل : إن
الهاء تعود إلى إبراهيم عليه السلام " إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويمت " الاماتة هي
إخراج الروح من بدن الحي من غير جرح ولا نقص بنية ولا إحداث فعل يتصل بالبدن
من جهة ، وهذا خارج عن قدرة البشر ، قال : " أنما أحيي " بالتخلية من الحبس " وأميت "
بالقتل ، وهذا جهل من الكافر لانه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى ، عادلا
عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت أو الموت للحي على سبيل الاختراع الذي ينفرد ( * )
[ 18 ]
سبحانه به ولا يقدر عليه سواه " فبهت الذي كفر " أي تحير عند الانقطاع بما بان له من
ظهور الحجة .
فإن قيل : فهلا قال له نمرود : فليأت بها ربك من المغرب ؟ قيل : عن ذلك جوابان :
أحدهما : أنه لما علم بما رأى من الآيات أنه لواقترح ذلك لاتى به الله تصديقا لابراهيم
فكان يزداد بذلك فضيحة عدل عن ذلك . والثاني : أن الله خذله ولطف لابراهيم عليه السلام
حتى أنه لم يأت بشبهة ولم يلبس " والله لا يهدي القوم الظالمين " بالمعونة على بلوغ البغية
من الفساد أو إلى المحاجة ، أو إلى الجنة ، أو لا يهديهم بألطافه وتأييده إذا علم أنه لا
لطف لهم .
وفي تفسير ابن عباس أن الله سلط على نمرود بعوضة فعضت شفته فأهوى إليها
ليأخذها بيده فطارت في منخره ، فذهب ليستخرجها فطارت في دماغه فعذبه به الله بها أربعين
ليلة ثم أهلكه . ( 1 )
" وكذلك نري إبراهيم " أي مثل ما وصفناه من قصة إبراهيم وقوله لابيه ما قال
" نري ملكوت السموات والارض " أي القدرة التي تقوى بها دلالته على توحيد الله ; وقيل :
معناه : ما أريناك يا محمد أريناه آثار قدرتنا فيما خلقنا من العلويات والسفليات ليستدل بها ;
وقيل : ملكوت السماوات والارض : ملكهما بالنبطية ; وقيل : اطلق الملكوت على المملوك
الذي هو في السماوات والارض . قال أبوجعفر عليه السلام : كشط الله له عن الارضين حتى رآهن وما
تحتهن ، وعن السماوات حتى رآهن وما فيهن من الملائكة وحملة العرش " وليكون من الموقنين "
أي المتيقنين بأن الله سبحانه هو خالق ذلك والمالك له . ( 2 )
" فلما جن عليه الليل " أي أظلم وستر بظلامه كل ضياء " رأى كوكبا " قيل :
هو الزهرة ; وقيل : هو المشتري " فلما أفل " أي غرب " بازغا " أي طالعا " إني وجهت وجهي "
أى نفسي " حنيفا " أي مخلصا مائلا عن الشرك إلى الاخلاص . ( 3 )
وذكر أهل التفسير والتاريخ أن إبراهيم عليه السلام ولد في زمن نمرود بن كنعان ، وزعم
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 1 : 366 - 268 . م
( 2 ) مجمع البيان 4 : 322 . م
( 3 ) " " " : 323 - 324 . م ( * )
[ 19 ]
بعضم أن نمرود كان من ولاة كيكاوس ; وبعضهم قال : كان ملكا برأسه ; وقيل لنمرود :
إنه يولد مولود في بلده هذه السنة يكون هلاكه وزوال ملكه على يده ، ثم اختلفوا فقال بعضهم :
إنما قالوا ذلك من طريق التنجيم والتكهن ; وقال آخرون : بل وجد ذلك في كتب الانبياء ;
وقال آخرون : رأى نمرود كأن كوكبا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر ، فسأل عنه فعبر
بأنه يولد غلام يذهب ملكه على يده ، عن السدي ، فعند ذلك أمر بقتل كل غلام يولد تلك
السنة ، وأمر بأن يعزل الرجال عن النساء ، وبأن يتفحص عن أحوال النساء ، فمن وجدت
حبلى تحبس حتى تلد ، فإن كان غلاما قتل ، وإن كانت جارية خليت ، حتى حبلت ام
إبراهيم فلما دنت ولادته خرجت هاربة فذهبت به إلى غار ولفته في خرقة ثم جعلت على
باب الغار صخرة ثم انصرفت عنه ، فجعل الله رزقه في إبهامه فجعل يمصها فتشخب لبنا ، وجعل
يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة ، ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر ويشب في
الشهر كما يشب غيره في السنة ، فمكث ما شاء الله أن يمكث . وقيل : كانت تختلف إليه
امه فكان يمص أصابعه ، فوجدته يمص من إصبع ماء ومن إصبع لبنا ومن إصبع عسلا
ومن إصبع تمرا ومن إصبع سمنا ، عن أبي روق ( 1 ) ومحمد بن إسحاق ; ولما خرج من السرب
نظر إلى النجم وكان آخر الشهر فرأى الكوكب قبل القمر ثم رأى القمر ثم الشمس
فقال ما قال ، ولما رأى قومه يعبدون الاصنام خالفهم ، وكان يعيب آلهتهم حتى فشا أمره
وجرت المناظرات . ( 2 )
" وحاجة قومه " أي جادلوه في الدين وخوفوه من ترك عبادة آلهتهم " قال " أي
إبراهيم " أتحاجوني في الله وقد هدان " أي وفقني لمعرفته ولطف لي في العلم بتوحيده و
إخلاص العبادة له " ولا أخاف ما تشركون به " أي لا أخاف منه ضررا إن كفرت به ولا
أرجو نفعا إن عبدته ، لانه بين صنم قد كسر فلا يدفع عن نفسه ، ونجم دل أفوله على
حدثه " إلا أن يشاء ربي شيئا " فيه قولان : أحدهما أن معناه ; إلا أن يقلب الله هذه
الاصنام فيحييها ويقدرها فتضر وتنفع فيكون ضررها ونفعها إذ ذاك دليلا على حدثها
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الراء وسكون الواو هو عطية بن حارث الهمدانى الكوفى صاحب التفسير .
( 2 ) مجمع البيان 4 : 325 . م ( * )
[ 20 ]
أيضا وعلى توحيدالله وعلى أنه المستحق للعبادة دون غيره . والثاني : إلا أن يشاء ربي
أن يعذبني ببعض ذنوبي ، أويشاء الاضراريي ابتداء ، والاول أجود " وكيف أخاف ما
أشركتم " من الاوثان وهم لا يضرون ولا ينفعون " ولا تخافون " من هو القادر على الضر
والنفع بل تجترئون عليه " بأنكم أشركتم " .
وقيل : معناه : كيف أخاف شر ككم وأنا برئ منه والله لا يعاقبني بفعلكم ، وأنتم
لا تخافونه وقد أشركتم به ، فما مصدرية " سلطانا " أي حجة على صحته . ( 1 )
" وتلك حجتنا " أي أدلتنا " آتيناها " أي أعطيناها إبراهيم وأخطرناها بباله و
جعلناها حججا على قومه من الكفار " نرفع درجات من نشاء " من المؤمنين بحسب أحوالهم
في الايمان واليقين ، أو للاصطفاء للرسالة . ( 2 )
" إلا عن موعدة " أي إلا صادرا عن موعدة ، واختلف في صاحب هذه الموعدة هل هو
إبراهيم أو أبوه ، فقيل : إنها من الاب وعد إبراهيم أنه يؤمن به إن يستغفر له ، فاستغفر
له لذلك " فلما تبين له أنه عدولله " ولا يفي بما وعد " تبرأ " منه وترك الدعاء له ; وقيل :
إن الموعدة كانت من إبراهيم قال لابيه : إني أستغفر لك ما دمت حيا ، وكان يستغفر له
مقيدا بشرط الايمان ، فلما أيس من إيمانه تبرأ منه " إن إبراهيم لاواه " أي كثير
الدعاء والبكاء وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام ; وقيل : الرحيم بعباد الله ; وقيل : الذي
إذا ذكر النار قال : اوه ; ( 3 ) وقيل : الاواه : المؤمن بلغة الحبشة ; وقيل : الموقن أو
العفيف أو الراجع عن كل ما يكره الله أو الخاشع أو الكثير الذكر ; وقيل : المتأوه
شفقا وفرقا المتضرع يقينا بالاجابة ولزوما للطاعة " حليم " يقال : بلغ من حلم إبراهيم عليه السلام
أن رجلا قد آذاه وشتمه فقال له : هداك الله . ( 4 )
" إنه كان صديقا " أي كثير التصديق في أمور الدين " ولا يغني عنك " أي لا يكفيك
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 4 : 326 - 327 . م
( 2 ) " " 4 : 329 . م
( 3 ) كلمة تقال عند الشكاية أو التوجع ، وفيها لغات .
( 4 ) مجمع البيان 5 : 77 . م ( * )
[ 21 ]
شيئا ولا ينفعك ولا يضرك " صراطا سويا " أي طريقا مستقيما " عصيا " أي عاصيا " أن
يمسك " أي يصيبك " فتكون للشيطان وليا " أى موكولا إليه وهو لا يغني عنك شيئا ;
وقيل : أي لا حقا بالشيطان في اللعن والخذلان " أراغب " أي معرض " أنت عن " عبادة
" آلهتي لارجمنك " بالحجارة ; وقيل : لارمينك بالذنب والعيب وأشتمنك ; وقيل :
لاقتلنك " واهجرني مليا " أي فارقني دهرا طويلا ; وقيل : مليا سويا سليما من عقوبتي " قال
سلام عليك " سلام توديع وهجر على ألطف الوجوه ; وقيل : سلام إكرام وبر تأدية لحق
الابوة .
" سأستغفر لك ربي " فيه أقوال : أحدها : أنه إنما وعده بالاستغفار على مقتضى
العقل ، ولم يكن قد استقر بعد قبح الاستغفار للمشركين . وثانيها : أنه قال : سأستغفر
لك على ما يصح ويجوز من تركك عبادة الاوثان ، وثالثها : أن معناه : سأدعو الله أن لا
يعذبك في الدنيا .
" إنه كان بي حفيا " أي بارا لطيفا رحيما " واعتزلكم وما تدعون من دون
الله " أي اتنحى منكم جانبا وأعتزل عبادة الاصنام " وأدعو ربي " أي وأعبده " عسى
ألا أكون بدعاء ربي شقيا " كما شقيتم بدعاء الاصنام ، وإنما ذكر عسى على وجه
الخضوع ; وقيل : معناه : لعله يقبل طاعتي ولا أشقى بالرد ، فإن المؤمن بين الرجاء و
الخوف . ( 1 )
" رشده " أي الحجج التي توصله إلى الرشد بمعرفة الله وتوحيده ، أو هداه أي هديناه
صغيرا ; وقيل : هو النبوة " من قبل " أي من قبل موسى أو محمد ، أو من قبل بلوغه " وكنا
به عالمين " أنه أهل لذلك " إذ قال لابيه وقومه " حين رآهم يعبدون الاصنام " ما هذه
التماثيل التي أنتم لها عاكفون " أي ما هذه الصور التي أنتم مقيمون على عبادتها ، والتمثال
اسم للشئ المصنوع مشبها بخلق من خلق الله ; قيل : إنهم جعلوها أمثلة لعلمائهم الذين
انقرضوا ; وقيل : للاجسام العلوية " قالوا وجدنا " اعترفوا بالتقليد إذ لم يجدوا حجة
لعبادتهم إياها " في ضلال مبين " في ذهاب عن الحق ظاهر " قالوا أجئتنا بالحق " أي
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 6 : 516 - 517 . م ( * )
[ 22 ]
أجاد أنت فيما تقول ؟ محق عند نفسك أم لاعب مازح ؟ وإنما قالوا ذلك لاستبعادهم إنكار
عبادة الاصنام عليهم . ( 1 )
قوله : " قال بل ربكم " قال البيضاوي : إضراب عن كونه لا عبا بإقامة البرهان
على ما ادعاه و ( هن ) للسماوات والارض أو للتماثيل " من الشاهدين " أي من المحققين له
والمبرهنين عليه " لاكيدن أصنامكم " أي لاجتهدن في كسرها " بعد أن تولوا عنها
مدبرين " إلى عيدكم . ( 2 )
وقال الطبرسي : قيل : إنما قال ذلك في سر من قومه ، ولم يسمع ذلك إلا رجل
منهم فأفشاه ، وقالوا : كان لهم في كل سنة مجمع وعيد إذا رجعوا منه دخلوا على الاصنام
فسجدوا لها ، فقالوا لابراهيم : ألا تخرج معنا ؟ فخرج ، فلما كان ببعض الطريق قال :
اشتكى رجلي وانصرف " فجعلهم جذاذا " أي جعل أصنامهم قطعا قطعا " إلا كبيرا لهم "
في الخلقة أو في التعظيم تركه على حاله ، قالوا : جعل يكسرهن بفأس في يده حتى لم يبق
إلا الضم الكبير علق الفأس في عنقه وخرج " لعلهم إليه يرجعون " أي إلى إبراهيم فينبههم
على جهلهم ، أو إلى الكبير فيسألونه وهو لاينطق فيعلمون جهل من اتخذه إلها ، فلما
رجع قومه من عيدهم فوجدوا أصنامهم مكسرة " قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن
الظالمين " من موصولة ، أي الذي فعل هذا بآلهتنا فإنه ظالم لنفسه لانه يقتل إذا علم به ;
وقيل : إنهم قالوا : من فعل هذا استفهاما ، وأنكروا عليه بقولهم : إنه لمن الظالمين
" قالوا سمعنا فتى " أي قال الرجل الذي سمع من إبراهيم قوله : " لاكيدن أصنامكم "
للقوم ما سمعه منه فقالوا : " سمعنا فتى يذكرهم " بسوء ; وقيل : إنهم قالوا : سمعنا فتى
يعيب آلهتنا ويقول : إنها لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فهو الذي كسرها " على
أعين الناس " أي بحيث يراه الناس ويكون بمشهد منهم " لعلهم يشهدون " عليه بما قاله
فيكون ذلك حجة عليه بما فعل ، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة أو لعلهم يحضرون عقابه
" فرجعوا إلى أنفسهم " أى فرجع بعضهم إلى بعض ، وقال بعضهم لبعض " أنتم الظالمون "
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 7 : 52 . م
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 32 . م ( * )
[ 23 ]
حيث تعبدون ما لايقدر الدفع عن نفسه ; وقيل : معناه : فرجعوا إلى عقولهم وتدبروا في ذلك
إذ علموا صدق إبراهيم عليه السلام فيما قاله وحاروا عن جوابه فأنطقهم الله تعالى بالحق " فقالوا
إنكم أنتم الظالمون " لهذا الرجل في سؤاله ، وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها " ثم نكسوا
على رءوسهم " إذ تحيروا وعلموا أنها لا تنطق . ( 1 )
وقال البيضاوي : أى انقلبوا إلى المجادلة بعد ما استقاموا بالمراجعة ، شبه عودهم
إلى الباطل بصيرورة أسفل الشئ مستعليا على أعلاه . ( 2 )
قال الطبرسي : " فقالوا لقد علمت " يا إبراهيم " ما هؤلاء ينطقون " فكيف نسألهم ؟
فأجابهم إبراهيم عليه السلام بعد اعترافهم بالحجة " أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا "
إن عبدتموه " ولا يضركم " إن تركتموه لانها لو قدرت لدفعت عن أنفسها " أف لكم "
تضجر منه على إصرارهم بالباطل البين " قالوا حرقوه " أي لما سمعوا منه هذا القول
قال بعضهم لبعض : " حرقوه " بالنار " وانصروا آلهتكم " أى وادفعوا عنها وعظموها
" إن كنتم فاعلين " أي إن كنتم ناصريها ، قيل : إن الذي أثار بتحريق إبراهيم بالنار
رجل من أكراد فارس فخسف الله به الارض فهو يتخلخل فيها إلى يوم القيامة ، وقال وهب :
إنما قاله نمرود ، وفي الكلام حذف ، قال السدي : فجمعوا الحطب حتى أن الرجل
ليمرض فوصي بكذا وكذا من ماله فيشترى به حطب ، وحتى أن المرأة لتغزل فتشتري
به حطبا ، حتى بلغوا من ذلك ما أرادوا ، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار لم يدروا
كيف يلقونه فجاء إبليس فدلهم على المنجنيق ، وهو أول منجنيق صنعت فوضعوه فيها ثم
رموه " قلنا يا نار " أي لما جمعوا الحطب والقوه في النار قلنا للنار : " كوني بردا وسلاما
على إبراهيم " وهذا مثل فإن النار جماد لا يصح خطابه ، والمراد : إنا جعلنا النار بردا عليه
وسلامة لا يصيبه من أذاها شئ ; وقيل : يجوز أن يتكلم الله سبحانه بذلك ويكون ذلك
صلاحا للملائكة ولطفالهم . ( 3 )
وقال الرازي : اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أوجه : أحدها أن الله
* ( هامش ) * ( 1 ) - مجمع البيان 7 : 52 - 54 . م
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 33 . م
( 3 ) مجمع البيان 7 : 54 - 55 . م ( * )
[ 24 ]
تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والاحراق وأبقى ما فيها من الاضاءة والاشراق . وثانيها :
أنه سبحانه خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه كما يفعل بخزنة
جهنم في الآخرة ، كما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة ،
وبدن السمندر بحيث لا يضره المكث في النار . وثالثها : أنه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع
من وصول النار إليه ; قال : المحققون : والاول أولى لان ظاهر قوله : " يا نار كوني بردا "
أن نفس النار صارت باردة .
فإن قيل : النار اسم للجسم الموصوف بالحرارة واللطافة ، فإذا كانت الحرارة جزء
من مسمى النار امتنع كون النار باردة ، فإذا وجب أن يقال : المراد بالنار الجسم الذي هو
أحد أجزاء مسمى النار وذلك مجاز ، فلم كان مجاز كم أولى من المجازين الآخرين ؟ قلنا :
المجاز الذي ذكرناه يبقى معه حصول البرد ، وفي المجازين اللذين ذكر تموهما ما لا يبقى
ذلك فكان مجازنا أولى . ( 1 )
وقال الطبرسى : قال أبوالعالية : لو لم يقل سبحانه : " وسلاما " لكانت تؤذيه من
شدة بردها ، ولكان بردها أشد عليه من حرها ، ولو لم يقل : " على إبراهيم " لكان بردها
باقيا إلى الابد .
وقال أبوعبدالله عليه السلام : لما أجلس إبراهيم في المنجنيق وأرادوا أن يرموا به في
النار أتاه جبرئيل فقال : السلام عليك ياإبراهيم ورحمة الله وبركاته ألك حاجة ؟ فقال :
أما إليك فلا . فلما طرحوه دعا الله فقال : ياالله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فحسرت النار عنه وإنه لمحتبى ( 2 ) ومعه جبرئيل وهما
يتحدثان في روضة خضراء ، وروى الواحدي بإسناده إلى أنس ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال :
إن نمرود الجبار لما ألقى إبراهيم في النار نزل إليه جبرئيل بقميص من الجنة وطنفسة
من الجنة فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه ; وقال كعب : ما أحرقت النار
* ( هامش ) * ( 1 ) مفاتيح الغيب 6 : 131 - 132 . م
( 2 ) حسرت عنه أى انكشفت عنه . احتبى بالثوب : اشتمل به . جمع بين ظهره وساقيه بعمامة
ونحوها . وفى المصدر : وإنه لمحتب . ( * )
[ 25 ]
من إبراهيم غير وثاقه ; ( 1 ) وقيل : إن إبراهيم ألقي في الناروهو ابن ست عشرة سنة .
" وأرادوا به كيدا " أي شرا وتدبيرا في إهلاكه " فجعلناهم الاخسرين " قال ابن
عباس : هو أن سلط الله على نمرود وخيله البعوض حتى أخذت لحومهم وشربت دمائهم


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 25 سطر 4 الى ص 33 سطر 4

ووقعت واحدة في دماغه حتى أهكته . ( 2 )
" إلى الارض التى باركنا " أي الشام أو بيت المقدس أو مكة . ( 3 )
" فنظل لها عاكفين " أي مصلين ، عن ابن عباس ; أو نقيم على عبادتها مداومين " هل
يسمعونكم " أي هل يستجيبون دعاءكم إذا دعوتموهم ، أو ينفعونكم إذا عبدتموهم ، أو
يضرونكم إذا تركتم عبادتها ؟ " أفرأيتم ما كنتم تعبدون " أي الذي كنتم تعبدونه من
الاصنام " أنتم " الآن " وآباؤكم الاقدمون " أي المتقدمون " فإنهم عدولي " أي إن عباد
الاصنام معها عدو لي ، إلا أنه غلب مايعقل ; وقيل : إنه يعني الاصنام وإنما قال :
" فإنهم " لما وصفها بالعداوة التي لا تكون إلا من العقلاء ، وجعل الاصنام كالعدو في الضرر
من جهة عبادتها ، ويجوز أن يكون قال : " فإنهم " لانه كان منهم من يعبد الله مع عبادته
الاصنام فغلب مايعقل وذلك استثنى فقال : " إلا رب العالمين " استثناه من جميع المعبودين
قال الفراء : إنه من المقلوب ، والمعنى : فإني عدولهم " فهو يهدين " أي يرشدني إلى ما
فيه نجاتى أو إلى جنته " والذي أطمع أن يغفرلي إنما قال ذلك عليه السلام على سبيل
الانقطاع منه إلى الله تعالى من غير ذنب ، أو المعنى : أن يغفر لمن يشفعني فيه ; فأضافه إلى
نفسه " رب هب لى حكما " أي حكمة وعلما أو نبوة " واجعل لي لسان صدق " أي
ثناء حسنا وذكرا جميلا في الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة ، وقيل : ولد صدق وهو
محمد صلى الله عليه وآله " ولا تخزني هذا أيضا على الانقطاع . ( 4 )
" أوثانا " أي أصناما من حجارة لا تضر ولا تنفع " وتخلقون إفكا " أي تفعلون
* ( هامش ) * ( 1 ) الوثاق : ما يشد به من قيد وحبل ونحوهما .
( 2 ) مجمع البيان 7 : 55 . م
( 3 ) مجمع البيان : 56 م
( 4 ) مجمع البيان : 193 - 194 . م ( * )
[ 26 ]
كذبا بأن تسموا هذه الاوثان آلهة . ( 1 )
" مودة بينكم " أي لتتوادوا بها " فآمن له لوط " أي فصدق بإبراهيم وهو ابن
اخته ، وهو أول من صدق بإبراهيم " وقال " إبراهيم " إني مهاجر إلى ربي " أي خارج
من جملة الظالمين على جهة الهجر لهم على قبيح أعمالهم إلى حيث أمرني ربي ; وقيل :
معناه : قال لوط إني مهاجر ، وخرج إبراهيم ومعه لوط وامرأته سارة - وكانت ابنة عمته -
من كوثى ( 2 ) وهى قرية من سواد الكوفة إلى أرض الشام . ( 3 )
" وإن من شيعته لابراهيم " أي من شيعة نوح ، يعني أنه على منهاجه وسننه
في التوحيد والعدل واتباع الحق ; وقيل : من شيعة محمد صلى الله عليه وآله " إذ جاء ربه بقلب سليم "
أي حين صدق الله وآمن به بقلب خالص من الشرك برئ من المعاصي والغل والغش على
ذلك عاش وعليه مات ; وقيل : بقلب سليم من كل ما سوى الله لم يتعلق بشئ غيره ، عن
أبي عبدالله عليه السلام . ( 4 )
" أئفكا آلهة " قال البيضاوي : أي تريدون آلهة دون الله إفكا ، فقدم المفعول للعناية
ثم المفعول له لان الاهم أن يقرر أنهم على الباطل ، ويجوز أن يكون " إفكا " مفعولا
به و " آلهة " بدل منه على أنها إفك في أنفسها للمبالغة ، والمراد عبادتها فحذف المضاف ، أو
حالا بمعنى آفكين . ( 5 )
قال الطبرسي : " فما ظنكم برب العالمين " أن يصنع بكم مع عبادتكم غيره أو
كيف تظنون برب تأكلون رزقه وتعبدون غيره ؟ أو ماتظنون بربكم أنه على أي صفة
ومن أي جنس من أجناس الاشياء حتى شبهتم به هذه الاصنام ؟ " فراغ إلى آلهتهم " أي
فمال إليها " فقال ألا تأكلون " خاطبها وإن كانت جمادا على وجه التهجين لعابديها و
تنبيههم على أن من لا يقدر على الجواب كيف تصح عبادتها ، وكانوا صنعوا للاصنام طعاما
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 8 : 277 . م
( 2 ) كوثى كطوبى وسيأتى تفسيرها .
( 3 ) مجمع البيان 8 : 280 . م
( 4 ) مجمع البيان : 449 .
( 5 ) أنوار التنزيل 2 : 133 . م ( * )
[ 27 ]
تقربا إليها وتبركا بها " فراغ عليهم ضربا باليمين " أي فمال على الاصنام يكسرها و
يضربها باليد اليمنى لانها أقوى ; وقيل : المراد باليمين القوة ، وقيل : أي بالقسم الذي
سبق منه بقوله " تا لله لاكيدن " .
" يزفون " أي يسرعون ، فإنهم اخبروا بصنيع إبراهيم بأصنامهم فقصدوه مسرعين
وحملوه إلى بيت أصنامهم وقالوا له : " أنت فعلت هذا بآلهتنا " فأجابهم بقوله : أتعبدون
ما تنحتون " استفهاما على الانكار والتوبيخ " والله خلقكم وما تعملون " أي وخلق ما عملتم
من الاصنام " قالوا ابنوا له بنيانا " قال ابن عباس : بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء
ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا ، وملؤوه نارا وطرحوه فيها " فألقوه في الجحيم " قال
الفراء : كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم ; وقيل : إن الجحيم النار العظيمة " فجعلناهم
الاسفلين " بأن أهلكناهم ونجينا إبراهيم وسلمناه ورددنا كيدهم عنه " إني ذاهب إلى
ربي " أي إلى حيث أمرني أو إلى مرضات ربي بعملى ونيتي " سيهدين " أي يهديني ربي
فيما بعد إلى طريق المكان الذي أمرني بالمصير إليه ; أو إلى الجنة بطاعتي إياه . ( 1 )
" وجعلها كلمة باقية " أي جعل كلمة التوحيد باقية في ذريته فلم يزل فيهم
من يقولها ; وقيل الكلمة هى براءة إبراهيم من الشرك ; وقيل : هي الامامة إلى يوم
القيامة ، عن أبى عبدالله عليه السلام " لعلهم يرجعون " عما هم عليه بالاقتداء بأبيهم إبراهيم عليه السلام . ( 2 )
" أسوة حسنة " أي اقتداء حسن " كفرنا بكم " أي جحدنا دينكم وأنكرنا معبود كم " إلا
قول إبراهيم " أي اقتدوا بإبراهيم في كل أموره إلا في هذا القول فلا تقتدوا به فيه فإنه
عليه السلام إنما استغفر لابيه عن موعدة وعدها إياه بالايمان فلما تبين له أنه عدو لله
تبرأ منه ; قال الحسن : وإنما تبين له ذلك عند موت أبيه ; وقيل : كان آذر ينافق إبراهيم
ويريه أنه مسلم ويعده إظهار الاسلام ليستغفر له " وما أملك لك من الله من شئ " إن
أراد عقابك " ربنا عليك توكلنا " أي وكانوا يقولون ذلك " وإليك أنبنا " أي إلى طاعتك
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 8 : 449 - 451 . م
( 2 ) مجمع البيان 9 : 45 وفيه : بابيهم ابراهيم عليه السلام في توحيد الله تعالى كما اقتدى الكفار
بآبائهم . م ( * )
[ 28 ]
رجعنا " وإليك المصير " وإلى حكمك المرجع ، وهذه حكاية لقول إبراهيم وقومه ; ويحتمل
أن يكون تعليما لعباده أن يقولوا ذلك " لا تجعلنا فتنة " أي لا تعذبنا بأيديهم ولا ببلاء
من عندك فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق لما أصابهم هذا ; وقيل : أي لا تسلطهم علينا
فيفتنونا عن دينك ; وقيل : أى ألطف حتى نصبر على أذاهم ولا نتبعهم فنصير فتنة
لهم . ( 1 )
1 - فس : أبي ، عن ابن مرار ، عن يونس ، عن هشام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
كشط ( 2 ) له عن الارض ومن عليها وعن السماء وما فيها ( 3 ) والملك الذي يحملها والعرش
ومن عليه ، وفعل ذلك برسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام . ( 4 )
2 - فس : " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " أي صدقوا ولم ينكثوا ولم
يدخلوا في المعاصي فيبطل إيمانهم " وتلك حجتنا " يعني ما قد احتج إبراهيم على أبيه
وعليهم . ( 5 )
3 - فس : " إلا عن موعدة وعدها إياه " قال إبراهيم لابيه : إن لم تعبد الاصنام
استغفرت لك ، فلما لم يدع الاصنام تبر أمنه إبراهيم " إن إبراهيم لاواه حليم " أي
دعاء .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : الاواه : المتضرع إلى الله في
صلاته ، وإذا خلا في قفر في الارض وفي الخلوات . ( 6 )
4 - فس : " وتخلقون إفكا " أي تقدرون كذبا " إن الذين تعبدون " إلى قوله :
" وإليه ترجعون " وانقطع خبر إبراهيم عليه السلام ثم خاطب الله أمة محمد صلى الله عليه وآله فقال : " وإن
تكذبوا " إلى قوله : " وأولئك لهم عذاب أليم " ثم عطف على خبر إبراهيم عليه السلام فقال :
" فما كان جواب قومه " إلى قوله : " لقوم يؤمنون " فهذا من المنقطع المعطوف " فآمن له لوط "
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 9 : 270 - 271 . م
( 2 ) كشط الشئ : رفع عنه شيئا قد غشاه . وكشط الفطاء عن الشئ ، نزعه وكشف عنه .
( 3 ) في نسخة : ومن فيها .
( 4 ) تفسير القمى : 193 . م
( 5 ) تفسير القمى : 196 . م
( 6 ) تفسير القمى : 282 . م ( * )
[ 29 ]
أي لابراهيم " وقال إني مهاجر إلى ربي " قال : المهاجر من هجر السيئات وتاب
إلى الله . ( 1 )
5 - فس : أبوالعباس ، عن محمد أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن النضر بن سويد ،
عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : ليهنئكم الاسم ، قلت : ماهو جعلت
فداك ؟ قال : " وإن من شيعته لابراهيم " .
وقوله : " فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه " فليهنئكم الاسم .
وقال علي بن إبراهيم في قوله : " إذ جاء ربه بقلب سليم " : قال : القلب السليم من
الشك ، قوله : " فقال إني سقيم " فقال أبوعبدالله عليه السلام : والله ما كان سقيما وما كذب ، و
إنما عنى سقيما في دينه مرتادا . ( 2 )
قوله : " وجعلها كلمة باقية " يعني الامامة . ( 3 )
6 - فس : أبي ، عن صفوان ، عن ابن مسكان قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إن آزر ( 4 )
أبا إبراهيم كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له : إني أرى في حساب النجوم أن هذا
الزمان ( 5 ) يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ويدعو إلى دين أخر ، فقال له نمرود : في
أي بلاد يكون ؟ قال : في هذه البلاد ، وكان منزل نمرود بكوثى ربى ، ( 6 ) فقال له نمرود :
قد خرج إلى الدنيا ؟ ( 7 ) قال آزر : لا ، قال : فينبغي أن يفرق بين الرجال والنساء ، ففرق
بين الرجال والنساء ، وحملت أم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام ولم يبين حملها ، فلما
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى : 496 . م
( 2 ) تفسير القمى : 557 ، أرتاد الشئ : طلبه ، أى طالبا للحق ودينه .
( 3 ) تفسير القمى : 609 . الموجود في المصدر في طبعيه هكذا " وجعلها كلمة باقية في
عقبه لعلهم يرجعون " يعنى فانهم يرجعون أى الائمة إلى الدنيا ، ولم نجد ما ذكره المصنف .
( 4 ) سيأتى أن آزر لم يكن أبيه بل كان عمه .
( 5 ) في المصدر : في هذا الزمان . م
( 6 ) كوثى كطوبى . وربى كهدى قال ياقوت : وكوثى العراق كوثيان : أحدهما الطريق ، و
الاخر كوثى ربى وبها مشهد ابراهيم الخليل عليه السلام وبها مولده ، وهما من أرض بابل وبها
طرح ابراهيم في النار وهما ناحيتان .
( 7 ) في المصدر : قد خرج الينا . م ( * )
[ 30 ]
حانت ولادتها ( 1 ) قالت : يا آزر إني قد اعتللت وأريد أن أعتزل عنك ، وكان في ذلك الزمان
المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها ، فخرجت واعتزلت في غار ووضعت بإبراهيم عليه السلام
وهيأته وقمطته ( 2 ) ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة ، فأجرى الله لابراهيم
عليه السلام لبنا من إبهامه وكانت تأتيه امه ووكل نمرود بكل امرأة حامل ، فكان يذبح
كل ولد ذكر ، فهربت ام إبراهيم بإبراهيم من الذبح ، وكان يشب إبراهيم عليه السلام في
الغار يوما كما يشب غيره في الشهر حتى أتى له في الغار ثلاث عشرة سنة ، فلما كان بعد
ذلك زارته امه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقال : يا أمي أخرجيني ، فقالت له :
يابني إن الملك إن علم أنك ولدت في هذا الزمان قتلك ، فلما خرجت امه خرج من الغار
وقد غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء فقال : " هذا ربي " فلما غابت الزهرة فقال :
لو كان هذا ربي ماتحرك ولا برح ، ثم قال : لا أحب الآفلين " والآفل : الغائب . فلما
نظر إلى المشرق رأى وقد طلع القمر قال : " هذا ربي هذا أكبر وأحسن فلما تحرك
وزال قال : " لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين " فلما أصبح وطلعت الشمس
ورأى ضوءها وقد أضاءت الشمس الدنيا ( 3 ) لطلوعها قال : " هذا ربي هذا أكبر " وأحسن
فلما تحركت وزالت كشط الله ( 4 ) عن السماوات حتى رأى العرش ومن عليه وأراه الله
ملكوت السماوات والارض ، فعند ذلك قال : " يا قوم إني برئ مما تشركون . إني
وجهت وجهي للذى فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين " فجاء إلى امه
وأدخلته دارها وجعلته بين أولادها . ( 5 )
وسئل أبوعبدالله عليه السلام عن قول إبراهيم : " هذا ربي " لغير الله هل أشرك ( 6 ) في
قوله : " هذا ربي " ؟ فقال : من قال هذا اليوم فهو مشرك ، ولم يكن من إبراهيم شرك ،
* ( هامش ) * ( 1 ) اى قرب وقتها .
( 2 ) القمط : خرقة عريضة تلف على الصغير اذا شد في المهد .
( 3 ) في المصدر : وقد اضاءت الدنيا . م
( 4 ) في المصدر : كشف الله . م
( 5 ) تفسير القمى : 194 - 195 . م
( 6 ) في المصدر : عن قول ابراهيم : هذا ربى أشرك اه . م ( * )
[ 31 ]
وإنما كان في طلب ربه ، وهو من غير شرك ، فلما أدخلت أم إبراهيم إبراهيم دارها
نظر إليه آزر فقال : من هذا الذي قد بقي في سلطان الملك والملك يقتل أولاد الناس ؟
قالت : هذا ابنك ولدته وقت كذا وكذا حين اعتزلت ; فقال : ويحك إن علم الملك هذا
زالت منزلتنا عنده ، وكان أزر صاحب أمر نمرود ووزيره ، وكان يتخذ الاصنام له وللناس
ويدفعها إلى ولده فيبيعونها وكان على دار الاصنام ، فقالت أم إبراهيم لآزر : لا عليك إن
لم يشعر الملك به بقي لنا ولدنا وإن شعر به كفيتك الاحتجاج عنه ، وكان آزر كلما نظر
إلى إبراهيم أحبه حبا شديدا وكان يدفع إليه الاصنام ليبيعها كما يبيع إخوته ، فكان
يعلق في أعناقها الخيوط ويجرها على الارض ويقول : من يشتري ما لا يضره ولا ينفعه ؟ !
ويغرقها في الماء والحماة ويقول لها : اشربي وتكلمي ، فذكرا إخوته ذلك لابيه فنهاه فلم
ينته فحبسه في منزله ولم يدعه يخرج . ( 1 )
" وحاجه قومه فقال " إبراهيم " أتحاجونى في الله وقد هدان أي بين لي
" ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أفلا تتذكرون "
ثم قال لهم : " وكيف أخاف ماأشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به
عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالامن إن كنتم تعلمون " أي أنا أحق بالامن حيث
أعبدالله أو أنتم الذين تعبدون الاصنام . ( 2 )
7 - كا : العدة ، عن سهل ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال :
في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام . ( 3 )
8 - فس : " ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل " إلى قوله : " بعد أن تولوا مدبرين "
قال : فلما نهاهم إبراهيم عليه السلام واحتج عليهم في عبادتهم الاصنام فلم ينتهوا حضر عيد
لهم وخرج نمرود وجميع أهل مملكته إلى عيد لهم ، وكره أن يخرج إبراهيم معه ، فوكله
ببيت الاصنام ، فلما ذهبوا عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت أصنامهم ، فكان يدنو من
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ان يخرج . م
( 2 ) تفسير القمى : 195 . م
( 3 ) فروع الكافى 1 : 204 . م ( * )
[ 32 ]
صنم صنم فيقول له : كل وتكلم ، فإذا لم يجبه أخذ القدوم فكسر يده ورجله حتى فعل ذلك
بجميع الاصنام ، ثم علق القدوم في عنق الكبير منهم الذي كان في الصدر ، فلما رجع
الملك ومن معه من العيد نظروا إلى الاصنام مكسرة ، فقالوا : " من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن
الظالمين " فقالوا : ههنا " فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " وهو ابن آزر فجاؤوا به إلى نمرود
فقال نمرود لآزر : خنتني وكتمت هذا الولد عني ، فقال : أيها الملك هذا عمل امه و
ذكرت أنها تقوم بحجته ، فدعا نمرود ام إبراهم فقال لها : ماحملك على أن كتمتني أمر
هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا مافعل ؟ فقالت أيها الملك : نظرا مني لرعيتك ، قال : و
كيف ذلك ؟ قالت : رأيتك تقتل أولاد رعيتك فكان يذهب النسل فقلت : إن كان هذا الذي
يطلبه دفعته إليه ليقتله ويكف عن قتل أولاد الناس ، وإن لم يكن ذلك فبقي لنا ولدنا ،
وقد ظفرت به فشأنك ، فكف عن أولاد الناس فصوب رأيها ، ثم قال لابراهيم : " من فعل
هذا بآلهتنا يا إبراهيم " قال إبراهيم : " فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون " فقال
الصادق عليه السلام : والله ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم ، فقيل : فكيف ذلك ؟ فقال : إنما
قال : فعله كبيرهم هذا إن نطق ، وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا ، فاستشار نمرود
قومه في إبراهيم فقالوا له : " حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين " فقال الصادق عليه السلام :
كان فرعون إبراهيم وأصحابه لغير رشدة ، فإنهم قالوا لنمرود : " حرقوه وانصروا آلهتكم
إن كنتم فاعلين " وكان فرعون موسى ( 1 ) وأصحابه لرشدة فإنه لما استشار أصحابه في
موسى قالوا : " أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين * يأتوك بكل سحار عليم "
فحبس إبراهيم وجمع له الحطب حتى إذا كان اليوم الذي ألقي فيه نمرود إبراهيم في النار
برز نمرود وجنوده ، وقد كان بني لنمرود بناء ينظر منه إلى إبراهيم كيف تأخذه النار ،
فجاء إبليس واتخذ لهم المنجنيق لانه لم يقدر أحد أن يتقارب من النار ، وكان الطائر ( 2 )
إذا مر في الهواء يحترق ، فوضع إبراهيم عليه السلام في المنجنيق وجاء أبوه فلطمه لطمة وقال
له : ارجع عما أنت عليه ، وأنزل الرب ( 3 ) إلى السماء الدنيا ، ولم يبق شئ إلا طلب
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : بخلاف فرعون موسى .
( 2 ) في نسخة : لانه لم يقدر أحد أن يقرب عن تلك غلوة سهم ، وكان الطائر من مسيرة فرسخ يرجع عنها .
( 3 ) في المصدر : ملائكته إلى السماء اه . م ( * )
[ 33 ]
إلى ربه ، وقالت الارض : يارب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيحرق ، وقالت الملائكة :
يارب خليلك إبراهيم يحرق ، فقال الله عزوجل : أما أنه إن دعاني كفيته ، وقال
جبرئيل : يا رب خليلك إبراهيم ليس في الارض أحد يعبدك غيره ، سلطت عليه عدوه
يحرقه بالنار ، ( 1 ) فقال : اسكت إنما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت ، هو عبدي آخذه


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 33 سطر 5 الى ص 41 سطر 5

إذا شئت ، فإن دعاني أجبته ، فدعا إبراهيم عليه السلام ربه بسورة الاخلاص : " يا الله يا واحد
يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد نجني من النار برحمتك " قال :
فالتقى معه جبرئيل في الهواء وقد وضع في المنجنيق فقال : يا إبراهيم هل لك إلي من
حاجة ؟ فقال إبراهيم : أما إليك فلا ، وأما إلى رب العالمين فنعم ، فدفع إليه خاتما عليه
مكتوب : " لا إله إلا الله محمد رسول الله ألجأت ظهري إلى الله وأسندت أمري إلى الله ( 2 )
وفوضت أمري إلى الله " فأوحى الله إلى النار : " كونى بردا ( 3 ) " فاضطربت أسنان إبراهيم
من البرد حتى قال : " وسلاما على إبراهيم " وانحط جبرئيل وجلس معه يحدثه في النار ( 4 )
ونظر إليه نمرود فقال : من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم ، فقال عظيم من عظماء
أصحاب نمرود : إني عزمت ( 5 ) على النار أن لا تحرقه ، فخرج عمود من النار نحو الرجل
فأحرقه ، ( 6 ) ونظر نمرود إلى إبراهيم في روضة خضراء في النار مع شيخ يحدثه ، فقال لآزر :
يا آزر ما أكرم ابنك على ربه ! قال : وكان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم وكان الضفدع
يذهب بالماء ليطفئ به النار ، قال : ولما قال الله تبارك وتعالى للنار : " كوني بردا و
سلاما " لم تعمل النار في الدنيا ثالثة أيام ( 7 ) " ونجيناه ولوط إلى الارض التي باركنا
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : يحرقه ، فقال : اه . م
( 2 ) أى جعلت ربى متكاى ومعتمدى في الامور .
( 3 ) في المصدر : يانار كونى بردا . م
( 4 ) أضاف في نسخة : وهم في روضة خضراء .
( 5 ) من عزم الراقى أى قرأ العزائم والرقى .
( 6 ) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا : وآمن له لوط وخرج مهاجرا إلى الشام .
( 7 ) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا : ثم قال الله عزوجل " وأرادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين "
فقال الله . ونجيناه إه . ( * )
[ 34 ]
فيها للعالمين " إلى الشام وسواد الكوفة . ( 1 )
9 - فس : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آته الله الملك " الآية ، فإنه
لما ألقى نمرود إبراهيم في النار وجعلها الله عليه بردا وسلاما قال نمرود : يا إبراهيم من
ربك ؟ قال : " ربي الذي يحيي ويميت ؟ قال " له نمرود : " أنا احيي واميت " فقال له
إبراهيم : كيف تحيي وتميت ؟ قال : أعمد إلى رجلين ممن قد وجب عليهما القتل فاطلق عن
واحد ، وأقتل واحدا ، فأكون قد أمت وأحييت ، فقال إبراهيم : إن كنت صادقا فأحي
الذي قتلته ، ثم قال إبراهيم : دع هذا فإن ربي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من
المغرب فكان كما قال الله : " فبهت الذى كفر " أي انقطع وذلك أنه علم أن الشمس أقدم
منه . ( 2 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : قيل في انتقاله من حجة إلى اخرى وجهان :
أحدهما : أن ذلك لم يكن انتقالا وانقطاعا عن إبراهيم ، فإنه يجوز من كل
حكيم إيراد حجة أخرى على سبيل التأكيد بعد تمام ما ابتدأ به من الحجاج ، وعلامة
تمامه ظهوره من غير اعتراض عليه بشبهة لها تأثير عند التأمل والتدبر .
والثاني : أن إبراهيم إنما قال ذلك ليبين أن من شأن من يقدر على إحياء
الاموات وإماتة الاحياء أن يقدر على إتيان الشمس من المشرق فإن كنت قادرا على
ذلك فأت بها من المغرب ، وإنما فعل ذلك لانه لو تشاغل معه بأني أردت اختراع الحياة
والموت من غير سبب ولا علاج لاشتبه على كثير ممن حضر ، فعدل إلى ماهو أوضح ، لان
الانبياء عليهم السلام إنما بعثوا للبيان ولايضاح ، وليست أمورهم مبنية على لجاج الخصمين
وطلب كل واحد منهما غلبة خصمه ، وقد روي عن الصادق عليه السلام أن إبراهيم عليه السلام قال
له : أحي من قتلته إن كنت صادقا ، ثم استظهر عليه بما قاله ثانيا . ( 3 )
10 - ج - عن موسى بن جعفر عليه السلام في ذكر المعجزات النبي صلى الله عليه وآله في مقابلة معجزات
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى 429 - 431 وفيه : يعنى إلى الشام وسواد الكوفة وكوثى ربى . م
( 2 ) تفسير القمى : 76 . م
( 3 ) مجمع البيان 2 : 367 . م ( * )
[ 35 ]
الانبياء : إن إبراهيم حجب عن نمرود بحجب ثلاث . ( 1 )
ايضاح : لعل المراد بالحجب الثلاث حجاب البطن والغار والنار ، أوالاولان مع
الاعتزال عنه إلى بلاد الشام ، أو حجبه عند الحمل وعند الولادة وعند النمو ، أو حجبه في
البطن بثلاث : البطن والرحم والمشيمة حيث جعله بحيث لم يتبين حمله . وقد يقال : إنه
إشارة إلى بالقميص والخاتم والتوسل بالائمة عليهم السلام ، أو بسورة التوحيد كمامر كلها و
سيجئ ، فالمعنى أنه حجب عن نار نمرود وشره بتلك الحجب والله يعلم .
11 - لى ، ن : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن الحسن
ابن أبي العقبة الصيرفي ، عن الحسين بن خالد ، عن الرضا عليه السلام قال : إن إبراهيم عليه السلام
لما وضع في كفه المنجنيق غضب جبرئيل عليه السلام ، فأوحى الله عزوجل : ما يغضبك يا
جبرئيل ؟ قال : يارب خليلك ليس من يعبدك على وجه الارض غيره ، سلطت عليه عدوك
وعدوه ; فأوحى الله عزوجل إليه : اسكت إنما يعجل العبد الذي يخاف الفوت مثلك ،
فأما أنا فإنه عبدي آخذه إذا شئت ، قال : فطابت نفس جبرئيل عليه السلام فالتفت إلى إبراهيم
عليه السلام فقال : هل لك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا ، فأهبط الله عزوجل عندها خاتما
فيه ستة أحرف : " لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، فوضت أمري
إلى الله ، أسندت ظهري إلى الله ، حسبي الله " فأوحى الله جل جلاله إليه : أن تختم بهذا
الخاتم فإني أجعل النار عليك بردا وسلاما . ( 2 )
ل : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن عبدالله بن أحمد ، عن محمد بن علي
الصيرفي ، عن الحسين بن خالد ، عنه عليه السلام مثله . ( 3 )
12 - ل : ابن المتوكل ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن عبدالله بن أحمد الشامي ،
عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبدالله الصادق عليه السلام عن موسى بن عمران
عليه السلام لما رأى حبالهم وعصيهم كيف أوجس في نفسه خيفه ولم يوجسها إبراهيم عليه السلام
* ( هامش ) * ( 1 ) لم نجده . م
( 2 ) امالى الصدوق : 274 العيون : 136 . م
) الخصال ج 1 : 163 . م ( * )
[ 36 ]
حين وضع في المنجنيق وقذف به في النار ؟ فقال عليه السلام : إن إبراهيم عليه السلام حين وضع في
المنجنيق كان مستندا إلى ما في صلبه من أنوار حجج الله عزوجل ، ولم يكن موسى عليه السلام
كذلك ، فلهذا أوجس في نفسه خيفة ، ولم يوجسها إبراهيم عليه السلام . ( 1 )
13 - ل : ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده رفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال : ملك
الارض كلها أربعة : مؤمنان وكافران ، فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين ، و
الكافران نمرود وبخت نصر ، واسم ذو القرنين عبدالله بن ضحاك بن معد . ( 2 )
14 - فر : علي بن محمد بن عمر الزهري معنعنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله
تعالى : " قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " قال : إن أول منجنيق عمل في الدنيا
منجنيق عمل لابراهيم بسور الكوفة في نهر يقال لها كوثى ، وفي قرية يقال لها قنطانا ،
قال : عمل إبليس المنجنيق وأجلس فيه إبراهيم عليه السلام وأرادوا أن يرموا به في نارها أتاه
جبرئيل عليه السلام قال : السلام عليك يا إبراهيم ورحمة الله وبركاته ، ألك حاجة ؟ قال : مالي إليك
حاجة ، بعدها قال الله تعالى : " قلنا يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " . ( 3 )
15 - ل ، ع ، ن : سأل الشامي ( 4 ) أمير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عزوجل : " يوم
يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه " من هم ؟ فقال عليه السلام قابيل يفر من هابيل ،
والذي يفر من امه موسى ، والذي يفر من أبيه إبراهيم ، والذي يفر من صاحبته لوط ،
والذي يفر من ابنه نوح يفر من ابنه كنعان . ( 5 )
16 - ل : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن
الحسن بن زياد ، عن داود الرقي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما أضرمت النار على
إبراهيم عليه السلام شكت هو ام الارض إلى الله عزوجل واستأذنته أن تصب عليها الماء ، فلم
* ( هامش ) * ( 1 ) لم نجده في الخصال ورواه في الامالى : 389 . م
( 2 ) الخصال ج 1 : 121 - 122 . م
( 3 ) تفسير الفرات : 97 . م
( 4 ) تقدم الحديث بتمامه في كتاب الاحتجاجات ، وأوعزنا هناك ان في العيون زيادة بعد قوله :
ابراهيم وهى : يعنى الاب المربى لا الوالد . راجع ج 10 ص 80 .
( 5 ) الخصال ج 1 : 154 ، علل الشرائع : 198 ، العيون : 136 . م ( * )
[ 37 ]
بأذن الله عزوجل بشئ منها إلا للضفدع فاحترق منه الثلثان وبقي منه الثلث ، الخبر . ( 1 )
17 - ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن محبوب ، عن حنان بن
سدير ، عن رجل أصحاب أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : إن أشد الناس عذابا يوم
القيامة لسبعة نفر : أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود الذي حاج إبراهيم في ربه ،
واثنان في ( 2 ) بني إسرائيل هودا قومهم ونصراهم ، وفرعون الذي قال : أنا ربكم الاعلى
واثنان في هذه الامة . ( 3 )
18 - ج قال الصادق عليه السلام في حكمة خلق الاشياء : فأما البعوض والبق فبعض
سببه أنه جعل أرزاق الطير ، وأهان بها جبارا تمرد على الله وتجبر ، وأنكر ربوبيته فسلط
الله عليه أضعف خلفه ليريه قدرته وعظمته وهي البعوض فدخلت في منخره حتى وصلت إلى
دماغه فقتلته . ( 4 )
19 - ع ، ل ، ن : قال أمير المؤمنين عليه السلام في جواب أسئلة الشامي ( 5 ) يوما الاربعاء
القي إبراهيم الخليل عليه السلام في النار ، ويوم الاربعاء وضعوه في المنجنيق ، ويوم الاربعاء سلط
الله على نمرود البقة ، ويوم الاربعاء خر عليهم السقف من فوقهم . ( 6 )
20 - ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن عباد بن سليمان ، عن محمد بن سليمان ، عن
أبيه ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنه قال : يا إسحاق إن في النار لواديا
يقال له سقر لم يتنفس منذ خلقه الله لو أذن الله عزوجل له في التنفس بقدر مخيط لاحترق ( 7 )
ما على وجه الارض ، وإن أهل النار ليتعوذون من حر ذلك الوادي ونتنه وقذره وما أعد
الله فيه لاهله ، وإن في ذلك الوادي ، لجبلا يتعوذ جميع أهل ذلك الوادي من حر ذلك
الجبل ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لاهله ، وإن في ذك الجبل لشعبا يتعوذ جميع أهل
* ( هامش ) * ( 1 ) لم نجده . م
( 2 ) في نسخة " من " بدل " في " وكذا فيما يتلوه .
( 3 ) الخصال ج 2 : 4 . م
( 4 ) الاحتجاج : 187 . م
( 5 ) تقدم تمامه في كتاب الاحتجاجات في باب اسئلة الشامى عن أمير المؤمنين عليه السلام .
( 6 ) علل الشرائع : 199 . الخصال ج 2 : 28 ، العيون : 136 - 137 . م
( 7 ) في المصدر : لاحرق . م ( * )
[ 38 ]
ذلك الجبل من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لاهله ، وإن في ذلك الشعب
لقليبا ( 1 ) يتعوذ جميع أهل ذلك الشعب من حر ذلك القليب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه
لاهله ، وإن في ذلك القليب لحية يتعوذ جميع أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية و
نتنها وقذرها وما أعد الله في أنيابها من السم لاهلها : وإن في جوف تلك الحية لسبعة
صناديق فيها خمسة من الامم السالفة واثنان من هذه الامة ، قال : قلت : جعلت فداك من
الخمسة ، ومن الاثنان ؟ قال : فأما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل ، ونمرود الذي حاج
إبراهيم في ربه فقال : أنا أحيي وأميت ، وفرعون الذي قال : أنا ربكم الاعلى ، ويهود
الذي هود اليهود ، وبولس الذي نصر النصارى ، ومن هذه الامة أعرابيان . ( 2 )
أقول : قد مضى وسيأتي مثله بأسانيد في كتاب المعاد ، وكتاب الفتن .
21 - ع : ابن الوليد ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن ، أورمة ، عن داود بن
أبي يزيد ، عن عبدالله بن هلال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لم ألقي إبراهيم عليه السلام في النار
فلقاه جبرئيل في الهواء وهو يهوي فقال يا إبراهيم ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا . ( 3 )
22 - ع : بهذا الاسناد عن ابن أورمة ، عن الحسن بن علي ، عن بعض أصحابنا ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما ألقي إبراهيم في النار أوحى الله عزوجل إليها : وعزتي و
جلالي لئن آذيته لاعذبنك وقال : لما قال الله عزوجل : " يا نار كوني بردا وسلاما على
إبراهيم " ما انتفع أحد بها ثلاثة أيام ، وما سخنت ماؤهم . ( 4 )
23 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن
اورمة ، عن الحسين بن علي ، عن عمر ، عن أبان ، ( 5 ) عن حجر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
خالف إبراهيم عليه السلام قومه وعادى آلهتهم حتى ادخل على نمرود فخاصمه ، فقال إبراهيم :
" ربي الذي يحيي ويميت " الآية ، وكان في عيد لهم دخل على آلهتهم ، قالوا : ما اجترأ
عليها إلا الفتى الذي يعيبها ويبرء منها ، فلم يجدوا له مثلة أعظم من النار ، فأخبروا نمرود
* ( هامش ) * ( 1 ) القليب : البئر .
( 2 ) الخصال : 2 : 34 . م
( 3 و 4 ) علل الشرائع : 24 . م
( 5 ) في نسخة : عن عمر بن أبان . ( * )
[ 39 ]
فجمع له الحطب وأوقد عليه ثم وضعه في المنجنيق ليرمي به في النار ، وإن إبليس دل على
عمل المنجنيق لابراهيم عليه السلام . ( 1 )
24 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن
أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أخبرني أبي عن جدي ، عن
النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل قال : لما أخذ نمرود إبراهيم ليلقيه في النار قلت : يارب عبدك و
خليلك ليس في أرضك أحد يعبدك غيره ، قال الله تعالى : هو عبدي آخذه إذا شئت . ولما ألقي
إبراهيم عليه السلام في النار تلقاه جرئيل عليه السلام في الهواء وهو يهوي إلى النار . فقال : يا إبراهيم
لك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا ، وقال : " يا الله يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد نجني من النار برحمتك " فأوحى الله تعالى إلى النار : كوني بردا
وسلاما على إبراهيم . ( 2 )
25 - ما : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم
عن الحسن بن علي الزعفراني ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن
سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان لنمرود مجلس يشرف منه على النار ، فلما كان بعد
ثالثة أشرف على النار هو وآزر فإذا إبراهيم عليه السلام مع شيخ يحدثه في روضة خضراء ،
قال : فالتفت نمرود إلى آزر فقال : ياأزر ما أكرم ابنك على ربه ! قال : ثم قال نمرود
لابراهيم : اخرج عني ولا تساكني . ( 3 )
26 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن
البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن مروان ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان دعاء
إبراهيم عليه السلام يومئذ : يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم توكلت
الله على الله فقال : كفيت . وقال : لما قال الله تعالى للنار : " كوني بردا وسلاما على
إبراهيم " لم يعمل يومئذ نار على وجه الارض ، ولا انتفع بها أحد ثلاثة أيام ، قال : فنزل ( 4 )
جبرئيل يحدثه وسط النار ، قال نمرود : من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم ،
* ( هامش ) * ( 1 و 2 ) مخطوط . م
( 3 ) أمالى الشيخ : ص 58 . م
( 4 ) في نسخة : ونزل جبرئيل . ( * )
[ 40 ]
فقال عظيم من عظمائهم : إني عزمت على النيران أن لا تحرقه ، قال : فخرجت عنق من النار ( 1 )
فأحرقته ، وكان نمرود ينظر بشرفة على النار ، فلما كان بعد ثلاثة أيام قال نمرود لآزر :
اصعد بنا حتى ننظر ، فصعدا فإذا إبراهيم في روضة خضراء ومعه شيخ يحدثه ، قال : فالتفت
نمرود إلى آزر فقال : ما أكرم ابنك على الله ! والعرب تسمي العم أبا ، قال تعالى في قصة
يعقوب : " قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق " وإسماعيل كان عم
يعقوب وقد سماه أبا في هذه الآية . ( 2 )
27 ( ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن النقاش ، عن ابن عقدة ، عن علي بن الحسن
ابن فضال ، عن أبيه ، عن الرضا عليه السلام قال : لما رمى إبراهيم في النار دعا الله بحقنا فجعل الله
النار عليه بردا وسلاما . ( 3 )
28 - م : قال الامام عليه السلام : قال النبي صلى الله عليه وآله في احتجاجه على اليهود : بمحمد
وآله الطيبين نجى الله تعالى نوحا من الكرب العظيم ، وبرد الله النار على إبراهيم و
جعلها عليه سلاما ، ومكنه في جوف النار على سرير وفراش وثير ( 4 ) لم ير ذلك الطاغية
مثله لاحد من ملوك الارض ، وأنبت من حواليه من الاشجار الخضرة النضرة النزهة وغمر ما
حوله من أنواع النور بما لا يوجد إلا في فصول أربعة من السنة . ( 5 )
29 - فض : ضه : عن مجاهد ، عن أبي عمرو وأبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وآله
في خبر طويل قال : إن إبراهيم عليه السلام هرب به أبوه من الملك الطاغي فوضعته امه بين تلال
بشاطئ نهر متدفق يقال له حزران من غروب الشمس إلى إقبال الليل ، فلما وضعته
واستقر على وجه الارض قام من تحتها يمسح وجهه ورأسه ويكثر من شهادة أن لا إله إلا
الله ، ثم أخذ ثوبا واتشح به ( 6 ) وامه تراه فذعرت منه ذعرا شديدا ، ثم مضى يهرول
بين يديها مادا عينيه إلى السماء فكان منه ما قال الله عزوجل : " وكذلك نري إبراهيم
" هامش " ( 1 ) في النهاية : يخرج عنق من النار أى طائفة .
( 2 - 3 ) مخطوط .
( 4 ) وثر الفراش : وطؤ ولان فهو وثير .
( 5 ) تفسير الامام : 115 . وفى نسخة : بما لا يوجد في فصول أربعة من السنة .
( 6 ) اتشح بثوبه : لبسه أو أدخله تحت إبطه فألقاه عن منكبه . ( * )
[ 41 ]
ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا "
إلى آخر الآيات . ( 1 )
30 - ك : أبي وابن الوليد معا ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن
هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن ابي عبدالله عليه السلام قال : كان أبوإبراهيم منجما لنمرود بن
كنعان ، وكان نمرود لا يصدر إلا عن رأيه ، فنظر في النجوم ليلة من الليالي فأصبح فقال :


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 41 سطر 6 الى ص 49 سطر 6

لقد رأيت في ليلتي هذه عجبا ، فقال له نمرود : وما هو ؟ فقال : رأيت مولودا يولد في آرضنا
هذه يكون هلاكنا على يديه ، ولا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به ، فعجب من ذلك نمرود
وقال : هل حمل به النساء ؟ فقال : لا ، وكان فيما اوتي من العلم أنه سيحرق بالنار ، ولم
يكن اوتي أن الله سينجيه ، قال : فحجب النساء عن الرجال فلم يترك امرأة إلا جعلت
بالمدينة حتى لا يخلص إليهن الرجال ، قال : وباشر أبوإبراهيم امرأته فحملت به فظن
أنه صاحبه ، فأرسل إلى نساء من القوابل لا يكون في البطن شئ إلا علمن به ، فنظرن
إلى ام إبراهيم فألزم الله تبارك وتعالى ذكره ما في الرحم الظهر ، فقلت : ما نرى شيئا في بطنها ،
فلما وضعت ام إبراهيم أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود ، فقالت له امرأته : لا تذهب
بابنك إلى نمرود فيقتله ، دعني أذهب به إلى بعض الغيران ( 2 ) أجعله فيه حتى يأتي عليه
أجله ولا تكون أنت تقتل ابنك ، فقال لها : فاذهبي ، فذهبت به إلى غار ثم أرضعته ، ثم
جعلت على باب الغار صخرة ، ثم انصرفت عنه ، فجعل الله رزقه في إبهامه فجعل يمصها
فيشرب لبنا ، وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة ، ويشب في الجمعة كما
يشب غيره في الشهر ، ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة ، فمكث ما شاء الله أن يمكث ،
ثم إن امه قالت لابيه : لو أذنت لي أن أذهب إلى ذلك الصبي فأراه فعلت ، قال : ففعل ( 3 )
فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم عليه السلام وإذا عيناه تزهران كأنهما سراجان ، فأخذته وضمته
إلى صدرها وأرضعته ثم انصرفت عنه ، فسألها أبوه عن الصبي فقالت : قد واريته في التراب ،
فمكثت تعتل فتخرج في الحاجة وتذهب إلى ابراهيم عليه السلام فتضمه إليها وترضعه ، ثم
* ( هامش ) * ( 1 ) الروضة : 134 . م
( 2 ) جمع الغار : الكهف .
( 3 ) في المصدر : قال : فافعلى . م ( * )
[ 42 ]
تنصرف ، فلما تحرك أتته امه كما كانت تأتيه وصنعت كما كانت تصنع ، فلما أرادت
الانصراف أخذ ثوبها ، فقالت له : مالك ؟ فقال : اذهبي بي معك ، فقالت له : حتى أستأمر ( 1 )
أباك ، فلم يزل إبراهيم في الغيبة مخفيا لشخصه كاتما لامره حتى ظهر فصدع بأمر الله تعالى
ذكره وأظهر الله قدرته فيه . ( 2 )
31 - ص : بالاسناد إلى الصدوق بهذا الاسناد عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : كان آزر عم إبراهيم عليه السلام نجما لنمرود ، وكان لا يصدر إلا عن رأيه ، فقال : لقد
رأيت في ليلتي عجبا ، فقال : ما هو ؟ قال : إن مولودا يولد في أرضنا هذه يكون هلاكنا
على يديه ، فحجبت الرجال عن النساء وكان تارخ وقع على ام إبراهيم فحملت . وساق
الحديث إلى آخره . ( 3 )
بيان : الظاهر أن ما رواه الراوندي هو هذا الخبر بعينه ، وإنما غيره ليستقيم
على اصول الامامية ، ( 4 ) وسيأتي القول فيه .
وقوله عليه السلام : ( وجعل يشب في اليوم ) الظاهر أن التشبيه في الفقرات لمحض كثرة
النمو لا في خصوص المقادير كما هو الشائع في المحاورات ، ويحتمل أن يكون المراد أنه كان
يشب في الاسبوع الاول كل يوم كما يشب غيره في اسبوع وإلى تمام الشهر كان ينمو
كل اسبوع كما ينمو غيره في الشهر ، وإلى تمام السنة كان نموه كل شهر كنمو غيره في سنة .
32 - ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن
يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما دخل يوسف عليه السلام على
الملك يعني نمرود قال : كيف أنت يا إبراهيم ؟ قال : إني لست بإبراهيم ، أنا يوسف بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال : وهو صاحب إبراهيم الذي حاج إبراهيم في ربه ، قال :
وكان أربعمائة سنة شابا . ( 5 )
33 - سن : أبي ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن علي بن محمد ، عن زكريا بن يحيى
* ( هامش ) * ( 1 ) استأمره : شاوره .
( 2 ) كمال الدين : 82 - 83 . م
( 3 و 5 ) مخطوط . م
( 4 ) هذا تدليس ، والراوندى من اعاظم العلماء وهو أجل من ذلك ، فلعله وجد الخبر هكذ . ( * )
[ 43 ]
رفعه إلى علي بن الحسين عليه السلام أن هاتفا يهتف به ( 1 ) فقال : يا علي بن الحسين أي شئ كانت
العلامة بين يعقوب ويوسف ؟ فقال : لما قذف إبراهيم عليه السلام في النار هبط عليه جبرئيل
عليه السلام بقميص فضة ( 2 ) فألبسه إياه ففرت عنه النار ونبت حوله النرجس ، فأخذ
إبراهيم عليه السلام القميص فجعله في عنق إسحاق في قصبة فضة ، وعلقها إسحاق في عنق يعقوب ،
وعلقها يعقوب في عنق يوسف عليه السلام وقال له : إن نزع هذا القميص من بدنك علمت أنك
ميت أوقد قتلت ، فلما دخل عليه إخوته أعطاهم القصبة وأخرجوا القميص فاحتملت
الريح رائحته فألقتها على وجه يعقوب بالاردن فقال : إني لاجد ريح يوسف لولا أن
تفندون . ( 3 )
34 - شى : عن حنان بن سدير ، عن رجل من أصحاب أبي عبدالله عليه السلام قال :
سمعته يقول : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة لسبعة نفر : أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه
ونمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه . ( 4 )
35 - أقول : روى الشيخ أحمد بن فهد في المهذب وغيره بأسانيدهم عن المعلى بن
خنيس عن أبي عبدالله عليه السلام قال : يوم النيروز هو اليوم الذي كسر فيه إبراهيم عليه السلام
أصنام قومه . ( 5 )
36 - شى : عن الحارث ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : إن نمرود أراد أن
ينظر إلى ملك السماء فأخذ نسورا أربعة فرباهن وجعل تابوتا من خشب وأدخل فيه
رجلا ، ثم شد قوائم النسور بقوائم التابوت ، ثم جعل في وسط التابوت عمودا وجعل في
رأس العمود لحما ، فلما رأى النسور اللحم طرن وطرن بالتابوت والرجل فارتفعن إلى
السماء فمكث ما شاء الله ، ثم إن الرجل أخرج من التابوت رأسه فنظر إلى السماء فإذا هي
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : إن هاتفا هتف به .
( 2 ) استظهر في الهامش أن الصحيح : بقميص في قصبة .
( 3 ) لم نجده . م
( 4 ) تفسير العياشى مخطوط . م
( 5 ) المهذب البارع مخطوط . م ( * )
[ 44 ]
على حالها ، ونظر إلى الارض فإذا هو لا يرى الجبال إلا كالذر ، ثم مكث ساعة فنظر إلى
السماء فإذا هي على حالها ، ونظر إلى الارض فإذا هو لا يرى إلا الماء ، ثم مكث ساعة فنظر
إلى السماء فإذا هي على حالها ، ونظر إلى الارض فإذا هو لا يرى شيئا ، ثم وقع في ظلمة
لم ير ما فوقه وما تحته ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضات ، ( 1 ) فلما نظرت الجبال
إليهن وقد أقبلن منقضات وسمعت حفيفهن فزعت وكادت أن تزول مخافة أمر السماء ( 2 )
وهو قول الله : " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " . ( 3 )
37 - كا : في الروضة : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن البزنطي ، عن أبان بن عثمان ،
عن ححر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : خالف إبراهيم عليه السلام قومه وعاب آلهتهم حتى ادخل
على نمرود فخاصمهم ، ( 4 ) فقال إبراهيم عليه السلام " ربي الذي يحيى ويميت قال أنا احيي
واميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي
كفر والله لا يهدي القوم الظالمين " وقال أبوجعفر عليه السلام : عاب آلهتهم ونظر نظرة في النجوم
فقال : إني سقيم ، قال أبوجعفر عليه السلام : والله ما كان سقيما وماكذب ، فلما تولوا عنه مدبرين
إلى عيد لهم دخل إبراهيم عليه السلام إلى آلهتهم بقدوم فكسرها إلا كبيرا لهم ، ووضع القدوم
في عنقه فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها فقالوا : لا والله ما اجترأ عليها ولا كسرها
إلا الفتى الذي كان يعيبها ويبرء منها ، فلم يجدوا له قتلة أعظم من النار ، فجمع له الحطب
واستجادوه حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه برز له نمرود وجنوده وقد بني له بناء لينظر
إليه كيف تأخذه النار ، ووضع إبراهيم عليه السلام في منجنيق وقالت الارض : يارب ليس على
ظهري أحد ( 5 ) يعبدك غيره يحرق بالنار ، قال الرب : إن دعاني كفيته . ( 6 )
38 - كا : علي ، عن أبيه ، وعدة من أصحابنا عن سهل جميعا ، عن ابن محبوب ،
عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن إبراهيم عليه السلام
* ( هامش ) * ( 1 ) من أنقضت العقاب : صوتت .
( 2 ) في نسخة : مخافة من أمر السماء .
( 3 ) مخطوط . م
( 4 ) في نسخة : فخاصمه .
( 5 ) في نسخة : ليس على ظهرى عبد اه .
( 6 ) الروضة 368 - 369 . م ( * )
[ 45 ]
كان مولده بكوثى ربى وكان أبوه من أهلها ، وكانت ام إبراهيم وام لوط ( 1 ) سارة وورقة
- وفي نسخة رقبة - ( 2 ) اختين وهما ابنتان للاحج ، وكان لا حج نبيا منذرا ولم يكن
رسولا ، ( 3 ) وكان إبراهيم عليه السلام في شبيبته على الفطرة التي فطر الله عزوجل الخلق عليها
حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه ، وإنه تزوج سارة ابنة لا حج وهي ابنة
خالته ، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة ، وكانت قد ملكت
إبراهيم جميع ما كانت تملكه ، فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية والزرع حتى لم يكن
بأرض كوثى ربى رجل أحسن حالا منه ، وإن إبراهيم عليه السلام لما كسر أصنام نمرود وأمر به
نمرود فأوثق وعمل له حيرا وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار ثم قذف إبراهيم عليه السلام في النار
لتحرقه ، ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم سليما مطلقا من
وثاقه ، فاخبر نمرود خبره فأمرهم أن ينفوا إبراهيم من بلاده ، وأن يمنعوه من الخروج بما شيته
وماله ، فحاجهم إبراهيم عليه السلام عند ذلك فقال : إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي
عليكم أن تردوا علي ماذهب من عمري في بلادكم ، واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى
على إبراهيم عليه السلام أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم ، وقضى على أصحاب نمرود
أن يردوا على إبراهيم عليه السلام ما ذهب من عمره في بلادهم ، واخبر بذلك نمرود فأمرهم
أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله وأن يخرجوه ، وقال : إنه إن بقي في بلادكم
أفسد دينكم وأضر بآلهتكم ، فأخرجوا إبراهيم ولوطا معه من بلادهم إلى الشام ، فخرج
إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة ، وقال لهم : " إني ذاهب إلى ربي سيهدين " يعني إلى
بيت المقدس ، فتحمل إبراهيم عليه السلام بما شيته وماله وعمل تابوتا وجعل فيه سارة وشد عليها
الاغلاق غيرة منه عليها ، ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وسار إلى سلطان رجل
* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا في أكثر النسخ وفى بعضها : امرأة ابراهيم وامرأة لوط . وهو الصحيح ويدل عليه
ما يأتي بعد ذلك أنه تزوج سارة ابنة لا حج . وفى تاريخ اليعقوبي : أن سارة كانت بنت خاران بن
ناحور عمه . وفى العرائس : أنها كانت بنت ناحور . وفى الاول أن لوط كان ابن خاران بن تارخ
وفى الثانى انه ابن هاران بن تارخ .
( 2 ) في المصدر : رقية . م
( 3 ) أى لم يكن رسولا صاحب شريعة ، أو لم يكن ممن يعاين الملك . ( * )
[ 46 ]
من القبط يقال له عرارة ، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ( 1 ) ليعشر ما معه ، فلما انتهى
إلى العاشر ومعه التابوت قال العاشر لابراهيم عليه السلام : افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه ، فقال
له إبراهيم عليه السلام : قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطي عشره ولا نفتحه ، قال : فأبى العاشر
إلا فتحه ، قال : وغضب إبراهيم عليه السلام على فتحه ، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن
والجمال قال له العاشر : ما هذه المرأة منك ؟ قال إبراهيم : هي حرمتي وابنة خالتي ، فقال له
العاشر : فما دعاك إلى أن خبيتها في هذا التابوت ؟ فقال إبراهيم عليه السلام : الغيرة عليها أن يراها
أحد ، فقال له العاشر : لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك ، قال : فبعث رسولا إلى
الملك فأعلمه فبعث الملك رسولا من قبله ليأتوه بالتابوت فأتوا ليذهبوا به ، فقال لهم إبراهيم
عليه السلام : إني لست افارق التابوت حتى يفارق روحي جسدي ، فأخبروا الملك بذلك
فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه ، فحملوا إبراهيم عليه السلام والتابوت وجميع ماكان معه
حتى أدخل على الملك ، فقال له الملك : افتح التابوت ، فقال له إبراهيم عليه السلام : أيها الملك
إن فيه حرمتي وبنت خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع مامعي ، قال : فغصب الملك إبراهيم
على فتحه ، فلما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها ، فأعرض إبراهيم عليه السلام
وجهه عنها وعنه غيرة منه وقال : اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي ، فلم تصل يده
إليها ولم ترجع إليه ، فقال له الملك : إن إلهك هو الذي فعل بي هذا ؟ فقال له : نعم إن
إلهي غيور يكره الحرام ، وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام ، فقال له الملك :
فادع إلهك يرد علي يدي فإن أجابك فلم أعرض لها ، فقال إبراهيم عليه السلام : إلهي رد إليه
يده ليكف عن حرمتي ، قال : فرد الله عزوجل إليه يده فأقبل الملك نحوها ببصره ثم
عاد بيده نحوها ، فأعرض إبراهيم عنه بوجهه غيرة منه وقال : اللهم احبس يده عنها ، قال :
فيبست يده ولم تصل إليها ، فقال الملك لابراهيم عليه السلام : إن إلهك لغيور وإنك لغيور
فادع إلهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد ، فقال إبراهيم عليه السلام : أسأله ذلك على
أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله ، فقال له الملك : نعم ، فقال إبراهيم : اللهم إن كان
صادقا فرد يده عليه فرجعت إليه يده ، فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ورأى الآية
* ( هامش ) * ( 1 ) العاشر : آخذ العشر . ( * )
[ 47 ]
في يده عظم إبراهيم وهابه وأكرمه وأتقاه وقال له : قد أمنت من أن أعرض لها أو لشئ
مما معك فانطلق حيث شئت ، ولكن لي إليك حاجة ، فقال إبراهيم عليه السلام : ما هي ؟ فقال
له : احب أن تأذن لي أن اخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما ، قال :
فأذن له إبراهيم فدعا بها فوهبها لسارة وهي هاجر ام إسماعيل ، فسار إبراهيم بجميع ما
معه ، وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم إعظاما لابراهيم عليه السلام وهيبة له ، فأوحى الله
تبارك وتعالى إلى إبراهيم : أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشي وهو خلفك ،
ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه فإنه مسلط ، ولابد من إمرة في الارض
برة أو فاجرة ، فوقف إبراهيم عليه السلام وقال للملك : امض فإن إلهي أوحى إلي الساعة أن
اعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشي خلفك إجلالا لك ، فقال له الملك : أوحى
إليك بهذا ؟ فقال له إبراهيم : نعم ، فقال له الملك : اشهد أن إلهك لرفيق حليم كريم ،
وأنك ترغبني في دينك ، قال : وودعه الملك فسار إبراهيم حتى نزل بأعلى الشامات ، و
خلف لوطا عليه السلام في أدنى الشامات ، ثم إن إبراهيم عليه السلام لما أبطأ عليه الولد قال لسارة :
لو شئت لبعتيني ( 1 ) هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا : فابتاع إبراهيم
عليه السلام هاجر من سارة فوقع عليها فولدت إسماعيل عليه السلام . ( 2 )
ايضاح : كوثى ربى كان قرية من قرى الكوفة كما ذكره المؤرخون ، ( 3 ) والذي
ذكره اللغويون هو كوثى ، قال الجزري : كوثى العراق هي سرة السواد وبها ولد إبراهيم
الخليل عليه السلام انتهى . والشبيبة : الحداثة والشباب . قوله : ( ابنة لاحج ) الظاهر أن كلمة
ابنة كانت مكررة فأسقط إحداهما النساخ لتوهم التكرار ، ويحتمل أن يكون المراد
ابنة الابنة مجازا ، أو يكون المراد بلاحج ثانيا غير الاول . ( 4 ) والحير بالفتح : شبه
الحظيرة . ويقال : عشرت القوم أعشرهم بالضم : إذا أخذت عشر أموالهم . وغصب فلانا على
الشئ أي قهره .
* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا في النسخ وفى المصدر : لبعتنى . وهو الصحيح . م
( 2 ) الروضة 370 - 373 . م
( 3 ) تقدم تفسيره عن ياقوت .
( 4 ) أوأن الصحيح امرأة ابراهيم وامرأة لوط كما تقدم عن نسخة ، وعليها لا إشكال . ( * )
[ 48 ]
ثم إن ههنا فوائد لابد من التعرض لها :
الاولى : اعلم أن العامة اختلفوا في والد إبراهيم عليه السلام قال الرازي في تفسير
قوله تعالى : " وإذ قال إبراهيم لابيه آزر " : ظاهر هذه الآية تدل على أن اسم والد إبراهيم
هو آزر ، ومنهم من قال : اسمه تارخ ، وقال الزجاج : لا خلاف بين النسابيين أن اسمه
تارخ ، ومن الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن .
أقول : ثم ذكر لتوجيه ذلك وجوها إلى أن قال : والوجه الرابع أن والد إبراهيم
كان تارخ وآزر كان عما له ، والعم قد يطلق عليه لفظ الاب كما حكى الله عن أولاد يعقوب
أنهم قالوا : " نعبد إلهك وآله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق " ( 1 ) ومعلوم أن
إسماعيل كان عما ليعقوب ، وقد أطلقوا عليه لفظ الاب فكذا ههنا .
أقول : ثم قال بعد كلام : قالت الشيعة أن أحدا من آباء الرسول وأجداده ما كانوا
كافرا ، وأنكروا أن والد إبراهيم كان كافرا ، وذكروا أن آزركان عم إبراهيم وما كان
والدا له واحتجوا على قولهم بوجوه : الحجة الاولى : أن آباء نبينا ما كانوا كفارا و
يدل عليه وجوه :
منها : قوله تعالى : " الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين " ( 2 ) قيل :
معناه أنه كان ينقل روحه من ساجد إلى ساجد ، وبهذا التقدير فالآية دالة على أن جميع
آباء محمد صلوات الله عليهم أجمعين كانوا مسلمين ، وحينئذ يجب القطع بأن والد إبراهيم
كان مسلما ، ثم قال : ومما يدل أيضا على أن أحدا من آباء محمد صلوات الله عليهم ماكانوا
مشركين قوله صلى الله عليه وآله : " لم أزل انقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " و
قال تعالى : " إنما المشركون نجس " ( 3 ) وذلك يوجب أن يقال : إن أحدا من أجداده
ما كان من المشركين انتهى . ( 4 )
وقال الشيخ الطبرسي قدس الله روحه بعد نقل مامر من كلام الزجاج : وهذا
* ( هامش ) * ( 1 ) البقرة : 133 .
( 2 ) الشعراء : 119 .
( 3 ) التوبة : 28 .
( 4 ) مفايتح الغيب 4 : 72 - 73 . م ( * )
[ 49 ]
الذي قاله الزجاج يقوي ما قاله أصحابنا إن آزر كان جد إبراهيم لامه ( 1 ) أو كان عمه
من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلوات الله عليهم إلى آدم كلهم كانوا موحدين ، و
أجمعت الطائفة على ذلك انتهى . ( 2 )
أقول : الاخبار الدالة على إسلام آباء النبي صلوات الله عليهم من طرق الشيعة
مستفيضة بل متواترة ، وقد عرفت إجماع الفرقة المحقة على إسلام ولد إبراهيم بنقل المخالف
والمؤالف ، فالاخبار الدالة على أنه كان آباه حقيقة محمولة على التقية . ( 3 )


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 49 سطر 7 الى ص 57 سطر 7

الثانية في قول إبراهيم عليه السلام " إني سقيم " واختلف في معناه على أقوال :
أحدها : أنه عليه السلام نظر في النجوم فاستدل بها على وقت حمى كانت تعتورة ، فقال
" إني سقيم " أراد أنه قد حضر وقت علته وزمان نوبتها ، فكأنه قال : إني سأسقم لا محالة
وحان الوقت الذي يعتريني فيه الحمى ، وقد يسمى المشارف للشئ باسم الداخل فيه ،
قال الله تعالى : " إنك ميت وانهم ميتون " ( 4 )
وثانيها : أنه نظر في النجوم كنظرهم لانهم كانوا يتعاطون علم النجوم فأوهمهم
أنه يقول بمثل قولهم فقال عند ذلك : " إني سقيم " فتركوه ظنا منهم أن نجمه يدل
على سقمه .
وثالثها : أن يكون الله أعلمه بالوحي أنه سيسقمه في وقت مستقبل ، وجعل العلامة
على ذلك إما طلوع نجم على وجه مخصوص ، أو اتصاله بآخر على وجه مخصوص ، فلما
رأى إبراهيم تلك الامارة قال : " إني سقيم " تصديقا لما أخبره الله تعالى .
* ( هامش ) * ( 1 ) قال المسعودى في اثبات الوصية : وقام تارخ وهو ابوابراهيم الخليل بالامر في أربع
وستين سنة من ملك رهو بن طهمسعان . وفى رواية اخرى أربع وثمانين سنة وهو نمرود ، وروى عن
العالم انه قال : إن آزر كان جد ابراهيم لامه منجما لنمرود وهورهو بن طهمسعان ، ومضى تارخ و
ابراهيم مولود صغير .
( 2 ) مجمع البيان 4 : 321 - 322 . م
( 3 ) وحيث اطلق الاب في القرآن الكريم على العم أو جد الام مجازا فالائمة صلوات الله عليهم
اتبعوا القرآن فاستعملوا لفظة اب وارادوا العم أوجد الام حتى لا يكون كلامهم مخالفا للكتاب
العزيز .
( 4 ) الزمر : 30 . ( * )
[ 50 ]
ورابعها : أن معنى قوله : " إني سقيم " إني سقيم القلب أوالرأي حزنا من
إصرار القوم على عبادة الاصنام وهي لا تسمع ولا تبصر ، ويكون على هذا معنى نظره في
النجوم فكرته في آنها محدثة مخلوقة مدبرة ، وتعجبه في أنه كيف ذهب على العقلاء ذلك
من حالها حتى عبدوها .
وخامسها : أن معناه : نظر في النجوم نظر تفكر فاستدل بها كما قصه الله في سورة الانعام
على كونها محدثة غير قديمة ولا آلهة ، وأشار بقوله : " إني سقيم " إلى أنه في حال مهلة النظر ،
وليس على يقين من الامر ولا شفاء من العلم ، وقد يسمى الشك بأنه سقم كما يسمى العلم بأنه
شفاء ذكره أبومسلم ، ولا يخفى ضعفه . هذا ما ذكره القوم من الوجوه ، وقد عرفت مما أوردنا من
الاخبار في هذا الباب وباب العصمة أن الظاهر منها أنه عليه السلام أوهمهم بالنظر في النجوم موافقتهم
وقال : " إني سقيم " تورية ، وقد وردت أخبار كثيرة في تجويز الكذب والتورية عند
التقية وفيها الاستدلال بهذه الآية وبيان أنها لكونها على جهة التورية والمصلحة ليست
بكذب ، وما ذكر من الوجوه يصلح للتورية ; وقد مر أنه كان مراده حزن القلب بما يفعل
بالحسين عليه السلام ; وقيل : يمكن أن يكون على وجه التعريض بمعنى أن كل من كتب عليه
الموت فهو سقيم وإن لم يكن به سقم في الحال .
الثالثه قوله عليه السلام : " هذا ربي " وفي تأويله وجوه :
الاول : أنه عليه السلام إنما قال ذلك عند كمال عقله في زمان مهلة النظر فإنه تعالى
لما أكمل عقله وحرك دواعيه على الفكر والتأمل رأى الكوكب فأعظمه وأعجبه نوره و
حسنه وبهاؤه ، وقد كان قومه يعبدون الكواكب فقال : " هذا ربي " على سبيل الفكر ، فلما
غاب علم أن الافول لايجوز على الاله ، فاستدل بذلك على أنه محدث مخلوق ، وكذلك
كانت حاله في رؤية القمر والشمس ، وقال في آخر كلامه : " ياقوم إني برئ مما تشركون "
وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى وعلمه بأن صفات المحدثين لاتجوز عليه ، و
يحتمل أن يكون هذا قبل البلوغ والتكليف وبعده ، والاول هو مختار الاكثر وهو
أظهر ، وإلى هذا الوجه يشير بعض الاخبار السالفة ، ويمكن حملها على بعض الوجوه الآتية
كما لا يخفى . ( * )
[ 51 ]
الثاني : أنه عليه السلام كان عارفا بعدم صلاحيتها للربوبية ، ولكن قال ذلك في مقام
الاحتجاج على عبدة الكواكب على سبيل الفرض الشائع عند المناظرة ، فكأنه أعاد
كلام الخصم ليلزم عليه المحال ، ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك : " وتلك حجتنا آتيناها
إبراهيم " .
الثالث : أن يكون المراد : هذا ربي في زعمكم واعتقادكم ، ونظيره أن يقول الموحد
للمجسم : إن إلهه جسم محدود ، أي في زعمه واعتقاده ، وقوله تعالى : " وانظر إلى إلهك الذي
ظلت عليه عاكفا " .
الرابع : أن المراد منه الاستفهام على سبيل الانكار إلا أنه أسقط حرف الاستفهام
عنه كما هو الشائع .
الخامس : أن يكون القول مضمرا فيه ، والتقدير ، قال : يقولون هذا ربي ، و
إضمار القول كثير ، كقوله تعالى : " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا " ( 1 )
أي يقولان .
السادس : أن يكون قوله ذلك على سبيل الاستهزاء كما يقال لذليل ساد قوما : هذا
سيدكم ! على وجه الهزؤ .
السابع : أنه عليه السلام أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب إلا أنه كان قد عرف
من تقليدهم لاسلافهم وبعد طبائعهم عن قبول الدلائل أنه لوصرح بالدعوة إلى الله لم
يقبلوه ولم يلتفتوا إليه ، فمال إلى طريق به يتسدرجهم إلى استماع الحجة ، وذلك بأنه
ذكر كلاما يوهم كونه مساعدا لهم على مذهبهم ، مع أن قلبه كان مطمئنا بالايمان
فكأنه بمنزلة المكره على إجراء كلمة الكفر على اللسان على وجه المصلحة لاحياء الخلق
بالايمان .
الرابعة وجه استدلاله عليه السلام بالافول على عدم صلاحيتها للربوبية ، قال الرازي
في تفسيره : الافول عبارة عن غيبوبة الشئ بعد ظهوره . وإذا عرفت هذا فلسائل أن يقول :
الافول إنما يدل على الحدوث من حيث إنه حركة ، وعلى هذا يكون الطلوع أيضا دليلا على
* ( هامش ) * ( 1 ) البقرة : 127 . ( * )
[ 52 ]
الحدوث ، فلم ترك إبراهيم عليه السلام الاستدلال على حدوثها بالطلو ، وعول في إثبات هذا
المطلوب على الافول ؟ والجواب أنه لا شك أن الطلوع والغروب يشتركان في الدلالة على
الحدوث إلا أن الدليل الذي يحتج به الانبياء في معرض دعوة الخلق كلهم إلى الاله
لابد وأن يكون ظاهرا جليا بحيث يشترك في فهمه الذكي والغبي والعاقل ، ودلالة
الحركة على الحدوث وإن كانت يقينية إلا أنها دقيقة لا يعرفها إلا الافاضل من الخلق ،
وأما دلالة الافول فكانت على هذا المقصود أتم ; وأيضا قال بعض المحققين : الهوي في
خطيرة الامكان أفول ، ( 1 ) وأحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الاوساط
وحصة العوام ، فالخواص يفهمون من الافول الامكان ، وكل ممكن محتاج ، والمحتاج
لا يكون مقطعا للحاجة ، ( 2 ) فلابد من الانتهاء إلى ما يكون منزها عن الامكان حتى
تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال : " وأن إلى ربك المنتهى " ( 3 ) وأما الاوساط
فإنهم يفهمون من الافول مطلق الحركة ، فكل متحرك محدث ، وكل محدث فهو محتاج
إلى القديم القادر ، فلا يكون الآفل إلها بل الاله هو الذي احتاج إليه هذا الآفل ، وأما
العوام فإنهم يفهمون من الافول الغروب وهم يشاهدون أن كل كوكب يقرب من
الافول ، فإنه يزول نوره وينتقص ضوؤه ويذهب سلطانه ويصير كالمعدوم ، ومن كان كذلك
فإنه لم يصلح للالهية ، فهذه الكلمة الواحدة أعني قوله : " لا احب الآفلين " كلمة
مشتملة على نصيب المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، فكانت أكمل الدلائل و
أفضل البراهين ، وفيه دقيقة اخرى وهي أنه عليه السلام إنما كان يناظرهم وهم كانوا منجمين ،
ومذهب أهل النجوم أن الكواكب إذا كان في الربع الشرقي ويكون صاعدا إلى وسط
السماء كان قويا عظيم التأثير ، وأما إذا كان غريبا وقريبا من الافول فإنه يكون ضعيف
الاثر ، قليل القوة ، فنبه بهذه الدقيقة على أن الاله هو الذي لا يتغير قدرته إلى العجز ،
وكماله إلى النقص ، ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف
القوة ، ناقص التأثير ، عاجزا عن التدبير ، وذلك يدل على القدح في إلهيته ، فظهر أن
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : في خطرة الامكان . م
( 2 ) في المصدر : مقطوع الحاجة . م
( 3 ) النجم : 42 . ( * )
[ 53 ]
على قول المنجمين للافول مزيد اختصاص في كونه موجبا للقدح في الالهية انتهى . ( 1 )
أقول : يمكن إرجاع كلامه عليه السلام إلى الدليل المشهور بين المتكلمين من عدم
الانفكاك عن الحوادث ، والاستدلال به على إمكانها وافتقارها إلى المؤثر ، أو إلى أنها
محل للتغيرات والحوادث ، والواجب تعالى لايكون كذلك ، أو إلى أن الافول والغروب
نقص وهو لا يجوز على الصانع ، أو إلى أن هذه الحركة الدائمة المستمرة تدل على أنها
مسخرة لصانع كما مر في كتاب التوحيد ، والعقل يحكم بأن الصانع مثل هذا الخلق
لا يكون مصنوعا ، أو أن الغيبة والحضور والطلوع والافول من خواص الاجسام ويلزمها
الامكان لوجوه شتى ، ولعل الوجه الثاني والثالث بتوسط ما ذكره الرازي أخيرا أظهر
الوجوه ، وأما ماسواهما فلايخفى بعدها ، ولنقتصر على ذلك فإن بسط القول في تلك البراهين
يوجب الاطناب الذي عزمنا على تركه في هذا الكتاب .
الخامسة . تأويل قوله تعالى : " بل فعله كبيرهم " ويمكن توجيهه بوجوه :
الاول : ما ذكره السيد المرتضى قدس الله روحه وهو أن الخبر مشروط غير
مطلق لانه قال : " إن كانوا ينطقون " ومعلوم أن الاصنام لا تنطق ، وأن النطق
مستحيل عليها ، فما علق بهذا المستحيل من الفعل أيضا مستحيل ، وإنما أراد إبراهيم عليه السلام
بهذا القول تنبيه القوم وتوبيخهم وتعنيفهم بعبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يقدر أن يخبر
عن نفسه بشئ ، فقال : إن كانت هذه الاصنام تنطق فهي الفاعلة للتكسير ، لان من يجوز
أن ينطق يجوز أن يفعل ، وإذا علم استحالة النطق عليها علم استحالة الفعل ، وعلم باستحالة
الامرين أنه لا يجوز أن تكون آلهة معبودة ، وأن من عبدها ضال مضل ، ولا فرق بين
قوله : إنهم فعلوا ذلك إن كانوا ينطقون وبين قوله : إنهم ما فعلوا ذلك ولا غيره لانهم
لا ينطقون ولا يقدرون ، وأما قوله : " فاسئلوهم " فإنما هو أمر بسؤالهم أيضا على شرط ،
والنطق منهم شرط في الامرين فكأنه قال : إن كانوا ينطقون فاسألوهم فإنه لا يمتنع أن
يكونوا فعلوه ، وهذا يجري مجرى قول أحدنا لغيره : من فعل هذا الفعل ؟ فيقول : زيد
إن كان فعل كذا وكذا ، ويشير إلى فعل يضيفه السائل إلى زيد ، وليس في الحقيقة من
فعله ويكون غرض المسؤول نفي الامرين عن زيد ، وتنبيه السائل على خطائه في إضافة
* ( هامش ) * ( 1 ) مفاتيح الغيب 4 : 80 وفيه : للقدح في الهيته . م ( * )
[ 54 ]
ما أضافه إلى زيد ، وقدقرأ محمد بن السميع اليماني : " فعله كبيرهم " بتشديد اللام ، والمعنى
فلعله أي فلعل فاعل ذلك كبيرهم ، وقد جرت عادة العرب بحذف اللام الاولى من
لعل انتهى . ( 1 )
الثاني : أنه لم يكن قصد إبراهيم عليه السلام إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى
الصنم ، وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على وجه تعريضي ، وهذا كما لو قال لك
صاحبك وقد كتبت كتابا بخط رشيق وأنت تحسن الخط : أنت كتبت هذا ؟ وصاحبك امي
لا يحسن الخط ، فقلت له : بل كتبت أنت ! كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء ،
لا نفيه عنك .
والثالث : أن إبراهيم عليه السلام غاظته تلك الاصنام حين أبصرها مصففة مرتبة ، فكان
غيظه من كبيرتها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم لها ، فأسند الفعل إليه لانه هو السبب في
استهانته وحطمه لها ، والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه .
والرابع : أن يكون حكاية لما يلزم على مذهبهم ، كأنه قال : نعم ما تنكرون أن
يفعله كبيرهم فإن من حق من يعبد أو يدعى إلها أن يقدر على هذا وأشد منه ، أو أنه
يلزمكم على قولكم أن لايقدر على كسرهم إلا إله أكبر منهم ، فإن غير الاله لا يقدر أن يكسر
الاله .
والخامس : أنه كناية عن غير مذكور ، أي فعله من فعله ، وكبيرهم ابتداء كلام .
والسادس : مايروى عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله : " كبيرهم " ثم يبتدء
فيقول : " هذا فاسئلوهم " والمعنى : بل فعله كبيرهم وعنى نفسه لان الانسان أكبر من
كل صنم .
أقول : قد مضى في باب العصمية الخبر الدال على الوجه الاول ، ويظهر من كثير
من الاخبار أن هذا صدر عنه عليه السلام على وجه التورية والمصلحة ، ويمكن توجيه التورية
ببعض الوجوه المتقدمة ، وروى الكليني ، عن أبي علي الاشعري ؟ عن محمد بن عبدالجبار ،
* ( هامش ) * ( 1 ) تنزيه الانبياء : 24 . ( * )
[ 55 ]
عن الحجال ، عن ثعلبة ، عن معمر بن عمر ، عن عطا ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : لاكذب على مصلح ثم تلا " أيتها العير إنكم لسارقون " فقال : والله
ما سرقوا وما كذب ، ثم تلا " بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون " ثم قال : والله
مافعلوه وماكذب .
وروى عن علي بن إبراهيم ، عن البزنطي ، عن حماد بن عثمان ، عن الحسن الصيقل
قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام إنا قدروينا عن أبي جعفر عليه السلام في قول يوسف عليه السلام : " أيهتا
العير إنكم لسارقون " فقال : والله ما سرقوا وماكذب ، وقال إبراهيم : " بل فعله كبيرهم
هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون " فقال : والله مافعلوا وما كذب . قال : فقال أبوعبدالله عليه السلام :
ما عندكم فيها يا صيقل ؟ قلت : ما عندنا فيها إلا التسليم ، قال : فقال : إن الله أحب اثنين ،
وأبغض اثنين ، أحب الخطر ( 1 ) فيما بين الصفين ، وأحب الكذب في الاصلاح ، و
أبغض الخطر في الطرقات ، وأبغض الكذب في غير الاصلاح ، إن إبراهيم عليه السلام قال :
" بل فعله كبيرهم " وهذا إرادة الاصلاح ، ودلالة على أنهم لا يعقلون ، وقال يوسف عليه السلام
إرادة الاصلاح .
وروى عن عدة من أصحابه ، عن البرقي ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير
قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : التقية من دين الله ، قلت : من دين الله ؟ قال : إي والله من دين الله
قال يوسف : " أيتها العير إنكم لسارقون " والله ما كانوا سرقوا شيئا ، ولقد قال إبراهيم :
" إني سقيم " والله ما كان سقيما .
* ( هامش ) * ( 1 ) خطر في مشيته : مشى وهو يرفع يديه ويضعها معجبا بنفسه . ( * )
[ 56 ]
( باب 3 ) * ( اراءته عليه السلام ملكوت السماوات والارض وسؤاله احياء الموتى ) *
* ( والكلمات التى سأل ربه وما اوحى اليه وصدر عنه من الحكم ) *
الايات ، البقرة " 2 " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك
للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين 124 .
" وقال تعالى " : وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى
ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن
جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم 260 .
النجم " 53 " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة
وزر اخرى 36 - 38 .
الاعلى " 87 " إن هذا لفي الصحف الاولى * صحف إبراهيم وموسى 18 - 19 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه " أي اختبره وكلفه
" بكلمات " فيه خلاف ، روي عن الصادق عليه السلام أنه ما ابتلاه الله به في نومه من ذبح ولده
إسماعيل أبي العرب فأتمها إبراهيم وعزم عليها وسلم لامر الله تعالى ، فلما عزم قال الله
تعالى ثوابا له لما صدق وعمل بما أمره الله : " إني جاعلك للناس إماما " ثم أنزل الله
عليه الحنيفية وهي الطهارة ، وهي عشره أشياء : خمسة منها في الرأس ، وخمسة منها في
البدن ، فأما التي في الرأس فأخذ الشارب وإعفاء اللحى وطم الشعر ( 1 ) والسواك والخلال ،
وأما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وتقليم الاظفار والغسل من الجنابة و
الطهور بالماء ; فهذه الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم عليه السلام فلم تنسخ ولا تنسخ إلى
يوم القيامة ، وهو قوله : " واتبع ملة إبراهيم حنيفا " ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره .
وقال قتادة وابن عباس : إنها عشرة خصال كانت فرضا في شرعه سنة في شرعنا : المضمضة
* ( هامش ) * ( 1 ) أعفى الشعر : تركه حتى يكثر ويطول . طم الشعر : جزه . ( * )
[ 57 ]
والاستنشاق وفرق الرأس وقص الشارب ( 1 ) والسواك في الرأس ، والختان وحلق العانة
ونتف الابط ( 2 ) وتقليم الاظفار والاستنحاء بالماء في البدن .
وفي رواية اخرى عن ابن عباس أنه ابتلاه بثلاثين خصلة من شرائع الاسلام ولم
يبتل أخدا فأقامها كلها إلا إبراهيم أتمهن وكتب له البراءة فقال : " وإبراهيم الذي
وفي " وهي عشر في سورة براءة " التائبون العابدون " إلى أخرها . وعشر في سورة الاحزاب ;
" إن المسلمين والمسلمات " إلى آخرها . وعشر في سورة المؤمنين : " قد أفلح المؤمنون "
إلى قوله : " اولئك هم الوارثون " وروي عشر في سورة سأل سائل إلى قوله : " والذين هم


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 57 سطر 8 الى ص 65 سطر 8

على صلاتهم يحافظون " فجعلها أربعين . وفي رواية ثالثة عن ابن عباس أنه أمره بمناسك
الحج ; وقال الحسن : ابتلاه الله بالكوكب والقمر والشمس والختان وبذبح ابنه و
بالنار وبالهجرة ، فكلهن وفى لله بهن . وقال مجاهد : ابتلاه الله بالآيات التي بعدها
وهي قوله " إني جاعلك للناس إماما " إلى آخر القصة : وقال الجبائي : أراد بذلك
كل ما كلفه من الطاعات العقلية والشرعية ، والآية محتملة لجميع هذه الاقاويل ; و
كان سعيد بن المسيب يقول : كان إبراهيم أول الناس أضاف الضيف ، وأول الناس اختتن ،
وأول الناس قص شاربه واستحذى ، ( 3 ) وأول الناس رأى الشيب ، فلما رآه قال : يارب
ما هذا ؟ قال : هذا الوقار ، قال : يارب فزدني وقارا ، وهذا أيضا قد رواه السكوني عن
أبي عبدالله عليه السلام ولم يذكر " وأول من قص شاربه واستحذى " وزاد فيه : وأول من
قاتل في سبيل الله إبراهيم ، وأول من أخرج الخمس إبراهيم ، وأول من اتخذ النعلين
إبراهيم ، وأول من اتخذ الرايات إبراهيم . ( 4 )
أقول : ثم روى رحمه الله من كتاب النبوة للصدوق رحمه الله نحوا مما سيأتي من
* ( هامش ) * ( 1 ) قص الشعر : قطع منه بالمقص .
( 2 ) نتف الريش أو الشعر : نزعه .
( 3 ) أى طلب الحذاء والحذاء : النعل وفى نسخة : واستحد - وكذا فيما يتلوه - اى حلق
العانة بالحديد .
( 4 ) مجمع البيان 1 : 200 - 201 . م ( * )
[ 58 ]
رواية المفضل مستخرجا من " ل ومع " مع ما أضاف إليه الصدوق من تحقيقه في ذلك . ( 1 )
" فأتمهن " أي وفى بهن وعمل بهن على التمام ، وقال البلخي : الضمير في " أتمهن "
عائد إلى الله تعالى ، والكلمات هي الامامة " إني جاعلك للناس إماما " المستفاد من
لفظ الامام أمران :
أحدهما : أنه المقتدى به في أفعاله وأقواله .
والثاني : أنه الذي يقوم بتدبير الامة وسياستها ، والقيام بامورها ، وتأديب
جناتها ، ( 2 ) وتولية ولاتها ، وإقامة الحدود على مستحقيها ، ومحاربة من يكيدها ويعاديها ،
فعلى الاول كل نبي إمام ، وعلى الثاني لا يجب في كل نبي أن يكون إماما ، إذ يجوز
أن لايكون مأمورا بتأديب الجناة ، ومحاربة العداة ، والدفاع عن حوزة الدين ومجاهدة
الكافرين . ( 3 )
" وقال ومن ذريتي " أي واجعل من ذريتي من يوشح بالامامة ( 4 ) ويرشح
لهذه الكرامة " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال مجاهد : العهد : الامامة وهو المروي
عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام ، واستدل بها أصحابنا على أن الامام لا يكون إلا
معصوما . ( 5 )
" فخذ أربعة " قيل : إنهما الطاووس والديك والحمام والغراب ، أمر أن يقطعها و
يخلط ريشها بدمها ، عن مجاهد وابن جريح وعطا وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام " ثم
اجعل على كل جبل " روي عن أبي عبدالله عليه السلام أن معناه : فرقهن على كل جبل ، و
كانت عشرة أجبل ، ثم خذ بمناقيرهن وادعهن باسمي الاكبر واحلفهن بالجبروت و
العظمة " يأتينك سعيا " ففعل إبراهيم ذلك وفرقهن على عشرة أجبل ثم دعاهن فقال :
أجبن بإذن الله ، فكانت تجتمع وتألف لحم كل واحد وعظمه إلى رأسه ، وطارت إلى
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 1 : 200 - 201 . م
( 2 ) جمع الجانى .
( 3 ) بل ولا القيام بتدبير الامة وسياستها ، إذ يجوزان يكون نبيا لنفسه فقط .
( 4 ) من وشح بثوبه : لبسه ، ويقال : يوشح لولاية العهد أى يربى ويؤهل لها .
( 5 ) مجمع البيان : 201 - 202 . م ( * )
[ 59 ]
إبراهيم ، وقيل : إن الجبال كانت سبعة ; وقيل : أربعة ; وقيل : أراد كل جبل على
العموم بحسب الامكان .
ويسأل فيقال : كيف قال : " ثم ادعهن " ودعاء الجماد قبيح ؟ وجوابه أنه أراد
بذلك الاشارة إليها والايماء لتقبل عليه إذا أحياها الله ; وقيل : معنى الدعاء هنا الاخبار
عن تكوينها إحياء ، كقوله سبحانه : " كونا قردة خاسئين " . ( 1 )
و " إبراهيم " أي وفي صحف إبراهيم " الذي وفى " أي تمم وأكمل ما أمر به ، وقيل :
بلغ قومه وأدى ما أمر به إليهم ; وقيل : أكمل ما أوجب الله عليه من الطاعات في كل
ما أمر وامتحن به . ثم بين ما في صحفهما فقال : " ألا تزر وازرة وزر أخرى " الآيات ( 2 )
" إن هذا لفي الصحف الاولى " أي قوله : " قد أفلح " إلى أربع آيات . ثم بين الصحف
الاولى فقال : " صحف إبراهيم وموسى " وفيه دلالة على أن إبراهيم عليه السلام كان قد أنزل
عليه الكتاب خلافا لمن يزعم أنه لم ينزل عليه كتاب . وروي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال : أنزل الله مائة وأربعة كتب : منها على إبراهيم عليه السلام عشر صحائف . وفي الحديث
إنه كان في صحف إبراهيم : ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه ، عارفا بزمانه ، مقبلا
على شأنه . وقيل : إن كتب الله كلها أنزلت في شهر رمضان . ( 3 )
1 - فس : " وإذا بتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال : هو ما ابتلاه الله به مما أراه في
نومه بذبح ولده فأتمها إبراهيم عليه السلام ، وساق مثل ما ذكره الطبرسي إلى قوله : وهو قوله :
" واتبع ملة إبراهيم حنيفا " . ( 4 )
2 - فس : " وإبراهيم الذي وفي " قال : وفي بما أمره الله من الامر والنهي و
ذبح ابنه . ( 5 )
3 - فس : " إن هذا " يعني ما قد تلوته من القرآن " لفي الصحف الاولى " . ( 6 )
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 2 : 373 . 2
( 2 ) مجمع البيان 9 : 180 م
( 3 ) مجمع البيان 10 : 476 . م
( 4 ) تفسير القمى : 50 . م
( 5 ) تفسير القمى : 655 وفيه بما امره الله به من الامر اه .
( 6 ) تفسير القمى 721 . م ( * )
[ 60 ]
4 - فس : لما عزم إبراهيم على ذبح ابنه وسلما لامر الله قال الله : " إني جاعلك
للناس إماما " فقال إبراهيم عليه السلام : " ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " أي لا يكون
بعهدي إمام ظالم . ( 1 )
5 - م ، ج : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري ، عن أبيه عليه السلام قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله : إن إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت وذلك قول ربي " وكذلك نري إبراهيم
ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين " قوى الله بصره لما رفعه دون السماء
حتى أبصر الارض ومن عليها ظاهرين ومستترين ، فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا
عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فدعا عليها
بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما بالهلاك فأوحى الله إليه : ياإبراهيم اكفف
دعوتك عن عبادي وإمائي فإني أنا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي
كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم ( 2 ) بشفاء الغيظ كسياستك ، فاكفف دعوتك عن
عبادي فإنما أنت عبد نذير ، لا شريك في المملكة ، ولا مهيمن علي ( 2 ) ولا علي عبادي ،
وعبادي معي بين خلال ثلاث : ( 4 ) إما تابوا إلي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم ;
وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فأرفق بالآباء
الكافرين ، وأتأني بالامهات الكافرات ، وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن ( 5 )
من أصلابهم ، فإذا تزايلوا ( 6 ) حق بهم عذابي وحاق بهم بلائي ; وإن لم يكن هذا ولا هذا
فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريدهم به ، فإن عذابي لعبادي على حسب
جلالي وكبريائي ، يا إبراهيم فخل بيني وبين عبادي فإني أرحم بهم منك ، وخل بيني و
بين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم ، ادبرهم بعلمي ، وأنفذ فيهم قضائي
وقدري . ( 7 )
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى : 50 . م
( 2 ) ساس القوم سياسة دبرهم وتولى أمرهم .
( 3 ) هيمن فلان على كذا : صار رقيبا عليه وحافظا .
( 4 ) الخلال : الخصال .
( 5 ) في نسخة : ليخرج أولئك المؤمنون .
( 6 ) أى تفرقوا .
( 7 ) تفسير الامام : 212 الاحتجاج : 18 والرواية مفصلة فيه . م ( * )
[ 61 ]
6 - ع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبى أيوب
عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والارض
التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات ، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات . حتى رأى ثلاثة
فدعا عليهم فماتوا ، فأوحى الله عزوجل إليه : يا إبراهيم دعوتك مجابة ، فلا تدعو ( 1 )
على عبادي فإنى لو شئت لم أخلقهم ، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف ، عبدا يعبدني
لايشرك بي شيئا فأثيبه ; وعبدا يعبد غيري فلن يفوتني ; وعبدا يعبد غيري فأخرج من
صلبه من يعبدني .
ثم التفت فرأى جيفة على ساحل البحر بعضها في الماء وبعضها في البر ، تجئ سباع البحر
فتأكل ما في الماء ، ثم ترجع فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا ، ويجئ سباع البر
فتأكل منها فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا ، فعند ذلك تعجب إبراهيم
مما رأى وقال : يارب أرني كيف تحيي الموتى هذه أمم يأكل بعضها بعضا ، قال : أولم
تؤمن ؟ قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي - يعني حتى أرى هذا ( 2 ) كما رأيت الاشياء
كلها - قال : خذ أربعة من الطير فقطعهن ، واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه
السباع التي أكل بعضها بعضا فخلط ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك
سعيا فلما دعاهن أجبنه كانت الجبال عشرة . قال : وكانت الطيور الديك والحمامة ، والطاووس
والغراب . ( 3 )
فس : أبي ، عن ابن أبي عمير إلى قوله : من يعبدني . ( 4 )
شى : عن أبي بصير مثله . ( 5 )
ايضاح : إراءته ملكوت السماوات والارض يحتمل أن يكون ببصر العين بأن
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : ولا تدع .
( 2 ) في المصدر : فتحيى حتى أرى هذا . م
( 3 ) علل الشرائع : 195 . م
( 4 ) تفسير القمى : 194 . م
( 5 ) مخطوط . م ( * )
[ 62 ]
يكون الله تعالى قوى بصره ، ورفع له كل منخفض وكشط له عن أطباق السماء
والارض حتى رأى مافيهما ببصره ، وأن يكون المراد رؤية القلب بأن أنار قلبه حتى أحاط
بها علما ، والاول أظهر نقلا والثاني عقلا ، والظاهر على التقديرين أنه أحاط علما
بكل مافيهما من الحوادث والكائنات ، وأما حمله على أنه رأى الكواكب وما خلقه الله
في الارض على وجه الاعتبار والاستبصار واستدل بها على إثبات الصانع فلا يخفى بعده
عما يظهر من الاخبار .
7 - ع ، ل : سمعت محمد بن عبدالله بن محمد بن طيفور يقول في قول إبراهيم عليه السلام : " رب
أرني كيف تحيي الموتى " الآية : إن الله عزوجل أمر إبراهيم عليه السلام أن يزور عبدا من عباده
الصالحين فزاره ، فلما كلمه قال له : إن الله تبارك وتعالى في الدنيا عبدا يقال له إبراهيم اتخذه
خليلا ، قال إبراهيم : وما علامة ذلك العبد ؟ قال : يحيي له الموتى ، فوقع لابراهيم أنه هو ،
فسأله أن يحيي له الموتى ، قال : " أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " يعني على
الخلة ، ويقال : إنه أراد أن يكون له في ذلك معجزة كما كانت للرسل وإن إبراهيم
سأل ربه عزوجل أن يحيي له الميت ، فأمره الله عزوجل أن يميت لاجله الحي سواء
بسواء ، وهو لما أمره بذبح ابنه إسماعيل وإن الله عزوجل أمر إبراهيم عليه السلام بذبح
أربعة من الطير : طاووسا ونسرا وديكا وبطا ، فالطاووس بريد به زينة الدنيا ، والنسر يريد
به أمل الطويل ، والبط يريد به الحرص ، والديك يريد به الشهوة ( 1 ) يقول الله عزوجل :
إن أحببت أن يحيي قلبك ويطمئن معي فاخرج عن هذه الاشياء الاربعة ، فإذا كانت هذه
الاشياء في قلب فإنه لا يطمئن معي . وسألته كيف قال : " أو لم تؤمن " مع علمه بسره وحاله ؟
فقال : إنه لما قال : " رب أرني كيف تحيي الموتى " كان ظاهر هذه اللفظة توهم أنه لم
يكن بيقين ، فقرره الله عزوجل بسؤاله عنه إسقاطا للتهمة عنه وتنزيها له من الشك ( 2 )
8 - كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن الحكم
* ( هامش ) * ( 1 ) هذا تأويل للاية ذكره محمد بن عبدالله بن طيفور من عند نفسه لم يصححه خبر ولا رواية ،
ولعله تأويل لانتخاب تلك الاربعة من بين الطيور .
( 2 ) علل الشرائع : 24 ، الخصال 1 : 127 . م ( * )
[ 63 ]
قال : كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام أخبره أني شاك وقد قال إبراهيم " رب أرني كيف
تحيي الموتى " وإني احب أن تريني شيئا فكتب عليه السلام إلي : أن إبراهيم كان مؤمنا
وأحب أن يزداد إيمانا وأن شاك والشاك لا خير فيه . ( 1 )
9 - ل : ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن موسى بن سعدان ، عن عبدالله بن
القاسم ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " فخذ أربعة
من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا " الآية ، قال : أخذ
الهدهد والصرد والطاووس والغراب فذبحهن وعزل رؤوسهن ثم نحز أبدانهن في المنحاز
بريشهن ولحومهن وعظامهن حتى اختلطت ، ثم جز أهن عشرة أجزاء على عشرة أجبل ،
ثم وضع عنده حبا وماء ثم جعل مناقيرهن بين أصابعه ، ثم قال : ايتين سعيا بإذن الله
عزوجل ، فتطاير بعضها إلى بعض اللحوم والريش والعظام حتى استوت الابدان كما
كانت ، وجاء كل بدن حتى التزق برقبته التي فيها رأسه والمنقار ، فخلى إبراهيم عن
مناقيرهن فوقعن ( 2 ) وشربن من ذلك الماء ، والتقطن من ذلك الحب ، ثم قلن : يا نبي
الله أحييتنا أحياك الله ، فقال إبراهيم : بل الله يحيي ويميت ، فهذا تفسير الظاهر .
قال عليه السلام : وتفسيره في الباطن : خذ أربعة ممن يحتمل الكلام فاستودعهم علمك ، ثم
ابعثهم في أطراف الارضين حججا لك على الناس ، وإذا أردت أن يأتوك دعوتهم بالاسم الاكبر
يأتوك سعيا بإذن الله عزوجل .
قال الصدوق رضي الله عنه : الذي عندي في ذلك أنه عليه السلام امر بالامرين جميعا ، و
روي أن الطيور التي أمر بأخذها : الطاووس والنسر والديك والبط . ( 3 )
بيان : قال الجوهري : النحز : الدق بالمنحاز وهو الهاون .
10 - يد ، ن : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن حمدان بن سليمان ، عن علي بن محمد بن
الجهم قال : سأل مأمون الرضا عليه السلام عن قول إبراهيم عليه السلام : " رب أرني كيف تحيي الموتى
* ( هامش ) * ( 1 ) لم نجده . م
( 2 ) في نسخة : فوقفن .
( 3 ) الخصال 1 : 127 . م ( * )
[ 64 ]
قال أو لم تومن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " قال الرضا عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى
كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام : أني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته ،
فوقع ( 1 ) في نفس إبراهيم عليه السلام أنه ذلك الخليل ، فقال : " رب أرني كيف تحيي الموتى
قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " على الخلة " قال فخذ أربعة من الطير
فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن
الله عزيز حكيم " فأخذ إبراهيم عليه السلام : نسرا وبطاوطاووسا وديكا فتطعهن فخلطهن ،
ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله - وكانت عشرة - منهن جزءا ، وجعل
مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء ، فتطايرت تلك الاجزاء
بعضها إلى بعض حتى استوت الابدان وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه ،
فخلى إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن فطرن ثم وقعن ( 2 ) فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك
الحب وقلن : يا نبي الله أحييتنا أحياك الله ، فقال إبراهيم عليه السلام : بل الله يحيي الموتى و
هو على كل شئ قدير . الخبر . ( 3 )
ج : مرسلا مثله . ( 4 )
بيان : هذا أحد وجوه التأويل في هذه الآية ، وقد ذكره جماعة من المفسرين ورووه
عن ابن عبالس وابن جبير والسدي .
والثاني أنه أحب أن يعمل ذلك علم عيان بعد ما كان عالما به من جهة الاستدلال و
البرهان لتزول الخواطر والوساوس ، وإليه يومى خبر أبي بصير وغيره .
والثالث أن سبب السؤال منازعة نمرود إياه في الاحياء فقال : " أنا أحيي وأميت "
وأطلق محبوسا وقتل إنسانا ، فقال إبراهيم : ليس هذا بإحياء ، وقال : يا رب أرني كيف
تحيي الموتى ليعلم نمرود ذلك . وروي أن نمرود توعده بالقتل إن لم يحيي الله الميت بحيث
يشاهده فلذلك قال : " ليطمئن قلبي " أي بأن لا يقتلني الجبار .
* ( هامش ) * ( 1 ) وقع الكلام في نفسه : أثر فيها .
( 2 ) في التوحيد : ثم وقفن . م
( 3 ) توحيد الصدوق : 121 - 122 عيون الاخبار : 110 . م
( 4 ) الاحتجاج : 234 . م ( * )
[ 65 ]
11 - فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام إن إبراهيم عليه السلام نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأكلها سباع البر وسباع
البحر ، ثم يثب السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا ، فتعجب إبراهيم عليه السلام
فقال : " رب أرني كيف تحيي الموتى " فقال الله له : " أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن
قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إلكى ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم
ادعهن بأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم " فأخذ إبراهيم الطاووس والديك والحمام
والغراب ، قال الله عزوجل : " فصرهن إليك " أي قطعهن ثم اخلط لحماتهن وفرقها
على عشرة جبال ( 1 ) ثم خذ مناقيرهن وادعهن يأتينك سعيا ، ففعل إبراهيم ذلك وفرقهن
على عشرة جبال ثم دعاهن فقال : اجيبيني بإذن الله تعالى ، فكانت يجتمع ويتألف لحم


