خطبة الطالوتية

5 - محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي قال: حدثنا عبدالله بن أيوب الاشعري عن عمر والاوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الهيثم بن التيهان أن أمير المؤمنين (ع) خطب الناس بالمدينة فقال: الحمد لله الذي لا إله إلا هو، كان حيا بلا كيف(1) ولم يكن له كان، ولا كان لكانه كيف، ولا كان له أين، ولا كان في شئ ولا كان على شئ ولا ابتدع لكانه مكانا، ولا قوي بعدما كون شيئا، ولاضعيفا قبل أن يكون شيئا، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا، ولا يشبه شيئا، ولا كان خلوا عن الملك قبل إنشائه، ولا يكون خلوا منه بعد ذهابه، كان إلها حيا بلا حياة، ومالكا قبل أن ينشئ شيئا، ومالكا بعد إنشائه للكون، وليس يكون لله كيف ولا أين ولا حد يعرف، ولا شئ يشبهه، وليهرم لطول بقائه، ولا يضعف لذعرة(2)، ولا يخاف كما تخاف خليقته من شئ ولكن سميع بغير سمع، وبصير بغير بصر، وقوي بغير قوة من خلقه، لا تدركه حدق الناظرين ولا يحيط بسمعه سمع السامعين، إذا أراد شيئا كان بلا مشورة ولا مظاهرة ولا مخابرة ولا يسأل أحدا عن شئ من خلقه أراده، لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فبلغ الرسالة وأنهج الدلالة صلى الله عليه وآله.

___________________________________
(1) أي بلا حياة زائدة يتكيف بها ولا كيفية من الكيفيات التي تتبع الحياة في المخلوقين، بل حياته علمه وقدرته وهما غير زائدتين على ذاته.
وقوله: (ولم يكن له كان) الظاهر ان (كان) اسم (لم يكن) لانه لما قال عليه السلام: (كان) او هم العبارة زمانا، فنفى عليه السلام ذلك بانه كان بلا زمان. او لان الكون يتبادر منه الحدوث عرفا ويخترع الوهم للكون مبدء ا فنفى عليه السلام ذلك بان وجوده تعالى ازلي لا يمكن ان يقال: حدث في ذلك الزمان فالمراد: ب‍ (كان) على التقديرين ما يفهم ويتبادر او يتوهم منه.
(2) في بعض النسخ (لا يصعق). والذعرة بالضم: الخوف وبالتحريك: الدهش.
(*)

[32]


ايها الامة التي خدعت فانخدعت وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواء‌ها وضربت في عشواء غوايتها وقد استبان لها الحق فصدت عنه(1) والطريق الواضح فتنكبته، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء بعذوبته وادخرتم الخير من موضعه وأخذتم الطريق من واضحه وسلكتم من الحق نهجه لنهجت(2) بكم السبل وبدت لكم الاعلام وأضاء لكم الاسلام فأكلتم رغدا(3) وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها(4) وسدت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم فأفتيتم في دين الله بغير علم واتبعتم الغواة فأغوتكم وتركتم الائمه فتركوكم، فأصبحتم تحكمون باهوائكم إذا ذكر الامر سألتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه فكيف وقد تركتموه ونبذتموم وخالفتموه؟(5) رويدا عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم وتجدون وخيم ما اجترمتم(6) وما اجتلبتم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم وأني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ووصي نبيكم وخيرة ربكم ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويدا ينزل بكم ما وعدتم وما نزل بالامم قبلكم وسيسألكم الله عزوجل عن أئمتكم، معهم تحشرون وإلى الله عزوجل غدا تصيرون، أما والله لو كان لي عدة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق فكان أرتق للفتق و آخذ بالرفق، اللهم فاحكم بيننا بالحق وانت خير الحاكمين.

___________________________________
(1) في بعض النسخ (صدعت).
(2) في بعض النسخ (لتنهجت) وفي بعضها (لابتهجت). والابتهاج: السرور ونهج اي وضح وتنهج قريب منه.
(3) اي واسعة طيبة.
(4) الرحب بالضم: السعة، اي مع سعتها.
(5) اي كيف ينفعكم هذا الاقرار والاذعان وقد تركتم متابعة قائله او كيف تقولون هذا مع انه مخالف لافعالكم؛ (آت).
(6) الاجترام: الاكتساب. والاجتلاب: جلب الشئ إلى النفس. وفي بعض النسخ (اجتنيتم) من اجتناء الثمرة او بمعنى كسب الجرم.
(*)

[33]


قال ثم خرج من المسجد فمر بصيرة(1) فيها نحو من ثلاثين شاة، فقال: والله لو أن لي رجالا ينصحون لله عزوجل ولرسوله بعدد هذه الشياه لازلت أبن أكلة الذبان(2) عن ملكه.
قال: فلما أمسى بايعه ثلاثمائة وستون رجلا على الموت فقال لهم أمير المؤمنين (ع): اغدوا بنا إلى أحجار الزيت(3) محلقين، وحلق أمير المؤمنين (ع) فما وافى من القوم محلقا إلا أبوذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وجاء سلمان في القوم، فرفع يده إلى السماء فقال: اللهم إن القوم استضعفوني كما استضعفت بنو إسرائيل هارون، اللهم فإنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى عليك شئ في الارض ولا في السماء، توفني مسلما وألحقنى بالصالحين، أما والبيت والمفضي(4) إلى البيت وفي نسخة والمزدلفة والخفاف إلى التجمير لو لا عهد عهده إلي النبي الامي صلى الله عليه وآله لاوردت المخالفين خليج المنية ولارسلت عليهم شآبيب صواعق الموت وعن قليل سيعملون.
6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبدالله (ع) إذ دخل عليه أبوبصير وقد خفره النفس(6) فلما أخذ مجلسه قاله له أبوعبدالله (ع): يا أبا محمد ما هذا النفس العالي؟ فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي مع أنني لست أدري ماأرد عليه من أمر آخرتي، فقال أبوعبدالله (ع): يا أبا محمد وإنك لتقول هذا؟ ! قال: جعلت فداك وكيف لا أقول هذا؟ ! فقال، يا أبا محمد أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم

___________________________________
(1) الصيرة: حظيرة تتخذ من الحجارة واغصان الشجرة للغنم والبقر.
(2) الذبان بالكسر والتشديد: جمع ذباب وكنى بابن آكلتها عن سلطان الوقت فانهم كانوا في الجاهلية ياكلون من كل خبيث نالوه؛ (في).
(3) احجار الزيت: موضع داخل المدينة.
(4) المفضى إلى البيت: ماسه بيده. والخفاف: سرعة الحركة. ولعل المراد بالتجمير رمى الجمار. والخليج: النهر؛ (في).
(5) شآبيب: جمع شؤبوب بالضم مهموزا وهو الدفعة من المطر؛ (آت).
(6) الخفر: الحث والاعجال.
(*)

[34]


ويستحيي من الكهول؟ قال: قلت: جعلت فداك فكيف يكرم الشباب ويستحيي من الكهول؟ فقال: يكرم الله الشباب أن يعذبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم، قال: قلت: جعلت فداك هذا لنا خاصة أم لاهل التوحيد؟ قال فقال: لا والله إلا لكم خاصة دون العالم، قال: قلت: جعلت فداك فإنا قد نبزنا نبزا(1) انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت له الولاة دماء‌نا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، قال: فقال أبوعبدالله (ع): الرافضة؟ قال: قال: قلت: نعم، قال: لا والله ما هم سموكم ولكن الله سماكم به(2) أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم فلحقوا بموسى (ع) لما استبان لهم هداه فسموا في عسكر موسى الرافضة لانهم رفضوا فرعون وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة وأشدهم حبا لموسى وهارون وذريتهما (ع) فأوحى الله عزوجل إلى موسى (ع) أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد سميتهم به ونحلتهم إياه، فأثبت موسى (ع) الاسم لهم ثم ذخر الله عزوجل لكم هذا الاسم حتى نحلكمون، يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبة فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله وذهبتم حيث ذهبوا و اخترتم من اختار الله لكم وأردتم من أراد الله فأبشروا ثم ابشروا، فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم، من لم يأت الله عزوجل بما انتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز له عن سيئة، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد إن لله عزوجل ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق في أوان سقوطه وذلك قوله عزوجل: " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم. ويستغفرون للذين آمنوا(3) " استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا

___________________________________
(1) النبز بالتحريك: اللقب.
(2) في بعض النسخ (بل الله سماكم به).
(3) المؤمن: 7.
(*)

[35]


الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا(1) " إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره: " وما وجدنا لاكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين(2) " يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: " إخوانا على سرر متقابلين(3) " والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد " الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين(4) " والله ما أراد بهذا غيركم، يا أبا محمد فهل سررتك قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عزوجل وشيعتنا و عدونا في آية من كتابه فقال عزوجل: " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر اولوا الالباب(5) " فنحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون و شيعتنا هم أولوا الالباب، يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدنى، فقال: يا أبا محمد والله ما استثنى الله عزوجل بأحد من أوصياء الانبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين (ع) وشيعته فقال في كتابه وقوله الحق: " يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا " ولا هم ينصرون.
إلا من رحم الله(6) " يعني بذلك عليا (ع) وشيعته، يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله تعالى في كتابه إذ يقول: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم(7) " والله ما أراد بهذا غيركم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان(8) " والله ما أراد بهذا إلا الائمة (عل) وشيعتهم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: " فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن

___________________________________
(1) الاحزاب: 23.
(2) الاعراف: 102.
(3) الحجر: 47.
(4) الزخرف: 67.
(5) الزمر: 9.
(6) الدخان 42 و 43.
(7) الزمر: 53.
(8) الحجر: 42.
(*)

[36]


اولئك رفيقا(1) " فرسول الله صلى الله عليه وآله في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله عزوجل، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوكم في النار بقوله: " وقالوا مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار.
إتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار(2) " والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم، صرتم عند أهل هذا العالم شرار الناس وأنتم والله في الجنة تحبرون(3) وفى النار تطلبون با ابا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا وما من آية نزلت تذكر أهلها بشر ولا تسوق إلى النار إلا وهي في عدونا ومن خالفنا، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك، زدني، فقال: يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسائر الناس من ذلك براء(4) يا أبا محمد فهل سررتك؟ وفي رواية اخرى فقال: حسبي.

________________________________________
(1) النساء: 69.
(2) ص: 62 و 63.
(3) اي تكرمون وتنعمون وتسرون.
(4) براء ككرام وفي بعض النسخ (براء) كفقهاء وكلاهما جمع بريئ.