خطبة لامير المؤمنين عليه السلام

550 - علي بن الحسن المودب، عن أحمد بن محمد بن خالد، وأحمد بن محمد(2)، عن علي بن الحسن التيمي جميعا، عن إسماعيل بن مهران قال: حدثنى عبدالله بن الحارث، عن جابر، عن أبي جعفر (ع) قال: خطب أمير المؤمنين (ع) الناس بصفين فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: أما بعد فقد جعل الله تعالى لي عليكم حقا بولاية أمركم(3) ومنزلتي التي أنزلني الله عز ذكره بها منكم ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم والحق أجمل الاشياء في التواصف وأوسعها في التناصف(4) لا يجري لاحد إلا جرى عليه ولا يجري عليه إلا

___________________________________
(2) احمد بن محمد عطف على علي بن الحسن وهو العاصمي والتيمي هو ابن فضال وقل من تفطن لذلك؛ (آت). وفي بعض النسخ (احمد بن محمد بن احمد) وفي بعضها (على بن الحسين المؤدب).
(3) الذي له عليهم من الحق هو وجوب طاعته وامحاض نصيحته والذي لهم عليه من الحق هو وجوب معدلته فيهم؛ (في).
(4) التواصف ان يصف بعضهم لبعض والتناصف ان ينصف بعضهم بعضا وانما كان الحق اجمل الاشياء في التواصف لانه يوصف بالحسن والوجوب وكل جميل وانما كان اوسعها في التناصف لان الناس لو تناصفوا في الحقوق لما ضاق عليهما مر من الامور وفي النهج (والحق اوسع الاشياء في التواصف واضيقها في التناصف) وهو اوضع معناه ان الناس كلهم يصفون الحق ولكن لا ينصف بعضهم بعضا (في). وفي بعض النسخ (التراصف) موضع التواصف. (*)

[353]


جرى له ولو كان لاحد أن يجري ذلك له ولا يجري عليه لكان ذلك لله عزوجل خالصا دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرت عليه ضروب قضائه(1) ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل كفارتهم(2) عليه بحسن الثواب تفضلا منه وتطولا بكرمه وتوسعا بما هو من المزيد له أهلا، ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافى(3) في وجوهها ويوجب بعضها بعضا ولا يستوجب بعضها إلا ببعض(4)، فأعظم مما افترض الله تبارك وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله عزوجل لكل على كل فجعلها نظام الفتهم وعزا لدينهم(5) وقواما لسنن الحق فيهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم فقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن(6) فصلح بذلك الزمان وطاب به العيش وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الاعداء وإذا غلبت الرعية واليهم وعلا الوالي الرعية اختلفت هنالك الكلمة وظهرت

___________________________________
(1) اي انواعة المتغيرة المتوالية وفي بعض النسخ (صروف قضائه).
(2) انما سمى جزاؤه تعالى على الطاعة كفارة لانه يكفر ما يزعمون من ان طاعتهم له تعالى حق لهم عليه يستوجبون به الثواب مع انه ليس كذلك لان الحق له عليهم حيث اقدرهم على الطاعة والهمهم اياها ولهذا سماه التفضل والتطول والتوسع بالانعام الذي هو للمزيد منه اهل لانه الكريم الذي لا تنفد خزائنه بالاعطاء والجود تعالى مجده وتقدس وفي نهج البلاغة (وجعل جزاء‌هم عليه) وعلى هذا فلا يحتاج إلى التكليف؛ (في).
(3) اي جعل كل وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله، فحق الوالي وهو الطاعة من الرعية مقابل بمثله وهو العدل فيهم وحسن السيرة؛ (آت).
(4) كما ان الوالي إذا لم يعدل لم يستحق الطاعة؛ (آت).
(5) فانها سبب اجتماعهم به ويقهرون اعدائهم ويغز دينهم. وقوله: (قواما) اي به يقوم جريان الحق فيهم وبينهم؛ (آت).
(6) في القاموس: ذل الطريق بالكسر: محجته. وامور الله جارية اذلالها وعلى اذلالها اي مجاريها جمع ذل بالكسر. (*)

[354]