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 65 سطر 9 الى ص 73 سطر 9

كل واحد وعظمه إلى رأسه ، وطارت إلى إبراهيم ، فعند ذلك قال إبراهيم : إن الله عزيز
حكيم . ( 2 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : قرأ أبوجعفر وحمزة وخلف ورويس عن يعقوب " فصرهن
بكسر الصاد والباقون " فصرهن " بضم الصاد . ثم قال : صرته أصوره أي أملته ، وصرته أصوره :
قطعته . قال أبوعبيدة : فصرهن من الصور وهو القطع . وقال أبوالحسن : وقد قالوا بمعنى
القطع أصار يصير أيضا ، فمن جعل " فصر هن إليك " بمعنى أملهن إليك حذف من الكلام ، والمعنى
أملهن إليك فقطعهن ، ومن قدر " فصرهن " على معنى فقطعهن كان لم يحتج إلى إضمار . ( 3 )
وقال البيضاوى : أي فأملهن واضممهن إليك لتتأملها وتعرف شأنها لئلا تلتبس عليك بعد
الاحياء . ( 4 ) وقال الجوهري : صاره يصوره ويصيره أي أماله ، وقرئ " فصرهن إليك "
بضم الصاد وكسرها . قال الاخفش : يعني وجههن ، يقال : صر إلي وصر وجهك إلي أي
اقبل علي ، وصرت الشئ أيضا قطعته وفصلته ، فمن قال هذا جعل في الآية تقديما وتأخيرا
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وفرقها على كل عشرة جبال .
( 2 ) تفسير القمي : 81 . م
( 3 ) مجمع البيان 2 : 371 . م
( 4 ) انوار التنزيل 1 : 65 . م ( * )
[ 66 ]
كأنه قال : خذ إليك أربعة من الطير فصرهن .
أقول : يظهر ممامر من الاخبار وما سيأتي أنه بمعنى التقطيع وإن أمكن أن يكون
بيانا لحاصل المعنى .
12 - ل : ابن موسى ، عن العلوي ، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي عن محمد
ابن الحسين بن زيد الزيات ، عن محمد بن زياد الازدي : عن المفضل بن عمر ، عن الصادق
جعفر بن محمد عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : " وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات "
ما هذه الكلمات ؟ قال هي الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه فتاب عليه ، وهو أنه
قال : " يارب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي " فتاب الله عليه إنه
هو التواب الرحيم ; فقلت له : يا ابن رسول الله فما يعني عزوجل بقوله : " فأتمهن " ؟
قال : يعني فأتمهن إلى القائم عليه السلام اثني عشر إماما ، تسعة من ولد الحسين عليه السلام قال
المفضل : فقلت له : ياابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عزوجل : " وجعلها كلمة باقية
في عقبه " قال : يعني بذلك الامامة جعلها الله في عقب الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة ،
قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فكيف صارت الامامة في ولد الحسين دون ولد الحسن
وهما جميعا ولدا رسول الله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة ؟ فقال عليه السلام : إن موسى و
هارون كانا نبيين مرسلين أخوين ، فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى ،
ولم يكن لاحد أن يقول : لم فعل الله ذلك ؟ فإن الامامة خلافة الله ( 1 ) عزوجل ليس
لاحد أن يقول : لم جعلها في صلب الحسين دون صلب الحسن ؟ لان الله هو الحكيم في
أفعاله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . ( 2 )
ولقول الله تبارك وتعالى " وإذابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " وجه آخر و
ما ذكرناه أصله ، والابتلاء على ضربين :
أحدهما مستحيل على الله تعالى ذكره والآخر جائز ، فأما ما يستحيل فهو أن
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وان الامامة خلافة الله .
( 2 ) الظاهر أن قوله : " وهم يسألون " تمام الخبر ، وبعده من كلام الصدوق قدس سره . ( * )
[ 67 ]
يختبره ليعلم ما تكشف الايام عنه وهذا ما لا يصح ، ( 1 ) لانه عزوجل علام
الغيوب . والضرب الآخر من الابتلاء أن يبتليه حتى يصبر فيما يبتليه به فيكون ما يعطيه
من العطاء على سبيل الاستحقاق ، ولينظر إليه الناظر فيقتدي به فيعلم من حكمة الله عز
وجل أنه لم يكل أسباب الامامة إلا إلى الكافي المستقل ( 2 ) الذي كشفت الايام عنه
بخير ، فأما الكلمات فمنها ما ذكرناه ، ومنها اليقين ، وذلك قول الله عزوجل : " وكذلك
نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين " .
ومنها المعرفة بقدم بارئه وتوحيده وتنزيهه عن التشبيه حين نظر إلى الكوكب و
القمر والشمس ، واستدل بأفول كل واحد منها على حدثه ، وبحدثه على محدثه ، ثم
علمه بأن الحكم بالنجوم خطأ في قوله عزوجل : " فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم "
وإنما قيده الله سبحانه بالنظرة الواحدة لان النظرة الواحدة لا توجب الخطاء إلا بعد
النظرة الثانية بدلالة قول النبي صلى الله عليه وآله لما قال لامير المؤمنين عليه السلام : يا علي أول النظرة
لك ، والثانية عليك لا لك .
ومنها الشجاعة وقد كشفت الاصنام عنه بدلالة قوله عزوجل : " إذ قال لابيه و
قومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين . قال لقد
كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين . قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين . قال بل
ربكم رب السموات والارض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين . وتالله
لاكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين . فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه
يرجعون " ومقاومة الرجل الواحد الوفا من أعداء الله عزوجل تمام الشجاعة . ثم الحلم
مضمن معناه في قوله عزوجل : " إن إبراهيم لحليم أواه منيب " ثم السخاء وبيانه في
حديث ضيف إبراهيم المكرمين . ثم العزلة عن أهل البيت والعشيرة مضمن معناه في قوله :
" وأعتزلكم وما تدعون من دون الله " الآية . والامر بالمعروف والنهي عن المنكر بيان ذلك
في قوله عزوجل : " يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا * يا أبت
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وهذا مما لا يصح .
( 2 ) في نسخة : إلى الكافى المستقل بها . ( * )
[ 68 ]
إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويلا . يا أبت لا تعبد الشيطان
إن الشيطان كان للرحمن عصيا * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون
للشيطان وليا " ودفع السيئة بالحسنة وذلك لما قال أبوه : " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم
لئن لم تنته لارجمنك واهجرني مليا " فقال : في جواب أبيه : " سأستغفر لك ( 1 ) ربي إنه كان بي
حفيا " والتوكل بيان ذلك في قوله : " الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني و
يسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين . والذي أطمع أن يغفر
لي خطيئتي يوم الدين " .
ثم الحكم والانتماء إلى الصالحين في قوله : " رب هب لي حكما وألحقني
بالصالحين " يعني بالصالحين الذين لا يحكمون إلا بحكم الله عزوجل ولا يحكمون
بالآراء والمقائيس حتى يشهد له من يكون بعده من الحجج بالصدق ، بيان ذلك
في قوله : " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " أراد به هذه الامة الفاضلة ، فأجابه
الله وجعل له ولغيره من أنبيائه لسان صدق في الآخرين وهو علي بن أبي طالب عليه السلام و
ذلك قوله عزوجل : " وجعلنا لهم لسان صدق عليا " والمحنة في النفس حين جعل في المنجنيق
وقذف به في النار . ثم المحنة في الولد حين أمر بذبح ابنه إسماعيل . ثم المحنة بالاهل ( 2 )
حين خلص الله عزوجل حرمته من عزازة ( 3 ) القبطي في الخبر المذكور في هذه القصة .
ثم الصبر على سوء خلق سارة . ثم استقصار النفس في الطاعة في قوله : " ولا تخزني يوم
يبعثون " ثم النزاهة في قوله عزوجل : " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان
حنيفا مسلما وما كان من المشركين " ثم الجمع لاشراط الطاعات في قوله : " إن صلاتي و
نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين "
فقد جمع في قوله : " محياي ومماتي لله رب العالمين " جميع أشراط الطاعات كلها حتى لا يعزب
عنها عازبة ، ولا تغيب عن معانيها منها غائبة . ثم استجابة الله عزوجل دعوته حين قال :
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : سلام عليك سأستغفر لك .
( 2 ) في نسخة : ثم المحنة في الاهل .
( 3 ) في نسخة : عزارة . ( * )
[ 69 ]
" رب أرني كيف تحيي الموتى " ؟ وهذه آية متشابهة معناها أنه سأل عن الكيفية ، والكيفية
من فعل الله عزوجل ، متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب ولا عرض في توحيده نقص
فقال الله عزوجل : " أو لم تؤمن قال بلى " هذا شرط عام من آمن به متى سئل واحد
منهم أولم تؤمن ؟ وجب أن يقول : بلى كما قال إبراهيم عليه السلام ولما قال لله عزوجل لجيمع
أرواح بني آدم : " ألست ربكم قالوا بلى " قال : أول من قال بلى محمد صلى الله عليه وآله فصار بسبقه
إلى بلى سيد الاولين والآخرين وأفضل النبيين والمرسلين ، فمن لم يجب عن هذه المسألة
بجواب إبراهيم فقد رغب عن ملته ، قال الله عزوجل : " ممن يرغب عن ملة إبراهيم إلا
من سفه نفسه " ثم اصطفاء الله عزوجل إياه في الدنيا ثم شهادته في العاقبة إنه من الصالحين
في قوله عزوجل : " ولقد أصطفيناه في الدينا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " والصالحون
هم النبي والائمة ( 1 ) صلوات الله عليهم ، الآخذون عن الله أمره ونهيه ، والملتمسون للصلاح
من عنده والمجتنبون للرأي والقياس في دينه في قوله عزوجل : " إذ قال له ربه أسلم
قال أسلمت لرب العالمين " ثم اقتداء من بعده من الانبياء عليهم السلام في قوله عزوجل : " ووصى
إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " و
في قوله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وآله : " ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان
من المشركين " وفي قوله عزوجل : " ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل " و
أشراط كلمات الامام مأخذوة من جهته مما يحتاج إليه الامة من مصالح الدنيا والآخرة
وقول إبراهيم عليه السلام : " ومن ذريتي " من حرف تبعيض ليعلم أن من الذرية من يستحق
الامامة ، ومنهم من لا يستحق الامامة هذا من جملة المسلمين وذلك أنه يستحيل أن يدعو
إبراهيم عليه السلام بالامامة للكافر أو للمسلم الذي ليس بمعصوم ، فصح أن باب التبعيض وقع على
خواص المؤمنين ، والخواص إنما صاروا خواصا بالبعد من الكفر ، ثم من اجتنب الكبائر
صار من جملة الخواص أخص ، ثم المعصوم هو الخاص الاخص ، ولو كان للتخصيص صورة
أدنى عليه لجعل ذلك من أوصاف الامام .
وقد سمى الله عزوجل عيسى من ذرية إبراهيم وكان ابن ابنته من بعده ، و
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : هم النبيون والائمة . ( * )
[ 70 ]
لما صح أن ابن البنت ذرية ودعا إبراهيم لذريته بالامامة وجب على محمد صلى الله عليه وآله الاقتداء
به في وضع الامامة في المعصومين من ذريته حذو النعل بالنعل بعد ما أوحى الله عز
وجل إليه وحكم عليه بقوله : " ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا "
الآية ، ولو خالف ذلك لكان داخلا في قوله عزوجل : " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا
من سفه نفسه " جل نبي الله عن ذلك ، وقال الله عزوجل : " إن أولى الناس بإبراهيم
للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا وأمير المؤمنين أبوذرية النبي صلى الله عليه وآله ، وأوضع
الامامة فيه وضعها في ذرية المعصومين ، وقوله عزوجل : " لا ينال عهدي الظالمين " عنى به
أن الامامة لا تصلح لمن قد عبد صنما أو وثنا أو أشرك بالله طرفة عين وإن أسلم بعد ذلك ،
والظلم : وضع الشئ في غير موضعه ، وأعظم الظلم الشرك قال الله عزوجل : " إن الشرك
لظلم عظيم " وكذلك لايصلح الامامة لمن قد ارتكب ( 1 ) من المحارم شيئا صغيرا كان أو
كبيرا وإن تاب منه بعد ذلك ، وكذلك لايقيم الحد من في جنبه حد ، فإذا لا يكون الامام
إلا معصوما ، ولا تعلم عصمته إنه بنص الله عليه على لسان نبيه صلى الله عليه وآله لان العصمة ليست
في ظاهر الخلقة فترى كالسواد والبياض وما أشبه ذلك ، وهي مغيبة لا تعرف إلا بتعريف
علام الغيوب عزوجل . ( 2 )
مع : الدقاق ، عن العلوي مثله إلى آخر ما أضاف إليه من كلامه . ( 3 )
بيان : قوله : ( ثم علمه بأن الحكم بالنجوم خطاء ) مبني على أن نظره عليه السلام إنما
كان موافقة للقوم والحكم بالسقم للتورية كمامر .
13 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن أبن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ،
عن أبى عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " وإبراهيم الذي وفى " قال : إنه كان يقول
إذا أصبح وأمسى : " أصبحت وربي محمود ، أصبحت لا أشرك بالله شيئا ، ولا أدعو مع الله إلها
آخر ، ولا أتخذ من دونه وليا " فسمي بذلك عبدا شكورا . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وكذلك لا يصلح للامامة من ارتكب ا ه .
( 2 ) الخصال ج 1 : 146 - 149 . م
( 3 ) معانى الاخبار : 42 - 44 . م
( 4 ) علل الشرائع : 24 . م ( * )
[ 71 ]
14 - ل ، مع : على بن عبدالله الاسواري ، عن أحمد بن محمد بن قيس الشجري ( 1 )
عن عمرو بن حفص ، عن عبدالله بن محمد بن أسد ، عن الحسين بن إبراهيم ، عن يحيى بن
سعيد البصري ، عن ابن جريح ، عن عطا ، عن عتبة بن عمير الليثي ، عن أبي ذر رحمه الله
عن النبي صلى الله عليه وآله قال : أنزل الله على إبراهيم عشرين صحيفة ، قلت : يارسول الله ما كانت
صحف إبراهيم ؟ قال : كانت أمثالا كلها ، وكان فيها : أيها الملك المبتلى المغرور إني لم أبعثك
لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن ( 2 ) بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها
وإن كانت من كافر ، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يناجي
فيها ربه عزوجل ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر فيما صنع الله عزوجل إليه ،
وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال ، فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات ، واستجمام
للقلوب وتوزيع لها ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه
فإن من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه ، وعلى العاقل أن يكون طالبا
لثلاث : مرمة لمعاش ، أو تزود لمعاد ، أو تلذذ في غير محرم ، قلت : يا رسول الله فما كانت
صحف موسى عليه السلام ؟ قال : كانت عبرا كلها ، ( 3 ) وفيها : عجب ( 4 ) لمن أيقن بالموت كيف
يفرح ؟ ولمن أيقن بالنار لم يضحك ؟ ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها لم يطمئن إليها ؟ ولمن
يؤمن بالقدر كيف ينصب ؟ ولمن أيقن بالحساب لم لا يعمل ؟ قلت : يا رسول الله هل في أيدينا
مما أنزل الله عليك شئ مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟ قال : يا أباذر اقرء " قد أفلح
من تزكي * وذكر اسم ربه فصلى . بل تؤثرون الحيوة الدنيا * والآخرة خير وأبقى *
إن هذا لفي الصحف الاولى . صحف إبراهيم وموسى " . ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الشين والجيم نسبة إلى شجرة وهى قرية بالمدينة ، أو إلى غيرها . وفى الخصال المطبوع
السجرى ، وفى نسخة . السحرى ، ولعلهما مصحف السجزى بكسر السين وسكون الجيم نسبة إلى
سجستان على غير قياس .
( 2 ) في نسخة : ولكنى .
( 3 ) في نسخة : كان عبرا كلها ، وفى المصدر : كانت عبرانية كلها . م
( 4 ) في نسخة : وفيها : عجبا .
( 5 ) الخصال ج 2 : 104 - 105 . م ( * )
[ 72 ]
بيان : مالم يكن مغلوبا أي بالمرض أو بالعدو أو بالمصائب أو على عقله فيكون
تأكيدا . وقوله عليه السلام : ( وساعة يخلو ) معطوف على قوله : ( ثلاث ساعات ) ولعله كان أربع
ساعات كما في الاخبار الاخر ، وقوله : ( ينصب ) من النصب بمعنى التعب .
15 - ير : محمد ، عن الجحال ، عن ثعلبة ، عن عبدالرحيم ، عن أبي جعفر عليه السلام
في هذه الآية : " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين "
قال : كشط له عن الارض حتى رآها ومن فيها ، وعن السماء حتى رآها ومن فيها ، والملك
الذي يحملها ، والعرش ومن عليه ، وكذلك أرى صاحبكم . ( 1 )
شى : عن زرارة مثله . ( 2 )
16 - شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام في قول الله : " وكذلك نري
إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين " فقال أبوجعفر : كشط له عن
السماوات حتى نظر إلى العرش وما عليه ، قال : والسماوات والارض والعرش والكرسي .
وقال أبوعبدالله عليه السلام : كشط له الارض حتى رآها ، وعن السماء وما فيها والملك الذي
يحملها ، والكرسي وما عليه . ( 3 )
17 - وفي رواية اخرى عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام " وكذلك نري إبراهيم
ملكوت السموات والارض " قال : أعطي بصره من القوة مايعدو السماوات فرأى مافيها ،
ورأى العرش وما فوقه ، ورأى مافي الارض وما تحتها . ( 4 )
18 - ير : أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن ابن المغيرة ، عن ابن مسكان قال : قال أبوعبدالله
عليه السلام : " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين " قال :
كشط لابراهيم عليه السلام السماوات السبع حتى نظر إلى مافوق العرش ، وكشط له الارض
حتى رأى مافي الهواء ، وفعل بمحمد صلى الله عليه وآله مثل ذلك ، وإني لارى صاحبكم والائمة
من بعده قد فعل بهم مثل ذلك . ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 و 5 ) بصائر الدرجات : 120 . م
( 2 - 4 ) مخطوط . م ( * )
[ 73 ]
شى : عن عبدالرحيم مثله . ( 1 )
أقول : سيأتي بعض الاخبار في أبواب فضائل الائمة عليهم السلام .
19 - شى : روى أبوبصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كانت الجبال عشرة وكانت
الطيور والديك والحمامة والطاووس والغراب ، وقال : فخذ أربعة من الطير فصرهن فقطعهن
بلحمهن وعظامهن وريشهن ، ثم أمسك رؤوسهن ، ثم فرقهن على عشرة جبل منهن جزءا ;
فجعل ما كان في هذا الجبل يذهب إلى هذا الجبل برأسه ولحمه ودمه ، ثم يأتيه حتى يضع
رأسه في عنقه حتى فرغ من أربعتهن . ( 2 )
20 - شى : عن معروف بن خر بوذ قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن الله لما
أوحى إلى إبراهيم عليه السلام أن خذ أربعة من الطير عمد إبراهيم فأخذ النعامة والطاووس


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 73 سطر 10 الى ص 81 سطر 10

والوزة ( 3 ) والديك ، فنتف ريشهن بعد الذبح ، ثم جعلهن في مهراسة ( 4 ) فهرسهن ، ثم
فرقهن على جبال الادرن ، وكانت يومئذ عشرة أجبال ، فوضع على كل جبل منهن جزءا ،
ثم دعاهن بأسمائهن فأقبلن إليه سعيا - يعني مسرعات - فقال إبراهيم عند ذلك : أعلم
أن الله كل شئ قدير . ( 5 )
21 - شى : عن علي بن أسباط ، أن أبا الحسن الرضا عليه السلام سئل عن قول الله :
" قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " أكان في قلبه شك ، قال : لا ولكنه أراد من الله الزيادة في
يقينه قال : والجزء واحد من عشرة . ( 6 )
22 - شى : عن عبدالصمد بن بشير قال : جمع لابي جعفر ( 7 ) جميع القضاة فقال
لهم رجل أوصى بجزء من ماله فكم الجزء ؟ فلم يعلموا كم الجزء واشتكوا إليه فيه ،
فأبرد بريدا إلى صاحب المدينة أن يسأل جعفر بن محمد عليه السلام : رجل أوصى بجزء من ماله فكم
الجزء فقد أشكل ذلك على القضاة فلم يعلموا كم الجزء ؟ فإن هو أخبرك به وإلا فاحمله
* ( هامش ) * ( 1 و 2 و 5 و 6 ) مخطوط . م
( 3 ) الوزة لغة في الاوز : البط .
( 4 ) المهراس : الهاون .
( 7 ) أى المنصور الدوانيقى . ( * )
[ 74 ]
على البريد ووجهه إلي فأتى صاحب المدينة أبا عبدالله عليه السلام فقال له : إن أبا جعفر
بعث إلي أن أسألك عن رجل أوصى بجزء من ماله وسأل من قبله من القضاة فلم يخبروه
ماهو ، وقد كتب إلي إن فسرت ذلك له ، وإلا حملتك على البريد إليه فقال
أبوعبدالله عليه السلام : هذا في كتاب الله بين إن الله يقول - لما قال إبراهيم رب أرني كيف
تحيي الموتى - : إلى كل جبل منهن جزءا ( 1 ) فكانت الطير أربعة والجبال عشرة ،
يخرج الرجل من كل عشرة أجزاء جزءا واحدا ; وإن إبراهيم دعا بمهراس فدق فيه الطيور
جميعا وحبس الرؤوس عنده ، ثم إنه دعا بالذي أمر به فجعل ينظر إلى الريش كيف
يخرج وإلى العروق عرقا عرقا حتى تم جناحه مستويا فأهوى نحو إبراهيم ، فقال إبراهيم
ببعض الرؤوس فاستقبله به ، فلم يكن الرأس الذي استقبله به لذلك البدن حتى انتقل إليه
غيره فكان موافقا للرأس فتمت العدة وتمت الابدان . ( 2 )
23 - شى : عن حريز بن عبدالله ، عمن ذكره ، عن أحدهما عليهما السلام أنه كان يقرء
هذه الآية : " رب اغفرلي ولولدي " يعني إسماعيل وإسحاق . ( 3 )
24 - وفي رواية أخرى عمن ذكره ، عن أحدهما أنه قرأ : " ربنا اغفر لي و
لوالدي " قال : هذه كلمة صحفها الكتاب إنما كان استغفار إبراهيم لابيه عن موعدة وعدها
إياه وإنما قال : " ربنا اغفر لى ولولدي " يعني إسماعيل وإسحاق ، والحسن والحسين
والله ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله . ( 4 )
25 - غو : في الحديث أن إبراهيم عليه السلام لقي ملكا فقال له : من أنت ؟ قال : أنا
ملك الموت ، فقال : أتستطيع أن تريني الصورة التي تقبض فيها روح المؤمن ؟ قال : نعم
اعرض عني ، فأعرض عنه فإذا هو شاب حسن الصورة ، حسن الثياب ، حسن الشمائل ،
طيب الرائحة ، فقال : ياملك الموت لو لم يلق المؤمن إلا حسن صورتك لكان حسبه ، ثم
قال له : هل تستطيع أن تريني الصورة التي تقبض فيها روح الفاجر ؟ فقال : لا تطيق ;
* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا في النسخ ، وفى تفسير البرهان هكذا : " رب ارنى كيف تحيى الموتى " إلى قوله
تعالى : " ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا " .
( 2 - 4 ) مخطوط . م ( * )
[ 75 ]
فقال : بلى ، قال : فأعرض عني ، فأعرض عنه ثم التفت إليه فإذا هو رجل أسود ، قائم
الشعر ، منتن الرائحة ، أسود الثياب ، يخرج من فيه ومن مناخره النيران والدخان ،
فغشي على إبراهيم ثم أفاق وقد عاد ملك الموت إلى حالته الاولى ، فقال : ياملك الموت
لو لم يلق الفاجر إلا صورتك هذه لكفته .
26 - كا : علي ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن محبوب ،
عن عبدالله بن سنان ، عن عبدالرحمن بن سيابة عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله عزوجل
أمر إبراهيم عليه السلام فقال : " اجعل على كل جبل منهن جزءا " وكانت الجبال يومئذ
عشرة . ( 1 )
27 - كا : علي ، عن أبيه وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن فضال ،
عن ثعلبة بن ميمون ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله . ( 2 )
28 - كا : علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن أبان بن تغلب قال : قال أبوجعفر عليه السلام :
الجزء واحد من عشرة لان الجبال كانت عشرة والطيور أربعة . ( 3 )
29 - كا : بإسناده عن أبي عبدالله عليه السلام : قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : انزل صحف
إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من شهر رمضان . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 - 3 ) فروع الكافى ج 2 : 245 . م
( 4 ) لم نجده . م ( * )
[ 76 ]
( باب 4 )
* ( جمل أحواله ووفاته عليه السلام ) *
1 - لى : ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن محمد بن عمران ، عن أبيه
عمران بن إسماعيل ، عن أبي علي الانصاري ، عن محمد بن جعفر التميمي قال : قال الصادق
جعفر بن محمد عليه السلام : بينا إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام في جبل بيت المقدس يطلب مرعى
لغنمه إذ سمع صوتا ، فإذا هو برجل قائم يصلي ، طوله اثنا عشر شبرا ، فقال له : يا عبدالله
لمن تصلي ؟ قال : لاله السماء ، فقال له إبراهيم عليه السلام هل بقي أحد من قومك غيرك ؟ قال :
لا ، قال : فمن أين تأكل ؟ قال : أجتني من هذا الشجر في الصيف وآكله في الشتاء قال
له : فأين منزلك ؟ قال : فأومأ بيده إلى جبل ، فقال له إبراهيم عليه السلام هل لك أن تذهب
بي معك فأبيت عندك الليلة ؟ فقال : إن قدامي ماء لا يخاض ، قال : كيف تصنع ؟ قال : أمشي
عليه ، قال : فاذهب بي معك فلعل الله أن يرزقني مارزقك ، قال : فأخذ العابد بيده فمضيا جميعا
حتى انتهيا إلى الماء فمشى ومشى إبراهيم عليه السلام معه حتى انتهيا إلى منزله ، فقال له إبراهيم
عليه السلام : أي الايام أعظم ؟ فقال له العابد : يوم الدين ، يوم يدان الناس بعضهم من بعض ،
قال : فهل لك أن ترفع يدك وأرفع يدي فندعو الله عزوجل أن يؤمننا من شر ذلك اليوم ؟
فقال : وما تصنع بدعوتي فو الله إن لي لدعوة منذ ثلاث سنين فما أجبت فيها بشئ ؟
فقال له إبراهيم عليه السلام : أولا أخبرك لاي شئ احتبست دعوتك ؟ قال : بلى ، قال له : إن
الله عزوجل إذا أحب عبدا احتبس دعوته ليناجيه ويسأله ويطلب إليه ، وإذا أبغض عبدا
عجل له دعوته أو ألقى اليأس في قلبه منها . ثم قال له : وما كانت دعوتك ؟ قال : مر بي
غنم ومعه غلام له ذؤابة فقلت : ياغلام لمن هذا الغنم ؟ فقال : لابراهيم خليل الرحمن ،
فقلت : اللهم إن كان لك في الارض خليل فأرنيه ، فقال له إبراهيم : فقد استحاب الله لك
إنا إبراهيم خليل الرحمن ، فعانقه ، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله جاءت المصافحة . ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) امالى الصدوق : 178 ، 179 . م ( * )
[ 77 ]
2 - ع : ماجيلويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي الجارود
رفعه فيما يروي إلى علي عليه السلام قال : إن إبراهيم عليه السلام مر ببانقيا فكان يزلزل بها ( 1 ) فبات
بها فأصبح القوم ولم يزلزل بهم ، فقالوا : ماهذا وليس حدث ؟ قالوا : ههنا شيخ ومعه غلام
له ، قال : فأتوه فقالوا له : يا هذا إنه كان يزلزل بنا كل ليلة ولم يزلزل بنا هذه الليلة
فبت عندنا ، فبات فلم يزلزل بهم ، فقالوا : أقم عندنا ونحن نجري عليك ( 2 ) ما أحببت ،
قال : لا ولكن تبيعوني هذا الظهر ولا يزلزل بكم ، قالوا : فهو لك ، قال : لا آخذه إلا بالشرى ،
قالوا : فخذه بما شئت ، فاشتراه بسبع نعاج وأربعة أحمرة ، فلذلك سمي بانقيا لان النعاج
بالنبطية نقيا ، قال : فقال له غلامه : يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر ليس فيه زرع
ولا ضرع ؟ فقال له : اسكت فإن الله عزوجل يحشر من هذا الظهر سبعين ألفا يدخلون
الجنة بغير حساب يشفع الرجل منهم لكذا وكذا . ( 3 )
بيان : قال الفيروز آبادي : بانقيا قرية بالكوفة .
أقول : المراد به ظهر الكوفة وهو الغري .
3 - ع : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ،
عن محمد الواسطي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أوحى الله عزوجل إلى إبراهيم عليه السلام
أن الارض قد شكت إلي الحياء من رؤية عورتك ، فاجعل بينك وبينها حجابا ، فجعل
شيئا هو أكثر من الثياب ومن دون السراويل ، فلبسه فكان إلى ركبتيه . ( 4 )
بيان : قوله عليه السلام : ( هو أكثر من الثياب ) أي زائد على سائر أثوابه ، والظاهر :
هو أكبر من التبان ; قال في النهاية : التبان : سراويل صغبر يستر العورة المغلظة فقط ،
ويكثر لبسه الملاحون .
4 - ع : بإسناد العمري إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال : إن النبي صلى الله عليه وآله سئل مما
خلق الله عزوجل الجزر ؟ فقال : إن إبراهيم عليه السلام كان له يوما ضيف ولم يكن عنده ما يمون
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فكان نزل بها .
( 2 ) في المصدر : تجزى . م
( 3 و 4 ) علل الشرائع : 195 . م ( * )
[ 78 ]
ضيفه ، فقال في نفسه : أقوم إلى سقفي فأستخرج من جذوعه فأبيعه من النجار فيعمل صنما
فلم يفعل ، وخرج ومعه إزار إلى موضع وصلى ركعتين ، فجاء ملك وأخذ من ذلك الرمل والحجارة فقبضه في إزار إبراهيم عليه السلام وحمله إلى بيته كهيئة رجل ، فقال لاهل إبراهيم
عليه السلام : هذا إزار إبراهيم فخذيه ، ففتحوا الازار فإذا الرمل قد صار ذرة ، وإذا
الحجارة الطوال قد صارت جزرا . وإذا الحجارة المدورة قد صارت لفتا . ( 1 )
5 - ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن الاشعري ، عن ابن
أبي الخطاب ، عن محمد بن سليمان ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أول اثنين
تصافحا على وجه الارض ذو القرنين وإبراهيم الخليل ، استقبله إبراهيم فصافحه ، وأول
شجرة على وجه الارض النخلة . ( 2 )
6 - لى : سيجئ في أخبار المعراج أن النبي صلى الله عليه وآله مر على شيخ قاعد تحت شجرة
وحوله أطفال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من هذا الشيخ يا جبرئيل ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم
قال : فما هؤلاء الاطفال حوله ؟ قال : هؤلاء أطفال المؤمنين حوله يغذوهم . ( 3 )
7 - ع ، لى : الدقاق ، عن الصوفي ، عن عبدالله بن موسى الطبري ، عن محمد بن
الحسين الخشاب ، عن محمد بن محسن ، عن يونس بن ظبيان ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن
أمير المؤمنين عليهم السلام قال : لما أراد الله تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم عليه السلام أهبط إليه
ملك الموت فقال : السلام عليك يا إبراهيم ، قال : وعليك السلام يا ملك الموت أداع أم
ناع ؟ قال : بل داع يا إبراهيم فأجب ، قال إبراهيم : فهل رأيت خليلا يميت خليله ؟ قال :
فرجع ملك الموت حتى وقف بين يدي الله جل جلاله فقال : إلهي قد سمعت بما قال خليلك
إبراهيم ، فقال الله جل جلاله : ياملك الموت اذهب إليه وقل له : هل رأيت حبيبا يكره
لقاء حبيبه ، إن الحبيب يحب لقاء حبيبه . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 185 . واللفت : الشلجم .
( 2 ) امالى الشيخ ص 134 . م
( 3 ) امالى الصدوق : 270 . م
( 4 ) علل الشرائع : 24 ، أمالى الصدوق : 118 . م ( * )
[ 79 ]
بيان : المراد بالداعي أن يكون طلبه على سبيل التخيير والرضى كما هو المتعارف
فيمن يدعو ضيفا لكرامته ، وبالناعي أن يكون قاهرا طالبا على الجزم والحتم ، وكان
غرض إبراهيم عليه السلام الشفاعة والدعاء لطلب البقاء ليكثر من عبادة ربه إن علم الله صلاحه
في ذلك .
8 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن
أبي بصير ، عن أبي جعفر أو أبي عبدالله عليهما السلام قال : إن إبراهيم عليه السلام لما قضى مناسكه
رجع إلى الشام فهلك ، وكان سبب هلاكه أن ملك الموت أتاه ليقبضه فكره إبراهيم الموت
فرجع ملك الموت إلى ربه عزوجل فقال : إن إبراهيم كره الموت ، فقال : دع إبراهيم
فإنه يحب أن يعبدني ; قال : حتى رأى إبراهيم شيخا كبيرا يأكل ويخرج منه ما يأكله
فكره الحياة وأحب الموت فبلغنا أن إبراهيم أتى داره فإذا فيها أحسن صورة ما رآها قط ،
قال : من أنت ؟ قال : أنا ملك الموت ، قال : سبحان الله من الذي يكره قربك وزيارتك و
أنت بهذه الصورة ؟ فقال : يا خليل الرحمن إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا بعثني
إليه في هذه الصورة ، وإذا أراد بعيد شرا بعثني إليه في غير هذه الصورة ، فقبض عليه السلام
بالشام ، وتوفي بعده إسماعيل وهو ابن ثلاثين ومائة سنة ، فدفن في الحجر مع امه . ( 1 )
9 - ع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن
القاسم وغيره ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن سارة قالت لابراهيم عليه السلام : ياإبراهيم قد
كبرت فلو دعوت الله أن يرزقك ولدا تقر أعيننا به فإن الله قد اتخذك خليلا وهو مجيب
لدعوتك إن شاء ، قال عليه السلام : فسأل إبراهيم ربه أن يرزقه غلاما عليما فأوحى الله عزوجل
إليه : أني واهب لك غلاما عليما ثم أبلوك بالطاعة لي ، قال أبوعبدالله عليه السلام : فمكث
إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ثم جاءته البشارة من الله عزوجل وإن سارة قد قالت
لابراهيم : إنك قد كبرت وقرب أجلك ، فلو دعوت الله عزوجل أن ينسئ في أجلك ( 2 )
وأن يمد لك في العمر فتعيش معنا وتقر أعيننا ، قال : فسأل إبراهيم ربه ذلك ، قال :
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 24 . م
( 2 ) أى يؤخر في أجلك ، يقال : أنسأ الله أجله وفى أجله أى أخره . ( * )
[ 80 ]
فأوحى الله عزوجل إليه : سل من زيادة العمر ما أحببت تعطه ، ( 1 ) قال : فأخبر إبراهيم
سارة بذلك فقالت له : سل الله أن لا يميتك حتى تكون أنت الذي تسأله الموت ، قال :
فسأل إبراهيم ربه ذلك ، فأوحى الله عزوجل إليه : ذلك لك ، قال : فأخبر إبراهيم سارة
بما أوحى الله عزوجل إليه في ذلك فقالت سارة لابراهيم : اشكر لله واعمل طعاما وادع
عليه الفقراء وأهل الحاجة ، قال : ففعل ذلك إبراهيم ودعا إليه الناس ، فكان فيمن أتى رجل
كبير ضعيف مكفوف ( 2 ) معه قائد له فأجلسه على مائدته ، قال : فمد الاعمى يده فتناول
لقمة وأقبل بها نحو فيه فجعلت تذهب يمينا وشمالا من ضعفه ، ثم أهوى بيده إلى جبهته
فتناول قائده يده فجاء بها إلى فمه ، ثم تناول المكفوف لقمة فضرب بها عينه ، قال : و
إبراهيم عليه السلام ينظر إلى المكفوف وإلى ما يصنع ، قال : فتعجب إبراهيم من ذلك و
سأل قائده عن ذلك ، فقال له القائد : هذا الذي ترى من الضعف ، فقال إبراهيم في نفسه :
أليس إذا كبرت أصير مثل هذا ؟ ثم إن إبراهيم عليه السلام سأل الله عزوجل حيث رأى
من الشيخ ما رأى فقال : اللهم توفني في الاجل الذي كتبت لي فلا حاجة لي في الزيادة
في العمر بعد الذي رأيت . ( 3 )
10 - ك : أبي وابن الوليد معا ، عن سعد والحميري معا ، عن ابن عيسى ، عن
ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : خرج إبراهيم
ذات يوم يسير في البلاد ليعتبر مر ( 4 ) بفلاة من الارض فإذا هو برجل قائم يصلي قد قطع
إلى السماء صوته ولباسه شعر فوقف عليه إبراهيم وعجب منه وجلس ينتظر ( 5 ) فراغه
فلما طال ذلك عليه حركه بيده وقال له : إن لي حاجة فخفف ، قال : فخفف الرجل ( 6 )
وجلس إبراهيم ، فقال له إبراهيم : لمن تصلي ؟ فقال : لاله إبراهيم ، فقال له : ومن إله
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : نعطه . م
( 2 ) كف بصره : عمى .
( 3 ) علل الشرائع : 24 - 2 . م
( 4 ) في المصدر : فمر . م
( 5 ) في المصدر : وجعل ينتظر . م
( 6 ) في المصدر : ان لى حاجة فخفف الرجل اه . م ( * )
[ 81 ]
إبراهيم ؟ فقال : الذي خلقك وخلقني ، فقال له إبراهيم : لقد أعجبني نحوك وأنا أحب
أن اؤاخيك في الله ، فأين منزلك إذا أردت زيارتك ولقاءك ؟ فقال له الرجل : منزلي خلف
النطفة ( 1 ) - وأشار بيده إلى البحر - وأما مصلاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن
شاء الله . ثم قال الرجل لابراهيم : لك حاجة ؟ فقال إبراهيم عليه السلام : نعم ، قال : وما هي ؟
قال له تدعو الله وأؤمن على دعائك ، أو أدعو أنا وتؤمن على دعائي ، فقال له الرجل :
وفيم تدعوالله ؟ قال له إبراهيم : للمذنبين المؤمنين ، فقال الرجل : لا ، فقال إبراهيم : ولم ؟
فقال : لاني دعوت الله منذ ثلاث سنين بدعوة لم أرإجابتها إلى الساعة وأنا أستحيي من الله
أن أدعوه بدعوة حتى أعلم أنه قد أجابني ، فقال إبراهيم : وفيما دعوته ؟ فقال له الرجل : إني
لفي مصلاي هذا ذات يوم إذ مر بي غلام أروع ، ( 2 ) النور يطلع من جبينه ، له ذؤابة من خلفه ،
معه بقريسوقها ، كأنما دهنت دهنا ، وغنم يسوقها كأنما دخشت دخشا . قال : فأعجبني ما


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 81 سطر 11 الى ص 89 سطر 11

رأيت منه ، فقلت : يا غلام لمن هذه البقر والغنم ، فقال : لي ، فقلت : ومن أنت ؟ فقال : أنا
إسماعيل بن إبراهيم خليل الله . فدعوت الله عند ذلك وسألته أن يريني خليله ، فقال له إبراهيم :
فأنا إبراهيم خليل الرحمن وذلك الغلام ابني ، فقال الرجل عند ذلك : الحمد لله رب العالمين ،
الذي أجاب دعوتي ، قال : ثم قبل الرجل صفحتي وجه إبراهيم وعانقه ، ثم قال : الآن
فنعم فادع حتى أؤمن على دعائك ، فدعا إبراهيم للمؤمنين والمؤمنات من يومه ذلك إلى
يوم القيامة بالمغفرة والرضى عنهم ، وأمن الرجل على دعائه ، فقال أبوجعفر عليه السلام : فدعوة
إبراهيم بالغة للمذنبين المؤمنين من شيعتنا إلى يوم القيامة . ( 3 )
بيان : نحوك أي طريقتك في العبادة ، أو قصدك ، أو مثلك . والنطفة بالضم : البحر ، و
قيل : الماء الصافي قل أو كثر ، والاروع من الرجال الذي يعجبك حسنه . قوله : ( كأنما دهنت
دهنا ) كناية إما عن سمنها أي ملئت دهنا أو صفائها أي طليت به ، يقال : دهنه أي طلاه بالدهن .
قوله : ( كأنما دخست ) في بعض النسخ بالخاء المعجمة والسين المهملة ، قال الجوهري : الدخيس :
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : خلف هذه النطفة . م
( 2 ) الاروع : من يعجبك بحسنه أو شجاعته .
( 3 ) كمال الدين : 83 - 84 . م ( * )
[ 82 ]
اللحم المكتنز ، وكل ذي سمن دخيس ، وفي بعضها بالحاء المهملة أيضا ، قال الجزري :
كل شئ ملاته فقد دخسته ، وفي بعضها بالخاء والشين المعجمتين قال الفيروز آبادي :
دخش كفرح : امتلا لحما .
11 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ،
عن ابن أورمة ، عن يحيى اللحام ، عن سماعة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن إبراهيم
ناجى ربه فقال : يارب كيف ذا العيال ؟ من قبل أن يجعل له من ولده خلفا يقوم من بعده
في عياله ، فأوحى الله تعالى إليه : يا إبراهيم أو تريد لها خلفا منك يقوم مقامك من بعدك
خيرا مني ؟ ! قال إبرهيم : اللهم لا ، الآن طابت نفسي . ( 1 )
12 - كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن أبي داود ، عن عبدالله بن أبان ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : من مسجد السهلة سار إبراهيم عليه السلام إلى اليمن بالعمالقة . ( 2 )
( باب 5 )
* ( احوال أولاده وأزواجه صلوات الله عليهم وبناء البيت ) *
الايات ، البقرة " 2 " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسمعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع
السجود * وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم
بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير *
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم *
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك
أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب
والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم * ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه
نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت
* ( هامش ) * ( 1 ) مخطوط . م
( 2 ) فروع الكافى 1 : 139 . م ( * )
[ 83 ]
لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن
إلا وأنتم مسلمون 125 - 132 .
الانعام " 6 " ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا 84 .
هود " 11 " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء
بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا ارسلنا
إلى قوم لوط * وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب * قالت
يا ويلتئ ألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله
رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد * فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته
البشرى يجاد لنا في قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب * يا إبراهيم أعرض عن هذا
إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود 69 - 76 .
ابراهيم " 14 " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد
الاصنام * رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك
غفور رحيم * ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غيرذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا
الصلوة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون * ربنا
إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شئ في الارض ولا في السماء * الحمد لله
الذي وهب لي على الكبر إسمعيل وإسحق إن ربي لسميع الدعاء * رب اجعلني مقيم
الصلوة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء * ربنا اغفرلي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب
35 - 41 .
مريم " 19 " فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحق ويعقوب و
كلا جعلنا نبيا * ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا 49 - 50 .
الانبياء " 21 " ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم
أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة وكانوا لنا
عابدين 72 - 73 " وقال تعالى " : وإسمعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين 85 .
الحج " 22 " وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت أن لا تشكر بي شيئا وطهر بيتي للطائفين
[ 84 ]
والقائمين والركع السجود * وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر
يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على
ما رزقهم من بهيمة الانعام 26 - 27 .
العنكبوت " 29 " ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب و
آتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخره لمن الصالحين 27 .
الذاريات " 51 " هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا
سلاما قال سلام قوم منكرون * فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقر به إليهم قال ألا
تأكلون * فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم * فأقبلت امرأته في صرة
فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم * قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم * قال
فماخطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا ارسلنا إلى قوم مجرمين * لنرسل عليهم حجارة من
طين 24 - 33 .
تفسير : قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله سبحانه : " واتخذوا من مقام إبراهيم " :
في المقام دلالة ظاهرة على نبوة إبراهيم عليه السلام فإن الله سبحانه جعل الحجر تحت قدمه
كالطين حتى دخلت قدمه فيه فكان ذلك معجزة له . وروي عن الباقر عليه السلام أنه قال : نزلت
ثلاثة أحجار من الجنة : مقام إبراهيم ، وحجر بني إسرائيل ، والحجر الاسود استودعه الله
إبراهيم حجرا أبيض وكان أشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بني آدم .
وقال ابن عباس : لما أتى إبراهيم بإسماعيل وهاجر فوضعهما بمكة وأتت على
ذلك مدة ونزلها الجرهميون وتزوج إسماعيل امرأة منهم وماتت هاجر استأذن
إبراهيم سارة أن يأتي هاجر فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل ، فقدم إبراهيم عليه السلام وقد
ماتت هاجر فذهب إلى بيت إسماعيل فقال لامرأته : أين صاحبك ؟ فقالت : ليس هو ههنا
ذهب يتصيد ، وكان إسماعيل يخرج من الحرم فيتصيد ثم يرجع ، فقال لها إبراهيم : هل
عندك ضيافة ، قالت : ليس عندي شئ وما عندي أحد ، فقال لها إبراهيم : إذاجاء زوجك
فاقرئيه السلام وقولي له : فليغير عتبة بابه ; وذهب إبراهيم عليه السلام وجاء إسماعيل عليه السلام و
وجد ريح أبيه فقال لامرأته : هل جاءك أحد ؟ قالت : جاءني شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة
[ 85 ]
بشأنه ، قال : فما قال لك ؟ قالت : قال لي : اقرئي زوجك السلام وقولي له : فليغير عتبة بابه ،
فطلقها وتزوج اخرى ، ( 1 ) فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل
فأذنت له واشترطت عليه أن لاينزل ، فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل فقال
لامرأته : أين صاحبك ؟ قالت : يتصيد وهو يجئ الآن إن شاء الله فانزل يرحمك الله ،
قال لها : هل عندك ضيافة ؟ قالت : نعم ، فجاءت باللبن واللحم فدعا لها بالبركة ، فلو جاءت
يومئذ بخبز برا وشعيرا وتمرا لكان أكثر أرض الله برا وشعيرا وتمرا ، فقالت له : انزل
حتى أغسل رأسك ، فلم ينزل فجاءت بالمقام فوضعته على شقة الايمن فوضع قدمه عليه فبقي
أثر قدمه عليه ، فغلست شق رأسه الايمن ، ثم حولت المقام إلى شق رأسه الايسر فبقي
أثر قدمه عليه ، فغسلت شق رأسه الايسر ، فقال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام و
قو لي له : قد استقامت عتبة بابك ; فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامرأته : هل
جاءك أحد ؟ قالت : نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا وقال لي كذا وكذا ، و
غسلت رأسه ، وهذا موضع قدميه على المقام ، قال لها إسماعيل : ذاك إبراهيم عليه السلام .
وقد روى هذه القصة علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان ، عن
الصادق عليه السلام وإن اختلفت بعض ألفاظه ، وقال في آخرها : إذا جاء زوجك فقولي له ، قد
جاء ههنا شيخ وهو يوصيك بعتبة بابك خيرا ، قال فأكب إسماعيل على المقام يبكي ويقبله .
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام إن إبراهيم عليه السلام استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت
له على أن لا يلبث عنها وأن لا ينزل عن حماره ، فقيل له : كيف كان ذلك ؟ فقال : إن الارض
طويت له . وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله قال : الركن والمقام ياقوتان من ياقوت الجنة
طمس الله نورهما ، ولولا أن نورهما طمس لاضاء مابين المشرق والمغرب .
أن " طهرا " أي قلنا لهما : طهرا بيتي ، أضاف البيت إلى نفسه تفضيلا له على
سائر البقاع . وفي التطهير وجوه :
أحدها : أن المراد : طهراه من الفرث والدم الذي كان المشركون تطرحه عند البيت
قبل أن يصير في يد إبراهيم وإسماعيل . وثانيها : طهراه من الاصنام التي كانوا يعلقونها
* ( هامش ) * ( 1 ) سماها اليعقوبي الحيفاء بنت مضاض الجرهمية . ( * )
[ 86 ]
على باب البيت . وثالثها : طهراه ببنائكما له على الطهارة كقوله تعالى : " أفمن أسس
بنيانه على تقوى من الله " . ( 1 )
" للطائفين والعاكفين " أكثر المفسرين على أن الطائفين هم الدائرون حول البيت ،
والعاكفين هم المجاورون للبيت ; وقيل : الطائفون : الطارئون ( 2 ) على مكة من الآفاق ،
والعاكفون : المقيمون فيها " والركع السجود " هم المصلون . ( 3 )
" رب اجعل هذا " أي مكة " بلدا آمنا " أي ذا أمن ، قال ابن عباس : يريد : لا يصاد
طيره ، ولا يقطع شجره ، ولا يختلى خلاه ( 4 ) " وارزق أهله من الثمرات " روي عن أبي جعفر عليه السلام
أن المراد بذلك أن الثمرات تحمل إليهم من الآفاق . وروي عن الصادق عليه السلام قال : إنما هو
ثمرات القلوب . ( 5 ) أي حببهم إلى الناس ليثوبوا إليهم " من آمن منهم " إنما خصهم
لانه تعالى كان قد أعلمه أنه يكون في ذريته الظالمون فخص بالدعاء رزق المؤمنين تأدبا
بأدب الله فيهم " قال ومن كفر فأمتعه قليلا " أي قال الله قد استجبت دعوتك فيمن أمن
منهم ومن كفر فأمتعه بالرزق الذي ارزقه إلى وقت مماته " ثم أضطره إلى عذاب
النار " أي أدفعه إليها في الآخرة . ( 6 ) .
" وإذ يرفع " أي اذكر إذ يرفع " إبراهيم القواعد من البيت " أي اصول البيت التي
كانت قبل ذلك ، عن ابن عباس وعطا قالا : قد كان آدم بناه ثم عفا أثره ( 7 ) فجدده إبراهيم
وهو المروي عن أئمتنا صلوات الله عليهم . وفي كتاب العياشي بإسناده عن الصادق عليه السلام قال :
إن الله تعالى أنزل الحجر الاسود من الجنة لآدم عليه السلام وكانت البيت درة بيضاء فرفعه الله
تعالى إلى السماء وبقي أساسه فهو حيال هذا البيت ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا
يرجعون إليه أبدا فأمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت على القواعد " وإسمعيل "
* ( هامش ) * ( 1 ) التوبة : 109 .
( 2 ) جمع الطارئ : الغريب خلاف الاصلى .
( 3 ) مجمع البيان 1 : 203 . 204 . م
( 4 ) أى لا يجز عشبه .
( 5 ) لا تنافى بين الخبرين لان الثمرات معنى اعم يشمل ما فيهما ، ويحتمل أن يكون الثانى تفسيرا
بالسبب .
( 6 ) مجمع البيان 1 : 206 . م
( 7 ) أى محى ودرس وبلى . ( * )
[ 87 ]
أي يرفع إبراهيم وإسماعيل أساس الكعبة يقولان : " ربنا تقبل منا " فكان إبراهيم يبني
وإسماعيل يناوله الحجارة .
وروي عن الباقر عليه السلام أن إسماعيل أول من شق لسانه بالعربية ، ( 1 ) فكان أبوه
يقول له : - وهما يبنيان البيت - يا إسماعيل هابي ابن أي أعطني حجرا ، فيقول له
إسماعيل : يا أبت هاك حجرا ، فإبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة . ( 2 )
" واجعلنا مسلمين لك " أي في بقية عمرنا كما جعلتنا مسملين في ماضي عمرنا و
قيل : أي قائمين بجميع شرائع الاسلام ، مطيعين لك ، لان الاسلام هو الطاعة والانقياد
" من ذريتنا " أي واجعل من أولادنا " امة مسلمة لك " أي جماعة موحدة منقادة لك ،
يعني امة محمد صلى الله عليه وآله ، روي عن الصادق عليه السلام أن المراد بالامة بنو هاشم خاصة وإنما
خصا بعضهم لانه تعالى أعلم إبراهيم أن في ذريته من لا ينال عهده لا يرتكبه من الظلم
" وأرنا مناسكنا " أي عرفنا المواضع التي تتعلق النسك بها لنفعه عندها " وتب علينا "
فيه وجوه :
أحدها : أنهما قالا هذه الكلمة على وجه التسبيح والتعبد والانقطاع إلى الله
ليقتدي بهما الناس فيها .
وثانيها : أنهما سألا التوبة على ظلمة ذريتهما .
وثالثها : أن معناه : ارجع علينا بالمغفرة والرحمة . ( 3 )
* ( هامش ) * ( 1 ) أى من ولد ابراهيم ، وذلك كان بعد ما تزوج اسماعيل من جرهم فاضطر إلى معاشرتهم
فتكلم بلغتهم وهى العربية ، راجع ما يأتى تحت رقم 39 . وقيل : العربية الخالصة وهى اللهجة
العدنانية وحى إلهى أوحى الله إلى إسماعيل عليه السلام . قلت : عد البغدادى في كتاب المحبر من قبائل
العاربة الذين الهموا العربية وتكلموا بها عاد وعبيل ابنا عوص بن ارم بن سام بن نوح ، وثمود
وجديس ابنا جاثربن ارم بن سام بن نوح ، وعمليق وطسم وأميم بنو لوذان بن ارم ، وبنو يقطن بن
عامر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح وهم جرهم ، وحضرموت والسلف وجاسم بن عمان بن
سبا بن يقشان بن ابراهيم .
( 2 ) مجمع البيان 1 : 208 . م
( 3 ) مجمع البيان 1 : 208 - 209 . م ( * )
[ 88 ]
" وابعث فيهم رسولا " هو نبينا محمد صلى الله عليه وآله كما قال : أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة
عيسى . ( 1 )
" ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " أي لا يترك دين إبراهيم وشريعته
إلا من أهلك نفسه وأوبقها ; وقيل : أضل نفسه ; وقيل : جهل قدره . وقيل : جهل نفسه
بما فيها من الآيات الدالة على أن لها صانعا ليس كمثله شئ . ( 2 )
" ولقد اصطفيناه في الدنيا " أي اخترناه بالرسالة " وإنه في الآخرة لمن الصالحين "
أي من الفائزين " وقيل : أي لمع الصالحين ، أي مع آبائه الانبياء في الجنة " إذ قال له
ربه " أي اصطفيناه حين قال له ربه " أسلم " واختلف في أنه متى قيل له ذلك ، فقال الحسن :
كان هذا حين ألفت الشمس ورأى إبراهيم تلك الآيات والادلة وقال : " يا قوم إني برئ
مما تشركون " وقال ابن عباس : إنما قال ذلك إبراهيم حين خرج من السرب ، وإنما
قال ذلك بعد النبوة ، ومعنى " أسلم " استقم على الاسلام وأثبت على التوحيد ; وقيل :
معنى أسلم أخلص دينك بالتوحيد " قال أسلمت " أي أخلصت الدين " لله رب العالمين *
ووصى بها " أي بالملة ، أو بالكلمة التي هي قوله : " أسلمت لرب العالمين " وقيل : بكلمة
التوحيد " إبراهيم بنيه " إنما خص البنين لان إشفاقه عليهم أكثر . وهم بقبول وصيته
أجدر ، وإلا فمن المعلوم أنه كان يدعو جميع الانام إلى الاسلام " ويعقوب " أي ووصى
يعقوب بنيه " إن الله اصطفى لكم الدين " أي اختار لكم دين الاسلام " فلا تموتن إلا و
أنتم مسلمون " أي فلا تتركوا الاسلام فيصادفكم الموت على تركه . ( 3 )
" ولقد جاءت رسلنا " قيل : كانوا ثلاثة : جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، عن ابن
عباس ; وقيل : أربعة ، عن أبي عبدالله عليه السلام ; قيل : والرابع اسمه كروبيل ; وقيل : تسعة ;
وقيل : أحد عشر وكانوا على صورة الغلمان " بالبشرى " أي بالبشارة بإسحاق ونبوته ، وأنه
يولد له يعقوب . وروي عن أبي جعفر عليه السلام أن هذه البشارة كانت بإسماعيل من هاجر ;
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 1 : 209 - 210 . م
( 2 ) وقيل : أذلها واستخف بها .
( 3 ) مجمع البيان 1 : 212 - 213 . م ( * )
[ 89 ]
وقيل : بإهلاك قوم لوط " قالوا سلاما " أي سلمنا سلاما ، أو أصبت سلاما ، أي سلامة " فضحكت "
أي تعجبا من غفلة قوم لوط مع قرب نزول العذاب بهم ; أو من امتناعهم عن الاكل وخدمتها
إياهم بنفسها . وقيل : ضحكت لانها قالت لابراهيم : اضمم إليك ابن أخيك ( 1 ) إني أعلم
أنه سينزل بهؤلاء عذاب فضحكت سرورا لما أتى الامر على ما توهمت ; وقيل : تعجبا وسرورا
من البشارة بإسحاق لانها كانت هرمت وهي بنت ثمان وتسعين أو تسع وتسعين ، وقد كان
شاخ زوجها ، وكان ابن تسع وتسيعن سنة أو مائة سنة ; وقيل : مائة وعشرين سنة ، ولم يرزق
لهما ولد في حال شبابهما ، ففي الكلام تقديم وتأخير ، وروي ذلك عن أبي جعفر عليه السلام " ومن
وراء إسحاق " أي بعد إسحاق ، وعن ابن العباس : الوراء ولد الولد ; وقيل : إن ضحكت
بمعنى حاضت ، وروي ذلك عن الصادق عليه السلام يقال : ضحكت الارنب أي حاضت " رحمت الله "
خبر أودعاء " يجادلنا " أي يجادل رسلنا ويسائلهم " في قوم لوط " بما سيأتي في الاخبار ، أو
يسألهم بم يستحقون العذاب ؟ وكيف يقع عليهم ؟ وكيف ينجي الله المؤمنين ؟ فسمي


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 89 سطر 12 الى ص 97 سطر 12

الاستقصاء في السؤال جدالا ، فقالت الملائكة : " يا إبراهيم أعرض عن هذا " القول " إنه
قد جاء أمر ربك " بالعذاب فهو نازل بهم لا محالة . ( 2 )
" هذا البلد " يعني مكة وما حولها من الحرم " رب إنهن أضللن " أي ضل بعبادتهن
كثير من الناس " فمن تبعني فإنه مني " أي من تبعني من ذريتي التي أسكنتهم هذا
البلد على ديني في عبادة الله وحده فإنه من جملتي وحاله كحالي " فإنك عفور رحيم "
أي ساتر على العباد معاصيهم ، رحيم بهم في جيمع أحوالهم ، منعم عليهم " ربنا إني أسكنت
من ذريتي " يريد إسماعيل مع امه هاجر وهو أكبر ولده ، وروي عن الباقر صلى الله عليه وآله أنه
قال : نحن بقية تلك العترة ، وقال : كانت دعوة إبراهيم لنا خاصة " بواد غير ذي زرع "
يريد وادي مكة وهو الابطح إذ لم يكن بها يومئذ ماء ولا زرع ولا ضرع " عند بيتك المحرم "
أضاف البيت إليه إذ لم يملكه أحد سواه ، ووصفه بالمحرم لانه لا يستطيع أحد الوصول
* ( هامش ) * ( 1 ) هذا مبنى على ما ذكره الثعلبى وغيره من أن لوطا كان ابن اخى ابراهيم وهو لوط بن هاران بن
تارخ ; منه قدس سره . قلت : قاله النعلبى في العرائس ص 61 ، وقال اليعقوبى : كان لوط ابن أخيه
خاران بن تارخ .
( 2 ) مجمع البيان 5 : 179 - 181 . م ( * )
[ 90 ]
إليه إلا بالاحرام ، وقيل : لانه حرم فيه ماأحل في غيره من البيوت من الجماع و
الملابسة بشئ من الاقذار والدماء ; وقيل : معناه : العظيم الحرمة " فاجعل أفئدة من الناس
تهوي إليهم " هذا سؤال من إبراهيم عليه السلام أن يجعل الله قلوب الخلق تحن إلى ذلك الموضع
ليكون في ذلك أنس لذريته ، وليدر أرزاقهم على مرور الاوقات . وعن الباقر عليه السلام أنه
قال : إما امر الناس أن يطوفوا بهذه الاحجار ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ، و
يعرضوا علينا نصرهم ، ثم قرأ هذه الآية " الحمد لله الذي وهب لي على الكبر " قال ابن
عباس : ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة ، وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي
عشرة سنة ، وقال ابن جبير : لم يولد لابراهيم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة " ولوالدي "
استدل أصحابنا بهذا على ما ذهبوا إليه من أن أبوي إبراهيم لم يكونا كافرين ، لانه
إنما سأل المغفرة لهما يوم القيامة ، فلو كانا كافرين لما سأل ذلك . ( 1 )
" فلما اعتزلهم " أي فارقهم وهاجرهم إلى الارض المقدسة " وهبنا له إسحق "
ولدا " ويعقوب " ولد ولد " وكلا " من هذين " جعلنا نبيا " يقتدي به في الدين " ووهبنا
لهم من رحمتنا " أي نعمتنا سوى الاولاد والنبوة من نعم الدين والدنيا " وجعلنا لهم لسان
صدق " أي ثناء حسنا في الناس " عليا " مرتفعا سائرا في الناس ، فكل أهل الاديان
يتولون إبراهيم وذريته ويثنون عليهم ويدعون أنهم على دينهم ; وقيل : معناه : وأعلينا
ذكرهم بأن محمدا وامته يذكرونهم بالجميل إلى قيام القيامة بقولهم : كما صليت على
إبراهيم وآل إبراهيم . ( 2 )
" وكلا جعلنا صالحين " للنبوة والرسالة ، أو حكمنا بكونهم صالحين " وكانوا لنا
عابدين " أي مخلصين في العبادة . ( 3 )
" وإذ بوأنا لابراهيم " أي واذكر يا محمد إذ وطأنا لابراهيم " مكان البيت "
وعرفناه ذلك بما جعلنا له من العلامة ، قال السدي : إن الله تعالى لما أمره ببناء البيت
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 6 : 318 - 319 . م
( 2 ) مجمع البيان 6 : 517 . م
( 3 ) مجمع البيان 7 : 56 . م ( * )
[ 91 ]
لم يدر أين يبني ، فبعث الله ريحا خجوجا ( 1 ) فكنست له ماحول الكعبة عن الاساس الاول
الذي كان البيت عليه قبل أن يرفع أيام الطوفان .
وقال الكلبي : بعث الله سبحانه على قدر البيت فيها رأس تتكلم فقامت بحيال الكعبة
وقالت : ياإبراهيم ابن على قدري ; وقيل : إن المعنى : جعلنا البيت مثواه ومسكنه " أن لا
تشرك بي شيئا " أي أوحينا إليه أن لا تعبد غيري " وطهربيتي " من الشرك وعبادة الاوثان
" والقائمين " أي المقمين بمكة ، أو القائمين في الصلاة " وأذن في الناس " أي أعلمهم بوجوب
الحج . واختلف في المخاطب به على قولين :
أحدهما : أنه إبراهيم عليه السلام ، عن علي عليه السلام وابن عباس ، قال : قام في المقام
فنادى : يا أيها الناس إن الله دعاكم إلى الحج ، فأجابوا : لبيك اللهم لبيك .
والثاني : آن المخاطب به نبينا صلى الله عليه وآله ، وجمهور المفسرين على الاول ، قالوا :
أسمع الله صوت إبراهيم كل من سبق علمه بأنه يحج إلى يوم القيامة ، كما أسمع
سليمان مع ارتفاع منزلته وكثرة جنوده حوله صوت النمل مع خفضه وسكونه ; وفي رواية
عطا عن ابن عباس قال : لما أمر الله إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج صعد أبا قبيس ووضع
إصبعيه في اذنيه وقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال ،
وأول من أجابه أهل اليمن . ( 2 )
" وآتيناه أجره في الدنيا " وهو الذكر الحسن والولد الصالح ; أورضى أهل الاديان
به ; أو أنه أري مكانه في الجنة ; وقيل : بقاء ضيافته عند قبره . ( 3 )
" المكرمين " عند الله ; وقيل : أكرمهم إبراهيم فرفع مجالسهم وخدمهم بنفسه ، و
اختلف في عددهم فقيل : كانوا اثني عشر ملكا ; وقيل : كان جبرئيل ومعه سبعة أملاك ;
وقيل : كانوا ثلاثة : جبرئيل وميكائيل وملك آخر . " قوم منكرون " أي قال في نفسه :
* ( هامش ) * ( 1 ) قال في النهاية : في حديث على عليه السلام وذكر بناء الكعبة : " فبعث الله السكينة وهى ريح
خجوج فتطوفت بالبيت " هكذا قال الهروى ، وفى كتاب القتيبى : فتطوفت موضع البيت كالجحفة ،
يقال : ريح خجوج أى شديد المرور في غير استواء ، وأصل الخج الشق ; منه قدس سره .
( 2 ) مجمع البيان 7 : 80 - 81 . م
( 3 ) مجمع البيان 8 : 280 . م ( * )
[ 92 ]
هؤلاء قوم لا نعرفهم " فراغ إلى أهله " أي ذهب إليهم خفيا لئلا يمنعوه من تكلف مأكول
" فجاء بعجل سمين " وكان مشويا ، قال قتادة : وكان عامة مال إبراهيم البقر " فأوجس
منهم خيفة " أي فلما امتنعوا من الاكل أوجس منهم خيفة وظن أنهم يريدون به سوءا
" قالوا " أي الملائكة " بغلام عليم " أي إسماعيل ; وقيل : هو إسحاق لانه من سارة وهذه
القصة لها " فأقبلت امرأته في صرة " أي فلما سمعت البشارة سارة أقبلت في صيحة ، عن ابن
عباس وغيره ; وقيل : في جماعة ، عن الصادق عليه السلام ; وقيل : في رنة " فصكت وجهها " أي جمعت
أصابعها فضربت جبينها تعجبا ; وقيل : لطمت وجهها " وقالت عجوز عقيم " أي أنا عجوز عاقر
فكيف ألد ؟ " قالوا كذلك قال ربك " أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلاما
فلا تشكي " فما خطبكم " أي فما شأنكم ؟ ولاي أمر جئتم ؟ وكأنه قال : جئتم لامر
عظيم فماهو ؟ . ( 1 )
11 - فس : قوله : " طهرا بيتي " قال الصادق عليه السلام : يعني نح عنه المشركين ، و
قال : لما بنى إبراهيم عليه السلام البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك وتعالى ما يلقى
من أنفاس المشركين ، فأوحى الله إليها قري كعبة فإني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون
بقضبان الشجر ويتخللون . قوله : " وارزق أهله " فإنه دعا إبراهيم ربه أن يرزق من
آمن به ، فقال الله : يا إبراهيم " ومن كفر " أيضا أرزقه " فامتعه قليلا ثم أضطره إلى
عذاب النار " ( 2 )
قوله : " ربنا وابعث فيهم رسولا " فإنه يعني من ولد إسماعيل عليه السلام فلذلك قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا دعوة أبي إبراهيم عليه السلام . ( 3 )
2 - فس : قوله : " رب اجعل هذا البلد آمنا " يعني مكة " رب إنهن أضللن "
فإن الاصنام لم تضل ، وإنما ضل الناس بها ، قوله : " وارزقهم من الثمرات " أي من
ثمرات القلوب " لعلهم يشكرون " يعني لكي يشكروا . وحدثني أبي ، عن حنان ، عن
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 9 : 157 - 158 . م
( 2 ) تفسير القمى : 50 - 501 . م
( 3 ) تفسير القمى 53 . م ( * )
[ 93 ]
أبي جعفر عليه السلام في قوله : " ربنا إني أسكنت " الآية قال : نحن والله بقية تلك
العترة . ( 1 )
قوله : " ربنا اغفر لي ولوالدي " قال : إنما نزلت : ولولدي إسماعيل وإسحاق . ( 2 )
بيان : قال في مجمع البيان : قرأ الحسين بن علي وأبوجعفر محمد بن علي عليهم السلام و
الزهري وإبراهيم النخعي " ولولدي " وقرأ يحيى بن يعمر " ولولدي " . ( 3 )
3 - فس : " فلما اعتزلهم " يعني إبراهيم " ووهبنا لهم من رحمتنا " يعنى لابراهيم
وإسحاق ويعقوب " من رحمتنا " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " وجعلنا لهم لسان صدق عليا "
يعني أمير المؤمنين عليه السلام ، حدثني بذلك أبي ، عن الامام الحسن العسكري عليه السلام . ( 4 )
4 - فس : " نافلة " قال : ولد ولد ، قوله : " في صرة " أي في جماعة " فصكت وجهها "
أي غطته بما بشرها جبرئيل عليه السلام بإسحاق " وقالت " إني " عجوز عقيم " أي لا تلد * ( 5 )
5 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن معروف ، عن علي بن مهزيار ،
عن الحسن بن سعيد ، عن علي بن منصور ، عن كلثوم بن عبدالمؤمن الحر انى ، عن أبي
عبدالله عليه السلام قال : أمر الله عزوجل إبراهيم عليه السلام أن يحج ويحج بإسماعيل معه و
يسكنه الحرم ، قال : فحجا على جمل أحمر ما معهما إلا جبرئيل ، فلما بلغا الحرم قال له
جبرئيل عليه السلام : يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم ، فنزلا واغتسلا ، وأراهما
كيف تهيئا للاحرام ( 6 ) ففعلا ، ثم أمرهما فأهلا بالحج وأمرهما بالتلبية الاربع التي
لبى بها المرسلون ، ثم ساربهما حتى أتى بهما باب الصفا فنزلا عن البعير وقام جبرئيل
بينهما فاستقبل البيت فكبر وكبرا ، وحمد الله وحمدا ، ومجدالله ومجدا ، وأثنى عليه
ففعلا مثل ما فعل ، وتقدم جبرئيل وتقدما يثنون على الله ويمجدونه ( 7 ) حتى انتهى
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى : 347 . م
( 2 ) تفسير القمى : 347 - 348 . م
( 3 ) مجمع البيان 6 : 317 . م
( 4 ) تفسير القمى : 411 . م
( 5 ) تفسير القمى : 448 . م
( 6 ) في الكافى : كيف يتهيئان .
( 7 ) في الكافى : فكبر الله وكبرا وهلل الله وهللا وحمدالله إه وفيه : يتهيئان على الله ويمجدانه . ( * )
[ 94 ]
بهما إلى موضع الحجر فاستلم جبرئيل عليه السلام ( الحجر خ ل ) وأمرهما أن يستلما ، وطاف
بهما أسبوعا ، ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيم فصلى ركعتين وصليا ، ثم أراهما المناسك
وما يعملانه فلما قضيا نسكهما ( 1 ) أمر الله عزوجل إبراهيم بالانصراف ، وأقام إسماعيل
وحده ما معه أحد غيره ، ( 2 ) فلما كان من قبل قابل أذن الله عزوجل لابراهيم في الحج
وبناء الكعبة وكانت العرب تحج إليه وكان ردما ( 3 ) إلا أن قواعده معروفة ، فلما صدر
الناس جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة ، فلما أن أذن الله عزوجل في البناء
قدم إبراهيم فقال : يا بني قد أمرنا الله عزوجل ببناء الكعبة ، فكشفا عنها فإذا هو حجر
واحد أحمر ، فأوحى الله عزوجل إليه : ضع بناءها عليه ، وأنزل الله عزوجل عليه أربعة
أملاك يجمعون له الحجارة فصار إبراهيم ( 4 ) وإسماعيل يضعان الحجارة والملائكة تناولهما
حتى تمت اثنا عشر ذراعا وهيئا له بابا يدخل منه ، ( 5 ) وبابا يخرج منه ، ووضع
عليه ( 6 ) عتبة وشريجا من حديد على أبوابه ، وكانت الكعبة عريانة ، ( 7 ) فلما ورد عليه
الناس أتى امرأة من حمير أعجبته جمالها ، ( 8 ) فسأل الله عزوجل أن يزوجها إياه وكان لها
بعل ، ( 9 ) فقضى الله عزوجل على بعلها الموت فأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله ( 10 )
عزوجل ذلك عنها وزوجها إسماعيل ، وقدم إبراهيم عليه السلام للحج وكانت امرأة موافقة ( 11 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافى : وما يعملان به ، فلما قضيا مناسكهما .
( 2 ) في الكافى : ما معه أحد غير امه ; وهو الصحيح .
( 3 ) في الكافى : وإنما كان ردما . والردم : ما يسقط من الحائط المتهدم .
( 4 ) في الكافى : يجمعون اليه الحجارة ، فكان ابراهيم ا ه .
( 5 ) في الكافى : وهيئا له بابين : باب يدخل منه ا ه .
( 6 ) في الكافى : ووضعا عليه عتبة وشريجا ، وفى نسخة : وشرجا . العتبة : اسكفة الباب أى
خشبة الباب التى يوطا عليه . الشرج : العرى .
( 7 ) في الكافى : هنا زيادة وهى هكذا : فصدر ابراهيم وقد سوى البيت وأقام اسماعيل .
( 8 ) في الكافى : نظر إلى امرأة من حمير أعجبه جمالها .
( 9 ) في الكافى : وهو عليه السلام لم يعلم أن لها زوجا .
( 10 ) أسلاه عن عمه : كشفه عنه .
( 11 ) في الكافى : موفقة ، أى وصلت إلى الكمال في قليل من السن . ( * )
[ 95 ]
وخرج إسماعيل إلى الطائف يمتار لاهله طعاما ، ( 1 ) فنظرت إلى شيخ شعث فسألها
عن حالهم فأخبرته بحسن حالهم ، وسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن حاله ، ( 2 ) وسألها
ممن أنت ؟ فقال : امرأة من حمير ، فسار إبراهيم عليه السلام ولم يلق إسماعيل ، وقد كتب إبراهيم
كتابا فقال : ادفعي هذا الكتاب إلى بعلك إذا أتى إن شاء الله ، فقدم عليها إسماعيل عليه السلام
فدفعت إليه الكتاب فقرأه وقال : أتدرين من ذلك الشيخ ؟ فقالت : لقد رأيته جميلا فيه مشابهة
منك ، قال : ذاك أبي ، فقالت يا سوأتاه منه ، ( 3 ) قال : ولم ؟ نظر إلى شئ من محاسنك ؟
قالت : لا ولكن خفت أن أكون قد قصرت . وقالت له امرأته وكانت عاقلة : فهلا نعلق على
هذين البابين سترين : سترا من ههنا وسترا من ههنا ، قال : نعم فعملا له سترين ( 4 ) طولهما
اثنا عشر ذراعا فعلقهما على البابين فأعجبها ذلك ( 5 ) فقالت : فهلا أحوك للكعبة ثيابا ونسترها
كلها فإن هذه الاحجار سمجة ؟ فقال لها إسماعيل : بلى ، فأسرعت في ذلك وبعثت إلى
قومها بصوف كثير تستغزل بهن ، قال أبوعبدالله عليه السلام : وإنما وقع استغزال النساء بعضهن
من بعض لذاك ، قال : فأسرعت واستعانت في ذلك ، فكلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم
وقد بقي وجه من وجوه الكعبة ، فقالت لاسماعيل عليه السلام : كيف نصنع بهذا الوجه الذي
لم ندر كه بكسوة فنكسوه خصفا ، ( 6 ) فجاء الموسم فجاءته العرب على حال ما كانت تأتيه
فنظروا إلى أمر فأعجبهم فقالوا : ينبغي لعامر ( 7 ) هذا البيت أن يهدى إليه ، فمن ثم وقع
الهدي ، فأتى كل فخذ ( 8 ) من العرب بشئ تحمله من ورق ومن أشياء غير ذلك حتى
اجتمع شئ كثير فنزعوا ذلك الخصف وأتموا كسوة البيت ، وعلقوا عليها بابين ، وكانت
* ( هامش ) * ( 1 ) أى يجمع لهم طعاما .
( 2 ) في الكافى : فاخبرته بحسن الدين .
( 3 ) في الكافى : قال : ذاك ابراهيم فقالت : واسوءتاه .
( 4 ) في الكافى : فعملا لهما سترين .
( 5 ) في الكافى : فاعجبهما .
( 6 ) في الكافى : لم تدركه الكسوة فكسوه خصفا . قلت الخصف : الجلة التى يكنز فيه التمر .
( 7 ) في الكافى : " لعامل " وكذا فيما يأتى
( 8 ) الفخذ : هو ما انقسم فيه أنساب البطن كبنى هاشم وبنى امية . ( * )
[ 96 ]
الكعبة ليست بمسقفة ، فوضع إسماعيل عليها أعمدة ( 1 ) مثل هذه الاعمدة التي ترون من خشب
فسقفها إسماعيل بالجرائد وسواها بالطين : فجاءت العرب من الحول فدخلوا الكعبة و
رأوا عمارتها فقالوا : ينبغي لعامر هذا البيت أن يزاد ، فلما كان من قابل جاءه الهدي فلم
يدر إسماعيل كيف يصنع به ، فأوحى الله عزوجل إليه : أن انحره وأطعمه الحاج .
قال : وشكا إسماعيل قلة الماء إلى إبراهيم عليه السلام فأوحى الله عزوجل إلى إبراهيم عليه السلام
أن احتفر بئرا يكون فيها شرب الحاج ، ( 2 ) فنزل جبرئيل عليه السلام فاحتفر قليبهم يعني
زمزم حتى ظهر ماؤها ، ثم قال جبرئيل : انزل يا إبراهيم ، فنزل بعد جبرئيل عليه السلام ،
فقال : اضرب يا إبراهيم في أربع زوايا البئر وقل : بسم الله ، قال : فضرب إبراهيم عليه السلام في
الزاوية التي تلي البيت وقال : بسم الله فانفجرت عينا ( 3 ) ثم ضرب في الاخرى ( 4 ) وقال
بسم الله فانفجرت عينا ، ثم ضرب في الثالة وقال بسم الله فانفجرت عينا ، ثم ضرب في الرابعة
وقال : بسم الله فانفجرت عينا ، فقال جبرئيل عليه السلام : اشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها
بالبركة : فخرج إبراهيم عليه السلام وجبرئيل جميعا من البئر فقال له : افض عليك يا إبراهيم
وطف حول البيت فهذه سقيا سقاها الله ولدك إسماعيل ، وسار إبراهيم وشيعه إسماعيل حتى
خرج من الحرم ، فذهب إبراهيم ورجع إسماعيل إلى الحرم فرزقه الله من الحميرية ولدا
ولم يكن له عقب .
قال : وتزوج إسماعيل عليه السلام من بعدها أربع نسوة فولد له من كل واحدة
أربعة غلمان ، وقضى الله على إبراهيم الموت فلم يره إسماعيل ولم يخبر بموته حتى
كان أيام الموسم ، وتهيأ إسماعيل عليه السلام لابيه إبراهيم فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فعزاه
بإبراهيم عليه السلام فقال له : يا إسماعيل لا تقول في موت أبيك مايسخط الرب ، وقال : إنما
كان عبدا دعاه الله فأجابه ، وأخبره أنه لاحق بأبيه ، وكان لاسماعيل ابن صغير يحبه وكان
هوى إسماعيل فيه فأبى الله عليه ذلك ، فقال : يا إسماعيل هو فلان ، قال : فلما قضى الموت
* ( هامش ) * ( 1 ) في الكافى : فيها أعمدة .
( 2 ) في الكافى : يكون منها شراب الحاج .
( 3 ) في الكافى : عين وكذا فيما يأتى بعده .
( 4 ) في الكافى : في الثانية . ( * )
[ 97 ]
على إسماعيل دعا وصيه فقال : يابني إذا حضرك الموت فافعل كما فعلت فمن ذلك ليس
يموت إمام إلا أخبره الله إلى من يوصي . ( 1 ) .
بيان : رواه في الكافي عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن عيسى بن محمد بن أيوب ( 2 )
عن علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن منصور إلى قوله : ورجع إسماعيل
إلى الحرم . ( 3 )
وشريجا من حديد في بعض النسخ هنا وفي الكافى : شرجا . وقال الفيروز آبادي :
الشرج محركة : العرى ، أي علق عليه عرى وحلقا . والشريج لعله مصغر . وحمير ( 4 )
قبيلة من اليمن . والفخذ ككتف حي الرجل إذاكان من أقرب عشيرته . فقال : يا إسماعيل
هو فلان أي أوحى الله إليه أن وصيك وخليفتك فلان مشيرا إلى غير من كان يهواه .
6 فس : أبي ، عن النضر ، عن هشام ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن إبراهيم عليه السلام
كان نازلا في بادية الشام فلما ولد له من هاجر إسماعيل عليه السلام اغتمت سارة من ذلك
غما شديدا لانه لم يكن له منها ولد ، وكانت تؤذي إبراهيم في هاجر فتغمه فشكا إبراهيم ذلك


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 97 سطر 13 الى ص 105 سطر 13

إلى الله عزوجل ، فأوحى الله إليه : إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء إن تركتها استمتعت
بها ، وإن أقمتها كسرتها . ثم أمره أن يخرج إسماعيل عليه السلام وامه عنها ، فقال : يارب
إلى أي مكان ؟ قال : إلى حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الارض وهي مكة ، فأنزل
الله عليه جبرئيل بالبراق فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم عليه السلام وكان إبراهيم لا يمر
بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلا وقال : يا جبرئيل إلى ههنا إلى ههنا ، فيقول
جبرئيل : لا امض امض ، حتى وافى به مكة ، فوضعه في موضع البيت ، وقد كان
إبراهيم عليه السلام عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها ، فلما نزلوا في ذلك المكان
كان فيه شجر ، فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها فاستظلوا تحته ، فلما سرحهم
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 195 - 196 . م
( 2 ) في المصدر : عيسى بن محمد بن أبى أيوب .
( 3 ) فروع الكافى 1 : 220 - 221 م
( 4 ) حمير كدرهم : بطن عظيم من القحطانية ينتسب إلى الحمير بن سبا بن يشجب بن يعرب
بن قحطان ، واسم حمير العرفج . ( * )
[ 98 ]
إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف عنهم إلى سارة ( 1 ) قالت له هاجر : يا إبراهيم لم
تدعنا ( 2 ) في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع ؟ فقال إبراهيم : الذي أمرني أن أضعكم
في هذا المكان هو يكفيكم ، ثم انصرف عنهم ، ( 3 ) فلما بلغ كدى ( 4 ) وهو جبل بذي طوى
التفت إليهم ( 5 ) إبراهيم فقال : " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند
بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات
لعلهم يشكرون " ثم مضى وبقيت هاجر ، فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء
فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى فنادت : هل في الوادي من أنيس ؟ فغاب إسماعيل
عنها فصعدت على الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت أنه ماء ، فنزلت في بطن الوادي
وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت
إلى الوادي تطلب ( 6 ) الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت
حتى فعلت ذلك سبع مرات ، فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى
إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه ، فعدت ( 7 ) حتى جمعت حوله رملا فإنه كان سائلا
فزمته بما جعلته حوله ( 8 ) فلذلك سميت زمزم ، وكان جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات
فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحش على الماء ، فنظرت جرهم إلى تعكف الطير ( 9 )
على ذلك المكان واتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي نازلين في ذلك الموضع قد استظلا
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فلما سرح بهما ووضعهما وأراد الانصراف عنهما إلى سارة .
( 2 ) في نسخة : بم تدعنا ؟ .
( 3 ) في نسخة : الذى أمرنى أن أضعكم في هذا المكان حاضر عليكم ثم انصرف عنهما .
( 4 ) قال الفيروزآبادى : كداء كسماء : اسم لعرفات وجبل بأعلى مكة ، دخل النبى صلى الله
عليه وآله وسلم مكة منه . وكسمى : جبل بأسفلها وخرج منه . وجبل آخر بقرب عرفة . وكقرى :
جبل مسفلة مكة على طريق اليمن .
( 5 ) في نسخة : التفت إليهما .
( 6 ) في المصدر : وسعت تطلب . م
( 7 ) في المصدر : قعدت . وفى نسخة : فعمدت .
( 8 ) في نسخة : فزمته بما جمعت حوله .
( 9 ) في نسخة : فنظرت جرهم إلى انعطاف الطير والوحش . ( * )
[ 99 ]
بشجرة وقد ظهر الماء لهما ، فقالوا لهاجر : من أنت ؟ وما شأنك وشأن هذا الصبي ؟ قالت :
أنا ام ولد إبراهيم خليل الرحمن ، وهذا ابنه أمره الله أن ينزلنا ههنا ، فقالوا لها : فتأذنين
لنا أن نكون بالقرب منكم ؟ ( 1 ) قالت لهم : حتى يأتي إبراهيم عليه السلام ، فلما زارهم إبراهيم
يوم الثالث قالت هاجر : يا خليل الله إن ههنا قوما من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى
يكونوا بالقرب منا ، أفتأذن لهم في ذلك ؟ فقال إبراهيم : نعم ، فأذنت هاجر لجرهم فنزلوا
بالقرب منهم وضربوا خيامهم ( 2 ) فأنست هاجرو إسماعيل بهم ، فلما زارهم إبراهيم في
المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا ، فلما ترعرع إسماعيل ( 3 )
عليه السلام وكانت جرهم قد وهبوا لاسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين وكانت هاجر و
إسماعيل يعيشان بها ، فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال أمرالله إبراهيم عليه السلام أن يبني البيت
فقال : يارب في أية بقعة ؟ ( 4 ) قال : في البقعة التي انزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم ، فلم
تزل القبة التي أنزلها الله على آدم قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام نوح عليه السلام ، فلما غرقت
الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا إلا موضع البيت ، فسميت البيت العتيق لانه اعتق من
الغرق ، فلما أمر الله عزوجل إبراهيم أن يبني البيت لم يدر في أي مكان يبنيه ، فبعث الله
جبرئيل عليه السلام فخط له موضع البيت ، فأنزل الله عليه القواعد من الجنة ، وكان الحجر الذي
أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج ، فلما مسته أيدي الكفار اسود ، فبنى إبراهيم البيت
ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى ، فرفعه في السماء تسعة أذرع ، ثم دله على موضع الحجر ( 5 ) فاستخرجه إبراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن ، وجعل ( 6 ) له بابين : بابا إلى
المشرق ، وبابا إلى المغرب ، والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ، ثم ألقى عليه
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : بالقرب منكما . وفى اخرى : منكن . وكذابعد ذلك : فلما زارهما . وفى اخرى :
زارها .
( 2 ) في نسخة : وضربوا خباهم .
( 3 ) في المصدر وفى نسخة : فلما تحرك ؟ سماعيل .
( 4 ) في نسخة : في أى بقعة .
( 5 ) في نسخة : ثم دل على موضع الحجر .
( 6 ) في نسخة : فلما بنى جعل اه . ( * )
[100]
الشجر والاذخر ، وعلقت هاجر على بابه كساءا كان معها ، وكانوا يكونون تحته ، ( 1 ) فلما
بناه وفرغ منه حج إبراهيم وإسماعيل ونزل عليهما جبرئيل يوم التروية لثمان من
ذي الحجة فقال : يا إبراهيم قم فارتو من الماء : لانه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت
التروية لذلك ، ثم أخرجه إلى منى فبات بهاففعل به ما فعل بآدم عليه السلام فقال إبراهيم عليه السلام
لما فرغ من بناء البيت ( 2 ) " رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن
منهم بالله واليوم الآخر " قال : من ثمرات القلوب ، أي حببهم إلى الناس لينتابوا إليهم و
يعودوا إليه . ( 3 )
بيان : قوله عليه السلام : ( فزمته ) قال الفيروز آبادي : زمه فأزم : شده . والقربة :
ملاها . وماء زمزم كجعفر وعلابط : كثير .
أقول : قوله : ( فلذلك سميت ) يحتمل أن يكون مبنيا على أن زمزم يكون بمعنى
الحبس والمنع ، ( 4 ) أو الماء الممنوع من الجريان وإن لم يذكره اللغويون ، ويحتمل أن
يكون المراد أنها لكثرتها وسيلانها قبل الزم سميت زمزم ، أو أنها لما منعت من السيلان
واحتبست كثرت في مكان واحد فلذلك سميت به .
وقال الفيروز آبادي : جرهم ( 5 ) كقنفذ : حي من اليمن تزوج فيهم إسماعيل عليه السلام
وقال : ترعرع الصبي : تحرك ونشأ . والضمير في قوله : ( إليه ) راجع إلى البيت .
7 - ع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى وابن أبي الخطاب معا
عن ابن محبوب ، عن محمد بن قزعة ( 6 ) قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : إن من قبلنا
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وكانوا يكنون تحته . وفى نسخة : يكبون تحته .
( 2 ) في نسخة : لما فرغ من بناء البيت والحج .
( 3 ) تفسير القمى : 51 - 53 . وفى نسخة : ليعودوا اليهم .
( 4 ) بل من زمزمه بمعنى جمعه ورد اطراف ما انتشر منه .
( 5 ) جرهم : بطن من القحطانية كانت منازلهم أولا اليمن ؟ فلما ملك يعرب بن قحطان
اليمن ولى أخاه جرهما الحجاز فاستولى عليه وملكه . ثم ملك بعده ابناؤه ولم يزالوا بمكة إلى أن
نزل اسماعيل مكة فنزلوا عليه فتزوج منهم وتكلم بلهجتهم ، وقيل : إنما نزلت جرهم الحجاز مع بنى
قطور من العمالقة لقحط أصاب اليمن ثم غلب جرهم العمالقة على مكة وملكوا أمرها .
( 6 ) في نسخة : محمد بن عرفة . ( * )
[101]
يقولون : إن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ختن نفسه بقدوم على دن ، فقال : سبحان
الله ليس كما يقولون ، كذبوا على إبراهيم عليه السلام ، فقلت له : صف لي ذلك ، فقال : إن
الانبياء عليهم السلام كانت تسقط عنهم غلفهم مع سررهم يوم السابع ، ( 1 ) فلما ولد لابراهيم
إسماعيل من هاجر ( 2 ) عيرتها سارة بما تعير به الاماء ، قال : فبكت هاجر واشتد ذلك
عليها ، فلما رآها إسماعيل تبكي بكي لبكائها ، قال : فدخل إبراهيم عليه السلام فقال : ما يبكيك
يا إسماعيل ؟ فقال : إن سارة عيرت امي بكذا وكذا فبكت فبكيت لبكائها ، فقام إبراهيم
عليه السلام إلى مصلاه فناجى ربه عزوجل فيه ، وسأله أن يلقي ذلك عن هاجر ، قال : فألقاه
الله عزوجل عنها ، فلما ولدت سارة إسحاق وكان يوم السابع ( 3 ) سقطت من إسحاق
سرته ولم تسقط غلفته ، قال : فجزعت من ذلك سارة ، فلما دخل عليها إبراهيم قال : يا
إبراهيم ما هذا الحادث الذي قد حدث في آل إبراهيم وأولاد الانبياء ، ! هذا ابنك إسحاق
قد سقطت عنه سرته ولم تسقط عنه غلفته ، فقام إبراهيم عليه السلام إلى مصلاه فناجى فيه ربه عز
وجل وقال : يا رب ما هذا الحادث الذي قد حدث في آل إبراهيم وأولاد الانبياء ؟ هذا
إسحاق ابني قد سقطت سرته ولم تسقط عنه غلفته ، قال : فأوحى الله عزوجل : أن يا
إبراهيم هذا لما عيرت سارة هاجر ، فآليت أن لا اسقط ذلك عن أحد من أولاد الانبياء بعد
تعييرها لهاجر ، فاختن إسحاق بالحديد وأذقه ( 4 ) حر الحديد ، قال : فختن إبراهيم عليه السلام
إسحاق بحديد فجرت السنة بالختان في الناس بعد ذلك . ( 5 )
سن : أبي ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن قزعة مثله . ( 6 )
بيان : قال الجزري : إن زوج فريعة قتل بطرف القدوم وهو بالتخفيف والتشديد
* ( هامش ) * ( 1 و 3 ) في المحاسن : اليوم السابع .
( 2 ) هنا زيادة في المحاسن وهى هكذا : سقطت عنه غلفته مع سرته وعيرت بعد ذلك سارة هاجر
بما تعير .
( 4 ) في المصدر : فاختن اسحاق واذفه اه . م
( 5 ) علل الشرائع : 171 - 172 ، وفيه وفى بعض النسخ : فجرت السنة في اسحاق بعد
ذلك .
( 6 ) محاسن البرقى : 300 - 301 . م ( * )
[102]
موضع على ستة أميال من المدينة ، ومنه الحديث إن إبراهيم عليه السلام اختتن بالقدوم ، وقيل :
هي قرية بالشام ، ويروي بغير ألف ولام ، وقيل : القدوم بالتخفيف والتشديد : قدوم
النجار . وقال الفيروز آبادي : الدن : الراقود العظيم وأطول من الحب أو أصغر منه له عسعس
لا يقعد إلا أن يحفر له .
أقول : لعل المراد بما تعير به الاماء سواد لونهن فصيرها الله بيضاء ، أو النتن
الذي قد ينسب إلى الاماء فصيرها الله عطراء ، أو المملوكية ودناءة النسب فالمراد بإلقاء
ذلك عنها صرف همة سارة عن أذاها أو تكريمها وتشريفها بولدها ، أو بالخفس التي صنعت
بها فجعله الله سنة وذهب عاره .
8 - ب : أبوالبختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام إن الجمار إنما
رميت إن جبرئيل ( 1 ) عليه السلام حين أرى إبراهيم عليه السلام المشاعر برزله إبليس فأمره جبرئيل أن
يرميه فرماه بسبع حصيات ، فدخل عند الجمرة الاولى تحت الارض فأمسك ، ثم إنه
برزله عند الثانية فرماه بسبع حصيات اخر فدخل تحت الارض في موضع الثانية ، ثم برزله
في موضع الثالثة فرماه ( 2 ) بسبع حصيات فدخل موضعها . ( 3 )
9 - ن : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن إسماعيل بن همام ، عن الرضا عليه السلام
أنه قال لرجل : أي شئ السكينة عندكم ؟ فلم يدر القوم ما هي ، فقالوا : جعلنا الله فداك
ماهي ؟ قال : ريح تخرج من الجنة طيبة ، لها صورة كصورة الانسان ، تكون مع الانبياء
عليهم السلام وهي التي انزلت على إبراهيم عليه السلام حين بنى الكعبة فجعلت تأخذ كذا وكذا
ويبني الاساس عليها . ( 4 )
كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عنه عليه السلام مثله . ( 5 )
علي ، عن أبيه ، عن ابن أسباط مثله . ( 6 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : لان جبرئيل اه . م
( 2 ) في نسخة : فرمى .
( 3 ) قريب الاسناد : 68 - 69 . م
( 4 ) عيون الاخبار : 173 . م
( 5 ) فروع الكافى 1 : 221 . وفيه : فبنى الاساس عليها . م
( 6 ) فروع الكافى 1 : 221 . م ( * )
[103]
10 - ب : ابن عيسى ، عن ابن أسباط قال : قلت لابي الحسن عليه السلام : أصلحك الله
ما السكينة ؟ قال : ريح تخرج من الجنة لها صورة كصورة الانسان ، ورائحة طيبة ، وهي
التي انزلت على إبراهيم عليه السلام فأقبلت تدور حول أركان البيت وهو يضع الاساطين .
الخبر . ( 1 )
11 - مع : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمن بن
الحجاج ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " فضحكت فبشر ناها بإسحق "
قال : حاضت . ( 2 )
12 - مع : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن ابن عيسى ، عن علي بن مهزيار ، عن
البزنطي ، عن يحيى بن عمران ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " ووهبنا له إسحق
ويعقوب نافلة " قال . ولدالولد نافلة . ( 3 )
بيان : قال الرازي : اعلم أن النافلة عطية خاصة وكذلك النفل ، ويسمى الرجل
الكثير العطاء نوفلا . ثم للمفسرين ههنا قولان :
الاول : أنه ههنا مصدر من " وهبنا له " من غير لفظه ، ولا فرق بين ذلك وبين قوله :
ووهبنا له هبة ، أي وهبنا له عطية وفضلا من غير أن يكون جزاء مستحقا ، وهذا قول
مجاهد وعطا .
والثاني : وهو قول ابي بن كعب وابن عباس وقتادة والفراء والزجاج أن إبراهيم
لما سأل الله تعالى ولدا قال : " رب هب لي من الصالحين " فأجاب دعاءه ووهب له إسحاق ،
وأعطاه يعقوب من غير دعاء ، فكان ذلك نافلة كالشئ المتطوع من الآدميين انتهى . ( 4 )
وقال البيضاوي : " نافلة " عطية فهو حال منهما ، أوولد ولد أو زيادة على ما سأل
وهو إسحاق فيختص بيعقوب ، ولا بأس به للقرينة ، وقال الجوهري : النافلة ولد
الولد . ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) قرب الاسناد : 164 . م
( 2 ) معانى الاخبار : 82 . م
( 3 ) معانى الاخبار : 67 . م
( 4 ) مفاتيح الغيب 6 : 168 . م
( 5 ) انوار التنزيل 2 : 33 . م ( * )
[104]
13 - ع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن
الحسن بن سعيد ، عن علي بن النعمان ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : إن إسماعيل دفن امه في الحجر وجعله عليا ، وجعل عليها حائطا
لئلا يوطأقبرها . ( 1 )
ص : بالاسناد إلى الصدوق عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان
مثله ، وليس فيه ( وجعلنا عليا ) . ( 2 )
كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان مثله . ( 3 )
14 - كا : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن الحسن
ابن نعمان قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عما زادوا في المسجد الحرام ، فقال : إن إبراهيم و
إسماعيل حد المسجد الحرام ما بين الصفا والمروة ( 4 ) .
15 - وفي رواية اخرى عن أبي عبدالله عليه السلام قال : خط إبراهيم عليه السلام بمكة ما بين
الحزورة ( 5 ) إلى المسعى فذلك الذي خط إبراهيم عليه السلام يعني المجسد . ( 6 )
16 - ع : ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عمن
ذكره ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كانت الخيل العراب وحوشا بأرض العرب ، فلما رفع
إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت قال : إني قد أعطيتك كنزا لم اعطه أحدا كان قبلك
قال : فخرج إبراهيم وإسماعيل حتى صعدا جيادا ( 7 ) فقالا : ألاهلا ألاهلم ، فلم يبق في
أرض العرب فرس إلا أتاه وتذلل له وأعطت بنواصيها ، وإنما سميت جيادا لهذا ، فما
زالت الخيل بعد تدعو الله أن يحبها ( 7 ) إلى أربابها ، فلم تزل الخيل حتى اتخذها سليمان
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 24 . م
( 2 ) مخطوط . م
( 3 و 6 ) فروع الكافى 1 : 223 . وفيه : دفن امه في الحجر وحجر عليها لئلا يوطأ قبرام اسماعيل
في الحجر . م
( 4 ) فروع الكافى 1 : 222 - 223 . م
( 5 ) حزورة بفتح الحاء ثم السكون فالفتح : كانت سوق مكة وقد دخلت في المسجد لما
زيد فيه .
( 7 ) في المصدر : حتى صعداجبلا .
( 8 ) في نسخة : أن يجيبها . ( * )
[105]
فلما ألهته أمر بها أن يمسح رقابها وسوقها ( 1 ) حتى بقي أربعون فرسا . ( 2 )
بيان : قال الجوهري : جادالفرس أي صار رائعا يجود جودة بالضم فهو جواد
للذكر والانثى من خيل جياد وأجياد وأجاويد . والاجياد جبل بمكة سمي بذلك لموضع
خيل تبع . وقال : هلا زجر للخيل ، وهال مثله أي اقربي .
أقول : لعل الجبل كان يسمى بالجياد أيضا ، أو يكون الالف سقط من النساخ
كما سيأتي . ( 3 )
17 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن
عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما أمر الله عزوجل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
ببنيان البيت و تم بناؤه أمره أن يصعد ركنا ثم ينادي في الناس : ألا هلم الحج ، فلو نادى
هلموا إلى الحج لم يحج إلا من كان يومئذ إنسيا مخلوقا ، ولكن نادى هلم الحج ، فلبى
الناس في أصلاب الرجال : لبيك داعي الله لبيك داعي الله ، فمن لبى عشرا حج عشرا ، ومن
لبى خمسا حج خمسا ، ومن لبى أكثر فبعدد ذلك ، ومن لبى واحدا حج واحدا ، و
من لم يلب لم يحج . ( 4 )


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 105 سطر 14 الى ص 113 سطر 14

كا : العدة ، عن ابن عيسى مثله . ( 5 )
ايضاح : الظاهر أن الفرق باعتبار أن الاصل في الخطاب أن يكون متوجها
إلى الموجودين ، وأما شمول الحكم لمعدومين فيستفاد من دلائل اخر لامن نفس الخطاب
إلا أن يكون المراد بالخطاب الخطاب العام المتوجه إلى كل من يصلح للخطاب فإنه
شامل للواحد والكثير والموجود والمعدوم ، والشائع في مثل هذا الخطاب أن يكون بلفظ
المفرد ، بل صرح بعض أهل العربية بأنه لا يتأتى إلا بالمفرد ، وعلى ما روينا موافقا للكافي
من سقوط كلمة " إلى " في المفرد ووجودها في الجمع يمكن أن يكون هذا مناط الفرق بأن
يكون في المفرد المخاطب الحج مجازا لبيان كونه مطلوبا من غير خصوصية شخص أي هلم
* ( هامش ) * ( 1 ) سيأتي الكلام حوله في باب قصص سليمان عليه السلام .
( 2 ) علل الشرائع : 24 . م
( 3 ) في الخبر 46 .
( 4 ) علل الشرائع : 145 . م
( 5 ) فروع الكافى 1 : 221 - 222 . م ( * )
[106]
أيها الحج ، وفي الفقيه كلمة " إلى " موجودة في المواضع ، وفيه عند ذكر المفرد في الموضعين
نادى ، وعند ذكر الجمع ناداهم ، ولذا قال بعض الافاضل : ليس المناط الفرق بين إفراد
الصيغة وجمعها ، بل ما في الحديث بيان للواقعة ، والمراد أن إبراهيم عليه السلام نادى هلم إلى
الحج بلا قصد إلى منادى معين أي الموجودين فلذا يعم الموجودين والمعدومين ، فلو
ناداهم أي الموجودين وقال : هلموا إلى الحج قاصدا إلى الموجودين لكان الحج مخصوصا
بالموجودين ، فضمير " هم " في ناداهم راجع إلى الناس الموجودين ، فالمناط قصد المنادى المغين
المشعر إليه بلفظ " هم " في إحدى العبارتين ، وعدم القصد في الاخرى المشعر إليه بذكر
" نادى " مطلقا لا الافراد والجمع .
18 - ع : أبي ؟ عن سعد ، عن أحمد وعلي ابني الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيهما
عن غالب بن عثمان ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله جل جلاله
لما أمر إبراهيم ينادي في الناس بالحج قام على المقام فارتفع به حتى صار بازاء أبي قبيس
فنادى في الناس بالحج فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى أن تقوم
الساعة . ( 1 )
19 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن إبراهيم عليه السلام لما خلف إسماعيل بمكة عطش الصبي وكان
فيما بين الصفا والمروة شجر فخرجت امه حتى قامت على الصفا فقالت : هل بالوادي من
أنيس ؟ فلم يجبها احد ، فمضت حتى انتهت إلى المروة فقالت : هل بالوادي من أنيس ؟
فلم يجبها أحد ، ثم رجعت إلى الصفا فقالت كذلك حتى صنعت ذلك سبعا ، فأجرى الله
ذلك سنة ، فأتاها جبرئيل عليه السلام فقال لها : من أنت ؟ فقالت : أنا أم ولد إبراهيم . فقال :
إلى من وكلكم ؟ فقالت : أما إذا قلت ذلك فقد قلت له حيث أراد الذهاب : يا إبراهيم إلى من
تكلنا ؟ فقال : إلى الله عزوجل ، فقال جبرئيل عليه السلام : لقد وكلكم إلى كاف ، ( 2 ) قال : وكان
الناس يتجنبون الممر بمكة لمكان الماء ، ففحص الصبي برجله ( 3 ) فنبعت زمزم ، ورجعت من
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 144 . م
( 2 ) في نسخة : لقد وكلكم إلى كافى .
( 3 ) فحص برجله أى حفر . ( * )
[107]
المروة إلى الصبي وقد نبع الماء فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة أن يسيح الماء ( 1 ) ولو
تركته لكان سيحا ، قال : فلما رأت الطير الماء حلقت عليه ، قال : فمر ركب من اليمن
فلما رأو الطير حلقت عليه قالوا : ما حلقت إلا على ماء فأتوهم فسقوهم من الماء وأطعموهم
الركب من الطعام وأجرى الله عزوجل لهم بذلك رزقا ، فكانت الركب تمر بمكة
فيطعمونهم من الطعام ويسقونهم من الماء . ( 2 )
كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير مثله . ( 3 )
20 - ع : أبي ، عن ابن عامر ، عن عمه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ،
عن عبيد الله الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته لم جعلت التلبية ؟ فقال : إن الله عز
وجل أوحى إلى إبراهيم : وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ، فنادى فاجيب من كل
فج ( عميق خ ) يلبون . ( 4 )
21 - ع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة
ابن زيد ، عن عبدوس بن أبي عبيدة قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : أول من ركب الخيل
إسماعيل وكانت وحشية لا تركب فحشرها الله عزوجل على إسماعيل من جبل منى ،
وإنما سميت الخيل العراب ( 5 ) لان أول من ركبها إسماعيل . ( 6 )
22 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي جميلة ، عن
أبي جعفر عليه السلام قال : إن بنات الانبياء صلوات الله عليهم لا يطمثن ، إنما الطمث عقوبة و
أول من طمثت سارة : ( 7 )
23 - ع : أبي ، عن سعد ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية
* ( هامش ) * ( 1 ) أى يجرى على وجه الارض .
( 2 ) علل الشرائع : 149 . م
( 3 ) فروع الكافى 1 : 220 . م
( 4 ) علل الشرائع : 144 . م
( 5 ) في النهاية : خيلا عرابا اى عربية منسوبة إلى العرب ، فرقوا بين الخيل والناس فقالوا
في الناس : عرب وأعراب ، وفى الخيل عراب .
( 6 ) لم نجده .
( 7 ) لم نجده : 106 . م ( * )
[108]
ابن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : صار السعي بين الصفا والمروة لان إبراهيم عليه السلام
عرض له إبليس فأمره جبرئيل عليه السلام فشد عليه ، فهرب منه فجرت به السنة ، يعني به
الهرولة . ( 1 )
24 - ع : أبي ، عن سعد ، عن أحمد وعبدالله ابني محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ،
عن حماد ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام : لم جعل السعي بين الصفا والمروة ؟ قال :
لان الشيطان تراءى لابراهيم عليه السلام في الوادي فسعى ، وهو منازل الشيطان . ( 2 )
بيان : في الفقيه : منازل الشياطين ، ويمكن أن يقرأ منازل بضم الميم على صيغة اسم
الفاعل من المنازلة بمعنى المحاربة موافقا لمامر في خبر معاوية .
25 - ع : ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن معاوية
ابن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن جبرئيل عليه السلام أتى إبراهيم عليه السلام فقال : تمن
يا إبراهيم ، فكانت تسمى منى فسماها الناس منى . ( 3 )
بيان : الظاهر أن الاول بضم الميم على صيغة الجمع ، ( 4 ) والثاني بكسرها .
26 - ع ، ن : في علل ابن سنان أن الرضا عليه السلام كتب إليه : إنما سميت منى
منى لان جبرئيل عليه السلام قال هناك : ياإبراهيم تمن على ربك ما شئت ، فتمنى إبراهيم
في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له ، فاعطي مناه . ( 5 )
27 - ع : حمزة العلوي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار
قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن عرفات لم سميت عرفات ؟ فقال : إن جبرئيل عليه السلام خرج
بإبراهيم عليه السلام يوم عرفة ، فلما زالت الشمس قال له جبرئيل : يا إبراهيم اعترف بذنبك
* ( هامش ) * ( 1 - 2 ) علل الشرائع : 149 . م
( 3 ) علل الشرائع : 150 . م
( 4 ) ويمكن أن يكون أيضا بفتح الميم وتشديد النون على صيغة الماضى أى منى جبرئيل
ابراهيم في هذا الموضع اى جعله يتمناه . وقال الفيروز آبادي : منى كإلى سميت لما يمنى من
الدماء . وقال ابن عباس : لان جبرئيل لما أراد أن يفارق آدم قال له : تمن ، قال : أتمنى الجنة
فسميت منى لامنية آدم .
( 5 ) علل الشرائع : 150 ، . عيون الاخبار : 242 - 243 . م ( * )
[109]
واعرف مناسكك ، فسميت عرفات لقول جبرئيل عليه السلام له : اعترف ، فاعترف . ( 1 )
28 - ع : ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن
معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : في حديث إبراهيم : إن جبرئيل عليه السلام انتهى
به إلى الموقف فأقام به حتى غربت الشمس ، ثم أفاض به فقال : يا إبراهيم ازدلف إلى
المشعر الحرام ، فسميت مزدلفة . ( 2 )
بيان : ازدلف : تقدم .
29 - ع : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن
أبي عبدالله عليه السلام في قول سارة : اللهم لا تؤاخذني بما صنعت بهاجر إنها كانت خفضتها
فجرت السنة بذلك . ( 3 )
30 - ع : أبي ، عن سعد ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي بإسناده قال :
قال أبوالحسن عليه السلام في الطائف : أتدري لم سمي الطائف ؟ قلت : لا ، فقال : إن إبراهيم
عليه السلام دعا ربه أن يرزق أهله من كل الثمرات ، فقطع لهم قطعة من الاردن فأقبلت
حتى طافت بالبيت سبعا ، ثم أقرها الله عزوجل في موضعها ، فإنما سميت الطائف
للطواف بالبيت . ( 4 )
31 - ع : علي بن حاتم ، عن محمد بن جعفر وعلي بن سليمان معا ، عن البزنطي قال :
قال الرضا عليه السلام : أتدري لم سميت الطائف الطائف ؟ قلت : لا ، قال : لان الله عزوجل لما
دعاه إبراهيم عليه السلام أن يزرق أهله من الثمرات أمر بقطعة من الاردن فسارت بثمارها حتى
طافت بالبيت ، ثم أمرها أن تنصرف إلى هذا الموضع الذي سمي الطائف فلذلك سمي
الطائف . ( 5 )
شى : عن البزنطي مثله . ( 6 )
بيان : قال الفيروزآبادي : الاردن بضمتين وشد الدال : كورة بالشام .
* ( هامش ) * ( 1 و 2 ) علل الشرائع : 150 . م
( 3 ) لم نجده . م
( 4 و 5 ) علل الشرائع : 152 . م
( 6 ) مخطوط . م ( * )
[110]
32 - ع : أبي ، عن محمد بن العطار ، عن العمر كي ، ( 1 ) عن علي بن جعفر ،
عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن رمي الجمار لم جعل ؟ قال : لان إبليس اللعين كان
يتراءى لابراهيم عليه السلام في موضع الجمار فرجمه إبراهيم فجرت السنة بذلك . ( 2 )
33 - ع : أبي ، عن سعد ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية
ابن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أول من رمى الجمار آدم عليه السلام ، وقال : أتى جبرئيل
إبراهيم عليه السلام وقال : ارم يا إبراهيم ، فرمى جمرة العقبة وذلك أن الشيطان تمثل له
عندها . ( 3 )
34 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن أحمد بن
محمد ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم الكرخي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن إبراهيم عليه السلام
كان مولده بكوثى وكان من أهلها ، وكانت ام إبراهيم وام لوط عليهما السلام اختين ، وأنه
تزوج سارة بنت لا حج وهي بنت خالته ، وكانت صاحبة ما شية كثيرة وحال حسنة ، فملكت
إبراهيم عليه السلام جميع ما كانت تملكه ، فقام فيه وأصلحه فكثرت الماشية والزرع حتى لم يكن
بأرض كوثى رجل أحسن حالا منه . إلى آخر مامر في رواية الكليني . ( 4 )
35 - ص : بالاسناد إلى الصدوق عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبى عمير
عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان لابراهيم عليه السلام ابنان فكان أفضلهما ابن
الامة . ( 5 )
36 - ص : بهذا الاسناد عن ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن أبي
عبدالله عليه السلام في قوله تعالى : " وامرأته قائمة فضحكت " يعنى حاضت وهي يومئذ ابنة تسعين
* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح العين فالسكون ثم الفتح هو العمر كى بن على بن محمد البوفكى ، وبوفك قرية من
قرى نيشابور ، شيخ من أصحابنا ثقة ، روى عنه شيوخ أصحابنا منهم : عبدالله بن جعفر الحميرى ،
ومحمد بن أحمد بن يحيى ، ومحم بن يحيى العطار ، ومحمد بن احمد بن اسماعيل العلوى ، وجعفر بن
محمد ، ويروى كثيرا عن على بن جعفر الصادق ، له كتاب الملاحم والنوادر .
( 2 و 3 ) علل الشرائع : 150 . م
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط . وتقدم رواية الكلينى في باب قصص ولادته إلى كسر الاصنام .
( 5 ) قصص الانبياء مخطوط . وابن الامة هو اسماعيل بن هاجر . ( * )
[111]
سنة ، وإبراهيم ابن مائة وعشرين سنة ، قال : وإن قوم إبراهيم نظروا إلى إسحاق عليه السلام
وقالوا : ما أعجب هذا وهذه ! - يعنون إبراهيم وسارة أخذا - صبيا ، وقالا : هذا ابننا يعنون
إسحاق ، فلما كبر لم يعرف هذا وهذا لتشابههما حتى صار إبراهيم يعرف بالشيب قال :
فثنى ( 1 ) إبراهيم لحيته فرأى فيها طاقة بيضاء فقال : اللهم ما هذا ؟ فقال : وقار ، فقال :
اللهم زدني وقارا . ( 2 )
37 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن
ابن اورمة ، عن عمرو بن عثمان ، عن العبقري ، عن إسرائيل ، عن أبى إسحاق ، عن حارثة
ابن مضرب ، ( 3 ) عن علي عليه السلام قال : شب إسماعيل وإسحاق فتسابقا ، فسبق إسماعيل ،
فأخذه إبراهيم فأجلسه في حجره وأجلس إسحاق إلى جنبه ، فغضبت سارة وقالت : أما إنك
قد جعلت أن لا تسوي بينهما فاعزلها عني ، فانطلق إبراهيم بإسماعيل وبامه هاجر حتى
أنزلهما مكة فنقد طعامهم ، فأراد إبراهيم أن ينطلق فيلتمس لهم طعاما فقالت هاجر : إلى
من تكلنا ؟ فقال : أكلكم إلى الله تعالى ، وأصابهما جوع شديد فنزل جبرئيل وقال لهاجر :
إلى من وكلكما ؟ قالت : وكلنا إلى الله ، قال : لقد وكلكما إلى كاف ، ووضع جبرئيل يده في
زمزم ثم طواها فإذا الماء قد نبع ، فأخذت هاجر قربة مخافة أن يذهب ، فقال جبرئيل :
إنها تبقى ، فادعي ابنك فأقبل فشربوا وعاشوا حتى أتاهم إبراهيم فأخبرته الخبر فقال : هو
جبرئيل عليه السلام . ( 4 )
38 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن
أبي عمير ، عن أبان ، عن عقبة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن إسماعيل عليه السلام تزوج امرأته
من العمالقة يقال لها سامة ، وإن إبراهيم اشتاق إليه فركب حمارا ، فأخذت عليه سارة
أن لا ينزل حتى يرجع ، قال : فأتاه وقد هلكت امه فلم يوافقه ووافق امرأته فقال لها :
أين زوجك ؟ فقالت : خرج يتصيد ، فقال : كيف حالكم ؟ فقالت : حالنا شديدة وعيشنا
* ( هامش ) * ( 1 ) ثنى الشئ : عطفه . رد بعضه على بعض .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط . م
( 3 ) بتشديد الراء المكسورة هو حارثة بن مضرب العبدي الكوفى وثقه ابن حجر في التقريب ص 91 .
( 4 ) قصص الانبياء مخطوط . ( * )
[112]
شديد ، قال : ولم تعرض عليه المنزل فقال : إذا جاء زوجك فقولي له : جاء ههنا شيخ و
هو يأمرك أن تغير عتبة بابك ، فلما أقبل إسماعيل وصعد الثنية وجد ريح أبيه فأقبل
إليها وقال : أتاك أحد ؟ قالت : نعم شيخ قد سألني عنك ، فقال لها : هل أمرك بشئ ؟ قالت :
نعم قال لي : إذا دخل زوجك فقولي له : جاء شيخ وهو يأمرك أن تغير عتبة بابك ، قال :
فخلى سبيلها . ثم إن إبراهيم عليه السلام ركب إليه الثانية فأخذت عليه سارة أن لا ينزل حتى
يرجع فلم يوافقه ووافق امرأته فقال : أين زوجك ؟ قالت : خرج عافاك الله للصيد ، فقال :
كيف أنتم ؟ فقالت : صالحون ، قال : وكيف حالكم ؟ قالت : حسنة ونحن بخير انزل يرحمك
الله حتى يأتي ، قال : فأبى ولم تزل به تريده على النزول فأبى ، قالت : أعطني رأسك حتى
أغسله فإني أراه شعثا ، فجعلت له غسولا ثم أدنت منه الحجر فوضع قدمه عليه فغسلت
جانب رأسه ، ثم قلبت قدمه الاخرى فغسلت الشق الآخر ، ثم سلم عليها وقال : إذا جاء
زوجك فقولي له : قد جاء ههنا شيخ وهو يوصيك بعتبة بابك خيرا ، ثم إن إسماعيل عليه السلام
أقبل فلما انتهى إلى الثنية وجد ريح أبيه فقال لها : هل أتاك أحد ؟ قالت : نعم
شيخ وهذا أثر قديمه ، فأكب على المقام وقبله ، وقال : شكا إبراهيم إلى الله تعالى ما
يلقى من سوء خلق سارة فأوحى الله تعالى إليه إن مثل المرأة مثل الضلع الاعوج ، إن تركته
استمتعت به ، وإن أقمته كسرته ، وقال : إن إبراهيم عليه السلام تزوج سارة وكانت من أولاد
الانبياء على أن لا يخالفها ولا يعصي لها أمرا فيما وافق الحق ، وإن إبراهيم كان يأتي
مكة من الحيرة في كل يوم . ( 1 )
39 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن
محبوب ، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن إبراهيم عليه السلام
استأذن سارة أن يزور إسماعيل بمكة فأذنت له على أن لا يبيت عنها ولا ينزل عن حماره ،
قلت : كيف كان ذلك ؟ قال : طويت له الارض . ( 2 )
40 - ص : لما ترعرع إسماعيل عليه السلام وكبر أعطوه سبعة أعنز ، فكان ذلك أصل
ماله ، فنشأ وتكلم بالعربية وتعلم الرمي ، وكان إسماعيل عليه السلام بعد موت امه تزوج
* ( هامش ) * ( 1 و 2 ) قصص الانبياء : مخطوط . م ( * )
[113]
امرأة من جرهم اسمها زعلة أوعمادة وطلقها ولم تلد له شيئا ، ثم تزوج السيدة بنت الحارث
ابن مضاض ( 1 ) فولدت له ، وكان عمر إسماعيل عليه السلام مائة وسبعا وثلاثين ، ( 2 ) ومات عليه السلام
ودفن في الحجر ، وفيه قبور الانبياء عليهم السلام ، ومن أراد أن يصلي فيه فليكن صلاته على
ذراعين من طرفه مما يلي باب البيت فإنه موضع شبير وشبر ابني هارون عليه السلام . ( 3 )
41 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أحمد
ابن محمد ، عن أبى بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن إسماعيل عليه السلام توفي وهو ابن مائة
وثلاثين سنة ، ودفن بالحجر مع امه ، فلم يزل بنو إسماعيل ولاة الامر يقيمون للناس
حجهم وأمر دينهم يتوارثونها كابر عن كابر حتى كان زمن عدنان بن أدد . ( 4 )
42 - ك : أبي ، عن أحمد بن إدريس ومحمد العطار ، عن الاشعري ، عن محمد بن يوسف
التميمى ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : عاش
إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام مائة وعشرين سنة ، وعاش إسحاق بن إبراهيم عليه السلام مائة و
ثمانين سنة . ( 5 )
بيان : لعل هذا أصح الاخبار في عمره عليه السلام ، إذ هو أبعد عن أقوال المخالفين ، إذ
الاشهر بينهم أنه عاش مائة وسبعا وثلاثين سنة ، وقيل : مائة وثلاثين ، ولم أر القول بما


