رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير(2)

16 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، والحسين بن محمد الاشعري، عن أحمد بن محمد بن عبدالله، عن يزيد بن عند الله، عمن حدثه قال: كتب أبوجعفر (ع) إلى سعد الخير: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله عزوجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله(3) ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله، وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة و صالح ومن معه من الصاعقة، وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب(4) من المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة، نبذوا طغيانهم من الايراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات، حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل الحمد وذموا أنفسهم على مافرطوا وهم أهل الذم وعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه وإنما

___________________________________
(2) في هامش غير واحد من النسخ: (وهو سعد بن عبدالملك الاموي صاحب نهر السعيد بالرحبة) وكانه من المؤلف رحمه الله كما يظهر من بعض النسخ حيث جعلها في المتن قبل ذكر الرسالة.
(3) عزب اي بعد، وفي بعض النسخ (نفي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله).
(4) العصب: جمع العصبة او هي من الرجال والخيل والطير ما بين العشرة إلى الاربعين؛ (آت).
(*)

[53]


يضل من لم يقبل منه هداه، ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله وكتب على نفسه الرحمة فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه وذلك من علم اليقين وعلم التقوى وكل امة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون(1) فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين، ثم ورثوه في السفه والصبا(2) فالامة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون، فبئس للظالمين بدلا ولاية الناس بعد ولاية الله(3) وثواب الناس بعد ثواب الله ورضا الناس بعد رضا الله فأصبحت الامة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة، معجبون مفتونون، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين إن نبيا من الانبياء كان يستكمل الطاعة(4)، ثم يعصي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد فخرج به من الجنة(5) وينبذ به في بطن

___________________________________
(1) اي جعلوا ولي الكتاب والقيم عليه والحاكم به الذين لا يعلمونه وجعلوهم رؤساء على انفسهم يتبعونهم في الفتاوى وغيرها؛ (آت).
(2) اي جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل او صبي غير عاقل وقوله: (بعد امر الله) اي صدوره او الاطلاع عليه او تركه، والورود والصدور كنايتان عن الاتيان للسؤال والاخذ والرجوع بالقبول؛ (آت).
(3) (ولاية الناس) هو المخصوص بالذم.
(4) اشار به إلى يونس عليه السلام. والمراد بعصيانه غضبه على قومه وهربه منهم بغير اذن ربه، روى انه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل ان يامره الله تعالى. واعلم ان العصيان هنا ترك الافضل والاولى وذلك لانه لم يكن هناك امر من الله تعلى حتى عصاه بترك الاتيان به او نهى منه حتى خالفه بارتكابه فاطلاق لفظ العصيان مجاز عن ترك الاولى والافضل وذلك بالنسبة إلى درجات كمالهم بمنزلة العصيان.
(5) اطلاق الجنة على الدنيا لعل بالاضافة إلى بطن الحوت. كما قاله الفيض رحمه الله.
(*)

[54]


الحوت، ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة، فاعرف أشباه الاحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين، ثم أعرف أشباههم من هذه الامة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده(1) فهم مع السادة والكبرة(2) فإذا تفرقت قادة الاهواء كانوا مع أكثرهم دنيا وذلك مبلغهم من العلم(3)، لا يزالون كذلك في طبع وطمع، لا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير، يصبر منهم العلماء على الاذى والتعنيف ويعيبون على العلماء بالتكليف والعلماء في أنفسهم خانة إن كتموا النصيحة إن رأوا تائها ضالا لا يهدونه أو ميتا لا يحيونه، فبئس ما يصنعون لان الله تبارك وتعالى أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن يأمروا بالمعروف وبما أمروابه وان ينهوا عما نهوا عنه وأن يتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الاثم والعدوان، فالعلماء من الجهال في جهد وجهاد إن وعظت قالوا: طغت وإن علموا الحق(5) الذي تركوا قالوا: خالفت وإن اعتزلوهم قالوا: فارقت وإن قالوا: هاتوا برهانكم على ما تحدثون قالوا: نافقت وإن أطاعوهم قالوا: عصيت الله عزوجل فهلك جهال فيما لا يعلمون، اميون فيما يتلون يصدقون بالكتاب عند التعريف(6) ويكذبون به عند التحريف، فلا ينكرون، اولئك أشباه الاحبار والرهبان قادة في الهوى، سادة في الردى وآخرون منهم جلوس بين الضلالة والهدى لا يعرفون إحدى الطائفتين من الاخرى، يقولون ما كان الناس يعرفون هذا ولا يدرون ما هو وصدقوا تركهم رسول الله