مطامع الجور وكثر الادغال في الدين وتركت معالم السنن(1) فعمل بالهواء وعطلت الآثار وكثرت علل النفوس(2) ولا يستوحش لجسيم حد عطل ولا لعظيم باطل اثل فهنالك تذل الابرار وتعز الاشرار وتخرب البلاد(3) وتعظم تبعات الله عزوجل عند العباد فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عزوجل والقيام بعدله والوفاء بعهده والانصاف له في جميع حقه، فإنه ليس العباد إلى شئ أحوج منهم إلى التناصح في ذلك وحسن التعاون عليه وليس أحد وإن اشتد على رضى الله حرصه وطال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله ولكن من واجب حقوق الله عزوجل على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم والتعاون على إقامة الحق فيهم، ثم ليس امرء وإن عظمت في الحق منزلته وجسمت في الحق فضيلته بمستغن عن أن يعان على ما حمله الله عزوجل من حقه ولا لامرئ مع ذلك خسئت به الامور واقتحمته العيون(4) بدون ما أن يعين على ذلك ويعان عليه وأهل الفضيلة في الحال وأهل النعم العظام أكثر في ذلك حاجة وكل في الحاجة إلى الله عزوجل شرع سواء(5).

__________________________________
(1) الادغال: بكسر الهمزة وهو ان يدخل في الشئ ما ليس منه وهو الابداع والتلبيس او بفتحها جمع الدغل بالتحريك: الفساد؛ (آت).
(2) قال البحراني: علل النفوس امراضها بملكات السوء كالغل والحسد والعدوات ونحوها و قيل: عللها وجوه ارتكابها للمنكرات فتاتي في كل منكر بوجه ورأي فاسد.
(3) التأثيل: التأصيل ومجد مؤثل اي مجموع ذو أصل وفي النهج (فعل) مكان اثل.
والتبعة ما يتبع اعمال العباد من العقاب وسوء العاقبة.
(4) (ولا لامرئ) يعني مع عدم الاستغناء عن الاستعانة وقوله: (خسئت به الامور) يقال: خسئت والكلب خسا طردته وخسأ الكلب بنفسه يتعذى ولا يتعدى. وقد تعدى بالباء اي طردته الامور او يكون بالباء للسببية اي بعدت بسببه الامور؛ (آت). وفي بعض النسخ (حست) بالمهملتين اي اختبرته. واقتحمه: احتقره. وفي النهج (ولا امرؤ وان صغرته النفوس واقتحمته العيون). وقوله: (بدون ما ان يعين) اي باقل من ان يستعان به ويعان والحاصل ان الشريف والوضيع جميعا محتاجون في اداء الحقوق إلى اعانة بعضهم بعضا واستعانة بعضهم ببعض وكل من كانت النعمة عليه اعظم فاحتياجه في ذلك اكثر لان الحقوق عليه اوفر لازدياد الحقوق بحسب ازدياد النعم (في)
(5) (سواء) بيان لقوله: (شرع) وتاكيد وانما ذكره عليه السلام ذلك لئلا يتوهم انهم يستغنون باعانة بعضهم بعضا عن ربهم تعالى بل هو الموفق والمعين لهم في جميع امورهم ولا يستغنون بشئ عن الله تعالى وانما كلفهم بذلك ليختبر طاعتهم ويثيبهم على ذلك واقتضت حكمته البالغة ان يجري الاشياء باسبابها وهو المسبب لها والقادر على امضائها بلا سبب؛ (آت).
(*)

[355]


فأجابه رجل من عسكره لا يدري من هو ويقال: إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم ولا بعده.
فقام وأحسن الثناء على الله عزوجل بما أبلاهم وأعطاهم من واجب حقه عليهم والاقرار(1) بكل ما ذكر من تصرف الحالات به وبهم.
ثم قال: أنت أميرنا ونحن رعيتك بك أخرجنا الله عزوجل من الذل وباعزازك أطلق عباده من الغل(2).
فاختر علينا وامض اختيارك وائتمر فأمض ائتمارك(3) فإنك القائل المصدق والحاكم الموفق والملك المخول،(4) لا نستحل في شئ معصيتك ولا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك(5) خطرك ويجل عنه في أنفسنا فضلك.
فأجابه أمير المؤمنين (ع).
فقال: إن من حق من عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من قبله أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه و لطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما وإن من أسخف حالاة الولاة عند صالح الناس(6) أن يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني احب الاطراء(7) واستماع الثناء