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 113 سطر 15 الى ص 121 سطر 15

في هذا الخبر بينهم ، فيمكن حمل الخبرين السابقين على التقية .
43 - سن : أبي ، عن ابن عمير ، عن معاوية بن عمار قال : سألته عن السعي
فقال : إن إبراهيم عليه السلام لماخلف هاجر وإسماعيل بمكة عطش إسماعيل فبكى فخرجت
حتى علت على الصفا وبالوادي أشجار ، فنادت : هل بالوادي من أنيس ؟ فلم يجبها أحد ،
فانحدرت حتى علت على المروة فنادت : هل بالوادي من أنيس ؟ فلم تزل تفعل ذلك حتى
فعلته سبع مرات ، فلما كانت السابعة هبط عليها جبرئيل عليه السلام فقال لها : أيتها المرأة
* ( هامش ) * ( 1 ) وبه قال الثعلبي الا انه قال : بنت مضاض بن عمرو الجرهمى . وقال اليعقوبي : هى حيفا
بنت مضاض الجرهمية .
( 2 ) وبه قال الثعلبى في العرائس ، وقال المسعودى في اثبات الوصية : عاش مائة وعشرين سنة ،
( 3 و 4 ) مخطوط . م
( 5 ) اكمال الدين : 289 . م ( * )
[114]
من أنت ؟ فقالت : أناهاجرأم ولد إبراهيم ، قال لها : وإلى من خلفك ؟ قالت : أما إذا قلت
ذلك لقد قلت له : ياإبراهيم إلى من تخلفني ههنا ؟ فقال : إلى الله عزوجل اخلفك ،
فقال لها جبرئيل عليه السلام : نعم ما خلفك إليه ، لقد وكلكم إلى كاف فارجعي إلى ولدك ،
فرجعت إلى البيت وقد نبعت زمزم والماء ظاهر يجري فجمعت حوله التراب فحبسه ، قال
أبوعبدالله عليه السلام : لو تركته لكان سيحا . ثم قال : مر ركب من اليمن ولم يكونوا يدخلون
مكة فنظروا إلى الطير مقبلة على مكة من كل فج فقالوا : ما أقبلت الطير على مكة إلا
وقد رأت الماء فمالوا إلى مكة حتى أتوا موضع البيت فنزلوا واستقوا من الماء وتزو دوا
ما يكفيهم وخلفوا عندهما من الزاد مايكفيهما ، فأجرى الله لهم بذلك رزقا . ( 1 )
44 - وروى محمد بن خلف ، عن بعض أصحابه قال : فكان الناس يمرون بمكة
فيطعمونهم من الطعام ويسقونهم من الماء . ( 2 )
45 - سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه قال : سألنا عن السعي بين
الصفا والمروة ، فقال : إن هاجر لما ولدت بإسماعيل دخلت سارة غيرة شديدة فأمر الله
إبراهيم أن يطيعها ، فقالت : يا إبراهيم احمل هاجر حتى تضعها ببلاد ليس فيها زرع ولا
ضرع ، فأتى بها البيت وليس بمكة إذ ذاك زرع ولاضرع ولا ماء ولا أحد ، فخلفها عند البيت
وانصرف عنها إبراهيم عليه السلام فبكى . ( 3 )
46 - سن : غير واحد من أصحابنا ، عن أبان الاحمر رفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال :
كانت الخيل وحوشا في بلاد العرب فصعد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام على أجياد فصاحا : ألا
هلا ألا هلم ، فما فرس إلا أعطي بيده وأمكن من ناصيته . ( 4 )
47 - شى : عن الفضل بن موسى الكاتب ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام
قال : إن إبراهيم عليه السلام لما أسكن إسماعيل وهاجر مكة وودعهما لينصرف عنهما بكيا ،
فقال لهما إبراهيم : ما يبكيكما فقد خلفتكما في أحب الارض إلى الله وفي حرم الله ؟ فقالت
* ( هامش ) * ( 1 و 2 ) محاسن البرقى : 337 - 338 . م
( 3 ) محاسن البرقى : 338 . م
( 4 ) محاسن البرقى : 630 . م ( * )
[115]
له هاجر : يا إبراهيم ما كنت أرى أن نبيا مثلك يفعل مافعلت ، قال : وما فعلت ؟ فقالت :
إنك خلفت امرأة ضعيفة وغلاما ضعيفا لا حيلة لهما بلا أنيس من بشر ولا ماء يظهر ولا
زرع قد بلغ ولا ضرع يحلب ، قال : فرق إبراهيم ودمعت عيناه عند ما سمع منها فأقبل
حتى انتهى إلى باب بيت الله الحرام فأخذ بعضادتي ( 1 ) الكعبة ثم قال : اللهم إني
أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة
من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون .
قال : أبوالحسن : فأوحى الله إلى إبراهيم : أن اصعد أبا قبيس فناد في الناس : يا معشر
الخلائق إن الله يأمركم بحج هذا البيت الذي بمكة محرما من استطاع إليه سبيلا ، فريضة
من الله ، قال : فصعد إبراهيم أبا قبيس فنادى في الناس بأعلى صوته : يا معشر الخلائق إن الله
يأمركم بحج هذا البيت الذي بمكة محرما من استطاع إليه سبيلا فريضة من الله ، قال :
فمد الله لابراهيم في صوته حتى أسمع به أهل المشرق والمغرب وما بينهما من جميع ما قدر
الله وقضى في أصلاب الرجال من النطف ، وجيمع ما قدر الله وقضى في أرحام النساء إلى يوم
القيامة ، فهناك يافضل وجب الحج على جميع الخلائق ، فالتلبية من الحاج في أيام الحج
هي إجابة لنداء إبراهيم عليه السلام يومئذ بالحج عن الله . ( 2 )
48 - كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، والحسين بن محمد بن محمد ، عن عبدويه ( 3 ) بن عامر
وغيره ; ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جيمعا ، عن أحمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن
أبي العباس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما ولد إسماعيل حمله إبراهيم عليه السلام وامه على
حمار ، وأقبل معه جبرئيل عليه السلام حتى وضعه في موضع الحجر ، ومعه شئ من زاد وسقاء فيه
شئ من ماء ، والبيت يومئذ ربوة ( 4 ) حمراء من مدر ، فقال إبراهيم لجبرئيل : ههنا امرت ؟
* ( هامش ) * ( 1 ) عضادتى الباب : خشبتاه من جانبيه .
( 2 ) مخطوط . م
( 3 ) بفتح العين فالسكون ثم الفتح .
( 4 ) بتثليث الراء : ما ارتفع من الارض . ( * )
[116]
قال : نعم ، قال : ومكة يومئذ سلم وسمر ، ( 1 ) وحول مكة يومئذ ناس من العماليق . ( 2 )
49 - وفي حديث آخر عنه أيضا قال : فلما ولى إبراهيم قالت هاجر : يا إبراهيم
إلى من تدعنا ؟ قال : أدعكما إلى رب هذه البنية ، قال : فلما نفذ الماء ( 3 ) وعطش الغلام
خرجت حتى صعدت على الصفا فنادت : هل بالبوادي من أنيس ؟ ثم انحدرت حتى
أتت المروة فنادت مثل ذلك ، ثم أقبلت راجعة إلى ابنها فإذا عقبة يفحص في ماء فجمعته
فساخ ، ( 4 ) ولو تركته لساح . ( 5 )
50 - كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان الاحمر ،
عن محمد الواسطي قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : إن إبراهيم شكا إلى الله عزوجل ما يلقى من
سوء خلق سارة ، فأوحى الله عزوجل إليه : إنم مثل المرأة مثل الضلع المعوج ، إن أقمته
كسرته ، وإن تركته استمتعت به اصبر عليها . ( 6 )
51 - فس : " وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت " أى عرفناه ، قوله : " وعلى كل
ضامر " يقول : الابل المهزولة ، قال : ولما فرغ إبراهيم من بناء البيت أمره الله أن يؤذن
في الناس بالحج ، فقال : يارب وما يبلغ صوتي ، فقال الله : أذن عليك الاذان وعلي
البلاغ ، وارتفع إلى المقام ( 7 ) وهو يومئذ يلصق بالبيت ، فارتفع به المقام حتى كان أطول
من الجبال ، فنادى وأدخل إصبعه في أذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول : أيها الناس
* ( هامش ) * ( 1 ) السلم : شجر من العضاه يدبغ به ، ومنه سمى " ذو السلم " السمر : شجر من العضاه ، وليس
في العضاه أجود خشبا منه والعضاه : شجر ام غيلان ، وكل شجر يعظم وله شوك .
( 2 ) فروع الكافى 1 : 22 . والعماليق : قوم من ولد عمليق ويقال : عملاق بن لاوز بن ارم بن
سام بن نوح .
( 3 ) في نسخة : فلما فقد الماء .
( 4 ) ساخ : غاص وغاب .
( 5 ) فروع الكافى 1 : 220 . م
( 6 ) فروع الكافى 2 : 62 . م
( 7 ) في نسخة : على المقام . م ( * )
[117]
كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم ، فأجابوه من تحت البحور السبع ، ( 1 )
ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطرافها ، أي الارض كلها ، ومن أصلاب
الرجال ، وأرحام النساء بالتلبية : لبيك الله لبيك ; أو لا ترونهم يأتون يلبون ؟ فمن
حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهم ممن استجاب الله ، وذلك قوله : " فيه آيات بينات مقام
إبراهيم " يعني نداء إبراهيم على المقام بالحج . ( 2 )
52 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله
عليه السلام إن أصل حمام الحرم بقية حمام كانت لاسماعيل بن إبراهيم عليه السلام . ( 3 )
53 - يب : أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن الحسن
الواسطي عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة
تبكيه بعد موته . ( 4 )
54 - كا : بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل
ابن عمر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : الحجر بيت إسماعيل ، وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل
عليه السلام . ( 5 )
55 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن
أيوب ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الحجر أمن البيت هو أو فيه
شئ من البيت ; فقال : لا ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل عليه السلام دفن امه فيه فكره أن
توطأ فحجر عليه حجرا وفيه قبور أنبياء . ( 6 )
56 - كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي
( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : من وراء البحور السبع .
( 2 ) تفسير القمى : 439 - 440 . م
( 3 ) لم نجده . م
( 4 ) التهذيب 1 : 131 . م
( 5 - 6 ) فروع الكافى 1 : 223 . م ( * )
[118]
عن معاوية بن عمار قال : قال أبوعبدالله عليه السلام دفن في الحجر مما يلي الركن الثالث عذارى
بنات إسماعيل . ( 1 )
57 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن سنان قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام
عن قول الله عزوجل : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه
آيات بينات " ما هذه الآيات ؟ قال : مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه ;
والحجر الاسود ; ومنزل إسماعيل . ( 2 )
58 - أقول : قال السيد ابن طاوس في كتاب سعد السعود : وجدت في السفر التاسع
من التوراة المترجم أن سارة امرأة إبراهيم لم يكن يولد لها ولد ، وكانت لها أمة ( 3 )
إسمهاهاجر فقالت سارة لابراهيم : إن الله قد حرمني الولد فادخل على أمتي وابن لها ، ( 4 )
لعلي أتعزى بولد منها ، ( 5 ) فسمع إبراهيم قول سارة وأطاعها فانطلقت سارة إمرأة إبراهيم
بهاجر أمتها ( 6 ) وذلك بعد ما سكن إبراهيم أرض كنعان عشر سنين ، فأدخلتها على إبراهيم
زوجها ، فدخل إبراهيم على هاجر فحبلت ، فلما رأت هاجر أنها قد حملت استسفهت ( 7 )
هاجر سارة سيدتها وهانت في عينها ، فقالت سارة : يا إبراهيم أنت صاحب ظلامتي ، إنما
وضعت أمتي في حضنك فلما حبلت هنت عليها ، ( 8 ) يحكم الرب بيني وبينك ، فقال إبراهيم لسارة
امرأته : هذه أمتك مسلمة في يدك فاصنعي بها ما أحببت ، وحسن في عينك وسرك ووافقك ( 9 )
* ( هامش ) * ( 1 ) فروع الكافى 1 : 223 . م
( 2 ) فروع الكافى 1 : 227 . م
( 3 ) في المصدر : أمة مصرية . م
( 4 ) اى ادخل عليها .
( 5 ) تعزى اليه : انتسب به . وفى المصدر : أعثر بولد منها .
( 6 ) في المصدر : أمتها المصرية . م
( 7 ) لعله من سفه نفسه : أذلها واستخف بها . وفى المصدر : استسرها أى بالغ في أخفائها .
( 8 ) في المصدر : أنت ضامن ظلامتى . والحضن : ما دون الابط إلى الكشح ، أو الصدر و
العضدان وما بينهما * هنت عليه لعله من هان الامر على فلان أى لان وسهل ، أو من هن عندى اليوم
أى أقم عندى واسترح . وفى هامش الكتاب نقلا عن ترجمة التوراة هكذا : أنا رفعت أمتى إلى
حضنك ، فلما رأت أنها حامل تهاونت بى .
( 9 ) في المصدر : وحسن في عينيك ماسرك ووافقك . ( * )
[119]
فأهانتها سارة سيدتها فهربت منها ، فلقيها ملاك الرب على غيرماء في البرية في طريق
حذار ، فقالت لها : يا هاجر ( 1 ) أمة سارة من أين أقبلت وأين تريدين ؟ فقالت : أنا هاربة
من سارة سيدتي ، فقال لها : ملاك الرب : انطلقي إلى سيدتك وتعبدي لها ، ( 2 ) ثم قال لها
ملاك الرب عن قول الرب : أنا مكثر ذرعك ومثمره حتى لا يحصوا من كثرتهم ، ثم
قال لها ملاك الرب : إنك حبلت وستلدين ابنا وتدعين اسمه إسماعيل ، لان الرب قد
عرف ذلك وخضوعك ويكون ابنك هذا وحشيا من الناس ، يده على كل يد ، ( 3 ) وسيجل
على جميع حدود إخوته . ( 4 )
قال : ثم قال في السفر العاشر : قال الله لابراهيم : حقا إن سارة ستلد لك ابنا و
تسميه إسحاق . ، ( 5 ) وأثبت العهد بيني وبينه إلى الابد ، ولذريته من بعده ، وقد استجبت
لك في إسماعيل وبركته وكبرته وأنميته جدا جدا ، يولد له اثنا عشر عظيما ; و
أجعله رئيسا لشعب عظيم . ثم قال بعد ما ذكر كراهة سارة ( 6 ) لمقام هاجر وإسماعيل
عندها : قال : فغدا إبراهيم باكرا فأخذ خبزا وإدواة ( 7 ) من ماء وأعطاه ( 8 ) هاجر
* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الكتاب نقلا عن ترجمة التوارة هكذا : فلما وجدها ملاك الرب عند معين الماء في
البرية التى هى في طريق سور في القفر قال لها : يا هاجر .
( 2 ) في هامش الكتاب نقلا عن ترجمة التوارة : واتضعى تحت يديها .
( 3 ) في المصدر هكذا : انك حبلى وستلدين ابنا وتدعين اسمه اسماعيل لان الرب قد عرف
ذلك بخضوعك ، ويكون ابنك هذا حسنا عند الناس ، ويده على كل يد . والمصدر خالية عن قوله :
وسيجل على جميع حدود اخوته .
( 4 ) في هامش الكتاب نقلا عن ترجمة التوارة هكذا : ويده ضد للجميع ، ويد الجميع ضده . وقباله
جميع اخوته ينصب المضارب .
( 5 ) في هامش الكتاب هنا نقلا عن ترجمة التوراة هكذا : واقيم له ميثاقى عهدا مؤبدا ولنسله
من بعده ، وعلى اسماعيل استجبت لك ، هوذا اباركه واكثره جدا فسيلد اثنى عشر رئيسا وأجعله
لشعب كثير .
( 6 ) في المصدر هكذا : فصل فيما نذكره من الكراس الثالث عشر من الوجهة الاولى بعد ما
ذكره من كراهية سارة .
( 7 ) الاداوة : اناء صغير من جلد .
( 8 ) في نسخة : وأعطاها . وفى المصدر : وأعطاه هاجر فحملها ومعها الصبى والطعام . ( * )
[120]
فحملها والصبي والطعام فأرسلها ، وانطلقت وتاهت في برية بئر سبع ، ( 1 ) ونفذ الماء من
الادواة فألقت الصبي تحت شجرة الشيح ، ( 2 ) فانطلقت فجلست قبالته وتباعدت عنه
كرمية السهم ورفعت صوتها ، ( 3 ) وبكت فسمع الرب صوت الصبي فدعا ( 4 ) ملاك الرب هاجر
من السماء فقال لها : مالك يا هاجر ؟ لا تخافي لان الرب قد سمع صوث الصبي حيث هو ، قومي
فاحملي الصبي ، ( 5 ) وشدي به يديك ، إني أجعله رئيسا لشعب عظيم ، وأجلى الله عن بصرها
فرأت بئر ماء فانطلقت فملات الادواة وسقت الغلام ، وكان الله مع الغلام ، فشب الغلام وسكن
برية فاران ، ( 6 ) وكان يتعلم الرمي في تلك البرية ، وزوجته امه ( 7 ) امرأة من أهل
مصر . ( 8 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر في برية وسيعة ، وليست فيها " بئر سبع " . قلت : السبع بالباء : ناحية في فلسطين
بين بيت المقدس والكرك فيه سبع آبار سمى الموضع بذلك ، ويقال بالعبرى : شبع بالشين . قال
المصنف رحمه الله في هامش الكتاب : وقال الكفعمى في شرح دعاء السمات : رقمها الشهيد بالشين المعجمة
والياء المثناة من تحت ، فقيل : هى بئر طمست فأمر إسحاق ملكا اسمه أبومالك أن يعيدها كما كانت
ويكنسها ويرمى بقمامتها فيكون ماخوذا من قولك شاعت الناقة : إذا رمت ببولها ، ويجوز أن يكون
مأخوذا من الشيع وهى الاصحاب والاعوان لتشايعهم على حفرها وكنسها ، ومن قرأها بالسين والباء
المفردة فقال : إن إسحاق قال : وعليها ملكا يقال له أبومالك وتعاهدا على البئر بسبعة من الكباش
فسميت بذلك بئر سبع ( انتهى ) . والاظهر على نسخة الشين أيضا الباء الموحدة فان السين شين في
العبرى
( 2 ) في هامش الكتاب نقلا عن ترجمة التوراة هكذا : فطرحت الصبى تحت شجرة هناك ومضت
فجلست بازائه من بعيد نحورمية سهم لانها قالت : لا أرى الصبى يموت ، وجلست قبالته ورفعت
صوتها .
( 3 ) في المصدر : كرمية السهم لانها قالت ; لا اعابر برب الصبى فجلست إزاءه ورفعت .
صوتها .
( 4 ) في نسخة . فنادى .
( 5 ) في هامش الكتاب نقلا عن ترجمة التوراة هكذا . فخذى الصبى وامسكى بيده .
( 6 ) قال ياقوت : فاران كلمة عبرانية معربة ، وهى من أسماء مكة ذكرها في التوراة ، قيل :
هو اسم لجبال مكة .
( 7 ) في المصدر : وزوجه أبيه . ولعله مصحف أبوه أوامه .
( 8 ) سعد السعود : 41 - 42 . م ( * )
[121]
59 - كنز الفوائد للكراجكي عن سالم الاعرج مولى بني زربق ( 1 ) قال :
حفرنا ئبرافي دوربني زريق فرأينا أثر حفر قديم فعلمنا أنه حفر مستأثر ، فحفرناه فأفضينا
إلى صخرة عظيمة فقلبناها فإذا رجل قاعد كأنه يتكلم فإذا هو لايشبه الاموات ، فأصبنا
فوق رأسه كتابة فيها : أنا قادم ( 2 ) بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن ، هربت بدين
الحق من أشملك ( 3 ) الكافر ، وأنا أشهد أن الله حق ووعده حق لا أشرك به شيئا ولا أتخذ
من دونه وليا
( باب 6 )
* ( قصة الذبح وتعيين الذبيح ) *
الايات ، الصافات " 37 " وقال إنى ذاهب إلى ربي سيهدين * رب هب لي
من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني أرى في المنام
أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين *
فلما أسلما وتله للجبين ( 4 ) * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي
المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه في الآخرين *
سلام على إبراهيم * إنا كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه
بإسحق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 121 سطر 16 الى ص 129 سطر 16

مبين 99 - 113 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " فلما بلغ معه السعي " أي شب حتى بلغ سعيه
* ( هامش ) * ( 1 ) بتقديم المعجمة على المهملة أو بالعكس : كلاهما بطن من العرب ، ولعل الصحيح هنا
الاول .
( 2 ) هكذا في النسخ ، وفى المحبر : قيذم . وفى الطبرى : قيدمان وقال : يقول بعضهم :
قادمن .
( 3 ) في نسخة : من الملك الكافر .
( 4 ) اصل معنى تله : اسقطه على التل كقولك : تر به : اسقطه على التراب . ( * )
[122]
سعي إبراهيم ، والمعنى : بلغ إلى أن يتصرف ويمشي معه ويعينه على اموره ، قالوا : وكان
يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة .
وقيل : يعني بالسعي العمل لله والعبادة " إني أرى في المنام " أي أبصرت في المنام
رؤيا تأويلها الامر بذبحك فانظر ماذا تراه من الرأي ، والاولى أن يكون الله تعالى قد
أوحى إليه في اليقظة بأن يمضي ما يأمره به في حال نومه من حيث إن منامات الانبياء
لا تكون إلا صحيحة " فلما أسلما " أي استسلما لامر الله ورضيابه " وتله للجبين " أي أضجعه
على جبينه ; وقيل : وضع جبينه على الارض لئلايرى وجهه فتلحقه رقة الآباء ، وروي
أنه قال : إذ بحني وأنا ساجد لا تنظر إلى وجهي فعسى أن ترحمني " قد صدقت الرؤيا " أي
فعلت ما أمرت به في الرؤيا " إن هذا لهو البلاء المبين " أي الامتحان الظاهر والاختبار
الشديد ، أو النعمة الظاهرة " وفديناه بذبح عظيم " الذبح هو المذبوح ، فقيل : كان كبشا من
الغنم ، قال ابن عباس : هو الكبش الذي تقبل من هابيل حين قر به . ( 1 )
وقيل : فدي بو عل ( 2 ) اهبط عليه من ثبير ، ( 3 ) وسمي عظيما لانه كان مقبولا
أو لان قدر غيره من الكباش يصغر بالاضافة إليه ; وقيل : لانه رعى في الجنة أربعين
خريفا ; وقيل : لانه كان من عند الله كونه ولم يكن عن نسل ; وقيل : لانه فداء عبد
عظيم " وبشرناه بإسحق " من قال : إن الذبيح إسحاق قال : يعني : بشرناه بنبوة إسحاق
بصبره " وباركنا عليه وعلى إسحق " أي وجعلنا فيما أعطيناهما من الخير البركة والنماء
والثبات ، ويجوز أن يكون أراد كثرة ولدهما وبقاءهم قرنا بعد قرن إلى أن تقوم الساعة
" ومن ذريتهما " أي ومن أولاد إبراهيم وإسحاق " محسن " بالايمان والطاعة " وظالم لنفسه "
بالكفر والمعاصي " مبين " بين الظلم . ( 4 )
1 - ن ، ل : القطان ، عن أحمد الهمداني ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه
* ( هامش ) * ( 1 ) فعليه وصفه بالعظيم لانه وقع موقع القبول حين قر به هابيل ، أو لانه قتل بسببه هابيل .
( 2 ) الوعل : تيس الجبل قال البغدادي في المحبر : كان اسم كبش ابراهيم : جرير .
( 3 ) ثبير كشريف : اسم جبل بمكة .
( 4 ) مجمع البيان 8 : 452 - 454 . م ( * )
[123]
قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين ، قال :
يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، وعبدالله بن عبدالمطلب أما إسماعيل فهو الغلام الحليم
الذي بشرالله به إبراهيم " فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك
فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر " ولم يقل له يا أبت افعل ما رأيت " ستجدني إن شاء الله
من الصابرين " فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ، ( 1 )
ويشرب في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد ، ويبول ويبعر في سواد ، وكان يرتع
قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاما ، وما خرج من رحم انثى ، وإنما قال الله عزوجل
له : كن فكان ، ليفتدى به إسماعيل ، ( 2 ) فكلما يذبح بمنى فهو فدية لاسماعيل إلى يوم
القيامة ، فهذا أحد الذبيحين . ( 3 )
أقول : ثم ساق الخبر وذكر قصة عبدالله وسيجئ الخبر بتمامه .
ثم قال الصدوق رحمه الله : فد اختلفت الروايات في الذبيح ، فمنهاما ورد بأنه
إسماعيل ، ومنها ما ورد بأنه إسحاق ، ولا سبيل إلى رد الاخبار متى صح طرقها ، وكان
الذبيح إسماعيل ، لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي امر أبوه
بذبحه فكان يصبر لامر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب ،
فعلم الله عزوجل ذلك من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه لذلك .
وحدثنا بذلك ( 4 ) محمد بن علي بن بشار ، عن المظفر بن أحمد القزويني ، عن
محمد بن جعفر الكوفي الاسدي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن عبدالله بن
* ( هامش ) * ( 1 ) في النهاية : فيه : أنه ضحى بكبش يطأفي سواد ، وينظر في سواد ، ويبرك في سواد أى اسود
القوائم ، فعليه يكون المراد أن هذه المواضع منه كانت سودا ، وقيل : إن المراد أنه كان مقيما في
الحشيش والمرعى ، والخضرة إذا أشبعت مالت إلى السواد ، أو كان ذاظل عظيم لسمنه وعظم جثته
بحيث يمشى فيه ويأكل وينظر ويبعر مجازا في السمن .
( 2 ) في نسخة : ليفدى به اسماعيل .
( 3 ) عيون الاخبار : 117 ، الخصال ج 1 : 29 . م
( 4 ) لم يذكر العدة في العيون بل قال : وقد أخرجت الخبر في ذلك مسندا في كتاب النبوة .
نعم ذكره في الخصال . ( * )
[124]
داهر ، ( 1 ) عن أبى قتادة الحراني ، ( 2 ) عن وكيع ابن الجراح ، عن سليمان بن مهران ،
عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد عليه السلام
وقول النبي صلى الله عليه وآله : " أنا ابن الذبيحين " يؤيد ذلك ، ( 3 ) لان العم قد سماه الله
عزوجل أبا في قوله : " أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي
قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق ( 4 ) " وكان إسماعيل عم يعقوب
فسماه الله في هذا الموضع أبا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : " العم والد " فعلى هذا الاصل أيضا
يطرد ( 5 ) قول النبي صلى الله عليه وآله : " أنا ابن الذبيحين " أحدهما ذبيح بالحقيقة ، والآخر ذبيح
بالمجاز ، واستحقاق الثواب على النية والتمني ، فالنبي صلى الله عليه وآله هو ابن الذبيحين من وجهين
على ما ذكرناه .
وللذبح العظيم وجه آخر : حدثنا ابن عبدوس ، عن ابن قتيبة ، عن الفضل قال :
سمعت الرضا عليه السلام يقول : لما أمر الله عزوجل إبراهيم أن يذبح مكان ابنه إسماعيل
الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده ، وأنه
لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز
ولده عليه بيده فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب ، فأوحى الله
عزوجل إليه : يا إبراهيم من أحب خلقي إليك ؟ فقال : يارب ما خلقت خلقا هو
* ( هامش ) * ( 1 ) بالدال المهملة لعله عبدالله بن داهر بن يحيى بن داهر الرازى أبوسليمان المعروف
بالاحمرى المترجم في لسان الميزان 3 ص 282 وفى فهرست النجاشى ص 158 واسم
داهر محمد .
( 2 ) هو عبدالله بن واقد الحرانى أبوقتادة المتوفى في 210 كان أصله من خراسان ترجمه
ابن حجر في التقريب ص 295 .
( 3 ) هكذا في طبعه القديم ، وفى الجديد نقله عن نسخ خطبة هكذا : يريد بذلك العم . قلت
أى يريد بأحدهما العم وهو اسحاق وبالاخر الاب وهو اسماعيل ، وقد عرفت قبل ذلك في الخبر الاول
خلاف ذلك وهو أن أحدهما جده اسماعيل ، والاخر أبوه عبدالله .
( 4 ) البقرة : 133 .
( 5 ) من اطرد الامر أى تبع بعضه بعضا واستقام ، وتماثلت أحكامه . ( * )
[125]
أحب إلي من حبيبك محمد ، فأوحى الله إليه : أفهو أحب إليك أم نفسك ؟ ( 1 ) قال بل هو
أحب إلي من نفسي ، قال : فولده أحب إليك أم ولدك ؟ قال : بل ولده ، قال :
فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال : يارب
بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي ، قال : ياإبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من امة
محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش ، ويستوجبون بذلك
سخطي ; فجزع إبراهيم لذلك وتوجع قلبه وأقبل يبكي ، فأوحى الله عزوجل : ياإبراهيم
قد فديت جزعك ( 2 ) على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجز عك على الحسين وقتله ، و
أوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب ، وذلك قول الله عزوجل : " وفديناه
بذبح عظيم " . ( 3 )
أقول : قد روى هذا الخبر في " ن " أيضا . ( 4 )
2 - فس : أبي ، عن فضالة بن أيوب ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام
إن إبراهيم أتاه جبرئيل عليه السلام عند زوال الشمس من يوم التروية ، فقال : ياإبراهيم ارتو
من الماء لك ولاهلك ، ولم يكن بين مكة وعرفات ماء فسميت التروية لذلك ، فذهب به
حتى انتهى به إلى منى فصلى به الظهر والعصر والعشائين والفجر حتى إذا بزغت الشمس
خرج إلى عرفات فنزل بنمرة وهي بطن عرنة ، ( 5 ) فلما زالت الشمس خرج وقد اغتسل
فصلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وصلى في موضع المسجد الذي بعرفات وقد
كانت ثم أحجار بيض فادخلت في المسجد الذي بنى ، ثم مضى به إلى الموقف فقال : يا إبراهيم
اعترف بذنبك ، واعرف مناسكك ; ولذلك سميت عرفة ، وأقام به حتى غربت الشمس ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : أو نفسك .
( 2 ) في نسخة من المصدر : قد قبلت جزعك .
( 3 ) الخصال ج 1 : 30 - 31 . م
( 4 ) عيون الاخبار : 116 - 117 . م
( 5 ) بالفتح فالكسر : ناحية بعرفة . وعرنة كهمزة : واد بحذاء عرفات . وقيل : بطن عرنة :
مسجد عرفة والمسيل كله . ( * )
[126]
ثم أفاض به فقال : ياإبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام فسميت المزدلفة ، وأتى به المشعر
الحرام فصلى به المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ثم بات بها حتى إذا صلى
بها صلاة الصبح أراه الموقف ، ثم أفاض به إلى منى فأمره فرمى جمرة العقبة ، وعندها ظهر
له إبليس ، ثم أمره بالذبح وإن إبراهيم عليه السلام حين أفاض من عرفات بات على المشعر
الحرام وهو قزح ( 1 ) فرأى في النوم أن يذبح ابنه ، ( 2 ) وقد كان حج بوالدته ( 3 ) فلما انتهى
إلى منى رمى الجمرة ( 4 ) هو وأهله ، وأمر سارة أن زوري البيت ، واحتبس الغلام ( 5 )
فانطلق به إلى موضع الجمرة الوسطى فاستشار ابنه وقال كما حكى الله : " يا بني إني أرى
في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى " فقال الغلام كما ذكر الله : امض لما أمرك الله به " يا
أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " وسلما لامر الله ( 6 ) وأقبل شيخ فقال :
يا إبراهيم ما تريد من هذا الغلام ؟ قال : اريد أن أذبحه ، فقال : سبحان الله تذبح غلاما لم
يعص الله طرفة عين ، فقال إبراهيم : إن الله أمرني بذلك ، فقال : ربك ينهاك عن ذلك ، و
إنما أمرك بهذا الشيطان ، فقال له إبراهيم : ويلك إن الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي
أمرني به والكلام الذي وقع في أذني فقال : لا والله ما أمرك بهذا إلا الشيطان ، فقال إبراهيم :
لا والله لا اكلمك ، ثم عزم على الذبح فقال : يا إبراهيم إنك إمام يقتدى بك ، وإنك
إن ذبحته ذبح الناس أولادهم ، فلم يكلمه وأقبل على الغلام واستشاره في الذبح فلما أسلما
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : وهو فرغ . وفى نسخة : وهو فرح . ولعلها مصحفان . وقزح بالضم فالفتح :
القرن الذى يقف الامام عنده بالمزدلفة عن يمين الامام وهو الميقدة وهو الموضع الذى كانت توقد
فيه النيران في الجاهلية ، وهو موقف قريش في الجاهلية إذ كانت لا تقف بعرفة ; قاله ياقوت في
المعجم . قلت القرن باسكان الراء : الجبل الصغير .
( 2 ) في نسخة : انه يذبح ابنه .
( 3 ) في المصدر : بوالدته سارة وأهله . م
( 4 ) في نسخة : رمى جمرة العقبة .
( 5 ) في المصدر ونسخة : ومرت سارة إلى البيت واحتبس الغلام ; الا ان في النسخة : وأخذ
الغلام .
( 6 ) في نسخة : وسلمالله الامر . ( * )
[127]
جميعا لامر الله قال الغلام : ياأبتاه خمر وجهي ، ( 1 ) وشد وثاقي ، فقال إبراهيم : يا
بني الوثاق مع الذبح ؟ لا والله لا أجمعهما عليك اليوم ، فرمى له بقرطان الحمار ، ثم أضجعه
عليه ، وأخذ المدية فوضعها على حلقه ورفع رأسه إلى السماء ، ثم انتحى عليه المدية وقلب
جبرئيل المدية على قفاها ، ( 2 ) واجتر الكبش من قبل ثبير وأثار الغلام من تحته ،
ووضع الكبش مكان الغلام ، ونودي من ميسرة مسجد الخيف : " أن يا إبراهيم قد صدقت
الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين " ( 3 ) قال : ولحق إبليس
بام الغلام حين نظرت إلى الكعبة في وسط الوادي بحذاء البيت فقال لها : ما شيخ رأيته ؟
قالت : ذاك بعلي ، قال : فوصيف رأيته معه ؟ قالت : ذاك ابني ، قال : فإني رأيته وقد أضجعه
وأخذ المدية ليذبحه ، فقالت : كذبت إن إبراهيم أرحم الناس
كيف يذبح ابنه ؟ ! قال :
فورب السماء والارض ورب هذا البيت لقد رأيته أضجعه وأخذ المدية ، فقالت : ولم ؟ قال :
زعم أن ربه أمره بذلك ، قالت : فحق له أن يطيع ربه ; فوقع في نفسها أنه قد امر في
ابنها بأمر ، فلما قضت نسكها ( 4 ) أسرعت في الوادي راجعة إلى منى وهي واضعة يدها على
رأسها تقول : يارب لا تؤاخذني بما عملت بام إسماعيل . قلت : فأين أراد أن يذبحه ؟
قال : عند الجمرة الوسطى . قال : ونزل الكبش على الجبل الذي عن يمين مسجد منى
نزل من السماء وكان يأكل في سواد ، ويمشي في سواد ، أقرن . قلت : ما كان لونه ؟ قال :
كان أملح أغبر . ( 5 )
3 - قال : وحدثني أبي ، عن صفوان بن يحيى وحماد ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن
ابن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألناه عن صاحب الذبح ، فقال : إسماعيل عليه السلام . وروي
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل وعبدالله بن عبدالمطلب .
* ( هامش ) * ( 1 ) أى استر وجهى .
( 2 ) في نسخة : وقلبها جبرئيل على قفاها .
( 3 ) الاية الاخيرة ليست في المصدر . م
( 4 ) في نسخة : فلما قضت مناسكها .
( 5 ) الاغبر : مالونه الغبرة . وفى نسخة : الاعين وهو الذى عظم سواد عينه في سعة . ( * )
[128]
فهذان الخبران عن الخاص في الذبيح قد اختلفا في إسحاق وإسماعيل ، وقدروت العامة خبرين
مختلفين في إسماعيل وإسحاق . ( 1 )
بيان : قوله عليه السلام : ( والكلام الذي وقع في اذني ) لعله معطوف على الموصول المتقدم
أي الكلام الذي وقع في اذني أمرني بهذا ، فيكون كالتفسير لقوله : الذي بلغني هذا المبلغ ;
أوالمراد بالاول الرب تعالى ، وبالثاني وحيه ; ويحتمل أن يكون خبرا لمبتدء محذوف ،
أي وهو الكلام الذي وقع في اذني . وفي الكافي : ويلك الكلام الذي سمعت هو الذي بلغ بي
ماترى . ( 2 )
وعلى التقادير المراد أن هذا الوحي هو الذي جعلني نبيا ولا أشك فيه . والقرطان :
البرزعة وهي الحلس الذي يلقى تحت الرحل . وقال الجوهري : أنحيت على حلقه السكين
أي عرضت له . وقال الفيروز آبادي : انتحى : جد ، وفي الشئ : اعتمد . والوصيف كأمير :
الخادم والخادمة ، وإنما عبر الملعون هكذا تجاهلا عن أنه ابنه ليكون أبعد عن التهمة .
والملحة : بياض يخالطه سواد . والاعين : عظيم العين . وفي بعض النسح " أغبر " ولعله
أظهر .
4 - كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ; والحسين
ابن محمد ، عن عبدويه بن عامر جميعا ، عن البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن
أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام مثل مامر في خبر معاوية ، وفيه : ثم انتحى عليه فقلبها جبرئيل
عن حلقه فنظر إبراهيم فإذا هي مقلوبة ، فقلبها إبراهيم على حدها ، وقلبها جبرئيل على
قفاها ، ففعل ذلك مرارا ، ثم نودي من ميسرة مسجد الخيف : ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا ،
واجتر الغلام من تحته . وفي آخره : قال : فلما جاءت سارة فأخبرت الخبر قامت إلى
ابنها تنظر فإذا أثر السكين خدوشا في حلقه ، ففزعت واشتكت وكان بدو مرضها الذي
هلكت فذكر أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أراد أن يذبحه في الموضع
الذي حملت ام رسول الله عند الجمرة الوسطى ، فلم يزل مضربهم يتوارثونه كابرا عن كابر
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى : 557 - 559 م
( 2 ) فروع الكافى 1 : 222 . م ( * )
[129]
حتى كان آخر من ارتحل منه علي بن الحسين عليه السلام في شئ كان بين بني هاشم وبين بني
امية فارتحل فضرب بالعرين . ( 1 )
5 - فس : الحسين بن عبدالله السكيني ، عن أبي سعيد البجلي ، عن عبدالملك بن
هارون ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه صلوات الله وسلامه عليهم قال : سأل ملك الروم الحسن بن
علي عليه السلام عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم ، فقال عليه السلام : أول هذا آدم ، ثم
حواء ، ثم كبش إبراهيم ، ثم ناقة الله ، ثم إبليس الملعون ، ثم الحية ، ثم الغراب التي
ذكرها الله في القرآن . ( 2 )
6 - ل : ماجيلويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليشكري ، عن محمد بن زياد الازدي ،
عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن سفيان بن أبي ليلى ، عن الحسن عليه السلام
مثله . ( 3 )
7 - ب : محمد بن عبدالحميد ، عن الحسن بن علي بن فضال قال : سأل الحسين بن
أسباط أبا الحسن الرضا عليه السلام - وأنا أسمع - عن الذبيح إسماعيل أو إسحاق ؟ فقال : إسماعيل
أما سمعت قول الله تبارك وتعالى : " وبشرناه بإسحق " ؟ ( 4 )
8 - ل ، ع ، ن : سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن ستة لو يركضوا في رحم ،
فقال : آدم وحواء ، وكبش إبراهيم ، وعصا موسى ، وناقة صالح ، والخفاش الذي عمله عيسى
ابن مريم فطار بإذن الله عزوجل . ( 5 )


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 129 سطر 17 الى ص 137 سطر 17

9 - ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن جعفر بن عنبسة بن عمرو ، عن سليمان
ابن يزيد ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : الذبيح إسماعيل . ( 6 )
* ( هامش ) * ( 1 ) فروع الكافى 1 : 222 ، وفيه اختلافات راجعه . والعرين كامير في المعجم هو
قباب مكة . وفى المجمع : في الحديث : " ارتحل فضرب بالعرين " هو كأمير فناء الدار والبلد ، وعرنة
كهمزة وفى لغة بضمتين : موضع بعرفات وليس من الموقف .
( 2 ) تفسير القمي : 598 . وأخرجه المصنف بتمامه في باب مناظرات الحسن والحسين عليهما
السلام راجع ج 10 ص 129 - 131 .
( 3 ) الخصال ج 2 : 8 . م
( 4 ) قرب الاسناد : 173 . م
( 5 ) الخصال ج 1 : 156 ، علل الشرائع : 198 ، العيون ص 135 وقد اخرج المصنف
الحديث بتمامه في كتاب الاحتجاجات راجع ج 10 : 75 - 83 .
( 6 ) امالى الشيخ ص 215 - 216 . م ( * )
[130]
10 ع : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن البزنطي ، عن أبان
ابن عثمان قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : كيف صارالطحال حراما وهو من الذبيحة ؟ فقال :
إن إبراهيم عليه السلام هبط عليه الكبش من ثبير - وهو جبل بمكة - ليذبحه أتاه إبليس فقال له :
أعطني نصيبي من هذا الكبش ، قال : وأي نصيب لك وهو قربان لربي وفداء لابني ؟
فأوحى الله عزوجل إليه : إن له فيه نصيبا وهو الطحال ، لانه مجمع الدم ; وحرم الخصيتان
لانهما موضع للنكاح ومجرى للنطفة ، فأعطاه إبراهيم عليه السلام الطحال والانثيين وهما
الخصيتان ، قال : فقلت : فكيف حرم النخاع ؟ قال : لانه موضع الماء الدافع من كل ذكر
وانثى وهو المخ الطويل الذي يكون في فقار الظهر . ( 1 )
11 - مع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن داود
ابن كثير الرقي قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : أيهما كان أكبر إسماعيل أو إسحاق ؟
وأيهما كان الذبيح ؟ فقال : كان إسماعيل أكبر من إسحاق بخمس سنين ، وكان الذبيح
إسماعيل ، وكانت مكة منزل إسماعيل ، وإنما أراد إبراهيم أن يذبح إسماعيل أيام الموسم
بمنى . قال : وكان بين بشارة الله لابراهيم بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق خمس سنين ،
أما تسمع لقول إبراهيم عليه السلام حيث يقول : " رب هب لي من الصالحين " إنما سأل الله عزوجل
أن يرزقه غلاما من الصالحين ، وقال في سورة الصافات : " فبشرناه بغلام حليم " يعني إسماعيل
من هاجر ، قال : ففدي إسماعيل بكبش عظيم ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : ثم قال : " وبشرناه
بإسحق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى إسحق " يعني بذلك إسماعيل قبل
البشارة بإسحاق ، فمن زعم أن إسحاق أكبر من إسماعيل وأن الذبيح إسحاق فقد كذب
بما أنزل الله عزوجل في القرآن من نبأهما . ( 2 )
ص : بإسناده إلى الصدوق مثله . ( 3 )
12 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن سعد بن سعد ، عن
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 188 . م
( 2 ) معانى الاخبار : 111 . م
( 3 ) مخطوط . م ( * )
[131]
أبي الحسن عليه السلام قال : لو علم الله عزوجل شيئا أكرم من الضأن لفدى به إسماعيل
عليه السلام . ( 1 )
13 - كا : علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابه أظنه محمد بن إسماعيل ،
عن الرضا عليه السلام قال : لو خلق الله مضغة هي أطيب من الضأن لفدى بها إسماعيل عليه السلام . ( 2 )
14 - كا : بعض أصحابنا ، عن جعفر بن إبراهيم الحضرمي ، عن سعد بن سعد ، عن
الرضا عليه السلام قال : لو علم الله خيرا من الضأن لفدى به . قال : يعني إسحاق ، ( 3 ) هكذا جاء
في الحديث . ( 4 )
15 - شى : عن مقرن ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كتب يعقوب إلى عزيز مصر :
نحن أهل بيت نبتلي ، فقد ابتلى أبونا إبراهيم بالنار فوقاه الله ، وابتلى أبونا إسحاق
بالذبح . ( 5 )
16 - شى : عن محمد بن القاسم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن سارة قالت لابراهيم
عليه السلام : قد كبرت ، فلو دعوت الله أن يرزقك ولدا فيقر أعيننا فإن الله قد اتخذك
خليلا وهو مجيب دعوتك إن شاء الله ، فسأل إبراهيم ربه أن يرزقه غلاما عليما ، فأوحى
الله إليه : إني واهب لك غلاما عليما ، ثم أبلوك فيه بالطاعة لي ; قال : قال أبوعبدالله عليه السلام :
فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ، ثم جاءته البشارة من الله بإسماعيل مرة اخرى
بعد ثلاث سنين . ( 6 )
17 - كا : علي ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد وابن محبوب ، عن العلاء ، عن محمد قال :
سألت أبا جعفر عليه السلام أين أراد إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه ؟ قال : على الجمرة الوسطى ،
وسألته عن كبش إبراهيم عليه السلام : ما كان لونه ؟ وأين نزل ؟ فقال : أملح ، وكان أقرن ، و
* ( هامش ) * ( 1 ) فروع الكافى 2 : 168 . م
( 2 ) فروع الكافى 2 : 167 - 168 وهذا جزء من الحديث . م
( 3 ) الظاهر أن التفسير من الراوى ، وقد تقدم عن سعد بن سعد راوى الحديث أن الذبيح إسماعيل .
( 4 ) فروع الكافى 2 : 168 . م
( 5 و 6 ) مخطوط . م ( * )
[132]
نزل من السماء على الجبل الايمن من مسجد منى ، وكان يمشي في سواد ، ويأكل في سواد ،
وينظر ويبعر ويبول في سواد . ( 1 )
فوائد لابد من التعرض لها :
الاولى في تعيين الذبيح ، قال الرازي في تفسيره : اختلفوا في أن هذا الذبيح من
هو ؟ فقيل : إنه إسحاق ، وقيل : إن هذا قول ( 2 ) عمر وعلي والعباس بن عبدالمطلب و
ابن مسعود وكعب الاحبار وقتادة وسعيد بن جبير ومسروق وعكرمة والزهري والسدي
ومقاتل . وقيل : إنه إسماعيل وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن
والشعبي ومجاهد والكلبي .
واحتج القائلون بأنه إسماعيل بوجوه
الاول : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : " أنا ابن الذبيحين " وقال له أعرابي : يا ابن الذبيحين
فتبسم فسئل عن ذلك فقال : إن عبدالمطلب لماحفر بئر زمزم نذر إن سهل الله ( 3 ) له أمرها
ليذبحن أحد ولده ، فخرج السهم على عبدالله فمنعه أخواله وقالوا له : افد ابنك بمائة من
الابل ففداه بمائة من الابل ; والذبيح الثاني إسماعيل .
الحجة الثانية : نقل عن الاصمعي أنه قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح
فقال : أيا أصمعي أين عقلك ؟ ومتى كان إسحاق بمكة ، وإنما كان إسماعيل بمكة ، وهو
الذي بنى البيت مع أبيه والنحر بمكة .
الحجة الثالثة : أن الله تعالى وصف إسماعيل بالصبر دون إسحاق في قوله : " و
إسمعيل واليسع وذا الكفل كل من الصابرين " وهو صبره على الذبح فوفى به .
الحجة الرابعة : قوله تعالى : " وبشرناه بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب " فنقول :
لو كان الذبيح إسحاق لكان الامر بذبحه قبل ظهور يعقوب منه أو بعد ذلك ، والاول باطل
لانه تعالى لما بشره بإسحاق وبشر معه بأنه يحصل منه يعقوب ، فقبل ظهور يعقوب منه
لم يجز الامر بذبحه وإلا حصل الخلف في قوله : " ومن وراء إسحق يعقوب " والثاني
* ( هامش ) * ( 1 ) فروع الكافى 1 : 222 . م
( 2 ) في المصدر : وهذا قول عمر اه . م
( 3 ) في المصدر : نذر لله لئن سهل اه . م ( * )
[133]
باطل لان قوله : " فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك " يدل
على أن ذلك الابن لما قدر على السعي ووصل إلى حد القدرة على الفعل أمر الله تعالى
إبراهيم بذبحه ، وهذه تنافي وقوع هذه القصة في زمان آخر ، فثبت أنه لا يجوز أن يكون
الذبيح هو إسحاق .
الحجة الخامسة : حكى الله تعالى عنه أنه قال : " إني ذاهب إلى ربي سيهدين " ثم
طلب من الله تعالى ولدا ليستأنس به في غربته قال : " رب هب لي من الصالحين " وهذا السؤال
إنما يحسن قبل أن يحصل له الولد ، لانه لوحصل له ولد واحد لما طلب الولد الواحد لان
طلب الحاصل محال ، وقوله : " هب لي من الصالحين " لا يفيد إلا طلب الواحد ، وكلمة من
للتبعيض ، وأقل درجات البعضية الواحد ، فكان قوله : " من الصالحين " لا يفيد إلا طلب
الولد الواحد ، فثبت أن هذا السؤال لا يحسن إلا عند عدم كل الاولاد فثبت أن هذا السؤال
وقع حال طلب الولد الاول ، وأجمع الناس على أن إسماعيل متقدم في الوجود على إسحاق
فثبت أن المطلوب بهذا الدعاء هو إسماعيل . ثم إن الله تعالى ذكر عقيبه قصة الذبح ،
فوجب أن يكون الذبيح هو إسماعيل .
الحجة السادسة : الاخبار كثيرة في تعليق قرني الكبش بالكعبة وكان الذبح بمكة
ولو كان الذبيح إسحاق لكان الذبح بالشام .
واحتج من قال بأنه إسحاق بأن أول الآية وآخرها يدل على ذلك ، أما أولها
فإنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام قبل هذه الآية أنه قال : " إني ذاهب إلى ربي
سيهدين " وأجمعوا على أن المراد مهاجرته إلى الشام ، ثم قال : " فبشرناه بغلام حليم "
فوجب أن يكون هذا الغلام الحليم قد حصل له في الشام ، وذلك الغلام ليس إلا إسحاق ،
ثم قال بعده : " فلما بلغ معه السعي " هو ذلك الغلام الذي حصل في الشام ، فثبت أن مقدمة
هذه الآية تدل على أن الذبيح هو إسحاق ; وأما مؤخرة الآية فهي أيضا تدل على ذلك
لانه تعالى لما تمم قصة الذبيح قال بعده : " وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين " و
معناه أنه بشره بكونه نبيا من الصالحين ، وذكر هذه البشارة عند حكاية تلك القصة
يدل على أنه تعالى إنما بشره بهذه النبوة لاجل أنه تحمل الشدائد في قصة الذبح
[134]
فثبت لما ذكرنا أن أول الآية وآخرها يدل على أن الذبيح هو إسحاق عليه السلام .
الحجة الثانية : ما اشتهر من كتاب يعقوب عليه السلام : ( 1 ) من يعقوب إسرائيل الله ابن
إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله .
فهذا جملة الكلام في هذا الباب ، وكان الزجاج يقول : الله أعلم أيهما الذبيح .
واعلم أنه يتفرع على ما ذكرناه اختلافهم في موضع الذبح ، فالذين قالوا : الذبيح
هو إسماعيل قالوا : كان المذبح بمنى ، والذين قالوا : إنه إسحاق قالوا : هو بالشام ، وقيل
بيت المقدس . والله أعلم انتهى . ( 2 )
وقال الشيخ أمين الدين الطبرسي قدس الله روحه بعد ذكر القولين : وكلا القولين
قد رواه أصحابنا عن أئمتنا عليهم السلام إلا أن الاظهر في الروايات أنه إسماعيل . ثم ذكر بعض
مامر من الوجوه ثم قال : وحجة من قال : إنه إسحاق أن أهل الكتابين أجمعوا على ذلك ،
وجوابه أن إجماعهم ليس بحجة ، وقولهم غير مقبول ، وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب
القرظي ( 3 ) قال : كنت عند عمر بن عبدالعزيز فسألني عن الذبيح ، فقلت : إسماعيل و
استدللت بقوله : " وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين " فأرسل إلى رجل بالشام كان
يهوديا وأسلم وحسن إسلامه وكان يرى أنه من علماء اليهود فسأله عمر بن عبدالعزيز عن
ذلك وأنا عنده فقال : إسماعيل ، ثم قال : والله يا أمير المؤمنين إن اليهود ليعلم ذلك
ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أبوكم الذي كان من أمر الله فيه ماكان ،
فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لان إسحاق أبوهم انتهى . ( 4 )
أقول : لا يخفى ضعف ما احتجوا به على القول الاخير سوى الاخبار الدالة على ذلك
لكن يعارضها ماهو أكثر وأصح منها ، ويؤيدها ماذكر من الوجوه أولا وإن كان بعضها
لايخلو من وهن ، واشتهار هذا القول بين علماء الشيعة ومحدثيهم في جميع الاعصار .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : من كتاب يعقوب عليه السلام إلى يوسف . م
( 2 ) مفاتيح الغيب 7 : 155 - 156 . م
( 3 ) بضم القاف وفتح الراء نسبة إلى قريظة .
( 4 ) مجمع البيان 8 : 453 . م ( * )
[135]
وأما الجمع بين الاخبار فيمكن حمل الاخبار الدالة على المذهب الثاني على التقية بأن
يكون زمان صدور الخبر هذا القول أشهر بين علماء المخالفين ، ويمكن حمل بعضها على مامر
في الخبر من تمني الذبح ، ويمكن الجمع أيضا بالقول بوقوعهما معا إن لم ينعقد إجماع
على كون الذبيح أحدهما .
وقال الكليني بعد أن أورد رواية عقبة بن بشير عن أحدهما عليهما السلام : إن إبراهيم عليه السلام
أذن في الناس بالحج ، وكان أول من أجابه من أهل اليمن ، قال : وحج إبراهيم عليه السلام
هو وأهله وولده ; وقال : فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق فمن ههنا كان ذبحه .
وذكر عن أبي بصير أنه سمع أبا جعفر وأبا عبدالله عليهما السلام يزعمان أنه إسحاق ، وأما
زرارة فزعم أنه إسماعيل . ( 1 )
وغرضه رحمه الله من هذا الكلام رفع استبعاد عن كون إسحاق ذبيحا بأن إسحاق
كان بالشام ، والذي كان بمكة إسماعيل عليه السلام ، فكون إسحاق ذبيحا مستبعد ، فدفع هذا
الاستبعاد بأن هذا الخبر يدل على أن إبراهيم عليه السلام قد حج مع أهله وولده ، فيمكن
أن يكون الامر بذبح إسحاق في هذا الوقت ، ويظهر منه رحمه الله أنه في ذلك من
المتوقفين . ( 2 )
وقال الطبرسي رحمه الله : ومن قال : إن الذبيح إسماعيل فمنهم محمد بن إسحاق بن
بشار ، ( 3 ) وذكر أن إبراهيم كان إذا زار إسماعيل وهاجر حمل على البراق فيغدو من الشام
فيقيل بمكة ، ويروح ( 3 ) من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى إذا بلغ السعي اري في
* ( هامش ) * ( 1 ) فروع الكافى 1 : 221 . م
( 2 ) لا يستفاد منه توقفه قدس سره ، لانه ذكر دليل المخالف فقط من دون أن يوعز إلى الخلاف
أو الوفاق فيمكن أن يكون قدس سره اكتفى بالشهرة أو الاجماع بين الامامية من أنه اسماعيل .
( 3 ) هكذا في النسخ وهو مصحف والصحيح محمد بن اسحاق بن يسار وهو محمد بن اسحاق بن
يسار أبوبكر المطلبى مولاهم المدنى نزيل العراق إماما لمغازى ، أورده الشيخ في رجاله في
أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام ، وقال : روى عنهما ، وترجمع العامة في كتبهم وبالغوا في
الثناء عليه ، وارخ وفاته الشيخ في سنة احدى وخمسين ومائة وابن حجر في سنة 150 .
( 4 ) يقيل أى ينام في القائلة أى منتصف النهار . يروح أى يذهب في الرواح أى العشى . ( * )
[136]
المنام أن يذبحه ، فقال له : يا بني خذ الحبل والمدية ثم انطلق بنا إلى هذا الشعب لنحتطب ( 1 )
فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما قد ذكره الله عنه ، فقال : ياأبت اشدد رباطي
حتى لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح من دمي شئ فتراه امي ، واشحذ
شفرتك ، ( 2 ) واسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي ، فإن الموت شديد ، فقال
له إبراهيم : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ; ثم ذكر نحوا مما تقدم ذكره .
وروى العياشي بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام :
كم كان بين بشارة إبراهيم بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق ؟ قال : كان بين البشارتين
خمس سنين ، قال الله سبحانه : " فبشرناه بغلام حليم " يعني إسماعيل ، وهي أول
بشارة بشر الله بها إبراهيم في الولد ، ولما ولد لابراهيم إسحاق من سارة وبلغ
إسحاق ثلاث سنين أقبل إسماعيل إلى إسحاق وهو في حجر إبراهيم فنحاه وجلس
في مجلسه فبصرت به سارة فقالت : يا إبراهيم ينحي ابن هاجر ابني من حجرك ويجلس
هو مكانه ! لا والله لايجاورني هاجر وابنها في بلادأبدا ، فنحهما عني ، وكان إبراهيم مكرما
لسارة يعزها ويعرف حقها ، وذلك أنها كانت من ولد الانبياء وبنت خالته ، فشق ذلك
على إبراهيم واغتم لفراق إسماعيل ، فلما كان في الليل أتى إبراهيم آت من ربه فأراه
الرؤيا في ذبح ابنه إسماعيل بموسم مكة ، فأصبح إبراهيم حزينا للرؤيا التي رآها ، فلما
حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم هاجرو إسماعيل في ذي الحجة من أرض الشام فانطلق
بهما إلى مكة ليذبحه في الموسم فبدأ بقواعد البيت الحرام ، فلما رفع قواعده وخرج إلى
منى حاجا وقضى نسكه بمنى رجع إلى مكة فطافا بالبيت اسبوعا ثم انطلق إلى السعي ،
فلما صارا في المسعى قال إبراهيم لاسماعيل : يا نبي إني أرى في المنام أني أذبحك في
الموسم عامي هذا ، فما ذاترى ؟ قال : يا أبت افعل ما تؤمر ، فلما فرغا من سعيهما انطلق
به إبراهيم إلى منى وذلك يوم النحر ، فلما انتهى به إلى الجمرة الوسطى وأضجعه لجنبه
* ( هامش ) * ( 1 ) هذا لايخلو عن غرابة على مذهب الامامية ، وهو بمذهب العامة أشبه ، وقد عرفت أن قائله
من العامة وإن كان يروى عن أئمة الشيعة أيضا .
( 2 ) شحذ الشفرة : أحدها . والشفرة : السكين العظيمة العريضة . ( * )
[137]
الايسر وأخذ السكين ( 1 ) ليذبحه نودي : " أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا " إلى آخره ، و
فدي إسماعيل بكبش عظيم فذبحه وتصدق بلحمه على المساكين .
وعن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن صاحب الذبح ، قال : هو
إسماعيل .
وعن زياد بن سوقة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن صاحب الذبح فقال : إسماعيل
عليه السلام انتهى . ( 2 )
اقول : هذه الاخبار المعتبرة أيضا مصرحة بكون الذبيح إسماعيل ، وسيأتي في
كتاب الدعاء وكتاب المزار في تضاعيف الدعوات والزيارات مايدل على ذلك أيضا . ( 3 )
الثانية في كيفية هذا الامر ورفعه :
قال الرازي : اختلف الناس في أن إبراهيم عليه السلام هل كان مأمورا بماذا ، وهذا
الاختلاف متفرع على مسألة من مسائل اصول الفقه ، وهي أنه هل يجوز نسخ الحكم
قبل حضور مدة الامتثال ؟ فقال : أكثر أصحابنا أنه يجوز ، وقالت المعتزلة وكثير من
فقهاء الشافعية والحنفية : إنه لايجوز ، فعلى القول الاول إن الله تعالى أمره بالذبح ،
وعلى القول الثاني لم يأمره بالذبح وإنما أمره بمقدمات الذبح ، وهذه مسألة شريفة
من مسائل باب النسخ ، واحتج أصحابنا على أنه يجوز نسخ الامر قبل مجئ مدة
الامتثال بأن الله تعالى أمر إبراهيم صلى الله عليه وآله بذبح ولده ، ثم إنه تعالى نسخه عنه قبل إقدامه
عليه ، وذلك يفيد المطلوب ; وإنما قلنا إنه تعالى أمره بذبح الولد لوجهين :


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 137 سطر 18 الى ص 145 سطر 18

الاول : أنه عليه السلام قال لولده : " إني أرى في المنام أني أذبحك " فقال الولد :
" افعل ما تؤمر " وهذا يدل على أنه عليه السلام ما كان مأمورا بمقدمات الذبح بل بنفس الذبح ،
ثم إنه أتى بمقدمات الذبح وأدخلها في الوجود ، فحينئذ يكون قد امر بشئ وقد اتى
به ، وفي هذا الموضع لا يحتاج إلى الفداء ، لكنه احتاج إلى الفداء بدليل قوله تعالى :
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وأخذ الشفرة .
( 2 ) مجمع البيان 8 : 454 - 455 . م
( 3 ) ومما يؤيد ذلك ماورد أن ام الذبيح اشتكت ومرضت فماتت بعد مارأت أثر السكين في
حلق ابنه ، ولاخلاف أن هاجر ماتت بمكة ودفنت في حجر ، وان سارة ماتت بالشام . ( * )
[138]
" وفديناه بذبح عظيم " فدل هذا على أنه لما أتى بالمأمور به وقد ثبت أنه أتى بكل مقدمات
الذبح ، فهذا يدل على أنه تعالى كان قد أمره بنفس الذبح ، فإذا ثبت هذا فنقول : إنه
تعالى نسخ ذلك الحكم قبل إثباته ، وذلك يدل على المقصود .
وقالت المعتزلة : لا نسلم أن الله تعالى أمره بذبح الولد ، بل نقول : إنه تعالى أمره
بمقدمات الذبح ، ويدل عليه وجوه :
الاول : أنه ما أتى بالذبح وإنما أتى بمقدمات الذبح ، ثم إن الله تعالى أخبر
عنه بأنه أتى بما امر به بدليل قوله تعالى : " وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا "
وذلك يدل على أنه تعالى إنما أمره في المنام بمقدمات الذبح لا بنفس الذبح ، وتلك
المقدمات عبارة عن إضجاعه ووضع السكين على حلقه والعزم الصحيح على الاتيان بذلك
الفعل .
الثاني : الذبح عبارة عن قطع الحلقوم ، فلعل إبراهيم عليه السلام قطع الحلقوم إلا أنه
كلما قطع جزءا أعاده الله التأليف ، فلهذا السبب لم يحصل الموت .
والوجه الثالث : وهو الذي عليه تعويل القوم أنه تعالى لو أمر شخصا معينا بإيقاع
فعل معين في وقت معين فهذا يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت حسن ،
فإذا نهي عنه فذلك النهي يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت قبيح ، فلو حصل
هذا النهي عقيب ذلك الامر لزم أحد أمرين ، لانه تعالى إن كان عالما بحال ذلك الفعل
لزم أن يقال : أمر بالقبيح أو نهى عن الحسن ، وإن لم يكن عالما به لزم جهل الله تعالى وإنه
محال فهذا تمام الكلام في هذا الباب .
والجواب عن الاول أنا قد دللنا على أنه تعالى إنما أمره بالذبح ، أما قوله
تعالى : " قد صدقت الرؤيا " فهذا يدل على أنه اعترف بكون ذلك الرؤيا ( 1 ) واجب العمل
به ، ولا يدل على أنه أتى بكل ما رآه في ذلك المنام .
وأما قوله ثانيا : كلما قطع إبراهيم عليه السلام جزءا أعاد الله التأليف إليه فنقول : هذا
باطل لان إبراهيم عليه السلام لو أتى بكل ما امر به لما احتاج إلى الفداء وحيث احتاج إليه
علمنا أنه لم يأت بما امر به .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : تلك الرؤيا . م ( * )
[139]
وأما قوله ثالثا : إنه يلزم إما الامر بالقبيح وإما الجهل فنقول : هذا بناء
على أن الله تعالى لا يأمر إلا بما يكون حسنا في ذاته ، ولا ينهى إلا عما يكون قبيحا في
ذاته ، وهذا قولك بناء ( 1 ) على تحسين العقل وتقبيحه وهو باطل ، وأيضا إنا نسلم ذلك
إلا أنا نقول : لم لا يجوز أن يقال : إنه تعالى الآمر بالشئ تارة يأمر لكون المأمور به
حسنا ، وتارة يأمر لاجل أن ذلك الامر يفعل لمصلحة ( 2 ) من المصالح ولو لم يكن المأمور
به حسنا ، ألا ترى أن السيد إذا أراد أن يروض عبده فإنه يقول له : إذا جاء يوم الجمعة
فافعل الفعل الفلاني ، ويكون ذلك الفعل من الافعال الشاقة ، ويكون مقصود السيد
من ذلك الامر ليس أن يأتي ذلك العبد بذلك الفعل بل أن يوطن العبد نفسه على
الانقياد والطاعة ، ثم إن السيد إذا علم منه أنه وطن نفسه على الطاعة فقد يزيل عنه
ذلك التكليف ، فكذا ههنا ، فلما لم تقيموا الدلالة على فساد هذا الاحتمال لم يتم كلامكم .
والله أعلم انتهى . ( 3 )
اقول : لا ريب في وقوع مثل ذلك الامر الذي رفع قبل وقت الامتثال ، وإنما الخلاف
في توجيهه ، فذهبت المعتزلة وأكثر المتكلمين من الامامية إلى أن رفع التكليف قبل
الامتثال قرينة دالة على أن الامر لم يكن على ظاهره ، بل كان المراد به أمرا آخر غير
ما كان متبادرا منه كما في قصة الذبح ، فإن رفع التكليف به قرينة على أن الامر إنما
كان متوجها إلى مقدمات الذبح ، وأما الآخرون فقالوا : إن الامر كان متوجها إلى
نفس الذبح لكنه كان مشروطا بعدم النسخ قبل الفعل ، فالفريقان متفقان في أنه قد
ظهر بعد ذلك أمر كان المتبادر قبل ذلك خلافه ، وأن ثمرة هذا التكليف ليس إلا العزم
وتوطين النفس على الفعل ، وإن الفداء كان لامر قد ظهر عدم تعلق التكليف به ، إما لنسخه
وكونه مشروطا بعدم النسخ ، أو لانكشاف أن الامر إنما كان متوجها إلى مقدمات
الفعل ، فإذا تأملت فيما ذكرناه يظهر لك أن الاشكالات الموردة في هذا المقام مشتركة
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : وهذا بناء . م
( 2 ) في المصدر : الامر يفيد صحة مصلحة اه . م
( 3 ) مفاتيح الغيب 7 : 151 - 152 . م ( * )
[140]
بين الفريقين ، وأن الخلاف في ذلك قليل الجدوى ، وتفصيل القول في ذلك يطلب من
مظانه .
الثالثة : قال البيضاوي في قوله تعالى : " فلما بلغ معه السعي " أي فلما وجد وبلغ
أن يسعى معه في أعماله ، و " معه " متعلق بمحذوف دل عليه " السعي " لا " به " لان صلة المصدر
لا يتقدمه ، ولا ببلغ فإن بلوغهما لم يكن معا انتهى ( 1 )
اقول : قد ظهر من بعض الاخبار السالفة أنه يحتمل أن يكون المراد بالسعي
النسك المعروف بين الصفا والمروة ، فلا يحتاج إلى ما تكلفه ، إذ يحتمل تعلقه ببلغ كما
لا يخفى .
( باب 7 )
* ( قصص لوط عليه السلام وقومه ) *
الايات ، الاعراف " 7 " ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد
من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون * وما
كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم اناس يتطهرون * فأنجيناه
وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة
المجرمين 80 - 84 .
هود " 11 " ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب *
وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن
أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد * قالوا لقد علمت مالنا
في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد * قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد *
* ( هامش ) * ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 134 وتمام كلامه هذا : كأنه قال : فلما بلغ السعى ، فقيل مع من ؟
فقيل : معه . وتخصيصه لان الاب أكمل في الرفق والاستصلاح له فلايستسعيه قبل أوانه ، أو لانه استوهبه
لذلك وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة انتهى . م ( * )
[141]
قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم
أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب * فلما
جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك
وماهي من الظالمين ببعيد 77 - 83 .
الحجر " 15 " ونبئهم عن ضيف إبراهيم * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم
وجلون * قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم * قال أبشر تموني على أن مسني الكبر
فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين * قال ومن يقنط من رحمة
ربه إلا الضالون * قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين *
إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجميعن * إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين * فلما جاء آل
لوط المرسلون * قال إنكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * و
آتيناك بالحق وإنا لصادقون * فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت
منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون * وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين *
وجاء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تحزون *
قالوا أو لم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين * لعمرك إنهم لفي
سكرتهم يعمهون * فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم
حجارة من سجيل * إن في ذلك لآيات للمتوسمين * وإنها لبسبيل مقيم * إن في ذلك
لآية للمؤمنين 51 - 77 .
الانبياء : " 21 " ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل
الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين * وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين 74 - 75 .
الشعراء " 26 " كذبت قوم لوط المرسلين * إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون *
إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على
رب العاملين * أتاتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم
بل أنتم قوم عادون * قالوا لئن لم تنته يالوط لتكونن من المخرجين * قال إني لعملكم
من القالين * رب نجني وأهلي مما يعملون * فنجيناه وأهله أجمعين * إلا عجوزا في
[142]
الغابرين * ثم دمرنا الآخرين * وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين * إن في ذلك
لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم 160 - 175 .
النمل " 27 " ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون * أئنكم لتأتون
الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون * فما كان جواب قومه إلا إن قالوا
أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم اناس يتطهرون . فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها
من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين 54 - 58 .
العنكبوت " 29 " ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد
من العالمين * أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما
كان جواب قومه إلا أن قالوا أئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين * قال رب انصرني
على القوم المفسدين * ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية
إن أهلها كانوا ظالمين . قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا
امرأته كانت من الغابرين * ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف
ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين * إنا منزلون على أهل
هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون * ولقد تركنا منها آية بينة لقوم
يعقلون 28 - 35 .
الصافات " 37 " وإن لوطا لمن المرسلين * إذ نجيناه وأهله أجميعن * إلا عجوزا
في الغابرين . ثم دمرنا الآخرين * وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا
تعقلون 133 - 138 .
الذاريات " 51 " قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا ارسلنا إلى قوم مجرمين *
لنرسل عليهم حجارة من طين * مسومة عند ربك للمسرفين * فأخرجنا من كان فيها من
المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين * وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب
الاليم 31 - 37 .
القمر " 54 " كذبت قوم لوط بالنذر * إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط
نجيناهم بسحر * نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر * ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا
[143]
بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد صبحهم بكرة
عذاب مستقر * فذوقوا عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر 33 - 40 .
التحريم " 66 " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت
عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهمامن الله شيئا وقيل ادخلا النار مع
الداخلين 10 .
تفسير : قال الطبرسي قدس الله روحه : " ولوطا " أى أرسلنا أو اذكر لوطا ، وهو
لوط بن هاران بن تارخ ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام ، ( 1 ) وقيل : إنه كان ابن خالة
إبراهيم ، ( 2 ) وكانت سارة امرأة إبراهيم أخت لوط ( 3 ) " أتأتون الفاحشة " أي السيئة
العظيمة القبح يعني إتيان الرجال في أدبارهم " ماسبقكم بها " قيل : ما نزى ذكر على ذكر
قبل قوم لوط ، قال الحسن : وكانوا يفعلون ذلك بالغرباء . ( 4 )
" شهوة " قال البيضاوي : مفعول له أومصدر في موقع الحال ، وفى التقييد بها وصفهم
بالبهيمية الصرفة ، وتنبيه على أن العاقل ينبغي أن يكون الداعي له إلى المباشرة طلب
الولد وبقاء النوع لاقضاء الوطر . ( 5 ) " مسرفون " قال الطبرسي : أي متجاوزون عن الحد في الظلم والفساد " يتطهرون "
أي يتحرجون عن أدبار الرجال ، أو يتنزهون عن أفعالكم وطرائقكم . ( 6 )
" وأهله " قال البيضاوي : أي من آمن به " من الغابرين " من الذين بقوا في ديارهم
* ( هامش ) * ( 1 ) وبه قال الثعلبي في العرائس والطبرى في تاريخه ، وقال اليعقوبى : وكان لوط ابن أخيه
خاران بن تارخ . وتقدم عن الطبرسى في باب قصص ولادة ابراهيم انه ابن أخته وكان ابراهيم خاله ،
وبه قال المسعودى في اثبات الوصية .
( 2 ) سيأتى ذلك في الخبر الاول وغيره .
( 3 ) قال اليعقوبى : كانت بنت خاران بن ناحور عم ابراهيم ، وبه قال الطبرى الا انه قال :
هاران الاكبر عم ابراهيم . وقال البغدادى في المحبر : هو سارة بنت لابن بن بتوبل بن ناحور .
( 4 ) مجمع البيان 4 : 444 . م
( 5 ) انوار التنزيل 1 : 168 . م
( 6 ) مجمع البيان 4 : 445 . م ( * )
[144]
فهلكوا " مطرا " أي نوعا من المطر عجيبا ، أي حجارة من سجيل ; قيل : خسف بالمقيمين
منهم وامطرت الحجارة على مسافريهم . ( 1 )
وقال الطبرسى رحمه الله : " سئ بهم " أى ساءه مجيئهم لانه خاف عليهم من قومه
" وضاق بهم ذرعا " أى ضاق بمجيئهم ذرعه ، أى قلبه ، لما رأى لهم من حسن الصورة وقد
دعوه إلى الضيافة ، وقومه كانوا يسارعون إلى أمثالهم بالفاحشة ; وقيل : ضاق بحفظهم من
قومه ذرعه حيث لم يجد سبيلا إلى حفظهم وقد أتوه في صورة الغلمان المرد ، وأصله أن
الشئ إذا ضاق ذرعه لم يتسع له مااتسع ، فاستعير ضيق الذرع عند تعذر الامكان " يوم
عصيب " أى شديد ، من عصبه : إذا شده " يهرعون إليه " أي يسرعون في المشي لطلب الفاحشة ;
وقيل : أي يساقون وليس هناك سائق غيرهم ، فكأن بعضهم يسوق بعضا " ومن قبل " أي
قبل إتيان الملائكة ، أو قبل مجئ قوم لوط إلى ضيفانه ، أو قبل بعثة لوط إليهم " كانوا
يعملون السيئات " أي الفواحش مع الذكور " ولا تخزون في ضيفي " أي لا تلزموني عارا و
فضيحة ولا تخجلوني بالهجوم على أضيافي " أليس منكم رجل رشيد " قد أصاب الرشد فيعمل
بالمعروف وينهى عن المنكر ، أو مرشد يرشد كم إلى الحق " لو أن لي بكم قوة " أي منعة
وقدرة وجماعة أتقوى بهم عليكم " أو آوي إلى ركن شديد " أي أنضم إلى عشيرة منيعة ;
قال قتادة : ذكر لنا أن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد لوط إلا في عز من عشيرته ومنعة من
قومه " ولا يلتفت منكم أحد " أي لا ينظر أحد منكم وراءه أو لا يلتفت أحد منكم إلى ماله
ولا متاعه بالمدينة ، أولا يتخلف أحد ، وقيل : أمرهم أن لا يلتفتوا إذا سمعوا الرجفة والهدة .
" إن امرأتك " قيل : إنها التفتت حين سمعت الرجفة وقالت : يا قوماه ، أفصابها حجر
فقتلتها ; وقيل : إلا امرأتك لا تسر بها " عند ربك " أي في علمه أوخزائنة التى لا
يتصرف فيها أحد إلا بأمره " وما هي من الظالمين ببعيد " أي وما تلك الحجارة من الظالمين
من أمتك يا محمد ببعيد ; وقيل : يعنى بذلك قوم لوط وذكر أن حجرا بقي معلقا بين
السماء والارض أربعين يوما يتوقع به من رجل من قوم لوط كان في الحرم حتى خرج منه
* ( هامش ) * ( 1 ) انوار التنزيل 1 : 168 . م ( * )
[145]
فأصابه ، قال قتادة : كانوا أربعة آلاف ألف . ( 1 )
" من القانطين " أي الآيسين ، فأجابهم إبراهيم عليه السلام بأن قال : " ومن يقنط " تنبيها
على أنه لم يكن كلامه من جهة القنوط " وأتيناك بالحق " أى بالعذاب المستيقن به " واتبع
أدبارهم " أي كن وراءهم لتكون عينا عليهم فلا يتخلف أحد منهم " وامضوا حيث تؤمرون "
أي اذهبوا إلى المواضع الذي أمركم الله بالذهاب إليه وهو الشام " وقضينا إليه ذلك الامر "
أي أعلمنا لوطا وأوحينا إليه ماينزل بهم من العذاب " يستبشرون " أي يبشر بعضهم بعضا
بأضياف لوط " أولم ننهك عن العالمين " أي أن تجير أحدا أو تضيف أحدا ; وهذا الكلام
الذي تقدم إنما كان من لوط لقومه قبل أن يعلم أنهم ملائكة وإنما ذكر مؤخرا " لعمرك "
أي وحياتك يامحمد " إنهم لفي سكرتهم يعمهون " أي في غفلتهم يتحيرون ويترد دون فلا
يبصرون طريق الرشد " فأخذتهم الصيحة مشرقين " أي أخذتهم الصوت الهائل في حال شروق
الشمس " إن في ذلك " أي فيما سبق ذكره من إهلاك قوم لوط " لآيات للمتوسمين " لدلالات
للمتفكرين المعتبرين . ( 2 )
" آتيناه حكما " أي نبوة أو الفصل بين الخصوم بالحق " التي كانت تعمل الخبائث "
فإنهم كانوا يأتون الذكران ويتضارطون في أنديتهم وغير ذلك من القبائح . ( 3 )
" قوم عادون " أي ظالمون متعدون الحلال إلى الحرام " من المخرجين " أي عن بلدنا " من
القالين " أي المبغضين " فساء مطر المنذرين " أي بئس مطر الكافرين مطرهم . ( 4 )
" وأنتم تبصرون " أي تعلمون أنها فاحشة أو يرى بعضكم ذلك من بعض " تجهلون "
أي تفعلون أفعال الجهال ، أو تجهلون القيامة وعاقبة العصيان . ( 5 )


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 145 سطر 19 الى ص 153 سطر 18

" وتقطعون السبيل " أي سبيل الولد باختياركم الرجال ، أو تقطعون الناس عن
عن الاسفار بإتيان هذه الفاحشة فإنهم كانوا يفعلونه بالمجتازين في ديارهم ، وكانوا يرمون
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 5 : 173 - 185 . م
( 2 ) مجمع البيان 6 : 340 - 343 . م
( 3 ) مجمع البيان 7 : 56 . م
( 4 ) مجمع البيان 7 : 200 - 201 . م
( 5 ) مجمع البيان 7 : 228 . م ( * )
[146]
ابن السبيل بالحجارة بالخذف ( 1 ) فأيهم أصابه كان أولى به ، ويأخذون ماله ، وينكحونه
ويغرمونه ثلاثة دراهم ، وكان لهم قاض يقضي بذلك ; أو كانوا يقطعون الطريق على الناس
بالسرقة " وتأتون في ناديكم المنكر " قيل : كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا
حياء ، عن ابن عباس ; وروي ذلك عن الرضا عليه السلام . وقيل : إنهم كانوا يأتون الرجال في
مجالسهم يرى بعضهم بعضا ; وقيل : كانت مجالسهم تشتمل على أنواع المناكير مثل الشتم و
السخف والصفع والقمار وضرب المخراق وخذف الاحجار على من مر بهم وضرب المعازف
والمزامير ، وكشف العورات واللواط " رجزا " أى عذابا " آية بينة " قيل : هي الحجارة
التي امطرت عليهم وقيل : هي آثار منازلهم الخربة ; وقيل : هي الماء الاسود على وجه
الارض . ( 2 )
" وإنكم لتمرون " أي في ذهابكم ومجيئكم إلى الشام ( 3 )
" غير بيت " أى أهل بيت " من المسلمين " يعنى لوطا وبنتيه . ( 4 )
" بالنذر " أي بالا نذار أو بالرسل " حاصبا " أي ريحا حصبتهم ، أي رمتهم بالحجارة
والحصباء ، قال ابن عباس : يريد ما حصبوا به من السماء من الحجارة في الريح " نعمة " أي
أنعاما مفعول له أو مصدر " ولقد أنذرهم " لوط " بطشتنا " أي أخذنا إياهم بالعذاب " فتماروا
بالنذر " أي تدافعوا بالا نذار على وجه الجدال بالباطل ; وقيل : أي فشكوا ولم يصدقوا
" ولقد راودوه عن ضيفه " أي طلبوا منه أن يسلم إليهم أضيافه " فطمسنا أعينهم " أي محونا ،
والمعنى : عميت أبصارهم " فذوقوا عذابي ونذر " أي فقلنا لقوم لوط ذوقوا عذابي ونذري " ولقد
صبحهم بكرة عذاب مستقر " أى أتاهم صباحا عذاب نازل بهم حتى هلكوا . ( 5 )
" فخانتاهما " قال ابن عباس : كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس : إنه مجنون ،
* ( هامش ) * ( 1 ) الخذف : الرمى من بين السبابتين ، أو بالمخذفة أى المقلاع .
- ( 2 ) مجمع البيان 8 : 280 - 282 . م
( 3 ) مجمع البيان 8 : 458 . م
( 4 ) مجمع البيان 9 : 158 . م
( 5 ) مجمع البيان 9 : 192 . م ( * )
[147]
وإذا آمن أحد بنوح أخبرت الجبابرة من قوم نوح به ، وكانت امرأة لوط تدل على أضياقه
فكان ذلك خيانتهما لهما ، ومابغت امرأة نبي قط ، وإنما كانت خيانتهما في الدين .
وقال السدي : كانت خيانتهما أنهما كانتا كافرتين ; وقيل : كانتا منافقتين ; وقال الضحاك :
خيانتهما النميمة إذا أوحى الله إليهما أفشتاه إلى المشركين ; وقيل : إن اسم امرأة نوح
واغلة ، ( 1 ) واسم امرأة لوط واهلة ; وقال مقاتل : والغة ووالهة . ( 2 )
1 - ع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام
ابن سالم ، عن أبي بصير قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعوذ من البخل ؟
فقال : نعم يا أبا محمد في كل صباح ومساء ، ونحن نتعوذ بالله من البخل ، الله يقول : " ومن
يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون " وساخيرك عن عاقبة البخل ، إن قوم لوط كانوا أهل
قرية أشحاء على الطعام ، فأعقبهم البخل داء لادواء له في فروجهم ، فقلت : وما أعقبهم ؟
فقال : إن قرية قوم لوط كانت على طريق السيارة إلى الشام ومصر ، فكانت السيارة تنزل
بهم فيضيفونهم ، فلما كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعا بخلا ولوما ، فدعاهم البخل إلى
أن كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم إلى ذلك ، وإنما كانوا يفعلون ذلك
بالضيف حتى ينكل النازل عنهم ، ( 3 ) فشاع أمرهم في القرى وحذر منهم النازلة فأورثهم
البخل بلاء لا يستطيعون دفعه عن أنفسهم من غير شهوة لهم إلى ذلك ، حتى صاروا يطلبونه
من الرجال في البلاد ويعطونهم عليه الجعل . ثم قال : فأي داء أدأى ( 4 ) من البخل ولا
أضر عاقبة ولا أفحش عند الله عزوجل ؟ قال أبوبصير : فقلت له : جعلت فداك فهل كان
أهل قرية لوط كلهم هكذا يعملون ؟ فقال : نعم إلا أهل بيت من المسلمين ( 5 ) أما تسمع
لقوله تعالى : " فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " ثم
قال أبوجعفر عليه السلام : إن لوطا لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله عزوجل ويحذرهم
* ( هامش ) * ( 1 ) في المحبر : اسمها واعلة - بالعين المهملة - .
( 2 ) مجمع البيان 10 : 319 . م
( 3 ) نكل عنه : نكص وأحجم عنه .
( 4 ) في نسخة : أعدى ، وفى اخرى : أدوى ، وفى المصدر : أوذى .
( 5 ) في نسخة : الا أهل بيت منهم من المسلمين . ( * )
[148]
عذابه ، وكانوا قوما لا يتنظفون من الغائط ، ولا يتطهرون من الجنابة ، وكان لوط ابن
خالة إبراهيم ، وكانت امرأة إبراهيم سارة أخت لوط ، وكان لوط وإبراهيم نبيين مرسلين
منذرين ، وكان لوط رجلا سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل به ، ويحذرهم قومه ، قال :
فلما رأى قوم لوط ذلك منه قالوا له : إنا ننهاك عن العالمين ، لا تقر ضيفا ينزل بك إن
فعلت فضحنا ضيفك الذي ينزل بك وأخزيناك ، فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم أمره
مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنه لم يكن للوط عشيرة ; قال : ولم يزل لوط وإبراهيم
يتوقعان نزول العذاب على قومه ، فكانت لابراهيم وللوط منزلة من الله عزوجل شريفة ،
وإن الله عزوجل كان إذا أراد عذاب قوم لوط أدركته مودة إبراهيم وخلته ومحبة لوط
فيراقبهم فيؤخر عذابهم . قال أبوجعفر عليه السلام : فلما اشتد أسف الله ( 1 ) على قوم لوط وقدر
عذابهم وقضى أن يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلى به مصابه بهلاك قوم
لوط فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسماعيل ، فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم وخاف
أن يكونوا سراقا ، فلما رأته الرسل فزعا مذعورا قالوا : سلاما ، قال : سلام إنا منكم
وجلون قالوا لا توجل إنا رسل ربك نبشرك ( 2 ) بغلام عليم .
قال أبوجعفر عليه السلام : والغلام العليم هو إسماعيل من هاجر ، فقال : إبراهيم للرسل :
أبشر تموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون ؟ قالوا : بشرناك بالحق فلا تكن من
القانطين ، فقال إبراهيم : فما خطبكم بعد البشارة ؟ قالوا : إنا ارسلنا إلى قوم مجرمين
قوم لوط إنهم كانوا قوما فاسقين ، لننذرهم عذاب رب العالمين .
قال أبوجعفر عليه السلام : فقال إبراهيم عليه السلام للرسل : إن فيها لوطا ! قالوا : نحن أعلم
بمن فيها لننجينه وأهله أجمعين ، إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين . ( 3 ) قال : " فلما
جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه "
* ( هامش ) * ( 1 ) أى غضب الله . أى فلما فعلوا القوم مايستحقون أى يغضب عليهم وينزل عليهم العذاب .
( 2 ) في المصدر : لا توجل انا نبشرك اه . م
( 3 ) جمع عليه السلام بين الايتين من المصحف الشريف : الاولى : " ان فيها لوطا " إلى قوله :
" وأهله " فهى الآية 32 من العنكبون ، والثانية : " أجميعن " إلى قوله : " الغابرين " فهى الاية
59 و 60 من الحجر . ( * )
[149]
قومك من عذاب الله " يمترون * وأتيناك بالحق " لننذر قومك العذاب " وإنا لصادقون " ( 1 ) " فأسر
بأهلك " يا لوط إذا مضى لك من يومك هذا سبعة أيام ولياليها " بقطع من الليل " إذا مضى
نصف الليل " ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم " " وامضوا " في تلك الليلة
" حيث تؤمرون " قال أبوجعفر عليه السلام : فقضوا ذلك الامر إلى لوط أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين
قال : قال أبوجعفر عليه السلام : فلما كان يوم الثامن مع طلوع الفجر قدم الله عزوجل
رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسحاق ويعزونه بهلاك قوم لوط ، وذلك قوله تعالى : " ولقد
جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ " يعني زكيا
مشويا نضيجا " فلما رأى " إبراهيم " أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا
لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فبشروها بإسحق ومن وراء إسحق
يعقوب فضحكت يعني فتعجبت من قولهم قالت يا ويلتئ ألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا
إن هذا لشئ عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه
حميد مجيد " قال أبوجعفر عليه السلام : فلما جاءت إبراهيم البشارة بإسحاق وذهب عنه
الروع أقبل يناجي ربه في قوم لوط ويسأله كشف البلاء عنهم فقال الله عزوجل : يا إبراهيم
أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر بك وإنهم آتيهم عذابي بعد طلوع الشمس من يومك
محتوما غير مردود . ( 2 )
شى : عن أبي بصير مثله . ( 3 )
بيان : هذا الخبر يدل على تعدد البشارة ، وأن الآيات الاول إشارة إلى الاولى
والثواني إلى الثانية ; ولم يذكره المفسرون ، ويؤيده ما ذكره سبحانه في سورة الصافات
حيث قال : " فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي " إلى أن قال : " وبشرناه بإسحق
نبيا من الصالحين " فظهر أن الغلام العليم الحليم المبشربه هو إسماعيل عليه السلام وهو الذبيح
* ( هامش ) * ( 1 ) إلى هنا من سورة الحجر ، وبعده إلى قوله : " ما أصابهم " من سورة هود ، وقوله :
" وامضوا حيث تؤمرون " هو ذيل الاية السابقة من سورة الحجر .
( 2 ) علل الشرائع : 183 - 184 . وفيه : من يوم محتوم وغير مردود . م
( 3 ) مخطوط . م ( * )
[150]
وبشر إبراهيم عليه السلام بعد ذلك بإسحاق ، ومر في باب الذبح قوله تعالى : " سلاما " أي نسلم
عليك سلاما أو سلمنا سلاما .
قوله : " أبشرتموني على أن مسني الكبر " تعجب من أن يولد له مع الكبر " فبم
تبشرون " أي فبأي اعجوبة تبشروني ، أو أبأمر الله أم من جهة أنفسكم ; وكان استعجابه عليه السلام
باعتبار العادة دون القدرة ; وقيل : كان غرضه أن يعلم أنه هل يولد له على تلك
الحال أويرد إلى الشباب . قوله : " فما خطبكم " أي فما شأنكم الذي ارسلتم لاجله
سوى البشارة . قوله تعالى : " لمن الغابرين " أي الباقين مع الكفرة لتهلك معهم . قوله :
" منكرون " أي ينكركم نفسي وينفر عنكم مخافة أن تطرقوني ؟ أو لا أعرفكم فعرفوني
أنفسكم . قوله : " بما كانوا فيه يمترون " أي بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه إذا وعدتهم
" فأسر بأهلك " أي فاذهب بهم الليل " بقطع من الليل " في طائفة من الليل ; وقيل : في آخره ،
وعلى الاول يحمل تفسيره عليه السلام أي المراد بقطع نصف الليل . وقوله : " إلا امرأتك " ليس
في خلال تلك الآيات ، ( 1 ) وإنما ذكره عليه السلام لبيان أنه كان المراد بالاهل غيرها ، أو
أنها هلكت في حال الخروج حيث التفتت فأصابها العذاب كما روي . قوله : " إن دابر هؤلاء "
أي آخر من يبقى منهم يهلك وقت الصبح ، أي إنهم مستأصلون بالعذاب وقت الصباح على
وجه لايبقى منهم أثر ولا نسل ولا عقب .
وقال الفيروز آبادي : حنذ الشاة يحنذها حنذا وتحناذا : شواها ، وجعل فوقها
حجارة محماة لينضجها فهي حنيذ ، أو هو الحال ( 2 ) الذي يقطر ماؤه انتهى .
والايجاس : الادراك أو الاضمار . اختلف في سبب الخوف فقيل : إنه لما رآهم شبانا
أقوياء وكان ينزل طرفا من البلد وكانوا يمتنعون من تناول طعامه لم يأمن أن يكون ذلك
لبلاء ، وذلك أن أهل ذلك الزمان إذا أكل بعضهم طعام بعض أمنه صاحب الطعام على
نفسه وماله ، ولهذا يقال : تحرم فلان بطعامنا ، أي أثبتت الحرمة بيننا بأكله الطعام ; و
قيل : إنه ظنهم لصوصا يريدون به سوءا ; وقيل إنه ظن أنهم ليسوا من البشر جاؤوا
لامر عظيم ; وقيل : علم أنهم ملائكة فخاف أن يكون قومه المقصودين بالعذاب حتى
* ( هامش ) * ( 1 ) راجع ما قدمنا ذيل الايات .
( 2 ) كذا في النسخ ، وفى القاموس أو هو الحار الذى اه . م ( * )
[151]
قالوا له : لا تخف يا إبراهيم إنا ارسلنا إلى قوم لوط بالعذاب لا إلى قومك ; وقيل : إنهم
دعوا الله فأحيى العجل الذي كان ذبحه إبراهيم عليه السلام وشواه ، فطفر ورغا ( 1 ) فعلم حينئذ
أنهم رسل الله .
2 - ل ، ع ، ن : سأل الشامي أميرالمؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى : " يوم يفر المرء من
أخيه وامه وأبيه وصاحبته وبنيه " من هم ؟ فقال عليه السلام : قابيل يفر من هابيل عليه السلام ، و
الذي يفر من امه موسى عليه السلام ، والذي يفر من أبيه إبراهيم عليه السلام ، ( 2 ) والذي يفر من
صاحبته لوط عليه السلام . والذي يفر من ابنه نوح عليه السلام يفر من ابنه كنعان . ( 3 )
3 - ل : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن معروف ، عن أبي جميلة ، عن سعد بن
طريف ، عن الاصبغ قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : ستة في هذه الامة من أخلاق قوم لوط ;
الجلاهق وهو البندق ، والخذف ، ومضغ العلك ، ( 4 ) وإرخاء الازار خيلاء ، وحل الازرار
من القباء والقميص . ( 5 )
4 - ع ، ن : سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عمن خلق الله من الانبياء مختونا ،
فقال خلق الله آدم مختونا ، وولد شيث مختونا ، وإدريس ونوح وسام بن نوح وإبراهيم وداود
وسليمان ولوط وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليه وعليهم . وسأله عليه السلام عن
يوم الاربعاء والتطير منه ، فقال عليه السلام : آخر أربعاء من الشهر إلى أن قال : ويوم الاربعاء
جعل الله عزوجل أرض قوم لوط عاليها سافلها ، ويوم الاربعاء أمطر عليهم حجارة من
سجيل . ( 6 )
* ( هامش ) * ( 1 ) طفر أى وثب في ارتفاع كما يطفر الانسان على الحائط . رغا : صوت وضج .
( 2 ) في العيون هنا زيادة وهى هذه : يعنى الاب المربى لا الوالد .
( 3 ) الخصال ج 1 : 154 ، علل الشرائع : 198 العيون ص 136 ، وقد تقدم الحديث بتمامه في كتاب
الاحتجاجات راجع ج 10 ص 75 - 82 .
( 4 ) العلك كل صمغ يعلك أى يمضغ ، ولعل المراد مضعه في النادى وفى المعابر والاسواق
والخذف : أن تصع الحصاة على بطن بهامك وتدفعها بظفر السبابة .
والجلاهق : جسم صغيرة كروى من طين أو رصاص يرمى به ، والكلمة فارسية . والازرار جمع
الزر وهو ما يجعل في العروة .
( 5 ) الخصال ج 1 : 160 - 161 . م
( 6 ) علل الشرايع : 199 العيون : 134 ، وقد تقدم الحديث بتمامه في ج 10 ص 81 - 82
راجعه . ( * )
[152]
5 - فس في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : وأما القرية التي
امطرت مطر السوء فهي سدوم ( 1 ) قرية قوم لوط ، أمطر الله عليهم حجارة من سجيل يقول :
من طين . ( 2 )
6 - فس : " فآمن له لوط " أي لابراهيم عليه السلام . قوله : " وتأتون في ناديكم المنكر "
قال : هم قوم لوط يضرط ( 3 ) بعضهم على بعض " فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا " هم قوم
لوط . ( 4 )
7 - ع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن مالك
ابن عطية ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله سأل جبرئيل كيف كان
مهلك قوم لوط ؟ فقال : إن قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظفون من الغائط ، ولا يتطهرون
من الجنابة ، بخلاء أشحاء على الطعام ، وإن لوطا لبث فيهم ثلاثين سنة ، وإنما كان نازلا
عليهم ولم يكن منهم ولا عشيرة له فيهم ولا قوم ، وإنه دعاهم إلى الله عزوجل وإلى الايمان
واتباعه ، ونهاهم عن الفواحش ، وحثهم على طاعة الله فلم يجيبوه ولم يطيعوه ، وإن الله
عزوجل لما أراد عذابهم بعث إليهم رسلا منذرين عذرا نذرا ، فلما عتوا عن أمره بعث
إليهم ملائكة ليخرجوا من كان في قريتهم من المؤمنين ، فما وجدوا فيها غير بيت من المسلمين
فأخرجوهم منها ; وقالوا للوط : أسر بأهلك من هذه القرية الليلة بقطع من الليل ولا
يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون ، فلما انتصف الليل سار لوط ببناته وتولت امرأته
مذبرة فانقطعت إلى قومها تسعى بلوط وتخبرهم أن لوطا قد سار ببناته . وإني نوديت
من تلقاء العرش لما طلع الفجر : يا جبرئيل حق القول من الله بحتم عذاب ( 5 ) قوم لوط
* ( هامش ) * ( 1 ) ضبطه الجوهرى وغيره بالدال ، وقال الفيروز آبادي : الصواب أنه بالذال . وقال
البغدادى في المحبر ص 467 : ومدائن قوم لوط : سدوم ، وصبوايم ، ودادوما ، وعامورا . ويقال
صيورا . وقيل : انه اسم القاضى كان بها لا اسم البلد ، والخبر الاتى يؤيده .
( 2 ) تفسير القمى : 466 . م
( 3 ) في المصدر : كان يضرط اه . م
( 4 ) تفسير القمى : 496 وفيه : وهم قوم لوط . م
( 5 ) في المصدر : وتحتم بعذاب ، وفى نسخة : ونحتم عذاب قوم لوط . م ( * )
[153]
فاهبط إلى قرية قوم لوط وما حوت فاقلعها من تحت سبع أرضين ثم اعرج بها إلى السماء
فأوقفها حتى يأتيك أمر الجبار في قلبها ، ودع منها آية بينة من منزل لوط عبرة للسيارة
فهبطت على اهل القرية الظالمين فضربت بجناحي الايمن على ماحوى عليه شرقيها ، و
ضربت بجناحي الايسر على ماحوى عليه غربيها فاقتلعتها يامحمد من تحت سبع أرضين إلا
منزل آل لوط ( 1 ) آية للسيارة ، ثم عرجت بها في جوافي ( 2 ) جناحي حتى أوقفتها حيث
يسمع أهل السماء زقاء ديوكها ونباح كلابها ، فلما طلعت الشمس نوديت من تلقاء العرش :
يا جبرئيل اقلب القرية على القوم ، فقلبتها عليهم حتى صار أسفلها أعلاها ، وأمطر الله عليهم
حجارة من سجيل مسومة عند ربك ، وماهي يا محمد عن الظالمين من امتك ببعيد .
قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل وأين كانت قريتهم من البلاد ؟ فقال جبرئيل :
كان موضع قريتهم في موضع بحيرة طبرية اليوم وهي في نواحي الشام ، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله :
أرأيتك حين قلبتها عليهم في أي موضع من الارضين وقعت القرية وأهلها ؟ فقال : يامحمد وقعت
فيما بين بحر الشام إلى مصر فصارت تلو لا في البحر . ( 3 )
شى : عن أبي حمزة مثله . ( 4 )
بيان : الجوافي جمع الجوفاء أي الواسعة ، أوالجافية من الجفو بمعنى البعد ومنه
التجافي ، ويحتمل أن يكون في الاصل أجواف فصحف ، والاظهر الخوافي بالخاء المعجمة ( 5 )
قال في القاموس : قال الاصمعي : الخوافي مادون الريشات العشر من مقدم الجناح ، وقال :
قوادم الطير مقاديم ريشه وهي عشر في كل جناح انتهى . والزقاء : الصياح .
8 - فس : قوله : " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى " إلى قوله " بعجل حنيذ "


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 153 سطر 19 الى ص 161 سطر 18

أي مشوي نضيج ، فإنه لما ألقى نمرود إبراهيم عليه السلام في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما بقي
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : منزل لوط . م
( 2 ) في المصدر : خوافى . م
( 3 ) علل الشرائع : 184 . م
( 4 ) مخطوط م
( 5 ) وقد عرفت أن في المصدر أيضا كذلك . ( * )
[154]
إبراهيم مع نمرود وخاف نمرود من إبراهيم فقال : يا إبراهيم اخرج عن بلادي ولا تساكني فيها ،
وكان إبراهيم عليه السلام قد تزوج بسارة وهى بنت خاله ( 1 ) وقد كانت آمنت به وآمن به لوط وكان غلاما ،
وقد كان إبراهيم عليه السلام عنده غنيمات ( 2 ) كان معاشه منها ، فحرج إبراهيم عليه السلام من بلاد نمرود
ومعه سارة في صندوق ، وذلك أنه كان شديد الغيرة ، فلما أراد أن يخرج ( 3 ) من بلاد نمرود
منعوه وأرادوا أن يأخذوا منه غنيماته وقالوا له : هذا كسبته في سلطان الملك وبلاده وأنت
مخالف له ، فقال لهم إبراهيم : بيني وبينكم قاضي الملك سندوم ( 4 ) فصاروا إليه فقالوا :
إن هذا مخالف لدين الملك ، وما معه كسبه في بلاد الملك ، ولا ندعه يخرج معه شيئا ، فقال
سندوم : صدقوا خل عما في يديك ، ( 5 ) فقال إبراهيم له : إنك إن لم تقض بالحق مت
الساعة ، قال : وما الحق ؟ قال : قل لهم : يردوا علي عمري الذي أفنيته في كسب مامعي حتى
أرد عليهم ، فقال سندوم : يجب أن تردوا عمره ، فخلوا عنه وعما كان في يده ، فخرج
إبراهيم عليه السلام وكتب نمرود في الدنيا أن لا تدعوه يسكن العمران ، فمر ببعض عمال
نمرود - وكان كل من مر به يأخذ عشر ما معه - وكانت سارة مع إبراهيم في الصندوق ، فأخذ
عشر ما كان مع إبراهيم عليه السلام ، ثم جاء إلى الصندوق فقال له : لابد من أن أفتح ، فقال
إبراهيم : عده ماشئت وخذ عشره ، فقال : لا بد من فتحه ، ففتحه فلما نظر إلى سارة تعجب
من جمالها ، فقال لابراهيم : ماهذه المرأة التي هي معك ؟ قال : هي اختي - وإنما عنى
اخته في الدين - قال له العاشر : لست أدعك تبرح حتى اعلم الملك بحالها وحالك ،
فبعث رسولا إلى الملك فأعرضها فحملت إليه فهم بها ( 6 ) ومد يده إليها فقالت له : أعوذ
بالله منك ، فجفت يده والتصقت بصدره وأصابته من ذلك شدة ، فقال : ياسارة ( 7 ) ما هذا
* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الكتاب : بنت خالته ظ .
( 2 ) في نسخة : وقد كان إبراهيم عليه السلام قد كسب عنده غنيمات .
( 3 ) في المصدر : اراد الخروج . م
( 4 ) هكذا في النسخ وفى المصدر : سدوم في المواضع . وهو الصحيح .
( 5 ) في نسخة : خ ما في يديك .
( 6 ) في نسخة : فأمر أجناده فحملوها اليه فلما نظر اليها فهم بها .
( 7 ) في نسخة : فقال لسارة . ( * )
[155]
الذي أصابني منك ؟ فقالت : لما هممت به ( 1 ) فقال : قد هممت لك بالخير ، فادعي الله أن
يردني إلى ماكنت ، فقالت : اللهم إن كان صادقا فرده كما كان ، فرجع إلى ما كان ، و
كانت على رأسه جارية فقال : يا سارة خذي هذه الجارية تخدمك وهي هاجر ام إسماعيل
عليه السلام .
فحمل إبراهيم سارة وهاجر فنزلوا البادية على ممر طريق اليمن ( 2 ) والشام وجميع
الدنيا ، فكان يمر به الناس فيدعوهم إلى الاسلام وقد كان شاع خبره في الدنيا أن الملك
ألقاه في النار فلم يحترق ، وكانوا يقولون له : لا تخالف دين الملك فإن الملك يقتل من
خالفه ، ( 3 ) وكان إبراهيم كل من مر به يضيفه ، وكان على سبعة فراسخ منه بلاد عامرة ( 4 )
كثير الشجر والنبات والخير ( 5 ) وكان الطريق عليها ، وكان كل من يمر بتلك البلاد
يتناول من ثمارهم وزروعهم فجزعوا من ذلك فجاءهم إبليس في صورة شيخ فقال لهم :
أدلكم على ما إن فعلتموه لم يمر بكم أحد ؟ فقالوا : ما هو ؟ فقال : من مر بكم فانكحوه
في دبره واسلبوه ثيابه ، ثم تصور لهم إبليس في صورة أمرد أحسن ما يكون من الشباب ( 6 )
فجاءهم فوثبوا عليه ففجروا به كما أمرهم فاستطابوه فكانوا يفعلونه بالرجال ، فاستغنى
الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، فشكا الناس ذلك إلى إبراهيم عليه السلام فبعث إليهم لوطا
يحذرهم وينذرهم ، فلما نظروا إلى لوط قالوا : من أنت ؟ قال : أنا ابن خال إبراهيم الذي
ألقاه الملك في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما وهو بالقرب منكم فاتقوا الله
ولا تفعلوا هذا فإن الله يهلككم فلم يجسروا عليه وخافوه وكفوا عنه ، وكان لوط كلما
مربه رجل يريدونه ( 7 ) بسوء خلصه من أيديهم ، وتزوج لوط فيهم وولد له بنات ، فلما
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : بما هممت به . م
( 2 ) في نسخة : على ممر الطريق إلى اليمن . م
( 3 ) في نسخة : من يخالفه .
( 4 ) في نسخة : " وفى المصدر : من البلاد العامرة .
( 5 ) في المصدر : الخبز . م
( 6 ) في نسخة : في صورة امرد حسن الوجه اه .
( 7 ) في المصدر : يريده . م ( * )
[156]
طال ذلك على لوط ولم يقبلوا منه قالوا له : " لئن لم تنته يا لوط لتكونن المرجومين ( 1 ) "
أي لنرجمنك ولنخرجنك ، فدعا عليهم لوط فبينا إبراهيم قاعد في موضعه الذي ( 2 ) كان فيه
وقد كان أضاف قوما وخرجوا ولم يكن عنده شئ فنظر إلى أربعة نفر قد وقفوا عليه لا يشبهون
الناس ، فقالوا سلاما ، فقال إبراهيم : سلام ، فجاء إبراهيم عليه السلام إلى سارة فقال لها :
قد جاءني أضياف لا يشبهون الناس ، فقالت : ما عندنا إلا هذا العجل فذبحه وشواه وحمله
إليهم وذلك قول الله عزوجل : " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام
فما لبث أن جاء بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم
خيفة " .
وجاءت سارة في جماعة معها فقالت لهم : ما لكم تمتنعون من طعام خليل الله ؟ " فقالوا "
لابراهيم " لا توجل " ( 3 ) أي لا تخف " إنا ارسلنا إلى قوم لوط " ففزعت سارة وضحكت أي حاضت
وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل فقال الله عزوجل : " فبشرناها بإسحق ومن وراء
إسحق يعقوب " فوضعت يدها على وجهها " فقالت يا ويلتئ ألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا
إن هذا لشئ عجيب " فقال لها جبرئيل : " أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل
البيت إنه حميد مجيد * فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى " بإسحاق أقبل
يجادل كما قال الله : " يجادلنا في قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب " فقال إبراهيم
لجبرئيل : بماذا أرسلت ؟ قال : بهلاك قوم لوط ، فقال إبراهيم : إن فيها لوطا ! قال
جبرئيل : نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا أمرأته كانت من الغابرين ، قال إبراهيم :
يا جبرئيل إن كان في المدينة مائة رجل من المؤمنين يهلكهم الله ؟ ( 4 ) قال : لا ، قال : فإن كان
فيهم خمسين ؟ قال : لا ، قال : فإن كان فيهم عشرة ؟ قال : لا ، قال : وإن كان فيهم واحد ؟
* ( هامش ) * ( 1 ) الصحيح كما في المصدر : من المخرجين .
( 2 ) في نسخة : فبينما ابراهيم قاعد في الموضع الذى .
( 3 ) الموجود في المصحف الشريف في تلك الاية : " لا تخف " نعم في سورة الحجر : " لا توجل "
وقد جمع رحمه الله كثيرا بين آيات قصة لوط عليه السلام .
( 4 ) في نسخة : تهلكهم ؟ . ( * )
[157]
قال : لا ، وهو قوله : " فما وجدنافيها غير بيت من المسلمين " .
فقال إبراهيم : يا جبرئيل راجع ربك فيهم ، فأوحى الله كلمح البصر : " يا إبراهيم
أعرض عن هذا إنه قدجاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود " فخرجوا من عند
إبراهيم عليه السلام فوقفوا على لوط في ذلك الوقت وهو يسقي زرعه فقال لهم لوط : من أنتم ؟
قالوا : نحن أبناء السبيل أضفنا الليلة ، فقال لهم : ياقوم إن أهل هذه القرية قوم سوء
- لعنهم الله وأهلكهم - ينكحون الرجال وبأخذون الاموال ، فقالوا : فقد أبطأنا فأضفنا ، فجاء
لوط إلى أهله - وكانت منهم - فقال لها : إنه قد أتاني أضياف في هذه الليلة فاكتمي عليهم حتى
أعفو عنك إلى هذا الوقت ، قالت : أفعل ، وكانت العلامة بينها وبين قومها إذا كان عند لوط
أضياف بالنهار تدخن فوق السطح وإذا كان بالليل توقد النار ، فلما دخل جبرئيل والملائكة
معه بيت لوط عليه السلام وثبت امرأته على السطح فأوقدت نارا فعلموا أهل القرية ( 1 ) وأقبلوا
إليه من كل ناحية كما حكى الله عزوجل : " وجاءه قومه يهرعون إليه " أي يسرعون و
يعدون ، فلما صاروا إلى باب البيت ( 2 ) قالوا : " يالوط أولم ننهك عن العالمين " فقال لهم
كما حكى الله : " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقول الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم
رجل رشيد " .
وحدثني أبي ، عن محمد بن عمرو رحمه الله ( 3 ) في قول لوط : " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم "
قال : عنى به أزواجهم ، وذلك أن النبي ( 4 ) هو أبوامته فدعاهم إلى الحلال ولم يكن
يدعوهم إلى الحرام ، فقال : أزواجكم هن أطهر لكم " قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق
وإنك لتعلم ما نريد " فقال لوط لما آيس : " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن
شديد " .
أخبرني الحسن بن علي بن مهزيار ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما بعث الله نبيا بعد لوط إلا في عز من قومه .
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : أهل المدينة .
( 2 ) في نسخة : إلى بيت لوط .
( 3 ) في نسخة : وحدثنى أبى ، عن محمد بن هارون .
( 4 ) في نسخه : وذلك أن كل نبى . ( * )
[158]
وحدثني محمد بن جعفر ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ،
عن عبدالله بن القاسم ، عن صالح ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال في قوله : " لو أن لي بكم قوة "
قال : القوة القائم عليه السلام ، ( 1 ) والركن الشديد ثلاث مائة وثلاثة عشر .
قال علي بن إبراهيم : فقال جبرئيل : ( 2 ) لوعلم ماله من القوة ; فقال : ( 3 ) من أنتم ؟
قال جبرئيل : أنا جبرئيل ، فقال لوط : بماذا أمرت ؟ قال : بهلاكهم ، قال : الساعة ( 4 )
فقال جبرئيل : " إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب " فكسروا الباب ( 5 ) ودخلوا البيت
فضرب جبرئيل بجناحه ( 6 ) على وجوههم فطمسها وهو قول الله عزوجل : " ولقد راودوه
عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر " فلما رأوا ذلك علموا أنه قد أتاهم العذاب
فقال جبرئيل للوط : " أسر بأهلك بقطع من الليل " واخرج من بينهم أنت وولدك " ولا يلتفت
منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم " وكان في قوم لوط رجل عالم فقال لهم : ياقوم
قد جاءكم العذاب الذي كان يعدكم لوط فاحرسوه ولا تدعوه يخرج من بينكم فإنه مادام
فيكم لا يأتيكم العذاب ، فاجتمعوا حول داره يحرسونه ، فقال جبرئيل : يالوط اخرج من
بينهم ، فقال : كيف أخرج وقد اجتمعوا حول داري ؟ فوضع بين يديه عمودا من نور فقال له :
اتبع هذا العمود لا يلتفت منكم أحد ، فخرجوا من القرية من تحت الارض ، فالتفتت امرأته
فأرسل الله عليها صخرة فقتلها ، فلما طلع الفجر سارت الملائكة الاربعة كل واحد في طرف من
قريتهم فقلعوها من سبع أرضين إلى تخوم الارض ثم رفعوها في الهواء حتى سمع أهل السماء
نباح الكلاب وصراخ الديك ، ( 7 ) ثم قلبوها عليهم ، وأمطرهم الله حجارة من سجيل
منضود مسومة عند ربك وماهي من الظالمين ببعيد .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : في قوله : " قوة " قال : القائم عليه السلام . م
( 2 ) في نسخة : فقال جبرئيل للملائكة معه .
( 3 ) في نسخة : فقال لوط اه .
( 4 ) في نسخة : فسأله الساعة . وفى المصدر : بماذا جئت تريد ؟ قال : هلاكهم فسأله الساعة اه .
( 5 ) في نسخة : قال : فكسروا الباب .
( 6 ) في نسخة : بجناحيه .
( 7 ) في نسخة : وصراخ الديكة ( * )
[159]
قوله : " منضود " يعني بعضها على بعض منضدة . وقوله : " مسومة " أي منقوطة . ( 1 )
بيان : قوله عليه السلام : ( فأعرضها ) أي أظهرها لملكه وعرض أمرها عليه ، قال في القاموس :
أعرض الشئ له : أظهره له .
قوله عليه السلام : ( وكانوا يقولون له ) الظاهر أنه من تتمة الخبر الشائع في الناس ، ( 2 )
أي كان قد شاع أنهم نهوه عن ذلك وتوعده بالقتل فلم ينته عما كان عليه حتى القي في
النار فلم يحترق .
قال الشيخ طبرسي رحمه الله " وأمطرنا عليها حجارة " أي وأمطرنا على القرية
أي على الفاسقين من أهلها حجارة ، عن الجبائي ; وقيل : امطرت الحجارة على تلك القرية
حين رفعها جبرئيل عليه السلام وقيل : إنما امطر عليهم الحجاره بعد أن قلبت قريتهم تغليظا
للعقوبة " من سجيل " أي ( سنك وكل ) عن ابن عباس وسعيد بن جبير ، بين بذلك صلابتها
ومباينتها للبرد وأنها ليس من جنس ماجرت به عادتهم في سقوط البرد من الغيوم ; وقيل :
إن السجيل : الطين عن قتادة وعكرمة ويؤيده قوله تعالى : " لنرسل عليهم حجارة من
طين " ( 3 ) وروي عن عكرمة أيضا أنه بحر معلق في الهواء بين الارض والسماء منه انزلت
الحجارة ، وقال الضحاك : هو الآجر ، وقال الفراء : هو طين قد طبخ حتى صار بمنزلة
الارحاء ، ( 4 ) وقال : كان أصل الحجارة طينا فشددت ، عن الحسن ; وقيل : إن السجيل :
السماء الدنيا عن ابن زبد ، فكانت تلك الحجارة منزلة من السماء الدنيا . ( 5 )
وقال البيضاوي : أي من طين متحجر ; وقيل : إنه من أسجله : إذا أرسله ، أومن
السجل ، أي ما كتب الله أن يعذبهم به ; وقيل : أصله من سجين ، أي من جهنم ، فأبدلت
نونه لاما " منضود " نضدا : معدا لعذابهم ، أونضد في الارسال يتتابع بعضه بعضا كقطار
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى : 308 - 313 . م
( 2 ) أو أن المارين كانوا يقولون له عند دعائهم إلى الاسلام ورفض الاصنام وترك اتباع السلطان :
لا تخالف دين الملك فان الملك يقتل من يخالفه
( 3 ) الذاريات : 33 .
( 4 ) جمع الرحى : الطاحون .
( 5 ) مجمع البيان : 5 : 185 . م ( * )
[160]
الامطار ، أونضد بعضه على بعض وألصق به " مسومة " معلمة للعذاب ; وقيل : معلمة ببياض
وحمرة ، أوبسيماء يتميز به عن حجارة الارض ، أوباسم من يرمى به . ( 1 )
9 - فس : أبي ، عن سليمان الديلمي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله :
" وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة " قال : ما من عبد يخرج من الدنيا يستحل
عمل قوم لوط إلا رمى الله كبده من تلك الحجارة ( 2 ) يكون منيته فيها ، ولكن الخلق لا
يرونه . ( 3 )
10 - شى : عن ميمون اللبان مثله . ( 4 )
11 - فس : " وقضينا إليه ذلك الامر " أي أعلمناه " أن دابر هولاء " يعني قوم لوط
" لعمرك " أي وحياتك يامحمد ، فهذه فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وآله على الانبياء . ( 5 )
12 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن أبان ، عن أبي بصير و
غيره ، عن أحدهما قال : إن الملائكة لما جاءت في هلاك قوم لوط قالوا : " إنا مهلكوا أهل هذه
القرية " قالت سارة - وعجبت من قلتهم وكثرة أهل القرية - فقالت : ومن يطيق قوم لوط ؟
فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فصكت وجهها وقالت : عجوز عقيم ! وهي يومئذ
ابنة تسعين سنة ، وإبراهيم يومئذ ابن عشرين ومائة سنة ، فجادل إبراهيم عنهم وقال : إن فيها
لوطا ، قال جبرئيل : نحن أعلم بمن فيها ، فزاده إبراهيم ( 6 ) فقال جبرئيل : يا إبراهيم
أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود . قال : وإن جبرئيل
لما أتى لوطا في هلاك قومه فدخلوا عليه وجاؤوا قومه ( 7 ) يهرعون إليه قام فوضع يده
على الباب ثم ناشدهم فقال : اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي قالوا أولم ننهك عن العالمين ؟
* ( هامش ) * ( 1 ) انوار التنزيل 1 : 223 . م
( 2 ) في نسخة : الا رماه الله بحجر من تلك الحجارة يكون منيته فيها .
( 3 ) تفسير القمى : 313 . م
( 4 ) مخطوط . والصحيح : ميمون البان .
( 5 ) تفسير القمى : 352 - 353 . م
( 6 ) لعل الصحيح : فراده ، من راده في الكلام أى راجعه اياه .
( 7 ) الصحيح كما في المصدر والمصحف الشريف : " وجاء قومه " . ( * )
[161]
ثم عرض عليهم بناته نكاحا قالوا : مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ، قال : فما
منكم رجل رشيد ؟ قال : فأبوا فقال : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ، قال :
وجبرئيل ينظر إليهم قال : لو يعلم أي قوة له ، ثم دعاه فأتاه ففتحوا الباب ودخلوا فأشار
إليهم جبرئيل بيده فرجعوا عميانا يلتمسون الجدار بأيديهم ، يعاهدون الله لئن أصبحنا لا
نستبقي أحدا من آل لوط ، قال : لما قال جبرئيل : " إنا رسل ربك " قال له لوط : يا
جبرئيل عجل ، قال : نعم ، قال : يا جبرئيل عجل ، قال : " إن موعدهم الصبح أليس الصبح
بقريب " ثم قال جبرئيل : يالوط اخرج منها أنت وولدك حتى تبلغ موضع كذا وكذا ،
قال : يا جبرئيل إن حمري ضعاف ، قال : ارتحل فاخرج منها ، فارتحل حتى إذا كان السحر
نزل إليها جبرئيل فأدخل جناحه تحتها حتى إذا استعلت قلبها عليهم ، ورمى جدران
المدينة بحجارة من سجيل ، وسمعت امرأة لوط الهدة فهلكت منها . ( 1 )
شى : عن أبي بصير مثله . ( 2 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : اختلف في ذلك يعني عرض البنات فقيل : أراد بناته
لصلبه ، عن قتادة ; وقيل : أراد النساء من أمته لانهن كالبنات له فإن كل نبي أو امته
وأزواجه أمهاتهم ، عن مجاهد وسعيد بن جبير . واختلف أيضا في كيفية عرضهن فقيل
بالتزويج ، وكان يجوز في شرعه تزويج المؤمنة من الكافر ، وكذا كان يجوز أيضا في مبتدء
الاسلام وقد زوج النبي صلى الله عليه وآله بنته من أبي العاص بن الربيع قبل أن يسلم ثم نسخ ذلك ; وقيل :
أراد التزويج بشرط الايمان ، عن الزجاج ، وكانوا يخطبون بناته فلا يزوجهن منهم لكفرهم ;
وقيل : إنه كان لهم سيدان مطاعان فيهم فأراد أن يزوجهما بنتيه : زعوراء وريثاء . ( 3 )


