حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام

30 - محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمار قال: حدثني رجل من أصحابنا، عن الحكم بن عتيبة قال: بينما أنا مع أبي جعفر (ع) والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكؤ على عنزة له(1) حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك با ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم سكت فقال أبوجعفر (ع): وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعا وردوا عليه السلام ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر (ع) ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فوالله إني لاحبكم وأحب من يحبكم ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا (والله) إني لابغض عدوكم وأبرأ منه ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لو تر كان(2) بيني وبينه والله إني لاحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبوجعفر (ع): إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه ثم قال: أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين (ع) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي (ع): إن تمت ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى علي والحسن و الحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ولو قد بلغت نفسك ههنا وأهوى بيده إلى حلقه وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الاعلى، [ف‍] قال الشيخ: كيف قلت: يا

___________________________________
(1) العنزة عصا في رأسها حديد. وهي بالتحريك اطول من العصا واقصر من الرمح.
(2) الوتر: الذحل وهو: الحقد والعداوة. وايضا: الجناية.
(*)

[77]


أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين (عل) وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى ههنا وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الاعلى؟ ! ثم أقبل الشيخ ينتحب، ينشج(1) هاهاها حتى لصق بالارض وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ وأقبل أبوجعفر (ع) يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها(2)، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لابي جعفر (ع): يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عيينه وخده، ثم حسر عن بطنه(3) وصدره فوضع يده على بطنه وصدره، ثم قام فقال: السلام عليكم وأقبل أبوجعفر (ع) ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.
فقال: الحكم بن عتيبة لم أر ماتما قط يشبه ذلك المجلس.

___________________________________
(1) النحب والنحيب والانتحاب: البكاء بصوت طويل. والنشج: صوت معه توجع وبكاء كما يردد الصبي بكاء‌ه في صدره. (النهاية).
(2) حملاق العين بالكسر والضم وكعصور: باطن اجفانها الذي يسود بالكحلة او ما غطته الاجفان من بياض المقلة او باطن الجفن الاحمر الذي إذا قلب للكحل رايت حمرته او ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن جمع حماليق؛ (القاموس).
(3) اي كشف.