___________________________________
(1) (ابلاهم): انعمهم. (من واجب حقه) يعني من حق امير المؤمنين عليه السلام؛ (في).
(2) اشار به إلى قوله تعالى: (ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم) اي يخفف عنهم ما كانوا به من التكاليف الشاقة؛ (في).
(3) من الايتمار بمعنى المشاورة.
(4) اي الملك الذي اعطاك الله للامرة علينا وجعلنا خدمك وتبعك؛ (آت).
(5) اي في العلم بان تكون كلمة (في) تعليلية ويحتمل ان يكون اشارة إلى مادل عليه الكلام من اطاعته عليه السلام. والخطر: القدر والمنزلة؛ (آت).
(6) السخف: رقة العيش ورقة العقل والسخافة رقة كل شئ اي اضعف احوال الولاة عند الرعية ان يكونوا متهمين عندهم بهذا الخصلة المذمومة؛ (آت).
(7) جال بالجيم من الجولان بالواو. والاطراء: مجاوزة الحد في الثناء.
(*)

[356]


ولست بحمد الله كذلك ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء وربما استحلى الناس(2) الثناء بعد البلاء.
فلا تثنوا علي بجميل ثناء لاخراجي نفسي إلى الله وإليكم(3) من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها وفرائض لا بد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة(4) ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عني مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق ماأن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي(5) إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون

___________________________________
(1) اي تواضعا له تعالى وفي بعض النسخ القديمة (ولو كنت أحب ان يقال ذلك لتناهيت له اغنانا الله وإياكم عن تناول ماهو احق به من التعاظم وحسن الثناء) والتناهي: قبول النهي و الضمير في (له) راجع إلى الله تعالى وفي النهج كما في النسخ المشهورة؛ (آت).
(2) يقال: استحلاه اي وجده حلوا قال ابن ميثم رحمه الله: هذا يجري مجرى تمهيد العذر لمن اثنى عليه، فكأنه يقول: وانت معذور في ذلك حيث رأيتني أجاهد في الله واحث الناس على ذلك ومن عادة الناس ان يستهل الثناء عند ان يبلو بلاء ا حسنا في جهاد او غيره من سائر الطاعات ثم اجاب ان هذا العذر في نفسه بقوله: (ولا تثنوا علي بجميل ثناء) اي لا تثنوا علي لاجل ما ترونه مني من طاعة الله فان ذلك انماهو اخراج لنفسي إلى الله من حقوقه الباقية علي لم افرغ بعد من ادائها وهي حقوق نعمه وفرائضه التي لا بد من المضي فيها وكذلك اليكم من الحقوق التي اوجبها الله علي من النصيحة في الدين والارشاد إلى الطريق الافضل والتعليم لكيفية سلوكه.
(3) اي لاعترافي بين يدي الله وبمحضر منكم، ان علي حقوقا في ايالتكم ورياستي عليكم لم اقم بها بعد وارجو من الله القيام بها وفي بعض النسخ (من التقية) يعني من ان يتقوني في مطالبة حقوق لكم لم افرغ من ادائها وعلى هذا يكون المراد بمستحلى الثناء الذين يثنيهم الناس اتقاء شرهم وخوفا من بأسهم؛ (في).
(4) أهل البادرة الملوك والسلاطين. والبادرة: الحدة والكلام الذي يسبق من الانسان في الغضب اي لا تثنوا علي كما يثنى على اهل الحدة من الملوك خوفا من سطوتهم او لا تحتشموا مني كما يحتشم من السلاطين والامراء كترك المسارة والحديث اجلالا وخوفا منهم وترك مشاورتهم او اعلامهم والامراء كترك المسارة والحديث اجلالا وخوفا منهم وترك مشاورتهم او اعلامهم ببعض الامور والقيام بين ايديهم؛ (آت). والمصانعة: الرشوة والمداراة.
(5) هذا من قبيل هضم النفس، ليس بنفي العصمة مع ان الاستثناء يكفينا مؤونة ذلك؛ (في). وقال المجلسي رحمه الله هذا من الانقطاع إلى الله والتواضع الباعث لهم على الانبساط معه بقول الحق وعد نفسه من المقصرين في مقام العبودية والاقرار بان عصمته من نعمه تعالى عليه. (*)

[357]