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 161 سطر 19 الى ص 169 سطر 18

13 - ع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن محمد بن الحسين ، عين البزنطي ، عن
أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما السلام في قول لوط : " إنكم لتأتون الفاحشة
ما سبقكم بها من أحد من العالمين " فقال : إن إبليس أتاهم في صورة حسنة ( 4 ) فيه تأنيث
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 184 - 185 . م
( 2 ) مخطوط . م
( 3 ) مجمع البيان 5 : 184 . م
( 4 ) في نسخة : في صورة شاب حسن . ( * )
[162]
عليه ثياب حسنة ، فجاء إلى شباب منهم فأمرهم أن يقعوا به ، ولو طلب إليهم أن يقع
بهم لابوا عليه ولكن طلب إليهم أن يقعوا به ، فلما وقعوا به التذوه ، ثم ذهب عنهم و
تركهم فأحال بعضهم على بعض . ( 1 )
ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال
عن عمر الجرجاني ، عن أبان ، عن أبي بصير مثله . ( 2 )
كا : علي ، عن أبيه ، عن البزنطي مثله . ( 3 )
14 - ع : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن موسى بن جعفر البغدادي ،
عن علي بن معبد ، عن الدهقان ، عن درست ، عن عطية ، ( 4 ) عن أبى عبدالله عليه السلام قال
في المنكوح من الرجال : هم بقية سدوم ، أما إني لست أعني بقيتهم أنهم ولده ( 5 ) ولكن
من طينتهم ، قلت : سدوم الذي قلبت عليهم ؟ قال : هي أربعة مدائن : سدوم ، وصديم ،
ولدنا ( 6 ) وعميراء ، قال : فأتاهم جبرئيل عليه السلام وهن مقلوبات ( 7 ) إلى تخوم الارضين
السابعة ، فوضع جناحه تحت السفلى منهن ورفعهن جميعا حتى سمع أهل السماء الدنيا
نباح كلابهم ثم قلبها . ( 8 )
كا : علي ، عن أبيه ، عن علي بن معبد مثله . ( 9 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : قيل : كانت أربع مدائن وهي المؤتفكات : سدوم ، و
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 183 . م
( 2 ) مخطوط . م
( 3 ) فروع الكافى 2 : 70 - 71 . م
( 4 ) في المصدر : عطية اخى ابى المعزا . م
( 5 ) في نسخة : انه ولدهم .
( 6 ) في نسخة : صيدم ولدما ، وفى الكافى : صريم ولدما .
( 7 ) في نسخة : مقلوعات . قال المصنف قدس سره في حاشيته على العلل : كذا في بعض نسخ
الكافى وهو الظاهر أى قلعها الله تعالى أولا ، فجاء جبرئيل فوضع جناحه تحتها ، وعلى الاصل
يكون معترضة على خلاف الترتيب والله يعلم .
( 8 ) علل الشرائع : 185 . م
( 9 ) فروع الكافى 2 : 72 . م ( * )
[163]
عامورا ، وداذوما ، وصبوايم . وأعظمها سدوم ، وكان لوط يسكنها . ( 1 )
وقال المسعودي : أرسل الله لوطا إلى المدائن الخمسة وهي : سدوم وعموراء ، و
أدوما ، وصاعورا ، وصابورا . ( 2 )
وقال صاحب الكامل : كانت خمسة : سدوم ، وصبعة ، وعمرة ، ودوما ، وصعوة . ( 3 )
15 - ع : أبي ، عن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قيل له : كيف كان يعلم قوم لوط أنه قد جاء لوطا رجال ؟ قال :
كانت امرأته تخرج فتصفر ، فإذا سمعوا التصفير جاؤوا ، فلذلك كره التصفير . ( 4 )
16 - ص : بهذا الاسناد ، عن ابن فضال ، عن داود بن يزيد ، عن رجل ، ( 5 )
عن أبى عبدالله عليه السلام قال : لما جاءت الملائكة في هلاك قوم لوط مضوا حتى أتوا لوطا وهو
في زراعة له قرب المدينة ، فسلموا عليه ، فلما رآهم رأى هيئة حسنة وعليهم ثياب بيض
وعمائم بيض ، فقال لهم : المنزل ؟ قالوا : نعم فتقدمهم ومشوا خلفه فندم على عرضه عليهم
المنزل فالتفت إليهم فقال : إنكم تأتون شرار خلق الله . وكان جبرئيل قال الله له : لا تعذبهم
حتى يشهد عليهم ثلاث شهادات ، فقال جبرئيل : هذه واحدة ، ثم مشى ساعة فقال : إنكم
تأتون شرارا من خلق الله ، فقال جبرئيل : هذه ثنتان ، ثم مشى فلما بلغ باب المدينة
التفت إليهم فقال : إنكم تأتون شرارا من خلق الله ، فقال جبريل : هذه ثلاث ، ثم دخل
ودخلوا معه منزله فلما بصربهم امرأته أبصرت هيئة حسنة فصعدت فوق السطح فصفقت
فلم يسمعوا فدخنت فلما رأوا الدخان أقبلوا يهرعون إليه حتى وقفوا بالباب ، فقال
لوط : " اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي " ثم كابروه حتى دخلوا عليه ، قال : فصاح
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 5 : 185 . م
( 2 ) مروج الذهب ج 1 : 21 . م
( 3 ) كامل التوايح ج 1 : 48 وقال البغدادى في المحبرص 467 : ومدائن قوم لوط : سدوما ،
وصبوايم ، ودادوما ، وعامورا . ويقال : صبورا .
( 4 ) علل الشرائع : 183 . م
( 5 ) سيأتى في الخبر انه ابويزيد الحمار . ( * )
[164]
جبرئيل : يا لوط دعهم يدخلوا ، قال : فدخلوا ، فأهوى جبرئيل إصبعيه ( 1 ) وهو قوله :
" فطمسنا أعينهم " ثم قال جبرئيل : " إنا رسل ربك لن يصلوا إليك " . ( 2 )
17 - ثو : ابن الوليد ، عن الحسن بن متيل ، عن البرقي ، عن محمد بن سعيد ، عن
زكريا بن محمد ، عن أبيه ، عن عمرو ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان قوم لوط أفضل قوم
خلقهم الله عزوجل ، فطلبهم إبليس لعنه الله الطلب الشديد ، وكامن فضلهم وخيرهم أنهم
إذا خرجوا إلى العمل خرجوا بأجمعهم وتبقى النساء خلفهم فأتى إبليس عبادتهم ( 3 ) وكانوا
إذا رجعوا خرب إبليس ما يعملون ، قال بعضهم لبعض : تعالوا نرصد هذا الذي يخرب
متاعنا فرصدوه فإذا هو غلام أحسن ما يكون من الغلمان ، فقالوا : أنت الذي تخرب
متاعنا ؟ فقال : نعم مرة بعد مرة ، واجتمع ( 4 ) رأيهم على أن يقتلوه فبيتوه عند رجل فلما كان
الليل صاح ، فقال : مالك ؟ فقال : كان أبي ينو مني على بطنه ، فقال : نعم فنم على بطني ( 5 )
قال : فلم يزل يدلك الرجل حتى علمه أن يعمل بنفسه ، فأولا علمه إبليس والثانية
علمه هو ، ( 6 ) ثم انسل ففر منهم فأصبحوا فجعل الرجل يخبر بما فعل بالغلام ويعجبهم منه
شئ لا يعرفونه ، فوضعوا أيديهم فيه حتى اكتفى الرجال بعضهم ببعض ، ثم جعلوا يرصدون
مار الطريق فيفعلون بهم حتى ترك مدينتهم الناس ، ثم تركوا نساءهم فأقبلوا على الغلمان
فلما رأى إبليس لعنه الله أنه قد أحكم أمره في الرجال دار إلى النساء ( 7 ) فصير نفسه
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فأهوى جبرئيل باصبعه .
( 2 ) مخطوط . م
( 3 ) في الكافى : فكان ابليس يعتادهم . وفى المحاسن : فلما حسدهم ابليس لعبادتهم كانوا إذا
رجعوا ا ه .
( 4 ) في المحاسن والكافى : فقالوا : أنت الذي تخرب متاعنامرة بعد مرة ؟ وزاد في المحاسن :
فقال : نعم ، فأخذوه فاجتمع ا ه .
( 5 ) في الكافى : فقال له : تعال فنم على بطنى .
( 6 ) في المصدر والمحاسن : فاولا عمله ابليس والثانية عمله هو .
( 7 ) في نسخة وفى الكافى : جاء إلى النساء . ( * )
[165]
امرأة ثم قال : إن رجالكم ( 1 ) يفعلون بعضهم ببعض ، قالوا : نعم قد رأينا ذلك وعلى
ذلك ( 2 ) يعظهم لوط ويوصيهم ( 3 ) حتى استكفت النساء بالنساء ، ( 4 ) فلما كملت ( 5 ) عليهم
الحجة بعث الله عزوجل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في زي غلمان عليهم أقبية فمروا
بلوط عليه السلام وهو يحرث فقال : أين تريدون فما رأيت أجمل منكم قط ؟ قالوا : أرسلنا سيدنا
إلى رب هذه المدينة ، قال : ولم يبلغ ( 6 ) سيدكم ما يفعل أهل هذه المدينة ، يا بني إنهم والله
يأخذون الرجال فيفعلون بهم حتى يخرج الدم ! فقالوا : أمرنا سيدنا أن نمر وسطها ، قال : فلي
إليكم حاجة ، قالوا : وما هي ؟ قال : تصبرون ههنا إلى اختلاط الظلام ، قال : فجلسوا ، قال :
فبعث ابنته فقال : جيئيني لهم بخبز ( 7 ) وجيئيني لهم بماء في القرعة ، وجيئيني لهم بعباءة
يتغطون بها من البرد ، فلما أن ذهبت إلى البيت أقبل المطر وامتلا الوادي فقال لوط : الساعة
يذهب بالصبيان الوادي ، قال : قوموا حتى نمضي ، فجعل لوط عليه السلام يمشي في أصل الحائط
وجعل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل يمشون وسط الطريق ، فقال : يابني ههنا ، قالوا :
أمرنا سيدنا أن نمر في وسطها ، وكان لوط عليه السلام يستغنم الظلام ، ومر إبليس لعنه الله
فأخذ من حجرامرأته صبيا فطرحه في البئر ، فتصايح أهل المدينة كلهم على باب لوط عليه السلام
فلما نظروا إلى الغلمان في منزل لوط عليه السلام قالوا : يا لوط قد دخلت في عملنا ؟ قال :
هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ، ( 8 ) قالوا : هم ثلاثة ، خذ واحدا وأعطنا اثنين ، قال : وأدخلهم
الحجرة وقال لوط عليه السلام : لو أن لي أهل بيت يمنعونني منكم ، قال : وقد تدافعوا على
* ( هامش ) * ( 1 ) في المحاسن والكافى : إن رجالكن ، وفي الكافى : يفعل بعضهم ببعض .
( 2 ) في نسخة وفى الكافى : وكل ذلك .
( 3 ) في الكافى هنازيادة وهى هكذا : وابليس يغويهم .
( 4 ) في المصادر : حتى استغنت النساء بالنساء .
( 5 ) في المحاسن : نعم قد رأينا ذلك ، فقال : وأنتن افعلن كذلك ، وعلمهن المساحقة ففعلن حتى
استغنت النساء بالنساء ، وكل ذلك يعظهم لوط ويوصيهم ، فلما كملت .
( 6 ) في المصادر : أو لم يبلغ .
( 7 ) في الثواب والكافى : جيئى . في المواضع .
( 8 ) في الكافى والمحاسن : فلا تفضحون في ضيفى . ( * )
[166]
الباب فكسروا باب لوط عليه لسلام وطرحوا لوطا ، فقال له جبرئيل : " إنا رسل ربك لن يصلوا
إليك " فأخذ كفا من بطحاء فضرب بها وجوههم وقال : شاهت الوجوه ، فعمى أهل المدينة
كلهم ، فقال لهم لوط : يارسل ربي بما أمركم فيهم ؟ ( 1 ) قالوا : أمرنا أن نأخذهم بالسحر
قال : فلي إليكم حاجة ، قالوا : وما حاجتك ؟ قال : تأخذونهم الساعة ، ( 2 ) قالوا : يالوط إن
موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب لمن يريد أن يؤخذ ؟ ( 3 ) فخذ أنت بناتك وامض ودع امرأتك .
قال أبوجعفر عليه السلام : رحم الله لوطا لو يدري من معه في الحجرة لعلم أنه منصور حين
يقول : " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " أي ركن أشد من جبرئيل معه في الحجرة
قال الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وآله : " وما هي من الظالمين ببعيد " أى من ظالمي امتك إن عملوا
عمل قوم لوط . ( 4 )
كا : العدة ، عن البرقي ، عن محمد بن سعيد مثله ( 5 )
سن : محمد بن سعيد مثله . ( 6 )
بيان : قوله : ( فأولا علمه إبليس ) هكذا في الكتابين وفي الكافى ، ولعل الاظهر
" عمله " بتقديم الميم في الموضعين ، وعلى ما في النسخ لعل المراد أنه كان أولا معلم هذا الفعل
إبليس حيث علمه ذلك الرجل ، ثم صار ذلك الرجل معلم الناس . وانسل بتشديد اللام :
انطلق في استخفاء . والقرعة بالفتح : حمل اليقطين . وشاهت الوجوه أي قبحت .
18 - فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من ألح في وطي الرجال لم يمت حتى يدعو الرجال
إلى نفسه .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : بم امركم ربى فيهم ؟ وفى الكافى : فما أمركم ربى فيهم ؟ .
( 2 ) زاد في الكافى والمحاسن : فانى أخاف أن يبدو لربى فيهم . قلت : قد عرفت معنى البداء
في كتاب التوحيد راجعه .
( 3 ) في نسخة : لمن تريد أن يؤخذ . وفى اخرى : لمن نريد أن نأخذ . والمصدر خال عنهما جميعا
والموجود فيه : لكن تريد أن ترحل فخذ إه . نعم هى في الكافى والمحاسن موجود هكذا : لمن
يريد أن يأخذ .
( 4 ) ثواب الاعمال : 255 - 257 . م
( 5 ) فروع الكافى 2 : 71 . م
( 6 ) المحاسن : 110 - 112 . م ( * )
[167]
19 - وروي عن أبي عبدالله عليه السلام في رجل لعب بغلام قال : إذا وقب لن يحل له
أخته أبدا .
20 - وقال عليه السلام : لو كان ينبغي لاحد أن يرجم مرتين لرجم لوطي مرتين .
21 - وقال أبوعبدالله عليه السلام : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : اللواط مادون الدبر
وهو لواط والدبر هو الكفر . ( 1 )
22 - ثو : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن سعيد بن غزوان ،
عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما عمل قوم لوط ماعملوا
بكت الارض إلى ربها حتى بلغت دموعها السماء وبكت السماء حتى بلغت دموعها
العرش ، فأوحى الله عزوجل إلى السماء : أن احصبيهم ( 2 ) وأوحى إلى الارض أن
اخسفي بهم . ( 3 )
سن : ابن فضال مثله . ( 4 )
23 - شى : عن يزيد بن ثابت ( 5 ) قال : سأل رجل أميرالمؤمنين عليه السلام : أيؤتى النساء
في أدبارهن ؟ فقال : سفلت سفل الله بك ، ما سمعت الله يقول : " أتأتون الفاحشة ما سبقكم
بها من أحد من العالمين " . ( 6 )
24 - شى : عن عبدالرحمن بن الحجاج قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام ذكر عنده إتيان
* ( هامش ) * ( 1 ) الاحاديث الاربعة الاخيرة موجود في المطبوع فقط وغير موجود فيما عندنا من سائر النسخ .
( 2 ) أى ارميهم بالحصباء .
( 3 ) ثواب الاعمال : 255 . م
( 4 ) محاسن البرقى 110 . م
( 5 ) لعله يزيد بن ثابت بن الضحاك الانصارى أخو زيد بن ثابت وأخرجه الشيخ الحر عن
تفسير العياشى في الوسائل في باب الوطى في الدبر عن زيد بن ثابت ، وعلى أى فالرجل من العامة
والحديث يوافق مذهبهم في حرمة الوطى دبرا ، واما اصحابنا رضوان الله تعالى عليهم فأكثرهم قد
حكموا بكراهة ذلك ، والروايات تختلف ففى بعضها الجواز ، وفى اخرى النهى عن ذلك ، وحملوا
النهى على الكراهة .
( 6 ) مخطوط . م ( * )
[168]
النساء في أدبارهن ، فقال : ما أعلم آية في القرآن أحلت ذلك إلا واحدة " إنكم لتأتون
الرجال شهوة من دون النساء " الآية . ( 1 )
25 - شى : عن أبى يزيد الحمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله بعث أربعة
أملاك بإهلاك قوم لوط : جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل . فمروا بإبراهيم وهم
متعممون ، فسلموا عليه ولم يعرفهم ورأى هيئة حسنة فقال : لا يخدم هولاء إلا أنا بنفسي - وكان
صاحب أضياف - فشوى لهم عجلا سمينا حتى أنضجه ثم قر به إليهم ، فلما وضعه بين أيديهم
ورأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ، فلما رأى ذلك جبرئيل حسر العمامة عن
وجهه ( 2 ) فعرفه إبراهيم ، فقال له : أنت هو ؟ قال : نعم ، ومرت امرأته سارة " فبشرناها
بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب " قالت ما قال الله وأجابوها بما في الكتاب ، فقال إبراهيم :
فيما جئتم ؟ قالوا : في هلاك قوم لوط ، فقال لهم : إن كان فيها مائة من المؤمنين أتهلكونهم ؟
فقال له جبرئيل : لا ، قال : فإن كانوا خمسين ؟ قال : لا ، قال : فإن كانوا ثلاثين ؟ قال :
لا ، قال : فإن كانوا عشرين ؟ قال : لا ، قال : فإن كانوا عشرة ؟ قال : لا ، قال : فإن كانوا
خمسة ؟ قال : لا ، قال : فإن كانوا واحدا ؟ قال : لا ، قال : " إن فيها لوطا قالوا
نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا أمرأته كانت من الغابرين " ثم مضوا . قال :
وقال الحسن بن علي : لا أعلم هذا القول إلا وهو يستبقيهم وهو قول الله : " يجاد لنا في
قوم لوط " . ( 3 )
26 - شى : عن عبدالله بن أبي هلال ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله وزاد فيه : فقال
كلوا ، فقالوا : لا نأكل حتى تخبرنا ماثمنه ، فقال : إذا أكلتم فقولوا : باسم الله ، وإذا
فرغتم فقولوا : الحمد لله ، قال : فالتفت جبرئيل إلى أصحابه وكانوا أربعة رئيسهم جبرئيل
فقال : حق لله أن يتخذ هذا خليلا . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) مخطوط . م
( 2 ) أى كشفها عن وجهه .
( 3 و 4 ) مخطوط . وقد أخرج الزيادة أيضا عن كتاب العلل في الباب الاول من قصص إبراهيم
عليه السلام ، وفيه : داود بن أبى يزيد ، عن عبدالله بن هلال . ( * )
[169]
بيان : ( قال الحسن بن علي ) أي ابن فضال كما سيظهر مما سنورده من سند الكافي ،
أي أظن أن غرض إبراهيم عليه السلام كان استبقاء القوم والشفاعة لهم لا محض إنجاء لوط من بينهم .
27 - شى : عن أبي يزيد الحمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله بعث أربعة أملاك
في إهلاك قوم لوط : جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل ، فأتوا لوطا وهو في زراعة ( 1 )
قرب القرية ، فسلموا عليه وهم متعممون ، فلما رآهم رأى هيئة حسنة عليهم ثياب بيض
وعمائم بيض ، فقال لهم : المنزل ؟ فقالوا : نعم ، فتقدمهم ومشوا خلفه فندم على عرضه المنزل
عليهم ، فقال : أي شئ صنعت ؟ آتي بهم قومي وأنا أعرفهم ! فالتفت إليهم فقال : إنكم لتأتون
شرارا من خلق الله فقال جبرئيل : لاتعجل عليهم ( 2 ) حتى يشهد عليهم ثلاث مرات ، فقال جبرئيل :
هذه واحدة ، ثم مضى ساعة ثم التفت إليهم فقال : إنكم لتأتون شرارا من خلق الله ،
فقال جبرئيل : هذه اثنتان ، ثم مشى فلما بلغ باب المدينة التفت إليهم فقال : إنكم
لتأتون شرارا من خلق الله ، فقال جبرئيل : هذه الثالثة ، ثم دخل ودخلوا معه حتى دخل منزله
فلما رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة فصعدت فوق السطح فصفقت ( 3 ) فلم يسمعوا : فدخنت
فلما رأوا الدخان أقبلوا يهرعون حتى جاؤوا إلى الباب فنزلت المرأة فقالت : عنده قوم
ما رأيت قوما قط أحسن هيئة منهم ، فجاؤوا إلى الباب ليدخلوا ، فلما رآهم لوط قام إليهم
فقال لهم : ياقوم اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ؟ وقال : هؤلاء بناتي
هن أطهرلكم ; فدعاهم إلى الحلال فقالوا : مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ،
قال لهم : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد . قال : فقال جبرئيل : لو يعلم أي
قوة له . قال : فكاثروه حتى دخلوا البيت فصاح به جبرئيل فقال : يالوط دعهم يدخلون ،


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 169 سطر 19 الى ص 177 سطر 18

فلما دخلوا أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم وهو قول الله : " فطمسنا أعينهم "
ثم ناداه جبرئيل : " إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل " وقال
له جبرئيل : إنا بعثنا في إهلاكهم ، فقال : ياجبرئيل عجل ، فقال : إن موعدهم الصبح
أليس الصبح بقريب ؟ فأمره فتحمل ومن معه إلا امرأته ، ثم اقتلعها - يعني المدينة - جبرئيل
بجناحه من سبع أرضين ، ثم رفعها حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح الكلاب وصراخ
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وهو في زراعته .
( 2 ) كذا في النسخ والظاهر أن يكون هكذا : فقال الله لجبرئيل : لا تعجل عليهم اه .
( 3 ) في نسخة : فصعقت . ( * )
[170]
الديوك ثم قلبها وأمطر عليها وعلى من حول المدينة حجارة من سجيل . ( 1 )
كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن داود بن فرقد ، عن أبي يزيد مثل الخبرين
معا . ( 2 )
28 - شى : عن عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام يقول : " جاء بعجل
حنيذ " قال : مشويا نضيجا . ( 3 )
29 - شى : قوله تعالى : " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " قال أبوعبدالله عليه السلام : عرض
عليهم التزويج . ( 4 )
30 - شى : عن صالح بن سعد ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " لو أن لي بكم
قوة أو آوي إلى ركن شديد " قال : قوة : القائم ، والركن الشديد : ثلاث مائة وثلاثة
عشر أصحابه . ( 5 )
بيان : يحتمل أن يكون المعنى أنه تمنى قوة مثل قوة القائم وأصحابا مثل أصحابه ،
أو مصداقهما في هذه الامة : القائم وأصحابه ، مع أنه لا يبعد أن يكون تمنى إدراك زمان
القائم عليه السلام وحضوره وأصحابه عنده إذ لا يلزم في المتمني إمكان الحصول .
31 - شى : عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " إنا رسل
ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل مظلما " قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : وهكذا
قراءة أمير المؤمنين عليه السلام . ( 6 )
32 - شى : عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى
لما قضى عذاب قوم لوط وقدره أحب أن يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم
ليسلي به مصابه بهلاك قوم لوط ، قال : فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسماعيل
قال : فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم وخاف أن يكونوا سراقا ، فلما رأته الرسل فزعا
مذعورا قالوا سلاما قال : سلام إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام
* ( هامش ) * ( 1 ) مخطوط . م
( 2 ) فروع الكافى 2 : 71 - 72 ، وقد اخرجه الكلينى أيضا في الروضة : 327 - 330
وفيه : قال الحسن العسكرى ابومحمد . قلت : لعل كلمة ( العسكرى ) زيادة من النساخ ، وأبومحمد
كنية للحسن بن على بن فضال . واحتمله وغيره المصنف في شرحه على الكافى راجع .
( 3 - 6 ) مخطوط . ( * )
[171]
عليم . قال أبوجعفر عليه السلام : والغلام العليم هو إسماعيل من هاجر ، فقال إبراهيم للرسل :
أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون ؟ قالوا : بشرناك بالحق فلا تكن من
القانطين ، قال إبراهيم للرسل : فما خطبكم بعد البشارة ؟ قالوا : إنا ارسلنا إلى قوم
مجرمين قوم لوط إنهم كانوا قوما فاسقين ، لننذرهم عذاب رب العالمين ، قال أبوجعفر :
قال إبراهيم : إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته قدرنا
إنها لمن الغابرين ; فلما عذبهم الله أرسل الله إلى إبراهيم رسلا يبشرونه بإسحاق
ويعزونه بهلاك قوم لوط ، وذلك قوله : " ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما
قال سلام قوم منكرون * فما لبث أن جاء بعجل حنيذ " يعني زكيا مشويا نضيجا
" فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى
قوم لوط * وامرأته قائمة " قال أبوجعفر إنما عنوا سارة ( 1 ) قائمة ، فبشروها بإسحاق ومن
وراء إسحاق يعقوب ، فضحكت - يعني فعجبت من قولهم - وفي رواية أبي عبدالله : فضحكت
قال : حاضت فعجبت من قولهم وقالت : " يا ويلتئ ألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ
عجيب " إلى قوله : " حميد مجيد " فلما جاءت إبراهيم البشارة بإسحاق فذهب عنه الروع أقبل
يناجي ربه في قوم لوط ويسأله كشف البلاء عنهم فقال الله يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد
جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذابي بعد طلوع الشمس من يومك محتوما غير مردود . ( 2 )
33 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن يعقوب
ابن شعيب ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول لوط عليه السلام : " هؤلاء بناتي هن أطهرلكم " قال :
عرض عليهم التزويج . ( 3 )
34 - يب : علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن الصادق ، عن
آبائه عليهم السلام إن النبي صلى الله عليه وآله قال : الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط ، ثم تلا عليه السلام :
" وتأتون في ناديكم المنكر " قال : هو الخذف .
35 - فس : " كانت تعمل الخبائث " قال : كانوا ينكحون الرجال . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : انما عنى سارة .
( 2 ) مخطوط . م
( 3 ) فروع الكافى 2 : 72 . م
( 4 ) تفسير القمى : 431 . م ( * )
[172]
( باب 8 )
* ( قصص ذى القرنين ) *
الايات : الكهف " 18 " ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا *
إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا * فأتبع سببا * حتى إذا بلغ مغرب
الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما * قلنا يا ذاالقرنين إما أن تعذب و
إما أن تتخذ فيهم حسنا * قال أما من ظلم فسوف نعذ به ثم يرد إلى ربه فيعذبه
عذابا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا *
ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من
دونها سترا * كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا * ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ بين
السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا * قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج و
مأجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا * قال
ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينكم ردما * آتوني زبر الحديد
حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا * قال آتوني أفرغ عليه قطرا *
فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا * قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي
جعله دكاء وكان وعد ربي حقا 83 - 98 .
تفسير : قال الطبرسى رحمه الله في قوله تعالى : " إنا مكنا له في الارض " : أي بسطنا
يده في الارض وملكناه حتى استولى عليها . وروي عن علي عليه السلام أنه قال : سخر الله له
السحاب فحمله عليها ، ومد له في الاسباب ، وبسط له النور ، فكان الليل والنهار عليه
سواء ، فهذا معنى تمكينه في الارض " وآتيناه من كل شئ سببا " أي وأعطيناه من كل
شئ علما وقدرة وآلة يتسبب بها إلى إرادته " فاتبع سببا " أي فأتبع طريقا وأخذ في سلوكه ،
أو فأتبع سببا من الاسباب التي أوتيها في المسير إلى المغرب " حتى إذا بلغ مغرب الشمس "
أي أخر العمارة من جانب المغرب ، وبلغ قوما لم يكن وراءهم أحد إلى موضع غروب
[173]
الشمس " وجدها تغرب " أي كأنها تغرب " في عين حمئة " وإن كانت تغرب وراءها ، لان
الشمس لا تزائل الفلك ولا تدخل عين الماء ، ولكن لما بلغ ذلك الموضع تراءى له كأن
الشمس تغرب في عين ، كما أن من كان في البحر يراها كأنها تغرب في الماء ، ومن كان في
البر يراها كأنها تغرب في الارض الملساء ، والعين الحمئة : هي ذات الحمأ وهي الطين
الاسود المنتن . والحامية : الحارة ، وعن كعب قال : أجدها في التوراة : تغرب في ماء وطين
" إما أن تعذب " أي بالقتل من أقام منهم على الشرك " وإما أن تتخذ فيهم حسنا " أي
تأسرهم وتمسكهم بعد الاسر لتعلمهم الهدى ; وقيل : معناه : وإما أن تعفو عنهم ، واستدل
من ذهب إلى أنه كان نبيا بهذا ، وقيل : ألهمه ولم يوح إليه " أما من ظلم " أي أشرك
" فسوف نعذبه " أي نقتله إذا لم يسلم " نكرا " أي منكرا غير معهود في النار " فله جزاء الحسنى "
أي له المثوبة الحسنى جزاء " وسنقول له من أمرنا يسرا " أي قولا جميلا ، وسنأمره بما
يتيسر عليه " ثم أتبع سببا " أي طريقا آخر من الارض يوصله إلى مطلع الشمس " حتى
إذا بلغ مطلع الشمس " أي ابتداء المعمورة من جانب المشرق . ( 1 )
" كذلك " قال البيضاوي : أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة
الملك ، أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار " وقد أحطنا بما لديه " من
الجنود والآلات والعدد والاسباب " خبرا " أي علما تعلق بظواهره وخفاياه ، والمراد أن
كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير " ثم أتبع سببا " يعني طريقا ثالثا
معترضا بين المشرق والمغرب آخذا من الجنوب إلى الشمال " حتى إذا بلغ بين السدين "
بين الجبلين المبني عليهما سده ، وهما جبلا أرمنية وآذربيجان ; وقيل : جبلان في
أواخر الشمال في منقطع أرض الترك ، من ورائهما يأجوج ومأجوج " لا يكادون يفقهون قولا "
لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم " قالوا يا ذاالقرنين " أي قال مترجمهم ; وفي مصحف ابن مسعود :
قال الذين من دونهم " فهل نجعل لك خرجا " أي جعلا نخرجه من أموالنا ؟ " قال ما مكني
فيه ربي خير " أي ما جعلنا فيه مكينا من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ، ولا
حاجة بي إليه " فأعينوني بقوة " أي بفعلة ، أو بما أتقوى به من الآلات " ردما " أي حاجزا
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 6 : 489 - 491 . م ( * )
[174]
حصينا ، وهو أكبرمن السد " زبر الحديد " أي قطعه " بين الصدفين " أي بين جانبي الجبلين
بتنضيدها " قال انفخوا " أي قال للعملة : انفخوا في الاكوار والحديد " حتى إذا جعله " أي
جعل المنفوخ فيه " نارا " أي كالنار بالاحماء " قال آتوني افرغ عليه قطرا " أي آتوني قطرا ،
أي نحاسا مذابا أفرغ عليه قطرا ، فحذف الاول لدلالة الثاني عليه " فما اسطاعوا " بحذف
التاء حذرا من تلاقي متقاربين " أن يظهروه " أي أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه " وما
استطاعوا له نقبا " لثخنه وصلابته ; قيل : حفر للاساس حتى بلغ الماء ، وجعله من الصخرة
والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلى الجبلين
ثم وضع المنافخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليها ، فاختلط والتصق بعضها
ببعض وصار جبلا صلدا ; وقيل : بناه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد
ونحاس مذاب في تجاويفها " قال هذا " السد أو الاقدار على تسويته " رحمة من ربي " على عباده
" فإذا جاء وعد ربي " وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج ، أو بقيام الساعة بأن شارف يوم
القيامة " جلعه دكاء " مدكو كا مسويا بالارض . ( 1 )
وقال : الطبرسي رحمه الله : قيل : إن هذا السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي
مؤخرهما البحر المحيط ، وقيل : إنه وراء دربند وخزران من ناحية أرمنية وآذربيجان ،
وقيل : إن مقدار ارتفاع السد مائتا ذراع ، وعرض الحائط نحو من خمسين ذراعا ; وجاء
في الحديث : إنهم يدابون في حفره نهارهم حتى إذا أمسوا وكادوا يبصرون شعاع الشمس
قالوا نرجع غدا ونفتحه ولا يستثنون فيعودون من الغد وقد استوى كما كان ، حتى إذا جاء
وعدالله قالوا : غدا نفتح ونخرج إن شاء الله فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه بالامس
فيخرقونه فيخرجون على الناس فينشفون المياه ، وتتحصن الناس في حصونهم منهم ،
فيرمون سهامهم إلى السماء فترجع وفيها كهيئة الدماء فيقولون : قد قهرنا أهل الارض وعلونا
أهل السماء ، فيبعث الله عليهم نغفا ( 2 ) في أقفائهم فتدخل في آذانهم فيهلكون بها ، فقال
* ( هامش ) * ( 1 ) انوار التنزيل 2 : 11 - 12 . م
( 2 ) قال في القاموس : النغف محركة : دود في انوف الابل والغنم ، الواحدة النغفة ; أودود
أبيض يكون في النوى المنقع ; أو دود عقف ينسلخ عن الخنافس ونحوها .
وقال في النهاية : في حديث يأجوج مأجوج : " فيرسل الله عليهم النغف " هو بالتحريك : دود يكون
في انوف الابل والغنم ، واحدتها نغفة . منه طاب ثراه . ( * )
[175]
النبي صلى الله عليه وآله : والذي نفس محمد بيده إن دواب الارض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرا .
وفي تفسير الكلبي : إن الخضر وإلياس يجتمعان كل ليلة على ذلك السد يحجبان يأجوج
ومأجوج عن الخروج . ( 1 )
1 - ص : كان اسم ذي القرنين عياشا ، وكان أول الملوك بعد نوح عليه السلام ملك مابين
المشرق والمغرب . ( 2 )
2 - ع ، لى : محمد بن هارون الزنجاني ، عن معاذ بن المثني العنبري ، عن عبدالله
ابن أسماء ، عن جويرية ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن وهب قال : وجدت في
بعض كتب الله عزوجل أن ذاالقرنين لما فرغ من عمل السد انطلق على وجهه ، فبينا هو
يسير وجنوده إذ مر على شيخ يصلي فوقف عليه بجنوده حتى انصرف من صلاته فقال له
ذو القرنين : كيف لم يروعك ما حضرك من جنودي ؟ قال : كنت أناجي من هو أكثر جنودا
منك ، وأعز سلطانا ، وأشد قوة ولو صرفت وجهي إليك لم أدرك حاجتي قبله ، فقال له
ذو القرنين : هل لك في أن تنطلق معي فاواسيك بنفسي ، وأستعين بك على بعض أمري ؟
قال : نعم إن ضمنت لي أربع خصال : نعيما لا يزول ، وصحة لاسقم فيها ، وشبابا لاهرم
فيه ، وحياة لاموت فيها ، فقال له ذو القرنين : وأي مخلوق يقدر على هذه الخصال ؟ فقال
الشيخ : فإني مع من يقدر عليها ويملكها وإياك .
ثم مر برجل عالم فقال لذي القرنين : أخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله عزوجل
قائمين ، وعن شيئين جاريين ، وشيئين مختلفين ، وشيئين متباغضين ، فقال له ذوالقرنين :
أما الشيئان القائمان فالسماوات والارض ، وأما الشيئان الجاريان فالشمس
والقمر ، وأما الشيئان المختلفان فالليل والنهار ، وأما الشيئان المتباغضان
فالموت والحياة . فقال : انطلق فإنك عالم ، فانطلق ذوالقرنين يسير في البلاد
حتى مر بشيخ يقلب جماجم الموتى فوقف عليه بجنوده فقال له : أخبرني أيها الشيخ لاي
شئ تقلب هذه الجماجم ؟ قال : لاعرف الشريف من الوضيع ، والغني من الفقير فما عرفت
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 6 : 495 . م
( 2 ) مخطوط . م ( * )
[176]
وإني لاقلبها منذ عشرين سنة ، فانطلق ذو القرنين وتركه ، فقال : ما عنيت بهذا أحدا غيري .
فبينا هو يسير إذا وقع إلى الامة ( 1 ) العالمة من قوم موسى الذين يهدون
بالحق وبه يعدلون ، فلما رآهم قال لهم : أيها القوم أخبروني بخبركم ، فإني
قد درت الارض شرقها وغربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها ونورها وظلمتها فلم ألق
مثلكم ، فأخبروني ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم ؟ قالوا : فعلنا ذلك لئلا
ننسي الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا ، قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب ؟ قالوا : ليس
فينا لص و لاظنين وليس فينا إلا أمين ، قال : فما بالكم ليس عليكم امراء ؟ قالوا :
لانتظالم ، قال : فما بالكم ليس بينكم حكام ؟ قالوا : لا نختصم ، قال : فما بالكم ليس فيكم ملوك ؟
قالوا : لا نتكاثر ، قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ؟ قالوا : من قبل أنا متواسون
متراحمون ، قال : فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون ؟ قالوا : من قبل الفة قلوبنا وصلاح
ذات بيننا ، قال : فما بالكم لا تستبون ولا تقتلون ؟ قالوا : من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم
وسسنا ( 2 ) أنفسنا بالحلم ، قال : فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة ؟ قالوا :
من قبل أنا لانتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضا ، قال : فأخبروني لم ليس فيكم مسكين
ولا فقير ؟ قالوا : من قبل أنا نقسم بالسوية ، قال : فما بالكم ليس فيكم فظ ( 3 ) ولا غليظ ؟
قالوا : من قبل الذل والتواضع ، قال : فلم جعلكم الله عزوجل أطول الناس أعمارا ؟ قالوا
من قبل أنا نتعاطي الحق ونحكم بالعدل ، قال : فما بالكم لا تقحطون ؟ قالوا : من قبل
أنا لا نغفل عن الاستغفار ، قال : فما بالكم لا تحزنون ؟ قالوا : من قبل أنا وطنا أنفسنا ( 4 )
على البلاء فعزينا أنفسنا ، ( 5 ) قال : فما بالكم لا يصيبكم الآفات ؟ قالوا : من قبل أنا
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وقع على الامة . وفى العلل : الامة العادلة .
( 2 ) ساس الدواب : قام عليها وراضها . ساس القوم : دبرهم وتولى أمرهم . وفى الامالى :
وسبينا .
( 3 ) الفظ : الغليظ السئ الخلق الخشن الكلام .
( 4 ) وطن نفسه على الامر وللامر : هيئأها لفعله وحمله عليه ، توطنت نفسه على كذا :
حملت عليه .
( 5 ) في العلل : فقوينا أنفسنا . م ( * )
[177]
لا نتوكل على غير الله عزوجل ، ولا نستمطر بالانواء ( 1 ) والنجوم ، قال : فحدثوني
أيها القوم هكذا وجدتم آباءكم يفعلون ؟ قالوا : وجدنا آباءنا يرحمون مسكينهم ، و
يواسون فقيرهم ، ويعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويستغفرون لمسيئهم
ويصلون أرحامهم ، ويؤدون أمانتهم ، ويصدقون ولا يكذبون ، فأصلح الله لهم بذلك أمرهم .
فأقام عندهم ذو القرنين حتى قبض ، وكان له خمسمائة عام . ( 2 )
3 - ل : الطالقاني ، عن عبدالعزيز بن يحيى البصري ، عن محمد بن عطية ، عن
عبدالله بن عمرو بن سعيد البصري ، عن هشام بن جعفر ، عن حماد ، عن عبدالله بن سليمان - وكان
قارئا للكتب - قال : قرأت في بعض كتب الله عزوجل : إن ذا القرنين لما فرغ من عمل السد انطلق
على وجهه ، فبينا هو يسير وجنوده إذ مر برجل عالم ، فقال لذي القرنين : أخبرني عن شيئين
منذ خلقهما الله عزوجل قائمين . وساق الحديث إلى قوله : انطلق فإنك عالم ، ثم قال :
والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة . ( 3 )
بيان : الظنين : المتهم . وقوله : لا تستبون غير مهموز من السبي يقال : سباه و
استباه بمعنى .
4 - فس : جعفر بن أحمد ، عن عبدالله بن موسى ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن
أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن قول الله تعالى : " يسئلونك عن
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الجزرى : قد تكرر ذكر النوء والانواء في الحديث ومنه الحديث : " مطرنا بنوء كذا "
والانواء هو ثمان وعشرون منزلة ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها ومنه قوله تعالى : " والقمر قدرناه
منازل " يسقط في الغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر وتطلع اخرى مقابلتها ذلك


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 177 سطر 19 الى ص 185 سطر 18

الوقت في الشرق ، فتنقضى جميعها مع انقضاء السنة وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع
رقيبها يكون مطر وينسبونه إليها ، فيقولون : مطرنا بنوء كذا ، وانما سمى نوءا لانه إذا سقط
الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ، من ناء ينوء أى نهض وطلع ، وإنما غلظ النبى صلى الله
عليه وآله وسلم في امر الانواء لان العرب كانت تنسب المطر إليها ، فاما من جعل المطر من فعل
الله تعالى وأراد بقوله : بنوء كذا أى في وقت هذا فان ذلك جائز .
( 2 ) علل الشرائع : 161 - 162 ، الامالى : 103 - 104 . م
( 3 ) الخصال ج 1 : 31 . قلت : أورده بتمامه في كتابه كمال الدين وأخرجه المصنف بعد
ذلك راجع مايأتى تحت الرقم 16 . ( * )
[178]
ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا " قال : إن ذا القرنين بعثه الله تعالى إلى قومه فضرب على
قرنه الايمن فأماته الله خمسمائة عام ، ثم بعثه الله إليهم بعد ذلك فضرب على قرنه
الايسر فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه إليهم بعد ذلك فملكه مشارق الارض ومغاربها
من حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب فهو قوله : " حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها
تغرب في عين حمئة " ( 1 ) إلى قوله : " عذابا نكرا " قال : في النار ، فجعل ذو القرنين بينهم بابا
من نحاس وحديد وزفت وقطران ( 2 ) فحال بينهم وبين الخروج . ثم قال أبوعبدالله عليه السلام :
ليس منهم رجل يموت حتى يولد له من صلبه ألف ذكر . ثم قال : هم أكثر خلق خلقوا
بعد الملائكة .
5 - وسئل أمير المؤمنين عليه السلام عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا ؟ فقال : لا نبيا ولا ملكا
بل عبدا ( 3 ) أحب الله فأحبه ، ( 4 ) ونصح لله فنصح له ، فبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الايمن
فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب ، ثم بعثه الثانية فضربوه ( 5 ) على قرنه الايسر فغاب عنهم
ما شاء الله أن يغيب ، ثم بعثه الله الثالثة فمكن الله له في الارض وفيكم مثله - يعني نفسه
فبلغ مغرب الشمس فوجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما ( 6 ) " قلنا يا ذا القرنين
إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال " ذو القرنين : " أما من ظلم فسوف نعذبه ثم
يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا " إلى قوله : " ثم أتبع سببا " أي دليلا " حتى إذا بلغ
مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا " قال : لم يعلموا صنعة
ثياب " ثم أتبع سببا " أي دليلا " حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون
يفقهون قولا * قالوا يا ذاالقرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك
خرجا على أن تعجعل بيننا وبينهم سدا " فقال ذو القرنين : " ما مكني فيه ربي خير
فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد " فأمرهم أن يأتوه بالحديد
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : في عين حامية وكذا فيما يأتى بعده .
( 2 ) الزفت : القير القطران : سيال دهنى يتخذ من بعض اللاشجار كالصنوبر والارز .
( 3 ) في المصدر : لا نبى ولا ملك بل عبد . م
( 4 ) في نسخة : فأحبه الله .
( 5 ) في المصدر : فضرب . م
( 6 ) في المصدر : ووجد عندها قوما ، وسألوا ياذا القرنين . م ( * )
[179]
فأتوا به فوضعه بين الصدفين يعني بين الجبلين حتى سوى بينهما ، ثم أمرهم أن يأتوا
بالنار فأتوا بها فنفخوا تحت الحديد حتى صار ( 1 ) مثل النار ، ثم صب عليه القطر وهو الصفر
حتى سده وهو قوله : " حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا " إلى
قوله : " نقبا " فقال ذو القرنين : " هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء و
كان وعد ربي حقا "
قال : إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدم ذلك السد وخرج يأجوج و
مأجوج إلى الدنيا وأكلوا الناس وهو قوله : " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من
كل حدب ينسلون ( 2 ) " قال : فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب فكان إذا مر بقرية زأر
فيها كما يزأر الاسد المغضب ، فينبعث في القرية ظلمات ورعد وبرق وصواعق يهلك من
ناواه ( 3 ) وخالفه ، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب ، فقال
أميرالمؤمنين عليه السلام : وذلك قول الله عزوجل : " إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ
سببا " أي دليلا .
فقيل له : إن الله في أرضه عينا يقال لها عين الحياة لا يشرب منها ذو روح
إلا لم يمت حتى الصيحة ، فدعا ذالقرنين الخضر وكان أفضل أصحابه عنده ودعا ثلاث مائة وستين رجلا ودفع إلى كل واحد منهم سمكة وقال لهم : اذهبوا إلى موضع كذا وكذا فإن هناك ثلاث مائة وستين عينا ، فليغسل كل واحد منكم سمكته في عين غير عين صاحبه
فذهبوا يغسلون ، وقعد الخضر يغسل فانسابت ( 4 ) السمكة منه في العين وبقي الخضر
متعجبا مما رأى ، وقال في نفسه : ما أقول لذي القرنين ؟ ثم نزع ثيابه يطلب السمكة
فشرب من مائها واغتمس فيه ولم يقدر على السمكة ، فرجعوا إلى ذي القرنين فأمر ذوالقرنين
بقبض السمك من أصحابه ، فلما انتهوا إلى الخضر لم يجدوا معه شيئا فدعاه وقال له : ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : حتى صار الحديد . م
( 2 ) حدب أى نشز ، وهو كل مرتفع من الارض ، أراد من كل جانب أى من البلدان والاراضى
البعيدة والغريبة . ينسلون أى يسرعون .
( 3 ) أى عاداه وقصد عليه .
( 4 ) اى مشت مسرعة .
( 5 ) في نسخة : فقال له . ( * )
[180]
ما حال السمكة ؟ فأخبره الخبر ، فقال له : فصنعت ماذا ؟ ( 1 ) قال : اغتمست فيها فجعلت
أغوص وأطلبها فلم أجدها ، قال : فشربت من مائها ؟ قال : نعم ، قال : فطلب ذوالقرنين
العين فلم يجدها ، فقال للخضر : كنت أنت صاحبها . ( 2 )
بيان : الزأر والزئير صوت الاسد من صدره ، يقال : زأر كضرب ومنع وسمع ،
6 - شى ، ج : عن الاصبغ قال : قام ابن الكواء إلى علي عليه السلام : وهو على المنبر فقال :
ياأمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا ؟ وأخبرني عن قرنيه ( 3 ) أم من
ذهب كان أم من فضة ؟ فقال له علي عليه السلام : لم يكن نبيا ولا ملكا ، ولم يكن قرناه من
ذهب ولا من فضة ، ولكنه كان عبدا أحب الله فأحبه ، ونصح لله فنصح الله له ، وإنما سمي
ذوالقرنين لانه دعا قومه إلى الله عزوجل فضربوه على قرنه فغاب عنهم حينا ، ثم عاد إليهم
فضربوه بالسيف على قرنه الآخر ، وفيكم مثله . ( 4 )
ع : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن اورمة ، عن القاسم بن عروة ، عن
بريد العجلي ، عن الاصبغ مثله . ( 5 )
ك : العطار ، عن أبيه . ( 6 )
7 - فس : " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون " قال :
إذا كان آخر الزمان خرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا ويأكلون الناس . ( 7 )
8 - لى : ما جيلويه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن عيسى بن محمد ، عن علي بن
مهزيار ، عن عبدالله بن عمر ، ( 8 ) عن عبدالله بن حماد ، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : ماذا صنعت ؟
( 2 ) تفسير القمى ص 401 - 403 . م
( 3 ) زعم أن كان له تاج ذو قرنين فسأل عن قرنيه كان من ذهب ام فضة ؟ .
( 4 ) تفسير العياشى مخطوط ، الاحتجاج : 122 . م
( 5 ) علل الشرائع : 25 . م
( 6 ) كمال الدين : 220 . م
( 7 ) تفسير القمى : 433 . م
( 8 ) هكذا في النسخ ; ولعل الصحيح : عبدالله بن عمرو كما يأتى عن التهذيب . ( * )
[181]
قال : إن ذاالقرنين لما انتهى إلى السد جاوزه فدخل في الظلمات فإذا هو بملك قائم على
جبل طوله خمسمائة ذراع فقال له الملك يا ذاالقرنين أما كان خلفك مسلك ؟ فقال له
ذو القرنين : من أنت ؟ قال : أنا ملك من ملائكة الرحمن موكل بهذا الجبل فليس من جبل
خلقه الله عزوجل إلا وله عرق إلى هذا الجبل ، ( 1 ) فإذا أراد الله عزوجل أن يزلزل
مدينة أوحى إلي فزلزلتها . ( 2 )
- شى : عن جميل عنه عليه السلام مثله . ( 3 )
يب : محمد بن علي بن محبوب ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد
عن عبدالله بن عمرو ، عن حماد بن عثمان ، عن جميل ، عنه عليه السلام مثله .
9 - ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم
عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكا في الارض
إلا أربعة بعد نوح : ذو القرنين واسمه عياش ، وداود وسليمان ويوسف عليهم السلام ، فأما عياش
فملك ما بين المشرق والمغرب ، وأما داود فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر ، وكذلك
ملك سليمان ، ( 4 ) وأما يوسف فملك مصر وبراريها لم يجاوزها إلى غيرها . ( 5 )
شى : عن الثمالي عنه عليه السلام مثله . ( 6 )
قال الصدوق رحمه الله : جاء هذا الخبر هكذا ، والصحيح الذي أعتقده في ذي القرنين
أنه لم يكن نبيا ، وإنما كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه الله . ونصح لله فنصحه الله ، قال
* ( هامش ) * ( 1 ) يستفاد من الحديث أن الجبال يشتبك بعضها في بعض من تحت الارض وهو من غرائب علم
الطبيعى التى لم تكن كشفت الا جديدا ، وأما الملك الموكل بزلزلة الارض لا ينافى ما ثبت في علم
الطبيعى أنها للابخرة الكامنة في جوف الارض لان لكل علة مادية علة مجردة على ما ثبت في محله
على أن كثيراما يعبر في الاحاديث عن القوى المدبرة بالملك .
( 2 ) الامالى : 278 . م
( 3 ) مخطوط . م
( 4 ) في نسخة : كذلك كان ملك سليمان .
( 5 ) الخصال ج 1 : 118 . م
( 6 ) مخطوط . م ( * )
[182]
أميرالمؤمنين عليه السلام : وفيكم مثله . ( 1 ) وذو القرنين ملك مبعوث وليس برسول ولا نبي كما كان
طالوت ، ( 2 ) قال الله عزوجل : " وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " وقد
يجوز أن يذكر في جملة الانبياء من ليس بنبي ، كما يجوز أن يذكر في جملة الملائكة من
ليس بملك ، قال الله جل ثناؤه : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان
من الجن " . ( 3 )
10 - ل : ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده أحمد ، عن أبيه محمد بن خالد رفعه إلى
أبي عبدالله عليه السلام قال : ملك الارض كلها أربعة : مؤمنان ، وكافران ، فأما المؤمنان فسليمان
ابن داود وذوالقرنين ، والكافران نمرود وبخت نصر ; واسم ذو القرنين عبدالله بن ضحاك بن
معد . ( 4 )
11 - ع : ( 5 ) المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن الاشعري ، عن محمد بن
الحسين ، عن محمد بن سليمان ، عن الثمالي ، عن الباقر عليه السلام قال : أول اثنين تصافحا على
وجه الارض ذوالقرنين وإبراهيم الخليل ، استقبله إبراهيم فصافحه ، وأول شجرة نبتت على
وجه الارض النخلة .
12 - ير : أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن أبي خالد وأبي سلام ، عن سورة ، عن
أبي جعفر عليه السلام قال : إن ذاالقرنين قد خير السحابين واختار الذلول ، وذخر لصاحبكم الصعب
* ( هامش ) * ( 1 ) أى فيكم من يضرب على قرنه مرتين ، قال الجزرى في النهاية : وفيه : انه قال لعلى عليه
السلام : ان لك بيتا في الجنة وانك ذو قرنيها أى ذو قرنى الامة ; ومنه حديث على عليه السلام . وذكر
قصة ذى القرنين ثم قال : وفيكم مثله ، فيرى انه انما عنى نفسه لانه ضرب على رأسه ضربتين : أحدهما
يوم الخندق ، والاخرى ضربة ابن ملجم لعنه الله انتهى . وقال الراغب في المفردات في الحديث الاول :
يعنى ذو قرنى الامة أى انت فيهم كذى القرنين .
( 2 ) في نسخة : كما كان طالوت ملكا .
( 3 ) الخصال ج 1 : 118 . م
( 4 ) الخصال ج 1 : 121 - 122 م
( 5 ) كذا في النسخ وهو سهو ظاهر فان الصدوق اقدم زمانا من المفيد ، والرواية في امالى
الطوسى : 134 . م ( * )
[183]
قال : قلت : وماالصعب ؟ قال : ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق ، فصاحبكم ( 1 )
يركبه ، أما إنه سيركب السحاب ويرقى في الاسباب أسباب السماوات السبع والارضين
السبع : خمس عوامر ، واثنتان خرابان . ( 2 )
13 - ير : محمد بن هارون ، عن سهل بن زياد أبي يحيى قال : قال أبوعبدالله عليه السلام :
إن الله خير ذاالقرنين السحابين الذلول والصعب فاختار الذلول وهو ماليس فيه برق ولا
رعد ، ولو اختار الصعب لم يكن له ذك ، لان الله ادخره للقائم عليه السلام . ( 3 )
14 - سن : ابن يزيد ، عن إبراهيم بن أبي سماك ، ( 4 ) عن رجل ، عن
أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " فلما بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم
من دونها سترا " قال : لم يعلموا صنعة البناء . ( 5 )
15 - ك : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن محمد بن عطية ، عن عبدالله بن عمر بن سعيد
البصري ، عن هشام بن جعفر بن حماد ، عن عبدالله بن سليمان وكان قارئا للكتب قال :
قرأت في بعض كتب الله عزوجل أن ذاالقرنين كان رجلا من أهل الاسكندرية وامه
عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره يقال له : إسكندروس ، ( 6 ) وكان له أدب وخلق وعفة
من وقت ما كان فيه غلاما ( 7 ) إلى أن بلغ رجلا ، وكان رأى في المنام كأنه دنا من الشمس
حتى أخذ بقرنيها شرقها وغربها ، فلما قص رؤياه على قومه سموه ذاالقرنين ، فلما رأى
* ( هامش ) * ( 1 ) يعنى الحجة المنتظر المهدى عجل الله تعالى فرجه الشريف ، فيستفاد من الحديث أنه
عليه السلام يستخدم القوى الممكنة في العالم من الرعد والصاعقة والبرق ، ويركب مايرقيه إلى
السماء ويصعد إلى سائر الكرات المعلقة في السماء ، كل ذلك بعد ما آتاه الله أسباب السماوات
والارض أى علوما وقدرة يتمكن بهما العروج في السماوات والارض . وفى الحديث ايعاز إلى
امكان استخدام هذه القوى العمالة في العالم ، وامكان الصعود على كرات اخرى .
( 2 و 3 ) بصائر الدرجات : 29 . م
( 4 ) باللام أو بالكاف على اختلاف .
( 5 ) وقد تقدم في الخبر الخامس انهم لم يعلموا صنعة الثياب .
( 6 ) قال الثعلبى في وجه تسميته بذلك : ان امها هلالة بنت ملك الروم كانت بها نتن ورائحة
كريهة فاجتمع رأى أهل المعرفة في مداواتها على شجرة يقال لها اسكندروس فلما ولدت لها غلاما
فسمعته باسم الشجرة التى غسلت بها وهى اسكندروس ، ثم خفف فقيل : اسكندر .
( 7 ) في المصدر : من وقت كان غلاما . م ( * )
[184]
هذه الرؤيا بعدت همته وعلا صوته وعز في قومه ، وكان أول ما أجمع عليه أمره أن قال : أسلمت
لله عزوجل ، ثم دعا قومه إلى الاسلام فأسلموا هيبة له ، ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا فأجابوه
إلى ذلك ، فأمر أن يجعل طوله أربعمائة ذراع ، وعرضه مائتي ذراع ، وعرض حائطه اثنين و
عشرين ذراعا ، وعلوه ( 1 ) إلى السماء مائة ذراع ، فقالوا له : يا ذاالقرنين كيف لك بخشب
يبلغ ما بين الحائطين ؟ فقال لهم : إذا فرغتم من بنيان الحائطين فاكبسوه ( 2 ) بالتراب
حتى يستوي الكبس مع حيطان المسجد ، فإذا فرغتم من ذلك فرضتم على كل رجل من
المؤمنين على قدره من الذهب والفضة ، ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر ( 3 ) وخلطتموه مع
ذلك الكبس ، وعملتم له خشبا من نحاس وصفائح ( 4 ) تذيبون ذلك وأنتم متمكنون من
العمل كيف شئتم على أرض مستوية فإذا فرغتم من ذلك دعوتم المساكين لنقل ذلك التراب
فيسارعون فيه ( 5 ) من أجل ما فيه من الذهب والفضة .
فبنوا المسجد ، وأخرج المساكين ذلك التراب ، وقد استقل ( 6 ) السقف بما فيه ،
واستغنى المساكين ، فجندهم أربعة أجناد في كل جند عشرة آلاف ، ثم نشرهم في البلاد
وحدث نفسه بالسير فاجتمع إليه قومه فقالوا له : يا ذا القرنين ننشدك بالله لا تؤثر علينا
بنفسك غيرنا فنحن أحق برؤيتك ، وفينا كان مسقط رأسك ، وبيننا نشأت وربيت ، وهذه
أموالنا وأنفسنا وأنت الحاكم فيها ، وهذه امك عجوز كبيرة هي أعظم خلق الله عليك
حقا فليس ينبغي عليك أن تعصيها ولا تخالفها ، فقال لهم : والله إن القول لقولكم ، وإن
الرأي لرأيكم ، ولكني بمنزلة المأخوذ بقلبه وسمعه وبصره ، يقاد ويدفع من خلفه ، لا يدري
أين يؤخذ به ولا ما يراد به ، ولكن هلموا معشر قومي فادخلوا هذا المسجد واسلموا عن
آخركم ولا تخالفوا علي فتهلكوا .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : وطوله . م
( 2 ) كبس البئر طمها بالتراب ، أى سواها ودفنها .
( 3 ) قلامة الظفر : ماسقط من طرفه .
( 4 ) في المصدر : وصفائحا من نحاس . م
( 5 ) في المصدر : فتسارعوا اليه لاجل . اه
( 6 ) أى رفع . ( * )
[185]
ثم دعا دهقان ( 1 ) الاسكندرية فقال له : اعمر مسجدي ، وعز عني امي ، فلما
رأى الدهقان جزع امه وطول بكائها احتال ليعزيها بما أصاب الناس قبلها وبعدها من
المصائب والبلاء ، فصنع عيدا عظيما ثم أذن مؤذنه : أيها الناس إن الدهقان يؤذنكم
أن تحضروا يوم كذا وكذا ، فلما كان ذلك اليوم أذن مؤذنه : اسرعوا ( 2 ) واحذروا أن
يحضر هذا العيد إلا رجل قد عرى من البلاء والمصائب ، فاحتبس الناس كلهم وقالوا : ليس
فينا أحد عرى من البلاء والمصائب ، مامنا أحد إلا وقد اصيب ببلاء أو بموت حميم ، فسمعت
أم ذي القرنين فأعجبها ولم تدر ما أراد الدهقان .
ثم إن الدهقان بعث مناديا ينادى فقال : أيها الناس إن الدهقان قد أمركم أن
تحضروا يوم كذا وكذا ولا يحضر إلا رجل قد ابتلي واصيب وفجع ولا يحضره أحد عرى
من البلاء ، فإنه لا خير فيمن لايصيبه البلاء ، فلما فعل ذلك قال الناس : هذا رجل قد
بخل ( 3 ) ثم ندم واستحيى فتدارك أمره ومحا عيبه ، فلما اجتمعوا خطبهم ثم قال ؟ إني
لم أجمعكم لما دعوتكم له ، ولكني جمعتكم لاكلمكم في ذي القرنين وفيما فجعنا به من فقده
وفراقه ، فاذكروا آدم إن الله عزوجل خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ،
وأسكنه جنته وأكرمه بكرامة لم يكرم بها أحدا ثم ابتلاه بأعظم بلية كانت في الدنيا و
ذلك الخروج من الجنة ، وهي المصيبة التي لاجبر لها ، ثم ابتلي إبراهيم من بعده بالحريق ،
وابتلى ابنه بالذبح ، ويعقوب بالحزن والبكاء ، ويوسف بالرق ، وأيوب بالسقم ، ويحيى
بالذبح ، وزكريا بالقتل ، وعيسى بالاسر ، وخلقا من خلق الله كثيرا لا يحصيهم إلا
الله عزوجل .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 185 سطر 19 الى ص 193 سطر 18

فلما فرغ من هذا الكلام قال لهم : انطلقوا وعزوا ام الاسكندروس لننظر كيف
صبرها ، فإنها أعظم مصيبه في ابنها ، فلما دخلوا عليها قالوالها : هل حضرت الجمع اليوم ؟
وسمعت الكلام ؟ قالت لهم : ما غاب ( 4 ) عني من أمركم شئ ، ولاسقط عني من كلامكم
شئ ، وما كان فيكم أحد أعظم مصيبة بالاسكندروس مني ، ولقد صبرني الله وأرضاني وربط ( 1 ) الدهقان : رئيس اقليم .
( 2 ) في المصدر : احضروا واسرعوا اه . م
( 3 ) في المصدر : قد كان بخل . م
( 4 ) في المصدر : ما خفى عنى . م ( * )
[186]
على قلبي ، وإني لارجو أن يكون أجري على قدر ذلك وأرجو لكم من الاجر بقدر
ما رزيتم به من فقد أخيكم ، وأنت توجروا على قدر ما نويتم في أمه ، وأرجو أن يغفر الله لي
ولكم ويرحمني وإياكم ; فلما رأو احسن عزائها وصبرها انصرفوا عنها وتركوها ، وانطلق
ذوالقرنين يسير على وجهه حتى أمعن في البلاد ( 1 ) يؤم المغرب ( 2 ) وجنوده يومئذ المساكين .
فأوحى الله جل جلاله إليه : يا ذاالقرنين أنت حجتي على جميع الخلائق مابين
الخافقين ( 3 ) من مطلع الشمس إلى مغربها وحجتي عليهم ، وهذا تأويل رؤياك ; فقال
ذوالقرنين : إلهي إنك ندبتني ( 4 ) لامر عظيم لايقدر قدره غيرك ، فأخبرني عن هذه الامة
بأية قوم أكاثرهم ( 5 ) وبأي عدد أغلبهم ؟ وبأية حيلة أكيدهم ؟ وبأي صبر أقاسيهم ؟ و
بأي لسان أكلمهم ؟ وكيف لي بأن أعرف لغاتهم ؟ وبأي سمع أعي قولهم ؟ وبأي بصر
أنفذهم ؟ ( 6 ) وبأية حجة أخاصمهم ؟ وبأي قلب أغفل عنهم ؟ وبأية حكمة أدبر امورهم ؟ و
بأي حلم أصابرهم ؟ وبأي قسط أعدل فيهم ؟ ( 7 ) وبأية معرفة أفصل بينهم ؟ وبأي علم أتفن
أمورهم ؟ وبأي عقل احصيهم ؟ وبأي جند أقاتلهم ؟ فإنه ليس عندي مما ذكرت شئ ،
يا رب فقوني عليهم بإنك الرب الرحيم ، لا تكلف نفسا إلا وسعها ، ولا تحملها إلا
طاقتها .
فأوحى الله جل جلاله إليه : إني ساطوقك ما حملتك ، وأشرح لك صدرك فتسمع
كل شئ ، وأشرح لك فهمك فتفقه كل شئ ، وأطلق لسانك بكل شئ وأحصي
لك ( 8 ) فلا يفوتك شئ ، وأحفظ عليك فلا يعزب عنك شئ ، وأشد ظهرك فلا يهو لك شئ ،
* ( هامش ) * ( 1 ) أمعن الضب في حجره : غاب في أقصاه .
( 2 ) في المصدر : في المغرب . م
( 3 ) الخافقان : المشرق والمغرب .
( 4 ) ندب فلانا للامر او إلى الامر : دعاه ورشحه للقيام به وحثه عليه . ندبه إلى الحرب : وجهه .
( 5 ) في المصدر : بأى قوة اكابرهم . م
( 6 ) في نسخة وفى المصدر : انقذهم . م
( 7 ) في المصدر : بينهم . م
( 8 ) في المصدر : بعد قوله : بكل شئ : وأفتح لك سمعك فتهى كل شئ ، وأكشف لك عن
يصرك فتبصر كل شئ ، فأحضر لك اه . م ( * )
[187]
والبسك الهيبة فلا يروعك شئ ، واسد دلك رأيك فتصيب كل شئ ، واسخر لك جسدك
فتحس كل شئ ، واسخر لك النور والظلمة وأجعلهما جندين من جندك : النور يهديك ،
والظلمة تحوطك ( 1 ) وتحوش عليك الامم من ورائك .
فانطلق ذولقرنين برسالة ربه عزوجل وأيده الله بما وعده ، فمر بمغرب الشمس
فلا يمر بأمة من الامم إلا دعاهم إلى الله عزوجل ، فإن أجابوه قبل منهم وإن لم يجيبوه
أغشاهم الظلمة ، فأظلمت مدائنهم وقراهم وحصونهم وبيوتهم ومنازلهم ، وأغشت أبصارهم و
دخلت في أفواههم وآنافهم ( 2 ) وأجوافهم فلا يزالوا فيها متحيرين حتى يستجيب الله عز
وجل ويعجوا إليه ، حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها الامة التي ذكرها الله
عزوجل في كتابه ، ففعل بهم ما كان فعله بمن مربه قبلهم ، حتى فرغ مما بينه وبين المغرب
ووجد جمعا وعددا لايحصيه إلا الله عزوجل ، وقوة وبأسا لا يطيقه إلا الله ، وألسنة مختلفة ،
وأهواء متشتة ، وقلوبا متفرقة .
ثم مشى على الظلمة ثمانية أيام وثمان ليال وأصحابه ينظرونه حتى انتهى إلى
الجبل الذي هو محيط بالارض كلها ، فإذا بملك من الملاكئة قابض على الجبل وهو يقول :
سبحان ربي من الآن إلى منتهى الدهر ، سبحان ربي من أول الدنيا إلى آخرها ، سبحان
ربي من موضع كفي إلى عرش ربي ، سبحان ربي من منتهى الظلمة إلى النور ، فلما
سمع ذو القرنين خر ساجدا فلم يرفع رأسه حتى قواه الله عزوجل وأعانه على النظر إلى
ذلك الملك ، فقال له الملك : كيف قويت يا ابن آدم على أن تبلغ إلى هذا الموضع ولم يبلغه أحد من
ولد آدم قبلك ؟ قال ذو القرنين : قواني على ذلك الذي قواك على قبض هذا الجبل ( 3 ) وهو محيط
بالارض كلها ، قال له الملك : صدقت ولولا هذا البجل لا نكفأت الارض بأهلها ، ( 4 ) وليس
على وجه الارض جبل أعظم منه ، وهو أول جبل أسسه الله ( 5 ) عزوجل ، فرأسه ملصق
* ( هامش ) * ( 1 ) أى تحفظك وتعهدك .
( 2 ) في المصدر : أفواههم وآذانهم وأجوافهم . م
( 3 ) في المصدر بعد ذلك : فأخبرنى عنك أيها الملك ، قال : انى موكل بهذا الجبل وهو اه . م
( 4 ) أى مالت بأهلها وقلبتها .
( 5 ) أى مالت : أثبته الله . م ( * )
[188]
بالسماء الدنيا ، وأسفله في الارض ( 1 ) السابعة السفلى ، وهو محيط بها كالحلقة ، وليس
على وجه الارض مدينة إلا ولها عرق إلى هذا الجبل ، فإذا أراد الله عزوجل أن يزلزل
مدينة فأوحي إلي فحركت العرق الذي يليها فزلزلتها . فلما أراد ذو القرنين الرجوع
قال للملك : أوصني ، قال الملك : لا يهمنك رزق غد ، ولا تؤخر عمل اليوم لغد ، ولا تحزن
على ما فاتك ، وعليك بالرفق ، ولا تكن جبارا متكبرا .
ثم إن ذاالقرنين رجع إلى أصحابه ، ثم عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه و
بين المشرق من الامم فيفعل بهم ما فعل بامم المغرب قبلهم حتى إذا فرغ ما بين المشرق
والمغرب ( 2 ) عطف نحو الروم الذي ذكره الله عزوجل في كتابه ، فإذا هو بامة لا يكادون
يفقهون قولا ، وإذا ما بينه وبين الروم مشحون من امة يقال لها يأجوج ومأجوج أشباه
البهائم ، يأكلون ويشربون ويتوالدون ، هم ذكور وإناث ، وفيهم مشابه من الناس الوجوه
والاجساد والخلقة ، ولكنهم قد نقصوا في الابدان نقصا شديدا ، وهم في طول الغلمان ، ليس
منهم أنثى ولا ذكر يجاوز طوله خمسة أشبار ، وهم على مقدار واحد في الخلق والصور ،
عراة حفاة لا يغزلون ولا يلبسون ولا يحتذون ، عليهم وبر كوبر الابل يواريهم ويسترهم
من الحر والبرد ، ولكل واحد منهم أذنان : أحدهما ذات شعر ، والاخرى ذات وبر ظاهر هما
وباطنهما ، ولهم مخالب في موضع الاظفار ، وأضراس وأنياب كأضراس السباع وأنيابها ، وإذا
تام أحدهم افترش إحدى أذنيه والتحف الاخرى فتسعه لحافا ، ( 3 ) وهم يرزقون
تنين البحر ، ( 4 ) كل عام يقذفه عليهم السحاب فيعيشون به عيشا خصبا ، ويصلحون عليه و
يستمطرونه في إبانه ، ( 5 ) كما يستمطر الناس المطر في إبان المطر ، فإذا قذفوا به أخصبوا
وسمنوا وتوالدوا وكثروا فأكلوا منه حولا كاملا إلى مثله من العام المقبل ولا
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وأسفله بالارض .
( 2 ) في نسخة : مما بين المشرق والمغرب .
( 3 ) قد عرفت في اول الحديث ان عبدالله بن سليمان أخذ الحديث عن كتب الاقدمين والحديث
وكل ما فيه من الغرابة فعهدته عليه وعلى تلك الكتب ، وليس الحديث مرويا عن أئمتنا عليهم السلام .
( 4 ) في نسخة : نون ، والتنين كسجين : الحوت ، الحية العظيمة .
( 5 ) في نسخة : في أيامه . وإبان الشئ : اوله . حينه . ( * )
[189]
يأكلون معه شيئا غيره ، وهم لا يحصي عددهم إلا الله عزوجل الذي خلقهم ، وإذا
أخطأهم التنين قحطوا وأجدبوا وجاعوا وانقطع النسل والولد ، وهم يتسافدون ( 1 )
كما تتسافد البهائم على ظهر الطريق وحيث ما التقوا ، فإذا أخطأهم التنين جاعوا
وساحوا في البلاد فلا يدعون شيئا أتوا عليه إلا أفسدوه وأكلوه ، فهم أشد فسادا
فيما أتوا عليه من الارض من الجراد والبرد والآفات كلها ، وإذا أقبلوا من أرض إلى أرض
جلا أهلها عنها وخلوها ، وليس يغلبون ولا يدفعون حتى لا يجد أحد من خلق الله موضعا
لقدمه ، ولا يخلو للانسان قدر مجلسه ، ولا يدري أحد من خلق الله كم من أولهم إلى
آخرهم ، ولا يستطيع شئ من خلق الله أن ينظر إليهم ، ولا يدنو منهم نجاسة وقذرا وسوء
حلية فبهذا غلبوا ، ولهم حس وحنين إذا أقبلوا إلى الارض يسمع حسهم من مسيرة مائة
فرسخ لكثرتهم ، كما يسمع حس الريح البعيدة أوحس المطر البعيد ، ولهم همهمة إذا
وقعوا في البلاد كهمهمة النحل إلا أنه أشد وأعلى صوتا ، يملا الارض حتى لايكاد أحد
يسمع من أجل ذلك الهمهمة شيئا ، وإذا أقبلوا إلى الارض حاشوا وحوشها وسباعها حتى
لايبقى فيها شئ منها ، وذلك لانهم يملؤون مابين أقطارها ، ولايتخلف وراءهم من ساكن
الارض شئ فيه روح إلا اجتلبوه ( 2 ) من قبل أنهم أكثر من كل شئ ، وأمرهم عجب
من العجب ، وليس منهم أحد إلا وقد عرف متى يموت ، وذلك من قبل أنه لا يموت منهم
ذكر حتى يولد له ألف ولد ، ولا يموت منهم أنثى حتى تلد ألف ولد ، فبذلك عرفوا
آجالهم ، فإذا ولدوا الالف برزوا للموت وتركوا طلب ماكانوا فيه من المعيشة والحياة ،
فتلك قصتهم من يوم خلقهم الله تعالى إلى يوم يفنيهم . ( 3 )
ثم إنهم أجفلوا ( 4 ) في زمان ذي القرنين يدورون أرضا أرضا من الارضين ، وامة
امة من الامم وهم إذا توجهوا الوجه لم يعدلوا عنه أبدا ، ولا ينصرفوا يمينا وشمالا ، ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) أى يجامعون .
( 2 ) في المصدر : الا احتلفوه ( اجتلبوه خ ل ) اجتلبوه أى جاؤوا به . واختلفوا : أخذه من خلفه .
واختلف إلى المكان : تردد .
( 3 ) في نسخة : إلى يوم القيامة يفنيهم .
( 4 ) في المصدر : جعلوا م .
( 5 ) في نسخة : ولا شمالا . ( * )
[190]
ولايلتفتوا فلما أحست تلك ألامم بهم وسمعوا همهمتهم استغاثوا بذى القرنين وذوالقرنين
يومئذ نازل في ناحيتهم واجتمعوا إليه فقالوا : يا ذاالقرنين إنه قد بلغنا ما أتاك الله من الملك
والسلطان ، وما ألبسك الله من الهيبة ، وما أيدك به من جنود أهل الارض ومن النور والظلمة
وإنا جيران يأجوج ومأجوج وليس بيننا وبينهم سوى هذه الجبال ، وليس لهم إلينا طريق
إلا من هذين الصدفين ، لو مالوا علينا أجلونا من بلادنا ( 1 ) لكثرتهم حتى لايكون لنا
فيها قرار ، وهم خلق من خلق الله كثير ، فيهم مشابه من الانس وهم أشباه البهائم ، يأكلون
العشب ويفرسون ( 2 ) الدواب والوحوش كما تفترسها السباع ، ويأكلون حشرات الارض
كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق الله عزوجل ، وليس لله عزوجل
خلق ينمونماهم وزيادتهم ولا نشك أنهم يملؤون الارض ( 3 ) ويجلون أهلها منها ويفسدون ،
ونحن نخشى كل وقت أن يطلع علينا أوائلهم من هذين الجبلين ، وقد أتاك الله من الحيلة والقوة
مالم يؤت أحدا من العالمين ، فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ؟ قال :
مامكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد ;
قالوا : ومن أين لنا من الحديد والنحاس مايسع هذا العمل الذي تريد أن تعمل ؟ قال : إني
سأدلكم على معدن الحديد والنحاس ، فضرب لهم في جبلين حتى فتقهما واستخرج منهما
معدنين من الحديد والنحاس ، قالوا : بأي قوة نقطع الحديد والنحاس ؟ فاستخرج لهم معدنا
آخر من تحت الارض يقال له السامور ( 4 ) وهو أشد شئ بياضا ، ( 5 ) وليس شئ منه
يوضع على شئ إلا ذاب تحته ، فصنع لهم منه أداة يعملون بها ، وبه قطع سليمان بن
داود عليه السلام أساطين بيت المقدس ، وصخورة جاءت به الشياطين من تلك المعادن ، فجمعوا من
ذلك مااكتفوا به فأوقدوا على الحديد حتى صنعوا منه زبرا مثل الصخور ، فجعل حجارته
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر بعد قوله : الصدفين : ولو ينسلون اجلونا عن بلادنا اه . م
( 2 ) في المصدر : يأكلون من العشب ويفترسون اه . م
( 3 ) في المصدر : وليس مما خلق الله جل جلاله خلق ينمونماهم في العام الواحد فان كانت لهم اه .
( 4 ) السامور : الالماس .
( 5 ) في المصدر : اشد بياضا من الثلج . م ( * )
[191]
من حديد ( 1 ) ثم أذاب النحاس فجلعه كالطين لتلك الحجارة ، ثم بنى وقاس ما بين
الصدفين فوجده ثلاثة أميال ، فحفر له أساسا حتى كاد يبلغ الماء وجعل عرضه ميلا ، و
جعل حشوه زبر الحديد ، وأذاب النحاس فجعله خلال الحديد فجعل طبقة ( 2 ) من نحاس
واخرى من حديد حتى ساوى الردم بطول الصدفين ، فصار كأنه برد حبرة من صفرة
النحاس وحمرته وسواد الحديد ، فيأجوج ومأجوج ينتابونه ( 3 ) في كل سنة مرة وذلك
أنهم يسيحون في بلادهم حتى إذا وقعوا إلى الردم حبسهم ، فرجعوا يسيحون في بلادهم فلا
يزالون كذلك حتى تقرب الساعة ويجئ أشراطها ، ( 4 ) فإذا جاء أشراطها وهو قيام
القائم عجل الله فرجه فتحه الله عزوجل لهم ، وذلك قوله عزوجل : " حتى إذا فتحت يأجوج
ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون " .
فلما فرغ ذو القرنين من عمل السد انطلق على وجهه ، فبينا هو يسير وجنوده إذ
مر على شخص يصلي فوقف عليه ( 5 ) حتى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين : كيف
لم يرعك ما حضرك من الجنود ؟ قال : كنت أناجي من هو أكثر جنودا منك ، وأعز
سلطانا ، وأشد قوة ، ولو صرفت وجهي إليك لم أدرك حاجتي قبله ، فقال له ذو القرنين : هل
لك أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي وأستعين بك على بعض اموري ؟ قال : نعم إن ضمنت
لي أربع خصال : نعيما لا يزول ، وصحة لا سقم فيها ، وشبابا لا هرم معه ، وحياة لا موت
معها ; فقال له ذو القرنين : وأي مخلوق يقدر على هذه الخصال ، قال : فإني مع من يقدر على
هذه الخصال ويملكها وإياك .
ثم مر برجل عالم فقال لذي القرنين : أخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله عزوجل
قائمين ، وعن شيئين جاربين ، وشيئين مختلفين ، وشيئين متباغضين ; فقال : ذو القرنين : أما
الشيئان القائمان فالسماء والارض ، وأما الشيئان الجاريان فالشمس والقمر ، وأما الشيئان
المختلفان فالليل والنهار ، وأما الشيئان المتباغضان فالموت والحياة ; فقال : انطلق فإنك
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فجعلن حجارته من حديد .
( 2 ) في المصدر : فصنع طبقة اه . م
( 3 ) أى يأتونه مرة بعد اخرى . وفى نسخة : يتناوبونه .
( 4 ) أى علائمها .
( 5 ) في المصدر : فوقف عليه بجنوده . م ( * )
[192]
عالم ، فانطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتى مر بشيخ يقلب جماجم الموتى ، فوقف عليه
بجنوده فقال : أخبرني أيها الشيخ لاي شئ تقلب هذه الجماجم ؟ قال : لاعرف الشريف
من الوضيع فما عرفت وإني لاقلبها عشرين سنة . ( 1 )
فانطلق ذو القرنين وتركه وقال : ما أراك عنيت بهذا أحدا غيري ، فبينا هو يسير إذ
وقع إلى الامة العالمة الذين منهم قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، فوجد
امة مقسطة ( 2 ) عادلة يقسمون بالسويه ، ويحكمون بالعدل ، ويتواسون ويتراحمون ،
حالهم واحدة ، وكلمتهم واحدة ، وقلوبهم مؤتلفة ، وطريقتهم مستقيمة ، وسيرتهم جميلة ، وقبور
موتاهم في أفنيتهم وعلى أبواب دورهم ، وليس لبيوتهم أبواب ، وليس عليهم امراء ، وليس بينهم
قضاة وليس فيهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف ولا يتفاوتون ولا يتفاضلون ، ولا يختلفون ولا
يتنازعون ، ولا يستبون ولا يقتتلون ، ولا تصيبهم الآفات ، فلما رأى ذلك من أمرهم ملا منهم
عجبا ، فقال لهم : أيها القوم أخبروني خبركم ، فإني قددرت في الارض شرقها وغربها وبرها
وبحرها وسهلها وجبلها ونورها وظلمتها فلم أرمثلكم ، فأخبروني ما بال قبور كم على أبواب
أفنيتكم ؟ قالوا : فعلنا ذلك عمدا لئلا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا ، قال : فما بال
بيوتكم ليس عليها أبواب ؟ قالوا : ليس فينا لص ولا خائن وليس فينا إلا أمين ، قال : فما بالكم
ليس عليكم امراء ؟ قالوا : إنا لا نتظالم ، قال : فما بالكم ليس عليكم حكام ؟ قالوا : إنا لا
نختصم ، قال : فما بالكم ليس فيكم ملوك ؟ قالوا : لانا لانتكاثر ، قال : فما بالكم ليس فيكم
أشراف ؟ قالوا : لانا لا نتنافس ، قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ؟ ( 3 ) قالوا :
من قبل أنا متواسون متراحمون ، قال : فما بالكم لا تنازعون ولا تختصمون ؟ قالوا : من
قبل الفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا قال : فما بالكم لا تستبون ولا تقتتلون ؟ قالوا من قبل أنا
غلبنا طبائعنا بالعزم ، وسننا أنفسنا بالحلم ، قال : فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم
مستقيمة ؟ قالوا : من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضا ، قال : فأخبروني
لم ليس فيكم ؟ قير ولا مسكين قالوا : من قبل أنا نقسم بالسوية ، قال : فما بالكم ليس
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : منذ عشرين سنة . م
( 2 ) أى عادلة .
( 3 ) في المصدر : ولا تتناوبون . م ( * )
[193]
فيكم فظ ولا غليظ ؟ قالوا : من قبل الذل والتواضع ، قال : فلم جعلكم الله أطول الناس أعمارا ؟
قالوا : من قبل أنا نتعاطي الحق ونحكم بالعدل ، قال : فما بالكم لا تقحطون ؟ قالوا : من
قبل أنا لا نغفل عن الاستغفار ، قال : فما بالكم لا تحزنون ؟ قالوا : من قبل أنا وطنا أنفسنا
على البلاء وحرصنا عليه فعزينا أنفسنا ، ( 1 ) قال : فما بالكم لا تصيبكم الآفات ؟ قالوا :
من قبل أنا لا نتوكل على غير الله ، ولا نستمطر بالانواء والنجوم . ( 2 )
وقال : حدثوني أيها القوم أهكذا وجدتم آباءكم يفعلون ؟ قالوا : وجدنا آباءنا
يرحمون مسكينهم ، ويواسون فقيرهم ، ويعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ،
ويستغفرون لمسيئهم ، ويصلون أرحامهم ، ويؤدون أماناتهم ، ويصدقون ولا يكذبون ،
فأصلح الله عزوجل لهم بذلك أمرهم . فأقام عندهم ذو القرنين حتى قبض ، ولم يكن له
فيهم عمر ، وكان قد بلغ السن فأدركه الكبر ، وكان عدة ما سار في البلاد من يوم بعثه الله
عزوجل إلى يوم قبض خمسمائة عام . ( 3 )
بيان : قوله : ( ما رزيتم ) من الرزيئة بالهمزة بمعنى المصيبة . ويقال : أمعن الفرس
أي تباعد . وفي الامر : أبعد ، والضب في حجره : غاب في أقصاها ; ذكره الفيروز آبادي .
وقال : طو قني الله أدء حقه : قواني عليه . وحاش الابل : جمعها . وقال الجوهري : أجفل
القوم أى هربوا مسرعين . وأجفلت الريح أي أسرعت . وانجفل القوم أي انقلعوا كلهم و
مضوا انتهى . والتنافس : الرغبة في الشئ والانفراد به .
16 - ك : أحمد بن محمد البزاز ، عن محمد بن يعقوب بن يوسف ، عن أحمد بن عبد
الجبار ، عن يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن بشار المديني ، ( 4 ) عن عمرو بن


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 193 سطر 19 الى ص 201 سطر 18

* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : مغريا أنفسنا . م
( 2 ) تقدم معنى الانواء وسائر الالفاظ الغريبة من الحديث ذيل الخبر الثانى .
( 3 ) كمال الدين : 221 - 227 . وفيه : ستمائة عام . م
( 4 ) في نسخة : محمد بن اسحاق بن بشار المدينى ، ويحتمل كونه تصحيف محمد بن اسحاق بن
يسار المدنى . ( * )
[194]
ثابت ، عن سماك ( 1 ) بن حرب ، عن رجل من بنى أسد قال : سأل رجل عليا عليه السلام : أرأيت
ذا القرنين كيف استطاع أن يبلغ المشرق والمغرب ؟ قال : سخر الله له السحاب ، ومد له
في الاسباب وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء . ( 2 )
17 - ص : بالاسناد إلى الصدوق عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن علي
ابن النعمان ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن ذا القرنين
لم يكن نبيا لكنه كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه الله ، وناصح الله فناصحه الله ، أمر قومه
بتقوى الله فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا ، ثم رجع إليهم فضربوه على قرنه الآخر ، و
فيكم من هو على سنته ، ( 3 ) وإنه خير السحاب الصعب والسحاب الذلول فاختار الذلول
فركب الذلول ، وكان إذا انتهى إلى قوم كان رسول نفسه إليهم لكيلا يكذب الرسل . ( 4 )
ك : أبي ، عن سعد إلى قوله : من هو على سنته . ( 5 )
شى : عن أبي بصير مثله . ( 6 )
18 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن هاشم ،
عن عمرو بن عثمان ، عن رجل ، عن خلاد ، عن سماك بن حرب بن حبيب قال : أتى رجل
عليا عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين ، فقال له علي عليه السلام : سخرت له
السحاب ، وقربت له الاسباب ، وبسط له في النور ، فقال عليه السلام : كان يبصر بالليل كما يبصر
بالنهار . ( 7 )
19 - ك : عن المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ،
عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن جابر بن عبدالله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر السين وتخفيف الميم .
( 2 ) كمال الدين : 220 . م
( 3 ) أى من يضرب على قرنه مرتين . راجع ما قدمنا ذيل الخبر التاسع .
( 4 و 7 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 5 ) كمال الدين : 220 . م
( 6 ) تفسير العياشى مخطوط . ( * )
[195]
يقول : إن ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله حجة على عباده ، فدعا قومه إلى الله عزوجل
وأمرهم بتقواه فضربوه على قرنه ، فغاب عنهم زمانا حتى قيل : مات أوهلك ، بأي واد
سلك ؟ ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر ، ألا وفيكم من هو على سنته
وإن الله عزوجل مكن له في الارض وآتاه من كل شئ سببا ، وبلغ المشرق والمغرب ،
وإن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي ، ويبلغه شرق الارض وغربها حتى
لايبقى سهل ولا موضع من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه ، ويظهر الله له كنوز
الارض ومعادنها ، وينصره بالرعب ، يملؤ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما . ( 1 )
20 - ص : بالاسناد عن الصدوق بإسناده إلى محمد بن اورمة ، عن محمد بن خالد ،
عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : حج ذو القرنين في ستمائة ألف فارس ، فلما دخل
الحرم شيعه ( 2 ) بعض أصحابه إلى البيت فلما انصرف فقال : رأيت رجلا ما رأيت رجلا
أكثر نورا ووجها منه قالوا : ذاك إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام قال : اسرجوا فتسرجوا ( 3 )
ستمائة ألف دابة في مقدار ما يسرج دابة واحدة ، قال : ثم قال ذو القرنين : لا بل نمشي
إلى خليل الرحمن ، فمشى ومشى معه وأصحابه حتى التقيا ، قال إبراهيم عليه السلام : بم قطعت
الدهر ، قال : بإحدي عشرة كلمة : سبحان من هو باق لا يفنى * سبحان من هو عالم لا
ينسى * سبحان من هو حافظ لايسقط * سبحان من هو بصير لا ؟ رتاب * سبحان من هو
قيوم لا ينام * سبحان من هو ملك لا يرام * ( 4 ) سبحان من هو عزيز لا يضام * ( 5 )
سبحان من هو محتجب لايرى * سبحان من هو واسع لا يتكلف * سبحان من هو قائم لا يلهو *
سبحان من هو دائم لا يسهو . ( 6 )
* ( هامش ) * ( 1 ) كمال الدين : 220 - 221 . م
( 2 ) هكذا في النسخ وفى القصص للجزائرى ، واستظهر في هامش النسخة التى قوبلت على المصنف
أن الصحيح : سبقه .
( 3 ) في نسخة : فأسرجوا .
( 4 ) أى لا يقصده أحد بسوء ، ولا يريد احد ان يتصرف في سلطانه وكبريائه .
( 5 ) أى لا يقهر ولا يظلم .
( 6 ) مخطوط . ( * )
[196]
21 - سن : اليقطيني ، عن الدهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن
أبي الحسن موسى عليه السلام قال : ملك ذو القرنين وهو ابن اثني عشر ، ومكث في ملكه ثلاثين
سنة .
بيان : يمكن الجمع بينه وبين مامر بحمله على ملكه قبل غيبته ، أو بأن يكون
المراد مدة استيلائه على جميع الارض واستقرار دولته .
22 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ما جيلويه ، عن عمه ، عن الكوفى ، عن
شريف بن سابق ، عن أسود بن رزين القاضي قال : دخلت على أبي الحسن الاول عليه السلام
ولم يكن رآني قط ، فقال : من أهل السد أنت ؟ فقلت : من أهل الباب ، فقال الثانية :
من أهل السد أنت ؟ قلت : من أهل الباب ، قال : من أهل السد ؟ قلت نعم ، قال : ذاك السد
الذي عمله ذو القرنين . ( 1 )
أقول : أوردنا بعض أخباره في باب أحوال خضر عليه السلام .
23 - ص : الصدوق ، عن عبدالله بن حامد ، عن محمد بن جعفر ، عن عبدالله بن أحمد
ابن إبراهيم ، عن عمرو بن حصين الباهلي ، عن عمر بن مسلم ، عن عبدالرحمن بن زياد ، عن
مسلم بن يسار قال : قال أبوعقبة الانصاري : كنت في خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء نفر من
اليهود فقالوا لي : استأذن لنا على محمد صلى الله عليه وآله فأخبرته فدخلوا عليه ، فقالوا : أخبرنا عما
جئنا نسألك عنه ، قال : جئتموني تسألونني عن ذي القرنين ، قالوا : نعم ، فقال : كان غلاما
من أهل الروم ، ناصحا لله عزوجل فأحبه الله ، وملك الارض فسار حتى أتى مغرب
الشمس ثم سار إلى مطلعها ، ثم سار إلى خيل يأجوج ومأجوج فبنى فيها السد ، قالوا :
نشهد أن هذا شأنه ، وإنه لفي التوارة . ( 2 )
24 - شى : عن أبي الطفيل قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : إن ذا القرنين لم يكن
نبيا ولا رسولا كان عبدا أحب الله فأحبه ، وناصح الله فنصحه ; دعا قومه فضربوه على أحد
* ( هامش ) * ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط . م
( 2 ) تفسير العياشى مخطوط . م ( * )
[197]
قرنيه فقتلوه ، ثم بعثه الله فضربوه على قرنه الآخر فقتلوه . ( 1 )
25 - شى : عن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليه السلام جميعا قال لهما :
ما منزلتكم ؟ ومن تشبهون ممن مضى ؟ قالا : صاحب موسى وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا
نبيين . ( 2 )
26 - شى : عن ابن الورقاء قال : سألت أمير المؤمنين عليه السلام عن ذي القرنين ما كان قرناه ؟
فقال : لعلك تحسب كان قرنه ذهبا أوفضة ، أو كان نبيا ؟ بل كان عبدا صالحا بعثه الله إلى اناس
فدعاهم إلى الله وإلى الخير ، فقام رجل منهم فضرب قرنه الايسر فمات ، ثم بعثه فأحياه و
بعثه إلى اناس فقام رجل فضرب قرنه الايمن ، فمات فسماه ذا القرنين . ( 3 )
27 - شى : عن ابن هشام ، عن أبيه ، عمن حدثه ، عن بعض آل محمد عليه السلام ( 4 )
قال : إن ذا القرنين كان عبدا صالحا طويت له الاسباب ، ومكن له في البلا ، وكان قد وصف
له عين الحياة ، وقيل له : من يشرب منها شربة لم يمت حتى يسمع الصوت ، وإنه خرج
في طلبها حتى أتى موضعها ، وكان في ذلك الموضع ثلاث مائة وستين ( 5 ) عينا ، وكان الخضر
على مقدمته ، وكان من أشد أصحابه ( 6 ) عنده ، فدعاه فأعطاه وأعطى قوما من أصحابه كل
رجل منهم حوتا مملحا ، فقال : انطلقوا إلى هذه المواضع فليغسل كل رجل منكم حوته
عند عين ولا يغسل معه أحد ، فانطلقوا يلزم كل رجل منهم عينا فغسل فيها حوته ، وإن
الخضر انتهى إلى عين من تلك العيون ، فلما غمس الحوت ووجد الحوت ريح الماء حيي
فانساب في الماء ، فلما رأى ذلك الخضر رمى بثيابه وسقط وجعل يرتمس في الماء ويشرب
ويجتهد أن يصيبه ، فلما رأى ذلك رجع فرجع أصحابه ، وأمر ذوالقرنين بقبض السمك
فقال : انظروا فقد تخلفت سمكة ، فقالوا : الخضر صاحبها ، قال : فدعاه فقال : ما خلف
* ( هامش ) * ( 1 - 3 ) مخطوط . م
( 4 ) لعله أبوبصير ، عن أبى عبدالله عليه السلام . راجع الخبر الرابع وهناك شرح بعض ألفاظ
الحديث .
( 5 ) في هامش المطبوع : ستون ظ .
( 6 ) في نسخة : من آثر أصحابه . ( * )
[198]
سمكك ؟ قال : فأخبره الخضر ، فقال له : فصنعت ماذا ؟ قال : سقطت عليها فجعلت أغوص
فأطلبها فلم أجدها ، فقال : فشربت من الماء ؟ ( 1 ) قال : نعم ، قال : فطلب ذوالقرنين العين
فلم يجدها ، فقال للخضر : أنت صاحبها . ( 2 )
28 - شى : عن حارث بن حبيب قال : أتى رجل عليا عليه السلام فقال له : يا أمير المؤمنين
أخبرني عن ذي القرنين ، فقال له : سخر له السحاب ، وقربت له الاسباب ، وبسط له في
النور ، فقال له الرجل : كيف بسطله في النور ؟ فقال علي عليه السلام : كان يبصر بالليل كما يبصر
بالنهار ، ثم قال علي عليه السلام للرجل : أزيدك فيه ؟ فسكت . ( 3 )
29 - شى : عن الاصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال سئل عن ذي القرنين
قال : كان عبدا صالحا واسمه عياش اختاره الله وابتعثه إلى قرن من القرون الاولى في ناحية
المغرب وذلك بعد طوفان نوح ، فضربوه على قرن رأسه الايمن فمات منها ، ثم أحياه الله بعد مائة
عام ، ثم بعثه إلى قرن من القرون الاولى في ناحية المشرق ، فكذبوه فضربوه ضربة على
قرنه الايسر فمات منها ، ثم أحياه الله بعد مائة عام وعوضه من الضربتين اللتين على رأسه
قرنين في موضع الضربتين أجوفين ، وجعل عز ملكه وآية نبوته في قرنيه ، ثم رفعه الله إلى
السماء الدنيا فكشط له عن الارض كلها جبالها وسهولها وفجاجها حتى أبصر ما بين المشرق
والمغرب ، وآتاه الله من كل شئ علما يعرف به الحق والباطل ، وأيده في قرنيه بكسف
من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ، ثم أهبط إلى الارض وأوحى إليه : أن سر في ناحية غرب
الارض وشرقها فقد طويت لك البلاد وذللت لك العباد فأرهبتهم منك ، فسار ذو القرنين إلى
ناحية المغرب فكان إذا مر بقرية زأرفيها كما يزأر الاسد المغضب ، فيبعث من قرنيه ظلمات
ورعد وبرق وصواعق تهلك من ناواه وخالفه ، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل
المشرق والمغرب ، قال : وذلك قول الله : " إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا "
فسار " حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة " إلى قوله : " أما من ظلم "
ولم يؤمن بربه " فسوف نعذبه " في الدنيا بعذاب الدنيا " ثم يرد إلى ربه " في مرجعه " فيعذ به
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : نشرب من الماء ؟ والظاهر أنه مصحف .
( 2 و 3 ) مخطوط . م ( * )
[199]
عذابا نكرا " إلى قوله : " وسنقول له من أمرنا يسرا * ثم اتبع سببا " ذو القرنين من
الشمس سببا .
ثم قال أمير المؤمنين إن ذا القرنين لما انتهى مع الشمس إلى العين الحامية وجد
الشمس تغرب فيها ومعها سبعون ألف ملك يجرونها بسلاسل الحديد والكلاليب ،
يجرونها من قعر البحر في قطر الارض الايمن كما يجري السفينة على ظهر الماء ، فلما
انتهى معها إلى مطلع الشمس سببا وجدها تطلع على قوم إلى " بما لديه خبرا ( 1 ) " فقال أمير
المؤمنين عليه السلام : إن ذا القرنين ورد على قوم قد أحرقتهم الشمس وغيرت أجسادهم وألوانهم
حتى صيرتهم كالظلمة ، ثم أتبع ذو القرنين سببا في ناحية الظلمة حتى إذا بلغ بين السدين
وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج
خلف هذين الجبلين وهم يفسدون في الارض إذا كان إبان زروعنا وثمارنا خرجوا علينا من
هذين السدين ، فرعوا في ثمارنا وزروعنا حتى لايبقون منها شيئا ، فهل نجعل لك خرجا
تؤديه إليك في كل عام على أن تعجل بيننا وبينهم سدا إلى قوله : " زبر الحديد "
قال : فاحتفر له جبل حديد فقلعوا له أمثال اللبن ، فطرح بعضه على بعض فيما بين الصدفين ،
وكان ذوالقرنين هو أول من بنى ردما على الارض ، ثم جمع عليه الحطب وألهب فيه النار
ووضع عليه المنافيخ فنفخوا عليه ، فلما ذاب قال : آتوني بقطر وهو المس الاحمر ، قال :
فاحتفروا له جبلا من مس فطرحوه على الحديد فذاب معه واختلط به ، قال : " فما اسطاعوا
أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا " يعني يأجوج ومأجوج " قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء
رعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا " إلى ههنا رواية علي بن الحسين ورواية محمد
ابن نصر .
وزاد جبرئيل بن أحمد في حديثه بأسانيد عن الاصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب
عليه السلام : " وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض " يعني يوم القيامة ، وكان ذو القرنين
عبدا صالحا وكان من الله بمكان نصح الله فنصح له ، وأحب الله فأحبه ، وكان قد سبب له
* ( هامش ) ( 1 ) أى إلى قوله تعالى : " بما لديه خبرا " . ( * )
[200]
في البلاد ومكن له فيها حتى ملك ما بين المشرق والمغرب ، ( 1 ) وكان له خليل من الملائكة
يقال له : رقائيل ( 2 ) ينزل إليه فيحدثه ويناجيه ، فبينا هو ذات يوم عنده إذ قال له ذوالقرنين :
يا رقائيل كيف عبادة أهل السماء ؟ وأين هي من عبادة أهل الارض ؟ قال رقائيل : يا ذاالقرنين
وما عبادة أهل الارض ، ( 3 ) فقال : أما عبادة أهل السماء ما في السماوات موضع قدم إلا
وعليه ملك قائم لا يقعد أبدا ، أوراكع لا يسجد أبدا ، أو ساجد لا يرفع رأسه أبدا ، فبكى ( 4 )
ذو القرنين بكاء شديدا فقال : يارقائيل إني احب أن أعيش حتى أبلغ من عبادة ربي و
حق طاعته ما هو أهله ، قال رقائيل : يا ذا القرنين إن لله في الارض عينا ( 5 ) تدعى عين الحياة
فيها عزيمة من الله ، إنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت ، ( 6 )
فإن ظفرت بها تعش ما شئت ، قال : وأين ذلك العين ؟ وهل تعرفها ؟ قال : لا غير أنا نتحدث ( 7 )
في السماء أن لله في الارض ظلمة لم يطأهاإنس ولا جان ، ( 8 ) فقال ذو القرنين : وأين تلك
الظلمة ؟ قال رقائيل : ما أدري ، ثم صعد رقائيل فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول
رقائيل ومما أخبره عن العين والظلمة ولم يخبره بعلم ينتفع به منهما ، فجمع ذو القرنين فقهاء
* ( هامش ) * ( 1 ) قد أخرجه الثعلبى في العرائس ص 205 ط مصر من هنا فقال : روى عن على بن ابى طالب
كرم الله وجهه انه قال : كان ذو القرنين قد ملك ما بين المشرق والمغرب اه . وفيه اختلافات نشير
إلى بعضها بعد ذلك .
( 2 ) في نسخة : رفائيل وكذا في المواضع التى تأتى بعذ ذلك . وفى العرائس : روفائيل .
( 3 ) في العرائس : وكان له خليل من الملائكة اسمه روفائيل ، يأتيه ويزوره ، فبينما هما ذات
يوم يتحدثان إذ قال له ذو القرنين : ياروفائيل حدثنى عن عبادتكم في السماء ، فبكى وقال : ياذا القرنين
وما عبادتكم عند عبادتنا ؟ ان في السماء من الملائكة اه .
( 4 ) في العرائس : ان في السماء من الملاكئة من هو قائم لا يجلس أبد ، ومن هو ساجد لا يرفع
رأسه أبدا ، ومن هو راكع لا يستوى قائما أبدا ، يقولون : " سبحان القدوس الملك القدوس رب
الملائكة والروح ، ربنا ماعبدناك حق عبادتك " فبكى ذو القرنين . منه قدس سره .
( 5 ) في العرائس : قال روفائيل : او تحب ذلك يا ذا القرنين ؟ قال : نعم ، قال روفائيل : فان
لله عينا في الارض تسمى اه .
( 6 ) في نسخة : لم يمت أبدا . وفى اخرى : حتى يكون هو يسأل . وفى ثالثة : هو بالذى يسأل .
( 7 ) في نسخة : نحدث .
( 8 ) وفى العرائس زاد : فنحن نظن أن تلك العين في تلك الظلمة . ( * )
[201]
أهل مملكته وعلماءهم وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة فلما اجتمعوا عنده قال ذو القرنين :
يا معشر الفقهاء وأهل الكتب وآثار النبوة هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله وفي كتب من
كان قبلكم من الملوك أن الله عينا تدعى عين الحياة ، فيها من الله عزيمة إنه من يشرب منها
لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت ؟ قالوا : لا يا أيها الملك ، قال : فهل وجدتم
فيما قرأتم من الكتب أن الله في الارض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان ؟ قالوا : لا أيها الملك
فحزن عليه ذو القرنين حزنا شديدا وبكى إذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحب ، وكان
فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الاوصياء : أوصياء الانبياء ، وكان ساكتا لا يتكلم
حتى إذا آيس ذو القرنين منهم قال له الغلام : ( 1 ) أيها الملك إنك تسأل هؤلاء عن أمر
ليس لهم به علم ، وعلم ما تريد عندي ، ففرح ذو القرنين فرحا شديدا حتى نزل عن فراشه
وقال له : ادن مني فدنا منه ، فقال : أخبرني ، قال : نعم أيها الملك ، إني وجدت في
كتاب آدم الذي كتب يوم سمي له ما في الارض من عين أو شجر ، فوجدت فيه أن لله
عينا تدعى عين الحياة ، فيها من أمرالله عزيمة ، إنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون
هو الذي يسأل الله الموت بظلمة لم يطأها إنس ولا جان ، ففرح ذو القرنين وقال : ادن مني
يا أيها الغلام تدري أين موضعها ؟ قال : نعم ، وجدت في كتاب آدم أنها على قرن الشمس
- يعني مطلعها - ففرح ذو القرنين وبعث إلى أهل مملكته فجمع أشرافهم وفقهاءهم وعلماءهم و
أهل الحكم منهم فاجتمع إليه ألف حكيم وعالم وفقيه ، فلما اجتمعوا عليه تهيأ للمسير
وتأهب له بأعد العدة وأقوى القوة ، فسار بهم يريد مطلع الشمس يخوض البحار ويقطع
الجبال والفيافي والارضين والمفاوز فسار اثني عشر سنة حتى انتهى إلى طرف الظلمة ، فإذا


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 201 سطر 19 الى ص 209 سطر 18

هي ليست بظلمة ليل ولادخان ( 2 ) ولكنها هواء يفور سد ما بين الافقين ، ( 3 ) فنزل بطرفها
* ( هامش ) * ( 1 ) في العرائس : فقال عالم من العلماء : إنى قرأت وصية آدم عليه السلام فوجدت فيهما أن
خلق الله في الارض ظلمة لم يطأها انس ولا جان ، ووضع فيها عين الخلد ، فقال ذو القرنين : و
أين وجدتها ؟ قال : في الارض التى على قرن الشمس . وليس فيه جملة " وكان فيمن حضره " ولا
الجمل التى يأتى بعد ذلك . والظاهر انه اختصر الحديث .
( 2 ) في العرائس : فاذا ظلمة تفور مثل الدخان ليست بظلمة ليل ، فعسكر هناك اه .
( 3 ) في نسخة : ما بين الخافقين . ( * )
[202]
وعسكر عليها ، وجمع علماء أهل عسكره وفقهاءهم وأهل الفضل منهم ، فقال : يا معشر الفقهاء
والعلماء إني اريد أن أسلك هذه الظلمة ، فخروا له سجدا فقالوا : أيها الملك إنك
لتطلب أمرا ما طلبه ولا سلكه أحد كان قبلك من النبيين والمرسلين ولا من الملولك ، قال :
إنه لا بد لي من طلبها ، قالوا : أيها الملك إنا لو نعلم أنك إذا سلكتها ظفرت بحاجتك
منها بغير عنت عليك لامرنا ( 1 ) ولكنا نخاف أن يعلق بك ( 2 ) منها أمر يكون فيه هلاك
ملكك ، وزوال سلطانك ، وفساد من الارض ، فقال : لابد من أن أسلكها ، فخروا سجدا لله
وقالوا : إنا نتبرء إليك مما يريد ذوالقرنين .
فقال ذو القرنين : يامعشر العلماء أخبروني بأبصر الدواب ، قالوا : الخيل الاناث البكارة
أبصر الدواب ، فانتخب من عسكره فأصاب ستة آلاف فرس إناثا أبكارا ( 3 ) وانتخب من
أهل العلم والفضل والحكمة ستة آلاف رجل ، فدفع إلى كل رجل فرسا وولى فسحر ( 4 )
- وهو الخضر - على ألفي فرس ، فجعلهم على مقدمته ، وأمرهم أن يدخلوا الظلمة ، وسار ذوالقرنين
في أربعة آلاف وأمر أهل عسكره أن يلزموا معسكره اثني عشر سنة ، ( 5 ) فإن رجع هو
إليهم إلى ذلك الوقت وإلا تفرقوا في البلاد ولحقوا ببلادهم أوحيث شاؤوا ، فقال الخضر :
أيها الملك إنا نسلك في الظلمة لايرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضلال إذا أصابنا ؟ فأعطاه
ذو القرنين خرزة حمراء ( 6 ) كأنها مشعلة لها ضوء ، فقال : خذ هذه الخرزة فإذا أصابكم
الضلال فارم بها إلى الارض فإنها تصيح ، فإذا صاحت رجع أهل الضلال إلى صوتها ، فأخذها
الخضر ومضى في الظلمة ، وكان الخضر يرتحل وينزل ذو القرنين ، فبينا الخضر يسير ذات
يوم إذ عرض له واد في الظلمة فقال لاصحابه : قفوا في هذا الموضع لا يتحركن أحد منكم
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : لاتبعناك .
( 2 ) في نسخة : أن ينفتق عليك .
( 3 ) في نسخة : اناثا بكارة .
( 4 ) في نسخة : وعقد لا فسحر .
( 5 ) في نسخة : اثنتى عشرة سنة .
( 6 ) الخرز : ما ينظم في السلك من الجذع والودع . الحب المثقوب من الزجاج وغيره .
فصوص من حجارة . الواحدة : الخرزة . وخرزات الملك : جواهر تاجه . ( * )
[203]
عن موضعه ، ونزل عن فرسه فتناول الخرزة فرمى بها في الوادي فأبطأت عنه بالاجابة
حتى خاف أن لايجيبه ، ثم أجابته فخرج إلى صوتها ( 1 ) فإذا هي على جانب العين ، و
إذا ماؤها أشد بياضا من اللبن ، وأصفى من الياقوت ، وأحلى من العسل ، فشرب منه ثم
خلع ثيابه فاغتسل منها ، ثم لبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فأجابته ، فخرج إلى
أصحابه وركب وأمرهم بالمسير فساروا ، ومر ذو القرنين بعده فأخطأ الوادي فسلكوا تلك
الظلمة أربعين يوما وأربعين ليلة ، ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار ولا شمس ولا قمر ولكنه
نور ، فخرجوا إلى أرض حمراء رملة خشخاشة ( 2 ) فركة كان حصاها اللؤلؤ ، فإذا هو
بقصر مبني على طول فرسخ . ( 3 )
فجاء ذو القرنين إلى الباب فعسكر عليه ، ثم توجه بوجهه وحده إلى القصر فإذا
طائر وإذا حديدة طويلة قد وضع طرفاها على جانبي القصر ، والطير أسود معلق في تلك
الحديدة بين السماء والارض كأنه الخطاف أو صورة الخطاف أو شبيه بالخطاف أو هو
خطاف ، ( 4 ) فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال : من هذا ؟ قال : أنا ذو القرنين ، فقال
الطائر : يا ذا القرنين أما كفاك ماوراءك حتى وصلت إلى حد بابي هذا ، ففرق ( 5 ) ذوالقرنين فرقا
شديدا ، فقال : ياذا القرنين لاتخف وأخبرني ، قال : سل ، قال : هل كثر في الارض بنيان الآجر
والجص ؟ قال : نعم ، قال : فانتفض الطير وامتلا حتى ملا من الحديدة ثلثها ، ففرق ذو القرنين
فقال : لاتخف وأخبرني ، قال : سل ، قال : هل كثرت المعازف ؟ قال : نعم ، قال : فانتقض
الطير وامتلا حتى ملا من الحديدة ثلثيها ، ففرق ذوالقرنين فقال : لاتخف وأخبرني ، قال :
سل ، قال : هل ارتكب الناس شهادة الزور في الارض ؟ قال : نعم ، فانتفض انتفاضة وانتفخ فسد
مابين جداري القصر ، قال : فامتلا ذو القرنين عند ذلك فرقا منه ، فقال له : لا تخف وأخبرني ، قال :
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فخرج إلى ضوئها .
( 2 ) في نسخة : ورملة خشخاشة .
( 3 ) في العرائس : فاذا بقصر مبنى في تلك الارض طوله فرسخ في فرسخ عليه باب اه .
( 4 ) في العرائس : واذا طائر أسود يشبه الخطاف مزموما بأنفه إلى الحديدة معلقا بين السماء
والارض .
( 5 ) أى ففزع . ( * )
[204]
سل ، قال هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله ؟ قال : لا ، فانضم ثلثه ثم قال : ياذا القرنين
لا تخف وأخبرني ، قال : سل ، هل ترك الناس الصلاة المفروضة ؟ قال : لا ، قال : فانضم
ثلث آخر ، ثم قال : يا ذا القرنين لا تخف وأخبرني ، قال : سل ، قال : هل ترك الناس الغسل
من الجنابة ؟ قال : لا ، قال : فانضم حتى عاد إلى حاله الاول ، فإذا هو بدرجة مدرجة
إلى أعلى القصر .
فقال الطير : ياذا القرنين اسلك هذه الدرجة ، فسلكها وهو خائف لا يدري مايهجم
عليه حتى استوى على ظهرها ، فإذاهو بسطح ممدود مد البصر ، وإذا رجل شاب أبيض
مضي ء الوجه عليه ثياب بيض حتى كأنه رجل أو في صورة رجل أوشبيه بالرجل أو هو
رجل ، وإذا هو رافع رأسه إلى السماء ينظر إليها واضع يده على فيه ، فلما سمع خشخشة
ذي القرنين قال : من هذا ؟ قال : أنا ذوالقرنين ، قال : ياذا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى وصلت
إلي ؟ ! قال ذو القرنين : مالي آراك واضعا يدك على فيك ؟ قال : ياذا القرنين أنا صاحب الصور ، و
إن الساعة قد اقتربت وأنا أنتظر أن أومر بالنفخ فأنفخ ، ثم ضرب بيده فتناول حجرا فرمى
به إلى ذي القرنين كأنه حجر أوشبه حجر أو هو حجر فقال : ياذا القرنين خذها فإن جاع جعت ،
وإن شبع شبعت فارجع ، فرجع ذو القرنين بذلك الحجر حتى خرج به إلى أصحابه فأخبرهم
بالطير وما سأله عنه وما قال له وما كان من أمره ، وأخبرهم بصاحب السطح وما قال له وما
أعطاه ، ثم قال لهم : إنه أعطاني هذا الحجر وقال لي : إن جاع جعت وإن شبع شبعت ،
قال : أخبروني بأمر هذا الحجر ، فوضع في إحدى الكفين فوضع حجر مثله في الكفة الاخرى
ثم رفع الميزان ( 1 ) فإذا الحجر الذي جاء به أرجح بمثل الآخر ( 2 ) فوضعوا آخر فمال
به حتى وضعوا ألف حجر كلها مثله ، ثم رفعوا الميزان فمال بها ولم يستمل به الالف
حجر فقالوا : يا أيها الملك لا علم لنا بهذا .
فقال له الخضر : أيها الملك إنك تسأل هؤلاء عمالا علم لهم به ، وقد اوتيت علم
* ( هامش ) * ( 1 ) في العرائس : فوضعت العلماء ذلك الحجر في كفة ميزان ، وأخذوا حجرا مثله ووضعوه
في الكفة الاخرى ثم رفعوا الميزان .
( 2 ) في نسخة : يميل بالاخر . ( * )
[205]
هذا الحجر ، فقال ذو القرنين : فأخبرنا به وبينه لنا ، فتناول الخضر الميزان فوضع الحجر
الذي جاء به ذو القرنين في كفة الميزان ، ثم وضع حجرا آخر في كفة اخرى ، ثم وضع
كفة تراب على حجر ذي القرنين يزيده ثقلا ثم رفع الميزان فاعتدل ، وعجبوا وخروا
سجدا لله تعالى وقالوا : أيها الملك هذا أمر لم يبلغه علمنا وإنا لنعلم أن الخضر ليس بساحر
فكيف هذا وقد وضعنا معه ألف حجر كلها مثله فمال بها وهذا قد اعتدل به وزاده ترابا ؟
قال ذوالقرنين : بين يا خضر لنا أمر هذا الحجر ، قال الخضر : أيها الملك إن أمر الله نافذ
في عباده ، وسلطانه قاهر ، وحكمه فاصل وإن الله ابتلى عباده بعضهم ببعض ، وابتلى
العالم بالعالم ، والجاهل بالجاهل ، والعالم بالجاهل ، والجاهل بالعالم ، وإنه ابتلاني بك ،
وابتلاك بي ، فقال ذو القرنين : يرحمك الله يا خضر إنما تقول : ابتلاني بك حين جعلت أعلم
مني وجعلت تحت يدي أخبرني يرحمك الله عن أمر هذا الحجر ، فقال الخضر : أيها الملك
إن هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور ، يقول : إن مثل بني آدم مثل هذا الحجر
الذي وضع ووضع معه ألف حجر فمال بها ، ثم إذا وضع عليه التراب شبع وعاد حجرا مثله ،
فيقول : كذلك مثلك أعطاك الله من الملك ما أعطاك فلم ترض به حتى طلبت أمرا لم يطلبه
أبدا من كان قبلك ، ودخلت مدخلا لم يدخله إنس ولا جان ، يقول : كذلك ابن آدم ولا
يشبع حتى يحثى عليه التراب ، قال : فبكى ذو القرنين بكاء شديدا وقال : صدقت ياخضر
يضرب لي هذا المثل ، لا جرم إني لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسلكي هذا ، ثم انصرف
راجعا في الظلمة فبيناهم يسيرون إذ سمعوا خشخشة تحت سنابك ( 1 ) خيلهم ، فقالوا : أيها
الملك ما هذا ؟ فقال : خذوا منه ، فمن أخذ منه ندم ، ومن تركه ندم ، فأخذ بعض وترك
بعض ، فلما خرجوا من الظلمة إذاهم بالزبرجد فندم الآخذ والتارك ، ورجع ذوالقرنين
إلى دومة الجندل وكان بها منزله ، فلم يزل بها حتى قبضه الله إليه . قال : وكان صلى الله عليه وآله ( 2 )
إذا حدث بهذا الحديث قال : رحم الله أخي ذا القرنين ما كان مخطئا إذ سلك ما سلك وطلب ماطلب .
ولو ظفر بوادي الزبرجد في مذهبه لما ترك فيه شيئا إلا أخرجه إلى الناس لانه كان راغبا ،
* ( هامش ) * ( 1 ) جمع السنبك : طرف الحافر .
( 2 ) في نسخة : وكان رسول الله صلى الله عليه وآله . ( * )
[206]
ولكنه ظفر به بعدمارجع فقد زهد . ( 1 )
30 - جبرئيل بن أحمد ، عن موسى بن جعفر رفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال : إن
ذا القرنين عمل صندوقا من قوارير ثم حمل في مسيره ماشاء الله ، ثم ركب البحر فلما انتهى
إلى موضع منه قال لاصحابه : دلوني ، فإذا حركت الحبل فأخرجوني ، فإن لم أحرك الحبل
فأرسلوني إلى آخره ، فأرسلوه في البحر وأرسلوا الحبل مسيرة أربعين يوما ، فإذا ضارب
يضرب حيث الصندوق ويقول يا ذاالقرنين أين تريد ؟ قال : اريد أن أنظر إلى ملك ربي
في البحر كما رأيته في البر ، فقال : يا ذا القرنين إن هذا الموضع الذي انت فيه مر فيه
نوح زمان الطوفان فسقط منه قدوم فهو يهوي في قعر البحر إلى الساعة لم يبلغ قعره ، فلما
سمع ذو القرنين ذلك حرك الحبل وخرج . ( 2 )
بيان : قال الفيروز آبادي : الخشخشة : صوت السلاح ، وكل شئ يابس إذا حل
بعضه ببعض ، والدخول في الشئ . انتهى .
وقوله عليه السلام : ( فركة ) أي كانت لينة بحيث كان يمكن فركها باليد .
31 - شى : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : تغرب
الشمس في عين حامية في بحر دون المدينة التي مما يلي المغرب - يعني جابلقا - . ( 3 )
بيان : قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبوبكر " حامية " أي حارة ، وقرأ الباقون
" حمئة " أى ذات حمئة وطين أسود ، واولت بأن المراد أنه بلغ ساحل البحر المحيط
فرآها كذلك ، إذ لم يكن في مطمح نظره غير الماء ، ولذا قال تعالى : " وجدها تغرب "
ولم يقل : كانت تغرب .
32 - شى : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله : " لم نجعل لهم من
دونها سترا " كذلك قال : لم يعلموا صنعة البيوت . ( 4 )
ايضاح : قال الرازي : فيه قولان : الاول : إنه شاطئ بحر لا جبل ولا شئ يمنع
من وقوع شعاع الشمس عليهم ، فلهذا إذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب واغلة ( 5 ) في الارض
* ( هامش ) * ( 1 - 4 ) مخطوط . م
( 5 ) أسراب جمع السرب : الحفير تحت الارض . والواغلة : الملجأ . ( * )
[207]
أو غاصوا في الماء فيكون عند طلوع الشمس يتعذر عليهم التصرف في المعاش ، وعند غروبها
يشتغلون بتحصيل مهمات المعاش ، وحالهم بالضد من أحوال سائر الخلق .
والقول الثاني : إن معناه : لا ثياب لهم ، ويكونون كسائر الحيوانات عراة أبدا ،
وفي كتب الهيئة إن حال أكثر أهل الزنج كذلك ، وحال كل من سكن البلاد القريبة
من خط الاستواء كذلك ، وذكر في بعض كتب التفسير أن بعضهم قال : سافرت حتى
جاوزت الصين ، فسألت عن هؤلاء القوم فقيل : بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة ،
فبلغتهم وإذا أحدهم يفرش إحدى اذنيه ويلبس الاخرى ، فلما قرب طلوع الشمس سمعت
صوتا كهيئة الصلصلة فغشي علي ، ثم أفقت فلما طلعت الشمس إذا هي فوق الماء كهيئة
الزيت فأدخلوني سربالهم ، فلما ارتفع النهار جعلوا يصطادون السمك ويطرحون في
الشمس فينضج . ( 1 )
33 - شى : عن جابر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : " اجعل بيننا وبينهم سدا * فما
اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا " قال : هو السد التقية . ( 2 )
34 - شى : عن المفضل قال : سألت الصادق عليه السلام عن قوله : " أجعل بينكم وبينهم ردما "
قال : التقية " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا " قال : ما استطاعوا له نقبا
إذا عمل بالتقية ، لم يقدروا في ذلك على حيلة وهو الحصن الحصين ، وصار بينك وبين أعداء
الله سدا لا يستطيعون له نقبا ، قال : وسألته عن قوله : " فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء "
قال : رفع التقية عند قيام القائم فينتقم من أعداء الله . ( 3 )
بيان : كأن هذا كلام على سبيل التمثيل والتشبيه ، أى جعل الله التقية لكم سدا
لرفع ضرر المخالفين عنكم إلى قيام القائم عليه السلام ورفع التقية ، كما أن ذا القرنين وضع
السد لرفع فتنة يأجوج ومأجوج إلى أن يأذن الله لرفعها .
تكملة : قال الرازي : اختلف الناس في أن ذا القرنين من هو ، وذكروا
اقوالا :
* ( هامش ) * ( 1 ) مفاتيح الغيب 5 : 755 . م
( 2 - 3 ) مخطوط . م ( * )
[208]
الاول : أنه الاسكندر بن فيلقوس اليوناني ، قالوا : والدليل عليه أن القرآن
دل على أن الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه إلى أقصى المغرب بدليل قوله : " حتى
إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة " وأيضا بلغ ملكه أقصى المشرق بدليل
قوله : " حتى إذا بلغ مطلع الشمس " وأيضا بلغ ملكه أقصى الشمال بدليل إن يأجوج
ومأجوج قوم من الترك ويسكنون في أقصى الشمال ، وبدليل أن السد المذكور في القرآن
يقال في كتب التواريخ إنه في أقصى الشمال ، ( 1 ) فهذا المسمى بذي القرنين في القرآن قد دل
القرآن على أن ملكه بلغ أقصى المشرق والمغرب والشمال ، وهذا هو تمام القدر المعمور ( 2 )
من الارض ، ومثل ذلك الملك البسيط لاشك أنه على خلاف العادة ، وما كان كذلك وجب
أن يبقى ذكره مخلدا على وجه الدهر ، وأن لا يبقى مخفيا مستترا ، والملك الذي اشتهر في
كتب التواريخ أنه بلغ ملكه إلى هذا القدر ليس إلا الاسكندر ، وذلك لانه لما مات
أبوه جمع ملك الروم ( 3 ) بعد أن كانوا طوائف ، ثم قصد ( 4 ) ملوك المغرب وقهرهم ، وأمعن ( 5 )
حتى انتهى إلى البحر الاخضر ثم عاد إلى مصر وبنى الاسكندرية وسماها باسم نفسه ثم
دخل الشام وقصد بني إسرائيل ، ( 6 ) وورد بيت المقدس وذبح في مذبحه ، ثم انعطف إلى
أرمنية وباب الابواب ودانت له العبرانيون والقبط والبربر ، وتوجه بعد ذلك إلى دارابن
دارا وهزمه مرات إلى أن قتله صاحب حرسه ، واستولى الاسكندر على ملوك الفرس ، وقصد
الهند والصين وغزا الامم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ، ورجع إلى
العراق ومرض بشهر ذور ومات بها ، فلما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين كان رجلا ملك
الارض بالكلية أوما يقرب منها وثبت بعلم التواريخ أن الذي هذا شأنه ما كان إلا
الاسكندر وجب القطع بأن المراد بذي القرنين هو الاسكندر بن فيلقوس اليوناني . ( 7 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : انه بنى في اقصى الشمال اه . م
( 2 ) في نسخة : هو نهاية القدر المعمور .
( 3 ) في نسخة : جمع ملوك الروم .
( 4 ) في نسخة : ثم حصد .
( 5 ) أمعن في الطلب . ابعد وبالغ في الاستقصاء . امعن الضب في حجره : غاب في اقصاه .
( 6 ) في نسخة : وقهر بنى إسرائيل .
( 7 ) وبه قال اليعقوبى في تاريخه ، وقال الثعلبى في العرائس : به قال اكثر أهل السير . ( * )
[209]
ثم ذكروا في تسمية ذى القرنين بهذاالاسم وجوها : الاول : إنه لقب بهذا اللقب
لاجل بلوغه قرني الشمس أي مطلعها ومغربها كما لقب أردشير بطول اليدين ( 1 ) لنفوذ
أمره حيث أراده . والثاني : إن الفرس قالوا : إن دارا الاكبر كان تزوج بابنة فيلقوس ،
فلما قرب منها وجد منها رائحة منكرة فردها إلى أبيها وكانت قد حملت منه بالاسكندر فولدت
الاسكندر بعد عودها إلى أبيها فيلقس ، فبقي الاسكندر عند فيلقس وأظهر أنه ابنه وهو في الحقيقة
ابن دارا الاكبر ، قالوا : والدليل على ذلك أن الاسكندر لما أدرك دارا بن دارا وبه رمق وضع
رأسه في حجره وقال لدارا : يا أخي أخبرني عمن فعل هذا لانتقم لك منه ؟ فهذا ما قاله الفرس ،
قالوا : فعلى هذا التقدير فالاسكندر أبوه دارا الاكبر ، وامه بنت فيلقس ، فهذا إنما تولد
من أصلين مختلفين الفرس والروم ، وهذا الذي قاله الفرس ، ( 2 ) وإنما ذكروه لانهم أرادوا أن
يجعلوه من نسل ملوك العجم حتى لا يكون ملك مثله من نسب غير نسب ملوك العجم ، و
هو في الحقيقة كذب ، وإنما قال الاسكندر لدارا " يا أخي " على سبيل التواضع وأكرم دارا
بذلك الخطاب .
والقول الثانى : قال أبوالريحان البيروني المنجم في كتابه الذي سماه بالآثار
الباقية من القرون الخالية : قيل : إن ذا القرنين هو أبوكرب شمر ( 3 ) بن عمير بن أفريقش
الحميري ، ( 4 ) وهو الذى بلغ ملكه مشارق الارض ومغاربها ، وهو الذي افتخر به أحد الشعراء
من حمير حيث قال :
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما * ملكا علا في الارض غير معبد ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : اردشير بن بهمن . وفى نسخة : بطويل اليدين . م