___________________________________
(1) انما شبه هؤلاء العباد وعلماء العوام المفتونين بالحطام بالاحبار والرهبان لشرائهم الدنيا بالاخرة بكتمانهم العلم وتحريفهم الكلم عن مواضعها واكلهم اموال الناس بالباطل وصدهم عن سبيل الله كما انهم كانواكذلك على ما وصفهم الله في القرآن في عدة مواضع والمراد بالسادة والكثرة السلاطين والحكام واعوانهم الظلمة؛ (في).
(2) في بعض النسخ (والكثرة).
(3) اشارة إلى الاية 31 من سورة النجم. والطبع بالتحريك: الرين وبالسكون: الختم.
(4) (منهم) اي من اشباه الاحبار والرهبان (العلماء) يعني العلماء بالله الربانيين. (بالتكليف) يعني تكليفهم بالحق (في)
(5) في بعض النسخ (عملوا الحق).
(6) في بعض النسخ (عند التحريف).
(*)

[55]


صلى الله عليه وآله على البيضاء(1) ليلها من نهارها، لم يظهر فيهم بدعة ولم يبدل فيهم سنة لا خلاف عندهم ولا اختلاف فلما غشى الناس ظلمة خطاياهم، صاروا إمامين داع إلى الله تبارك وتعالى وداع إلى النار فعند ذلك نطق الشيطان فعلا صوته على لسان أوليائه و كثر خيله ورجله(2) وشارك في المال والولد من أشركه فعمل بالبدعة وترك الكتاب والسنة ونطق أولياء الله بالحجة وأخذوا بالكتاب والحكمة فتفرق من ذلك اليوم أهل الحق وأهل الباطل وتخاذل(3) وتهادن أهل الهدى وتعاون أهل الضلالة حتى كانت الجماعة مع فلان وأشباهه فاعرف هذا الصنف وصنف آخر فأبصرهم رأي العين نجباء(4) وألزمهم حتى ترد اهلك، فإن الخاسرين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين.
إلى ههنا رواية الحسين وفي رواية محمد بن يحيى زيادة: لهم علم بالطريق فإن كان دونهم بلاء فلا تنظر إليهم فإن كان دونهم(5) عسف من أهل العسف وخسف(6) ودونهم بلاياتنقضي، ثم تصير إلى رخاء ثم اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض ولولا أتذهب بك الظنون عني(7) لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها ولنشرت لك أشياء من الحق كتمتها ولكني أتقيك وأستبقيك وليس الحليم الذي لا يتقي أحدافي مكان التقوى والحلم لباس العالم فلا تعرين منه والسلام.

___________________________________
(1) يعني الشريعة الواضح مجهولها عن معلومها وعالمها عن جاهلها.
(2) الخيل: جماعة الفرسان والرجل: جماعة المشاة اي اعوانه القوية والضعيفة؛ (آت).
(3) اي تركوا نصرة الحق.
وفي بعض النسخ (تخادن) من الخدن وهو الصديق. وتهادن من المهادنة بمعنى المصالح وفي بعض النسخ (تهاون) اي عن نصرة الحق وهذا انسب بالتخاذل كما ان التهادن انسب بالتخادن؛ (آت).
(4) بالنون والجيم والباء الموحدة وفي بعض النسخ (تحيا) من الحياة؛ (في).
(5) في بعض النسخ (اليه فان دونهم) وهو الصواب اي فلا ينظرون إلى البلاء لانه ينقضى ولا يبقى.
(6) العسف: الجور والظلم وهو في الاصل ان ياخذ المسافر على غير طريق ولا جادة ولا علم وقبل: هو ركوب الامر من غير روية. والخسف: النقصان والهوان.
وقوله: (ينقضى) جزاء الشرط؛ (في).
(7) أي يصير ظنك السئ بي سببا لانحرافك عني وعدم اصغائك الي بعد ذلك؛ (آت).
(*)