لرب لا رب غيره، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه(1) إلى ماصلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى.
فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل.
فقال: أنت أهل ما قلت والله والله فوق ما قلته فبلاؤه عندنا ما لا يكفر(2) وقد حملك الله تبارك وتعالى رعايتنا وولاك سياسة أمورنا، فأصبح علمنا الذي نهتدي به وإمامنا الذي نقتدي به وأمرك كله رشد وقولك كله أدب، قد قرت بك في الحياة أعيننا و امتلاء‌ت من سرور بك قلوبنا وتحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل(3) عقولنا ولسنا نقول لك: أيها الامام الصالح تزكية لك ولا نجاوز القصد في الثناء عليك ولم يكن(4) في أنفسنا طعن على يقينك أو غش في دينك فنتخوف أن تكون احدثت بنعمة الله تبارك وتعالى تجبرا أو دخلك كبر ولكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى الله عزوجل بتوقيرك وتوسعها بتفضيلك وشكر ا بإعظام أمرك، فانطر لنفسك ولنا وآثر أمر الله على نفسك وعلينا، فنحن طوع فيما أمرتنا ننقاد من الامور مع ذلك فيما ينفعنا.
فأجابه أمير المؤمنين (ع).
فقال: وأنا أستشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وليت به من اموركم وعما قليل يجمعني وإياكم الموقف بين يديه والسؤال عما كنا فيه، ثم يشهد بعضنا

___________________________________
(1) اي من الجهالة وعدم العلم والمعرفة والكمالات التي يسرها الله تعالى لنا ببعثة الرسول صلى الله عليه وآله قال ابن ابي الحديد: ليس هذا اشارة إلى خاص نفسه عليه السلام لانه لم يكن كافرا فاسلم ولكنه كلام يقوله ويشير به إلى القوم الذين يخاطبهم في افناء الناس فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسعا؛ (آت).
(2) اي نعمته عندنا وافرة بحيث لا نستطيع كفرها وسترها او لا يجوز كفرانها وترك شكرها؛ (آت).
(3) برع في الشئ فاق أقرانه فيه.
(4) قال المجلسي رحمه الله: (لم يكن) على بناء المجهول من كننت الشئ: سترته. او (بفتح الياء وكسر الكاف من وكنت الطائر بيضه يكنه إذا حضنه وفي بعض النسخ (لم يكن) وفي النسخة القديمة (لن يكون).
(*)

[358]


على بعض فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا فإن الله عزوجل لا يخفى عليه خافية ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الامور.
فأجابه الرجل ويقال: لم ير الرجل بعد كلامه هذا لامير المؤمنين (ع) فأجابه وقد عال الذي(1) في صدره فقال والبكاء يقطع منطقه وغصص الشجا تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته ووحشة من كون فجيعته(2).
فحمد الله وأثنى عليه، ثم شكا إليه هول ما أشفى عليه(3) من الخطر العظيم و الذل الطويل في فساد زمانه وانقلاب حده(4) وانقطاع ما كان من دولته ثم نصب المسألة إلى الله عزوجل بالامتنان عليه والمدافعة عنه بالتفجيع وحسن الثناء فقال: يا رباني العباد ويا سكن البلاد(5) أين يقع قولنامن فضلك وأين يبلغ وصفنا من فعلك وأنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل بلائك فكيف وبك جرت نعم الله علينا و على يدك اتصلت أسباب الخير إلينا، ألم تكن لذل الذليل ملاذا وللعصاة الكفار إخوانا(6)؟ فبمن إلا بأهل بيتك وبك أخرجنا الله عزوجل من فظاعة تلك الخطرات؟ أو بمن فرج عنا غمرات الكربات؟(7) وبمن؟ إلا بكم أظهر الله معالم ديننا واستصلح ما كان فسد من دنيانا حتى استبان بعد الجور ذكرنا(8) وقرت من رخاء العيش أعيننا لما