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 209 سطر 19 الى ص 217 سطر 18

( 2 ) ذكره الثعلبى عن بعض القدماء ، وقد تقدم وجه تسميته بالاسكندر .
( 3 ) في المصدر : شمس . م
( 4 ) قال البغدادى في المحبر ص 365 : يقال : الصعب بن قرين بن الهمال هو ذو القرنين
الذى ذكره الله في كتابه . وقال في ص 393 : ذو القرنين هو هرمس بن ميطون بن رومى بن لنطى
ابن كسلوحين بن يونان بن يافت بن نوح ; والظاهر من الثعلبى والمسعودى أن هرمس هو جد الاسكندر
وقد ذكرا في نسبه اختلافا راجع العرائس ومروج الذهب .
( 5 ) في نسخة : غير مقيد . وفى العرائس : " ملكا تدين له الملوك وتسجد " والمصرع الثانى
من البيت الاتى فيه هكذا : " اسباب أمر من حكيم مرشد " . وزاد : فرأى مغيب الشمس عند غروبها *
في عين ذى خلب وثاط حرمد . ( * )
[210]
بلغ المشارق والمغارب يبتغي * أسباب ملك من كريم سيد
ثم قال أبوالريحان : ويشبه أن يكون هذا القول أقرب لان الاذواء ( 1 ) كانوا
من اليمن وهم الذين لا تخلوا أساميهم من ذي كذي المنار وذي نواس ( 2 ) وذي النون و
ذي يزن .
والثالث أنه كان عبدا صالحا ملكه الله الارض وأعطاه العلم والحكمة وألبسه الهيبة
وإن كنا لا نعرف من هو ، ثم ذكروا في تسميته بذي القرنين وجوها :
الاول : سأل ابن الكواء عليا عليه السلام عن ذي القرنين وقال : أملك أو نبي ؟ قال :
لا ملك ولا نبي ، كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الايمن ، فمات ثم بعثه الله فضرب على
قرنه الايسر فمات ، فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله . ( 3 ) الثاني : سمي بذي القرنين
لانه انقرض في وقته قرنان من الناس . الثالث : قيل : كانت صفحتارأسه من نحاس . الرابع :
كان على رأسه ما يشبه القرنين . الخامس : كان لتاجه قرنان . السادس : عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه سمي ذا القرنين لانه طاف قرني الدنيا يعني شرقها وغربها . السابع : كان له قرنان
أي ضفيرتان . الثامن : إن الله تعالى سخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من
أمامه ويمتد الظلمة من ورائه . التاسع : يجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما سمي الشجاع
بالقرن لانه يقطع ( 4 ) أقرانه . العاشر : أنه رأى في المنام كأنه صعد الفلك وتعلق بطرفي
الشمس وقرنيها - أي جانبيها - فسمي لهذا السبب بذي القرنين . الحاديعشر : سمي بذلك
لانه دخل النور والظلمة .
والقول الرابع : أن ذاالقرنين ملك من الملائكة ، عن عمر ; وإنه سمع رجلا يقول :
* ( هامش ) * ( 1 ) اى الملوك الذين كان في صدر ألقابهم " ذو "
( 2 ) في المصدر : كذى الناد . م
( 3 ) رواه ايضا جابر بن عبدالله عن النبى صلى الله عليه وآله ، ورواه عن على عليه السلام
ايضا الاصبغ بن نباتة وحارث بن حبيب وابن الورقا وأبى الطفيل وغيرهم ، ورواه أبوبصير
عن ابي جعفر وابى عبدالله عليهما السلام كما تقدم .
( 4 ) في المصدر : كما سمى الشجاع بالكبش لانه ينطح اه . م ( * )
[211]
يا ذاالقرنين ، فقال : اللهم اغفر ( 1 ) أمارضيتم أن تسموا بأسماء الانبياء حتى سميتم بأسماء
الملائكة ؟ ( 2 ) فهذا جملة ما قيل في هذا الباب ، والقول الاول أظهر لاجل الدليل الذي ذكرناه ،
وهو أن مثل هذا الملك العظيم يجب أن يكون معلوم الحال ، وهذا الملك العظيم هو
الاسكندر ، فوجب أن يكون المراد بذي القرنين هو إلا أن فيه إشكالا قويا وهو أنه
كان تلميذا لارسطاطاليس الحكيم ، وكان على مذهبه ، فتعظيم الله إياه يوجب الحكم
بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل إليه .
المسألة الثانية : اختلفوا في أن ذاالقرنين هل كان من الانبياء أم لا ، منهم من
قال : إنه كان من الانبياء ، واحتجوا عليه بوجوه :
الاول قوله : " إنا مكنا له في الارض " والاولى حمله على التمكين في الدين ،
والتمكين الكامل في الدين هو النبوة .
والثاني قوله : " وآتيناه من كل شئ سببا " ومن جملة الاشياء النبوة : فمقتضى
العموم في قوله : " وآتيناه من كل شئ سببا " هو أنه تعالى آتاه من النبوة سببا .
والثالث قوله تعالى : " قلنا يا ذاالقرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا "
والذي يتكلم الله معه لا بد وأن يكون نبيا ، ومنهم من قال : إنه كان عبدا صالحا
وما كان نبيا . انتهى . ( 3 )
أقول : الظاهر من الاخبار أنه غير الاسكندر ، ( 4 ) وأنه كان في زمن إبراهيم ( 5 )
عليه السلام وأنه أول الملوك بعد نوح عليه السلام وأما استدلاله فلا يخفى ضعفه بعد ما قد عرفت
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : اللهم غفرا .
( 2 ) في نسخة : أن تتسموا باسماء الانبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة .
( 3 ) مفاتيح الغيب 5 : 750 752 . م
( 4 ) سماه في الخبر 15 الاسكندر وفى الخبر 23 قال : كان غلاما من اهل الروم ; ولكنهما مرويان
من طرق العامة ، وفيما تقدم من الاخبار أن اسمه عياش وفى الخبر 11 أنه عبدالله بن ضحاك بن معد ،
وقدمنا قبل ذلك كلام البغدادى وغيره في تسميته .
( 5 ) تقدم في الخبر الثانى أنه كان بعد موسى عليه السلام وفى الخبر 16 أنه كان بعد عيسى عليه
السلام لكنهما مرويان من غير طرقنا . ( * )
[212]
مع أن الملوك المتقدمة لم يضبط أحوالهم بحيث لا يشذ عنهم أحد ، وأيضا الظاهر من كلام
أهل الكتاب الذين عليهم يعولون في التواريخ عدم الاتحاد ، ثم الظاهر مما ذكرنا من
الاخبار وغيرهما مما أورده الكليني وغيره أنه لم يكن نبيا ( 1 ) ولكنه كان عبدا صالحا
مؤيدا من عنده تعالى .
وأما يأجوج ومأجوج فقد ذكر الشيخ الطبرسي أن فسادهم أنهم كانوا
يخرجون فيقتلونهم ويأكلون لحومهم ودوابهم ; وقيل : كانوا يخرجون أيام الربيع فلا
يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه ، ولا يابسا إلا احتملوه ، عن الكلبي ; وقيل : أرادوا أنهم
سيفسدون في المستقبل عند خروجهم ; وورد في الخبر عن حذيفة قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن
يأجوج ومأجوج فقال : يأجوج امة ومأجوج امة ، كل امة أربعمائة امة ، لا يموت الرجل
منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح ; قلت : يارسول الله صفهم لنا ،
قال : هم ثلاثة أصناف : صنف منهم أمثال الارز ، قلت : يارسول الله وما الارز ؟ قال : شجر بالشام
طويل ، وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء ، وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد ،
وصنف منهم يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف بالاخرى ولا يمرون بفيل ولا وحش
ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه ، ومن مات منهم أكلوه ، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان
يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبربة . ( 2 ) قال وهب ومقاتل : إنهم من ولد يافث بن نوح
أبي الترك ; وقال السدي : الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت تغير ( 3 ) فجاء ذو القرنين
فضرب السد فبقيت خارجه . وقال قتادة : إن ذا القرنين بنى السد على إحدى وعشرين
قبيلة ، وبقيت منهم قبيلة دون السد فهم الترك ; وقال كعب هم نادرة من ولد آدم ، وذلك
أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء والتراب يأجوج و
مأجوج فهم متصلون بنا من جهة الاب دون الام ; وهذا بعيد انتهى . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) واما ما تقدم في الخبر 16 من انه اوحى اليه فقد عرفت أن الخبر وارد من غير طرقنا
مع أنه يمكن توجيهه .
( 2 ) الخبر مروى عن العامة راجع .
( 3 ) أى تهجم وتوقع بغيرهم .
( 4 ) مجمع البيان 6 : 494 . م ( * )
[213]
أقول : سيأتي بيان أحوالهم في كتاب الغيبة إن شاء الله تعالى . ثم اعلم أنا إنما أوردنا قصة ذي القرنين بعد قصص إبراهيم عليه السلام تبعا للصدوق رحمه الله ، ولمامر من أنه
كان في زمنه عليه السلام ، وذهب بعض المؤرخين إلى أنه كان متقدما على إبراهيم عليه السلام .
غريبة : قال الثعلبي في العرائس : يحكى أن الواثق بالله رأى في المنام كأن السد
مفتوح ، فوجه سلاما الترجمان في خمسين رجلا وأعطاه ديته خمسة آلاف دينار ، وأعطى
كل رجل من الخمسين ألف درهم ورزق سنة ، وأعطاه مائتي بغل لحمل الزاد والماء ،
فتوجه من سر من رأى بكتاب من الواثق إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب ارمينية وكان
بتفليس ، وكتب له إسحاق إلى صاحب السرير ملك الاردن ، وكتب له ملك الاردن إلى
طلخيذ فيلاذ شاه ملك الخور ( 1 ) فأقام عنده حتى وجه خمسين رجلا أدلاء فساروا خمسة
وعشرين يوما حتى انتهوا إلى أرض سوداء منتنة الريح ، وكانوا قد حملوا خلا يشمونه من
الرائحة الكريهة ، ( 2 ) فساروا فيها سبعة وعشرين يوما ( 3 ) فمات ههنا قوم .
ثم ساروا في مدن خربة عشرين يوما ، فسألوا عن تلك المدن فقالوا : إنها قد ظهرت
يأجوج ومأجوج فخربوها ، ثم ساروا إلى حصون با لقرب من الجبل يتكلمون بالعربية و
الفارسية يقرؤون القرآن لهم كتاتيب ( 4 ) ومساجد ، فقالوا : من القوم ؟ قالوا : رسل أمير المؤمنين
فقالوا : من أمير المؤمنين ؟ قالوا : بالعراق ، فتعجبوا وقالوا : شيخ أوشاب ، وزعموا أنه لم
يبلغهم خبره ، ثم ساروا ( 5 ) إلى جبل أملس ليس عليه خضرة ، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة
وخمسون ذراعا ، فإذا عضادتان مبنيتان مقابلتا الجبل من جنبتي الوادي ، كل عضادة خمسة
وعشرون ذراعا ( 6 ) الظاهر من تحتها عشرة أذرع ، مبنية بلبن من حديد ، مركبه بنحاس
* ( هامش ) * ( 1 ) فيه تصحيف ، والموجود في العرائس : وكتب اسحاق إلى صاحب السرير ، وكتب له
صاحب السرير إلى ملك اللان ، وكتب له ملك اللان إلى الازلى طلجند فبلاد شاه ملك الخزر قلت : قال
ياقوت في المعجم : اللان آخره نون : بلاد واسعة في طرف ارمينية قرب باب الابواب مجاورون للخزر .
( 2 ) في العرائس : قد حملوا شيئا يشمونه من الرائحة الذكية .
( 3 ) في العرائس : تسعة وعشرين يوما .
( 4 ) في المصدر : مكاتب . وهما جمع المكتب والمكتبة : موضع التعليم .
( 5 ) في العرائس : فقالوا : من هو أمير المؤمنين ؟ قلنا : من أولاد العباس ملك بالعراق ،
فتعجبوا منه وقالوا : شيخ أوشاب ؟ وزعموا انهم لم يبلغهم خبره ، ثم فارقوهم وساروا .
( 6 ) في المصدر : عضادتاه مبنيتان مقابلتا الجبل ، عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا . ( * )
[214]
في سمك خمسين ذراعا ، وإذا دروند ( 1 ) من حديد طرفاه على عضادتين ، طوله مائة وعشرون
ذراعا ، قدر كبت طرفاه على العضادتين ، على كل واحدة ( 2 ) مقدار عشرة أذرع في عرض خمسة
أذرع ; وفوق ذلك الدروند بني بذلك اللبن من الحديد المنصب في النحاس ( 3 ) إلى رأس الجبل ،
وارتفاعه مد البصر ، وفوق ذلك شرف من حديد ، في طرف كل شرفة قرنان مبني بعضها
إلى بعض كل واحد إلى صاحبه ، وإذا باب مصراعان ( 4 ) منصوبان من حديد عرض
كل باب خمسون ذراعا في ارتفاع خمسين ذراعا ، قائمتاهما في دورهما على قدر الدروند
وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ ذراع ، وارتفاع القفل من الارض خمسة وخمسون
ذراعا ، وفوق القفل مقدار خمسة أذرع غلق ، ( 5 ) وعلى الغلق مفتاح طوله ذراع ونصف ،
وله اثنا عشر دندانجة كل واحدة كد سجدة منجل من أعظم ما يكون ، ( 6 ) ومعلق في سلسلة
طولها ثمانية أذرع في استدارة أربعة أشبار ، والحلقة التي في السلسلة مثل حلقة المنجنيق ،
وعتبة الباب عشرة أذرع ، في وسطه مائة ذراع ، سوى ما تحت العضادتين ، والظاهر
منها ( 7 ) خمسة أذرع ، هذا كله بذراع السواد ، ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة
في عشرة فوارس ، مع كل فارس مرزبة ( 8 ) من حديد ، كل واحد منها خمسون منا ،
فيضرب القفل بالمرزبات في كل يوم ثلاث ضربات يسمع من وراء الباب الصوت ، ويعملون
أن هناك حفظة ، ويعلم هؤلاء أن اولئك لم يحدثوا في الباب حدثا ، وإذا ضربوا أصغوا
إليها بآذانهم يسمعون من داخل دويا ، وبالقرب من هذا الجبل حصن عظيم كبير عشرة فراسخ
* ( هامش ) * ( 1 ) معرب دربند وهو الباب الواسع .
( 2 ) في المصدر : علو كل واحدة .
( 3 ) في المصدر : فوق ذلك اللبن الحديد المغيب في النحاس .
( 4 ) في المصدر : منظومة كل واحدة في صاحبتها . واذا باب له مصراعان .
( 5 ) الغلق : ما يغلق به الباب :
( 6 ) هكذا في النسخ ، والمصدر خال عن الجملة ، والظاهر أن دندانجة معرب دندانه . وأما
دسجدة فلم نقف على معناه والمنجل : آلة من حديد عكفاء يقضب بها الزرع ، يقال لها بالفارسية : داس .
( 7 ) في المصدر : وعرض عتبة الباب عشرة أذرع في طول مائة ذراع سوى ما في العضادتين
والظاهر منها ا ه .
( 8 ) بتشديد الباء وتخفيفها : عصية من حديد . ( * )
[215]
في عشرة فراسخ ، تكسيرها مائة فرسخ ، ومع الباب حصنان يكون كل واحد منهما مائتي
ذراع ( 1 ) في مائتي ذراع ، وعلى باب هذين الحصنين صخرتان ، وبين الحصنين عين ماء عذب ،
وفي أحد الحصنين آلة البناء التي بني بها السد : من قدور الحديد ، ومغارف من حديد مثل
قدر الصابون ، ( 2 ) وهناك بعض اللبن من الحديد قد التصق بعضه ببعض من الصدأ ( 3 )
واللبنة ذراع ونصف في طول شبر ، ( 4 ) وسألنا هل رأوا هناك أحدا من يأجوج ومأجوج ؟
فذكروا أنهم رأوا عدة منهم فوق الشرف ، فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم ، وكان
مقدار الرجل في رأي العين شبرا ونصفا .
قال : فلما انصرفنا أخذتنا الادلاء ( 5 ) على نواحي خراسان فعدلنا إليها فوقعنا إلى
القرب من سمرقند على سبع فراسخ ، وكان أصحاب الحصن قد زو دونا الطعام ثم سرنا إلى عبدالله
ابن طاهر فوصلنا بمائة ألف درهم ، ووصل كل رجل كان معي خمسمائة درهم ، وأجرى ( 6 )
على كل فارس خمسة دراهم وعلى كل راجل ثلاثة دراهم كل يوم حتى صرنا إلى الري ،
ورجعنا إلى سر من أرى بعد ثمانية وعشرين شهرا . ( 7 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ومع الباب حصنان طول كل واحدة منهما مائتا ذراع .
( 2 ) المصدر خال عن قوله : مثل قدر الصابون .
( 3 ) الصدأ : مادة لونها يأخذ من الحمرة والشقرة تتكون على وجه الحديد ونحوه بسبب رطوبة
الهواء ، يقال : بالفارسية لها : زنك .
( 4 ) في المصدر : في عرض شبر .
( 5 ) في المصدر : أخذ بنا الادلاء .
( 6 ) أجرى عليه الرزق : أفاضه وعينه .
( 7 ) العرائس 229 - 230 . م ( * )
[216]
( باب 9 )
* ( قصص يعقوب ويوسف على نبينا وآله وعليهما الصلاة والسلام ) *
الايات ، البقرة " 2 " ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم
الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه
ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وآله آبائك إبراهيم وإسمعيل وإسحق إلها واحدا
ونحن له مسلمون 132 - 133 .
آل عمران " 3 " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على
نفسه من قبل أن تنزل التورية قل فأتوا بالتورية فاتلوها إن كنتم صادقين 93 .
يوسف " 12 " نحن نقص عليك أحسن القصص " إلى قوله " : وهم يمكرون 3 - 102 .
مريم " 19 " وهبنا له إسحاق ويعقوب كلا جعلنا نبيا 49 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " إلا ما حرم إسرائيل " أي يعقوب " على نفسه "
اختلفوا في ذلك الطعام فقيل : إن يعقوب أخذه وجع العرق الذي يقال له عرق النساء
فنذر إن شفاه الله أن يحرم العروق ولحم الابل وهو أحب الطعام إليه ، عن ابن عباس و
غيره ; وقيل : حرم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبدا لله ، وسأل الله أن يجيز له فحرم
الله تعالى ذلك على ولده ; وقيل : حرم زائدة الكبد والكليتين والشحم إلا ما حملته الظهور
واختلف في أنه عليه السلام كيف حرم على نفسه ؟ فقيل : بالاجتهاد وهو باطل ; وقيل : بالنذر ; و
قيل : بنص ورد عليه ; وقيل : حرمه كما يحرم المستظهر في دينه من الزهاد اللذة على
نفسه " من قبل أن تنزل التورية " أي كل الطعام كان حلالا لنبي إسرائيل قبل أن تنزل
التوراة على موسى ، فإنها تضمنت تحريم ماكانت حلالا لبني إسرائيل .
واختلفوا فيما حرم عليهم فقيل : إنه حرم عليهم ما كانوا يحرمونه قبل نزولها اقتداء
بأبيهم يعقوب ; وقيل : لم يحر مه الله عليهم في التوراة ، وإنما حرم عليهم بعد التوراة بظلمهم
وكفرهم ، وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنبا عظيما حرم الله عليهم طعاما طيبا وصب عليهم رجزا
[217]
وهو الموت ، وذلك قوله تعالى : " فبظلم من الذين هادوا " الآية . وقيل لم يكن شيئا ( 1 ) من
ذلك حراما عليهم في التوراة وإنما هو شئ حرموه على أنفسهم اتباعا لابيهم ، وأضافوا
تحريمه إلى الله فكذبهم الله تعالى ، واحتج عليهم بالتوراة ، فلم يجسروا على إتيان التوراة
لعلمهم بصدق النبي صلى الله عليه وآله وكذبهم ، وكان ذلك دليلا ظاهرا على صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وآله . ( 2 )
1 - فس : محمد بن جعفر ، عن محمد بن أحمد ، عن علي بن محمد ، عمن حدثه ، ( 3 ) عن
المنقري ، عن عمرو بن شمر ، عن إسماعيل بن السندي ، عن عبدالرحمن بن أسباط القرشي
عن جابر بن عبدالله الانصاري في قول الله : " إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر
رأيتهم لي ساجدين " قال في تسمية النجوم : هو الطارق وحوبان والذيال ( 4 ) وذوالكتفين
ووثاب وقابس وعمودان وفيلق ( 5 ) ومصبح والصرح ( 6 ) والفروغ ( 7 ) والضياء والنور .
يعني الشمس والقمر ، وكل هذا النجوم محيطة بالسماء .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : تأويل هذه الرؤيا إنه سيملك مصر
ويدخل عليه أبواه وإخوته ، أما الشمس فام يوسف راحيل ، والقمر يعقوب ، وأما أحد
عشر كوكبا فإخوته ، فلما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله وحده حين نظروا إليه وكان
ذلك السجود لله .
قال علي بن إبراهيم : فحدثني أبي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر
عليه السلام أنه كان من خبر يوسف أنه كان له أحد عشرأخا ، وكان له من امه أخ واحد
* ( هامش ) * ( 1 ) كذا في النسخ .
( 2 ) مجمع البيان 2 : 475 . م


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 217 سطر 19 الى ص 225 سطر 18

( 3 ) في نسخة : عن حارثة .
( 4 ) في الخصال في رواية : " جوبان " وفى اخرى " حربان " وفى العرائس " جريان " وفيه :
" الذبال " .
( 5 ) في نسخة : فليق .
( 6 ) في نسخة : " الصوح " وفى اخرى " الضرح " وفى العرائس " الضروح " وفى الخصال :
" الضروج " .
( 7 ) في نسخة : " الفروع " وفى المصدر " القروع وفى العرائس " الفرع " وفى عصال :
" ذوالقرع " . ( * )
[218]
يسمى بنيامين ، ( 1 ) وكان يعقوب إسرائيل الله - ومعنى إسرائيل الله أي خالص الله - ابن إسحاق
نبي الله ابن إبراهيم خليل الله ، فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع سنين فقصها على أبه ، فقال
يعقوب : " يا نبي لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للانسان
عدو مبين " قوله : " فيكيدوا لك كيدا " أى يحتالوا عليك ، فقال يعقوب ليوسف : " وكذلك
يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها
على أبويك من قبل إبراهيم وإسحق إن ربك عليم حكيم " وكان يوسف من أحسن الناس
وجها ، وكان يعقوب يحبه ويؤثره على أولاده ، فحسدوه إخوته على ذلك ؟ وقالوا فيما بينهم
ما حكى الله عزوجل : " إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة أي جماعة
" إن أبانا لفي ضلال مبين " فعمدوا على قتل يوسف فقالوا : نقتله حتى يخلولنا وجه أبينا
فقال لاوي : لا يجوز قتله ولكن نغيبه عن أبينا ونحن نخلوبه ، فقالوا كما حكى الله عز
وجل : " يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون * أرسله معنا غدا يرتع ويلعب "
أي يرعى الغنم ويلعب " وإنا له لحافظون " فأجرى الله على لسان يعقوب " إني ليحزنني
أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " فقالوا كما حكى الله : " لئن
أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون " العصبة ، عشرة إلى ثلاثة عشر " فلما ذهبوا
به وأجمعوا أن يجعلوه في غيبت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لايشعرون "
أي تخبرهم بما هموا به ; وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " لتنبئنهم
بأمرهم هذا وهو لا يشعرون " يقول : لا يشعرون إنك أنت يوسف ، أتاه جبرئيل فأخبره
بذلك . ( 2 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : يعقوب هو إسرائيل الله - ومعناه : عبدالله الخالص -
ابن إسحاق نبي الله ، ابن إبراهيم خليل الله . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله قال : الكريم
ابن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . وعن ابن عباس
أن يوسف رأى في المنام ليلة الجمعة ليلة القدر أحد عشر كوكبا نزلت من السماء فسجدت
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة وفى المصدر : ابن يامين .
( 2 ) تفسير القمى : 316 - 317 . م ( * )
[219]
له ورأى الشمس والقمر نزلا من السماء فسجدا له ، قال : فالشمس والقمر أبواه ، والكواكب
إخوته الاحد عشر . وقال السدي : الشمس أبوه والقمر خالته ، وذلك أن امه راحيل
قد ماتت ; وقال ابن عباس : الشمس امه والقمر أبوه ; وقال وهب : كان يوسف رأى و
هو ابن سبع سنين أن أحد عشر عصا طوالا كانت مركوزة في الارض كهيئة الدائرة ، وإذا
عصا صغيرة وثبت عليها حتى اقتلعتها وغلبتها ، فوصف ذلك لابيه فقال : له إياك أن
تذكر ذلك لاخوتك . ثم رأى وهو ابن اثنتي عشرة سنة أن أحد عشر كوكبا والشمس
والقمر سجدن له ، فقصها على أبيه فقال له : " لا تقصص " الآية ; وقيل : إنه كان بين رؤياه
وبين مصير أبيه وإخوته إلى مصر أربعون سنة ; وقيل : ثمانون سنة .
قوله تعالى : " وكذلك " أي كما أراك هذه الرويا " يجتبيك ربك " أي يصطفيك و
يختارك للنبوة " ويعلمك من تأويل الاحاديث " أي من تعبير الرؤيا ; قيل : وكان أعبر الناس
الرؤيا أو مطلق العلوم والاخبار السالفة والآتية " لقد كان في يوسف وإخوته " كان ليعقوب
أثنا عشر ولدا ، وقيل : أسماؤهم روبيل وهو أكبرهم ، وشمعون ولاوي ويهودا وريالون ( 1 )
ويشجر . وامهم ليا ( 2 ) بنت ليان وهي ابنه خالة يعقوب ، ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب
أخته راحيل فولدت له يوسف وبنيامين ( 3 ) وقيل : ابن يامين ، وولد له من سريتين ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في اليعقوبى والطبرى والمحبر " يهوذا " بالذال . وفى المصدر وفى الطبرى " زبالون " وفى
اليعقوبى " زفولون " وفى المحبر " زبلون " وأما يشجر ففى الطبرى " يشجر ويشحر " بالحاء المهملة و
في اليعقوبى " يشاجر " والمحبر " يساخر " الا أنه لم يعجم الياء .
( 2 ) وبه قال اليعقوبى والطبرى ، وقال البغدادى في المحبر : هى الية . وأما أبوها ففى تاريخ
الطبرى : هو ليان بن بتويل بن الياس وفى تاريخ اليعقوبي : لابان . وفى المحبر . أحبن بن نتويل
ابن ناحور . ( 3 ) قال الطبرى : هو بالعربية : شداد .
( 4 ) في المطبوع هنا هامش نذكره بالفاظه : قوله : " وسرية " اختلف في سرية فقال بعضهم : انها
مشتقة من السر الذي هو الجماع أو الذى يكتم للمناسبة المعنوية اذ الغالب أن السرية تكتم عن الحرة
وقال بعضهم : انها من السراة ، ثم القائلون بأنها من السر اختلفوا فذهب بعضهم إلى أنها فعلية منسوبة
اليه وضمت سينها مع أن القياس الكسر كما قالوا دهرى في النسبة إلى الدهر ، وذهب آخرون إلى
انها في الاصل سرورة على وزن فعلولة من السر أيضا أبدلوا من الراء الاخيرة ياء للتضعيف ثم
قلبوا الواو ياء وادغموا ثم كسروا ماقبل الياء للمناسبة ، فهى على هذا فعليلة صغيرة عن فعلولة * ( * )
[220]
له اسم إحداهما زلفة والاخرى بلهة ( 1 ) أربعة بنين : دار ( 2 ) ويقنالي وحاد وأشر ليوسف وأخوه "
أي بنيامين " ونحن عصبة " أي جماعة يتعصب بعضنا لبعض ، ويعين بعضنا بعضا فنحن أنفع
لابينا " لفي ضلال مبين " أي ذهاب عن طريق الصواب الذي هو التعديل بيننا ، أو في خطاء
من الرأي في أمور الاولاد والتدبير الدنيوي ، إذ نحن أقوم بأموره ; وأكثر المفسرين على
أن إخوة يوسف كانوا أنبياء ، وقال بعضهم : لم يكونوا أنبياء لان الانبياء لا يقع منهم
القبائح . ( 3 ) وروى ابن بابويه في كتاب النبوة بإسناده عن ابن بزيع ، عن حنان بن
سدير قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : أكان أولاد يعقوب أنبياء ؟ فقال : لا ، ولكنهم كانوا
أسباطا أولاد الانبياء ، ولم يفارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا .
" يخل لكم وجه أبيكم " أي تخلص لكم محبته " قال قائل منهم " أي روبيل ; وقيل
يهودا ; وقيل : لاوي " في غيبت الجب " أي في قعر البئر ، واختلف فيه فقيل : هو بئر بيت
المقدس ، وقيل بأرض الاردن ; وقيل : بين مدين ومصر ; وقيل : على ثلاثة فراسخ من
منزل يعقوب " أخاف أن يأكله الذئب " قيل : كانت أرضهم مذئبة . وكانت السباع ضاريه
في ذلك الوقت ; وقيل : إن يعقوب عليه السلام رأى في منامه كأن يوسف قد شد عليه عشرة
أذؤب ليقتلوه ، وإذا ذئب منها يحمي عنه ، فكأن الارض انشقت فدخل فيها يوسف فلم
* ( هامش ) * والقائلون بأنها من السراة وهى الخيار ذهبوا إلى ذلك لانها لايجعل لامة سرية إلا بعد اختيارها
لنفسه ، ووزنها عندهم فعيلة فيكون الراء الواحدة والياء الواحدة زائدة والمختار الاول وهو أنها
فعلية من السر لقوة المعنى كماتقدم واللفظ أيضا لكثرة فعلية كحرية وقلة فعلولة وعدم فعلية ، وهنا
مذهب آخر وذهب اليه الاخفش ولم يذكره المصنف وهو أنها فعولة من السرور لانها يسر بها فابدلوا
من الراء الاخيرة ياء ثم قلبوا وادغموا كمامر . جار بردي .
( 1 ) في المحبر : بلها ، وفيه وفى اليعقوبى : زلفاء .
( 2 ) في المصدر واليعقوبي والطبرى والمحبر : " دان " بالنون . وفى الاولين : " نفتالى " وفى
الاخرين " نفتالى " أما حاد ففى المصدر : " جاد " بالجيم ، وفى الطبرى " جاد وحادر " وفى المحبر :
" جاذ " بالذال ، وفى اليعقوبى : " كاذ " .
( 3 ) وبه قالت اصحابنا الامامية ، حيث انهم قالوا ان الانبياء لايصدر عنهم الذنوب والقبائح
وهم معصومون عنها ، وتقدم الكلام في ذلك في أول المجلد 11 . ( * )
[221]
يخرج إلا بعد ثلاثة أيام ، فمن ثم قال هذا ، فلقنهم العلة وكانوا لا يدرون ; وروي عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : لا تلقنوا الكذب فتكذبوا ، فإن بني يعقوب لم يعلمو أن الذئب
يأكل الانسان حتى لقنهم أبوهم . ( 1 )
وقيل : كنى عنهم بالذئب مساترة عنهم ; وقال الحسن : جعل يوسف في الجب وهو
ابن سبع عشرة سنة ، وكان في البلاء إلى أن وصل إليه أبوه ثمانين سنة ، ولبث بعد الاجتماع
ثلاثا وعشرين سنة ، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة ; ( 2 ) وقيل : كان له يوم القي في
الجب عشر سنين ; وقيل : اثنا عشر ; وقيل : سبع ; وقيل : تسع ، وجمع بينه وبين أبيه وهو
ابن أربعين سنة . ( 3 )
2 - فس : قال علي بن إبراهيم : فقال لاوي : ألقوه في هذا الجب يلتقطه بعض
السيارة إن كنتم فاعلين ، فأدنوه من رأس الجب فقالوا له : انزع قميصك ، فبكى فقال :
يا إخوتي تجردوني ؟ ! فسل واحد منهم عليه السكين فقال : لئن لم تنزعه لاقتلنك ،
فنزعه ( 4 ) فدلوه في اليم ( 5 ) وتنحوا عنه ، فقال يوسف في الجب : " يا إله إبراهيم و
إسحاق ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حيلتي وصغري " فنزلت سيارة ( 6 ) من أهل مصر فبعثوا
* ( هامش ) * ( 1 ) رواه الثعلبى في العرائس باسناده عن ابن عمر .
( 2 ) في اليعقوبى : مائة واربعون سنة .
( 3 ) مجمع البيان 5 : 209 - 213 و 216 . م
( 4 ) في نسخة : فنزعوه .
( 5 ) هكذا في المصدر ونسخ من الكتاب ، وفى نسخة : في الجب .
( 6 ) قال الطبرسى ره : في قوله تعالى : " وجاءت سيارة " أى جماعة مارة ، قالوا : وإنما
جاءت من قبل مدين يريدون مصر فاخطؤوا الطريق فانطلقوا يهيمون حتى نزلوا قريبا من الجب وكان الجب
في قفرة بعيدة من العمران وإنما هو للرعاة والمجتازة ، وكان ماؤه ملحا فعذب ، وقيل : كان الجب
بظهر الطريق " فأرسلوا واردهم " أى بعثوا من يطلب لهم الماء ، قالوا : فكان رجلا يقال له
مالك بن زعر " فادلى دلوه " أى أرسل دلوه في البئر ليستقى ، فتعلق يوسف بالحبل ، فلما خرج إذا
هو بغلام أحسن ما يكون من الغلمان ، قال النبى صلى الله عليه وآله : " اعطى يوسف شطر الحسن
والنصف الاخر لسائر الناس " وقال كعب : كان يوسف حسن الوجه ، جعد الشعر ، ضخم العين ،
مستوى الخلق ، أبيض اللون ، غليط الساقين والعضدين ، خميص البطن ، صغير السرة ، وكان إذا * ( * )
[222]
رجلا ليستقي لهم الماء من الجب ، فلما أدلى الدلو على يوسف تشبث بالدلو فجروه فنظروا
إلى غلام من أحسن الناس وجها فعدوا إلى صاحبهم فقالوا : " يا بشرى هذا غلام " فنخرجه
ونبيعه ونجعله بضاعة لنا ، فبلغ إخوته فجاؤوا فقالو : هذا عبد لنا أبق ، ثم قالوا ليوسف :
لئن لم تقر بالعبودية لنقتلنك ، فقالت السيارة ليوسف : ماتقول ؟ قال : أنا عبدهم ، فقالت
السيارة : فتبيعوه ( 1 ) منا ؟ قالوا : نعم ، فباعوه منهم على أن يحملوه إلى مصر " وشروه
بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين " قال : الذي بيع بها يوسف ثمانية عشر
درهما ، وكان عندهم كما قال الله : " وكانوا فيه من الزاهدين " .
أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن
الرضا عليه السلام في قول الله : " وشروه بثمن بخس دراهم معدودة " قال : كانت عشرين درهما ،
والبخس : النقص ، وهي قيمة كلب الصيد إذا قتل ، كان قيمته عشرين درهما . ( 2 )
ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى مثله . ( 3 )
* ( هامش ) * * تبسم رئيت النور في ضواحكه : واذا تكلم رئيت في كلامه شعاع النور يلتهب عن ثناياه ، ولا
يستطيع أحد وصفه ، وكان حسنه كضوء النهار عن الليل ، وكان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه الله
وصوره ونفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية " وقال يا بشرى " بشر نفسه ; وقيل
هو اسم رجل من اصحابه ناداه " وأسروه بضاعة " أى وأسروا يوسف الذين وجدوه من رفقائهم
من التجار مخافة شركتهم ، فقالوا : هذه بضاعة لاهل الماء دفعوه الينا لنبيه لهم ; وقيل : وأسر
إخوته يكتمون أنه أخوهم فقالوا : هو عبد لنا قد أبق ، وقالوا بالعبرانية : " لئن قلت : أنا أخوهم
قتلناك " فتابعهم على ذلك لئلا يقتلوه ، عن ابن عباس " وشروه بثمن بخس " أى ناقص قليل " دراهم
معدودة " أى قليلة ، وذكر العدد عبارة عن القلة ، وقيل إنهم كانوا لا يزنون الدراهم ما دون الاوقية
وهى الاربعون ، ويزنون الاوقية فمازاد عليها " وكانوا فيه من الزاهدين " قيل : يعنى ان الذين
اشتروه كانوا غير الراغبين في شرائه لانهم وجدوا عليه علامة الاحرار ; وقيل : يعنى ان الذين
باعوه من اخوته كانوا غير راغبين في يوسف ولا في ثمنه ولكنهم باعوه حتى لا يظهر ما فعلوا به ;
وقيل : كانوا من الزاهدين فيه لم يعرفوا موضعه من الله وكرامته منه طاب الله ثراه .
( 1 ) هكذا في النسخ وفى المصدر .
( 2 ) تفسير القمى : 317 - 318 . م
( 3 ) مخطوط . ( * )
[223]
بيان : المشهور بين الاصحاب في كلب الغنم عشرين ، ( 1 ) وفي كلب الصيد أربعين ، أو
القيمة فيهما ، وسيأتي في كتاب الديات . وقال الطبرسي رحمه الله : قيل : كانت الدراهم عشرين
درهما ، عن ابن مسعود وابن عباس والسدي ، وهو المروي عن علي بن الحسين عليهما السلام ،
قالوا : وكانوا عشرة فاقتسموها درهمين درهمين ; وقيل : كانت اثنين وعشرين درهما ، عن
مجاهد ; وقيل : كانت أربعين درهما ، عن عكرمة ; وقيل : ثمانية عشر درهما ، عن أبي عبدالله
عليه السلام ; واختلف فيمن باعه فقيل : إن إخوة يوسف باعوه ، وكان يهودا منتبذا ( 2 ) ينظر
إلى يوسف ، فلما أخرجوه من البئر أخبر إخوته فأتوا مالكا وباعوه منه ، عن ابن عباس ومجاهد
وأكثر المفسرين ; وقيل : باعه الواجدون بمصر ، عن قتادة ; وقيل : إن الذين أخرجوه
من الجب باعوه من السيارة ، عن الاصم ; والاصح الاول ، وذكر أبوحمزة الثمالي في
تفسيره قال : فلم يزل مالك بن زعر وأصحابه يتعرفون من الله الخير في سفرهم ذلك حتى
فارقوا يوسف ففقدوا ذلك ، قال : وتحرك قلب مالك ليوسف فأتاه فقال : أخبرني من أنت ؟
فانتسب له يوسف ولم يكن مالك يعرفه ، فقال : أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن
إبراهيم ، فالتزمه مالك وبكى ، وكان مالك رجلا عاقرا لا يولد له ، فقال ليوسف : لو دعوت
ربك أن يهب لي ولدا ، فدعا يوسف ربه أن يهب له ولدا ويجعلهم ذكورا ، فولد له اثنا
عشر بطنا في كل بطن غلامان . ( 3 )
وقال السيد المرتضى رحمه الله في كتاب تنزيه الانبياء : فإن قال قائل : كيف صبر
يوسف عليه السلام على العبودية ولم ينكرها ؟ وكيف يجوز على نبي الصبر على أن يستعبد
ويسترق ؟ الجواب ; قيل له : إن يوسف عليه السلام لم يكن في تلك الحال نبيا على ما قاله كثير
من الناس ، ولما خاف على نفسه القتل جاز أن يصبر على الاسترقاق ، ومن ذهب إلى هذا
الوجه يتأول قوله تعالى : " وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون "
على أن الوحي لم يكن في تلك الحال ، بل كان في غيرها ، ويصرف ذلك إلى الحال المستقبلة
التي كان فيها نبيا
* ( هامش ) * ( 1 ) كذا في النسخ .
( 2 ) أى متنحيا عنهم .
( 3 ) مجمع البيان 5 : 220 . م ( * )
[224]
ووجه آخر : وهو أن الله لا يمتنع أن يكون أمره بكتمان أمره والصبر على مشقة
العبودية امتحانا وتشديدا في التكليف ، كما امتحن أبويه إبراهيم وإسحاق أحدهما بنمرود
والآخر بالذبح .
ووجه آخر : " وهو أنه يجوز أن يكون عليه السلام قد خبرهم بأنه غير عبد وأنكر عليهم
مافعلوه من استرقاقه إلا أنهم لم يسمعوا منه ولا أصغوا إلى قوله وإن لم ينقل ذلك ، فليس
كل ما جرى في تلك الازمان قد اتصل بنا .
ووجه آخر : وهو أن قوما قالوا : إنه خاف القتل فكتم أمر نبوته وصبر على
العبودية ، وهذا جواب فاسد لان النبي لا يجوز أن يكتم ما ارسل به خوفا من القتل
لانه يعلم أن الله تعالى لم يبعثه للاداء إلا وهو عاصم له من القتل حتى يقع الاداء ويسمع
الدعوة ، وإلا كان نقضا للغرض . انتهى كلامه رحمة الله عليه . ( 1 )
3 - فس : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " وجاءوا على قميصه
بدم كذب " قال : إنهم ذبحوا جديا على قميصه ; وقال علي بن إبراهيم : ورجع إخوته
وقالوا : نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدم فنقول لابينا : إن الذئب أكله ، فلما فعلوا ذلك
قال لهم لاوي : ياقوم ألسنا بني يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل
الله ؟ أفتظنون أن الله يكتم هذا الخبر عن أنبيائه ؟ ( 2 ) فقالوا : وما الحيلة ؟ قال : نقوم ونغتسل
ونصلي جماعة ونتضرع إلى الله تبارك وتعالى أن يكتم ذلك عن أبينا فإنه جواد كريم
فقاموا واغتسلوا وكان في سنة إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا
أحد عشر رجلا فيكون واحد منهم إمام عشرة يصلون خلقه ، ( 3 ) فقالوا : كيف نصنع و
ليس لنا إمام ؟ فقال لاوي : نجعل الله إمامنا ، فصلوا وبكوا وتضرعوا وقالوا : يا رب اكتم
علينا هذا ، ثم جاؤوا إلى أبيهم عشاء يبكون ومعهم القميص قد لطخوه بالدم " فقالوا يا
أبانا إنا ذهبنا نستبق " أي نعدو ( 4 ) وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب إلى قوله :
* ( هامش ) * ( 1 ) تنزيه الانبياء : 47 - 48 . م
( 2 ) في نسخة : عن أبينا .
( 3 ) في نسخة : فيكون واحد منهم اماما وعشرة يصلون خلفه .
( 4 ) وقيل : أى ننتصل ونترامى . منه رحمه الله . ( * )
[225]
" على ماتصفون " ثم قال يعقوب : ما كان أشد غضب ذلك الذئب على يوسف وأشفقه على
قميصه حيث أكل يوسف ولم يمزق قميصه ؟ ! قال : فحملوا يوسف إلى مصر وباعوه من عزيز
مصر ، ( 1 ) فقال العزيز " لامرأته أكرمي مثوبه " أي مكانه " عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا "
ولم يكن له ولد فأكرموه وربوه ، فلما بلغ أشده هوته امرأة العزيز ، وكانت لا تنظر
إلى يوسف امرأة إلا هوته ، ولا رجل إلا أحبه ، وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر ، فراودته
امرأة العزيز وهو قوله : " وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت
لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون " فما زالت تخدعه حتى كان
كما قال الله تعالى : " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه " فقامت امرأة العزيز
وغلقت الابواب فلما هما ( 2 ) رأى يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت عاضا على إصبعه يقول :
يايوسف أنت في السماء مكتوب في النبيين ، وتريد أن تكتب في الارض من الزناة ؟ ! فعلم
أنه قد أخطأ وتعدى .
وحدثني أبي ، عن بعض رجاله رفعه قال : قال أبوعبدالله : لما همت به وهم بها
قامت إلى صنم في بيتها فألقت عليه ملاءة لها ، فقال له يوسف : ماتعملين ؟ فقالت : القي
على هذا الصنم ثوبا لايرانا فإني أستحيي منه ، فقال يوسف : أنت تستحيين من صنم لا يسمع
ولا يبصر ولا أستحيي أنا من ربي ؟ ! فوثب وعدا وعدت من خلفه وأدركهما العزيز على
هذه الحالة وهو قول الله : " واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب "
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الطبرسى في قوله تعالى : " وقال الذى اشتراه من مصر " : أى من أهل مصر وكان
المشترى خازن فرعون مصر وخليفته ، واسمه قطفير ، وقيل : اطفير ، وكان يلقب بالعزيز ، وباعه


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 225 سطر 19 الى ص 233 سطر 18

مالك بن زعر منه بأربعين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين ، عن ابن عباس ; وقيل : تزايدوا حتى
بلغ وزنه ورقا ومسكا وحريرا ، واسم امرأة العزيز راعيل ولقبها زليخا ، والملك كان إلريان بن
الوليد : وقيل : لم يمت حتى آمن بيوسف ، وملك بعده قابوس من مصعب ، فدعاه يوسف إلى الاسلام
فأبى ، وقال ابن عباس : العزيز ملك مصر " وراودته " أى طلبت منه أن يواقعها " وغلقت الابواب "
قالوا : كانت سبعة " وقالت هيت لك " أى أقبل وبادر " انه ربي " الضمير عائد إلى زوجها فالرب
بمعنى السيد انه كان مالكه ظاهرا أو إلى الرب تعالى . منه طاب ثراه .
( 2 ) في المصدر : فلماهم . م ( * )
[226]
فبادرت امرأة العزيز فقالت للعزيز : " ماجزاء من أراد بأهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب أليم "
فقال يوسف للعزيز : " هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها " ( 1 ) فألهم الله يوسف أن قال
للملك : سل هذا الصبي في المهد فإنه يشهد أنها راودتني عن نفسي ، فقال العزيز للصبي
فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال : " إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من
من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين " فلما رأى العزيز
قميص يوسف قد تخرق من دبر قال لامرأته : " إنه من كيد كن إن كيد كن عظيم "
ثم قال ليوسف : " أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين " وشاع الخبر
* ( هامش ) * ( 1 ) قوله تعالى : " وشهد شاهد " قال ابن عباس وابن جبير : انه كان صبى في المهد ، قيل :
وكان الصبى ابن اخت زليخا وهو ابن ثلاثة أشهر ، وقيل : شهد رجل حكيم من أهلها " وقال
نسوة " قيل : هن أربع نسوة ، امرأة ساقى الملك ، وامرأة الخباز ، وامرأة صاحب الدواب ، وامرأة
صاحب السجن ، وزاد مقاتل امرأة الحاجب " بمكرهن " سماه مكرالان قصدهن كان ان تريهن يوسف ;
لانها استكتمهن ذلك فأظهرته " وأعتدت لهن متكأ " أى وسائد تتكين عليها ، وقيل : أراد به
الطعام لان من دعى إلى طعام يعد له المتكا وقيل : الطعام الزماورد .
وقال عكرمة : هو كل مايجز بسكين لانه يؤكل في الغالب على متكاء ، وقيل : انه كان طعام و
شراب على عمومه .
وروى عن ابن عباس وغيره " متكأ " خفيفة ساكنة التاء ، وقالوا : المتك : الاترج .
أقول : لعل على بن ابراهيم هكذا رواه فلذا فسره بذلك ، أو فسره بمطلق الطعام ،
ولما كان الواقع ذلك فسره به " فلما رأينه أكبرنه " أعظمنه وتحيرن في جماله " وقطعن
أيديهن " بتلك السكاكين على جهة الخطاء بدل قطع الفواكه ، فما أحسسن الا بالدم ، لم يجدن ألم
القطع لاشتغال الموبهن بيوسف ، والمعنى : جرحن أيديهن ; وقيل : أبنتها وقلن حاش لله " أى صار
يوسف في حشا ، أى في ناحية مما قذف به لخوفه لله ومراقبة أمره ، أو تنزيها له عما رمته به
امرأة العزيز ، أو تنزيها لله من صفات العجز وتعجبا من قدرته على خلق مثله " ماهذا بشرا ان هذا
الا ملك كريم " أى هذا الجمال غير معهود من البشر بل ملك كريم لحسنه ولطافته أو لجمعه بين
الحسن الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة ، وروى عن النبى صلى الله عليه وآله أنه قال :
رأيت ليلة المعراج يوسف في السماء الثانية وصورته صورة القمر ليلة البدر " ثم بدالهم " انما لم
يقل " لهن " لانه أراد به الملك او زليخا بأعوانها فغلب المذكر . منه رفع الله درجاته . ( * )
[227]
بمصر وجعلت النساء ( 1 ) يتحدثن بحديثها ويعذلنها ( 2 ) ويذكرنها وهو قوله : " وقال
نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتها عن نفسه " فبلغ ذلك امرأة العزيز فبعثت إلى
كل امرأة رئيسة فجمعتهن ( 3 ) في منزلها وهيأت لهن مجلسا ، ودفعت إلى كل امرأة
أترجة وسكينا ، فقالت : اقطعن ، ثم قالت ليوسف : اخرج عليهن ، وكان في بيت فخرج
يوسف عليهن فلما نظرن ( 4 ) إليه أقبلن يقطعن أيديهن وقلن كما حكى الله عزوجل
" فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ " أي اترجة " وآتت " وأعطت
" كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما
رأينه أكبرنه " إلى قوله : " إن هذا
إلا ملك كريم " فقالت امرأة العزيز : " فذلكن الذي لمتنني فيه " في حبه " ولقد راودته
عن نفسه " أي دعوته " فاستعصم " أي امتنع ، ثم قالت : " ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن و
ليكونا من الصاغرين " فما أمسى يوسف في ذلك البيت ( 5 ) حتى بعثت إليه كل امرأة
رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف في ذلك البيت فقال : " رب السجن أحب إلي مما
يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ، فاستجاب
له ربه فصرف عنه كيدهن " أي حيلتهن " أصب إليهن " أي أميل إليهن ، وأمرت امرأة
العزيز بحبسه فحبس في السجن . ( 6 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : يسأل ويقال : كيف قال يوسف : " السجن أحب إلي
مما تدعونني إليه " ولا يجوز أن يراد السجن الذي هو المكان ، وإن عنى الجسن الذي
هو المصدر فإن السجن معصية كما أن ما دعونه إليه معصية فلا يجوز أن يريده ؟ فالجواب
أنه لم يرد المحبة التي هي الارادة ، وإنما أراد أن ذلك أخف علي وأسهل . ووجه
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وجعلن النساء .
( 2 ) في نسخة : ويعيرنها .
( 3 ) في نسخة : فجمعن .
( 4 ) في نسخة : فلما أن نظرن اليه .
( 5 ) في نسخة : في ذلك اليوم . وكذا فيما بعده .
( 6 ) تفسير القمى 318 - 320 . م ( * )
[228]
آخر المعنى : لو كان مما اريد لكان إرادتي له أشد . وقيل : إن معناه : توطيني النفس على
السجن أحب إلي من توطيني النفس على الزنا .
ثم قال : فإن قيل : ما معنى سؤال يوسف اللطف من الله وهو عالم بأن الله يعلمه
لا محاله ؟ فالجواب : إنه يجوز أن تتعلق المصلحة بالالطاف عند الدعاء المجدد . ومتى
قيل : كيف علم أنه لولا اللطف لركب الفاحشة وإذا وجد اللطف امتنع ؟ قلنا : لما وجد
في نفسه من الشهوة وعلم أنه لولا لطف الله ارتكب القبيح ، وعلم أن الله يعصم أنبياءه بالالطاف
وأن من لا يكون له لطف لا يبعثه الله نبيا . ( 1 )
4 - فس : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " ثم بدا لهم من
بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين " فالآيات : شهادة الصبي ، والقميص المخرق من
دبر ، واستباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب ، فلما عصاها لم تزل مولعة
لزوجها حتى حبسه " ودخل معه السجن فتيان " يقول : عبدان للملك : ( 2 ) أحدهما خبازه
والآخر صاحب الشراب ، والذي كذب ولم ير المنام هو الخباز . ( 3 )
ايضاح : قال الطبرسي رحمه الله : كان يوسف عليه السلام لما دخل السجن قال لاهله :
إني اعبر الرؤيا ، فقال أحد العبدين لصاحبه : هلم فلنجربه ، فسألاه من غير أن يكون
رأيا شيئا ، عن ابن مسعود ; وقيل : بل رأيا على صحة وحقيقة ولكنهما كذبا في الانكار
عن مجاهد والجبائي ; وقيل : إن المصلوب منهما كان كاذبا والآخر صادقا ، عن أبي مجاز ( 4 )
ورواه علي بن إبراهيم أيضا في تفسيره عنهم عليهم السلام والمعنى : قال أحدهما وهو الساقي : رأيت
أصل حبلة ( 5 ) عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وعصرتها في كأس الملك فسقيته إياها
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 5 : 231 . م
( 2 ) أى للملك الاكبر واسمه الوليدبن ريان ، فنمى اليه أن صاحب الطعام يريد أن يسمه ،
والاخر ساعده عليه ، كذا قيل : منه رحمه الله .
( 3 ) تفسير القمى : 320 - 321 . م
( 4 ) هكذا في النسخ : والصحيح كما في المصدر : أبى مجلز ، وهو كمنبر كنية لا حق بن حميد
البصرى التابعى .
( 5 ) واحدة الحبل : شجر العنب أو قضبانه . ( * )
[229]
وتقديره : أعصر عنب خمر ، أي العنب الذي يكون عصيره خمرا ، فحذف المضاف ، قال
الزجاج وابن الانباري : والعرب تسمي الشئ باسم مابؤول إليه وإذا وضح المعنى ولم يلتبس ،
يقولون : فلان يطبخ الآجر ويطبخ الدبس ، وإنما يطبخ اللبن والعصير ; وقال قوم : إن
بعض العرب يسمون العنب خمرا حكى الاصمعي عن المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيا
ومعه عنب فقال له : مامعك ؟ قال خمر . وهو قول الضحاك ، فيكون معناه إني أعصر عنبا
وروي في قراءة عبدالله وابي جميعا : " إني رأيتني أعصر عنبا " وقال صاحب الطعام : إني
رأيت كان فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وأنواع الاطعمة ، وسباع الطير تنهش منه ( 1 )
وأما تعبير رؤيا الساقي فروي أنه قال : أما العناقيد الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تبقي في
السجن ثم يخرجك الملك في اليوم الرابع وتعود إلى ما كنت عليه ، وأجرى على مالكه
صفة الرب لانه عبده فأضافه إليه ، كما يقال : رب الدار ، ورب الضيعة ; وأما صاحب
الطعام فروي أنه قال له : بئسما رأيت ، أما السلال الثلاث فإنها ثلاثة أيام تبقى في
السجن ثم يخرجك الملك فيصلبك فتأكل الطير من رأسك . فقال عند ذلك : ما رأيت شيئا
وكنت ألعب ، فقال يوسف : " قضي الامر الذي فيه تستفتيان " أي فرغ من الامر الذي
تساءلان وتطلبان معرفته ، وما قلته لكما فإنه نازل بكما وهو كائن لا محالة ، وفي هذا
دلالة على أنه كان يقول ذلك على جهة الاخبار عن الغيب بما يوحى إليه لا كما يعبر
أحدنا الرؤيا على جهة التأويل انتهى . ( 2 )
أقول : لا يخفى أن ظاهر الآيات هو أنهما كانا رأيا في المنام ما ذكره عليه السلام على
وجه التعبير . فإن كان ما أورده علي بن إبراهيم خبرا كما فهمه رحمه الله فلتأويله وجه
وإلا فلا . ( 3 )
5 - فس : قال علي بن إبراهيم : ووكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه ، فلما
* ( هامش ) * ( 1 ) نهش اللحم : أخذه بمقدم أسنانه ونتفه .
( 2 ) تفسير القمى : 232 - 234 . م
( 3 ) يمكن استظهار كلا الموضوعين عن قوله تعالى : " قضى الامر الذى فيه تستفتيان " و
يستظهر الثانى أيضا من قوله : " ذلكما مما علمنى ربى " . ( * )
[230]
دخل السجن قالوا له : ما صناعتك ؟ قال : أعبر الرؤيا ، فرأى أحد الموكلين في نومه كما
قال الله عزوجل : " أعصر خمرا " قال يوسف : تخرج من السجن وتصير على شراب الملك
وترتفع منزلتك عنده ، وقال الآخر : " إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه "
ولم يكن رأى ذلك ، فقال له يوسف : أنت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك ،
فجحد الرجل وقال : إني لم أر ذلك ، فقال يوسف كما حكى الله عزوجل : يا صاحبي
السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي
الامر الذي فيه تستفتيان " .
فقال أبوعبدالله عليه السلام في قوله : " إنا نراك من المحسنين " قال : كان يقوم على المريض
ويلتمس المحتاج ، ويوسع على المحبوس . ( 1 ) فلما أراد من رأى في نومه أن يعصر خمرا
الخروج من الحبس قال له يوسف : " اذكرني عند ربك " فكان كما قال الله عزوجل :
" فأنساه الشيطان ذكر ربه " . ( 2 )
أخبرنا الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن عمر ، ( 3 ) عن شعيب العقرقوفي ( 4 )
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن يوسف أتاه جبرئيل عليه السلام فقال له : يا يوسف إن رب العالمين
يقرؤك السلام ويقول لك : من جعلك أحسن خلقه ؟ قال : فصاح ووضع خده على الارض
ثم قال : أنت يا رب ، ثم قال له : ويقول لك : من حببك إلى أبيك دون إخوتك ؟ قال :
* ( هامش ) * ( 1 ) وقيل : أى ممن يحسن تأويل الرؤيا . منه رحمه الله .
( 2 ) قوله : " يأتيكما طعام ترز ؟ انه " أى في المنام . قوله تعالى : " فانساه الشيطان ذكر ربه " أى أنسى
الشيطان الساقى ذكر يوسف عند الملك ; وقيل : أنسى يوسف ذكر الله في تلك الحال حتى استغاث
بمخلوق ، وهو مخالف للاخبار .
وقال الطبرسى رحمه الله : واختلف في البضع فقال بعضهم : مابين الثلاث إلى الخمس ، وقيل :
إلى السبع ، وقيل : إلى التسع ، وأكثر المفسرين على ان البضع في الاية سبع سنين . وقال الكلبى : هذا
السبع سوى الخمسة التى كانت قبل ذلك . منه رحمه الله .
( 3 ) في بعض النسخ : اسماعيل عمرو ، ولعله اسماعيل بن عمر بن أبان الكلبى .
( 4 ) في بعض النسخ : العقرقوقى وهو غلط ، والعقرقوفى بفتح العين والقاف وسكون الراء
وضم القاف الثانية وسكون الواو نسبة إلى عقرقوف : قرية قديمة بالقرب من بغداد . ( * )
[231]
فصاح ووضع خده على الارض وقال : أنت يارب ، قال : ويقول لك : من أخرجك من
الجب بعد أن طرحت فيها وأيقنت بالهلكة ؟ قال : فصاح ووضع خده على الارض ثم قال :
أنت يارب ، قال : فإن ربك قد جعل لك عقوبة في اسغاثتك ( 1 ) بغيره فالبث ( 2 ) في
السجن بضع سنين ، قال : فلما انقضت المدة وأذن الله له في دعاء الفرج وضع خده على
الارض ثم قال : " اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فإني أتوجه إليك بوجه
آبائي الصالحين : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب " ففرج الله عنه ، قلت :
جعلت فداك أندعو نحن بهذا الدعاء ؟ فقال : ادع بمثله : اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت
وجهي عندك فإني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن
والحسين والائمة عليهم السلام . ( 3 )
شى : عنم العقرقوفي مثله . ( 4 )
بيان : قال الطبرسي قدس الله روحه بعد نقل أمثال هذه الرواية : والقول في ذلك
أن الاستعانة بالعباد في دفع المضار والتخلص من المكاره جائز غير منكر ولا قبيح ، بل ربما
يجب ، وكان نبينا يستعين فيما ينوبه بالمهاجرين والانصار وغيرهم ، ولو كان قبيحا لم
يفعله ، فلو صحت هذه الروايات فإنما عوتب عليه السلام على ترك عادته الجميلة في الصبر و
التوكل على الله سبحانه في كل اموره دون غيره وقتا ما وابتلاء وتشديدا ، وإنما كان
يكون قبيحا لو ترك التوكل على الله سبحانه واقتصر على غيره ، وفي هذا ترغيب في الاعتصام
بالله والاستعانة به دون غيره في الشدائد وإن جاز أيضا أن يستعان بغيره انتهى . ( 5 )
أقول : ما ذكره رحمه الله من كون هذه الاستعانة جائزة غير محرمة لا ريب فيه ;
وأما مقايستها باستعانة الرسول صلى الله عليه وآله بالمهاجرين والانصار فقياس مع الفارق إذ ما كان
بأمر الله لابتلاء الخلق وتكليفهم ليس من هذا الباب .
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : في استعانتك .
( 2 ) في نسخة : فلبث .
( 3 ) تفسير القمى : 321 - 322 . م
( 4 ) مخطوط . م
( 5 ) مجمع البيان 5 : 235 . م ( * )
[232]
6 - فس : قال علي بن إبراهيم : ثم إن الملك رأى رؤيا فقال لوزرائه : ( 1 )
إني رأيت في نومي سبع بقرات ثمان يأكلهن سبع عجاف أي مهازيل ، ورأيت سبع
سنبلات خضر واخر يابسات ; وقرأ أبوعبدالله عليه السلام سبع سنابل خضر ، ثم قال : " يا أيها
الملؤ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون " فلم يعرفوا تأويل ذلك ، فذكر الذي كان
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الكلبى : ان رسول الملك جاءه فقال له : قم فان الملك يدعوك وألق ثياب السجن
عنك والبس ثيابا جددا ، فأقبل يوسف وتنظف من درن السجن ولبس ثيابه وأتى الملك وهو يومئذ
ابن ثلاثين سنة ، فلما رآه الملك شابا حدث السن قال : يا غلام هذا تأويل رؤياى ولم تعلم السحرة
والكهنة ؟ قال : نعم فأقعده قدامه وقص عليه رؤياه ورأى أن يوسف لما خرج من السجن دعا لاهله
وقال : اللهم اعطف عليهم بقلوب الاخيار ولا تعم عنهم الاخبار ، فلذلك تكون أصحاب السجن أعرف
الناس في الاخبار في كل بلدة ، وكتب على باب السجن : هذا قبور الاحياء ، وبيت الاحزان ، و
محزنة الاصدقاء وشماتة الاعداء .
قال وهب : ولما وقف بباب الملك قال : " حسبى ربى من دنياى " إلى آخر ما سيأتى برواية الثعلبى
من قوله : فاشتعلت فيهن النار واحرقتهن وصرن سودا متغيرات فهذا آخر مارأيت من الرؤيا ثم
انتبهت من نومك مذعورا ، فقال الملك : والله ما شأن هذه الرؤيا بأعجب ماسمعته منك ، فما ترى
في رؤياى أيها الصديق ؟ فقال يوسف : أرى أن تجمع الطعام وتزرع زرعا كثيرا في هذه
السنين المخصبة وتبنى الاهراء والخزائن فتجمع الطعام فيها بقصبه وسنبله ليكون قصبه وسنبله
علفا للدواب ، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمس فيكفيك من الطعام الذى جمعته لاهل مصر
ومن حولها ، ويأتيك الخلق من النواحى فيمتارون منك بحكمك ، ويجتمع عندك من الكنوز مالم
يجتمع لاحد ، فقال الملك : ومن لى بهذا ومن يجمعه ويبيعه ويكفى الشغل فيه ؟ فعند ذلك قال :
" اجعلنى على خزائن الارض " أى ارضك حافظا وواليا فانى حفيظ أخفظه من الخيانة عليم بمن
يستحق ومن لا يستحق ، وقيل : حفيظ للحساب ، وعالم بالالسن . منه طاب الله ثراه .
قال الطبرسى أى الوليد والعزيز وزيره " يأكلهن سبع عجاف " أى مهازيل قد خلت السمان
في بطون المهازيل حتى لم أرمنهن شيئا " واخر يابسات " قد استحصدت فالتوت اليابسات على
الخضر حتى غلبن عليها " يا أيها الملاء " أى الاشراف ، وقيل : جمع السحرة والكهنة وقص رؤياه
عليهم " قالوا أضغاث أحلام " أى أباطيل أحلام ، أو تخاليطها ، أى مناماة كاذبة لا يصح تأويلها
" وما نحن بتأويل الاحلام " أى التى هذه صفتها " وادكر بعد امة " أى تذكر بعد حين من الدهر و
زمان طويل " فارسلون " أى أرسلونى إلى من عنده علم " لعلهم يعلمون " أى تأويلها أومكانك و * ( * )
[233]
على رأس الملك رؤياه التي رآها وذكر يوسف بعد سبع سنين وهو قوله : " وقال الذي
نجا منهما وادكر بعد أمة " أي بعد حين " أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون " فجاء إلى يوسف
فقال : " أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر
واخر يابسات " فقال يوسف : " ترزعون سبع سنين دأبا " أي وليا ( 1 ) " فما حصدتم فذروه
في سنبله إلا قليلا مما تأكلون " أي لا تدوسوه فإنه يفسد ( 2 ) في طول سبع سنين ، فإذا كان
في سنبله لا يفسد " ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن " أي سبع سنين
مجاعة شديدة يأكلن ما قدمتم لهن في سبع سنين الماضية . ( 3 ) وقال الصادق عليه السلام :
إنما نزل " ماقربتم لهن " .
" ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " أي يمطرون ، وقال
أبوعبدالله عليه السلام : قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام : " ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس
وفيه يعصرون " فقال : ويحك أي شئ يعصرون ؟ أيعصر الخمر ؟ قال الرجل ياأمير المؤمنين :
كيف أقرؤها ؟ فقال : إنما نزلت " عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " أي يمطرون بعد
سني المجاعة ، والدليل على ذلك قوله : " وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا " . ( 4 )
توضيح : قوله تعالى " دأبا " قال البيضاوي : أي على عادتكم المستمرة . ( 5 )
وقال الطبرسي رحمه الله : أي فازرعوا سبع سنين متوالية ، عن ابن عباس ; أي زراعة
* ( هامش ) * فضلك " إلا قليلا مما تحصنون " أى تحرزون وتدخرون لبذر الزراعة انتهى .
واعلم أن اسم الملك مختلف في الكتب ففى بعض مواضع تفسيرى الطبرسى والثعلبى الوليد
ابن الريان ، وفى بعضها الريان بن الوليد ولذا اختلف ذكره في كتابنا ، والظاهر : الريان بن الوليد


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 233 سطر 19 الى ص 241 سطر 18

لاتفاق سائر الكتب عليه . منه رحمه الله .
قلت : ذكر البغدادى في المحبر ص 466 الفراعنة وقال : الثانى الريان بن الوليد بن ليث
ابن فاران بن عمرو بن عمليق بن يلمع وهو فرعون يوسف .
( 1 ) في المصدر : أى متوالية .
( 2 ) في نسخة : فانه ينفسد .
( 3 ) في نسخة : في السبع السنين الماضية .
( 4 ) تفسير القمى : 322 - 323 . م
( 5 ) انوار التنزيل 1 : 232 . م ( * )
[234]
متوالية في هذه السنين على عادتكم في الزراعة سائر السنين ; وقيل : دأبا أي بجد واجتهاد في
الزراعة انتهى . وقوله تعالى : " يأكلن " أي يأكل أهلهن ، والاسناد مجازي ( 1 )
قال الطبرسى رحمه الله : قرأ جعفر بن محمد عليه السلام " وسبع سنابل " وقرأ أيضا : ما قربتم لهن "
وقرأ هو والاعرج وعيسى بن عمر " وفيه يعصرون " ( 2 ) بياء مضمومة وصاد مفتوحة ، ثم
قال في بيان هذه القراءة : يجوز أن يكون من العصرة ، والعصر : المنجاة ، ويجوز أن
يكون من عصرت السحابة ماءها عليهم ، ثم ذكر ما أورده علي بن إبراهيم . ( 3 )
أقول : لعل المعنى الاول ذكره مع قطع النظر عن الخبر ; وقال البيضاوي :
" فيه يغاث الناس " يمطرون من الغيث ، أويغاثون من القحط من الغوث " وفيه يعصرون "
مايعصر كالعنب والزيتون لكثرة الثمار ، وقيل : يحلبون الضروع ، وقرئ على بناء المفعول
من عصره : إذا أنجاه ، ويحتمل أن يكون المبني للفاعل منه ، أي يغيثهم الله ويغيث
بعضهم بعضا ، أو من أعصرت السحابة عليهم فعدي بنزع الخافض ، أو بتضمينه معنى
المطر . ( 4 )
7 - فس : فرجع الرجل إلى الملك فأخبره بما قال يوسف فقال الملك : " ائتوني
به فلما جاء الرسول قال ارجع إلى ربك " يعني إلى الملك " فاسأله ما بال النسوة اللاتي
قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم " ( 5 ) فجمع الملك النسوة فقال لهن : " ماخطبكن
إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأت العزيز الآن حصحص
الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لم الصادقين * ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله
لا يهدي كيد الخائنين " أي لا أكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل ، ثم قالت :
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 5 : 238 . م
( 2 ) وذلك قراءة على عليه السلام كما تقدم عن القمى .
( 3 ) مجمع البيان 5 : 236 . م
( 4 ) انوار التنزيل 1 : 232 . م
( 5 ) أبى يوسف أن يخرج مع الرسول حتى يتبين براءته مما قذف به . منه رحمه الله . ( * )
[235]
" وما ابرئ نفسى إن النفس لامارة بالسوء " أي تأمر بالسوء ( 1 ) فقال الملك : " ائتوني به
أستخلصه لنفسي " فلما نظر إلى يوسف قال : " إنك اليوم لدينا مكين أمين " سل حاجتك
" قال اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم " يعني على الكناديج والانابير ، فجعله
عليها وهو قوله : " وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوء منها حيث يشاء " فأمر يوسف
أن يبنى كناديج من صخر ، وطينها بالكلس ، ثم أمر بزروع مصر فحصدت ودفع إلى
كل إنسان حصته وترك الباقي في سنبله لم يدسه ، فوضعه في الكناديج ، ففعل ذلك سبع
سنين ، فلما جاء سني الجدب كان يخرج السنبل فيبيع بما شاء . ( 2 )
بيان : " ماخطبكن " أي ما شأنكن ، والخطب : الامر الذي يحق أن يخاطب فيه
صاحبه " حاش لله " تنزيه له وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله " حصحص الحق "
أي ثبت واستقر من حصحص البعير . إذا القي مباركه ليناخ ، أوظهر من حص شعره :
إذا استأصله بحيث ظهر بشرة رأسه . ( 3 ) قوله : " ذلك ليعلم " إلى قوله : " وما ابرئ نفسي "
هذا من كلام يوسف على قول أكثر المفسرين ، وقيل : هو من كلام امرأة العزيز كما
ذكره علي بن إبراهيم والاول أشهر وأظهر .
* ( هامش ) * ( 1 ) لم يتعرض عليه السلام لامرأة العزيز مع ما صنعت به كرما ومراعاة للادب ، وقال الطبرسى :
روى عن النبى صلى الله عليه وآله أنه قال : لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره - والله يغفر له -
حين يسأل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما اخبرتهم حتى أشترط أن يخرجونى من
السجن ، ولعد عجبت من يوسف وصبره وكرمه - والله يغفر له - حين أتاه الرسول فقال : ارجع إلى ربك
؟ لو كنت مكانه ولبثت في السجن مالبث لاسرعت الاجابة وبادرتهم إلى الباب وما ابتغيت العذر انه
كان حليما ذا أناة .
أقول : لوصح الخبر لكان هذا منه صلى الله عليه وآله تواضعا والمراد غيره . منه طاب الله ثراه .
قلت : ذكر الخبر الثعلبى مرسلا في العرائس والظاهر انه من مرويات العامة فقط .
( 2 ) تفسير القمى : 323 م
( 3 ) قال الطبرسى : قال الزجاج : حصحص الحق اشتقاقه من الحصة ، أى بانت حصة الحق
وجهته من حصة الباطل ، وقال غيره : هو مكرر من قولهم : حص شعره : إذا استأصل قطعه وأزاله
عن الرأس فيكون معناه : انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه . وحصحص البعير بثفناته في الارض
إذا حرك حتى تستبين آثارها فيه ، قال حميد :
وحصحص في صم الحصى ثفناته * ورام القيام ساعة ثم صمما ( * )
[236]
وقال الفيروز آبادي : الكندوج : شبه المخزن معرب الكندو . وقال : الانبار : بيت
التاجر ينضد فيه المتاع ، الواحد نبر بالكسر . والكلس بالكسر : الصاروج .
8 - فس : وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما ، وكان في بادية ، وكان الناس من
من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا ( 1 ) طعاما ، وكان يعقوب وولده نزولا في بادية
فيه مقل ، ( 2 ) فأخذ إخوة ( 3 ) يوسف من ذلك المقل وحملوه إلى مصر ليمتاروا ( 4 ) به
طعاما ، وكان يوسف يتولى البيع بنفسه ، فلما دخل إخوته على يوسف عرفهم ولم يعرفوه
كما حكى الله عزوجل : " وهم له منكرون " فلما جهزهم بجهازهم وأعطاهم وأحسن
إليهم في الكيل قال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن بنو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله
الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق فجعلها الله عليه بردا وسلاما ; قال : فما فعل أبوكم ؟
قالوا : شيخ ضعيف ، قال : فلكم أخ غيركم ؟ قالوا : لنا أخ من أبينا لا من امنا ، قال : فإذا
رجعتم إلي فائتوني به وهو قوله : " ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني اوف الكيل
وأنا خير المنزلين * فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون * قالوا سنراود عنه
أباه وإنا لفاعلون " ثم قال يوسف لقومه : ردوا هذه البضاعة التي حملوها إلينا اجعلوها
فيما بين رحالهم حتى إذا رجعوا إلى منازلهم ورأوها رجعوا إلينا ، وهو قوله : " وقال لفتيانه
اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون " ( 1 ) يعني
كي يرجعون " فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل
وإنا له لحافظون * قال " يعقوب : " هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل
فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين * فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم "
في رحالهم التي حملوها إلى مصر " قالوا يا أبانا ما نبغي " أي ما نريد ؟ هذه بضاعتنا ردت
إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير * قال " يعقوب : " لن
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : ليمتارون ، وفى المصدر : يمتارون .
( 2 ) في نسخة : فيها مقل .
( 3 ) في نسخة : فأخذوا اخوة يوسف .
( 4 ) أى ليجمعوا به طعاما .
( 1 ) اجعلوا بضاعتهم أى ثمن طعامهم ، وقيل كانت بضاعتهم النعال والادم ، وقيل : كانت الورق
كذا ذكره الطبرسى رحمه الله ; منه طاب الله ثراه . ( * )
[237]
أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال "
يعقوب : " الله على ما نقول وكيل " فخرجوا وقال لهم يعقوب : " لا تدخلوا من باب واحد
وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت
وعليه فليتوكل المتوكلون * ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله
من شئ إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا
يعلمون " ( 1 )
بيان : قال البيضاوي : " فعرفهم وهم له منكرون " ( 2 ) أي عرفهم يوسف ولم يعرفوه
لطول العهد ومفارقتهم إياه في سن الحداثة ، ونسيانهم إياه ، وتوهمهم أنه هلك ، وبعد
حاله التي رأوه عليها من حاله حين فارقوه ، وقلة تأملهم في حلاه من التهيب والاستعظام .
وقال في قوله : " اجعلوا بضاعتهم في رحالهم " إنما فعل ذلك توسيعا وتفضلا عليهم ، وترفعا
من أن يأخذ ثمن الطعام منهم ، وخوفا من أن لا يكون عند أبيه مايرجعون به . قوله :
" منع منا الكيل " أي حكم بمنعه بعد هذ إن لم نذهب ببنيامين . قوله : " ما نبغى " أي ماذا
نطلب ؟ هل من مزيد على ذلك ؟ أكرمنا وأحسن مثوانا ، وباع منا ورد علينا متاعنا ; أو
لانطلب وراء ذلك إحسانا ; أولا نبغي في القول ولا نزيد فيما حكينا لك من إحسانه . قوله :
" إلا أن يحاط بكم " أي إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك ، أو إلا أن تهلكوا جميعا . قوله
" لا تدخلوا من باب واحد " المشهور بين المفسرين أنه إنما قال ذلك لما خاف عليهم من
العين ; وقيل : لما اشتهروا بمصر بالحسن والجمال وإكرام الملك لهم خاف عليهم حسد الناس ;
وقيل : لم يأمن عليهم من أن يخافهم الملك فيحبسهم ; وقيل : إنه عليه السلام كان عالما بأن
ملك مصر ولده يوسف إلا أن الله تعالى لم يأذن له في إظهار ذلك ، فلما بعث أبناءه إليه
قال : " لا تدخلوا من باب واحد " وكان غرضه أن يصل بنيامين إلى يوسف في وقت
الخلوة .
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى : 323 - 325 . م
( 2 ) قال الطبرسى : قال ابن عباس : كان بين أن قذفوه في الجب وبين دخولهم عليه أربعون سنة
فلذلك أنكروه لانهم رأوه ملكا جالسا على السرير ولم يكن يخطر ببالهم انه يصير على تلك الحالة
منه طاب الله ثراه . ( * )
[238]
ثم إن العبد لما كان مأمورا بملاحظة الاسباب وعدم الاعتماد عليها والتوكل على
الله قال أولا ما يلزمه من الحزم والتدبير ، ثم تبرأ عن الاعتماد على الاسباب بقوله : " وما
أغنى عنكم من الله من شئ " ثم إنه تعالى صدقه على ماذكره من عدم الاعتماد على الاسباب
بقوله تعالى : " ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم " أي من أبواب متفرقة في البلد " ماكان
يغني عنهم " رأي يعقوب واتباعهم له " من الله من شئ " مما قضاه عليهم كما قال يعقوب ،
فاخذ بنيامين بوجدان الصواع في رحله ، وتضاعفت المصيبة على يعقوب " إلا حاجة في نفس
يعقوب " استثناء منقطع ، أي ولكن حاجة في نفسه ، يعني شفقته عليهم وخوفه من أن يعانوا
إو غير ذلك ممامر " قضاها " أي أظهرها ووصى بها " وإنه لذو علم لما علمناه " بالوحي ونصب
الحجج ولذلك قال : " وما أغنى عنكم من الله من شئ " ولم يغتر بتدبيره " ولكن أكثر الناس
لا يعلمون " أسرار القدر . ( 1 )
9 - فس : فخرجوا وخرج معهم بنيامين ، وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم
فلما وافوا مصردخلوا على يوسف وسلموا فنظر يوسف إلى أخيه فعرفه فجلس منهم بالبعيد ، ( 2 )
فقال يوسف : أنت أخوهم ؟ قال : نعم ، قال : فلم لا تجلس معهم ؟ قال : لانهم أخرجوا أخي
من أبي وامي ثم رجعوا ولم يردوه وزعموا أن الذئب أكله فآليت على نفسي أن لا أجتمع
معهم على أمر ما دمت حيا ، قال : فهل تزوجت ؟ قال : بلى ، قال : فولد لك ولد ؟ قال :
بلى ، قال : كم ولد لك ؟ ( 3 ) قال : ثلاثة بنين ، قال : فما سميتهم ؟ قال : سميت واحدا منهم
الذئب ، وواحدا القميص ، وواحدا الدم ، قال : وكيف اخترت هذه الاسماء ؟
قال : لئلا أنسى أخي ، كلما دعوت واحدا من ولدي ( 4 ) ذكرت أخي ، قال يوسف لهم :
اخرجوا وحبس بنيامين ، فلما خرجوا من عنده قال يوسف لاخيه : " أنا أخوك " يوسف
" فلا تبتئس بما كانوا يمعلون " ثم قال له : أنا أحب أن تكون عندي ، فقال : لا يدعونى إخوتي
فإن أبي قد أخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن يردوني إليه ، قال : فأنا أحتال بحيلة فلا تنكر
* ( هامش ) * ( 1 ) انوار التنزيل 1 : 233 و 234 . وفيه : سر القدر وانه لا يغنى عنه الحذر . م
( 2 ) في نسخة وفى المصدر : فجلس منهم بالبعد .
( 3 ) في نسخة : كم ولدك ؟
( 4 ) في نسخة : كلما دعوت واحدا من أولادى . ( * )
[239]
إذا رأيت شيئا ولا تخبرهم ، فقال : لا ، فلما جهزهم بجهازهم وأعطاهم وأحسن إليهم قال
لبعض قوامه : اجعلوا هذا الصاع في رحل هذا ، وكان الصاع الذي يكيلون به من ذهب
فجعلوه في رحله من حيث لم يقفوا عليه إخوته ، فلما ارتحلوا بعث إليهم يوسف وحبسهم
ثم أمر مناديا ينادي : " أيتها العير إنكم لسارقون " فقال إخوة يوسف : " ماذا تفقدون *
قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " أي كفيل ، فقال إخوة ( 1 )
يوسف ليوسف : " تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين ( 2 ) قال يوسف
" فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزاؤه من وجد في رحله " فاحبسه ( 3 ) " فهو جزاؤه
كذلك نجزي الظالمين * فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه " ( 4 )
فتشبثوا بأخيه وحبسوه وهو قوله : " كذلك كدنا ليوسف " أي احتلنا له " ما كان ليأخذ
أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم " فسئل
الصادق عليه السلام عن قوله : " أيتها العير إنكم لسارقون " قال : ماسرق وما كذب يوسف ،
فإنما عنى : سرقتم يوسف عليه السلام من أبيه ، وقوله : " أيتها العير " معناه : يا أهل العير ، ومثله
قولهم لابيهم : " وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها " يعني أهل القرية
وأهل العير ، فلما اخرج ليوسف الصاع من رحل أخيه قال إخوته : " إن يسرق فقد سرق
أخ له من قبل : يعنون به يوسف فتغافل يوسف عنهم وهو قوله : " فأسرها يوسف في نفسه
ولم يبدها لهم وقال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون " ( 5 ) فاجتمعوا إلى يوسف
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة وفى المصدر : فقالوا اخوة يوسف .
( 2 ) أى قد ظهر لكم من حسن سيرتنا ومعاملتنا معكم مرة بعد اخرى ماتعلمون به أنه ليس من
شأننا السرقة ; وقيل : انهم قالوا ذلك لانهم رأوا البضاعة التى وجدوها في رحالهم مخافة أن يكون
وضع ذلك بغير اذن يوسف ; وقيل : إنهم لما دخلوا مصر وجدوهم قد شدوا أفواده دوابهم كيلا
تتناول الحرث والزرع ، كذا ذكره الطبرسى منه طاب الله ثراه .
( 3 ) في نسخة : احبسه .
( 4 ) إنما فعل ذلك لرفع التهمة . منه طاب الله ثراه .
( 5 ) " أنتم شر مكانا " قال الطبرسى : أى في السرق لانكم سرقتم أخاكم من أبيكم وأسر
هذه المقالة في نفسه ثم جهر بقوله : " والله أعلم بما تصفون " منه طاب الله ثراه . ( * )
[240]
وجلودهم تقطردما أصفر فكانوا يجادلونه في حبسه ، وكان ولد يعقوب ( 1 ) إذا غضبوا
خرج من ثيابهم شعر ، ويقطر من رؤوسها دم أصفر وهم يقولون له : " يا أيها العزيز إن
له أبا شيخا كبيرا ( 2 ) فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين " فأطلق عن هذا .
فلما رأى يوسف ذلك " قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده " ولم يقل
إلا من سرق متاعنا " إنا إذا لظالمون " فلما أيسوا ( 3 ) وأرادوا الانصراف إلى أبيهم قال
لهم لاوي بن يعقوب : " ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله " في هذا " ومن
قبل ما فرطتم في يوسف " فارجعوا أنتم إلى أبيكم ، أما أنا فلا أرجع إليه " حتى يأذن لي أبي
أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين " ثم قال لهم : " ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن
ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين * واسئل القرية التي كنا
فيها والعير التي أقبلنا فيها " أي أهل القرية وأهل العير " وإنا لصادقون " قال : فرجع إخوة
يوسف إلى أبيهم ، وتخلف يهودا فدخل على يوسف وكلمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين
يوسف وغضب ، وكانت على كتف يهودا شعرة فقامت الشعرة فأقبلت تقذف بالدم ، وكان لا
يسكن حتى يمسه بعض أولاد يعقوب ، ( 4 ) قال : فكان بين يدي يوسف ابن له في يده
رمانة من ذهب يلعب بها ، فلما رأى يوسف أن يهودا قد غضب وقامت الشعرة تقذف بالدم
أخذ الرمانة من الصبي ثم دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على
يد يهودا فذهب غضبه فارتاب يهودا ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف . قال : ثم ارتفع
الكلام بينهما حتى غضب يهودا وقامت الشعرة تقذف بالدم فلما رأى ذلك يوسف دحرج
الرمانة نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا ( 5 ) فسكن غضبه ، وقال :
إن في البيت لمن ولد يعقوب ، حتى صنع ذلك ثلاث مرات . ( 6 )
بيان : " لا تبتئس " أي لا تحزن ، افتعال من البؤس . قال الطبرسي رحمه الله : قيل : إن
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة والمصدر : وكانوا ولد يعقوب .
( 2 ) اى كبيرا في السن او في القدر والمنزلة . منه قدس سره .
( 3 ) في نسخة : فلما آيسوا منه . وفى المصدر : فلما استيأسوا منه .
( 4 ) في نسخة : بعض ولد يعقوب .
( 5 ) في نسخة : فوقعت يده على يد يهودا .
( 6 ) تفسير القمى : 325 - 327 . م ( * )
[241]
السقاية هي المشربة التي كان يشرب منها الملك ، ثم جعل صاعا في السنين الشداد القحاط
يكال به الطعام ; وقيل : كان من ذهب ، عن أبي زيد وروي عن أبي عبدالله عليه السلام ; وقيل :
كان من فضة ، عن ابن عباس والحسن ; وقيل : كان من فضة مرصعة بالجواهر ، عن عكرمة
انتهى .
وأما قوله : " أيتها العير إنكم لسارقون " فالظاهر إنه كان على وجه المصلحة تورية ،
وكان وجه التورية فيه ما ورد في الاخبار أنه كان غرضه عليه السلام أنكم سرقتم يوسف من أبيه ;
وقيل : إنما قال ذلك بعض من فقد الصاع من قوم يوسف من غير أمره ; وقيل : إن الكلام
يجوز أن يكون خارجا مخرج الاستفهام كأنه قال : أئنكم لسارقون ؟ فاسقطت الهمزة ،
والاول هو الموافق لماورد فيه من الاخبار .
قال الطبرسي رحمه الله : ومتى قيل : كيف جاز ليوسف أن يحزن والده وإخوته
بهذا الصنيع ويجعلهم متهمين بالسرقة ؟ فالجواب أن الغرض فيه التسبب إلى احتباس
أخيه عنده ، ويجوز أن يكون ذلك بأمر من الله ، وروي أنه أعلم أخاه بذلك ليجعله طريقا
إلى التمسك به ، وإذاكان إدخال هذاالحزن سببا مؤديا إلى إزالة غموم كثيرة عن الجميع
ولا شك أنه يتعلق به المصلحة فقد ثبت جوازه ، وأما التعرض للتهمة بالسرقة فغير صحيح
فإن وجود السقاية في رحله يحتمل امورا كثيرة غير السرقة ، فعلى هذا من حمله على السرقة
مع علمه بأنهم أولاد الانبياء توجهت اللائمة عليه انتهى . ( 1 )
أقول : العمدة في هذا الباب أن بعد ثوبت العصمة بالبراهين القاطعة لامجال للاعتراض
عليهم في أمثال ذلك ، ولكل منها وجوه ومحامل يمكن حمله علهيا بحيث لا ينافي علو


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 241 سطر 19 الى ص 249 سطر 18

شأنهم .
قوله . " قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه " أي قال إخوة يوسف : جزاء
السرقة السارق وهو الانسان الذي وجد المسروق في رحله ، ومعناه أن السنة كانت في آل
يعقوب أن يتسخدم السارق ويسترق على قدر سرقته ، وفي دين الملك الضرب والضمان ;
وقيل : كان يسترق سنة . وقوله : " وكذلك نجزي الظالمين " تأكيد لبيان اطراد هذا الحكم
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 5 : 252 . م
[242]
عندهم ; وقيل : إن ذلك جواب يوسف عليه السلام . قوله تعالى : ما كان ليأخذ أخاه " قال الرازي
المعنى أنه كان حكم الملك في السارق أن يضرب ويغرم ضعفي ماسرق ، فما كان يوسف
قادرا على حبس أخيه عند نفسه بناء على دين الملك وحكمه إلا أن الله تعالى كاد له وأجرى
على لسان إخوته أن جزاء السارق هو الاسترقاق وهو معنى قوله : " إلا أن يشاء الله " .
ثم اعلم أنهم اختلفوا في قوله تعالى : " قال كبيرهم " فقيل : هو روبيل وكان كبيرهم
في السن ; وقيل : شمعون وكان رئيسهم ; وقيل : يهودا وكان كبيرهم في العقل ; وقيل : لاوي
ولعله بنى الكلام أولا على أحد القولين وثانيا على القول الآخر ، ويحتمل أن يكون
تخلف يهودا ثم لحقهم . ( 1 )
10 - فس : فلما رجعوا ( 2 ) إخوة يوسف إلى أبيهم وأخبروه بخبر أخيهم قال يعقوب :
" بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبرجميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم "
ثم " تولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن " يعني عميت ( 3 ) من
البكاء " فهو كظيم ( 4 ) " أي محزون ، والاسف : أشد الحزن ، وسئل أبوعبدالله عليه السلام ما بلغ
من حزن يعقوب على يوسف ؟ قال : حزن سبعين ثكلى بأولادها ، ( 5 ) وقال : إن يعقوب
لم يعرف الاسترجاع فمنها قال : ( 6 ) واأسفاه على يوسف ، فقالوا له : " تالله تفتؤ تذكر
يوسف " أي لا تفتؤ عن ذكر يوسف " حتى تكون حرضا " أي ميتا ( 7 ) " أو تكون من
الهالكين " " فقال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون " . ( 8 )
تفسير : " بل سولت " أي زينت وسهلت لكم " أنفسكم أمرا " أردتموه وقر رتموه
* ( هامش ) * ( 1 ) قوله : " فلن ابرح الارض " اى لا ازول عن ارض مصر . منه رحمه الله .
( 2 ) كذا في المصدر وفى نسخ ، وفى نسخة من الكتاب : فلما رجع .
( 3 ) في نسخة : يعنى عميتا من البكاء .
( 4 ) اى مملوء من الغيظ على اولاده ، ممسك له في قلبه لا يظهره . منه رحمه الله .
( 5 ) في نسخة : على اولادها .
( 6 ) في المصدر : ولذلك قال : وهو الصحيح .
( 7 ) الظاهر بقرينة بعده انه اراد الاشراف على الهلاك .
( 8 ) تفسير القمى : 327 - 328 . م ( * )
[243]
وإلا فما أدرى الملك أن السارق يؤخذ بسرقته " فصبر جميل " فأمري صبرجميل ، أو فصبر
جميل أجمل " عسى الله أن يأتيني بهم جميعا " بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر
" إنه هو العليم " بحالي وحالهم " الحكيم " في تدبيرها " وتولى عنهم " أي أعرض عنهم كراهة
لما صادف منهم وقال يا أسفى على يوسف " أي يا أسف تعال فهذا أوانك ، والاسف أشد
الحزن والحسرة ، والالف بدل من ياء المتكلم . قال البيضاوي : وفي الحدث : ( 1 ) لم تعط
امة من الامم " إنا لله وإنا إليه راجعون " عند المصيبة إلا امة محمد ، ألا ترى إلى يعقوب
حين أصابه ما أصاب لم يسترجع وقال : يا أسفا . انتهى . ( 2 )
ثم اعلم أنه اختلف في قوله : " وابيضت عيناه من الحزن " كما أن الشيعة اختلفوا
في أنه هل يجوز على الانبياء مثل هذا النقص في الخلقة ، قال الشيخ الطبرسي رحمه الله :
فقيل : لا يجوز لان ذلك ينفر ; وقيل : يجوز إن لا يكون فيه تنفير ويكون بمنزلة سائر
العلل والامراض انتهى . ( 3 ) فمن لا يجوز ذلك يقول : إنه ما عمي ولكنه صار بحيث يدرك
إدراكا ضعيفا ، أو يؤول بأن المراد أنه غلبه البكاء وعند غلبة البكاء يكثر الماء في العين فتصير
العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء ، ومن يجوز ذلك يحملها على ظاهرها ، والحق أنه
لم يقم دليل على امتناع ذلك حتى نحتاج إلى تأويل الآيات والاخبار الدالة على حصوله ، على
أنه يحتمل أن يكون على وجه لا يكون نقص فيه وعيب في ظاهر الخلقة ، والانبياء عليهم السلام
يبصرون بقلوبهم ما يبصر غيرهم بعينه
قال البيضاوي في قوله تعالى : " تالله تفتؤ تذكر يوسف " أي لا تفتؤ ولا تزال تذكره
تفجعا عليه ، فحذف " لا " حتى تكون حرضا مشفيا على الهلاك ، وقيل : الحرض الذي
أذابه هم أو مرض " أو تكون من الهالكين " من الميتين " قال إنما أشكوا بثي " أي همي
الذي لا أقدر الصبر عليه ، من البث بمعنى النشر . انتهى . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الطبرسى : روى عن ابن جبير انه قال : لقد اعطيت هذه الامة عند المصيبة ما لم يعط
الانبياء قبلهم : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ولو اعطيها انبياء لاعطيها يعقوب إذ يقول : يا اسفا على
يوسف . منه رحمه الله
( 2 و 4 ) انوار التنزيل 1 : 235 . م
( 3 ) مجمع البيان : 257 . م ( * )
[244]
أقول : على ما فسر علي بن إبراهيم " الحرض " لعله حمل الهلاك على الهلاك المعنوي
بترك الصبر . ( 1 )
11 - فس : حدثني أبي ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت
له : أخبرني عن يعقوب حين قال لولده : " اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه " أكان علم أنه
حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه ( 2 ) عليه من البكاء ، قال : نعم علم أنه حي
حتى أنه دعا ربه في السحر أن يهبط عليه ملك الموت ، فهبط عليه ملك الموت بأطيب
رائحة ( 3 ) وأحسن صورة ، فقال له : من أنت ؟ قال : أنا ملك الموت ، أليس سألت الله أن
ينزلني عليك ؟ قال : نعم ، قال : ما حاجتك يا يعقوب ؟ قال له : أخبرني عن الارواح
تقبضها جملة أو تفاريقا ؟ قال : تقبضها أعواني متفرقة وتعرض علي مجتمعة ، قال يعقوب :
فأسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب هل عرض عليك في الارواح روح يوسف ؟ فقال : لا
فعند ذلك علم أنه حي ، فقال لولده : " اذهبوا فتحسسوا ( 4 ) من يوسف وأخيه ولا تيأسوا
من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " وكتب عزيز مصر ( 5 ) إلى
يعقوب :
أما بعد فهذا ابنك اشتريته ( 6 ) بثمن بخس دراهم وهو يوسف واتخذته عبدا ، و
هذا ابنك بنيامين قد سرق وأخذته فقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا . فما ورد على
يعقوب شئ كان أشد عليه من ذلك الكتاب ، فقال للرسول : مكانك حتى أجيبه ، فكتب
عليه يعقوب عليه السلام :
بسم الله الرحمن الرحيم : من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق بن إبراهيم خليل الله ، أما بعد
فقد فهمت كتابك تذكر فيه أنك اشتريت ابني واتخذته عبدا ، وإن البلاء موكل ببني آدم
* ( هامش ) * ( 1 ) لا يحتاج إلى حمله على ذلك بعد ما عرفت انه اراد الاشراف والاشفاء .
( 2 ) في نسخة : وذهب عيناه .
( 3 ) في نسخة : في اطيب رائحة .
( 4 ) اى تجسسوا وتتبعوا خبر يوسف .
( 5 ) لعل المراد ان يوسف كتب ذلك ، وكان عنوان الكتاب : من عزيز مصر إلى يعقوب . و
يأتى بعد ذلك " فلما ورد الكتاب إلى يوسف " وبالجملة فلا يخلو عن اشكال .
( 6 ) في نسخة : قد اشتريته . ( * )
[245]
إن جدي إبراهيم ألقاه نمرود ملك الدنيا في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما وإن
أبي إسحاق أمر الله جدي أن يذبحه بيده فلما أراد أن يذبحه فداه الله بكبش عظيم ، وإنه كان
لي ولد لم يكن في الدنيا أحد أحب إلي منه وكان قرة عيني وثمرة فؤادي فأخرجوه إخوته ثم
رجعوا إلي وزعموا أن الذئب أكله فاحدودب ( 1 ) لذلك ظهري ، وذهب من كثرة البكاء
عليه بصري ، وكان له أخ من امه كنت آنس به فخرج مع إخوته إلى ما قبلك ليمتاروا لنا
طعاما فرجعوا إلي وذكروا أنه سرق صواع الملك وقد حبسته ، وإنا أهل بيت لا يليق بنا
السرق ولا الفاحشة ، وأنا أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلا مننت علي به وتقربت
إلى الله ورددته إلي .
فلما ورد الكتاب إلى يوسف ( 2 ) أخذه ووضعه على وجهه وقبله وبكى بكاء شديدا
ثم نظر إلى إخوته فقال لهم : " هل علمتم مافعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون " ( 3 )
" فقالوا أئنك لانت يوسف ( 4 ) قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق و
يصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " فقالوا له كما حكى الله عزوجل : " لقد آثرك الله
علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم اليوم " أي لا تخليط " يغفر الله لكم وهو أرحم
الراحمين " قال : فلما ولى الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يده إلى السماء ( 5 )
فقال : يا حسن الصحبة ، يا كريم المعونة ، يا خير إله ائتني بروح منك ( 6 ) وفرج من عندك "
فهبط جبرئيل عليه فقال له : يا يعقوب ألا اعلمك دعوات يرد الله عليك بصرك وابنيك ؟
* ( هامش ) * ( 1 ) اى صار أحدب . وهو من خرج ظهره ودخل صدره وبطنه .
( 2 ) في نسخة : فلما ورد الكتاب على يوسف .
( 3 ) اى شبان أو صبيان ، فكان تلقينا لهم كيف يعتذرون ، وروى عن الصادق عليه السلام : كل ذنب عمله
العبد وان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه معصية ربه ، فقد حكى الله سبحانه قول يوسف
لاخوته : " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه اذ أنتم جاهلون " فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم
في معصية الله . منه طاب الله ثراه .
( 4 ) قيل : انه عليه السلام تبسم فلما أبصروا ثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف ، عن
ابن عباس ; وقيل : رفع التاج عن رأسه فعرفوه . منه رحمه الله .
( 5 ) في نسخة : رفع يعقوب يديه إلى السماء .
( 6 ) في نسخة وفى المصدر : يا خيرا كله ائتني بروح منك . ( * )
[246]
قال : نعم ، قال : قل " يامن لم يعلم أحد كيف هو إلا هو ، يا من سد السماء بالهواء ، و
كبس الارض ( 1 ) على الماء ، واختار لنفسه أحسن الاسماء ، ائتني بروح منك وفرج من عندك "
قال : فما انفجر عمود الصبح حتى اتي بالقميص فطرح عليه ورد الله ( 2 ) عليه بصره
وولده . ( 3 )
بيان : قال الطبرسي : التثريب التوبيخ ، يقال : ثرب وأثرب ، عن ابن الاعرابي .
وقيل : التثريب : اللوم والافساد والتقريب بالذنب ، قال أبوعبيدة : وأصله الافساد ، وقال
تغلب : ( 4 ) ثرب فلان على فلان أي عدد عليه ذنوبه ; وقال أبو مسلم : هو مأذخو من الثرب
وهو شحم الجوف فكأنه موضع للمبالغة في اللوم والتعنيف والبلوغ بذلك إلى أقصى
غاياته . انتهى . ( 5 )
أقول : لعل مراده بالتخليط مايرجع إلى الافساد . ( 6 )
12 - فس : وقال : ولما أمر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله تأويل الرؤيا
فكان يعبر لاهل السجن ، فلما سألاه الفتيان الرؤيا وعبر لهما وقال للذي ظن أنه ناج
منهما : اذكرني عند ربك ولم يفزع في تلك الحال إلى الله فأوحى الله إليه : من أراك الرؤيا التي
رأيتها ؟ قال يوسف : أنت يا رب ، قال : فمن حببك إلى أبيك ؟ قال : أنت يارب ، قال :
فمن وجه إليك السيارة التي رأيتها ؟ قال : أنت يار ب ، قال : فمن علمك الدعاء الذي دعوت
به حتى جعلت لك من الجب فرجا ؟ قال : أنت يارب ، قال : فمن أنطق لسان الصبي بعذرك ؟
قال : أنت يارب ، قال : فمن ألهمك تأويل الرؤيا ؟ قال : أنت يارب ، قال : فكيف استعنت
بغيري ولم تستعن بي ؟ وأملت عبدا من عبيدي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي وفي قبضتي
ولم تفزع إلي ؟ البث في السجن بضع سنين . فقال يوسف : أسألك بحق آبائي عليك إلا
فرجت عني ؟ فأوحى الله إليه : يا يوسف وأي حق لآبائك علي ؟ إن كان أبوك آدم خلقته
* ( هامش ) * ( 1 ) كبس على الشئ : شد وضغط . كبس على الشئ . اقتحم عليه .
( 2 ) في نسخة : فرد الله عليه .
( 3 ) تفسير القمى : 328 - 329 . م
( 4 ) في المصدر وفى نسخة : وقال ثعلب .
( 5 ) مجمع البيان 5 : 260 . م
( 6 ) ومنه قول الفيروز آبادي : المثراب : المخلط المفسد . ( * )
[247]
بيدي ونفخت فيه من روحي وأسكنته جنتي وأمرته أن لا يقرب شجرة منها فعصاني و
سألني فتبت عليه ، وإن كان أبوك نوح انتجبته من بين خلقي وجعلته رسولا إليهم فلما عصوا
ودعاني فاستجبت له وغرقتهم وأنجيته ومن معه في الفلك ، وإن كان أبوك إبراهيم اتخذته
خليلا وأنجيته من النار وجعلتها عليه بردا وسلاما ، وإن كان أبوك يعقوب وهبت له اثني
عشرا ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد على الطريق ( 1 )
يشكوني إلى خلقي ، فأي حق لآبائك علي ؟ قال : فقال له جبرئيل : قل يا يوسف :
" أسألك بمنك العظيم وإحسانك القديم ولطفك العميم يا رحمن يا رحيم " فقالها فرأى الملك
الرؤيا فكان فرجه فيها .
وحدثني أبي ، عن العباس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : قال السجان
ليوسف : إني لاحبك ، فقال يوسف : ما أصابني إلا من الحب إن كان خالتي أحبتني
سرقتني ، ( 2 ) وإن كان أبي أحبني فحسدوني إخوتى ، وإن كانت امرأة العزيز أحبتني
فحبستني ، قال : وشكا يوسف في السجن إلى الله فقال : يا رب بماذا استحققت السجن ؟
فأوحى الله إليه ; أنت اخترته حين قلت : " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه " هلا
قلت : العافية أحب إلي مما يدعونني إليه ؟ ! . ( 2 )
شى : عن العباس مثله . ( 4 )
بيان : سرقتني بتشديد الراء قال الفيروز آبادي : التسريق : النسبة إلى
السرقة .
13 - فس : حدثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن عمارة ، عن
أبي سيار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما طرح إخوة يوسف يوسف في الجب دخل عليه
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وقعد في الطريق يشكونى .
( 2 ) في نسخة : ان كان عمتى أحبتني سرقتنى . وهو الصحيح ، وقصتها مذكورة في تاريخ
الطبرى وغيره .
( 3 ) تفسير القمى : 330 . م
( 4 ) مخطوط . م ( * )
[248]
جبرئيل وهو في الجب فقال : يا غلام من طرحك في هذا الجب ؟ فقال له يوسف : إخوتي
لمنزلتي من أبي حسدوني ، ولذلك في الجب طرحوني ، ( 1 ) قال : فتحب أن تخرج منها ؟
فقال له يوسف : ذاك إلى إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، قال : فإن إله إبراهيم وإسحاق
ويعقوب يقول لك : قل اللهم إني أسألك بأن ( فإن خ ل ) لك الحمد كله ، لا إله إلا أنت
الحنان المنان بديع السماوات والارض ذو الجلال والاكرام ، صل على محمد وآل محمد ،
واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا ، وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب "
فدعا ربه فجعل الله له من الجب فرجا ، ومن كيد المرأة مخرجا ، وأعطاه ملك مصر من حيث
لم يحتسب . ( 2 )
ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن محبوب مثله . ( 3 )
شى : عن أبي سيار مثله . ( 4 )
14 - فس : وأما قوله : " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا و
أتوني بأهلكم أجمعين " ( 5 ) فإنه حدثني أبي ، عن علي بن مهزيار ، عن إسماعيل السراج ،
عن يونس بن يعقوب ، عن مفضل الجعفي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال : أخبرني ما
كان قميص يوسف ؟ قلت : لا أدري ، قال : إن إبراهيم لما اوقدت له النار أتاه جبرئيل
بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه فلم يضره معه حر ولا برد ، فلما حضر إبراهيم الموت جعله
في تميمة ( 6 ) وعلقه على إسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب ، فلما ولد ليعقوب يوسف علقه
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فلذلك في الجب طرحونى .
( 2 ) تفسير القمى : 330 - 331 وفى نسخة : من حيث لن يحتسب : وفى اخرى : من حيث
لايحتسب .
( 3 ) مخطوط . قال المصنف في هامش الكتاب : روى الطبرسى من كتاب النبوة للصدوق
باسناده عن ابن مبحوب مثله .
( 4 ) مخطوط .
( 5 ) قال الطبرسى : قيل ان يوسف قال : انما يذهب بقميصى من ذهب به أولا ، فقال يهودا :
أنا ذهبت به وهو ملطخ بالدم ، قال : فاذهب بهذا أيضا وأخبره أنه حى وأفرحه كما أحزنته ،
فحمل القميص وخرج حافيا حاسرا حتى أتاه وكان معه سبعة أرغفة ، وكانت المسافة ثمانين فرسخا ،
فلم يستوف الا ارغفة في الطريق . منه رحمه الله .
( 6 ) التميمة : خرزة أو ما يشبهها ، كان الاعراب يضعونها على أولادهم للوقاية من العين ودفع
الارواح . ( * )
[249]
عليه ، فكان في عنقه حتى كان من أمره ما كان ، فلما أخرج يوسف القميص من التميمة وجد
يعقوب ريحه وهو قوله : " إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون " وهو ذلك القميص الذي انزل
من الجنة ، قلت له : جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص ؟ فقال : إلى أهله ، ثم قال :
كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد ، وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من
مصر فوجد يعقوب ريحه ، وهو من ذلك القميص الذي اخرج من الجنة ونحن ورثته . ( 1 )
شى : عن المفصل مثله . ( 2 )
ع : المظفر ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن محمد بن نصير ، عن ابن عيسى ، عن
ابن معروف ، عن ابن مهزيار مثله . ( 3 )
ك : ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن اورمة ، عن محمد بن إسماعيل
عن السراج مثله . ( 4 )
ييان : قصة القميص على ماورد في الخبر ذكرها العامة والخاصة بطرق كثيرة
وقال الطبرسي رحمه الله : قوله : " لولا أن تفندون " معناه : لولا أن تسفهوني ، عن ابن
عباس ومجاهد ; وقيل : لولا أن تضغفوني في الرأي ، عن ابن إسحاق ; وقيل : لولا أن
تكذبوني . والفند : الكذب ، عن سعيد بن جبير والسدي والضحاك ، وروي ذلك أيضا عن
ابن عباس ; وقيل : لولا أن تهرموني ، عن الحسن وقتادة . ( 5 )
15 - فس : أخبرنا الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن الحسن بن بنت إلياس وإسماعيل
ابن همام ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : كانت الحكومة في بني إسرائيل إذا سرق أحد
شيئا استرق به ، وكان يوسف عند عمته وهو صغير وكانت تحبه ، وكانت لاسحاق منطقة


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 249 سطر 19 الى ص 257 سطر 18

* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى : 331 قال الطبرسى رحمه الله : قال ابن عباس : هاجت ريح فحلمت
ريح قميص يوسف إلى يعقوب ، وذكر في القصة أن الصبا استأذنت ربها في أن تأتى يعقوب
بريح يوسف قيل أن يأتيه البشير بالقميص فاذن لها فأتته بها ، ولذلك يستروح كل محزون بريح
الصبا ، وقد أكثر الشعراء من ذكرها . منه رحمه الله .
( 2 ) مخطوط . م
( 3 ) علل الشرائع : 29 . م
( 4 ) كمال الدين : 85 . وبينهما اختلاف يسير . م
( 5 ) مجمع البيان 5 : 263 . م ( * )
[250]
ألبسها يعقوب وكانت عند اخته ، وإن يعقوب طلب يوسف ليأخذه من عمته فاغتمت لذلك
وقالت : دعه حتى ارسله إليك ، وأخذت المنطقة وشدت بها وسطه تحت الثياب ، فلما
أتى يوسف أباه جاءت وقالت : قد سرقت المنطقة ( 1 ) ففتشته فوجدتها معه في وسطه ،
فلذلك : قالت إخوة يوسف لما حبس يوسف أخاه حيث جعل الصاع في وعاء أخيه فقال يوسف :
ماجزاء من وجد في رحله ؟ قالوا : هو جزاؤه - السنه التي تجري فيهم - فلذلك قال إخوة
يوسف : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم . ( 2 )
ع ، ن : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن عبدالله بن محمد بن خالد
عن الوشاء مثله . ( 3 )
شى : عن الوشاء بسندين مثله . ( 4 )
16 - فس : قال علي بن إبراهيم ثم رحل يعقوب ( 5 ) وأهله من البادية بعد مارجع
إليه بنوه بالقميص فألقوه على وجهه فارتد بصيرا ، فقال لهم : ألم أقل لكم إني أعلم من
الله ما لا تعلمون ؟ قالوا له : يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ، فقال لهم :
سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم . قال : أخرهم إلى السحر لان الدعاء
والاستغفار مستجاب فيه ، ( 6 ) فلما وافى يعقوب وأهله وولده مصر قعد يوسف على سريره
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : قد سرق المنطقة .
( 2 ) تفسير القمى : 231 - 332 . م
( 3 ) علل الشرائع : 28 - 29 . عيون الاخبار : 232 . م
( 4 ) مخطوط . م
( 5 ) قال الطبرسى رحمه الله : قيل : إن يوسف عليه السلام بعث مع البشير مائتي راحلة ما
يحتاج اليه في السفر ، وسألهم أن يأتوه بأهلهم أجمعين ، فلما دنى يعقوب من مصر تلقاه يوسف
في الجند وأهل مصر ، فقال يعقوب : يا يهودا هذا فرعون مصر ؟ قال : لا هذا ابنك فتلاقيا ، قال
الكلبى : على يوم من مصر فلما دنى كل واحد منهما من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام فقال : السلام عليك
يامذهب الاحزان وقال وهب : إنهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وسبعون إنسانا ، وخرجوا مع موسى
عليه السلام وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا ، وكان بين يوسف وموسى أربعمائة
سنة . منه رحمه الله .
( 6 ) قال الطبرسى رحمه الله : قيل : إنه كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة
وقيل : انه كان يقوء ويصف أولاده خلف عشرين سنة ويدعو ويؤمنون على دعائه واستغفاره لهم
حتى نزل قبول توبتهم . منه قدس سره . ( * )
[251]
ووضع تاج الملك على رأسه فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة ، فلما دخل أبوه لم يقم له
فخروا كلهم له سجدا ، فقال يوسف : " ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي
حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ( 1 ) من بعد أن نزغ الشيطان
بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم "
وحدثني محمد بن عيسى عن يحيى بن أكثم ( 2 ) سأل موسى بن محمد بن علي بن موسى
مسائل فعرضها على أبي الحسن عليه السلام فكان أحدها : أخبرني عن قول الله عزوجل : " و
رفع أبويه على العرش وخروا له سجدا " أسجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء ؟ فأجاب
أبوالحسن عليه السلام : أما سجود يعقوب وولده فإنه لم يكن ليوسف ، وإنما كان ذلك من
يعقوب وولده طاعة لله وتحية ليوسف ، كما كان السجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم
وإنما كان منهم ذلك طاعة لله وتحية لآدم ، فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكر الله
لاجتماع شملهم ، ألم ترأنه يقول في شكره ذلك القوت : " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني
من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض أنت وليي في الدنيا والآخرة ؟ فني مسلما
وألحقني بالصالحين " . ( 3 )
ف : عنه عليه السلام مثله . ( 4 )
شى : عن محمد بن سعيد الازدي صاحب موسى بن محمد بن الرضا ، عن موسى أنه
قال لاخيه : إن يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل ، فقال : أخبرني عن قول الله
" ورفع أبويه " وذكر نحوه . ( 5 )
17 - فس : فنزل عليه جبرئيل فقال له : يايوسف أخرج يدك ، فأخرجها فخرج
من بين أصابعه نور ، فقال يوسف : ما هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذه النبوة أخرجها الله من
صلبك لانك لم تقم إلى أبيك ، فحط الله نوره ، ( 6 ) ومحا النبوة من صلبه ، وجعلها في
ولد لاوي أخي يوسف ، وذلك لانهم لما أرادوا قتل يوسف قال : " لا تقتلوا يوسف وألقوه
* ( هامش ) * ( 1 ) أى من البادية ، قيل : وانما لم يذكر الجب لاشتماله على تعيير إخوته . منه قدس الله روحه .
( 2 ) كذا في النسخ .
( 3 ) تفسير القمى : 332 - 333 . م
( 4 ) تحف العقول : 477 - 478 . م
( 5 ) مخطوط . م
( 6 ) في نسخة : فحبط الله نوره . ( * )
[252]
في غيابت الجب " فشكر الله له ذلك ، ولما أرادوا أن يرجعوا إلى أبيهم من مصر وقد حبس
يوسف أخاه قال : " لن أبرح الارض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين "
فشكر الله له ذلك ، فكان ( 1 ) أنبياء بني إسرائيل من ولد لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن
إبراهيم عليه السلام ، وكان موسى من ولده وهو موسى بن عمران بن يهصر ( 2 ) بن واهيث بن
لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . فقال يعقوب لابنه : يا بني أخبرنى ما فعل بك
إخوتك حين أخرجوك من عندي ؟ ( 3 ) قال : يا أبت اعفني من ذلك ، قال : أخبرني ببعضه ،
فقال : يا أبت إنهم لما أدنوني من الجب قالوا : انزع قميصك ، فقلت لهم : يا إخوتي
اتقوا الله ولا تجردوني ، فسلوا علي السكين وقالوا : لئن لم تنزع لنذبحنك ، فنزعت
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فكانوا .
( 2 ) هكذا في النسخ ، والصحح " يصهر " بتقديم الصاد كما في المصدر والعرائس . وفى نسخة :
فاهيث ، وفى المصدر : واهث ، وفى العرائس : قاهت ، وفى تاريخ اليعقوتى : موسى بن عمران بن
قهث بن لاوى ، وفى المحبر : موسى بن عمران بن قاهث .
( 3 ) روى الطبرسى رحمه الله من كتاب النبوة باسناده عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال يعقوب
ليوسف : يا بنى حدثنى كيف صنع بك اخوتك ؟ قال : يا ابت دعنى ، فقال : أقسمت عليك الا أخبرتنى ،
فقال له : أخذونى وأقعدونى على رأس الجب ، ثم قالوا لى : انزع قميصك ، فقلت لهم : انى
أسألكم بوجه يعقوب أن لاتنزعوا قميصى ولا تبدوا عورتى ، فرفع فلان السكين على وقال : انزع ،
فصاح يعقوب وسقط مغشيا عليه ، ثم أفاق فقال له : يا بنى كيف صنعوا بك ؟ فقال له يوسف :
انى اسألك باله ابراهيم واسماعيل واسحاق الا أعفيتنى ، قال : فتركه . وروى أيضا أن يوسف قال
ليعقوب عليه السلام : يا أبت لا تسألنى عن صنيع اخوتى بى واسأل عن صنع الله بى ، وقال أبوحمزة :
بلغنا أن يعقوب عاش مائة وسبعا وأربعين سنة ، ودخل مصر على يوسف وهو ابن مائة وثلاثين سنة
وكان عند يوسف بمصر سبع عشرة سنة . وقال ابن اسحاق : أقام يعقوب بمصر أربعا وعشرين سنة
ثم توفى ودفن بالشام . وقال ابن جبير : نقل يعقوب إلى بيت المقدس في تابوت من سأج ، ووافق
ذلك يوم مات عيص فدفنا في قبر واحد ، فمن ثم ينقل اليهود موتاه إلى بيت المقدس وولد يعقوب
وعيص في يوم واحد في بطن واحد ودفنا في قبر واحد ، وكان عمرهما جميعا مائة وسبع أربعون
سنة ، وكان أول رسول في بنى اسرائيل ثم مات وأوصى أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام . و
قيل : دفن بمصر ثم أخرج موسى عظامه فحمله حتى دفنه عند أبيه . منه رحمه الله
قلت : قاله أيضا الثعلبى في العرائس ولكن المسعودى قال في اثبات الوصية : قبض وسنه مائة
وست وأربعون سنة ، وقال اليعقوبى : اقام بمصر سبع عشرة سنة وتوفى وله مائة وأربعون سنة ،
ويأتى في خبر انه اقام بمصر سنتين وفى اخرى أن عمره كان مائة وعشرين . ( * )
[253]
القميص ، وألقوني في الجب عريانا ، قال : فشهق يعقوب شهقة واغمي عليه ، فلما أفاق
قال : يا بني حدثني ، فقال : يا أبت أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلا أعفيتني
فأعفاه ، قال : ولما مات العزيز وذلك في السنين الجدبة افتقرت امرأة العزيز واحتاجت
حتى سألت الناس ، فقالوا لها : ما يضرك لو قعدت للعزيز - وكان يوسف سمي العزيز -
فقالت : أستحيي منه ، فلم يزالوا بها حتى قعدت له ، فأقبل يوسف في موكبه فقامت إليه
وقالت : سبحان الذي جعل الملوك بالمعصية عبيدا ، وجعل العبيد بالطاعة ملوكا ، فقال لها
يوسف : أنت هاتيك ؟ فقالت : نعم - وكانت اسمها زليخا - فأمر بها وحولت إلى منزله و
كانت هرمة فقال لها يوسف : ألست فعلت بي كذا وكذا ؟ فقالت : يا نبي الله لا تلمني فإني
بليت بثلاثة لم يبل بها أحد ، قال : وما هي ؟ قالت : بليت بحبك ولم يخلق الله في الدنيا
لك نظيرا ، وبليت بأنه لم يكن ( 1 ) بمصر امرأة أجمل مني ولا أكثر مالا مني نزع
عني ، ( 2 ) فقال لها يوسف : فما حاجتك ؟ قالت : تسأل الله أن يرد علي شبابي ، فسأل الله
فرد عليها شبابها فتزوجها وهي بكر .
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : " قد شغفها حبا " يقول :
قد حجبها حبه عن الناس فلا تعقل غيره . والحجاب : هو الشغاف والشغاف هو حجاب
القلب . ( 3 )
بيان : المشهور بين المفسرين واللغويين أن المراد شق شغاف قلبها وهو حجابه
حتى وصل إلى فؤادها .
وقوله : " حبا " نصبه على التمييز ، وما ورد في الخبر يحتمل أن يكون بيانا لحاصل
المعنى ، أي لما تعلق حبه بشغاف قلبها فكأنه حجبها عن أن تعقل وتتخيل غيره ; ويحتمل
أن يكون الشغاف مستعملا هنا بمعنى مطلق الحجاب مجازا ، ويكون شغفها بمعنى
حجبها .
وقال الطبرسي : روى عن علي وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وبليت فانه لم يكن .
( 2 ) قد سقطت الثالثة عن المصدر وهى هكذا : وبليت بزوج عنين .
( 3 ) تفسير القمى : 333 و 334 . م ( * )
[254]
وغيرهم " قد شعفها " بالعين قال الزجاج : شعفها : ذهب بها كل مذهب من شعفات
الجبال أي رؤوسها ، يقال : فلان مشعوف بكذا ، أي قد ذهب به الحب أقصى المذاهب ; و
قال ابن جني : معناه : وصل حبه إلى قلبها فكان يحرقه بحدته ، وأصله من البعير ( 1 )
يهنأ بالقطران فتصل حرارة ذلك إلى قلبه . ( 2 )
18 - لى : محمد بن هارون الزنجاني ، عن معاذ بن المثنى العنبري ، عن عبدالله بن
أسماء ، عن جويرية ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن أبى وائل ، عن وهب بن منبه
قال : وجدت في بعض كتب الله عزوجل أن يوسف عليه السلام مر في موكبه على امرأة العزيز
وهي جالسة على مزبلة ، فقالت : الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا ، وجعل العبيد
بطاعتهم ملوكا ، أصابتنا فاقة فتصدق علينا ، فقال يوسف عليه السلام : غموط النعم سقم دوامها ،
فراجعي ما يمحص عنك دنس الخطيئة ، فإن محل الاستجابة قدس القلوب وطهارة الاعمال ،
فقالت : ما اشتملت بعد على هيئة التأثم وإني لاستحيي أن يرى الله لي موقف استعطاف
ولها تهريق العين عبرتها ويؤدى الحسد ندامة ، فقال لها يوسف : فجدي ، فالسبيل هدف
الامكان قبل مزاحمة العدة ونفاد المدة ، فقالت : هو عقيدتي وسيبلغك إن بقيت بعدي ،
فأمر لها بقنطار من ذهب فقالت : القوت بتة ، ماكنت لارجع إلى الخفض وأنا مأسورة في
السخط ، فقال بعض ولد يوسف ليوسف : يا أبه من هذه التي قد تفتت لها كبدي ، ورق
لها قلبي ؟ قال : هذه دابة الترح في حبال الانتقام ، فتزوجها يوسف عليه السلام فوجدها بكرا
فقال : أنى وقد كان لك بعل ؟ ! فقالت كان محصورا بفقد الحركة وصرد المجاري . ( 3 )
بيان : غمط النعمة : تحقيرها والبطربها وترك شكرها ، أي لما كفرت بأنعم الله
وقابلتها بالمعاصي قطعها الله عنك ، فارجعي إلى ما يزيل عنك دنس الخطيئة ، أي التوبة و
الندم والاستغفار وتدارك ما قد مضى حتى يرد الله نعمه عليك ، فإنه لا يستجاب الدعاء
بالمغفرة أو برجوع النعمة إلا بعد قدس القلوب من دنس الخطايا وآثارها ، وطهارة الاعمال
* ( هامش ) * ( 1 ) أى أصله من شعف البعير . قلت : هنأ الابل أى طلاها بالهناء أى القطران .
( 2 ) مجمع البيان 5 : 228 . م
( 3 ) امالى الصدوق : 4 . م ( * )
[255]
وخلوصها عما يشوبها من الاغراض الفاسدة والسيئات الماحية فأجابته بما يؤيد ما أفاده عليه السلام
حيث قالت : ما اشتملت بعد على هيئة التأثم ، أي لما لم أقم بعد بما يوجب تدارك مافات
لم أطلب من الله المغفرة حياء مما صنعت .
قال الفيروز آبادي : يقال : تأثم فلان : إذا فعل فعلا خرج به عن الاثم . انتهى .
فأجابها عليه السلام بالامر بالاجتهاد والسعي في العمل ، وبالحث على الرجاء من رحمة
الله ، وعلل بأن سبيل الطاعة والقرب هدف لسهام إمكان حصول المقاصد ( قبل مزاحمة العدة )
بالكسر أي قبل انتهاء الاجل وعدد أيام العمر وساعاته ، ويحتمل الضم أيضا من الاستعداد
أي قبل نفاد القوى والجوارح والادوات التي بها يتيسر العمل .
قولها : " إن بقيت بعدي " بصيغة التكلم أي إن بقيت أنا بعد زماني هذا ، أو بصيغة
الخطاب أي إن بقيت أنت بعد هذا الزمان أو بعد وفاتي لتطلع على جميع أحوال عمري ،
ثم لما أمر عليه السلام لها بالقنطار لم تقبل واعتذرت بأن الرزق المقدر على قدر الحاجة لابد
منه ، والله تعالى يبعثه إلي ، وأما التوسع فيه فإنما هو للخفض والراحة وطيب العيش ،
وأنا ما أرجع إلى تلك الاحوال مادمت مأسورة في إسار سخط الله وغضبه . والتفتت :
التكسر . والترح : ضد الفرح والهلاك والانقطاع ، أي هذه دابة قد وقعت في الحزن و
الهلاك بسبب انتقامه تعالى منها . والصرد : البرد ، أي كان عنينا بسبب البرودة المستولية
على مزاجه ، وكان لا يتأتى منه تلك الحركة المعهودة .
19 - لى : العطار ، عن سعد ، عن ابن عبدالجبار ، عن ابن البطائني ، عن أبيه ،
عن أبي بصير قال : قلت لابي عبدالله الصادق عليه السلام : ما كان دعاء يوسف عليه السلام في الجب فإنا
قد اختلفنا فيه ؟ فقال : إن يوسف عليه السلام لما صار في الجب وآيس من الحياة قال : " اللهم
إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك ؟ لن ترفع لي إليك صوتا ولن تستجيب
لي دعوة فإني أسألك بحق الشيخ يعقوب فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه فقد علمت رقته
علي وشوقي إليه " قال : ثم بكى أبوعبدالله الصادق عليه السلام ثم قال وأنا أقول : " اللهم إن
كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهى عندك فلن ترفع لي إليك صوتا فإني أسألك بك
فليس كمثلك شئ ، وأتوجه إليك بمحمد نبيك نبي الرحمة ، يا الله يا الله يا الله يا الله
[256]
يا الله " ثم قال أبوعبدالله عليه السلام : قولوا هذا وأكثروا منه فإني كثيرا ما أقوله عند
الكرب العظام . ( 1 )
20 - لى : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان
عمن سمع أبا سيار يقول : سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول : جاء جبرئيل عليه السلام إلى
يوسف عليه السلام وهو في السجن ، فقال : قل في دبر كل صلاة مفروضة : " اللهم اجعل لي من
أمري فرجا ومخرجا ، وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب " ثلاث مرات . ( 2 )
21 - مصبا : في اليوم الثالث من محرم كان خلاص يوسف عليه السلام من الجب على ما روي
في الاخبار . ( 3 )
22 - ل : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ،
عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان في قميص يوسف ثلاث آيات في قوله تعالى :
" وجاءوا على قميصه بدم كذب " ( 4 ) وقوله عزوجل : " إن كان قميصه قد من قبل " الآية ،
وقوله : " اذهبوا بقميصي هذا " الآية . ( 5 )
23 - لى : الطالقاني ، عن أحمد الهمداني ، عن المنذر بن محمد ، عن جعفر بن سليمان ،
عن عبدالله بن المفضل ، عن أبان بن عثمان ، عن ابن تغلب ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس
قال : لما أصاب آل يعقوب ما أصاب الناس من ضيق الطعام جمع يعقوب بنيه فقال لهم :
يا بني إنه بلغني أنه يباع بمصر طعام طيب ، وأن صاحبه رجل صالح لا يحبس الناس ،
فاذهبوا إليه واشتروا منه طعاما فإنه سيحسن إليكم إن شاء الله ، فتجهزوا وساروا حتى
وردوا مصر فادخلوا على يوسف عليه السلام فعرفهم وهم له منكرون ، فقال لهم : من أنتم ؟ قالوا :
* ( هامش ) * ( 1 ) امالى الصدق : 242 - 243 . م
( 2 ) امالى الصدوق : 343 - 344 . م
( 3 ) مصباح المتهجد : 509 . م
( 4 ) كان فيه ثلاث آيات : الاولى أن الذئب لم يأكله لانه لو كان أكله لمزق قميصه أيضا ،
ولذا قيل : لما قالوا ليعقوب : فأكله الذئب قال لهم : أرونى قميصه ، فأروه فقال : تالله ما عهدت
كاليوم ذئبا أحلم من هذا ، أكل ابنى ولم يمزق قميصه ؟ ! والثانية براءة ساحة يوسف عما رمت به
امرأة العزيز ، لانه لو كان راودها لكان الشق من بين يديه . والثالثة : صيرورة يعقوب بصيرا
حين القى عليه وجهه .
( 5 ) الخصال ج 1 : 58 . م ( * )
[257]
نحن أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ، ونحن من جبل كنعان ، قال
يوسف : ولد كم إذا ثلاثة أنبياء ، وما أنتم بحلماء ، ولا فيكم وقار ولا خشوع ، فلعلكم
جواسيس لبعض الملوك جئتم إلى بلادي ؟ ! فقالوا : أيها الملك لسنا بجواسيس ولا أصحاب
الحرب ، ولو تعلم بأبينا إذالكرمنا عليك ، فإنه نبي الله وابن أنبيائه ، وإنه لمحزون ،
قال لهم يوسف : فمما حزنه وهو نبي الله وابن أنبيائه ، والجنة مأواه ، وهو ينظر إليكم
في مثل عددكم وقوتكم ؟ فلعل حزنه إنما هو من قبل سفهكم وجهلكم وكذبكم و
كيدكم ومكركم ؟ قالوا : أيها الملك لسنا بجهال ولا سفهاء ولا أتاه الحزن من قبلنا ،
ولكن كان له ابن كان أصغرنا سنا يقال له يوسف فخرج معنا إلى الصيد فأكله الذئب ،
فلم يزل بعده كئيبا حزينا باكيا ، فقال لهم يوسف عليه السلام : كلكم من أب واحد ؟ قالوا :
أبونا واحد وامهاتنا شتى ، قال : فما حمل أباكم على أن سرحكم ( 1 ) كلكم إلا حبس
منكم واحدا يأنس به ويستريح إليه ؟ قالوا : قد فعل ، قد حبس منا واحدا هو أصغرنا
سنا ، قال : ولم أختاره لنفسه من بينكم ؟ قالوا : لانه أحب أولاده إليه بعد يوسف .
فقال لهم يوسف عليه السلام : إني أحبس منكم واحدا يكون عندي وارجعوا إلى أبيكم و
اقرؤوه مني السلام وقولوا له : يرسل إلي بابنه الذ زعمتم أنه حبسه عنده ليخبرني عن
حزنه ما الذي أحزنه ؟ وعن سرعة الشيب إليه قبل أوان مشيبه ؟ وعن بكائه وذهاب بصره ، فلما
قال هذا اقترعوا بينهم فخرجت القرعة على شمعون ، ( 2 ) فأمر به فحبس ، فلما ودعوا
شمعون قال لهم : يا إخوتاه انظروا ماذا وقعت فيه ، واقروؤا والدي مني السلام ; فودعوه
وساروا حتى وردوا الشام ودخلوا على يعقوب عليه السلام وسلموا عليه سلاما ضعيفا ، فقال لهم :


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 257 سطر 19 الى ص 265 سطر 18

يا بني ما لكم تسلمون سلاما ضعيفا ؟ ومالي لا أسمع فيكم صوت خليلي شمعون ؟ قالوا :
يا أبانا إنا جئناك من عند أعظم الناس ملكا ، لم ير الناس مثله حكما وعلما وخشوعا
وسكينة ووقارا ، ولئن كان لك شبيه فإنه لشبيهك ، ولكنا أهل بيت خلقنا للبلاء أتهمنا
الملك وزعم أنه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بابن يامين برسالة منك يخبره عن حزنك و
* ( هامش ) * ( 1 ) أى ارسلكم واطلقكم .
( 2 ) وقيل : إن يوسف اختار شمعون لانه كان احسنهم رأيا فيه . منه رحمه الله . ( * )
[258]
عن سرعة الشيب إليك قبل أوان المشيب ، وعن بكائك وذهاب بصرك ، فظن يعقوب أن
ذلك مكر منهم فقال لهم : يابني بئس العادة عادتكم ، كلما خرجتم في وجه نقص منكم
واحد ، لا أرسله معكم ، فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم من غير علم ( 1 )
منهم أقبلوا إلى أبيهم فرحين قالوا : ياأبانا ما رأى الناس مثل هذا الملك أشد اتقاء للاثم
منه ، رد علينا بضاعتنا مخافة الاثم ، وهي بضاعتنا ردت إلينا ، ونمير أهلنا ، ( 2 ) ونحفظ
أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير ; قال يعقوب : قد علمتم أن ابن يامين أحبكم
إلي بعد أخيكم يوسف وبه انسي ، وإليه سكوني من بين جماعتكم ، فلن ارسله معكم
حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ، فضمنه يهودا فخرجوا حتى
وردوا مصر فدخلوا على يوسف عليه السلام فقال لهم : هل بلغتم رسالتي ؟ قالوا : نعم وقد جئناك
بجواابها مع هذا لغلام فسله عما بدالك ، قال له يوسف : بما أرسلك أبوك إلي يا غلام ؟
قال : أرسلني إليك يقرؤك السلام ويقول : إنك أرسلت إلي تسألني عن حزني ،
وعن سرعة الشيب إلي قبل أوان المشيب ، وعن بكائي وذهاب بصري ، فإن أشد الناس
حزنا وخوفا أذكرهم للمعاد ، وإنما أسرع الشيب إلي قبل أوان المشيب لذكر يوم القيامة ،
وأبكاني وبيض عيني الحزن على حبيبي يوسف ، وقد بلغني حزنك بحزني واهتمامك
بأمري ، فكان الله لك جازيا ومثيبا ; وإنك لن تصلني بشئ أنا أشد فرحا به من أن تعجل
علي ولدي ابن يامين ، فإنه أحب أولادي إلي بعد يوسف ، فاونس به وحشتي ، وأصل به
وحدتي ، تعجل علي بما أستعين به علي عيالي . فلما قال هذا خنقت يوسف عليه السلام العبرة
ولم يصبر حتى قام فدخل البيت وبكى ساعة ثم خرج إليهم وأمر لهم بطعام ، وقال : ليجلس
كل بني ام على مائدة ، فجلسوا وبقي ابن يامين قائما ، فقال له يوسف : مالك لم تجلس ؟
فقال له : ليس لي فيهم ابن أم ، فقال له يوسف : أفما كان لك ابن ام ؟ فقال له ابن
يامين : بلى ، فقال له يوسف : فما فعل ؟ قال : زعم هؤلاء أن الذئب أكله ، قال :
فما بلغ من حزنك عليه ؟ قال : ولد لي اثنا عشر ابنا كلهم اشتق له اسما من اسمه ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : بغير علم .
( 2 ) أى نجلب اليهم الطعام . منه رحمه الله . ( * )
[259]
فقال له يوسف عليه السلام : أراك قد عانقت النساء وشممت الولد من بعده ؟ ! فقال له ابن يامين :
إن لي أبا صالحا وإنه قال لي : تزوج لعل الله عزوجل يخرج منك ذرية يثقل الارض
بالتسبيح ، فقال له يوسف : تعال فاجلس على مائدتي ، فقال إخوة يوسف : لقد فضل الله
يوسف وأخاه حتى أن الملك قد أجلسه معه على مائدته ، فأمر يوسف أن يجعل صواع
الملك في رحل ابن يامين .
فلما تجهزوا " أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون * قالوا وأقبلوا
عليهم ماذا تفقدون * قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم * ( 1 )
قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين " وكان الرسم فيهم و
الحكم أن السارق يسترق ولا يقطع " قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزاؤه من
وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين * فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها
من وعاء أخيه " فحبسه ، فقال إخوته لما أصابوا الصواع في وعاء ابن يامين : " إن يسرق فقد
سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما
تصفون * قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نريك من
المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون * فلما
استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله
ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الارض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير
الحاكمين * ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما
كنا للغيب حافظين * واسئل القرية التى كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون "
فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا ذلك له قال : إن ابني لا يسرق " بل سولت ( 2 ) لكم أنفسكم
أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم "
ثم أمر بنيه بالتجهيز إلى مصر ، فساروا حتى أتوا مصر فدخلوا على يوسف ودفعوا
إليه كتابا من يعقوب يستعطفه فيه ويسأله رد ولده عليه ، فلما نظر فيه خنقته العبرة ولم
* ( هامش ) * ( 1 ) أى كفيل أؤديه إلى من رده . منه رحمه الله .
( 2 ) أى زينت وسهلت لكم أنفسكم أمرا عظيما . ( * )
[260]
يصبر حتى قام فدخل البيت فبكى ساعة ثم خرج إليهم فقالوا له : " يا أيها العزيز مسنا
وأهلنا الضر وجئنا بيضاعة مزجاة ( 1 ) فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين "
فقال لهم يوسف : " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون * قالوا أئنك لانت
يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر
المحسنين * قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم ( 2 )
اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " .
ثم أمرهم بالانصراف إلى يعقوب وقال لهم " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه
أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين " فهبط جبرئيل على يعقوب عليه السلام فقال : يا
يعقوب ألا اعلمك دعاء يرد الله عليك به بصرك ، ويرد عليك ابنيك ؟ قال : بلى ، قال : قل
ما قاله أبوك آدم فتاب الله عليه ، وما قاله نوح فاستوت به سفينته على الجودي ونجا من الغرق
وما قاله أبوك إبراهيم خليل الرحمن حين ألقي في النار فجعله الله عليه بردا وسلاما ، فقال
يعقوب : وما ذاك يا جبرئيل ؟ فقال : قل : " يارب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن
والحسين أن تأتيني بيوسف وابن يامين جميعا وترد علي عيني " فما استتم يعقوب هذا الدعاء
حتى جاء البشير فألقى قميص يوسف عليه فارتد بصيرا ، فقال لهم : " ألم أقل لكم إني أعلم
من الله مالا تعلمون * قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف أستغفر
لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم " فروي في خبر عن الصادق عليه السلام أنه قال : أخرهم إلى
السحر ، فأقبل يعقوب إلى مصر وخرج يوسف ليستقبله فهم بأن يترجل ليعقوب ثم
ذكر ما هو فيه من الملك فلم يفعل ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال له : يا يوسف إن الله عز
وجل يقول لك : ما منعك أن تنزل إلى عبدي الصالح ؟ ما كنت فيه ؟ ابسط يدك ، فبسطها
فخرج من بين أصابعه نور ، فقال : ما هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذا إنه لا يخرج من صلبك
نبي أبدا عقوبة بما صنعت بيعقوب إذ لم تنزل إليه فقال يوسف : " ادخلوا مصر إن شاء
الله آمنين * ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا " فقال يوسف ليعقوب : " يا أبت
* ( هامش ) * ( 1 ) أى قليلة ، أو بضاعة رديئة برغب عها كل تاجر .
( 2 ) أى لا تقريع ولا تعيير عليكم . والتثريب : هو الاستقصاء في اللوم والتوبيخ . ( * )
[261]
هذا تأويل رؤياي من قبل قدجعلها ربي حقا " إلى قوله : " توفني مسلما وألحقني بالصالحين "
فروي في خبر عن الصادق عليه السلام أنه قال : دخل يوسف السجن وهو ابن اثنتي عشرة سنة ،
ومكث فيه ( 1 ) ثمان عشرة سنة ، وبقي بعد خروجه ثمانين سنة ، فذلك مائة سنة وعشر سنين . * ( 2 )
توضيح : " وذلك كيل يسير " قال البيضاوي : أي مكيل قليل لايكفينا ، استقلوا
ما كيل لهم فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك ويزدادوا إليه ما يكال لاخيهم ، ويجوز
أن يكون الاشارة إلى " كيل بعير " أي ذلك شئ قليل لايضايقنا فيه الملك ولا يتعاظمه ;
وقيل : إنه من كلام يعقوب ومعناه : وإن حمل بعير شئ يسير لا يخاطر لمثله بالولد .
قوله تعالى : " خلصوا نجيا " أي تخلصوا واعتزلوا متناجين انتهى * ( 3 )
وقال السيد قدس الله روحه : فإن قيل : ما الوجه في طلى يوسف عليه السلام أخاه من
إخوته ثم حبسه له عن الرجوع إلى أبيه مع علمه بما يلحقه عليه من الحزن ؟ وهل هذا
إلا إضرار به وبأبيه ؟ قلنا : الوجه في ذلك ظاهر ، لان يوسف عليه السلام لم يفعل ذلك إلا
بوحي من الله تعالى إليه ، وذلك امتحان منه لنبيه يعقوب عليه السلام وابتلاء لصبره وتعريض
للعالي من منزله الثواب ، ونظير ذلك امتحانه عليه السلام بأن صرف عنه خبر يوسف طول تلك
المدة حتى ذهب بصره بالبكاء عليه ، وإنما أمرهم يوسف عليه السلام بأن يلطفوا بأبيهم في
إرساله من غير أن يكذبوه أو يخدعوه . فإن قيل : أليس قد قالوا له : " سنراود أباه " و
المراودة هي الخداع والمكر ؟ قلنا : ليس المراودة على ماظننتم ، بل هي التلطف والتسبب
والاحتيال ، وقد يكون ذلك من جهة الصدق والكذب جميعا ، وإنما أمرهم بفعله على أحسن
الوجوه ، فإن خالفوه فلا لوم إلا عليهم .
فإن قيل : فما بال يوسف لم يعلم أباه عليه السلام بخبره لتسكن نفسه ويزل وجده
مع علمه بشدة تحرقه وعظم قلقه ؟ قلنا : في ذلك وجهان : أحدهما أن ذلك كان له ممكنا
وكان عليه قادرا فأوحى الله تعالى إليه بأن يعدل عن اطلاعه على خبره ، تشديدا للمحنة
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : ومكث فيها .
( 2 ) امالى الصدوق : 149 - 152 . م
( 3 ) انوار التنزيل 1 : 233 . م ( * )
[262]
عليه ، وتعريضا للمنزلة الرفيعة في البلوى ، وله تعالى أن يصعب التكليف وأن يسهله . و
الجواب الآخر أنه جائز أن يكون عليه السلام لم يتمكن من ذلك ولا قدر عليه فلذلك عدل
عنه . ( 1 )
- 24 ع ، ن : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن عبيد الله العلوي
عن علي بن محمد العلوي العمري ، عن إسماعيل بن همام قال : قال الرضا عليه السلام في قول الله
عزوجل : " قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها
لهم " قال : كانت لاسحاق النبي عليه السلام منطقة تتوارثها الانبياء الاكابر ، ( 2 ) وكانت عند
عمة يوسف ، وكان يوسف عندها وكانت تحبه ، فبعث إليها أبوه : ابعثيه إلي وأرده
إليك ، فبعثت إليه : دعه عندي الليلة أشمه ثم ارسله إليك غداة ، قال : فلما أصبحت
أخذت المنطقة فشدتها في وسطه تحت الثياب وبعث به إلى أبيه ، فلما خرج من عندها
طلبت المنطقة فوجدت عليه ، ( 3 ) وكان إذا سرق أحد في ذلك الزمان دفع إلى صاحب
السرقة فكان عبده . ( 4 )
شى : عن إسماعيل مثله . ( 5 )
25 - ل : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن علي بن محمد ، عن رجل ، عن
* ( هامش ) * ( 1 ) تنزيه الانبياء : 57 - 59 قلت : سيأتى في الخبر 58 أن يوسف أرسل إلى أبيه رجلا
يقول له : انى رأيت رجلا بمصر يقرؤك السلام ويقول لك : ان وديعتك عند الله عزوجل لن تضيع ،
فعلم يعقوب ان يوسف حى ولذا كان يقول : " انى اعلم من الله مالا تعلمون " ويقول : " وانى لاجد ريح
يوسف لولا أن تفندون " وغير ذلك .
( 2 ) أى تتوارثها الانبياء بعد يعقوب ويوسف .
( 3 ) متن الحديث في العيون هكذا : فلما أصبحت أخذت المنطقة فربطتها في حقوه وألبسته
قميصا وبعثت به إلى أبيه ، فلما خرج من عندها طلبت المنطقة وقالت : سرقت المنطقة فوجدت
عليه . وكذا في العلل الا ان فيه : إلى أبيه وقالت : سرقت اه .
( 4 ) علل الشرائع : 28 ، عيون الاخبار : 232 . م
( 5 ) تفسير العياشى مخطوط . م ( * )
[263]
سليمان بن زياد المنقري ، ( 1 ) عن عمرو بن شمر ، عن إسماعيل السدي ، عن عبدالرحمن
ابن سابط القرشي ؟ ( 2 ) عن جابر بن عبدالله الانصاري في قول الله عزوجل حكاية عن
يوسف : " إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " فقال في
تسمية النجوم : هو الطارق وجوبان والذيال وذو الكنفان وقابس ووثاب وعمودان وفيلق
ومصبح والصدح وذو الفزع والضياء والنور يعني الشمس والقمر ، وكل هذه الكواكب
محيطة بالسماء . ( 3 )
26 - ل : عبدالله بن حامد ، عن محمد بن جعفر ، عن الحسن بن عرفة ، عن الحكم بن
ظهير ، عن السدي ، عن عبدالرحمن بن سابط القرشي ، عن جابر بن عبدالله قال : أتى
النبي صلى الله عليه وآله رجل من اليهود يقال له بستان ( 4 ) اليهودي ، فقال : يامحمد أخبرني عن الكواكب
التي رآها يوسف أنها ساجدة له ما أسماؤهما ، فلم يجبه نبي الله يومئذ في شئ ، ونزل
جبرئيل بعد فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بأسمائها ، قال : فبعث نبي الله إلى بستان فلما أن جاءه قال
النبي صلى الله عليه وآله : هل أنت مسلم إن أخبرتك بأسمائها ، قال : فقال له : نعم ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله :
جربان والطارق والذيال وذو الكنفان وقابس ووثاب وعمودان والفيلق والمصبح والضروح و
ذو الفزع والضياء والنور ; رآها في افق السماء ساجدة له ، فلما قصها يوسف عليه السلام على
يعقوب عليه السلام قال يعقوب : هذا أمر متشتت يجمعه الله عزوجل بعد ، قال : فقال
بستان : والله إن هذه لاسماؤها . ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا في المصدر ونسخ من الكتاب ، وفى نسخة : سليمان بن داود المنقرى ولعله الصحيح
( 2 ) في نسخة سايط ، والصحيح : سابط بالموحدة ، يقال : هو عبدالرحمن بن عبدالله بن سابط
ويقال : عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالرحمن بن سابط بن أبى حميضة بن عمرو بن أهيب بن حذافة بن جمح
الجمحى المكى تابعى ، ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 6 : 180 .
( 3 و 5 ) الخصال 2 : 63 . والموجود في الخصال المطبوع في السند الاول : ذو الكتفان
مضبح والضروج . وفى الثانى : حربان مضبح والضروج وذا القرع . ورواه الثعلبى باسناده عن
الحكم بن ظهير في العرائس ، وفيه : جريان والطارق والذبال وذو الكتعين والفرغ ووثاب
وعمودان والمصبح والضليق والضروح . وتقدم في الحديث الاول وذيله ذكرها وذكر الخلاف
فيها راجع .
( 4 ) في العرائس : يقال له : نستار . ( * )
[264]
بيان : في البيضاوي : ذو الكتفين . ( 1 ) وفي العرائس : ذو الكنفات . ( 2 ) وفي أكثر نسخ
البيضاوي : الفليق . وفي العرائس كما في الخبر . ( 3 )
27 - ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن محمد بن سهل البحراني
يرفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال : البكاؤون خمسة : آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت
محمد صلى الله عليه وآله وعلي بن الحسين عليهما السلام . فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال
الاودية ; وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له : " تالله تفتؤتذ كر
يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين " وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى
تأذى به أهل السجن فقالوا له : إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار ، وإما أن تبكي
النهار وتسكت بالليل ، فصالحهم على واحدة منهما ; وأما فاطمه فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله
حتى تأذى به أهل المدينة فقالوا لها : قد آذيتنا بكثرة بكائك ، فكانت تخرج إلى المقابر
مقابر الشهداء فتبكي حتى تنقضي حاجتها ثم تنصرف ; وأما علي بن الحسين عليهما السلام
فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين سنة ، ماوضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال
له مولى له جعلت فداك ياابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الجاهلين ( 4 ) قال
" إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون " إني ما أذكر مصرع بني
فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة . ( 5 )
28 - سن : عدة من أصحابنا ، عن ابن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن إسحاق
ابن عمار ، عن الكاهلي قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن يعقوب لما ذهب منه ابن يامين ( 6 )
نادى : يارب أما ترحمني ؟ أذهبت عيني ، وأذهبت ابني ، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه :
لوأمتهما لاحييتهما حتى أجمع بينك وبينهما ، ولكن أما تذكر الشاة ذبحتها وشويتها
* ( هامش ) * ( 1 ) انوار التنزيل 1 : 227 ، وفيه : " الفرغ " مكان " ذو الفزع " . م
( 2 ) قد عرفت أن فيه ذو الكتفين .
( 3 ) العرائس : 70 وقد ذكرنا قبل ذلك اسماءها عن العرائس فليراجعه .
( 4 ) هكذا في المصدر وفى نسخ ، وفى نسخة . من الكتاب ( الهالكين ) وكذلك في الخصال
المطبوع جديدا ذكره عن نسخ مخطوطة ، وهو الاصح .
( 5 ) الخصال 1 : 131 . م
( 6 ) قد عرفت قبلا الخلاف في ذلك ، وأنه بنيامين أو ابن يامين . ( * )
[265]
وأكلت وفلان إلى جنبك صائم لم تنله منها شيئا ؟ قال ابن أسباط : قال يعقوب : حدثني
الميثمي ، عن أبي عبدالله عليه السلام أن يعقوب بعد ذلك كان ينادي مناديه كل غداة من منزله
على فرسخ : ألا من أراد الغداء ( 1 ) فليأت آل يعقوب ، وإذا أمسى نادى : ألا من أراد
العشاء فليأت آل يعقوب . ( 2 )
29 - ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم
عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكا في الارض
إلا أربعة بعد نوح : ذو القرنين واسمه عياش ، وداود وسليمان ويوسف عليهم السلام فأما عياش
فملك ما بين المشرق والمغرب ، وأما داود فملك مابين الشامات إلى بلاد إصطخر ، وكذلك
ملك سليمان ، وأما يوسف فملك مصر وبراريها لم يجاوزها إلى غيرها . ( 3 )
30 - ع : القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : كان يعقوب وعيص توأمين فولد عيص ثم ولد يعقوب فسمي يعقوب
لانه خرج بعقب أخيه عيص ، ويعقوب هو إسرائيل ، ومعنى إسرائيل : عبدالله ، لان الاسرا
هو عبد ، وإيل هو الله عزوجل . وروي في خبر آخر أن الاسرا هو القوة ، وإيل هو الله
عز وجل ، فمعنى إسرائيل : قوة الله عزوجل . ( 4 )
31 - ع : عبدالله بن حامد ، عن خلف بن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن علي بن حمزة
الانصاري ؟ عن عبدالرحمن بن إبراهيم الدمشقي ، عن بشر بن أبي بكر ، عن أبي بكر بن
أبي مريم ، عن سعيد بن عمرو الانصاري ، عن أبيه ، عن كعب الاخبار ( 5 ) في حديث طويل
يقول فيه : إنما سمي إسرائيل إسرائيل الله لان يعقوب كان يخدم بيت المقدس ، وكان أول


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 265 سطر 19 الى ص 273 سطر 18

من يدخل وآخر من يخرج ، وكان يسرج القناديل ، وكان إذا كان بالغداة رآها مطفأة ، قال :
* ( هامش ) * ( 1 ) الغداء : طعام الغدوة ويقابله العشاء .
( 2 ) محاسن البرقى : 399 . م
( 3 ) الخصال 1 : 118 .
( 4 ) علل الشرائع : 26 . م
( 5 ) هكذا في نسخ وفى المصدر ، وفى المطبوع : كعب الاحبار بالحاء المهملة وهو الصحيح . ( * )
[266]
فبات ليلة في مسجد بيت المقدس فإذا بجني يطفئها فأخذه فأسره إلى سارية في المسجد ،
فلما أصبحوا رأوه أسيرا ، وكان اسم الجني إيل ، فسمي إسرائيل لذلك . ( 1 )
32 - يه : في رواية عبدالله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام قال : قال
يعقوب لابنه يوسف : يا بني لا تزن فإن الطير لو زنا لتناثر ريشه . ( 2 )
33 - كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن
عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يانبي الله إن لي
ابنة عم قد رضيت جمالها وحسنها ودينها ولكنها عاقر ، فقال : لا تتزوجها ، إن يوسف بن
يعقوب لقي آخاه فقال : يا أخي كيف استطعت أن تتزوج النساء بعدي ؟ فقال : إن أبي
أمرني وقال : إن استطعت أن تكون لك ذرية تثقل الارض بالتسبيح فافعل . ( 3 )
34 - كا : العدة ، عن البرقي ؟ عن التفليسي ، عن السمندى ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خير وقت دعوتم الله فيه الاسحار ، وتلا هذه الآية في قول
يعقوب عليه السلام : " سوف أستغفر لكم ربي " فقال : أخرهم إلى السحر . ( 4 )
35 - ن : بالاسانيد الثلاثة عن الرضا عليه السلام ، عن آبائه ، عن علي بن الحسين عليهم السلام
أنه قال في قول الله عزوجل : " لولا أن رأى برهان ربه " قال : قامت امرأة العزيز
إلى الصنم فألقت عليه ثوبا ، فقال لها يوسف : ما هذا ؟ فقالت : أستحي ( 5 ) من الصنم أن
يرانا ، فقال لها يوسف : أتستحيين من لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه ولا يأكل ولا يشرب ولا
أستحي ( 6 ) أنا ممن خلق الانسان وعلمه ؟ فذلك قوله عزوجل : " لولا أن رأى برهان ربه " . ( 7 )
صح : عنه عليه السلام مثله . ( 8 )
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 26 . م
( 2 ) الفقيه : 471 . م
( 3 ) فروع الكافى ج 2 : 6 وللحديث ذيل . م
( 4 ) اصول الكافى ج 2 : 477 . م
( 5 و 6 ) في نسخة : أستحيى .
( 7 ) عيون الاخبار : 209 م
( 8 ) صحيفة الرضا : 37 وفيها : ولا استحيى ممن خلق الاشياء وعلمها . م ( * )
[267]
36 - ن : بهذا الاسناد عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال : أخذ الناس ثلاثة من
ثلاثة : أخذوا الصبر عن أيوب عليه السلام ، والشكر عن نوح عليه السلام ، والحسد عن بني
يعقوب . ( 1 )
صح : عنه عليه السلام مثله . ( 2 )
37 - ع ، ن : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن محمد بن نصير ،
عن الحسن بن موسى قال : روى أصحابنا عن الرضا عليه السلام أنه قال له رجل : أصلحك الله كيف
صرت إلى ماصرت إليه من المأمون ؟ - وكأنه أنكر ذلك عليه - فقال له أبوالحسن الرضا عليه السلام :
ياهذا أيهما أفضل : النبي أو الوصي ؟ قال : لا بل النبي ، قال : فأيهما أفضل : مسلم أو
مشرك ؟ قال : لا بل مسلم ، قال : فإن العزيز عزيز مصر كان مشركا وكان يوسف عليه السلام
نبيا ، وإن المأمون مسلما ( 3 ) وأنا وصي ، ويوسف سأل العزيز أن يوليه حين قال : " اجعلني
على خزائن الارض إني حفيظ عليم " وأنا أجبرت على ذلك . وقال عليه السلام في قوله : " اجعلني
على خزائن الارض إني حفيظ عليم " قال : حافظ لما في يدي ، عالم بكل لسان . ( 4 )
شى : عن الحسن بن موسى مثله . ( 5 )
بيان : قال السيد قدس الله روحه : فإن قيل : ما معنى قول يوسف عليه السلام للعزيز :
" اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم " وكيف يجوز أن يطلب الولاية من قبل
الظالم ؟ قلنا : إنما التمس تمكينه من خزائن الارض ليحكم فيها بالعدل وليصرفها إلى
مستحقيها ، وكان ذلك له من غير ولاية ، وإنما سأل الولاية ليتمكن من الحق الذي له
أن يفعله ، ولمن لم يتمكن من إقامة الحق والامر بالمعروف أن يتسبب إليه ويتوصل
إلى فعله ، فلا لوم في ذلك على يوسف عليه السلام ولا حرج ( 6 )
38 - ما : الفحام ، عن المنصوري ، عن موسى بن عيسى بن أحمد ، عن علي بن محمد
* ( هامش ) * ( 1 ) عيون الاخبار : 209 . م
( 2 ) صحيفه الرضا : 37 . م
( 3 ) في المصدرين : مسلم . م
( 4 ) علل الشرائع : 90 ، عيون الاخبار : 278 . م
( 5 ) مخطوط . م
( 6 ) تنزيه الانبياء : 60 - 61 . م ( * )
[268]
العسكري ، عن آبائه ، عن الصادق عليه السلام في قول الله عزوجل في قول يعقوب : " فصبر جميل "
قال : بلا شكوى . ( 1 )
39 - ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الاهوازي
عن ابن أبي عمير ، عن البطائني ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن دعاء يوسف
عليه السلام ماكان ؟ فقال : إن دعاء يوسف عليه السلام كان كثيرا لكنه لما اشتد عليه الحبس
خر لله ساجدا وقال : " اللهم إن كانت الذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي إليك
صوتا فأنا أتوجه إليك بوجه الشيخ يعقوب " قال : ثم بكى أبوعبدالله عليه السلام وقال : صلى
الله على يعقوب وعلى يوسف ، وأنا أقول : اللهم بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله . ( 2 )
40 - كا : محمد بن يحيى ، عن موسى بن الحسن ، عن محمد بن أحمد بن أبي محمود ، عن
أبيه رفعه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن يوسف عليه السلام لما أن كان في السجن شكا إلى ربه
عزوجل أكل الخبز وحده ، وسأل إداما يأتدم به ، وقد كان كثر عنده قطع الخبز اليابس
فأمره أن يأخذ الخبز ويجعله في إجانة ( 3 ) ويصب عليه الماء والملح فصار مريا وجعل يأتدم
به عليه السلام . ( 4 )
بيان : قال الفيروز آبادي المري كدري : إدام كالكامخ .
أقول : هو الذي يقال له بالفارسية : آب كامه .
41 - قل : عن المفيد في كتاب حدائق الرياض : في اليوم الثالث من المحرم كان خلاص
يوسف عليه السلام من الجب . ( 5 )
42 - ما : جماعة عن أبي المفضل ، عن محمد بن جعفر بن رباح الاشجعي ، عن عباد
ابن يعقوب الاسدي ، عن أرطاة بن جندب ، عن زياد بن المنذر ، عن أبي جعفر محمد بن علي
عليه السلام قال : لما أصابت امرأة العزيز الحاجة قيل لها : لو أتيت يوسف بن يعقوب
* ( هامش ) * ( 1 ) امالى الطوسى : 184 . م
( 2 ) امالى الطوسى : 264 . أى انا أقول : أتوجه اللهم بك وبرسولك .
( 3 )
الاجانة : اناء تغلس فيه الثياب .
( 4 ) فروع الكافى ج 2 : 173 ذكره في باب المرى من الاطعمة . م
( 5 ) اقبال الاعمال : 554 . م ( * )
[269]
فشاورت في ذلك ، فقيل لها : إنا نخافه عليك ، قالت : كلا إني لا أخاف من يخاف الله ،
فلما دخلت عليه فرأته في ملكه قالت : الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته وجعل
الملوك عبيدا بالمعصية ، فتزوجها فوجدها بكرا فقال لها : أليس هذا أحسن ؟ أليس هذا
أجمل ؟ فقالت : إني كنت بليت منك بأربع خلال : كنت أجمل أهل زماني ، وكنت أجمل
أهل زمانك ، وكنت بكرا ، وكان زوجي عنينا ، فلما كان من أمر إخوة يوسف ما كان
كتب يعقوب عليه السلام إلى يوسف عليه السلام وهو لا يعلم أنه يوسف :
بسم الله الرحمن الرحيم : من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله عزوجل إلى
عزيز آل فرعون ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعدفإنا
أهل بيت مولعة بنا أسباب البلاء ، كان جدي إبراهيم القي في النار في طاعة ربه فجعلها
الله عزوجل عليه بردا وسلاما ، وأمر الله جدي أن يذبح أبي ففداه بما فداه به ، وكان لي
ابن وكان من أعز الناس علي ففقدته فأذهب حزني عليه نور بصري ، وكان له أخ من امه
فكنت إذا ذكرت المفقود ضممت أخاه هذا إلى صدري فأذهب عني بعض وجدي ( 1 ) وهو
المحبوس عندك في السرقة ، وإني اشهدك أني لم أسرق ولم ألد سارقا .
فلما قرأ يوسف الكتاب بكى وصاح وقال : " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه
أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين " . ( 2 )
43 - دعوات الراوندى : عن أبي عبدالله بن موسى ( 3 ) قال : لما كان من أمر
إخوة يوسف ما كان - وساق الحديث إلى قوله - : من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح
الله - إلى قوله - : وكان لي ابن وكان من أحب الناس إلي - إلى قوله - : وهو من المحبوسين
عندك ، إني أخبرك أني لم أسرق ولم ألد سارقا . فلما قرأ يوسف كتابه بكى وكتب إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا .
فلما انتهى الكتاب إلى يعقوب قال : والله ما هذا بكلام الملوك والفراعنة ، بل هو
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : فيذهب عنى بعض وجدى . قلت : أى بعض حزنى .
( 2 ) امالى الطوى : 291 - 292 . م
( 3 ) في نسخة : عن عبدالله بن موسى . ( * )
[270]
كلام الانبياء وأولاد الانبياء ، فحينئذ قال : " يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف " . ( 1 )
44 - ومنه قال : سأل بعضهم فقيل : إن إخوة يوسف عليه السلام ألقوه في الجب وباعوه
ولم يصبهم شئ من البلاء ، وأصاب البلاء كله يوسف ، وحبس في السجن ، وابتلى بسائر
البلاء فما الحكمة في ذلك ؟ فقال : لانهم لم يكونوا أهلا له ، لاكل بدن يصلح
لبليته . ( 2 )
45 - وعن ابن عباس قال : مكث يوسف عليه السلام في منزل الملك وزليخا ثلاث سنين ،
ثم أحبته فراودته ، فبلغنا - الله أعلم - أنها مكثت سبع سنين على صدر قدميها وهو مطرق
إلى الارض ، لا يرفع طرفه إليها مخافة ، من ربه ، فقالت يوما : ارفع طرفك وانظر إلي ،
قال : أخشى العمى في بصري ، قالت : ما أحسن عينيك ! قال : هما أول ساقط على خدي
في قبري ، قالت : ما أطيب ريحك ! قال : لو سمعت رائحتي بعد ثلاث من موتي لهربت
مني ، قالت : لم لا تقرب مني ؟ قال : أرجو بذلك القرب من ربي ، قالت فرشي الحرير
فقم واقض حاجتي ، قال : أخشى أن يذهب من الجنة نصيبي ؟ قالت : أسلمك إلى المعذبين
قال : إذا يكفيني ربي . ( 3 )
46 - ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن أحمد بن محمد بن عبدالخالق ، عن الوليد بن
شجاع ، عن محمد بن حسين ، ( 4 ) عن موسى بن سعيد الرقاشي قال : لما قدم يعقوب عليه السلام
خرج يوسف عليه السلام فاستقبله في موكبه ، فمر بامرأة العزيز وهي تعبد في غرفة لها ، فلما
رأته عرفته فنادته بصوت حزين : أيها الذاهب طال ما أحزنتني ، ما أحسن التقوى ! كيف
حرر العبيد ؟ ! وأقبح الخطيئة ؟ ! كيف عبدت الاحرار ؟ ! ( 5 )
47 - كا : العدة ، عن البرقي ، عن عبدالرحمن بن حماد ، عن يونس بن يعقوب ،
عن سهل ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما صارت الاشياء ليوسف بن يعقوب
* ( هامش ) * ( 1 - 3 ) دعوات الراوندى مخطوط . م
( 4 ) في المصدر : قال : حدثنا مخلد بن الحسين بالمصيصة ، قلت : هو الصحيح ، ومحمد مصحف ،
قال ابن حجر في التقريب ص 485 : مخلد بن الحسين - بالضم - الازدى الرملى أبومحمد البصرى نزيل
المصيصة ، ثقة فاضل من كبار التاسعة ، مات سنة احدى وتسعين . قلت : أى بعد المائتين .
( 5 ) امالى الطوسى : 292 . م ( * )
[271]
عليه السلام جعل الطعام في بيوت وأمر بعض وكلائه يبيع ، فكان يقول : بع بكذا وكذا
والسعر قائم ، فلما علم أنه يزيد في ذلك اليوم كره أن يجري الغلاء على لسانه ، فقال
له : اذهب فبع ، ولم يسم له سعرا ، فذهب الوكيل غير بعيد ثم رجع إليه فقال له : اذهب
وبع ، وكره أن يجري الغلاء على لسانه ، فذهب الوكيل فجاء أول من اكتال فلما بلغ
دون ما كال بالامس بمكيال قال المشتري : حسبك إنما أردت بكذا وكذا ، فعلم الوكيل
أنه قد غلا بمكيال ، ثم جاءه آخر فقال له : كل لي فكال ، فلما بلغ دون الذي كال للاول
بمكيال قال له المشتري : حسبك إنما أردت بكذا وكذا ، فعلم الوكيل أنه قد غلا بمكيال
حتى صار إلى واحد بواحد . ( 1 )
48 - ع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن
عطية ، عن الثمالي قال : صليت مع علي بن الحسين عليه السلام الفجر بالمدينة يوم جمعة ، فلما فرغ
من صلاته وسبحته ( 2 ) نهض إلى منزله وأنا معه ، فدعا مولاة له تسمى سكينة فقال لها : لا
يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه ، فإن اليوم يوم الجمعة ، قلت له : ليس كل من يسأل
مستحقا ، فقال : ياثابت أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقا ( 3 ) فلا نطعمه ونرده
فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله ، أطعموهم أطعموهم ، إن يعقوب كان يذبح
كل يوم كبشا فيتصدق منه ، ويأكل هو وعياله منه ، وإن سائلا مؤمنا صواما مستحقا ( 4 )
له عندالله منزلة وكان مجتازا غريبا اعتر على باب ( 5 ) يعقوب عشية جمعة عند أوان إفطاره
يهتف على بابه : أطعموا السائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم ، يهتف بذلك
على بابه مرارا وهم يسمعونه قد جهلوا حقه ولم يصد قوا قوله ، فلما يئس أن يطعموه
وغشيه الليل استرجع واستعبر ( 6 ) وشكا جوعه إلى الله عزوجل وبات طاويا ، وأصبح صائما
* ( هامش ) * ( 1 ) فروع الكافى ج 1 : 374 - 375 . م
( 2 ) السبحة بالضم : الدعاء والتسبيح . والصلاة النافلة . وفى نسخة : فرغ من صلاته وتسبيحه .
( 3 و 4 ) في نسخة : محقا .
( 5 ) اعتره : أتاه للمعروف . وفى المصدر : وكان محتاجا غريبا عبر على باب يعقوب . ( 6 ) استعبر : جرت عبرته ، والعبرة : الدمعة ( * )
[272]
جائعا صابرا حامدا لله تعالى ، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعا بطانا وأصبحوا وعندهم
فضلة من طعامهم .
قال : فأوحى الله عزوجل إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة : لقد أذللت يا يعقوب
عبدي ذلة استجررت بها غضبي ، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي وبلواي عليك وعلى
ولدك ، يا يعقوب إن أحب أنبيائي إلي وأكرمهم علي من رحم مساكين عبادي وقربهم
إليه وأطعمهم وكان لهم مأوى وملجأ ، يايعقوب أما رحمت ذميال ( 1 ) عبدي ، المجتهد في
عبادته القانع باليسير من ظاهر الدنيا ( 2 ) عشاء أمس لما اعتر ببابك عند أوان إفطاره ؟
وهتف بكم : أطعموا السائل الغريب المجتاز القانع ، فلم تطعموه شيئا ، فاسترجع واستعبر
وشكا مابه إلي ، وبات طاويا حامدا لي ، وأصبح لي صائما ، وأنت يا يعقوب وولدك
شباع ، وأصبحت عندكم فضلة من طعامكم ؟ أو ما علمت يا يعقوب أن العقوبة والبلوى
إلى أوليائي أسرع منها إلى أعدائي ؟ وذلك حسن النظر مني لاوليائي ، واستدراج مني
لاعدائي ، أما وعزتي لا نزل بك بلواي ، ولاجعلنك وولدك غرضا لمصائبي ، ولاوذينك
بعقوبتي ، فاستعدوا لبلواي وارضوا بقضائي واصبروا للمصائب ; فقلت لعلي بن الحسين
عليه السلام جعلت فداك متى رأى يوسف الرؤيا ؟ فقال : في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب و
آل يعقوب شباعا ، وبات فيها ذميال طاويا جائعا ، فلما رأى يوسف الرؤيا وأصبح يقصها
على أبيه يعقوب فاغتم يعقوب لما سمع من يوسف مع ما أوحى الله عزوجل إليه : ( 3 ) أن
استعد للبلاء ، فقال يعقوب ليوسف : لا تقصص رؤياك هذه على إخوتك فإني أخاف أن
يكيدوا لك كيدا ، فلم يكتم يوسف رؤياه وقصها على إخوته ; قال علي بن الحسين عليه السلام
وكانت أول بلوى نزلت بيعقوب وآل يعقوب الحسد ليوسف لما سمعوا منه الرؤيا . ( 4 )
قال : فاشتدت رقة يعقوب على يوسف وخاف أن يكون ماأوحى الله عزوجل إليه من
* ( هامش ) * ( 1 ) ذمل البعير : سار سيرالينا ، وفى القاموس : الذميلة : المعيبة ، ولعل المراد في الحديث
الذلة والاحتياج .
( 2 ) في نسخة : من طاهر الدنيا .
( 3 ) في نسخة : مغتما فأوحى الله اليه .
( 4 ) في نسخة : لما سمعوا منه من الرؤيا . ( * )
[273]
الاستعداد للبلاء هو في يوسف خاصة ، فاشتدت رقته عليه من بين ولده ، فلما رأى إخوة
يوسف مايصنع يعقوب ( 1 ) بيوسف وتكرمته إياه وإيثاره إياه عليهم اشتد ذلك عليهم ، وبدا
البلاء فيهم ، فتآمروا ( 2 ) فيما بينهم وقالوا : إن يوسف وأخاه أحب إلى أبينا منا ونحن
عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين ، اقتلوا يوسف أو اطرحوء أرضا يخل لكم وجه أبيكم و
تكونوا من بعده قوما صالحين ، أي تتوبون . فعند ذلك قالوا : " يا أبانا مالك لا تأمنا على
يوسف وإنا له لناصحون * أرسله معنا غدا يرتع " فقال يعقوب : " إني ليحزنني أن
تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب " فانتزعه حذرا عليه منه من أن تكون البلوى من الله على
يعقوب في يوسف خاصة لموقعه من قلبه وحبه له ، قال : فغلبت قدرة الله وقضاؤه ونافذ أمره
في يعقوب ويوسف وإخوته ، فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء عن نفسه ولا عن يوسف وولده
فدفعه إليهم وهو لذلك كاره ، متوقع للبلوى من الله في يوسف ، فلما خرجوا من منزلهم
لحقهم مسرعا فانتزعه من أيديهم فضمه إليه واعتنقه وبكى ودفعه إليهم ، فانطلقوا به
مسرعين مخافة أن يأخذه منهم ولا يدفعه إليهم ، ( 3 ) فلما أمعنوا به أتوا به غيضة أشجار
فقالوا : نذبحه ونلقيه تحت هذه الشجرة فيأكله الذئب الليلة .
فقال كبيرهم : " لا تقتلوا يوسف " ولكن " ألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة
إن كنتم فاعلين " فانطلقوا به إلى الجب فألقوه وهم يظنون أنه يغرق فيه ، فلما صار
في قعر الجب ناداهم : ياولد رومين اقرؤوا يعقوب عني السلام ، فلما سمعوا كلامه قال
بعضهم لبعض : لا تزالوا من ههنا حتى تعلموا أنه قد مات ، فلم يزالوا بحضرته حتى
أمسوا ( 4 ) ورجعوا إلى أبيهم عشاء يبكون " قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 273 سطر 19 الى ص 281 سطر 18

عند متاعنا فأكله الذئب " فلما سمع مقالتهم استرجع واستعبر وذكر ما أوحى الله عزوجل
إليه من الاستعداد للبلاء ، فصبر وأذعن للبلوى ( 5 ) وقال لهم : " بل سولت لكم أنفسكم
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : صنيع يعقوب . وفى اخرى : ماصنع يعقوب .
( 2 ) أى تشاوروا .
( 3 ) في نسخة : ولا يعيده اليهم .
( 4 ) في نسخة : حتى أيسوا .
( 5 ) في المصدر : للبلاء . م ( * )
[274]
أمرا " وما كان الله ليطعم لحم يوسف الذئب من قبل أن أرى ( 1 ) تأويل رؤياه الصادقة . ( 2 )
قال أبوحمزة : ثم انقطع حديث علي بن الحسين عليه السلام عند هذا ، فلما كان من
الغد غدوت عليه فقلت له : جعلت فداك إنك حدثتني أمس بحديث ليعقوب ( 3 ) وولده
ثم قطعته ، ماكان من قصة إخوة يوسف وقصة يوسف بعد ذلك ؟ فقال : إنهم لما أصبحوا
قالوا : انطلقوا بنا حتى ننظر ماحال يوسف ، أمات أم هو حي ؟ فلما انتهوا إلى الجب
وجدوا بحضرة الجب سيارة وقد أرسلوا واردهم فأدلى دلوه ، فلما جذب دلوه إذا هو بغلام
متعلق بدلوه فقال لاصحابه : " يا بشرى هذا غلام " فلما أخرجوه أقبلوا إليهم ( 4 ) إخوة
يوسف ، فقالوا : ( 5 ) هذا عبدنا سقط منا أمس في هذا الجب ، وجئنا اليوم لنخرجه ، فانتزعوه
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة من المصدر : من قبل أن رأى .
( 2 ) قال الطبرسى رحمه الله : قيل : ان يعقوب لما أرسله معهم أخرجوه مكرما ، فلما وصلوا
إلى الصحراء أظهروا له العداوة وجعلوا يضربونه وهو يستغيث بواحد واحد منهم فلا يغيثه ، و
كان يقول : ياأبتاه ، فهموا بقتله فمنعهم يهودا منه وقيل لاوى كما رواه بعض أصحابنا ، وانطلقوا
به إلى الجب فجعلوا يدلونه في البئر وهو يتعلق بشفيرها ، ثم نزعوا قميصه عنه ، وهو يقول : لا
تفعلوا ردوا على قميصى أتوارى به ، فيقولون : ادع الشمس والقمر والاحد عشر كوكبا تؤنسنك ،
فدلوه إلى البئر حتى اذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت ، وكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم آوى
إلى صخرة فقام عليها ، وكان يهودا يأتيه بالطعام ، عن السدي ; وقيل : ان الجب أضاء له وعذب
ماؤه حتى أغناه عن الطعام ومن الشراب ; وقيل : كان الماء كدرا فصفا وعذب ووكل الله به ملكا
يحرسه ويطعمه ، عن مقاتل ; وقيل : ان جبرئيل عليه السلام كان يؤنسه ; وقيل : ان الله تعالى أمر
بصخرة حتى ارتفعت من أسفل البئر فوقف يوسف عليها وهو عريان ، وكان ابراهيم الخليل حين
القى في النار جرد من ثيابه وقذف في النار عريانا فأتاه جبرئيل بقميص من حرير الجنة فألبسه
اياه ، وكان ذلك عند ابراهيم عليه السلام فلما مات ورثه اسحاق ، فلما مات اسحاق ورثه يعقوب ،
فلما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذ وعلقه في عنقه وكان لا يفارقه ، فلما القى في
البئر عريانا جاءه جبرئيل وكان عليه ذلك التعويذ فأخرج منه القميص وألبسه إياه ، وروى ذلك
المفضل بن عمر ، عن الصادق عليه السلام ، قال : وهو القميص الذى وجد يعقوب ريحه لما فصلت
العير من مصر ، وكان يعقوب بفلسطين فقال : انى لاجد ريح يوسف . منه طاب الله ثراه .
( 3 ) في المصدر : بحديث يعقوب . م
( 4 ) في المصدر : اقبل اليهم . م
( 5 ) في نسخة : وقالوا . ( * )
[275]
من أيديهم وتنحوا به ناحية ففالوا : إما أن تقر لنا أنك عبد لنا فنبيعك بعض هذه
السيارة أو نقتلك ، فقال لهم يوسف عليه السلام : لاتقتلوني واصنعوا ما شئتم ، فأقبلوا به إلى السيارة
فقالوا : منكم من يشتري منا هذا العبد ؟ فاشتراه رجل منهم بعشرين درهما ، وكان إخوته
فيه من الزاهدين ، وسار به الذي اشتراه من البدو حتى أدخله مصر فباعه الذي اشتراه
من البدو من ملك مصر وذلك قول الله عزوجل : " وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي
مثواه عسى أن ينفعنا أن نتخذه ولدا " .
قال أبوحمزة : فقلت لعلي بن الحسين عليه السلام : ابن كم كان يوسف يوم ألقوه في
الجب ، فقال : كان ابن تسع ( 1 ) سنين ، فقلت : كم كان بين منزل يعقوب يومئذ وبين
مصر ؟ فقال : مسيرة اثني عشر يوما ، قال : وكان يوسف من أجمل أهل زمانه ، فلما راهق
يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه ، فقال لها : معاذ الله أنا من أهل بيت لا يزنون ، فغلقت
الابواب عليها وعليه وقالت : لا تخف وألقت نفسها عليه ، فأفلت منها ( 2 ) هاربا إلى الباب
ففتحه فلحقته فجذبت قميصه من خلفه فأخرجته منه ، ( 3 ) فأفلت يوسف منها في ثيابه " وألفيا
سيدها لدى الباب * قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم "
قال : فهم الملك بيوسف ليعذبه فقال له يوسف : وإله يعقوب ما أردت بأهلك سوءا ، بل
هي راودتني عن نفسي ، فاسأل هذا الصبي أينا راود صاحبه عن نفسه ، قال : وكان عندها
من أهلها صبي زائر ( 4 ) لها ، فأنطق الله الصبي لفصل القضاء فقال : أيها الملك انظر
إلى قميص يوسف فإن كان مقدودا من قدامه فهو الذي راودها ، وإن كان مقدودا من خلفه
فهي التي راودته ، فلما سمع الملك كلام الصبي وما اقتص أفزعه ذلك فزعا شديدا فجئ
بالقميص فنظر إليه فلما رآه مقدودا من خلفه قال لها : " إنه من كيد كن إن كيد كن
عظيم " وقال ليوسف : " أعرض عن هذا " ولا يسمعه منك أحد واكتمه ، قال : فلم يكتمه
يوسف وأذاعه في المدينة حتى قلن نسوة منهن : امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ، فبلغها
* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش نسخة المصنف : سبع " شى " .
( 2 ) أى فتخلص منها .
( 3 ) استظهر في هامش نسخة المصنف أن صحيحه : فخرقته .
( 4 ) أى باك . ( * )
[276]
ذلك فأرسلت إليهن وهيأت لهن طعاما ومجلسا ثم أتتهن بأترج وأتت كل واحدة منهن
سكينا ، ثم قالت ليوسف : " اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن "
ماقلن ، فقالت لهن هذا الذي لمتنني فيه - يعني في حبه - وخرجن النسوة من عندها فأرسلت
كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صاحبتها تسأله الزيارة ( 1 ) ؟ أبى عليهن ، وقال :
" إلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين " فصرف الله عنه كيدهن ،
فلما شاع أمر يوسف وأمر امرأة العزيز والنسوة في مصر بدا للملك بعد ماسمع قول
الصبي ليسجنن يوسف ، فسجنه في السجن ، ودخل السجن ( 2 ) مع يوسف فتيان ، وكان
من قصتهما وقصة يوسف ما قصه الله في الكتاب . قال أبوحمزة : ثم انقطع حديث علي
ابن الحسين عليه السلام . ( 3 )
شى عن الثمالي مثله . ( 4 )
بيان : السبحة بالضم : الدعاء والصلاة النافلة . ذكره الفيروز آبادي . ويقال :
عره واعتره وعراه واعتراه : إذا أتاه متعرضا لفوائده .
والطوى الجوع ، يقال : هو طاو وطيان . والاسترجاع قول : " إنا لله وإنا إليه
راجعون " وبطن - بالكسر - يبطن بطنا : عظم بطنه من الشبع . ويقال : أمعن الفرس : إذا
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الطبرسى بعد نقل هذه الرواية : وقيل : انهن قلن له : اطع مولاتك واقض حاجاتها فانها
المظلومة وأنت الظالم ; وقيل : انهن لما رأين يوسف استأذن امرأة العزيز بأن تخلو كل واحدة منهن
به وتدعوه إلى ما أرادته منه ، فلما خلون به دعته كل واحدة منهن إلى نفسها فلذلك قال : " مما يدعوننى
اليه " والمراد بالايات العلامات الدالة على براءة يوسف ; وقيل : العلامات الدالة على الاياس منه
وقال السدى : سبب السجن أن المرأة قالت لزوجها : إن هذا العبد قد فضحنى بين الناس ولست
اطيق أن أعتذر بعذرى ، فاما أن تأذن بى فأخرج وأعتذر ، واما أن تحبسه كما حبستنى ، فحبسه بعد
علمه ببراءته ; وقيل : ان الغرض من الحبس أن يظهر للناس ان الذنب كان له ; وقيل : كان الحبس
قريبا منها فأرادت أن يكون بقربها حتى إذا أشرفت عليه رأته . وقوله : " حتى حين " قيل : إلى
سبع سنين ; وقيل : إلى خمس سنين ; وقيل : إلى وقت ينسى حديث المرأة معه . منه رحمه الله .
( 2 ) في المصدر : ودخل في السجن . م
( 3 ) علل الشرائع : 27 - 28 . م
( 4 ) مخطوط . م ( * )
[277]
تباعد في عدوه . والغيضة بالفتح : الاجمة ومجتمع الشجر . وراهق الغلام أي قارب الاحتلام .
49 - ع : سمعت محمد بن عبدالله بن طيفور يقول في قول يوسف عليه السلام : " رب السجن
أحب إلي مما يدعونني إليه " : إن يوسف رجع إلى اختيار نفسه فاختار السجن فوكل
إلى اختياره ، والتجئ نبي الله محمد صلى الله على وآله إلى الخيار فتبرأ من الاختيار ودعا دعاء الافتقار
فقال على رؤية الاضطرار : " يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي على طاعتك " فعوفي من
العلة وعصم ، فاستجاب الله له وأحسن إجابته ، وهو أن الله عصمه ظاهرا وباطنا .
وسمعته يقول في قول يعقوب : " هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل "
إن هذا مثل قول النبي صلى الله عليه وآله : " لا يلسع المؤمن من حجر مرتين " فهذا معناه وذلك أنه سلم
يوسف إليهم فغشوه حين اعتمد على حفظهم له ، وانقطع في رعايته إليهم ، فألقوه في غيابة
الجب وباعوه ، ولما انقطع إلى الله عزوجل في الابن الثاني وسلمه واعتمد في حفظه عليه
وقال : " فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين " أقعده على سرير المملكة ، ورد يوسف إليه
وخرج القوم من المحنة ، واستقامت أسبابهم .
وسمعته يقول في قول يعقوب : " يا أسفى على يوسف " إنه عرض في التأسف بيوسف ،
وقد رأى في مفارقته فراقا آخر ، وفي قطيعته قطيعة اخرى ، فتلهب عليها ( 1 ) وتأسف من
أجلها ، كقول الصادق عليه السلام في معنى قوله عزوجل : " ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون
العذاب الاكبر " : إن هذا فراق الاحبة في دار الدنيا ليستدلوا به على فراق المولى ، فلذلك
يعقوب تأسف على يوسف من خوف فراق غيره ، فذكر يوسف لذلك . ( 2 )
50 - ع : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ؟ عن أبيه ، عن محمد بن نصير ، عن أحمد
ابن محمد ، عن ابن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ،
عن أبيه قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : أخبرني عن يعقوب حين قال لولده : " اذهبوا
فتحسسوا من يوسف وأخيه " أكان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه
من الحزن ؟ قال : نعم علم أنه حي ، قلت : وكيف علم ؟ قال : إنه دعا في السحر أن يهبط
* ( هامش ) * ( 1 ) أى فتحرقت عليها . وفى المصدر : فتلهف عليها . أى حزن عليها وتحسر .
( 2 ) علل الشرائع : 28 . م ( * )
[278]
عليه ملك الموت فهبط عليه تريال فهو ملك الموت فقال له تريال : ما حاجتك يا يعقوب ؟
قال : أخبرني عن الارواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة ؟ فقال : بل متفرقة وروحا روحا ،
قال : فمر بك روح يوسف ؟ قال : لا ، ( 1 ) قال : فعند ذلك علم أنه حي ، فقال لولده : " اذهبوا
فتحسسوا من يوسف وأخيه " . ( 2 )
شى : عن سدير مثله . ( 3 )
بيان : لعل السؤال لانه لو كان يقبضها مجتمعة بعد زمان لا يعلم من عدم قبضه عدم
موته عليه السلام إذ يمكن حينئذ أن يكون قد قبضته الملائكة القابضون ولم يصل إليه بعد .
51 - ع : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن علي ، عن
إبراهيم بن إسحاق ، عن يونس ، عن البطائني ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول : لا خير فيمن لا تقية له ، ولقد قال يوسف : " أيتها العير إنكم لسارقون " وما
سرقوا . ( 4 )
52 - ع : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن محمد بن نصير ، عن
ابن عيسى ، عن الاهوازي ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : قال
أبوعبدالله عليه السلام : التقية دين الله عزوجل ، قلت : من دين الله ؟ قال : فقال : إي والله من
دين الله ، لقد قال يوسف : " أيتها العير إنكم لسارقون " والله ما كانوا سرقوا شيئا . ( 5 )
شى : عن أبي بصير مثله . ( 6 )
53 - ع : بالاسناد إلى العياشي ، عن محمد بن أحمد ، عن النهاوندي ، عن صالح
ابن سعيد ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألت عن قول الله عزوجل
في يوسف : " أيتها العير إنكم لسارقون " قال : إنهم سرقوا يوسف من أبيه ، ألا ترى أنه
* ( هامش ) * ( 1 ) روى الطبرسى ره من كتاب النبوة باسناده إلى سدير الصيرفى عن أبى جعفر عليه السلام قال :
ان يعقوب دعا الله سبحانه أن يهبط عليه ملك الموت عليه السلام : فأجابه ، فقال : ما حاجتك ؟ قال :
اخبرنى هل مربك روح يوسف في الارواح ؟ فقال : لا ، فعلم انه حى فقال : " يا بنى اذهبوا فتحسسوا
من يوسف " منه طاب الله ثراه .
( 2 و 4 و 5 ) علل الشرائع : 29 . م
( 3 و 6 ) مخطوط . م ( * )
[279]
قال لهم حين قالوا : " ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك " ولم يقولوا : سرقتم صواع الملك ،
إنما عني أنكم سرقتم يوسف عن أبيه . ( 1 )
مع : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن صالح بن
سعيد مثله . ( 2 )
شى : عن رجل من أصحابنا مثله . ( 3 )
54 - ع : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن
أبي عبدالله عليه السلام في قول يوسف " أيتها العير إنكم لسارقون " قال : ما سرقوا وما كذب . ( 4 )
55 - ع : بالاسناد عن ابن أبي عمير ، عن أخي مرازم ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول
الله عزوجل : " ولما فصلت العير قال أبوهم إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون " قال :
وجد يعقوب ريح قميص إبراهيم حين فصلت العير من مصر وهو بفلسطين . ( 5 )
شى : عن أخي مرازم مثله . ( 6 )
بيان : فلسطين بكسر الفاء وقد تفتح كورة بالشام .
56 - ع : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن محمد بن نصير ، عن ابن
عيسى ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن ابن أبي البلاد ، عمن
ذكره ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان القميص الذي نزل به على إبراهيم من الجنة في
قصبة من فضة ، وكان إذا لبس كان واسعا كبيرا ، ( 7 ) فلما فصلوا ويعقوب بالرملة ( 8 ) و
يوسف بمصر قال يعقوب : " إني لاجد ريح يوسف " عنى ريح الجنة حين فصلوا بالقميص
لانه كان من الجنة . ( 9 )
شى : عن ابن أبي البلاد مثله . ( 10 )
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 29 . وفى نسخة : سرقتم يوسف من أبيه . م
( 2 ) معانى الاخبار : 64 . م
( 3 و 6 و 10 ) مخطوط . م
( 4 - 5 ) علل الشرائع : 29 . م
( 7 ) في نسخة : واسعا كثيرا .
( 8 ) الرملة : مدينة عظيمة بفلسطين وكانت قصبتها قد خربت الان .
( 9 ) علل الشرائع : 29 . م ( * )
[280]
57 - ع : الطالقاني ، عن أحمد الهمداني ، عن المنذر بن محمد ، عن إسماعيل بن
إبراهيم الخزاز ، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : قلت لجعفر بن محمد عليه السلام : أخبرني
عن يعقوب عليه السلام لما قال له بنوه : " يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين *
قال سوف أستغفر لكم ربي " فأخر الاستغفار لهم ، ويوسف عليه السلام لما قالوا له : " تا لله لقد آثرك
الله علينا وإن كنا لخاطئين " قال : " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "
قال : لان قلب الشاب أرق من قلب الشيخ ، وكانت ( 1 ) جناية ولد يعقوب على يوسف ،
وجنايتهم على يعقوب إنما كانت بجنايتهم على يوسف ، فبادر يوسف إلى العفو عن حقه ،
وأخر يعقوب العفو ، لان عفوه إنما كان عن حق غيره ، فأخرهم إلى السحر ليلة
الجمعة .
وأما العلة التي ( 2 ) كانت من أجلها عرف يوسف إخوته ولم يعرفوه لما دخلوا
عليه فإني سمعت محمد بن عبدالله بن محمد بن طيفور يقول في قول الله عزوجل : " وجاء إخوة
يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون " : إن ذلك لتركهم حرمة يوسف ، وقد
يمتحن الله المرأ بتركه الحرمة ، ألا ترى يعقوب عليه السلام حين ترك حرمة ( 3 ) غيبوه عن
عينه ، فامتحن من حيث ترك الحرمة بغيبته عن عينه لاعن قلبه عشرين سنة ، وترك إخوة
يوسف حرمته في قلوبهم حيث عادوه وأرادوا القطيعة للحسد الذي في قلوبهم فامتحنوا في
قلوبكم كأنهم يرونه ولا يعرفونه ، ولم يكن لاخيه من امه حسد مثل ما كان لاخوته ،
فلما دخل قال : " إني أنا أخوك " ( 4 ) على يقين عرفه فسلم من المحن فيه حين لم يترك
حرمته وهكذا العباد . ( 5 )
58 - ع : أبي ، عن أحمد بن إدريس ومحمد العطار ، عن الاشعري ، عن ابن يزيد ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : وكان .
( 2 ) من هنا إلى لاخر رأى رآه محمد بن عبدالله بن طيفور ، ولم يسنده إلى رواية ، وهو وجه
غير وجيه .
( 3 ) في المصدر : حرمة يوسف .
( 4 ) القائل لهذا يوسف دون أخيه بنيامين ، فلا يتوجه مارام .
( 5 ) علل الشرائع : 29 - 30 . م ( * )
[281]
عن غير واحد رفعوه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال : لماتلقي يوسف يعقوب ترجل له يعقوب
ولم يترجل له يوسف ، فلم ينفصلا من العناق ( 1 ) حتى أتاه جبرئيل فقال له : يا يوسف
ترجل لك الصديق ولم تترجل له ؟ ! ابسط يدك ، فبسطها فخرج نور من راحته ، فقال له
يوسف : ما هذا ؟ قال : لا يخرج من عقبك نبي عقوبة . ( 2 )
بيان : العناق : المعانقة
59 - ع : ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن أورمة ، عن ابن
أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، ( 3 ) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما أقبل يعقوب عليه السلام إلى
مصر خرج يوسف عليه السلام ليستقبله ، فلما رآه يوسف هم بأن يترجل ليعقوب ثم نظر إلى
ما هو فيه من الملك فلم يفعل ، فلما سلم على يعقوب نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال له :
يا يوسف إن الله تبارك وتعالى يقول لك : ما منعك أن تنزل إلى عبدي الصالح ؟ ما أنت فيه ؟ ( 4 )
ابسط يدك ، فبسطها فخرج من بين أصابعه نور ، فقال : ما هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذا إنه
لا يخرج من صلبك نبي أبدا عقوبة لك بما صنعت بيعقوب إذ لم تنزل إليه . ( 5 )
بيان : " ما أنت " استفهام ، ( 6 ) أي أمنعك ما أنت فيه من الملك ؟ ثم إنه عليه السلام لعله
راعى بعض مصالح الملك في ترك الترجل ، وكان الاولى والافضل ترك تلك المصلحة وتقديم
تكريم الوالد عليه ، لا أنه ترك واجبا أو فعل محرما لما قد ثبت من عصمتهم عليه السلام .
60 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن المغيرة ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : استأذنت زليخا على يوسف فقيل لها : يا زليخا إنا نكره أن نقدم بك عليه لما
كان منك إليه ; قالت : إني لا أخاف من يخاف الله ، فلما دخلت قال لها : يازليخا مالي


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 281 سطر 19 الى ص 289 سطر 18

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : لم ينفصلا عن العناق .
( 2 ) علل الشرائع : 30 . وفى نسخة وقال هذا إنه لا يخرج من صلبك نبى عقوبة .
( 3 ) روى الطبرسى رحمه الله من كتاب النبوة للصدوق باسناده عن ابن أبي عمير ، عن هشام مثله .
منه رحمه الله .
( 4 ) في نسخة : مما أنت فيه ، وفى المصدر : الا ما انت فيه .
( 5 ) علل الشرائع : 30 . م
( 6 ) وعلى ما في المصدر فما له فية . ( * )
[282]
أراك قد تغير لونك ؟ قالت : الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا ، وجعل العبيد
بطاعتهم ملوكا ، قال لها : يازليخا ما الذي دعاك إلى ماكان منك ؟ قالت : حسن وجهك يا
يوسف ، فقال : كيف لورأيت نبيا يقال له محمد يكون في آخر الزمان أحسن مني وجها ،
وأحسن مني خلقا ، وأسمح مني كفا ؟ قالت : صدقت ، قال : وكيف علمت أني صدقت ؟
قالت : لانك حين ذكرته وقع حبه في قلبي ، فأوحى الله عزوجل إلى يوسف : أنها قد
صدقت ، وإني قد أحببتها لحبها محمدا صلى الله عليه وآله ، فأمره الله تبارك وتعالى أن يتزوجها . ( 1 )
ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن المغيرة ، ( 2 ) عن جده ، عن جده ، عمن ذكره ،
عنه عليه السلام مثله . ( 3 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله قيل : إن الملك الاكبر ( 4 ) فوض إلى يوسف أمر
مصر ودخل بيته وعزل قطفير وجعل يوسف مكانه ; وقيل : إن قطفير هلك في تلك الليالي
فزوج الملك يوسف راعيل امرأة قطفير العزيز فدخل بها يوسف فوجدها عذراء ، ولما دخل
عليها قال : أليس هذا خيرا مما كنت تريدين ؟ وولدت له إفرائيم وميشا ، ( 5 ) واستوثق
ليوسف ( 6 ) ملك مصر ; وقيل : إنه لم يتزوجها يوسف ، وإنه لما رأته في موكبه بكت
وقالت : الحمد لله الذي جعل الملوك بالمعصية عبيدا ، والعبيد بالطاعة ملوكا ، فضمها إليه
وكانت من عياله حتى ماتت ولم يتزوجها . انتهى . ( 7 )
أقول : يدل هذا الخبر وغيره مما أوردناه في هذا الباب على أنه كان قد تزوجها .
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 30 . م
( 2 ) هو جعفر بن على بن الحسن الكوفى يروى عن جده الحسن بن على بن عبدالله ، والحسن
يروى عن جده عبدالله بن المغيرة .
( 3 ) مخطوط .
( 4 ) قال البغدادى في المحبر : هو الريان بن الوليد بن ليث بن فاران بن عمرو بن عمليق بن يلمع
وقال الثعلبى في العرائس : هو الريان بن الوليد بن ثروان بن أراشتربن فاران عمرو بن عملاق بن
لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام .
( 5 ) قال ابن اسحاق . ولد ليوسف من امرأة العزيز افراثيم وميشا ورحمة امرأة أيوب عليه السلام
منه رحمه الله .
( 6 ) هكذا في المصدر وفى النسخة التى عليه سماع المصنف ، وفى المطبوع ونسخة مخطوطة
" واستوسق " بالسين وهو الصحيح ، والمعنى : وانتظم له ملك مصر .
( 7 ) مجمع البيان 5 : 243 . ( * )
[283]
61 - ك ، ع : أبي ، عن الحميري ، عن أحمد بن هلال ، عن ابن أبي نجران ، عن
فضالة ، عن سدير قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن في القائم سنة من يوسف ، قلت :
كأنك تذكر حيرة أو غيبة ؟ قال لي : وما تنكر من هذا هذه الامة أشباه الخنازير ، ( 1 ) إن
إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء ، تاجروا يوسف وبايعوه وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم
فلم يعرفوه حتى قال لهم يوسف : أنا يوسف ، فما تنكر هذه الامة الملعونة أن يكون الله
عزوجل في وقت من الاوقات يريد أن يستر حجته ؟ لقد كان يوسف إليه ملك مصر و
كان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد الله عزوجل أن يعرف مكانه لقدر
على ذلك ، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم ( 2 ) إلى مصر ،
فما تنكر هذه الامة أن يكون الله يفعل بحجته مافعل بيوسف أن يكون يسير في أسواقهم
ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله عزوجل له أن يعرفهم نفسه ، كما أذن ليوسف
حين قال : " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون * قالوا أئنك لانت يوسف
قال أنا يوسف وهذا أخي " . ( 3 )
62 - ع : أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن أحمد
عن الحسن بن علي ، عن يونس ، عن الحسين بن عمر بن يزيد ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : إن بني يعقوب لما سألوا أباهم يعقوب أن يأذن ليوسف في الخروج معهم قال لهم :
" إني أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " قال : فقال أبوعبدالله عليه السلام : قرب يعقوب
لهم العلة اعتلوا بها في يوسف عليه السلام . ( 4 )
63 - ع : ابن الوليد ، عن سعد ، عن ابن أبي الخطاب ، عن التفليسي ، عن السمندي
عن أبي عبدالله عليه السلام في قول يوسف : " اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم " قال
حفيظ بما تحت يدي عليم بكل لسان . ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في العلل : وما تنكر من هذه الامة أشباء الخنازير ؟ وفى كما الدين : وما تنكر هذه الامة . م
( 2 ) البدو : البادية والصحراء .
( 3 ) كمال الدين : 86 ، علل الشرائع : 92 . م
( 4 ) علل الشرائع : 200 . م
( 5 ) علل الشرائع : 53 . م ( * )
[284]
ير : ابن أبي الخطاب مثله . ( 1 )
64 - ع ، ن : سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن أكرم الناس نسبا ، فقال : صديق
الله يوسف بن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله . ( 2 )
65 - مع : معنى يعقوب أنه كان وعيص توأمين فولد عيص ثم ولد يعقوب يعقب
أخاه عيص ، ومعنى إسرائيل عبدالله لان إسرا هو عبد ، وإبل هو الله عزوجل . وروى في
خبر آخر : إن إسرا هو القوة ، وإيل هو الله ، فمعنى إسرائيل قوة الله ، ومعنى يوسف
مأخوذ من آسف يؤسف ، أي أغضب يغضب إخوته ، ( 3 ) قال الله عزوجل : " فلما آسفونا
انتقمنا منهم " والمراد بتسميته يوسف أنه يغضب إخوته ما يظهر من فضله عليهم . ( 4 )
66 - كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن علي بن
أسباط ، عن يعقوب بن سالم ، عن الميثمي ، عن أبى عبدالله عليه السلام قال : إن يعقوب عليه السلام
كان له مناد ينادي كل غداة من منزله إلى فرسخ : ألا من أراد الغداء فليأت إلى منزل يعقوب
عليه السلام ، وإذا أمسى ينادي : ألا من أراد العشاء فليأت إلى منزل يعقوب عليه السلام . ( 5 )
67 - مع : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن ابن عيسى ، عن علي بن مهزيار ، عن
البزنطي ، عن يحيى بن عمران ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " وهبنا له إسحاق
ويعقوب نافلة " قال : ولد الولد نافلة . ( 6 )
68 - مع : أبي ، عن محمد بن العطار ، عن الاشعري ، عن أحمد بن هلال ، عن محمد بن سنان ، عن محمد بن عبدالله بن رباط ، عن محمد بن النعمان الاحول ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله
عزوجل : " فلما بلغ أشده واستوى " قال : أشده ثمانية عشر سنة ، واستوى : التحى . ( 7 )
* ( هامش ) * ( 1 ) بصائر الدرجات : 61 . م
( 2 ) علل الشرائع : 198 ، عيون الاخبار : 135 - 136 . م
( 3 ) في المصدر وفى نسخة : يغضب اخوانه .
( 4 ) معانى الاخبار : 19 . وفى العرائس : قال يوسف لاخيه : ما اسمك ؟ قال : بنيامين ، قال له :
وما بنيامين ؟ قال : المشكل ; وذلك انه لما ولد فقد امه :
( 5 ) فروع الكافى ج 2 : 161 . م
( 6 و 7 ) معانى الاخبار : 67 . م ( * )
[285]
بيان : قال الطبرسي رحمه الله : " أشده " أي منتهى شبابه وقوته وكمال عقله ; و
قيل : الاشد من ثماني عشر إلى ثلاثين سنة ، عن ابن عباس ; وقيل : إن أقصى الاشد أربعون
سنة ; وقيل : ستون سنة ، وهو قول الاكثرين ويؤيده الحديث : " من عمره الله ستين
سنة فقد أعذر إليه " وقيل : إن ابتداء الاشد من ثلاث وثلاثين ، عن مجاهد وكثير من
المفسرين ; وقيل : من عشرين سنة عن الضحاك . انتهى . ( 1 )
أقول : هذه الاية وردت في قصة موسى عليه السلام ، وإنما أوردنا تفسيرها هنا لاشتراك
لفظ الاشد .
69 - ك : ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن اورمة ، عن أحمد
ابن محسن ، عن الحسن الواسطي ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قدم
أعرابي على يوسف ليشتري منه طعاما فباعه ، فلما فرغ قال له يوسف : أين منزلك ؟
قال له : بموضع كذا وكذا ، قال : فقال له : إذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فناد : يا
يعقوب يا يعقوب ، فإنه سيخرج إليك رجل عظيم جميل وسيم ، فقل له : لقيت رجلا
بمصر وهو يقرؤك السلام ويقول لك : إن وديعتك عند الله عزوجل لن تضيع ، قال : فمضى
الاعرابي حتى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه : احفظوا علي الابل ، ثم نادى : يا
يعقوب يا يعقوب ، فخرج إليه رجل أعمى طويل جسيم جميل يتقي الحائط بيده حتى
أقبل ، فقال له الرجل : أنت يعقوب ؟ قال : نعم ، فأبلغه ماقال له يوسف ، فسقط مغشيا عليه
ثم أفاق ، وقال للاعرابي : يا أعرابي ألك حاجة إلى الله تعالى ؟ فقال له : نعم إني
رجل كثير المال ولي ابنة عم لم يولد لي منها ، وأحب أن تدعو الله أن يرزقني ولدا ،
فتوضأ يعقوب وصلى ركعتين ثم دعا الله عزوجل فرزق أربعة بطون - أو قال : ستة بطون -
في كل بطن اثنان ، فكان يعقوب عليه السلام يعلم أن يوسف حي لم يمت ، وأن الله تعالى
ذكره سيظهره له بعد غيبة ، وكان يقول لبنيه : " إني أعلم من الله مالا تعلمون " وكان بنوه
يفندونه على ذكره ليوسف حتى أنه لما وجد ريح يوسف قال : " إني لاجد ريح يوسف
لولا أن تفندون * قالوا تالله " وهو يهودا ابنه " إنك لفي ضلالك القديم " فلما أن جاء البشير
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 5 : 221 - 222 م ( * )
[286]
فألقى قميص يوسف على وجهه فارتد بصيرا " قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون " . ( 1 )
بيان : الوسامة : أثر الحسن ، ويظهر من هذا الخبر أن يهودا لم يذهب مع إخوته
في المرة الاخيرة ، وهو خلاف المشهور كما عرفت ، وذكر المفسرون أن قائل هذا القول
كان أولاد أولاده .
70 - ك : والدليل على أن يعقوب عليه السلام علم بحياة يوسف وأنه إنما غيب عنه
لبلوى واختبار أنه لما رجع إليه بنوه يبكون قال لهم : يا بني مالكم تبكون ( 2 ) وتدعون
بالويل ؟ ومالي لا أرى فيكم حبيبي يوسف ؟ قالوا : " يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا
يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " وهذا قميصه قد
أتيناك به ، قال : ألقوه إلي ، فألقوه إليه ، وألقاه على وجهه وخر مغشيا عليه ، فلما أفاق
قال لهم : يا بني ألستم تزعمون أن الذئب أكل حبيبي يوسف ؟ قالوا : نعم ، قال : مالي
لا أشم ريح لحمه ؟ ومالي أرى قميصه صحيحا ؟ هبوا ( 3 ) أن القميص انكشف من أسفله ،
أرأيتم ما كان في منكبيه وعنقه كيف يخلص إليه الذئب من غير أن يخرقه ؟ إن هذا الذئب
لمكذوب عليه ، وإن ابني لمظلوم " بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان
على ماتصفون " وتولى عنهم ليلتهم تلك ، ( 4 ) وأقبل يرثي يوسف ويقول : حبيبى يوسف
الذي كنت أؤثره على جميع أولادي فاختلس مني ، حبيبي يوسف الذي كنت أرجوه
من بين أولادي فاختلس مني ، حبيبي يوسف الذي كنت أوسده يميني وأدثره بشمالي
فاختلس مني ، حبيبي يوسف الذي كنت أؤنس به وحشتي وأصل به وحدتي فاختلس
مني ، حبيبي يوسف ليت شعري في أي الجبال طرحوك ، أم في أي البحار غرقوك ؟ حبيبي
يوسف ليتني كنت معك فيصيبني الذي أصابك .
ومن الدليل على أن يعقوب عليه السلام علم بحياة يوسف عليه السلام وأنه في الغيبة قوله :
* ( هامش ) * ( 1 ) كمال الدين 84 - 85 . م
( 2 ) في المصدر : مالكم ؟ لم تبكون ؟ . م
( 3 ) أى احسبوا .
( 4 ) في المصدر : ليلته تلك . م ( * )
[287]
" عسى الله أن يأتيني بهم جميعا " وقوله لبنيه : " اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا
من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " . ( 1 )
71 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ،
عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما فقد يعقوب يوسف عليه السلام
اشتد حزنه ، وتغير حاله ، وكان يمتار القمح من مصر لعياله في السنة مرتين : في الشتاء
والصيف ، فإنه بعث عدة من ولده ببضاعة يسيرة مع رفقة خرجت ، فلما دخلوا على يوسف
عليه السلام عرفهم ولم يعرفوه ، فقال : هلموا بضاعتكم حتى أبدأ بكم قبل الرفاق ، وقال لفتيانه :
عجلوا لهؤلاء بالكيل ، وأقروهم ( 2 ) واجعلوا بضاعتهم في رحالهم إذا فرغتم ، وقال يوسف
لهم : كان أخوان من أبيكم فما فعلا ؟ قالوا : أما الكبير منهما فإن الذئب أكله ، وأما
الاصغر فخلفناه عند أبيه وهو به ضنين ، ( 3 ) وعليه شفيق ، قال : إني احب أن تأتوني
به معكم إذا جئتم لتمتاروا ، ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم فيها : " قالوا يا أبانا ما
نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا " .
فلما احتاجوا إلى الميرة ( 4 ) بعد ستة أشهر بعثهم وبعث معهم ابن يامين ( 5 ) ببضاعة
يسيرة ، فأخذ عليهم موثقا من الله لتأتنني به ، فانطلقوا مع الرفاق حتى دخلوا على يوسف فهيأ
لهم طعاما ، وقال : ليجلس كل بني ام على مائدة ، فجلسوا وبقي ابن يامين قائما ، فقال له
يوسف : مالك لم تجلس ؟ فقال : ليس لي فيهم ابن ام ، فقال يوسف : فمالك ابن ام ؟ قال : بلى
زعم هؤلاء أن الذئب أكله ، قال : فما بلغ من حزنك عليه ؟ قال : ولد لي أحد عشر ابنا لكلهم
اشتق اسما من اسمه ، قال : أراك قد عانقت النساء فشممت الولد من بعده ، فقال : إن لي أبا
صالحا قال لي : تزوج لعل الله أن يخرج منك ذرية يثقل الارض بالتسبيح ، قال يوسف
* ( هامش ) * ( 1 ) كمال الدين : 85 - 86 . م
( 2 ) من أوقر الدابة : حملها ثقيلا .
( 3 ) أى به بخيل ، يختص به .
( 4 ) الميرة : الطعام الذى يدخره الانسان .
( 5 ) قد تكرر في الحديث وفى غيره ذكر ابن يامين . وتقدم أن الاصح بنيامين والله أعلم . ( * )
[288]
تعال فاجلس معي على مائدتي ، فقال إخوة يوسف : لقد فضل الله يوسف وأخاه حتى أن
الملك قد أجلسه معه على مائدته ، وقال يوسف لابن يامين " إني أنا أخوك فلا تبتئس " ( 1 )
بما ترانى أفعل ، واكتم ما أخبرتك ولا تحزن ولا تخف ، ثم أخرجه إليهم وأمر فتيته
أن يأخذوا بضاعتهم ويعجلوا لهم الكيل ، وإذا فرغوا فاجعلوا المكيال في رحل أخيه ابن
يامين ، ففعلوا ذلك وارتحل القوم مع الرفقة فمضوا ولحقهم فتية يوسف فنادوا : أيتها العير
إنكم لسارقون ، قالوا : ماذا تفقدون ؟ قالوا : نفقد صواع الملك ، قالوا : ماكنا سارقين
قالوا : فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ؟ قالوا : جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ، فبدأ
بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه ، قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من
قبل ، ثم قالوا : يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه ، قال : معاذ الله أن
نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ، قال كبيرهم : إني لست أبرح الارض حتى يأذن لي أبي .
فمضى إخوة يوسف حتى دخلوا على يعقوب صلوات الله عليهما فقال لهم : أين ابن
يامين ؟ فقالوا : سرق مكيال الملك فحبسه عنده ، فاسأل أهل القرية والعير حتى يخبروك
بذلك ، فاسترجع يعقوب واستعبر حتى تقوس ظهره ، فقال يعقوب : يا بني اذهبوا فتحسسوا
من يوسف وأخيه فخرج منهم نفر وبعث معهم ببضاعة ، وكتب معم كتابا إلى عزيز مصر
يعطفه ( 2 ) على نفسه وولده ، فدخلوا على يوسف بكتاب أبيهم فأخذه وقبله وبكى ، ثم
أقبل عليهم فقال هل علمتم مافعلتم بيوسف وأخيه قالوا : ءأنت يوسف ؟ قال أنا يوسف وهذا
أخي وقال يوسف : لا تثريب عليكم اليوم ؟ غفر الله لكم اذهبوا بقميصي هذا بلته دموعي
فألقوه على وجه أبي وأتوني بأهلكم أجمعين فأقبل ولد يعقوب يحثون السير بالقميص : فلما
دخلوا عليه قال لهم ; ما فعل ابن يامين ؟ قالوا : خلفناه عند أخيه صالحا ، فحمد الله عند
ذلك يعقوب وسجد لربه سجدة الشكر واعتدل ظهره ، وقال لولده : تحملوا إلى يوسف
من يومكم ، فساروا في تسعة أيام إلى مصر ، فلما دخلوا اعتنق يوسف أباه ، ورفع خالته ،
ثم دخل منزله وأدهن ولبس ثياب الملك ، فلما رأوه سجدوا شكرالله ، وما تطيب يوسف
* ( هامش ) * ( 1 ) اى لا تحزن ولا تشتك .
( 2 ) في نسخة : يشفقه . ( * )
[289]
في تلك المدة ولا مس النساء ( 1 ) حتى جمع الله ليعقوب شمله . ( 2 )
بيان : اختلفت الاخبار في عدد أولاء بنيامين ويشكل الجمع بينها ، قال الثعلبي
في كتاب عرائس المجالس : لما خلا يوسف بأخيه قال له : ما اسمك ؟ قال : ابن يامين ( 3 )
قال : وما ابن يامين ؟ قال : ابن المثكل - وذلك أنه لما ولد هلكت امه - قال : وما اسم
امك ؟ قال : راحيل بنت ليان بن ناحور ، قال : فهل لك من ولد ؟ قال : نعم عشرة
بنين ، قال : فما أسماؤهم ؟ قال : لقد اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي من امي
هلك ، فقال يوسف : لقد اضطرك إلى ذلك حزن شديد فما سميتهم ؟ قال : بالعا وأخيرا
وأشكل وأحيا وخير ونعمان وأدر وأرس وحييم وميتم . ( 4 ) قال : فما هذه ؟ قال
أما بالعا فإن أخي ابتلعته الارض ; وأما أخيرا فإنه كان بكر ولد امي ( 5 ) وأما
أشكل فإنه كان أخي لابي وامي وسني ، ( 6 ) وأما خير فإنه خير حيث كان ; وأما
نعمان فإنه ناعم بين أبويه ; وأما أدر ( 7 ) فإنه كان بمنزلة الورد في الحسن ; وأما أرس
فانه كان بمنزلة الرأس من الجسد ; وأما حييم ( 9 ) فأعلمني أبي أنه حي ; وأما ميتم ( 10 )
فلورأيته لقرت عيني وتم سروري ; فقال يوسف : أحب أن أكون أخاك ( 11 ) بدل أخيك
* ( هامش ) * ( 1 ) لعل المراد من عدم مس النساء على وجه اللذة فلا ينافى مسهن لاتباع السنة وحصول الولد
كما مر أنه قد كان حصل له أولاد . منه طاب ثراه .
( 2 ) مخطوط . م
( 3 ) في المصدر : بنيامين وكذا فيما يأتى بعده .
( 4 ) في المصدر : وورد ورأس وحيثم وعيتم .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 289 سطر 19 الى ص 297 سطر 18

( 5 ) في المصدر : فانه كان بكر امى وأبى .
( 6 ) هكذا في النسخ ، واستظهر في الهامش انه : وشبهى ، وقد سقطت هنا جملة وهى على مافى
المصدر : وأما أحيا فلكونه كان حييا .
( 7 ) في المصدر : وأما ورد .
( 8 ) في المصدر : وأما الرأس .
( 9 ) في المصدر : واما حيثم .
( 10 ) في المصدر : وأما عيتم
( 11 ) في المصدر : أتحب أن أكون أخاك ؟ ( * )
[290]
الهالك ؟ فقال ابن يامين : أيها الملك ومن يجد أخا مثلك ، ولكن لم يلدك يعقوب ولا
راحيل ، فبكى يوسف عليه السلام وقام إليه وعانقه وقال : " إني أنا أخوك يوسف فلا تبتئس "
ولا تعلمهم بشئ من هذا . قال كعب : لما قال له : " إني أنا أخوك " قال ابن يامين : فأنا
لا أفارقك ، قال يوسف : قد علمت اغتمام الوالد بي فإذا حبستك ازداد غمه ولا يمكنني
حبسك إلا بعد أن اشهرك بأمر فظيع ، قال : لا ابالي فافعل ما بدالك فإني لا أفارقك
قال : فإني أدس صاعي هذا في رحلك ، ثم أنادي عليك بالسرقة ليتهيأ لي ردك بعد
تسريحك ، قال : فافعل انتهى . ( 1 )
ثم اعلم أن هذا الخبر يدل على أن المراد بأبويه في الآية أبوه وخالته تجوزا كما ذهب
إليه الاكثر . قال الطبرسي رحمه الله : قال أكثر المفسرين : إنه يعني بأبويه أباه وخالته ،
فسمى الخالة أما كما سمي العم أبا في قوله : " وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق "
وذلك أن امه كانت قد ماتت في نفاسها بابن يامين فتزوجها أبوه ; وقيل : يريد أباه و
امه وكانا حيين ، عن ابن إسحاق والجبائي ; وقيل : إن راحيل امه نشرت من قبرها
حتى سجدت له تحقيقا للرؤيا ، عن الحسن . ( 2 )
72 - ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن محبوب ، عن أبي إسماعيل
الفراء ، عن طربال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما أمر الملك بحبس يوسف عليه السلام في
السجن ألهمه الله تأويل الرؤيا فكان يعبر لاهل السجن رؤياهم . ( 3 )
73 - ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى البزنطي ، عن أبي جميلة ، عن عبدالله
ابن سليمان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان يوسف عليه السلام بين أبويه مكرما ، ثم صار عبدا
فصار ملكا . ( 4 )
74 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الوشاء ،
عن حماد بن عثمان ، عن جميل ، عن سليمان بن عبدالله الطلحي ( 5 ) قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام :
* ( هامش ) * ( 1 ) عرائس الثعلبي : 83 . م
( 2 ) مجمع البيان ج 5 : 264 . م
( 3 و 4 ) مخطوط . م
( 5 ) مجهول . ( * )
[291]
ما حال بني يعقوب ؟ هل خرجوا من الايمان ؟ فقال : نعم ، قلت : فما تقول في آدم عليه السلام ؟
قال : دع آدم ، ( 1 )
شى : عن الطلحي مثله . ( 2 )
75 - ص : بهذا الاسناد عن ابن عيسى ، عن ابن بزيع ، عن حنان بن سدير قال :
قلت لابي جعفر عليه السلام : أكان أولاد يعقوب أنبياء ؟ قال : لا ولكنهم كانوا أسباطا أولاد
أنبياء ( 3 ) ولم يفارقوا إلا سعداء تابوا وتذكروا مما صنعوا . ( 4 )
شى : عن حنان ، عن أبيه مثله . ( 5 )
76 - ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أيوب بن نوح ،
عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : ما بلغ من حزن يعقوب
على يوسف ؟ قال : حزن سبعين ثكلى ، قال : ولما كان يوسف عليه السلام في السجن دخل عليه
جبرئيل فقال : إن الله ابتلاك وابتلى أباك ، وإن الله ينجيك من هذا السجن فاسأل الله بحق محمد
وأهل بيته أن يخلصك مما أنت فيه ، فقال يوسف : " اللهم إني أسألك بحق محمد
وأهل بيته إلا عجلت فرجي وأرحتني مما أنا فيه " قال جبرئيل عليه السلام : فابشر أيها الصديق
فإن الله تعالى أرسلني إليك بالبشارة بأنه يخرجك من السجن إلى ثلاثة أيام ، ويملكك
مصر وأهلها ، يخدمك أشرافها ، ويجمع إليك إخوتك وأباك ، فابشر أيها الصديق إنك
صفي الله وابن صفيه ، فلم يلبث يوسف عليه السلام إلا تلك الليلة حتى رأى الملك رؤيا أفزعته
فقصها على أعوانه فلم يدروا ما تأويلها ، فذكر الغلام الذي نجا من السجن يوسف فقال له :
أيها الملك أرسلني إلى السجن فإن فيه رجلا لم ير مثله حلما وعلما وتفسيرا ، وقد كنت
أنا وفلان عضبت علينا وأمرت بحبسنا رأينا رؤيا فعبرها لنا وكان كما قال ، ففلان صلب ،
وأما أنا فنجوت . فقال له الملك : انطلق إليه ، فدخل وقال : يوسف ! أفتنا في سبع بقرات ،
فلما بلغ رسالة يوسف الملك قال : " ائتوني به أستخلصه لنفسي " فلما بلغ يوسف رسالة
* ( هامش ) * ( 1 ) قصص الانبياء مخطوط .
( 3 ) في نسخة : أولاد الانبياء . وفى نسخة : ولم يكونوا يفارقون الدنيا الاسعداء .
( 2 و 5 ) تفسير العياشى مخطوط . م
( 4 ) مخطوط . وفى نسخة : وتذكروا ماصنعوا . ( * )
[292]
الملك قال : كيف أرجو كرامته وقد عرف براءتي وحبسني سنين ؟ ! فلما سمع الملك أرسل
إلى النسوة فقال : ماخطبكن ؟ فقلن : حاش لله ما علمنا عليه من سوء ، فأرسل إليه وأخرجه
من السجن ، فلما كلمه أعجبه كما له وعقله ، فقال له : اقصص رؤياي فإني أريد أن أسمعها
منك ، فذكره يوسف كما رأى وفسره ، قال الملك : صدقت ، فمن لي بجمع ذلك وحفظه ؟
فقال يوسف : إن الله تعالى أوحى إلي أني مدبره والقيم به في تلك السنين ، فقال له الملك :
صدقت دونك خاتمي ( 1 ) وسريري وتاجي ، فأقبل يوسف على جمع الطعام في السنين السبع
الخصيبة يكبسه في الخزائن في سنبله ، ثم أقبلت السنون الجدبة أقبل ( 2 ) يوسف عليه السلام
على بيع الطعام فباعهم في السنة الاولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها
دينار ولادرهم إلا صار في مملكة يوسف عليه السلام وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر
حتى لم يبق بمصر وما حولها حلي ولا جواهر إلا صار في مملكته ، وباعهم في السنة
الثالثة بالدواب والمواشي حتى لم يبق بمصر وما حولها دابة ولا ماشية إلا صارت في مملكة
يوسف ، وباعهم في النسة الرابعة بالعبيد والاماء حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا
أمة إلا صارت في مملكة يوسف ، وباعهم في السنة الخامسة بالدور والعقار حتى لم يبق بمصر
وما حولها دار ولا عقار إلا صار في مملكة يوسف ، وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والانهار
حتى لم يبق بمصر وماحولها نهر ولا مزرعة إلا صار في مملكة يوسف عليه السلام وباعهم في السنة
السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حر إلا صار في مملكة يوسف وصاروا
عبيدا له ، فقال يوسف للملك : ما ترى فيما خولني ربي ؟ قال : الرأي رأيك . قال : إني
أشهد الله وأشهد أيها الملك أني أعتقت أهل مصر كلهم ، ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ،
ورددت عليك خاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلا بسيرتي ، ولا تحكم إلا بحكمي ،
فالله أنجاهم علي ، فقال الملك : إن ذلك لديني وفخري ، ( 3 ) وأنا أشهد أن لا إله
* ( هامش ) * ( 1 ) أى خذ خاتمى .
( 2 ) في نسخة : فأقبل .
( 3 ) في نسخة : إن ذلك لزيني وفخرى . ( * )
[293]
إلا الله . وحده لا شريك له وأنك رسوله ; ( 1 ) وكان من إخوة يوسف وأبيه عليه السلام ما
ذكرته . ( 2 )
تتميم : قال في العرائس : فلما تبين للملك عذر يوسف وعرف أمانته وكفايته و
* ( هامش ) * ( 1 ) روى الطبرسى رحمه الله من كتاب النبوة بالاسناد عن ابن عيسى ، عن الوشاء ، عن الرضا
عليه السلام قال : وأقبل يوسف على جمع الطعام فجمع في السبع السنين المخصبة فكبسه في الخزائن ،
فلما انقضت تلك السنون وأقبلت السنون المجدبة أقبل يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة
الاولى بالذهب والفضة حتى لم يبق بمصر وما حولها ذهب ولا فضة الا صار في مملكة يوسف ،
ثم باعهم في النسة الثانية بالحلى والجواهر حتى لم يبق بمصر وما حولها حلى ولا جواهر الا
صارت في مملكته ، وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشى حتى لم يبق بمصر وما حولها دابة
ولا ماشية الا صارت في مملكته ، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والاماء حتى لم يبق بمصر عبد
ولا أمة الا صارت في مملكته ، وباعهم في السنة الخامسة بالدور والعقار حتى لم يبق بمصر وما
حولها دار ولا عقار الا صار في مملكته ، وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والانهار حتى لم يبق
بمصر وماحولها نهر ولا مزرعة الا صار في مملكته ، وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق
بمصر وما حولها عبد ولا حر الا صاروا عبيدا ليوسف ، فملك أحرارهم وعبيدهم وأموالهم ، وقال
الناس : ماأرينا ولا سمعنا بملك أعطاه الله من الملك ما اعطى هذا الملك حكما وعلما وتدبيرا . ثم
قال يوسف للملك : أيها الملك ماترى فيما خولنى ربى من ملك مصر وأهلها ؟ أشر علينا برأيك ،
فانى لم أصلحهم لافدهم ، ولم انجهم من البلاء ليكون بلاء عليهم ، ولكن الله سبحانه أنجاهم على
يدى ، قال له الملك : الرأى رأيك ، قال : انى اشهد الله واشهدك أيها الملك أنى قد اعتقت أهل
مصر كلهم ، ورددت عليهم اموالهم وعبيدهم ، ورددت عليك أيها الملك خاتمك وسريرك وتاجك
على أن لا تسير الا بسيرتى ولا تحكم الا بحكمى ; قال الملك : إن ذلك لزينى وفخرى أن لا أسيرالا
بسيرتك ولا أحكم الا بحكمك ، ولولاك ما قويت عليه ولا اهتديت له ، ولقد جعلت سلطانى عزيزا
ما يرام ، وأنا أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ، وأنك رسوله ، فاقم على ماوليتك فانك
لدينا مكين أمين ،
أقول : وانما أوردت هذا الخبر لما بينه وبين ما رواه الراوندى من الاختلاف في السند والمتن ،
ثم قال الطبرسى : وقيل : ان يوسف عليه السلام كان لايمتلئ شبعا من الطعام في تلك الايام المجدبة
فقيل له : تجوع وبيدك خزائن الارض ؟ ! فقال : أخاف أن أشبع فأنسى الجياع ، منه رحمه الله .
( 2 ) قصص الانبياء مخطوط . م ( * )
[294]
علمه وعقله قال : ائتوني به استخلصه لنفسي ، فلما جاءه الرسول قال له : أجب الملك
الآن ، فخرج يوسف ودعا لاهل السجن بدعاء يعرف إلى اليوم وذلك أنه قال : " اللهم
اعطف عليهم بقلوب الاخيار ولا تعم عليهم الاخبار " فهم أعلم الناس بالاخبار إلى اليوم في
كل بلدة ، فلما خرج من السجن كتب على بابه : " هذا قبور الاحياء وبيت الاحزان
وتجربة الاصدقاء وشماتة الاعداء " ثم اغتسل عليه السلام وتنظف من درن السجن ، ولبس
ثيابا جددا حسانا وقصد الملك ، قال وهب : فلما وقف بباب الملك قال عليه السلام : " حسبي ربي
من دنياي ، وحسبي ربي من خلقه ، عز جاره وجل ثناؤه ولا إله غيره " فلما دخل على
الملك قال : " اللهم إني أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بك من شره وشر غيره " فلما أن
نظر إليه الملك سلم عليه يوسف بالعربية ، فقال له الملك : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان عمي
إسماعيل عليه السلام ، ثم دعا بالعبرانية فقال له الملك : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان آبائي .
قال وهب : وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا ، فكلما كلم الملك يوسف بلسان أجابه يوسف
بذلك اللسان ، فأعجب الملك بما رأى منه ، وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة ، فلما رأى
الملك حداثة سنة وغزارة علمه قال لمن عنده : إن هذا علم تأويل رؤياي ولم يعلمه السحرة
والكهنة ، ثم أجلسه وقال له : إني احب أن أسمع رؤياي منك شفاها ، فقال يوسف : نعم
أيها الملك ، رأيت سبع بقرات سمان شهب حسان غر ( 1 ) كشف لك عنهن النيل فطلعن
عليك من شاطئه ، تشخب أخلافهن ( 2 ) لبنا فبينا أنت تنظر إليهن ، ويعجبك حسنهن إذا
نضب النيل ( 3 ) وغار ماؤه وبدا قعره فخرج من حمأته ووحله سبع بقرات عجاف ،
شعث غبر ، مقلصات البطون ، ( 4 ) ليس لهن ضروع وأخلاف ، ولهن أنياب وأضراس ، و
* ( هامش ) * ( 1 ) الشهب : بياض يتخلله سواد ، وفى المصدر : حسان غير عجاف كشف لك عنهن نهر النيل .
( 2 ) شاطئ النهر : جانبه . تشخب أى تسيل . والاخلاف جمع الخلف بالكسر : حلمة ضرع
البقر ونحوه .
( 3 ) نضب الماء : غار وذهب في الارض .
( 4 ) أى انكمشت بطونهن وانضمت . وفى المصدر : ملصقات البطون . ( * )
[295]
أكف كأكف الكلاب ، وخراطيم كخراطيم السباع ، فاختلطن بالسمان فافترسهن
افتراس السبع ، وأكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن وتمششن مخهن ، ( 1 )
فبينا أنت تنظر وتتعجب ( 2 ) إذا سبع سنابل خضر وسبع سنابل أحر سود ( 3 ) في منبت
واحد عروقهن في الثرى والماء ، فبينا أنت تقول : أنى هذا ، ( 4 ) وهؤلاء خضر مثمرات ، و
هؤلاء سود يابسات ، والمنبت واحد ، وأصولهن في الماء ؟ ! أذهبت ريح فذرت الازقان ( 5 )
من السود اليابسات على الخضر المثمرات ، فأشعلت فيهن النار فأحرقتهن فصرن سودا
متغيرات ، فهذا آخر ما رأيت من الرؤيا . ( 6 )
77 - ص : بالاسناد إلى الصدوق عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن أحمد بن محمد
عن ابن محبوب ، عن علاء عن محمد قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : أخبرني عن يعقوب عليه السلام كم
عاش مع يوسف بمصر بعد ما جمع الله ليعقوب شمله ، وأراه تأويل رؤيا يوسف الصادقة ، قال :
عاش حولين ، قلت : فمن كان الحجة ( 7 ) في الارض يعقوب أم يوسف ؟ قال : كان يعقوب
الحجة ، وكان الملك ليوسف ، فلما مات يعقوب عليه السلام حمله يوسف في تابوت إلى أرض
الشام فدفنه في بيت المقدس ، فكان يوسف بعد يعقوب الحجة ، قلت : فكان يوسف رسولا
نبيا ؟ قال : نعم أما تسمع قول الله تعالى : " ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات " . ( 8 )
شى : عن محمد بن مسلم مثله . ( 9 )
* ( هامش ) * ( 1 ) أى مصصن عظمهن واستخرجن منه مخهن .
( 2 ) هنا في المصدر زيادة وهى هكذا : وتعجب كيف غلبهن وهن مهازيل ثم لم يظهر فيهن سمن
ولا زيادة بعد أكلهن ا ه .
( 3 ) في المصدر : سود يابسات .
( 4 ) في المصدر : فبينا انت تقول في نفسك : ما هذا ؟ هؤلاء ا ه .
( 5 ) هكذا في نسخ ; وفى نسخة : الارفات ، والصحيح كما في المصدر : الاوراق .
( 6 ) العرائس : 79 - 80 . م
( 7 ) في نسخة : فمن كان الحجة لله .
( 8 ) قصص الانبياء مخطوط . م
( 9 ) تفسير العياشى مخطوط . م ( * )
[296]
بيان : لعل موضع الاستشهاد قوله تعالى : " قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا " .
78 - ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن محمد بن اورمة ، عن بعض أصحابنا ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما صار يوسف إلى ما صار إليه تعرضت له إمرأة العزيز ؟ قال لها :
من أنت ؟ فقالت : اناتيكم ( 1 ) فقال لها : انصرفي فإني ساغنيك ، قال : فبعث إليها بمائة
ألف درهم . ( 2 )
79 - ص : بهذا الاسناد عن بعض أصحابنا ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه
قال : إن يوسف لما تزوج امرأة العزيز وجدها عذراء ، فقال لها : ما حملك على الذي
صنعت ؟ قالت : ثلاث خصال : الشباب ، والمال ، وأني كنت لازوج لي - يعني كان الملك
عنينا - . ( 3 )
80 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن
أبي عمير ، عن بعض أصحابنا يرفعه قالت : إن أمرأة العزيز احتاحت فقيل لها : لو تعرضت
ليوسف عليه السلام فقعدت على الطريق ، فلما مر بها قالت : الحمد لله الذي جعل العبيد بطاعتهم
لربهم ملوكا ، والحمد لله الذي جعل بمعصيته الملوك عبيدا ، قال : من أنت ؟ قالت : أنا
زليخا . فتزوجها . ( 4 )
81 - ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن يونس
ابن يعقوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما دخل يوسف عليه السلام على الملك
- يعني نمرود - قال : كيف أنت يا إبراهيم ؟ قال : إني لست بإبراهيم ، أنا يوسف بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . قال : وهو صاحب إبراهيم الذي حاج إبراهيم في ربه ، ( 5 )
قال : وكان أربعمائة سنة شابا . ( 6 )
* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا في النسخ .
( 2 و 3 و 4 و 6 ) مخطوط . م
( 5 ) قد عرفت سابقا أن نمرود إبراهيم هو الريان بن الوليد ، وأنا نمرود يوسف فقد نص البغدادى
في المحبر انه سنان بن الاشل بن علوان بن العبيد بن عريج بن عمليق بن يلمع بن عامر بن اسليحات
ابن لوذ بن سام بن نوح . والله أعلم . ( * )
[297]
82 - ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن
موسى بن جعفر ، عن ابن معبد ، عن الدهقان ، عن درست ، عن أبي خالد ، ( 1 ) عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : دخل يوسف عليه السلام السجن وهو ابن اثني عشرة سنة ، ومكث فيه ثماني
عشر سنة ، ( 2 ) وبقي بعد خروجه ثمانين سنة ، فذلك مائة وعشر سنين . ( 3 )
83 - كا : سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن العباس بن هلال الشامي مولى
أبي الحسن عليه السلام عنه قال : قلت له : جعلت فداك ما أعجب إلى الناس من يأكل الجشب
ويلبس الخشن ويتخشع ، فقال : أما علمت أن يوسف عليه السلام نبي وابن نبي ، كان يلبس
أقبية الديباج مزرورة بالذهب ، ويجلس في مجالس آل فرعون يحكم ، فلم يحتج الناس إلى
لباسه ، وإنما احتاجوا إلى قسطه . ( 4 )
84 - ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن اورمة ، عن يزيد بن إسحاق ، عن
يحيى الازرق عن رجل ، عن الصادق عليه السلام قال : كان رجل من بقية قوم عاد قد أدرك
فرعون يوسف ، وكان أهل ذلك الزمان قد ولعوا بالعادي يرمونه بالحجارة ، وإنه أتى
فرعون يوسف فقال : أجرني عن الناس واحدثك بأعاجيب رأيتها ولا أحدثك إلا بالحق
فأجاره فرعون يوسف ومنعه وجالسه وحدثه فوقع منه كل موقع ورأى منه أمرا جميلا ،
قال : وكان فرعون لم يتعلق على يوسف بكذبة ولا على العادي ، فقال فرعون ليوسف :
هل تعلم أحدا خيرا منك ؟ قال : نعم أبي يعقوب ، قال : فلما قدم يعقوب عليه السلام على فرعون
حياه بتحية الملوك فأكرمه وقربه وزاده إكراما ليوسف ، فقال فرعون ليعقوب عليه السلام :
يا شيخ كم أتى عليك ؟ قال : مائة وعشرون سنة ، قال العادي : كذب ، فسكت يعقوب ،


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 297 سطر 19 الى ص 305 سطر 18

وشق ذلك على فرعون حين كذبه ، فقال فرعون ليعقوب : كم أتى عليك ؟ قال : مائة و
عشرون سنة ، قال العادي : كذب ، فقال يعقوب عليه السلام : اللهم إن كان كذب فاطرح
* ( هامش ) * ( 1 ) روى الطبرسى من كتاب النبوة باسناده إلى ابى خالد مثله . منه رحمه الله
( 2 ) في نسخة : ثمانية عشر سنة .
( 3 ) مخطوط . م
( 4 ) فروع الكافى 2 : 206 . وهذا بعض الحديث . م ( * )
[298]
لحيته على صدره ، فسقطت حليته على صدره ، فهال ذلك فرعون ، وقال ليعقوب : عمدت
إلى رجل أجرته فدعوت إليه ، أحب أن تدعدو إلهك برده ، فدعا له فرد الله إليه ، فقال
العادي : إني رأيت هذا مع إبراهيم خليل الرحمن في زمن كذا وكذا ، قال يعقوب :
ليس أنا الذي رأيته ، إنما رأيت إسحاق ، فقال له فمن أنت ؟ قال : أنا يعقوب بن إسحاق
ابن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ، فقال العادي : صدقت ذلك الذي رأيته ، فقال : صدق
وصدقت ( 1 )
85 - ك : أبي ، عن أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى ، عن الاشعري ، عن محمد بن
يوسف التميمي ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام ، عن النبي صلوات الله عليه قال : عاش يعقوب
مائه وعشرين سنة ، وعاش يوسف مائة وعشرين سنة . ( 2 )
86 - يج : روى سعد بن عبدالله ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن داود بن القاسم
الجعفري قال : سئل أبومحمد عليه السلام عن قوله تعالى : " إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل "
والسائل رجل من قم وأنا حاضر ، فقال عليه السلام : ما سرق يوسف ، إنما كان ليعقوب منطقة
ورثها من إبراهيم وكانت تلك المنطقة لا يسرقها أحد إلا استعبد ، فكان إذا سرقها إنسان
نزل جبرائيل فأخبره بذلك فأخذ منه وأخذ عبدا ، وإن المنطقة كانت عند سارة بنت إسحاق
ابن إبراهيم ، وكانت سميت أم إسحاق ، وإن سارة أحبت يوسف وأرادت أن تتخذه
ولدا لها ، وإنها أخذت المنطقة فربطتها على وسطه ، ثم سدلت عليه سر باله ، وقالت ليعقوب :
إن المنطقة سرقت ، فأتاه جبرائيل فقال : يا يعقوب إن المنطقة مع يوسف ، ولم يخبره بخبز
ما صنمعت سارة لما أراد الله ، فقام يعقوب إلى يوسف ففتشه وهو يومئذ غلام يافع ( 3 ) واستخرج
المنطقة ، فقالت سارة بنت إسحاق : متى سرقها ( 4 ) يوسف فأنا أحق به ، فقال لها يعقوب :
فإنه عبدك على أن لا تبيعيه ولا تهبيه ، قالت : فأنا أقبله على أن لا تأخذه مني وأنا أعتقه
* ( هامش ) * ( 1 ) مخطوط . م
( 2 ) كمال الدين : 289 . م
( 3 ) أى ترعرع وناهز البلوغ .
( 4 ) هكذا في النسخ والظاهر أنه مصحف : منى سرقها . ( * )
[299]
الساعة فأعطاها فأعتقته ، فلذلك قال إخوة يوسف : " إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل "
قال أبوهاشم : فجعلت أجيل هذا في نفسي أفكر وأتعجب من هذا الامر مع قرب يعقوب
من يوسف وحزن يعقوب عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم والمسافة قريبة ،
فأقبل علي أبومحمد فقال : يا أبا هاشم نعوذ بالله مما جرى في نفسك من ذلك ، فإن الله لو شاء
أن يرفع السنام الاعلى ( 1 ) بين يعقوب ويوسف حتى كانا يتراءان فعل ، ولكن له أجل
هو بالغه ، ومعلوم ينتهي إليه ما كان من ذلك ، فالخيار من الله لاوليائه . ( 2 )
87 - شى : عن عبدالله بن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله :
" كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ماحرم إسرائيل على نفسه " قال : إن إسرائيل
كان إذا أكل لحوم الابل هيج عليه وجع الخاصرة ، فحرم على نفسه لحم الابل ، وذلك
من قبل أن تنزل التوراة ، فلما أنزلت التوراة ( 3 ) لم يحرمه ولم يأكله . ( 4 )
88 شى : عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : لتنبئنهم بأمرهم
هذا وهم لا يشعرون ( 5 ) " قال : كان ابن سبع سنين . ( 6 )
89 - شى : عن أبي جميلة ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما أوتي بقميص
* ( هامش ) * ( 1 ) السنام : كل مرتفع على الارض .
( 2 ) الخرائج والجرائح : 156 - 157 . في الكتاب زيادة على الاصل المطبوع الموجود
عندنا . م
( 3 ) في الخبر غرابة ظاهرة اذ الظاهر رجوع ضمير " حرمه " إلى اسرائيل وهو عليه السلام كان قبل
موسى عليه السلام ونزول التوراة بكثير ، ولذا أوله المصنف وذكر له توجيها تقدم في ج 9 ص 196
و 197 راجعه .
( 4 ) مخطوط . وفى هامش المطبوع : أقول : سيأتى شرح هذا الخبر في باب ماناجى به موسى
عليه السلام ربه . منه طاب ثراه .
( 5 ) قال الطبرسي رحمه الله : " وأوحينا إليه " قال الحسن : أعطاه الله النبوة وهو في الجب و
البشارة بالنجاة والملك " لتنبئنهم بأمرهم هذا " أى لتخبرنهم بقبيح فعلهم بعد هذا الوقت ، يريد ما
ذكره سبحانه في آخر السورة من قوله : " هل علمتم ما فعلتم بيوسف "
" وهم لا يشعرون " أنك يوسف وقيل : يريد : وهم لا يشعرون بأنه اوحى اليه . منه رحمه الله .
( 6 ) مخطوط . م ( * )
[300]
يوسف إلى يعقوب قال : اللهم لقد كان ذئبا رفيقا حين لم يشق القميص ، قال : وكان به نضح
من دم . ( 1 )
90 - شى : عن الحسن ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " وشروه بثمن
بخس دراهم معدودة " قال : كانت عشرين درهما . * ( 2 )
91 - شى : عن أبي الحسن الرضا عليه السلام مثله وزاد فيه : البخس : النقص ، وهي قيمة
كلب الصيد إذا قتل كانت ديته عشرين درهما . ( 3 )
92 - شى : عن عبدالله بن سليمان ، عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : قد كان يوسف بين
أبويه مكرما ، ثم صار عبدا حتى بيع بأخس وأوكس ( 4 ) الثمن ، ثم لم يمنع الله أن
بلغ به حتى صار ملكا . ( 5 )
93 - شى : عن ابن حصين ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله : " وشروه بثمن بخس
دراهم معدودة " قال : كانت الدراهم ثمانية درهما . ( 6 )
94 - وبهذا الاسناد عن الرضا عليه السلام قال : كانت الدراهم عشرين درهما وهي قيمة
كلب الصيد إذا قتل ، والبخس : النقص . ( 7 )
95 - شى : عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما همت به وهم بها
قالت : كما أنت ( 8 ) قال : ولم ؟ قالت : حتى اغطي وجه الصنم لا يرانا ، فذكر الله عند ذلك
وقد علم أن الله يراه ففر منها . ( 9 )
96 - شى : عن محمد بن قيس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : إن يوسف
لما حل سراويله رأى مثال يعقوب عاضا على إصبعه ( 10 ) وهو يقول له : يوسف ! قال : فهرب .
ثم قال أبوعبدالله عليه السلام : لكني والله ما رأيت عورة أبي قط ، ولا رأى أبي عورة جدي قط ،
* ( هامش ) * ( 1 و 2 و 3 و 5 و 6 و 7 و 9 ) مخطوط .
( 4 ) الاوكس : الانقص .
( 8 ) أى كن على ما أنت عليه من الحال والتهيؤ .
( 10 ) محمول على التقية بدلالة الخبر الاتى ، والاففى الرواية ما يخالف عقائد الامامية . ( * )
[301]
ولا رأى جدي عورة أبيه قط ، قال : وهوعاض على إصبعه فوثب فخرج الماء من إبهام
رجله . ( 1 )
97 - شى : عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أي شئ يقول الناس في
قول الله عزوجل : " لولا أن رأى برهان ربه " ؟ قلت : يقولون : رأى يعقوب عاضا على
إصبعه ، فقال : لا ، ليس كما يقولون ، فقلت : فأي شئ رأى ؟ قال : لما هممت به وهم بها
قامت إلى صنم معها في البيت فألقت عليه ثوبا ، فقال لها يوسف : ماصنعت ؟ قالت : طرحت
عليه ثوبا أستحي أن يرانا ، قال : فقال يوسف : فأنت تستحين من صنمك وهو لايسمع ولا
يبصر ولا أستحي أنا من ربي ؟ ( 2 )
98 - شى : عن محمد بن مروان ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن يوسف خطب
إمرأة جميلة كانت في زمانه فردت عليه أن عبدالملك إياي يطلب ! قال : فطلبها إلى أبيها ، فقال
له أبوها : إن الامر أمرها ، قال : فطلبها إلى ربه وبكى ، فأوحى الله إليه أني قدزو جتكها ;
ثم أرسل إليها إني أريد أن أزور كم ، فأرسلت إليه أن تعال ، فلما دخل عليه أضاء
البيت لنوره ، فقالت : ما هذا إلا ملك كريم ، فاستسقى فقامت إلى الطاس لتسقيه ، فجعلت
تتناول الطاس من يده فتناوله فاها ( 3 ) ; فجعل يقول لها : انتظري ولا تعجلي ، قال : فتزوجها . ( 4 )
99 - شى : عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : جاء جبرئيل إلى يوسف في
السجن ، قال : قل في دبر كل صلاة فريضة : " اللهم اجعل لي فرجا ومخرجا وارزقني من
حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب . " ( 5 )
100 - شى : عن طربال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما أمر الملك فحبس يوسف في
السجن ألهمه الله علم تأويل الرؤيا ، فكان يعبر لاهل السجن رؤياهم ، وإن فتيين ادخلامعه
السجن يوم حبسه ، فلما باتا أصبحا فقالا له : إنا رأينا رؤيا فعبرها لنا ، فقال : وما رأيتما ؟
فقال أحدهما : " إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه " وقال الآخر : رأيت
* ( هامش ) * ( 1 و 2 و 4 و 5 ) مخطوط . م ( 3 ) كذا في النسخ . ( * )
[302]
إني أسقي الملك خمرا ، ففسر لهما رؤياهما على ما في الكتاب ، ثم قال للذي ظن أنه
ناج منهما : اذكرني عند ربك ، قال : ولم يفزع يوسف في حاله إلى الله فيدعوه فلذلك قال
الله : " أفانساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين " قال : فأوحى الله إلى يوسف في
ساعته تلك : يا يوسف من أراك الرؤيا التي رأيتها ؟ قال : أنت يا ربي ، قال : فمن حببك إلى
أبيك ؟ قال : أنت ياربي ، قال : فمن وجه السيارة إليك ؟ قال : أنت ياربي ، قال : فمن
علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعل لك من الجب فرجا ؟ قال : أنت يا ربي ، قال : فمن جعل
لك من كيد المرأة مخرجا ؟ قال : أنت ياربي ، قال : فمن أنطق لسان الصبي بعذرك ؟ قال
أنت ياربي ، قال : فمن صرف عنك كيد امرأة العزيز والنسوة ؟ قال : أنت ياربي ، قال
فمن ألهمك تأويل الرؤيا ؟ قال : أنت ياربي ، قال : فكيف استغثت بغيري ولم تستغث بي
وتسألني أن اخرجك من السجن ، واستغثت واملك عبدا من عبادي ليذكرك إلى مخلوق من
خلقي في قبضتي ، ولم تفزع إلي ؟ البث في السجن بذنبك بضع سنين بإرسالك عبدا إلى
عبد ، قال ابن أبي عمير : قال ابن أبي حمزة : فمكث في السجن عشرين سنة .
سماعة عن ( 1 ) قول الله : " اذكرني عند ربك " قال : هو العزيز . ( 2 )
101 - شى : عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه السلام " قال الآخر إني أراني أحمل
فوق رأسي خبزا " قال : أحمل فوق رأسي جفنة فيها خبز تأكل الطير منه ( 3 )
102 - شى : عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبدالله عليه السلام : قال الله ليوسف : ألست
الذى حببتك إلى أبيك وفضلتك على الناس بالحسن ؟ أولست الذي سقت إليك السيارة
وأنقذتك وأخرجتك من الجب ؟ أو لست الذي صرفت عنك كيدالنسوة ؟ فما حملك على أن
ترفع رغبتك وتدعو مخلوقا دوني ؟ ! فالبث لما قلت في السجن بضع سنين . ( 4 )
103 - شى : عن عبدالله بن عبدالرحمن ، عمن ذكره عنه قال : لما قال للفتى : " اذكرني
عند ربك " أتاه جبرئيل فضربه برجله حتى كشط له عن الارض السابعة ، فقال له : يا يوسف
انظر ماذا ترى ، قال : أرى حجرا صغيرا ، ففلق الحجر فقال : ماذا ترى ؟ قال : أرى دودة
* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا في النسخ ، والظاهر أن الصحيح : قال سماعة في قول الله .
( 2 - 4 ) مخطوط . م ( * )
[303]
صغيرة ، قال : فمن رازقها ؟ قال : الله ، قال : فإن ربك يقول : لم أنس هذه الدودة في ذلك
الحجر في قعر الارض السابعة ، أظننت أني أنساك حتى تقول للفتى : اذكرني عند ربك ؟
لتلبثن في السجن بمقالتك هذه بضع سنين ، قال : فبكى يوسف عند ذلك حتى بكى لبكائه
الحيطان ، قال : فتأذى به أهل السجن فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت يوما ، وكان
في اليوم الذي يسكت أسوأ حالا . ( 1 )
104 - شى : عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما بكى أحدبكاء ثلاثة :
آدم ويوسف وداود ، فقلت : مابلغ من بكائهم ؟ قال : أما آدم فبكى حين أخرج من الجنة ،
وكان رأسه في باب من أبواب السماء ، فبكى حتى تأذى به أهل السماء فشكوا ذلك إلى الله
فحط من قامته ; وأما داود فإنه بكى حتى هاج العشب من دموعه ، وأن كان ليزفر
الزفرة فيحرق مانبت من دموعه ; ( 2 ) وأما يوسف فإنه كان يبكي على أبيه يعقوب وهو
في السجن فتأذى به أهل السجن فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت يوما . ( 3 )
105 - شى : عن يعقوب بن يزيد رفعه عن أبي عبدالله عليه السلام قال في قول الله تعالى :
" فلبث في السجن بضع سنين " قال : سبع سنين . ( 4 )
106 - شى : عن أبان ، عن محمد بن مسلم ، عنهما قالا : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لو كنت
بمنزلة يوسف حين أرسل إليه الملك يسأله عن رؤياه ما حدثته حتى أشترط عليه أن
يخرجني من السجن ، وعجبت لصبره عن شأن امرأة الملك حتى أظهر الله عذره . ( 5 )
. 107 - شى : عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقرء " سبع سنابل
خضر " . ( 6 )
108 - شى : عن حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان سبق يوسف الغلاء
الذي أصاب الناس ولم يتمن الغلاء لاحد قط ، قال : فأتاه التجار فقالوا : بعنا ، فقال :
اشتروا ، فقالوا : نأخذ كذا بكذا ، قال : خذوا ، وأمر فكالوهم فحملوا ومضوا حتى دخلوا
المدينة فلقاهم قوم تجار فقالوا لهم : كيف أخذتم ؟ قالوا : كذا بكذا ، وأضعفوا الثمن ،
* ( هامش ) * ( 1 و 3 - 6 ) مخطوط . م
( 2 ) الحديث لا يخلو عن غرابة . ( * )
[304]
قال : وقدموا أولئك على يوسف فقالوا : بعنا ، فقال : اشتروا كيف تأخذون ، قالوا : بعنا
كما بعت كذا بكذا ، فقال : ما هو كما يقولون ولكن خذوا ، فأخذوا ، ثم مضوا حتى دخلوا
المدينة فلقاهم آخرون فقالوا : كيف أخذتم ؟ فقالوا : كذا بكذا وأضعفوا الثمن ، قال : فعظم
الناس ذلك الغلاء وقالوا : اذهبوا بنا حتى نشتري ، قال : فذهبوا إلى يوسف فقالوا : بعنا ،
فقال : اشتروا ، فقالوا : بعنا كما بعت ، فقال : وكيف بعت ؟ قالوا : كذا بكذا ، فقال : ماهو
كذلك ولكن خذوا ; قال : فأخذوا ورجعوا إلى المدينة فأخبرو الناس فقالوا فيما بينهم : تعالوا
حتى نكذب في الرخص كما كذبنا في الغلاء ، قال : فذهبوا إلى يوسف فقالوا له : بعنا ، فقال :
اشتروا ، فقالوا : بعنا كما بعت ، قال : وكيف بعت ؟ قالوا : كذا بكذا بالحط من السعر
الاول ، فقال : ما هو هكذا ولكن خذوا ، قال : فأخذوا وذهبوا إلى المدينة فلقاهم الناس
فسألوهم : بكم اشتريتم ؟ فقالوا : كذا بكذا بنصف الحط الاول ، فقال آخرون : اذهبوا بنا
حتى نشتري فذهبوا إلى يوسف فقالوا : بعنا ، فقال : اشتروا ، فقالوا : بعنا كما بعت ،
فقال : وكيف بعت ؟ قالوا : بكذا وكذا بالحط من النصف ، فقال : ما هو كما يقولون
ولكن خذوا ; فلم يزالوا يتكاذبون حتى رجع السعر ( 1 ) إلى الامر الاول كما أراد الله . ( 2 )
109 - شى : عن محمد بن علي الصيرفي ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه السلام " عام فيه
يغاث الناس وفيه يعصرون " بضم الياء : يمطرون ، ثم قال أما سمعت قوله : " وأنزلنا
من المعصرات ماء ثجاجا " . ( 3 )
110 - شى : عن علي بن معمر ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " عام
فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " مضمومة ، ثم قال : ( 4 ) " وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا " . ( 5 )
111 - شى : عن سماعة قال : سألته عن قول الله : " ارجع إلى ربك فاسئله ما بال
النسوة " قال : يعني العزيز . ( 6 )
112 - شى : قال سليمان : قال سفيان : قلت لابي عبدالله عليه السلام : ما يجوز أن يزكي
* ( هامش ) * ( 1 ) السعر بالكسر : الثمن .
( 2 و 3 و 5 و 6 ) مخطوط .
( 4 ) أى ثم استشهد لذلك بقوله تعالى : " وأنزلنا " اه . ( * )
[305]
الرجل نفسه ؟ قال : نعم إذا اضطر إليه ، أما سمعت قول يوسف : " اجعلني على خزائن الارض
إني حفيظ عليم " ( 1 ) وقول العبد الصالح : " أنا لكم ناصح أمين " . ( 2 )
113 - شى : عن الثمالي ، عن أبى جعفر عليه السلام قال : ملك يوسف مصر وبراريها لم
يجاوزها إلى غيرها . ( 3 )
114 - شى : عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يحدث قا : لما فقد يعقوب
يوسف اشتد حزنه عليه وبكاؤه حتى ابيضت عيناه من الحزن واحتاج حاجة شديدة و
تغيرت حاله ، قال : وكان يمتار القمح من مصر لعياله في السنة مرتين : للشتاء والصيف
وإنه بعث عدة من ولده ببضاعة يسيرة إلى مصر مع رفقة خرجت ، فلما دخلوا على يوسف
وذلك بعد ما ولاه العزيز مصر فعرفهم يوسف ولم يعرفه إخوته لهيبة الملك وعزه ، فقال
لهم : هلموا بضاعتكم قبل الرفاق ، وقال لفتيانه : عجلوا لهؤلاء الكيل وأوفوهم فإذا
فرغتم فاجعلوا بضاعتهم هذه في رحالهم ولا تعلموهم بذلك ، ففعلوا ، ثم قال لهم يوسف : قد بلغنى
أنه كان لكم أخوان لابيكم فما فعلا ؟ قالوا : أما الكبير منهما فإن الذئب أكله ، و
أما الصغير فخلفناه عند أبيه وهو به ضنين ، ( 4 ) وعليه شفيق ، قال : فإني احب أن
تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتاروا ، فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون ،
قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون .
فلما رجعوا إلى أبيهم فتحوا متاعهم فوجدوا بضاعتهم فيه قالوا : يا أبانا ما نبغي هذه
* ( هامش ) * ( 1 ) قال الطبرسى ره : قال المفسرون : لما قال يوسف : " اجعلنى على خزائن الارض " قال
الملك : ومن أحق به منك ، فولاه ذلك . وروى عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 305 سطر 19 الى ص 313 سطر 18

قال : رحم الله أخى يوسف لو لم يقل " اجعلنى على خزائن الارض " لولاه من ساعته ، ولكنه أخر ذلك سنة .
قال ابن عباس : فأقام في بيت الملك سنة ، فلما انصرمت السنة من يوم سأل الامارة دعاء الامير فتوجه
ورداه بسيفه وأمر أن يوضع له سرير من ذهب مكلل بالدر والياقوت ويضرب عليه كلة من استبرق
ثم أمره أن يخرج متوجا لونه كالثلج ووجهه كالقمر ، يرى الناظر فيه وجهه ، فانطلق حتى جلس
على السرير ودانت له الملوك فعدل بين الساس فأحبه الرجال والنساء . منه طاب الله ثراه .
( 2 و 3 ) مخطوط .
( 4 ) الضنين : البخيل : أى هو يختص به يحفظه عن غيره . ( * )
[306]
بضاعتنا قدردت إلينا وكيل لنا كيل قد زاد حمل بعير ، فارسل معنا أخانا نكتل وإنا له
لحافظون ، قال : هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ، فلما احتاجوا إلى
الميرة ( 1 ) بعد ستة أشهر بعثهم يعقوب وبعث معهم بضاعة يسيرة وبعث معهم ابن ياميل ( 2 )
وأخذ عليهم بذلك موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم أجمعين ، فانطلقوا مع الرفاق
حتى دخلوا على يوسف ، فقال لهم : معكم ابن ياميل ؟ قالوا : نعم هو في الرحل ، قال لهم :
فأتوني به ، فأتوه به وهو في دار الملك ، فقال : أدخلوه وحده ، فأدخلوه عليه فضمه يوسف إليه
وبكى وقال له : أنا أخوك يوسف فلا تبتئس بما تراني أعمل ، واكتم ما أخبرتك به ولا تحزن و
لاتخف ، ثم أخرجه إليهم وأمر فتيته أن يأخذوا بضاعتهم ويعجلوا لهم الكيل ، فإذا فرغوا
جعلوا المكيال في رحل ابن ياميل ففعلوا به ذلك ، وارتحل القوم مع الرفقة فمضوا فلحقهم
يوسف وفتيته فنادوا فيهم : " أيتها العير إنكم لسارقون * قالوا وأقبلوا عليهم ماذا
تفقدون * قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم * قالوا تالله لقد علمتم
ماجئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين * قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزاؤه
من وجد في رحله فهو جزاؤه " قال : " فبدأ باوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه "
قالوا : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ، فقال لهم يوسف : ارتحلوا عن بلادنا ، قالوا : يا أيها
العزيز إن له أبا شيخا كبيرا وقد أخذ علينا موثقا من الله لنرد به إليه فخذ أحدنا مكانه إنا نراك
من المحسنين إن فعلت ، قال : معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ، فقال كبيرهم : إني
لست أبرح الارض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي ، ومضى إخوة يوسف حتى دخلوا على
يعقوب فقال لهم : فأين ابن ياميل ؟ قالوا : ابن ياميل سرق مكيال الملك فأخذ الملك سرقته
فحبس عنده ، فاسأل أهل القرية والعير ( 3 ) حتى يخبروك بذلك ، فاسترجع واستعبر و
اشتد حزنه حتى تقوس ظهره . ( 4 )
* ( هامش ) ( 1 ) الميرة : الطعام الذى يدخره الانسان .
( 2 ) هكذا في النسخ وفيما يأتى بعد ذلك . وهو مصحف ابن يامين أو بنيامين ، والظاهر كما
سيأتى أن نسخة تفسير المصنف كانت مصحفة .
( 3 ) العير : قافلة من الحمير ، واطلقت على كل قافلة .
( 4 ) مخطوط . م
[307]
شى : أبوحمزة ، عن أبي بصير عنه ذكر فيه ابن يامين ولم يذكر ابن ياميل . ( 1 )
115 - شى : عن أبان الاحمر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما دخل إخوة يوسف
عليه السلام وقد جاؤوا بأخيهم معهم وضع لهم الموائد ، قال : يمتار ( 2 ) كل واحد منكم مع
أخيه لامه على الخوان ، فجلسوا وبقي أخوه قائما ، فقال له : مالك لا تجلس مع إخوتك ؟
قال : ليس لي منهم أخ من امي ، قال : فلك أخ من امك زعم هؤلاء أن الذئب أكله ؟
قال : نعم ، قال : فاقعد وكل معي ، قال : فترك إخوته الاكل قالوا أنا نريد أمرا ويأبى الله
إلا أن يرفع ولد يامين ( 3 ) علينا ، ثم قال حين فزغوا من جهازهم أمر أن يضع الصاع في
رحل أخيه ، فلما فصلوا نادى مناد : أيتها العير إنكم لسارقون ، قال : فرجعوا فقالوا :
" ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك " إلى قوله : " جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه " يعنون
السنة التي تجري فيهم أن يحبسه ، فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء
أخيه ، فقالوا : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل .
قال الحسن بن علي الوشاء فسمعت الرضا عليه السلام يقول : يعنون المنطقة ، فلما فرغ
من غدائه قال : ما بلغ من حزنك على أخيك ؟ قال : ولد لي عشرة أولاد فكلهم شققت لهم
من اسمه قال : فقال له : ماأراك حزنت عليه حيث اتخذت النساء من بعده ؟ قال : أيها
العزيز إن لي أبا شيخا كبيرا صالحا فقال : يا بني تزوج لعلك أن تصيب ولدا يثقل
الارض بشهادة أن لا إله إلا الله ، قال أبومحمد عبدالله بن محمد : ( 4 ) هذا من رواية الرضا عليه السلام . ( 5 )
116 - شى : عن علي بن مهزيار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : وقد كان هيألهم طعاما فلما دخلوا إليه قال : ليجلس كل بني ام على مائدة
* ( هامش ) * ( 1 و 5 ) مخطوط . م
( 2 ) أى يجمع ، ولكن اريد يأكل كل واحد منكم .
( 3 ) يستفاد من ذلك أن اسم امهما كان يامين ، وقد تقدم أن اسمها راحيل ، ولعله كان لها
اسمان ، أوأن يامين كانت اختا لراحيل ام يوسف كما سيأتى في الخبر 119 و 130 .
( 4 ) كان أبومحمد في سلسلة إسناد العياشي . وقد عرفت في مقدمة الكتاب أن الناسخ حذف أسانيد
الكتاب للاختصار .
[308]
قال : فجلسوا وبقي ابن يامين قائما ، فقال له يوسف : مالك لا تجلس ؟ قال له : إنك قلت :
ليجلس كل بني أم على مائدة وليس لي منهم ابن أم ، فقال يوسف : أما كان لك ابن
أم ؟ قال له ابن يامين : بلى ، قال يوسف : فما فعل ؟ قال : زعم هؤلاء أن الذئب أكله ،
قال : فما بلغ من حزنك عليه ؟ قال : ولد لي أحد عشر ابنا كلهم اشتق له اسما من اسمه ،
فقال له يوسف : أراك قد عانقت النساء وشممت الولد من بعده ! قال له ابن يامين ، إن لي
أبا صالحا وإنه قال : تزوج لعل الله أن يخرج منك ذرية تثقل الارض بالتسبيح ،
فقال له : تعال فاجلس معي على مائدتي ، فقال إخوة يوسف : لقد فضل الله يوسف وأخاه
حتى أن الملك قد أجلسه معه على مائدته . ( 1 )
117 - شى : عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لاخير فيمن لا تقية
له ، ولقد قال يوسف : أيتها العير إنكم لسارقون وما سرقوا . ( 2 )
118 - شى : وفي رواية اخرى ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قيل له
وأنا عنده : عن ( 3 ) سالم بن أبي حفصة يروي عنك أنك تكلم على سبعين وجها لك منها المخرج ،
فقال : مايريد سالم مني ؟ أيريد أن أجئ بالملائكة ؟ ! فو الله ماجاء بهم النبيون ، ولقد
قال إبراهيم : إني سقيم والله ماكان سقيما وماكذب ، ولقد قال إبراهيم : بل فعله كبيرهم
وما فعله كبيرهم وما كذب ، ولقد قال يوسف : أيتها العير إنكم لسارقون والله ما كانوا
سرقوا وما كذب . ( 4 )
119 - شى : عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : صواع
الملك طاسه الذي يشرب فيه * ( 5 )
120 - شى : عن محمد بن أبي حمزة ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله :
صواع الملك ، قال : كان قدحا من ذهب ، وقال : كان صواع يوسف إذ كيل به . ( 6 )
121 - شى : عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ذكر بني يعقوب
قال : كانوا إذا غضبوا اشتد غضبهم حتى تقطر جلودهم دما أصفر وهم يقولون : خذ أحدنا
* ( هامش ) * ( 1 و 2 و 4 - 6 ) مخطوط . م ( 3 ) كذا في نسخ . ( * )
[309]
مكانه ، يعني جزاؤه ، فأخذ الذي وجد الصاع عنده . ( 1 )
122 - شى : عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما استيأس إخوة يوسف
من أخيهم قال لهم يهودا ، وكان أكبرهم : " لن أبرح الارض حتى يأذن لي أبي أويحكم
الله لي وهو خير الحاكمين " قال : ورجع إلى يوسف يكلمه في أخيه فكلمه حتى ارتفع
الكلام بينهما حتى غضب يهودا ، وكان إذا غضب قامت شعرة في كتفه وخرج منها الدم ، ( 2 )
قال : وكان بين يدي يوسف ابن له صغير معه رمانة من ذهب وكان الصي يلعب بها ، قال :
فأخذها يوسف من الصبي فدحرجها نحو يهودا ، قال : وحبا الصبي ليأخذها فمس يهودا
فسكن يهودا ، ثم عاد إلى يوسف فكلمه في أخيه حتى ارتفع الكلام بينهما حتى غضب
يهودا وقامت الشعرة وسال منها الدم ، فأخذ يوسف الرمانة من الصبي فدحرجها نحو يهودا ،
وحبا الصبي نحو يهودا فسكن يهودا ، فقال يهودا : إن في البيت معنا لبعض ولد يعقوب ،
قال : فعند ذلك قال لهم يوسف : " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون " .
وفى رواية هشام بن سالم عنه عليه السلام قال : لما أخذ يوسف أخاه اجتمع عليه إخوته
فقالوا له : خذ أحدنا مكانه وجلودهم تقطردما أصفر ، وهم يقولون : خذ أحدنا مكانه ، قال :
فلما أن أبى عليهم واخرجوا من عنده قال لهم يهودا : قد علمتم ما فعلتم بيوسف ، ( 3 ) فلن
أبرح الارض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ، قال : فرجعوا إلى
أبيهم وتخلف يهودا ، قال : فدخل على يوسف فكلمه في أخيه حتى ارتفع الكلام بينه و
بينه وغضب ، وكان على كتفه شعرة إذا غضب قامت الشعرة فلا تزال تقذف بالدم حتى يمسه
بعض ولد يعقوب ، قال : فكان بين يدي يوسف ابن له صغير في يده رمانة من ذهب يلعب
بها ، فلما رآه يوسف قد غضب وقامت الشعرة تقذف بالدم أخذ الرمانة من يدي الصبي
ثم دحرجها نحو يهودا وابتغى الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا ، قال : فذهب غضبه ،
قال : فارتاب يهودا ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف ، ثم ارتفع الكلام بينهما حتى
* ( هامش ) * ( 1 ) مخطوط . م
( 2 ) في نسخة : وكان لا يسكن حتى يمسه بعض ولد يعقوب .
( 3 ) الظاهر من المصحف الشريف ومن الاخبار أن القائل لذلك هو يوسف عليه السلام لاخوته
حين رجعوا في المرة الثالثة . ( * )
[310]
غضب وقامت الشعرة فجعلت تقذف بالدم ، فلما رأى يوسف دحرج الرمانة نحو يهودا و
اتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فسكن غضبه قال : فقال يهودا : إن في البيت
لمن ولد يعقوب حتى صنع ذلك ثلاث مرات . ( 1 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله " فلن أبرح الارض " أي لا أزال بهذه الارض ولا
أزول عنها وهي أرض مصر " حتى يأذن لي أبي " في البراح والرجوع إليه " أو يحكم الله
لي " بالخروج وترك أخي هنا ; وقيل : بالموت ; وقيل : بما يكون عذرا لنا عند أبينا ، عن
أبي مسلم ; وقيل : بالسيف حتى أحارب من حبس أخي ، عن الجبائي انتهى . ( 2 )
وقال الفيروز آبادي : حبا الرجل : مشى على يديه وبطنه ، والصبي حبوا كسهو :
مشى على إسته انتهى .
ويظهر من الخبر الاولى أنه عليه السلام أظهر الامر ليهودا قبل رجوع إخوته وفيه
مخالفة ما لسائر الاخبار .
123 - شى : عن جابر قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : رحمك الله ما الصبر الجميل ؟
فقال : كان صبر ليس فيه شكوى إلى الناس إن إبراهيم ( 3 ) بعث يعقوب إلى راهب من الرهبان
عابد من العباد في حاجة ، فلما رآه الراهب حسبه إبراهيم فوثب إليه فاعتنقه ، ثم قال :
مرحبا بخليل الرحمن ، قال يعقوب : إني لست بإبراهيم ، ولكني يعقوب بن إسحاق بن
إبراهيم ، فقال له الراهب : فما بلغ بك ما أرى من الكبر ؟ قال : الهم والحزن ، فما جاوز
صغير الباب حتى أوحى الله إليه : أن يا يعقوب شكوتني إلى العباد ؟ فخر ساجدا عند
عتبة الباب يقول : رب لا أعود ، فأوحى الله إليه إني قد غفرتها لك فلا تعودن إلى مثلها .
فما شكا شيئا مما أصابه من نوائب الدنيا إلا أنه قال يوما : " إنما أشكوا بثي ( 4 ) وحزني إلى
الله وأعلم من الله ما لا تعلمون " . ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 و 5 ) مخطوط . م
( 2 ) مجمع البيان 5 : 255 . م
( 3 ) في نسخة : ان الله .
( 4 ) البث : شدة الحزن . ( * )
[311]
أقول : رواه السيد ابن طاوس في كتاب سعد السعود من تفسير ابن عقدة الحافظ ،
عن عثمان بن عيسى ، عن المفضل ، عن جابر مثله . ( 1 )
بيان : بعث إبراهيم يعقوب عليه السلام بعد كبر يعقوب غريب ، ولعله كان بعد فوت
إبراهيم وكان البعث على سبيل الوصية ، وفي بعض النسخ : " إن الله بعث " وهو الصواب .
وقوله : ( صغير الباب ) لعله من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي الباب الصغير ، أي
باب البيت دون باب الدار . ورواه في كتاب التمحيص عن جابر ، وفيه : فما جاز عتبة
الباب .
124 - شى : عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال له بعض أصحابنا :
ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف ؟ قال : حزن سبعين ثكلى حرى . ( 2 )
125 - وبهذا الاسناد عنه قال : قيل له : كيف تحزن يعقوب على يوسف وقدأخبره
جبرئيل أنه لم يمت وأنه سيرجع إليه ؟ فقال : إنه نسي ذلك . ( 3 )
بيان : لعل المراد أنه لشدة حبه له كان محزونا على مفارقته حتى كأنه نسي
ذلك .
126 - شى : عن محمد بن سهل البحراني ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : البكاؤون خمسة : آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين صلوات الله عليهم
أما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له : تفتؤ تذكر يوسف حتى
تكون حرضا أو تكون من الهالكين . ( 4 )
127 - شى : عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن يعقوب أتى
ملكا بناحيتكم يسأله الحاجة ، فقال له الملك : أنت إبراهيم ؟ قال : لا ، قال : وأنت إسحاق
ابن إبراهيم ؟ قال : لا ، قال : فمن أنت ، قال : أنا يعقوب بن إسحاق ، قال : فما بلغ بك
ما أرى مع حداثة السن ؟ قال : الحزن على يوسف ، قال : لقد بلغ بك الحزن يايعقوب
كل مبلغ ، فقال : إنا معشر الانبياء أسرع شئ البلاء إلينا ، ثم الامثل فالامثل من
* ( هامش ) * ( 1 ) سعد السعود : 120 . م
( 2 - 4 ) مخطوط . م ( * )
[312]
الناس ، فقضى حاجته فلما جاوز بابه هبط عليه جبرئيل فقال له : يا يعقوب ربك يقرؤك
السلام ويقول لك : شكوتني إلى الناس ؟ ! فعفر وجهه في التراب ، وقال : يا رب زلة أفلنيها
فلا أعود بعد هذا أبدا ، ثم عاد إليه جبرئيل فقال : يايعقوب ارفع رأسك ، ربك يقرؤك
السلام ويقول لك : قد أقلتك فلا تعود تشكوني إلى خلقي ، فما رئي ناطقا بكلمة مما كان
فيه حتى أتاه بنوه فصرف وجهه إلى الحائط وقال : " إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم
من الله ما لا تعلمون " . ( 1 )
128 - وفي حديث آخر عنه : جاء يعقوب إلى نمرود في حاجة فلما دخل عليه وكان
أشبه الناس بإبراهيم قال له : أنت إبراهيم خليل الرحمن ؟ قال . لا الحديث . ( 2 )
129 - شى : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام عاد إلى الحديث الاول ( 3 ) قال :
واشتد حزنه - يعني يعقوب - حتى تقوس ظهره ، وأدبرت الدنيا عن يعقوب وولده حتى
احتاجوا حاجة شديدة وفنيت ميرهم ، فعند ذلك قال يعقوب لولده : " اذهبوا فتحسسوا من
يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " فخرج
منهم نفر وبعث معهم بضاعة يسيرة وكتب معهم كتابا إلى عزيز مصر يعطفه ( 4 ) على نفسه
وولده ، وأوصى ولده أن يبدوا بدفع كتابه قبل البضاعة فكتب : ( 5 )
بسم الله الرحمن الرحيم إلى عزيز مصر ومظهر العدل وموفي الكيل من يعقوب
* ( هامش ) * ( 1 - 2 ) مخطوط . م
( 3 ) أراد بالحديث الاول ما تقدم تحت رقم 114 .
( 4 ) في نسخة : يستعطفه .
( 5 ) روى الطبرسى رحمه الله من كتاب النبوة باسناده عن الحسن بن محبوب ، عن أبى اسماعيل
الفراء ، عن طربال ، عن أبى عبدالله عليه السلام في خبر طويل أن يعقوب كتب إلى يوسف : بسم الله
الرحمن الرحيم إلى عزيز مصر ; وذكر الكتاب مثل ما في رواية أبى بصير إلى قوله : واسمح لنا في
السعر وأوف لنا الكيل وعجل سراح آل ابراهيم ، قال : فمضوا بكتابه حتى دخلوا على يوسف في
دار الملك وقالوا : " يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر " إلى آخر الاية ، وتصدق علينا بأخينا ابن
يامين ، وهذا كتاب يعقوب أبينا اليك في أمره ، يسألك تخلية سبيله فمن به علينا . فأخذ يوسف
الكتاب فقبله ووضعه على عينيه وبكى وانتحب حتى بل دموعه القميص الذى عليه ، ثم أقبل عليهم
فقال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف الاية . منه رحمه الله . ( * )
[313]
ابن إسحاق بن إبراهيم خليل الله صاحب نمرود الذي جمع لابراهيم الحطب والنار ليحرقه
بها فجعل الله عليه بردا وسلاما وأنجاه منها ، اخبرك أيها العزيز أنا أمل بيت قديم لم
يزل البلاء إلينا سريعا من الله ليبلونا بذلك عند السراء والضراء ، وأن مصائب تتابعت علي
منذ عشرين سنة ، أولها أنه كان لي ابن سميته يوسف ، وكان سروري من بين ولدي ، و
قره عيني ، وثمرة فؤادي ، وإن إخوته من غير أمه سألوني أن أبعثه معهم يرتع ويلعب
فبعثته معهم بكرة ، وإنهم جاؤوني عشاء يبكون وجاؤوني على قميصه بدم كذب فزعموا
أن الذئب أكله ، فاشتد لفقده حزني ، وكثر على فراقه بكائي حتى ابيضت عيناي من
الحزن ، وإنه كان له أخ من خالته ( 1 ) وكنت به معجبا وعليه رفيقا ، وكان لي أنيسا ، و
كنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري فيسكن بعض ما أجد في صدري ، وإن إخوته
ذكروا لي أنك أيها العزيز سألتهم عنه وأمرتهم أن يأتوك به وإن لم يأتوك به منعتهم
الميرة لنا من القمح من مصر فبعثته معهم ليتماروا لنا قمحا فرجعوا إلي فليس هو معهم ، و
ذكروا أنه سرق مكيال الملك ، ونحن أهل بيت لا نسرق ، وقد حبسته وفجعتني به ، وقد
اشتد لفراقه حزني حتى تقوس لذلك ظهري ، وعظمت به مصيبتي مع مصائب متتابعات
علي ، ( 2 ) فمن علي بتخلية سبيله وإطلافه من محبسه ( 3 ) وطيب لنا القمح ، واسمح لنا في
السعر ، وعجل سراح آل يعقوب .
فلما مضى ولد يعقوب من عنده نحو مصر بكتابه نزل جبرئيل على يعقوب فقال له :
يا يعقوب إن ربك يقول لك : من ابتلاك بمصائبك التي كتبت بها إلى عزيز مصر ؟ قال
يعقوب : أنت بلوتني بها عقوبة منك وأدبا لي ، قال الله : فهل كان يقدر على صرفها عنك


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 313 سطر 19 الى ص 321 سطر 18

أحد غيري ؟ قال يعقوب : اللهم لا ، قال : أفما استحييت مني حين شكوت مصائبك إلى
غيري ولم تستغث بي وتشكو مابك إلي ؟ ! فقال يعقوب : أستغفرك يا إلهي وأتوب إليك
وأشكو بثي وحزني إليك ، فقال لله تبارك وتعالى : قد بلغت بك يا يعقوب وبولدك الخاطئين
* ( هامش ) * ( 1 ) هذا الخبر يدل على أن بنيامين لم يكن من ام يوسف بل كان من خالته ، وانما دعاه أخا
من امه مجازا وسيأتى مثله تحت رقم 144 وغيره .
( 2 ) في نسخة : تتابعت على .
( 3 ) في نسخة : وإطلاقه من حبسك . ( * )
[314]
الغاية في أدبي ، ولو كنت يا يعقوب شكوت مصائبك إلي عند نزولها بك واستغفرت وتبت
إلي من ذنبك لصرفتها عنك بعد تقديري إياها عليك ، ولكن الشيطان أنساك ذكري
فصرت إلى القنوط من رحمتي ، وأنا الله الجواد الكريم ، أحب عبادي المستغفرين التائبين
الراغبين إلى فيما عندي ; يا يعقوب أناراد إليك يوسف وأخاه ، ومعيد إليك ما ذهب من
مالك ولحمك ودمك ، وراد إليك بصرك ، ويقوم لك ظهرك ، فطب نفسا ، وقر عينا ، و
إن الذي فعلته بك كان أدبا مني لك فاقبل أدبي .
ومضى ولد يعقوب بكتابه نحو مصر حتى دخلوا على يوسف في دار المملكة فقالوا :
يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا
بأخينا ابن يامين ، وهذا كتاب أبينا يعقوب إليك في أمره يسألك أن تمن به عليه ، قال :
فأخذ يوسف كتاب يعقوب فقبله ووضعه على عينيه وبكى وانتحب حتى بلت دموعه
القميص الذي عليه ، ثم أقبل عليهم فقال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف من قبل وأخيه من
بعد ؟ قالوا : ءإنك لانت يوسف ؟ قال : أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا ، وقالوا : تالله
لقد آثرك الله علينا فلا تفضحنا ولا تعاقبنا اليوم واغفر لنا ، قال : لا تثريب عليكم اليوم
يغفر الله لكم .
وفي رواية اخرى عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام نحوه . ( 1 )
130 - شى : عن عمرو بن عثمان ، عن بعض أصحابنا قال : لما قال إخوة يوسف :
" يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر " قال : قال يوسف : لا صبر على ضر آل يعقوب ، فقال
عند ذلك : " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه " الآية . ( 2 )
131 - شى : عن أحمد بن محمد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن قوله :
" وجئنا ببضاعة مزجاة " قال : المقل . وفي هذه الرواية : " وجئنا ببضاعة مزجئة " قال : كانت
المقل ، وكانت بلادهم بلاد المقل وهي البضاعة . ( 3 )
بيان : قال البيضاوي : مزجاة : رديئة ، أو قليلة ترد وتدفع رغبة عنها ، من أزجيته :
* ( هامش ) * ( 1 - 3 ) مخطوط . م ( * )
[315]
إذا دفعته ; وقيل : كانت دراهم زيوفا ; ( 1 ) وقيل : صوفا وسمنا ; وقيل : صنوبر وحبة
الخضراء ; وقيل الاقط و سويق المقل ; انتهى . ( 2 ) وفي رواية اخرى لعله عليه السلام قرأ
" مزجاة " بتشديد الجيم ، أو مزجية بكسر الجيم وتشديد الياء ، ولم ينقل في القراءة
الشاذة غير القراءة المشهورة .
132 - شى : عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا رفعه قال : كتب يعقوب النبي
إلى يوسف : من يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله الرحمن إلى عزيز مصر :
أما بعد فإنا أهل بيت لم يزل البلاء سريعا إلينا ، ابتلي إبراهيم جدي فالقي في النار ،
ثم ابتلي أبي إسحاق بالذبح ، فكان لي ابن وكان قرة عيني وكنت أسر به فابتليت بأن
أكله الذئب فذهب بصري حزنا عليه من البكاء ، وكان له أخ وكنت أسر به بعده فاخذته
في سرق ، وإنا أهل بيت لم نسرق قط ولا نعرف بالسرق ، فإن رأيت أن تمن علي به فعلت ،
قال : فلما أتى يوسف بالكتاب فتحه وقرأه فصاح ثم قام فدخل منزله فقرأ وبكى ثم غسل
وجهه ثم خرج إلى إخوته ثم عاد فقرأه فصاح وبكى ، ثم قام فدخل منزله فقرأه وبكى
ثم غسل وجهه وعاد إلي إخوته ، فقال : " هل علمتم مافعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون "
وأعطاهم قميصه وهو قميص إبراهيم ، وكان يعقوب بالرملة ، فلما فصلوا بالقميص من مصر
قال يعقوب : " إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون * قالوا تالله إنك لفي ضلالك
القديم " . ( 3 )
133 - شى : عن مفضل بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ليس رجل من ولد
فاطمة يموت ولا يخرج من الدنيا حتى يقر للامام بإمامته كما أقر ولد يعقوب ليوسف
حين قالوا : " تالله لقد آثرك الله علينا " . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) الزيوف جمع الزائف : الردئ المردود لغش فيه .
( 2 ) انوار التنزيل 1 : 236 . والمقل : ثمر شجر الدوم . صمغ شجرة يتداوى به .
( 3 و 4 ) مخطوط . م ( * )
[316]
134 - ل ، ع ، ن : في أسئلة الشامي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه عليه السلام قال : يوم
الاربعاء أدخل يوسف السجن . ( 1 )
135 - شى : عن محمد بن إسماعيل رفعه بإسناد له قال : إن يعقوب وجد ريح قميص
يوسف من مسيرة عشرة ليال ، وكان يعقوب ببيت المقدس ويوسف بمصر ، وهو القميص
الذي نزل على إبراهيم من الجنة ، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب ، ودفعه
يعقوب إلى يوسف عليهم السلام . ( 2 )
136 - شى : عن نشيط بن صالح البجلي قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : أكان إخوة
يوسف أنبياء ؟ قال : لا ولا بررة أتقياء ، وكيف وهم يقولون لابيهم يعقوب : " تالله إنك
لفي ضلالك القديم " ؟ ( 3 )
شى : عن نشيط ، عن رجل مثله . ( 4 )
137 - شى : عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن بني يعقوب بعد
ما صنعوا بيوسف أذنبوا فكانوا أنبياء ؟ ! ( 5 )
بيان : استفهام على الانكار .
138 - شى : عن مقرن ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كتب عزيز مصر إلى يعقوب :
أما بعد فهذا ابنك يوسف اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة واتخذته عبدا ، وهذا ابنك
ابن يامين أخذته قد سرق واتخذته عبدا ، ( 6 ) قال : فما ورد على يعقوب شئ أشد عليه من
ذلك الكتاب فقال للرسول : مكانك حتى أجيبه ؟ فكتب إليه يعقوب : أما بعد فقد فهمت
كتابك أنك أخذت ابني بثمن بخس واتخذته عبدا ، وأنك اتخذت ابني ابن يامين وقد
سرق فاتخذته عبدا ، فإنا أهل بيت لا نسرق ، ولكنا أهل بيت نبتلي ، وقد ابتلى أبونا
إبراهيم بالنار فوقاه الله ، وابتلى أبونا إسحاق بالذبح فوقاه الله ، وإني قد ابتليت بذهاب
بصري وذهاب ابني وعسى الله أن يأتيني بهم جميعا .
* ( هامش ) * ( 1 ) الخصال ج 2 : 298 ، علل الشرائع : 199 ، عيون الاخبار : 137 . م
( 2 - 5 ) مخطوط ، م
( 6 ) قد أشرنا سابقا أن الرواية لاتخلو عن اشكال . ( * )
[317]
قال : فلما ولى الرسول عنه رفع يده إلى السماء ثم قال : " ياحسن الصحبة ياكريم
المعونة ( 1 ) ياخيرا كله ائتني بروح منك وفرج من عندك " قال : فهبط عليه جبرئيل فقال :
يا يعقوب ألا أعلمك دعوات يرد الله عليك بها بصرك ويرد عليك ابنيك ؟ ( 2 ) فقال : بلى ، فقال :
قل : " يا من لا يعلم أحد كيف هو وحيث هو وقدرته إلا هو ، يامن سد الهواء بالسماء ، و
كبس الارض على الماء ، واختار لنفسه أحسن الاسماء ائتني بروح منك وفرج من عندك "
فما انفجر عمود الصبح حتى اتي بالقميص فطرح على وجهه فرد الله عليه بصره ورد عليه
ولده . ( 3 )
139 - دعوات الراوندي عن أبي جعفر عليه السلام أن يعقوب عليه السلام كان أشتد به الحزن
ورفع يده إلى السماء وقال : يا حسن الصحبة إلى آخر الخبر . ( 4 )
140 : شى : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام عاد إلى الحديث الاول الذي
قطعناه ( 5 ) قال : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ، اذهبوا بقميصي هذا الذي بلته دموع
عيني فألقوه على وجه أبي يرتد بصيرا لو قد شم بريحي ، وأتوني بأهلكم أجمعين ، وردهم
إلى يعقوب في ذلك اليوم وجهزهم بجميع ما يحتاجون إليه ، فلما فصلت عيرهم من مصر
وجد يعقوب ريح يوسف ، فقال لمن بحضرته من ولده : إني لاجد ريح يوسف لولا أن
تفندون ، قال : وأقبل ولده يحثون السير بالقميص فرحا وسرورا بمارأوا من حال يوسف
والملك الذي أعطاه الله والعز الذي صاروا إليه في سلطان يوسف ، وكان مسيرهم من مصر
إلى بدو يعقوب تسعه أيام ، فلما أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه فارتد بصيرا وقال
لهم : ما فعل ابن ياميل ؟ ( 6 ) قالوا : خلفناه عند أخيه صالحا ، قال : فحمد الله يعقوب عند
ذلك وسجد لربه سجدة الشكر ورجع إليه بصره وتقوم له ظهره ، وقال لولده : تحملوا إلى
يوسف في يومكم هذا بأجمعكم ، فساروا إلى يوسف ومعهم يعقوب وخالة يوسف ياميل ، ( 7 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : ياكثير المعونة .
( 2 ) في نسخة : ويرد عليك ابنك . وفى اخرى : ولديك .
( 3 ) مخطوط . م
( 4 ) مخطوط . م
( 5 ) اراد بالحديث ما تقدم تحت رقم 114 ، وقد أورد قطعة منها تحت رقم 129 .
( 6 و 7 ) راجع ما تقدم ذيل الخبر 114 . ( * )
[318]
فأحثوا السير فرحا وسرورا فساروا تسعة أيام إلى مصر . ( 1 )
141 - شى : عن محمد بن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله :
" سوف أستغفرلكم ربي " فقال : أخرهم إلى السحر ، قال : يارب إنما ذنبهم فيما بيني و
بينهم ، فأوحى الله إليه : إني قد غفرت لهم . ( 2 )
142 - شى : عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : " سوف أستغفر لكم
ربي " قال : أخرهم إلى السحر ليلة الجمعة . ( 3 )
143 - شى : عن أبي بصير في تتمة الخبر الاول ( 4 ) عن أبي جعفر عليه السلام قال :
فصاروا تسعة أيام إلى مصر ، فلما دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه فقبله وبكى
ورفعه ورفع خالته على سرير الملك ، ثم دخل منزله فادهن واكتحل ولبس ثياب العز
والملك ، ثم خرج إليهم فلما رأوه سجدوا جميعا له إعظاما له وشكرا لله ، فعند ذلك قال :
" يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل " إلى قوله : " بيني وبين إخوتى " قال : ولم يكن يوسف في
تلك العشرين السنة يدهن ولا يكتحل ولا يتطيب ولا يضحك ولا يمس النساء ( 5 ) حتى
جمع الله ليعقوب عليه السلام شمله وجمع بينه وبين يعقوب وإخوته . ( 6 )
بيان : قال الرازي : اختلفوا في مقدار المدة بين هذا الوقت وبين وقت الرؤيا ، فقبل :
ثمانون سنة ; وقيل : سبعون ; وقيل : أربعون سنة ، وهو قول الاكثرين ، ولذلك يقولون :
إن تأويل الرؤيا ربما صحت بعد أربعين سنة ; وقيل : ثمانية عشر سنة ; وعن الحسن أنه
القي في الجب ابن سبع عشرة سنة وبقي في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة ، ثم
* ( هامش ) * ( 1 و 2 و 3 و 6 ) مخطوط . م
( 4 ) أى ما تقدم تحت رقم 114 ( 5 ) أى شهوة والتذاذا بل كان يمس تبعا للسنة وتكثيرا للنسل وهو كقول بنيامين حين قال
له يوسف : فما بلغ حزنك عليه ؟ - أى على يوسف - قال : ولد لى احد عشر ابنا لكلهم اشتق اسما من اسمه
فقال : أراك قدعانقت النساء وشممت الولد من بعده ؟ ! أى اتيان النساء ، شم الولد ينافيان ما ادعيت
من الحزن ، فقال : ان لى ابا صالحا قال : تزوج لعل الله ان يخرج منك ذرية يثقل الارض بالتسبيح . ( * )
[319]
وصل إلى أبيه وأقاربه وعاش بعد ذلك ثلاثة وعشرين سنة ، فكان عمره مائة وعشرين سنة
والله أعلم بالحقائق . ( 1 )
144 - شى : عن الحسن بن أسباط قال : سألت أبا الحسن عليه السلام في كم دخل يعقوب
من ولده على يوسف ؟ قال : في أحد عشر ابنا له ، فقيل له : أسباط ؟ قال : نعم .
وسألته عن يوسف وأخيه أكان أخاه لامه أم ابن خالته ؟ فقال : ابن خالته . ( 2 )
بيان : هذا الخبر يدل على أن بنيامن لم يكن من ام يوسف بل من خالته ،
وإنما دعاه أخا من امه مجازا كما تجوز في قوله : " ورفع أبويه " وهو قول جماعة من
المفسرين والمؤرخين .
145 - شى : عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول
الله : " ورفع أبويه على العرش " قال : العرش : السرير ، وفي قوله : " وخروا له سجدا "
قال : كان سجودهم ذلك عبادة لله . ( 3 )
146 - شى : عن محمد بن بهروز ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال : إن يعقوب قال ليوسف
حيث التقيا : أخبرني يا بني كيف صنع بك ؟ فقال له يوسف : انطلق بي فاقعدت على
رأس الجب فقيل لي : انزع القميص ، فقلت لهم : إني أسألك ( 4 ) بوجه أبي الصديق يعقوب
أن لا تبدوا عورتي ولا تسلبوني قميصي ، قال : فأخرج علي فلان السكين ; فغشي على يعقوب ،
فلما أفاق قال له يعقوب : حدثني كيف صنع بك ؟ فقال له يوسف : إني اطالب يا أتباه لما
كففت ، فكف . ( 5 )
147 - شى : عن إسحاق بن يسار ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : إن الله بعث إلى
يوسف وهو في السجن : ( 6 ) يا ابن يعقوب ما أسكنك مع الحطائين ؟ قال : جرمي ، قال :
فاعترف بجرمه فاخرج ، ( 7 ) فاعترف بمجلسه منها مجلس الرجل من أهله ، فقال له : ادع
بهذا الدعاء : " يا كبير كل كبير يا من لا شريك له ولاوزير ، يا خالق الشمس والقمر المنير
* ( هامش ) * ( 14 ) مفاتيح الغيب 5 : 172 . م
( 2 و 3 و 5 ) مخطوط . م
( 4 ) كذا في النسخ .
( 6 ) اى بعث ملكا هو في السجن وهو يقول : يا ابن اه .
( 7 ) لعل الصحيح : فاعترف بجرمك فاخرج . والحديث يتضمن ما فيه غرابة جدا بل ما هو
يخالف المذهب ، واسحاق بن يسار مجهول . ( * )
[320]
يا عصمة المضطر الضرير ، ياقاصم كل جبار عنيد ، يا مغني البائس الفقير ، يا جابر
العظم الكسير ، يامطلق المكبل ( 1 ) الاسير ، أسألك بحق محمد وآل محمد أن تجعل لي
من أمري فرجا ومخرجا وترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب " قال : فلما أصبح
دعاه الملك فخلي سبيله وذلك قوله : " وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن " ( 2 )
148 - شى : عن عباس بن يزيد قال : سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول : بينا رسول
الله صلى الله عليه وآله جالس في اهل بيته إذ قال : أحب يوسف أن يستوثق لنفسه ، قال : فقيل : بماذا
يا رسول الله ؟ قال : لما عزل له عزيز مصر عن مصر لبس ثوبين جديدين - أو قال : لطيفين -
وخرج إلى فلاة من الارض فصلى ركعات ، فلما فرغ رفع يده إلى السماء فقال : " رب قد
آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض أنت وليي في الدنيا
والآخرة " قال : فهبط إليه جبرئيل فقال له : يا يوسف ما حاجتك ؟ فقال : " رب توفني
مسلما وألحقني بالصالحين " فقال أبوعبدالله عليه السلام : خشي الفتن . ( 3 )
أقول : ذكر السيد في سعد السعود نقلا عن ترجمة التوراة أن إخوة يوسف باعوه
بعشرين مثقالا من فضة ، وأن عمره كان عشرين سنة ، وأن عمر يعقوب كان مائة وسبعا و
أربعين سنة ، وأن يوسف بكى على أبيه سبعة أيام ، وناح المقربون عليه سبعين يوما ، و
أن عمر يوسف كان مائة وعشرين سنة ، ثم قال : وذكر محمد بن خالد البرقي في كتاب المبتداء
أن عمره يوم باعوه كان ثلاثة عشر سنة . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) المكبل : المقيد بالكبل وهو القيد .
( 2 ) تفسير العياشى مخطوط وفى هامش المطبوع : قال الطبرسى رحمه الله : قال المفسرون :
لما جمع الله سبحانه ليوسف شمله وأقر له عينه وأتم له رؤياه ووسع عليه في ملك الدنيا ونعيمها علم أن ذلك لا
يبقى له ولا يدوم ، فطلب من الله عزوجل نعيما لايفنى ، وتاقت نفسه إلى الجنة فتمنى الموت ودعى
به ، ولم يتمن ذلك قبله ولا بعده أحد ، قيل : فتوفاه الله بمصر وهو نبى ، فدفن في النيل في صندوق من
رخام ، وذلك أنه لما مات تشاح الناس عليه كل يحب أن يدفن في محلته لما كانوا يرجون من بركته ،
فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمر الماء عليه ، ثم يصل إلى جميع مصر فيكون كلهم فيه شركاء وفى بركته
شرعا سواء فكان قره في النيل إلى أن حمله موسى عليه السلام حين خرج من مصر منه رحمه الله
( 3 ) مخطوط م
( 4 ) سعد السعود : 43 ، وفيه : وذكر الزمخشرى في الكشاف في رواية ان عمر يوسف لما
باعوه كان سبعة عشر سنة . ( * )
[321]
أقول : وجدت في كتاب الفهرست لابي غالب الزراري ماهذا لفظه : أبوحمزة البطائني
اسمه سالم روي عنه أن صاع يوسف كان يصوت بصوت حسن : واحد واثنان .
تذنيب في حل ما يورد من الاشكال على مامر من الآيات والاخبار وفيه فصول :
الاول فيما يتعلق بأحوال يعقوب ولنذكرهنا بعض ما أورده السيد قدس الله روحه
في كتاب تنزيه الانبياء .
قال : فإن قيل : فما معنى تفضيل يعقوب ليوسف عليه السلام على إخوته في البر والتقريب
والمحبة حتى أوقع ذلك التحاسد بينهم وبينه وأفضى إلى الحال المكروهة التي نطق بها
القرآن حتى قالوا على ما حكاه الله تعالى عنهم : " ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن
عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين " فنسبوه إلى الضلال والخطاء ؟ وليس لكم أن تقولوا : إن
يعقوب عليه السلام لم يعلم بذلك من حالهم قبل أن يكون منه التفضيل ليوسف عليه السلام لان
ذلك لابد من أن يكون معلوما من حيث كان في طباع البشر التنافس والتحاسد .
الجواب : قيل له : ليس فيما نطق به القرآن مايدل على أن يعقوب فضله بشئ
من فعله ، لان المحبة التي هي ميل الطباع ليست مما يكتسبه الانسان ويختاره ، وإنما
ذلك موقوف على فعل الله تعالى فيه ، ولهذا يكون للرجل عدة أولاد فيحب أحدهم دون
غيره ، وربما كان المحبوب أدونهم في الجمال والكمال ، وقد قال الله تعالى : " ولن تستطيعوا
أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " وإنما أراد ما بيناه من ميل النفس الذي لايمكن الانسان
أن يعدل فيه بين نسائه ، لان ما عدا ذلك من البر والعطاء والتقريب وما أشبهه يستطيع
الانسان أن يعدل فيه بين النساء .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 321 سطر 19 الى ص 329 سطر 18

فإن قيل : فكأنكم نفيتم عن يعقوب عليه السلام القبيح والاستفساد وأضفتموها إلى الله
فما الجواب عن المسألة على هذا الوجه ؟ قلنا عنها جوابان : أحدها أنه لا يمتنع أن يكون
الله تعالى علم أن إخوة يوسف سيكون بينهم ذلك التحاسد والفعل القبيح على كل حال
وإن لم يفضل يوسف في محبة أبيه له . ( 1 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : في محبة أبيه لهم : وبعده زيادة وهي هذه : وانما يكون ذلك استفسادا اذا وقع
عنده الفساد وارتفع عند ارتفاعه ولم يكن تمكينا . ( * )
[322]
والجواب الآخر أن يكون ذلك جاريا مجرى التمكين والتكليف الشاق ، لان
هؤلاء الاخوة متى امتنعوا من حسد أخيهم والبغي عليه والاضرار به وهو غير مفضل عليهم
ولا مقدم لايستحقون من الثواب ما يستحقونه إذا امتنعوا من ذلك مع التقديم والتفضيل
فأراد الله تعالى منهم أن يمتنعوا على هذا الوجه الشاق ، وإذا كان مكلفا على هذا الوجه
فلا استفساد في تمييله طباع أبيهم إلى محبة يوسف عليه السلام لان بذلك ينتظم هذا التكليف
ويجري هذا الباب مجرى خلق إبليس مع علمه تعالى بضلال من ضل عند خلقه ممن لولم
يخلقه لم يكن ضالا ، ومجرى زيادة الشهوة فيمن يعلم تعالى أنه عند هذه الزيادة يفعل
قبيحا لولاها لم يفعله .
ووجه آخر في الجواب عن أصل المسألة وهو أنه يجوز أن يكون يعقوب عليه السلام كان
مفضلا ليوسف عليه السلام في العطاء والتقريب والترحيب والبر الذي وصل إليه من جهته ، وليس
ذلك بقبيح لانه لا يمتنع أن يكون يعقوب عليه السلام لم يعلم أن ذلك يؤدي إلى ماأدى إليه ، ( 1 )
ويجوز أن يكون رأى من سيرة إخوته وسدادهم وجميل ظاهرهم ما غلب على ظنه أنهم لا
يحسدونه وإن فضله عليهم ، فإن الحسد وإن كان كثيرا ما يكون في الطباع فإن
كثيرا من الناس يتنزهون عنه ويتجنبونه ، ويظهر من أحوالهم أمارت يظن معها بهم
ما ذكرناه ، وليس التفضيل لبعض الاولاد على بعض في العطاء محاباة ؟ لان لمحاباة هي
مفاعلة من الحباء ، ومعناها أن تحبو غيرك ليحبوك ، وهذا خارج عن معنى التفضيل بالبر
الذي لا يقصد به إلى ( 2 ) ماذكرناه ، فأما قولهم : " إن أبانا لفي ضلال مبين " فلم يريدوا
به الضلال عن الدين ، وإنما أرادوا الذهاب عن التسوية بينهم في العطية ، لانهم رأوا أن
ذلك أصوب في تدبيرهم ، وأصل الضلال هو العدول ، وكل من عدل عن شئ وذهب عنه فقد
ضل ، ويجوز أيضا أن يريدوا بذلك الضلال عن الدين ، لانهم خبروا عن اعتقادهم ، وقد يجوز
أن يعتقدوا في الصواب الخطاء .
فإن قيل : كيف يجوز أن يقع من إخوة يوسف هذا الخطاء العظيم والفعل القبيح
* ( هامش ) * ( 1 ) ظاهر قول يعقوب فيما حكى الله عنه خلاف ذلك ، حيث هو يقول : " يا بنى لا تقصص رؤياك
على إخوتك فيكدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين " وظاهره انه كان يعلم من حالهم أنهم يكيدونه
لوقص عليهم رؤياه ، الا أن يقال انه استحاط في ذلك . ( 2 ) المصدر خال من كلمة " إلى " . م ( * )
[323]
وقد كانوا أنبياء ؟ فإن قلتم : لم يكونوا أنبياء في الحال قيل لكم : وأي منفعة في ذلك
لكم وأنتم تذهبون إلى أن الانبياء لا يواقعون القبائح قبل النبوة ولا بعدها ؟ قلنا :
لم يقم الحجة بأن إخوة يوسف الذين فعلوا به ما فعلوه كانوا أنبياء في حال من
الاحوال ، وإذا لم يقم بذلك الحجة جاز على هؤلاء الاخوة من فعل القبيح مايجوز
على كل مكلف لم تقم حجة بعصمته ، وليس لاحد أن يقول : كيف تدفعون نبوتهم
والظاهر أن الاسباط من بني يعقوب كانوا أنبياء ؟ لانه لا يمتنع أن يكون الاسباط
الذين كانوا أنبياء غير هؤلاء الاخوة الذين فعلوا بيوسف ماقصه الله تعالى عنهم ، وليس
في ظاهر الكتاب أن جميع إخوة يوسف وسائر أسباط يعقوب كادوا يوسف عليه السلام بما حكاه
الله تعالى من الكيد ، وقد قيل : إن هؤلاء الاخوة في تلك الحال لم يكونوا بلغوا الحلم
ولا توجه إليهم التكليف ، وقد يقع ممن قارب البلوغ من الغلمان مثل هذه الافعال ، وقد
يلزمهم بعض العتاب واللوم ، فإن ثبت هذا الوجه سقطت المسألة أيضا مع تسليم أن هؤلاء
الاخوة كانوا أنبياء في المستقبل انتهى كلامه رحمه الله . ( 1 )
أقول : الاظهر في الجواب هو ما أومئ إليه من أن التفضيل بين الاولاد في العطاء
والمحبة والاكرام إذا كان لامر ديني ولفضيلة واقعية لم يدل دليل على كونه مرجوحا ،
بل دلت الاخبار المعتبرة على رجحانه كما سيأتي في بابه ، فعلى هذا لاحرج في تفضيل
يعقوب يوسف مع علمه بأنه سيكون من الانبياء والصديقين عليهم ، ولا يوجب العلم بحسد
الاخوة ترك أمر راجح ديني يقتضيه العقل والشرع ، وأما خطاء الاخوة فقد عرفت بما
مر من الاخبار أنهم لم يكونوا من الانبياء ، ( 2 ) وذهب كثير من العامة أيضا إلى ذلك ،
فلا يستبعد منهم صدور الذنب ، ولكن دلت الآية ظاهرا والاخبار صريحا على أنهم فارقوا
الدنيا تائبين مغفورين كما عرفت .
* ( هامش ) * ( 1 ) تنزيه الانبياء : 43 - 45 . م
( 2 ) وأما قوله تعالى : " قولوا آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل إلى ابراهيم " إلى قوله :
" والاسباط " فالمراد يوسف وداود وسليمان عليهم السلام ; وقوله تعالى : " وأوحينا إلى ابراهيم و
اسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط " فالمراد يوسف عليه السلام فتأمل . ( * )
[324]
ثم قال قدس الله روحه : مسألة : فإن قال : فلم أرسل يعقوب عليه السلام يوسف مع
إخوته مع خوفه عليه منهم ، وقوله : " أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " وهل هذا
إلا تغرير به ومخاطرة ؟
الجواب : قيل له : ليس يمتنع أن يكون يعقوب لما رأى من بنيه ما رأى من الايمان
والعهود والاجتهاد في الحفظ والرعاية لاخيهم ظن مع ذلك السلامة ، وغلب النجاة بعد أن
كان خائفا مغلبا لغير السلامة ، وقوي في نفسه أن يرسله معهم إشفاقه من إيقاع الوحشة
والعداوة بينهم ، لانه إذا لم يرسله مع الطلب منهم والحرص علموا أن سبب ذلك هو التهمة
لهم والخوف من ناحيتهم واستوحشوا منه ومن يوسف عليه السلام وانضاف هذا الداعي إلى ما ظنه
من السلامة والنجاة فأرسله . ( 1 )
مسألة : فإن قال : فما معنى قولهم ليعقوب عليه السلام : " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا
صادقين " وكيف يجوز أن ينسبوه إلى أنه لا يصدق الصادق ويكذبه ؟
الجواب : إنهم لما علموا على مرور الايام شدة تهمة أبيهم لهم وخوفه على أخيهم
منهم لما كان يظهر منهم من أمارات الحسد والنفاسة أيقنوا بأنه يكذبهم فيما أخبروا به
من أكل الذئب أخاهم فقالوا له : إنك لا تصدقنا في هذا الخبر لماسبق إلى قلبك من تهمتنا
وإن كنا صادقين ، وقد يفعل مثل ذلك المخادع المماكر إذا أراد أن يوقع في قلب من يخبره
بالشئ ليصدقه فيقول له : أنا أعلم أنك لا تصدقني في كذا وكذا وإن كنت صادقا ،
وهذا بين .
مسألة : فإن قال : فلم أسرف يعقوب عليه السلام في الحزن والتهلك وترك التماسك
حتى ابيضت عيناه من البكاء ؟ ومن شأن الانبياء التجلد ( 2 ) والتصبر وتحمل الاثقال و
لهذه الحالة ما عظمت منازلهم وارتفعت درجاتهم . ( 3 )
الجواب : قيل له : إن يعقوب عليه السلام بلي وامتحن في ابنه بمالم يمتحن به أحد
* ( هامش ) * ( 1 ) تنزيه الانبياء : 45 - 46 . م
( 2 ) التجلد : تكلف الجلد والصبر .
( 3 ) هكذا في النسخ ; وفى المصدر : ولولا هذه الحال ما عظمت منازلهم وارتفعت درجاتهم . وهو
الصحيح . ( * )
[325]
قبله ، لان الله تعالى رزقه من يوسف أحسن الناس وأجملهم وأكملهم علما وفضلا وأدبا و
عفافا ، ثم اصيب به أعجب مصيبة وأطرفها ، لانه لم يمرض بين يديه مرضا يؤول إلى
الموت فيسليه عنه تمريضه له ثم يئس منه بالموت ، بل فقده فقدا لا يقطع معه على الهلاك
فييأس ولا يجد أمارة على حياته وسلامته فيرجو ويطمع ، فكان متردد الفكر بين يأس وطمع
وهذا أغلظ ما يكون على الانسان وأنكى لقلبه ، وقد يرد على الانسان من الحزن ما لايملك
رده ولا يقوى على دفعه ، ولهذا لم يكن أحد منهيا عن مجرد الحزن والبكاء ، وإنما
نهي عن اللطم والنوح وأن يطلق لسانه بما سخط ربه ، وقد بكى نبينا صلى الله عليه وآله على ابنه إبراهيم
عند وفاته وقال : " العين تدمع ، والقلب يخشع ، ولا نقول ما يسخط الرب " وهو عليه الصلاة
والسلام القدوة في جميع الآداب والفضائل ; على أن يعقوب عليه السلام إنما أبدى من حزنه يسيرا
من كثير ، وكان ما يخبه ( 1 ) ويتصبر عليه ويغالبه أكثر وأوسع مما أظهره ، وبعد فإن
التجلد على المصائب وكظم الحزن من المندوب إليه ، وليس بواجب لازم ، وقد يعدل الانبياء
عليهم السلام عن كثير من المندوبات . انتهى كلامه رفع الله مقامه . ( 2 )
أقول : قد حققنا في بعض كتبنا أن محبة المقربين لاولادهم وأقربائهم وأحبائهم
ليست من جهة الدواعي النفسانية والهشوات البشرية ، بل تجردوا عن جميع ذلك ، و
أخلصوا حبهم وودهم وإرادتهم لله ، فهم ما يحبون سوى الله تعالى ، وحبهم لغيره تعالى إنما
يرجع إلى حبهم له ، ولذا لم يحب يعقوب عليه السلام من سائر أولاده مثل ما أحب يوسف عليه السلام
وهم لجهلهم بسبب حبه له نسبوه إلى الضلال وقالوا : نحن عصبة ونحن أحق بأن نكون
محبوبين له ، لانا أقوياء على تمشية ما يريده من امور الدنيا ، ففرط حبه ليوسف إنما
كان لحب الله تعالى له واصطفائه إياه ، ومحبوب المحبوب محبوب ، فإفراطه في حب يوسف
لا ينافي خلوص حبه لربه ، ولا يخل بعلو قدره ومنزلته عند سيده ، ( 3 ) وسيأتي الكلام
* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا في النسخ ، وفى المصدر : وكان ما يخفيه .
( 2 ) تنزيه الانبياء : 46 - 47 . م
( 3 ) وهو وجه وجيه لولا ما تقدم من الاخبار الدالة على مؤاخذته تعالى على كثرة جزعه وبكائه . ( * )
[326]
في ذلك على وجه أبسط في محله ، وفيما أو ردته كفاية لاولي الالباب .
ثم قال رحمه الله :
مسألة : فإن قال : كيف لم يتسل يعقوب عليه السلام ويخفف عنه الحزن ما تحققه
من رؤيا ابنه يوسف ورؤيا الانبياء لا تكون إلا صادقة ؟
الجواب : قيل له : عن ذلك جوابان : أحدهما أن يوسف عليه السلام رأى تلك الرؤيا
وهو صبي غير نبي ولا موحى إليه ، فلا وجه في تلك الحال للقطع على صدقها وصحتها . و
الآخر : إن أكثر ما في هذا الباب أن يكون يعقوب عليه السلام قاطعا على بقاء ابنه وأن الامر
سيؤول فيه إلى ما تضمنته الرؤيا ، وهذا لا يوجب نفي الحزن والجزع ، لانا نعلم أن طول
المفارقة واستمرار الغيبة تقتضيان الحزن مع القطع على أن المفارق باق يجوز أن يؤول حاله
إلى القدوم ، وقد جزع الانبياء عليهم السلام ومن جرى مجراهم من المؤمنين المطهرين من مفارقة
أولادهم وأحبائهم مع ثقتهم بالالتقاء بهم في الآخرة والحصول معهم في الجنة ، والوجه في
ذلك ما ذكرناه . انتهى كلامه رحمه الله . ( 1 )
الفصل الثاني في تأويل قوله تعالى : " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان
ربه " ولنذكر هنا ما أورده الرازي في تفسيره في هذا المقام فإن اعتراف الخصم أجدى
لاتمام المرام :
قال : اعلم أن هذه الآية من المهمات التي يجب الاعتناء بالبحث عنها ، وفي هذه
الآية مسائل .
المسألة الاولى في أنه عليه السلام هل صدر عنه ذنب أم لا ؟ وفي هذه المسألة قولان :
أحدهما أن يوسف عليه السلام هم بالفاحشة ، قال الواحدي في كتاب البسيط : قال المفسرون
الموثوق بعلمهم المرجوع إلى روايتهم : هم يوسف أيضا بهذه المرأة هما صحيحا ، وجلس
منها مجلس الرجل من المرأة ، فلما رأى البرهان من ربه زالت كل شهوة عنه . قال
أبوجعفر الباقر بإسناده عن علي إنه قال : طمعت فيه وطمع فيها ، وكان طمعه
* ( هامش ) * ( 1 ) تنزيه الانبياء : 47 . م ( * )
[327]
فيها أنه هم أن يحل التكة . ( 1 ) وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : حل الهميان ( 2 )
وجلس منها مجلس الخائن ، وعنه أيضا أنها استلقت له وقعد هو بين رجليها ينزع ثيابه .
ثم إن الواحدي طول في كلمات عديمة الفائدة في هذا الباب ، وما ذكر آية يحتج بها ،
أو حديثا ( 3 ) صحيحا يعول عليه في تصحيح هذه المقالة ، ولما أمعن في الكلمات العارية عن
الفائدة روى أن يوسف لما قال : " ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب " قال له جبرئيل : ولا
حين هممت يا يوسف ؟ فقال يوسف عند ذلك : " وما ابرئ نفسي " ثم قال : والذين أثبتوا
هذا العمل ليوسف كانوا أعرف بحقوق الانبياء و ارتفاع منازلهم عند الله من الذين نفوا
لهم عنه ! ( 4 ) فهذا خلاصة كلامه في هذا الباب .
والقول الثاني أن يوسف عليه السلام كان بريئا من العمل الباطل والهم المحرم ، وهذا
قول المحققين من المفسرين والمتكلمين وبه نقول وعنه نذب .
واعلم أن الدلائل الدالة على وجوب عصمة الانبياء عليهم السلام كثيرة استقصيناها في
سورة البقرة في قصة آدم عليه السلام فلا نعيدها إلا أنا نزيد ههنا وجوها :
فالحجة الاولى : إن الزنا من منكرات الكبائر ، والخيانة من معرض الامانة من
منكرات الذنوب ، وأيضا مقابلة الاحسان العظيم الدائم بالاساءة الموجبة للفضيحة الباقية
والعار الشديد من منكرات الذنوب ، وأيضا الصبي إذا تربى في حجر إنسان وبقي مكفي
المؤونة مصون العرض من أول صباه إلى زمان شبابه وكمال قوته فإقدام هذا الصبي على
* ( هامش ) * ( 1 ) والخبر كغيره من الاحاد التى لا يوجب علما ولا عملا وهو مخالف لاصول الشيعة بل لظاهر
الكتاب ، فلو كان ورد بطريق صحيح لكان وجب حمله أو طرحه فكيف وهو مرسل ورد من غير
طريقنا .
( 2 ) الهميان : شداد السراويل أو التكة .
( 3 ) في المصدر : ولا حديث .
( 4 ) انظر كيف عرفوا حقوق الانبياء وارتفاع منازلهم عند الله وهم نسبوهم إلى ما لاينسب إليه آحاد
الامة ، وما لا يفعله الا الفساق من الرعية ، وهل يبقى لو ثبتت تلك النسب مجال لدعوى وجوب اتباعهم
والوثوق باقوالهم وقبول شهاداتهم ؟ وهل يجب نهيهم عنها واقامة الحدود عليهم ؟ وفي اثبات ذلك
العمل وامثاله لهم محاذير عظيمة ذكرها المصنف في باب عصمة الانبياء ، ويذكر بعضها الرازى
بعد ذلك . ( * )
[328]
إيصال أقبح أنواع الاساءة إلى ذلك المنعم من منكرات الاعمال .
إذا ثبت هذا فنقول : إن هذه المعصية التي نسبوها إلى يوسف كانت موصوفة بجميع
هذه الجهات الاربعة ، ومثل هذه المعصية لو نسبت إلى أفسق خلق الله وأبعدهم عن كل خير
لاستنكف منه ، فكيف يجوز إسناده إلى الرسول المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة ؟
الثاني أنه تعالى قال في عين هذه الواقعة : " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء " وذلك
يدل على أن ماهية السوء وماهيه الفحشاء مصروفة عنه ، ولا شك أن المعصية التي نسبوها
إليه أعظم أنواع السوء وأفحش أقسام الفحشاء ، فكيف يليق برب العالمين أن يشهد في عين هذه
الواقعة بكونه بريئا من السوء والفحشاء مع أنه كان قد أتى بأعظم أنواع السوء والفحشاء ؟ !
وأيضا فالآية تدل على قولنا من وجه آخر : وذلك لانا نقول : هب إن هذه الآية لا تدل
على نفي هذه المعصية عنه إلا أنه لاشك أنها تفيد المدح العظيم والثناء البالغ ولا يليق
بحكمة الله تعالى أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية عظيمة ثم إنه يمدحه ويثني عليه
بأعظم المدائح والاثنية عقيب أن يحكي عنه ذلك الذنب العظيم ، فإن مثاله ما إذا حكى
السلطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب وأفحش الاعمال ثم يذكره بالمدح العظيم والثناء
البالغ عقيبه ، فإن ذلك يستنكر جدا فكذا ههنا .
الثالث : أن الانبياء متى صدرت عنهم زلة أوهفوة ( 1 ) استعظموا ذلك وأتبعوها
بإظهار الندامة والتوبة والتواضع ، ولو كان يوسف أقدم ههنا على هذه الكبيرة المنكرة
لكان من المحال أن لا يتبعها بالتوبة والاستغفار ، ولوأتى بالتوبة لحكى الله عنه إتيانه بها
كما في سائر المواضع ، وحيث لم يوجد شئ من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة
ذنب ولا معصية .
الرابع : أن كل من كان له تعلق بتلك الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف عليه السلام عن
المعصية .
واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة : يوسف ، وتلك المرأة ، وزوجها ، والنسوة ،
والشهود ، ورب العالمين شهد ببراءته عن الذنب ، وإبليس أيضا أقر ببراءته عن المعصية ،
* ( هامش ) * ( 1 ) الهفوة : السقطة والزلة . ( * )
[329]
وإذا كان الامر كذلك فحينئذ لم يبق للمسلم توقف في هذا الباب . أما بيان أن يوسف
عليه السلام ادعي البراءة عن الذنب فهو قوله عليه السلام : " هي راودتني عن نفسي " وقوله
عليه السلام " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه " ( 1 ) وأما بيان أن المرأة اعترفت
بذلك فلانها قالت للنسوة : " ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " وأيضا قالت : " الآن حصحص
الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين " وأما بيان أن زوج المرأة أقر بذلك فهو
قوله : " إنه من كيد كن إن كيد كن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك "
وأما النسوة فلقولهن : " امرأة العزيز تراودفتها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في
ضلال مبين " وقولهن : " حاش لله ما علمنا عليه من سوء ( 2 ) " وأما الشهود فقوله تعالى :
" وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل " إلى آخر الآية ; وأما شهادة الله بذلك فقوله :
" وكذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " فقد شهد الله تعالى في هذه
الآية على طهارته أربع مرات : أولها قوله : " لنصرف عنه السوء " واللام للتأكيد والمبالغة
والثاني قوله : " الفحشاء " أي كذلك لنصرف عنه الفحشاء ، والثالث قوله : " إنه من
عبادنا " مع أنه تعالى قال : " وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاما " الرابع قوله : " المخلصين " وفيه قراءتان : تارة باسم الفاعل ،
وتارة باسم المفعول ، فوروده باسم الفاعل دل على كونه آتيا بالطاعات والقربات مع صفة
الاخلاص ، ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه واصطفاه لحضرته ،
وعلى كلا الوجهين فإنه من أدل الالفاط على كونه منزها مما أضافوه إليه ، ( 3 ) وأما
بيان أن إبليس أقر بطهارته فلانه قال : " فبعزتك لاغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 329 سطر 19 الى ص 337 سطر 18

* ( هامش ) ( 1 ) وقوله : " ذلك ليعلم انى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدى كيد الخائنين " وقوله : " معاذ
الله اله ربى احسن مثواى انه لا يفلح الظالمون " وقوله : " ان ربى بكيدهن عليم " .
( 2 ) المصدر خال عن اعتراف النسوة بالبراءة . م
( 3 ) وأيضا قال الله تعالى : " ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين "
ففيه شهادة الله أنه كان من المحسنين ، وقوله تعالى : " ثم بدالهم من بعد مارأوا الايات ليسجننه
حتى حين " أى بعد مارأوا آيات تدل على براءته ونزاهة ساحته مما نسبت إليه ، وقوله تعالى :
" ولا نضيع أجر المحسنين " . ( * )
[330]
المخلصين " فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين ويوسف من المخلصين لقوله تعالى : " إنه
من عبادنا المخلصين " وكان هذا إقرارا من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله عن طريق الهدى ،
وعند هذا نقول : هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام هذه الفضيحة إن كانوا من
أتباع دين الله فليقبلوا شهادة الله على طهارته ، وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة
إبليس على طهارته ، ولعلهم يقولون : كنا في أول الامر تلامذة إبليس إلا أنا تخرجنا
وزدنا عليه في السفاهة كما قال الحروري :
وكنت فتى من جند إبليس فارتقى * بي الامر صار إبليس من جندي
فلو مات قبلي كنت أحسن بعده * طرائق فسق ليس يحسنها بعدي
فثبت بهذه الدلائل أن يوسف عليه السلام برئ عما يقوله هؤلاء الجهال .
وإذا عرفت هذا فنقول : الكلام على ظاهر هذه الآية يقع في مقامين : المقام الاول أن
نقول : لا نسلم أن يوسف عليه السلام هم بها ، والدليل عليه أنه تعالى قال : " وهم بها لولا أن
رأى برهان ربه " وجواب لولا ههنا مقدم وهو كما يقال : قد كنت من الهالكين لو لا
اخلصك ، ( 1 ) وطعن الزجاج في هذا الجواب من وجهين :
الاول : أن تقدم جواب لولا شاذ وغير موجود في الكلام الفصيح . الثاني : أن
لو لا يجاب باللام فلو كان الامر على ما ذكرتم لقال : ولقد همت به ولهم بها ، وذكر غير
الزجاج سؤالا ثالثا وهو أنه لو لم يوجد الهم لما بقي لقوله : " لو لا أن رأى برهان ربه "
فائدة .
واعلم أن ما ذكره الزجاج بعيد لانا نسلم أن تأخير جواب لولا حسن جائز إلا
أن جوازه لا يمنع من جواز تقديم هذا الجواب ، وكيف ونقل عن سيبويه أنه قال :
إنهم يقدمون الاهم ، والذي هم بشأنه أعنى ، فكان الامر في جواز التقديم والتأخير مربوطا
بشدة الاهتمام ، فأما تعيين بعض الالفاظ بالمنع فذلك ما لا يليق بالحكمة ، وأيضا ذكر
جواب لولا باللام جائز ، أما هذا لا يدل على أن ذكره بغير اللام لايجوز ، لانا نذكر
آية اخرى تدل على فساد قول الزجاج في هذين السؤالين وهو قوله تعالى : " إن كادت لتبدي
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : لولا أن فلانا خلصك . م ( * )
[331]
به لو لا أن ربطنا على قلبها " .
وأما السؤال الثالث وهو أنه لو لم يوجد الهم لم يبق لقوله : " لولا أن رأى برهان
ربه " فائدة ، فنقول : بل فيه أعظم الفوائد وهو بيان أن ترك الهم بها ما كان لعدم رغبته
في النساء وعدم قدرته عليهن ، بل لاجل أن دلائل دين الله منعته عن ذلك العمل ، ثم
نقول : الذي يدل على أن جواب لولا ما ذكرناه أن لولا يستدعي جوابا وهذ المذكور
يصلح جوابا له فوجب الحكم بكونه جوابا له .
لا يقال : إنا نضمر له جوابا وترك الجواب كثير في القرآن ، فنقول : لا نزاع أنه
كثير في القرآن إلا أن الاصل أن لا يكون محذوفا ، وأيضا فالجواب إنما يحسن تركه
وحذفه إذا حصل في الملفوظ ما يدل على تعينه ، فههنا بتقدير أن يكون الجواب محذوفا فليس
في اللفظ ما يدل على تعيين ذلك الجواب ، فإن ههنا أنواعا من الاضمارات يحسن إضمار
كل واحد منها ، وليس إضمار بعضها أولى من إضمار الباقي فظهر الفرق .
المقام الثاني في الكلام على هذه الآية أن نقول : سلمنا أن الهم قد حصل ، إلا
أنا نقول : إن قوله : " وهم بها " لا يمكن حمله على ظاهره ، لان تعليق الهم بذات
المرأة محال ، لان الهم من جنس القصد ، والقصد لا يتعلق بالذوات الباقية ، فثبت أنه لابد
من إضمار فعل مخصوص يجعل متعلق ذلك الهم ، وذلك الفعل غير مذكور ، فهم زعموا
أن ذلك المضمر هو إيقاع الفاحشة ، ونحن نضمر شيئا آخر يغاير ما ذكروه ، وبيانه
من وجوه :
الاول : المراد أنه عليه السلام هم بدفعها عن نفسه ومنعها من ذلك القبيح لان الهم
هو القصد فوجب أن يحمل في حق كل واحد على القصد الذي يليق به ، فاللائق بالمرأة
القصد إلى تحصيل اللذة والتنعم والتمتع ، واللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق القصد
إلى زجر العاصي عن معصيته وإلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقال : هممت بفلان
أي بضربه ودفعه .
فإن قالوا : فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله : " لو لا أن رأى برهان ربه " فائدة
قلنا : بل فيه أعظم الفوائد وبيانه من وجهين : الاول أنه تعالى أعلم يوسف عليه السلام أنه
[332]
لوهم بدفعها لقتلته ، أو لكانت تأمر الحاضرين بقتله ، فأعلمه تعالى أن الامتناع من ضربها
أولى صونا للنفس عن الهلاك . والثاني أنه عليه السلام لو اشتغل بدفعها عن نفسه فربما تعلقت
به فكان يتمزق ثوبه من قدام ، وكان في علم الله تعالى أن الشاهد يشهد بأن ثوبه لو
تمزق من قدام لكان يوسف هو الجاني ، ( 1 ) ولو كان ثوبه متمزقا من خلف لكانت المرأة
هي الجانية ، ( 2 ) فالله تعالى أعلمه هذا المعنى فلا جرم لم يشتغل بدفعها عن نفسه ، بل ولى
هاربا عنها حتى صارت شهادة الشاهد حجة له على براءته عن المعصية .
الوجه الثاني في الجواب : أن نفسر الهم بالشهوة ، وهذا مستعمل في اللغة الشائعة
يقول القائل فيما لا يشتهيه : ما يهمني هذا ; وفيما يشتهيه : هذا أهم الاشياء إلي ، فسمى
الله تعالى شهوة يوسف هما ، فمعنى الآية : ولقد اشتهته واشتهاها ولولا أن رأى برهان ربه
لدخل ذلك العمل في الوجود .
الثالث : أن نفسر الهم بحديث النفس ، وذلك لان المرأة الفائقة في الحسن والجمال
إذا تزينت وتهيأت للرجل الشاب القوي فلابد وأن يقع هناك بين الشهوة والحكمة
وبين النفس والعقل مجاذبات ومنازعات ، فتارة تقوى داعية الطبيعة والشهوة ، وتارة تقوى
داعية العقل والحكمة ، فالهم عبارة عن جواذب الطبيعة ، ورؤيه البرهان عبارة عن جواذب
العبودية ، ومثاله أن الرجل الصالح الصائم في الصيف الصائف إذا رأى الجلاب المبرد
بالثلج فإن طبيعته تحمله على شربه إلا أن دينه وهداه يمنعه منه ، فهذا لا يدل على
حصول الذنب ، بل كلما كانت هذه الحالة أشد كانت القوة في القيام بلوازم العبودية أكمل ،
فقد ظهر بحمد الله صحة القول الذي ذهبنا إليه ، ولم يبق في يد الواحدي إلا مجرد التصلف
وتعديد أسماء المفسرين ، ولو كان قد ذكر في تقرير ذلك شبهة لاجبنا عنها إلا أنه مازاد
على الرواية عن بعض المفسرين .
واعلم أن بعض الحشوية روى عن النبي صلى الله عليه أنه قال : ماكذب إبراهيم إلا
ثلاث كذبات ، فقلت : لاولى أن لا يقبل مثل هذه الاخبار ، فقال - على طريق الاستنكار - :
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : الخائن . م
( 2 ) في المصدر : الخائنة . م ( * )
[333]
فإن لم نقبله لزمنا تكذيب الروات ، فقلت له : يا مسكين إن قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب
إبراهيم ، وإن رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ، ولا شك أن صون إبراهيم عليه السلام عن
الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب ، إذا عرفت هذا الاصل فنقول
للواحدي : ومن الذين يضمن لنا أن الذين نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا
صادقين أم كاذبين ؟ !
المسألة الثانية في أن المراد بذلك البرهان ما هو ؟ أما المحققون المثبتون للعصمة
فقد فسروا رؤية البرهان بوجوه :
الاول : أنه حجة الله تعالى في تحريم الزنا ، والعلم بما على الزاني من
العقاب .
والثاني : أن الله تعالى طهر نفوس الانبياء عن الاخلاق الذميمة ، بل نقول : إنه
تعالى طهر نفوس المتصلين بهم عنها ، كما قال : " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا " ( 1 ) فالمراد برؤية البرهان هو حصول تلك الاخلاق وتذكير
الاحوال الرادعة لهم عن الاقدام على المنكرات .
الثالث : أنه رأى مكتوبا في سقف البيت : " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة و
مقتا وساء سبيلا " ( 2 ) .
الرابع : أنه النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش ، والدليل عليه أن الانبياء بعثوا
لمنع الخلق عن القبائح والفضائح ، فلو أنهم منعوا الناس عنها ثم أقدموا على أقبح أنواعها
وأفحش أقسامها لدخلوا تحت قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون .
كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون " ( 3 ) وأيضا إن الله تعالى عير اليهود بقوله : " أتأمرون
الناس بالبر وتنسون أنفسكم " ( 4 ) وما يكون عيبا في حق اليهود كيف ينسب إلى الرسول
المؤيد بالمعجزات ؟ !
* ( هامش ) * ( 1 ) الاحزاب : 33 .
( 2 ) الاسراء : 32 .
( 3 ) الصف : 2 و 3 .
( 4 ) البقرة : 44 . ( * )
[334]
وأما الذين نسبوا المعصية إلى يوسف عليه السلام فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان
امورا :
الاول : قالوا : إن المرأة قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت
فسترته بثوب ، فقال يوسف : ولم ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني على المعصية ،
فقال يوسف : تستحى من صنم لا يعقل ولا يسمع ، ولا أستحي من إلهي القائم على كل
نفس بما كسبت ؟ ! فوالله لا أفعل ذلك أبدا ، قالوا : فهذا هو البرهان .
الثاني : نقلوا عن ابن عباس أنه مثل له يعقوب فرآه عاضا على أصابعه ويقول له :
أتعمل عمل الفجار وأنت مكتوب في زمرة الانبياء ؟ فاستحيى منه ، قالوا : هو قول عكرمة
ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك ومقاتل وابن سيرين ، قال سعيد بن جبير :
تمثل له يعقوب فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله .
الثالث : قالوا : إنه سمع في الهواء قائلا يقول : ياابن يعقوب لا تكن كالطير يكون
له ريش فإذا زنى ذهب ريشه .
والرابع : نقلوا عن ابن عباس أن يوسف لم يزدجر برؤية صورة يعقوب حتى ركضه
جبرئيل عليه السلام فلم يبق فيه شئ من الشهوة إلا خرج .
ولما نقل الواحدي هذه الروايات تصلف ( 1 ) وقال : هذا الذي ذكرناه قول أئمة
التفسير الذين أخذوا التأويل عمن شاهد التنزيل ، فيقال له : إنك لا تأتينا البتة إلا بهذه
التصلفات التي لا فائدة فيها ، فأين الحجة والدليل ؟ وأيضا فإن ترادف الدلائل على الشئ
الواحد جائز ، وإنه عليه السلام كان ممتنعا عن الزنا بحسب الدلائل الاصلية ، فلما أنضاف إليها هذه
الزواجر قوي الانزجار وكمل الاحتراز ، والعجب أنهم نقلوا أن جروا ( 2 ) دخل تحت حجرة
رسول الله صلى الله عليه وآله وبقي هناك بغير علمه ، قالوا : فامتنع جبرئيل من الدخول عليه أربعين يوما ،
وههنا زعموا أن يوسف حال اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبرئيل ، والعجب أيضا أنهم
زعموا أنه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبرئيل ! ولو أن أفسق الخلق وأكفرهم
* ( هامش ) * ( 1 ) أى تكلف الصلف ، وهو التمدح بما ليس فيه او عنده وادعاء فوق ذلك اعجابا وتكبرا .
( 2 ) الجرو : ولد الكلب . ( * )
[335]
كان مشغولا بفاحشة فإذا دخل عليه رجل صالح على زي الصالحين استحيى منه وفر
وترك ذلك العمل ، وههنا رأى يعقوب عض على أنامله ولم يلتفت ! ثم إن جبرئيل على
جلالة قدره دخل عليه فلم يمتنع أيضا عن ذلك القبيح بسبب حضوره حتى احتاج جبرئيل
إلى أن ركضه على ظهره ! نسأل الله تعالى أن يصوننا عن العمى في الدين والخذلان في طلب
اليقين ، فهذا هو الكلام الملخص في هذه المسألة . انتهى . ( 1 )
اقول : قد عرفت أن الوجهين اللذين اختارهما أومأ الرضا عليه السلام إلى أحدهما
في خبر أبي الصلت حيث قال : وأما قوله عزوجل في يوسف : " وقد همت به وهم
بها " فإنها همت بالمعصية وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله فصرف الله عنه
قتلها والفاحشة ، وهو قوله : " كذلك لنصرف عنه السوء " يعني القتل " والفحشاء " يعني الزنا ،
وأشار إليهما معا في خبر ابن الجهم حيث قال : لقد همت به ، ولولا أن رأى برهان
ربه لهم بها كما همت ، لكنه كان معصوما والمعصوم لايهم بذنب ولا يأتيه ، ولقد حدثني
أبي ، عن أبيه الصادق عليه السلام أنه قال : همت بأن تفعل وهم بأن لا يفعل .
اقول : لا يتوهم خطاء في قصده القتل ، إذ الدفع عن العرض والاحتراز عن المعصية
لازم وإن انجر إلى القتل ، ولكن الله تعالى نهاه عند ذلك لمصلحة : إما لئلا يقتل قودا ، ( 2 )
أو لئلا يتهم بسوء كما يومئ إليهما : " كذلك لنصرف عنه السوء " أو لغير ذلك من المصالح
ويمكن أن يكون في شرعه عليه السلام قتل مريد مثل هذا الامر مجوزا ، وعلى الخبر
الاخير يمكن أن يكون المراد برؤية برهان ربه نزول جبرئيل عليه تعبيرا عن النبوة
بما يلزمه .
ثم اعلم أن الاخبار الاخر الموافقة لجماعة كثيرة من المخالفين فظاهر أنها محمولة
على التقية ، وقد اتضح ذلك من الاخبار أيضا ، وأما أخبار إلقاء الثوب فإذا لم نحملها
على التقية فليس فيها تصريح بأن ذلك وقع بعد قصد الفاحشة أو رضاه عليه السلام بما همت
* ( هامش ) * ( 1 ) مفاتيح الغيب 5 : 172 - 178 . م
( 2 ) أى بدلا منها . ( * )
[336]
به ، ولعله تعالى سبب ذلك تأييدا للعصمة وإلقاء للحجة التي يحتج بها يوسف عليه السلام
عليها كما أوما إليه الرازي أيضا .
الفصل الثالث : في معنى سجودهم له عليه السلام .
اقول : قد ذكرنا بعض مايناسب هذا المقام في باب سجود الملائكة لآدم عليه السلام
وقد أوردنا في هذا الباب الذي نحن فيه الاخبار الواردة في توجيه ذلك ، ولذكر هنا ما
ذكره الرازي في هذا المقام لكمال الايضاح ، قال : وأما قوله : " وخروا له سجدا " ففيه
إشكال ، وذلك لان يعقوب كان أبا يوسف وحق الابوة حق عظيم ، قال تعالى : " وقضى
ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " ( 1 ) فقرن حق الوالدين بحق نفسه ، وأيضا
أنه كان شيخا والشاب يجب عليه تعظيم الشيخ . والثالث : أنه كان من أكابر الانبياء ،
ويوسف وإن كان نبيا إلا أن يعقوب كان أعلى حالا منه . والرابع : أن جده واجتهاده
في تكثير الطاعات أكثر من جد يوسف ، ولما اجتمعت هذه الجهات الكثيرة فهذا يوجب أن
يبالغ يوسف في خدمة يعقوب ، فكيف استجاز يوسف أن يسجد له يعقوب ؟ هذا تقرير
السؤال . والجواب عنه من وجوه :
الاول وهو قول ابن عباس في رواية عطا : أن المراد بهذه الآية أنهم خروا له ، أي
لاجل وجدانه سجدا لله ، وحاصله أنه كان ذلك سجود الشكر ، فالمسجود له هو الله إلا
أن ذلك السجود إنما كان لاجله ، والدليل على صحة هذا التأويل أن قوله : " ورفع
أبويه على العرش وخروا له سجدا " مشعر بأنهم صعدوا ذلك السرير ثم سجدوا ، ولو
أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قبل الصعود على السرير ، لان ذلك أدخل في التواضع .
فإن قالوا : هذا التأويل لا يطابق قوله : " يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل " والمراد
منه قوله : إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " قلنا : بل
هذا مطابق له ، ويكون المراد من قوله : " والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " أي رأيتهم
ساجدين لاجلي ، أي أنها سجدت لله لطلب مصلحتي والسعي في إعلاء منصبي ، وإذا كان هذا
* ( هامش ) * ( 1 ) الاسرا : 23 . ( * )
[337]
محتملا سقط السؤال ، وعندي أن هذا التأويل متعين لانه يبعد من عقل يوسف ودينه أن
يرضى بأن يسجد له أبوه مع سابقته في حقوق الولادة والشيخوخة والعلم والدين وكمال
النبوة .
والوجه الثاني في الجواب أن يقال : إنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكرا
لنعمة وجدانه ، وهذا أيضا تأويل حسن فإنه يقال : صليت للكعبة كما يقال : صليت إلى
الكعبة .
قال حسان : ما كنت أعرف أن الامر منصرف * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعرف الناس بالآثار والسنن
وهذا يدل على أنه يجوز أن يقال : فلان صلى للقبلة ، فكذلك يجوز أن يقال :
سجد للقبلة ، فقوله : " وخروا له سجدا " أي جعلوه كالقبلة ، ثم سجدوا لله شكرا
لنعمة وجدانه .
الوجه الثالث في الجواب أن التواضع قد يسمى سجودا كقوله : ترى الاكم فيها
سجدا للحوافر . فكان المراد ههنا التواضع إلا أن هذا مشكل لانه تعالى قال : " وخروا
له سجدا " والخرور إلى السجدة مشعر بالاتيان بالسجدة على أكمل الوجوه ، واجيب
عنه بأن الخرور يعني به ( 1 ) المرور فقط ، قال تعالى : " لم يخروا عليها صما وعميانا " ( 2 )
يعني لم يمروا .
الوجه الرابع في الجواب : أن نقول : الضمير في قوله : " وخروا له " غير عائد إلى
الابوين لا محالة ، وإلا لقال : وخرا له ساجدين ، بل الضمير عائد إلى إخوته وإلى سائر


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 337 سطر 19 الى ص 345 سطر 18

من كان يدخل عليه لاجل التهنئة ، فالتقدير : ورفع أبويه على العرش ، مبالغة في تعظيمهما
وأما الاخوة وسائر الداخلين فخروا له ساجدين ، فإن قالوا : فهذا لايلائم قوله : " يا أبت
هذا تأويل رؤياي من قبل " قلنا : إن تعبير الرؤيا لا يجب أن يكون مطابقا للرؤيا بحسب
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : قد يعنى به . م
( 2 ) الفرقان : 73 . ( * )
[338]
الصورة والصفة من كل الوجوه ، فسجود الكواكب والشمس والقمر تعبيره تعظيم الاكابر
من الناس له ، ولاشك أن ذهاب يعقوب مع أولاده من كنعان إلى مصر لاجل نهاية
التعظيم له فيكفي هذا القدر في صحة الرؤيا فأما أن يكون التعبير مساويا لاصل الرؤيا
في الصفة والصورة فلم يقل بوجوبه أحد من العقلاء .
الوجه الخامس في الجواب : لعل الفعل الدال على التحية والاكرام في ذلك الوقت
هو السجود ، فكان مقصودهم من السجود تعظيمه وهو في غاية البعد لان المبالغة في
التعظيم كانت أليق بيوسف منها بيعقوب ، فلو كان الامر كما قلتم لكان من الواجب أن يسجد
يوسف ليعقوب .
الوجه السادس فيه أن يقال : لعل إخوته حملتهم الانفة والاستعلاء على أن لا
يسجدوا له على سبيل التواضع ، وعلم يعقوب أنهم لو لم يفعلوا ذلك لصار ذلك سببا لثوران
الفتن وظهور الاحقاد القديمة بعد كمونها ، فهو مع جلالة قدره وعظيم حقه بسبب الابوة
والشيخوخة والتقدم في الدين والعلم والنبوة فعل ذلك السجود حتى يصير مشاهدتهم لذلك
سببا لزوال تلك الانفة والنفرة عن قلوبهم .
ألا ترى أن السلطان الكبير إذا نصب محتسبا فإذا أراد تربيته مكنه من إقامة الحسبة
عليه ليصير ذلك سببا في أن لايبقى في قلب أحد منازعة ذلك المحتسب في إقامة الحسبة
فكذا ههنا .
الوجه السابع : لعل الله تعالى أمر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها
إلا هو ، كما أنه أمر الملائكة بسجودهم لآدم لحكمة لا يعرفها إلا هو ، ويوسف ما كان
راضيا بذلك في قلبه إلا أنه لما علم أن الله أمره بذلك سكت .
ثم حكى تعالى أن يوسف لما رأى هذه الحالة قال : " يا أبت هذا تأويل رؤياي
من قبل قد جعلها ربي حقا " وفيه بحثان :
الاول : ( 1 ) قال ابن عباس : لما رأى سجود أبويه وإخوته له هاله ذلك واقشعر
جلده منه وقال ليعقوب : " هذا تأويل رؤياي من قبل " وأقول : هذا يقوي الجواب السابع
* ( هامش ) * ( 1 ) والبحث الثانى ماتقدم من ذكر الاختلاف في مقدار المدة بين هذا الوقت وبين الرؤيا . ( * )
[339]
كأنه يقول : يا أبت لا يليق بمثلك على جلالتك من العلم والدين والنبوة أن تسجد لولدك
إلا أن هذا أمر أمرت به وتكليف كلفت به فإن رؤيا الانبياء حق ، فكما أن رؤيا
إبراهيم عليه السلام ذبح ولده صار سببا لوجوب ذلك الذبح عليه في اليقظة فكذلك صارت هذه
الرؤيا التي رآها يوسف وحكاها ليعقوب سببا لوجوب ذلك السجود عليه ، فلهذا السبب
حكى ابن عباس أن يوسف لما رأى ذلك هاله واقشعر منه جلده ، ولكنه لم يقل
شيئا .
وأقول : لا يبعد أن يكون ذلك من تمام تشديد الله تعالى على يعقوب ، كأنه قيل
له : أنت كنت دائم الرغبة في وصاله ، دائم الحزن بسب فراقه ، فإذا وجدته فاسجد له ،
فكان الامر بتلك السجدة من تمام التشديد والله العالم بحقائق الامور . ( 1 )
انتهى ما أردنا إيراده من كلامه ، ولا نشتغل برد ما حققه وقبوله لئلا يطول الكلام
وإنما أوردنا كلامه بطوله ليتضح لك ما صدر عنهم عليهم السلام في الاخبار السالفة لتوجيه ذلك ،
ولعلك لاتحتاج بعد ذلك إلى مزيد إيضاح وبيان ; ومن الله التوفيق وعليه التكلان .
( باب 10 )
* ( قصص ايوب عليه السلام ) *
الايات ، الانبياء " 21 " وأيوب إذنادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين *
فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه وأهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين
83 - 84 .
ص " 38 " واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب *
اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى
لاولي الالباب * وخذ بيدك ضغثا فاضرب ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه
أواب 41 - 44 .
* ( هامش ) * ( 1 ) مفاتيح الغيب 5 : 244 - 247 . م ( * )
[340]
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : " وأيوب " أي واذكر أيوب حين دعا ربه لما اشتدت
المحنة به " أني مسني الضر " أي نالني الضر وأصابني الجهد " وأنت أرحم الراحمين " وهذا
تعريض منه بالدعاء لازالة ما به من البلاء . ( 1 )
" بنصب وعذاب " أي بتعب ومكروه ومشقة ; وقيل : بوسوسة فيقول له : طال مرضك
ولا يرحمك ربك ; وقيل : بأن يذكره ما كان فيه من نعم الله تعالى وكيف زال ذلك كله
طمعا أن يزله بذلك فوجده صابرا مسلما لامر الله ; وقيل : إنه اشتد مرضه حتى تجنبه
الناس فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه ويخرجوه من بينهم ولا يتركوا امرأته
التي تخدمه أن تدخل عليهم ، فكان أيوب يتأذى بذلك ويتألم منه ، ولم يشك الالم الذي كان
من أمر الله ; قال قتادة : دام ذلك سبع سنين ، وروي ذلك عن أبي عبدالله عليه السلام " اركض برجلك "
أي ادفع برجلك الارض " هذا مغتسل بارد وشراب " وفي الكلام حذف أي فركض برجله
فنبعت بركضته عين ماء ; وقيل : نبعت عينان فاغتسل من إحداهما فبرئ ، وشرب من الاخرى
فروي ; والمغتسل : الموضع الذي يغتسل فيه ; وقيل : هواسم للماء الذي يغتسل به " وخذ
بيدك ضغثا " وهو ملء الكف من الشماريخ وماأشبه ذلك ، أي وقلنا له ذلك ، وذلك أنه
حلف على امرأته لامر أنكره من قولها إن هو في ليضربنها مائة جلدة ، فقيل له : خذ
ضغثا بعدد ما حلفت " فاضرب به " أي واضربها به دفعة واحدة ، فإنك إذا فعلت ذلك برت
يمينك " ولا تحنث " في يمينك .
وروي عن ابن عباس أنه قال : كان السبب في ذلك أن إبليس لقيها في صورة طبيب
فدعته إلى مداواة أيوب ، فقال : اداويه على أنه إذا برئ قال : أنت شفيتني ، لا اريد جزاء
سواه ، قالت : نعم ، فأشارت إلى أيوب بذلك ، فحلف ليضربنها ; وقيل : إنها كانت ذهبت
في حاجة فأبطأت في الرجوع فضاق صدر المريض فحلف " إنه أواب " أي رجاع إلى الله ،
منقطع إليه .
وروى العياشي بإسناده أن عباد المكي قال : قال لي سفيان الثوري : إني أرى
لك من أبي عبدالله منزلة فاسأله عن رجل زنى وهو مريض فإن اقيم عليه الحد خافوا أن يموت
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 7 : 59 . م ( * )
[341]
ما يقول فيه ، فسألته فقال لي : هذه المسألة من تلقاء نفسك أو أمرك بها إنسان ؟ فقلت :
إن سفيان الثوري أمرني أن أسألك عنها ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله اتي برجل أحبن
قد استسقى بطنه ، وبدت عروق فخذيه ، وقد زنى بامرأة مريضة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فأتي
بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه به ضربة وخلى سبيلهما ، وذلك قوله : " وخذ بيدك ضغثا
فاضرب به ولا تحنث " انتهى . ( 1 )
اقول : روى الصدوق في الفقيه بسنده الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن حنان
ابن سدير ، عن عباد الملكي مثله . ( 2 ) والحبن محركة : داء في البطن يعظم منه ويرم .
1 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن عثمان النوا ، عمن
ذكره ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : إن الله عزوجل يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل
ميتة ، ولا يبتليه بذهاب عقله ، أما ترى أيوب كيف سلط إبليس على ماله وعلى ولده و
على أهله وعلى كل شئ منه ولم يسلط على عقله ، ترك له ليوحد الله به .
عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان مثله . ( 3 )
2 - كا : حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي
عن أبان بن عثمان ، عن عبدالاعلى مولى آل سام قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : تؤتى
بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها ، فتقول : يا رب حسنت خلقي حتى
لقيت مالقيت ، فيجاء بمريم عليها السلام فيقال : أنت أحسن أو هذه ؟ قد حسناها فلم تفتتن ،
ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه ، فيقول : يا رب حسنت خلقي حتى لقيت
من النساء مالقيت ; فيجاء بيوسف ويقال : أنت أحسن أو هذا ؟ قد حسناه فلم يفتتن ، و
يجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول : يارب شددت علي البلاء
حتى افتتنت فيؤتى بأيوب فيقال : أبليتك أشد أو بلية هذا ؟ فقد ابتلي فلم يفتتن . ( 4 )
3 - فس : أبي ، عن ابن فضال ، عن عبدالله بن بحر ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 8 : 478 . م
( 2 ) من لا يحضره الفقيه : 473 . م
( 3 ) فروع الكافى 1 : 31 . وفيه : ترك ما يوحد الله عزوجل به . م
( 4 ) روضة الكافى : 228 - 229 . م ( * )
[342]
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن بلية أيوب عليه السلام التي ابتلي بها في الدنيا لاي علة
كانت ؟ قال : لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا وأدى شكرها ، وكان في ذلك الزمان لا يحجب
إبليس عن دون العرش ، ( 1 ) فلما صعد ورأى شكر نعمة أيوب حسده إبليس فقال : يارب
إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة ( 2 ) إلا بما أعطيته من الدنيا ، ولو حرمته دنياه
ما أدى إليك شكر نعمة أبدا ، فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي إليك شكر
نعمة أبدا ، فقيل له : قد سلطتك على ماله وولده ، قال : فانحدر إبليس فلم يبق له ( 3 ) مالا
ولا ولدا إلا أعطبه ، ( 4 ) فازداد أيوب لله شكرا وحمدا ، فقال : فسلطني على زرعه يارب ،
قال : قد فعلت ، فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق ، فازداد أيوب لله شكرا وحمدا ، فقال :
يارب سلطني على غنمه ، فسلطه على غنمه فأهلكها فازداد أيوب لله شكرا وحمدا ، فقال :
يارب سلطني على بدنه ، فسلطه على بدنه ماخلا عقله وعينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة
من قرنه إلى قدمه ، فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود ، و
كانت تخرج من بدنه ( 5 ) فيردها ويقول لها : ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه ، ونتن
حتى أخرجه أهل القرية من القرية وألقوه على المزبلة ( 6 ) خارج القرية ، وكانت امرأته
رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن ( 7 ) إسحاق بن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهم وعليها تتصدق
من الناس وتأتيه بما تجده .
قال : فلما طال عليه البلاء ورأى إبليس صبره أتى أصحابا له كانوا رهبانا في
الجبال وقال لهم : مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته ، فركبوا بغالا شهبا
وجاؤوا ، فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه ، فقرنوا بعضا إلى بعض ( 8 ) ثم مشوا
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : من دون العرش . م
( 2 ) في نسخة : شكر هذه النعم .
( 3 ) في نسخة : أعنى أيوب .
( 4 ) أى أهلكه .
( 5 ) في نسخة : فكانت ترخج من بدنه .
( 6 ) في نسخة : حتى أخرجوه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة .
( 7 ) في نسخة : رحمة بنت افرائيم بن يوسف بن يعقوب ، وهو الاظهر .
( 8 ) في نسخة : فقربوا بعضا إلى بعض . ( * )
[343]
إليه ، وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه فقالوا : يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل
الله كان يهلكنا إذا سألناه وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يتبل به أحد إلا من أمر كنت
تستره ، فقال أيوب : وعزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاما إلا ويتيم أوضعيف يأكل معي ،
وما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله إلا أخذت بأشدهما على بدني ، فقال الشاب : سوأة لكم
عمدتم إلى نبي الله فعيرتموه حتى أظره من عبادة ربه ( 1 ) ما كان يسترها ؟ فقال أيوب :
يارب لو جلست مجلس الحكم منك لادليت بحجتي ، فبعث الله إليه غمامة فقال : يا أيوب
أدلني بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم ( 2 ) وها أناذا قريب ولم أزل ، فقال : يارب إنك
لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي ، ألم
أحمدك ؟ ألم أشكرك ؟ ألن اسبحك ؟ قال : فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان : يا أيوب
من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون ؟ وتحمده وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون ؟
أتمن على الله بما لله المن فيه عليك ؟ . ( 3 )
قال : فأخذ أيوب التراب فوضعه في فيه ، ثم قال : لك العتبى يارب أنت
الذي فعلت ذلك بي ، قال : فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله
بذلك الماء ، فعاد أحسن ما كان وأطرأ ، وأنبت الله عليه روضة خضراء ، ورد عليه أهله وماله
وولده وزرعه ، وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه ، فأقبلت امرأته ومعها الكسر ( 4 ) فلما
انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغير وإذا رجلان جالسان ، فبكت وصاحت وقالت : يا أيوب
مادهاك ؟ فناداها أيوب فأقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله شكرا ،
فرأى ذوائبها ( 5 ) مقطوعة ، وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ماتحمله إلى أيوب من
الطعام وكانت حسنة الذؤابة فقالوا لها : تبيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك ، فقطعتها و
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : حتى اظهر من عبادة الله .
( 2 ) في نسخة : فقد أقعدتك مقعد الخصم .
( 3 ) في نسخة : وفى المصدر : بمالله فيه المنة عليك . م
( 4 ) الكسر : الجزء من العضو . أو جزء من العظم مع ما عليه من اللحم .
( 5 ) في نسخة : فرأى ذؤابتها مقطوعة . ( * )
[344]
دفعتها إليهم ، وأخذت منهم طعاما لايوب ، فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها
أن يضربها مائة ، فأخبرته أنه كان سببه كيت وكيت ( 1 ) فاغتم أيوب من ذلك ، فأوحى
الله إليه : " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " فأخذ مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة ،
فخرج من يمينه . ( 2 )
ثم قال : " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولي الالباب "
قال : فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلية ، ورد عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم
البلاء كلهم أحياهم الله تعالى له فعاشوا معه . وسئل أيوب بعد ما عافاه الله : أي شئ كان أشد
عليك مما مر عليك ؟ قال : شماتة الاعداء ، قال فأمطر الله عليه في داره فراش الذهب وكان
يجمعه فإذا ذهب ( 3 ) الريح منه بشئ عدا خلفه فرده ، فقال له جبرئيل : ما تشبع ياأيوب ؟
قال : ومن يشبع من رزق ربه ؟ . ( 4 )
بيان : قوله : ( لعل الله يهلكنا ) أي لا يمكننا أن نسأل الله تعالى عن ذنبك لعلو
قدرك عنده تعالى ، واستعلامهم منه تعالى إما بتوسط نبي آخر أو بأنفسهم إذ كان في تلك
الازمنة يتأتى مثل ذلك لغير الانبياء أيضا كما نقل ، ويحتمل أن يكون سؤال العفو عن
ذنبه والاستغفار له . وأدلى بحجته أي احتج بها . والعتبى بالضم : الرجوع عن الذنب
والاساءة . والركض : تحريك الرجل . قولها : ( مادهاك ) أي ما أصابك من الداهية والبلاء .
والضغث بالكسر : الحزمة الصغيرة من الحشيش وغيره . ( 5 )
4 - ع : ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ،
عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنما كانت بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا
* ( هامش ) * ( 1 ) بالفتح وقد يكسر يكنى بهما عن الحديث والخبر ، ويستعملان بلا واو أيضا ، ولا يستعملان
الا مكررين .
( 2 ) في نسخة : فخرج عن يمينه .
( 3 ) في نسخة : فكان اذا ذهب .
( 4 ) تفسير القمى : 569 - 571 . م
( 5 ) والحديث يتمضن امورا لا يوافق اصول المذهب ، وسيأتى من المصنف والسيد المرتضى
الايعاز إلى ذلك ويأتى في الخبر 13 ما ينافى كل ذلك وهو الاوفق بالمذهب . ( * )
[345]
لنعمة أنعم الله بها عليه فأدى شكرها ، وكان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش
فلما سعد عمل أيوب بأداء شكر النعمة حسده إبليس فقال : يارب إن أيوب لم يؤد شكر
هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ، فلو حلت بينه وبين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة ،
فسلطني على دنياه تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة ، فقال : قد سلطتك على دنياه فلم يدع
له دنيا ولا ولدا إلا أهلك كل ذلك وهو يحمد الله عزوجل ، ثم رجع إليه فقال : يارب
إن أيوب يعلم أنك سترد إليه دنياه التي أخذتها منه ، فسلطني على بدنه حتى تعلم أنه
لا يؤدي شكر نعمة ، ( 1 ) قال عزوجل : قد سلطتك على بدنه ما عدا عينيه ( 2 ) وقلبه ولسانه و
سمعه ، فقال أبوبصير : قال أبوعبدالله عليه السلام : فانقض مبادرا خشية آن تدركه رحمة الله
عزوجل فيحول بينه وبينه فنفخ في منخريه من نارالسموم فصار جسده نقطا نقطا . ( 3 )
بيان : انقض الطائر : هوى ليقع .
5 - ع : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن عبدالله بن يحيى البصري ،
عن عبدالله بن مسكان ، عن أبي بصير قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن بلية أيوب
التي ابتلي بها في الدنيا لاية علة كانت ؟ قال : لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا فأدى شكرها ،
وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس دون العرش فلما صعد أداء شكر نعمة أيوب حسده
إبليس فقال : يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ،
ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا ، قال : فقيل له : إني قد سلطتك على ماله
وولده ، قال : فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولدا إلا أعطبه ، فلما رأى إبليس أنه
لايصل إلى شئ من أمره قال : يارب إن أيوب يعلم أنك سترد عليه دنياه التي أخذتها