___________________________________
(1) عال بالمهملة اشتد وتفاقم وغلبه وثقل عليه واهمه؛ (في).
(2) الغصة بالضم: ما اعترض في الحلق وكذا الشجا. والمرزئة: المصيبة وكذا الفجيعة والضميران راجعان إلى امير المؤمنين عليه السلام.
(3) اي اشرف عليه والضمير في قوله: (اليه) راجع إلى الله تعالى.
(4) الجد: البحث والتفجع والتضرع.
(5) السكن بالتحريك: كل ما يسكن اليه وفي بعض النسخ (يا ساكن البلاد).
(6) اي كنت تعاشر من يعصيك ويكفر نعمتك معاشرة الاخوان شفقة منك عليهم او المراد الشفقة على الكفار والعصاة والاهتمام في هدايتهم ويحتمل ان يكون المراد المنافقين الذين كانوا في عسكره وكان يلزمه رعايتهم بظاهر الشرع؛ (آت).
(7) الفظاعة: الشناعة. وفظاعة تلك الخطرات: شناعتها وشدتها والغمرات الشدائد والمزدحمات.
(8) قال الجوهري: نعوذ بالله من الحور عد الكور اى من النقصان بعد الزيادة. وفي بعض النسخ (بعد الجور) بالمعجمة.
(*)

[359]


وليتنا بالاحسان جهدك ووفيت لنا بجميع وعدك وقمت لنا على جميع عهدك فكنت شاهد من غاب منا وخلف أهل البيت لنا وكنت عز ضعفائنا وثمال فقرائنا(1) وعماد عظمائنا، يجمعنا في الامور عدلك ويتسع لنا في الحق تأنيك(2)، فكنت لنا انسا إذا رأيناك وسكنا إذا ذكرناك، فأي الخيرات لم تفعل؟ وأي الصالحات لم تعمل؟ ولو لا أن الامر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحويله جهدنا(3) وتقوي لمدافعته طاقتنا أو يجوز الفداء عنك وبمن نفديه بالنفوس من أبنائنا لقدمنا أنفسنا وأبناء‌نا قبلك ولاخطرناها(4) وقل خطرها دونك ولقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك وفي مدافعة من ناواك(5) ولكنه سلطان لا يحاول وعز لا يزاول(6) ورب لا يغالب، فإن يمنن علينا بعافيتك ويترحم علينا ببقائك ويتحنن علينا بتفريج(7) هذا من حالك إلى سلامة منك لنا وبقاء منك بين أظهرنا نحدث لله عزوجل بذلك شكرا نعظمه، وذكرا نديمه(8) ونقسم أنصاف أموالنا صدقات وأنصاف رقيقنا عتقاء(9) ونحدث له تواضعا في أنفسنا ونخشع في جميع أمورنا وإن يمض بك إلى الجنان ويجري عليك حتم سبيله فغير متهم فيك قضاؤه ولا مدفوع عنك بلاؤه ولا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره

___________________________________
(1) الثمال بالكسر: الملجأ والغياث وقيل: هو المطعم في الشدة. (النهاية)
(2) اي صار مداراتك وتأنيك وعدم مبادرتك في الحكم علينا بما نستحقه سببا لوسعة الحق علينا وعدم تضيق الامور بنا (آت)
(3) في بعض النسخ (تحريكه) اي تغييره وصرفه.
(4) اي جعلناها في معرض المخاطرة والهلاك او صيرناها خطرا ورهنا وعوضا لك قال الجزري: فيه: الاهل مشمر للجنة فان الجنة لا خطر لها. اي لا عوض لها ولا مثل. والخطر بالتحريك في الاصل: الرهن وما يخاطر عليه ومثل الشئ وعدله ولا يقال الا في الشئ الذي له قدر ومزية؛ (آت).
(5) (حاولك) اي قصدك. و (ناواك) اي عاداك. وقوله: (ولكنه) اي الرب تعالى.
(6) اي ذو عز وغلبة. وزاوله اي حاوله وطالبه.
(7) في بعض النسخ (بتفريح).
(8) الضميران راجعان إلى الشكر والذكر.
(9) الرقيق: المملوك.
(*)

[360]


لك ما عنده على ما كنت فيه ولكنا نبكي من غر إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليلا(1) وللدين والدنيا أكيلا(2) فلا نرى لك خلفا نشكوا إليه ولا نظيرا نأمله ولانقيمه(3).

________________________________________
(1) في اكثر النسخ (لعز هذا السلطان) فقوله (لعز) متعلق بالبكاء و (ان يعود) بدل اشتمال له اي نبكي لتبدل عز هذا السلطان ذلا؛ (آت). وفي بعض النسخ (لعن الله هذا السلطان) اي هذه السطنة التي لا تكون صاحبها.
(2) الاكيل يكون بمعنى المأكول وبمعنى الاكل والمراد هنا الثاني.
(3) كأن الرجل كان هو الخضر عليه السلام؛ (في).