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 345 سطر 19 الى ص 353 سطر 18

منه فسلطني على بدنه ، قال : فقيل له : إني قد سلطتك على بدنه ما خلا قلبه ولسانه و
عينيه وسمعه ، قال : فانحدر إبليس متعجلا مخافة أن تدركه رحمة الرب عزوجل فتحول
بينه وبين أيوب ، فلما اشتد به البلاء وكان في آخر بليه جاءه أصحابه فقالوا له : يا أيوب
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : لا يؤدى شكر نعمته .
( 2 ) في نسخة : ما عدا عينه .
( 3 ) علل الشرائع : 36 - 37 . م ( * )
[346]
ما نعلم أحدا ابتلي بمثل هذه البلية إلا لسريرة سوء ، ( 1 ) فعلك أسررت سوءا في الذي تبدي
لنا ، قال : فعند ذلك ناجى أيوب ربه عزوجل فقال : رب ابتليتني بهذه البليه وأنت
أعلم أنه لم يعرض لي أمران قط إلا ألزمت أخشنهما على بدني ، ولم آكل اكلة قط إلا
وعلى خواني يتيم ، فلو أن لي منك مقعد الخصم لادليت بحجتي ، قال فعرضت له سحابة ( 2 )
فنطق فيها ناطق فقال : يا أيوب أدل بحجتك ، قال : فشد عليه مئزره وجثا على ركبتيه ( 3 )
فقال : ابتليتني بهذه البلية وأنت تعلم أنه لم يعرض لي امران قط إلا ألزمت أخشنهما على
بدني ، ولم آكل اكلة من طعام إلا وعلى خوانى يتيم ، قال : فقيل له : يا أيوب من
حبب إليك الطاعة ؟ قال : فأخذ كفا من تراب فوضعه في فيه ( 4 ) ثم قال : أنت يارب . ( 5 )
بيان : عل ولعل لغتان بمعنى .
6 - فس : محمد بن جعفر ، عن محمد بن عيسى بن زياد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير
وغيره ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : " وآتيناه أهله ومثلهم معهم " قال أحيى الله له أهله
الذين كانوا قبل البلية ، وأحيى له أهله الذين ماتوا وهو في بلية . ( 6 )
بيان : قال الشيخ الطبرسي : قال ابن عباس وابن مسعود : رد الله سبحانه عليه أهله
الذين هلكوا بأعيانهم ، وأعطاه مثلهم معهم ، وكذلك رد الله عليه أمواله ومواشيه
بأعيانها ، وأعطاه مثلها معها ، وبه قال الحسن وقتادة وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام ;
وقيل : إنه خير أيوب فاختار إحياء أهله في الآخرة ومثلهم في الدنيا فأوتي على مااختار ،
عن عكرمة ومجاهد .
وقال وهب : كان له سبع بنات وثلاثة بنين ; وقال ابن يسار : سبعة بنين وسبع
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : الاسريرة شر .
( 2 ) في نسخة : تعرضت له سحابة .
( 3 ) أى قام على ركبتيه أو قام على اطراف أصابعه .
( 4 ) في نسخة : فوضعه على رأسه .
( 5 ) علل الشرائع : 37 . والظاهر أن روايات أبى بصير متحدة وان رويت مفصلا ومختصرا .
( 6 ) تفسير القمى : 570 وفيه : ما توا قبل البلية الخ . م ( * )
[347]
بنات انتهى . ( 1 ) وقال البيضاوي : بأن ولد له ضعف ما كان ، أو أحيي ولده وولد له منهم
نوافل انتهى . ( 2 ) وروى بعض المفسرين عن ابن عباس أن الله تعالى رد على المرأة شبابها
فولدت له ستة وعشرين ذكرا ، وكان له سبعة بنين وسبع بنات أحياهم الله له بأعيانهم .
7 - كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن
سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن
أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : " وآتيناه أهله ومثلهم معهم " قلت : ولده كيف أوتي
مثلهم معهم ؟ قال : احيي له من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا
يومئذ . ( 3 )
8 - ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الوشاء ، عن درست قال : قال أبوعبدالله
عليه السلام : إن أيوب ابتلي من غير ذنب . ( 4 )
9 - ع : بهذا الاسناد عن الوشاء ، عن فضل الاشعري ، عن الحسين بن مختار ،
عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ابتلي أيوب سبع سنين بلا ذنب . ( 5 )
ل : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الوشاء مثله . ( 6 )
بيان : ما دلت عليه الرواية من كون مدة ابتلائه عليه السلام سبع سنين هو المعتمد ،
وقال البيضاوي : ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أوسبعا وسبعة أشهر وسبع ساعات ( 7 ) .
10 - ع : بهذا الاسناد عن فضل الاشعري ، عن الحسن بن الربيع ، عمن ذكره ،
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى ابتلى أيوب عليه السلام بلا ذنب ، فصبر حتى عير
وإن الانبياء لا يصبرون على التعيير . ( 7 )
11 - دعوت الراوندى : قال النبي صلى الله عليه وآله : أوحى الله إلى أيوب عليه السلام : هل
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 7 : 59 . م
( 2 ) انوار التنزيل 2 : 34 . والنافلة : ولد الولد .
( 3 ) روضة الكافى : 252 . م
( 4 و 5 و 8 ) علل الشرائع : 37 . م
( 6 ) الخصال ج 2 : 34 - 35 . م
( 7 ) انوار التنزيل 2 : 34 . م ( * )
[348]
تدري ما ذنبك إلي حين أصابك البلاء ؟ قال : لا ، قال : إنك دخلت على فرعون فداهنت في
كلمتين . ( 1 )
12 - وعن ابن عباس أن امرأة أيوب قالت له يوما : لو دعوت الله أن يشفيك ،
فقال : ويحك كنا في النعماء سبعين عاما فهلم نصبر في الضراء مثلها ، قال : فلم يمكث بعد .
ذلك إلا يسيرا حتى عوفي . ( 2 )
13 - ل : القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ،
عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليه السلام قال : إن أيوب ابتلي سبع سنين من غير ذنب ، ( 3 ) وإن
الانبياء لا يذنبون ، لانهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا
صغيرا ولا كبيرا . وقال عليه السلام : إن أيوب من جميع ما ابتلي به ( 4 ) لم تنتن له رائحة ،
ولا قبحت له صورة ، ولا خرجت منه مدة من دم ولاقيح ، ولا استقذره أحد رآه ، ولا استوحش
منه أحد شاهده ، ولاتدود شئ من جسده ، وهكذا يصنع الله عزوجل بجميع من يبتليه
من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه ، وإنما أجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم
بماله عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرج ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : أعظم الناس بلاء
الانبياء ، ثم الامثل فالامثل ، ( 5 ) وإنما ابتلاه الله عزوجل بالبلاء العظيم الذي يهون
معه على جميع الناس لئلا يدعوا له ( 6 ) الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من
عظائم نعمه تعلاى متى شاهدوه ، وليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره
على ضربين : استحقاق واختصاص ، ولئلا يحتقروا ( 7 ) ضعيفا لضعفه ، ولا فقيرا لفقره ،
* ( هامش ) * ( 1 ) مخطوط . ويعارضه ما سبق وما يأتى من انه ابتلى بلاذنب ، مع أن الحديث في نفسه لم
يثبت حجيته لانه مرسل .
( 2 ) مخطوط . م
( 3 ) في نسخة : بغير ذنب .
( 4 ) في نسخة : إن أيوب مع جميع ما ابتلى به .
( 5 ) الامثل : الافضل .
( 6 ) في نسخة : لكيلا يدعوا .
( 7 ) في نسخة : ولكيلا يحتقروا . ( * )
[349]
ولا مريضا لمرضه ، وليعلموا أنه يسقم من يشاء ، ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي
سبب شاء ، ( 1 ) ويجعل ذلك عبرة لمن شاء ، وشقاوة لمن شاء ، وسعادة لمن شاء ، وهو عز
وجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله ، لا يفعل بعباده إلا الاصلح لهم ، ولا
قوة لهم إلا به . ( 2 )
بيان : هذا الخبر أوفق باصول متكلمي الامامية من كونهم عليه السلام منزهين عما
يوجب تنفر الطباع عنهم ، فيكون الاخبار الاخر محمولة على التقية ، موافقة للعامة فيما
رووه ، لكن إقامة الدليل على نفي ذلك عنهم مطلقا ولو بعد ثبوت نبوتهم وحجيتهم لا يخلو
من إشكال ، مع أن الاخبار الدالة على ثبوتها أكثر وأصح ( 3 ) وبالجملة للتوقف فيه
مجال .
قال السيد المرتضى قدس الله روحه في كتاب تنزيه الانبياء : فان قيل : أفتصححون
ماروي من أن الجذام أصابه حتى تساقطت أعضاؤه ؟ قلنا : أما العلل المستقذرة التي
تنفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام فلا يجوز شئ منها على الانبياء عليهم السلام لما تقدم
ذكره ، لان النفور ليس بواقف على الامور القبيحة ، بل قد يكون من الحسن والقبيح
معا ، وليس ينكر أن يكون أمراض أيوب عليه السلام وأوجاعه ومحنته في جسمه ثم في أهله
وماله بلغت مبلغا عظيما تزيد في الغم والالم على ما ينال المجذوم ، وليس ينكر تزايد الالم
فيه ، وإنما ينكر مااقتضى التنفير . ( 4 )
14 - ن : بالاسانيد الثلاثة عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي بن الحسين عليه السلام
قال : أخذ الناس ثلاثة من ثلاثة : أخذوا الصبر عن أيوب ، والشكر عن نوح ، والحسد
عن بني يعقوب . ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : بأى شئ شاء .
( 2 ) الخصال ج 2 : 34 . م
( 3 ) لكنها موافقة للعامة .
( 4 ) تنزيه الانبياء : 63 . م
( 5 ) العيون : 209 وفيه : من بنى يعقوب . م ( * )
[350]
15 - ما : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم ،
عن الحسن بن علي الزعفراني ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم
عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال أيوب النبي عليه السلام حين دعا ربه : يارب كيف ابتليتني
بهذا البلاء الذي لم تبتل به أحدا ؟ فوعزتك إنك تعلم أنه ما عرض لي أمران قط كلاهما
لك طاعة إلا عملت بأشدهما على بدني ، قال : فنودي : ومن فعل ذلك بك يا أيوب ؟ قال
فأخذ التراب فوضعه على رأسه ثم قال : أنت يا رب . ( 1 )
16 - كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن
فضالة ، عن رفاعة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن الله عزوجل لما عافى أيوب عليه السلام
نظر إلى بني إسرائيل قد ازدرعت ، فرفع طرفه إلى السماء فقال : إلهي وسيدي عبدك
أيوب المبتلى عافيته ولم يزدرع شيئا ، وهذا لبني إسرائيل زرع ، فأوحى الله عزوجل إليه
يا أيوب خذ من سبحتك كفا فابذره ، وكانت سبحته فيها ملح ، فأخذ أيوب عليه السلام كفا
منها فبذره فخرج هذا العدس ، وأنتم تسمونه الحمص ونحن نسميه العدس . ( 2 )
بيان : ( من سبحتك ) في أكثر النسخ بالحاء المهملة ، وفيه بعد إلا أن يقرأ الملح بضم
الميم جمع الاملح وهو بياض يخالطه سواد ، وفي بعضها بالخاء المعجمة وهو أظهر . ( 3 )
17 - مع : معنى أيوب من آب يؤوب وهو أنه يرجع إلى العافية والنعمة والاهل
والمال والولد بعد البلاء . ( 4 )
18 - ص : قال الصادق عليه السلام : ماسأل أيوب العافية في شئ من بلائه . ( 5 )
19 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن الحسن
ابن علي ، عن داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ذكر أيوب عليه السلام فقال : قال الله جل
جلاله : إن عبدي أيوب ما انعم عليه بنعمة إلا ازداد شكرا ، فقال الشيطان لو نصبت عليه
* ( هامش ) * ( 1 ) امالى بن الشيخ : 60 . م
( 2 ) فروع الكافى 2 : 176 . م
( 3 ) السبخة : أرض ذات نز وملح .
( 4 ) معانى الاخبار : 19 . م
( 5 ) مخطوط . م ( * )
[351]
البلاء ( 1 ) فابتليته كيف صبره ؟ فسلطه على إبله ورقيقه فلم يترك له شيئا غير غلام واحد ، فأتاه
الغلام فقال : يا أيوب ما بقي من إبلك ولا من رقيقك أحد إلا وقدمات ، فقال أيوب : الحمد لله
الذي أعطاه ، والحمد لله الذي أخذه ; فقال الشيطان : إن خيله أعجب إليه فسلط عليها فلم يبق
منها شئ إلا هلك ، فقال أيوب : الحمد لله الذي أعطى والحمد لله الذي أخذ ، وكذلك
ببقره وغنمه ومزراعه وأرضه وأهله وولده حتى مرض مرضا شديدا فأتاه أصحاب له فقالوا
يا أيوب ما كان أحد من الناس في أنفسنا ولا خير علانية خيرا عندنا منك ، فلعل هذاالشئ ( 2 )
كنت أسررته فيما بينك وبين ربك لم تطلع عليه أحدا فابتلاك الله من أجله ؟ فجزع جزعا
شديدا ودعا ربه فشفاه الله تعالى ورد عليه ما كان له من قليل أو كثير في الدنيا . قال : و
سألته عن قوله تعالى : " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة " فقال : الذين كانوا ماتوا . ( 3 )
20 - ل ، ع ، ن : في أسئلة الشامي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال يوم الاربعاء
يعني آخر الشهر ابتلى الله أيوب بذهاب ماله وولده . ( 4 )
21 - ص : بالاسناد إلى الصدوق عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن
ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما طال بلاء أيوب ورأى
إبليس صبره أتى إلى أصحاب له كانوا رهبانا في الجبال ، فقال لهم : مروا بنا إلى هذا
العبد المبتلى نسأله عن بليته ، قال : فركبوا وجاؤوه فلما قربوا منه نفرت بغالهم
فقربوها بعضا إلى بعض ثم مشوا إليه ، وكان فيهم شاب حدث فسلموا على أيوب وقعدوا
وقالوا : يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك فلا نرى تبتلي بهذا البلاء إلا لامر كنت تسره ، قال
أيوب عليه السلام : وعزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاما قط إلا ومعي يتيم أو ضعيف
يأكل معي ، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة إلا أخذت بأشدهما على بدني ، فقال
الشاب : سوءة لكم عمدتم إلى نبي الله فعنفتموه حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يستره ;
فعند ذلك دعا ربه وقال : " رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب " وقال : قيل
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : لو صببت عليه البلاء .
( 2 ) في نسخة : فلعل هذا الشئ .
( 3 ) مخطوط . م
( 4 ) الخصال ج 2 : 28 ، علل الشرائع : 199 ، عيون الاخبار : 137 . م ( * )
[352]
لايوب عليه السلام بعد ما عافاه الله تعالى : أي شئ أشد ما مر عليك ؟ قال : شماتة
الاعداء . ( 1 )
22 - ص - بهذا الاسناد عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أمطر الله
على أيوب من السماء فراشا من ذهب ، فجعل أيوب يأخذ ما كان خارجا من داره فيدخله
داره ، فقال جبرئيل عليه السلام : أما تشبع يا أيوب ؟ قال : ومن يشبع من فضل ربه . ( 2 )
23 - ص : بالاسناد عن الصدوق ، بإسناده عن وهب بن منبه إن أيوب كان في زمن
يعقوب بن إسحاق صلوات الله عليهم وكان صهرا له تحته ابنة يعقوب يقال لها إليا ، وكان
أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام ، وكانت أم أيوب ابنة لوط ، وكان لوط جد أيوب صلوات الله
عليهما أبا امه ، ولما استحكم البلاء على أيوب من كل وجه صبرت عليه امرأته ، فحسد
إبليس على ملازمتها بالخدمة ، وكانت بنت يعقوب ، فقال لها : ألست أخت يوسف
الصديق عليه السلام قالت : بلى ، قال : فما هذا الجهد ؟ وما هذه البلية التي أراكم فيها ؟ قالت :
هو الذي فعل بنا ليؤجر نابفضله علينا ، لانه أعطاه بفضله منعما ، ثم أخذه ليبتلينا ، فهل
رأيت منعما أفضل منه ؟ فعلى إعطائه نشكره ، وعلى ابتلائه نحمده ، فقد جعل لنا الحسنيين
كلتيهما ، فابتلاه ليرى صبرنا ، ولا نجد على الصبر قوة إلا بمعونته وتوفيقه ، فله الحمد
والمنة ما أولانا وأبلانا ، فقال لها : أخطأت خطاء عظيما ليس من ههنا ألح عليكم البلاء ،
وأدخل عليها شبها دفعتها كلها ، وانصرفت إلى أيوب عليه السلام مسرعة وحكت له ما قال
اللعين ، فقال أيوب : القائل إبليس ، لقد حرص على قتلي إني لاقسم بالله لاجلدنك
مائة - لم أصغيت إليه - إن شفاني الله . قال وهب : قال ابن عباس : فأحيى الله لهما
أولادهما وأموالهما ورد عليه كل شئ لهما بعينه ، وأوحى الله تعالى إليه : " وخذ بيدك
ضغثا فاضرب به ولا تحنث " فأخذ ضغثا من قضبان دقاق من شجرة يقال لها الثمام فبر به
يمينه وضربها ضربة واحدة ، وقيل : أخذ عشرة منها فضربها بها عشر مرات ، و
كان عمر أيوب ثلاثا وسبعين قبل أن يصيبها البلاء فزادها الله مثلها ثلاثا وسبعين سنة
اخرى . ( 3 )
( 1 - 3 ) مخطوط . م ( * )
[353]
بيان : قال البيضاوي : روي أن امرأته ماخير بنت ميشا بن يوسف ، أو رحمة بنت
إفرائيم بن يوسف . ( 1 )
24 - ضا : روي أن أيوب عليه السلام لما جهده البلاء قال : لاقعدن مقعد الخصم ،
فأوحى الله إليه : تكلم ، فجثا على الرماد فقال : يا رب إنك تعلم أنه ماعرض لي أمران قط
كلاهما لك رضى إلا اخترت أشدهما على بدني ، فنودي من غمامة بيضاء بستة آلاف
ألف لغة : فلمن المن ؟ فوضع الرماد على رأسه وخر ساجدا ينادي : لك المن سيدي و
مولاي ، فكشف الله ضره . ( 2 )
25 - ين : الحسن بن علي الخزاز ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سمعته يقول :
إن أيوب النبي عليه السلام قال : يا رب ما سألتك شيئا من الدنيا قط - وداخله شئ - فأقبلت
إليه سحابة حتى نادته : يا أيوب من وفقك لذلك ؟ قال : أنت يارب . ( 3 )
تذييل : قال السيد قدس سره في كتاب تنزيه الانبياء - فإن قيل - فما قولكم
في الامراض والمحن التي لحقت نبي الله أيوب عليه السلام أوليس قد نطق القرآن بأنها كانت
جزاء على ذنب في قوله : " إني مسني الشيطان بنصب وعذاب " والعذاب لا يكون إلا
جزاء كالعقاب ، والآلام الواقعة على سبيل الامتحان لا تسمى عذابا ولا عقابا أوليس قد
روى جميع المفسرين أن الله تعالى إنما عاقبه بذلك البلاء لتركه الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر وقصته مشهورة يطول شرحها :
الجواب : قلنا : أما ظاهر القرآن قليس يدل على أن أيوب عليه السلام عوقب بما
نزل به من المضار ، وليس في ظاهره شئ مما ظنه السائل لانه تعالى قال : " واذكر


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 353 سطر 19 الى ص 361 سطر 18

عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب " والنصب هو التعب ، وفيه
لغتان : فتح النون والصاد ، وضم النون وتسكين الصاد ، والتعب هو المضرة التي لا تختص
بها العقاب ، وقد تكون على سبيل الاختبار والامتحان ، فأما العذاب فهو أيضا يجري
* ( هامش ) * ( 1 ) انوار التنزيل 1 : 34 . م
( 2 ) فقه الرضا : 51 . م
( 3 ) مخطوط . م ( * )
[354]
مجرى المضار التي لايختص إطلاق ذكرها بجهة دون جهة ، ولهذا يقال للظالم المبتدي
بالظلم : إنه معذب ومضر ومولم ، وربما قيل : معاقب على سبيل المجاز ، وليس لفظة
العذاب بجارية مجرى لفظة العقاب ، لان لفظة العقاب يقتضي بظاهرها الجزاء ، لانها
من التعقيب والمعاقبة ، ولفظة العذاب ليست كذلك ، فأما إضافته ذلك إلى الشيطان وإنما
ابتلاه الله تعالى به فله وجه صحيح ، لانه لم يضف المرض والسقم إلى الشيطان وإنما
أضاف إليه ماكان يستضر من وسوسته ويتعب به من تذكيره له ما كان فيه من النعم و
العافية والرخاء ، ودعائه له إلى التضجر والتبرم ( 1 ) بما هو عليه ، ولانه كان أيضا يوسوس
إلى قومه بأن يستفذروه ويتجنبوه لما كان عليه من الامراض البشعة المنظر ويخرجوه من
بينهم ، وكل هذا ضرر من جهة اللعين إبليس .
وقد روي أن زوجته عليه السلام كانت تخدم الناس في منازلهم وتصير إليه بما يأكله و
يشربه وكان الشيطان يلقي إليهم أن داءه يعدي ، ويحسن إليهم تجنب خدمة زوجته من
حيث كانت تباشر قروحه وتمس جسده ، وهذه مضار لاشبهة فيها ، فأما قوله تعالى في سورة
الانبياء : " وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له
فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين " فلا
ظاهر لها أيضا يقتضي ما ذكروه ، لان الضر هو الضرر الذي قد يكون محنة كما يكون عقوبة
فأما ما روي في هذا الباب عن جملة المفسرين فمما لا يلتفت إلى مثله ، لان هؤلاء لا يزالون
يضيفون إلى ربهم تعالى وإلى رسله عليهم السلام كل قبيح ، ويقرفونهم ( 2 ) بكل عظيم ، وفي
روايتهم هذه السخيفة ما إذا تأمله المتأمل علم أنه موضوع باطل مصنوع ، لانهم رووا
أن الله تعالى سلط إبليس على مال أيوب عليه السلام وغنمه وأهله ، فلما أهلكهم ودمر عليهم
ورأى صبره وتماسكه قال إبليس لربه : يارب إن أيوب قد علم أنه ستخلف له ماله و
ولده فسلطني على جسده ، فقال : قد سلطتك على جسده إلا قلبه وبصره ، قال : فأتاه فنفخه
من لدن قرنه إلى قدمه فصار قرحة واحدة ، فقذف على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين و
* ( هامش ) * ( 1 ) التبرم : التضجر .
( 2 ) أقرفه : ذكره بسوء . ( * )
[355]
أشهرا يختلف الدواب في جسده إلى شرح طويل نصون كتابنا عن ذكر تفصيله ، فمن يقبل
عقله هذا الجهل والكفر كيف يوثق بروايته ؟ ومن لايعلم أن الله تعالى لايسلط إبليس على
خلقه وأن إبليس لا يقدر على أن يقرح الاجساد ولا أن يفعل الامراض كيف يعتمد
روايته ؟ فأما هذه الامراض النازلة بأيوب عليه السلام فلم يكن إلا اختبارا وامتحانا وتعريضا
للثواب بالصبر عليها والعوض العظيم النفيس في مقابلتها ، وهذه سنة الله تعالى في أصفيائه
وأوليائه ، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وآله أنه قال - وقد سئل أي الناس أشد بلاء ؟ - فقال :
الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل من الناس . فظهر من صبره على محنته وتماسكه
ما صار إلى الآن مثلا حتى روي أنه كان في خلال ذلك كله شاكرا محتسبا ناطقا بماله
فيه من المنفعة والفائدة ، وأنه ما سمعت له شكوى ولا تفوه بتضجر ولا تبرم ، فعوضه الله
تعالى مع نعيم الآخرة العظيم الدائم أن رد عليه ماله وأهله وضاعف عددهم في قوله :
" وآتيناه أهله ومثلهم معهم " وفي سورة ص : " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم " ثم مسح ما به و
شفاه وعافاه ، وأمره على ماوردت به الرواية يركض رجله الارض فظهرت عين اغتسل منها
فتساقط ما كان على جسده من الداء ، قال الله : " اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب "
والركض هو التحريك ، ومنه ركضت الدابة . انتهى كلامه أعلى الله مقامه . ( 1 )
اقول : لا أعرف وجها لهذا الانكار الفظيع والتشنيع على تلك الرواية ، ولا أعرف
فرقا بين ماصدر من أشقياء الانس بالنسبة إلى الانبياء حيث خلاهم الله مع إرادتهم بمقتضى
حكمته الكاملة ولم يمنعهم عنها وبين ما نقل من تسليط إبليس في تلك الواقعة ، والجواب
مشترك ، نعم لا يجوز أن يتسلط الشيطان على أديانهم كما دلت عليه الآيات ، وأما الابدان
فلم يقم دليل على نفي تسلطه عليها أحيانا لضرب من المصلحة ، وكيف لاوهو الذي يغري
جميع الاشرار في قتل الاخيار وإضرارهم ، وأيضا أي دليل قام على امتناع قدرة إبليس
على فعل يوجب تقريح الاجساد وحدوث الامراض ، وأي فرق بين الشياطين والانس في
ذلك ؟ نعم لو قيل بعدم ثبوت بعض الخصوصيات من جهة الاخبار لامكن ذلك لكن
الحكم بنفيها بمجرد الاستبعاد غير موجه والله يعلم .
* ( هامش ) * ( 1 ) تنزيه الانبياء : 61 - 63 . م ( * )
[356]
تكملة : قال الثعلبي في العرائس : قال وهب وكعب وغيرهما من أهل الكتاب :
كان أيوب النبي عليه السلام رجلا من الروم ، وكان رجلا طويلا عظيم الرأس ، جعد الشعر ،
حسن العينين والخلق ، قصير العنق ، غليظ الساقين والساعدين ، وكان مكتوبا على جبهته :
المبتلى الصابر ، وهو أيوب بن أموص بن رازخ ( 1 ) بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم ; ( 2 )
وكانت امه من ولد لوط بن هاران عليه السلام ، وكان الله تعالى قد اصطفاه ونبأه وبسط
عليه الدنيا ، وكانت له البثنة ( 3 ) من أرض الشام كلها سهلها وجبلها بما فيها ، وكان له
فيها من أصناف المال كله من الابل والبقر والخيل والغنم والحمر ما لا يكون للرجل أفضل
منه في العدة والكثرة ، وكان له بها خمسمائة فدان ( 4 ) يتبعها خمسمائة عبد ، لكل عبد
امرأة وولد ومال ، وتحمل آلة كل فدان أتان ، لكل أتان ولد من اثنين وثلاثة وأربعة
وخمسة وفوق ذلك ، وكان الله تعالى أعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء وكان برا تقيا رحيما
بالمساكين ، يكفل الارامل والايتام ، ويكرم الضيف ، ويبلغ ابن السبيل ، وكان شاكرا
لانعم الله تعالى ، مؤديا لحق الله تعالى ، قد امتنع من عدو الله إبليس أن يصييب منه ما يصيب
من أهل الغنى ( 5 ) من الغرة والغفلة والسهو والتشاغل من أمر الله تعالى ( 6 ) بما هو فيه من الدنيا
وكان معه ثلاثة قد آمنوا به وصدقوه وعرفوا فضله : رحل من أهل اليمن يقال له اليفن ،
ورجلان من أهل بلاده يقال لاحدهما بلدد ، ولآخر صافن ، ( 7 ) وكانو كهولا .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : تارخ .
( 2 ) في تاريخ اليعقوبى : هو أيوب بن أموص بن زارح بن رعوئيل بن عيصو بن اسحاق بن ابراهيم
وفى المحبر : أيوب بن زارح بن أموص بن ليفرز بن العيص بن إسحاق .
( 3 ) قال ياقوت في المعجم : البثنة بالفتح ثم السكون ونون هو اسم ناحية من نواحى دمشق ،
وهى البثنية ، وقيل : هى قرية بين دمشق وأذرعات وكان أيوب النبى عليه السلام منها .
( 4 ) الفدان : الثوران يقرن بينهما للحرث .
( 5 ) في المصدر : ماأصاب من أهل الغنى .
( 6 ) في المصدر : والتشاغل والسهو عن أمر الله .
( 7 ) في المصدر : يقال لاحدهما مالك وللاخر ظافر . ( * )
[357]
قال وهب : إن لجبرئيل عليه السلام بين يدي الله تعالى مقاما ليس لاحد من الملائكة
في القربة والفضيلة ، وإن جبرئيل هو الذي يتلقى الكلام ، فإذا ذكر الله تعالى عبدا بخير
تلقاه جبرئيل ، ثم لقاه ميكائيل وحوله الملائكة المقربون حافين من حول العرش ، ( 1 )
فإذا شاع ذلك في الملائكة المقربين شاعت الصلوات على ذلك العبد من أهل السماوات ، فإذا
صلت عليه ملائكة السماوات هبطت عليه بالصلوات إلى ملائكة الارض وكان إبليس لعنه
الله لا يحجب عن شئ من السماوات ، وكان يقف فيهن حيثما أراد ، ومن هناك وصل إلى
آدم حين أخرجه من الجنة ، فلم يزل على ذلك يصعد في السماوات حتى رفع الله تعالى
عيسى بن مريم عليه السلام فحجب من أربع ، وكان يصعد في ثلاث فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله
حجب من الثلاث الباقية فهو وجنوده محجوبون من جميع السماوات إلى يوم القيامة إلا من
استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب ، قال : فلما سمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلوات
على أيوب عليه السلام وذلك حين ذكره الله تعالى وأثنى عليه فأدركه البغي والحسد فصعد
سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه ، فقال : يا إلهي نظرت في أمر عبدك أيوب
فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك ، وعافيته فحمدك ، ثم لم تجر به بشدة وبلاء ( 2 ) و
أنا لك زعيم لئن ضربته ببلاء ليكفرن بك ولينسينك ، فقال الله تعالى : انطلق فقد سلطتك
على ماله ، فانقض عليه عدو الله حتى وقع إلى الارض ، ثم جمع عفاريت الشياطين وعظماءهم
فقال لهم : ماذا عندكم من القوة والمعرفة فإني قد سلطت على مال أيوب وهي المصيبة
الفادحة ( 3 ) والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال ؟ قال عفريت من الشياطين : أعطيت من
القوة ما إذا شئت تحولت إعصارا ( 4 ) من نار وأحرقت كل شئ آتي عليه ، فقال له إبليس
فأت الابل ورعاءها ، فانطلق يؤم الابل وذلك حين وضعت رؤوسها وثبتت في مراعيها فلم
يشعر الناس حتى ثار من تحت الارض إعصار من - نار تنفح منها أرواح السموم لا يدنو منها أحد
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ثم من حوله من الملائكة المقربين والحافين من حول العرش .
( 2 ) في المصدر : ثم لم تختبره لا بشدة ولا بلاء .
( 3 ) الفادح : الصعب المثقل .
( 4 ) الاعصار : الريح الشديدة المثيرة للغبار فيرتفع إلى السماء مستديرا كانه عمود . ( * )
[358]
إلا احترق ، فلم يزل يحرقها ورعاءها حتى أتى على آخرها ، فلما فرغ منها تمثل إبليس
براعيها ثم انطلق يؤم أيوب حتى وجده قائما يصلي ، فقال : يا أيوب ، قال : لبيك ،
قال : هل تدري ما الذي صنع ربك الذي اخترته وعبدته بإبلك ورعائها ؟ قال أيوب :
أيها إنها ماله أعارنيه وهو أولى به إذا شاء تركه ، وإن شاء نزعه ، وقديما ماوطنت نفسى
ومالي على الفناء .
فقال إبليس : فإن ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت كلها فترك الناس
مبهوتين وقوفا عليها بتعجبون منها ، منهم من يقول : ماكان أيوب يعبد شيئا وما كان إلا
في غرور ، ومنهم من يقول : لوكان إله أيوب يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه ; ( 1 )
ومنهم من يقول : بل هو الذي فعل مافعل يشمت به عدوه ويفجع به صديقه . قال أيوب : الحمد
لله حين أعطاني وحين نزع مني ، عريانا خرجت من بطن امي ، وعريانا أعود في التراب ، و
عريانا أحشر إلى الله تعالى ، ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك الله وتجزع حين قبض عاريته ،
الله أولى بك وبما أعطاك ، ولو علم الله فيك أيها العبد خيرا لقبل روحك ( 2 ) مع تلك الارواح ،
فآجرني فيك وصرت شهيدا ، ولكنه علم منك شرا فأخرك الله وخلصك من البلاء كما
يخلص الزؤان ( 3 ) من القمح الخالص ; فرجع إبليس لعنه الله إلى أصحابه خاسئا ذليلا
فقال لهم : ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلبه ؟ قال عفريت من عظمائهم : عندي من
القوة ما إذا شئت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة نفسه ، قال له إبليس
فأت الغنم ورعاءها ، فانطلق يؤم الغنم ورعاءها حتى إذا توسطها صاح صوتا تجثمت أمواتا
من عند آخرها ( 4 ) ومات رعاؤها ، ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان ( 5 ) الرعاء حتى جاء
أيوب وهو قائم يصلي فقال له القول الاول ورد عليه أيوب الرد الاول .
ثم إن إبليس رجع إلى أصحابه فقال لهم : ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : لمنع وليه من حريق مواشيه .
( 2 ) في المصدر : لنقل روحك .
( 3 ) الزؤان : ما ينبت غالبا بنى الحنطة : وحبه يشبه حبها الا انه أصغر ، واذا اكل يجلب النوم .
( 4 ) في المصدر : صاح صوتا ماتت منه الغنم جميعا . قلت : تجثم الطائر او الرجل او الحيوان
تلبد بالارض .
( 5 ) القهرمان : الوكيل أوأمين الدخل والخرج . ( * )
[359]
قلب أيوب ؟ فقال عفريت من عظمائهم : عندي من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفا
تنسف كل شئ فآتي عليه ( 1 ) حتى لا أبقي منها شيئا ، قال له إبليس : فأت الفدادين و
الحرث ، فانطلق يؤمهم وذلك حين قرنوا الفدادين وأنشؤوا في الحرث وأولادها رتوع ( 2 )
فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شئ من ذلك حتى كأنه لم يكن ، ثم
خرج إبليس متمثلا بقهرمان الحرث حتى جاء أيوب وهو قائم يصلي فقال له مثل قوله
الاول ، ورد عليه أيوب مثل رده الاول ، فجعل إبليس يصيب ماله مالا مالا حتى مر
على آخره ، كلما انتهى إليه هلاك مال من ماله حمدالله وأحسن عليه الثناء ورضي بالقضاء و
وطن نفسه للصبر على البلاء حتى لم يبق له مال ، فلما رأى إبليس أنه قد أفنى ماله
ولم ينجح منه بشئ صعد سريعا حتى وقف ( 3 ) الموقف الذي كان يقفه فقال : إلهي إن
أيوب يرى أنك ما متعته بنفسه وولده ( 4 ) فأنت معطيه المال فهل أنت مسلطي على ولده فإنها
الفتنة المضلة والمصيبة التي لا يقوم لها قلوب الرجال ، ولا يقوى عليها صبرهم ؟ فقال الله
تعالى : انطلق فقد سلطتك على ولده .
فانقض عدو الله حتى جاء بني أيوب عليه السلام وهم في قصرهم ، فلم يزل يزلزل بهم
حتى تداعى من قواعده ، ( 5 ) ثم جعل يناطح ( 6 ) جدره بعضها ببعض ويرميهم بالخشب
والجندل ( 7 ) حيت إذا مثل بهم كل مثلة رفع بهم القصر ( 8 ) وقلبه فصاروا منكبين ( 9 )
وانطلق إلى أيوب متمثلا بالمعلم الذي كان يعلمهم الحكمة وهو جريح مشدوخ الوجه
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : تأتى عليه حتى لا يبقى منه شئ .
( 2 ) الرتوع جمع الراتع : الذى يتبع بابله المراتع الخصبة .
( 3 ) في المصدر : فلما رأى ابليس انه قدافنى ماله ولم ينل منه شيئا ولا نجح في شئ من
أفعاله شق عليه ذلك وصعد سريعا ووقف .
( 4 ) في المصدر : مهما متعته من نفسه وولده .
( 5 ) أى تهادمت وتصادعت من غير أن تسقط .
( 6 ) ناطحه الثور : أصابه بقرنه .
( 7 ) الجندل : الصخر العظيم .
( 8 ) في المصدر : ثم رفع بهم القصر .
( 9 ) في المصدر : فصاروا منكسين . ( * )
[360]
يسيل دمه ودماغه وأخبره بذلك ، وقال : يا أيوب لو رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف
قلبوا ؟ فكانوا منكسين على رؤوسهم يسيل دماؤهم ودماغهم من أنوفهم وأشفارهم وأجوافهم ( 1 )
ولو رأيت كيف شقت بطونهم فتناثرت أمعاؤهم لتقطع قلبك ، فلم يزل يقول هذا ونحوه
ويرققه حتى رق أيوب عليه السلام فبكى وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه ، فاغتنم
إبليس ذلك فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به ، ثم لم يلبث أيوب أن
فاء ( 2 ) وأبصر فاستغفر ( 3 ) وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته ، فبدروا إبليس إلى الله تعالى
- وهو أعلم - فوقف ( 4 ) إبليس خاسئا ذليلا فقال : يا إلهي إنما هون على أيوب خطر المال
والولد أنه يرى أنك ما متعته بنفسه فأنت تعيد له المال والولد ، فهل أنت مسلطي على
جسده فإني لك زعيم لئن ابتليته في جسده لينسينك وليكفرن بك وليجحدن نعمتك ،
فقال الله عزوجل : انطلق فقد سلطتك على جسده ، ولكن ليس لك سلطان على لسانه
ولا على قلبه ولا على عقله ، وكان الله هو أعلم به لم يسلطه عليه إلا رحمة ليعظم له الثواب
وجعله عبرة للصابرين ، ( 5 ) وذكرى للعابدين ، في كل بلاء نزل ليأنسوا به ( 6 ) بالصبر ورجاء
الثواب .
فانقض عدو الله تعالى سريعا فوجد أيوب عليه السلام ساجدا فعجل قبل أن يرفع رأسه
فأتاه من قبل الارض في موضع وجهه ، فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده ، فرهل ( 7 )
وخرج به من فرقة إلى قدمه ثآليل مثل أليات الغنم ، ووقعت فيه حكة لا يملكها ، فحك
بأظفاره حتى سقطت كلها ، ثم حكها بالمسوح ( 8 ) الخشنة حتى قطعها ، ثم حكها بالفخار
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : وكيف قلب بهم القصر ، وكيف نكسوا على رؤوسهم تسيل دماؤهم وأدمغتهم
من انوفهم وشفاهم .
( 2 ) أى رجع وتاب .
( 3 ) في المصدر : فاستغفر وشكر .
( 4 ) في المصدر : فبادروا ابليس وسبقوه إلى الله والله أعلم بما كان ، فوقف اه .
( 5 ) في المصدر : يجعله عبرة للصابرين .
( 6 ) هكذا في الكتاب ، والصحيح كما في المصدر : ليتأسوا به .
( 7 ) في الصحاح : رهل لحمه أى اضطرب واسترخى . وفى المصدر : ذهل وهو مصحف .
( 8 ) المسح : الكساء من شعر . ( * )
[361]
والحجارة الخشنة فلم يزل يحكها حتى نغل لحمه ( 1 ) وتقطع وتغير وأنتن ، فأخرجه
أهل القرية فجعلوه على كناسة وجعلوا له عريشا ، ورفضه خلق الله كلهم غير امرأتة وهي
رحمة بنت افرائيم بن يوسف ين يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله تعالى وسلامه
على نبينا وعليهم ، وكانت تختلف إليه بما يصلحه وتلزمه ، فلما رأت الثلاثة من أصحابه
وهم يفن وبلدد وصافن ( 2 ) ما ابتلاه الله تعالى به اتهموه ورفضوه من غير أن يتركوا دينه ،
فلما طال به البلاء انطلقوا إليه وهو في بلائه فبكتوه ( 3 ) ولاموه وقالوا له : تب إلى الله عز
وجل من الذنب الذي عوقبت به .
قالا : وحضره معهم فتى حديث السن وكان قد آمن به وصدقه فقال لهم : إنكم
تكلمتم أيها الكهول وكنتم أحق بالكلام لاسنانكم ، ولكن قد تر كتم من القول أحسن
من الذي قلتم ، ومن الرأي أصوب من الذي رأيتم ، ومن الامر أجمل من الذي أتيتم ، وقد
كان لايوب عليه السلام عليكم من الحق والذمام أفضل من الذي وصفتم ، فهل تدرون أيها
الكهول حق من انتقصتم ؟ وحرمة من انهتكتم ؟ ومن الرجل الذي عبتم واتهمتم ؟ ألم
تعلموا أن أيوب نبي الله وخيرته وصفوته ( 4 ) من أهل الارض يومكم هذا ؟ ثم لم تعلموا
ولم يطلعكم الله تعالى على أنه سخط شيئا من أمره منذ أتاه ما أتاه إلى يومكم هذا ،
ولا على أنه نزع منه ( 5 ) شيئا من الكرامة التى أكرمه بها ، ولا أن أيوب فعل غير الحق
في طول ما صحبتموه إلى يومكم هذا ، فإن كان البلاء هو الذي أزرى عندكم ( 6 ) ووضعه
في أنفسكم فقد علمتم أن الله تعالى يبتلي النبيين والشهداء والصالحين ، ثم ليس بلاؤه
* ( هامش ) * ( 1 ) أى أفسد .


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 361 سطر 19 الى ص 369 سطر 18

( 2 ) في المصدر : فلما رأى أصحابه له ثلاثة ما ابتلاه الله . قلت : تقدم أن اسمهم يفن ومالك
وظافر .
( 3 ) أى عنفوه وقرعوه .
( 4 ) في المصدر : أن أيوب نبى الله وحبيبه وصفوته .
( 5 ) في المصدر : ولا علمتم انه نزع منه شيئا .
( 6 ) أزرى بالامر : تهاون . أزرى به وأزراه عابه ووضع من حقه ، . وفى المصدر : أزرى
به عندكم . ( * )
[362]
لاولئك بدليل على سخطه عليهم ولا لهوانه لهم ، ( 1 ) ولكنها كرامة وخيرة لهم ، ولو كان
أيوب ليس من الله تعالى بهذه المنزلة إلا أنه أخ آخيتموه على وجه الصحبة لكان لايجمل
يالحليم أن يعذل ( 2 ) أخاه عند البلاء ، ولا يعيره بالمصيبة ، ولايعيبه بمالا يعلم وهو مكروب
حزين ، ولكنه يرحمه ويبكي معه ويتسغفر له ويحزن لحزنه ، ويدل على مراشد أمره ،
وليس بحكيم ولا رشيد من جهل هذا ، فالله الله أيها الكهول وقد كان في عظمة الله وجلاله
وذكر الموت ما يقطع ألسنتكم ويكسر قلوبكم ، ألم تعلموا أن الله تعالى عبادا أسكتتهم
خشيته من غير عي ولا بكم ، وإنهم لهم الفصحاء والبلغاء والاولياء النبلاء الالباء ( 3 ) العالمون
بالله وبآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم ، واقشعرت جلودهم ، وانكسرت
قلوبهم وطاشت عقولهم ( 4 ) إعظاما لله وإعزازا وإجلالا فإذا استفاقوا استبقوا إلى الله تعالى
بالاعمال الزاكية يعدون أنفسهم مع الخاطئين والظالمين وإنهم لابرار ، ومع المقصرين
المفرطين ( 5 ) وإنهم لاكياس أقوياء ولكنهم لا يستكثرون لله الكثير ، ولا يرضون له
بالقليل ، ولا يدلون عليه بالاعمال ، ( 6 ) فهم مروعون خاشعون مستكينون . فقال أيوب
عليه السلام : إن الله تعالى يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير والكبير ، ( 7 ) فمتى تنبت
في القلب يظهر الله تعالى على اللسان ، وليست تكون الحكمة من قبل السن والشيبة ولا
طول التجربة ، وإذا جعل الله تعالى العبد حكيما في الصغر لم تسقط منزلته عند الحكماء
وهم يرون من الله تعالى عليه نور الكرامة .
ثم أقبل أيوب عليه السلام على الثلاثة فقال : أتيتموني غضابا ، رهبتم قبل أن تسترهبوا ،
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ثم ان بلاءهم ليس دليلا على سخطه عليهم ولاهوانهم عليه .
( 2 ) عذله : لامه .
( 3 ) في المصدر : وانهم لهم الفصحاء النبلاء البلغاء الالباء .
( 4 ) أى ذهبت عقولهم .
( 5 ) في المصدر : وإنهم برآء ويعدون انفسهم مع المفرطين المقصرين .
( 6 ) أى لا يمنون ولا يفتخرون عليه بأعمالهم .
( 7 ) في المصدر : في قلب المؤمن الكبير والصغير . ( * )
[363]
وبكيتم قبل أن تضربوا ، كيف بي ( 1 ) لو قلت لكم : تصدقوا عني بأموالكم لعل الله
تعالى أن يخلصني ؟ وقربوا عني قربانا لعل الله تعالى يتقبله ويرضى عني ؟ وإنكم قد
أعجبتكم أنفسكم وظننتم أنكم قد عوفيتم بإحسانكم فهنا لك بغيتم وتعززتم ، ولو نظرتم
فيما بينكم وبين ربكم ثم صدقتم لوجدتم لكم عيوبا سترها الله تعالى بالعافية التي
ألبسكم ، وقد كنت فيما خلا والرجال يوقرونني ( 2 ) وأنا مسموع كلامي ، معروف
حقي ، منتقم من خصمي ، ( 3 ) فأصبحت اليوم وليس لي رأي ولا كلام معكم ، فإنكم كنتم
أشد علي من مصيبتي . ( 4 )
ثم أعرض عنهم وأقبل على ربه تعالى مستغيثا به متضرعا إليه فقال : رب
لاي شئ خلقتني ؟ ليتني إذ كرهتني لم تخلقني ، ياليتني كنت حيضة ألقتني أمي ،
وياليتني عرفت الذنب الذي أذنبت والعمل الذي عملت فصرفت وجهك الكريم عني ،
لو كنت أمتني فألحقتني بآبائي فالموت كان أجمل إلي ، ( 5 ) ألم أكن للغريب دارا ؟ وللمسكين
قرارا ؟ ولليتيم وليا ؟ وللارملة قيما ؟ إلهي أنا عبد ذليل إن أحسنت فالمن لك ، وإن
أسأت فبيدك عقوبتي ، جعلتني للبلاء غرضا ، وللفتنة نصبا ، وقد وقع علي بلاء لو سلطته على
جبل ضعف عن حمله ، فكيف يحمله ضعفي ؟ إلهي تقطعت أصابعي فإني لارفع الاكلة
من الطعام بيدي جميعا فما تبلغان فمي إلا على الجهد مني ، تساقطت لهواتي ولحم رأسي ،
فما بين أذني من سداد حتى أن أحد هما يرى من الآخر ، وإن دماغي ليسيل من فمي ،
تساقط شعر عيني ، فكأنما حرق بالنار وجهي ، وحد قتاي متدليتان على خدي ، وورم
لساني حتى ملا فمي ، فما أدخل منه طعاما إلا غصني ، وورمت شفتاي حتى غطت
العليا أنفي والسفلى ذقني ، وتقطعت أمعائي في بطني ، فإني لادخله الطعام فيخرج كما
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : كيف بكم .
( 2 ) في المصدر : وقد كنتم فيما خلا الرجال توقروننى .
( 3 ) في المصدر : منتصف من خصمى .
( 4 ) في المصدر : فانتم اليوم أشد على من مصيبتى .
( 5 ) في المصدر : أجمل لى . يا الهى اه . ( * )
[364]
دخل ما أحسه ولا ينفعني ، ذهبت قوه رجلي فكأنهما قربتا ماء لاأطيق حملهما ، ذهب المال
فصرت أسأل بكفي فيطعمني من كنت أعوله اللقمة الواحدة فيمنها علي ويعيرني ، هلك
أولادي ( 1 ) ولو بقي أحد منهم أعانني على بلائي ونفعني ، وقد ملني أهلي ، وعقني أرحامي ،
وتنكرت معارفي ، ورغب عني صديقي ، وقطعني أصحابي ، وجحدت حقوقي ، ونسيت
صنائعي ، أصرخ فلا يصرخونني ، وأعتذر فلا يعذرونني ، دعوت غلامي فلم يجبني ، وتضرعت
لامتي فلم ترحمني ، وإن قضاءك هو الذي أذلني وأقمأني ، ( 2 ) وإن سلطانك هو الذي
أسقمني وانحل جسمي ، ولو أن ربي نزع الهيبة التي في صدري وأطلق لساني حتى
أتكلم بملء فمي بمكان ينبغي ( 3 ) للعبد أن يحاج عن نفسه لرجوت أن يعافيني عند
ذلك ممابي ، ولكنه ألقاني وتعالى عني ( 4 ) فهو يراني ولا أراه ، ويسمعني ولا أسمعه ،
لا نظر إلي فرحمني ، ولا دنا مني ولا أدناني فأتكلم ببراءتي وأخاصم عن نفسي .
فلما قال ذلك أيوب عليه السلام وأصحابه عنده أظله غمام حتى ظن أصحابه أنه عذاب
ثم نودي : يا أيوب إن الله عزوجل يقول لك : ها أنا قد دنوت منك ولم أزل منك
قريبا فقم فأدل بعذرك ، ( 5 ) وتكلم ببراءتك ، وخاصم عن نفسك ، واشدد إزارك ، وقم مقام
جبار فإنه لا ينبغي أن يخاصمني إلا جبار مثلي ، ولا ينبغي أن يخاصمني إلا من يجعل
الزيار ( 6 ) في فم الاسد ، والسحال في فم العنقاء ، واللجام في فم التنين ، ( 7 ) ويكيل مكيالا
من النور ، ويزن مثقالا من الريح ، ويصر صرة من الشمس ، ويرد أمس ، لقد منتك
نفسك أمرا ما تبلغ بمثل قوتك ، ولو كنت إذ منتك ذلك ودعتك إليه تذكرت أي مرام
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : الهى هلك أولادي .
( 2 ) في المصدر : أذلنى وادنانى وأهاننى وأقامنى .
( 3 ) في المصدر : ولو كان ينبغى للعبد .
( 4 ) في المصدر : وتخلى عنى .
( 5 ) أى احضره واحتج به .
( 6 ) في المصدر : الامن يجعل الزمام في فم الاسد . قلت : الزيأر : خشبتان يضغط بهما البيطار
جحفلة الفرس أى شفتيه فيذل فيتمكن من بيطرته . والسحال : اللجام .
( 7 ) التنين كسكين : حية عظيمة . ( * )
[365]
رام بك أردت أن تخاصمني بعيك ؟ أو أردت أن تحاجني بخطابك ؟ أم أردت أن تكابرني ( 1 )
بضعفك ؟ أين أنت مني يوم خلقت الارض فوضعتها على أساسها ؟ هل علمت بأي مقدرا
قدرتها ؟ أم كنت معي تمد بأطرافها ؟ ( 2 ) أم تعلم مابعد زواياها ؟ أم على أي شئ وضعت
أكنافها ؟ أبطاعتك حمل الماء الارض ؟ أم بحكمتك كانت الارض للماء غطاء أين كنت
مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء ؟ لا بعلائق سببت ، ولا تحملها دعم من تحتها ، ( 3 )
هل يبلغ من حكمتك أن تجري نورها ؟ أو تسير نجومها ؟ أو تختلف بأمرك ليلها ونهارها ؟
أين أنت مني يوم سجرت البحار ، وأنبعت الانهار ؟ أقدرتك حبست أمواج البحار على
حدودها ؟ أم قدرتك فتحت الارحام حين بلغت مدتها ؟ أين أنت مني يوم صببت
الماء على التراب ؟ ونصبت شوامخ الجبال ؟ هل لك من ذراع تطيق حملها ؟ أم هل
تدري كم من مثقال فيها ؟ ( 4 ) أم أين الماء الذي أنزلت من السماء ؟ هل تدري
ام تلد أو أب يولده ؟ أحكمتك أحصت القطر ، وقسمت الارزاق ؟ أم قدرتك تثير
السحاب وتجري الماء ؟ هل تدري ما أصوات الرعود ؟ أم من أي شئ لهب البرق ؟ وهل
رأيت عمق البحر ؟ هل تدري مابعد الهواء ؟ أم هل خزنت أرواح الاموات ؟ أم هل تدري
أين خزانة الثلج ؟ وأين خزانة البرد ؟ أم أين جبال البرد ؟ أم هل تدري أين خزانة الليل
والنهار ؟ وأين طريق النور ؟ وبأي لغة تتكلم الاشجار ؟ وأين خزانة الريح ؟ وكيف
تحبسه ؟ ومن جعل العقول في أجواف الرجال ؟ ومن شق الاسماع والابصار ؟ ومن ذلت
الملائكة لملكه وقهر الجبارين بجبروته ؟ وقسم أرزاق الدواب بحكمته ؟ من قسم للاسد
أرزاقها ؟ وعرف الطير معائشها ؟ وعطفها على أفراخها ؟ من أعتق الوحش من الخدمة ؟ و
جعل مساكنها البرية ؟ لا تستأنس بالاصوات ، ولا تهاب المسلطين ! أم من حكمتك
عطفت امهاتها عليها حتى أخرجت لها الطعام من بطونها ، وآثرتها بالعيش على نفوسها ؟
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : تكاثرنى .
( 2 ) في المصدر : تمر باطرافها .
( 3 ) في المصدر : لا معاليق تمسكها ولا تحملها دعائيم من تحتها . قلت : المعاليق جمع المعلاق :
كل مايعلق به . والدعائم جمع الدعامة : عماد البيت . الخشب المنصوب للعريش .
( 4 ) في المصدر : كم مثقال مافيها . ( * )
[366]
أم من حكمتك تبصر العقاب الصيد البعيد ، وأصبح في أماكن القتلى ؟ ( 1 )
فقال أيوب عليه السلام : قصرت عن هذا الامر الذي تعرض علي ، ليت الارض انشقت
لي فذهبت فيها ولم أتكلم بشئ يسخط ربي اجتمع علي البلاء ( 2 ) إلهي قد جعلتني لك
مثل العدو ، وقد كنت تكرمني ، وتعرف نصحي ، وقد علمت أن كل الذي ذكرت صنع
يديك وتدبير حكمتك ، وأعظم من هذا لو شئت عملت ، لا يعجزك شئ ، ولايخفى عليك
خافية ، ولا يغيب عنك غائبة ، من هذا الذي يظن أن يسر عنك سرا وأنت تعلم ما تخطر
على القلوب ؟ ( 3 ) وإنما تكلمت لتعذرني ، وسكت حين سكت لترحمني ، كلمة زلت عن
لساني فلن أعود ، وقد وضعت يدي على فمي ، وعضضت على لساني ، وألصقت بالتراب خدي
ودمست فيه وجهي لصغاري ، وسكت كما أسكتتني خطيئتي ، فاغفر لي ما قلت فلن أعود
لشئ تكرهه مني .
فقال الله تعالى : يا أيوب نفذ فيك علمي ، وسبقت رحمتي غضبي ، إذا خطئت فقد
غفرت لك ( 4 ) ورددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم لتكون لمن خلفك آية ، وتكون
عبرة لاهل البلاء ، وعزا للصابرين ، ( 5 ) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ، فيه
شفاء ، وقرب عن صحابتك قربانا ، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك . فركض برجله
فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل فأذهب الله تعالى عنه كل ما كان به من البلاء ، ثم
خرج فجلس وأقبلت امرأته فقامت تلتمسه في مضجعه فلم تجده ، فقامت مترددة
كالواله ( 6 ) ثم قالت : يا عبدالله هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان ههنا ؟ فقال لها : فهل
تعرفينه إذا رأيته ؟ قالت : نعم ، ومالي لا أعرفه ، فتبسم وقال : أنا هو ، فعرفته بمضحكه
* ( هامش ) * ( 1 ) قد أسقط المصنف من هنا قطعة يطول ذكرها فمن شاء فليراجع المصدر .
( 2 ) في المصدر : حين اجتمع على البلاء .
( 3 ) في المصدر زيادة وهى هذه وقد علمت منك في بلائى هذا مالم أكن أعلم ، وخفت أن يكون
أمر أكثر مما كنت أخاف ، انما كنت أسمع بصوتك فاما الان فهو نظر العين .
( 4 ) في المصدر : فقد غفرت لك ماقلت ورحمتك ورددت .
( 5 ) في المصدر : وعزاء للصابرين ، فاركض اه .
( 6 ) في المصدر : فقامت متكدرة كالوالهة فمرت به فقالت : يا عبدالله . ( * )
[367]
فاعتنقته . ( 1 ) وقال ابن عباس : فوالذي نفس عبدالله بيده مافارقته من عناقه حتى مر
بهما كل مال لهماوولد ( 2 ) فذلك قوله : " وأيوب إذا نادى ربه أني مسني الضر " .
واختلف العلماء في وقت ندائه ومدة بلائه والسبب الذي قال لاجله " مسني الضر "
فعن أنس بن مالك ( 3 ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " إن أيوب نبي الله لبث به بلاؤه ثماني
عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان ،
فقال أحدهما لصاحبه : والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين ، فقال له صاحبه :
وما ذاك ؟ قال : منذ ثمانية عشر سنة لم يرحمه الله ( 4 ) عزوجل فيكشف ما به ، فلما راحا
إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك ، فقال أيوب : ما أدري ما تقولان غير أن
الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله تعالى فأرجع إلى بيتي
فاكفر عنهما ، كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في حق ، قال : وكان يخرج لحاجته ،
فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ . فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحى
إلى أيوب في مكانه : أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ، فاستبطأته فتلقته تنظر
وأقبل عليها ( 5 ) وقد أذهب الله عزوجل ما به من البلاء وهو أحسن ما كان ، فلما رأته
قالت : هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ قال : إني أنا هو ، وكان له أندران : أندر للقمح
وأندر للشعير ، فبعث الله تعالى سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب
حتى فاض ، وأفرغت الاخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض . ويروى أن الله تعالى
أمطر عليه جرادا من ذهب فجعل يحثى منها في ثوبه ، ( 6 ) فناداه ربه : ألم أغنك عما
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : وكيف لا أعرفه ؟ فتبسم وقال : ها أنا هو ، فعرفته لما ضحك فاعتنقته .
( 2 ) في المصدر : كل ما كان لهما من المال والولد .
( 3 ) أسقط المصنف اسناد الحديث للاختصار ، وهو هكذا : حدثنا الامام ابوالحسين محمد بن
على بن سهل املاء في شهر ربيع الاول سنة 384 ، اخبرنا ابوطالب عمر بن الربيع بن سليمان
الخشاب بمصر ، أخبرنا يحيى بن أيوب العلاف ، أخبرنا سعيد بن أبى مريم ، أخبرنا نافع بن يزيد ، عن
عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك .
( 4 ) في المصدر : وما أدراك ؟ قال : منذ ثمانى عشرة سنة له في البلاء لم يرحمه الله .
( 5 ) في المصدر : فاستبطأته فذهبت لتنظر ما شأنه فأقبل عليها .
( 6 ) في المصدر : ولعل الصحيح : يحشى منها ثوبه أى يملاء . وفى المصدر : يحثو . ( * )
[368]
أرى ؟ قال : بلى يارب ولكن لاغنى بي ( 1 ) عن فضلك ورحمتك ، ومن يشبع من
نعمك ؟
وقال الحسن : مكث أيوب مطروحا على كناسة في مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين
وأشهرا يختلف فيه الدواب ; وقال وهب : لم يكن بأيوب اكلة إنما يخرج منه مثل
ثدي النساء ثم تتفقا ; ( 2 ) قال الحسن : ولم يبق له مال ولا ولد ولا صديق ولا أحد يقربه غير
رحمة صبرت معه تصدق ( 3 ) وتأتيه بطعام وتحمد الله تعالى معه إذا حمد ، وأيوب على ذلك
لا يفتر من ذكر الله والثناء عليه والصبر على ما ابتلاه ، فصرخ عدو الله إبليس صرخة جمع فيها
جنوده من أقطار الارض جزعا من صبر أيوب ، فلما اجتمعوا إليه قالوا : ما أحزنك ؟ قال :
أعياني هذا العبد الذي سألت الله أن يسلطني على ماله وولده ، فلم أدع له مالا ولا ولدا
فلم يزد بذلك إلا صبرا وثناء على الله تعالى ، ثم سلطت على جسده وتركته قرحة ملقاة
على كناسة بني إسرائيل لا يقربه إلا امرأته فقد افتضحت بربي فاستغثت بكم لتعينوني
عليه ، فقالوا له : أين مكرك ؟ أين علمك الذي أهلكت به من مضى ؟ قال : بطل ذلك كله
في أمر أيوب فأشيروا علي ، قالوا : نشير عليك ، أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة من أين
آتيته ؟ قال : من قبل امرأته ، قالوا : فأته من قبل امرأته فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس
أحد يقربه غيرها ، قال : أصبتم ، فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق ، فتمثل لها في صورة
رجل فقال : أين بعلك ياأمة الله ؟ قالت : هو ذلك يحك قروحه ويتردد الدواب في جسده ، فلما
سمعها طمع أن يكون كلمة جزع فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعيم والمال ،
وذكرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر وأن ذلك لاينقطع عنهم أبدا .
قال الحسن : فصرخت فلما صرخت علم أن قد جزعت فأتاه بسخلة فقال : ليذبح هذا
لي أيوب ولا يذكر عليه اسم الله عزوجل فإنه يبرء ، قال : فجاءت تصرخ : يا أيوب
حتى متى يعذبك ربك ؟ ألا يرحمك ؟ أين المال ؟ أين الماشية ؟ أين الولد ؟ أين الصديق
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : لا غنى لى .
( 2 ) أى تشقق .
( 3 ) في المصدر : غير رحمة امرأته صبرت معه تخدمه وتأتيه بطعام . ( * )
[369]
أين لونك الحسن قد تغير وصار مثل الرماد ؟ أين جسمك الحسن الذى قد بلى وتردد
فيه الدواب ؟ اذبح هذه السخلة واسترح ، قال أيوب " : أتاك عدو الله فنفخ فيك وأجبته ،
ويلك أرأيت ما كنا فيه من المال والولد والصحة ؟ من أعطانيه ؟ قالت : الله ، قال : فكم
متعنا به ؟ قالت : ثمانين سنة ، قال : فمذكم ابتلاني الله تعالى بهذا البلاء ؟ قالت : منذ
سبع سنين وأشهر ، قال : ويلك والله ما عدلت ولا أنصفت ربك ، إلا صبرت في البلاء الذي
ابتلانا الله به ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة ؟ والله لئن شفاني الله عزوجل
لاجلدنك مائة جلدة حين أمرتني أن أذبح لغير الله ، طعامك وشرابك الذي أتيتني به علي
حرام أن أذوق مما تأتيني بعد إذ قلت لي هذا ، فاعزبي عني ( 1 ) فلا أراك : فطردها فذهبت ،
فلما نظر أيوب إلى امرأته قد طردها وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق خر ساجدا
فقال : " رب إني مسني الضر " ثم رد ذلك إلى ربه فقال : " وأنت أرحم الراحمين " فقيل له :
ارفع رأسك فقد استجيب لك ، اركض برجلك ، فركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها
فلم يبق عليه من دائه شئ ظاهر إلى سقط ، ( 2 ) فأذهب الله تعالى عنه كل ألم وكل سقم
وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ماكان وأفضل ماكان ، ( 3 ) ثم ضرب برجله فنبعت عين اخرى
فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج فقام صحيحا وكسى حلة ، قال : فجعل يلتقت
فلا يرى شيئا مما كان له من أهل ومال إلا وقد أضعفه الله تعالى له فخرج حتى جلس على
مكان مشرف
ثم إن امرأتك قالت : أرأيت إن كان طردني إلى من أكله ؟ أدعه يموت جوعا و
يضيع فتأكله السباع ؟ ! لارجعن إليه ، فرجعت فلا كناسة ترى ولا تلك الحال التي


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 369 سطر 19 الى ص 377 سطر 18

كانت ، وإذا الامور تغيرت ، فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي على أيوب ، ( 4 )
قال : وهابت صاحب الحلة أن تأتيه فتسأله عنه ، فأرسل إليها أيوب فدعاها فقال : ما تريدين
* ( هامش ) * ( 1 ) عزب : بعد وغاب وخفى .
( 2 ) في المصدر : الاسقط أثره وأذهب الله .
( 3 ) في المصدر : وأفضل مما مضى ،
( 4 ) في المصدر : وتبكى وأيوب ينظرها . ( * )
[370]
يا أمة الله ؟ فبكت وقالت : أردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذا على الكناسة ، لا أدري
أضاع أم ما فعل ، ( 1 ) قال لها أيوب : ما كان منك ؟ فبكت فقالت : بعلي فهل رأيته ؟ قال :
وهل تعرفينه إذا رأيته ؟ قالت : وهل يخفى على أحد ربه ؟ ثم جعلت تنظر إليه ( 2 ) وهي
تهابه ، ثم قالت : أما إنه كان أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحا ، قال : فإني أنا أيوب
الذي أمرتني أن أذبح لابليس ، وإني أطعت الله تعالى وعصيت الشيطان ودعوت الله تعالى
فرد علي ما ترين .
وقال كعب : كان أيوب في بلائه سبع سنين ; وقال وهب : لبث أيوب في ذلك البلاء
ثلاث سنين لم يزد يوما واحدا ، فلما غلب أيوب إبليس ولم يستطع منه شيئا اعترض امرأته
في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس من مراكب
الناس له عظم وبهاء وجمال ، فقال : أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى ؟ قالت : نعم ،
قال : فهل تعرفيني ؟ قالت : لا ، قال : فأنا إله الارض ، وأنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت
وذلك أنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني ، ولو سجد لي واحدة رددت عليه وعليك كل
ماكان لكما من مال وولد فإنه عندي ، ثم أراها إياهم فيما ترى ببطن الوادي الذي
لقيها فيه ; قال وهب : وقد سمعت أنه قال : لو أن صاحبك أكل طعاما ولم يسم عليه
لعوفي مما به من البلاء ، والله أعلم ، وأراد عدو الله أن يأتيه من قبلها .
ورأيت في بعض الكتب أن إبليس لعنه الله قال لرحمة : وإن شئت فاسجدي لي سجدة
واحدة حتى أرد عليك المال والاولاد وأعافي زوجك ، فرجعت إلى أيوب عليه الصلاة و
السلام فأخبرته بما قال لها وما أرها ، قال : لقد أتاك عدو الله لنفتنك عن دينك ، ثم أقسم
إن عافاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة ، وقال عند ذلك : " مسني الضر " في طمع إبليس
في سجود رحمة له ودعائه إياها وإياي إلى الكفر ، قالوا : ثم إن الله تعالى رحم رحمة
امرأة أيوب بصبرها معه على البلاء وخفف عنها ، وأراد أن يبر يمين أيوب فأمره أن
يأخذ جماعة من الشجرة يبلغ مائة قضيب خفافا لطافا فيضربها بها ضربة واحدة ، كما قال
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : أم ماذا فعل به ؟
( 2 ) في المصدر : وهل يخفى على ؟ انها جعلت تنظر اليه . ( * )
[371]
الله تعالى : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " وقال : كانت امرأة أيوب تكتسب له
وتعمل للناس وتجيئه بقوته ، فلما طال عليها البلاء وسئمها الناس فلم يستعملها التمست له
يوما من الايام ماتطعمه فما وجدت شيئا ، فجزت قرنا من رأسها فباعته برغيف فأتته به ،
فقال لها : أين قرنك ؟ فأخبرته فقال عند ذلك : " مسني الضر " .
وقيل : إنما قال ذلك حين قصدت الدود قلبه ولسانه فخشي أن يبقى خاليا عن الذكر
والفكر ; وقيل : إنما قال ذلك حين وقعت دودة من فخذه فرفعها وردها إلى موضعها
فقال لها : قد جعلني الله طعامك ، فعضته عضة زاد ألمها على جميع ما قاسى من عض
الديدان .
وقال عبدالله بن عبيد الله بن عمير : ( 1 ) كان لايوب عليه السلام أخوان فأتياه فقاما من بعيد
لا يقدران الدنو منه من ريحه ، فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله تعالى علم في أيوب خيرا
ما ابتلاه بمانرى ، قال : فلم يسمع أيوب شيئا كان أشد عليه من هذه الكلمة ، وما جزع
من شئ أصابه جزعه من تلك الكلمة ، فعند ذلك قال : " مسني الضر " ثم قال : اللهم
إنك تعلم ( 2 ) أني لم أبت ليلة شبعان قط وأنا أعلم مكان جائع ، فصدقني ، فصدق و
هما يسمعان ، ثم قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أتخذ قميصي قط وأنا أعلم مكان
عارفصد قني ، فصدق وهما يسمعان ، فخر ساجدا . وقيل : معناه : مسني الضر من شماتة
الاعداء ، يدل عليه ما روي أنه قيل بعد ما عوفي : ما كان أشد عليك في بلائك ؟ قال :
شماتة الاعداء .
قوله تعالى : " فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة " اختلف العلماء
في كيفية ذلك ، فقال : ( 3 ) إنما أتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا ، فأما
الذين هلكوا فإنهم لم يردوا عليه في الدنيا ، وإنما وعدالله تعالى أيوب أن يؤتيه إياهم
في الآخرة . قال وهب : كان له سبع بنات وثلاثة بنين ; وقال آخرون : بل ردهم الله تعالى
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : قال عبدالله بن عمر .
( 2 ) في المصدر : اللهم ان كنت تعلم .
( 3 ) في المصدر : فقال قوم اه . ( * )
[372]
إليه بأعيانهم وأعطاه مثلهم معهم ، وهو قول ابن مسعود وابن عباس وقتادة وكعب ، قال :
أحياهم الله تعالى وآتاه مثلهم ، وهذا القول أشبه بظاهر الآية ، وذكر أن عمر أيوب عليه السلام
كان ثلاثا وتسعين سنة ، ( 1 ) وأنه أوصى عند موته إلى ابنه حومل ، وأن الله تعالى
بعث بعده ابنه بشر بن أيوب نبيا وسماه ذاالكفل ، وأمره بالدعاء إلى توحيده ، وإنه
كان مقيما بالشام عمره حتى مات ، وكان مبلغ عمره خمسا وتسعين سنة ، وإن بشرا أوصى
إلى ابنه عبدان ، وإن الله تعالى بعث بعده شعيبا نبيا . ( 2 )
بيان : البثنية بضم الباء وفتح الثاء : اسم موضع . والفدادين بالتخفيف : البقر التي
تحرث ، والواحد الفدان بالتشديد . والاعصار ريح تثير الغبار ويرتفع إلى السماء كأنه عمود .
وتنفح بالحاء المهملة : تشم . وأيها بالفتح والنصب أمر بالسكوت . والزؤان بالضم والكسر :
حب يخالط البر . والكلم : الجرح . وجثم الانسان والطائر : لزم مكانه فلم يبرح ، أو
وقع على صدره . وتداعت الحيطان للخراب أي تهادمت . قوله : ( يناطح جدره ) أي يقع
بعضها على بعض ويضرب بعضها بعضا مأخوذ من نطح البهائم . والجندل : الحجارة : ورهل
لحمه بالكسر : اضطرب واسترخى وانتفخ أوورم من غير داء . ونغل بالغين المعجمة المسكورة
أي فسل . والتبكيت : التقريع والتعنيف : والسداد بالضم داء في الانف ، وبالكسر ما
يسد به القارورة وغيرها ، وهو المراد هنا ، وأقمأه صغره وأذله . والزيار بالكسر : ما يزير
به البيطار الدابة ، أي يلوي جحفلته . والسحال ككتاب : اللجام ، أو الحديدة التي
منه تجعل في فم الدابة . ودمست الشئ : دفنته وخبأته . والاندر : البيدر ، أو كدس
القمح .
اقول : إنما أوردت هذه القصة بطولها مع عدم اعتمادي عليها ( 3 ) لكونها كالشرح
والتفصيل لبعض ما أوردته بالاسانيد المعتبرة ، فما وافقها فهو المعتمد وماخالفها فلا يعول
عليه . والله الموفق لكل خير . ( 4 )
* ( هامش ) * ( 1 ) وفى المحبر : كان عمره مائتي سنة .
( 2 ) العرائس : 96 - 103 . م
( 3 ) لانها متضمنة لما فيه غرابة جدة .
( 4 ) وأورد المسعودى في كتابه اثابت الوصية الانبياء أو الاوصياء الذين كانوا بين يوسف * ( * )
[373]
( باب 11 )
* ( قصص شعيب ) *
الايات ، الاعراف " 7 " وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من
إله غيره قد جاءتكم بينة من ربك فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم و
لا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين * ولا تقعدوا بكل
صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا
فكثر كم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين * وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت
به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين * قال الملا الذين .
استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا
قال أو لو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها
* ( هامش ) * * وشعيب عليهما السلام ، وذكرهم اجمالا مما يناسب المقام ، قال : فلما قربت وفاة يوسف عليه السلام
أوحى الله إليه : أن استودع نور الله وحكمته وجميع المواريث التى في يديك ببرز بن لاوى بن
يعقوب ، فسلم التابوت والنور والحكمة وجميع المواريث اليه ، فقام ببرزبن لاوى بن يعقوب
بامر الله عزوجل يدبره على سبيل آبائه ، فلما حضرته الوفاة أوحى الله اليه أن يستودع نور الله
وحكمته ومافى يديه ابنه احرب ، فدعاه وأوصى اليه ، فقام أحرب بن ببرزبن لاوى بامر الله
واتبعه المؤمنون ، وجرى على منهاج آبائه حتى إذا حضرته الوفاة أوحى الله اليه أن يجعل الوصية
إلى ابنه ميتاح ، فأحضره وأوصى اليه وسلم مواريث الانبياء وما في يده اليه ، فقام ميتاح بأمر
الله جل ذكره واتبعهم المؤمنون وهم الاقلون عددا في ذلك الزمان ، المستخفون من الجبار ، المتوقعون
الفرج ، فلما حضرت ميتاح الوفاة فأوحى الله اليه أن يوصى إلى ابنه عاق ، فاحضره وأوصى إليه ،
فقام عاق بأمر الله واتبعه المؤمنون على سبيل من تقدمه من آبائه . فلما حضرته الوفاة أوحى الله
اليه أن يوصى إلى ابنه خيام ، فأحضره وأوصى اليه ، وقام خيام بامر الله إلى أن حضرته الوفاة
فأوحى الله إليه أن يستودع نور الله وحكمته ابنه مادوم ، فقام مادوم بن خيام بأمر الله عزوجل إلى
أن حضرته الوفاة فأوحى الله اليه أن يوصى إلى شعيب فأحضره وأوصى اليه ، وكان شعيب من ولد
نابت بن ابراهيم ، ولم يكن من ولد اسماعيل واسحاق عليهما السلام . ( * )
[374]
وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شئ علما على الله توكلنا
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين * وقال الملا الذين كفروا من
قومه لئن اتبعتهم شعيبا إنكم إذا لخاسرون * فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم
جاثمين * الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين *
فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم
كافرين 85 - 93 .
هود " 11 " وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا
تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط * وياقوم
أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين *
بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين * وما أنا عليكم بحفيظ * قالوا يا شعيب أصلوتك
تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لانت الحليم الرشيد *
قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما اريد أن اخالفكم
إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و
إليه انيب * ويا قوم لايجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود
أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد * واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم
ودود * قالوا يا شعيب مانفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك
وما أنت علينا بعزيز * قال ياقوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا
إن ربي بما تعملون محيط * ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من
يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب * ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا
والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين *
كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما عبدت ثمود 84 - 95 .
الحجر " 15 " وإن كان أصحاب الايكة لظالمين * فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام
مبين 78 - 79 .
الشعراء " 26 " كذب أصحاب الايكة المرسلين * إذ قال لهم شعيب ألا تتقون *
[375]
إني لكم رسول أمين * فاتقو الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا
على رب العالمين * أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين * وزنوا بالقسطاس المستقيم *
ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين * واتقوا الذي خلقكم والجبلة
الاولين * قالوا إنما أنت من المسحرين * وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن
الكاذبين * فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين * قال ربي أعلم بما
تعملون * فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم * إن في ذلك
لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم 176 - 191 .
القصص " 28 " وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا علهيم آياتنا ولكنا كنا
مرسلين 45 .
العنكبوت " 29 " وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم
الآخر ولا تعثوا في الارض مفسدين * فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم
جاثمين 26 - 27 .
ق " 50 " وأصحاب الايكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد 14 .
تفسير : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " وإلى مدين " أي أهل مدين ، ( 1 ) أو هو
اسم القبيلة ، قيل : إن مدين ابن إبراهيم الخليل فنسبت القبيلة إليه ، قال عطا : هو شعيب
ابن توبة بن مدين بن إبراهيم ; وقال قتادة : هو شعيب بن نويب ، ( 2 ) وقال ابن إسحاق : هو
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : " والى مدين " اى وارسلنا إلى مدين اخاهم شعيبا . م
( 2 ) قد وقع الخلاف في نسبه بين المؤرخين ، قال اليعقوبى في تاريخه : هو شعيب بن نويب
ابن عيابن مدين بن إبراهيم . وكذا قال البغدادى في المحبر الا ان فيه : يوبب بن عيفا ، وقال
الطبرى : هو شعيب بن صيفون بن عنقابن ثابت بن مدين بن ابراهيم ، وقال : قال بعضهم : لم يكن
شعيب من ولد ابراهيم ، وإنما هو من ولد بعض من كان آمن بابراهيم واتبعه على دينه وهاجر معه إلى
الشام ، ولكنه ابن بنت لوط ، فجدة شعيب ابنة لوط . وقيل : ان اسم شعيب يترون انتهى . وقال
الثعلبى في العرائس : وهو شعيب بن صفوان بن عيفا بن نابت بن مدين ، وهو يوافق ما قد عرفت آنفا
عن المسعودى أن كان من ولد نابت بن ابراهيم ، وسيأتى قول صاحب الكامل في آخر الباب . ( * )
[376]
شعيب بن ميكيل ( 1 ) بن يشجب بن مدين بن إبراهيم ، وام ميكيل بنت لوط ، وكان يقال
له خطيب الانبيا لحسن مراجعته قومه ، وهم أصحاب الايكة ; ( 2 ) وقال قتادة : ارسل
شعيب مرتين : إلى مدين مرة ، وإلى أصحاب الايكة مرة " فأوفوا الكيل والميزان " أي
أدوا حقوق الناس على التمام في المعاملات " ولا تبخسوا الناس أشياءهم " أي لا تنقصوهم حقوقهم
" ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها " أي لا تعملوا في الارض بالمعاصي واستحلال المحارم
بعد أن أصلحها الله بالامر والنهي وبعثة الانبياء ; وقيل : لا تفسدوا بأن لا تؤمنوا فيهلك
الله الحرث والنسل " ولا تقعدوا " فيه أقوال : أحدها أنهم كانوا يقعدون على طريق من قصد
شعيبا للايمان به فيخوفونه بالقتل . وثانيها : أنهم كانوا يقطعون الطريق فنهاهم عنه .
وثالثها : أن المراد : لا تقعدوا بكل طريق من طرق الدين فتطلبون له العوج بإيراد الشبهة
" وتصدون عن سبيل الله " أي تمنعون عن دين الله " من آمن به " أي من أراد الايمان " وتبغونها "
أي السبيل " عوجا " بأن تقولوا : هو باطل " فكثركم " أي كثر عددكم ، قال ابن عباس :
وذلك أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت حتى كثر أولادها ; وقيل : جعلكم
أغنياء بعد أن كنتم فقراء " عاقبة المفسدين " أي فكروا في عواقب أمر عاد وثمود وقوم لوط
" أو لتعودن في ملتنا " لانه كان عندهم أنه كان قبل ذلك على دينهم ، فلذلك أطلقوا لفظ
العود ، وقد كان يخفي دينه فيهم ، ويحتمل أنهم أرادوا به قومه فأدخلوه معهم في الخطاب
أو يراد بالعود الابتداء مجازا " قال " أي شعيب " أو لو كنا كارهين " أي أيعبدوننا في مثلكم
ولو كنا كارهين للدخول فيها ؟ " قد افترينا " أي إن عدنا في ملتكم بأن نحل ما تحلونه
ونحرم ما تحرمونه وننسبه إلى الله تعالى بعد إذ نجانا الله منها بأن أقام الدليل وأوضح
الحق لنا فقد اختلقنا على الله كذبا فيما دعوناكم إليه .
" وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا " فيه وجوه : أحدها : أن المراد
بالملة الشريعة لا ما يرجع إلى الاعتقاد في الله سبحانه وصفاته ، وفي شريعتهم أشياء يجوز أن
* ( هامش ) * ( 1 ) في الطبرى : ميكائيل . وفى العرائس : شعيب ابن ميكائيل بن يشجر ، وقال : اسمه
بالسريانية : يترون ، وامه ميكيل ابنة لوط .
( 2 ) الايكة الغيضة ، وهى غيضة شجر قرب مدين ، وقيل : هو الشجر الملتف . ( * )
[377]
يتعبدالله بها ، فكأنه قال : ليس لنا أن نعود في ملتكم إلا أن يشاء الله أن يتعبدنا بها وينسخ
مانحن فيه من الشريعة .
وثانيها : أنه علق ما لا يكون بما علم أنه لا يكون على وجه التبعيد كما قال :
" ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " . ( 1 )
وثالثها : إلا أن يشاء الله أن يمكنكم من إكراهنا ، ويخلي بينكم وبينه فنعود
إلى إظهارها مكرهين .
ورابعها : أن تعود الهاء إلى القرية ، أي سنخرج من قريتكم ولا نعود فيها إلا
أن يشاء الله بما ينجزه لنا من الوعد في الاظهار عليكم والظفر بكم فنعود فيها .
وخامسها : أن يكون المعنى : إلا أن يشاء الله أن يرد كم إلى الحق فنكون جميعا
على ملة واحدة ، لانه لما قال حاكيا عنهم : " أولتعودن في ملتنا " كان معناه : أو لنكونن
على ملة واحدة ، فحسن أن يقول من بعد : إلا أن يشاء الله أن يجمعكم معنا على ملة واحدة
" على الله توكلنا " في الانتصار منكم وفي كل أمورنا " ربنا افتح " سؤال نم شعيب ورغبة
منه إلى الله تعالى في أن يحكم بينه وبين قومه بالحق على سبيل الانقطاع إليه ، وإن كان
من المعلوم أن الله سيفعله لا محالة ; وقيل : أي اكشف بيننا وبين قومنا وبين أننا على حق
وهذه استعجال منه للنصر " وأنت خير الفاتحين " أى الحاكمين والفاصلين " إذا لخاسرون "
أى يمنزلة من ذهب رأس ماله ; وقيل : مغبونون ; وقيل : هالكون " جاثمين " أي ميتين
ملقين على وجوههم " كأن لم يغنوا فيها " أي كأن لم يقيموا بها قط ، لان المهلك يصير
كأن لم يكن " فتولى عنهم " أي أعرض عنهم لما رأى إقبال العذاب عليهم إعراض الآيس منهم


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 377 سطر 19 الى ص 386 سطر 10

" فكيف آسى " أي أحزن " على قوم كافرين " حل العذاب بهم مع استحقاقهم له . ( 2 )
" إني أراكم بخير " أي برخص السعر والحصب ; وقيل : أراد بالخير المال وزينة
الدنيا فحذرهم الغلاء وزيادة السعر وزوال النعمة ; أو المعنى : أراكم في كثرة الاموال وسعة
الرزق فلا حاجة لكم إلى نقصان الكيل والوزن " يوم محيط " أي يوم القيامة يحيط عذابه
* ( هامش ) * ( 1 ) الاعراف : 40 .
( 2 ) مجمع البيان 4 : 447 - 450 . م ( * )
[378]
بجميع الكفار " بقيت الله خيرلكم " أي ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إتمام الكيل والوزن
خير من البخس والتطفيف ، وشرط الايمان لانهم إن كانوا مؤمنين بالله عرفوا صحة هذا
القول ; وقيل : معناه : إبقاء الله النعيم عليكم خير لكم مما يحصل من النفع بالتطفيف ; وقيل :
طاعة الله ; ( 1 ) وقيل : رزق الله " وما أنا عليكم بحفيظ " أي وما أنا بحافظ نعم الله عليكم
إن أراد أن يزيلها عنكم ، أو ما أنا بحافظ لاعمالكم إن علي إلا البلاغ " أصلوتك تأمرك "
إنما قالوا ذلك لان شعيبا كان كثير الصلاة ، وكان يقول إذا صلى : إن الصلاة رادعة عن
الشر ، ناهية عن الفحشاء والمنكر ، فقالوا : أصلاتك التي تزعم أنها تأمر بالخير وتنهى
عن الشر أمرتك بهذا ؟ ! عن ابن عباس وقيل : معناه : أدينك يأمرك بترك دين السلف ؟ كني
عن الدين بالصلاة لانها من أجل امورالدين وإنما قالوا ذلك على وجه الاستهزاء . ( 2 )
" أو أن نفعل " قال البيضاوي عطف على " ما " أي وأن نترك فعلنا ما نشاء في
أموالنا ، وهو جواب النهي عن التطفيف والامر بالايفاء ; وقيل : كان ينهاهم عن تقطيع
الدراهم والدنانير فأرادوا به ذلك " على بينة من ربي " إشارة إلى ما آتاه الله من العلم
والنبوة " ورزقني " إشارة إلى ما آتاه الله من المال الحلال ، وجواب الشرط محذوف ، تقديره :
فهل يسع لي مع هذا الانعام أن أخون في وحيه وأخالفه في أمره ونهيه " وما أريد أن
أخالفكم " أي وما اريد أن آتي ما أنهاكم عنه لاستبد به . فلو كان صوابا لآثرته ولم
أعرض عنه فضلا أن أنها كم عنه ، يقال : خالفت زيدا إلى كذا : إذا قصدته وهو مول عنه ،
وخالفته عنه إذا كان الامر بالعكس " إن أريد " أي ما أريد إلا أن اصلحكم بأمري بالمعروف
ونهيي عن المنكر مادمت أستطيع الاصلاح ، فلو وجدت الاصلاح فيما أنتم عليه لما نهيتكم
" وما توفيقي " لاصابة الحق والرشاد إلا بهدايته ومعونته . ( 3 )
* ( هامش ) * ( 1 ) وأضاف السيد الرضى على هذه الوجوه وجها آخر ، قال : وقد قيل : بقية الله أى عفو الله
عنكم ورحمته لكم بعد استحقاقكم العذاب ، كما يقول العرب المتحاربون بعضهم لبعض اذا استحر
فيهم القتل واعضلهم الخطب : البقية البقية أى نسألكم البقية علينا ، والبقية ههنا والابقاء بمعنى واحد .
( 2 ) مجمع البيان 5 : 187 - 188 . م
( 3 ) انوار التنزيل 1 : 224 . م ( * )
[379]
" وإليه أنيب " قال الطبرسي : أي إليه أرجع في المعاد ، أو إليه أرجع بعملي ونيتي
إي أعمالي كلها لوجه الله " لا يجر منكم شقاقي " أي لا يكسبنكم خلافي ومعاداتي " أن
يصيبكم " من عذاب العاجلة " وما قوم لوط منكم ببعيد " أي هم قريب منكم في الزمان ،
أو دارهم قريبة من داركم فجيب أن تتعظوا بهم " استغفروا " أي اطلبوا المغفرة من الله
ثم توصلوا إليها بالتوبة ، أو استغفروا للماضي واعزموا في المستقبل ، أو استغفروا ثم دوموا
على التوبة ، أو استغفروا علانية وأضمروا الندامة في القلب " ودود " أي محب لهم ، مريد
لمنافعهم ، أو متودد إليهم بكثرة إنعامه علهيم " ما نفقه " أي ما نفهم عنك معنى كثير من
كلامك ، أو لا نقبل كثيرا منه ولا نعمل به " ضعيفا " أي ضعيف البدن أو ضعيف البصر أو
مهينا ، وقيل : كان عليه السلام أعمى .
واختلف في أن النبي هل يجوز أن يكون أعمى ؟ فقيل : لا يجوز لان ذلك ينفر ;
وقيل : يجوز إن لا يكون فيه تنفير ويكون بمنزلة سائر العلل والامراض .
" ولولا رهطك لرجمناك " أي ولو لاحرمة عشيرتك لقتلناك بالحجارة ; وقيل : معناه :
لشتمناك وسببناك " وما أنت علينا بعزيز " أي لم ندع قتلك لعزتك علينا ولكن لاجل
قومك " ظهريا " أي اتخذتم الله وراء ظهوركم ، يعني نسيتموه ، ( 1 ) وقيل : الهاء عائدة
إلى ما جاء به شعيب " على مكانتكم " أي على حالتكم هذه ، وهذا تهديد في صورة الامر
" إني عامل " على ما أمرني ربي ; وقيل : إني عامل على ما أنا عليه من الانذار " وارتقبوا "
أي انتظروا ما وعدكم ربكم من العذاب ، إني معكم منتظر لذلك ، أو انتظروا مواعيد
الشيطان وأنا أنتظر مواعيد الرحمن .
وروي عن الرضا عليه السلام أنه قال : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج ! أما سمعت قول
العبد الصالح : وارتقبوا إني معكم رقيب .
" الصيحة " صاح بهم جبرئيل صيحة فماتوا ، قال البلخي : يجوز أن تكون الصيحة
صيحة على الحقيقة كما روي ، ويجوز أن يكون ضربا من العذاب تقول العرب : صاح الزمان
* ( هامش ) * ( 1 ) قال السيد : المراد انكم جعلتم امر الله سبحانه وراء ظهوركم ، وهذا معروف في لسان
العرب أن يقول الرجل منهم لمن أغفل قضاء حاجته : جعلت حاجتى وراه ظهرك . ( * )
[380]
بهم : إذا هلكوا " ألا بعدا " أي بعدوا من رحمة الله بعدا ; وقيل : أي هلاكا لهم كما هلكت
ثمود . ( 1 )
" أصحاب الايكة " هم أهل الشجر الذين ارسل إليهم شعيب ، وارسل إلى أهل
مدين فاهلكوا بالصيحة ، وأما أصحاب الايكة فاهلكوا بالظله التي احترقوا بنارها ،
وكانوا أصحاب غياض فعاقبهم الله بالحر سبعة أيام ، ثم أنشأ سحابة فاستظلوا بها يلتمسون
الروح فيها ، فلما اجتمعوا تحتها أرسل منها صاعقة فاحترقوا جميعا " فانتقمنا منهم " أي
من قوم شعيب وقوم لوط " وإنهما لبإمام مبين " أى إن مدينتي قوم لوط وأصحاب الايكة
بطريق يؤم ويتبع ويهتدى به ، أو إن حديث مدينتهما لمكتوب في اللوح المحفوظ . ( 2 )
" من المخسرين " أي من الناقصين للكيل والوزن " بالقسطاس المستقيم " أي بالميزان
السوي ، والجبلة : الخليفة " كسفا " أي قطعا ، والظلة : السحابة التي أظلتهم . ( 3 )
" وما كنت ثاويا " أي مقيما في قوم شعيب فتقرأ على أهل مكة خبرهم ، ولكنا
أرسلنا وأنزلنا عليك هذه الاخبار ، ولو لا ذلك لما علمتها ; أو أنك لم تشاهد قصص الانبياء
ولا تليت عليك ولكنا أوحيناها إليك فيدل ذلك على صحة نبوتك . ( 4 )
1 - ع : الطالقاني ، عن عمر بن يوسف بن سليمان ، عن القاسم بن إبراهيم الرقي
عن محمد بن أحمد بن مهدي الرقي ، عن عبدالرزاق ، عن عمر ، عن الزهري ، عن أنس قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بكى شعيب عليه السلام من حب الله عزوجل حتى عمي ، فرد الله عزو
جل عليه بصره ، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه
بصره ، فلما كانت الرابعة أوحى الله إليه : ياشعيب إلى متى يكون هذا ؟ أبدا منك ؟ إن
يكن هذا خوفا من النار فقد آجرتك ، ( 5 ) وإن يكن شوقا إلى الجنة فقد أبحتك ; فقال :
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 5 : 187 - 189 . م
( 2 ) مجمع البيان 6 : 343 . م
( 3 ) مجمع البيان 7 : 202 . وهو نقل بالمعنى اصل العبارة هكذا : " بالقسطاس المستقيم " اى
بالعدل الذى لا حيف فيه يعنى زنوا وزنا بجمع الايفاء والاستيفاء انتهى . م
( 4 ) مجمع البيان 7 : 257 . م
( 5 ) أى انفذتك . ( * )
[381]
إلهي وسيدي أنت تعلم أنى مابكيت خوفا من نارك ، ولا شوقا إلى جنتك ، ولكن عقد
حبك على قلبي فلست أصبر أوأراك ، فأوحى الله جل جلاله إليه : أما إذا كان هذا هكذا
فمن أجل هذا ساخدمك كليمي موسى بن عمران .
قال الصدوق رضي الله عنه : يعني بذلك : لا أزال أبكي أو أراك قد قبلتني
حبيبا . ( 1 )
بيان : كلمة " أو " بمعنى " إلى أن " أو " إلا أن " أي إلى أن يحصل لي غاية العرفان
والايقان المعبر عنها بالرؤية ، وهي رؤية القلب لا البصر ، والحاصل طلب كمال المعرفة
بحسب الاستعداد والقابلية والوسع والطاقة ، ( 2 ) وقد مضى توضيح ذلك في كتاب التوحيد .
2 - فس : بعث الله شعيبا إلى مدين وهي قرية على طريق الشام فلم يؤمنوا به ،
وحكى الله قولهم : " قالوا يا شعيب أصلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا " إلى قوله : الحليم
الرشيد " قال : قالوا : إنك لانت السفيه الجاهل ، فحكى الله عزوجل قولهم : " إنك لانت
الحليم الرشيد " وإنما أهلكهم الله تعالى بنقص المكيال والميزان . ( 3 )
بيان : قال البيضاوي في قوله تعالى : " إنك لانت الحليم الرشيد " تحكموا به و
قصدوا وصفه بضد ذلك ، أو عللوا إنكار ماسمعوا منه واستبعادهم بأنه موسوم بالحلم و
الرشد المانعين عن المبادرة إلى أمثال ذلك . انتهى . ( 4 )
أقول : ما ذكر في تفسير علي بن إبراهيم غير الوجهين ، وحاصله أنه تعالى عبر
عما قالوه بضد قولهم إيماء إلى أن ما قالوه مما لا يمكن ذكره لاستهجانه
وركاكته . ( 5 )
3 - فس : " وإنا لنراك فينا ضعيفا " وقد كان ضعف بصره " وارتقبوا " أي انتظروا
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : 30 - 31 . م
( 2 ) ويمكن أن يكون كناية عن الموت أى إلى أن أموت .
( 3 ) تفسير القمى 313 . م
( 4 ) انوار التنزيل 1 : 224 . م
( 5 ) وأمكن أن قالوا ذلك على سبيل الاستفهام انكارا عليه بأن ذلك لا يصدر عن الحليم الرشيد
فكانهم قالوا : " انت الحليم الرشيد مع قولك هذا ؟ ! ( * )
[382]
فبعث الله عليهم صيحة فماتوا ( 1 ) " وما كنت ثاويا " أي باقيا . ( 2 )
4 - فس : فكذبوه " قال : قوم شعيب " فأخذهم عذاب يوم الظلة " قال : يوم حر
وسمائم . ( 3 ) قوله : " أصحاب الايكة " الايكة : الغيضة من الشجر .
بيان : قال البيضاوي : أصحاب الايكة هم قوم شعيب ، كانوا يسكنون الغيضة ،
فبعثه الله إليهم فكذبوه فاهلكوا بالظلة ، والايكة : الشجر المتكاثفة . ( 4 )
5 - مع : أبي ، عن سعد ، عن سلمة بن الخطاب ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن
إبراهيم بن ميمون ، عن مصعب بن سعد ، عن الاصبغ ، عن علي عليه السلام في قول الله عزو
جل : " وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب " قال : نصيبهم من العذاب . ( 5 )
ايضاح : قال البيضاوي : أي قسطنا من العذاب الذي توعدنا به ، أو الجنة التي
تعد المؤمنين ، وهو من قطه : إذا قطعه ، ويقال للصحيفة الجائزة قط لانها قطعة من
القرطاس ، وقد فسر بها ، أي عجل لنا صحيفة أعمالنا ننظر فيها . ( 6 )
6 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي
عن ابن محبوب ، عن هشام ، عن سعد الاسكاف ، عن علي بن الحسين عليه السلام قال : إن أول
من عمل المكيال والميزان شعيب النبي عليه السلام : عمله بيده ، فكانوا يكيلون ويوفون ، ثم
إنهم بعد طففوا في المكيال وبخسوا في الميزان فأخذتهم الرجفة فعذبوا بها فأصبحوا في
دارهم جاثمين . ( 7 )
بيان : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " فأخذتهم الرجفة " أي فأخذ قوم شعيب
الزلزلة ، عن الكلبي ; وقيل : أرسل الله عليهم وقدة ( 8 ) وحرا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم فدخلوا
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القمى : 314 . م
( 2 ) تفسير القمى : 489 . م
( 3 ) تفسير القمى : 474 . م
( 4 ) انوار التنزيل 1 : 253 . م
( 5 ) معانى الاخبار : 67 . م
( 6 ) انوار التنزيل 2 : 138 وفيه : للنظر فيها . م
( 7 ) مخطوط .
( 8 ) الوقدة : النار . ( * )
[383]
أجواف البيوت فدخل عليهم البيوت ، فلم ينفعهم ظل ولا ماء ، وأنضجهم الحر ، فبعث الله
تعالى سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فتنادوا : عليكم
بها ، فخرجوا إلى البرية ، فلما اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم نارا ورجفت بهم
الارض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي ، وصاروا رمادا ، وهو عذاب يوم الظلة ، عن
ابن عباس وغيره من المفسرين .
وقيل : بعث الله عليهم صيحة واحدة فما توا بها ، عن أبي عبدالله عليه السلام . وقيل : إنه
كان لشعيب قومان : قوم أهلكوا بالرجفة ، وقوم هم أصحاب الظلة . ( 1 )
7 - ص : بهذا الاسناد عن ابن محبوب ، عن يحيى بن زكريا ، عن سهل بن سعيد
قال : بعثني هشام بن عبدالملك أستخرج له بئرا في رصافة عبدالملك ، ( 2 ) فحفرنا منها مائتي قامة ثم
بدت لنا جمجمة رجل طويل فحفرنا ماحولها فإذا رجل قائم على صخرة عليه ثياب بيض ، وإذا
كفه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه فكنا إذا نحينا يده عن رأسه سالت الدماء ، وإذا
تركناها عادت فسدت الجرح ، وإذا في ثوبه مكتوب : أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله إلى
قومه ( 3 ) فضربوني وأضروا بي وطرحوني في هذاالجب وهالوا إلي التراب . ( 4 ) فكتبنا
إلى هشام بما رأيناه ، فكتب : أعيدوا عليه التراب كما كان واحتفروا في مكان آخر . ( 5 )
يج : ذكر ابن بابويه في كتاب النبوة بإسناده عن سهل بن سعيد وذكر مثله .
8 - كنز الفوائد للكراجكي . عن عبدالرحمن بن زياد الافريقي قال : خرجت
بإفريقية مع عم لي إلى مزروع لنا ، قال : فحفرنا موضعا فأصبنا ترابا هشا ، ( 6 ) فحفرنا
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان 4 : 450 . م
( 2 ) بضم الراء ، ولعل الصحيح رصافة هشام بن عبدالملك ، قال ياقوت : هى في غربى الرقة
بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام وكان يسكها في
الصيف .
( 3 ) في نسخة : رسول رسول الله شعيب النبى إلى قومه .
( 4 ) أى صبوا على التراب .
( 5 ) مخطوط . م
( 6 ) الهش : الرخو اللين من كل شئ . وفى المصدر : فأصبنا ترابا هشا فطمحنا فيه فحفرنا . ( * )
[384]
عامة يومنا حتى انتهينا إلى بيت كهيئة الازج ، ( 1 ) فإذا فيه شيخ مسجى ، ( 2 ) وإذا
عند رأسه كتابة فقرأتها فإذا : أنا حسان بن سنان الاوزاعي رسول شعيب النبي عليه السلام
إلى أهل هذه البلاد ، دعوتهم إلي الايمان بالله فكذبوني وحبسوني في هذا الحفير إلى
أن يبعثني الله واخاصمهم يوم القيامة . ( 3 )
وذكروا أن سليمان بن عبدالملك مر بوادي القرى فأمر ببئر يحفر فيه ففعلوا
فانتهى إلى صخرة فاستخرجت فإذا تحتها رجل عليه قميصان ، واضع يده على رأسه ،
فجذبت يده فمج مكانها بدم ، ثم تركت فرجعت إلى مكانها فرقأ الدم ، ( 4 ) فإذا معه
كتاب فيه : أنا الحارث بن شعيب الغساني رسول شعيب إلى أهل مدين فكذبوني و
قتلوني ، ( 5 )
9 - ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى وهب قال : إن شعيبا النبي وأيوب
صلوات الله عليهما وبلعم بن باعوراء كانوا من ولد رهط ، آمنوا لابراهيم يوم احرق فنجا
وهاجروا معه إلى الشام ، فزوجهم بنات لوط ، فكل نبي كان قبل بني إسرائيل وبعد إبراهيم
عليه السلام من نسل اولئك الرهط ، فبعث الله شعيبا إلى أهل مدين ولم يكونوا فصيلة
شعيب ولا قبيلته التي كان منها ، ولكنهم كانوا امة من الامم بعث إليهم شعيب ، وكان عليهم
ملك جبار ، ولايطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ، ويبخسون
الناس أشياءهم مع كفرهم بالله ، وتكذيبهم لنبيه وعتوهم ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا
لانفهسم أووزنوا له ، فكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص مكائيلهم
وموازينهم ، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك : ما تقول فيما صنعت ؟ أراض أنت أم ساخط ؟
فقال شعيب : أوحى الله تعالى إلي أن الملك إذا صنع مثل ماصنعت يقال له : ملك فاجر ،
* ( هامش ) * ( 1 ) الازج : البيت يبنى طولا .
( 2 ) سجى الميت : مد عليه ثوبا .
( 3 و 5 ) كنز الفوائد : 179 - 180 . م
( 4 ) أى وانقطع وجف . ( * )
[385]
فكذبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته ، قال الله تعالى حكاية عنهم : " لنخرجنك يا شعيب
والذين آمنوا معك من قريتنا " فزادهم شعيب في الوعظ ، فقالوا : " يا شعيب أصلوتك
تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء " فآذوه بالنفي من بلادهم ،
فسلط الله عليهم الحر والغيم حتى أنضجهم الله ، فلبثوا فيه تسعة أيام ، وصار ماؤهم
حميعا ( 1 ) لا يستطيعون شربه ، فانطلقوا إلى غيضة ( 2 ) لهم وهو قوله تعالى : " وأصحاب
الايكة " فرفع الله لهم سحابة سوداء فاجتمعوا في ظلها ، فأرسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم
فلم ينج منهم أحدا ، وذلك قوله تعالى : " فأخذهم عذاب يوم الظلة " وإن رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا ذكر عنده شعيب قال : " ذلك خطيب الانبياء يوم القيامة " فلما أصاب قومه ما أصابهم
لحق شعيب والذين آمنوا معه بمكة ، فلم يزالوا بها حتى ماتوا .
والرواية الصحيحة أن شعيبا عليه السلام صار منها إلى مدين فأقام بها وبها لقيه موسى
ابن عمران صلوات الله عليهما . ( 3 )
توضيح : فصيلة الرجل : عشيرته ورهطه الادنون .
10 - ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ما جيلويه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن
ابن اورمة ، عن بعض أصحابنا ، عن سعيد بن جناح ، عن أيوب بن راشد رفعه إلى علي عليه السلام
قال : قيل : يا أمير المؤمنين حدثنا ، قال : إن شعيبا النبي عليه السلام دعا قومه إلى الله حتى
كبر سنه ، ودق عظمه ، ثم غاب عنهم ما شاء الله ، ثم عاد إليهم شابا ، فدعاهم إلى الله
تعالى فقالوا : ما صدقناك شيخا فكيف نصدقك شابا ؟ وكان علي عليه السلام يكرر عليهم الحديث
مرارا كثيرة . ( 4 )
11 - ص : بهذا الاسناد عن ابن اورمة ، عمن ذكره ، عن العلاء ، عن الفضيل قال :
قال أبوعبدالله عليه السلام : لم يبعث الله عزوجل من العرب إلا خمسة : ( 5 ) هودا وصالحا وإسماعيل
وشعيبا ومحمدا خاتم النبيين صلوات الله عليهم ، وكان شعيب بكاء . ( 6 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فصار ماؤها حميما .
( 2 ) الغيضة : مجتمع الشجر في مغيض الماء ، والمغيض : مجتمع الماء .
( 3 و 4 و 6 ) مخطوط . م
( 5 ) في نسخة : الا خمسة أنبياء . ( * )
[386]
12 - كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن
بشير بن عبدالله ، عن أبي عصمة قاضي مرو ، ( 1 ) عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أوحى
الله إلى شعيب النبي : أني معذب من قومك مائة ألف : أربعين ألفا من شرارهم ، وستين
ألفا من خيارهم ، فقال عليه السلام : يارب هؤلاء الاشرار فما بال الاخيار ؟ فأوحى الله عزوجل
إليه : داهنوا أهل المعاصى ولم يغضبوا لغضبي . ( 2 )
13 - ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن الطالقاني ، عن أحمد بن عمران ، عن يحيى
ابن عبدالحميد ، عن عيسى بن راشد ، عن علي بن خزيمة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي
الله عنه قال : إن الله تعالى بعث شعيبا إلى قومه وكان لهم ملك فأصابه منهم بلاء ، فلما
رأى الملك أن القوم قد خصبوا أرسل إلى عماله فحبسوا على الناس الطعام ، وأغلوا أسعارهم ،
ونقصوا مكائيلهم وموازينهم ، وبخسوا الناس أشياءهم ، وعتوا عن أمر ربهم ،


............................................................................
-بحار الانوار مجلد: 12 من ص 386 سطر 11 الى ص 388 سطر 16

فكانوا مفسدين في الارض ، فلما رأى ذلك شعيب عليه السلام قال لهم : " لا تنقصوا المكيال
والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط " فأرسل الملك
إليه بالانكار ، فقال شعيب : إنه منهي في كتاب الله تعالى والوحي الذي أوحى الله
إلي به ، إن الملك إذا كان بمنزلتك التي نزلتها ( 3 ) ينزل الله بساحته نقمته ، فلما سمع
الملك ذلك أخرجه من القرية ، فأرسل الله إليهم سحابة فأظلتهم ، فأرسل عليهم في بيوتهم
السموم ، وفي : طريقهم الشمس الحارة وفي القرية ، فجعلوا يخرجون من بيوتهم وينظرون
إلى السحابة التي قد أظلتهم من أسفلها ، فانطلقوا سريعا كلهم إلى أهل بيت كانوا يوفون
* ( هامش ) * ( 1 ) هو نوح بن أبى مريم أبوعصمة المروزى القرشى العامى المعروف بالجامع المترجم في
تقريب ابن حجر وغيره ; رموه بالكذب والوضع وهو الذى قال شيخنا الشهيد في كتابه الدراية
في حقه : ومن ذلك - أى من الروايات التى وضعتها الزهاد والصالحون حسبة - ما روى عن أبى عصمة
نوح بن أبي مريم المروزى أنه قيل له : من اين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن
سورة سورة وليس عند اصحاب عكرمة هذا ؟ فقال : انى رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن و
اشتغلوا بفقه ابى حنيفة ومعازى محمد بن اسحاق فوضعت الحديث حسبة ! وكان يقال لابى عصمة
هذا : الجامع ، فقال أبوحاتم بن حبان : جمع كل شئ الا الصدق ! انتهى . قلت : توفى سنة 173 .
( 2 ) فروع الكافى 1 : 343 وله صدر طويل . م
( 3 ) في نسخة : تنزلتها . ( * )
[387]
المكيال والميزان ولا يبخسون الناس أشياءهم ، فنصحهم الله ( 1 ) وأخرجهم من بين العصاة ،
ثم أرسل على أهل القرية من تلك السحابة عذابا ونارا فأهلكتهم ، وعاش شعيب عليه السلام مائتين
واثنين وأربعين سنة . ( 2 )
14 - شى : عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول
الله : " إني أريكم بخير " قال : كان سعرهم رخيصا . ( 3 )
تتميمم : قال صاحب الكامل : قيل : إن اسم شعيب يثرون بن صيفون بن عنقا بن
ثابت بن مدين بن إبراهيم ; وقيل : هو شعيب بن ميكيل من ولد مدين ; وقيل : لم يكن
شعيب من ولد إبراهيم وإنما هو من ولد بعض من آمن بإبراهيم وهاجر معه إلى الشام ،
ولكنه ابن بنت لوط ، فجدة شعيب ابنة لوط ، وكان ضرير البصر ، وهو معنى قوله : " وإنا
لنريك فينا ضعيفا " أي ضرير البصر ، وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا ذكره قال : " ذاك خطيب
الانبياء " بحسن مراجعته قومه ، وإن الله عزوجل أرسله إلى أهل مدين وهم أصحاب
الايكة ، والايكة : الشجر الملتف ، وكانوا أهل كفر بالله تعالى ، وبخس للناس في المكائيل
والموازين ، وإفساد لاموالهم ، وكان الله وسع عليهم في الرزق ، وبسط لهم في العيش استدراجا
لهم منه مع كفرهم بالله ، فقال لهم شعيب : " يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا
المكيال والميزان إني أريكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط " فلما طال تماديهم
في غيهم ( 4 ) وضلالتهم لم يزدهم تذكير شعيب إياهم وتحذيره عذاب الله إياهم إلا
تماديا ، ولما أراد الله إهلاكهم سلط عليهم عذاب يوم الظلة ، وهو ما ذكره ابن عباس
رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى : " فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم "
فقال : بعث الله عليهم وقدة وحرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هرابا إلى البرية ،
فبعث الله سبحانه عليهم سحابا فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها بردا ولذة ، فنادى بعضهم
بعضا حتى اجتمعوا تحتها فأرسل الله علبهم نارا ، قال عبدالله بن عباس : فذاك عذاب يوم
الظلة ; وقال قتادة : بعث الله شعيبا إلى امتين : إلى قومه أهل مدين ، وإلى أصحاب الايكة ؟
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : فنضحهم . ( 2 ) قصص الانبياء مخطوط . م
( 4 ) تفسير العياشى مخطوط . م ( 4 ) تمادى في غيه : دام على فعله ولج . ( * )
[388]
وكانت لايكة من جشر ملتف ; فلما أراد الله أن يعذبهم بعث عليهم حرا شديدا ، ورفع
لهم العذاب كأنه سحابة ، فلما دنت منهم خرجوا إليها وجاؤوها ، فلما كانوا تحتها أمطرت
عليهم نارا ، قال فكذلك قوله : " فأخذهم عذاب يوم الظلة " وأما أهل مدين فهم من ولد
مدين بن إبراهيم الخليل ، فعذبهم الله بالرجفة وهي الزلزلة فاهلكوا .
قال بعض العلماء : كانت قوم شعيب عطلوا حدا فوسع الله عليهم في الرزق ، ( 1 )
حتى إذا أراد إهلاكهم سلط عليهم حرا لا يستطيعون أن يتقاروا ، ولا ينفعهم ظل ولا ماء
حتى ذهب ذاهب منهم فاستظل تحت ظلة فوجد روحا ، فنادى أصحابه : هلموا إلى الروح
فذهبوا إليه سراعا حتى إذا اجتمعوا ألهبها الله عليهم نارا ، فذلك عذاب يوم الظلة . وقد
روى عامر ، عن ابن عباس أنه قال : من حدثك ما عذاب يوم الظلة فكذبه ; وقال مجاهد :
عذاب يوم الظلة هو إظلال العذاب على قوم شعيب ; وقال بريد بن أسلم في قوله تعالى :
" يا شعيب أصلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء " قال : مما
كان نهاهم عنه قطع الدراهم . ( 2 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش المطبوع : تم تعطلوا حدا فوسع الله عليهم الرزق ، فجعلوا كلما عطلوا حدا
وسع الله عليهم في الرزق ، كذا ذكره صاحب الكامل في تاريخه .
( 2 ) كامل التواريخ 1 : 54 - 55 . م